الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج


الناشر: مراكز الإمام الخميني الثقافية

تاريخ الإصدار: 2016-02

النسخة: 0


الكاتب

جمعية مراكز الإمام الخميني الثقافية

مراكز ثقافية تعنى بحفظ نهج الإمام الخميني قدس سره ونشره من خلال إنشاء مراكز متخصصة بإقامة الندوات الفكرية واللقاءات الحوارية للنخب الثقافية والجامعية، وإنشاء المكتبات العامة للمطالعة، وتكريم شخصيات ثقافية، وإقامة دورات فكرية، وتوقيع كتب أدبية وفكرية، وإصدار سلاسل فكرية متنوعة لكبار العلماء والمفكرين.


بطاقة هوية

  بطاقة هوية 


الموضوع: ندوة فكرية

العنوان الرئيسي: الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

العنوان الفرعي الأول: الوحدة الإسلامية في مواجهة الاستكبار العالمي

المحاضر: الشيخ عبد الناصر جبري- مسؤول العلاقات العلمائية والثقافي في تجمع العلماء المسلمين 

العنوان الفرعي الثاني: الوحدة الإسلامية في فكر الإمام الخميني- الرؤية وآليات العمل 

المحاضر: النائب الحاج عبد الله قصير- عضو كتلة الوفاء للمقاومة

مقدم الندوة: الشيخ سامر عجمي مسؤول الأنشطة الثقافية في مركز الإمام الخميني الثقافي

منظم الندوة: مركز الإمام الخميني الثقافي - بيروت
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
3

1

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 كلمة مقدم الندوة 

الشيخ سامر عجمي1
 
بسم الله الرحمن الرحيم. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين. 
 
السلام عليكم أيها الحضور الكريم، سادتي العلماء إخوتي وأخواتي ورحمة من الله وبركاته. 
 
بداية باسم مركز الإمام الخميني الثقافي يسعدنا أن نرحب بالضيفين العزيزين سماحة الشيخ عبد الناصر جبري، وسعادة النائب الحاج عبد الله قصير. 
 
إن الكلام في موضوعة الوحدة الإسلامية هو عن الرؤية والمنهج لما ينبغي أن يكون عليه الاجتماع الإسلامي، خصوصاً في هذه المرحلة التاريخية من حياة الأمة، التي تشهد خطرين يهددان بنيتها بالتفكك وواقعها بالغرق. 
 
الخطر الأول: داخلي يتمثل بحالة الانقسام والتمزق والتشرذم المذهبي والحزبي والاتني من جهة، وبالتابعين للثقافة الأجنبية العميلة من جهة أخرى. 
 
والخطر الثاني: خارجي يتجسد في قوى الاستكبار العالمي، التي تعمل جاهدةً تحت عناوين مختلفة على غزو وعينا، واجتياح ثقافتنا، واغتيال وحدتنا، والسيطرة على مقدرات الأمة وما تفيض 
 
 
 

1- مسؤول الأنشطة الثقافية في مركز الإمام الخميني الثقافي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
7

2

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 به أرضها من ثروات وخيرات، لتتخذ لنفسها مواقع احتلال واستعمار جديد، على شاكلة مختلفة عما سبقه بمضمون مشترك وأهداف واحدة.


وأمام هذين الخطرين الماثلين ينطلق الحديث عن الوحدة الإسلامية ليشكل البناء التحتي والأصل الذي تتأسس عليه سياسات نهوض الأمة، وإعادة بناء قضاياها العامة بما يطمح إلى شق الطريق نحو نوع من التعامل مع هذا الواقع، يستجيب للشروط التي يفرضها العصر، ولهمومنا المشتركة التي تحركنا، مع الحفاظ على ثوابت العقيدة.

لذلك حظيت موضوعة الوحدة الإسلامية باهتمامات علماء الدين والمصلحين الاجتماعيين والمفكرين منذ مدة طويلة من تاريخنا، ومن ضمن هؤلاء كان الإمام الخميني قدس سره الذي بذل جهوداً واسعة من أجل الوحدة الإسلامية واعتبرها حاجة ضرورية، لا تعني إلغاء الآخر أو إعادة تركيب فكره وتشكيل وعيه وصياغة ثقافته وبنائها وفق إرادة الطرف الغالب، ولا تعني صهر الهوية الذاتية للمذاهب الإسلامية في بوتقةٍ واحدة تضيع معها الخصوصيات وتذوب المميزات، لأن بقاء الخصوصية لا يعني القطعية مع الآخر، بل يعني تجلي الرحمة في مظاهر الاختلاف الذي يعود إلى مشتركٍ يتحرك في نفس الفضاء الثقافي، وانتماء إلى ذات المرسل والرسول والرسالة. 

فالوحدة الإسلامية هي توحيد الكلمة تحت كلمة التوحيد، شكلاً ومضموناً وأسلوباً، لينبثق عنها قدرة على المواجهة والتحدي والتصدي للأخطار الداخلية والأخطار الخارجية، التي كشفت عن 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
8

3

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 أنيابها لطحن جسد الأمة، والتي تزكي نار التمزق لتبتلع حاضر الأمة فيغيب مستقبلها ويضيع ماضيها. 


حول الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج وضمن محور الوحدة الإسلامية في مواجهة الاستكبار العالمي يحدثنا سماحة الشيخ عبد الناصر جبري المسؤول عن العلاقات العلمائية والثقافي في تجمع العلماء المسلمين ومدير كلية الدعوة. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
9

4

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 الوحدة الإسلامية في مواجهة الإستكبار العالمي

 
الشيخ عبد الناصر جبري1
 
بسم الله الرحمن الرحيم. والحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .
 
