الثورة الإسلامية والغزو الثقافي


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-10

النسخة: 0


الكاتب

جمعية مراكز الإمام الخميني الثقافية

مراكز ثقافية تعنى بحفظ نهج الإمام الخميني قدس سره ونشره من خلال إنشاء مراكز متخصصة بإقامة الندوات الفكرية واللقاءات الحوارية للنخب الثقافية والجامعية، وإنشاء المكتبات العامة للمطالعة، وتكريم شخصيات ثقافية، وإقامة دورات فكرية، وتوقيع كتب أدبية وفكرية، وإصدار سلاسل فكرية متنوعة لكبار العلماء والمفكرين.


القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 الغزو الثقافي في العهد البهلوي البائد وقبله 

 
نقرأ في التأريخ ـ وليس كلّ ما في التأريخ صحيحاً على وجه تام ـ إنَّ المدارس كانت موجودة في القرنين الرابع والخامس، وكان هناك من يتعلم في هذه المدارس. طبيعي أنَّ الأنظمة الديكتاتورية مثل النظام الغزنوي والسلجوقي وأشباههما، لم تكن تدع فرصة للناس كي تتنفس، وإذا كانوا قد أسسوا المدرسة النظامية على سبيل المثال، فإن ذلك لا يعني أن باب الدراسة وتحصيل المعارف كان مفتوحاً للجميع دون استثناء.
 
وفي كل الأحوال، لا يعنينا أن نحكم على ما جرى في تلك العصور، ولكن لكم أن تعودوا إلى التأريخ التأريخ عنصر ينبغي أن نتعلمه، فإذا أردنا أن نتلمس موقعنا في الوقت الحاضر، ونعرف أين نحن الآن، علينا أن نحيط بالتاريخ، نعرفه ونعيه، الإحاطة بالتأريخ، بإدراكه ومعرفته ووعيه، أمر مهم الذي تلا الغزو المغولي، لتدركوا جيداً، أنَّ الفرصة لم تكن مؤاتية للإنسان المستعد لتحصيل العلم في هذا البلد، بقدر ما هي مؤاتية الآن. كانت العصور التي مرّت عصور جهل وعدم اكتراث بالمعارف والعلوم؛ كانت تلك عصر الملوك المستبدين، السافكين للدماء، الذين تركوا الشعب وأهملوه من دون أن يهتموا به. قدر ذرّة 1.
 
 
 

1-   خطاب السيد القائد في لقائه لمجموعة من الحوزويين والجامعيين. 28/9/1369. 
 
 
 
 
 
 
7

1

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 1- نحن بلد عاش تخلفاً مريعاً عن مستوى التقدم العلمي والتكنولوجي في العالم وما شهده العالم من تطوّر. وقد نزل بهذا البلد من قبل السلاطين خلال القرنين الماضيين ظلماً فادحاً فقد تركونا نتخلف عن القافلة، ولم يدعوا العلم والثقافة والمعارف تنفذ إلى البلد بشكل سليم. 

 
فناصر الدين شاه القاجاري على سبيل المثال، كان يبغض اسم القانون ويتنفر منه، وكان يكره للإنسان أن يغادر إلى الخارج ثم يعود، وينفر من تدفق المعارف والمعلومات من الخارج. وكل ما حصل إنهم بادروا لأيام قلائل لممارسة بعض الأعمال بدوافع طارئة، بيد أنهم تراجعوا عنها حينما قدّروا بأنها يمكن أن تعود عليها بالضرر، وبذلك أبقونا بمنأى عن المعارف والعلوم. 
 
وحين آل الأمر إلى أسرة بهلوي، ازداد الحال سوءاً، إذ جرّت هذه الأسرة الشعب إلى الشهوات، وسلطت عليه تلك التيارات الفاسدة من الثقافة الغربية، وعملت على إشاعتها بدلاً من الضروب المفيدة في تلك الثقافة. 
 
حينما ذهبنا إلى أوروبا وأخذنا منهم العلم، عدنا إلى بلدنا بمواصفات جديدة حيث أضحت شخصيتنا شخصية شهوية.. بلا وجدان وضمير.. فاقدة للإرادة، تاركة للدين. فما هي يا ترى المنافع التي تعود على الناس من هذا العلم؟ ومن الحالات الأُخرى إن بعضهم ذهب إلى أوروبا وأفاد من علومها فعلاً، ولكنهم عندما عادوا لم ينفعوا بلدهم بشيء، بل بقيت البلاد على حالها. هذه أيضاً من سيئات ذلك
 
 
 
 
 
 
 
8

2

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 العهد. وهي من سيئات السلاطين الذين مسكوا زمام البلد لقرنين على الأقل، ولم يكونوا يفهمون شيئاً، سوى مصالحهم الذاتية الخاصة. 

لقد وقف الشعب في مكانه دون أن يتقدم في العلوم، مع جميع ما يتحلى به من ذكاء وخلفية في العلم والثقافة، بدءاً من عهد فتح علي شاه ومحمد علي شاه وناصر الدين شاه وانتهاءاً بالمجرمين الكبيرين رضا خان وولده محمد رضا، حتى سبقه الآخرون في مضمار التقدم سواء كانوا من منافسيه وأعدائه أو من الشعوب الأخرى التي قطعت شوط التقدم مرقاة بعد أخرى 1
 
إذا اطلعتم على تأريخ أواخر العهد القاجاري لرأيتم كثرة المسيحيين الذين جاؤوا من أوروبا إلى إيران بهدف التنصير. وقد كان مثلهم كمثل اللص المبتدئ، فلم يوفقوا، لأنهم لم يحسنوا اختيار المنطقة التي يمكن للمسيحية أن تروج فيها. 
 
طبيعي لا نستطيع أن نقول أن أصحاب الرساميل والشركات العالمية والناهبين الدوليين، كانوا يعتقدون حقاً بالسيّد المسيح؛ فمن أين لهم أن يعرفوا السيّد المسيح؟ بل كان أول سعيهم حينما يحطون في محيط اجتماعي يظهر المجتمع فيه عقله بثقافته الوطنية ويدافع عن حيثيته، أن يستأصلوا تلك الثقافة. تماماً كما تفعل عدة من الجنود حينما تهجم على قلعة محصنة، فهي تتعرض أولاً لقواعد القلعة،
 
 
 

1- حديث السيد القائد في لقائه مع مسؤولي محافظة جهار محال وبختياري، في شهر كرد، 16/7/1371. 
 
 
 
 
 
 
9

3

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 فتنهار الجدران بعد ذلك تلقائياً. فهم يفعلون كلّ ما يقود إلى إضعاف جدران القلعة، ويمكن أن يبادروا إلى تنويم أهل القلعة استغفالهم . 

ومما يذكره سعدي أن عدداً من اللصوص أرادوا أن يغيروا على جماعة، وقد كانوا نياماً. فان أول من هجم عليهم من الأعداء شخص من الجماعة مندس بين الصفوف حتى إذا ما كتف أيديهم وشدّ أعينهم، جاء العدو الخارجي لانتهاب أموالهم1.
 
الذي أعتقده أن العصر القاجاري هو أحلك العصور التي مرّت على تأريخ إيران. لقد توجهت باللعنة مراراً إلى ملوك القاجار. فقد عاصرت إيران في عهدهم مدّ التقدم العلمي، وكان ذلك العصر عصر استثمار العلوم والثقافة والإفادة منهما، بيد أنهم لم ينهضوا بما كان عليهم أن ينهضوا به، ولم يفعلوا ما ينبغي أن يفعلوه، فوقعت إيران في مثل مأزقها الراهن!
 
شخصياً لا أؤمن بأولئك ولا أحمل لهم من التقدير قيد ذرّة بَيْدَ إني أقول أنهم كانوا ضعفاء راكدين يسعون للذة وملأ البطون، ولا همّ لهم سوى ملاذهم والنساء وما يرتبط بمعيشتهم الخاصة، كانوا أهل دنيا، ولم يكونوا يتوفرون على وعي وإدراك كافيين للقضايا بحيث يميّزوا بين النافع والضار بين ما هو شرّ وما هو خير.
 
فقد كان همّ ناصر الدين شاه مثلاً هو أن يحكم ويرتع في اللذة، وكان حكمه ولذته يصرفاه عن حال الشعب وما يعانيه. طبيعي أن
 
 
 

1- حديث السيد القائد في لقائه مع العاملين في أجهزة الاتصال الجامعي. 

 
 
 
 
 
 
10

4

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 الضعف والإهمال هما من أكبر الذنوب التي يمكن أن يتصف بها قائد مسؤول عن البلد.

 
وحين آل الأمر على أُسرة بهلوي، فقد ارتكبوا من الفعال ما هو أسوأ بكثير مما ارتكب في العهد القاجاري. فأسرة بهلوي ضربت على قواعد الثقافة الذاتية الخاصة للشعب وزلزلت اركانها، وأنشبت أظافر التخريب فيها، حتى حلت الثقافة المستوردة بدلاً من الثقافة الخاصة، ونفذت في أغلب مرافق حياتنا وشؤونها 1.
 
كان شعبنا ملتزماً على طوال قرون الحضارة الإسلامية، برعاية الآداب في طبيعة العلاقة بين المرأة والرجل. وهذا لا يعني عدم وقوع حالات من الخطأ والمعصية فالخطأ موجود في كلّ العصور وفي مختلف المجالات، وسيبقى أفراد البشر عرضه للخطأ أبداً. ولكن ثمَّ فرق بين الخطأ، وبين أن يتحوّل الخطأ إلى عرف عام في المجتمع وعلى صعيد الشعب.
 
لقد كانت مجالس الإشراف وبلاطات الملوك والأمراء ومن يقع على شاكلتهم، هي وحدها التي تشهد مجالس اللذة والطرب والفحشاء، حيث تمضي الليالي الحمراء حتى الصباح بهذه الخطايا.
 
لقد سعى الأوروبيون الذين لا تغلق باراتهم طوال الليل والنهار أن يدفعوا مجتمعنا صوب هذه العادات المشؤومة الفاسدة. حينما تعودون إلى تاريخ أوروبا، تجدونه متكظاً دوماً وبجميع عهوده وسنيه وأشواط تمدنه بالفساد. وقد أرادوا أن يدفعوا بهذا النهج إلى البلد، ففعلوا كلّ ما بمقدورهم أن يفعلوه2.
 
 
 

1- حديث السيد القائد في لقائه مع شعراء وأُدباء وفناني تبريز، 5/5/1372. 
2- حديث القائد في لقائه مع العاملين في أجهزة الاتصال الجمعي ورؤساء مناطق التربية والتعليم. 21/5/1371. 
 
 
 
 
 
 
 
11

5

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 بدأ الهجوم الثقافي على شعبنا بشكل محدّد الملامح منذ عصر رضا خان. طبيعي أن مقدمات هذا العمل كانت توافرت قبل ذلك، حيث فعل المثقفون التابعون المتغربون الكثير على هذا الصعيد.

 
لا أدري إذا كان جيل الثورة، قد أطلع جيداً على تأريخ بلدنا خلال الفترة ما قبل 150 200 سنة أم لا؟ كل الذي أخشاه أن لا يكون الشاب الثوري على إطلاع بالعهد الذي قلبنا صفحته، وما كانت عليه إيران في ذلك الوقت، ونحن نعيش يوميات الحركة العظيمة الراهنة. على الشعب الإيراني أن يقرأ الحقبة التاريخية ما قبل 150ـ200 سنة الأخيرة في الفترة الممتدة إلى أواسط العهد القاجاري وحروب إيران وروسيا وما تلاها، ليتبينوا طبيعة الحوادث التي مرّت على البلد.
 
واحدة من هذه الوقائع تمثل بإيجاد التيار الثقافي التابع. نحن لا نستطيع أن نقول أنه لم يوجد لدينا مثقفون طوال تأريخ إيران، بلى، كانت في جميع الأزمنة والإعصار ثلة من المثقفين تستبق عصرها في التفكير وتتحرك على هذا الهدي. ولكن حينما أراد الغرب أن يتحكم بإيران عن طريق العلم والتكنولوجيا ويرسخ وجوده عن هذا السبيل، نفذ عن طريق التيار الثقافي، وأخذه من عناصر عملية أمثال ميرزا ملكم خان وتقي زادة، رأس جسر لنفوذه.
 
لقد ولد التيار الثقافي في إيران مريضاً، وأضحى تابعاً مرتبطاً بالخارج منذ العصر القاجاري فما بعد. والذي يؤسى له، أنَّ عدداً من المثقفين السليمين المخلصين، ضاعوا بين هؤلاء. هذا التيار كان تابعاً
 
 
 
 
 
 
12

6

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 منذ البداية، فبعض رموزه كان مرتبطاً بروسيا أمثال ميرزا فتح علي آخوند زادة، وبعضهم كان تابعاً لأوروبا كميرزا ملكم خان وأمثاله.

 
كانت هذه المقدمات موجودة من قبل في إيران، ولكن لم تكن لها آثار واضحة. إلى أن حصل التحوّل على عهد رضا خان، فالرمز المهم الذي تحرك خطوة كبيرة على صعيد خدمة الثقافة الغربية،أو في الحقيقة خدمة سلطة الغرب والاستعمار الانكليزي، هو رضا خان.
 
لكم أن تلاحظوا الآن مقدار الفضيحة التي تنطوي عليها ممارسة ملك قام باستبدال الزي الوطني لشعبه مرَّة واحدة دفعةً! إذا ذهبتم إلى أقصى نقاط الدنيا، كالهند مثلاً تجدون أن الشعوب لها زيَّها الوطني وهي تفتخر به، ولا تشعر بالخجل أو العار منه. ولكن هؤلاء غيّروا الزي الوطني ومنعوه مرة واحدة، لماذا؟ زعموا أن الإنسان لا يكون عالماً مع هذا الزي! في حين نجد أن أبرز العلماء الإيرانيين، الذي لا زالت آثاره تدرس في أوروبا، عاش بهذه الثقافة وأمضى حياته بهذا الزي.
 
ترى ما هو تأثير الزي؟ وما هو الكلام الذي يجافي المنطق ويبعث على السخرية؟
 
لقد استبدلوا الزي الوطني ومنعوا ارتداء الحجاب. وقالوا إنّ المرأة لا تستطيع أن تتحوّل إلى عالمة مع الحجاب العباءة ولا يمكن أن يكون لها مشاركة في الفعاليات الاجتماعية! أتوجه إلى هؤلاء بسؤال: إلى أي مدى استطعن النساء أن يشاركن في الفعاليات الاجتماعية بمنع الحجاب وتحريم العباءة؟ 

هل سمح عهد رضاخان وابنه للمرأة أن تشارك في الفعاليات
 
 
 
 
 
 
 
13

7

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 الاجتماعية؟ في عهد حرم الرجل من ممارسة الفعالية الاجتماعية كما حرمت من ذلك المرأة أيضاً.

 
لقد استطاعت المرأة في إيران أن تلج ميدان العمل الاجتماعي وتحوّل البلد بإرادته القوية، حيث جرّت الرجل إلى الساحة وراءها، حينما ارتدت الحجاب ووضعت العباءة على رأسها ثم ما تأثير الزي والحجاب في عدم فعالية المرأة أو الرجل؟ المهم هو القلب الذي ينطوي عليه هذا الرجل وتلك المرأة.. والمهم هو كيف يفكراً؟ وما هو قدر إيمانهما، وما هي طبيعة الروحية التي ينطوي كل منهما عليها، وطبيعة الدافع الذي يسوقهما لممارسة الفعالية الاجتماعية والنشاط العلمي؟
 
لقد وضع رضاخان هذا الطاغية الأمي المتجبر نفسه أُلعوبة بيد الأعداء. فغيّر الزي الوطني واستبدل الكثير من الآداب والسنن السائدة بين الشعب، ومنع مزاولة الفعل الديني، وزوى بالدين جانباً.
 
مارس جميع هذه الفعال بالقوة كما تعلمون جميعاً وتحوّل إلى شخصية محبوبة لدى الغرب، لم يكن محبوباً من قبل الرأي العام في الغرب، أو أبناء الشعوب الغربية، وإنما أضحى محبوباً من قبل السلطويين والساسة الغربيين.
 
من هذا الموقع انطلق الغزو الثقافي ضدّ الإسلام والشعب الإيراني، واكتسب أشكالاً مختلفة. وقد اتخذ الغزو أبعاداً خطيرة في السنوات الأخيرة في عهد أسرة بهلوي البغيضة، وبالتحديد في الفترة بين 20ـ 30 سنة الأخيرة، مما لا يسعنا الآن توضيحه. وإنما يعنينا أن نشير إلى أن الثورة الإسلامية جاءت لتكون بمثابة ضربة محكمة في صدر العدو، اصنطرته للتراجع، ومن ثم أذنت بتوقف عجلة الغزو.
 
 
 
 
 
 
 
 
14

8

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 شاهدتم أوائل الثورة التحوّل المفاجئ الذي حلّ بالشعب، حيث شهدنا تغييرات أساسية في أخلاقيات الناس، حصلت في غضون مدة قصيرة من الانتصار.. تضاءل الطمع وتجلّت روح الإغضاء والعفو والتجاوز.. كما اتسعت روح التعاون.. حصلت انعطافه كبيرة صوب الدين.. ازدادت القناعة وقتل الإسراف.. أخذ شبابنا يفكرون بالفعالية والعمل.. كثير من الذين اعتادوا الحياة في المدن قفلوا عائدين إلى القرى، وكان لسان حالهم: لنذهب إلى القرى ونعمل وننتج.. قلّت الأعمال الكاذبة التي كانت تنشب كالعشب الضار في الحياة الاقتصادية للناس.

 
لقد ارتبط هذا التحوّل الثقافي بالسنين الأولى من عمر الثورة، بمعنى أنه اقترن مع توقف جهود العدو عن الاستمرار بغرس الثقافة والأخلاقيات الفاسدة. شهدنا في تلك المدّة نوعاً من التوجه الخاص نحو الإسلام.. صوب الثقافة والأخلاق والآداب، حتى نبضت في ضمائر شعبنا مجدداً الخُلقيات الإسلامية.علينا أن نقول أن هذا التوجّه لم يتسم بالعمق، فتعميق هذا الاتجاه لم يكن ممكناً إلاّ بالعمل المثابر خلال عدّة سنوات، وهذا ما لم يحصل مع الأسف، حيث لم تُتح الفرصة المناسبة لذلك،ثم إنَّ العدو كان قد بدأ هجومه من جديد وتدريجياً 1.
 
الذي يبعث على الأسى والأسف، إنَّ القلوب في العهد السابق لم تكن تتوجع وتعيش همّ الاستقلال والحاكمية الوطنية لهذا البلد. فالجميع يذكر بأنَّ السنوات الأخيرة من نظام الطاغوت من نظام
 
 
 
 

1- حديث القائد في لقائه مع العاملين في أجهزة الاتصال الجمعي ورؤساء مناطق التربية والتعليم، 21/5/1371. 
 
 
 
 
 
 
 
 
15

9

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 العهد البهلوي كانت عهد نسيان الأمة.. عهد إغفال شعب إيران.. عهد إهمال عناصر الخصوصية والمقومات الوطنية لثقافتنا. كلّ شيء كان يؤخذ من الخارج في ذلك العهد، ويستعار من وراء الحدود، وقد وصل احتقار ما يتصل بدائرة الخصوصية والذاتية على الحد الذي لم تكن تجرؤ إلاّ القلة في اظهار ميلها للثقافة الذاتية الخاصة.

 
هذه هي مع الأسف خصوصية العهد البهلوي، وكنّا كلما تركنا أوائل الهد البهلوي وتقدمنا معه إلى الأمام، وجدنا حركة الابتذال والنزوع عن الخصوصية الذاتية عن الهوية والأصالة تزداد أكثر فأكثر. لكم أن تتأمّلوا على سبيل المثال السنوات الأخيرة من العهد البهلوي وما آلت إليه الفنون الوسطى في المجتمع، فموسيقى البلد مثلاً اختلطت بالموسيقى الغربية، بل ابتلعتها الأخيرة وحلّت محلّها.
 
أنظروا إلى المسألة من موقع آخر.. فنحن شعب له آدابه وعاداته الخاصة في المعاشرة والسلام، وفي طراز المعيشة والزي نحن شعب عريق جداً لنا ما يميزنا في آداب العشرة والعادات الوطنية، فلماذا إذاً حذفوا صيغة التحية السائدة بيننا، واستبدلوها بصيغة وافدة؟ ولماذا استبدلوا أطعمتنا الوطنية واستبعدوها لتحل محلّها الأطعمة الأجنبية؟ وماذا نُبذ زيُّنا الوطني ليحل الزي الأجنبي محلّه1؟.
 
صرنا في العهد البهلوي والعهد القاجاري ضحية النهب والهجوم الشديد، فقد استفاد الآخرون من غفلتنا، ومن غفلة حكّام هذا البلد،
 
 
 
 

1- حديث السيد القائد في لقائه شعراء وأُدباء وفناني تبريز، 5/5/1372. 

 
 
 
 
 
 
16

10

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 وعلى أثر "عصر النهضة" الأوروبي شاعَ بين بعض شعوب الدنيا ضرب من الحركة والنشاط فهجموا علينا بثقافة جديدة وبطاقة جديدة، وقد أفادوا من غفلتنا وانتهزوا السبات العميق الذي نفطُّ فيه، فمزقوا الأرضية التي تقوّم وجودنا، وأخفوا عناصر أصالتنا، وشوّهوا الكثير من الأمور.

 
كان فعلهم معنا يشبه حال إنسان مبتدئ حين يدخل إلى بناية فنية، إذ تراه يخرّب الأبواب والجدران، ويعبث باللوحات الفنية، وينال بأذاه التماثيل المنحوتة. ثم عمدوا بعد ذلك إلى احتلال نسق جديد، كان من وضعهم وطبقاً لإرادتهم، ولم تكن لنا يد فيه.
 
نحن نعرف أن من سنّة الغالب حين يفتح بلداً معيناً،أن يحل في ذلك البلد نظامه ونسقه المدني والحضاري بيد أنَّ المفارقة الدقيقة تكمن في أن أولئك تعاملوا معنا كمواطنين من الدرجة الثانية وبالتالي اختاروا لنا نظاماً ونسقاً مدنياً وحضارياً مغايراً وأدنى رتبة محن النظام الذي اختاروه لأنفسهم وطبقوه في بلادهم. هذا هو الذي وقع في إيران، فقد دخل الأوروبيون إلى البلد، وجاؤوا معهم بالنسق والنظم الأوروبية، مع الأخذ بنظر الاعتبار المفارقة المشار إليها آنفاً. وقد اخذ عدد من الناس وخدعوا بهم، مثل الجيل الأول للمثقفين كملكم خان وإضرابه ممّن استلهموا المعنى الثقافي واستمدوه من أولئك. اصطف هذا النفر معهم، وقلبوا نسيج البلد رأساً على عقب مستفيدين من غفلة الناس، وفساد الحكّام.. تعاملوا مع إيران وكأنها بلد خالي الوفاض من أي شيء من الفكر والحضارة ودفعوا المجتمع للتشكيك بماضيه والغفلة عن تاريخه. 
 
 
 
 
 
 
 
17

11

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 لقد أقاموا نسقهم في هذا البلد، ولكن النسق الذي يتعاطى مع مجتمعنا بوصف أبنائه مواطنين من الدرجة الثانية تماماً كما يفعل السيد مع مملوكه حين يروم أن يبني له داراً على طراز داره، فهو يهمل راحة المملوك ولا يأخذ بنظر الاعتبار سوى ما يحقق له راحته.

 
لقد حلّت بالبلد خسارة نتيجة ذلك النهج، وفي العهد البهلوي خصوصاً في السنين الأربعين الأخيرة وإن لم تكن معالم هذا النهج واضحة كما كانت في العهد القاجاري، إلاّ أنها كانت أمضى وأخطر وأشد 1.
 
من أكبر الفجائع التي تحل على شعب من الشعوب، هو أن ينسى جزءاً من ثقافته وتنسلخ عن ذاكرته بمرور الزمان قطعه من حضارته بحيث لا يعد يذكر ويستحضرها أبداً... وهذا ما فعله الغربيون معنا مع الأسف. لنأخذ اللغة كمثال، تراهم استجلبوا من الخارج طريقة معينة في الأداء اللفظي وأقحموا في الكتابة طريقة أجنبية في الأفعال ولجّت لغتنا بمعانٍ غير مناسبة أصلاً، في حين أنَّ لنا لغتنا الخاصة، وإلاّ هل تعد الفارسية لغة ضئيلة مع كل ما تنطوي عليه من عراقة وسعة؟
 
إنَّ في اللغة الفارسية خصيصة قليلاً ما تكون للّغات الأخرى في العالم، وهذه الخصيصة تتمثل بالتركيب. لذلك يمكن بفضل خاصية قابلية الفارسية للتركيب، أن تولد ملايين الألفاظ والمفردات للتعبير عن المفاهيم الجديدة، شرط أن يتوافر لهذه الملهمة الذوق السليم
 
 
 

1- حديث السيد القائد في لقائه مع مجموعة من أُدباء الحوزة الفنية التابعة لمؤسسة الإعلام الإسلامي 12/7/1372. 

