في رحاب تربية الأبناء


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2014-12

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدمة

 المقدمة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله الطاهرين وأنبياء الله أجمعين، مربّي البشرية وهاديهم إلى النور المبين.

إنّ تربية الأطفال مسألة مهمّة، فالأطفال شباب المستقبل، وعلى عاتقهم يُلقى إدارة الأمّة.
فإن تربّوا على نهج سليم كسبتهم الأمّة في شبابهم، وإلّا ورثنا شباباً فاسداً خانعاً لا إرادة له ولا قيم.

فالأطفال كالبذرة إن اعتنينا بها من البداية أثمرت شجرة طيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وإلّا كانت شجرة خبيثة اجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرار.

فعلى الآباء أن يتحمّلوا مسؤوليّتهم في تربية أطفالهم تربية إسلامية سليمة، حتّى لا يخسروهم في الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى: ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ1.

9


1

المقدمة

 وقد حفل الدِّين الإسلامي العظيم بالكثير من النصوص الّتي اهتمّت بهذه المسألة الأساسيّة في صناعة الإنسان السليم.

ولكي لا يكون مصيرنا كمصير من قال الله تعالى في حقّه: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا2.
كان هذا الكتاب يتحدّث عن تربية الأبناء بمراحلها المتعدِّدة ووسائلها المتنوّعة كما أرشدنا إليها الإسلام العزيز.
نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لتربية أبنائنا إلى ما فيه خيرهم وخير الأمة جمعاء.


10


2

الدرس الأول: مرحلة ما قبل التربية

 الدرس الأوّل:مرحلة ما قبل التربية

أهداف الدرس

أن يتعرّف الطالب إلى أهميّة الولد الصالح وأثره في الدنيا والآخرة.
أن يتعرّف إلى صفات الزوجة الحسنة.
أن يتعرّف إلى الآداب الخاصّة قبل الحمل وأثنائه.

 

11 


3

الدرس الأول: مرحلة ما قبل التربية

 أهمّيّة الولد الصالح

 إنّ الحاجة للولد هي حاجة فطرية لكلّ أب وأمّ، فالولد نعمة من الله تعالى. وكم من آباء وأمّهات محرومون من هذه النعمة. وعندما يمنّ الله تعالى عليهم بالولد تملأ الفرحة كلّ جوانب حياتهم، فكيف إذا كان الولد صالحاً مؤمناً يحمل اسم أهله ويحمل الدعوات الصالحة لهم من خلال أخلاقه ودينه، ولذا ورد في الرواية عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه واله: "من سعادة الرجل الولد الصالح"1. فالولد الصالح الّذي يمثّل تطلّعات والديه ريحانة حقيقية، وعلى عكسه الولد غير الصالح الّذي قد يشكّل لوالديه مأساة كبيرة ويعرّضهما للمهانة في الدنيا والسؤال في الآخرة، فعن أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه قال: "ولد السوء يهدم الشرف ويشين السلف"2.
 
وهناك العديد من الروايات الّتي تتحدّث عن أهميّة الولد الصالح في كلا الدارين، الدنيا والآخرة.
 
 
أثر الولد الصالح في الدنيا
 
إنّ الولد بالإضافة إلى كونه قرّة عين للوالدين كما عبّرت الآية الكريمة ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا


1 -بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 101، ص 98.

 2- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 15، ص 215.

13


4

الدرس الأول: مرحلة ما قبل التربية

 لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا3، له كذلك آثار أخرى في الدنيا إن كان من الصالحين حيث إنّه يكون عوناً لوالديه على متاعب الحياة ومكاره الدهر ولا سيّما عند بلوغ الأهل الكبر، وإصابتهم بالعجز عن العمل، ففي الرواية عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "إنّ من سعادة المرء أن يكون متجره في بلاده، ويكون خلطاؤه صالحين، ويكون له وُلْد يستعين بهم"4.

أثر الولد الصالح في الآخرة
إنّ الولد الصالح الّذي
ينشأ على التعاليم الإسلاميّة، يجرُّ الحسنات إلى أهله بعد موتهما من خلال أعماله الخيِّرة ودعائه لهما، فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلّا ثلاث خصال: صدقة أجراها في حياته فهي تجري بعد موته، وسنّة هدى سنّها فهي يُعمل بها بعد موته أو ولد صالح يدعو له"5.
وكما أنّ من سنَّ سنَّة حسنةً كان له أجرها، فللأهل الذين علَّموا أولادهم التعاليم الإسلاميّة، وحلّوهم بمحاسن الأخلاق وكريم الفعال، الأجر من خلال عمل أولادهم بهذه التعاليم. وقد ورد في رواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "مرّ عيسى ابن مريم عليه السلام بقبر يُعذّب صاحبه ثمّ مرّ به من قابل فإذا هو لا يُعذّب، فقال: يا ربّ مررت بهذا القبر عام أوّل فكان يُعذّب، ومررت به العام فإذا هو ليس يُعذّب. فأوحى الله إليه أنّه أدرك له ولد صالح فأصلح طريقاً وآوى يتيماً فلهذا غفرت له بما فعل ابنه، ثمّ قال رسول الله صلى الله عليه واله: ميراث الله عزّ وجلّ من عبده المؤمن ولد يعبده من بعده"6.


3- الفرقان: 74.

 4- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 17، ص 243، ط مؤسسة آل البيت.

 5- الكافي، الشيخ الكليني، ج 7، ص 56.

 6- م. ن، ج6، ص 3.

 14


5

الدرس الأول: مرحلة ما قبل التربية

 مرحلة ما قبل التربية

إنّ تربية الولد لا تقتصر على معرفة الأسلوب المناسب للتعاطي معه، وعلى إدراك الميول الخاصّة به لمراعاتها، بل إنّ مسألة التربية في الإسلام تبدأ من مرحلة ما قبل الزواج، لتمرّ بمرحلة اختيار الزوجة، إلى الظروف الخاصّة الّتي ينبغي فيها أن تنعقد النطفة، ثمّ بمرحلة الحمل وما بعد الولادة، ثمّ تبدأ بعد هذا التربية الفعليّة.

وسيكون الحديث في الفصل الأوّل عن الأمور الّتي لا بدّ من أن تُلاحَظ قبل الولادة من مرحلة اختيار الزوجة، مروراً بفترة الحمل إلى الولادة.

1- اختيار الزوجة
إنّ للأمّ دوراً كبيراً في تكوين شخصيّة الولد، إذ إنّ الوراثة لها دور كبير في نقل الصفات والخصال على حسنها أو قبحها، ومن هنا تنبع أهميّة أن يكون الزوج حريصاً على حسن الاختيار من بين النساء ليختار الوعاء النظيف الّذي يضع فيه نطفته الّتي ستصبح فيما بعد فرداً له دور ومكانة مهمّة في مجتمعه. ولأنّ مسألة العثور على الزوجة المناسبة فيه شي‏ء من المسؤولية، نبّه الإسلام إلى ضرورة اللجوء إلى الله تعالى لطلب العون والمساعدة منه للتوفيق لحسن الاختيار، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا همّ بذلك فليصلّ ركعتين ويحمد الله تعالى ويقول:اللهمّ إنّي أُريد أن أتزوّج فقدِّر لي من النساء أعفّهنّ فرجاً، وأحفظهنّ لي في نفسها وفي مالي، وأوسعهنّ رزقاً، وأعظمهنّ بركةً، وقدّر لي منها ولداً طيّباً تجعله خلفاً صالحاً في حياتي وبعد موتي"7.

كما أنّ الإسلام العظيم ساعد الإنسان في تحديد الصفات الأساس الّتي ينبغي


7- مستند الشيعة، المحقّق النراقي، ج 16، ص 15.

15


6

الدرس الأول: مرحلة ما قبل التربية

 أن تكون في الزوجة، وأهمّها صفة التديّن، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه واله: "من تزوّج امرأة لا يتزوّجها إلّا لجمالها لم يرَ فيها ما يحبّ، ومن تزوّجها لمالها لا يتزوّجها إلّا له وكله الله إليه، فعليكم بذات الدِّين"8.