مقدمة
 
لا بدَّ أن أنوِّه بداية أن الكلام عن الوحدة الإسلامية يجب أن يخرج من دائرة السنة والشيعة فحسب، لأن السنة والشيعة هم أمة واحدة، سواء عرفوا ذلك أم لم يعرفوا، لأن الواقع والتاريخ الماضي ولأن العلماء لم يقل أحد منهم إلا ما شذ وندر بأن السنة ليسوا من الإسلام، أو بأن الشيعة ليسوا من الإسلام، وإن حاول بعض الذين ينتسبون للعلم من أجل أن يبرزوا أنفسهم، أو من أجل أن يحاولوا لفت النظر إلى أقوالهم، بأن يكفِّروا غيرهم، ممكن أن يكون هذا التكفير من داخل المذهب الواحد، وكذلك ممكن أن يكون من المذهب للمذهب الآخر. 
 
الوحدة من طبيعة الإسلام
 
عندما نتكلم عن الوحدة، إذاً يجب أن نتكلم عن معنى الوحدة 
 
 
 

1- مسؤول العلاقات العلمائية والثقافي في تجمع العلماء المسلمين
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
10

5

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 بمفهوم الأمة الكبير، بمفهومة الأمة الشاملة، وهي أمة الاستجابة لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم. طبيعية الإسلام أيها الأخوة قائمة على وحدانية الله تعالى بالذات والصفات والأفعال، والتي ينطلق منها جعل المسلمين كتلة واحدة حيث جمعهم على عقيدة واحدة وعبادة واحدة وشريعة واحدة وقبلة واحدة وغاية واحدة، وأي تصدع في هذه الوحدة وأي اهتزاز في هذا الكيان فيه ذهاب للريح، وقضاء على الدين المشتمل على الدنيا والآخرة، ﴿... وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ... الأنفال الآية 46، حيث يؤدي ذلك للفناء والزوال. فالكلام والعمل لوحدة الأمة ليس بدعاً من القول، وليس دعوة تجريبية نخوضها، أو مغامرة نقتحمها، بل هي الأصل الذي كانت عليه ليس فقط هذه الأمة بل هي البشرية، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ سورة يونس الآية 19، إذاً ليست الوحدة للمسلمين فحسب بل الوحدة ينبغي أن تكون للبشرية جمعاء. لذلك عنوان دولة آخر الزمان التي يحكمها الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف أن ينشر العدل ويحكم بالقسط بين كل الناس. 


شرطي تحقق الوحدة

لا بد للوحدة أن تتحقق بشرطين أساسيين: 

الأول: الإيمان بالله عز وجل الواحد الأحد. 

والثاني: الالتزام بالتكاليف والأحكام التي شرعها الله تعالى بما في ذلك من تحقيق العدل ورفع الظلم. 

فإذاً الدولة هي دولة الحق ودولة العدل لكي ينتشر بين الناس 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
11

6

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 الأمة أمة واحدة، فأولى بنا نحن كمسلمين أن نعمل من خلال هذه الجزئية الإسلامية على وحدتنا كما أمر ربنا تبارك وتعالى. وإن هذه الوحدة قائمة على الحق واتباع الهدى، فالحق هو الذي يجمع الناس على الحق ويوحدهم، والمنهاج الذي رسمته الرسل على مر السنين. 


مفهوم الوحدة الإنسانية والإسلامية

مفهوم هذه الوحدة وحقيقتها بخدمة نجده إذا رجعنا إلى الأصل اللغوي للفظة الوحدة، يعود هذا اللفظ إلى الانفراد يقول: وَحَد، يَحِدُ، وحداً، وحوداً، وحدةً، ووحدةً، أي بقي منفرداً، ومنه اتَحَدَ أي انفرد وعندما نقول تَوَحَّدَ أي توحّد الأمران والشيئان ليصبحا شيئاً واحداً، وكل شيءٍ على حِدِتهِ إن أردنا أن نميز الشيء عن الآخر، ويقصد بالوحدة الإنسانية، أي اتحاد الشعوب فكرياً وسياسياً، واجتماعياً واقتصادياً وكذلك إذا قلنا بالوحدة الإسلامية، أي اتحاد الشعوب المسلمة لهذه المحاور الأربع، أي وكأن الأمة المسلمة باتحادها وانفرادها تكونت مميزة عن الأمم الأخرى، وإن قلنا بالمستوى الأعم وهي الوحدة الإنسانية، فتكون الإنسانية مميزة عن باقي المخلوقات والموجودات بهذه الصفات الأربع. 

العناصر المقوّمة للوحدة

إذا كان ذلك هو المفهوم بالإجمال فإن الأمر لهذه المسائل يحتاج إلى مزيد بيان لحقيقة الوحدة وطبيعتها من خلال إبراز أهم عناصرها ومقوماتها، وهي الأشياء الأربعة التي ذكرناها. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
12

7

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 "الفكر والاعتقاد" فمعنى الفكر والاعتقاد كما ذكر صاحب المصباح المنير، أي تردد القلب بالنظر والتدبر لطلب المعاني، وفي العصر الحديث صار للفكر مدلول أوسع، وهو جملة النشاط الذهني من تفكير وإرادة ووجدان وعاطفة، كما ذكر صاحب المعجم الفلسفي، والمقصود بالفكر هنا الجانب العقلي من الإنسان، وهو التعليم والتربية والتفكير، وأما الاعتقاد فهو عقد القلب على الشيء وإثباته في نفسه، وأما العقيدة الإسلامية هي أعلى ما يمكن أن تقوم عليه وحدة المسلمين، فهي الوشيجة الحقيقية التي تقوم عليها الأمة، ثم تنطوي تحتها كل العلاقات الأخرى التي تقوم عليها باقي الأمم، كالأرض واللغة والجنس واللون وغير ذلك. فتكون هذه روافد إضافية إذا وجدت، ولكنها لا تكون هي التي تكوِّن أمة ولو اجتمعت كلها في غياب العقيدة، فلا تكون الأمة من خلال اللون واللغة وغير ذلك فحسب، بينما تكوِّن العقيدة وحدها لو غابت الروافد الأخرى كلها الأمة. فإذاً العقيدة والفكر هو أمر مهم في تكوين وحدة الأمة.


