مجالس السيرة الحسينيّة 1441 هـ


الناشر: شبكة المعارف الإسلامية

تاريخ الإصدار: 2019-08

النسخة: 0


الكاتب

معهد سيد الشهداء

هو مؤسسة ثقافية متخصصة تعنى بشؤون النهضة الحسينية ونشرها، وإعداد قدرات خطباء المنبر الحسيني وتنميتها، معتمدة على كفاءات علمائية وخبرات فنية وإدارية... المرتكزة على الأسس الصحيحة المستقاة من ينبوع الإسلام المحمدي الأصيل.


المقدّمة

المقدّمة

 

﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾[1].

 

تُنبئ الآية عن غرض إنزال الإنسان إلى الدنيا وحقيقة جعل الخلافة في الأرض، وما هو آثارها وخواصّها.

 

وحيث إنّ الموجود الأرضيّ، بما أنّه مادّيّ مركّب من القوى الغضبيّة والشهويّة، والدار دار التزاحم، محدودة الجهات، وافرة المزاحمات، مركّباتها في معرض الانحلال، وانتظاماتها وإصلاحاتها في مظنّة الفساد ومصبّ البطلان، لا تتمّ الحياة فيها إلّا بالحياة النوعيّة، ولا يكمل البقاء فيها إلّا بالاجتماع والتعاون، فلا تخلو من الفساد وسفك الدماء، ففهِم الملائكة من هناك أنّ الخلافة المرادة لا تقع في الأرض إلّا بكثرةٍ من الأفراد ونظامٍ اجتماعيّ بينهم يفضي بالآخرة إلى الفساد وسفك الدماء.

 

والخلافة، وهي قيام شيء مقام آخر، لا تتمّ إلّا بكون الخليفة

 


[1] سورة البقرة، الآية30.

 

8


1

المقدّمة

حاكياً للمستخلِف في جميع شؤونه الوجوديّة وآثاره وأحكامه وتدابيره بما هو مستخلِف. والله - سبحانه - في وجوده مسمًّى بالأسماء الحسنى، متّصف بالصفات العليا، من أوصاف الجمال والجلال، منزَّه في نفسه عن النقص، ومقدَّس في فعله عن الشرّ والفساد جلّت عظمته! والخليفة الأرضيّ بما هو كذلك لا يليق بالاستخلاف، ولا يحكي بوجوده المشوب بكلّ نقص وشين الوجودَ الإلهيَّ المقدَّس المنزَّه عن جميع النقائص وكلّ الأعدام، فأين التراب وربّ الأرباب؟!

 

ولكي يكون الإنسان لائقاً بهذه المنزلة العظيمة، والمكانة الرفيعة، لا بدّ له من بناء نفسه ومجتمعه بناءً إيمانيّاً أصيلاً، فالإنسان المؤمن والمجتمع الإيمانيّ هو اللائق بالوصول إلى هذا الكمال.

 

وهذا الكتاب مجموعة من المواعظ في بناء الإنسان القويم والمجتمع المؤمن الذي يوفّر أجواء الوصول إلى مقام الخلافة الإلهيّة، من بناء الشخصيّة الإنسانيّة وأهمّ صفاتها ومواهبها، وتوضيح نظام المجتمع الإسلاميّ وأهمّ الحقوق والواجبات المشتمل عليها.

 

                                                                                      والحمد لله ربِّ العالمين

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

 

 

9

 


2

الموعظة الأولى: بناء الشخصيّة الإنسانيّة

الموعظة الأولى:

بناء الشخصيّة الإنسانيّة

 

 

 

المحاور الرئيسية:

ـ ماهيّة الشخصيّة الإنسانيّة

ـ العوامل المؤثِّرة في بناء الشخصيّة

ـ عناصر بناء الشخصيّة

ـ أسس التربية السليمة

 

10


3

الموعظة الأولى: بناء الشخصيّة الإنسانيّة

هدف الموعظة

التعرّف إلى العناصر المؤثِّرة في بناء الشخصيّة وكيفيّة الاستفادة منها عمليّاً في التربية.

 

تصدير الموعظة

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إنّكم لا تَقْدرون على أنْ تَسعوا الناس بأموالكم، فسعوهم بأخلاقكم"1.

 


1- الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1414هـ، ط2، ج4، ص394.

 

11


4

الموعظة الأولى: بناء الشخصيّة الإنسانيّة

تمهيد

إنّ الشخصيّة هي مجموع الصفات والأخلاق النفسيّة والاتّجاه الفكريّ الخاصّ بكلّ إنسان، ممّا يعطيه لوناً مميّزاً، يتمايز به عن غيره من الناس، فشخصيّة الفرد وحدة متفاعلة لمجموعة النزاعات الذاتيّة الموجَّهة نحو أهداف معيّنة، وتصدر عنها أفعال وتصرّفات وتفاعل في المحيط الذي توجد فيه. والشخصيّة مزوّدة بنزعات وطاقات وراثيّة مستعدّة للتعديل والتبدّل إذا ما توفّر لها من العوامل المحيطة ما يساعدها على التبدل، فإنْ صلحت هذه العوامل، كان الفرد صالحاً، وإن لم تكن صالحة وسليمة، فستؤثّر سلباً على الشخصيّة.

 

أوّلاً: العوامل المؤثّرة في بناء الشخصيّة

إنّ أهمّيّة البحث حول العناصر المؤثِّرة في الشخصيّة ترتبط بوظيفة الإنسان في الحياة، والمسؤوليّة التي ينبغي أن يؤدّيَها.

أهمّ العوامل المؤثّرة في بناء الشخصيّات وتكوينها ثلاثة، هي: الوراثة، البيئة والتربية والتعليم.

 

12


5

الموعظة الأولى: بناء الشخصيّة الإنسانيّة

أ ـ الوراثة

تدلّ قوانين الوراثة على أنّ بعض معالم الشخصيّة وطبائعها وميولها يرثها الإنسان من آبائه.

 

فالوراثة هي ميل طبيعيّ في الفرع لمشابهة أصله في تكوينه الجسمانيّ، وتشمل الكائنات الحيّة كلّها (الإنسان، النباتات، الحيوانات).

 

نظرة الإسلام إلى الوراثة

لقد جاء في مجموعة من النصوص إشارة واضحة إلى قضيّة الوراثة:

فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "تزوجوا في الحجز الصالح، فإن العرق دسّاس"1، وقال أيضاً: "اختاروا لنطفكم، فإنّ الخالَ أحدُ الضجيعين"2.

 


1- الطبرسيّ، الشيخ رضيّ الدين أبي نصر الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق، منشورات الشريف الرضيّ، إيران - قم، 1392ه - 1972م، ط6، ص197.

2- الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج5، ص332.

 

13


6

الموعظة الأولى: بناء الشخصيّة الإنسانيّة

وقد نهى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن تزويج شارب الخمر، والتزوج من المرأة الحمقاء والمجنونة.

 

فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "شارب الخمر لا يُزوَّج إذا خطب"1.

 

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إيّاكم وتزويج الحمقاء، فإنّ صحبتها بلاء، وولدها ضياع"2.

 

ب- البيئة

وهي المحيط الاجتماعيّ، بتقاليده وقيمه وثقافاته وعاداته ومفاهيمه، مثل:

البيئة العائليّة، المدرسيّة، الجهاديّة، السياسيّة، التربويّة...

فالحياة الاجتماعيّة حياة تأثير وتأثّر، وكلّ إنسان يتأثّر بمن حوله ويؤثّر فيهم.

قال -تعالى-، في ذمّ التأثّر بالبيئة الفاسدة: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ

 


1-الشيخ الكليني، الكافي، ج5، ص348.

2- المصدر نفسه، ص354.

 

14


7

الموعظة الأولى: بناء الشخصيّة الإنسانيّة

اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ﴾[1].

 

يقول الشيخ مصباح اليزديّ (حفظه الله): "لا أحد يستطيع أن ينكر أصل تأثير البيئة الاجتماعيّة ونفوذها في تكوين شخصيّة كلّ واحد من أفراد الإنسان، وأنّ هذا التأثير والنفوذ عميق وشامل بالنسبة للأكثريّة الساحقة من الناس، فلا ريب أنّ الفرد في كثير من الأحيان تابع ومحكوم لإرادة المجتمع"[2].

 

شواهد من الواقع

أجواء العائلة، الجهاد، المسجد أو الحفلات والغناء وحفلات اللهو...

 

الأساتذة والتلاميذ، وما يحملون من أفكار، وثقافة المجتمع، الأصدقاء ومَن نخالط...

 


1- سورة البقرة، الآية 170.

2-  اليزدي، محمّد تقي المصباح، النظرة القرآنيّة للمجتمع والتاريخ، ص49.

 

15


8

الموعظة الأولى: بناء الشخصيّة الإنسانيّة

موقف الإسلام

لقد اهتمّ الإسلام بالبيئة، فحرص على إصلاحها وسلامتها من الأمراض الخُلقيّة والانحرافات الفكريّة والعقائديّة، وذلك من خلال برنامج متكامل، أهمّ ما جاء فيه:

- الحثّ على مجالسة العلماء، والابتعاد عن علماء السوء

قال أمير المؤمنين عليه السلام: "خير من صاحبت ذوو العلم والحلم"[1]، وقال لقمان لابنه: "يا بنيّ، جالِس العلماء وزاحمهم بركبتيك"[2].

 

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "قالت الحواريّون: يا روح الله، مَن نجالس؟ قال: من يذكّركم اللهَ رؤيتُه، ويزيد في علمكم منطقُه، ويرغّبكم في الآخرة عملُه"[3].

 


1- الليثيّ الواسطيّ، الشيخ كافي الدين أبو الحسن عليّ بن محمّد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق الشيخ حسين الحسينيّ البيرجندي، دار الحديث، إيران - قم، 1418ه، ط1، ص238.

2- المجلسيّ، العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403ه - 1983م، ط2، ج1، ص204.

3- الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص39.

 

16


9

الموعظة الأولى: بناء الشخصيّة الإنسانيّة

- اختيار الأصدقاء

يقول أمير المؤمنين عليه السلام مخاطباً ولده الإمام الحسن عليه السلام: "يا بنيّ، إيّاك ومصادقة الأحمق، فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك، وإيّاك ومصادقة البخيل، فإنّه يقعد عنك أحوج ما تكون إليه، وإيّاك ومصادقة الفاجر, فإنّه يبيعك بالتافه، وإيّاك ومصادقة الكذّاب, فإنّه كالسراب، يقرّب عليك البعيد ويبعّد عليك القريب"[1].

 

- اجتناب مجالس المعصية

وهي المجالس والاجتماعات التي تُرتكب فيها المعاصي، كمجالس اللهو والغناء، والغيبة، ومجالس شرب الخمر...

 

عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم، فتصيروا عند الناس كواحد منهم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: المرء على دين خليله وقرينه"[2].

 


[1]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج71، ص199.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص375.

 

17


10

الموعظة الأولى: بناء الشخصيّة الإنسانيّة

ج ـ التربية

شجّع الإسلام على التربية وحثّ عليها، يقول – تعالى -: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾[1].

 

1 ـ تحمّل المسؤوليّة

حمّل الإسلام الآباء والمربّين مسؤوليّة تربية أبنائهم وفق المنهج الإلهيّ، قال - تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾[2].

 

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "لئن يؤدِّب أحدكم ولده، خير له من أن يتصدَّق بنصف صاعٍ كلّ يوم"[3].

 


[1] سورة الشمس، الآية 9.

[2] سورة التحريم، الآية 6.

[3] الحرّ العامليّ، الشيخ محمّد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام، إيران - قم، 1414ه، ط2، ج21، ص476.

 

18


11

الموعظة الأولى: بناء الشخصيّة الإنسانيّة

2 ـ من أسس التربية الإسلاميّة

- الاهتمام بتربية الأولاد

فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "علِّموا أولادكم الصلاة لسبع، واضربوهم عليها لتسع"[1]، "إذا وعدتموهم شيئاً، ففوا لهم"[2].

 

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "حقّ الولد على الوالد أن يحسِّن اسمه، ويحسِّن أدبه، ويعلّمه القرآن"[3].

 

- الاهتمام بعنصري المحبّة والمودّة

المحبّة هي أساس نجاح العمليّة التربويّة، وقد أكّد الإسلام عليها في العديد من الروايات، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أحبّوا الصبيان، وارحموهم"[4].

 

 


[1] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص341.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص49.

[3] الرضيّ، السيّد أبو الحسن محمّد الرضيّ بن الحسن الموسويّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ عليه السلام)، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، لا.ن، لبنان - بيروت، 1387ه - 1967م، ط1، ص546.

[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص49.

 

19

 

 


12

الموعظة الأولى: بناء الشخصيّة الإنسانيّة

وعنه أيضاً صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "من قبّل ولده، كتب الله له حسنة، ومن فرّحه، فرّحه الله يوم القيامة"[1].

 

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ الله يرحم الرجل لشدّة حبّه لولده"[2].

 

- الأخلاق الحسنة

تعتبر الأخلاق من أهمّ القيم المعنويّة في الحياة، ومن أهمّ الأسس الإنسانيّة، وقد أكدَّ الإسلام على أهمّيّة الأخلاق، واعتبرها من أهمّ الفضائل التي يجب أن يتحلّى بها المسلم في حياته، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خُلُق حسن"[3].

 

وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "أفاضلكم أحسنكم أخلاقاً"[4].

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص49.

[2] المصدر نفسه، ص50.

[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج68، ص383.

[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص102.

 

20


13

الموعظة الأولى: بناء الشخصيّة الإنسانيّة

وقد اعتبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الهدف من بعثته هو إتمام القيم الأخلاقيّة في المجتمع، حيث قال  صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّما بُعِثْت لأتمّمَ مكارم الأخلاق"[1].

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج67، ص372.

 

21


14

الموعظة الثانية: التفقّه في الدين

الموعظة الثانية

التفقّه في الدين

 

 

المحاور الرئيسية:

- مقدّمة في معنى الفقه

- الحثّ على التفقّه في القرآن

- وجوب التفقّه في الدين

- التفقّه روح العبادة

 

22


15

الموعظة الثانية: التفقّه في الدين

هدف الموعظة

التعرّف إلى مفهوم التفقّه في الدين، والحثّ عليه.

 

تصدير الموعظة

عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام أنّه قال: "تفقّهوا في دين الله، فإنّ الفقه مفتاح البصيرة، وتمام العبادة، والسبب إلى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا... ومَن لم يتفقّه في دينه لم يرضَ الله له عملاً"[1].

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج78، ص321.

 

23


16

الموعظة الثانية: التفقّه في الدين

تمهيد

الفقه: الفهم والفطنة، يُقال: يفقه الخير والشرّ، أي يفهمه، ففي المصباح المنير: "الفقه فهم الشيء، وكلّ علم بشيء، فهو فقه له"[1]، وتقول العرب: أُوتي فلان فقهاً في الدين، أي فهماً له. وقد ورد في القرآن الكريم استعمال الفقه بمعنى الفهم، قال الله -تعالى-: ﴿قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ﴾[2] و﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾[3]، أي لا تفهمون تسبيحهم.

 

وفي لسان العرب: "الفِقه، العلم بالشيء والفهم له"[4]، وفي القاموس المحيط: "الفِقه (بالكسر)، العلم بالشيء والفهم له والفطنة، وغَلَبَ على علم الدين لشرفه..."[5].

 


[1] أحمد بن محمّد المقريّ الفيوميّ، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعيّ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لا.ت، لا.ط، ج2، ص154.

[2]  سورة هود، الآية 91.

[3] ابن منظور، العلّامة محمّد بن مكرم الإفريقيّ المصريّ، لسان العرب، نشر أدب الحوزة، إيران - قم، 1405ه، لا.ط، ج12، مادّة فقه.

[4] سورة الإسراء، الآية 44.

[5] الفيروز آبادي، الشيخ مجد الدين محمّد بن يعقوب الشيرازيّ، القاموس المحيط، دار العلم للجميع، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج4، ص289.

 

24


17

الموعظة الثانية: التفقّه في الدين

والفِقْه، العلم بأحكام الشريعة، يُقال: فَقَهَ الرجل فقاهةً: إذ صار فقيهاً، وفقِهَ: أي فهِم فقهاً، وفقِهَهُ: أي فهمَهُ، وتفقَّه، إذا طلبَه فتخصَّص به، قال - تعالى -: ﴿لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ﴾[1].[2]

 

1- الحثّ على التفقّه في القرآن[3]

قال الله - تعالى -: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾[4].

