تاريخ النهضة الحسينية


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2016-07

النسخة: 0


الكاتب

معهد سيد الشهداء

هو مؤسسة ثقافية متخصصة تعنى بشؤون النهضة الحسينية ونشرها، وإعداد قدرات خطباء المنبر الحسيني وتنميتها، معتمدة على كفاءات علمائية وخبرات فنية وإدارية... المرتكزة على الأسس الصحيحة المستقاة من ينبوع الإسلام المحمدي الأصيل.


المقدمة

 المقدمة


الحمد لله الذي منّ علينا بنعمة الولاية لنبيه وآل نبيه صلوات الله عليهم، فجعلهم الشموس الطالعة، والأنجم الزاهرة، وأعلام الدّين وقواعد العلم، صالحاً بعد صالح، وصادقاً بعد صادق، وسبيلاً بعد سبيل.

والحمد لله الذي منّ علينا من بينهم بسفينة النجاة، ومصباح الهدى، الإمام الحسين بن علي عليه السلام الذي أُمرنا بإحياء ذكره وإقامة أمره تعظيماً لحقه.

وبعد، تعدّ حركة الإمام الحسين عليه السلام نهضة في تاريخ الإنسانية ومحطة من محطات الصراع بين الحق والباطل، وهي حركة متصلة اتصالاً وثيقاً بأعظم الرسالات السماوية على الاطلاق، نعني رسالة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، بما تمثّله من معارف وشرائع وأحكام ومفاهيم... ومن هنا قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : حسينٌ منّي وأنا من حسين أحبّ الله من أحبّ حسيناً، وليس في وسع أيّ كاتب أو باحث غضّ الطرف عنها أو تجاوزها.

ولذلك انكبّ الباحثون على سيرته عليه السلام دراسة وتحليلاً وبحثاً وتحقيقاً وعرضاً وتأليفاً منذ يوم شهادته وحتّى يومنا هذا...

وقد احتلت سيرته عليه السلام وشهادته يوم الطف حيّزاً هاماً وكبيراً في التاريخ، وأخذت أشكالاً مختلفة من الاهتمام، تمثَّل أحدها بالمجلس الحسيني الذي يعدّ من أهم الشعائر التي لا يزال إحياؤها قائماً منذ قرون مديدة...

فإحدى وظائف الخطيب والقارئ الحسيني هي تعريف الناس بمفاهيم عاشوراء 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
5

1

المقدمة

 وتاريخ كربلاء، والتذكير بمحطاتها المضيئة في حياة الإنسانية، فلا محيص إذن عن الرجوع إلى التاريخ، للاطلاع على ما جرى وحصل في تلك الواقعة للقيام بهذه المهمة...


ولذلك فقد قام معهد سيد الشهداء عليه السلام بإعداد هذا الكتاب كمادة لتاريخ النهضة الحسينية، ليدخل في سلسلة الكتب المعتمدة في دورات تعليم العزاء الذي يقوم به المعهد بين الفينة والأخرى...

ونحن لا ندّعي أنّنا أحصينا كل ما جرى وقمنا بتحليله وتبيينه، فإنّ كربلاء وسيرتها أعلى شأناً وأرفع مقاماً من أن يشرحها قلم كاتب، أو يخط حروفها بنان رسّام، ولكنّها إطلالة عامة ورشحات من ذاك المعين الذي لا ينضب... ليغوص بعد ذلك عاشق الحسين عليه السلام في بحر لا نهاية له من مفاهيم العزّة والكرامة والتضحية والإباء...

