الشهادة


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-07

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


الفهرس

 

الفهرس

5

المقدمة

7

الفصل الأول:فضل الشهيد

9

أحبُّ قطرةإلىالله

11

لاتقولواأمواتاً

12

لقاءالمحبوب

13

الشهيدفيالدنيافخروعزّ

15

الشهيدفيالبرزخ

15

الشهيدفيالحساب

17

مقامالشهيدفيالجنّة

18

الفصلالثانيحقيقة الشهادة

21

ماهوالنصرالحقيقيّ؟

23

الهدفالحقيقيّوالهدفالزائف

24

الشهادةفوزونصر

25

الشهادةسعادة

26

 

 

 

 

 

5


1

الفهرس

 

الفصلالثالث كيف تكون شهيداً؟

29

كيف نكون أهلا ًللشهادة؟

31

الشهيدالحيّ

40

الفصلالرابع مجتمع الشهداء الأحياء

41

الشهادةلاتغيّرالأعمار

47

الفصلالخامس حفظدماءالشهداء

53

إحياءذكرىالشهداء

55

زيارةقبورهم

56

حفظعوائلهم

56

إيصالصوتهموإبلاغرسالتهم

57

حفظالمنجزات

57

متابعةالطريق

58

كلمةأخيرة

58

 

 

 

 

 

6


2

المقدمة

 المقدمة

 
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمّد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين.

الشهيد هو قلب التاريخ النابض بالحياة، وكما يهب القلب الحياة والدم للشرايين اليابسة، تكون الشهادة دماً يجري في شرايين مجتمع يسرع نحو الموت، ويفقد أبناءه الثقة والإيمان بالقيم، مجتمع آثر الاستسلام، وتناسى المسؤولية.

إنّ الشهادة تعطي مثل هذا المجتمع دماً وولادة وحركة جديدة، وأكبر معاجز الشهادة هي إيصال الحياة والدماء إلى الأجزاء الميتة من ذلك المجتمع، من أجل ولادة جيل جديد وإيمان ووعي جديدين.

الشهادة هي أوّلاً وأخيراً، حضور دائم في ساحة المعركة التاريخية الناشبة بين الحق والباطل.

والشهادة مهما ذكرنا عن عطاءاتها سنبقى قاصرين عن بلوغ كنهها، كما يقول الإمام الخميني قدس سره:

"نحن والكتّاب والخطباء والبلغاء، إذا أردنا إحصاء قيمة وأجر عمل الشهداء والمجاهدين في سبيل الله وتضحياتهم وسعة نتائج
 
 
 
 
 
 
 
7

3

المقدمة

  شهاداتهم، لا بُدّ أن نعترف بالعجز، فما بالنا إذا أردنا إحصاء المراتب المعنويّة والمسائل الإنسانيّة والإلهيّة المرتبطة بالشهادة، هنالك العجز والتواني بلا ريب"1.

 
 
                                                                                                            مركز نون للتأليف والترجمة
 
 
 

1- الإمام الخميني قدس سره صحيفة نور جزء 20 صفحة 188
 
 
 
 
 
 
 
 
8

4

الفصل الأول: فضل الشهيد

 أحبُّ قطرة إلى الله

 
عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "ما من قطرة أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من قطرتين: قطرة دم في سبيل الله وقطرة دمعة في سواد الليل لا يريد بها العبد إلّا الله عزّ وجلّ"1.
 
إنّ قطرة الدماء تلك ربّما تكون قطرة من جهة الحجم، ولكنّها ليست كباقي القطرات، إنّها تختصر كلّ شيء، إنّها التوحيد الحقيقي الّذي نطق به لسان العمل مع كلّ ما يتفرّع عنه، هي إثبات الإخلاص حيث يرفع الإنسان يديه عن كلّ شيء ليتوجّه نحو خالق كلّ شيء، هي تكبيرة الإحرام العمليّة الّتي يرفع فيها المؤمن يده تعبيراً عن نفض يديه من كلّ شيء، من الدنيا وما فيها من مال وجاه وفتن ويتوجّه إلى الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ2.
 
وقد ورد عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "فوق كلّ ذي برٍّ برّ حتّى يقتل الرجل في سبيل الله"3.
 
لعلّ تلك القطرة حصلت في شهادة حدثت في لحظة من الزمن،
 
 

1- بحار الأنوار، المجلسي، ج90، ص 329.
2- سورة الأنعام، الآية:162.
3- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 348.
 
 
 
 
 
 
 
11

5

الفصل الأول: فضل الشهيد

 ولكنّها لحظة أشرف من سنين طويلة، وكأنّها ليلة القدر الّتي هي خير من ألف شهر، تنزّل فيها الملائكة لتبشّر الشهيد وتحتضنه وترفعه إلى جوار الأنبياء والأوصياء عليه السلام، ترفعه إلى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر!

 
وكما يقول الإمام الخميني قدس سره: "لا يمكن للألفاظ والتعابير وصف أولئك الّذين هاجروا من دار الطبيعة المظلمة نحو الله تعالى ورسوله الأعظم وتشرّفوا في ساحة قدسه تعالى"1.
 
"إنّهم النفوس المطمئنة الّذين يُخاطبهم ربُّهم بقوله: ﴿ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فهنا البحث عن العشق واليراع لا يمكنه ترسيمه"2.
 
لا تقولوا أمواتاً
 
يُعلِّمنا الله سبحانه وتعالى كيف نتأدّب أمام عظمة تلك الدماء، ففي الوقت الّذي نجد فيه أنّ الموت حقّ وأنّه أمر لا بدّ منه، وأنّه أمر طبيعيّ لكلّ الناس، وليس هو نقصاً، ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ 3. رغم ذلك كلّه نجده سبحانه وتعالى يأمرنا بالتأدّب أمام عظمة الشهداء ﴿ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ 4.
 
فرغم أنّ الموت ليس نقصاً وعيباً، لم يرِد الله سبحانه وتعالى أن
 
 
 

1- صحيفة نور، جزء 19، ص 40.
2- م.ن، جزء 21، ص 32.
3- سورة الزمر، الآية: 30.
4- سورة البقرة، الآية: 154.
 
 
 
 
 
 
12

6

الفصل الأول: فضل الشهيد

 يُطلَق على الشهداء، تقديماً وتشريفاً لهم حتّى على المستوى اللفظيّ.

 
ومن اللفظ يتعمّق الفارق حتّى يكون حالة نفسيّة وحالة معنويّة خاصّة تُخيّم بظلالها على ذكر الشهداء والتعاطي معهم ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ 1، في حالة ترقٍّ قرآني من الحالة اللفظيّة إلى الحالة النفسيّة.
 
هذا التأدُّب الّذي أشار إليه الإمام الخميني قدس سره بشكل واضح في كلماته حيث يقول في بعضها: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ2
 
ويقول أيضاً: "كلّ ما للدنيا فانٍ وكلّ ما لله يبقى، وهؤلاء الشهداء أحياء عند ربّهم يُرزقون، لقد نالوا الرزق المعنويّ الأبديّ لدى ربّهم لأنّهم قدّموا كلّ ما وهبه الله إليهم وسلّموا إليه الأمانة. ولقد قبلهم الله تبارك وتعالى ويقبل الآخرين، وأمّا نحن فلنأسف على أنفسنا إذ لم نكن معهم لنفوز معهم. إنّهم سبقونا ووصلوا إلى السعادة ونحن بقينا في الوحل ولم ندرك القافلة لنسير في هذا المسير"3.
 
لقاء المحبوب
 
يقول الإمام الخميني قدس سره: "هنيئاً لهؤلاء الشهداء ما نالوه من لذّة الأنس، ومجاورة الأنبياء العظام، والأولياء الكرام، وشهداء
 
 

1- سورة آل عمران، الآية: 169.
2- صحيفة نور، جزء 17، ص 104.
3- م.ن، جزء 14، ص 161.
 
 
 
 
 
 
13

7

الفصل الأول: فضل الشهيد

  صدر الإسلام، وأكثر من ذلك، هنيئاً لهم بلوغهم نعمة الله الّتي هي رضوان من الله أكبر".

 
إنّ لقاء الله سبحانه وتعالى هو حلم الأنبياء عليهم السلام وأمنيّة الأولياء والشهداء، كلّ أمر يُصبح بمقارنته أمراً تافهاً وصغيراً ولا قيمة له، هذه الأمنيّة هي من أهمّ الأمور الّتي يحصل عليها الشهيد بالإضافة إلى مجاورة الأنبياء عليهم السلام والشهداء، لذلك نجد الآيّة الكريمة تؤكّد على اللقاء الّذي سيتفرّع عنه كلّ رزق ونعمة ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ 1.
 