 

لا شكّ أنّ المقصود من التفقّه في الدين هو تحصيل المعارف والأحكام الإسلاميّة، وهي أعمّ من الأصول والفروع، لأنّ هذه الأمور كلّها قد جُمعت في مفهوم التفقّه. وعليه، فإنّ هذه الآية دليل واضح على وجوب توجّه فئة من

 


[1] سورة التوبة، الآية 122.

[2] الراغب الأصفهانيّ، أبو القاسم الحسين بن محمّد، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان عدنان داوودي، طليعة النور، لا.م، 1427ه، ط2، ص1421

[3] راجع: سورة الأنعام، الآيتان 65 و 98.

[4] سورة التوبة، الآية 122.

 

25


18

الموعظة الثانية: التفقّه في الدين

المسلمين وجوباً كفائيّاً على الدوام لتحصيل العلوم في مختلف المجالات الإسلاميّة، وبعد الفراغ من التحصيل العلميّ يرجعون إلى مختلف البلدان، وخصوصاً بلدانهم وأقوامهم، ويعلّمونهم مختلف المسائل الإسلاميّة[1].

 

دلّت الآية على وجوب تعلّم الأحكام لغاية الإنذار والإرشاد بالنسبة إلى القوم الذين لا يعلمون، فيجب إرشاد الجاهل على العالم بحكم الآية الكريمة. ومن المعلوم أنّ الآية تكون في مقام بيان غائيّة العمل، أي الإنذار غايةً للتفقّه، فتفيد وجوب الإرشاد قطعاً، كما قال السيّد الخوئيّ قدس سره: "أمّا الأحكام الكلّيّة الإلهيّة، فلا ريب في وجوب إعلام الجاهل بها، لوجوب تبليغ الأحكام الشرعيّة على الناس، جيلاً بعد جيل إلى يوم القيامة، وقد دلّت عليه آية النفر، والروايات الواردة في بذل العلم وتعليمه وتعلّمه"[2].

 


[1] الشيرازيّ، الشيخ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط، ج6، ص269.

[2] الخوئيّ، السيّد أبو القاسم الموسويّ، مصباح الفقاهة، مكتبة الداوري، إيران - قم، لا.ت، ط1، ج1، ص 122.

 

26


19

الموعظة الثانية: التفقّه في الدين

2- التفقّه في الدين

ورد في فضل التفقّه وأهمّيّته والحثّ عليه، والنهي عن تركه، الكثير من الروايات الشريفة:

أ- الأمر بالتفقّه في الدين

روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إذا تفقّهت، فتفقّه في دين الله"[1].

 

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "ليت السيّاط على رؤوس أصحابي حتّى يتفقّهوا في الحلال والحرام"[2].

 

ب- ذمّ ترك التفقّه في الدين

روي عن النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أفٍّ لكلّ مسلم لا يجعل في كلّ جمعة الأسبوع يوماً يتفقّه فيه أمر دينه، ويسأل عن دينه"[3].

 

 


[1] الحرّانيّ، الشيخ ابن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1404ه - 1363ش، ط2، ص410.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص31.

[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج1، ص176.

 

27


20

الموعظة الثانية: التفقّه في الدين

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "تفقّهوا في دين الله، ولا تكونوا أعراباً، فإنّ من لم يتفقّه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة، ولم يزكِّ عمله"[1].

 

وعنه عليه السلام قوله أيضاً: "لا خير فيمن لا يتفقّه من أصحابنا يا بشير، إنّ الرجل منهم إذا لم يستغنِ بفقهه، احتاج إليهم، فإذا احتاج إليهم أدخلوه في باب ضلالتهم، وهو لا يعلم"[2].

 

ج- فضل التفقّه في الدين

- أفضل العبادة: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أفضل العبادة الفقه، وأفضل الدين الورع"[3].

 

- الخير من الله: عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إذا أراد الله بعبدٍ خيراً فقّهه في الدين"[4].

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص31.

[2] المصدر نفسه، ص33.

[3] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، الخصال، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1403ه - 1362ش، لا.ط، ص30.

[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص32.

 

28


21

الموعظة الثانية: التفقّه في الدين

- من الكمال: عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "الكمال كلّ الكمال التفقّه في الدين، والصبر على النائبة وتقدير المعيشة"[1].

 

الرجوع إلى الفقهاء

أمرت الروايات الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام بالرجوع إلى الفقهاء، ممّن قيّض الله فيهم روح الاجتهاد في العلم، والتفقّه في الدين، واتّصفوا بالعدالة، ليكونوا مصابيح للهداية، ونذراً للحقّ، فيرجع المسلمون إليهم، فهم حفظة التراث، وحملة الشريعة، وخزّان العلم، والأمناء على القيادة الإسلاميّة.

 

وقد ورد عن الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام أنّه قال: "فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلِّدوه، وذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة، لا جميعهم..."[2].

 


[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص32.

[2] الطبرسيّ، الشيخ أبي منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب، الاحتجاج، تعليق السيّد محمّد باقر الخرسان، دار النعمان للطباعة والنشر، العراق - النجف الأشرف، 1386ه - 1966م، لا.ط، ج2، ص264.

 

29


22

الموعظة الثانية: التفقّه في الدين

3- خصائص التفقّه وآثاره

يظهر من الروايات وجود العديد من الخصائص الخاصّة بالفقيه، إلى جانب العديد من الآثار التي ينبغي أن تنعكس على سلوك المتفقّه في دين الله - تعالى -، منها:

أ- القصد في العمل: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ما ازداد عبد قطّ فقهاً في دينه، إلّا ازداد قصداً في عمله"[1].

 

ب- إصلاح المعيشة: فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمأنّه قال: "من فقه الرجل أن يصلح معيشته..."[2].

 

ج- الورع: فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "الورع شيمة الفقيه"[3].

 

د- عدم الغرور: فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إنّ من الحقّ أن تتفقّهوا، ومن الفقه أن لا تغترّوا"[4].

 


[1] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، تحقيق ونشر دار الحديث، لا.م، لا.ت، ط1، ج3، ص2455.

[2] المصدر نفسه.

[3] التميميّ الآمديّ، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم ودرر الكلم، تحقيق وتصحيح  السيّد مهدي رجائي‏، نشر دار الكتاب الإسلاميّ‏، إيران- قم‏، 1410ه‏، ط2، ص995.

[4] الشيخ المحموديّ، نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج3، ص29.

 

30


23

الموعظة الثانية: التفقّه في الدين

هـ- الحلم والقصد في الكلام: فعن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت"[1].

 

4- التفقّه روح العبادة

ترتبط العبادة بالعلم ومعرفة الله - تعالى - ارتباطاً وثيقاً، وهو ما نجده في العديد من الروايات التي قرنت بين التفقّه والعبادة، فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "قليل الفقه خير من كثير العبادة"[2].

 

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "لا خير في عبادة ليس فيها تفقّه، ولا خير في علم ليس فيه تفكّر، ولا خير في قراءة ليس فيها تدبّر"[3]، "ولا عبادة إلّا بتفقّه"[4]، كما عن الإمام زين العابدين عليه السلام.

 


[1] المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان، الاختصاص، تحقيق علي أكبر الغفاري والسيّد محمود الزرنديّ، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414ه - 1993م، ط2، ص232 .

[2] الريشهريّ، ميزان الحكمة، مصدر سابق، ج3، ص2459.

[3] الحرّانيّ، تحف العقول، مصدر سابق، ص204.

[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج70، ص204.

 

31


24

الموعظة الثالثة: العمل في الإسلام

الموعظة الثالثة

العمل في الإسلام

 

المحاور الرئيسية:

- قيمة العمل في الإسلام

- الموازنة بين الدين والدنيا

- إتقان العمل وتعلّم الحرفة

- الحثّ على طلب الحلال

- إيّاك والكسب الحرام

 

34


26

الموعظة الثالثة: العمل في الإسلام

هدف الموعظة

بيان قيمة العمل في الإسلام، وحثّ الإخوة على الكسب الحلال، وتبغيض الكسب الحرام إليهم.

 

تصدير الموعظة

قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾[1].

 

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "طلب الحلال فريضة على كلّ مسلم ومسلمة"[2].

 


[1] سورة الملك، الآية 15.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج100، ص9.

 

36


27

الموعظة الثالثة: العمل في الإسلام

تمهيد

"حثّ الإسلام على العمل والإنتاج، وقيّمه بقيمة كبيرة، وربط به كرامة الإنسان وشأنه عند الله، وحتّى عقله، وبذلك خلق الأرضيّة البشريّة الصالحة لدفع الإنتاج وتنمية الثروة، وأعطى مقاييس خلقيّة وتقديرات معيّنة عن العمل والبطالة، لم تكن معروفة من قبله. وأصبح العمل في ضوء تلك المقاييس والتقديرات عبادة يُثاب عليها المرء. وأصبح العامل في سبيل قوته أفضل عند الله من المتعبد الذي لا يعمل وصار الخمول أو الترفع عن العمل نقصاً في إنسانية الإنسان وسبباً في تفاهته"[1].

 

أوّلاً: قيمة العمل في الإسلام

رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "العبادة سبعون جزءاً، أفضلها طلب الحلال"[2].

 

 


[1] الصدر، السيّد محمّد باقر، اقتصادنا، مكتب الإعلام الإسلاميّ - فرع خراسان، مؤسّسة بوستان كتاب قم (مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلاميّ)، 1425 - 1382ش، ط2، ص618.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص78.

 

37


28

الموعظة الثالثة: العمل في الإسلام

ورد عن الإمام الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: مَنْ بات كالّاً من طلب الحلال، بات مغفوراً له"[1].

 

وعن خنيس، قال: سأل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل، وأنا عنده، فقيل: أصابته الحاجة، قال عليه السلام: "فما يصنع اليوم؟"، قيل: في البيت يعبد ربّه، قال عليه السلام: "فمن أين قوته؟"، قيل: من عند بعض إخوانه، فقال أبو عبد الله عليه السلام: "والله، لَلَّذي يقوته أشدّ عبادةً منه"[2].

 

ثانياً: الموازنة بين الدين والدنيا

الإسلام دين الفطرة، جمع مقاصد الدنيا والآخرة، فوفّق بين طلب الدنيا بتحصيل الرزق والعيش بكرامة والسعي للآخرة بفعل الطاعات والاجتهاد في العبادة.

 

قال تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[3].

 


[1] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج17، ص24.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص78.

[3] سورة الجمعة، الآية 10 .

 

38


29

الموعظة الثالثة: العمل في الإسلام

بل قرن - سبحانه - بين المجاهدين في سبيله والذين يضربون في الأرض، قال سبحانه: ﴿وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[1].

 

فالمراد بقوله: ﴿عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ﴾، عِلْمُه تعالى بعدم تيسّر إحصاء المقدار الذي أمروا بقيامه من الليل لعامّة المكلّفين.

 

والمراد بقوله: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾، توبته تعالى ورجوعه إليهم، بمعنى انعطاف الرحمة الإلهيّة عليهم بالتخفيف، فلله سبحانه توبة على عباده ببسط رحمته عليهم، وأثرها توفيقهم للتوبة أو لمطلق الطاعة أو رفع بعض التكاليف أو التخفيف.

 

والمراد بقوله: ﴿فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾، التخفيف

 


[1] سورة المزّمّل، الآية 20.

 

39


30

الموعظة الثالثة: العمل في الإسلام

في قيام الليل، من حيث المقدار لعامّة المكلَّفين تفريعاً على علمه تعالى أنّهم لن يحصوه.

 

وقوله: ﴿عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ "عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، إشارة إلى مصلحة أخرى مقتضِية للتخفيف في أمر القيام ثلث الليل أو نصفه أو أدنى من ثلثيه، وراء كونه شاقّاً على عامّة المكلَّفين بالصفة المذكورة أوّلاً، فإنّ الإحصاء المذكور للمريض والمسافر والمقاتل، مع ما هم عليه من الحال، شاقّ عسير جدّاً.

 

والمراد بالضرب في الأرض للابتغاء من فضل الله، طلب الرزق بالمسافرة من أرض إلى أرض للتجارة[1].

 

ثالثاً: إتقان العمل وتعلّم الحرفة

لأنّ إتقان الأعمال وتطويرها من أهمّ عوامل التطوّر

 


[1] الطباطبائيّ، العلّامة السيّد محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1417ه‏، ط5، ج2، ص67.

 

40


31

الموعظة الثالثة: العمل في الإسلام

والرقيّ والازدهار والتقدّم، فقد أشادت السنّة الشريفة بالعمل، حاثّةً عليه وعلى إتقانه.

 

عن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم، عندما مات ابنه إبراهيم، قال: "تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الربّ، وإنّا بك - يا إبراهيم - لمحزونون"، ثمّ رأى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في قبره خللا فسوّاه بيده، ثمّ قال: "إذا عمل أحدكم عملاً فليتقن"[1].

 

وكان رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم، إذا نظر إلى الرجل فأعجبه، قال: "هل له حرفة؟" فإنْ قالوا: لا، قال: "سقط من عيني"[2].

 

رابعاً: الحثّ على طلب الحلال

لقد حثّت الشريعة على تحصيل الرزق في العديد من الروايات.

فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "العبادة عشرة أجزاء، تسعة أجزاء في طلب الحلال"[3].

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج3، ص262.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج100، ص9.

[3] المصدر نفسه.

 

41


32

الموعظة الثالثة: العمل في الإسلام

وقد قرن الإمام الصادق عليه السلام التوصية به حين أوصى أصحابه بالتقوى، حيث يقول عليه السلام: "اقرؤوا من لقيكم من أصحابكم السلام، وقولوا لهم: إنّ فلان بن فلان يقرِئكم السلام، وقولوا لهم: عليكم بتقوى الله، وما يُنال به ما عند الله، إنّي والله، ما آمركم إلّا بما نأمر به أنفسنا، فعليكم بالجدّ والاجتهاد، وإذا صلّيتم الصبح فانصرفتم، فبكِّروا في طلب الرزق واطلبوا الحلال، فإنَّ الله سيرزقكم ويعينكم عليه"[1].

 

وعن الإمام الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من بات كالّاً من طلب الحلال، بات مغفوراً له"[2].

 

خامساً: إيّاك والكسب الحرام

نهى القرآن الكريم عن اتّباع الطرق غير المشروعة في الكسب نهياً شديداً، مثل أكل المال بالباطل، والرّبا، والظلم، والفساد... قال – تعالى -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ﴾[3].

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص79.

[2] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج17، ص24.

[3] سورة النساء، الآية 29.

 

42


33

الموعظة الثالثة: العمل في الإسلام

أمّا الأحاديث والروايات، فإنّها عدّت هذه الطرق من الكبائر، بل شبّهت بعضه، مثل: الاحتكار، والخيانة، والرّبا، بأقبح الذنوب، كالقتل، لأنّ هذه الأعمال تشلّ النشاط الاقتصاديّ للإنسان، وتسوقه إلى الهلاك التدريجيّ.

 

وللإمام الرضا عليه السلام كلامٌ طويلٌ، ذكر فيه ما حرّم الله تعالى منه: "... واجتنابُ الكبائرِ، وهي قَتلُ النَّفسِ التي حرَّمَ اللهُ تعالى، وأكلُ الرِّبا بَعدَ البيِّنَةِ، والبَخسُ فِي المكيالِ والميزانِ، والإسرافُ، والتَّبذيرُ، والخيانَةُ"[1].

 

عواقب أكل الحرام

1- تضييع الأعمال وعدم قبولها

قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن أكَلَ حَراماً، لَم يَقبَلْ اللهُ مِنهُ صَرفاً ولا عَدلاً"[2].

 


[1] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، عيون أخبار الرضا عليه السلام، تصحيح الشيخ حسين الأعلميّ، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1404ه - 1984م، لا.ط، ج2، ص125.

[2] ابن فهد الحلّيّ، عدّة الداعي ونجاح الساعي، تصحيح أحمد الموحّديّ القمّيّ، مكتبة وجداني، إيران - قم، لا.ت، لا.ط، ص140.

 

43


34

الموعظة الثالثة: العمل في الإسلام

2- يمنع استجابة الدعاء

قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن أحبَّ أن يُستجابَ دُعاؤهُ، فليُطَيِّب مَطعَمَهُ ومَكسَبَهُ"[1].

 

3- يوجب لعنة الملائكة

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا وَقَعت اللُّقمَةُ مِن حرامٍ فِي جَوفِ العَبدِ، لَعَنَهُ كُلُّ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ والأرضِ"[2].