لا تتزوّج من:
وحذّر من أنواع معيّنة من النساء حرصاً منه على سلامة الوعاء من الأمور الّتي قد تؤثّر سلباً على المولود، وممّن حذّرت منهنّ الروايات:

أ- الحسناء السيّئة المنبت
فعن الإمام الصادق: قام النبيّ صلى الله عليه واله خطيباً فقال: "أيّها الناس إيّاكم وخضراء الدمن، قيل: يا رسول الله وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء"9 10.

ب- الحمقاء
فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "إيّاكم وتزوّج الحمقاء فإنَّ صحبتها ضياع وولدها ضياع"11، لأنّ الحمقاء بالإضافة إلى عدم حفظها لزوجها، لن تكون قادرة على حفظ أولادها وتربيتهم بالشكل الصحيح. ولحرص الإسلام على تنقية الأجواء الّتي سينشأ فيها الولد من كلّ شائبة، دعانا لتتبّع حال أخوة الزوجة، أي أخوال الولد، لأنّ صفات الخال يمكن أن تنتقل أيضاً إلى الولد، وهذا ما أكّدت عليه بعض الروايات، فعن رسول الله صلى الله عليه واله: "اختاروا لنُطفكم فإنّ الخال أحد الضجيعين"12.


8- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 100، ص 235.

 9- قال الصدوق: قال أبو عبيدة: نراه أراد فساد النسب إذا خيف أن تكون لغير رشده، وإنّما جعلها خضراء الدمن تشبيهاً بالشجرة

 الناضرة في دمنة البقرة وأصل الدمن ما تدمنه الإبل والغنم من أبعارها وأبوابها، فربما ينبت فيها النبات الحسن، وأصله في دمنة يقول:

 فمنظرها حسن أنيق ومنبتها فاسد، قال الشاعر:

 وقد ينبت المرعى على دمن الثرى وتبقى حزازات النفوس كما هيا

 ضربه مثلاً للرجل الّذي يظهر المودّة وفي قلبه العداوة (بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 100، ص 232).

 10- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 100، ص 236.

 11- م. ن، ص 237.

 12- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 100، ص 236.

 16


7

الدرس الأول: مرحلة ما قبل التربية

 2- الآداب الخاصّة قبل حصول الحمل


أ- الأكل المناسب للأب
إنّ لنوعية الطعام الّذي تنعقد منه نطفة الطفل أثراً عليه. وقد أشارت بعض الروايات إلى هذا المعنى، منها ما في الرواية أنّ حمل خديجة عليها السلام بالزهراء عليها السلام كان بعد أن أتى جبرائيل بطعام من الجنّة للرسول الأكرم صلى الله عليه واله، فقال له جبرائيل: "يا محمّد يأمرك ربّك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام"13.

ومن هنا أشارت بعض الروايات إلى طعام خاصّ بالأب، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "من أكل سفرجلة على الريق طاب ماؤه وحسن ولده"14.

وفي رواية أخرى نظر الإمام الصادق عليه السلام إلى غلام جميل فقال: "ينبغي أن يكون أبو هذا الغلام أكل السفرجل. وقال عليه السلام: السفرجل يحسّن الوجه، ويجمّ 15 الفؤاد"16.

ب- الوقت المناسب لحصول الحمل‏
أشارت بعض الروايات إلى أوقات يُكره فيها الجماع، ففي الرواية المرويّة عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام، أنّه سُئل: "هل يُكره الجماع في وقت من الأوقات؟ فقال عليه السلام: نعم، من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ومن غياب الشمس إلى غياب الشفق، وفي الليلة الّتي ينكسف فيها القمر، وفي اليوم الّذي تنكسف فيه الشمس، وفي اليوم والليلة اللذين تُزلزل فيهما الأرض، وعند الريح الصفراء، أو السوداء، أو الحمراء، ولقد بات رسول الله صلى الله عليه واله عند بعض نسائه في الليلة الّتي انكسف فيها القمر فلم يكن منه إليها شي‏ء، فلمّا


 13- م. ن، ج 16، ص 79.

 14- مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي، ج 5، ص 62.

 15- أي يجمعه ويكمل صلاحه ونشاطه.

 16- مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي، ج 5، ص 62.

 17


8

الدرس الأول: مرحلة ما قبل التربية

 أصبح خرج إلى مصلّاه، فقالت: يا رسول الله، ما هذا الجفاء الّذي كان منك في هذه الليلة؟ قال صلى الله عليه واله: ما كان جفاء، ولكن كانت هذه الآية، فكرهت أن ألذّ فيها، فأكون ممّن عنى الله في كتابه بقوله: ﴿وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاء سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُوم17، ثمّ قال محمّد بن عليّ عليه السلام: والّذي بعث محمّداً بالنبوّة، واختصّه بالرسالة، واصطفاه بالكرامة، لا يجامع أحد منكم في وقت من هذه الأوقات، فيرزق ذريّة فيرى فيها قرّة عين"18.


3- الأكل الخاصّ في فترة الحمل
الأكل المناسب للأمّ
هناك عدّة أصناف من الأكل الخاصّ بالأمّ أشارت إليها الروايات الشريفة وهي:
أ- البطيخ: فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "ما من امرأة حاملة أكلت البطّيخ، لا يكون مولودها إلّا حسن الوجه والخلق"19.
ب- الألبان: فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "اسقوا نساءكم الحوامل الألبان، فإنّها تزيد في عقل الصبيّ"20.
ج- اللّبان: واللّبان مادّة تؤخذ من بعض الأشجار وتُمضغ كالعلك في الفم وطعمها كريح الصنوبر، ولها العديد من الفوائد، وقد ورد في الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "أطعموا نساءكم الحوامل اللّبان، فإنّه يزيد في عقل الصبيّ"21.


17- الطور: 44.

 18- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 14، ص 223.

 19- م. ن، ج 15، ص 214.

 20- بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 95، ص 294.

 21- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص 194.

18


9

الدرس الثاني: الأيام السبعة الأولى ومرحلة الرضاعة

 الدرس الثاني:الأيّام السبعة الأولى‏ ومرحلة الرضاعة

أهداف الدرس
 
أن يتعرّف الطالب إلى الآداب الخاصّة بالمولود في الأيّام السبعة الأولى.
 •
أن يتعرّف إلى أجر المرضعة وآداب الرضاعة.

19


10

الدرس الثاني: الأيام السبعة الأولى ومرحلة الرضاعة

 الأيّام السبعة الأولى

بعد أن تضع الأمّ وليدها، هناك العديد من الآداب الّتي اهتمّ الإسلام بها، ولا سيّما في الأيّام السبعة الأولى، وسنشير إلى أهمّ هذه الأمور:

1-الأذان والإقامة
من الأهمّيّة بمكان أن تكون الكلمات الّتي تطرق سمع الولد للمرّة الأولى ذكر الله تعالى، ولهذا كان من المستحبّات المشهورة والسنن المأثورة الأذان في أذن الوليد اليمنى والإقامة في اليسرى، ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام: أنّ رسول الله صلى الله عليه واله، قال: "من ولد له مولود فليؤذّن في أذنه اليمنى، ويقيم في اليسرى، فإنّ ذلك عصمة من الشيطان، وإنّه أي رسول الله صلى الله عليه واله أمر أن يُفعل ذلك بالحسن والحسين، وأن يُقرأ مع الأذان في أذنهما فاتحة الكتاب وآية الكرسي وآخر سورة الحشر وسورة الإخلاص والمعوذتان"1.

2- العقيقة
والعقيقة أن يذبح الأب عن المولود كبشاً، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه واله، أنّه ذكر العقيقة والمولود، فقال صلى الله عليه واله: "إذا كان يوم سابعه فاذبح عنه كبشاً"2.


1- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 15، ص 137.

2- م. ن، ج 15، ص 140.