أما الشيء الثاني هو العمل من خلال المجتمع، فالمجتمع ضروري بوحدته لتشكيل الوحدة العامة، وأعني بالعمل الاجتماعي كل العلاقات التي تكون بين الفرد والفرد، وبين الفرد والمجتمع، وبين المجتمع والفرد، فإذاً هذا الأس الثاني الضروري لتكوين الوحدة في الأمة. 

وأما الأس الثالث هي السياسة، السياسة أمرٌ مهم لتوحيد الأمة، وما يتصل بنظام الحكم والإدارة والعلاقات الدولية، كل هذا أمر ضروري لتتكون الأمة في وحدتها. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
13

8

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 والأمر الرابع هو الاقتصاد، وما يتصل بالجوانب المادية ونظمها. 

 
فإذا توافرت هذه الأمور ممكن أن نسمِّي المجموعة بكليتها هي أمة مجتمعة. 
 
وهناك معوقات في أمة إن صحَّ أن يقال عنها أو إن أردنا أن نكون بها أمة واحدة متحدة، فإذا فقدت فلا يمكن للأمة أن تكون متحدة، بفقد السياسة الواحدة، أو بفقد التواصل الاجتماعي، أو بفقد التواصل العقدي، أو التواصل الفكري فيما بينها. لذلك نرى أن الله تعالى ركَّز علينا أن نكون أمة واحدة، وفرض أن نكون من خلال هذه الأمور على أمرٍ واحدٍ بمقابل الأمم الأخرى. فالوحدة بين المسلمين ليست أمراً اختيارياً بل هي فرضٌ دينيٌ إلزاميٌ. 
 
النصوص الشرعية المؤكدة على وحدة الأمة
 
نستمع الآن إلى كثيرٍ من النصوص الشرعية المؤكدة على وحدة الأمة، حيث يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ... سورة آل عمران الآية: 103، ويقول ربنا سبحانه ﴿إن هذه أمتكم أمةً واحدةً وأنا ربكم فاعبدون سورة الأنبياء الآية: 92، فإذاً نلاحظ من خلال هذه الآيات الكريمة وجوب وحدة الأمة الإسلامية وعدم تفرقها، ونلاحظ كذلك وجوب توحيد الله وعدم الإشراك به، وكذلك نلاحظ التقاء عقاب الله وغضبه عندما تفقد الأمة وحدتها والترابط، حيث يقول الله تبارك وتعالى ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ سورة آل عمران الآية: 105. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
14

9

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 وقد جاء عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم كثيراً من النصوص التي تفرض على الأمة وحدتها، فمن هذا القول قوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام "عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد". 

وقد هان أمر المسلمين على أعدائهم عندما تفرقوا وضيعوا أمرهم، وصاروا على الإسلام حجةً، كما أشار لذلك الإمام الشيخ أبو زهرة حيث قال على لسان أعداء الإسلام حيث ابتعدوا عن هذا الدين: "لو كان الإسلام به خيراً ما كان أهله على هذه الحال من الخلل والاضطراب والبعد عن أسباب القوة والتقدم". ونتيجته الضعف الذي صارت عليه الأمة الإسلامية بسبب تفرقها، وتحكم عدوها بها، وإذا حاولت أن تجمع شملها وتلم شعثها، وقفوا لها بالمرصاد، وسلكوا كل سبيلٍ يمنع ذلك حتى غدا الإسلام غريباً في أهله، وأي غربة أكثر من أن الذي يدعو إلى وحدة الأمة وعنفوانها أصبح غريباً وكأن فعله ردةً، وصوته منكراً، فلا ينبغي أن نضع أيها الأخوة تبعية ذلك على عدونا فحسب وعلى المستعمر، بل إننا نتحمل الجزء الأكبر في ذلك، لأن المستعمر مهمته أن يستغل وضع الضعف والتشتت فينا، لا أن يصنع الضعف والشتات والتمزق أصلاً. لذلك لا بد لنا أن نعمل جاهدين مخلصين على وحدة الأمة وأن نلتزم هذه المظاهر، وهذه المظاهر الوحدوية ممكن أن تكون على صعيد الفرد، وعلى صعيد المجتمع، على صعيد العلماء والزعماء وعلى صعيد رجال الفكر والآداب. 

ومن ذلك، وعلى ذلك أن ننشر الوعي الإسلامي العام بين المسلمين لتحقيق الوعي من خلال اجتماعاتهم ولقاءاتهم 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
15

10

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 ومساجدهم وصلواتهم وصومهم وعبادتهم، كذلك ينبغي علينا أن نعمل من أجل وحدة المسلمين بالتنسيق بين المؤسسات، سواء كانت هذه المؤسسات مؤسسات اجتماعية أو رعوية أو مؤسسات علمية أو ثقافية أو تعليمية. وكذلك علينا أن نوجه وسائل الإعلام على وحدة المسلمين، لا بين السنة والشيعة فحسب كما سبق بمطلع الحديث، إنما الوحدة يجب أن تكون بين أفراد الأمة كلها، وبين علمائها ومفكريها، وهذه الوحدة التي نعني بها لا وحدة جزئيات إنما وحدة تتعلق بالوحدة العقدية، والوحدة الاجتماعية، والوحدة السياسية، والوحدة الثقافية، على المرتكزات الأربع التي سبق الحديث عنها. 