 

4- الكفر والضلال

وخطاب الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء الذي وجّهه إلى عسكر عمر بن سعد، خيرُ دليلٍ على هذه الحقيقة، حيث قال عليه السلام: "فَقَدْ مُلِئتْ بُطونُكُم مِن الحرامِ، وطُبِعَ عَلَى قُلُوبِكُم، وَيْلَكُم ألا تنصتُونَ؟! ألا تسمعُونَ؟!"[3].

 


[1] الحلّيّ، عدّة الداعي، مصدر سابق، ص128.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج63، ص314

[3] المصدر نفسه، ج45، ص8.

 

44


35

الموعظة الرابعة: العفاف

الموعظة الرابعة

العفاف

 

المحاور الرئيسية:

- قيمة العفّة في الإسلام

- منشأ العفّة ومواردها

- آثار العفاف

- صفة الشيعة

 

45


36

الموعظة الرابعة: العفاف

هدف الموعظة

التعرّف إلى قيمة العفّة وأهمّيّتها في تهذيب السلوك وتقويمه.

 

تصدير الموعظة

قال تعالى: ﴿وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ﴾[1].

 

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "العفاف يصون النفوس، وينزّهها عن الدنايا"[2].

 

 


[1] سورة النور، الآية 60.

[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص21.

 

46


37

الموعظة الرابعة: العفاف

تمهيد

العفّة هي التوسّط في جلب كلّ كمال أو منفعة، وطرفاه الشره والخمود[1]. وهي من أهمّ الفضائل الإنسانيّة والأخلاقيّة على السواء.

 

وفي لسان العرب: العِفّة: الكَفُّ عمّا لا يَحِلّ ويَجْمُلُ. عَفَّ عن المَحارِم والأطْماع الدَّنِية[2].

 

وقال علماء الأخلاق: إنّ العفّة هي حصول حالة للنفس، تمتنع بها من غلبة الشهوة، وإنّها انقياد الشهوة للعقل.

 

وفي الآثار الشريفة، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "الصبر عن الشهوة، عفّة"[3].

 

أوّلاً: قيمة العفّة في الإسلام

لقد تحدّثت الروايات الواردة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام عن قيمة العفّة العظيمة، وكونها صفة

 


[1] مستفاد من السيّد الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج1، ص379.

[2] ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج9، ص352.

[3] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص58.

 

47


38

الموعظة الرابعة: العفاف

إنسانيّة وخلقيّة رفيعة ينبغي أن يهتمّ بها الإنسان في تربيته لنفسه، وسلوكه مع الآخرين، وذلك لما يترتّب على سجيّة العفّة من الآثار الطيّبة والحميدة، حتّى وضعت العفيف بمنزلة الملائكة، ووُصف العفاف بأنّه أفضل العبادة، فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "أفضل العبادة العفاف"[1].

 

وعنه عليه السلام: "عليك بالعفاف، فإنّه أفضل شِيَمِ الأشراف"[2].

 

وعنه عليه السلام في وصيّته لمحمّد بن أبي بكر، لمّا ولّاه مصر: "يا محمّد بن أبي بكر، اعلم أنّ أفضل العفّة، الورع في دين الله والعمل بطاعته..."[3].

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص79.

[2] البروجرديّ، السيّد حسين الطباطبائيّ، جامع أحاديث الشيعة، لا.ن، إيران - قم، 1399ه، لا.ط، ج14، ص277.

[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج77، ص390.

 

48


39

الموعظة الرابعة: العفاف

وعنه عليه السلام أنّه قال: "ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً ممّن قدر فعفّ، لكاد العفيف أن يكون ملَكاً من الملائكة"[1].

 

ثانياً: مـَنشأ العفّة ومواردها

تحدّثت الروايات عن منشأين أساسيّين للعفّة، هما:

أ- العقل: فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "من عقل عفَّ"[2].

 

ب- الرضا: وعنه عليه السلام أيضاً: "الرضا بالكفاف يؤدّي إلى العفاف"[3].

 

أمّا موارد العفّة فكثيرة، نشير إلى بعضٍ منها:

1. العفّة عن السؤال (إظهار الفقر والحاجة)

يقول تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ

 


[1] ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله‏، شرح نهج البلاغة، تحقيق وتصحيح محمّد أبو الفضل إبراهيم، نشر مكتبة آية الله المرعشيّ النجفيّ‏، إيران - قم، 1404ه‏، ودار إحياء الكتب العربيّة - عيسى البابيّ الحلبيّ وشركاه، 1378ه - 1959م، ط1، ج20، ص233.

[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص428.

[3] المصدر نفسه، ص27.

 

49


40

الموعظة الرابعة: العفاف

لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ﴾[1].

 

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "العفاف زينة الفقر"[2].

 

2- التعفّف بالستر

يقول تعالى: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[3].

 

3- العفّة عن الشهوة المحرّمة

يقول تعالى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾[4].

 

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "زكاة الجمال العفاف"[5].

 


[1] سورة البقرة، الآية 273.

[2] نهج البلاغة، مصدر سابق، ص479.

[3] سورة النور، الآية 60.

[4] سورة النور، الآية 33.

[5] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص275.

 

50


41

الموعظة الرابعة: العفاف

4- عفة البطن والفرج

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أحبّ العفاف إلى الله تعالى عفاف البطن والفرج"[1].

 

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إذا أراد الله بعبد خيراً، عفّ بطنه وفرجه"[2].

 

وعن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "ما عُبد الله بشيء أفضل من عفّة بطنٍ وفرج"[3].

 

ثالثاً: آثار العفاف

أ- حُسن الأوصاف

عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "مَن عفّت أطرافه، حسُنت أوصافه"[4].

 


[1] الحلواني، نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهديّ عليه السلام، إيران - قم، 1408، ط1، ص30.

[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص131.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص79.

[4] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص464.

 

51


42

الموعظة الرابعة: العفاف

وعن الإمام الباقر عليه السلام: "أمّا لباس التقوى فالعفاف، إنّ العفيف لا تبدو له عورة، وإن كان عارياً من الثياب، والفاجر بادي العورة، وإن كان كاسياً من الثياب، يقول الله: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ﴾[1]"[2].

 

ب- القناعة

عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "على قدر العفّة تكون القناعة"[3].

 

وعنه عليه السلام: "ثمرة العفّة، القناعة"[4].

 

ج- الغيرة

عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "دليل غيرة الرجل، عفّته"[5].

 


[1] سورة الأعراف، الآية 26.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج68، ص272.

[3] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص327.

[4] المصدر نفسه، ص208.

[5] المصدر نفسه، ص249.

 

52


43

الموعظة الرابعة: العفاف

د- الصبر على الشهوات

عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "العفّة تضعف الشهوة"[1].

 

هـ- زكاة الأعمال

عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "بالعفاف تزكو الأعمال"[2].

 

و- محبّة الله

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إنّ الله يحبّ عبده الفقير المتعفّف ذا العيال"[3].

 

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إنّ الله سبحانه وتعالى يحبّ الحييّ المتعفِّف التقيّ الراضي"[4].

 


[1] الليثي، الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص67.

[2] المصدر نفسه، ص187.

[3] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج20، ص39.

[4] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق ص142.

 

53


44

الموعظة الرابعة: العفاف

ح- دخول الجنّة

عن الإمام الرضا عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أوّل من يدخل الجنّة: شهيدٌ، وعبدٌ مملوك أحسن عبادة ربّه ونصح لسيّده، ورجلٌ عفيفٌ متعفّف ذو عبادة"[1].

 

رابعاً: صفة الشيعة

عن المفضّل، قال: قال الإمام الصادق عليه السلام: "إيّاك والسفلة! فإنّما شيعة عليّ من عفّ بطنه وفرجه، واشتدّ جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك، فأولئك شيعة جعفر"[2].

 

وهو من صفات المتّقين، فعن أمير المؤمنين عليه السلام في صفة المتّقين: "حاجاتهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة"[3].

 


[1] المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان، الأمالي، تحقيق حسين الأستاد ولي، علي أكبر الغفاري، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414 - 1993م، ط2، ص99.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص233.

[3] نهج البلاغة، مصدر سابق، ص303.

 

54


45

الموعظة الخامسة: العصبيّة المذمومة

الموعظة الخامسة

العصبيّة المذمومة

 

 

المحاور الرئيسية:

- إمام المتعصّبين

- التعصّب للحقّ

- عاقبة العصبيّة

- الإسلام دين التناصر

 

55


46

الموعظة الخامسة: العصبيّة المذمومة

هدف الموعظة

التعرّف إلى نظرة الإسلام لمفهوم العصبيّة، والتمييز بين التعصّب الممدوح والمذموم.

 

تصدير الموعظة

عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: مَن كان في قلبه حبّة من خردل من عصبيّة، بعثه الله تعالى  يوم القيامة مع أعراب الجاهليّة"[1].

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص308.

 

56


47

الموعظة الخامسة: العصبيّة المذمومة

تمهيد

إنّ التعصّب هو أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته (قرابته) والتألّب معهم على من يناويهم، ظالمين كانوا أو مظلومين، والعصبيّ هو من يعين قومه على الظلم ويغضب لعصبته ويحامي عنهم[1].

 

وقد سُئِل الإمام علي بن الحسين عليهما السلام عن العصبيّة، فقال: "العصبيّة التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبيّة أن يحبّ الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم"[2].

 

وهي من أخطر النزعات وأفتكها في تشـتّت المسلمين وتفرّقهم، وإضعاف طاقاتهم، الروحيّة والمادّيّة، وقد حاربها الإسلام، وحذّر المسلمين من مفاسدها وآثارها السلبيّة على الجميع، يقول الإمام الصادق عليه السلام: "مَن تعصَّب، عصَّبه الله بعصابة من نار"[3].

 


[1] ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج‏9، ص‏232، 233.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص308.

[3] المصدر نفسه.

 

57


48

الموعظة الخامسة: العصبيّة المذمومة

أوّلاً: إمام المتعصّبين

للتعصّب أساس يعود تاريخه إلى افتخار الشيطان على أبينا آدم عليه السلام بخلقه، حيث تعصّب لأصله، ويحكي القرآن الكريم قوله: ﴿خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾[1].

 

فإبليس إمام المتعصّبين، والعصبيّة من جنوده المودية إلى الهلاك, لأنّها تسلك بصاحبها سبيل الضلال والغيّ، وتبعده عن طريق الحقّ والرشاد.

 

وقد ذمّ أميرُ المؤمنين عليه السلام إبليس قائلاً: "فافتخر على آدم بخلقه، وتعصّب عليه لأصله، فعدوُّ الله إمام المتعصّبين وسلف المستكبرين الذي وضع أساس العصبيّة ونازع الله رداء الجبريّة، وادّرع لباس التعزّز، وخلع قناع التذلّل"[2].

 

وفي حديث آخر: "اعترته الحميّة، وغلبت عليه الشقوة، وتعزّز بخلقه النار، واستوهن خلق الصلصال"[3].

 


[1] سورة الأعراف، الآية 12.

[2] نهج البلاغة، مصدر سابق، ص 286.

[3] المصدر نفسه، ص 42.

 

58


49

الموعظة الخامسة: العصبيّة المذمومة

ثانياً: التعصّب للحقّ

لا ريب أنّ العصبيّة الذميمة التي نهى الإسلام عنها هي: التناصر للباطل، والتعاون على الظلم، والتفاخر بالقيم الجاهليّة.

 

أمّا التعصّب للحقّ، والدفاع عنه، والتناصر لتحقيق المصالح الإسلاميّة العامّة، كالدفاع عن الدين، وحماية الوطن، وصيانة كرامات المسلمين وأنفسهم وأموالهم، فهو التعصّب المحمود الباعث على توحيد الأهداف والجهود، وتحقيق العِزة والمنعة للمسلمين.

 

قال الإمام زين العابدين عليه السلام: "إنّ العصبيّة التي يأثم عليها صاحبها، أن يرى الرجل شرار قومه خيراً من خيار قوم آخرين، وليس من العصبيّة أن يحبّ الرجل قومه، ولكِن من العصبيّة أن يعين قومه على الظلم"[1].

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص308.

 

59


50

الموعظة الخامسة: العصبيّة المذمومة

وعنه عليه السلام أنّه قال: "لم يدخل الجنّة حميّة غير حميّة حمزة بن عبد المطلب؛ وذلك حين أسلم غضباً للنبيّ  صلى الله عليه وآله وسلم"[1].

 

ولقد هاجم أمير المؤمنين عليه السلام الروح العصبيّة، مبيّناً التعصّب الممدوح في خطبة القاصعة قائلاً: "فإن كان لا بدّ من العصبيّة، فليكن تعصبّكم لمكارم الخصال ومحامد الأفعال ومحاسن الأمور، الّتي تفاضلت فيها المُجداء النُجداء من بيوتات العرب ويعاسيب القبائل... فتعصّبوا لخلال الحمد من الحفظ للجوار والوفاء بالذمام والطاعة للبرّ، والمعصية للكِبْر، والأخذ بالفضل، والكفّ عن البغي"[2].

 

وعنه عليه السلام أنّه قال: "إن كنتم لا محالة متعصّبين، فتعصّبوا لنصرة الحقّ وإغاثة الملهوف"[3].

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص308.

[2] نهج البلاغة، مصدر سابق، ص 295.

[3] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص163.

 

60


51

الموعظة الخامسة: العصبيّة المذمومة

ثالثاً: عاقبة العصبيّة

أ. الخروج من الإيمان

لأنّ الإيمان هو التصديق بالقلب، والعمل بالحقّ والعدل، كما جاء في الحديث الشريف عن الإمام الرضا عليه السلام: "وهو معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان"[1].

 

وهذا يعني أنّ العصبيّة ستصادم الحقّ وتعاكسه, أي إنّها ستتعارض مع الإيمان؛ لأنّ من الإيمان العمل والسير على مقتضى الحقّ والانصاف، فحلول العصبيّة في القلب ينفي الحقّ والإيمان؛ لأنّ المتعصِّب سيأخذُ جانباً معروفاً مسبقاً ويدافع عنه، حتّى وإن لم يكن على الحقّ!

 

وقد نصَّت الرِّواية عن الإمام الصَّادق عليه السلام على ذلك: "من تَعصَّب أو تُعُصِّبَ له فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه"[2].

 

 


[1] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج15، ص329.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص307.

 

61


52

الموعظة الخامسة: العصبيّة المذمومة

وجعل الله تعالى التعصّب وصفاً لقلوب الكافرين، حيث قال: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾[1].

 

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ الملائكة كانوا يحسبون أنّ إبليس منهم، وكان في علم الله أنّه ليس منهم، فاستخرج ما في نفسه بالحميّة والغضب، وقال: خلقتني من نار وخلقته من طين"[2].

 

ب- الحشر مع الأعراب

قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن كان في قلبه حبّة من خردل من عصبيّة، بعثه الله يوم القيامة مع أعراب الجاهليّة"[3].

 

ج- استحقاق النار

عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "من تعصّب، عصّبه الله عزّ وجلّ بعصابة من نار"[4].

 


[1] سورة الفتح، الآية 26.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص308.

[3] المصدر نفسه.

[4] المصدر نفسه.

 

62


53

الموعظة الخامسة: العصبيّة المذمومة

رابعاً: الإسلام دين التناصر

جاء الإسلام، والناس متفرّقون شيعًا وأحزابًا وقبائل، فجمع الله به الناس، وألَّف به بين قلوبهم: قال الله تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾[1].

 

وعن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "صعد رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم المنبر يوم فتح مكّة، فقال: أيّها الناس، إنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهليّة وتفاخرها بآبائها، ألا إنّكم من آدم عليه السلام، وآدم من طين، ألا إنّ خير عباد الله عبدٌ اتّقاه، إنّ العربيّة ليست باب والد، ولكنّها لسان ناطق، فمن قصر به عمله، لم يبلغه حسبه، ألا إنْ كان دم كان في الجاهليّة أو إحنة[2]، فهي تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة"[3].

 


[1] سورة آل عمران، الآية 103.

[2] الإحنة: الشحناء.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص246.

 

63


54

الموعظة الخامسة: العصبيّة المذمومة

وقد ربَّى الإسلام أبناءه على استشعار أنّهم أفراد في مجموعة، وأنّهم أجزاء من هذه الجماعة الكبيرة، فالمسلم بشعوره أنّه جزء من الجماعة يحبّ للأجزاء الأخرى مثل ما يحبّ لنفسه.

 

فإنّ انتماء المسلم للجماعة يترتّب عليه حقوق وواجبات، ومن أعظمها واجب التناصر بين المسلمين.

 

وقد أوصى أمير المؤمنين عليه السلام ولديه الحسن والحسين عليه السلام بقوله: "وكونا للظالم خصماً، وللمظلوم عَوْناً"[1]. وعنه عليه السلام أيضاً: "أحسن العدل نصرة المظلوم"[2].