يقول الإمام الخميني قدس سره في كلماته: "إنّهم اتّصلوا بعشقهم بالله العليّ الكبير، بالمعشوق ووصلوا إليه ونحن لا زلنا في منعطف إحدى الأزقّة".
 
ويشرح لنا الإمام الخميني قدس سره كيف يُمكن للشهادة أن تختصر الطريق وتصل بالشهيد إلى لقاء الله تعالى، فيقول في إحدى كلماته: "لربّما كان السرّ في ذلك أنّ الحجب الّتي فيما بيننا وبين الله تعالى وتجلّياته، تنتهي كلّ هذه الحجب إلى الإنسان نفسه، الإنسان هو الحجاب الأكبر وكلّ الحجب الظلمانيّة أو الحجب النوريّة تنتهي إلى الحجاب الّذي هو الإنسان بذاته، فنحن الحجاب بين ذواتنا وبين وجه الله، فإذا أزال أحد هذا الحجاب في سبيل الله وانكسر الحجاب
 
 

1- سورة آل عمران، الآيتان: 169- 170.
 
 
 
 
 
 
14

8

الفصل الأول: فضل الشهيد

 بفضل التضحيّة بحياته، فإنّه يكون قد كسر جميع الحجب مثل حجاب الشخصيّة وحجاب الإنّيّة، نعم ينكسر هذا الحجاب بالجهاد والدفاع في سبيل الله وفي سبيل بلاد الله والعقيدة الإلهيّة".

 
نعم، إنّ الشهيد من خاصّة أولياء الله سبحانه وتعالى، تُرافقه العناية الإلهيّة وتُحيط به في كلّ المسيرة الّتي يطويها الإنسان في جميع مراحله، فلنقرأ معاً هذه المسيرة1.
 
الشهيد في الدنيا: فخر وعزّ
 
إنّ الحياة تحكي كلّ يوم على مسمعنا كيف يقتحم الشهيد القلوب ويحصل على ذلك العزّ العظيم والاستثنائي فيها.
 
والفخر الشامخ الّذي يناله عوائلهم ومجتمعهم رغم كلّ الجراح.
 
وهذا ما أشار إليه الإمام الخميني قدس سره عندما قال عن العزّ: "الشهادة عزٌّ أبديّ"، وعن الفخر "كانت الشهادة فخراً للأولياء وهي فخر لنا أيضاً"، "إنّ الإستشهاد في سبيل الله فخر لنا جميعاً".
 
الشهيد في البرزخ
 
من المواطن الصعبة الّتي تنتظر الإنسان سؤال القبر، أو كما تُعبّر عنه الروايات "فتنة القبر" حيث يأتي الملكان الشديدان ليسألا الإنسان عن ربِّه ودينه..
 
قد يتصوّر البعض أنّ الجواب سهل، فما أسهل أن تقول "الله ربّي
 
 

1- صحيفة نور، جزء 14، ص 161.
 
 
 
 
 
 
 
15

9

الفصل الأول: فضل الشهيد

 والإسلام ديني..". ولكن الحقيقة على خلاف ذلك، لأنّ عليه أن يُجيب بلسان الصدق، حيث لا خداع ولا كذب في هذا اليوم العصيب. والصادق تُطابق أقواله أعماله، لذلك سيكون الجواب صعباً جدّاً! هل كان محور حياته الله تعالى، هل كان خطّه في هذه الدنيا ما رسمه الإسلام والحكم الشرعيّ؟ أم أنّ محور حياته كان الدنيا والأهواء ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ...1.

 
في هذا اليوم الّذي يقف فيه الإنسان خائفاً ذليلاً ينتظر من يُعينه وينطِق لسان الصدق فيه، أمام هول عذاب القبر الّذي بدأ يقرع بابه، يكون فم الشهيد الصادق جراحه المفتوحة الّتي تشهد له بالعبوديّة والإخلاص! 
 
ويُشير الإمام الخميني قدس سره إلى هذه الجراح والقبور في كلماته حيث يقول في أحدها: "إنّ قبور الشهداء وأجساد المعوّقين وأبدانهم هي لسان ناطق يلهج بعظمة أرواحهم الخالدة".
 
هذا الفم الّذي لا يحتاج إلى النطق أصلاً، لأنّ الملائكة تستحي من سؤال الشهيد! نعم إنّها تستحي حتّى من سؤاله!
فعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "من لقي العدوّ فصبر حتّى يقتل أو يُغلب لم يُفتن2 في قبره"3
 
ولمّا سُئل عن ذلك قال صلى الله عليه وآله وسلم: "كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة"4.
 
 

1- سورة الفرقان، الآية: 43.
2- أي أنه لم يُسأل سؤال القبر.
3- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص 1515. نقلاً عن كنز العمال، المتقي الهندي، ج4، ص 282، ح 10496.
4- ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص 1515.
 
 
 
 
 
 
 
16

10

الفصل الأول: فضل الشهيد

  الشهيد في الحساب

 
الحساب هو ذلك الموقف الصعب الّذي يقف فيه الإنسان ليُسأل عن كلِّ كبيرة وصغيرة ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ 1.
 
وهو من الأيّام العصيبة والطويلة والشاقّة حتّى يقول فيه البعض ﴿يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا2 في هذا اليوم الّذي تشخص فيه الأبصار وترى الناس سكارى، وتذهل كلّ مرضعة عمّا أرضعت، وتضع كلّ ذات حمل حملها، إنّه موقف مخيف وصعب جدّاً على الناس.
 
ولكن هناك أشخاص استثنائيّون لهم وضعهم الخاصّ في كلّ شيء حتّى في هذا اليوم الصعب. لا يمسّهم في هذا اليوم سوء ولا تعب! إنّهم الشهداء، فهم الّذين تُذلّل دماؤهم الصعاب، ويمرّون دون حساب! فهنيئاً لهم!
 
وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: "من قُتل في سبيل الله لم يُعرِّفه الله شيئاً من سيّئاته"3.
 
فكثير من المؤمنين ممّن يغفر الله تعالى ذنوبه، تكون مغفرته بعد السؤال عن تلك الذنوب، وبعد الوقوف والخوف والتعرُّض لأهوال ذلك اليوم، أمّا الشهيد فقد أفادت هذه الروايّة أنّه ليس فقط يُغفر له ذنبه، بل هو لا يسأل عنها من الأساس ولا يقف ذلك
 
 

1- سورة الزلزلة، الآيتان: 7 - 8.
2- سورة النبأ، الآية: 40.
3- الكافي، الكلينيّ، ج5، ص 54.
 
 
 
 
 
 
17

 


11

الفصل الأول: فضل الشهيد

 الموقف الصعب، "لم يُعرِّفه الله شيئاً من سيّئاته"!.

 
وفي ذلك اليوم هناك الكثير ممّن يتمنّى الرجوع إلى الدنيا لعلّه يُصلح ما أفسد "حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا"1. والشهيد أيضاً يُحبّ الرجوع ولكن لا ليُصلح ما أفسد بل ليُكرِّر عمله ويُجدِّد شهادته!

وقد روي عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من أحد يدخل الجنّة يُحبّ أن يرجع إلى الدنيا، وأنّ له ما على الأرض من شيء2، غير الشهيد، فإنّه يتمنّى أن يرجع فيقتل عشر مرّات، لما يرى من الكرامة". 
 
فأيّ كرامة تلك الّتي خبّأها الله تعالى للشهيد يا ترى؟!.
 
ويشير الإمام الخميني قدس سره إلى حقيقة أهمّ من ذلك كلّه، وهي أنّ الشهيد منشأ فخر النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ومباهاته يوم الحساب! حيث يقول  قدس سره: "الثورة ملأى من الشهداء الحسينيّين. ونحن واثقون بأنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يُباهي بتضحيات هؤلاء الأعزّاء في الجبهة وبشهداء المحراب والمنبر وشهداء صفوف الجماعة والمساجد والمستشفيات... "3.
 
مقام الشهيد في الجنّة
 
يقول الإمام الخميني قدس سره: "هل يُمكن بالاستعانة بالقلم واللسان توضيح التشرُّف أمام الله وضيافة المقام المقدّس الربوبي؟ ألم يكن
 
 

1- سورة المؤمنون، الآيتان: 99 - 100.
2- يعني لا يُحبّ الرجوع ولو أُعطي كلّ ما على الأرض.
3- صحيفة نور، جزء 15، ص 63.
 