التحديات أمام الأمة وكيفية مواجهتها

إذا تحققت الوحدة فيكون لهذه الوحدة أثر إيجابي في مواجهات التحديات الكبيرة التي تواجهها أمتنا في الوقت المعاصر، فالأمة أمامها تحديات فكرية، ومن هذه التحديات الفكرية التي أمامنا هي التنصير، نحن أمام هجمةٍ تنصيرية ومن ورائها أمر استعماري كبير، وقد حذرنا الله تعالى وقال لنا: ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ سورة البقرة الآية/120 وقال ﴿وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا سورة النساء الآية/ 89 وقال تعالى ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ سورة القلم الآية/ 9.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
16

 


11

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 ومن هذه التحديات الفكرية كذلك الاستشراق، هذا الاستشراق الذي درس حياتنا وثقافتنا ومجتمعنا، ثم بعد ذلك انقلب علينا من الثغرات التي أوتينا بها. 


ومن هذه التحديات، هي التحديات التي جاءت مجتمعنا من خلال الأحزاب والأفكار التي تمثلت في بعض الأحيان بالماسونية وغيرها من المنظمات العالمية، فكلها بدائرة فكرية تواجهها أمتنا، وعلينا أن نواجه هذا التحدي من خلال الترابط، ومن خلال وضع برنامج علمي ثقافي لمواجهة هذه المذاهب والأحزاب والآراء، وكذلك ممكن أن نواجه الاستعمار والتحدي السياسي لوحدة أمتنا، لا أقول في هذه الفترة على رجل واحدٍ، في دولة واحدة، إلا إن اجتمعت الأمة من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي، ووقفت بصدق أمام عدوها، ممكن أن تواجه هذا التحدي بوجهٍ من وجوه الوحدة السياسية، وكذلك ممكن للأمة أن تواجه التحديات المادية من خلال ما نحن فيه من الفقر، أمتنا تواجه الفقر والديون الخارجية، وكذلك هناك تخلف زراعي وصناعي، ممكن للأمة أن تواجه هذا التحدي إذا اتحدت واجتمعت، ونحن اليوم نعيش أمام تحدٍ استكباري كبير من خلال الدولة الأمريكية، حيث في كل يوم توجه إلينا التهديد وتوجه إلينا القتل، وتوجه إلينا الاتهام بالإرهاب، وساعة تتهمنا بأمم تحتاج إلى الديمقراطية، وتحتاج إلى كثير من الأمور التي بحاجة إليها هذه الدول والشعوب. 

فنحن أيها الأخوة لا بد لنا أن نكون على أمر واضح بيِّن من خلال التحديات الثقافية والسياسية والمادية والعقدية، ممكن أن نواجه هذه الأمور بوحدتنا، ومن خلال تجربة لبنان ومقاومته للعدو
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
17

12

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 الإسرائيلي، كان هناك دليلاً واضحاً لوحدة المقاومة مع شعبها ودولتها، ومع جميع الطوائف التي قابلت العدو الصهيوني وأجبرته على الانسحاب. 


فإلى العمل الدؤوب من أجل وحدة متكاملة متواصلة للمراحل الأساسية بعوامل الفكر والثقافة والسياسة والقوة المادية، وإن شاء الله نكون على هذا المستوى من التحدي الكبير، فإلى الأمة نوجه العمل الدائب المتواصل ونحصل على النصر بإذن الله والسلام عليكم والحمد لله رب العالمين.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
18
 

13

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 الوحدة الإسلامية في فكر الإمام الخميني الرؤية وآليات العمل

 
النائب الحاج عبد الله قصير1
 
بسم الله الرحمن الرحيم. وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيد الخلق والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
 
الوحدة الإسلامية في القرآن
 
﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ الشورى/13.
 
﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا... آل عمران /103.
 
- ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ الأنبياء/92.
 
في هذه الآيات دلالتان: الأولى تشير إلى أن إقامة الدين يشكل قطب رحى في توحيد الأمة.
 
 
 

1- عضو كتلة الوفاءأللمقاومة

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
19

14

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 والثانية في أن الجذور الإسلامية، هي الجذور الأساسية والأصيلة للأمة، والمبادئ المشتركة لا تساعد فقط على وحدة جميع المذاهب الإسلامية فحسب،وإنما تساعد أيضاً وتشكل عاملاً فاعلاً وأساسياً في وحدة أو تناغم جميع الأديان التوحيدية.


أساس الوحدة الدين: (دين الفطرة الإنسانية)

المنشأ الحقيقي لوحدة الأمة الإسلامية هو الدين الإسلامي، وهذا المنشأ يرجع جذره الأصلي إلى فطرة الإنسان السليمة التي أودعها الله تعالى في الناس جميعاً، والتطورات التي طرأت على دين الفطرة (الإسلام) على امتداد تاريخه لم تتناول سوى الفروع الثانوية من الأحكام والتي تتصل بتنوع وتطور ظروف الإنسان الحياتية في المجتمعات المختلفة. أما الأصول والمبادئ الكلية التي تؤلف متن الدين الإلهي فقد بقيت على امتداد التاريخ موحدة. والحكام والتكاليف التي فرضها الإسلام على الناس تقوم على مبدأ الوحدة والمساواة بين أبناء البشر أمام الله تعالى من دون تمييز بينهم على أساس العنصر أو اللون أو المحيط أو الانتماء، ووفق مبدأ التكليف (التكليف بشرط القدرة عليه) "لا يكلف الله نفساً إلا وسعه" وبذلك برهنت على إمكان قبولها من لدن المجتمعات كافة وفي كل زمان.