 
 
 
 
 
 
18

12

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 والإطلاع الكافي على اللغة. وهذه الخصوصية للفارسية لا تتوفر حتى لبعض اللغات الممتدة عالمياً كالعربية مثلاً. 


لغة بهذه السعة، استجلبوا لها من الخارج تعابير وأفعال مساعدة مثل قولهم: اذهبُ لأعمل هذا العمل! أو كحال الطبيب عندما يريد أن يسأل المريض: هل تناولت الدواء؟ تراه يقول له: هل "أخذت الدواء؟ أو أن يقول: هل "أخذ" المريض الدواء "يؤخذ أم يُتناول؟
 
أو كمثل الذي يريد الاغتسال فيقال له: أذهب "وخذ" حماماً؟ يا ترى هل "يؤخذ" الحمام أم يتم فيه الاغتسال؟ هذه الصيغ بأجمعها هي مظاهر لداء الاستلاب وفقدان الذات.. لقد حصل هذا مع اللغة، ومع الزيّ، وحصل قبل ذلك مع الآداب والعادات والتقاليد الوطنية التي تنطوي على قيمة.
 
من الآداب التي اعتاد عليها شعبنا منذ القديم، توقير الكبار وذوي الشيبة، فقد كان له هذا الأدب، وكان جزءاً من تقاليده في السابق، وهو إلى ذلك جزء من أصول الآداب الإسلامية "وقروا كباركم".

 وفي البيت الإسلامي ليكون الجد أو الجدة كالشمعة التي تجذب الفراشات إلى نورها أما الآداب الغربية فلا تؤمن كثيراً بمكانة الجدّ والجدّة، والجيل الذي ينظر إلى الوراء، لا يدخل في الآدمية كما يزعمون. وإذا كان الغربيون يراعون بعض ملامح الاحترام، فهذه ممارسة ظاهرية، فهم لا يحسبون للكبار حساباً، فيما نحن على العكس منهم تماماً، إذ نحسب لهذه القضية حساباً مهماً. 
 
 
 
 
 
 
 
19

13

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 لقد غرسوا في نفوسنا بالقوة ثقافة مغرضة، وحين نقول: فرضوا هذه الثقافة بالقوة، فإنّ ما نعيته بذلك غير المعنى الأولي المتبادر للقوة.

 
القوة تتجلى تارة في سلوك إنسان يحمل الرشاش ويأمرك أن تفعل شيئاً معيناً. وقد تظهر صورة أخرى، وذلك من خلال إحاطة الإنسان بجو ونسق واحد وتكرار هذا النسق، فما تمارسه وسائل الاتصال الجمعي في المجتمع هو شيء من هذا القبيل، إذ تراها تبادر لبث مفهوم أو مصطلح معين وتعمد إلى تكراره، حتى يستقر في الوعي دون شعور، ويجري على الألسن تلقائياً. وهذا في الواقع ما فعلوه معنا، خلال خمسين سنة!
 
حين نعود إلى الأول في ذلك العهد رضا خان نجده إنساناً يفتقر إلى الوعي والإدراك والمعرفة، فهو لم يكن الإنسان الذي يقدِّر الشعر أو يعرف له قيمة، أو يدرك النكات الطريفة، كما لم يكن يفهم قيمة الخط الجميل ولا أهمية الأعراف والسنن.
 
لم يكن رضا خان إلاّ جندياً بلدياً جاهلاً، لا يعرف غير العتو والشدّة، وهذه الحالة لم يكن يستخدمها ضدَّ العدو، بل كان يستثمرها ضدَّ الداخل الشعب ، وذلك على خلاف ما ينص عليه القرآن في مضمونه القائل: رحماء بينهم أشداء على الأعداء، إذ كان شديداً على شعبه، رحيماً بالأعداء رفيقاً بهم وصولاً لهم، مثلاً صديقاً لمصطفى كمال حتى اتخذه مرشداً له. لقد أهمل الشخصيات الإيرانية التي تنطوي على الوعي والشعور ولها ثقافة وعلم فكري، وزوى بها جانباً دون أن يعتني بها، في حين اعتنى بمصطفى كمال!
 
 
 
 
 
 
 
20

14

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 لقد استصغر النظام السابق طبقة الأدباء وأهل الثقافة1.

 
كان العلماء الروحانيون هم العنصر الأساسي في حركة الجهاد خلال الخمسة عشر عاماً التي انتهت بانتصار الثورة، كما كان لهم الدور نفسه في تأسيس النظام الإسلامي المقدّس، وحمل راية الإسلام خفاقة في العالم، وكانوا طلية المقاومة الحماسية لشعب إيران في مواجهة مختلف ضروب الهجوم المعادي. وكان العلماء قبل ذلك، وعلى مدى قرون العامل الأساسي في حفظ المعارف الإسلامية والإيمان العميق الصادق لشعب إيران بالإسلام المنقذ ولهم الدور الطليعي في نمو الفكر الديني في كل مكان.
 
لقد كان العلماء الروحانيون المجاهدون الملتزمون في قلب حركة المقاومة ضدّ النظام لأمريكا، وقد استطاعوا أن يجذبوا إلى ساحة الجهاد والمقاومة مختلف فئات الناس، حتى أعطوا حركة الجهاد طابعها الشعبي العام. وحين نعود إلى الحوادث الكبرى التي مرَّت بها إيران وشهدت حضوراً جماهيرياً مكثفاً وعاماً، نجد أن السبب وراء ذلك الحضور يتمثل بمشاركة العلماء في هذه الحوادث ووقوفهم في طليعة الصفوف.
 
أدرك الاستعمار الإنكليزي هذه الحقيقة وعلى خلفية هذا الإدراك رأي أن تدمير الكيان العلمائي هو المقدمة الضرورية التي تمهّد الطريق لاستمرار الحضور الاستعماري في إيران. وبدأ على هذا الأساس
 
 
 

1- من حديث القائد في لقائه مع شعراء وأدباء فناني تبريز. 5/5/1372. 

 
 
 
 
 
21

15

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 مخططه لضرب العلماء وحذفهم من الساحة بدءاً من سنة 1313هـ.ش بواسطة عميلهم رضا خان، حيث شهدت تلك السنوات فجائع مؤلمة نزلت بساحة العلماء ونالت من مركز الحوزات العلمية وموقعها، لم يكن لها سابقة في تاريخ إيران قبل ذلك.

 
والذي يبعث على الأسف إنه لم يتم حتى الآن شرح وبيان مفصل لفجائع تلك السنوات، وما تحمل فيها العلماء وطلاب العلوم الدينية من عناء ومشاق في خط مقاومتهم لحكومة رضا خان وجبروته،ولم يُدوّن بشكل كامل بعدُ تاريخ تلك الحقبة من المواجهة والظلامة التي تحملها العلماء وطالب العلوم في أواخر سني عهد رضا خان، لتكون بين متناول الوعي الشعبي العام.
 
والمطلوب في هذا المجال، أن توثّق الأحداث من شهادات المشاركين في الحدث وتعدادهم بحمد الله لا يزال كثيراً إذ تبادر المؤسسات المسؤولية أو الأشخاص المعنيون لتسجيل تلك الشهادات وجمعها.
 
إنّ الاستقلال الذي يحظى به الروحانيون وعلماء الدين على مستوى المعتقد والسلوك وعدم نفوذ القوى الداخلية والخارجية واختراقها لصفوفهم، هي التي جعلت الحكام المتجبرين المغرورين، يعجزون دائماً في إزاحة هذه المجموعة الربانية عن طريقهم، ليخلو لهم الجو إلى سبيل الخيانة والفساد. وإذا قدَّر لجماعة من المعممين الأذلاء وعدّة من علماء البلاط أن يجلسوا على موائد الظلمة طمعاً بحطام الدنيا الزائل، ويؤيدوا أولئك الظلاّم وشباب العلوم الدينية ظلّوا يعيشون حياتهم في إطار المناعة، وفي دائرة التقوى والنزاهة،
 
 
 
 
 
 
 
22

16

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 واحتفظوا بإرادة التحدي والمواجهة الصادقة المقتدرة، فأمّنوا بذلك دوام عقيدة الناس الراسخ بعلماء الشيعة، في قلب كلّ فرد من أبناء المجتمع. 


لهذا السبب بالذات أضحى المجتمع العلمائي عرضة لسهام الخصوم المسمومة، وغرضاً للأعداء بمختلف ألوانهم من مستعمرين وأجانب، وعُباد الأجنبي في الداخل، فأضحى العلماء العدو الأول لهؤلاء جميعاً.
 
كان امتحاناً صعباً هو ذلك الذي مرَّ به علماء الدين، حيث كانوا في العهد البهلوي، وطوال خمسين سنة من تأثير السياسات الخارجية على إيران، كانوا عرضة للعداء والدعاية المضادّة، وللخطط التي استهدفتهم في عهد رضا خان والنصف الأول من عهد محمد رضا، تلك الخطط التي كانت تكشف عن ماهية استعمارية. وقد خرج المجتمع العلمائي من ذلك الامتحان الصعب، مرفوع الرأس بحمد الله ـ.
 
وفي مدة السنين الخمسة عشرة من عمر المقاومة بين انتفاضة خرداد حتى انتصار الثورة كانت الحوزة العلمية في مدينة قم والحوزات العلمية الأخرى والعلماء المعروفون، المركز الأصيل للجهاد، وبالتالي كانوا الهدف الأساسي للحملات الوحشية المعادية. بيد أنَّ الهجوم الشرس ذاك لم يفض بإرادة الله إلى تنكب العلماء عن طيّ طريقهم الذي يبعث على الافتخار والنهوض بواجبهم الإسلامي الذي لا يقبل التخلف، بل والأكثر أضحى الفكر الإسلامي في ذلك العهد أكثر تفتحاً ونصاعة بعد أن صقلته المحنة وأضحى فقه القرآن أكثر
 
 
 
 
 
 
23

17

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 مما قاد إلى تهيئة الأرضية المناسبة لتأسيس الحكومة الإسلامية 1.

 
كان المحيط الجامعي قبل الثورة، ينظر إلى الحوزويين على أنهم جماعة مهذارة، جاهلة ولها توقعات كثيرة. شخصياً لي تجربة لقاء مباشرة مع الكثير من هؤلاء، فحينما يجلس الجامعي، مع أحد طلبة العلوم الدينية، ويتحدث الطالب الحوزوي بكلام مختصر دقيق، ترى الجامعي، يبهت، ويقول: من المدهش أن يكون مثلك بين الحوزويين، في حين أن هذا الطالب ليس أكثر من حوزوي، وقد كانت النظرة السائدة بين المؤسسات العلمية في البلد لا تتعدى هذا المستوى. في حين إذا كان في البلد مركز علمي حقيقي أصيل يعني فعلاً بالبحث والتحقيق. ويمارس العلم من أجل العلم دون أن يكون له طمع مثل الأجر والنفع المادي. فإنَّ مصداقه يتمثل بالحوزات العلمية.
 
قد استبدل التيار الجامعي والثقافي الحداثي عوامل التقي والزهد والإضاء عن الدنيا التي كانت وما تزال موجودة بحمد الله. في أوساط العلماء وفي أجواء طلبة العلوم الدينية وخارجها بدعاية تزعم أن لا هم للمعمّم إلاّ أن يعيش بالمجان. حتى صارت هذه الدعاية كالضمير الذي ترتبط دلالته بمرجعه المعلوم الذي يعود إليه: فإذا ما
 
 
 
 

1- من بيان القائد في الذكرى السنوية الأولى لوفاة الإمام الخميني. 10/3/1369. 
 
 
 
 
 
 
24

18

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 ذكرت مسألة العيش المجان أي أن يعيش الإنسان على حساب أتعاب الآخرين وكدّهم من دون أن يقدّم شيئاً فإن ذاك ينصرف تلقائياً إلى العلماء والحوزويين.

 
لقد مرّت هذه الدعاية، ولم يكن الهدف منها العلماء والحوزويين، فلا خصوصية لهؤلاء، وإنما كان الهدف منها هو الدين نفسه 1
 
 
 

1- حديث السيد القائد في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية. 20/9/1370. 
 
 
 
 
 
 
 
25

19

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 تأسيس الجامعات بهدف نبذ الدين وإعداد العناصر التابعة الأُخوة، الأخوات، الشعب العزيز، مُنذ سنوات متمادية والسعي الحثيث قائم على إبعاد مجتمعنا عن العلم، في حين لم يكن الأمر كذلك في السباق، طبيعي لا أقصد أن جميع أبناء مجتمعنا كانوا من العلماء في الماضي البعيد، كانت الأمية سائدة بين الكثير، العلم ضئيل، ولكن الشوق إلى العلم في محيط أهل العلم، كان متزايداً؛ إذ كانوا يطلبون العلم للعلم. والذي حصل أنهم جهدوا لسنوات طويلة كي يستبدلوا هذه الثقافة في أوساط مجتمعنا، حيث تحول العلم إلى وسيلة، وأضحى العلم يُطلب لملء البطن، وهذا المسار قلل من قيمة العلم 1.

 
لقد أرسلوا قواعد بناء المؤسسة الجامعية على نبذ العقيدة منذُ البداية، بحيث كانت مجاميع الشباب التي تذهب لأجل الدراسة في العهد الأول. هدفاً للدعاية التي يمارسها الأوروبيون ضدّ الإسلام.
 
 
 
 

1- حديث القائد في لقائه مع مجموعة من أبناء الشعب بمناسبة يوم العامل ويوم المعلم، 9/2/1371. 

 
 
 
 
 
 
26

20

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 فطلائع الجيل الأول الذي انفتح على الثقافة الغربية وتربي من خلالها وفي أجوائها، كان في الغالب غريباً عن الدين، بل كان يعيش حال العناد ضدّ الدين. والذي ساعد في ذلك ضعف النفوس، وافتقار الساحة إلى التبليغ الديني القوي المتسق مع عصره.

 
لقد مضت قواعد المؤسسة الجامعية، على أساس عدم الإيمان بالدين، وأرادوا للجامعة كمركز لتربية العلماء طبقاً لموازين التقدم العلمي المعاصر، أن تكون ضدَّ الدين في قواعدها الأولى. وهكذا ولدت الجامعة، وهي مشروع غير ديني، بل مناهض للدين. ثم تابعوا هذا النهج غير الديني والمناهض للدين سنوات، بقوة ودقة. وبذلك لم يضعف الدين في الجامعات وحسب، بل تحولت إلى مراكز لمناهضة الدين.
 
طبيعي لم يكن الهدف من مناهضة الدين، هو عنوان الدين نفسه، بل كان الهدف هو الهيمنة على البلاد الإسلامية. فمن أجل تحقيق هذا الهدف كانوا مضطرين أن يبادروا إلى تربية جيل لا إيمان له بالدين، لكي يأخذ على عاتقه مهمة إدارة البلد وبنائه في المستقبل.
 
والذي ينبغي أن نتعرف به مع الأسف إن النجاح كان حليفهم إلى درجة كبيرة 1.
 
أشيدت الجامعة على أساس سيّء. طبيعي كان لنا من رصيد الإيمان الإسلامي والوجدان الوطني بين الشعب، ما يكفي لكي يبقى عدد من الأساتذة الجامعيين وطلاب الجامعة، أصحّاء معافين، وهذا ما كان.
 
 
 

1- حديث السيد في لقائه مع مجموعة من الحوزويين والجامعيين. 28/9/1369. 


 
 
 
 
27

21

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 لذلك لا يمكن أبداً أن نضع جميع خريجي الجامعة في دائرة الناس البعيدين عن الدين وأهداف الدين ومصالح البلد. أما أولئك الذين أرادوا لهم أن يصلوا من بين الوسط الجامعي، على مواقع السلطة، فقد احتضنوهم بسهولة. وعليه يمكن القول إن رجال السياسة الذين انتخبوا من الصف الجامعي وهم مجموعة اضطلعت بالمواقع والأعمال المؤثرة في جميع أرجاء البلد كانوا جيلاً بعيداً عن الدين بشكل تام.

 
فالجيل الذي رُبّى في عهد رضا خان، وفي أوائل عصر نفوذ العلم الجديد والثقافة الأوروبية إلى إيران، هو جيل يفتقر إلى العقيدة والإيمان في الغالب. ولكن المسار تغيّر بعد ذلك إذ تعرّف عدد كبير إلى الدين والمسائل الدينية، ثم استيقظت العواطف وتفتحت في القلوب وانبثق فكر جديد.. ظهر إلى الوجود المثقفون المتدينون.. وترسخت مواقع العلماء النافذين في المحيط الجامعي من أمثال الشهيد مفتح، الشهيد مطهري. الشهيد بهشتي والشخصيات البارزة الأخرى، وأضحت مؤثرة في ذلك الوسط.
 
ومن التحولات التي طرأت. إن البعض الشخصيات الجامعية انفتحت على دنيا الإسلام وتعرفت على مسائل الدين، وجاءت النتيجة على خلاف ما أراد أولئك المؤسسون الأوائل لمشروع الجامعة في إيران ـ.
 
أما حجر الأساس. فقد كان وضع على الصورة التي ذكرناها 1.
 
 
 

1- حديث السيد في لقائه مع مجموعة من الحوزويين والجامعيين. 28/9/1369. 

 
 
 
 
 
 
28

22

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 كانت الجامعة في السابق، هي المحيط الذي يشهد غياب الثقافة الإسلامية بالكامل، أو على الأقل كان رديفاً لأسوأ الأماكن التي تفتقر إلى الثقافة الإسلامية، وتسجّل غيابها الكامل فيها. وفي الواقع كان النظام السابق والأجهزة الثقافية التابعة له، تقتفي نهجاً معيناً أريد للجامعات أن تنهض به. ولم تكن الأهداف السياسية بعيدة عن ذلك، بل كانت تكمن خلف المشهد 1.

 
لم يكن الهدف الأول لتأسيس الجامعات، هو تعليم الشباب، بل كان الهدف هو بناء الشباب وإعدادهم بالشكل الذي يدفع الجهاز أسرع ما يمكن للارتباط بالأقطاب الاستعمارية والاستكبارية العالمية. بمعنى أن الإعداد كان يتم بما يؤدي إلى ترسيخ حالة العبودية والتبعية؛ فالشخص العزيز المرموق في معيارهم هو الذي يتفوق على غيره بالعبودية والاستسلام!
 
لم يكن الهدف إذاً، هو الفكر الحر المستقل، كما لم يكن إيجاد الإنسان الفاعل البنّاء. ومردّ ذلك أنّ أساس عمل الحكومات كان الارتباط بالخارج والتبعية له.. من الذي جاء بالنظام البهلوي إلى السلطة؟ من الذي أتى برضا خان إلى واجهة السلطة؟ وحين وصل هؤلاء إلى السلطة الشاه الأب والشاه الابن وأتباعهما كان همّهم أن يتحركوا بالطريقة التي تحقق منافع الأسياد الذين جاؤوا
 
 
 

1- حديث القائد في لقائه بأعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية. 20/9/1370. 

 
 
 
 
 
 
29

23

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 بهم إلى السلطة ومنحوهم هذه المواقع، فقد كانوا يعرفون إن قطع العلاقات مع أولئك الأسياد يعني افتقادهم لفرصة بقائهم في مواقعهم.

 
أنظروا الآن على ما يجري في منطقة الخليج الفارسي! فالأنظمة الحاكمة في تلك الدول تحس أن حياتها وموتها، وقارورة عمرها، بيد أمريكا. السعودية تعيش هذا الإحساس بشكل معين، والكويت تعيشه بشكل آخر، وبقية الدول تعيشه بشكل ثالث، ولكن المهم أن هذا الإحساس هو عنصر مشترك فيما بينهم. نظام بهلوي كان مثل هؤلاء تماماً؛ يعيش هاجسهم.
 
كان الاتجاه الذي تقوم عليه الحكومة وتتحرك وهو اتجاه التبعية والارتباط بالخارج وإظهار الطاعة والتسليم الذليل.
 
وقد أرادوا للطالب الجامعي أن يكون على هذا المنوال، وإذا كانوا يحرصون على الأستاذ الجامعي، فقد كانوا يريدونه أستاذاً من هذا النوع، إلاّ أن يزوي بنفسه في زاية مهملة، ويعتزلهم بحيث لا يقترب من دائرتهم، كي يعش حياة حيوانية 1!
 
من الأمور الواضحة أنَّ الجامعة في طرازاها الحالي، ولدت وهي مفصولة عن الدين، بمعنى أنهم أرسوا قواعد البناء الجامعي على نحو ينتهي بولادة مؤسسة بعيدة عن الدين. وهذا الكلام لا شأن له بما قد يقال من أنَّ فلان شخص، من مؤسسي الجامعة كان متديناً أم غير
 
 
 

1- حديث السيد القائد في لقائه مع مجموعة من الحوزويين والجامعيين، 28/9/1369. 
 
 
 
 
 
 
 
30

24

القسم الأول: نبذة عن تأريخ الغزو الثقافي في إيران

 متدين، لأنَّ الأصل الذي أشيدت الجامعة على أساسه هو أن تكون مؤسسة بعيدة عن الدين, بل ومناهضة له، تماماً كما حصل مع تيار المثقفين في بلادنا، إذ وُلد المسار الذي يحتضن النخبة المثقفة في طليعتها الأولى، على أساس غير ديني.

 
وإنما الذي حصل هو أنَّ الدين اخترق مجالس الجامعة ونفذ إلى محيط المثقفين، كما نفذ إلى بقية المجالات والبيئات الإنسانية. فمن خصائص الدين إنه لا ينتظر إذن أحد حتى ينفذ في مجال معين، ولم يقتصر نفوذ الدين إلى الجامعة والمثقفين وحدهما، بل نفذ إلى جميع الأمكنة.
 
ولكن ذلك لا يغيّر من القضية شيئاً، إذ ظلّ الأصل الذي أنشئت الجامعة على أساسه، إنها ولدت بعيدة عن الدين منفصلة عنه، بل مناهضة له. وهذا البناء يجب أن يتغيّر، وعلينا أن لا نسمح للأوضاع السابقة أن تكرّر مرة أخرى.
 
طبيعي أن العدو لن يجلس ساكتاً عاطلاً عن العمل 1.
 
 
 

1- حديث القائد في لقائه مع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية، 20/9/1370.

 
 
 
 
 
 
 
31

25

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 إحياء الإسلام الثوري في إيران والعالم 


في كلّ مرّة ينكشف فيها وجه الإسلام الواقعي خلال تأريخه الممتد منذ 1400 سنة، ترى الدنيا تصطف لمواجهته، بأشكال العداوة الشديدة، وضروب البغض العميق، وأنواع الخيانات العجيبة الغريبة. وبالعكس في كل مرحلة تتكفأ فيها صورة الإسلام الواقعية، وتختفي معالمه المتألقة الناصعة، وتتراجع دعواته الكبيرة، ترى تضاؤل حركة العداء، وقلة اصطفاف القوى المناهضة له.
 
هذه المعادلة مطّردة في مسار الإسلام منذ اليوم الأول حتى هذه اللحظة. فحينما تنظرون إلى مرحلة النبي في مكة، ترون إن أنواع العداوة والبغضاء وضروب المكر قد اصطفت في مواجهة هذا النبي العظيم ودعوته الإسلام وانطلقت من قبل القوى الهمجية الشريرة.
 
وفي مرحلة المدينة لكم أن تلاحظوا أشكال البغضاء والعداوة ومقدار ما تمثله المواجهة البغيضة من دموية، وهي تصدر من الأشرار التافهين.
 
فقد كان من بين الأحزاب ثمة سورة في القرآن بهذا الاسم التي ناهضت الإسلام وظاهرت نبيه العظيم، مشركو قريش، ومشركو ثقيف، وأهل الكتاب الذين ابتعدوا عن كتابهم،واليهود والنصارى،
 
 
 
 
 
 
35

26

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 والمنافقون، فقد اصطفت هذه القوى جميعاً، وتكاتفت أجنحتها لتدمير الإسلام ونبيه، واتحدت كلمتهم وأصبحوا يداً واحدة، ووقف الإسلام بكل ألقه وإشعاعه في مواجهة هؤلاء، وحيداً.