 

وعن الإمام زين العابدين عليه السلام أنّه قال: "اللهمّ، إنّي أعتذر إليك من مظلوم ظُلِم بحضرتي، فلم أنصره"[3].

 


[1] نهج البلاغة، مصدر سابق، ص421.

[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص113.

[3] الإمام زين العابدين عليه السلام، الصحيفة السجّاديّة الكاملة، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1404 - 1363 ش، لا.ط، ص187.

 

64


55

الموعظة السادسة: محاسبة النفس

الموعظة السادسة

محاسبة النفس

 

المحاور الرئيسيّة:

- الحثّ على محاسبة النفس

- كيفيّة المحاسبة

- أهمّ ما تجب المحاسبة عليه

 

65


56

الموعظة السادسة: محاسبة النفس

هدف الموعظة

التعرّف إلى أهمّيّة محاسبة النفس في الإسلام، وآثارها على تربيتها وتهذيبها.

 

تصدير الموعظة

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾[1].

 

قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يكون العبد مؤمناً حتّى يحاسب نفسه أشدّ من محاسبة الشريك شريكه، والسيّد عبده"[2].

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج70، ص22 .

[2] سورة الحشر، الآيتان 18 و 19.

 

66


57

الموعظة السادسة: محاسبة النفس

تمهيد

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾[1].

 

محاسبة النفس: أن يراجع الإنسان نفسه كلّ يوم عمّا عملته من الطاعات والخيرات، أو اقترفته من المخالفات والمعاصي والآثام, فإن رجحت كفّة الطاعات على المعاصي، والحسنات على السيّئات، فعلى المحاسب أن يشكر الله تعالى على ما وفّقه إليه وشرّفه به من طاعته وشرف رضاه. وإن رجحت المعاصي، فعليه أن يؤدِّب نفسه بالتأنيب والتقريع على شذوذها وانحرافها عن طاعة الله تعالى، وفي كلا الحالتين يجب تأنيب النفس على كلّ مخالفة وتقصير.

 

عن الإمام الكاظم عليه السلام أنّه قال: "ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم، فإن عمل خيراً استزاد الله منه،

 


[1] سورة الحشر، الآية 18.

 

67


58

الموعظة السادسة: محاسبة النفس

وحمد الله عليه، وإن عمل شرّاً استغفر الله منه، وتاب إليه"[1].

 

أوّلاً: الحثّ على محاسبة النفس

لمحاسبة النفس أهمّيّة كبرى في تأهّب المؤمن، واستعداده لمواجهة حساب الآخرة، وأهواله الرهيبة، ومن ثمّ اهتمامه بالتزوّد من أعمال البرّ والخير الباعثة على نجاته وسعادة مآبه.

 

لذلك كثرت النصوص التي تحرّض على المحاسبة بأساليبها الحكيمة البليغة:

عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا عليها, فإنّ للقيامة خمسين موقفاً كلّ موقف مقام ألف سنة، ثمّ تلا: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾[2]"[3].

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج67، ص72.

[2] سورة السجدة، الآية 5.

[3] الشيخ المفيد، الأمالي، مصدر سابق، ج1، ص329.

 

68


59

الموعظة السادسة: محاسبة النفس

وعن الإمام زين العابدين عليه السلام أنّه قال: "ابن آدم، لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة من همّك..."[1].

 

ثانياً: كيفيّة المحاسبة

قيل: يا أمير المؤمنين، وكيف يحاسب الرجل نفسه؟ قال عليه السلام: "إذا أصبح، ثمّ أمسى، رجع إلى نفسه، وقال: يا نفس، إنَّ هذا يوم مضى عليك، لا يعود إليك أبداً، والله سائلكِ عنه فيما أفنيته، فما الذي عملتِ فيه؟ أذكرتِ الله أم حمدتِه؟ أقضيتِ حقّ أخ مؤمن؟ أنفّستِ عنه كربته؟ أحفظتِه بظهر الغيب في أهله وولده؟ أحفظتِه بعد الموت في مخلّفيه؟ أكففتِ عن غيبة أخ مؤمن بفضل جاهك؟ أأعنتِ مسلماً؟ ما الذي صنعتِ فيه؟ فيذكرُ ما كان منه, فإنْ ذكر أنّه جرى منه خيرٌ، حمد الله عزّ وجلّ وكبّره

 


[1] الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قم، 1414ه، ط1، ص115.

 

69


60

الموعظة السادسة: محاسبة النفس

على توفيقه، وإنْ ذكر معصيةً أو تقصيراً، استغفر الله عزّ وجلّ وعزم على ترك معاودته، ومحا ذلك عن نفسه بتجديد الصلاة على محمّد وآله الطيّبين، وعَرْضِ بيعة أمير المؤمنين على نفسه وقبولها، وإعادة لعن شانئيه وأعدائه، ودافعيه عن حقوقه، فإذا فعل ذلك، قال الله -عزّ وجلّ: لستُ أناقشك في شيء من الذنوب، مع موالاتك أوليائي ومعاداتك أعدائي"[1].

 

ثالثاً: أهمّ ما يجب محاسبة النفس عليه

أ- أداء الفرائض

أوّل ما يجدر محاسبة النفس عليه أداء الفرائض التي أوجبها الله تعالى على الناس، كالصلاة والصيام والحجّ والزكاة ونحوها من الفرائض.

 

ب- فعل الذنوب والآثام

محاسبة النفس على اقتراف الآثام واجتراح المنكرات،

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج67، ص70.

 

70


61

الموعظة السادسة: محاسبة النفس

ولقد ضرب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أرفع مثل لمحاسبة النفس، والتحذير من صغائر الذنوب ومحقّراتها، يقول الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ رسول الله نزل بأرض قرعاء، فقال لأصحابه: ائتونا بحطب، فقالوا: يا رسول الله، نحن بأرض قرعاء، ما بها من حطب، قال: فليأتِ كلّ إنسان بما قدر عليه، فجاؤوا به، حتّى رموا بين يديه، بعضه على بعض، فقال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: هكذا تجتمع الذنوب، ثمّ قال: إيّاكم والمحقّرات من الذنوب! فإنّ لكلّ شيء طالباً، ألا وإنّ طالبها يكتب ﴿مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾[1].[2]

 

ج- تضييع فرصة العمر

يجب محاسبة النفس دائماً على عدم تضييع فرصة العمر التي منّ الله تعالى بها عليه, فالعمر هو الوقت المحدَّد الذي لا يستطيع الإنسان إطالة أمده، وتمديد أجله

 

 


[1] سورة يس، الآية 12.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج70، ص346.

 

71


62

الموعظة السادسة: محاسبة النفس

المقدر المحتوم: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾[1].

 

من أجل ذلك جاءت توجيهات آل البيت عليهم السلام موضّحة نفاسة العمر، وضرورة استغلاله وصرفه فيما يوجب سعادة الإنسان ورخائه في حياته العاجلة والآجلة، نذكر منها:

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "يا أبا ذر، كُن على عمرك أشحّ منك على درهمك ودينارك"[2].

 

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إنّما الدنيا ثلاثة أيّام: يوم مضى بما فيه، فليس بعائد، ويوم أنت فيه، فحقّ عليك اغتنامه، ويوم لا تدري أنت مِن أهله، ولعلك راحل فيه, أمّا اليوم الماضي فحكيم مُؤدِّب، وأمّا اليوم الذي أنت فيه فصديق مودِّع، وأمّا غد فإنّما في يديك منه الأمل".

 

وعنه عليه السلام أنّه قال: "ما من يوم يمرّ على ابن آدم، إلّا

 


[1] سورة الأعراف، الآية 34.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج74، ص76.

 

72


63

الموعظة السادسة: محاسبة النفس

قال له ذلك اليوم: أنا يوم جديد، وأنا عليك شهيد، فقل فيَّ خيراً، واعمل فيّ خيراً، أشهد لك به يوم القيامة, فإنّك لن تراني بعد هذا أبداً"[1].

 

ورُوي أنّه جاء رجل إلى الإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام يشكو إليه حاله، فقال: "مسكينٌ ابن آدم، له في كلّ يوم ثلاث مصائب، لا يعتبر بواحدة منهنّ، ولو اعتبر لهانت عليه المصائب وأمر الدنيا, فأمّا المصيبة الأولى: فاليوم الذي ينقص من عمره"، قال: "وإنْ ناله نقصان في ماله اغتمّ به، والدرهم يخلف عنه والعمر لا يردّه، والثانية أنّه يستوفي رزقه، فإن كان حلالاً حوسب عليه، وإن كان حراماً عوقب عليه"، قال: "والثالثة أعظم من ذلك"، قيل: وما هي؟ قال: "ما من يوم يمسي، إلّا وقد دنا من الآخرة رحلةً، لا يدري على الجنّة أم على النار"[2].

 


[1] المصدر نفسه، ج70، ص111.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص523.

 

73


64

الموعظة السابعة: نظم الأمر في الإسلام

الموعظة السابعة

نظم الأمر في الإسلام

 

المحاور الرئيسية:

- النظم في الحياة الشخصيّة

- النظم في العلاقات الاجتماعيّة

- مراعاة العهود والوعود

- النظم في العبادة

- الانضباط في المصروف

 

74


65

الموعظة السابعة: نظم الأمر في الإسلام

هدف الموعظة

التعرّف إلى أبرز الإرشادات التي حثّت عليها الشريعة، فيما يتعلَّق بتنظيم حياة الإنسان الشخصيّة وكيفيّة علاقاته مع الآخرين.

 

تصدير الموعظة

أوصى أمير المؤمنين عليه السلام الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام، قائلاً: "أوصيكما وجميعَ ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي، بتقوى الله ونظم أمركم"[1].

 


[1] الشيخ المفيد، الاختصاص، مصدر سابق، ص342.

 

75


66

الموعظة السابعة: نظم الأمر في الإسلام

تمهيد

أوصى الإسلام بنظم الأمور في مختلف جوانب الحياة الإنسانيّة، بأبعادها الفرديّة والاجتماعيّة. ويتجلّى الالتزام بالنظام والانضباط، من خلال التربية والالتزام بتعاليم الإسلام التي جاءت لتنظيم الحياة الإنسانيّة وتأمين السعادة للمجتمع البشري كلّه، وهو ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّته، حيث قرن التقوى، الّتي تعبّر عن أعلى مراتب الإيمان، بنظم الأمر, فلا يمكن أن يكون الإنسان مؤمناً تقيّاً دون أن يربّي نفسه على الالتزام بالحقوق والواجبات تجاه الله والناس، وإلّا لابتلي بالنفاق والكذب.

 

أوّلاً: النظم في الحياة الشخصيّة

وتشتمل الحياة الشخصيّة للإنسان على النظافة والصحّة وترتيب اللباس...

 

76


67

الموعظة السابعة: نظم الأمر في الإسلام

أ- التجمّل للإخوان

كان النبيّ  صلى الله عليه وآله وسلم، كلّما أراد الخروج إلى المسجد أو إلى لقاء أصحابه ينظر في المرآة ويرتّب شعره ويتعطَّر، وكان يقول: "إنّ الله يحبُّ من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيَّأ لهم ويتجمَّل"[1].

 

ب- النظافة

رعاية الطهارة والنظافة، فعن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "من أخلاق الأنبياء التنظّف والتطيّب"[2].

 

ج- تسريح الشعر والسواك

اهتمّ الإسلام بالمظهر الخارجيّ للإنسان، فأمر بترتيب اللباس وعدم إطالة الشعر وقصّ الأظافر والاستياك...

 

فعن الإمام الصادق عليه السلام: "استأصل شعرك يقلّ درنه ودوابّه ووسخه وتغلظ رقبتك ويجلو بصرك"[3]،

 


[1] نهج البلاغة، مصدر سابق، ص421.

[2] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص35.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص567.

 

77


68

الموعظة السابعة: نظم الأمر في الإسلام

ثانياً: النظم في العلاقات الاجتماعيّة

أ. المسؤوليّة الاجتماعيّة

المسلم مسؤول عن إصلاح نفسه وأفراد مجتمعه وتحصينهما، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾

 

ومن الإصلاح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحفظ النظام العامّ، والمساهمة والحضور الاجتماعيّ.

 

ب- المسؤوليّة العائليّة

- الآباء تجاه الأبناء

من نواحٍ مختلفة, جسديّة، نفسيّة، إيمانيّة...

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾[1].

 

وعن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "كلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيّته"[2].

 

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "ما من مولود يولد إلّا على الفطرة، فأبواه اللذان يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه"[3].

 

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "علّموا صبيانكمما ينفعهم الله به، لا تغلب عليهم المرجئة برأيها"[4].

 

- الأبناء تجاه آبائهم

قال تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ

 


[1] المصدر نفسه، ج3، ص348

[2] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج5، ص11.

[3] سورة الحجرات، الآية 10.

[4] سورة التحريم، الآية 6.

 

79


69

الموعظة السابعة: نظم الأمر في الإسلام

فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[1]، وقال سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾.

 

- الزوجان، تجاه بعضهما

عن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أوصاني جبرئيل عليه السلام بالمرأة، حتّى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها، إلّا من فاحشة مبيّنة"[2].

 

وفي جوابه  صلى الله عليه وآله وسلم عن سؤال خولة بنت الأسود حول حقّ المرأة، قال: "حقّك عليه أن يطعمك ممّا يأكل، ويكسوك ممّا يلبس، ولا يلطم، ولا يصيح في وجهك"[3].

 

وفي مسؤوليّة الزوجة، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "خير نسائكم الخَمْس[4]"، قيل: يا أمير المؤمنين، وما الخمس؟ قال: "الهيّنة، الليّنة، المؤاتية، الّتي إذا غضب زوجها لم

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج72، ص38.

[2] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج2، ص49.

[3] الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص614.

[4] سورة العنكبوت، الآية 8.

 

80


70

الموعظة السابعة: نظم الأمر في الإسلام

تكتحل بغمض حتّى يرضى، وإذا غاب عنها زوجها حفظته في غيبته، فتلك عامل من عمّال الله، وعامل الله لا يخيب"(163).

 

- تجاه الأرحام والأصدقاء والجيران

قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى﴾[1].

 

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ما زال جبرائيل يوصيني بالجار، حتّى ظننت أنّه سيورِّثه"[2].

 

ج. تنظيم الوقت

إنّ الاستفادة الصحيحة من الوقت هي من أهمِّ الأمور التي توجب نجاح الإنسان في أموره الاجتماعيّة، فالانضباط والعمل موجب للاستفادة من طاقة الإنسان واستثمار النتائج.

 

 


[1] سورة الإسراء، الآية 23.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص512.

 

81


71

الموعظة السابعة: نظم الأمر في الإسلام

عن الإمام الكاظم عليه السلام أنّه قال: "اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، ساعة لأمر المعاش، ساعة لمعاشرة الإخوان والثقات الذين يعرِّفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن، ساعة تختلون فيها للذَّاتكم في غير محرَّم"[1].

 

ثالثاً: مراعاة العهود والوعود

من الموارد التي لا بدَّ فيها من الانضباط، الالتزام بالعهود والدقّة في الوعود، ففي الدَيْن مثلاً أخذاً وعطاءً لا بدَّ من كتابة وثيقة دفعاً لأيّ خلاف أو نزاع، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾[2]، ﴿وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ﴾[3], ﴿وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً﴾[4].

 


[1] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص218.

[2] أي ذات الخمس من الصفات.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص325.

[4] سورة النساء، الآية 36.

 

82


72

الموعظة السابعة: نظم الأمر في الإسلام

والوفاء بالعهد من لوازم الإيمان بيوم القيامة، فعن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليفِ إذا وعد"[1].

 

وإنّ رعاية توجب المحبّة والثقة، فعن أحد أصحاب الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: كنت مع الرضا في بعض الحاجة، فأردت أن انصرف إلى منزلي، فقال لي: "انصرف معي، فبَتْ عندي الليلة", فانطلقت معه، فدخل داره مع المغيب، فنظر إلى غلمانه يعملون بالطين أواري الدواب أو غير ذلك، وإذا معهم أسود ليس منهم، فقال: "ما هذا الرجل معكم؟"، قالوا: يعاوننا ونعطيه شيئاً، قال: "قاطعتموه على أجرته؟"، فقالوا: لا، هو يرضى بما نعطيه، فغضب الإمام، وقال لصاحبه: "إنّي قد نهيتهم عن مثل هذا غير مرّة، أن يعمل معهم أحد حتّى يقاطعوه أجرته! اعلم أنّه ما من أحد يعمل لك شيئاً بغير مقاطعة، ثمّ زدته لذا


 


[1] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج1، ص52.