21


11

الدرس الثاني: الأيام السبعة الأولى ومرحلة الرضاعة

 ويستحبّ أن يكون الحيوان المذبوح ذكراً عن الذكر وأنثى عن الأنثى، فعن الإمام الرضا عليه السلام: "وإذا أردت أن تعقّ عنه، فليكن عن الذكر ذكراً، وعن الأنثى أنثى"3.


3- اختيار اسم ملائم‏
إنّ تسمية الولد بالاسم الحسن هي من حقوقه على أبيه، ففي الرواية أنّ رجلاً جاء إلى النبيّ صلى الله عليه واله فقال: يا رسول الله ما حقّ ابني هذا؟ قال صلى الله عليه واله: "تحسن اسمه، وأدّبه موضعاً حسناً"4. لذلك ينبغي الابتعاد عن الأسماء الّتي تُسي‏ء إلى حاملها إمّا من غرابتها أو من خلال دلالاتها غير السليمة.

ومن هنا شجّعت الروايات على بعض الأسماء المحبّبة إلى الله ورسوله، كما نبّهت إلى أسماء غير مستحبّة. فمن الأسماء الّتي حثّت الروايات على التسمية بها:
أ- أسماء العبودية
والمقصود من أسماء العبودية الأسماء الّتي تبدأ بعبد، كعبد الله وعبد الرحمن، وعبد الرحيم وغيرها، ففي الرواية عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: "أصدق الأسماء ما سُمّي بالعبودية"5.

ب- أسماء الأنبياء عليهم السلام
ففي آخر الرواية السابقة يقول الإمام عليه السلام: "وأسماء الأنبياء"، فهي من أصدق الأسماء أيضاً.

ج- اسم الرسول الأكرم صلى الله عليه واله
فاسم الرسول الأكرم محمّد صلى الله عليه واله من أفضل الأسماء، كيف لا وهو أشرف


3- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 15، ص 142.

4- الكافي، الشيخ الكليني، ج 6، ص 48.

5- م. ن، ج 6، ص 18.

22


12

الدرس الثاني: الأيام السبعة الأولى ومرحلة الرضاعة

 المخلوقات وأعظم الكائنات وسيّدهم. وقد ورد في الرواية الشريفة عن أبي عبد الله عليه السلام أنّ النبيّ قال: "من ولد له أربعة أولاد لم يسمّ أحدهم باسمي فقد جفاني"6.


د- اسم أمير المؤمنين عليه السلام
كما أنّ اسم الإمام عليّ عليه السلام من الأسماء الّتي ركّز عليها أهل البيت عليهم السلام. ويروى أنّه حينما سأل مروان بن الحكم الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام: ما اسم أخيك، فقال له الإمام عليه السلام: عليّ، قال: عليّ وعليّ؟! ما يريد أبوك أن يدع أحداً من ولده إلّا سمّاه عليّاً؟! وعندما رجع الإمام السجّاد إلى أبيه الإمام الحسين عليه السلام فأخبره بما جرى، قال له: "لو ولد لي مائة لأحببت أن لا أسمّي أحداً منهم إلّا عليّاً"7.

هـ- أسماء الأئمّة عليهم السلام
فقد جاء رجل من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام فقال له جعلت فداك، إنّا نُسمّي بأسمائكم وأسماء آبائكم، فينفعنا ذلك؟ فقال عليه السلام : "إي والله، وهل الدِّين إلّا الحبّ والبغض! قال الله: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ"8-9.

و- اسم فاطمة عليها السلام
ففي الرواية أنّ‏ الإمام الصادق عليه السلام سأل أحد أصحابه عن مولودة ولدت له: ما سمّيتها؟ قال: فاطمة، قال آه آه... ثمّ قال له: "أمّا إذا سمّيتها فاطمة فلا تسبّها ولا تلعنها ولا تضربها"10.


6- الكافي، الشيخ الكليني، ج 6، ص 19.

7- م. ن، ج 6، ص 19.

8- آل عمران: 31.

9- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 15، ص 128.

10- الكافي، الشيخ الكليني، ج 6، ص 49.

23


13

الدرس الثاني: الأيام السبعة الأولى ومرحلة الرضاعة

 4- الكنية

 إنّ من الآداب والسنن المأثورة أن يُكنّى الولد بكنية محبّبة. وهكذا كانت سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وأهل البيت عليهم السلام ، فقد ورد في الحديث عن الإمام الرضا عليه السلام: "سمّه بأحسن الأسماء، وكنّه بأحسن الكنى"11.
 
 
5- حلق شعر الولد
 
وحلق شعر الرأس مستحبّ للولد الذكر بعد الولادة بسبعة أيّام، وهو سُنّة سنّها الرسول الأكرم صلى الله عليه واله، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث عن أمّ أيمن أنّها قالت: "فلمّا ولدت فاطمةُ الحسينَ عليه السلام، فكان يوم السابع، أمر رسول الله صلى الله عليه واله فحلق رأسه وتصدّق بوزن شعره فضّة، وعقّ عنه، ثمّ هيّأته أمّ أيمن ولفّته في برد رسول الله صلى الله عليه واله ..."12.
 
 
6- الختان
 
‏إنّ من السنن الأكيدة الّتي أكّد عليها الإسلام، سنّة الختان، ففي الحديث عن الإمام عليّ عليه السلام، أنّه قال: "أسرعوا بختان أولادكم، فإنّه أطهر لهم"13.
 
 
مرحلة الرضاعة
 
إنّ الرضاعة هي الغذاء الأوّل للطفل المولود حديثاً، ولها أهميّة كبيرة في نموِّ الولد وتقوية مناعته من الأمراض البدنيّة، كما أنّها الغذاء الأكمل له، ولا يمكن لأيّ حليب آخر غير حليب الأم أو المرضعة أن يشكّل بديلاً عنه.
 
 
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "ما من لبن


11- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 15، ص 127.

12- م. ن، ج 15، ص 143.

13- م. ن، ج 15، ص 150.

24


14

الدرس الثاني: الأيام السبعة الأولى ومرحلة الرضاعة

 رضع به الصبيّ أعظم بركة عليه من لبن أمّه"14.


إلّا أنّ للرضاعة جهة أخرى غير الجهة الّتي تحدّثنا عنها، فالحليب الّذي يرضعه الوليد له دور كبير في نقل الصفات من الطرف المرضع إلى الطفل. وقد ورد في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: "تخيّروا للرضاع كما تتخيّرون للنكاح فإنّ الرضاع يُغيّر الطباع"15.

ولتعلم الأمّ الّتي ترضع أولادها أنّ لها أجراً مدخوراً عند الله تعالى، ففي الرواية أنَّ أمَّ سلمة قالت: يا رسول الله ذهب الرجال بكلِّ خير فأيُّ شي‏ءٍ للنساءِ؟ فقال صلى الله عليه واله: "بلى إذا حَمَلت المرأة كانت بمنزلة الصائم القائم المجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، فإذا وضعتْ كانَ لها من الأجر ما لا يدري أحدٌ ما هو لعظمه، فإذا أرضعت كان لها بكلّ مصَّة كعدلِ عتقِ محرّر من ولد إسماعيل، فإذا فرغتْ من رضاعِهِ ضربَ ملك كريم على جنبها وقال: استأنفي العمل فقد غفر لك"16.

من لا ينبغي أن ترضع الأولاد
قلنا إنّ الأفضل للولد أن ترضعه أمّه، لكن لو فرض أنّ غيرها سترضعه فعلى الأهل أن يتجنّبوا من المرضعات صاحبة إحدى الصفات التالية:

1-الحمقاء
ففي الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه واله: إيّاكم أن تسترضعوا الحمقاء، فإنّ اللّبن يُنشئه عليه"17.


14- وسائل الشيعة، م. س، ج21، ص 453.

15- م. ن، ص 468.

16- وسائل الشيعة، م. س، ج 12، ص 451.

17- مستدرك الوسائل، م. س، ج 15، ص 162.