فقد عرضنا لسيرة الإمام الحسين عليه السلام بالقدر الذي تسمح به الغاية من تأليفه. بدءً بإرهاصات النهضة الحسينية، وأسبابها التي سبقتها، مروراً بأحداثها ومجرياتها، وانتهاءً بركب السبايا، ورجوعهم إلى المدينة المنورة على ساكنها وآله آلاف التحية والسلام...
فنسأله تعالى أن يجعل هذا الكتاب نافعاً ومفيداً والمأمول من العلماء الأفاضل خُدّام المنبر الحسيني أن يتحفونا بملاحظاتهم وانتقاداتهم البنّاءة، عسى أن يأخذ هذا الكتاب مكانه المناسب بين الكتب الحسينية.. إنّه نعم المولى ونعم النصير...
معهد سيد الشهداء عليه السلام للمنبر الحسيني 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
6

2

القسم الأول: من أسباب النهضة الحسينية

 القسم الأول: من أسباب النهضة الحسينية 


معاوية يؤسس الدولة الأموية


الشجرة الأموية 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
7

3

القسم الأول: من أسباب النهضة الحسينية

 بعد استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، نودي بمعاوية خليفة في بيت المقدس سنة 40 هجرية،661 ميلادية 1، وبسيطرته على الخلافة أصبحت دمشق عاصمة الدولة الإسلامية، التي لم تكن آنذاك تضم من العالم الإسلامي كله غير بلاد الشام سوى مصر، التي كان عمرو بن العاص قد انتزعها بعد التحكيم، فإن أهل العراق بايعوا الإمام الحسن بن علي عليه السلام خليفة شرعياً، ولم يكن ولاء مكة والمدينة لآل أبي سفيان قوياً، فقد دخل هؤلاء الإسلام مقهورين بالفتح، بعد سقوط مكة، فكان إسلامهم عن مصلحة لا عن إيمان. 

 
وكانت ولاية الحسن سبعة أشهر وسبعة أيام، فقد صالح معاوية في ربيع الآخر أو جمادي الأول سنة إحدى وأربعين 2، فاستولى معاوية على الحكم في ظل ظروف غير طبيعية، إذ لم يتمّ ذلك عبر "الإنتخاب" أو "الجماعة"، ولم تستند حكومة معاوية إلى رضى الأمة أو مشورتها، وإنما فرضت عليها بقوة السلاح، وفي أعقاب حرب دامية. وقد اعترف معاوية بذلك: " والله ما وليتها بمحبة علمتها منكم ولا مسرَّة بولايتي، ولكن جالدتكم بسيفي هذا مجالدة" 3. وألقى في النخيلة، بعد الصلح، بمجرد وصوله إلى العراق، خطاباً أعلن فيه عن جبروته وطغيانه على الأمة واستهانته بحقوقها، وأنَّه إنما قاتل المسلمين وسفك دماءهم ليتأمَّر عليهم، وأن جميع ما أعطاه للإمام الحسن عليه السلام من شروط فهي تحت قدميه لا يفي بشيء منها، فقال: 
"والله إني ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا، ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك، وإنما قاتلتكم لأتأمَّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون" 4
وهكذا، فقدت الدولة مع معاوية الكثير من ملامحها الدينية السابقة.
 
 


1- الطبري، ج2، ص4، قابل المسعودي، ج5، ص14. 
2- خليفة بن خياط، ج1، ص234، الطبري، ج6، ص94. ابن الأثير الكامل، ج3، ص406. 
3- تاريخ الخلفاء ص 71.
4- شرح نهج البلاغة ج4ص16.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
8

4

القسم الأول: من أسباب النهضة الحسينية

 وبعد أن أصبحت دمشق عاصمة الدولة، تراجع الدور الرسمي للكوفة، آخر عاصمة لدولة الخلافة، قبل الدولة الأموية، إلى الوراء، مع بقاء دور سياسي واستقطابي لها في مواجهة النظام الأموي.

 
واما المدينة، عاصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأُولى وعاصمة الخلفاء من بعده، فقد أصبحت من الماضي وأخذت تنطفئ وتصبح مثل مكة، مدينة دينية، حيث قبر النبي والصحابة، وأما أولادهم، ممن لم يعد له حظ في قيادة الدولة الإسلامية، فقد عاش حصاراً وعزلة سياسية، إما لأن معاوية اشترى سكوت بعضهم بالمال كعبد الله بن عمر، وإما لأن سياسة معاوية ونظامه الأمني فرضَا طوقاً أمنياً إرهابياً على البعض الآخر، كالإمامين الحسن والحسين عليه السلام وعبد الله بن الزبير، فاحتوى معارضتهم بالقوة والتخويف. 
 