 
 
 
 
 
18

12

الفصل الأول: فضل الشهيد

 هذا المقام هو مقام ﴿فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي1 الّذي انطبق حسب الحديث الشريف على سيّد المظلومين والشهداء عليه السلام؟ هل هذه الجنّة هي تلك الّتي يقبل فيها المؤمنون؟ وهل هذا التشرُّف والارتزاق عند الربّ من المفاهيم البشريّة أم أنّه سرٌّ خارج عن حيطة أفكار البشر؟

 
إلهي: ما هذه السعادة العظمى الّتي وفّقت لها خواصّ عبادك وحرمتنا منها؟"2.
وهكذا نجد أنّ الشهادة نور إلهيّ يرافق الشهيد في كلِّ مراحل مسيرته الإنسانيّة، فهنيئاً له في الحياة وبعد الموت وفي الآخرة!لنا الحقّ بعد ذلك كلّه أن نسأل: من أين جاء هذا المقام العظيم للشهيد؟
فلنرَ معاً في الفصل الآتي، لعلّنا نوفّق إلى معرفة ذلك إذا اكتشفنا حقيقة الشهادة.
 
 

1- سورة الفجر، الآيتان: 29 - 30.
2- صحيفة نور، جزء 20
 
 
 
 
 
 
19

13

الفصل الثاني: حقيقة الشهادة

 قد يتصوّر بعض الناس أنّ القتل في ساحة المعركة هو هزيمة وتراجع على المستوى العام وهي خسارة وانتهاء على المستوى الفردي. ومن هذه الخلفيّة ينطلق ليفهم الشهادة على أنّها حالة عزاء وحزن و... ومن هنا نطرح هذا السؤال:


هل القتل في ساحة الحرب نصر أم هزيمة؟

حتّى نعرف الجواب الصحيح لهذا السؤال علينا أن نقف في البدايّة عند المعنى الحقيقيّ للنصر.

ما هو النصر الحقيقيّ؟

إنّ النصر والهزيمة لا ينبعان من فراغ بل هما تابعان لهدف الإنسان والقدرة على تحقيق هذا الهدف، فبحسب الهدف الّذي يرسمه الإنسان وقدرته على تحقيق هذا الهدف يكون النصر أو الهزيمة. فالحصول على أمرٍ ما قد يكون نصراً لشخصٍ، وهو بعينه هزيمة لشخصٍ آخر، فالتاجر الصغير الّذي يهدف إلى ربح مائة - مثلاً - إذا ربحها يكون هذا نصراً بالنسبة له، وأمّا التاجر الكبير الّذي يهدف إلى ربح ألف ـ مثلاً ـ إذا لم يربح إلّا مائة يُعتبر هذا هزيمة بالنسبة إليه وليس نصراً.
 
 
 
 
 
 
23

14

الفصل الثاني: حقيقة الشهادة

 فمن خلال معرفة الأهداف الّتي رسمها الإنسان لنفسه يتمّ تحديد انتصاره أو هزيمته.

 
ولكن هذا كلّه لا يعني أنّ النصر الحقيقيّ مرتبط بما يرسمه الإنسان لنفسه من أهداف، سواء كانت شريفة أو وضيعة، وسواء كانت أهدافه صحيحة أم سقيمة مزيفة.
 
إنّ النصر الحقيقيّ لا يكون إلّا من خلال تحقيق الأهداف الصحيحة والحقيقيّة، وأمّا الأهداف الزائفة فلا تولِّد إلّا نصراً زائفاً.
 
الهدف الحقيقيّ والهدف الزائف
 
إنّ الهدف الحقيقيّ الّذي رسمه الله سبحانه وتعالى للإنسان يتلخّص بقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ1.
 
فالهدف إذاً هو الوصول إلى مقام العبادة والقرب من الله سبحانه وتعالى. 
 
وفي هذا المجال يقول الإمام الخميني قدس سره: "إذا انتصرنا في هذه المرحلة من السير العرفانيّ، فإنّ موتنا نصرٌ كما أنّ حياتنا نصرٌ أيضاً. جدّوا لكي تنتصروا في ميدان المبارزة بين الله والشيطان، ميدان الجهاد بين النفس الإنسانيّة والروح، فإذا انتصرتم في هذه المرحلة فلا تخشوا الهزائم لأنّها ليست هزائم"2.
 
"أنتم غلبتم أهواءكم، أنتم في خلف الجبهات وإخوانكم في
 
 
 

1- سورة الذاريات، الآية: 56.
2- صحيفة نور، جزء 14، ص 226.
 
 
 
 
 
 
24

15

الفصل الثاني: حقيقة الشهادة

 الجبهات، جاهدتم أنفسكم وعلمتم أنّ الحياة أبديّة وأنّ هذه الحياة الحيوانيّة الماديّة زائلة، فأنتم إذن منتصرون وما دامت هذه عقيدتكم فأنتم الغالبون حتّى ولو انهزمتم صوريّاً ومادّيّاً"1.

 
فهذا الهدف الحقيقيّ وكلّ ما عداه فهو زائف زائل، وعندما نقيس الشهادة بهذا الهدف نجدها الطريق الأقصر لتحقيقه والحصول عليه، فهي إذاً النصر الحقيقيّ لأنّها القادرة على تحقيق الهدف الحقيقيّ.
 
بل نجد الإمام الخميني قدس سره يعتبر أنّ وضع الشهادة في ميزان الأمور المادّيّة هو إهانة للشهادة، فهي أعلى وأشمخ من أن تُقارن بمثل هذه الأمور، يقول قدس سره: "يجب أن يعلم عملاء أمريكا أنّ الشهادة في سبيل الله لا يُمكن أن تُقاس بالغلبة أو الهزيمة في ميادين القتال، مقام الشهادة نهايّة العبوديّة والسير والسلوك في العالَم المعنويّ. لا تُحقِّروا مقام الشهادة لتُقابلوها بفتح خرّمشهر أو سائر المدن، إنّها أوهام القوميّين الباطلة"2.
 
الشهادة فوز ونصر
 
ما دامت الشهادة تُحقِّق هدف الإنسان الحقيقيّ فلا يُمكنها إلّا أن تكون النصر الحقيقيّ الّذي يُمكن أن يحصل عليه الإنسان ويُحقِّقه.
 
يقول الإمام الخميني قدس سره: "إن قُتِلنا أو قَتَلنا فإنّ الحقّ معنا. إن قُتلنا فإنّنا سنُقتل في سبيل الحقّ وهذا هو النصر، أو قَتلنا ففي
 
 
 

1- صحيفة نور، جزء 16، ص 58.
2- م.ن، جزء 20.
 
 
 
 
 
 
25

16

الفصل الثاني: حقيقة الشهادة

  سبيل الحقّ وهو النصر أيضاً".


ويقول قدس سره: "هنيئاً لهؤلاء الشهداء ما نالوه من لذّة الأنس، ومجاورة الأنبياء العظام عليه السلام، والأولياء الكرام، وشهداء صدر الإسلام. وأكثر من ذلك هنيئاً لهم بلوغهم نِعَم الله الّتي هي (رضوان من الله أكبر)".

هذه الحقيقة الّتي رفع أمير المؤمنين عليه السلام صوته عالياً بها عندما ضربه ذلك الشقيّ، ليبقى صدى تلك الصرخة يتردّد في آفاق الزمن ليقرع أسماع شيعته ومحبّيه ويتعلّموا الدرس: "فزت وربِّ الكعبة"!.

الشهادة سعادة

فما دامت الشهادة هي النصر وهي الطريق الّذي يُحقّق الهدف الإلهيّ لوجود الإنسان على الأرض، فليس غريباً على الشهيد أن تُطوى لأجله كلّ العوائق وتُزال عن طريقه في الدنيا والبرزخ والآخرة.

فالشهادة هي السعادة الحقيقيّة للإنسان في كلّ حياة ينتقل إليها.
يقول الإمام الخميني قدس سره: "كم هم سعداء أولئك الّذين يقضون عمراً طويلاً في خدمة الإسلام والمسلمين وينالون في نهايّة عمرهم الفيض العظيم الّذي يتمنّاه كلّ عشّاق لقاء المحبوب، كم هم سعداء وعظماء أولئك الّذين اهتمّوا طيلة حياتهم بتهذيب النفس والجهاد الأكبر وفي نهايّة أعمارهم التحقوا بركب الشهداء
 
 
 
 
 
 
26

17

الفصل الثاني: حقيقة الشهادة

  معزّزين مرفوعي الرأس، كم هم سعداء وفائزون أولئك الّذين لم يقعوا في شباك الوساوس النفسيّة وحبائل الشيطان طيلة أيّام حياتهم - في بأسائها وضرّائها - وخرقوا آخر الحجب بينهم وبين المحبوب، وبلِحاهم المخضّبة بالدماء التحقوا بركب المجاهدين في سبيل الله تعالى"1.