25


15

الدرس الثاني: الأيام السبعة الأولى ومرحلة الرضاعة

 2- الزانية وابنة الزنا

ففي الرواية أنّ الإمام الكاظم عليه السلام سأله أخوه عليّ بن جعفر عن امرأة وَلَدَتْ من الزنا هل يصلح أن يسترضع بلبنها؟ فأجاب: "لا يصلح، ولا لبن ابنتها الّتي وُلِدَتْ من الزنا"18.

3- المجنونة
وللسبب نفسه فإنّ اللبن ينقل الآفّات الخلقية، ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "توقّوا على أولادكم من لبن البغيّة والمجنونة، فإنّ اللبن يُعدي"19.

فهذه إطلالة إجمالية على المستحبّات الّتي ينبغي مراعاتها بعد ولادة الولد وقبل بدء التربية الفعلية والعملية، والّتي سنتحدّث عنها في الفصل الآتي إن شاء الله تعالى.


18- الكافي، م. س، ج6، ص 44.

19- مكارم الأخلاق، الطبرسي، ص 223.

26


16

الدرس الثالث: مؤثرات في التربية

 الدرس الثالث:مؤثّرات في التربية

أهداف الدرس
 
أن يتعرّف الطالب إلى بعض العوامل المؤثّرة في تربية الطفل.

27


17

الدرس الثالث: مؤثرات في التربية

 بعض العوامل المؤثّرة في التربية

هناك ثلاث مسائل يمكن لها أن تلعب دوراً كبيراً في تكوين وتركيب شخصيّة الطفل. إلّا أنّ تأثير هذه المسائل الثلاث، لا يعني أبداً أنّه يخرج عن كونه مختاراً. فلو فرضنا أنّ ولداً تأثّر بجوّ معيّن وانحرف عن جادّة الصواب، فإنّ ذلك لا يعني أنّه مجبر على سلوك درب الانحراف، بل إنّ الظروف المحيطة به ساعدته على الوقوع بسوء الاختيار والانحراف.

ولأجل أهميّة هذه الظروف الثلاث، ينبغي للأهل أن يلتفتوا إليها، لأنّ الأهل بالدرجة الأولى هم مسؤولون عن مراقبة وصيانة الظروف المحيطة بأولادهم وعن تربيتهم والإشراف عليهم. وأمّا الظروف الثلاث فهي:

1-الأبوان‏
إنّ الأبوين في عيني الولد هما الأنموذج الكامل، وأوّل قدوة يحاول أن يقلّدها، ولذا فإنّ الطفل ينظر إلى أفعالهما على أنّها الأعمال الصحيحة، فلا يعتبر أنّ ما يقومان به هو أمر خاطئ بل إنّ معيار الصواب لديه هو نفس عمل الأبوين، ولذا فإنّ الأهل تقع عليهم المسؤوليّة تجاه الولد من عدّة جهات:

29


18

الدرس الثالث: مؤثرات في التربية

 أ- اتّفاقهما واختلافهما

فإنّ الولد حينما يفتح بصره على الحياة في ظروف مليئة بالتشنّج والتوتّر بين أبويه، ولا سيّما حينما يتعاركان أمام عينيه، هذا السلوك الخاطئ من الأهل، يجعل نفسيّة الولد مضطّربة ومتوتّرة على الدوام.

ب- عدم التجاهر بالعادات القبيحة
لأنّ الولد سيحمل معه هذه العادات لكونه يعتبرها من الكمالات لا من السيّئات، ولو تعوّد على فعلها منذ الصغر اقتداءً بذويه فإنّه وإن علم بقبحها في مرحلة وعيه، فإنّ من الصعب اقتلاعها حينئذٍ، ويتحمّل الأهل مسؤوليّة ذلك، ولا سيّما إذا كانت العادات هذه من المحرّمات الشرعية بناءً على قاعدة الحديث الشريف المرويّ عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "... إيّاك أن تسنَّ سنَّة بدعةٍ فإنَّ العبد إذا سنّ سنَّةً سيّئةً، لحقه وزرها ووزر من عمل بها"1.

2-المدرسة
المدرسة هي البيئة الثانية الّتي يأخذ منها الطفل علومه الأولى، ولذا فإنّ اختيار الأهل للمدرسة الملائمة للطفل له الدور الكبير في الحفاظ على سلامته الدينيّة بحيث يتربّى على المبادئ الصالحة الّتي يرغب الأبوان في أن يحملها ولدهما عند كبره، فإنّ المدرسة الجيّدة الّتي تربّي الأولاد على مبادئ الإسلام، هي الموضع الصالح الّذي أشارت إليه الروايات؛ ففي وصيّة النبيّ صلى الله عليه واله لعليّ عليه السلام قال: "يا عليّ حقّ الولد على والده أن يحسن اسمه وأدبه ويضعه موضعاً صالحاً"2.


1- بحار الأنوار، م. س، ج 74، ص 104.

2- وسائل الشيعة، م. س، ج 15، ص 123.

30


19

الدرس الثالث: مؤثرات في التربية

 3- الأصدقاء

على الأهل أن يلتفتوا جيّداً إلى خطورة الأصدقاء، وإلى كيفيّة اختيار الطفل لهم، فإنّ الصديق يوثّر على الصديق، ولذا أكّدت الروايات على اتّخاذ الصديق الحسن، ففي الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام: "ليس شي‏ء أدعى لخيرٍ، وأنجى من شرٍّ، من صحبة الأخيار"3. كما أنّ الصديق السيّئ يُفسد الجيّد كما تُفسد الفاكهة الفاسدة الفاكهة الجيّدة، ومن هنا كان التحذير في الروايات من صحبة الأشرار، ففي الحديث عن الإمام عليٍّ عليه السلام: "صحبةُ الأشرار تُكسِبُ الشرَّ، كالريح إذا مرَّتْ بالنَتن حملت نتناً"4.


3- عيون الحكم والمواعظ، الواسطي، ص 411.

4- م. ن، ص 304.

31


20

الدرس الرابع: المراحل العمرية الثلاث

 الدرس الرابع:المراحل العمرية الثلاث‏

أهداف الدرس

أن يتعرّف الطالب إلى المرحلة العمرية الأولى للطفل وأبرز سماتها وآدابها.

 33


21

الدرس الرابع: المراحل العمرية الثلاث

 ورد في الحديث الشريف عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "الولد سيّد سبع سنين وعبد سبع سنين ووزير سبع سنين فإن رضيت خلائقه لإحدى وعشرين، وإلّا فضرب على جنبه فقد أعذرت إلى الله تعالى"1.


قسَّم الحديثُ الشريف المراحل التربويَّة للطفل إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: وهي مرحلة الطفولة، ومرحلة اللهو واللعب عند الطفل، ولذلك وصفه الرسول الأكرم صلى الله عليه واله بالسيّد، لأنّ الولد لا يُلام في هذا العمر على كثير من التصرّفات لمحدوديّة قدراته الفكريّة وانصرافه في هذه المرحلة إلى كماله الخاصّ به وهو اللعب واللهو.

المرحلة الثانية: وهي مرحلة ينبغي أن تكون مرحلة التربية المباشرة والتأديب بأسس الأخلاق والخصال الحميدة، ولذلك عبّرت عنه الرواية بالعبد أي يتلقّى الأوامر وتُراقَب تصرّفاته.

المرحلة الثالثة: وهي مرحلة الشباب والمراهقة فيلازم أباه فيها كملازمة الوزير للملك فيكتسب من خبرات أبيه في الحياة ويتعلّم أساليب العمل والعيش.


1- بحار الأنوار، م. س، ج 101، ص 95.

 35


22

الدرس الرابع: المراحل العمرية الثلاث

 وسنتحدّث عن هذه المراحل بشي‏ء من التفصيل مستعينين بما ورد في الشرع الأقدس من إرشادات عامّة أو خاصّة بهذه المراحل.