 
وحين آل الأمر إلى سلطان بني أُمية وبني العباس، رأينا حملة الإسلام الواقعي الإسلام المحمدي عرضة لألوان الضغط وصنوف التضييق وضروب مختلفة من الملاحقة والتعذيب. تأملوا حياة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام والأئمة الآخرين، وتفحصوا حياة العلماء والمحدثين الكبار، لتعرفوا ما حلَّ بهم من قبل خلفاء الجور.. تعرضوا للضرب بالعصي والأسواط.. للسجون ولأصناف الأذى والعذاب.
 
هذه جميعاً تظهر لكم واضحة من خلال مطالعة التأريخ. من خصوصية الإسلام الواقع الحقيقي، إنه كلما تجلى للعيان وظهر موضوعياًـ اصطفت قوى الشر والفساد لمواجهته بكل ما تملكه من قوة.
 
وفي المقابل لا تدخل القوى المضادّة في مواجهة مع إسلام خال من روحه.. تخلى عن شعاراته الأصلية.. إسلام لا ينهض لمواجهة الظلم.. إسلام تعايش مع ضروب الفساد الأخلاقي.. إسلام ينطوي على بعض الشعائر بيد أنه ضيّع الأصول وافتقدها.. إسلام مثل هذا ألا يثير القوى المناهضة، ولا تصطف لمواجهته قوى الشر والفساد.. ولهذا الشكل من الإسلام فصل عريض في التاريخ، بإمكانكم أن تعودوا إليه لتقرأوه وتطلّعوا عليه. ولكم أن تلاحظوا هذه القاعدة المطّردة في عصرنا هذا المملوء بالفساد، فساد النظام البهلوي والأنظمة الأخرى التي سبقته في إيران. 
 
 
 
 
 
 
 
36

27

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 إن التجلّي الأول للإسلام الإسلام الواقعي ممتد في جميع أنحاء الدنيا. وإسلام مثل هذا، مقاوم للظلم والتسلّط والنهب والفساد، عليه أن يترقب عداء القوى الكبرى وأمريكا والصهاينة وشركات النهب العالمية، والسلاطين الفاسدين، والرؤساء المفسدين.. فكل هذه الجبهة العريضة من قوى الفساد والشرّ تناهض إسلاماً مثل هذا، وليس أمام مثل هذا الإسلام إلاّ أن يترقب عداء القوى الكبرى وأمريكا والصهاينة وشركات النهب العالمية، والسلاطين الفاسدين، والرؤساء المفسدين.. فكل هذه الجبهة العريضة من قوى الفساد والشرّ تناهض إسلاماً مثل هذا، وليس أمام مثل هذا الإسلام إلاّ أن يترقب عداءها 1.

 
تبرز في صراع القوى المتسلطة مع الثورة ونظام الجمهورية الإسلامية قضية الإسلام الصحيح، الخالي من تشويهات أيادي الاستكبار العالمي وتحريفاتهم. وبعبارة أخرى أنَّ القضية بالنسبة لنا في هذا الصراع وبالنسبة لأعدائنا على حد سواء، هي مسألة الإسلام. والاستكبار يواجهنا بسبب الإسلام. 
إنّ هدف الاستكبار العالمي وعلى رأسه أمريكا، وفي قاعدته جميع الأجهزة الشيطانية المسلطة على العالم وحتى غير المسلطة التي تعمل من أجل مصالح الاستكبار، هدفها جميعاً من مواجهة إيران المسلمة هو الإسلام.. الإسلام فقط وليس أي شيء. إننا لا نخوض جهادنا من أجل أن تعم الحياة الإسلامية الطيبة بيننا وحدنا، بل من أجل أن تعم البشرية. فجهادنا هو من أجلال الإنسانية أيضاً.
 
بيد أن ذلك لا يعني إننا نجهّز الجيوش، ونمضي بها حيثما تخل
 
 
 

1-حديث قائد الثورة في مراسم بيعة مجموعة من أهالي شيراز وبندر عباس وساري. 21/4/1268.
 
 
 
 
 
 
 
37

28

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 أيادي الاستكبار بالحياة البشرية الطيبة، فنخوض المعركة ضدّها، كلا، فهذه الحرب ليست من سنخ هذه المقولة.

 
إننا نسعى من موقع الإسلام وقاعدته أن نثبت أنَّ البشرية التي تعيش راهناً في ظلال وطأة حاكمية الاستكبار الخبيثة، تتجرع الآلام، وتقترب يوماً بعد آخر من الشقاء أكثر. والهدف من سعينا أنَّ الإسلام يمكن أن يكون رسالة إنقاذ للبشر.
 
لقد أثبتنا مرّة وما نزال نسعى أن نثبت أن الإسلام قادر على مواجهة القوى العالمية الكبرى، وضرب قواعد الأنظمة الظالمة في العالم.
 
الاستكبار يعيش حساسية من هذه المسألة. ولذلك تراه يبغض أيّة أمة أو دولة أو نظام يرفض ثقافة السلطة أي يرفض حاكمية أنظمة البيوتات والزور وإمبراطوريات السلطة العالمية.
 
وفي عالم اليوم، هذا هو الإسلام، وها نحن الذي نخوض معركة رفض نظام التسلّط في العالم، ونعتبر أن نظام الهيمنة العالمي هو المسؤول عن شقاء الإسلام والبشرية في كافة أرجاء العالم.
 
نحن لم نهلع من التهم التي تنهمر على ثورتنا وشعبنا من أجهزة الدعاية المرتبطة بالغرب، ولن نضطرب. فمنذ أوائل انتصار الثورة، راح أكثر الرجعيين رجعية في هذا العالم يرمون شعبنا وثورتنا بتهم الرجعية، رغم أن ثورتنا أنجزت في هذا العصر، أكثر الحركات التغييرية رقياً وتقدمية، ومع ذلك لم نهلع ولم نضطرب1.
 
 
 

1-حديث قائد الثورة في لقائه مع ضيوف مؤتمر الفكر الإسلامي. 12/11/1368. 

 
 
 
 
 
 
38

29

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 ترى القوى الاستكبارية الغربية نفسها، إنها في مواجهة مع الإسلام اليوم. هم يخشون الإسلام ويعدّوه خطراً.. وكل مظهر إسلامي ينطلق يعتبرونه طليعة خطر جدي يهدّد قدرتهم ومصالحهم.

 
والشيء البديهي أنَّ الإسلام المحمدي هو خطر حقيقي للأنظمة التي تقوم على أُسس الظلم والفساد والانحطاط، لما ينطوي عليه من رفض للفساد والانحطاط، الأخلاقي في محيط الحياة البشرية.
 
وهذا في الواقع ما يفسّر لنا سلوك جميع القوى الشيطانية العالمية اليوم، في مواجهتها لتجليات الإسلام ومظاهره، بأقسى ما تكون أساليب المواجهة وأعنفها، بحيث راحت تلك القوى تسحق بأقدامها أشد الأصول بداهة مما كانت تنطق به شعاراتها1.
 
إنّ القوى الكبرى التي انطوت على حال العداء الدائم للثورة الإسلامية لم تعلن ولن تعلن صراحة أسباب عدائها للجمهورية الإسلامية. فلو أنَّ أمريكا أعلنت صراحة أنَّ باعث عدائها لإيران، هو عداوتها للإسلام، لوضعت في الصف المقابل لها مليار مسلم في العالم يكونون في مواجهتها2.
 
في كل مكان تظهر فيه تجليات الإسلام الواقعي، ترى القوى الخبيثة تتوافق في الاصطفاف ضدّه. بيد أنَّ الذي يحصل أن تُبادر
 
 
 
 

1-بيان قائد الثورة في تجمع قادة جيش العشرين مليون. 2/9/1368. 
2-بيان قائد الثورة في الذكرى السنوية الأولى لوفاة الإمام الخميني. 10/3/1369. 
 
 
 
 
 
 
 
39

30

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 القوى الإنسانية الخيرة، والقلوب النقية، والأرواح السامية، والفطرة النظيفة، للدفاع عن الإسلام الواقعي وحماية وجوده، بإزاء ذلك الاصطفاف المعادي1.

 
منذ اللحظة التي انتصرت فيها الثورة الإسلامية في إيران، انطلق المؤمنون الملتزمون للعمل على أساس الإسلام. ومعنى ذلك أن الإسلام في بلدنا لم يكن لقلقة لسان ولن يكون. إنما اختار شعبنا التحرك على هدي ما أراده القرآن للمسلمين، من مواجهة للشياطين ومبارزة القوى الظالمة. لقد تخلّى شعبنا عن كلّ شيء، من أجل السير في سبيل الله، تماماً كما أراد الإسلام من المسلمين أن يبذلوا التضحيات من أجل الحفاظ على عزتهم في مقابل القوى العالمية.﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ المنافقون /8. العزة للمؤمنون، لأنَّ المؤمن هو الشخص الوحيد الذي يواجه بوجوده كلّه، أي بؤرة شرّ شيطاني وفساد. ومنذ اللحظة التي استطاع فيها الشعب الإيراني أن يجسِّد بانتصار الثورة، دين الله الإسلام في إطار نظام اجتماعي، انبثقت المخاوف في قلوب المستكبرين. فبدأوا جهودهم لمواجهة الإسلام بأي طريق ممكن.
 
من هنا فإنَّ مواجهة الجمهورية الإسلامية ونصب العداء لها كان بسبب الإسلام. وآية ذلك أنهم تعاملوا مع الجمهورية الإسلامية على أنّها خطر كبير، في اللحظة التي تمسكت بالتزام ثابت بالمعتقدات والأصول الإسلامية. ففي البداية لم تظهر منهم حساسية وردود فعل
 
 
 

1-حديث قائد الثورة في مراسم بيعة مجموعة من أهالي شيراز وبندر عباسي وساري. 21/4/1368.

 
 
 
 
 
 
40

31

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 عنيفة وذلك حين لم تكن الأمور قد اتضحت لهم بشكل كامل، ولم يعرفوا ما هي الجمهورية الإسلامية، وإلى أي مدى يمكن أن تلتزم بمبانيها وثبتت على شعاراتها.

 
إنّنا اليوم إذن أمام حركتين متقابلتين، قد امتلأتا بالدروس والعبر بالنسبة لشعبنا. فمن جهة نرى الضغوط الاستكبارية المتزايدة، وعداء القوى المادية، ضدَّ أي مظهر من مظاهر الانبعاث الإسلامي، مما تصلنا أخباره يومياً ونلحظه باستمرار، حتى أنَّ هذه القوى لا توفّر في عدائها مظهراً منه، حتى تجلياً صغيراً من تجليات انبعاث الإسلام، يظهر في بلد أوروبي، إذ سرعان ما تتحوّل هذه الظاهرة، إلى مركز للصراع، يدفع المسؤولين والسياسيين لمواجهته!
 
هذه هي الحركة الأولى في طرف القضية.
 
أما في الطرف الثاني، فإننا نجد أن قلوب البشر في العالم تنجذب إلى الإسلام، بالأخص ما يحصل للشباب والمثقفين والناس الواعين، فهم ينفتحون على الإسلام رغم شدّة الضغوط العالمية ضدَّ الإسلام والمسلمين.
 
وهاتان الحقيقتان، هما اللتان تؤمّنان نمو الإسلام الحقيقي واتساع رقعته.
 
إن الإسلام الذي تضرب جذوره في الفطرة الإنسانية، والذي يخوض المواجهة الشاملة مع كافة أجهزة الظلم، هو الذي يستطيع أن يجذب إليه البشرية، وهو الذي سيظل ويثبت.. وإليه سيؤول حكم العالم.
 
العظة التي تكون لنا ولعشبنا، هو أن نسعى في الداخل لتنفيذ
 
 
 
 
 
 
 
41

32

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 أحكام الإسلام أكثر فأكثر. إنّ الذي يؤمّن لشعبنا التحرّر من جميع القيود والأغلال، لن يكون سوى النظام الإسلامي وأحكام الإسلام1.

 
 
هُم الأعداء يعادون من أعماق وجودهم إسلاماً مؤطراً في صيغة نظام كما هو عليه في نظام الجمهورية الإسلامية، وهم على استعداد لضرب هذا الكيان والقضاء عليه بمختلف الطرق والوسائل. يشهد على ذلك ما كنّا عليه من صراع منذ أوائل الثورة حتى الآن. وما زلنا الآن في صراع على الجبهات كافة؛ الاقتصادية والثقافية والسياسية، وعلينا أن نهيّء أنفسنا ونتجهز في جميع المواقع2.
 
يعود عداء المعسكر الاستكباري لإيران المسلمة في الوقت الحاضر، إلى الإسلام. هم في عداوة مع الإسلام، فيضغطون على الجمهورية الإسلامية. إنّهم يخشون إحياء القرآن، وبسبب ذلك يعادون الشعب الإيراني.
 
وما ينبغي للشعوب الإسلامية التي تريد التضحية من أجل الإسلام والحركة في خطّه، هو أن تعدّ نفسها وتستعد لمواجهة أعداء الإسلام.
 
نحن الشعب الإيراني نشعر بالفرح والفخر لهذه الحال، فنحن مرمى لسهام المستكبرين وبغضهم وعداوتهم من أجل الله وبسبب القرآن3.
 
 
 

1- حديث قائد الثورة في لقائه مع مجموعة من أبناء الشعب وأعضاء لجنة صلاة جمعة طهران. 1/9/1368. 
2-حديث قائد الثورة في لقائه وزير ومعاوني التربية والتعليم، 25/10/1370. 
3-حديث قائد الثورة إلى الضيوف الأجانب المشاركين في الذكرى السنوية الثانية لوفاة الإمام الخميني 15/3/1370. 
 
 
 
 
 
 
 
42

33

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 يرتبط الاستكبار العالمي وقوى النهب والهيمنة السياسية، بعلاقة سيئة مع الإسلام، وهم أعداء للنظام الإسلامي. فهم غارقون في الانحطاط والفساد، ويتحركون على أساس الظلم والاستبداد والاضطهاد، والإسلام هو الذي يفضحهم ويعريهم عن ما هم عليه.. الإسلام هو الذي يهدّد وجودهم، ويقظة المسلمين هي أكبر خطر بالنسبة إليهم. لهذا السبب تراهم في مواجهة شديدة للإسلام وللنظام الإسلامي.

 
والشيء الطبيعي، إنهم يبادرون لفعل كل ما يستطيعونه، ضدّ النظام الإسلامي والجمهورية الإسلامية1.
والله، إنَّ أمريكا لا تتأذى من الشعب الإيراني لشيء؛ قدر أذيتها من إسلامية هذا الشعب وارتباطه بالإسلام المحمدي. هي تريد لهذا الشعب أن يفك ارتباطه بهذا الاسم.. وهي تريد منكم أن تقطعوا صلتكم بهذه العلقة التي تبعث على الفخر والاعتزاز 2.
 
 
 
لقد اكتشف العدو المستكبر القوى العالمية المتجبرة والسلطات الرجعية التابعة السرّ الذي اكتشفناه. فقد أدركوا أنَّ السرّ الأكبر وراء انتصار شعبنا ومكانته هو الإيمان. لذلك تظافر العدو بجميع ما يملك من إمكانات وقوى من أجل ضرب هذا الإيمان وتدميره.
 
 
 
 

1-حديث قائد الثورة في مراسم بيعة وزير ومسؤولي وزارة التربية والتعليمة والمعلمين لسماحته. 26/3/1367. 
2-حديث قائد الثورة في لقائه مجموعة ن المعلمين والمسؤولين عن الشؤون الثقافية. 12/2/1369. 
 
 
 
 
 
 
43

34

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 وفي هذه المسألة نلتقي مع المحرِّك الأصيل، مثلما كان عليه الحال في صدر الإسلام، وفي حياة النبي الأكرم ص حين كان الإيمان هو العامل الأساسي وراء عداء أولئك للإسلام وللنبي لأن الإيمان هو العامل الأساسي وراء التقدّم الذي حصل 1.

 
إن ما يهدّد الاستكبار في الوقت الحاضر، ليس القنبلة الذرية أو الصواريخ الذرية، وإنما الذي يحمل رسالة هادفة.. ونحنُ اليوم نحمل مثل هذه الرسالة الهادفة. ولو أنا عملنا بشكل صحيح، وكان لنا تعاط إيماني، وشجاعة إسلامية كافية، ولم نعش عالة على الإسلام، ولم نُبَذر بيت المال.. فالشيء الأكيد أنَّ العدو سيصاب بالضرر والأذى نتيجة ذلك.
 
إن أمريكا سترضى عنّا في الوقت الذي نتخلى فيه عن الإسلام. ولكن هل هناك من هو مستعد للتخلّي عن الإسلام؟ إذا تخلينا عن الإسلام فما وجهُ بقائنا على رأس الأمور إذن؟ ليأتِ جهاز آخر ويتسلم الحكم. ترى لماذا يريدنا الشعب ويرغب بنا؟ إنّ الشعب يرغبَ بي وبكم لأجل الإسلام، لأننا خدّام الإسلام، ولأننا أعلنا بأن حركتنا هي من أجل الإسلام.
 
﴿ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى﴾ البقرة /120 هذا القول الكريم هو أحد معجزات الإسلام.. فالأمور تجري اليوم على ما ينص عليه القرآن. لقد كنا في وقت من الأوقات نتصوّر أن النص مصداق النص يرتبط بالماضي، فقد كان القوم على مثل هذا الموقف في
 
 
 

1-حديث قائد الثورة في مراسم بيعة أهالي مدن باختران وآراك ورشت مع سماحته 14/4/1368. 

 
 
 
 
 
44

35

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 الماضي وما يضرّهم الآن أن يتقلد أحد المسلمين الأمور ويمسك بزمامها!

 
كلا. إنّهم يعارضون الحالة الإسلامية في جميع مراحلها وأشكالها، ويحملون لبعضها عداوة شديدة.. كما هو شأن المرحلة التي نحن فيها. ويعارضون حتى الحالة الإسلامية التي عليها مسلمو البوسنة، فهم يعيشون مرحلة ضعيفة، ومع ذلك رأينا ورأيتم أنهم يعارضون هذه الحالة الإسلامية رغم كونها ضعيفة وباهتة، وهم ليسوا على استعداد لتحملها.
 
وبعد البوسنة ستكون البانيا هدفهم التالي. وسيجهدون لو استطاعوا أن يتلحقوا أشدّ ضروب الأذى بالمسلمين الأوروبيين 1.
 
لن يرضى العدو، مع ما يحمله من بغض من الأعماق للإسلام والثورة، إلاّ كما قال العزيز المتعال في خطابه للمسلمين ﴿حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم﴾ البقرة/120.
 
فالاستكبار لا يرضى بأقل من ركوع الشعب واستسلامه، ولن يرضى عن شعب من الشعوب حتى يتخلى عن أُصوله ويتنصل عن دينه ويتركه.
 
إنَّ البغض الذي يكنّه الاستكبار لشعبنا، يعود إلى معتقدات هذا الشعب واستقلاله وشعار "لا للشرق ولا للغرب" الذي يحمله؛ كما يعود لعلقته العميقة المستحكمة بالإسلام.
 
ومن هذا المنطلق لن تكون ثمة نهاية لعداوة الاستكبار وبغضه.
 
 
 

1-حديث قائد الثورة في لقائه سفراء الجمهورية الإسلامية والعاملين في السلك الدبلوماسي. 19/5/1371. 
 
 
 
 
 
 
 
45

36

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 بيد أني على ثقة من أنَّ هذا الشعب سيستطيع أن يتقدم بعناية الله ولطفه إن شاء الله برغم الحقد العميق الذي يكنّه الأعداء والاستكبار العالمي ضدَّ هذا الشعب، ويبلغ المقاصد الإلهية في جميع الأبعاد سواء كانت اقتصادية أم سياسية أم ثقافية، وسيجبر إن شاء الله العدو على التراجع في جميع المجالات 1.

 
إنّ رسالة الثورة وإيصال هذه الرسالة من الأصول الإسلامية الثابتة. التبليغ يعني الإيصال، ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ﴾ الأحزاب /39 وهو يعني تجاوز الحُجب والعقبات، وإيصال كلمة الحق إلى حيث ينبغي أن تصل.
 
لقد انطلقت الصيحة مدوية صادقة، في وسط أجواء تتعاضد فيها بشكل عام جميع العوامل ضدَّ الاتجاه الإيماني والديني، وضدَّ الاتجاه الإسلامي بشكل خاص، برغم أن الشعوب تعيش ظمأً للجانب المعنوي والروحي.
 
وبسبب صدق هذه الصيحة المدوية وإخلاص الذي أطلقها؛ وبسبب الخلفية العلمية التي كانت لها، إذ لم يكن مجرد كلمات وحسب؛ وأخيراً بسبب عداوة الوجوه الاستكبارية والرجعية والقبيحة لها والعناصر الأخرى التي تلتقي معها، بسبب ذلك كلّه اكتسبت هذه الصيحة موقعها في قلوب الشعوب،وبالأخص الشعوب الإسلامية، وأوجدت تأثيراً حقيقيا ، وعميقاً إلى حدّ ما 2
 
 
 

1-حديث قائد الثورة في لقاء الممثلين الثقافيين للجمهورية الإسلامية خارج البلد. 3/2/1370. 
2-حديث قائد الثورة في لقاء الممثلين الثقافيين للجمهورية الإسلامية خارج البلد. 3/2/1370. 
 
 
 
 
 
 
 
46

37

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 الإسلام اليوم هو في حال اتساع وامتداد في المجتمعات البشرية. هذه حقيقة واضحة تبدو بشكل محسوس في جميع أنحاء العالم. والذي له دارية بأوضاع العالم يلمس هذه الحقيقة ولا يقوى على إنكارها. والإسلام يسري في المجتمعات التي تعاني من ظلم القوى الشيطانية، والأنظمة الطاغوتية، وهي تتطلع إلى فكر جديد ونهج آخر، كما هو عليه حال البلدان الأفريقية والآسيوية وأمثالها، بل حتى في البلدان الأوروبية. فالإسلام يمتد، وهو في حال نمو هذه المجتمعات.

 
أما أي إسلام هذا الذي يسري ويمتد، فهذه مسألة خاضعة للبحث. إذ هناك حركتان تتظاهران باسم الإسلام، وربما دلَّ بعض الظواهر على شباهة هاتين الحركتين وتماثلهما. إلاّ أنهما تبقيان تختلفان في الروح والجوهر وفي الاتجاه.
 
الإسلام الحقيقي.. الإسلام القرآني. الإسلام المحمدي، هو ذلك الإسلام الذي يدعو إتباعه إلى نقلة جديدة في الحياة، وهو الإسلام الذي لا يكون تحت طائلة أصحاب القوة ورؤساء الشرق والغرب، وفي إطار نفوذهم.
 
وثمة "إسلام" آخر هو "إسلام" يحمل من الإسلام أسمه ويأخذ منه مظاهره، بيد أنه يتجه بسهولة لخدمة أمريكا، والشرق والغرب. وهذا "إسلام" يتمثل في السلطات الظالمة التي تهيمن على بعض البلدان الإسلامية. فرموز هذه القوى تتكلم عن الإسلام، وإنما تعني به ما يكون بمثابة حانوت للكسب، ووسيلة للعيش وأُسلوب في الهيمنة والتسلّط. 
 
 
 
 
 
 
 
47

38

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 وإلاّ إذا كان المراد من الإسلام، هو الإسلام القرآني، فهذا الأخير يرفض صراحة تسلّط أمريكا على مصير المسلمين، وهيمنتها على ثرواتهم النفطية.. كيف يكون الإنسان مسلما، ومنقاداً إلى أمريكا في الوقت ذاته؟ وكيف يكون مسلماً، ومن أهل الفساد واللذات المحرمة وباقي الابتلاءات الأخلاقية؟ وهل يكون المسلم مسلماً، ويكون في الوقت نفسه على رأس سلطة ظالمة، يحقق لأعداء الإسلام رغباتهم في ظلم المسلمين والضغط عليهم؟ ما يصح في وصف هؤلاء الأدعياء، هو تعبير "الإسلام الأمريكي" الذي أطلقه إمامنا الراحل مراراً في الإشارة إلى هؤلاء.

 
إنّ ما ينفذ إلى القلوب ويسري في جوانب المجتمعات البشرية، هو الإسلام الحقيقي، الإسلام الذي لا يعرف التخاذل والاستسلام.
 