 
"لقد نال السعادة أولئك الّذين سعوا باختيارٍ منهم وبجهادهم ونضالهم ووقفوا صفّاً واحداً أمام الكفر وسلّموا أرواحهم لبارئهم وانتقلوا إليه سعداء مرفوعي الرأس"2.
 
وكلام الإمام الخميني قدس سره هذا يعكس الخطّ الإسلاميّ والفهم القرآنيّ الصحيح الّذي أشارت إليه الآيّة الكريمة في وصف الشهداء ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ3.
 
فالإنسان المؤمن والعارف بالحقائق، يطمع بمقام الشهادة الرفيع، الّذي يرفعه إلى الله تعالى ويوصله إلى السعادة الأبديّة والخالدة.
 
فكيف يُمكن الحصول على مقام الشهادة واللحاق بركب الشهداء؟ 
 
 

1- صحيفة نور، جزء 17، ص 57.
2- م.ن، جزء 14، ص 40.
3- سورة آل عمران، الآية: 69.
 
 
 
 
 
 
27

18

الفصل الثالث: كيف تكون شهيداً؟

 لا شكّ أنّ الشهادة نعمة إلهيّة يمنحها الله سبحانه وتعالى، ولا يقدر عليها الإنسان بنفسه.

 
يقول الإمام الخميني قدس سره : "إنّ الاستشهاد بالنسبة لنا فيض عظيم".
 
ولكن هذا لا يعني أنّ الله سبحانه وتعالى يمنحها لأيٍّ كان، وبشكل عشوائيّ، يقول الإمام الخميني قدس سره: "الشهادة هديّة من الله ـ تبارك وتعالى ـ لمن هم أهل لها"1
 
فعلى الإنسان أن تتوّفر فيه صفات الشهيد ويكون أهلاً للشهادة حتّى يمنّ الله تعالى عليه بها.
 
كيف نكون أهلاً للشهادة؟
 
هناك صفات يجب أن يتحلّى بها الإنسان حتّى يكون مستعدّاً للفيض الإلهيّ ومستحقّاً لمنصب الشهادة، وتتلخّص بالتالي:
 
1ـ هدف الشهيد:
 
من المعروف في الإسلام أنّ النيّة هي أساس العمل, كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّما الأعمال بالنّيات"2، فمن الطبيعيّ أن يكون أوّل أمر يجب توفّره هو خلوص النيّة لله سبحانه وتعالى.
 
وهذا أمر يؤكّد عليه الإمام الخميني قدس سره في كلماته حيث يقول في
 
 
 

1- صحيفة نور، جزء 10، ص 111.
2- وسائل الشيعة، ج1، ص 49.
 
 
 
 
 
 
31

19

الفصل الثالث: كيف تكون شهيداً؟

  بعضها: "أيُّها الشهداء! إنّكم شهود صدق، والمذكِّرون بالعزم والإرادة الثابتة الفولاذيّة، وأفضل الأمثلة لعباد الله المخلصين، فقد أثبتّم انقيادكم لله تعالى، وتعبَّدكم له ببذلكم الدماء والأرواح".


ويقول قدس سره: "أن يُضحّي بنفسه من أجل الهدف لا من أجل الهوى... وهذا هو ديدن رجال الله".

هذا الإخلاص الّذي يجب أن يتعمّق حتّى يصل إلى مرحلة العشق! فالإخلاص المطلوب ليس مجرّد كلمة تُقال على اللسان او اعتقاد يتصوّره العقل، وإنّما المطلوب أن تُصبح كلّ خفقة في قلبه تُسبِّح الله سبحانه وتعالى وتهتف باسمه، حتّى يصير المرء عاشقاً لله سبحانه وتعالى، لا يعرف قلبه سواه.

ويُشير الإمام الخميني قدس سره إلى هذه الحالة قائلاً: "ما أشدّ غفلة عبيد الدنيا الأغبياء، الّذين يبحثون عن معنى الشهادة في صحف الطبيعة، ويفتّشون عن أوصافها في الأناشيد والملاحم والأشعار، ويجنّدون فنّ التخيّل وكتاب التعقّل لكشفها. هيهات وأنّى لهم ذلك، فلا حلّ لهذا اللغز إلّا بالعشق".

2ـ حبُّ لقاء الله وتمنّي الشهادة 

إنّ من صفات المتقين الّتي أكّدت عليها الروايات وذكرها أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة المتّقين، حبُّ لقاء الله حتّى كادت أرواحهم تخرج من أجسادهم: "ولولا الأجل الّذي كُتب لهم، لم تستقرّ أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إلى الثواب وخوفاً من العقاب".
 
 
 
 
 
 
32

20

الفصل الثالث: كيف تكون شهيداً؟

 نعم أولياء الله مشتاقون لذلك اللقاء، يقول الإمام الخميني قدس سره: "دع أولئك المفترسين الّذين لا يُفكِّرون إلّا بأنفسهم ويأكلون كما تأكل الأنعام، يفكّون قيود عشّاق سبيل الحقّ من أغلال الطبيعة ويوصلونهم إلى فضاء جوار المعشوق"1.

 
ولذلك فإنّ تمنّي الشهادة هو تمنّي لقاء الله تعالى على أفضل وجه يُحبّه ويرضاه، وهذا ما يتمنّاه أولياء الله على الدوام.
 
وقد ورد في روايّة عن أمير المؤمنين عليه السلام: "... فقُلت: يا رسول الله، أوليس قد قُلت لي يوم أُحُد حيث استشهد من استشهد من المسلمين، وحِيزت عنّي الشهادة، فشقّ ذلك عليّ فقُلت لي: أبشر فإنّ الشهادة من ورائك؟ فقال لي: إنّ ذلك لكذلك، فكيف صبرك إذاً؟ فقُلت: يا رسول الله ليس هذا من مواطن الصبر ولكن من مواطن البشرى والشكر!"2.
 
وعنه عليه السلام: "فو الله إنّي لعلى الحقّ، وإنّي للشهادة لمحبّ"3.
 
هكذا كان أمير المؤمنين عليه السلام عاشقاً للشهادة، وهكذا يجب أن يكون أتباعه ومحبّيه، ويُعلِّق الإمام الخميني قدس سره على قول أمير المؤمين عليه السلام: "والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمِّه"4، قائلاً: "أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول ذلك لأنّه كان يعرف ما هي الدنيا وما هو عالَم الغيب، كان يعرف معنى الموت، وأنّ الموت حياة، نحن قدّمنا
 
 
 

1- صحيفة نور، جزء 15، ص 51.
2- بحار الأنوار، ج 32، ص 241.
3- م. ن، ج30، ص26.
4- بحار الأنوار، ج 28، ص 234.
 
 
 
 
 
 
33

21

الفصل الثالث: كيف تكون شهيداً؟

  الشهداء لكن شهداءنا أحياء، أحياء عند ربّهم يُرزقون، خالدون، ونحن أيضاً نسأل الله تعالى أن يوفّقنا للشهادة، لحظة واحدة تتبعها سعادة دائمة، عناء لحظة واحدة يتبعها السعادة الأبديّة والدائمة!".

 
هكذا كان أولياء الله على الدوام، كما يُخبر الإمام قدس سره: "لا بُدّ من اجتياز هذه المرحلة ولا بُدّ من السفر، فليكن في سبيل الإسلام وفي خدمة الشعب المسلم، ولتكن شهادة وفوزاً بلقاء الله، وهذا ما كان يتمنّاه أولياء الله العظام ويطلبونه بإلحاح في مناجاتهم من العليّ القدير"1.
 
وهكذا يجب أن يكون شيعة عليّ عليه السلام وكلّ مخلص يعمل في سبيل الله يقول الإمام قدس سره: "إن كنّا نعتقد بالغيب فعلينا أن نشكر الله تعالى لكي نُقتل في سبيله وندخل في زمرة الشهداء"2.
 
"نحن خاضعون أمام التقدير الإلهيّ ونُطيع أوامره، ولذلك فإنّنا نطلب الشهادة منه، ولهذا أيضاً لا نتحمّل الذلّة والعبديّة إلّا لله تعالى"3.
 
"عبر هذا الهدف يحتضن جميع الأولياء الشهادة ويعتبرون الموت أحلى من العسل، وإنّ أبناءكم في جبهات القتال، قد نالوا جُرعاً منها وأخذهم الوجد وتجلّى ذلك في أمّهاتهم وأخواتهم وآبائهم وإخوانهم، فلا بُدّ أن نقول "يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزا
 
 
 

1- صحيفة نور، جزء 15، ص 122.
2- م.ن، جزء 1، ص 72.
3- صحيفة نور، جزء 20، ص 237.
 