المرحلة الأولى 1-7 سنوات
إنّ طبيعة الطفل في السنوات السبع الأولى من عمره، طبيعة بريئة ولطيفة، كما أنّ المستوى العقليّ لدى الولد ولا سيّما في السنوات الثلاث الأولى من عمره، محدود للغاية، ومن هنا أرشدتنا الروايات إلى عدّة أمور ينبغي مراعاتها في هذا العمر وفي هذه المرحلة الأولى، ومن هذه الأمور:

1-التغذية العاطفيَّة
والمقصود بها هنا المحبّة وإظهارها للطفل، فهي الغذاء الروحيّ الأوّل لشخصيّته. وإعطاء العاطفة للطفل يتمّ من خلال أمور:

أ- التعبير الكلاميّ
والتعبير الكلاميّ أسلوب ندبت إليه الروايات، كما أنّ ذلك كان من فعل الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وأهل البيت عليهم السلام ، فهذا الرسول صلى الله عليه واله يقول عن الحسن والحسين: "اللهمّ إنّي أُحبّهما فأحبّهما وأحبّ من يُحبّهما"2.

ومن كلام أمير المؤمنين عليه السلام يخاطب به ولده الحسن عليه السلام بكلمات بليغة يفيض منها الصدق وتعبق بحنان الأبوّة الجارف، يقول له: "... ووجدتك بعضي بل وجدتك كلّي حتّى كأنّ شيئاً لو أصابك أصابني، وكأنّ الموت لو أتاك أتاني"3.

وليعلم الأب والأمّ الكريمان أنّ محبّة الأطفال - زيادة عن كونها غريزة إنسانيّة جعلها الله في كلّ إنسان - من الأمور الّتي يحبّها الله تعالى في عباده، بل جعلها


2- بحار الأنوار، م. س، ج 37، ص 74.

3- نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، ج 3، ص 38.

 36


23

الدرس الرابع: المراحل العمرية الثلاث

 من الأعمال ذات الفضل الكبير عنده، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: قال موسى: "يا ربّ أيُّ الأعمال أفضل عندك؟ قال: حبُّ الأطفال، فإنّي فطرتهم على توحيدي، فإنْ أمَتُّهُمْ أدخلتهم جنّتي برحمتي"4. وفي رواية أخرى أنّ الله تعالى يشفق على المحبّ لولده فينزل عليه الرحمة لأجل حبّه له، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنَّ الله عزّ وجلّ ليرحم العبد لشدّةِ حبِّه لولده"5.

 
 
ب- تقبيل الولد
 
من الأمور الّتي تشحن الولد بالعاطفة التقبيل، فقد كان الرسول الأكرم صلى الله عليه واله يقبّل الحسن والحسين ، فقال الأقرع بن حابس: إنّ لي عشرة من الولد ما قبّلت أحداً منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: "من لا يرحم لا يُرحم"6.
 
 
ولتقبيل الولد ثواب كبير عند الله تعالى؛ ففي الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام: "أكثروا من قبلة أولادكم فإنّ لكم بكلّ قبلة درجةً في الجنَّة مسيرةَ خمسمائةِ عامٍ"7.
 
 
وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قالَ رسولُ الله صلى الله عليه واله: "من قبَّل ولده كتب الله عزّ وجلّ له حسنة، ومن فرّحه فرَّحه الله يومَ القيامة..."8.
 
 
ج- التّصابي لهم
 
فعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه واله: "من كان عنده صبيّ فليتصابَ له"9.
 
 
والمقصود من التصابي أن لا يتوقّع الوالد من ولده سلوك الكبار، بل على


4- مستدرك سفينة البحار، الشيخ علي النمازي، ج 6، ص 551.

5- الكافي، م. س، ج6، ص 50.

6- وسائل الشيعة، م. س، ج 21، ص 485.

7- م. ن.

8- الكافي، م. س، ج 6، ص 49.

9- وسائل الشيعة، م. س، ج 21، ص 486.

37


24

الدرس الرابع: المراحل العمرية الثلاث

 العكس، فعلى الوالد أن يتواصل مع الصبيّ بأسلوبه وبحسب عمره، وقد ورد أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه واله كان يلاعب الحسن والحسين ويتصابى لهما، ففي الرواية عن جابر قال: "دخلت على النبيّ والحسن والحسين على ظهره وهو يجثو لهما ويقول: نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما"10.


2- الابتعاد عن أسلوب الضرب
‏إنّ الولد في صغره لا يعرف وسيلة للتعبير سوى البكاء، وعلى الأهل أن لا ينزعجوا من ولدهم لبكائه، بل عليهم البحث عن سببه وما يريد هذا الولد من بكائه.

فوظيفة الأهل في هذه الحالة أن يتحمّلوا هذا الأمر، وألّا يقدموا على ضرب الأطفال بسبب بكائهم، فعن رسول الله صلى الله عليه واله: "لا تضربوا أطفالكم على بكائهم فإنّ بكاءهم أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلا الله، وأربعة أشهر الصلاة على النبيّ وآله، وأربعة أشهر الدعاء لوالديه"11.

وقد يكون بكاء الولد لمرض أصابه، فعلى الأهل في هذه الحالة أن يستعينوا بالصبر على مرض الأولاد وبكائهم، وليتذكّروا الحديث المرويّ عن أمير المؤمنين عليه السلام في المرض يصيب الصبيّ فقال عليه السلام: "كفّارة لوالديه"12.

3- عدم العلاقة الخاصّة أمامه
‏من الأمور غير السليمة تربويّاً والخطرة على الطفل إقامة العلاقة الخاصّة بين الرجل والمرأة أمام مرأى الطفل الصغير. وقد نهى الكثير من الروايات عن هذا العمل، ومن تلك الروايات ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "قال


10- بحار الأنوار، م. س، ج 43، ص 285.

11- وسائل الشيعة، م. س، ج 21، ص 447.

12- الكافي، م. س، ج 6، ص 52.

38


25

الدرس الرابع: المراحل العمرية الثلاث

 رسول الله صلى الله عليه واله: والذي نفسي بيده لو أنّ رجلاً غشي امرأته وفي البيت صبيّ مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونفسهما، ما أفلحَ أبداً إذا كانَ غلاماً كانَ زانياً أو جاريةً كانتْ زانيةً"13.

 
4-عدم التمييز بين الأولاد
 
إنّ التمييز بين الأولاد هو أرضيّة خصبة للكثير من المشاكل النفسيّة الّتي ستشوّه نفس الطفل وتكبر معه لتتحوّل بعد ذلك إلى تهديد قد يوصله إلى المهالك.
 
 
فالتمييز قد يتسبّب في نشوب الغيرة والحسد، والأحقاد بين الأخوة، ولأجل ذلك كان ديدن أهل البيت عليهم السلام أن يعدلوا بين الأولاد، رغم التميّز الحقيقيّ الّذي يكون عند بعضهم، وقد ورد في الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام: "والله إنّي لأصانع بعض وِلْدِي وأجلسه على فخذي، وأكثر له المحبّة، وأكثر له الشكر، وإنّ الحقّ ‏أي الإمامة لغيره من ولدي، ولكن محافظة عليه منه ومن غيره، لئلّا يصنعوا به ما فُعل بيوسف وإخوته"14.
 
 
وفي أحسن الأحوال يتسبّب بالإحساس بالمظلوميّة وعدم الإنصاف، هذا التمييز الّذي قد يظهر من خلال مزايا إضافية كالمصروف أو الملبس أو المحبّة والعطف...
 
 
كيف يكون العدل بين الأولاد؟
 
لقد أكّدت الأحاديث الكثيرة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وأهل البيت عليهم السلام على العدل بين الأولاد، فعن رسول الله صلى الله عليه واله: " اتّقوا الله واعدلوا في أولادكم"15.


13- الكافي، م. س، ج 5، ص 500.

14- مستدرك الوسائل، م. س، ج 15، ص 172.

15- مستدرك سفينة البحار، م. س، ج7، ص 122.

39


26

الدرس الرابع: المراحل العمرية الثلاث

 وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه واله: "إنّ لهم عليك من الحقّ أن تعدل بينهم، كما إنّ لك عليهم من الحقّ أن يبرّوك"16.