من هذا المنطق ترون الحكومات التابعة تدخل في مواجهة مع المسلمين في البلدان الإسلامية مثل بعض البلدان العربية والأفريقية . حين تنتشر المساجد في هذا البلاد وتنهض جماعة باسم الإسلام، تراها تضع المساجد تحت الحصار وتبطش بالمسلمين الناهضين وتطلق عليهم وصف الإرهابيين. ما معنى هذا؟ أليس معناه إن ما هو سائد من إسلام في تلك البلدان بعيد عن جوهر الإسلام وحقيقته، وإن الغيارى والمؤمنين وذوي الضمائر اليقظة،هم بشأن إعادة الإسلام الواقعي وترسيخ حاكميته، مما يؤدي إلى التصادم والمواجهة بين الطرفين؟
 
هي حقيقة ماثلة: أن الإسلام اليوم في حال تقدم، وهذه واحدة من معاجز الإسلام والقرآن. لأنهم بذلوا الكثير ضد الإسلام. لا سيّما في
 
 
 
 
 
 
 
 
48

39

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 السنوات العشرة الماضية، حيث انفقوا من الأموال وبذلوا من الدعاية المضادة، وشدّدوا العداء، ما لم يتحقق، ربما ضدَّ أي فكر أو عقيدة أخرى في المدة المماثلة 1.

 
كانت رسالة الثورة وكلمتها الأولى، هي الإعلان عن بداية عهد حاكمية القيم المعنوية. إلاّ أنَّ الذين فهموا هذه الكلمة الرسالة وصدّقوها، هم قلّة من الأفراد؛ فالعالم تحيط به الأمواج المادية من كل صوب، وتقبض عليها القوى التي ترتكز على المادة. الذي حصل في الوقت الحاضر، إنَّ الكثير لمسوا هذه الحقيقة وأدركوها.
 
إنَّ القيم المعنوية تتجه في العالم المعاصر، نحو الإحياء الجديد، وتم إحياء الكثير منها بالفعل وفي المقابل أبانت المادية عن عجزها في تمظهراتها المختلفة، سواء في طريقة التفكير الماركسية، أو فيما هو أخطر منها، مما هو ماثل في العالم الإستكباري حيث تتزاوج المادة مع المال مع القوة مع الدعاية،كما يتجلى على نحو أكثر تركيزاً في الحكومة الأمريكية.
 
الرسالة الثانية لثورتنا تمثلت في الكشف عن عجز القوى المادية في مواجهة القيم المعنوية وحركة الإرادة الإنسانية. وقلة في العالم هُم الذين لم يفهموا هذه الحقيقة، وهذه القلة لا تنظر إلى أوضاع العالم بدقة 2.
 
 
 

1-من حديث قائد في لقاء مجموعة من أبناء الشعب، 1/9/1368. 
2-ديث قائد الثورة في لقاء الضيوف الأجانب المشاركين في الذكرى السنوية لانتصار الثورة. 17/11/1369. 

 
 
 
 
 
 
49

40

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 هذا عصر استيقظ فيه العالم الإسلامي، وأخذ المسلمون في جميع أنحاء العالم يشعرون بالعزة والرفعة. لقد مضى ذلك العهد الذي كان فيه المسلم يخجل في أية نقطة من نقاط العالم كان من انتمائه إلى الإسلام، ومردّ هذا الشعور يعود إلى هذه الثورة التي فجرها القائد الكبير الإمام الخميني، بتضحيات الشعب الإيراني العظيم وإيثاره المدهش، فأفضى انتصارها في هذه البقعة الحساسة من الدنيا، إلى ذهول العالم.

 
عشر سنوات والجمهورية الإسلامية تصمد بشهامة في وجه مختلف المؤامرات الاستكبارية، وهي تدافع عن قوة الإسلام واقتداره، وعن وجودها وثباتها، حتى استطاعت أن ترد كيد العدو إلى نحره.
 
لقد كانت الدول الاستكبارية تظن إنّها تستطيع أن تنال منّا، من خلال ثماني سنوات من الحرب المفروضة، وبالحصار الاقتصادي والدعائي، وبإشاعة ضروب التهم ضدّنا في أرجاء العالم. وقد غفلوا عن حقيقة أنَّ الإسلام، يقظة المسلمين وصحوتهم، هي التي تهز مضاجع سلطتهم، وإن سهام اليقظة الإسلامية النافذة، تهز مع مضي كل يوم، عروش فراعنة العالم أكثر فأكثر 1.
 
نحن شهود في هذا العصر على يقظة الشعوب، وهذه حقيقة أخرى
 
 
 

1-حديث قائد الثورة في مراسم بيعة مجموعة من أبناء الشعب. 22/4/1368. 

 
 
 
 
 
 
50

41

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 تبعث الأمل في القلوب وتأذن بعهد وضّاء. صحيح أنَّ هيمنة القوى الاستكبارية تزايدت أكثر فأكثر على شؤون الشعوب، بفضل تقدم وسائل التقنية الجديدة كالتلفاز والمذياع وأجهزة الدعاية والإعلام، وبحكم المال والقدرات الصناعية. بيد أنها سنّة الله التي مضت على أن تستيقظ الشعوب وتصحو.

 
إننا نرى أن الشعوب في حال يقظة متزايدة يوماً بعد آخر، وهذه اليقظة تفسّر على أساس الأمل وثقة هذه الشعوب بالمستقبل.
 
عنصر الأمل يعمل في يقظة الشعوب. وعلينا أن لا نشك في أنَّ أهم عامل بعث الأمل لدى الشعوب خلال السنوات العشرة الأخيرة، هو انتصار الثورة الإسلامية في إيران وتشكل حكومة شعبية في إطار مستقل عن الشرق والغرب، وتصاعد نهج المقاومة بوجه القوى الاستكبارية.
 
لقد بعث ذلك الانتصار وهذه المقاومة، الأمل لدى شعوب العالم، وبالأخص المسلمين. لقد استيقظ المسلمون في جميع أجواء الدنيا، وهذا من الصنع الإلهي، ومن قدرة الله 1.
 
افتقدت جميع الشعوب الإسلامية خلال النصف قرن الأخير، أملها بذاتها وطاقاتها تماماً، بل وفقدت الأمل حتى بطاقة الإسلام نفسه وإمكاناته، وذلك أثر سياسة التلقين المتواصل التي مارستها القوى المضادة للإسلام. وفي المقابل تجلى الأمل كرسالة في كل واقعة من
 
 
 
 

1-حديث قائد الثورة إلى العاملين في وزارتي التجارة والزراعة، 12/2/1368. 

 
 
 
 
 
 
51

42

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 ونشاط يبذله على هذا الخط.

 
وقد التقط المسلمون رسالة الأمل هذه فعادت ثقتهم بذاتهم، وأصبحوا على بصيرة من الضعف الذاتي للاستكبار. وإذا قدّر للعالم أن يشهد بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، الشعوبَ الإسلامية في كل مكان، وهي تتحرك بنحو يُخبر عن ثقة بالذات وإيمان بها، في طريق العود إلى الهوية والثقافة الإسلامية الذاتية، فإنَّ سبب ذلك يعود بشكل دقيق إلى أبطال المبارزةُ الشجاعةُ لشعب إيران، تلكَ الحيلة الاستعمارية الاستكبارية التي أشاعوا من خلالها عدم قدرة شعوب الشرق، والشعوب الإسلامية، على دحر القوى الأوروبية وأمريكا، حيث أشارت الثورة وجهاد الشعب الإيراني إلى موقع القوة الواقعية وموطنها. فالقوة الواقعية هي التي تكون بالناس مع الإيمان.
 
وفي مقابل قوة شعبية مسلحة بالإيمان، لا تستطيع أية قدرة مادية مهما كانت كبيرة ومجهزة، أن تفرض إرادتها 1.
 
 
في كل مكان فيه شعب مبتلٍ بهذه القوى الدولية المسيطرة يكون لهذا الشعب علاقة مع هذه الثورة وميل إليها، لكونها تفصح عن مكنونات قلوب ذلك الشعب وتعبِّر عن تطلعاته. كثيرة هي الشعوب المملوءة غيظاً ورفضاً لحضور أمريكا، ونفوذ الاستكبار، وللقواعد
 
 
 

1-بيان قائد الثورة بمناسبة اليوم الوطني لمواجهة الاستكبار العالمي. 13/8/1369. 
حوادث الثورة، وفي كل خطاب وإشارة من قبل إمام الثورة الراحل ، وكان الأمل ينبض في كل حركة تصدر من الشعب 
 
 
 
 
 
 
 
52

43

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 العسكرية، والتدخلات الاقتصادية، ولإشاعة الثقافة الأجنبية في بلادها، بيد أنها تفتقر للجرأة في التعبير عن ذلك وتفتقد قدرة الحركة باتجاه الرفض والمقاومة. والأهم من ذلك إنها تفتقر القيادة التي تتحرك؛ فالاختناق شديد ويحوط بها الإرهاب والقمع من كل جانب.

 
والأنظمة الرجعية التي ترتبط بأميركا، هي غالباً من هذا القبيل، ومثل هذه الشعوب المقهورة حين تجد أمامها شعباً يُواجه النفوذ الأمريكي بقوة وبإرادة حرَّة من دون خوف، ويهتف ضدَّ ثقافة الغرب وتدخل الاستكبار، وضدَّ الحضور العسكري الاقتصادي والثقافي للأجانب، ويعمل على طريق هذه المواجهة ويثبت عليها، فإنها ترى قلوبها مضطرة للميل إلى هذا الشعب، وتكون على علاقة مع الثورة.
 
والمعطى العالم يكون بهذا المعنى. يعني أن يكون لشعبنا، ولثورتنا رسالة إلى بقية الشعوب. ومؤدىّ هذه الرسالة، إنَّ الشعب إذا أراد؛ وإذا التف حول قيادة واحدة، واجتمع من خلال محور واحد، فهو يستطيع أن ينجز ما لم يكن قابلاً للإنجاز قبل ذلك.
 
وثمة رسالة أخرى يحملها شعبنا وثورتنا للمسلمين جميعاً. ومؤدّى هذه الرسالة أنَّ بمقدور المسلمين إذا أرادوا أن يعيدوا الإسلام إلى المجتمع وإلى موقع الحاكمية، رغم ما بذلته وتبذله الأيادي المعادية للإسلام في سبيل استئصاله والقضاء عليه.
 
هاتان رسالتان لشعبنا وثورتنا. وعليكم أن لا تظنّوا أن الشعوب الأخرى لم تدرك هذه الرسالة ولم تستمع إليها. إن ما ترونه في الحج من وقوف الأفريقي والآسيوي والشرق أوسطي، من العرب والأتراك
 
 
 
 
 
 
53

44

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 وبقية الشعوب، إلى جواركم، وتردادهم لشعاراتكم نفسها، واشتراكهم في مسيرتكم، هو في حقيقته جواب على رسائلكم 1.

 
كان الكثير من المسلمين قبل ذلك يخجلون في الكثير من نقاط العالم من القول: بأننا مسلمون، أو من الإعلان عن ذلك وكان الحال كذلك في داخل بلدنا أيضاً. بيد أنَّ المسلمين اليوم يفخرون من أقاصي آسيا حتى غرب أوروبا وفي المناطق الأخرى من العالم بانتمائهم إلى الإسلام.
 
لقد أضحى الإسلام عزيزاً، واكتسب بحمد الله طابع المجتمع الإسلامي، وقد غدا هذا المجتمع متجذراً مستقراً 2.
 
لقد بلغت النهضة العظيمة للشعب الإيراني إلى النصر بحمد الله وقامت على قاعدتها حكومة على أساس الدين لقد أخذت الحياة تنبض في وجود المسلمين والمتدينين، بعد قرون من تحقير أهل الدين والاستخفاف بهم. وذلك على أثر عزة النفس التي أخذت تسوق صوب الرفعة والكرامة. كما انبثقت الأحاسيس الإسلامية وتأججت العواطف، وأخذ الشعور بالهوية الإسلامية ينمو في دنيا الإسلام.
 
فما نراه اليوم من انطلاق جماعات إسلامية تدعو في البلاد الأفريقية إلى الحكومة الإسلامية وما نشاهده من جهاد المسلمين للحكومات الظالمة، وهم يهتفون بشعار الله أكبر ، هو أمر جديد. ومن نراه في الجهة الثانية من اضطرار للتظاهر بالإسلام حتى من قبل أولئك
 
 
 
 

1-حديث قائد الثورة في لقائه مع أبناء المدن المختلفة. 3/8/1368. 
2-حديث قائد الثورة في مراسم بيعة علماء وطلاب الحوزة العلمية لمدينة مشهد، 20/4/1368. 

 
 
 
 
 
 
54

45

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 الذين كانوا يتبرؤن منه، هو شيء جديد أيضاً، ناشئ من صبح وضّاء أطلَّ على تاريخ الشعوب الإسلامية ببركة انتصار الثورة الإسلامية. وهذه ترتهن بالحركة العظيمة التي عمّت الوجود الإسلامي لجهود علماء كبار، في طليعتهم جهود ذلك الرجل العظيم الذي أسس هذه الحركة الكبيرة ومسك زمام قيادتها، وحقق الإنجاز بقلب مملؤ بالإيمان والعزم والإرادة وبتوكل لا متناه، قربة إلى الله، وإخلاصاً له تعالى.

 
ولقد جاء الإنجاز كبيراً مدوياً حقاً لا نظير له في التأريخ.
 
ومع تشكيل الحكومة الإسلامية، وتطبيق النظام الإسلامي، أصبحنا نقترب من الأحكام الإسلامية يوماً بعد يوم، وينبغي أن نقترب منها.
 
لقد استيقظت الشعوب الإسلامية، وبدأت الحركة باتجاه اتساع رقعة الإيمان الإسلامي واطراده.
 
هذا ما حصل حتى الآن.. ولعلماء الإسلام، وبالأخص علماء الشيعة دور كبير في ذلك. فمن مزايا هؤلاء وخصائصهم حبهم للعلم.. إخلاصهم لله.. شجاعتهم وعدم خوفهم من القوى المتجبرة الظالمة، وأخيراً استقلالهم وعدهم ارتباطهم بلسطات الحور والظلم؛ وذخائرنا في الحقيقة هي هذه 1.
 
نشعر الآن أنَّ الضغوط تتزايد على المسلمين في جميع أرجاء العالم، كما نلحظ أن هناك عودة إلى الدين في البلدان الشيوعية. رغم أنها عاشت عمراً بعيداً عن الدين، وظلت في غربة عن الله.
 
 
 

1-حديث قائد الثورة إلى العلماء والوعاظ على مشارف شهر رمضان المبارك، 2/12/1369. 
 
 
 
 
 
 
55

46

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 والملاحظ أن هناك حساسية من المسلمين في هذه البلدان، وفي البلدان الأخرى.

 
لقد انتشعت الكنائس في بلدان أمضت خمسين سنة من حياتها أو أكثر من ذلك أو أقل لم تقرع فيها أجراس الكنائس، أو في بعض مناطقها على الأقل. كناية عن الرغبة بالدين .
 
والذي يحصل في هذه البلدان، وفي قلب أوروبا، وفي البلاد التي تتبجح بالحرية والديمقراطية، وفي الهند، ونقاط أُخرى من العالم، هو وجود ضغوط لا نظير لها ضدَّ المسلمين بالخصوص. ما هو سبب ذلك؟ أخضعوا هذه المسألة للتحليل، أفلا تجدون عندئذٍ أنَّ العلة وراء هذه الضغوطات القاسية، يعود إلى شعور الأجهزة المتجبرة، بأنَّ الإسلام يعيش في جميع أرجاء الدنيا، انبعاثاً آخر وحياةً جديدة؟ ألا يعود السبب إلى شعور العدو بأنَّ الهوية الإسلامية أخذت تنبض بين المجتمعات الإسلامية وهي تنبعث في طاقة وروح جديدة؟ ألا يعد ضرب المسلمين في فلسطين المحتلة بالرصاص الحي دليلاً على أنَّ وجود الإسلام أضحى جاداً في الأراضي المحتلة؟ وألا يعود ذلك إلى إحساسهم بأنَّ الحركة الإسلامية والرؤية الإسلامية أخذت تتجذر أكثر وتجذب لها الإتباع، في البلدان العربية، سواء تلك التي تجاور فلسطين المحتلة أم غير المجاورة، وأن أصحاب الفكر والشعور والفطرة النفطية التفوا حول الإسلام المناضل؟
 
لا يمكن الشك لحظة بأنَّ القضية تكمن في المسار المشار إليه 1.
 
 
 

1-حديث قائد الثورة إلى مجموعة من الطلبة الجامعيين وعوائل الشهداء. 2/3/1369.


 
 
 
 
56

47

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 لقد قادت الصلابة الإسلامية وثبات الشعب الإيراني المسلم، والصيحات المدوية التي أطلقها محطّم أصنام القرن، مع الفضل الإلهي والنصر الذي شمل ذلك العبد الصالح وأصحابه دائماً، قاد على أن تحقق عملية تصدير الفكر الإسلامي والثوري الذي يخشاه العدو ويخاف منه بشدّة من نفس الطرق التي حاول الأعداء أن يَحولوا من خلالها دون تصدير الثورة، أو يكيدوا عبرها لضربها.

 
لقد تحولت مظلومية الشعب الإيراني المسلم، والصيحات المدوية التي أطلقها محطّم أصنام القرن، مع الفضل الإلهي والنصر الذي شمل ذلك العبد الصالح وأصحابه دائماً، قاد إلى أن تحقق عملية تصدير الفكر الإسلامي الثوري الذي يخشاه العدو ويخاف منه بشدّة من نفس الطرق التي حاول الأعداء أن يَحولوا من خلالها دون تصدير الثورة، أو يكيدوا عبرها لضربها.
 
لقد تحولت مظلومية الشعب الإيراني وتحمله للشدائد، إلى باعث لإثبات أحقية هذا الشعب العظيم، ولامتداد الثورة إلى الكثير من البلدان، بحيث منح ذلك المسلمين عزماً أرسخ، ووطن فيهم الشعور بالهوية الإسلامية أكثر.
 
مواقف أيادي الاستكبار العالمي في موجهته للإسلام في الوقت الراهن مواقف انفعالية.. وما يحملوه من حقد للإسلام وضغينة سواء عبَّر عن نفسه بوسائل ثقافية أم سياسية أم من خلال التوسل بالقوة، ينطلق من شعور الإحساس بالضعف والخوف في مقابل أمواج الإسلام الممتدة.
 
وهذا أيضاً من الألطاف الإلهية، حيث تحوّل كل مبادرة تنطلق من العدو للنيل من الإسلام، إلى عامل لإثارة غضب المسلمين، وتنقلب إلى باعث لرسوخ إرادتهم في الدفاع عن الإسلام.
 
المثال البارز لهذه الحال هي قضية تأليف "الآيات الشيطانية" من قبل المرتد الإنكليزي المهدور الدم، حيث بَغَت الدول الاستكبارية إضعاف الإسلام من خلال هذا العامل، إلاّ أن إرادة الله قضت أن
 
 
 
 
 
 
57

48

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 تتحول مبادرة هؤلاء إلى سبب لفضيحتهم، ومع صدور فتوى الإمام بهدر دم هذا الكاتب، عاد الصوت الإسلامي ليكون أوضح، وحلَّ الانسجام بين المسلمين أكثر. 

إنّ جميع جهود العدو في مواجهته للإسلام ستؤول إن شاء الله إلى مثل هذا المآل. ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ النساء/ 76. 
 
تعيش الدعوة للإسلام اليوم حالة انتعاش، في أوروبا وفي قلب المدينة الغربية والثقافية والغربية التي تنظر للإسلام خصماً لها.. تواجهه بالعداء.
 
أُنظروا إلى الآثار الفاعلة لهذه الحالة. في الواقع إنَّ المستقبل خاضع لهذه الحقيقة التي بشّر بها أنبياء العظام، ووعدنا بها الإسلام؛ من أنَّ النصر سيكون نصيب الإسلام الذي سيكتسح كافة الاتجاهات المعادية وينتصر عليها في العالم كلّه. فإذا قدّر وإن قيل للناس العاديين يوماً، إن عدّة من الناس ستنتظم في قلب أوروبا شوقاً للإسلام، فسيكون من الصعب عليه تصديق ذلك. وإذا قيل لهم إنَّ الإمبراطورية القائمة على أساس المادية والتضاد مع الله ستأفل وتتلاشى، فسيكون تصديق ذلك صعباً أيضاً. وإذا قيل لهم ستظهر في هذه البلدان الرجعية التي تتبجح بالظاهر الإسلامي وهي في الباطن خاضعة للقوى التابعة للغرب ومتواصلة مع الأجهزة المعادية للإسلام حركات إسلامية تقدمية، سيكون تصديق ذلك صعباً.
 
وإذا قيل لهم إن الجماهير ستنهض في أقاصي البلاد الإسلامية، بدافع من إيمانها وتبادر للتضحية من أجل أن تكون كلمة الإسلام هي العليا، فسيكون من الصعب تصديق ذلك.
 
 
 
 
 
 
58

49

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 لماذا يصعب تصديق كل ذلك؟ لأن حاكمية الاستكبار العالمي، وهيمنة السلطة الشيطانية، نظمت بطريقة بحيث يكون فيها الدين وعالم المعنى، وبالأخص الإسلام، خارج الساحة تماماً.

 
بيد أنَّ المعجزة الإلهية تحققت، ودخل الإسلام الميدان وقلب المعادلة بطرد أعدائه من الساحة.
 
لم يبق اليوم من القطبين السياسيين والاقتصاديين الشرقي والغرب، سوى قطب واحد، فقد تلاشى القطب الشرقي تقريباً، ولم يعد هناك وجود للمعسكر الشرقي. حصل ذلك من دون أن يكون ثم من يصدّق الأمر.
 
أما أنا فأعتقد شخصياً أن نمو الإسلام واتساع نفوذه وامتداده، سيكون أسرع من هذه بكثير، وأن البشرية ستشهد في وقت ليس بعيد، اضمحلال حاكمية الغرب وتلاشي ثقافة الهيمنة، وزوال المنظومة المعادية للقيم التي تحكم البشر، وفي النتيجة سيتلاشى ما يعرف اليوم باسم المعسكر الغربي الذي جفا العالم بظلمه، ويستدل عليه الستار ويختفي.
 
ومن بركات الإسلام أن البشرية ستشهد في المستقبل القريب، تراجع الحكومة الصهيونية الغاصبة، وبلوغ الشعب الفلسطيني المظلوم لحقوقه. هذه هي طبيعة حركة الزمان، وهذا هو الاتجاه الذي تختزن الحقائق في عالم اليوم. وينبغي للمسلم المؤمن الذي ينطوي على الاعتقاد أن يستعد، وأن يدرك بأن هذا العصر، هو عصر تقدم الإسلام، وأن الإسلام سيحكم منطقة التفكير البشري، كما سيحكم وقائع الحياة إن شاء الله 1.
 
 
 

1-حديث قائد الثورة إلى ضيوف مؤتمر الفكر الإسلامي، 12/11/1368. 
 
 
 
 
 
 
 
59

50

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 نحن أعني الشعب الإيراني نعمل اليوم باسم الإسلام، ونجاهد من أجله، وهذا تعبير عن المعجزة التي وقعت في عصرنا، حين اكتسب قوام شعب من الشعوب شكل النظام الاجتماعي القائم على أساس الدين والمفاهيم والقيم الإلهية. لم يمكن تصوّر هذا الإنجاز في نطاق الحسابات المادية، والشيء الواقعي أن الشعوب الإسلامية مجذوبة إلى هذه الحركة حقاً.

 
هذه ليست مبالغة، بل هي تعبير عن واقع، يفرض وجوده برغم كافة ضروب الدعاية المضادة للجمهورية الإسلامية. نحنُ نلحظ أنَّ الشعوب الإسلامية تحمل عن الثورة الإسلامية، وعن الجمهورية الإسلامية، انطباعاً حسناً، وتتحرك في المسار الذي عليه الثورة والجمهورية. وفي الحقيقة من النادر أن نجد شعباً من الشعوب الإسلامي لم يقع تحت تأثير هذه النهضة.
 
وهذا الشوق.. والحب والتطلع يبقى في الشعوب ما دمنا لم نتخلّ عن إيماننا الكامل بدين الله غير المشروط قيد أنملة. وكذلك ينبغي لنا أن نتمسك بالثبات نفسه في مجال تعاملنا مع القضايا العالمية، وفي إطار تنظيم السياسة الخارجية، وإدارة البلد داخلياً. علينا أن نسعى لإبراز سرّ سعادة المجتمع الماثل بالاتفاق حول الإيمان بالله كمحور لحياتنا، ولنظامنا الاجتماعي، بحيث يبرز هذا المعنى ويكبر لحظة بعد لحظة.
 