لقد نجح معاوية في تأسيس الدولة الأموية، معتمداً على مجموعة سياسات، كاستقطاب الأنصار والحلفاء، وإضعاف الخصوم، والإيقاع فيما بينهم. وكان يستخدم من أجل ذلك مختلف الوسائل غير المشروعة، مما أسهم في ولادة أسلوب جديد لم يكن الانسان العربي يألفه في العهود السابقة. 
 
لقد قام معاوية بانقلاب تنظيمي سياسي على دولة الخلافة وحوّلها إلى مُلك 1. ولم يقف هذا الإنقلاب عند المضمون العائلي الوراثي الشخصاني للدولة، فقد تقصَّى معاوية أخبار وأحوال ملوك البيزنطيين2، واقتبس الكثير من مظاهر نظامهم متأثراً إلى حدٍّ بعيد بالتاريخ الحضاري البيزنطي لبلاد الشام 3، فقد وجد معاوية في الشام، عندما دخلها مع الجيوش العربية الفاتحة، حضارة بيزنطية متمرسة في الحكم والإدارة، لم تألفها روح البداوة قبل ذلك، كما وجد جهازاً إداريا
 
 
 

1- السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص199. 
2- الحصني، منتخبات التواريخ لدمشق، ص81. 
3- البلاذري، أنساب الأشراف، ج2، ص147. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
9

5

القسم الأول: من أسباب النهضة الحسينية

 من الموظفين، الذين كانوا يعملون في ظل الإدارة البيزنطية في الميدانين الإداري والمالي، مما ساعده على حكم بلاد الشام، وذلّل أمامه الكثير من المشاكل.

 
بل كان لنصارى الشام دور مميّز وصل إلى قمة السلطة، فكانت زوجة معاوية نصرانية على مذهب اليَعاقِبة، وهي عربية سورية من بني بجدل من قبيلة كلب، نفس القبيلة التي تنتمي إليها نائلة زوجة عثمان. وقد لعب أخوال يزيد بن معاوية دوراً كبيراً في تكوين شخصيته الدينية والسياسية. كذلك كان منصور1 ابن سرجون، الذي ساهم في تسليم دمشق للعرب، نصرانياً من أسرة سورية، كان يتولى بعض رجالها شؤون بيت المال أيام البيزنطيين2. وكان طبيب معاوية أيضاً نصرانياً، وهو ابن أثال، الذي ولَّاه معاوية على جباية خراج حمص3، وهي وظيفة عليا لم يسبق لنصراني قبله أن وصل إليها في تاريخ الإسلام 4
 
 
تحويل مظاهر الخلافة إلى مظاهر كسروية وقيصرية
 
كان معاوية ميّالاً بطبعه إلى انتحال الملك، وهو بعدُ ما يزال والياً على الشام، حين وصفه الخليفة عمر بن الخطاب، بأنه "كسرى العرب" 5، ثم جعل الخلافة ملكاً6 فكان أول ملك في الإسلام، فقد كرّس الإنفصال ولأول مرة في حياة الدولة الإسلامية بين المسجد والحاكم، ولم يعد للمسجد هذا الدور الفعّال في الحياة السياسية العامة، فقد أقام حاجزاً في المسجد بينه وبين عامة الناس،
 
 

1- ولقد التبس الأمر على مؤرخي العرب فخلطوا بين هذا الرجل وبين سرجون ابنه. راجع الطبري، ج2، ص205، 228، 239، المسعودي، التنبيه، ص02، 306، 307، 312. 
2- لقد أصبحت ولاية المال في الإسلام أهم الوظائف بعد قيادة الجيش. 
3- ابن عساكر، ج5، ص80. 
4- اليعقوبي، ج2، ص265.
5- البلاذري، أنساب، ج1، ص147.
6- ابن خلدون، المقدمة، ص169، وما يلي، اليعقوبي، ج2، ص257. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
10