 

83


73

الموعظة السابعة: نظم الأمر في الإسلام

الشيء ثلاثة أضعاف أجرته، إلّا ظنَّ أنّك قد نقصته أجرته، وإذا قاطعته، ثمّ أعطيته أجرته، حمدك على الوفاء، فإنْ زدته حبّة عرف ذلك ورأى أنّك زدته"[1].

 

رابعاً: النظم في العبادة

أ- مراعاة النظم والانضباط

وذلك بأداء كلّ عبادة في أوَّل وقتها:

فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "تفرّغوا لطاعة الله وعبادته، قبل أن ينزل بكم من البلاء ما يشغلكم عن العبادة"[2].

 

وعن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "اعلم أنّ أوّل الوقت أبداً أفضل؛ فعجّل بالخير ما استطعت، وأحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ ما داوم العبد عليه، وإنْ قلّ"[3].

 


[1] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، مصدر سابق، ص481

[2] سورة البقرة، الآية 282.

[3] سورة البقرة، الآية 283.

 

84


74

الموعظة السابعة: نظم الأمر في الإسلام

ب- رعاية الاعتدال وعدم الإفراط

فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "خَادِعْ نَفْسَكَ فِي الْعِبَادَةِ وارْفُقْ بِهَا، ولَا تَقْهَرْهَا، وخُذْ عَفْوَهَا ونَشَاطَهَا، إِلَّا مَا كَانَ مَكْتُوباً عَلَيْكَ مِنَ الْفَرِيضَةِ، فَإِنَّه لَا بُدَّ مِنْ قَضَائِهَا وتَعَاهُدِهَا عِنْدَ مَحَلِّهَا"[1].

 

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "لا تكرِّهوا إلى أنفسكم العبادة"[2].

 

ج- عدم الإفراط

عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إنّ من أبغض الرجال إلى الله تعالى, لَعبداً وكله الله إلى نفسه، جائراً عن قصد السبيل، سائراً بغير دليل، إن دُعي إلى حرث الدنيا عمل، وإن دُعي إلى حرث الآخرة كسل"[3].

 


[1] سورة الإسراء، الآية 34.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص364.

[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج49، ص106.

 

85


75

الموعظة السابعة: نظم الأمر في الإسلام

خامساً: الانضباط في المصروف

لا بدّ للمسلم من رعاية الوسطيّة في اللباس والطعام وسائر مستلزمات الحياة، وفي الاستفادة من الأموال العامّة.

 

أ- عدم التبذير والإسراف

قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾[1].

 

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "السرف أمر يبغضه الله، حتّى طرحك النواة, فإنّها تصلح لشيء"[2].

 

ب- عدم البخل

فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "البخل جامع لمساوئ العيوب، وهو زمام يقاد به إلى كلّ سوء"[3].

 

 


[1] ورّام بن أبي فراس المالكيّ الأشتريّ، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام)، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1368ش، ط2، ص439.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج3، ص247.

[3] نهج البلاغة، مصدر سابق، ص460.

 

86


76

الموعظة السابعة: نظم الأمر في الإسلام

ج- عدم الكسل والتواني

فعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "لا تكسل في معيشتك, فتكون كَلّاً على غيرك"[1].

 

وعنه عليه السلام أيضاً: "ضمنت لمن اقتصد أن لا يفتقر"[2].

 

كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى أصحابه حول مصرف بيت المال، فقال: "أدِقّوا أقلامكم، وقاربوا بين سطوركم، واحذفوا عنّي فضولكم، واقصدوا قصد المعاني، إيّاكم والإكثار! فإنّ أموال المسلمين لا تحتمل الإضرار"[3].

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص86.

[2] نهج البلاغة، مصدر سابق، ص149.

[3] سورة الإسراء، الآية 27.

 

87


77

الموعظة الثامنة: النظام والآداب العامّة

الموعظة الثامنة

النظام والآداب العامّة

 

المحاور الرئيسية:

- الإسلام دين النظام

- الإسلام ووجوب مراعاة الآداب العامّة

- المعصوم عليه السلام وحفظ النظام

- فتاوى الفقهاء

 

 

88


78

الموعظة الثامنة: النظام والآداب العامّة

هدف الموعظة

التعرّف إلى قيمة النظام العامّ وأهمّيّته في الإسلام، وترويج ثقافة الالتزام بالنظام بين الناس، ولاسيّما في مرافق الحياة العامّة.

 

تصدير الموعظة

عن الإمام السجّاد عليه السلام أنّه قال: "وأمّا حقّ أهل ملّتك عامّة فإضمار السلامة، ونشر جناح الرحمة، والرفق بمُسيئهم، وتألفهم، واستصلاحهم، وشكر محسنهم إلى نفسه وإليك، فإنّ إحسانه إلى نفسه إحسانه إليك، إذ كفّ عنك أذاه، وكفاك مؤونته، وحبس عنك نفسه، فعمّهم جميعاً بدعوتك، وانصرهم جميعاً بنصرتك، وأنزلهم جميعاً منازلهم، كبيرهم بمنزلة الوالد، وصغيرهم بمنزلة الولد، وأوسطهم بمنزلة الأخ..."[1].

 


[1] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، مصدر سابق، ص89.

 

89


79

الموعظة الثامنة: النظام والآداب العامّة

تمهيد

إنّ للنظام في الثقافة الإسلاميّة أهمّيّة كبرى، ومفرداته في جهات كثيرة من إرشاداته وأوامره؛ ولذلك نتعرّض في هذه الموعظة إلى نقاطٍ أساسيّة في بيان دعوة الدين الإسلاميّ إلى حفظ النظام، نذكرها على الشكل الآتي:

أوّلاً: الإسلام دين النظام

نظّم الإسلام الحياة البشريّة في مختلف ميادينها، الاقتصاديّة والسياسيّة والثقافيّة والاجتماعيّة.

 

وقد بُنِي الدين الإسلاميّ على النظام، فهو محور حياة المسلم، بل الكون كلُّه يسير في نظام, البشر، الكائنات، الليل والنهار، السماء، الفلَك، فلا ريب أنّ الإسلام هو الدين الوحيد الذي أسّس بنيانه على الاجتماع صريحاً، ولم يهمل أمر الاجتماع في شأن من شؤونه[1].

 


[1] السيّد الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج4، ص96.

 

90


80

الموعظة الثامنة: النظام والآداب العامّة

ومصاديق النظام في الإسلام كثيرة، منها:

أ- في خلق الكون

خلق الله عزّ وجلّ هذا الكون على أساس منظّم، فوضع كلّ شيء في موضعه، وجعل له مهمّته في هذه الدنيا، قال -تعالى-: ﴿وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾[1].

 

ب- في التعامل مع الآخر

إنّ نظرة الإسلام إلى النظام في تعاملات الناس واضحة، فالاستئذان مثلاً شرط، كما في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "والاستئذان ثلاث مرات، فإن قيل ادخل فليدخل، وإن قيل ارجع فليرجع"[2].

 


[1] سورة يس، الآيات 37-40.

[2] الطبرسيّ، الشيخ عليّ بن الحسن‏، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، تحقيق مهدي هوشمند، دار الحديث، لا.م، 1418، ط1، ص342.

 

91


81

الموعظة الثامنة: النظام والآداب العامّة

ج- في الالتزام بالعهود والعقود

عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "المؤمنون عند شروطهم"[1].

 

د- بين الوالد وولده

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "يا عليّ، حقّ الولد على والده أن يحسن اسمه وأدبه، ويضعه موضعاً صالحاً. وحقّ الوالد على ولده أن لا يسمّيه باسمه، ولا يمشي بين يديه، ولا يجلس أمامه، ولا يدخل معه في الحمّام"[2].

 

هـ- في التحيَّة والسلام

عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "يسلّم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، وإذا لقيت جماعةٌ جماعةً، سلّم الأقلّ على الأكثر، وإذا لقي واحدٌ جماعةً، سلّم الواحد على الجماعة"[3].

 


[1] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا عليه السلام، مصدر سابق، ج2، ص169.

[2] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج4، ص372.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص647.

 

92


82

الموعظة الثامنة: النظام والآداب العامّة

و- في صلاة الجماعة

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسوُّوا الخلل، وليّنوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجاتٍ للشيطان"[1].

 

ز- في الجهاد

قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾[2].

 

ح- في بعض الكفَّارات

ككفَّارة الظهار، كما في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[3].


 


[1] السجستانيّ، أبو داوود سليمان بن الأشعث، سنن أبي داوود، تحقيق وتعليق سعيد محمّد اللحّام، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1410ه - 1990م، ط1، ج1، ص157.

[2] سورة الصفّ، الآية 4.

[3] سورة المجادلة، الآيتان 3-4.

 

93


83

الموعظة الثامنة: النظام والآداب العامّة

ثانياً: مراعاة الآداب العامّة

المسلم مسؤول في بيئته الاجتماعيّة، يمارس دوره الاجتماعيّ من موقعه، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الاهتمام بأمور المسلمين، فقال: "من أصبح لا يهتمّ بأُمور المسلمين، فليس بمسلم"[1].

 

وقد أولى الآداب العامّة، الّتي ترتبط بالمجتمع والناس وحقوقهم، أهمّيّة قصوى، تبرز في مختلف مرافق الحياة، منها:

أ- إكرام الضيف وتشييعه

عن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "من لم يكرم ضيفه، فليس من محمّد ولا من إبراهيم"[2].

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص163.

[2] الطبرسيّ، الميرزا حسين النوريّ، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، لبنان - بيروت، 1408ه - 1987م، ط1، ج16، ص259.

 

94


84

الموعظة الثامنة: النظام والآداب العامّة

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: "إنّ من حقّ الداخل على أهل البيت، أن يمشوا معه هنيئة إذا دخل وإذا خرج"[1].

 

ب- إزالة الأذى

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "دخل عبدٌ الجنّة بغصنٍ من شوك كان على طريق المسلمين، فأماطه عنها"[2].

 

ج- الحفاظ على البيئة

يُعدُّ الحفاظ على البيئة من صلب إرشادات الإسلام، بل له بعد عقائديّ يُنظر فيه إلى البيئة والموارد الطبيعيّة التي خلقها الله تعالى على أنها نعمٌ سخّرها عزّ وجلّ لخير الإنسان وصالحه، وهو القائل سبحانه: ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[3],

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص659.

[2] الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص32.

[3] سورة النحل، الآية 14.

 

95


85

الموعظة الثامنة: النظام والآداب العامّة

وقال سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ﴾[1].

 

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال للمجاهدين بين يديه، مرشداً لهم في إحدى المعارك: "... ولا تحرقوا النخل، ولا تغرقوه بالماء، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تحرقوا زرعاً, لأنّكم لا تدرون، لعلّكم تحتاجون إليه، ولا تعقروا من البهائم ممّا يؤكل لحمه، إلّا ما لا بدّ لكم من أكله..."[2].

 

د- آداب الطريق

عن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "من أخرج ميزاباً، أو كنيفاً، أو أوتد وتداً، أو أوثق دابّة، أو حفر بئراً في طريق المسلمين، فأصاب شيئاً، فعطب، فهو له ضامن"[3].

 

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً أنّه قال: "ثلاث خصال ملعون من فعلهنّ: المتغوّط في ظلّ النزّال، والمانع الماء المنتاب، وسادّ الطريق المسلوك"[4].

 


[1] سورة الحج، الآية 65.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص29.

[3] المصدر نفسه، ج7، ص350.

[4] المصدر نفسه، ج7، ص 16.

 

96


86

الموعظة الثامنة: النظام والآداب العامّة

هـ- عيادة المريض

عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "تمام عيادة المريض أن يضعَ أحدكم يده عليه، ويسأله: كيف أنت؟ كيف أصبحت؟ وكيف أمسيت؟ وتمام تحيّتكم المصافحة"[1].

 

و- إفشاء التحيّة والسلام

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "مَن بدأ بالكلام قبل السلام، فلا تجيبوه"[2].

 

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: "لا تَدْعُ إلى طعامك أحداً، حتّى يسلِّم"[3].

 

ز- النهي عمّا يزعج الآخرين

فقد ورد عن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "المسلم، مَنْ سلِم المسلمون من لسانه ويده"[4].

 


[1] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص359.

[2] الشيخ الكليني, الكافي, مصدر سابق, ج2, ص 644.

[3] الشيخ الصدوق, الخصال, مصدر سابق, ص 19.

[4] الشيخ الكليني, الكافي, مصدر سابق, ج2, ص 234.

 

97


87

الموعظة الثامنة: النظام والآداب العامّة

ثالثاً: المعصوم عليه السلام وحفظ النظام

إنّ من أهمّ الأبعاد في دور الإمام هو حفظ نظام الأمّة بما يخدم أهداف الإسلام، لئلاّ يسود الهرج والمرج ويضيع الإسلام بأيدي الظلمة وأعوانهم.

 

فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "اللهمّ، إنّك تعلم أنّه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان، ولا التماس شيءٍ من فضول الحطام، ولكن لنردّ المعالم من دينك ونُظهر الإصلاح في بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطَّلة من حدودك. اللهمّ، إنّي أوّل من أناب وسمع وأجاب، لم يسبقني إلّا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة، وقد علمتم أنّه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل فتكون في أموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلّهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول فيتّخذ قوماً دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطِّل للسنّة"[1].

 


[1] نهج البلاغة, مصدر سابق, ص 189.

 

98

 


88

الموعظة الثامنة: النظام والآداب العامّة

رابعاً: فتاوى الفقهاء

أفتى الفقهاء - أعلا الله مقاماتهم - بوجوب الالتزام بمقرَّرات نظام المجتمع، ولو كانت من دولة غير إسلاميّة.

 

الإمام الخامنئيّ دام ظله

س1: ما هو حكم القيام بأعمال مخالفة بنظر الموظف للقانون، فيما إذا كان المسؤول المباشر يدّعي عدم الإشكال فيها ويطلب إنجازها؟

 

ج: ليس لأحد إهمال القوانين والمقرّرات السائدة على دوائر الدولة والعمل على خلافها، وليس لمسؤول أن يطلب من موظف إنجاز ما يخالف القانون، ولا أثر لوجهة نظر المسؤول في ذلك[1].

 

س2: ما هو حكم مخالفة الأحكام أو القوانين الوضعيّة، سواء كان ذلك في الدولة الإسلاميّة أو غير الإسلاميّة؟

 

ج: يجب العمل على طبق القوانين الموضوعة في الدولة الإسلاميّة، وكذلك يجب العمل على طبقها

 

 


[1] الإمام الخامنئيّ، السيّد عليّ الحسينيّ، أجوبة الاستفتاءات، دار النبأ للنشر والتوزيع، الكويت، 1415ه - 1995م، ط1، ج2، ص232، س901.

 

99

 


89

الموعظة الثامنة: النظام والآداب العامّة

ممّا في سائر الدول, لئلّا يلزم الهرج والمرج[1].

 

السيّد السيستانيّ (حفظه الله)

س1: نرجو بيان الحكم الشرعيّ في مخالفة القوانين الوضعيّة للمرور من قيادة السيارة بغير ترخيص (من غير إجازة) أو ضرب الإشارة الضوئيّة أو عدم الالتزام بإشارات رجل المرور والسير بطريق مخالف للطريق المألوف أي (عكس اتّجاه الطريق الصحيح) فما هو الحكم الشرعيّ عن هذه المخالفات المروريّة؟

 

ج: يلزم التقيّد بأنظمة المرور، إذا كان عدم مراعاتها يؤدّي عادة إلى تضرّر من يحرم الإضرار به من محترمي النفس والمال، بل مطلقاً على الأحوط، وينبغي التعاون مع القائمين بهذا الشأن.

 

س2: هل يجوز ايقاف عدّاد الكهرباء، أو الماء، أو الغاز، أو التلاعب به في الدول غير الإسلاميّة؟

 

ج: لا يجوز ذلك.

 


[1] استفتاء خطّي، القوانين والمقرّرات.

 

100


90

الموعظة التاسعة: حقوق الإنسان في الإسلام

الموعظة التاسعة

حقوق الإنسان في الإسلام

 

المحاور الرئيسية:

ـ خصوصيّة حقوق الإنسان في الإسلام

ـ مبادئ حقوق الإنسان في الإسلام

ـ الحقوق والحرّيّات الشخصيّة

ـ الحقوق الفكريّة والسياسيّة والمدنيّة

ـ الحقوق الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة

 

101


91

الموعظة التاسعة: حقوق الإنسان في الإسلام

هدف الموعظة

عرض مبادئ حقوق الإنسان وفق ما جاء في الشريعة الإسلاميّة.