كما علينا أن نسوق الشعب صوب التربية الإسلامية على نحو أوسع وأعمق.. نربّي الشباب في المجتمع بكيفية إسلامية، كما تقع على
 
 
 
 
 
 
 
60

51

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 جامعاتنا مسؤولية تربية الشباب المسلم، والمتخصص المسلم، والعالم المسلم وليس العالم فقط من دون توفره على الهوية الإسلامية وعلى هذا المنوال ينبغي أن ننهض بالمسؤولية في المدارس الابتدائية، بحيث يكون للقيم الإسلامية الدور المطلق في المجتمع، ويتضاءل تأثير القيم الأخرى ووجودها.

 
يجب أن يتجه السعي والتخطيط في هذا الاتجاه، كما ينبغي أن تتحرك مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في هذا المسار.
 
لقد عرفتنا شعوب العالم، على أننا شعب ونظام يتحركان بعنوان الدفاع عن الإسلام والتضحية له والبذل في سبيله، لذلك لا مناص من أن نعمل بطريقة تحقق هذا المعنى الذي عرفتنا به شعوب العالم ونثبته 1.
 
أضحت الكثير من بلدان العالم اليوم تتخذ من كلامكم ومعتقداتكم ونهجكم وشعاراتكم مناراً لها، بل وحتى من العادات والتقاليد الثورية للشعب الإيراني. فكثيرة هي الشعوب التي ترفع الشعارات نفسها، وتعمل بالتقاليد الثورية ذاتها.
 
لقد شاهدت شخصياً قبل عدة سنوات في إحدى البلدان البعيدة التي تفصلها عن بلدنا مسافة شاسعة، أنَّ الفتيات ويبدو أنهنَّ من الجامعيات يرتدين حجاباً مشابهاً لما ترتديه النساء الثوريات في إيران.
 
 
 

1-حديث قائد الثورة في لقائه أعضاء الحكومة، 1/6/1369. 

 
 
 
 
 
 
61

52

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 لماذا حصل هذا؟ إننا لم نرسل أحداً إلى ذلك البلد ليدعوا فتياته أن يرتدين حجابهن عن شاكلة اللباس السائد هنا. هذه الظاهرة تعبير عن الامتداد الطبيعي لرسالة الثورة. ورسالة الثورة تعني هذه الكلمات والشعارات؛ وهذه العقائد والأهداف التي تنتشر اليوم في الكثير من بلدان العالم،وبالأخص الإسلامية منها، وتطرح هناك فتجذب إليها الجماهير المتحمّسة، ولاسيّما الشباب.

 
وهذا هو ما يخاف منه الاستكبار.
 
أُريد أن استنتج نقطتين من هذا الكلام القصير، هما:
 
أولاً: ما دامت علاقة الارتباط المعنوي بين شعبنا وثورتنا مع الشعوب الأخرى، هي علاقة خطيرة بنظر الاستكبار، فهو يسعى لقطعها.
 
ولكن كيف تقطع هذه العلاقة والصلة؟ يمكن تحقيق ذلك من خلال عدّة أشكال. منها أن تمارس الضغوط ضدّ تلك الشعوب من قبل الأنظمة التابعة وجلاوزتها، وهذه طريقة لا يحالفها التوفيق. لأنه كلما ازدادت الضغوط، كلما ازدادت علاقة ذلك الشعب بالثورة الإسلامية، وبالنظام الإسلامي أكثر.
 
الطريق الآخر تمثل بأن تلجأ وسائل الدعاية العالمية، للحديث بطريقة توحي أنَّ علاقة الشعوب تضاءلت مع إيران، وهذا ما تفعله هذه الأجهزة منذ أول انتصار الثورة حتى الآن. هم يفعلون ذلك عن طريق رمينا بالرجعية والأصولية، ومن خلال حديثهم المتواصل عن أرقام التعذيب والإعدام في البلد.
 
ففي كل مرة ينال أحد تجار المخدرات من أعداء الشباب
 
 
 
 
 
 
62

53

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 والإنسانية جزاءه، ترى وسائل الدعاية الاستبكارية تتحدث عن موت أحد المعارضين السياسيين للدولة!

 
وبدورها تبادر المنظمة التي يطلق عليها "منظمة العفو الدولية" وهي منظمة مرتبطة بمحافل القوى الدولية إلى أن تصدر بين الفينة والأخرى قوائم تحشد فيها أرقام مصطنعة يبثها أعداؤنا، تتحدث من خلالها عن أرقام الإعدامات والتعذيب، وأشكال القتل والاعتقال في إيران.
 
هم يبادرون إلى مثل هذه الأفاعيل، لكي تتضاءل علاقة الشعوب في البلدان الإسلامية وغير الإسلامية، بالشعب الإيراني وحكومته الإسلامية، حين تسمع لهذا الكلام والمواد الدعائية.

وهذا طريق آخر مارسوه منذ أوائل الثورة حتى الآن.

وهذا طريق آخر من الاثنين السالفين، يتمثل بمنعنا من التفكير بإيجاد علاقة مع الشعوب الأخرى، بحيث تنقطع العلاقة من قبلنا، نحن الشعب الإيراني. وسيلتهم في ذلك، إنه يدأبون على تلقيننا بالقول: ما شأنكم بالشعوب الأخرى؛ عليكم بأنفسكم، اعتنوا ببناء أنفسكم وحل مشكلاتكم. هذا الأسلوب أخطر من الذي سبقه، ويمكن أن يجد له آذاناً صاغية بين بعض أفراد الشعب بحيث يؤثر على البسطاء السذّج؛ وهم يغفلون عن أن مشكلات شعب ثوري، تحل بأعمال مختلفة وصيغ متنوعة، من بينها هذه الحماية العالمية.
 
الكثير من مشكلاتنا، جاءت إلى بلدنا من خلال الأعداء؛ وإلاّ ليس من الصحيح الاعتقاد إننا ننطوي تلقائياً على المشكلات. لقد أوجد الأعداء المشكلات وفرضوها علينا بالحصار الاقتصادي، بالضغوطات، بفرض الحرب، وبالكثير مما يشابه هذه الفعال.
 
 
 
 
 
 
 
63

54

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 إنَّ الكثير من ضروب المؤامرات الاقتصادية حاكها الأعداء لنا خارج الحدود، ولم تنبثق من قبل الأعداء الموجودين في الداخل.

 
إذا شاء الشعب الإيراني أن يحل مشكلاته، فلا يكفي أن يتقوقع على نفسه في الداخل، ويدور من حولها، وهو يظن أنَّ هذا هو السبيل لتجاوز العقد والمعضلات الواحدة تلو الأخرى. وإنما عليه أن يبطل مؤامرات العدو في الخارج وعلى الجبهة العالمية أيضاً، من خلال مواجهته.
 
وأفضل وسيلة على هذا السبيل هي كسب الرأي العام للشعوب.
 
لذلك لا ينبغي لنا أن نقطع العلاقة من طرفنا مع الشعوب. طبيعي أن العدو سيمارس الدعاة في هذا الاتجاه.
 
مؤدى النقطة الأولى إذن، إنَّ علاقتنا والارتباط المعنوي لشعبنا وثورتنا مع بقية شعوب العالم، هو أمر مفيد، بل لازم وضروري، وإن العدو يسعى لقطع هذه العلاقة وضربها.
 
ثانياً: النقطة الأخرى التي أود أن أُبينها أن الشعب الإيراني إذا شاء أن يبقى محبوباً على الدوام، تقبله الشعوب الأخرى وترغب بالعلاقة معه، فعليه أن يحافظ في الداخل على شخصيته الثورية، ونهجه الثوري، ومعالم صورته الثورية، ذلك إنَّ الذي كبّركم في عيون الشعوب، هو أولاً وقبل كل شيء وحدتكم، فعليكم إذن أن تحافظوا على هذه الوحدة، لأنها تنطوي على قيمة كبيرة جداً. إن وحدة شعب من الشعوب، هي أسوة لبقية الشعوب.
 
أما العنصر الثاني الذي جذب إليكم الشعوب، فهو شجاعتكم، وعدم خوفكم من الأعداء، ولقد أثبتم تمسككم بهذه الخصلة في
 
 
 
 
 
 
 
64

55

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 الحرب، وفي وقائع الثورة، وفي مواطن أخرى. وعليكم أن تحافظوا على هذه الشجاعة، كما تحليتم بها حتى الآن، بحمد الله.

 
ثم هناك خصلة ثالثة تتمثل بهذه الصلة الحميمة بين الشعب والمسؤولين؛ هذه الوحدة بين الاثنين. فهذه لوحة تجذب إليها العالم، إذ قلما يقع في العالم، أن يتحلى رؤساء البلد ومسؤولية بهذا القدر من الحب بين أبناء شعبهم.
 
بيد أن هذه المحبوبية كائنة في بلدنا الثوري، ونحن نشاهدها ونلمسها 1.
 
 
 

1-حديث قائد الثورة في لقاء مجموعة من أبناء الشعب من عدد من المدن الإيرانية. 3/8/1368. 
 
 
 
 
 
 
 
65

56

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 الثورة الإسلامية بداية عصر الدين والمعنى، وعصر الإمام الخميني


وقعت نهضة العلماء، ونهضة الدين في إيران سنة 1341هـ 1963 ولم يهتم العالم لانطلاقه هذه النهضة بادئ الحال، إلى أن راحت تنمو في حجمها ومعناها وتزداد في سعتها وتأثيرها وقوتها، يوماً بعد آخر خلافاً لما كان يتوقعه المحللون والمراقبون حتى انتهت فجأة إلى انفجار وقع في بقعة من بقاع العالم إيران . وعندما شعر الماسكون بمقاليد القوة العالمية إنهم أخطأوا في تقويم هذه الظاهرة، فحاولوا أن يتداركوا ما فاتهم، بيد أن الوقت كان قد فات.
 
عندما حدثت الواقعة لم يهتم بها أحد في العالم، بل لم تجد واقعة 15خرداد برغم ما رافقها من قتل ومداخلات، الصدى الكافي الذي ينبغي أن يكون لها في أرجاء العالم.
 
بدا وكأنها لم تبعث أملاً عريضاً في أحد؛ كما لم تبعث الخوف الكبير.
 
كانت في الظاهر وكأنها شعلة توهجت ثم انطفأت، تماماً كما يحثل في نار تلتهب بمجموعة أوراق تم تنطفأ بعد لحظات. وهكذا خيّل
 
 
 
 
 
 
 
66

57

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 للجميع أنَّ كل شيء قد انتهى، غافلين عن أن النار تتلظى تحت هذه الشعلة حيث أخذ أوراها يتقد بوقود لا ينتهي، من دون أن ينتبه لذلك أحد.

 
لقد استمرت شعلة النار وهي تلهب تحت الرماد إلى أن حدثت واقعة 22ـ بهمن انتصار شباط 1979 حيث انبثقت فجأة حكومة الجمهورية الإسلامية التي شيدت على قواعد الدين المعنى، بحيث أنهم كلما ضربوا النهضة وظلموها، زاد ذلك من نفوذها المعنوي في العالم، وفي انجذاب قلوب المسلمين إليها أكثر.
 
أخذت النيران تتوهّج في أرجاء الدنيا، وربما لم يدر بعضهم من أين مُنبثق هذه الشعلة المتوهجة.
 
انظروا إلى عواطف المسلمين وحماسهم اللاهب الذي عمَّ دنياهم كما سمعتم في الأخبار بدءاً من أفريقيا، ومنطقة الشمال الأفريقي التي تتحدث باللغة الفرنسية الذي يؤسف له أنَّ الأوروبيين وظفوا نفوذهم كثيراً في هذه المنطقة على المستوى الثقافي وفرضوا ثقافتهم عليها انتهاءً إلى شرق العالم في الهند وكشمير وتركستان الشرقية.
 
ومعنى ذلك أنَّ المسار الذي كان يريد أن يبلغ الذروة قد انقطع، وأصبحنا راهناً وأنا وأنتم في لحظة هذا القطع. ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ﴾ يونس / 14.
 
أنا وأنتم نستطيع من خلال العمل والإرادة والحزم، أن نترسم معالم هذا الطريق إذا تحركنا بشكل صحيح لنؤمن للمسار بقاءه ونضمن
 
 
 
 
 
 
 
67

58

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 له سلامته ودوامه. وعندئذٍ سيتبدل وجه العالم، بحيث يستطيع البعد المعنوي أن يستوفي حقه المرتهن بيد القوى العالمية، ويستعيده 1.

 
لقد انبثق عصر جديد في هذا العالم يفترق عن الذي كان سائداً، على أثر انتصار الثورة الإسلامية وتأسيس نظام الجمهورية الإسلامية، وكحصيلة للجهاد الطويل الذي خاضه شعبنا خلف راية قائده العظيم، من أجل الحفاظ على الثورة والإسلام.
 
العصرُ الجديد هذا ينطوي على خصائص تفترق عن ملامح العصر السابق. 
 
لقد أطل هذا العصر على العالم بخصوصياته المتميِّزة، وبدءَ مشواره وما يزال يتقدم، سواء رضيت القوى المادية العالمية بذلك أم لم ترض، وسواء أرادت أمريكا ذلك أم لا. وقد بلغ من قوة انطلاقة هذا العصر، أن تأثيراته بدت واضحة على الشعوب والدول الضعيفة؛ وكذلك على الدول والكيانات القوية.
 
وفي اللحظة التي يبدأ فيها عصر جديد في تاريخ البشر، فلا أحد يستطيع أن يصون نفسه من تأثيراته ويبقى بمنأىً عنها.
 
جرت أشواط التأريخ البشرية في الماضي على هذا المنوال؛ إذ لم يكن بمقدور أحد أن يبقى بعيداً عن تأثيرات عهد أطلّ على العالم بإشراقات إلهية وإنسانية ثابتة.
 
وما نريد أن نعلنه، إنَّ العالم وإن وقع الكثيرُ من شعوبه ودوله تحت
 
 
 


1-حديث قائد الثورة إلى جماعة من العلماء. 22/2/1369.-
 
 
 
 
 
 
 
68

59

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 تأثير هذا العصر الجديد، بحيث تغيّرت حتى الخريطة السياسية للعالم، إلاّ أننا لا نتوقع من المحللين المرتبطين بقوى السياسة العالمية، أن يعترفوا ببدايته. هم لا يعترفون ببداية هذا العصر، وأن أحسّوا به ووقعوا تحت تأثيراته.

 
ينبغي أن نطلق على هذا العصر، عصر الإمام الخميني.
 
لهذا العصر عدد من الخصائص التي لا تنفك عنه، أحدها نمو المعتقدات الدينية واتساعها. فبعد أن كانت سياسة الهيمنة ونظام التسلّط العالمي يهدف إقصاء الدين وعالم المعنى من حياة الناس كلياً، بحيث تتربى المجتمعات بعيداً عن الدين والإيمان والاعتقاد بالقيم الإلهية، جاء هذا العصر ليتحرك بنهج معاكس لذلك تماماً.
 
ومسألة العودة إلى المعتقد الديني لم تقتصر على إيران أو البلدان الإسلامية، بل عمّت العالم أجمع، وأخذ الجانب المعنوي ينمو وسط مجتمعات عاشت عشرات السنين في إطار منهج حياتي معاد للدين.
 
وهذه الحركة ستمضي في المستقبل على نسق بحيث تكون قوة جذبها للشعوب أكثر في كل مكان يكون فيه الإحياء المعنوي أعمق وأكثر سلامة وخلوصاً وتطابقاً مع الفطرة.
 
لقد ولّى ذلك العهد الذي يعتبر فيه الدين والجانب المعنوي مُضاداً للقيم، وموضع هزء الآخرين وسخريتهم.
 
إنّ ما يعدّ اليوم مناقضاً للقيم، هو اللا دينية وعدم الإيمان، الالتزام بالمعتقد الديني. وقد ساد هذا المعنى بقاعاً واسعة من العالم، وستحل في الكثير من المناطق الأخرى.
 
هذا واحدة من خصوصيات العصر الجديد، الذي بسط رايته في
 
 
 
 
 
 
69

60

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 أرجاء الدنيا ذلك الرجل الكبير من دون أن يصدّق أحد ودعا إليه، فانجذبت إليه القلوب.

 
الخصوصية الأُخرى للعصر الجديد هو منح معنى للقيمة الإنسانية، ولحضور القاعدة المليونية من الناس مؤثر. هذا المعنى لحضور الملايين العريضة بدأ مع إمامنا الخميني ولم يقتصر على إيران وحدها. لقد تحولت جماهير الناس إلى قوة لها وزنها في مجريات الأُمور ولها دورها في القرار، وإليها يعود تحديد اتجاه الأحداث.
 
هناك ثورات كثيرة تقدمت في الماضي من خلال عواطف الناس وحماس الجمهور، بيد أنَّ الأمر يختلف اليوم. ففي عالم عاش عقوداً يخضع لهيمنة القوى العالمية بعد الحرب العالمية الثانية، اعتادت الناس أن تخضع لإرادة تلك القوى من دون اعتراض؛ بل ومع سحق إرادتها الخاصة، وإذا بهذا العالم يشهد فجأة في بلدان أوروبا الشرقية، الملايين الشعبية وهي تتحرك بالطريقة نفسها التي واجه بها شعبنا المسلم نظام الشاه الظالم.
 
وإذا شئنا أن نعبّر عن هذه الصفة التي يتسم بها العصر الجديد. بكلام آخر، فيمكن القول إنها تتمثل بانتصار الدم على السيف.
 
فما حصل هناك يشبه ما حصل في إيران، حيث خرجت الجماهير من دون سلاح، ونزلت إلى الميدان بأجسادها وهي تحمل الأرواح على الأكف، فضيّقت من خلال هذا الحضور حلقة الحصار على النظام الظالم.
 
لقد أصبح هذا الأُسلوب معروفاً في عالم اليوم. وأصبح واضحا ًما
 
 
 
 
 
 
 
70

61

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 لحضور الجماهير من قوة وهي تنزل الميدان، ولو بدون سلاح. وعلى القوى الكبرى أن تعي بعد ذلك بأنَّ شعبنا جسّد خلال مقاومته شاهد صدق على صحة هذا الادّعاء.

 
إنَّ ثورتنا العظيمة تنطوي على خصوصيات ترتبط بها وقد تكرّر القول عن هذه الخصوصيات في أشكال التحليل السياسي والفكري والحضاري المنبثقة من داخل مجتمعنا ومن العارفين بالثورة فللمرة الأولى تبرز ثورة تقوم على أساس الإسلام، وتهدف إيجاد حكومة إسلامية، وإعادة النظر في المفاهيم السياسية للعالم من قبيل الحرية، الاستقلال، العدالة الاجتماعية، والمفاهيم الأُخرى، بحيث تسوق حركتها نحو عالم ومجتمع يقومان على أساس القيم الإسلامية.
 
ومؤدى هذه الخصوصية إنه لا يمكن للنظام أن يستمر بحكمه على رغم إرادة الملايين العريضة. وكلما امتدَّ هذا الموجه وانبسط في العالم كلما يكون استمرار السلطات الظالمة غير القانونية، والكيانات المعادية للبشرية أصعب.
 
هذه هي النهضة التي انطلقت في بلدنا إيران على يد الإمام العظيم، وببركة وعي الشعب وإيمانه، وأضحت مثالاً يحتذي للعالم.
 
لقد خطى شبنا بسيره وراء قائده الاستثنائي، الخطوة الأولى في طريق العصر الجديد، بحيث أضحت قواعد هذا العهد ثابتة تتسم بالاستحكام 1.
 
 
 

1-حديث قائد الثورة في مراسم الذكرى السنوية الأولى لوفاة الإمام الخميني، 14/3/1369.

 
 
 
 
 
71

62

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 الحضارة البشرية شاهدة اليوم على تجربة بلد يقوم على أساس ولاية الفقيه، أي يخضع لحاكمية الدين والتقوى ويدار بواسطتهما. وهذا اختيار مهم ومصيري للبشرية التي جرَّبت أنواع النظم، ولم تجد غايتها في علاج معضلاتها الأساسية، في أي منها.

 
علينا جميعاً أن نعرف بأنَّ هذا النظام المقدّس إذا استطاع أن يوفر الاستقرار الجسمي والروحي للإنسانية، ويجتث الفقر والجهل والتمييز، ويستأصل حالة غياب الإيمان والعدالة ثم ينهض في الساحة العالمية لمواجهة معضلات البشرية المزمنة، يكون قد قدّم للتاريخ الإنساني أعظم خدمة، وفتح أمام البشرية سبيلاً جديداً.
 
والنهوض بمثل هذه المهمة يتطلب أن يتوانى أحد من المسؤولين لحظة عن جهاده وثباته، بدءاً من القائد وكبار المسؤولين وانتهاءً بالبقية، كلٌّ بحسب موقعه ومسؤوليته، كما عليهم أن لا يستسلموا للشك، ولا يهنوا أمام أي تهديد مهما كان بحيث يعدوه عقبةً أمامهم 1.
 
هذا العصر هو عصر القرآن. فبعد التجارب الفاشية التي مرّت بها البشرية خلال قرون النهضة؛ أي بعد أن عجز البشر عن صياغة نظام للحياة الإنسانية يتناسب مع الثورة العلمية المدهشة، بدأت السُبل تتفتح تدريجياً على نهج التوحيد وسبيل الدين.
 
لقد أضحى الإنسان اليوم أقرب إلى النضج، وما تخلى عنه وتناساه
 
 
 

1-كلمة قائد الثورة بمناسبة بداية الدور الثانية لأعمال مجلس الخبراء. 1/12/1369. 
 
 
 
 
 
 
72

63

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

  في غمرة الغرور والجهل اللذين ترافقا مع عصر التقدم العلمي،عاد ليبحث عنه اليوم.

 
وبحث الإنسان عن ضالته التي تناساها وأدار لها ظهره في السابق، يتم في العصر ذاته الذي حقق فيه الدين حاكميته في بقعة نم بقاع العالم إيران واستطاع أن يمسك من خلال ثورة استثنائية إذن تلك التي حل في هذا العصر، يستطيع من خلالها القرن أن يظهر إمكاناته في هداية الفكر والسلوك الإنسانيين، ويبرز قدراته في القيمومة على الحياة 1.
 
 
تبدو العقول العليلة للمحللين الماديين، عاجزة حتى الآن، عن فهم وتحليل الحوادث الإسلامية التي احتضنها العقد الأخير أجل، هذه العقول لا تستطيع أن تدرك ما حصل فعلاً. فقد مضت مائتا سنة على جهود الاستعمار في العالم الإسلامي، استخدم فيها ألوف الوسائل من أجل حذف الإسلام ودفعه خارج ميدان الحياة، بل ودفعه بعيداً حتى عن صفحة أذهان الناس وقلوبهم والأهم من ذلك إنه بعد قرون مما نال الدين من توجيه سيء وتلقين سلبي، على يد القوى المستبدة، وما طاله من انحرافات لا تحصى على يد وعاظ السلاطين والعلماء المرتبطين بالبلاط، حتى أثّر ذلك على صفائه ووضوحه، وتحوّل إلى دواء لا أثر له،وجسم لا روح فيه، بعد هذا كلّه وإذا بالإسلام يعود
 
.
 

1-كلمة قائد الثورة إلى تجمع مدرسي مادة القرآن للصفوف الثانية الأولى. 20/7/1368. 


 
 
 
 
 
73

64

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 اليوم يبسط جناحيه في قلب العالم الإسلامي، ويبسط بظلال رحمته في جميع أرجاء دنيا الإسلام، وكأنه شمس وضّاءة أشرقت على قلوب المسلمين، فمنحتهم الروح والنشاط والأمل.

 
الذي يوقع أولئك المحللين في حيرة، هو كيف استطاع هذا الإسلام، الذي بدأ يختفي تدريجياً ليلفه عالم النسيان من دون أن تكون له القوة على بعث الأمة في القلوب الملتاعة، أن يتحوّل إلى مُلهم، بل إلى أمل وحيد للشعوب الإسلامية، وبالذات للشباب، ولذوي المعاناة واللوعة؟
 
إنّ فهم وتحليل هذا المسار المذهل، وإن كان غير ممكن لتلك العقول الأجنبية، الغريبة عن حقيقة الإسلام الجاهلة بماضيه الواقعي، إلاّ أنه يتمثل لأصحاب البصيرة بكلمة واحدة: إنها معجزة الثورة.
 
لقد تجلت النهضة الإسلامية في إيران بقيادة منقذ العصر الزعيم الكير الإمام الخميني رضوان الله عليه في إطار ثورة عظيمة، اتّبع فيها الإمام نهج النبي الأعظم والرسول الخاتم سنام الوجود وذروة ولد آدم محمد المصطفى صلى الله عليه و آله .
 