إذن الجذور الأساسية الأصلية للأمة الإسلامية والمبادئ المشتركة لا تساعد على وحدة جميع المذاهب والفرق الإسلامية فحسب، بل هي العامل الفاعل في تناغم جميع الأديان التوحيدية الإبراهيمية.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
20

15

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ آل عمران/64.


الاختلاف والاجتهاد لا يلغي الوحدة

لقد شهد تاريخ الإسلام اختلاف الرأي والعقيدة في كثير من القضايا النظرية، وقد شاع هذا الاختلاف، وكان موضع قبولٍ وتقدير ما لم يخل بالأصول الكلية المشتركة، بل اعتبر أمراً ضرورياً، حتى أن بحوثاً نظريةً كثيرةً في الأصول المشتركة مثل التوحيد والنبوة والقيادة بعد النبي والمعاد والصفات الإلهية والقرآن قد جرت، وهي فضلاً عن كونها لم تؤدِ إلى أن يعمد المفكرون الإسلاميون إلى تكفير بعضهم بعضاً، فإن ساعدت كثيراً على توسيع المعارف الحكمية والكلامية وتعميقها، أما اختلاف النظر في الفروع المتفق عليها مثل الصلاة والحج والجهاد ومختلف أبواب الاقتصاد والعقوبات وغيرها فكثيرةٌ وشائعة، فهي لا تؤدي إلى المسّ بالمبادئ والأصول والمشتركات، ولا إلى التكفير بين المسلمين "وهو المبدأ الأساسي لحفظ وصون الوحدة الإسلامية" التي تقوم على جعل المتن الكلي للدين الإسلامي محل توافق اعتقاد جميع المجتمعات الإسلامية ،وليس هناك أي مانع عقلي أو شرعي لتحقيق هذه الوحدة المطلوبة.

ملاحظات لا بد من التوقف عندها

- الوحدة الإسلامية لا تعني إلغاء المذاهب الإسلامية، وإنما 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
21

16

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 تعني المحافظة على الأواصر والأمور والأصول المشتركة بين المسلمين، وإبعادها عن الوقوع تحت تأثير الاختلاف المذهبي.


- يجب إخراج الوحدة من المفهوم الشعاراتي إلى الواقع العملي التطبيقي.

- إن الظروف والتطورات التي يشهدها العالم، والتحديات التي تواجه المسلمين، تستدعي تحكيم عرى الوحدة بينهم، وطرد وإبعاد جميع العناصر التي تعمل على تفريق صفهم وتمزيق وحدتهم، وتستدعي حصر النقاش الخلافي في مواضع الاختلاف في دوائره الفكرية والعلمية بروحٍ موضوعية ومنطقية منفتحة، دون استحضاره إلى الساحة العامة لعموم المسلمين وجعلها مادةً للسجال والفرقة.

- إن أفضل سبل تحقيق الوحدة هي الانطلاق من الواقع المعاش للمسلمين، حيث يواجه المسلمون مجموعةً هائلةً من التحديات الحضارية والسياسية والاقتصادية والثقافية، تحتاج لجهودٍ مشتركة لمعالجتها وتجاوزها "الإمام الخميني اعتمد هذا المنهج كطريق للوحدة الإسلامية".

- يجب الوقوف عند الأسباب التي أدت إلى الفرقة لرفعها ومعالجتها وهي شقان: 

أحدهما داخلي: يرتبط بجذور الخلاف التاريخية والموضوعية ضمن الدائرة الإسلامية.

والآخر خارجي: يرتبط بالتدخل الأجنبي العابث في مقدرات المسلمين، والذي استثمر الخلاف الداخلي وصعده حتى تحول أحياناً إلى صراعٍ عنيف، استهدف وحدة الدائرة الإسلامية وتراص صفوف أبنائها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
22

17

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 الوحدة الإسلامية عند الإمام الخميني


تعتبر قضية الوحدة الإسلامية من أبرز الهموم والقضايا التي شغلت بال الإمام الخميني قدس سره والقادة المخلصين، وهو موضوع يرتدي أهمية خاصة في الظروف التي نعيشها اليوم نظراً لما يتعلق بها من تداعيات تمس أحوال الأمة الإسلامية التي تواجه عاصفة من التحديات، تبدأ في فلسطين وتمر في أفغانستان وقد لا تنتهي في العراق، خصوصاً أن الهجمة الأمريكية الإسرائيلية هجمة مستمرة على المنطقة ودولها وشعوبها وثرواتها وفكرها وهويتها.

مفهوم الوحدة 

لا بد من مرور سريع على ما تعنيه الوحدة الإسلامية كمصطلح، فالوحدة الإسلامية تعني اجتماع المسلمين في إطار سياسي جامع، تتوحد فيه همومهم وقضاياهم وآمالهم وتطلعاتهم وأهدافهم، ويرتكز هذا الإطار السياسي إلى كونهم "أمة واحدة" يتظللون راية واحدة هي راية التوحيد، راية القرآن .. وتوحدهم قيادة شرعية إسلامية تمثل الولاية والخلافة تتكفل بإدارة شؤونهم ومصالحهم. 

أما مقومات هذه الوحدة فهو الإسلام كدين للتوحيد والأخوة الإيمانية، التي تربط المسلمين بعضهم ببعض،وتجعلهم أمة واحدة تجسد قول الله تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ الأنبياء/ 92 .

إذاً المقصود بالوحدة الإسلامية هي الوحدة السياسية بين المسلمين، التي تنتج عنها توحيد إدارة شؤونهم في جميع مجالات 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
23

18

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 وساحات الحياة الاقتصادية والعسكرية والثقافية والاجتماعية، بحيث لا تفرقهم الجنسيات والقوميات والعصبيات والمصالح الذاتية والأهواء والنزوات والقبليات. 