 

تصدير الموعظة

عن الإمام عليّ عليه السلام في عهده إلى مالك الأشتر:

"وأشعِر قلبك الرحمة للرعيّة والمحبّة لهم واللطف بهم، ولا تكونّن عليهم سَبُعاً ضارياً، تغتنم أكلهم, فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق"[1].

 


[1] نهج البلاغة، مصدر سابق، ص427.

 

102


92

الموعظة التاسعة: حقوق الإنسان في الإسلام

تمهيد

شرّع الإسلام حقوق الإنسان، ولم يقف فيها عند حدود الوصايا والإرشادات، بل خاطب بها باعتبارها فروضاً إلهيّة لا يمكن التنازل عنها، وهذا ما نطالعه من خلال الممارسة العمليّة للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الأطهار عليهم السلام من بعده، فقد كانوا يراعون هذه الحقوق في تعاملهم مع الناس وفي إدارتهم لشؤون المجتمع، علاوة على إرشاداتهم الدائمة والمستمرّة للتقيّد فيها.

 

ونتعرّض في هذه الموعظة إلى بعض النقاط الأساسيّة لبيان حقوق الإنسان في الإسلام.

 

أوّلاً: خصوصيّة حقوق الإنسان في الإسلام

ضمن الله -تعالى- في الإسلام حقوقاً للإنسان، ومنحه إيّاها؛ ولأنّها كذلك فهي ثابتة غير متزلزلة، وقد قرّرها الله وأقرّها للإنسان، ضمن خصائص ومميّزات، منها:

 

103


93

الموعظة التاسعة: حقوق الإنسان في الإسلام

أ- شموليّتها: حيث تشمل أنواع الحقوق كلّها.

 

ب- عموميّتها: فهي تعمّ الأفراد الخاضعين للنظام الإسلاميّ كلّهم، دون تمييز بسبب اللون أو الجنس أو اللغة...

 

ج- ثباتها: فهي غير قابلة للإلغاء, لأنّها جزء من الشريعة الإسلاميّة.

 

ثانياً: مبادئ حقوق الإنسان في الإسلام

إنّ المبادئ التي دعا إليها الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان تلتقي مع المبادئ التي جاءت بها الشريعة الإسلاميّة، ومنها:

أ- الحرّيّة

فالإنسان حرٌّ، وهكذا أراده الله تعالى: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾[1].

 

وأشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى هذه الروح الإراديّة التي فُطر عليها الإنسان قائلاً: "ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِه،

 


[1] سورة الإنسان، الآية 3.

 

104


94

الموعظة التاسعة: حقوق الإنسان في الإسلام

فَمَثُلَتْ إِنْسَاناً ذَا أَذْهَانٍ يُجِيلُهَا، وفِكَرٍ يَتَصَرَّفُ بِهَا وجَوَارِحَ يَخْتَدِمُهَا، وأَدَوَاتٍ يُقَلِّبُهَا ومَعْرِفَةٍ يَفْرُقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِّ والْبَاطِلِ"[1].

 

ب- المساواة

إنّ المساواة في الثقافة الإسلاميّة تعني التماثل أمام القانون والتكافؤ إزاء الفرص، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾[2], ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾[3].

 

وعن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "كلّكم لآدم، وآدم من تراب"[4]، و"لا فضل لعربيّ على عجميّ... إلّا بالتقوى"[5].

 

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "الذليل عندي عزيز

 


[1] نهج البلاغة، مصدر سابق، ص42.

[2] سورة الحجرات، الآية 13.

[3] سورة الإسراء، الآية 70.

[4] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، مصدر سابق، ص34.

[5] الكراجكيّ، محمّد بن عليّ، معدن الجواهر ورياضة الخواطر، تحقيق وتصحيح أحمد الحسينيّ‏، إيران - طهران، نشر المكتبة المرتضويّة، 1394ه‏، ط2، ص21.

 

105


95

الموعظة التاسعة: حقوق الإنسان في الإسلام

حتّى آخذ الحقّ له، والقويّ عندي ضعيف حتّى آخذ الحقّ منه"[1].

 

ج- الأخوّة

وهي أوّل خطوة قام بها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حين وصل المدينة، والقرآن الكريم يصدع بالأخوّة، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾[2].

 

ويؤكّدها أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً عن الناس: "فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ"[3].

 

ثالثاً: الحقوق والحرّيّات الشخصيّة

أ- حقّ الحياة

وهي من الحقوق المقدّسة، وقد اعتبر الإسلام أنّ الاعتداء على حياة إنسان واحد بمثابة الاعتداء على الناس جميعاً، قال -تعالى-: ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾[4], وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ﴾[5].

 

ب- حقّ الحرّيّة

فللإنسان حقّه في حياة حرّة كريمة، ولا يجوز لأحد استرقاقه.

 

ج- حقّ الأمان

فلا يحقّ لأحد تعذيبه واعتقاله دون وجه حقّ، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾[6].

 

ومَن شهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله، فقد عصم بها دمه وماله وعرضه.

 

قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾[7].

 


[1] نهج البلاغة، مصدر سابق، ج1، ص89.

[2] سورة الحجرات، الآية 10.

[3] نهج البلاغة، مصدر سابق، ص427.

[4] سورة المائدة، الآية 32.

[5] سورة الأنعام، الآية 151.

[6] سورة البقرة، الآية 190.

[7] سورة الأنعام، الآية 82.

 

106


96

الموعظة التاسعة: حقوق الإنسان في الإسلام

وفي الحديث الشريف: "كلّ المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه"[1].

 

د- حقّ الزواج

فللإنسان حقّ في أن يتّخذ زوجة بالرضا، ويكوّن أسرة تتمتّع بالحماية والأمن.

 

قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ ِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾[2].

 

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من التزويج"[3].

 

هـ- حقّ الملكيّة

وذلك عن طريق الكسب الحلال الذي لا يقوم على الاستغلال.

 


[1] الشهيد الثاني، كشف الريبة عن أحكام الغيبة، انتشارات مرتضوى، لا.م، 1376ش، ط4، ص6.

[2] سورة الروم، الآية 21.

[3] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص383.

 

107


97

الموعظة التاسعة: حقوق الإنسان في الإسلام

قال تعالى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[1].

 

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "الناس مسلَّطون على أموالهم"[2].

 

وعن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "صاحب المال أحقّ بماله، ما دام فيه شيء من الروح، يضعه حيث يشاء"[3].

 

رابعاً: الحقوق الفكريّة والسياسيّة والمدنيّة

أ- الحقوق الفكريّة: حرّيّة الفكر

قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا


 


[1] سورة البقرة، الآية 188.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج2، ص272.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج7، ص7.

 

108


98

الموعظة التاسعة: حقوق الإنسان في الإسلام

مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾[1].

 

فالفكر في الإسلام هو الذي يوصل إلى الحقّ والتوحيد، ويدفع إلى الطاعة والعمل الصالح، وما دونه ضلال، قال أمير المؤمنين عليه السلام: "(إنّ) التفكّر يدعو إلى البرّ والعمل به"[2].

 

ونهى سبحانه عن التقليد الأعمى في الاعتقاد، فقال تعالى حاكياً عن حوار النبيّ إبراهيم عليه السلام: ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾[3].

 

بل إنّ التفكّر في أمر الله من خير العبادة، فعن الإمام الرضا عليه السلام، قال: "ليس العبادة كثرة الصلاة والصوم، إنّما العبادة التفكّر في أمر الله عزّ وجلّ"[4].

 


[1] سورة آل عمران، الآيتان 190 - 191.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص55.

[3] سورة الأنبياء، الآيات 52 - 54.

[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص55.

 

109


99

الموعظة التاسعة: حقوق الإنسان في الإسلام

ب- الحقوق السياسيّة

وهي الحقوق التي يقرّرها القانون العامّ، والّتي تمكّن الأشخاص من القيام بأعمال معيّنة تمكّنهم من المشاركة في إدارة شؤون المجتمع السياسيّة، كما تعني حقّ مشاركة الفرد في إدارة الشؤون العامّة لبلده، إمّا مباشرة، وإما بواسطة ممثّلين يختارون في حرّيّة[1]، وهذا ما كفله الإسلام لأبنائه.

 

قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾[2].

 

وقال سبحانه: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾[3].

 


[1] (الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، المادّة 21 فقرة 2).

[2] سورة النور، الآية 55.

[3] سورة ص، الآية 26.

 

110


100

الموعظة التاسعة: حقوق الإنسان في الإسلام

وعن أمير المؤمنين عليه السلام في بيعة الناس له، وبيعة طلحة والزبير لمّا نكثا: "فقلتم: بايعنا، لا نجد غيرك، ولا نرضى إلّا بك، بايعنا، لا نفترق ولا تختلف كلمتنا, فبايعتكم ودعوت الناس إلى بيعتي، فمن بايع طوعا قبلت، ومن أبى لم أكرِهه وتركته..."[1].

 

ج- الحقوق المدنيّة

وهي الحقوق التي تكفل للفرد حماية الذات، والتي بمقتضاها يعطى للشخص بالتساوي مع الآخرين حقّ تقلّد الوظائف العامّة في بلده[2].

 

وهي تنقسم إلى:

1- حقوق الأسرة

رتّب الإسلام جميع الضمانات للفرد، كي يعيش في ظلّ أسرة تتمتّع بوسائل الحماية كلّها في ظلّ الإسلام. ورسم الخطوات اللازمة لتكوين الأسرة, فمن حيث الاختيار - مثلاً –

 


[1] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، مصدر سابق، ج6، ص97.

[2] (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المادة21 فقرة2).

 

111


101

الموعظة التاسعة: حقوق الإنسان في الإسلام

ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إيّاكم وخضراء الدمن..."[1]، و"اختاروا لنطفكم..."[2]. وحدّد لنا معالم التربية الصحيحة وكيفيّة بناء العلاقة السليمة في الأسرة.

 

2-  الحقوق الماليّة

فالخمس والزكاة والدية... من الحقوق الماليّة الشرعيّة، وتُعدّ حقّاً لمستحقّيها ضمن الشروط المذكورة في محلّها.

 

قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾[3].

 

وكذلك الأحكام التي تحفظ للإنسان ماله، من التعدّي والسرقة والغشّ...

 

خامساً: الحقوق الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة

أ- حقّ العمل

أعطى الإسلام الإنسان الحقّ في اختيار العمل المناسب

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص332.

[2] المصدر نفسه.

[3] سورة المعارج، الآيتان 24-25.

 

112


102

الموعظة التاسعة: حقوق الإنسان في الإسلام

له، بل حثّ عليه ورفع قيمته، وفي الحديث أنّ رجلاً صافح رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم بيد خشِنة من أثر العمل، فقال: "هذه يد يحبّها الله ورسوله... هذه يد محرَّمة على النار"[1].

 

وكان  صلى الله عليه وآله وسلم، إذا نظر إلى الرجل فأعجبه، قال: "هل له حرفة؟" فإنْ قالوا: لا، قال: "سقط من عيني"[2]، وقال: "ملعون من ألقى كَلَّه على الناس"[3].

 

كما منع من استغلال العامل، والتقصير أو التأخير في إعطائه أجره: "أعطِ الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه"[4].

 

ب- الضمان الاجتماعيّ

ودائرته في الإسلام تشمل غير المسلم أيضاً، ورد أنّه: مرّ شيخ مكفوف كبير يسأل، فقال أمير المؤمنين عليه السلام:

 


[1] مغنيّة، الشيخ محمّد جواد، في ظلال نهج البلاغة، ج4، ص294.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج100، ص9.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص72.

[4] الأحسائيّ، ابن أبي جمهور، عوالي اللئالي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة، تقديم السيّد شهاب الدين النجفيّ المرعشيّ، تحقيق الحاج آقا مجتبى العراقيّ، لا.ن، لا.م، 1403ه - 1983م، ط1، ج3، ص253.

 

113


103

الموعظة التاسعة: حقوق الإنسان في الإسلام

"ما هذا؟" قالوا: يا أمير المؤمنين، نصرانيّ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: "استعملتموه حتّى إذا كبر وعجز منعتموه! أنفقوا عليه من بيت المال"[1].

 

ج- حقّ التعلّم

قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾[2].

 

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "طلب العلم فريضة على كلّ مسلم، ألا إنّ الله يحبّ بغاة العلم"[3].

 


[1] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج15، ص66.

[2] سورة الجمعة، الآية 2.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص72.

 

114


104

الموعظة العاشرة: التكافل الاجتماعيّ

الموعظة العاشرة

التكافل الاجتماعيّ

 

 

 

المحاور الرئيسية:

- أنواع التكافل الاجتماعيّ

- الأكثر استحقاقاً للتكافل الاجتماعيّ

- التكافل مسؤوليّة المجتمع

 

115


105

الموعظة العاشرة: التكافل الاجتماعيّ

هدف الموعظة

التعرّف إلى قيمة التكافل الاجتماعيّ في الإسلام، وتوجيه الناس إلى فعل الخير ومساعدة الآخرين.

 

تصدير الموعظة

رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "لا والله، لا يكون المؤمن مؤمناً أبداً حتّى يكون لأخيه مثل الجسد؛ إذا ضرب عليه عرق واحد، تداعت له سائر عروقه"[1].


 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج71، ص233.

 

116


106

الموعظة العاشرة: التكافل الاجتماعيّ

تمهيد

إنّ التكافل الاجتماعيّ جزء من عقيدة المسلم والتزامه الدينيّ، فهو من الأخلاق التي تقوم على الحبّ والإيثار ويقظة الضمير ومراقبة الله عزَّ وجلَّ، ولا يقتصر على حفظ حقوق الإنسان المادّيّة؛ بل يشمل أيضاً المعنويّة، وغايته التوفيق بين مصلحة المجتمع ومصلحة الفرد.

 

وقد عُني القرآن الكريم بالتكافل بين الناس ليكون نظاماً لتربية روح الفرد، وضميره، وشخصيّته، وسلوكه الاجتماعيّ، وليكون نظاماً لتكوين الأسرة وتنظيمها وتكافلها، وكذلك لتوطيد العلاقات الاجتماعيّة.

 

قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾[1], ﴿وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[2].

 


[1] سورة البقرة، الآية 215.

[2] سورة البقرة، الآية 195.

 

117


107

الموعظة العاشرة: التكافل الاجتماعيّ

أوّلاً: أنواع التكافل الاجتماعيّ

أ. التكافل الأدبيّ

وهو شعور كلّ فرد نحو إخوانه في الدين بمشاعر الحبّ والعطف والشفقة وحسن المعاملة، وترجمة هذه المشاعر من خلال التعاون معهم في سرّاء الحياة وضرّائها، فيفرح لفرحهم ويأسى لمصابهم ويتمنّى لهم الخير، ويكره نزول الشرّ بهم، وهذا ما أشار إليه رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه"[1].

 

ب- التكافل العلميّ

عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: يجيء الرجل يوم القيامة، وله من الحسنات كالسحاب الركام أو كالجبال الرواسي، فيقول: يا ربِّ، أنّى لي هذا، ولم أعملها؟! فيقول: هذا علمك الذي علّمته الناس، يُعمَل به من بعدك"[2].

 


[1] الشهيد الثاني، منية المريد، تحقيق رضا المختاري، مكتب الإعلام الإسلاميّ، إيران، 1409هـ - 1368 ش، ط1، ص190.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج2، ص18.

 

118


108

الموعظة العاشرة: التكافل الاجتماعيّ

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ما من متعلِّم يختلف إلى باب العالم، إلّا كتب الله له بكلّ قدم عبادة سنة"[1].

 

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "إنّ العالم الكاتم علمه، يُبعَث أنتنَ أهل القيامة ريحاً! يلعنه كلّ دابة، حتّى دوابّ الأرض الصغار"[2].

 

وهذا حثٌّ على التكافل العلميّ، الذي يعني أن يعلّم العالِم الجاهل، وعلى الجاهل أن يتعلّم من العالِم؛ بغية إزالة معالم الجهل بأشكاله كافّة.

 

ج- التكافل العباديّ

إنّ في الإسلام شعائر وعبادات يجب أن يقوم بها المجتمع ويحافظ عليها، كصلاة الجنازة، فإنّ الميت إذا مات وجب على المجتمع تكفينه والصلاة عليه ودفنه، فإن لم يقم بذلك أحد أثِم الجميع، وهو ما يسمّى بالوجوب الكفائيّ في فقه العبادات.

 


[1] المصدر نفسه، ج1، ص184.

[2] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج16، ص270.