 
 
 
 
34

22

الفصل الثالث: كيف تكون شهيداً؟

 عظيماً" هنيئاً لهم ذلك النسيم العطر والتجلّي المبهج"1.

 
"كم هم سعداء أولئك الّذين يقضون عمراً طويلاً في خدمة الإسلام والمسلمين وينالون في نهايّة عمرهم الفيض العظيم الّذي يتمنّاه كلّ عشّاق لقاء المحبوب"2.
 
نعم إنّ هذا الشعب الّذي خرجت منه مواكب الشهداء كانت سمته الأساسيّة حبّ الشهادة وعشق لقاء الله سبحانه وتعالى.
 
يتحدّث الإمام الخميني قدس سره عن هذا الواقع في الكثير من كلماته، حيث يقول في بعضها: "يتوارث الأولياء الشهادة كلٌّ من الآخر، وإنّ شبابنا الملتزمين يدعون الله دائماً لنيل الشهادة في سبيله"3.
 
"أنتم تلاحظون أنّ جميع شبابنا الّذين استشهدوا كانوا جميعاً من المقبلين على الشهادة". 
 
3 ـ الزهد بالدنيا
 
قيمة الدنيا أنّها مزرعة الآخرة ومسجد أولياء الله، وطريق الوصول إلى ساحة رضاه، فلو قطعناها عن كلّ ذلك ونظرنا إليها نظرة مادّيّة، فلن يكون لها أيّ قيمة على الإطلاق، كما أخبر عنها أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له: "كأنّهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَبلى والله لقد سمعوها ووعوها، ولكنّهم
 
 
 

1- صحيفة نور، جزء 21، ص 203.
2- م.ن، جزء 17، ص 56.
3- م.ن، جزء 11، ص 39.
4- سورة القصص، الآية: 83.
 
 
 
 
 
 
35

23

الفصل الثالث: كيف تكون شهيداً؟

  حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها. أما والّذي فلق الحبّة، وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يُقاروا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز 1"2.

 
هكذا يجب أن يكون المجاهد في سبيل الله، زاهداً بالدنيا عارفاً بمقام الشهادة ﴿وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ3.
 
وقد أكّد الإمام الخميني قدس سره على ذلك في كلماته: "إنّ الدنيا بجميع بهارجها واعتباراتها هي أقلّ بكثير من أن تكون جزاءاً ورتبة للمجاهدين في سبيل الله".
 
"إنّ المجاهد في سبيل الله أسمى من أن يُقيّم عمله النفيس بزخارف الدنيا". 
"... لم يبيعوا أرواحهم بثمن بخس، ولم تلههم زخارف الدنيا الفانية وتعلّقاتها"4.
 
4 - الارتباط بمدرسة عاشوراء
 
إنّ تاريخ المسلمين حافل بالجهاد والشهادة، وليس غريباً على المسلمين أن يرتفع شبابهم شهداء
 
 
 

1- عفطة العنز، ما تنثره من أنفها.
2- نهج البلاغة ج 1، ص 36، من الخطبة 3، المعروفة بالخطبة الشقشقية.
3- سورة آل عمران، الآية: 157.
4- صحيفة نور، جزء 19، ص 296.
 
 
 
 
 
 
36

24

الفصل الثالث: كيف تكون شهيداً؟

  إلى بارئهم مخضّبين بدمائهم، "القتل لنا عادة".

 
وإلى ذلك يُشير الإمام الخميني قدس سره في كلماته: "نحن لا نُبالي إذا سُكبت دماء شبابنا الزاكيّة في سبيل الإسلام، لا نُبالي إذا أضحت الشهادة ميراثاً لأعزّائنا، إنّه الأسلوب المرضي المتّبع لدى شيعة أمير المؤمنين عليه السلام منذ ظهور الإسلام إلى اليوم"1.
 
"منهاج الشهادة القاني، منهاج آل محمّد وعليّ، ولقد انتقل هذا الفخر من آل بيت النبوّة والولاية إلى ذراريهم وأتباع منهاجهم"2.
 
"لقد قدّمت أمّة الإسلام من محراب مسجد الكوفة إلى صحراء كربلاء وعلى مرّ تاريخ التشيُّع الأحمر، قدّمت ضحايا قيّمة إلى الإسلام العزيز وفي سبيل ا لله"3.
 
فما دام القتل لنا عادة فلن يكون له آثار سلبيّة على المجتمع ولن يتسبّب بحصول تراجع وضغط كما نرى في الكثير من المجتمعات الأخرى.
 
إنّ ثورة أبي عبد الله الحسين عليه السلام بما تحمل من رسالة كُتبت بأطهر دماء الأرض لتخترق بنورها كلّ أنواع الحجب وتصل إلى آذاننا، هي القادرة على صنع الشهداء بكلّ ما يحتاجه الشهيد من مواصفات إلهيّة، وقد استطاعت هذه المدرسة أن تُخرِّج ببركتها قوافل الشهداء على مرِّ التاريخ.
 
 
 

1- صحيفة نور، جزء 5، ص 269.
2- م.ن، جزء 15، ص 154.
3- م.ن، جزء 15، ص 252.
 
 
 
 
 
 
37

25

الفصل الثالث: كيف تكون شهيداً؟

 يقول الإمام الخميني قدس سره: "مهما كان، فإنّ قلمي ولساني عاجزان عن ترسيم المقاومة العظمى لملايين المسلمين، عشّاق الخدمة والإيثار والشهادة في هذا البلد، بلد صاحب الزمان أرواحنا فداه، ولا يُمكن توصيف مجاهداتهم وبطولاتهم وخيراتهم وبركاتهم، هؤلاء الأبناء المعنويّين لكوثر فاطمة الزهراء عليها السلام وبالتأكيد فإنّ هذه البطولات نابعة من منهج الإسلام الأصيل وأهل البيت عليهم السلام، ومن بركات ولاية إمام عاشوراء عليه السلام"1

 
5 ـ الإرتباط بالشهداء
 
وبالإضافة للارتباط بهذه المدرسة التاريخيّة العظيمة، يجب الاستفادة من أنوار شهداء هذا العصر أيضاً و زيادة الارتباط بهم، والتعرُّف على روحيّتهم ومسلكيّتهم وقراءة وصاياهم، لأنّ ذلك كلّه يُقرّب روحيّة الإنسان من روحيّتهم، حتّى يصير واحداً منهم، جاهزاً لتلقّي هذا الفيض الإلهيّ الّذي تلقّوه، وهو الشهادة.
 
وقد أكّد الإمام الخميني قدس سره في الكثير من المناسبات، أنّ الشهداء يُعتبرون قادة المسيرة، وأنّهم المعلِّمون في دنيا الجهاد، وعلينا أن نستفيد منهم، فممّا قاله في هذا السياق: "إنّ قائدنا هو ذلك الطفل ذو الإثني عشر عاماً صاحب القلب الصغير، الّذي يفوق المئات من ألسنتنا وأقلامنا فضلاً، الّذي حمل قنبلته ورمى
 
 
 

1- صحيفة نور، جزء 20.
2- إشارة إلى الشهيد حسين فهميده أحد أفراد التعبئة، والذي قام بعملية استشهادية حيث فجّر نفسه بدبّابة عراقية من خلال حزام ناسف كان معه - رغم صغر سنه -.
 
 
 
 
 
38

26

الفصل الثالث: كيف تكون شهيداً؟

 بنفسه تحت دبّابة العدو ففجّرها محتسياً شراب الشهادة".

 
"الّذين أوقدوا ـ بدمائهم الطاهرة ـ مشاعل طريق الحرّيّة لكلّ الشعوب المكبّلة".
 
"إنّ من كلّ شعرة تمسّ أو قطرة دم تسفك لشهيد، يولد معها رجال مجاهدون ومصمّمون"1.
 
6 ـ العزم الراسخ والهمّة العالية
 
يقول الإمام الخميني قدس سره: "أيُّها الشهداء إنّكم شهود صدق والمذكِّرون بالعزم والإرادة الثابتة الفولاذيّة لخير عباد الله المخلصين، الّذين سجّلوا بدمائهم وأرواحهم أصدق وأسمى مراتب العبوديّة والانقياد إلى المقام الأقدس للحقّ جلّ وعلا، وجسّدوا في ميدان الجهاد الأكبر مع النفس والجهاد الأصغر مع العدوّ، حقيقة انتصار الدم على السيف وغلبة إرادة الإنسان على وساوس الشيطان"2.
 