ولكن كيف يكون العدل بين الأولاد؟
أشارت الروايات إلى العديد من الأمور، منها:

أ- في الهدايا
فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "اعدلوا بين أولادكم في النِحَل"17، والمقصود بالنِحَل العطايا والهبات، فليس من المناسب أن يُعطي الإنسان ولداً هديّة من دون أن يهدي ولده الآخر أيضاً، فإنّ هذا يُشعر الولد الآخر بقلّة الاهتمام به، وأنّه شخص غير محبوب في العائلة، وأنّ أخاه أفضل منه، وغير ذلك من المشاعر الّتي تولّد الغيرة والحسد، أو الشعور بالمظلومية.

ب- في التقبيل
فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "إنّ الله تعالى يُحبّ أن تعدلوا بين أولادكم حتّى في القُبَل"18. فالقبلة، وإن كانت تصرّفاً صغيراً، إلّا أنّها تحمل مداليل عاطفيّة كبيرة، ومن هنا ورد في الحديث أنّه "نظر رسول الله صلى الله عليه واله إلى رجل له ابنان فقبّل أحدهما وترك الآخر، فقال له النبيّ صلى الله عليه واله: فهلّا واسيت بينهما؟"19، وهذا يظهر مدى حرص الرسول الأكرم صلى الله عليه واله على مشاعر الأطفال.

ج‌- عدم التمييز بين الجنسين‏
إنّ بعض المجتمعات يُميّز الذكر عن الأنثى فيُعطيه الامتيازات، ويحرم الأنثى


16- الخلاف، الشيخ الطوسي، ج3، ص 564.

17- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج 4، ص 3673، نقلاً عن كنز العمّال، المتقي الهندي، ج16، ص 445.

18- م. ن، نقلاً عن كنز العمّال، المتقي الهندي، ج16، ص 445.

19- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج 3، ص 483.

40


27

الدرس الرابع: المراحل العمرية الثلاث

 في المقابل. وقد حارب الإسلام هذا النوع من التربية، وأمر بالاهتمام بالإناث، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله "من كان له أنثى فلم يؤذها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها، أدخله الله الجنّة"20.


كما ورد في الحديث عنه صلى الله عليه واله: "نعم الولد البنات المخدّرات21، من كانت عنده واحدة جعلها الله ستراً له من النار"22.

5- عدم الخلف بالوعد لهم
‏إنّ الوفاء بالوعد من الأمور الّتي أكّد عليها الشرع المقدّس على كلّ حال. وفي خصوص الولد هناك تأكيد خاصّ أيضاً على عدم الخلف بالوعود الّتي تُعطى له، فروح الولد في أوَّل عمره حسّاسة للغاية. وقد أكّدت الروايات على ترك الخلف بما وعد به الأهلُ أطفالهم، فقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله: "... وارحموهم وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم فإنّهم لا يدرون إلّا أنّكم ترزقونهم"23.


20- ميزان الحكمة، م. س، ج4، ص 3672، نقلاً عن كنز العمّال، م. س، ج16، ص 447.

21- المخدرات: من الخدر، والخدر هو الستر.

22- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص 219.

23- الكافي، م. س، ج 6، ص 49.

41


28

الدرس الخامس: التربية الفعلية (1)

 الدرس الخامس:التربية الفعلية 1

أهداف الدرس

أن يتعرّف الطالب إلى المرحلة العمرية الثانية للطفل وأبرز سماتها وآدابها.
أن يستوضح خطورة ضرب الطفل وتفاصيل الديات.

43


29

الدرس الخامس: التربية الفعلية (1)

 المرحلة الثانية  7 - 14 سنة

إنّ السنوات السبع الثانية، أي من عمر سبع سنين إلى سن الأربعة عشر عاماً، هي سنوات اكتساب الصفات والمواهب والتحصيل العلميّ للولد، ففي هذا العمر تتوسّع القدرات العقلية للولد ويتلقّى العلوم الأساس، والمسلكيات الاجتماعية. كما إنّ تركيز الأهل على الولد في هذا العمر ينبغي أن يكون أكثر من سابقه ولا سيّما على من يصادق.

وقد أشارت الروايات إلى العديد من الأمور الّتي ينبغي للولد تحصيلها في هذه السنوات السبع ومنها:
1-الآداب والأخلاق
فإنّ الولد في هذه الفترة صفحة بيضاء يتلقّى الآداب والمسلكيات والأخلاق الّتي يراها لتترسّخ في نفسه ويسير على نهجها. وإنّ الأساس في سلوكه ينبغي أن يبدأ في هذه المرحلة؛ فعلى الوالدين أن يُعلّما أولادهما الأخلاق والآداب الاجتماعية، ففي الحديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله قال: "أكرموا أولادكم وحسّنوا آدابهم يغفر لكم"1.


1- بحار الأنوار، م. س، ج 101، ص 95.

45


30

الدرس الخامس: التربية الفعلية (1)

 وفي حديث آخر عنه صلى الله عليه واله: "لئن يؤدّب أحدكم ولداً خير له من أن يتصدّق بنصف صاع كلّ يوم"2.


2- التعلّم
وأساس العلم القراءة والكتابة. وقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله: "من حقّ الولد على والده ثلاثة: يحسن اسمه، ويعلّمه الكتابة، ويزوّجه إذا بلغ"3.

وعلى الوالدين أن يراعيا تطوّرات الزمان في تعليم أولادهما، لأنّ العلوم في تطوّر وتوسّع مستمرّ، كما أنّ العلم هو أساس جلّ الأعمال في مستقبلهم.

3-تعليم الصلاة
فعن أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه قال: "علّموا صبيانكم الصلاة، وخذوهم بها إذا بلغوا الحلم"4.
وينبغي التنبُّه هنا إلى أنّ تعليم الصلاة في هذا العمر تمّ تمييزه في الرواية عن عمر البلوغ، فبعد البلوغ يؤخذ بها. وهذه عبارة تدلّ على إلزاميّتها وعدم إمكان التراخي فيها، ولكنّه قبل ذلك يتعلّمها، وهذا يشير إلى أنّ تعليمه في هذه السنّ ينبغي أن يكون بالرفق واللين.

4- تعليم القرآن‏
فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "... ومن علّمه القرآن دُعي بالأبوين فيكسيان حلّتين يُضيء من نورهما وجوه أهل الجنّة"5. والقرآن هو دستور الحياة ونور


2- بحار الأنوار، م. س، ج 1، ص 95.

3- مستدرك الوسائل، م. س، ج 15، ص 166.

4- م. ن، ج 15، ص 169.

5- الكافي، م. س، ج 6، ص 49.

 46


31

الدرس الخامس: التربية الفعلية (1)

القلوب، وهو الكفيل بتأمين السعادة لمن يعي مقاصده ويلتزم أحكامه، وحيث إنّ الولد أقدر على حفظ القرآن الكريم من الكهول والآباء، فمن المهمّ للأهل أن يرشدوا الأولاد إلى حفظ القرآن وتعلّم أحكامه ومعانيه.

5- تعليم الأحاديث الشريفة
أي أحاديث الرسول الأكرم محمّد صلى الله عليه واله، وأهل بيته عليهم السلام ، ولا بدّ من أن يُراعى في اختيار الحديث أن يحتوي على المضامين الصحيحة وغير الملتبسة. وليحذر على الولد في هذا العمر من أيّ تيّارات منحرفة، فإنّ الولد سهل الاقتناع بما يقال له عادة، وقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن تسبقكم إليهم المرجئة"6.

6- تعليم الحلال والحرام‏
ومن الأمور الّتي ينبغي تعلّمها في هذا العمر الحلال والحرام، والأحكام الشرعية الأساس، فعن الإمام الصادق، قال: "الغلام يلعب سبع سنين...، ويتعلّم الحلال والحرام سبع سنين"7.

7- السباحة والرماية
والسباحة والرماية من الرياضات المفيدة، وقد ندبت الروايات الشريفة إلى تعليمها للأولاد، ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله قال: "علّموا أولادكم السباحة والرماية"8.