وهذه هي طبيعة الثورة، إذا قامت على بُنى سليمة ومنطقية، تأتي بركاناً مدوياً يزلزل الأركان، وتؤثر في كل ما حولها.
 
لقد نهض مصلحون إسلاميون وظهر مفكرون خلال المائة وخمسين سنة الماضية، رفعوا راية الدعوة الإسلامية ومارسوا أحياء الفكر الإسلامي، وذلك من قبيل السيد جمال الدين ومحمد إقبال وغيرهما ورغم ما قدمه هؤلاء من مكاسب جليلة، إلاّ أن مسارهم بأجمعهم اكتنفه نقص كبير تمثل باكتفائهم بممارسة الدعوة الإسلامية وإصلاح المجتمعات المسلمة، ليس بقوة الثورة وحركيتها بل بالجهد الثقافي
 
 
 
 
 
 
 
 
74

65

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 فقط، وبأدوات الكتابة والبيان، وذلك بدلاً من أن يتجهوا بجهودهم نحو تفجير ثورة إسلامية.

 
النهج الذي سار عليه أولئك المصلحون والمفكرون، هو نهج ممدوح وهم مأجورون عليه،ولكن لا ينتظر منه أبداً، نتائج كتلك التي أمرها نهج أولي العزم من الأنبياء، وهم صنّاع المقاطع الأصلية في التأريخ واللحظات الحاسمة فيه.
 
إنّ عمل المصلحين والمفكرين في اقتصارهم على الدعوة دون الثورة لا يوفر في حال خلوه من العيوب السياسية والنفسية، سوى أرضية لانطلاق حركة ثورية، ليس أكثر.
 
على ضوء ذلك يُلحظ أن السعي الحثيث المثابر لأولئك المصحلين والمفكرين، لم يستطيع في جهود المخلصين من هذه الجماعة، أن يوقف أبداً الحركة العكسية التي كانت تسير بالمسلمين نحو الانحطاط، كما لم تفلح في إعادة مجد المسلمين الغابر، وعظمتهم الآفلة التي كانت يتحدث عنها أولئك، ويتجرعون في سبيل استعادتها الغصص والآلام، ويذرفون من أجلها الدموع.
 
الأكثر من ذلك إن جهود أولئك المصلين والمفكرين، لم تنهض حتى بتقوية المعتقد الإسلامي على نحو واسع بين الجماهير المسلمة، بحيث تستنفذ طاقاته في خدمة المسار كما لم يستطع أولئك أن يمتدوا بجغرافية الإسلام ويوسعوها.
 
هذا ما يتفاصل بشكل كامل مع نهج نبي الإسلام ص ، كما لا يخفى على أي إنسان له أدنى إطلاع على تأريخ بعثة النبي الأعظم ص وهجرته 1.
 
 
 

1-كلمة قائد الثورة في الذكرى السنوية الأولى لوفاة الإمام الخميني، 10/3/1369.
 
 
 
 
 
 
 
75

66

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 يُعد القرن الحاضر، قرن ظهور المصلحين الكبار. فكم ظهر من كبار المصحلين، والثوريين، والسياسيين منذ أواسط القرن الماضي حتى اللحظة، وكم هي الحركات الكبيرة التي فجّرها أولئك ودفعوها في العالم، أو في جزء منه! نحنُ نعرف تلك الحركات، بيد أن أياً منها لا يقاس بهذه النهضة العظيمة، وهذه الثورة المعنوية العالمية.

 
لقد جرى اسم الله، ونطقوا بـ "بسم الله" في برلمانات بلدان كان الدين فيها يعد جريمة رسمية، وهو ينظر إليه كشأن قديم لفّه غبار النسيان، وتقليد مضر ولّي زمانه، وأُلقي به بعيداً بحيث لا ينظر إليه أحد!
 
وليس هيناً ولا أنّه شيء عادي صغير أن ترتفع راية المعنى والإسلام في العالم المادي 1.
 
أضحت جميع آمال الأنبياء والأولياء قابلة للتحقق على أيديكم أنتم الشعب الإيراني فكل ما كان للأنبياء من آمال كبيرة على صعيد استقرار العدل الإلهي، وإنقاذ المستضعفين، وإزالة الظلم على المستوى العالمي، هذه جميعاً أصبحت قابلة للتحقق.
 
بديهي أن الوعد الإلهي القاضي باستقرار العدل العالمي الكامل في عهد ظهور بقية الله فقط الإمام المهدي أرواحنا له الفداء هو حق لا ريب فيه. بيد أن بمقدور شعب مؤمن مجاهد، أن يمهّد الأرضية لهذه
 
 
 

1-حديث قائد الثورة في مراسم بيعة أعضاء مجلس الخبراء. 21/3/1376. 
 
 
 
 
 
 
76

67

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 الحكومة، كما استطاع الشعب الإيراني أن يفعل ذلك حتى الآن ويسيطر على الكثير من المشكلات 1.

 
إنّ عصرنا هو عصر الحوادث الكبيرة. فقد وقعت على المستوى العالمي، وعلى مستوى بلدنا خاصة الكثير من الوقائع العظيمة. كانت أولى الحوادث هي واقعة الثورة هذه، الظاهرة الاستثنائية الكبيرة. ثم جاءت الثانية متمثلة بتأسيس الجمهورية الإسلامية. والجمهورية الإسلامية هي نظام قائم على أساس القيم الأخلاقية والمُثل المعنوية والدينية، وذلك في وقت كانت الأجهزة الاستكبار تسعى فيه لعزل القيم المعنوية والأخلاقية وازوائها جانباً حتى تكون عرضة للنسيان التام. وفي مثل هذه الأجواء كان تأسيس نظام على أساس القيم المعنوية، هو عمل عظيم، أشبه ما يكون بالمعجزة. بل يحكي تبديل هذا الشعب من الضعف والاستسلام والخنوع، إلى شعب مقاوم شجاع مواجه؛ يحكي بحدِّ ذاته حصول تحوّل عظيم.
 
وأمامنا الكثير من الأعمال العظيمة التي وقعت على هذه الشاكلة في عصرنا وفي بلدنا 2.
 
 
شكّل انطلاق هذه الثورة طموحاً للشعوب الإسلامية جميعاً. ولا نبالغ إذا قلنا إن جميع المصلحين والمفكرين والأحرار كانوا يطمحون طوال التأريخ. بأيام مثل هذه للإسلام والمسلمين.
 
 
 

1-حديث قائد الثورة في مراسم بيعة حرفيي مدينة مشهد،ومؤسسة الخامس عشر من خرداد ومركز محو الأمية. 8/4/1368. 
2-حديث قائد الثورة في مراسم بيعة أعضاء الحكومة، 16/3/1368
 
 
 
 
 
77

68

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 كم بُذِل طوال عشرات السنين من الثروات والفكر؟ وكم ارتكبت من الجرائم والأكاذيب والدعاية المضادَّة من أجل إقصاء الإسلام كلياً عن حق حياة البشر؟ ثم جاءت ثورتنا في مسار معاكس تماماً لما كان يريده الشياطين وأعداء الإسلام.

 
أضحى الإسلام عزيزاً، واستيقظت الشعوب الإسلامية، ووصلت النهضة الإسلامية في الكثير من البلدان الإسلامية إلى الذروة.
 
لقد أضحى الإسلام اليوم ومعه الثورة الإسلامية والنهضات الإسلامية يمثل قيمة وطنية واجتماعية وسياسية كبيرة، حتى بلغ الأمر إلى أن يتحدّث عن الإسلام ويضرب على وتره، مَن لم تكن له أية علقة به، لمصالح زمنية.
 
أصبح الإسلام اليوم عزيزاً 1.
 
يزخر واقع العالم اليوم بالكذب والأحابيل والشهوة، وهو يميل لترجيح القيم المادية على القيم المعنوية، هذه هي الدنيا، وهذه الخصائص لا تقتصر على هذا الزمان، بل منذ قرون والجانب المعنوي في الدنيا ينحدر نحو الضعف والأفول.
 
لقد سعى أصحاب القوى إلى إقصاء المعنويات، وسعى أرباب السلطة وعبدة الثروة والمال إلى بسط نظام مادي في العالم، تتربع على قمته سلطة مثل أمريكا، هي الأكثر من غيرها كذباً وخديعة وإهمالاً للفضائل الإنسانية، وأشدّها قسوةً على بني البشر.
 
 
 
 

1-حديث قائد الثورة إلى جماعة من الأحرار-الأسرى العائدين إلى أرض الوطن . 29/5/1369. 
 
 
 
 
 
 
78

69

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 قوة مثل هذه تتبوأ رأس النظام، يليها حلفاؤها كلّ حسب مرتبته. هذا هو وضع العالم اليوم.

 
 
والثورة الإسلامية في مؤدّاها هي إحياء ثانٍ للإسلام، إحياء لقيمة ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ الحجرات 13 . وقد جاءت هذه الثورة وأمامها مهمة ضرب مرتكزات ذلك النظام الخاطئ، لكي تصوغ بديلاً عنه نظاماً جديداً 1
 
الأثر المباشر الذي ظهر على المستوى العالمي، لثورة دينية وإسلامية، هو تأسيس نظام سياسي واجتماعي يقوم على مباني الدين.
 
كانت واقعة عظيمة جذبت العالم إلى الدين سواء كان الإسلام أم غيره وجدّدت النظرة إلى مسائل الدين.
 
والذي حصل بعد ذلك بفعل الآثار غير المباشرة لثورتنا، هو اضمحلال قواعد التفكير المادي، الذي كان هذا التفكير والنظام المنبثق منه يسوّق على نطاق عالمي ويدفع بادّعاءات كبيرة، على أساس أنه يستطيع أن يدير الحياة البشرية!.
 
لقد وقف هذا الفكر وهذا الاتجاه حائلاً عشرات السنين دون الظاهرة المعنوية، سواء تمثلت بالفكر أو العلم أو الأخلاق. أو أي شيء مفيد.
 
لقد انهار هذا الفكر مرّة واحدة وكأنه عمارة من ثلج، وقد ذاب
 
 
 

1-حديث قائد الثورة إلى قائد كتائب قوات التعبئة الشعبية. 22/4/1371. 
 
 
 
 
 
 
79

70

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 كالملح في الماء، تماماً كما حدث لبني أمية والمنصور العباسي عندما انهار البناء الذي أشادوه، لأن ظاهره وإن كان يشبه الصخر إلاّ أن حقيقته كالملح، فسرعان ما تهاوى وذاب.

 
بعد الانهيار المدوّي لذلك الفكر وأنظمته أخذ عالم المعنى يعبّر عن نفسه. وقد اتضح أن النمو المعنوي، وازدهار الفكر الديني، وبالأخص ازدهار الفكر الإسلامي، لم يكن قد توقف في أتون ضجيج ذلك الفكر وأنظمته. ففيما كان أولئك يجهدون أن لا يبقوا له عيناً ولا أثراً، كان هو يواصل نموه.
 
ولكن غاية ما هناك أن الرياح العاطفة والضجيج والصخب والغبار كانت تمنع تبلور هذه الحقيقة الواقعية وتجليها، والآن بعد أن هدأ ذلك الصخب المجنون، عادت الحقائق لتعبِّر عن نفسها بجلاء 1.
 
 
 

1-حديث قائد الثورة في مراسم تجديد بيعة أعضاء مؤسسة باقر العلوم الثقافية. 1/11/1368. 
 
 
 
 
 
 
80

71

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 الجمهورية الإسلامية هي أم القرى ومركز الحركة العالمية للإسلام 


واحدة من أهم مسائل العالم الإسلامي اليوم هي البغض والعداء الجنوني الذي تكنه الجبهة الشيطانية وبخاصة الشيطان الأكبر أمريكا للإسلام وللمفاهيم والعقائد الإسلامية. والعداء المخطط والشامل ضدَّ الإسلام وإن كان يعود إلى المرحلة التي ترافقت مع ظهور الاستعمار وما قام به المستعمرون في القرون المتأخرة عندما توجهوا للممارسة النهب والقتل في العالم الإسلامي، وتعاملوا مع الإسلام على أنه العقبة الكؤود والسد المحكم الذي واجه فتنهم، مما جعله عُرضة لهجوماتهم الشديدة سياسياً وثقافياً، ودفع بهم إلى غرس مخطط فصل المسلمين عن القرآن والإسلام بضروب المكر الشيطاني مثل إشاعة الفساد والانحلال والفحشاء، ولكن الأمر اختلف عندما انطلق بركان الثورة الإسلامية وراح يحرق آمالهم العراض ويذرها هباءً مع الريح، ويعيد إشاعة الأمل في قلوب المسلمين، وينعش الحياة في الإسلام ثانيةً على الصعيد العالمي.. فعندئذٍ اندفعت القوى الاستبكارية تهاجم الإسلام كالذئب الجريح وتندفع في معاداته بشكل شامل وجنوني. وهذا النمط من العداوة والهجوم لم يكن مستبعداً في غضون التحوّل الذي حصل.
 
 
 
 
 
 
81

72

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 ستتحقق حتماً السنن الإلهية القاضية بفضيحة أولئك وهزيمتهم إن شاء الله، تماماً كما نصَّ على ذلك القرآن ﴿وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ﴾ الرعد /31. ولكن بشرط أن يلتزم المؤمنون بالإسلام وبوظائفهم إزاء هذه المؤامرات ويتوانوا فيها.

 
بديهي أن المركز الذي استهدفته الأمواج الأساسية لجميع المؤامرات التي ابتغت الغيلة للإسلام خلال العقد الماضي هو الجمهورية الإسلامية التي تعدّ أم القرى للعالم الإسلامي التي تعدّ أم القرى للعالم الإسلامي وطليعة حركته العالمية. لقد تلقى الشعب الإيراني خلال عقد من العداء الذي استهدف الإسلام والقوى الثورية العظيمة، أنواع الضربات. فهناك الحرب المفروضة التي دامت ثماني سنوات، الحصار الاقتصادي، وعدد لا يحصى من الهجومات السياسية والدعائية والاقتصادية ضدَّ الجمهورية الإسلامية، والتي انطلقت في حقيقتها بدافع الضغط على الإسلام، وعلى خلفية العداء له.
 
نحن نفخر بأننا أصبحنا على مدار سنوات هدفاً للقوى العالمية في غضبها الجنوني وحملاتها الانتقامية الشرسة ضدّنا. بسبب الجوهر الفريد الذي نحمله، متمثلاً بالإيمان بالله والعمل بالإسلام.
 
أجل: ﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ البروج / 8.
 
إن السر وراء الاعتلاء الإسلامي المعاصر واليقظة العامة للمسلمين، يكمن في انبثاق وليد مبارك في مركز دائرة هذه الحركة إيران الإسلامية متمثلاً بالثورة. لقد أينعت شجرة الإسلام الطيبة
 
 
 
 
 
 
 
82

73

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 مرة أُخرى، وأثمرت الولادة، انبثاق الجمهورية الإسلامية بما تحظى به من بنية ثابتة استمدتها من الإيمان الإسلامي ومن القدرة الإيمانية للقائد والشعب.

 
لقد حافظ هذا الكيان على ثباته واستقامته، لم تنل منه دسائس الشياطين وسورات غضبهم وأحابيلهم، بل ظلّ عزيزاً مقتدراً رغم ظُلامته، ومضى وضاءً أمام العالم، ثابتاً على الدعوة إلى الإسلام باستقامة وصلابة .
 
إن للإسلام الأصيل طبيعة جذّابة يستقطب إليه القلوب السوية الخالية من الضغينة والبغض. وهذا الإسلام هو الذي طرحته ثورتنا وإمامنا أمام العالم للمرة الثانية، وعرضاه للقلوب المتطلعة.
 
لا مكان في مدرسة الثورة التي أرسى إمامنا الخميني دعائمها. للإسلام السفياني والمرواني.. الإسلام الشكلي الذي يقتصر على الظواهر.. الإسلام الذي يكون في خدمة المال والقوة؛ وبكلمة: الإسلام الذي يكون آلة بيد السلطات وحرباً على الشعوب. لقد قضت مدرسة الثورة على ذلك النوع من "الإسلام" ليحل محلها الإسلام القرآني المحمدي ص إسلام العقيدة والجهاد.. الإسلام الذي يخاصم الظالم ويكون للمظلوم عوناً.. الإسلام الذي يكون حرباً ضدَّ الفراعنة والطواغيت؛ وبكلمة: الإسلام الذي يصعق الطغاة والجبارين ويشيد أركان حكومة المستضعفين.
 
حلَّ إسلام الكتاب والسنة في الثورة الإسلامية بدلاً من إسلام الخرافة والبدعة.. وصار إسلام الجهاد والشهادة بديلاً لإسلام القعود والاستكانة والذل.. وأخذ إسلام التعقل والتعبّد محله بدلاً من إسلام
 
 
 
 
 
83

74

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 الجهل والتلفيق الالتقاطي... وأضحى إسلام الدنيا والآخرة بديلاً لإسلام عبادة الدنيا واسم الرهبانية والاعتزال.. وأمسى إسلام العلم والمعرفة بمكان إسلام التحجر والغفلة.. وإسلام الدين والسياسة بديلاً لإسلام التحلل واللامبالاة.. واستبدل إسلام المقاومة والعمل بإسلام الجمود واليأس.. وأخذ إسلام الفرد والمجتمع مكانه بدلاً من الإسلام الشكلي الذي لا روح فيه.. وصار الإسلام الذي ينقذ المحرومين بديلاً للإسلام الذي كان آلة بيد القوى الكبرى.. وبكلمة: أصبح الإسلام المحمدي الأصيل في الثورة الإسلامية بديلاً للإسلام الأمريكي.

 
إن استعادة الإسلام بهذه التركيبة وبهذا التكوين، وبمثل هذه الجدية كان سبباً لحالة الغضب الجنوني الشامل لأولئك الذين كانوا يتمنون زوال الإسلام ليس في إيران وحدها بل في جميع البلدان الإسلامية.. أو لأُولئك الذين لا يريدون للإسلام إلاّ أن يكون اسماً وحسب من دون محتوى، ووسيلة لاستحماق الناس واستغفالهم.
 
لذلك كله لم يتوان أولئك عن تضييع أي فرصة للهجوم على الجمهورية الإسلامية ومركز حركة العالم الإسلامي إيران وإلحاق الضرر بها والتآمر ضدّها منذ أول يوم انتصرت فيه الثورة الإسلامية حتى الآن 1.
 
الدين عميق وراسخ في النفوس، إذ تكفي في استعادة وره وتنشيطه حركة تشير للاتجاه الصحيح، يُنفَض عنه الغبار
 
 
 

1-كلمة قائد الثورة بمناسبة الذكرى الأولى لوفاة الإمام الخميني، 10/3/1369. 

 
 
 
 
 
84

75

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 المتراكم، ويُشار إلى إشكال التعاطي الخاطيء في فهمه. وهذا ما يخشاه الأعداء.. فهم يدركون أن هذه العملية استعادة دور الدين وتنشيطه ستلحق أضراراً فادحة بنمط الحياة الفاسدة والهيمنة الطاغوتية التي تتصف بهما أمريكا اليوم، وأذنابها وأياديها. لذلك تراهم يخشون هذه العملية الصحوة الدينية والانبعاث الإسلامي وقد أدركوا أن مركز هذه الحالة هي إيران المسلمة.

 
إعلموا أنهم يوظفون اليوم جميع قوتهم لإلحاق الهزيمة بالجمهورية الإسلامية، وهم لا يوفرون أية وسيلة يمكن أن تثمر بهذا الاتجاه ولا يتوانون عن ارتكاب أي عمل. والمحور في هذه الحركة المعادية هي أمريكا. وهذا ما يتضح من الإطلالة على المشهد. إن الإنسان ليذهل من مثابرة أمريكا وجديتها وهي تبحث عن سُبل إلحاق الأذى بإيران.. ويشعر أحياناً بالفرح وهو يتأمل المشهد، ويرى عجز أمريكا في تحقيق مبتغاها 1.
 
لا تكمن المشكلة بالنسبة للإستكبار العالمي؛ وأسوء أشكاله المتمثلة بالحكم الأمريكي الظالم، في أنه فقد سوقه في إيران أو مصادر الثورة في هذا البلد وحسب. طبيعي لهذا العامل دوره لأنَّ المال والربح المادي هل هو كل شيء بالنسبة لأجهزة التراكم الرأسمالي. بيد أن هذا العامل لا يملأ الصورة برمتها، بل يمثل جزءاً من المسألة.
 
يدرك الجهاز الاستبكاري بما يتحلى به من رؤية مُستقبلية أن الحركة الإسلامية إذا شقت طريقها هذا الشكل وهي تتحلى بالثبات والإيمان
 
 
 

1-حديث قائد الثورة في لقاء مجموعة من الطلبة الجامعيين، وأعضاء اللجنة السباعية، وعوائل الشهداء. 2/3/1369. 

 
 
 
 
 
85

76

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 والاعتماد على إيمان الجماهير وعواطفها، فسيصعب استمرار السلطة الاستكبارية لأمريكا وأياديها؛ بل سيغدو ذلك مستحيلاً. هم يعون هذا المعنى، والحق معهم، ونحن لا نتخفى على ذلك.

 
بديهي ليس لنا أي دور مباشر أو غير مباشر قد خططنا له في انطلاق الحركة الإسلامية في العالم، ولم يكن لنا مثل هذا الدور من أول الأمر أيضاً؛ وإنما هو دور الإسلام ذاته. إن عملية ثبات الشعب الإيراني وتمسكه براية الإسلام المناضل.. إسلام الحياة.. الإسلام المحمدي الأصيل كما كان يعبِّر إمامنا العزيز وليس إسلام الإذعان أمام أعداء الله ولا إسلام الطاغوت أو الإسلام الأمريكي وعدم ضعفه في ذلك، أدّت تلقائياً إلى انبعاث الأمل في دنيا المسلمين.
 
انطلاقاً من هذه النقطة وقعت على عاتقنا مسؤولية مهمة؛ فما أشرت إليه هو وصف للوضع العالمي والحالة الحساسة التي يتسم بها العصر، وبمعرفة حساسية المرحلة تتضاعف مسؤولياتنا جميعاً، وبالأخص مسؤوليتكم أنتم الشباب 1.
 
لا يقتصر ما حدث على أن شعباً نهض ثائراً في بلدٍ من البلدان وأطاح بنظام تابع فاسد وأسس محله النظام الذي يريده وحسب، بل تجاوز المسألة هذه الحدود كثيراً. لا أُريد أن أزعم أن الشعب الإيراني كان يفكر بشكل واعٍ ودقيق بهذا الهدف الأسمى وبهذه المسؤولية المهمة الملقاة على عاتقه اليوم، منذ أول أيام المواجهة، بيد أن لاشيء الثابت
 
 
 

1-حديث قائد الثورة في لقاء مجموعة من الطلبة الجامعيين، وأعضاء اللجنة السباعية، وعوائل الشهداء، 2/3/1369. 
 
 
 
 
 
 
 
86

77

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 أن هذا الشعب تحرك في الساحة ولم يرض باستمرار النظام البهلوي الفاسد والتابع وما يفضي إليه بقاؤه من مشكلات تحل بالبلد.

 
وهذا هو الإسلام الذي جذبه إلى الساحة، وحُبُّ الدعوة الإسلامية الذي دفعه إلى الميدان لمواجهة نظام فاسد مضاد للإسلام، والقضاء عليه وعلى أتباعه في البلد وتشييد نظام إسلامي بدلاً منه كما فعل ذلك إمام هذا الشعب وقائده العظيم.
 
وعندما أدرك الشعب هذا المعنى بذلك الدم والأرواح ونهض للمواجهة. هذا هو القدر الثابت في قضية هذا الشعب مع النهضة ـ.
 
ولكن القضية اكتسبت بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية أبعاداً أوسع بكثير على المستوى العالمي. فقد أحسنت شعوب العالم فجأة والشعوب الإسلامية خاصة، إنها تشترك مع الشعب الإيراني ومع مليار من المسلمين في همٍ مشترك، يتمثل بابتعادها عن اصالتها وسقوطها ألعوبة بيد أوثان القوى الاستكبارية التي راحت تترك بصماتها على جميع شؤون حياة هذه الأمة وتعرض حياتها للدمار.
 