ويقول أيضاً: "العزم الراسخ والهمّة العالية للشهداء، ثبّتت قواعد الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران وأضحت ثورتنا في أشمخ قلل العزّة والشرف تُنير الدروب لهدايّة الأجيال المتعطِّشة"3.
 
الشهيد الحيّ
 
هناك بعض المجاهدين ممّن قضى عمره في الجهاد وطلب الشهادة، لكنّه لم يوفّق لها، ولم تكن من نصيبه! 
 
 
 

1- من كلمة ألقاها بتاريخ (11/2/58).
2- صحيفة نور، جزء 19، ص 296.
3- صحيفة نور، جزء 20، ص 59.
 
 
 
 
 
 
39

27

الفصل الثالث: كيف تكون شهيداً؟

 وقد نأسف عندما نجد مجاهداً مات على فراش المرض في نهايّة الأمر بعد سنين طويلة من الجهاد.

 
إنّ هذا الأسف في غير محلّه، لإنّك إن أصلحت نيّتك، وجعلت هدفك خالصاً لله، ووصلت إلى مرحلة عشقه سبحانه وتعالى، وزهدت بالدنيا، وتمنّيت الشهادة، وارتبطت بمدرسة كربلاء، فأنت لست مجرّد إنسان أهل للشهادة، بل أنت شهيد فعلاً! شهيد حيّ، وهذا ما تؤكِّده الروايات.
 
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من سأل الله الشهادة بصدق، بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه"1.
 
وفي روايّة أخرى عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من طلب الشهادة صادقاً أُعطيها ولو لم تُصبه"2.
 
إذاً فلتكن مع الشهداء وفي خطّهم واحمل بين جنبيك روحيّتهم، فستكون شهيداً.
 
 
 

1- بحار الأنوار، ج 67، ص 201.
2- م. ن، ج 67، ص 201.
 
 
 
 
 
 
40

28

الفصل الرابع: مجتمع الشهداء الأحياء

  يجب أن يتمتّع المجتمع الإسلاميّ كله بروحيّة الشهداء، حتّى يتشكّل لدينا مجتمع شهيد حيّ، فكلّ مجتمع استطاع أن يصل إلى هذه الروحيّة سيكون أشمخ من العُقاب وأرسخ من الجبال، سيكون مجتمعاً لله تعالى، والله لا يُعطي مجتمعاً كهذا إلّا العزّة والقوّة والثبات والنصر، ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ1، ﴿ إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ2، وهذا ما أكّدت عليه الروايات، وأيّدته التجربة، وأشار إليه الإمام الخميني قدس سره في أكثر من مناسبة، يقول قدس سره: "الشعب يتمنّى تلك الشهادة الّتي طلبها جميع الأنبياء عليهم السلام وتمنّاها جميع أولياء الله"3.

 
ويُمكننا أن نُلاحظ من بركات مجتمع الشهادة ما يلي:
 
1ـ أثرها التربويّ
 
إنّ هذه الروحيّة تُغيّر مفاهيم الإنسان وتوجّهاته وأساليبه. فهي قادرة على صنع مجتمع الإنسان بمميّزاته الإنسانيّة الّتي تُميّزه تماماً عن مجتمع الحيوان. 
 
إنّ من أحبّ الله تعالى وعشقه حتّى صار لقاء الله تعالى هدفه 
 
 
 

1- سورة المنافقون، الآية: 8.
2- سورة محمد، الآية: 7.
3- صحيفة نور، جزء 8، ص 257.
 
 
 
 
 
 
43

29

الفصل الرابع: مجتمع الشهداء الأحياء

 الوحيد، لن تعني له هذه الدنيا وما فيها من مادّيّات شيئاً، سوى أنّها أمور فرعيّة وجانبيّة، يهتمّ بها الإنسان لتلبية حاجاته فقط.


وهكذا يصف أمير المؤمنين عليه السلام المتّقين: "عظُم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم". 

وهذه التربيّة ستُغيّر مفاهيم الإنسان ومسكليّته في هذه الدنيا، وتصنع مجتمعاً سليماً بكامل المواصفات الإلهيّة.

2ـ أثرها المعنويّ
إنّ الحالة المعنويّة تعتبر أساساً في نجاح أيّ عمل يُريد أن يقوم به الإنسان، ولها دور أساسيّ في الحروب في النصر أو الهزيمة، لذلك تُعتبر الحرب المعنويّة جزءً أساساً في أيّ حرب تنشأ بين الناس.

والمجتمع الّذي يُصاب بالإحباط أو اليأس لا يُمكن أن يكون منتصراً، ولو كان أكثر عدداً وأعظم عدّة.

والمجتمع الّذي يملك روحيّة الشهادة لا يُمكن أن يتسلّل إليه الإحباط أبداً، والسبب في ذلك أن الإحباط ناتج عن العجز وعدم القدرة على تحقيق الأهداف، فإذا كانت الأهداف دنيويّة فمن الممكن أن يُصاب الإنسان بالإحباط إذا لم تصل يداه لهذا الهدف. ولكن إذا كان الهدف النهائيّ هو لقاء الله تعالى والالتحاق بركب الصدّيقين والشهداء، فالقتل سيكون تحقّقاً للهدف، وبالتالي لا يُمكن أن يولّد إلّا اندفاعاً وقوّة وإصراراً، ولن يجد الإحباط له مكاناً في مجتمع الشهداء الأحياء. 
 
 
 
 
 
 
44

30

الفصل الرابع: مجتمع الشهداء الأحياء

 يقول الإمام الخميني قدس سره: "منطقنا ومنطق شعبنا ومنطق المؤمنين هوالقرآن الكريم ﴿إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ1 لا يستطيع أحد مقابلة هذا المنطق، لا يستطيع أحد الوقوف في وجه شعب يحسب نفسه من الله وإلى الله وكلّ ما يملكه لله ويعتبر موته حركة نحو المحبوب والمطلوب"2.

 
"إن قُتِلنا ـ إن شاء الله ـ فإنّنا سنذهب إلى الجنّة، أو قتلنا فإنّنا ذاهبون إلى الجنّة أيضاً".
 
ويقول في كلام آخر: "إن قَتلنا فإننا سعداء، أو قُتلنا فإنّنا سعداء أيضاً".
 
وهذا هو الفكر القرآنيّ الأصيل الّذي أطلّ علينا في العديد من الآيات القرآنيّة كقوله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ3 فإن انتصرنا فذلك حسن وسعادة وإن استشهدنا فذلك أيضاً حسن وسعادة.
 
3 ـ الشجاعة والثبات
 
إنّ الخوف إذا كان من الخالق فهو صحّة ومطلوب، وإذا كان من غيره فهو مرض يجب التخلُّص منه. وهذا المرض الخطير هو الّذي أوصل الكثير من الشعوب إلى الفشل، بل نجده مصيبة العالَم الإسلاميّ في كثير من قضايا هذا العصر الأساسيّة.
 
 
 

1- سورة البقرة، الآية: 156.
2- صحيفة نور، جزء 15، ص 154.
3- سورة التوبة، الآية: 52.
 
 
 
 
 
45

31

الفصل الرابع: مجتمع الشهداء الأحياء

 وقد أشار الإمام الخميني قدس سره إلى أنّ هذا المرض لا يجتمع مع روحيّة الشهادة: "لقد اعتاد شعبنا الشهادة والتضحيّة ولا يخشى الأعداء والقوى الكبرى ومؤامراتها. فالخوف لمن لا تحتوي مدرسته على الشهادة"1.

 
"الخوف من الموت للّذي يعتبر الموت نهايّة الحياة، ولا يخشى الموت إلّا من يعتبر الموت فناء أبديّاً أو يخشى مراحل من الجزاء والعقاب، ولكن إذا ارتحلنا من الدنيا ونحن في سلامة من ديننا ـ في الجبهة أو خلف الجبهة والّذي يعتبر فعلاً جبهة للحرب والشهادة ـ وإذا فزنا بالشهادة، فلن نهاب الهزيمة الظاهريّة في هذا البحر اللجّي من العالَم، أو النصر الظاهريّ"2.
 
فالّذي يبذل نفسه وروحه في سبيل الله سبحانه وتعالى قد تجاوز كلّ هذه الأمراض بمراتب، تجاوز من مرحلة الخوف من الموت إلى مرحلة اقتحامه، كما كان يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "والله لا يُبالي ابن أبي طالب أوقع على الموت أم وقع الموت عليه"3.
 
يقول الإمام الخميني قدس سره: "لا يُمكن للشعب الّذي يتمنّى الشهادة أن يشعر بالخوف".
 