6- وسائل الشيعة, م. س، ج 17، ص 331.

7- مستدرك الوسائل، م. س، ج 15، ص 165.

8- وسائل الشيعة، م. س، ج 17، ص 331.

47


32

الدرس الخامس: التربية الفعلية (1)

ضرب الأولاد في هذا العمر
ورد في خطبة رسول الله صلى الله عليه واله في فضل شهر رمضان: "ووقّروا كباركم وارحموا صغاركم"9.
إنّ من الظلم أن يُجعل الولد متنفّساً للضغط النفسيّ للأهل، فتصبح طريقة تربيته المتّبعة هي الضرب فقط! كالأب المرهق من العمل خارج بيته، ثمّ يأتي إلى المنزل ليجد ولده قد أخطأ خطأً ما فلا يتبادر إلى فكره طريقة لتربيته إلّا الضرب.

فمن الخطأ والظلم الكبيرين أن يكون الولد ضحيّة للعقد النفسية الّتي قد يحملها الأبوان، لذلك نجد الأحاديث الشريفة أشارت إلى أنّ الضرب ليس هو الأسلوب الأنسب لتربية الولد، فعن أحد أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام قال: شكوت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام ابناً لي فقال: "لا تضربه واهجره ولا تُطل"10.

فالإمام عليه السلام أجاب السائل بأن لا يضرب ابنه بل يتّبع أسلوباً آخر للتقريع إذا كان لا بدّ منه وهو إشعاره بعدم الرضا من خلال هجره، هذا الهجر الّذي لا يجوز أن يتحوّل إلى قطيعة "لا تُطل"، بل يأخذ دوره كتأنيب نفسيّ رادع له لتصحيح مسلكيّته.

حدود ضرب الولد
إذا انقطعت سبل تربية الولد ولم يبقَ إلّا الضرب سبيلاً وحيداً لتأديبه، فيمكن تأديبه من خلال ذلك، لكن ضمن حدود لا يجوز تجاوزها.


9- مستدرك سفينة البحار، م. س، ج 10، ص 399.

10- بحار الأنوار، م. س، ج 101، ص 99.

48


33

الدرس الخامس: التربية الفعلية (1)

 وقد حدّدت الرواية عن حمّاد بن عثمان ذلك حيث قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام في أدب الصبيّ والمملوك، فقال: خمسة أو ستة وارفق"11.

 
 
فلا يكون الضرب مستمرّاً وكثيراً لأكثر من خمسة أو ستة، كما لا يكون شديداً بل برفق لا يصل إلى حدّ تغيّر لون بشرته نتيجة الضرب إلى الأحمر أو الأسود... فضلاً عن التسبّب بأذيّته من جرح أو كسرٍ والعياذ بالله.
 
فإذا تجاوز هذا الحدّ وجب عليه دفع الدِّية لولده، وسنشرح فيما يلي هذه الدية.
 
 
دية الضرب‏
 
لقد جعل الشرع دية للضرب القاسي الّذي يستعمله بعض الأهل مع أبنائهم، عقاباً لهم على ما اقترفوه بحقّ الأولاد. ولتوضيح الديات قسّمنا الضرب إلى ثلاثة أقسام ضمن الجداول التالية:
 
 
دية ضرب الوجه12

 

الحالة/الدية بالذهب

الحالة/ ‏الدية بالبعير

إذا احمرّ الوجه: 5,4 غرام

إذا تقشّر الجلد من دون إدماء بما يشبه الخدش: بعير

إذا اخضرّ الوجه: 10,8 غرام

إذا دخل الجرح في اللحم يسيراً: بعيران

إذا اسودّ الوجه: 21,6 غرام

إذا دخل الجرح في اللحم كثيراً ولم يبلغ الجلدة الرقيقة المغشية للعظم: ‏ثلاثة أبعرة

 

إذا دخل الجرح في اللحم كثيراً وقطعت الجلدة الرقيقة المغشية للعظم: أربعة أبعرة

 

الجرح إذا ظهر منه بياض العظم: خمسة أبعرة

 


11- الكافي، م. س، ج 7، ص 268.

12- تحرير الوسيلة، الإمام الخميني (قده)، ج 2، ص 535ـ 536 (طبعة دار المنتظر).

49


34

الدرس الخامس: التربية الفعلية (1)

 دية البدن13

الحالة/الدية بالذهب

إذا احمرّ البدن: 2,7 غرام

إذا اخضرّ البدن: 5,4 غرام

إذا اسودّ البدن: 10,8 غرام

 

وأمّا الجرح في البدن فتختلف ديته بحسب موضعه من الجسد، وفيه تفاصيل كثيرة تراجع في كتب الفقه.


13- تحرير الوسيلة، الإمام الخميني ، ج 2، ص 563، (طبعة دار المنتظر).

50


35

الدرس السادس: التربية الفعلية (2)

 الدرس السادس:التربية الفعلية 2

أهداف الدرس

أن يتعرّف الطالب إلى المرحلة العمرية الثالثة للطفل وأبرز سماتها وآدابها.

51


36

الدرس السادس: التربية الفعلية (2)

 المرحلة الثالثة 14 - 21 سنة

 بعد المرحلة الأولى والثانية يصبح عمر الولد أربع عشرة سنة. وفي هذا العمر تبدأ مرحلة المراهقة. ويتميّز هذا العمر بالعديد من الأمور على المستوى النفسيّ والفكريّ فمن مميّزات هذا العمر:
 
 
يطمح الشاب بقوّة إلى الحريّة والاستقلال، ويرغب في القيام بأعماله من دون تدخّل الآخرين، واتّخاذ القرارات بنفسه أيضاً، ولا يشعر بالحاجة إلى آراء الكبار أي الأهل، في قراراته الخطيرة كترك الدراسة، أو تغيير حقله التخصّصيّ، وغيرهما من الأمور1.
 
 
وفي هذا العمر تتفجّر المواهب لدى الشباب، وتحتاج إلى التنمية بالشكل الصحيح، فلو كان لدى الشاب موهبة الشعر أو الرياضة مثلاً، فلا بدّ من ترشيد الموهبة، لكي لا تسلك الطريق الخاطئ. وتتميّز المرحلة أيضاً بأخطر الأمور وهي فوران الغرائز كغريزة القدرة وغريزة حبّ السيطرة وغريزة التناسل.
 
 
ومن هنا ينبغي أن نلتفت إلى خطورة هذه المرحلة على الشباب، إذ إنّ هذه المرحلة هي المفترق الفاصل بين دروب الحياة، فإمّا أن يسلك الشاب فيها درب الهدى، وإمّا أن ينحرف إلى دروب الغيّ والضياع.
 
 
ومن الأمور الّتي أرشد إليها الإسلام في هذه المرحلة العمرية:
 
 
1-نقل التجارب إلى الشابّ
 
وأفضل نموذج يمكن أن نسلّط الضوء عليه في هذا المضمار هو أمير


1- الأفكار والميول، الأستاذ محمد تقي فلسفي، ج 2، ص 182.

53


37

الدرس السادس: التربية الفعلية (2)

 المؤمنين عليه السلام وولده الإمام الحسن عليه السلام، فمن وصيّته له: "... فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبُّك لتستقبل بجدّ رأيك 2 من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته، فتكون قد كفيت مؤونة الطلب، وعوفيت من علاج التجربة"3.


فالتجربة الّتي ينبغي أن تُنقل للشابّ لها دور مؤثّر في تأمين سعادته لأنّها تكشف له حقائق الأمور، وتمزّق أستار الأوهام والتصوّرات الباطلة، فكلّ تجربة تفتح في قلب الإنسان باباً من العلم وتقرّبه من الحقيقة خطوة، فعن الإمام عليّ عليه السلام: "وفي التجارب علم مستأنف"4.