6

القسم الأول: من أسباب النهضة الحسينية

 ً وأحدث المقصورة 1 في الجامع وجعلها مقاماً للصلاة خاصاً به تفصله عن بقية المصلّين، وهو أول من خطب قاعداً2، وأول من اتخذ سرير الملك 3

 
وكانت كل إقامته في قصره "الخضراء" 4، الذي تميَّز بكل مظاهر الملوك 5، من العرش إلى الحرس إلى الحجّاب، وغير ذلك من المظاهر التي انفرد بها معاوية، دون أسلافه من خلفاء الدولة الإسلامية 6
 
الجيش الأموي
 
إن نقطة الضعف الرئيسة في دولة معاوية كانت في أنها قامت على القهر والغلبة وسفك الدماء، والدولة التي تقوم على القهر والغلبة وسفك الدماء تحتاج إلى ذلك من أجل أن تستمر، وإلاّ فسوف تكون عرضة للإنهيار السرّيع، ولذلك كان الحاكم الأموي دائماً نزّاعاً إلى سفك الدماء والقتل والإرهاب، معتقداً أنه لو تراخى في ذلك فسوف يسقط، ويقوم أعداؤه بتصفية حسابهم معه بنفس الطريقة. فإذا بالدولة الأموية دولة عسكرية أمنية، منذ ولادتها التي تمّت بالقوة، مروراً بنهجها القمعي الدموي في التعامل مع خصومها، وانتهاءً بسقوطها الذي تم على أيدي العباسيين، وبالقوة أيضاً، وبأسلوب أكثر قسوة ودموية من الأساليب الأموية نفسها. 
 
وقد تحملت قبائل الشام، وسوادها الأعظم يومئذٍ نصارى من العرب السوريين، وأكثرها يمنية، وبرغم تناقضاتها القبلية، وزر هذا الدور الدموي والإرهابي، وأصبحت هي المادة الحربية التي درّبها معاوية، وألّف منها القوات الضاربة التي
 
 
 

1- اليعقوبي، ج2، ص265، الدينوري، ص229، الطبري، ج2، ص70. 
2- ابن العبري، ص188. 
3- ابن خلدون، المقدمة، ص217، القلقشندي، صبح الأعشىالقاهرة، 1913- 18 ج4، ص6. 
4- البلاذري، أنساب، ج1، ص147. 
5- راجع التذكرة الحمدونية لابن حمدون الأندلسي، ص198- 139. الحصني، منتخبات التواريخ لدمشق، ص80. 
6- اليعقوبي، تاريخ ج8، ص223، البلاذري، أنساب الأشراف، ج1، ص147.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
11

7

القسم الأول: من أسباب النهضة الحسينية

 سميت الجيش الأموي، الذي أصبح عصب الحياة السياسية والعسكرية في الدولة الأموية، وأقوى جيش منظّم عرفه العرب، وكان الأداة الفاعلة التي اعتمد عليها معاوية وكبار الخلفاء الأمويين، في السيطرة وضبط الأمن، وتثبيت نظامهم، وتوطيد عروشهم، وتوسيع حركة الفتوحات، وضرب الحركات المعارضة المعادية بمنتهى القسوة والدموية، كما فعل عبيد الله ابن زياد في العراق، ومسلم ابن عقبة في المدينة، والحجاج بن يوسف في مكة. 

 
وكان لا بد للحاكم الأموي أن يفلّت هذا الجيش، الذي كان أداة طيّعة في قبضة الدولة ولعب دوراً كبيراً في الدفاع عن الحكم الأموي، ويعطيه امتيازات خاصة 1، فتحولت عملياته وحروبه إلى وسيلة للنهب والسلب، وإرواء رغبات القادة والجنود المتعطشين للمال وللسيطرة، وقد ساعد ذلك من جهة أخرى على امتصاص نقمة القبائل والقادة والجنود الذين يشتم منهم رائحة معارضة للنظام، فيتم إرسالهم في البعوث والغزوات، ومن ثم إبعادهم عن التدخل في شؤون الحكم 2.
 