"ممَ يخاف أهل بلد إذا كانوا كلّهم يقظين وعلى استعداد للشهادة؟ ممَ يخافون؟!".
 
 
 

1- صحيفة نور، جزء 13، ص 213.
2- م.ن، جزء 14، ص 226.
3- بحار الأنوار، ج 32، ص 599.
 
 
 
 
 
 
46

32

الفصل الرابع: مجتمع الشهداء الأحياء

 "هذا الشعب الّذي يطلب الشهادة ويدعو الله أن يرزقه الشهادة لا يخشى التدخُّل العسكريّ ولا المقاطعة الاقتصاديّة"1.

 
"الشعب الّذي يعشق رجاله ونساؤه الشهادة ويهتفون بها، لا يُمكن أن يتأوّه من نقص في بعض الموارد الاقتصاديّة، هذا الأنين لا يرفعه إلّا المتعلِّقون بالمادّة، وأمّا أولئك الّذين يعشقون ربّهم، لا تُثنيهم الزيادة أو النقص ولا يؤلمهم ارتفاع الأسعار أو انخفاضها. هذا الّذي يسير قدماً نحو الشهادة، لا يهتمّ إذا أعلمته بأنّ اللصوص قد سرقوا أمواله أو ارتفعت أسعار الموادّ الضروريّة، إنّه لم يذهب لجمع الغنائم، ذلك لأنّ غنيمته أبديّة ولا تراجع فيها"2.
"الشعب الّذي يتفجّر عشق الشهادة من قلب امرأته ورجله، صغيره وكبيره، ويتسابقون نحو الشهادة ويفرّون من الشهوات الحيوانيّة والدنيويّة، ويعتقدون بعالَم الغيب والرفيق الأعلى، لا يخرج من الميدان ولا ينعزل مهما كبرت خسارته"3.
 
الشهادة لا تغيّر الأعمار
 

 

﴿يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ4.
 
 
 

1- صحيفة نور، جزء 12، ص 138.
2- م.ن، جزء 19، ص 126.
3- م.ن، جزء 16، ص 48.
4- سورة آل عمران، الآية: 154.
 
 
 
 
 
 
 
47

33

الفصل الرابع: مجتمع الشهداء الأحياء

 إنّ القرآن الكريم يُعطينا تصوّراً يُخالف كلّ التصوّرات الموجودة في أذهان الكثير من الناس، الّذين يتصوّرن أنّ الشهادة تُقصِّر من عمر الإنسان، حيث يؤكِّد أنّ الشهادة لا تُقصِّر في عمر الإنسان حتّى على المستوى الدنيويّ، فلا البعد عن الجبهات سيؤخِّر موتهم ولا تواجدهم في خطِّ النار سيعجِّله. إذاً فحتّى على المستوى الدنيويّ لن يخسر الشهيد شيئاً. 

 
وهذا ما أكّدته الروايات أيضاً:
 
فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ الفارّ لغير مزيد في عمره، ولا محجوز بينه وبين يومه".
 
1ـ الشهادة سلاح
 
يقول الإمام الخميني قدس سره: "لا يُمكن لأيّة قدرة مواجهة الشعب الّذي يقف نساؤه ورجاله على أهبة الاستعداد للتضحيّة بالنفوس، مصرّين على الاستشهاد".
 
فاختيار الشهادة يُعتبر أهمّ سلاح يملكه المجاهد ويُغيّر فيه المعادلات، إنّ هذه الدماء هي الّتي طالما تغلّبت على كلّ أسلحة وأدوات الطواغيت. 
 
يقول الإمام الخميني قدس سره: "إنّ دماء شبابنا تغلّبت على البنادق".
ويقول أيضاً قدس سره: "بقتل شخص ـ مهما كان هذا الشخص كبيراً ـ لن تتراجع الأمّة، ستبقى اليد الإلهيّة ممدودة لتصنع من شهادة الشهيد موجاً عارماً، يُحيينا من جديد، ويُعطي للإسلام حياة جديدة"1.
 
إنّ نقطة ضعف العدوّ - مهما كان مجهّزاً بالسلاح ومهما كان عاتياً وظالماً - هي الشهادة وطلب الشهادة، فطريق الشهادة كان على
 
 
 

1- من كلمة له ألقاها بتاريخ (15/ 2/ 58 هجري شمسي).
 
 
 
 
 
 
 
48

34

الفصل الرابع: مجتمع الشهداء الأحياء

 الدوام هو الّذي يكسر شوكة المتكبّرين ويفضح ضعفهم وزيفهم، يقول الإمام الخميني قدس سره: "مثل هذه الشهادات تضمن النصر، وتفضح أعداءكم حتّى ولو كان العالم يؤيّدهم"1.

 
ويقول أيضاً: "هنيئاً الشهادة لشهداء الثورة الإسلاميّة، وبالأحرى شهدائنا الّذين سارعوا إلى رحمة الله على أيدي أقذر الأعداء وألدهم وقد جلبوا العزّة للإسلام والعار والخزي الأبدي لأعداء الشعب الشريف"2.
 
2 ـ الشهادة والنصر
 
لا شكّ أنّ الأسلحة المادّيّة تملك دوراً في ا لحرب على صعيد القدرة وسعة اليد، وعلى صعيد زيادة رصيد القوّة. ولا شكّ أنّ كفاءة المقاتل أيضاً لها دورها في حجم التضحيات الّتي يضطّر الإنسان لتقديمها في ساحة المعركة، والخسارة الّتي يُمكن أن يتكبّدها ولذلك أمر القرآن الكريم بالاهتمام بهذا الجانب ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْل3 كلّ ذلك مهمّ يؤثّر على طبيعة المجريات، وكيفيّة وزمن حسم المعركة.
 
ولكن الأهمّ من ذلك كلّه روحيّة اليد الّتي تحمل هذا السلاح أو تمرّست على تلك الكفاءة.
 
 
 

1- صحيفة نور، جزء 17، ص 62.
2- م.ن، جزء 15، ص 112.
3- سورة الأنفال، الآية: 60.
 
 
 
 
 
 
49

35

الفصل الرابع: مجتمع الشهداء الأحياء

 هذه الروحيّة هي الّتي تملك عنصر الحسم في المعركة مهما كانت المعادلات المادّيّة وهذا ما أكّده الإمام الخميني قدس سره: "لا يُمكن لأيّة قدرة مواجهة الشعب الّذي يقف نساؤه ورجاله على أهبة الاستعداد للتضحيّة بالنفوس، مصرّين على الاستشهاد".

 
"أنتم المنتصرون لأنّ الله معكم، أنتم الأعلون لأنّ الإسلام حاميكم، أنتم الغالبون لأنّ الإيمان رأس مالكم ولأنّكم احتضنتم الشهادة، وأمّا أولئك الّذين يخشون الموت والشهادة، فهم المهزومون حتّى ولو كان لهم جيشاً عظيماً"1.
 
"الشعب الّذي تعتزّ أمهاته وأخواته الباسلات بموت أبنائهنّ الأبطال، الّذين هم في صفّ الشهداء، منتصر لا محالة"2
 
فالمعادلات الماديّة ليس لها الكلمة الأخيرة في المعركة، وهذا ما يؤكّد عليه القرآن الكريم ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ 3، ولا يُستثنى من ذلك المسلمون، كما حصل في حنين ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ 4.

 

 
فعندما تغيّرت الروحيّة تغيّرت نتائج المعركة رغم كلّ المعادلات المادّيّة. 
 
 
 

1- صحيفة نور، جزء 16، ص 58.
2- م. ن، جزء 2، ص 12.
3- سورة البقرة، الآية، 249.
4- سورة التوبة، الآية: 25.
 
 
 
 
 
50

36

الفصل الرابع: مجتمع الشهداء الأحياء

 إنّ الروحيّة الّتي إذا امتلكها المجتمع حسم المعركة لصالحه هي روحيّة الشهادة، فإنّ هذه الروحيّة لا يُمكن أن تجتمع مع الهزيمة، حتّى على المستوى الدنيويّ.


يقول الإمام الخميني قدس سره: "إنّ الشعب الّذي يتمنّى الشهادة منتصر لا محالة".

ويقول أيضاً: "إنّكم منتصرون لأنّكم عانقتم الشهادة، أمّا أولئك الّذين يخافون الشهادة والموت فهم مهزومون". 

لأنّنا من خلال حبّ الشهادة والإقبال على الموت، نحوّل أهمّ نقطة ضعف في المعادلات المادّيّة إلى أعظم قوّة، بشكل يقلب المعادلات كلّها.