لقد توفرت الأمة الإسلامية العظيمة على هذا الوعي بشكل واسع بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران. وكان بروز هذا الوعي باعثاً في أن يكون العداء للإسلام وللجمهورية الإسلامية خاصة، جزءاً من البرنامج الأساسي للاستكبار العالمي آنئذٍ. أعني المعسكرين الشرقي والغربي الذي قرّر الحؤول دون إمتداد آثار هذا النظام الإسلامي ونفوذه إلى الشعوب، لأن مثل هذا التأثير يخلق لهم المشكلات، وبذلك انطلق العداء لهذا الكيان 1.
 
 
 

1-حديث قائد الثورة إلى أعضاء القوة الجوية بمناسبة يوم القوة الجوية. 19/11/1370. 

 
 
 
 
 
 
87

78

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 لا يمكن لكم أن تعثروا على امتداد التأريخ على صاحب دعوة حق لم يدخل في مواجهة مع الشياطين والطواغيت؛ وإن الطواغيت والشياطين والمعاندين لم يدخلوا في عملية صراع مشوبة بالعداوة والبغضاء والحقد ضدّه. إن الاستكبار العالمي يسعى راهناً إلى أن يخنق أي صوت ينطلق ضدَّ نظام الهيمنة الحاكم على العالم ويقضي عليه في مهده.

 لقد أضحى صوت الإسلام أقوى صيحة وأبلغها، ضدّ نظام-الهيمنة-الحاكم على العالم  ويقضي عليه في مهده.
 
لقد أضحى صوت الإسلام أقوى صيحة وأبلغها، ضدّ نظام وحاكمي الاستكبار العالمي للقضاء على الظالم منذ أن انتصرت الثورة الإسلامية. كذلك صار القضاء على صوت الإسلام هو في طليعة وأهم أولويات الأعداء والطغاة. إن ما بذل طوال عقد أو إحدى عشرة سنة من انتصار الثورة من فعاليات معادية فادتها أجهزة الاستكبار العالمي على المستوى الدعائي والثقافي والسياسي والعسكري والاقتصادي ضدَّ الدعوة الإسلامية، ولا سيّما مركز الإسلام الثوري إيران المسلمة لم يضاهيه أي نشاط آخر بذله الاستكبار العالمي والقائمون على النظام الدولي تلقاء أية ظاهرة من الظواهر الأُخر 1.
 
لاحظوا ما يفعله الآن أعداء الإنسانية؛ أي الجهاز الاستكباري
 
 
 

1-حديث قائد الثورة إلى ضيوف مؤتمر الفكر الإسلامي، 12/11/1368. 


 
 
 
 
 
88

79

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 وعلى رأسه القوى الشيطانية أمريكا وجميع القوى الشيطانية الأخرى التي تتابعها، ضدَّ القيم الإنسانية.. لاحظوا كيف يجرّوا البشرية إلى الابتذال والسقوط، وكيف يسخروا بجميع التجلّيات المعنوية!

 
لقد أضحت الجمهورية الإسلامية اليوم مرمى لسهام العداوة والبغضاء لأنّها رفعت راية المعنوية وراحت تسير في طريق الإسلام وتسعى من أجل الإسلام والقيم الإسلامية. إنَّ الإنسان ليدهش أحياناً لكل هذا العداء للإسلام وللمعنوية، فلماذا كل هذا العداء؟ 


لقد أنفقوا أموالاً طائلة لكي يشوهوا الجمهورية الإسلامية في عيون الناس وأمام العالم بما يبثوه حيالها من أكاذيب وتهم وسموم دعائية. 
لماذا يحتاجون للعمل ضدَّ الجمهورية الإسلامية بهذا القدر؟ لأنَّ نظام الجمهورية الإسلامية ينطوي على جاذبية عظمى للشعوب لو تُرك وحالة دون دعاية مضادّة.
 
لقد استبد الغضب بالجهاز الاستكباري وبالأخص أمريكا، لأنهم يرون الصحوة الإسلامية تعم العالم الإسلامي وتتسع يوماً بعد آخر.
 
كانت الأُمنية التي تخالجهم هو أن تخبو شعارات الجمهورية الإسلامية في العالم بمرور الوقت وتصير قديمة، بيد أن شيئاً من ذلك لم يحصل.

ما دامت هذه الثورة قرينة باسم الله، فهي في مواجهة الشياطين أبداً.. وما دامت تأخذ بجانب المستضعفين المظلومين فستبقى في صراع مع الطغاة والمستكبرين والجبارين على الدوام.. وما دمتم
 
 
 
 
 
 
 
 
89

80

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 تسعون من أجل القيم الإنسانية فلن يرضى عنكم ذلك الإنسان الذي يعادي هذه القيم.. لذلك عليكم أن تتهيئوا وتستعدوا نفسياً لكل ذلك.

 
إنّ بيد هذا الشعب اليوم راية عظيمة.. راية أيقظت الدنيا عندما اهتزت بأيديكم.. أنظروا إلى مآل الأوضاع الآن في فلسطين وشمال أفريقيا، وكيف يستعيد الإسلام حقه المضيّع في المجتمعات الإسلامية، وكل ذلك ثمرة لنهضتكم وما فعلتموه؛على حين كان الإسلام في حال هزيمة وفرار إزاء ثقافة الكفر والاستكبار.. بديهي الإسلام لا يفر أبداً، وإنما وهنَ المسلمون فأحسّوا بالضعف. في المواطن التي أضحى فيها لملايين المسلمين قسطاً من المشاركة في الحكم، لم يكن أحد يجرؤ على ذكر الإسلام قبل الثورة الإسلامية. وفي البلاد الإسلامية التي راح فيها أئمة الجمعة والجماعات يبادرون لتأسيس الصيغ التنظيمية، حيث راحت تزدهر المساجد وهي تتحوّل إلى مركز للحركة، لم تكن المساجد فيما سبق أكثر من أماكن لتجمع الشيبة وكبار السن والضعفاء. أما الآن فقد صارت موطناً للشباب ومصدراً للحركة والفاعلية، وكل ذلك ثمرة لنهضتكم ولقائدكم العظيم ذلك الرجل الإلهي الإمام الخميني . ولذلك ترون أعداء الإسلام غاضبين عليكم.
 
يقول سبحانه : ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ البقرة /120. فما دمتم متمسكين بالإسلام غير متخلين عنه، سيبقى أعداء الإسلام على معارضتهم لكم. والنقطة التي يثيرها العدو في هذا السياق تتلخص بما مفاده: ما دمت أعارض ذلك الشخص الشعب أو البلد أو الأمة فينبغي أن يزول من الوجود. لقد استطاعوا
 
 
 
 
 
 
90

81

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 أن يغرسوا هذه القناعة في الشعوب الضعيفة والذي يثبت الآن هو عكس القضية تماماً؛ أي أن كل من يعارض الإسلام ينبغي أن يزول، وقد شقَّ الإسلام طريقه في العالم، وسيفعل ذلك مجدداً 1

 
4-تضاد الثورة الإسلامية مع النظام السلطوي العالمي 
 
يتضارب كيان المعنوية الإلهية المتمركز في إيران مع جميع ضروب الظلم والعدوان والفساد في العالم، لذلك ترى القوى العالمية مصممة على إلغاء هذا الكيان وإجتثاثه عملياً، وإن لم تستطع ذلك تعمد إلى تغيير محتواه. 
 
يكمن خلافنا مع العالم أنّنا نريد شعباً يتمتع بالاستقلال الذاتي، لا أن يكون ذيلاً تابعاً للقوى المتجبرة في العالم المعاصر. إنَّ الأمر يشبه سلوك الشقاوات قديماً إذ لا يتحرك أحد في المنطقة إلاّ بإذنهم، وإذا قرّر الإنسان أن يتجنبهم فهم لا يتركونه إلاّ أن يدفع الإتاوة. إما إذا كان مع الإنسان شيئاً ذا قيمة فالويل له من هؤلاء فهُم لا يتركونه حتى يسلبوه ما عنده.
 
إنّ الوضع العالمي اليوم يشبه هذه الحالة، ولا يقتصر الأمر على الوضع الراهن، بل كان ذلك منذ انبثاق عصر الاستعمار.
 
الويل للبلد الذي يملك نفطاً.. يملك يورانيوم.. الويل للبلد الذي يملك معدناً مميزاً في الصناعة العالمية.. فمثل هذا البلد ينبغي أن يصير تحت هيمنة هؤلاء!
 
 
 

1-حديث قائد الثورة في لقائه مقاتلي شهداء السابع من تير وأهالي الأسرى والمفقودين والمعلولين. 6/4/1369. 

 
 
 
 
 
 
91

82

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 والعلاقة لا تتحرك في إطار التعامل العادل، حتى نقول نحن بلد يملك النفط، وأنتم بحاجة إلى النفط؛ فتعالوا إذن وتعاملوا كمشتري يدفع الثمن إزاء البضاعة التي يحصل عليها.

 
لو كان الأمر كذلك لما كان هناك صراع، فجميع البلدان النفطية تفرح ببيع نفطها؛ هذا لو كانت المعادلة تتحرك في إطار البيع والشراء. ولكن المسألة تتحرك في أفق آخر، فالاستبداد العالمي المهيمن على أُمور العالم لا يرضى بذلك، وإنما يعد كل شيء ثمين تمتلكونه عائداً إليه؛ ينبغي أن يستفيد منه. لذلك تراه يسعى للنفوذ ولتوسيع تغلغله، ويُعدّ كل ما يحول دون تغلغل هذا النفوذ ويمنعه شيئاً. والإسلام يمنع ذلك ولا يرضى به. وهذا موقف الإسلام ليس اليوم، وإنما أدرك الاستعمار ذلك منذ اليوم الأول لمجيئه، وعرف أن الإسلام سدّ كبير يحول دون مآربه. لذلك تحامل عليه؛ بالعداوة الشديدة والبغضاء. هذه هي المسألة.
 
ولما كان هؤلاء الأعداء متقدمين على الصعيد العلمي والتكنولوجي، ويستفيدون من وسائل اتصال حديثة، لذلك ترى صوتهم رؤيتهم تملأ أركان الدنيا وتصل لجميع الآذان، أما الكلام الذي يتضاد ورؤيتهم فيتلاشى ويضيع هباءً في الهواء 1.
 
تعارض الجمهورية الإسلامية نظام الهيمنة الراهن في العالم، طبيعي نحن لا نعارض الترتيبات العرفية السائدة، فلكل ممارسة
 
 
 

1-حديث قائد الثورة في لقاء طياري-نهاجا-في قاعدة الشهيد بابايي الجوية في أصفان، 22/2/1369. 

 
 
 
 
 
92

83

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 عرفها، ونحن نقبل الأعراف السائدة بين مختلف الشعوب. أما أن تكون الهيمنة في عالم السياسة، والحياة بيد عدد من البلدان الكبيرة والغنية بحيث تتلاعب بمصائر البلدان الأخرى، فهذا الذي نرفضه. 


ونرفض أيضاً ما يراد من انحدار الثقافات المنحرفة الفاسدة التي تصدر من المجتمعات الأوروبية والأمريكية نحو المجتمعات الأخرى التي تحظى بثقافاتها الخاصة، بحيث ينبغي لما تراه أوروبا جيداً أن يكون جيداً بمعايير جميع الشعوب، ولو تعارض مع ثقافتها! كما نرفض الحالة التي تسعى أن تُعمّم المعيار الأوروبي بالاتجاه الآخر، إذ يكون كل ما تراه أوروبيا سيئاً ينبغي أن يكون شيئاً لدى بقية الشعوب ولو كان ذلك خلافاً لمعيار ثقافتها، كما هو حاصل الآن في العالم. هذا هو ما نرفضه.

إنَّ الثقافة المهيمنة بنظر الأوروبيين هي ثقافتهم وحسب، حيث ينبغي لهذه الثقافة أن تسود وأن يذعن لها الجميع. فكل ما يراه الأوروبيون حسناً ينبغي للبشرية أن تراه حسناً!
 
إننا واجهنا هذا "المنطق" ونواجهه.. والإسلام يواجه سلطة الهيمنة هذه في كل مكان يتواجد فيه، ولذلك يعارضون الإسلام.
 
تقضي الطبيعة السلطوية لنظام الاستكبار العالمي أن يواجَه أي شعب أو نظام لا يذعن لسلطته ولا يقدم له الإتاوة والرشوة. والقضية شبه سلوك اللصوص والشقاوات فإذا ما أعطيتهم الإتاوة والرشوة فتحوا لك الطريق، وإذا امتنعت ضايقوك.`
 
 
 
 
 
 
93

84

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 وبذلك يتضح أن عداء الاستكبار العالمي لنظامنا هو أمر حتمي لا مفر منه. لقد أعلنا ذلك مراراً وهذا جزء مما نعتقد به إنهم لن يتخلوا عن إدامة عنادهم وعدائهم حتى ييأسوا. فما دام هناك أمل، ولهم فينا مطمع، فهناك معارضة.

 
أمّا إذا يأسوا من ضرب النظام والإضرار به وأحسّوا أنَّ النظام يتسم بالثبات بحيث لا فائدة من عمل شيء، ويأسوا من الحصول على شيء من النظام، فعندئذٍ يرتفع الخطر أو يقل 1.
 
كانت إيران العزيزة وأرضها الواسعة المليئة بالخيرات، عرضة للقوى الظالمة المرتبطة بأمريكا والغرب قبل انتصار الثورة. فعلى مدى سنوات متمادية نهبوا الأموال.. ظلموا الشعب.. مزقوا نسيج العشائر.. خربوا المدن، وفعلوا كل ما يستطيعونه بالثروات الطبيعية لهذا البلد، الفرق بين عصر عائلة بهلوي أو عصور ملوك القاجار الملعونين. فتارة تسلط الروس على إيران.. وتارة الإنكليز.. وتارة الأمريكان، بحيث كان البلد مستباحاً للأجانب.
 
كانت الشركات الأجنبية تستأثر بأموال البلد وثرواته، ففي مرحلة برز دور الشركات الإنكليزية، وفي مرحلة أخرى جاء دور الشركات الأمريكية، وقبل ذلك كان دور الروس.. كانوا يستغلون البلد وينتهبون ثرواته كما يريدون.
 
أما عندما وصل الإسلام إلى الحكم فقد قطع نفوذ الأجانب وحال
 
 
 

1-حديث قائد الثورة في مراسم بيعة العاملين في وزارة الأمن. 30/3/1368. 


 
 
 
 
 
 
94

85

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

 دون المعتدين الناهبين... لا تستطيع القوى الأجنبية أن تستغل هذا الشعب وتنهب ثرواته.. لقد فقدت القوى السياسية الخارجية سلطتها في هذا البدل وأضحى مصير شعبه بيده يفعل ما يريد.

 
إن القرار اليوم بيد الشعب وممثلي الشعب؛ يعني مجلس الشورى الإسلامي، وهذه الحكومة الخدومة، ورئيس الجمهورية ذي المواصفات الاستثنائية وبقية المسؤولين.. هؤلاء هم الذين يقرّرون ما يريدون بمنتهى القوة، وهم الذين يعملون على رغم إرادة العدو. وهذا كله ببركة الإسلام. ففي كل مكان يدخل فيه الإسلام تُقطع أيادي الأعداء والمستغلين. ولهذا السبب يعادون الإسلام 1.
 
 
 

1-حديث قائد الثورة في تجمع أهالي جهار محال وبختايري في ملعب شهر كرد. 15/7/1371. 47
 
 
 
 
 
 
 
95

86

القسم الثالث: وسائل وأدوات العدو في الغزو الثقافي المضاد للثورة الإسلامية

 إشاعة الثقافة الخاطئة والفساد والفحشاء بين الشباب

 
ما دام العدو قد فهم أنَّ هذا الشعب اتحد ببركة الإيمان، وأنه عثر على قائد لا يهاب القوى الكبرى أبداً ببركة الإيمان، لذلك صار في حال عداء مع إيماننا وإسلامنا من خلال توظيف الوسائل الدعائية والسياسية، ووصمنا بأوصاف يحسب أنها تسيء إلينا، في حين نعدّها مجداً لنا، كقولهم عنّا إنا أُصولييون. نحنُ نفخر بعودتنا إلى أُصولنا الإسلامية، وههنا يكمن سرّ قوتنا.
 
لقد تمركزت دعايات الاستكبار العالمي في السنوات الأخيرة للنيل من إيماننا الإسلامي. ولكن شعبنا لن يغضي عن الذين تعرضوا للإسلام والإيمان بأي من ضروب الإهانة؛ لأنَّ الإسلام هو كل شيء بالنسبة للشعب.
 
إنَّ الإسلام والإيمان الإسلامي هُما رصيد عزنا ونصرنا؛ والإيمان هو الذي يصلح دنيانا وآخرتنا 1.
 
 
 

1-   حديث قائد الثورة في مراسم بيعة أهالي مجموعة من المدن الإيرانية المختلفة مع سماحته، 14/4/1368. 

 
 
 
 
 
99

87

القسم الثالث: وسائل وأدوات العدو في الغزو الثقافي المضاد للثورة الإسلامية

 2- يسعى العدو للسيطرة على شبابنا وأن نفقد هذه الشريحة من خلال إشاعة الثقافة الخاطئة والفساد والفحشاء، والذي يفعله العدو ثقافياً على هذا الصعيد ليس 

غزواً ثقافياً وحسب، بل ينبغي القول أنه هجوم ثقافي مكثف.. إنه غارة ثقافية.. إنه مجزرة ثقافية. 
هذا هو ما يفعله العدو معنا اليوم 1.
 
صحيح أن الضعف الداخلي لمجتمع من المجتمعات هو الأرضية التي يتحرك عليها هجوم الأعداء بيد أن الصحيح أيضاً أن العدو هو الذي فرض هذا الضعف على المجتمع السليم، بأدواته وإمكاناته، وكذلك ينبغي أن لا نقع في الخطأ في تقويم المسألة 2.
 
أعداء الشعب الإيراني في سعي دائب لتحريف الرأي العام وسلب شبابنا إيمانهم الإسلامي، بواسطة العناصر العملية الخائنة3.
 
 
ثَمَّ مؤامرات ضخمة تستهدف الأُمة الإسلامية اليوم.. وَثمَّ مؤامرة تستهدف شعبنا أيضاً.إن فرض الحصار الاقتصادي علينا هو ضرب من المؤامرة..وبث الفساد ونشر الفحشاء في مجتمعنا لتوريط شبابنا هو أيضاً نمط من المؤامرة.. وكذلك الأكاذيب التي تبث ضدنا.
 
 
 

1- حديث قائد الثورة إلى قادة كتائب قوات التعبئة الشعبية، 22/4/1371. 
2- حدث قائد الثورة إلى العلماء وطلبة الحوزات وأئمة الجماعة. 7/5/1371. 
3- حديث قائد الثورة في لقاء مع أبناء الشعب، 29/7/1371.
 
 
 
 
 
 
100

88

القسم الثالث: وسائل وأدوات العدو في الغزو الثقافي المضاد للثورة الإسلامية

 إنهم يتآمرون لكي يضربوا وجودنا وكياننا من الأساس حتى تنهار القواعد1.

 
تتمثل إحدى وسائل الغزو الثقافي بفك عرى ارتباط الشباب المؤمن بدعائم الإيمان؛ الإيمان الذي يعد عنصر حفظ الحضارة. تماماً كالذي فعلوه بالأندلس قبل قرون. حين دفعوا الشباب إلى مستنقع الفساد والشهوة والسكر. هكذا ما يحصل الآن.
 
لقد ذكرتُ مراراً إن البعض يعتصره الألم وهو يرى عدداً من النساء في الشارع لا يتمسكن بالحجاب المناسب، من الطبيعي أنَّ هذا الأمر سيء، ولكنه ليس المنكر الأساسي.. المنكر الأساسي جذور الفساد والسوء هو الذي لا ترونه في الشارع كناية عن الدهاء في الحركة والعمل .
 
سُئل أحدهم: ماذا تفعل؟ أجاب: أقرع الطبل! سُئل: ولكن لماذا لا يُسمع صوت الطبل؟ أجاب: غداً سيُسمع الصوت! إذ لم يكن الشعب والعناصر الثقافية يقظين لا قدّر الله فإنَّ أصوات انهيار القيم المعنوية الناتجة عن الهجوم المعادي الخفي والذكي ستُسمع متأخرة عندما لا يكون الأمر قابلاً للعلاج!.
 
ماذا علينا أن نفعل إذا أحكموا حلقة الحصار حول شاب من أهل الجبهة والحرب من شبابنا، إذ يوفروا له جهاز فيديو في الوهلة الأولى، ثم يثيرون شهواته من خلال مشاهدة الأفلام الجنسية
 
 
 

1- حديث قائد الثورة في ملعب تختي في خرم آباد. 30/5/1370. 
 
 
 
 
 
 
101

89

القسم الثالث: وسائل وأدوات العدو في الغزو الثقافي المضاد للثورة الإسلامية

 الخليعة، ثم يجروه إلى مجالس الفحشاء والفساد؟ ليس هناك صعوبة تُذكر في جرّ الشاب إلى الفساد وهو في عنفوان شبابه، بالأخص إذا كان المفسدون يستندون إلى أُطر تنظيمية في ممارسة مهمتهم.

 
وهذا ما يفعله العدو الآن. لدي معلومات من مختلف مدن البلاد، إذ تصلني مثل هذه المعلومات، بحيث لا يكاد يمرّ يوم إلاّ وأسمع مثل هذه الوقائع.
 
مَنْ الذي يفعل ذلك غير العدو؟ عندما تهيمن الشهوة على الشاب يفقد إيمانه.. يبكي في بادئ الأمر.. ولكنهم يدفعوه نحو هذا المنحدر تدريجياً. إن الأعداء يمارسون اليوم عملية أفساد أولادنا في المدارس بهذا الشكل، في المدارس الإعدادية، بل حتى في المتوسطة.
 
يضعون أيديهم على إنسان يقوم بتوزيع المخدرات والصور الخليعة بين التلاميذ داخل المدرسة1.
 
تُبذل جهود حثيثة وواسعة في الوقت الحاضر لسوق الجيل الشبابي في المجتمع صوب الرذيلة والفساد الأخلاقي، وهذه الممارسة هي جزء أساسي من أقسام الهجوم الثقافية2.
 
أنا لا أعرف ما هذه الثقافة؟! ما هي هذه المصيبة التي عمت العالم من طرف الغربيين؟! الغربيون أن يُعَمِّموا هذه الثقافة، وهذا
 
 
 

1- حديث قائد الثورة إلى العاملين في وسائل الاتصال الجمعي ومسؤولي دوائر التربية والتعليم، 21/5/1371. 
2- حديث قائد الثورة إلى أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية. 19/9/1371. 
 
 
 
 
 
 
102

90

القسم الثالث: وسائل وأدوات العدو في الغزو الثقافي المضاد للثورة الإسلامية

 النمط من إدراك المصالح والمفاسد البشرية والأخلاق الاجتماعية على العالم أجمع، وعلى الجميع أن يذعنوا للثقافة الغربية هذه ويقبلوها!

 
إن واحدة من أكبر الجرائم التي تحصل اليوم، هي عملية التصدير والتعميم هذه 1.
 
ثَمَّ حالة من الحساسية الحصانة والترقب إزاء أُمور تجري في هذا العالم، ولكن ليس هناك مثل هذه الحساسية إزاء تعرض المرأة للضرب من قبل زوجها. هناك الكثير من الزوجات اللائي يتعرضن للضرب بسهولة من قبل أزواجهن في أوروبا وأمريكا، ومع ذلك ليس هناك حساسية كبيرة حيال الظلم الذي يصيب المرأة من الرجل داخل محيط الأُسرة.
 
تُشير الإحصائيات إلى أن الزوجات والأبناء يتعرضون بسهولة لظلم أزواجهم وآبائهم داخل الأسر الأمريكية والأوروبية، وليس ثَمَّ ضجة كبيرة تُثار حيال هذا الأمر. أما عن حجاب المرأة فهناك حساسية!
 
فإذا ما خالفت شخصية أو فيلسوف أو نظام أو اتجاه سياسي معين عُريَ المرأة فتثار ضجة من حولهم.. ليس هناك حساسية حيال الكثير من ضروب الفساد والعادات السيئة، ولكن إذا ما اعتمد بل معين سياسة مضادة لتناول المشروبات الكحولية، فستثار من حوله ضجة في العالم، ويُهزأ به ويوصم بالرجعية!
 
إلى من يعود هذا النمط من الثقافة؟ وما هي البيئة التي تتعاطى
 
 
 

1- حديث قائد الثورة إلى ممثلي طلبة وفضلاء الحوزة العلمية بمدينة قم، 4/11/1371. 