وليس المقصود دمج المذاهب الإسلامية في مذهب فكري فقهي واحد، بل حصر هذا الاختلاف الفقهي في دوائره الفكرية والاجتهادية والتعبدية، والالتقاء حول القواسم المشتركة لمصالح المسلمين وشؤون حياتهم العامة، ومواجهتهم للتحديات الكبرى كأمة موحدة. 

رؤية الإمام الخميني للوحدة الإسلامية

يرى الإمام بأن "الدعوة إلى الإسلام في الأساس هي دعوة إلى الوحدة" و"لقد نزل الإسلام ليوحد جميع شعوب العالم من عرب وعجم وترك وفرس وغيرهم، وليقيم في هذا العالم أمة عظيمة هي الأمة الإسلامية" والقول للإمام، وعليه يصبح تلاقي القوميات والأعراق تحت راية الإسلام تلبية لدعوة التوحيد، وتأسيساً لقيام تلك الأمة العظيمة.

ويرى الإمام بأن "الوحدة واجب على جميع المسلمين" وهنا تصبح مخالفة ومعارضة الوحدة بين المسلمين هي مخالفة للدعوة إلى الإسلام، وبالتالي فهي انحراف عن نهج الإسلام وزيغ عن أهم الأهداف التي جاء بها التوحيد وعمل من أجلها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. 

نظرة الإمام للواقع المعاش 

يرى الإمام الخميني قدس سره "أن سبب كل المشاكل في البلاد 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
24

19

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 الإسلامية هو اختلاف الكلمة وعدم التعاون".. وهو يرى في الاستعمار مصدراً أساسياً لزرع التفرقة والتشرذم بينهم، فيقول: "إن مشكلة المسلمين هي نشوء الاختلاف فيما بينهم بعد الحرب العالمية الأولى، فقد وضع المستعمرون خطة الإختلاف لهم بعد أن شاهدوا قوة الإسلام، ففصلوا الحكومات الإسلامية عن بعضها، وألقوا الخلاف بين المسلمين وجعلوا الحكومات الإسلامية كل واحدة عدوة للأخرى". 


ومع الأسف، فإن بعض الحكام وبالتعاون مع بعض وعاظ السلاطين، ساعدوا الاستعمار في مهمته هذه، وساهموا في تنفيذ مخطاطاته لشرذمة وتفرقة المسلمين، من حيث يدرون أولا يدرون. ويقول الإمام في ذلك بأن "الشيطان الأكبر (أمريكا) دَعا فراخه لإلقاء بذور التفرقة بين المسلمين بكل الحيل والوسائل، وجر الأمة الإسلامية والإخوة في الإيمان إلى الإختلاف والعداء، ليفتح أمامه السبيل - أي أمام الاستعمار - إلى مزيد من النهب والهيمنة".

ويضيف الإمام "بأن الأيدي القذرة التي بثت الفرقة بين الشيعي والسني في العالم الإسلامي، لا هي من الشيعة ولا هي من السنة .. إنها أيدي الاستعمار التي تريد أن تستولي على البلاد الإسلامية، وتريد أن تنهب ثرواتنا بوسائل وحيل متعددة، وهي توجد الفرقة باسم التشيع والتسنن" ويضيف "لو كف وعاظ السلاطين عنا شرهم وكفوا أيديهم عن التعرض لوحدتنا فسننتصر إن شاء الله، وستنتصر القوى الإسلامية والبلدان الإسلامية". 

ونرى الإمام قدس سره يتحرق على ما يسود أحوال الأمة من فرقة وتشرذم، فيخاطب المسلمين في العالم قائلاً: "ماذا دهاكم يا 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
25

20

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 مسلمي العالم، أنتم الذين استطعتم أن تحطموا القوى العظمى في صدر الإسلام مع قلة عددكم، وأوجدتم الأمة الإسلامية الكبرى، واليوم مع ما يقارب المليار نسمة وامتلاككم للثروات الكبيرة، التي هي أكبر حربة أمام الأعداء، أصبحتم هكذا أذلاء ضعفاء، هل تعلمون أن جميع مصائبكم ناشئة من الاختلاف والتفرقة بين رؤساء بلادكم وبالتالي بينكم أنفسكم". 


وهو لا يرى في هذه الفرقة إذا استمرت أي أملٍ لانتصار الأمة، "فحين تتفرق الأمة إلى طائفتين ـ والقول للإمام ـ أو عشر أو مائة طائفة يعارض بعضهم بعضاً، وتحكم فيهم حكومة ليست منهم فلا تتوقع لمثل هذه الأمة النصر". 

هذا الواقع المرير للأمة يفرض على الإمام طرح الحل والبحث عن طريق الخلاص، ويراه الإمام في الانصياع لأمر الله، والعودة إلى الإسلام وتعاليمه، ونبذ أسباب الفرقة والخلاف، والالتفات إلى أن قوة المسلمين في وحدتهم، فيقول: "فلا بد من العودة إلى تعاليم الإسلام التي أكدت أن المؤمنين أخوة، وأمرت بالاعتصام بحبل الله، وبعدم التفرق وترك التنازع، ولو استجاب المسلمون لهذه الدعوة الإلهية لتخلصوا من القوى الكبرى ومن الحكومات الفاسدة، فلا يمكن أن يكون لنا حول أو قوة إلا إذا كان تفكيرنا إسلاميا،ً وعملنا بالقرآن وبالإسلام، وانتهجنا تعاليم صدر الإسلام".