 

119


109

الموعظة العاشرة: التكافل الاجتماعيّ

د- التكافل المعيشيّ

ويُقصد به إلزام المجتمع بكفالة ورعاية أحوال الفقراء والمرضى والمحتاجين والاهتمام بمعيشتهم، من طعام وكساء ومسكن وحاجات اجتماعيّة لا يستغني عنها أيّ إنسان في حياته.

 

ثانياً: الأكثر استحقاقًا للتكافل المعيشيّ

ذكر الفقهاء العديد من الفئات التي لها الأولويّة في التكافل، نذكر منها:

أ- اليتيم

اهتم الإسلام باليتيم اهتماماً بالغاً، من ناحية تربيته، ومعاملته والحرص على أمواله وضمان معيشته، حتّى ينشأ عضواً صالحاً في المجتمع، ويقوم بمسؤوليّاته على أحسن وجه، وقد أشار القرآن الكريم إلى الاهتمام بشأن اليتيم، وعدم قهره، والحطّ من كرامته، قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ 

 

120


110

الموعظة العاشرة: التكافل الاجتماعيّ

فَلَا تَقْهَرْ﴾[1], ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ﴾[2].

 

كما أمر الله سبحانه بالمحافظة على أمواله، وعدم الاقتراب منها إلّا بالتي هي أحسن، قال تعالى: ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾[3].

 

ونهى عن أكل أمواله ظلماً، فقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾[4].

 


[1] سورة الضحى، الآية 9.

[2] سورة الماعون، الآيتان 1-2.

[3] سورة الأنعام، الآية 152.

[4] سورة النساء، الآية 10.

 

121


111

الموعظة العاشرة: التكافل الاجتماعيّ

وقد رغّب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كفالة اليتيم، والاهتمام برعايته، وبشّر الأوصياء بأنّهم سيكونون معه في الجنّة.

 

فعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنّة"[1] (وأشار بإصبعيه, يعني السبّابة والوسطى).

 

ب- أصحاب الإعاقات

قد يتعرّض الإنسان لحادثة ما في حياته، فيصاب بإعاقة جسديّة تعيق حركته الطبيعيّة، وربّما لظروف تتعلّق بالحمل والولادة، يولد بعاهة مستديمة كفقد البصر أو السمع، فيجب أن تتضافر جهود المجتمع في تحقيق التكافل والعيش الأفضل لمثل هؤلاء المحتاجين، حتّى يشعروا بالرحمة والتعاون والعطف، وأنّهم محلّ عناية واهتمام في المجتمع.

 

ج- المنكوبون والمكروبون

حثّت الشريعة الإسلاميّة على إغاثة المنكوب، والتفريج

 


[1] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج2، ص474.

 

122


112

الموعظة العاشرة: التكافل الاجتماعيّ

عن المكروب، والنصوص القرآنيّة في ذلك كثيرة، والأحاديث النبويّة عديدة.

 

قال تعالى: ﴿وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[1].

 

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ألا ومَنْفرّج عن مؤمن كربةً من كُرَب الدنيا فرّج الله عنه اثنين وسبعين كربةً من كُرَب الآخرة، واثنين وسبعين كربةً من كُرَب الدنيا"[2].

 

ثالثاً: التكافل مسؤوليّة المجتمع

لا يمكن لدولة ما أن تقوم بواجبها نحو تحقيق التكافل الاجتماعي إلا إذا ساهم معها أبناء المجتمع في بناء العدل الاجتماعيّ والبذل والإنفاق في سبيل الله. وقد قسّمت الشريعة مسؤولية المجتمع في تحقيق التكافل إلى قسمين:

القسم الأوّل: يطالب به الأفراد على سبيل الوجوب والإلزام.

 


[1] سورة البقرة، الآية 280.

[2] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج4، ص16.

 

123


113

الموعظة العاشرة: التكافل الاجتماعيّ

القسم الثاني: يطالب به الأفراد على سبيل التطوّع والاستحباب.

 

الأوّل: ما كان على سبيل الوجوب والإلزام، ويشمل الأمور الآتية:

أ- الخمس والزكاة

وقد ثبتت فرضيتهما ووجوبهما في الكتاب والسنّة، ولا يختلف اثنان أنّ مبدأ الخمس والزكاة هو تحقيق وإقامة التكافل الاجتماعيّ، ومحاربة الفقر، وحثّ المؤمنين على البذل والعطاء والإنفاق في سبيل الله.

 

عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ الله عزّ وجلّ فرض للفقراء في أموال الأغنياء ممّا يكتفون به، ولو علم الله أنّ الذي فرض لهم لم يكفِهم لزادهم, فإنّما يؤتى الفقراء فيما أوتوا مِن مَنْعِ مَنْ مَنَعَهم حقوقَهم، لا من الفريضة"[1].

 


[1] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، علل الشرائع، تقديم السيّد محمّد صادق بحر العلوم، المكتبة الحيدريّة، العراق - النجف الأشرف، 1385ه - 1966م، لا.ط، ج2، ص369.

 

124


114

الموعظة العاشرة: التكافل الاجتماعيّ

2- النذور والكفّارات

من وسائل التكافل ما ينذره المسلم من مال ونحوه، والوفاء بالنذر واجب بنصّ الكتاب، وعند جميع فقهاء المسلمين.

 

ومن وسائل التكافل أيضاً الكفّارات، وهي ما يوجبه الله على المسلم من إطعام المساكين أو التصدّق على الفقراء، إذا عمل مخالفةً شرعيّة في الصوم أو الحجّ أو يمين... تكفيراً لخطئه، وعقوبةً على مخالفته.

 

الثاني: ما كان على سبيل التطوّع والاستحباب، ويشمل أمورًا كثيرة، منها:

أ- الوقف

وهو من الصدقات المستحبّة، والتي يستمرّ خيرها، ويتجدّد ثوابها إلى ما بعد الممات، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلّا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، وصدقة جارية، وعلم ينتفع به"[1].

 


[1] ابن أبي جمهور الإحسائيّ، عوالي اللئالي، مصدر سابق، ج1، ص97.

 

125


115

الموعظة العاشرة: التكافل الاجتماعيّ

ب- العارية

وهي التسليط على العين للانتفاع بها على جهة التبرّع، أو هي عقد ثمرته ذلك أو ثمرته التبرّع بالمنفعة[1]، كأن يستعير الرجل متاعاً، ثمّ يردّه بعد الانتفاع به دون مقابل، وهي من أعمال الخير والإنسانيّة, فلا غنى للناس عن الاستعانة ببعضهم والتعاون فيما بينهم.

 

عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "الله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه, فانتفعوا بالعظة وارغبوا في الخير"[2].

 

ج- الهديّة أو الهبة

من وسائل التكافل الاجتماعيّ والتي حثّ الإسلام عليها الهديّة أو الهبة، وهي من العوامل التي تقوّي روابط المحبّة والودِّ والألفة بين فئات المجتمع،

 


[1] الإمام الخمينيّ، السيّد روح الله الموسويّ، تحرير الوسيلة، دار الكتب العلميّة، العراق - النجف، 1390ه.ق، ط2، ج1، ص591.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص200.

 

126


116

الموعظة العاشرة: التكافل الاجتماعيّ

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: تهادوا تحابّوا, فإنّ الهديّة تذهب بالضغائن"[1].

 

د- الصدقة

ورد الكثير من النصوص في استحبابها والحثّ عليها، وذكرت لها أوقاتاً خاصّة، يُضاعَف فيه الأجر، كالجمعة وعرفة وشهر رمضان، وبيّنت لها طوائف لهم الأولويّة على غيره، كالجيران والأرحام، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "لا صدقة وذو رحم محتاج"[2]، وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "ليس شيء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن، وهي تقع في يد الربّ تبارك وتعالى قبل أن تقع في يد العبد"[3].

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص144.

[2] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج2، ص68.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص3.

 

127


117

الموعظة الحادية عشْرة: تحصين المجتمع من المنكرات الخمر والمخدِّرات

الموعظة الحادية عشْرة

تحصين المجتمع من المنكرات

الخمر والمخدِّرات

 

 

 

المحاور الرئيسية:

- النهي عن المنكر من أشرف الفرائض

- حرمة شرب الخمر في القرآن والسنّة

- المخدِّرات, أضرارها، حكمها، الوقاية منها

 

128


118

الموعظة الحادية عشْرة: تحصين المجتمع من المنكرات الخمر والمخدِّرات

هدف الموعظة

التعرّف الى مخاطر بعض المنكرات وأضرارها وسبل الوقاية منها.

 

تصدير الموعظة

عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "قال النبيّ  صلى الله عليه وآله وسلم: كيف بكم إذا فسدت نساؤكم، وفسق شبابكم، ولم تأمروا بالمعروف، ولم تنهَوا عن المنكر؟! فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟! فقال: نعم، وشرٌّ من ذلك، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟! فقيل له: يا رسول الله، ويكون ذلك؟ قال: نعم، وشرٌّ من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً؟!"[1].

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص59.

 

129


119

الموعظة الحادية عشْرة: تحصين المجتمع من المنكرات الخمر والمخدِّرات

تمهيد

وضع الدين الإسلاميّ العديد من الخطوات الاحترازيّة لتحصين المجتمع الإنسانيّ ونظامه من الفساد والضياع، وإنّ أبرز تلك الخطوات، هو وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهما من أهمّ الواجبات الشرعيّة التي يطالبُ بها المسلم من قِبَل الباري، بل إنّهما "من أسمى الفرائض وأشرفها، وبهما تقام الفرائض، ووجوبهما من ضروريّات الدين، ومنكره مع الالتفات بلازمه والالتزام به من الكافرين"[1].

 

ويجب الأمر والنهي على كل من تتوفَّر فيه الشرائط من العلماء وغيرهم من الرجال والنساء، قال الله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[2].

 


[1] الإمام الخمينيّ، تحرير الوسيلة، مصدر سابق، ج1، ص462.

[2] سورة آل عمران، الآية 104.

 

130


120

الموعظة الحادية عشْرة: تحصين المجتمع من المنكرات الخمر والمخدِّرات

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "لا تزال أمّتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرّ، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزِعت منهم البركات، وسُلِّط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء"[1].

 

ونتعرّض هنا إلى اثنتين من أخطر المنكرات التي يجب مواجهتها والنهي عنها، وهما شرب الخمر وتناول المخدِّرات؛ ذلك أنّهما سببان رئيسيّان من أسباب الإخلال بالنظام في المجتمع الذي ينبغي أن يقوم على أساس الأمن والسلام والاستقرار بين الناس.

 

أوّلاً: حرمة شرب الخمر

إنّ مشكلة شرب الخمور والاتجار بها من أخطر المشاكل الصحّيّة والاجتماعيّة والنفسيّة، الّتي كانت وما زالت تواجه المجتمعات على امتداد العالم، وقد غزت مجتمعاتنا الإسلاميّة تحت عناوين ومبرّرات مختلفة.

 


[1] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج16، ص123.

 

131


121

الموعظة الحادية عشْرة: تحصين المجتمع من المنكرات الخمر والمخدِّرات

إنّ ضرر الخمر على الفرد في دينه وجسمه وعقله ونفسه وماله ممّا لا ريب فيه، وكذلك ضررها على الأسرة في تماسكها وترابطها، ومن وراء ذلك كلّه ضرر المجتمع كلّه بانتشار العربدة، وفساد الأخلاق، وخراب البيوت، وضياع الأموال، وانتشار الأمراض، وهذا ما ورد التحذير منه في الروايات فقد عقد الشيخ الكلينيّ في "الكافي" باباً خاصّاً تحت عنوان: "باب أنّ الخمر رأس كلّ إثم وشرّ".

 

وقد ورد أنّه قيل لأمير المؤمنين عليه السلام: إنّك تزعم أنّ شرب الخمر أشدّ من الزنا والسرقة؟! فقال عليه السلام: "نعم، إنّ صاحب الزنا لعلّه لا يعدوه إلى غيره، وإنّ شارب الخمر إذا شرب الخمر زنى وسرق وقتل النفس التي حرّم الله عزّ وجلّ وترك الصلاة"[1].

 

فتحريم الخمر من في الإسلام من الأمور القطعيّة، وقد أجمع المسلمون على ذلك، استناداً إلى القرآن والسنّة.

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص403.

 

132


122

الموعظة الحادية عشْرة: تحصين المجتمع من المنكرات الخمر والمخدِّرات

أ- ما جاء في القرآن الكريم

قال الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾[1]، وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾[2], وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[3].

 

ففي هذه الآيات تأكيد على تحريم الخمر بأكثر من وجه, وذلك لأنّه قُرن بالأنصاب - وهي الأصنام - والأزلام، وقد قال تعالى عن الأزلام: ﴿ذَلِكُمْ فِسْقٌ﴾[4].

 


[1] سورة البقرة، الآية 219.

[2] سورة المائدة، الآية 91.

[3] سورة المائدة، الآية 90.

[4] سورة المائدة، الآية 3.

 

133


123

الموعظة الحادية عشْرة: تحصين المجتمع من المنكرات الخمر والمخدِّرات

ثمّ أخبر عن هذه الأشياء بأنّها رجس، وهذا لفظ لم يُطلق في القرآن إلّا على الأوثان ولحم الخنزير.

 

ثمّ جعلها من "عمل الشيطان" وعمل الشيطان إنّما هو الشرّ والفحشاء والمنكر، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[1].

 

وعقّب على ذلك بقوله: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[2], والأمر بالاجتناب هو العبارة التي استخدمها القرآن في الزجر عن الأوثان وعبادتها، حيث قال تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾[3]، وقوله تعالى: ﴿وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ﴾[4]، كما استخدمها في ترك كبائر الذنوب والآثام

 


[1] سورة النور، الآية 21.

[2] سورة المائدة، الآية 90.

[3] سورة الحج، الآية 30.

[4] سورة النحل، الآية 36 .

 

134


124

الموعظة الحادية عشْرة: تحصين المجتمع من المنكرات الخمر والمخدِّرات

في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ﴾[1].

 

ثم علّل الأمر بالاجتناب ببيان بعض مضارّ الخمر والميسر الاجتماعيّة والدينيّة من تقطيع الأواصر والصدّ عن ذكر الله...

 

ب- ما جاء في السنّة

تواترت الروايات في السنّة على تحريم الخمر، نذكر منها:

عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ الْخَمْرَ بِعَيْنِهَا فَقَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا حَرَامٌ كَمَا حَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَحَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلّم الشَّرَابَ مِنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمَا حَرَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلّ"[2].

 


[1] سورة الشورى، الآية 37.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص408.

 

135


125

الموعظة الحادية عشْرة: تحصين المجتمع من المنكرات الخمر والمخدِّرات

وعن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ"[1].

 

ج- الإجماع

وهو أحد مصادر التشريع التي يعتمد عليها الفقهاء في استنباطهم للأحكام الشرعيّة, ويعني إجماع عدد منهم على حكم ما، ولا يؤخذ بهذا الإجماع إلّا إذا كان كاشفاً عن رأي المعصوم. وحرمة الخمر ممّا أجمع عليها الفقهاء.

 

ثانياً: المخدِّرات

وهي كلّ مادة طبيعيّة أو مستحضَرة، من شأنها إذا استخدمت في غير الأغراض الطبّيّة أو (الصناعيّة الموجّهة) أن تؤدّي إلى فقدان كلّيّ أو جزئيّ للإدراك بصفة مؤقتّة. والمخدِّرات في مجملها تؤثّر على المخّ، وهذا سرّ تأثيرها والكثير منها يتسبّب في موت بعض خلايا الجزء الأماميّ لقشرة الدماغ.

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص408.

 

136


126

الموعظة الحادية عشْرة: تحصين المجتمع من المنكرات الخمر والمخدِّرات

وهناك مخدِّرات تسبّب اعتماداً نفسيّاً دون تعوّد عضويّ لأنسجة الجسم، أهمّها: القُنَّب (الحشيش)، التبغ، القات. وهناك مخدِّرات تسبب اعتماداً نفسيّاً وعضويّاً، أهمها: الأفيون، المورفين، الهيرويين، الكوكايين.

 

أ- أضرار المخدِّرات

إنّ الانتباه لعدم الوقوع في شرك المخدِّرات هو النجاة حقيقةً؛ وذلك لأنّ أضرارها تنتشر في جوانب الحياة المختلفة، ومنها:

1- الأضرار الاجتماعيّة والخُلُقيّة

- عدم احترام القانون، فالمخدِّرات قد تؤدّي بمتعاطيها إلى خرق مختلف القوانين المنظِّمة لحياة المجتمع في سبيل تحقيق رغباتهم الشيطانيّة، وانهيار المجتمع وضياعه بسبب ضياع أساس المجتمع، وهو الأسرة.