 
 
 
 
 
 
103

91

القسم الثالث: وسائل وأدوات العدو في الغزو الثقافي المضاد للثورة الإسلامية

 عرى المرأة وتناول المعسكرات كأعراف سائدة؟ يعود هذا النمط إلى أوروبا، وهو ناشئ 

من الثقافة الأوروبية القديمة، وقد رسخت هذه التقاليد في مناطق أخرى من العالم، حتى إذا نهض احد لمعارضتها يكون وكأنه اجترح ذنباً كبيراً 1!. 
 
 
 

1- حديث قائد الثورة إلى أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافة 19/9/1371. 
 
 
 
 
 
 
 
 
104

92

القسم الثالث: وسائل وأدوات العدو في الغزو الثقافي المضاد للثورة الإسلامية

 تضعيف العلماء من خلال الدعاية

 
يعد الإسلام اليوم هدفاً لأعتى الخصومات الشيطانية في العالم، وفي المقابل يحاط الإسلام بأعمق مظاهر الحب والتقدير في أوساط الجماهير المحرومة. أما القوى الكبرى في العالم فهي لا تعادي أحداً قدر عدائها للإسلام، والعلماء هم الدعاة للإسلام.
 
مُنذ اثنتي أو ثلاث عشرة سنة أي منذ انتصار الثورة وأجهزة الاتصال الجامعي وشبكات الدعاية الاستكبارية والصهيونية تتحدث عن العلماء بصيغ مختلفة.. تسخر بهم، وتثير حيالهم الأكاذيب والتهم.. إنهم يلصقون بالعلماء الكبار والمفكرين الدينيين ما هو أجدر بهم وبأذنابهم والتابعين لهم.
 
ولا أهمية لذلك فليست هذه الأمور التي تؤثر علينا أبداً، لأننا نعرف أن الضربة التي أنزلها بهم العلماء كانت ضربة قوية وبليغة 1
 
منذ أن انتصرت الثورة، والعلماء الذين اشتغلوا بخدمة نظام الجمهورية الإسلامية بشكل مُباشر ولاسيّما البارزون منهم هم
 
 
 

1- حديث قائد الثورة إلى العلماء والمبلغين والخطباء على مشارف حلول شهر محرم. 20/4/1370. 
 
 
 
 
 
 
 
 
105

93

القسم الثالث: وسائل وأدوات العدو في الغزو الثقافي المضاد للثورة الإسلامية

 مرمى لسهام العدو المسمومة على الصعيد الإعلام وعلى صعيد الإرهابيين الخونة عملاء العدو.

 
لقد قدّم العلماء شهداء كبار في جبهات الحرب المفروضة وعلى صعيد فعالياتهم الجهادية، بحيث اصطبغت بدمائهم الطاهرة محاريب صلاة الجمعة وسوح العلم والسياسة ومجالات الدعوة إلى الدين.
 
يدرك شعبنا العزيز أن الباعث لعملية الهجوم الشاملة التي يشنها العدو ضدَّ العلماء يكمن في الدور المصيري الفريد الذي كان لهم وما يزال؛ فالعدو يهاجم العلماء بهدف إضعاف الثورة والقضاء عليها.
 
وتنخرط في السياق المعادي ذاته الآن زمرة الأقلام المأجورة لإضعاف هذا الرصيد المعنوي الذي تملكه الثورة، أمام الشعب.
 
يمكن لأعداء الثورة أن يتحملوا العلماء إذا ما كفّوا عن الأمور السياسية واعتزلوا المساهمة في شؤون الثورة، تماماً كما حصل هو حاصل الآن لعدد من العلماء الغافلين المتحجرين الذين يكتفون بالجلوس في المدارس والمساجد، في حين يكلوا أُمور البلد وشؤون الشعب لأولئك الأعداء.
 
من الظواهر الملفتة والدلالات الممتلئة بالمعاني أنه لم يحصل وأن صار العلماء المتحجرون الغافلون البعيدون عن حوادث البلد والتيارات السياسية، مرمىً لهجوم الأعداء أبداً طوال سنوات النهضة؛ وخلال السنين التي أعقبت الانتصار. فلم يتوجه إليهم الأعداء بالهجوم الإعلامي أو الجسدي المباشر الاغتيال وحتى تهمة الرجعية التي صدرت عن أياي الأجنبي المتلبسين بصفة المثقف لم تتجه إلاّ للعلماء
 
 
 
 
 
 
 
106

94

القسم الثالث: وسائل وأدوات العدو في الغزو الثقافي المضاد للثورة الإسلامية

 المتألقين بلحاظ الفكر السياسي، وممن عرف بالتجديد في ساحة العلم والعمل،ولم تصب التهمة إلاّ الفئة التقدمية من العلماء التي عرفت بالوعي والرقي 1.

 
نلحظ أن هناك مجموعة من الممارسات والأعمال انطلقت في المحيط السياسي أو الجامعي على أساس إلغاء قيمة العلماء وشخصيتهم. وليست هذه ممارسة ساذجة تقتصر على صنف خاص.
 
فمن الخطأ مثلاً أن نتحدث عن الحوزة العلمية ككيان تقليدي بالرغم من أن منهجها التعليمي يقوم على أساس البحث والتحليل والتحلي بدقة النظر وممارسة الاستدلال والتجديد والإبداع، بحيث نعد أمثال الشهيد مطهري والشهيد بهشتي وهما من تلاميذ الحوزة مجرد ظواهر استثنائية في خط الحوزة.
 
ثمَّ احتمال يُتاخم اليقين إنَّ الذين يظنون هذا المعنى ليس لديهم غرض أو سوء، ولكن هذه المسائل تقضي بالنتيجة إلى الفساد جزماً، وهي إلى ذلك تتعارض مع الواقع. فمثل هذه الرؤية يمكن أن تؤدي إلى زوال القيمة العلمية والمعنوية للعلماء وهم ممثلو الدين وحملة رأيته في المحيط الجامعين وبين الجامعيين. كما حصل ما يشبه ذلك قبل الثورة؛ وإن كان بوسائل بدائية، ولكن كانت له آثاره على أي حال.
 
فإذا ما أنكرنا العلماء والمرتبطة العلمية للفقاهة وما لذلك من تأثير
 
 
 

1- كلمة قائد الثورة في الذكرى السنوية الأولى لوفاة الإمام الخميني. 10/3/1369. 
 
 
 
 
 
 
 
107

95

القسم الثالث: وسائل وأدوات العدو في الغزو الثقافي المضاد للثورة الإسلامية

 في حركة البلد راهناً، أو شكنا بسمعتهم أو عرضنا لهم بسوء، فسنكون في الحقيقة لقد ألحقنا الضرر بالنزوع الديني للشعب وطبقة فاعلة وعظيمة في المجتمع.

 
وهذا ما يبتغيه الأعداء ويدخل عليهم الرضا والسرور، ويحقق لهم ما يريدونه 1.
 
 
 

1- حديث قائد الثورة إلى أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية. 20/9/1370. 
 
 
 
 
 
 
 
108

96

القسم الثالث: وسائل وأدوات العدو في الغزو الثقافي المضاد للثورة الإسلامية

 إهمال التيار الثوري في الأدب والفن والثقافة

 
لقد استمر الغزو الثقافي في زمن الحرب بواسطة أدوات الإعلام والخطاب الخاطئ المنحرف، وكان من الطبيعي أن يكون هناك تأثير للرواسب الذهنية والنفسية للناس أنفسهم، بيد أن سخونة الأجواء في ظل الحرب كانت بمثابة الرادع في صدّ الهجوم.
 
أما بعد انتهاء الحرب فقد راحت هذه الجبهة تمارس نشاطها بشكل أكثر جدية 1.
 
 
صارت الأجواء مناسبة للغزو الثقافي بعد انتهاء الحرب. لأن سخونة أجواء الحرب وحماسها وعنفوانها كان يجذب الشاب ويشغله فلا يصغي إلى كلام العد.ولكن انطفاء هذه الشعلة جعل الأرضية مهيّئة للعدو، ولذلك انطلق بشكل أوسع واستخدم أدوات متعدّدة في هجومه الثقافي الشامل.
 
عندما أتأمّل بسعة أدوات العدو أدرك أن القضية مهمة بالنسبة
 
 
 

1- حديث قائد الثورة إلى العاملين في وسائل الاتصال الجمعي ومسؤولي دوائر التربية والتعليم. 21/5/1371. 

 
 
 
 
 
109

97

القسم الثالث: وسائل وأدوات العدو في الغزو الثقافي المضاد للثورة الإسلامية

 إليه. كان من وسائلهم إهمال واحتقار الفن والأدب والثقافة الثورية في البلد.

 
من إنجازات الثورة المهمة إنها ربّت عدداً من العناصر الثقافية والأدبية والفنية.. فنحن لدينا من هؤلاء الأفراد، ولا نشعر الآن بنقص على هذا الصعيد بحمد الله. هناك كثير من الشعراء وكتّاب القصة.. وهناك كتّاب يتقنون النص الفارسي بشكل دقيق.
 
بديهي لم يمر على عمر الثورة أكثر من ثلاث عشرة سنة. صحيح أن هؤلاء الذين تربوا في أحضان الثورة لم يبلغوا مرتبة شخصيات الطراز الأول وبينهما مسافة، ولكن هناك كثرة من الكفاءات الثورية التي بمقدورها أن تتحوّل إلى مواقع شخصيات الطراز الأول في غضون ثلاث عشرة سنة. صحيح أن هؤلاء الذين تربوا في أحضان الثورة لم يبلغوا مرتبة شخصيات الطراز الأول وبينها مسافة ولكن هناك كثرة من الكفاءات الثورية التي بمقدورها أن تتحوّل إلى مواقع شخصيات الطراز الأول على هذا الصعيد.
 
لقد عقمت أرضنا في مرحلة الاستبداد؛ أواخر العهد الملكي، فلم تكن أرضنا تينع حقيقة برجال عظام وكتّاب وفنانين كبار بالأخص على صعيد بعض الاختصاصات الفنية. أما الآن فقد تربت بين شبابنا اليافع كفاءات سينمائية جيدة، وممثلون ومخرجون وشعراء وكتّاب قصدة جيدون.
 
لقد حرَّرت الثورة هذه القابليات.. وإحدى الممارسات التي استهدفت هذه الطاقات تمثلت بالسعي لإهمال هذه المجموعة المؤمنة وعزلها. ولما كان شبابنا قليل التجربة، فمن الطبيعي أن يتأثر سريعاً ويتباطأ بمجرد أن يشعر بالإهمال أو الاحتقار من قبل أثنين مثلاً
 
 
 
 
 
 
110

 


98

القسم الثالث: وسائل وأدوات العدو في الغزو الثقافي المضاد للثورة الإسلامية

 من العاملين في أحد الأجهزة الثقافية الرسمية في البلد. وكذلك يشعر بالضعف المعنوي والإحباط إذا ما رأى أن المجلات المسماة أدبية وفنية في البلد تعمد إلى تضخيم الرموز المعارضة وتمجّد بها.

 
الحالة نفسها تصيب السينمائي الشاب المتدين عندما يدور بفيلمه على المراكز المعنية فتلاقيه بالصدود وترفض فيلمه، في حين يرى تبنيهم مختلف الأعمال التي تقل فنياً عن مستوى عمله، لأنها تفتقر إلى الرؤية الإسلامية. مثل هذا الشاب سينكفئ تلقائياً ويشعر باليأس والإحباط.
 
شعرت بالمرارة والأسى مرّات ومن أعماق قلبي لحال هؤلاء الشباب الثوري المؤمن المتحرق. فلماذا يُهمل هؤلاء الشباب ولا يُعبأ بهم مع أن كفاءاتهم لا تقل إن لم تزد في الكثير من الأمور عن أولئك الذين يذكرون كفنّانين؟ عندما يدقق الإنسان بالأمر على نحو صحيح يجد أن جذر هذه الحالة من الإهمال وعدم الاعتناء يعود على إرادة خبيثة تكمن في نقطة معينة لم يتوجه لها أحد حتى المسؤولون أنفسهم. إنَّ المعنيين عن شأننا الثقافي هُم رجال جيدون، بيد أنهم لا يعتنون بالأعمال التي تنجز في المستويات المتوسطة.
 
من الوسائل الأخرى التي تستخدم لعزل الطاقات المؤمنة أحسّ أن هذه من الآلام الصامتة التي يود الإنسان أن يفهمها الناس جميعاً بوضوح هو إهمال الأفلام أو الأعمال الفنية الإيرانية التي تطرح في المحافل العالمية المقصود بها الآثار التي تنطوي على الروح الثورية . فهذه المحافل تبدو غير مسيسة في الظاهر، بيد إن باطن الأمور شيء آخر.
 
 
 
 
 
 
111

99

القسم الثالث: وسائل وأدوات العدو في الغزو الثقافي المضاد للثورة الإسلامية

 لقد رأيتم سلوك المنظمات العالمية وما تفعله؛ رأيتم موقف مجلس الأمن من قضية البوسنة والهرسك، وما فعلته منظمة "ايكائو" في قضية الطائرة الإيرانية التي أسقطتها أمريكا! 

 
هل ينُم هذا السلوك عن الحياد؟ وهل تعد هذه المنظمات غير سياسية حقاً؟!
 
تفعل المراكز العلمية الشيء نفسه مع أفلامنا ومعروضاتنا الفنية.. وما يتجه أطفالنا. وعندئذٍ كيف يستطيع الإنسان أن يتغافل هذا الواقع ويقول أن هذه المنظمات غير سياسية؟ لماذا لم تمنح أية جائزة من جوائزهم لعمل فني ثوري؟ هل نفتقد إلى الفيلم الثوري؟ أم إلى الشعر الثوري؟ أم أن أياً من هذه الآثار لا يتسم بقيمة فنية؟
 
أحتمل أن هذه المراكز والمؤسسات والمجامل تمنح حتى جائزة نوبل لواحدٍ ممّن يُسمّون بالعناصر الثقافية، المعادية للإسلام والثورة، لكي يحيطوا أولئك أعداء الإسلام والثورة بهالة من التضخيم، ويُمنعوا في إهمال العناصر الثورية وإبعادها.
 
أليس هذا غزواً ثقافياً؟! 1.
 
 
 

1- حديث قائد الثورة إلى العاملين في وسائل الاتصال الجمعي ومسؤولي دوائر التربية والتعليم. 21/5/1371. 
 
 
 
 
 
112

100

القسم الثالث: وسائل وأدوات العدو في الغزو الثقافي المضاد للثورة الإسلامية

 اتهام النظام الإسلامي بسلب الحرية 


يتهمون النظام الإسلامي بأنه لا يمنح الحرية.
 
ولكن كيف بأي معنى نحن لا نمنح الحرية؟ هل هناك بلد في هذا العدد من الصحف والمجالات والنشريات التي يكتبون فيها ما يريدون؟ إن الصحف الرسمية في البلد تنتقد سياسات الحكومة علناً وتضعها في دائرة الاستفهام، ثم تبادر الحكومة للجواب على نقد الصحافة بشهامة تامة.
 
تطبع الآن مجلات في إيران يستطيع من له أدنى معرفة بالعناصر الثقافية في عهد الطاغوت وبالكتّاب والفنانين وحملة الأقلام في العهد الملكي، وبالعناصر الجبانة أمام العدو، والموالية لأمريكا، أن يدرك من أين تموّل هذه المجلات!
 
هذه المسألة قابلة للحدس، ونحن على علم بالأمر، وكذلك الجهاز المسؤول، ولكن رغم ذلك ما تزال هذه المجلات تطبع، من دون أن نتعرض لها. نحن لا نخشى من مجلة تكتب ضدّ رؤيتنا بضع كلمات؛ فنحن نكتب أيضاً بما يتسق مع رؤيتنا أو في سياق الردّ على ما تكتبه .
 
إن سعة الحرية التي تحظى بها المطبوعات في إيران لا يوجد في
 
 
 
 
 
 
113

101

القسم الثالث: وسائل وأدوات العدو في الغزو الثقافي المضاد للثورة الإسلامية

 الأماكن الأخرى، ومن ثمَّ فإنَّ نظامنا مظلوم في مضمار حرية المطبوعات، وآية هذه الظلامة أن المجلات والصحف تحصل على الحرية، ثم تمتلئ بنقد النظام، ومع ذلك يأتي من يردّد في سياق هذه الانتقادات بأننا لا نملك الحرية!

 
والسؤال: إذا لم تكن تملك الحرية فكيف كتبت ما كتبت؟ ومن الذي عوقب في البلاد لمجرد أن كتب وعبّر عن رأيه بالكتابة؟ أجل، إذا اجترح أحدهم جريمة صحفية فإن ذلك جرم كائناً من كان صاحب الذنب. والشخص الذي يخالف القانون يتعرض للعقوبة. وإحدى العقوبات التي ينص عليها القانون هو تعطيل الصحيفة أو المجلة التي ارتكبت الجريمة.
 
وهذه قضية أخرى غير حرية المطبوعات. أما الكلام وإبداء الرأي فالإنسان فيها حر.
 
وما يحصل أن العدو يرمي النظام بتهمة سلب الحرية لمجرد أن الأجهزة المعنية تبدي إحساساً بالمسؤولية إزاء ما يُكتب وترُدُّ عليه. عن العدو يريد لكتّاب التيار الثقافي التابع للاستكبار أن يكتب ما يشاء، ولكن لا يرضى للكتّاب المرتبطين بالنظام الإسلامي والموالين للاتجاه الإسلامي أن يردّوا ما يلبث أن يقول: ليس هناك حرية! هُم يريدون تخويفنا! هذه هي الأجواء التي يصنعها العدو، وهناك من البساط من يُخدع بذلك. وما أكثر من ينخرط في هذا التيار من دون قصد ومن دون أن يعي ماذا يقول أو يعرف ما الذي يعمله 1.
 
 
 

1- المصدر السابق. 

 
 
 
 
 
114

102

القسم الثالث: وسائل وأدوات العدو في الغزو الثقافي المضاد للثورة الإسلامية

 يناهض بعض الكتّاب والمتحدثين ممن أمضى عمره غارقاً في مستنقع الفساد والرذيلة وضروب الانحطاط الأخلاقي والسياسي، الحكومة الإسلامية التي سدّت الطريق على هذه الممارسات الماجنة، وطردت أسياد هؤلاء الكتّاب. ثم يعمد هؤلاء إلى تسويغ معارضتهم التي تتجه حقيقة ضدّ الإسلام والاستقلال الوطني وحرية البلد والطهارة الأخلاقية، من خلال تتبع العثرات الصغيرة وتوجيه النقد إلى الأوضاع السياسية والاقتصادية.

 
وفي الوقت الذي يتحدث هؤلاء بما يشاؤون بحرية، تراهم يطالبون بالحرية بوقاحة!
 
إن ما يبتغيه هؤلاء حقيقة هو فتح المجال للنفوذ الأمريكي وتسليم مقدرات البلد بيد الأعداء، بيد أن الخصم الذي يواجه هؤلاء هو الشعب الرشيد الواعي. فشعبنا سيجعل من عودة عهد العبودية لأمريكا مجرد حسرة في قلوب أولئك، وسيدافع بما يملك عن إنجازه الكبير المتمثل بالنظام الإسلامي وحاكمية 
إرادة الإنسان وإيمانه.
 
لا يريد النظام الإسلامي أن يتعلم الحرية أبداً من أدعيائها الكذبة في الأنظمة الغربية، خاصة وأن راية الحرية هو الإسلام والقرآن.
 
إننا نرفض بصراحة وحزم وحرية الفساد والتحلل والفحشاء والكذب والاحتيال والظلم والاستغلال والاعتداء على حقوق الشعوب؛ فهذه الحرية التي مارسها الغرب ويرفع لواءها.
 
إننا نرفض الحرية التي تبيح للمرتد سلمان رشدي إهانة مقدسات
 
 
 
 
 
 
115

103

القسم الثالث: وسائل وأدوات العدو في الغزو الثقافي المضاد للثورة الإسلامية

 مليار إنسان، في حين أنّها تمنع المسلمين الإنكليز حقهم في توجيه شكوى ضدّ هذه الإهانة.

 
إننا نرفض ونبدي استياءنا من الحرية التي تبيح لأمريكا أن تحرك الغوغاء والأوباش ضدَّ حكومة شعبية بيد أنها ترفض حتى هذه الحكومة في مواجهة هؤلاء.
 
إننا نرفض وندين الحرية التي تبيح للرأسماليين الإغارة على البلدان الضعيفة والسطو على مقدرات الشعوب ونهب ثرواتها، وتأخذ على هذه الشعوب حقها في المواجهة، نحن نرفض هذه الأنماط من الحرية ونستنكرها ونعدّها عاراً على البشرية.
 
إن الحرية في منطقنا هي ما يهبه الإسلام للشعوب؛ وهو يحوّلها إلى جبال من الثبات والصمود بوجه الظلمة والغاصبين، تماماً كما حصل لشعب إيران، حيث ظهرت هذه المعجزة.
 
إن الحرية في منطقنا هي ما يهبه الإسلام للشعوب؛ وهو يحوّلها إلى جبال من الثبات والصمود بوجه الظلمة والغاصبين، تماماً كما حصل لشعب إيران، حيث ظهرت هذه المعجزة.
 
هذه هي الحرية الموجودة والتي ستبقى دائماً في بلدنا، وعلى جميع أفراد الشعب حمايتها والحفاظ عليها 1.
هناك حرية للمطبوعات في بلدنا، ونحن نهتم بالحرية ونعدها شأناً كريماً عزيزاً. وبذلك ينبغي أن توجد مثل هذه الحرية. ولكن حرية المطبوعات لا تعني تنفيذ سياسات العدو، كما هو شأن بعض المطبوعات 2.
 
 
 
 

1- كلمة قائد الثورة في الذكرى السنوية الأولى لوفاة الإمام الخميني. 10/3/1369. 
2- حديث قائد الثورة في لقاء وزير ومعاوني وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، 4/9/1371. 
 
 
 
 
 
 
116

104

القسم الثالث: وسائل وأدوات العدو في الغزو الثقافي المضاد للثورة الإسلامية

 أتوجه إليكم بهذا السؤال: إذا أبدى مدير مدرسة معنية إحساساً بالمسؤولية وخشي عاقبة فساد 500 أو 600 أو 1000 شاب يافع من الطلاب الذين أوكلت إليه مسؤوليتهم، فقام بمعاقبة صبي شيء تحوّل إلى آلة بيد الأعداء وهو يوزّع مادة "الهيروئين" داخل المدرسة وبين الطلاب، فماذا نقول لهذا المدير؟ هل نقول له إنَّ أسلوبك في معاقبة الصبي المخطئ يتعارض مع الحرية؟ هل مثل هذا الكلام صحيح؟ سيرد مدير المدرسة بأنه مسؤول عن مصير 1000 فتىً يافع تحمّل مهمة تربيتهم وهو لا يريد أن يعودوا إلى آبائهم وهم مدمنون على تناول مادة "الهيروئين". 

 
هل من الصحيح أن نقول لمثل هذا المدر: كلا، لم يكن تدبيرك صائباً، دعهم ينتخبون ما يريدون. نحن نوزّع "الهيروئين" والذي لا يرغب بها بمقدوره أن لا يتناولها.. إن مسؤوليتك تنحصر في حدود الحديث عن مضار "الهيروئين" وحسب!
 
أليسَ هذا النمط من التعامل هو جزء من الغزو الثقافي؟ 1.
 
 
 

1- حديث قائد الثورة إلى العاملين في وسائل الاتصال الجمعي ومسؤولي دوائر التربية، 21/5/1371.
 
 
 
 
 
 
117

105

الفهرس

 

الفهرس

القسم الأول: نبذة عن تاريخ الغزو الثقافي في إيران

5

الغزو الثقافي في العهد البهلوي البائد وقبله

7

تأسيس الجامعات بهدف نبذ الدين وإعداد العناصر التابعة

26

القسم الثاني: علل وجذور الغزو الثقافي المناهض للثورة الإسلامية

33

إحياء الإسلام الثوري في إيران والعالم

35

الثورة الإسلامية بداية عصر الدّين والمعنى وعصر الإمام الخميني

66

الجمهورية الإسلامية هي أم القرى ومركز الحركة العالمية للإسلام

81

القسم الثالث: وسائل وأدوات العدو في الغزو الثقافي المضاد للثورة الإسلامية

97

إشاعة الثقافة الخاطئة والفساد والفحشاء بين الشباب

99

تضعيف العلماء من خلال الدعاية

105

إهمال التيار الثوري في الأدب والفن والثقافة

109

إتهام النظام الإسلامي بسلب الحرية

113

 

 

 

 

118

 


106
الثورة الإسلامية والغزو الثقافي