"إن المسلمين جميعاً أخوة متكافئون، لا انفصال لأي منهم عن الأخر، وعليهم جميعاً الانضواء تحت راية الإسلام وتحت راية التوحيد".

يضيف الإمام: "فلو أن الشعوب المسلمة التي يبلغ تعدادها المليار 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
26

21

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 نسمة تقريباً إتحدت مع بعضها البعض وتآخت، لتعذر على أعدائهم إلحاق الضرر بهم". 


ويؤكد بأن "علينا نحن ـ الشيعة والسنة ـ أن نتآخى فيما بيننا، لنقطع الطريق على الساعين لنهب ما لدين" ويوجه كلامه إلى الحكام قائلاً: "ينبغي أن يجتمع الحكام في مكة المعظمة لإطاعة أمر الله تبارك وتعالى وطرح المشاكل المتعلقة بهم والتغلب عليها، وإذا تم هذا الأمر لن تتمكن أي قوةٍ من مواجهتهم".

بهذا يجعل الإمام المسؤولية مشتركة بين الشعوب والحكام على السواء، ويقطع الطريق أمام إلقاء المسؤولية من قبل البعض على البعض الآخر. 

ويعطي الإمام للمسلمين مثلاً حياً من الواقع فيقول: "لقد رأيتم كيف اتحد شعبنا في إيران وتمكن أن يهزم قوة كبرى .. إننا نريد أن يتحد مليار مسلمٍ في العالم، فإذا اتحدوا فلا تبقى قضية القدسٍ ولا أفغانستان ولا غيره". وينبه الإمام في رؤيته بوجوب عدم الاكتفاء بالدعوة إلى الوحدة نظرياً بل لا بد من السعي الحثيث لتحقيقها عملياً ويقول في هذا المجال "لا تكثروا من الدعوة إلى الوحدة قولاً ثم تتركوا السعي لتحقيقها عملاً، اتحدوا عملياً فأنتم أخوة". 

الخلاصة في موضوع الرؤية

وبالخلاصة، نجد أن رؤية الإمام الخميني قدس سره قد تحددت في موضوع الوحدة في أربعة أمور أو عناوين أساسية:

الأول: بأن الدعوة إلى الوحدة هي في أساس الدعوة إلى الإسلام، وهي بالتالي واجب شرعي على الجميع. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
27

22

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 الثاني: أن التفرقة والخلاف هي من صنيعة الاستعمار، وضعاف النفوس من أتباعه، وهي السبب الأساس في ضعف المسلمين وتراجعهم. 


الثالث: أن الطريق في الخلاص من الواقع المرير هو العودة إلى التوحد، والوحدة تحت راية الإسلام، وأن الوحدة هي مصدر لقوة المسلمين، الذين إذا ما توحدوا فسيقطعوا الطريق على أعدائهم.

الرابع: أن الدعوة إلى الوحدة يجب أن لا تقف عند الحدود النظرية، بل لا بدّ من وضع آليات عمل لها.

آليات العمل للوحدة عند الإمام

انطلاقاً من قناعة الإمام الخميني قدس سره بضرورة وضع آليات عملية لتجسيد الدعوة إلى الوحدة والعمل بها، نلاحظ الآليات التي اعتمدها الإمام متعددة وفي ساحات شتى: 

الأول: في دستور الجمهورية الإسلامية: بالعودة إلى الدستور يُلاحظ تخصيص مادة كاملة في الدستور حول وحدة الأمة وتضامن شعوبها والتزام الجمهورية الإسلامية السعي لتحقيق الوحدة في كافة المجالات في العالم الإسلامي.

تقول المادة الحادية عشرة من الدستور: "بحكم الآية الكريمة ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ الأنبياء/92، يعتبر المسلمون أمة واحدة، وعلى حكومة إيران الإسلامية إقامة كل سياستها العامة على أساس تضامن الشعوب الإسلامية ووحدتها، وأن تواصل سعيها من أجل تحقيق الإتحاد السياسي والاقتصادي والثقافي في العالم الإسلامي". 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
28

23

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 كما يلاحظ في المادة الثانية عشر نصاً صريحاً وواضحاً يحفظ ويحترم كل المذاهب الإسلامية، ويعطي المناطق التي يتمتع فيها أحد المذاهب بالأكثرية حق تطبيق الأحكام المحلية في حدود صلاحيات مجالس الشورى المحلية لتلك المنطقة وفق ذلك المذهب. 


وفي هذا كله تأكيد على أن آليات العمل للوحدة دخلت إلى وثيقة الدستور الإيراني منذ الأيام الأولى لتأسيس الجمهورية، وتحت رعاية وعناية مباشرة من الإمام الخميني قدس سره.

الثاني: تكريس أسبوع الوحدة الإسلامية بين الثاني عشر والسابع عشر من ربيع الأول، ذكرى ولادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، بما له من معانٍ ودلالات وارتباط ببشير الإسلام، وهو مناسبة سنوية لجمع نخب من المفكرين والعلماء والكتاب والشعراء والباحثين في مؤتمرات سنوية، لوضع خطط وبرامج واقتراحات وأبحاث تساعد في تكريس الوحدة والدعوة إليها عالمياً.