 

- تسلب من يتعاطاها القيمة الإنسانيّة الرفيعة، حيث تؤدّي به إلى تحقير النفس، فيصبح دنيئاً مهاناً لا يغار على عرضه.

 

- سوء المعاملة للأسرة والأقارب وغيرهم، فيسود التوتّر

 

137


127

الموعظة الحادية عشْرة: تحصين المجتمع من المنكرات الخمر والمخدِّرات

والشقاق، وتنتشر الخلافات بين أفرادها.

 

- تفشّي الجرائم الأخلاقيّة والعادات السلبيّة، فمدمن المخدِّرات لا يأبه بالانحراف إلى بؤرة الرذيلة والزنا، ومن صفاته الرئيسيّة الكذب والكسل والغشّ والإهمال.

 

2- الأضرار الاقتصاديّة

فهي تستنزف الأموال وتؤدّي إلى ضياع موارد الأسرة بما يهددها بالفقر والإفلاس، وتضرّ بمصالح الفرد ووطنه.

 

3- الأضرار الصحّيّة

للمخدِّرات الكثير من الأضرار الصحّيّة، نذكر منها:

- التأثير على الجهاز التنفسيّ، حيث يصاب المتعاطي بالنزلات الشُعَبيّة والرئويّة، وكذلك بالدرن الرئويّ وانتفاخ الرئة والسرطان الشُعَبي.

 

- فقدان الشهيّة وسوء الهضم.

 

- الأمراض النفسيّة، كالقلق والاكتئاب النفسيّ المزمن...

 

ب- الحكم الشرعيّ للمخدِّرات

أجمع علماء المسلمين من جميع المذاهب على

 

138


128

الموعظة الحادية عشْرة: تحصين المجتمع من المنكرات الخمر والمخدِّرات

تحريم المخدِّرات، حيث تؤدّي إلى الأضرار في دين المرء وعقله وطبعه، حتّى جعلت خلقاً كثيراً بلا عقل، وأورثت متعاطيها دناءة النفس والمهانة، وقد عقد الشيخ الكلينيّ باباً خاصّاً حول تحريم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكلّ مسكر: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ"[1]، والخمر هو كلّ ما خامر العقل أو غطّاه أو ستره، بصرف النظر عن مظهر المسكر أو صورته، والمخدِّرات كلّها مسكرة، وهي حرام، وقد قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أسكر كثيره، فقليله حرام"[2].

 

ج- الوقاية من المخدِّرات

للوقاية من المخدِّرات العديد من البرامج والوسائل، منها:

1- الرقابة الذاتيّة والخوف من الله.

عَنِ الإمام الصَّادِقِ عليه السلام أنّه قال: "يَا إِسْحَاقُ، خَفِ الله كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ كُنْتَ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، فَإِنْ كُنْتَ تَرَى أَنَّهُ

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص406.

[2] المصدر نفسه.

 

139


129

الموعظة الحادية عشْرة: تحصين المجتمع من المنكرات الخمر والمخدِّرات

لَا يَرَاكَ فَقَدْ كَفَرْتَ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ يَرَاكَ ثُمَّ اسْتَتَرْتَ عَنِ الْمَخْلُوقِينَ بِالْمَعَاصِي وَبَرَزْتَ لَهُ بِهَا فَقَدْ جَعَلْتَهُ فِي حَدِّ أَهْوَنِ النَّاظِرِينَ إِلَيْك"[1].

 

2- بثّ روح الثقافة الإسلاميّة والإيمانيّة.

 

3- تنويع البرامج الدينيّة والثقافيّة وتطويرها.

 

4- التنشيط الاجتماعيّ والتواصل مع شرائح المجتمع كافّة.

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج67، ص386.

 

140


130

الموعظة الثانية عشْرة: الحرّيّة في الإسلام حدودها ومقوّماتها

الموعظة الثانية عشْرة

الحرّيّة في الإسلام

حدودها ومقوّماتها

 

 

المحاور الرئيسية:

- مفهوم الحرّيّة

- الحرّيّة مطلقة أم مقيَّدة؟

- مقوّمات الحرّيّة

 

141


131

الموعظة الثانية عشْرة: الحرّيّة في الإسلام حدودها ومقوّماتها

هدف الموعظة

التعرّف إلى مفهوم الحرّيّة ومقوّماتها في الإسلام، وكيف يكون الإنسان حراً.

 

تصدير الموعظة

عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "ولَا تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ، وقَدْ جَعَلَكَ اللَّه حُرّاً"[1].

 


[1] نهج البلاغة، مصدر سابق، ص401.

 

142


132

الموعظة الثانية عشْرة: الحرّيّة في الإسلام حدودها ومقوّماتها

تمهيد

نتعرّض في هذه الموعظة إلى عدّة نقاط هامّة، وهي: بيان مفهوم الحرّيّة ودائرتها في الإسلام، وهل هي مطلقة أم مقيّدة؟ وكذلك ما يتعلّق بالمبادئ والمقوّمات الّتي تقوم عليها حسب الثقافة الإسلاميّة.

 

أوّلاً: مفهوم الحرّيّة

يُقصد بالحرّيّة قدرة الإنسان على فعل الشيء أو تركه بإرادته الذاتيّة. وهي منحة إلهيّة للإنسان الذي حباه الله تعالى بكلّ المقوّمات الأخرى اللازمة خلال مسيرته الحياتيّة، والّتي تضمن له أداء دوره الرياديّ على الأرض في أحسن صورة.

 

والحرّيّة ليست شيئاً ثانويّاً في حياة الإنسان، بل حاجة ملحّة وضرورة ماسّة من ضروراته، باعتبارها تعبيراً حقيقياً عن إرادته وترجمة صادقة لأفكاره، فبدون الحرّيّة لا تتحقّق الإرادة، وعدم تحقيق الإرادة يعني

 

143


133

الموعظة الثانية عشْرة: الحرّيّة في الإسلام حدودها ومقوّماتها

تكبيل الإنسان ووأد كافّة طموحاته وتطلّعاته، وهو ما لا ينسجم أبداً والغايةَ من وجود هذا الكائن الإلهيّ والدور المناط به، وبدون الحرّيّة لا تتحقّق ذاتيّة الإنسان وكرامته وقدرته على تقرير مصيره، وبدونها أيضاً لا تتحقّق سعادته.

 

وقد عبّر الله تعالى عن الإنسان أسمى تعبير، من حيث حمل الرسالة والتمتّع بالحرّيّة والاختيار، من خلال تتويجه بالخلافة، فقد جعله مكمّل الوجود، وفوّض إليه جزءاً من خلافته، وجعله مظهراً لها، ولا بدّ له من العمل على أساسها. فالحرّيّة في عقيدتنا تكليف وفرض، لا بدّ من رعايته خلال تعامل الإنسان مع نفسه، وخلال تعامله مع الآخرين [1].

 

ثانياً: الحرّيّة مطلقة أم مقيدة؟

لا يعني إقرار الإسلام للحرّيّة أنّه أطلقها من القيود والضوابط؛ فبذلك تكون أقرب إلى الفوضى الّتي يثيرها الهوى والشهوة. وبما أنّ الإسلام ينظر إلى الإنسان على أنّه مدنيّ بطبعه، يعيش بين كثير من بني جنسه، فلم يقرّ لأحد بحرّيّة دون آخر، ولكنّه أعطى كلّ واحد منهم حرّيّته، سواء كان فرداً أو جماعة؛ ضمن قيود ضروريّة، تضمن حرّيّة الجميع، وتتمثّل الضوابط التي وضعها الإسلام في الآتي:

أ- ألّا تؤدّي حرّيّة الفرد أو الجماعة إلى تهديد سلامة النظام العامّ وتقويض أركانه.

 

ب- ألّا تفوّت حقوقاً أعظم منها، وذلك بالنظر إلى قيمتها في ذاتها ورتبتها ونتائجها.

 

ج - ألّا تؤدّي حرّيّته إلى الإضرار بحرّيّة الآخرين.

 

وبهذه القيود والضوابط، وازن الإسلام بين حرّيّة الفرد وحرّيّة الجماعة، وأعطى كلّاً منهما حقّه.

 


[1] الشهيد مطهري، الحرّيّة، ص39.

 

144


134

الموعظة الثانية عشْرة: الحرّيّة في الإسلام حدودها ومقوّماتها

ثالثًا: مقوّمات الحرّيّة

تنطلق الحرّيّة من مجموعة من الثوابت والمبادئ، منها:

أ- مبدأ العبوديّة والخوف من الله

تنبع أهمّيّة العبادة من كونها الغاية الّتي خُلقنا لأجلها، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[1], وذمّ المستكبرين عنها بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[2]، ونعت أهل جنّته بالعبوديّة له، فقال سبحانه: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا﴾[3], ونعت نبيّه محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم بالعبوديّة له في أكمل أحواله، فقال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً﴾[4].

 

ويرى الشهيد محمّد باقر الصدر (رضوان الله عليه) أنّ الحرّيّة في المفهوم الإسلاميّ ثورة، وهي ليست ثورة

 


[1] سورة الذاريات، الآية 56.

[2] سورة غافر، الآية 60.

[3] سورة الإنسان، الآية 6.

[4] سورة الإسراء، الآية 1.

 

145


135

الموعظة الثانية عشْرة: الحرّيّة في الإسلام حدودها ومقوّماتها

على الأغلال والقيود بشكلها الظاهريّ فحسب، بل على جذورها النفسيّة والفكريّة، وبهذا كفِل الإسلام للإنسان أرقى أشكال الحرّيّة التي ذاقها على مرّ التاريخ وأسماها[1].

 

ودعا الإسلام إلى تربية النفس على الخوف من الله تعالى, فإنّ باعث على العمل والثقة بالنفس، وليس سمة سلبيّة تؤثّر على اختيار الإنسان وحرّيّته، بل هو عامل باعث على النشاط والحيويّة والحرّيّة، يقول الإمام الصادق عليه السلام: "خفِ الله كأنّك تراه، فإنْ كنت لا تراه، فإنّه يراك، فإنْ كنت ترى أنّه لا يراك فقد كفرت، وإنْ كنت تعلم أنّه يراك، ثمّ استترت عن المخلوقين بالمعاصي، وبرزت له بها، فقد جعلته في حدّ أهون الناظرين إليك"[2].

 

 والخوف من الله تعالى من خصائص المتّقين وسماتهم، فعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "الخشية من عذاب الله، شيمة المتّقين"[3].

 


[1] من مقال للشهيد الصدر 1404ه، الأضواء.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج73، ص21.

[3] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص53.

 

146


136

الموعظة الثانية عشْرة: الحرّيّة في الإسلام حدودها ومقوّماتها

ب- مبدأ قوة الإيمان بالله تعالى وثباته

الإيمان بالله أمرٌ قابل للزيادة والنقصان، وخاضعٌ لجملة من العوامل الّتي تؤثّر فيه، وفيما يأتي عرض لجملة من الأساليب الّتي من شأنها تقوية الإيمان بالله وتعميقه:

1- الاعتزاز الدائم بالله تعالى

قال الله تعالى: ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾[1], وقال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾[2]. فالاعتزاز بالإيمان والانتساب إلى الإسلام ينبغي أن يشكّل شعوراً مرافقاً للمؤمن أينما كان.

 

2- التدبّر في القرآن

فهو يتضمّن المبادئ العالية لتربية الإنسان وارتباطه بالله، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾[3].

 


[1] سورة آل عمران، الآية 139.

[2] سورة المنافقون، الآية 8.

[3] سورة الإسراء، الآية 9.

 

147


137

الموعظة الثانية عشْرة: الحرّيّة في الإسلام حدودها ومقوّماتها

3- ممارسة الشعائر الإسلاميّة

فهي غذاء المؤمن الذي ينمّي فيه قوّة الإيمان، ومن مصاديقها: الصلاة، الصوم، الإنفاق، الحجّ، قال تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾[1].

 

4- الذكر

قال تعالى: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾[2], وقال تعالى: ﴿وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا﴾[3].

 

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "من أشدّ ما فرض الله على خلقه، ذكر الله كثيراً"[4].

 

5- تذكّر الموت والبرزخ ومراحل الحياة الآخرة

فعن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "اذكروا هادم اللذّات"[5].

 


[1] سورة فاطر، الآية 10.

[2] سورة الرعد، الآية 28.

[3] سورة آل عمران، الآية 41.

[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص80.

[5] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج6، ص133.

 

148


138

الموعظة الثانية عشْرة: الحرّيّة في الإسلام حدودها ومقوّماتها

وعن الإمام عليّ عليه السلام في كتابه إلى محمّد بن أبي بكر، قال: "وكفى بالموت واعظاً"[1].

 

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: "أكثروا ذكر الموت؛ فإنّه هادم اللذّات..."[2].

 

6- الشعور بالأمل الدائم وحتميّة الانتصار

فالصراع الدائر بين الحقّ والباطل، ومعاناة الناس من الباطل وأهله، هما نوع من التغيير الاجتماعيّ والتمهيد لتحقّق وعد الله بالنصر والتمكين، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾[3], وقال تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾[4].

 


[1] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، مصدر سابق، ص28.

[2] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج2، ص437.

[3] سورة النور، الآية 55.

[4] سورة الروم، الآية 47.

 

149


139

الموعظة الثانية عشْرة: الحرّيّة في الإسلام حدودها ومقوّماتها

ج - مخالفة الأهواء ومحاسبة النفس

لكلّ إنسان أهواؤه المتعلّقة بالمال، الأكل والشرب، الجاه والمركز... والهدف النهائيّ الذي يطمح إليه المؤمن هو إلغاء هذه الأهواء، والتطهّر منها تطهيراً كاملاً.

 

والمهمّ هو إضعاف تأثير هذه الأهواء على السلوك، وإحكام السيطرة عليها، وهذا ما ينتج من مجموعة عوامل، أهمّها مخالفة الهوى، قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾[1].

 

ولا بدّ من مراعاة أمور أخرى في هذا المجال، مثل الصدقة، والإنفاق السرّيّ، وصون اللسان عن الكذب، والغيبة، وأن تكون قاعدته الصمت إلّا في موارد الحجّة والضرورة، وأن يتعلَّم الصوم المستحبّ، فهو ينمّي الإرادة، ويصعّد من ملكة الصبر.

 


[1] سورة النازعات، الآيتان 40-41.

 

150


140

الموعظة الثانية عشْرة: الحرّيّة في الإسلام حدودها ومقوّماتها

وعن الإمام الرضا عليه السلام، قال: "ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم، فإن عمل حسناً استزاد الله، وإن عمل سيئاً استغفر الله منه، وتاب إليه"[1].

 

د- الزهد بالدنيا وعدم الخضوع للشهوات

يشير أمير المؤمنين عليه السلام إلى هذا المعنى قائلاً: "مَنْ أيقن اَنَّهُ يُفَارِقُ الأحباب وَيَسْكُنُ التُّرَابَ وَيُوَاجِهُ الْحِسَابَ وَيَسْتَغْنِي عَمَّا خَلَّفَ، ويَفْتَقِرُ إلى مَا قَدَّمَ كَانَ حَرِيّاً بِقَصْرِ الأمل وَطُولِ الْعَمَلِ"[2].

 

ويقول سلمان المحمّديّ: "ثَلاَثٌ أعجبتني حَتَّى أضحكتني: مُؤَمِّلُ الدُّنْيَا وَالْمَوْتُ يَطْلِبُهُ، وَغَافِلٌ لَيْسَ بَمَغْفُول عَنْهُ، وَضَاحِكٌ بملء فِيهِ، لاَ يَدْرِي أساخط رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَيْهِ أم رَاضٍ عَنْهُ"[3].

 

فيجب التفكّر في اهتزاز الدنيا وتغيّرها الدائم، وفي أنّ الحرص على جمع الأموال والثروات لتحقيق الآمال والتمنّيات في الدنيا لا يجلب السعادة أبداً، بل يزيد الشقاء والمحنة، وأنّ أفضل الطرق للوصول، هو ما ورد في الحديث النبويّ: "كن في الدنيا كأنك غريب وعابر سبيل، واعدد نفسك في الموتى، وإذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء، وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح، وخذ من صِحَّتِكَ لِسُقْمِكَ، ومن شبابك لهرمك، ومن حياتك لوفاتك، فَإنّكَ لاَ تَدْرِي مَا اسْمُكَ غَداً"[4].

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص453.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج70، ص167.

[3] الفيض الكاشانيّ، المولى محمّد محسن، المحجّة البيضاء في تهذيب الأحياء، صحّحه وعلّق عليه علي أكبر الغفاري، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرِّسين حوزه علميّه قم، إيران - قم، لا.ت، ط2، ج8، ص246.

[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج74، ص181.

 

151


141
مجالس السيرة الحسينيّة 1441 هـ