وهذا ما أكّدته التجربة أيضاً، يقول الإمام الخميني قدس سره الّذي عايش التجربة مخبراً عنها: "إنّ حسّ السعي في طلب الشهادة والفداء هو الّذي أدّى إلى انتصار الشعب الأعزل على الطاغوت".

"أيّها الشهداء العظام ويا شهداءنا الأكارم الأحياء: لولا جهادكم المتواصل وجهاد إخوانكم وأخواتكم الأجلّاء في الجبهات وخلف الجبهات بإخلاص، حيث رزقكم الله عناياته الخاصّة، لما كان بإمكان أيّ قدرة وأيّ عتاد عسكريّ إنقاذ الجمهوريّة الإسلاميّة، بلدكم العزيز الّذي تصافح الغرب والشرق وأذنابهم وتعاضدوا من
 
 
 
 
 
 
51

37

الفصل الرابع: مجتمع الشهداء الأحياء

  أجل إغراقه في هذا البحر اللجّي الهائج. لم يعرف أولئك الّذين أعمى الله بصيرتهم وسلبهم من المعنويّات بأنّ هذه سفينة نوح وربّانها الله"1.

 
 

1- صحيفة نور، جزء 19، ص 97.
 
 
 
 
 
 
 
52

38

الفصل الخامس: حفظ دماء الشهداء

 إحياء ذكرى الشهداء

 
كثيراً ما تحدّث الإمام عن حفظ دماء الشهداء وحذّر من هدر هذه الدماء الغاليّة وتضييعها، فما هي وظيفتنا تجاه هذه الدماء وكيف يكون حفظها؟
 
يقول الإمام الخميني قدس سره: "اغتنموا هذه الأيّام الكبرى، اغتنموا مثل أيّام الأربعين وعاشوراء وأحيوا أيضاً أيّام استشهاد أعزّائنا مثل يوم مفتح رحمة الله عليه، هؤلاء الّذين كانوا في خدمة الإسلام واستشهدوا على يد أعداء الإسلام"1.
 
"على الشعب الإيراني الشريف في جميع أنحاء إيران أن يُحيي ذكرى الشهداء البواسل الّذين أمّنوا حياة الجمهوريّة الإسلاميّة وجلبوا لنا النصر بتضحياتهم"2.
 
إن ّالإمام يؤكّد على ضرورة إحياء ذكر الشهداء بل ويحذّر من نسيانهم وحذفهم من الذاكرة حيث يقول قدس سره: "إن كنت حيّاً بينكم أو لم أكن، فإنّي أوصيكم جميعاً:...لا تسمحوا أبداً للّذين سبقوا نحو الشهادة المتقدّمين بلبس زيّ الدم، أن يحالوا إلى النسيان في أزقّة الحياة المعقّدة".
 
 
 

1- صحيفة نور، جزء 15، ص 266.س
2- م.ن، جزء 17، ص 34.
 
 
 
 
 
 
 
55

39

الفصل الخامس: حفظ دماء الشهداء

 زيارة قبورهم


يقول الإمام الخميني قدس سره: "هذه تربة الشهداء الطاهرة الّتي ستبقى إلى يوم القيامة مزاراً للعاشقين والعارفين والمتيّمين ودار الشفاء للأحرار"(1).

إذن من المطلوب الإستمرار على زيارة قبور الشهداء مهما تقلّبت الظروف والأحوال إلى يوم القيامة.

ولهذه الزيارة أثرها المعنويّ الكبير فيكفي أنّها دار الشفاء للأحرار، فالّذي يمتلك في قلبه شعلة الحرّيّة ورفض الذلّ، ستكون زيارة قبور هؤلاء الشهداء والارتباط بهم له أثره المعنويّ الملحوظ والأساسيّ في تفعيل نور الحرّيّة هذا وتقوية الإرادة والثبات.

حفظ عوائلهم

هناك جوانب مادّيّة ينبغي الإلتفات إليها وإيلائها الإهتمام الخاصّ، كأيتام الشهيد وعائلته الّتي كان يتكفّلها، وقد أكّدت الروايات عن أهل البيت عليهم السلام على استحباب إظهار 

العطف لهم والتحنُّن عليهم من الجهة المعنويّة، وكذلك من يتكفّلهم من الجهة المادّيّة ويسدّ الفراغ المادّيّ الّذي قد يحصل نتيجة غياب معيلهم ورحيله عن هذه الدار، وقد أشار الإمام الخميني قدس سره إلى هذا الموضوع وأكّد عليه، حيث يقول: "على الشعب الإيرانيّ الشريف في جميع أنحاء إيران... أن يسلّوا ذوي الشهداء ويتفقّدوا أمورهم، ولو أنّ الألسنة والأقلام عاجزة عن وصف الشباب والكهول الأعزّاء الّذين بذلوا دماءهم وأرواحهم لإحياء الإسلام والوطن وإنقاذ البلاد من شرّ الأعداء والسفّاكين،
 
 
 
 
 
 
 
56

40

الفصل الخامس: حفظ دماء الشهداء

 وإنّها عاجزة أيضاً عن تسلّي وتفقّد أحوال الآباء والأمهات الّذين ربّوا في أحضانهم مثل هؤلاء الأولاد وقدّموهم هديّة للإسلام"1.

 
إيصال صوتهم وإبلاغ رسالتهم
 
يقول الإمام الخميني قدس سره: "آخر حديثي معكم يا من وجود وبقاء الجمهوريّة الإسلاميّة نتيجة دماء آبائكم، أن تبقوا لها أوفياء وتفدونها بحياتكم، وباستعدادكم وتصدير الثورة وإبلاغ رسالة الشهداء"2.
 
حفظ المنجزات
 
إنّ حفظ دماء الشهداء يكون بحفظ الثمار والنتائج الّتي قدّموا ما قدّموه للحصول عليها فحفظ هذه النتائج هو حفظ لتلك الدماء، يقول الإمام الخميني قدس سره: "لقد قدّمتم شهداء كثيرين لتحصلوا على الحرّيّة والاستقلال، فعليكم المحافظة على الحرّيّة والاستقلال بكلّ ما أوتيتم من قوّة"3.
"أيّها الشهداء اطمئنّوا في جوار الحقّ تعالى فإنّ شعبكم لن يتوانى عن النصر الّذي جلبتموه له، ويا ذوي الشهداء وأيُّها المعلولون الأعزّاء الّذين ضمنتم الحياة الأبديّة ببذل سلامتكم، اطمئنّوا وثقوا فإنّ شعبكم عازم على حراسة حكومة الله إلى ظهور بقيّة الله ـ روحي فداه ـ حتّى النصر "4.
 
 
 

1- صحيفة نور، جزء 17، ص 34.
2- م. ن، جزء 19، ص 296.
3- م.ن، جزء 15، ص 266.
4- م. ن، جزء 14، ص 39.
 
 
 
 
 
 
 
 
57

41

الفصل الخامس: حفظ دماء الشهداء

 متابعة الطريق

 
إنّ الشهيد بفضل جهاده وتعبه ودمائه كان يتقدّم بالأمّة نحو الأمام، فعلينا أن لا نكتفي بعد استشهاده بالوقوف مكاننا والحفاظ على المنجزات، بل علينا أن نستمرّ بالمسيرة إلى الأمام أيضاً، فالحفاظ على المنجزات مطلوب ولكنّه غير كافي، علينا أن نتقدّم ونتابع الطريق الّتي كان يسيرها الشهيد إلى الأمام، يقول الإمام الخميني قدس سره: "على الشعب الإيراني وخاصّة القوى المسلّحة، أن يحيوا بشجاعتهم وقوّتهم وجهادهم وسعيهم المتواصل، ذكر الشهداء ويتبعوا النصر تلو النصر في الجبهات وخلف الجبهات ويتحرّكواإلى الأمام"1
 
"أدعو الله تعالى أن يُكرمنا جميعاً توفيق تحمّل المصائب ويمنحنا القدرة لمتابعة مسير الشهداء النيّر أكثر من قبل، ويرّد كيد الظالمين إلى نحورهم، ويثبّت أقدام الشعب الإسلاميّ المكرّم في مسير الجهاد والشهادة"2
 
كلمة أخيرة
 
لا شكّ بأنّ دماء الشهداء أمّنت حياة الثورة والإسلام، لقد أعطت دماء الشهداء دروس الصمود وللأبد، لجميع أهل العالَم، والله يعلم أنّ نهج الشهادة لن يمحى ولن يزول، وهذه الشعوب والأجيال القادمة سوف تقتدي بسبيل الشهداء ونهجهم.
 
 
 

1- صحيفة نور، جزء 15، ص 171.
2- م.ن، جزء 21، ص 9.
 
 
 
 
 
 
 
 
58

42
الشهادة