ثالثاً: يلحظ الاهتمام الخاص عند الإمام بموسم الحج باعتباره أحد تجليات الوحدة الإسلامية العملية، وهو يساهم بفاعلية كبيرة في التذكير بإضفاء المعاني السياسة والاجتماعية إلى جانب المعاني التعبدية والروحية لفريضة الحج، فقد اعتبر الإمام "أن هناك عوامل سياسية عديدة وراء عقد الاجتماعات والمجامع، وخاصة اجتماع الحج القيم، والتي منها التعرف إلى المشاكل الأساسية، والقضايا السياسية للإسلام والمسلمين، ولا يمكن ذلك إلا باجتماع رجال الدين والمفكرين الملتزمين الزائرين لبيت الله الحرام، وذلك بعرض وتبادل الآراء لإيجاد الحلول، وفي العودة إلى البلدان الإسلامية يعرضونها في المجامع العامة، ويسعون في رفع وحل مشاكلهم". 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
29

24

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 إن لقاء المسلمين من شتى أنحاء العالم لأداء فريضة الحج يشكل مناسبة مهمة للدعوة إلى الوحدة والعمل لتكريسها كواقع بين المسلمين، لا سيما وهم يؤدون فريضة تحمل في مضمونها الكثير من معاني الوحدة والقوة للمسلمين. 


يقول الإمام: "اعلموا أيها المسلمون أن هذا التجمع الكبير الذي ينعقد كل عام بأمر من الله تبارك وتعالى، يفرض عليكم بصفتكم أمة مؤمنة ذات عقيدة راسخة أن تبذلوا جهودكم في سبيل تقدم المسلمين وتضامنهم ووحدتهم الشاملة". 

ويعتبر الإمام الحج مناسبة للتعبئة الروحية، وتجديد روح النهضة عند المسلمين فيقول: "يا زوار بيت الله، اتحدوا في المواقف والمشاعر الإلهية، واطلبوا من الله تعالى غلبة الإسلام والمسلمين ومستضعفي العالم". 

يكمل الإمام "تعاضدوا وتوجهوا إلى الله العظيم، والجأوا إلى الإسلام، وانتفضوا ضد المستكبرين ومنتهكي حقوق الشعوب، قوموا من أماكنكم، واحملوا القرآن بأيديكم، واخضعوا لأمر الله تعالى لكي تعيدوا مجد الإسلام العزيز وعظمته، تعالوا واستمعوا إلى موعظةٍ واحدةٍ من الله عندما يقول: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى سورة سبأ/46.

رابعاً: لا يخفى موقف الإمام وجهده العملي المبذول حتى قبل انتصار الثورة في دعم الحركات الجهادية ضد إسرائيل والاستعمار بشكلٍ عام، بغض النظر عن الانتماء المذهبي لأصحاب هذه الحركات، وقد صدر عنه العديد من الفتاوى في جواز صرف الحقوق الشرعية من (الخمس والزكاة) لصالح هذه الحركات في 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
30

25

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 فلسطين ولبنان وغيرها من دول المواجهة مع الصهاينة. وهذا أيضاً منذ سنة 63 أو 64 ميلادية يعني قبل انتصار الثورة بحوالي خمسة عشرة عاماً. 


وينطلق الإمام في هذا النهج من قناعة راسخة، بأن أحد أهم آليات تكريس الوحدة وتجذيرها في الأمة هو الالتقاء بين أبناءها في العمل الجهادي ضد أعداء الأمة، لا سيما ضد الصهاينة مغتصبي فلسطين والقدس الشريف، ولعل في هذا الأمر تجربة عملية ناجحة في لبنان وفلسطين يشهدها جيلنا المعاصر. 

ويقول في هذا المجال: "إن كل الحكومات والشعوب الإسلامية تعلم ما هو الداء، وتعلم أن الأيادي الأجنبية تزرع الفرقة فيما بينهم، وهم يرون ما يلحق بهم من ضعف وانهيار في ظل التفرقة، ويرون أن دولة إسرائيل الخاوية تقف في مواجهة المسلمين، الذين لو كانوا مجتمعين وألقى كل واحدٍ منهم بدلوٍ من الماء على إسرائيل لجرفتها السيول. فلماذا لا يلجئ هؤلاء ـ مع علمهم بكل هذا ـ إلى العلاج الحاسم المتمثل في الاتحاد والإتفاق؟". 

خامساً وأخيراً هناك مروحة واسعة من الآليات التي وضعها الإمام، أو دعمها وساعد على استمرارها وفاعليتها، نذكر بعض عناوينها:

- إقامة مجمع التقريبي بين المذاهب كمؤسسة علمية لدراسة نقاط الإلتقاء الفقهي والمذهبي بين مختلف المذاهب الإسلامية، ولوضع الأبحاث والدراسات، وإقامة المؤتمرات التي يلتقي فيها علماء المذاهب الإسلامية المختلفة.

- تخصيص العديد من الوسائل الإعلامية المقروءة كمجلة 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
31

26

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 التوحيد كمجلة الوحدة الإسلامية وغيرها التي تكرس معظم أبحاثها ونشراتها حول الوحدة الإسلامية.


- احتضان ودعم قيام تجمعات علمائية إسلامية تعمل لتكريس الوحدة والدعوة إليها، كما في تجمع العلماء المسلمين في لبنان.

- تكريس العديد من البرامج التلفزيوينية حول الوحدة الإسلامية والدعوة إليها. 

وهناك العديد من الأمثلة في هذا المجال حيث لا يتسع الوقت للحديث عنها. رحم الله الإمام الخميني الذي أعاد لهذا الدين مجده وعزه في القرن العشرين، ونشر بذور الوعي لأهمية الوحدة بين المسلمين، ورفض التفرقة والتعصب بينهم، ووضع الآليات العملية لتكريس وتجسيد هذه الوحدة. جعلنا الله من السائرين على خطاه في تجسيد عملي لوحدة الأمة وعزتها. والحمد لله رب العالمين.

  
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
32

27

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

33


28

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 

 

 

 

 

 

 

 

 

34


29

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 

 

 

 

 

 

 

 

 

35


30

الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

36


31
الوحدة الإسلامية المرتكزات والنتائج