السياسة الداخلية للدولة الأموية
 
إن المبدأ السياسي الذي قام عليه النظام الأموي، وهو حكم العائلة، كان مادة السياسة الداخلية للدولة، فاصبحت الأسرة الأموية صاحبة النفوذ الأكبر مطلقاً، مالياً وسياسياً وإدارياً واجتماعياً، بل ودينياً، فكان أحد أمراء بني أمية، على الرغم من فسقه وفجوره، يتولى كل عام إمارة الحج !! 
 
كذلك كان لقبائل الشام امتيازات أخرى، وإن كانت أقل مرتبة، لكن معاوية كان حريصاً على المحافظة على قاعدة التوازن معها واستيعاب تناقضاتها المتوارثة، فنجده يتحالف مع القبائل اليمنية، ويصاهر أقوى قبائلهم، "كلب"، ويعيّن في
 
 
 

1- المسعودي، مروج الذهب، ج3، ص86. 
2- ابن الأثير، الكامل، ج3، ص149. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
12

8

القسم الأول: من أسباب النهضة الحسينية

 نفس الوقت الضحاك بن قيس الفهري، وهو من قريش الظواهر وهي من القبائل القيسية، في منصب مهم وخطير وهو ولاية دمشق 1، كذلك نجده يتجنب إلى حدٍّ بعيد الإستعانة بأهل الحجاز في مشروعه العسكري.

 
وهكذا كانت قبائل الشام تعمل كلها في خدمة العائلة الأموية، بل وتتسابق في السعي إلى احتلال الوظائف في خدمة الأمويين.
 
أولاً: السياسة المالية 
 
مشى معاوية على خطى سلفه عثمان، فلم يكن لسياسته فيما يختص بالمال أية علاقة بالسنَّة النبوية ولا حتى بسنَّة عمر، وإنما كان تصرفه في جباية الأموال وإنفاقها خاضعاً لرغباته وأهوائه، فهو يهب الثراء العريض للقوى المؤيدة له ويحرم العطاء للمعارضين، ويستولي على الأموال ويفرض الضرائب بغير وجه حق من كتاب أو سنَّة أو عرف. 
 
وفوق ذلك قام معاوية بإشاعة الحرمان في الأقطار التي كانت تضم القوى المعارضة له، فقد أجبر أهل يثرب على بيع أملاكهم واشتراها بأبخس الأثمان، وعندما أرسل القيّم على أملاكه لتحصيل وارداتها منعوه عنها، وقابلوا حاكمهم عثمان بن محمّد وقالوا له:إن هذه الأموال كلها لنا، وإن معاوية آثر علينا في عطائنا، ولم يعطنا درهماً فما فوقه حتى مضّنا الزمان ونالتنا المجاعة فاشتراها بجزء من مائة من ثمنه فرد عليهم حاكم المدينة بأقسى القول وأمرِّه. 
 
ووفد على معاوية الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري فلم يأذن له تحقيراً وتوهيناً به فانصرف عنه، فوجَّه له معاوية بستمائة درهم فردَّها جابر وقال لرسول معاوية: قل له، والله يا بن آكلة الأكباد لا تجد في صحيفتك حسنة أنا سببها أبداًً. 
 
 
 

1- ابن الأثير، أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج3، ص35. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
13

9

القسم الأول: من أسباب النهضة الحسينية

 وانتشر الفقر في بيوت الأنصار، وخيَّم عليهم البؤس حتى لم يتمكن الرجل منهم من شراء راحلة يستعين بها على شؤونه، ولما حجَّ معاوية واجتاز على يثرب، استقبله الناس ومنهم الأنصار، وكان أكثرهم مشاة فقال لهم: " ما منعكم من تلقيّ كما يتلقاني الناس!!؟ " فقال له سعيد بن عبادة: " منعنا من ذلك قلة الظهر، وخفة ذات اليد، وإلحاح الزمان علينا، وإيثارك بمعروفك غيرنا" !! فقال معاوية "أين أنتم عن نواضح المدينة؟" فأجابه سعيد قائلاً: " نحرناها يوم بدر، يوم قتلنا حنظلة بن أبي سفيان". 