2- التفقّه في الدِّين
لأنّ الولد يبلغ في هذا العمر سنّ البلوغ فلا بدّ له من معرفة التكاليف الإلهيّة الّتي أُلقيت على عاتقه. وقد ورد في الحديث عن الإمام الكاظم عليه السلام: "لو وجدت شابّاً من شبّان الشيعة لا يتفقّه لضربته ضربة بالسيف"5. وما التعبير بالضرب بالسيف إلّا كناية عن أهميّة التفقّه في مرحلة الشباب.

كما أنّ التعلّم لأحكام الدِّين والفهم لأهداف الإسلام يؤمّنان للشابّ هدفاً صالحاً، فلا يُترك فريسة لأوهام النفس ووسوسات الأفكار والتيّارات المنحرفة، دون إرشاد، ما قد يتسبّب بضياعه.

3- الإرشاد إلى القدوة الصحيحة
إنّ القدوة الصحيحة للشابّ هي الّتي توضح الطريق أمامه في درب المستقبل، والقدوة السيئة هي الّتي تجرفه إلى وديان الجهالة والانحراف.
وكثيراً ما نجد وسائل الدعاية والإعلام تحاول أن تطرح للشابّ قدوات تضيّع


2-يكون جد رأيك أي محققه وثابته مستعداً لقبول الحقائق الّتي وقف عليها أهل التجارب وكفوك طلبها. والبغية بالكسر: الطلب.

3- نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، ج 3، ص 40.

4- الكافي، م. س، ج 8، ص 22.

 54


38

الدرس السادس: التربية الفعلية (2)

 الأهداف الحقيقية، بعيداً عن القدوة الحقيقية والمثال الأعلى الّذي يتجلّى بالرسول الأكرم صلى الله عليه واله، وأهل البيت عليهم السلام .


فعلى الأهل دائماً أن يلتفتوا إلى شبابهم ليوجّهوهم دائماً إلى القدوة الصحيحة، بالشكل الملائم الّذي يجعل هذه القدوة هي خيار الشابّ وتوجّهه ظاهراً وباطناً.

4- إرشاد الشباب إلى الفتوّة الحقيقية
إنّ عنوان الفتوّة والقوّة وحبّ الاقتدار عند الشباب يكون في أعلى مستوياته في هذه المرحلة العمرية. وتشكّل الفتوّة بالنسبة إليه أمراً بالغ الأهميّة.
ودور الأهل في هذا المجال يتجلّى في إفهام الشابّ أنّ الفتوّة الحقيقيّة ليست في عظمة الساعدين ولا عرض المنكبين والقوّة في العراك، بل في العقل الواعي والقلب الملي‏ء بالإيمان، فإنّ هذا المعنى هو الّذي يريدنا أهل البيت أن نعيه، ففي الرواية أنّه مرّ رسول الله صلى الله عليه واله بقوم يتشاءلون حجراً، فقال: "ما هذا، وما يدعوكم إليه؟ قالوا: لنعرف أشدّنا وأقوانا، قال: أفلا أدلّكم على أشدّكم وأقواكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أشدّكم وأقواكم الّذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحقّ، وإذا قدر لم يتعاطَ ما ليس له بحقّ"6.

فبهذه الخطوات وغيرها نكون قد وجّهنا الشابّ إلى الهدف الواقعيّ والصحيح وهو السلوك المستقيم، بحيث يصبح عنصر خير لمجتمعه، يعيش الصلاح في الدنيا، فيكون من أحبّ الخلائق إلى الله تعالى، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "إنّ أحبَّ الخلائق إلى الله عزّ وجلّ شابّ حَدَثُ السنّ في صورة حسنة جعل شبابه وجماله لله وفي طاعته، ذلك الّذي يُباهي به الرحمن ملائكته، يقول: هذا عبدي حقّاً"7.


5- بحار الأنوار، م. س، ج 75، ص 346.

6- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج 4، ص 407.

7- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج 2، ص 1401، نقلاً عن: كنز العمّال، ج15، ص 785.

 55


39

الدرس السادس: التربية الفعلية (2)

 خاتمة

 الولد نعمة أنعمها الله تعالى علينا بمجرّد وجوده، وأنعم علينا نعمة أخرى بأن أرشدنا إلى طريق هدايته وعرّفنا السبيل لتربيته، ولم يترك لنا سوى الاستنارة بهداه والسير على نهج الأنبياء والأئمة الأطهار عليهم السلام أعظم المربّين للبشرية، لعلّنا نوفّق في صناعة إنسان بكلّ ما للكلمة من معنى، عبد مطيع عارف لربّه، مدرك لهدفه، يسير في الأرض ويعمل فيها الصلاح، معمّراً لآخرته.
 
 
ولو استطاع الإنسان أن يربّي أبناءه بالطريقة الّتي أرشدنا إليها الإسلام، لكثُر الخير في البلاد ولقلّ الفساد. نسأل الله تعالى أن يوفّقنا لأداء حقوق الأطفال، ويجعلنا أهلاً لامتثال قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ8.
 
 
ونسأله كما سأله مَن قبلنا ممّن كان يؤمن به وبآياته: ﴿... رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا9.
 
 
والحمد لله ربّ العالمين


8- التحريم: 6.

9- الفرقان: 74.

 56


40

الفهرس

  

المقدمة

9

الدرس الأول: مرحلة ما قبل التربية

11

أهمية الولد الصالح

13

أثر الولد الصالح في الدنيا

13

أثر الولد الصالح في الآخرة

14

مرحلة ما قبل التربية

15

1- اختيار الزوجة

15

2- الآداب الخاصة قبل حصول الحمل

17

الدرس الثاني: الأيام السبعة الأولى ومرحلة الرضاعة

19

الأيام السبعة الأولى

21

1- الآذان والإقامة

21

2- العقيقة

21

3- إختيار إسم ملائم

22

أ- أسماء العبودية

22

ب- أسماء الانبياء عليهم السلام

22

ج- إسم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم

22

د- إسم أمير المؤمنين عليه السلام

23

ه- أسماء الأئمة عليهم السلام

23

5


41

الفهرس

  

و- إسم فاطمة عليها السلام

23

4- الكنية

24

5- حلق شعر الولد

24

6- الختان

24

مرحلة الرضاعة

24

من لا ينبغي أن ترضع الأولاد

25

1- الحمقاء

25

2- الزانية وابنة الزنا

26

3- المجنونة

26

الدرس الثالث: مؤثرات في التربية

27

بعض العوامل المؤثرة في التربية

29

1- الأبوان

29

أ- اتفاقهما واختلافهما

30

ب- عدم التجاهر بالعادات القبيحة

30

2- المدرسة

30

3- الأصدقاء

31

الدرس الرابع: المراحل العمرية الثلاث

33

المرحلة الأولى 1-7 سنوات

36

1- التغذية العاطفية

36

أ- التعبير الكلامي

36

ب- تقبيل الولد

37

ج- التصابي لهم

37

2- الابتعاد عن أسلوب الضرب

38

3- عدم العلاقة الخاصة أمامه

38

4- عدم التمييز بين الأولاد

39

أ- في الهدايا

40


 6


42

الفهرس

  

ب- في التقبيل

40

ج- عدم التمييز بين الجنسين

40

5- عدم الخلف بالوعد لهم

41

الدرس الخامس: التربية الفعلية (1)

43

المرحلة الثانية (7 – 14 سنة)

45

1- الآداب والأخلاق

45

2- التعلم

46

3- تعليم الصلاة

46

4- تعليم القرآن

46

5- تعليم الأحاديث الشريفة

47

6- تعلبم الحلال والحرام

47

7- السباحة والرماية

47

ضرب الأولاد في هذا العمر

48

حدود ضرب الولد

48

دية الضرب

49

دية ضرب الوجه

49

دية البدن

50

الدرس السادس: التربية الفعلية (2)

51

المرحلة الثالثة (14 – 21 سنة)

53

1- نقل التجارب إلى الشاب

53

2- التفقه في الدين

54

3- الإرشاد إلى القدوة الصحيحة

54

4- إرشاد الشباب إلى الفتوّة الصحيحة

55

خاتمة

56

 

7


43
في رحاب تربية الأبناء