 
وأما في العراق، وهو المركز الرئيس للمعارضة، فكان ولاته كالمغيرة بن شعبة وزياد بن أبيه وسمرة بن جندب يحبسون العطاء والأرزاق عن أهل الكوفة وعن كل من له هوى في أهل البيت عليهم السلام، وقد سنَّ معاوية بذلك سنَّة سار عليها الحكام الأمويون من بعده في اضطهاد العراق وحرمان أهله 1، وحتى عمر بن عبد العزيز، الذي يعتبرونه أعدلهم، فإنه لم يساو بين العراقيين والشاميين في العطاء، بل زاد في عطاء الشاميين عشرة دنانير ولم يزد في عطاء أهل العراق.
 
تمييز أهل الشام
 
وبينما كانت البلاد الإسلامية تعاني الجهد والحرمان كانت الشام في رخاء شامل. بل حمل أهلها على رقاب الناس، فكان الشامي هو الأولى دائماً، وهو المخدوم، وهو السيِّد، وله الإمتيازات المالية والسياسية والإجتماعية، وقد ألمح إلى ذلك مالك بن هبيرة في حديثه مع الحصين بن نمير إذ قال له: " هلمّ فلنبايع لهذا الغلام أي خالد بن يزيد الذي نحن ولدنا أباه وهو ابن أختنا، فقد عرفت منزلتنا من أبيه فإنه كان يحملنا على رقاب العرب". 
 
 
 

1- العقد الفريد ج4 ص259.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
14

10

القسم الأول: من أسباب النهضة الحسينية

 توزيع المال بناءً على التحزب السياسي

 
واستخدم معاوية الخزينة المركزية لتدعيم ملكه وسلطانه، فمنح الأموال الهائلة لأسرته ووهبهم الثراء العريض، وأغدق الأموال على المؤيدين له والمنحرفين عن أمير المؤمنين عليه السلام ، فوهب خراج مصر لابن العاص، وجعله طعمة له ما دام حياً. ومن ذلك أنه قدم عليه يزيد بن منبه من البصرة يشكو له ديناًً قد لزمه، فقال معاوية لخازن بيت المال: اعطه ثلاثين ألفاً، ولما ولَّى قال: وليوم الجمل ثلاثين ألفاً أخرى. 
 
شراء الذمم والدين 1
 
وقد وفد عليه جماعة من أشراف العرب فأعطى كل واحد منهم مائة ألف وأعطى الحتات عم الفرزدق سبعين ألفاً، فلما علم الحتات بذلك رجع مغضباً إلى معاوية فقال له: " فضحتني في بني تميم، أَمَّا حسبي فصحيح، أولست ذا سن؟ ألست مطاعاً في عشيرتي؟ " فقال معاوية: " بلى.. " فقال: " فما بالك خست بي دون القوم وأعطيت من كان عليك أكثر ممن كان لك !! " فقال معاوية بلا حياء ولا خجل: " إني اشتريت من القوم دينهم، ووكلتك إلى دينك ورأيك في عثمان بن عفان " فقال الحتات: " وأنا اشتر مني ديني " فأمر له بإتمام الجائزة 2
 
واضطر معاوية بعد إسرافه وتبذيره إلى مصادرة الأموال ليسد العجز المالي الذي مُنيت به خزينة الدولة، ففرض على المسلمين ضريبة النيروز ليسد بها نفقاته، وأصبحت الولاية في عهده مصدراً من مصادر النهب والسرقة وللثراء وجمع الأموال. 
 
 
 

1- وقعة صفين لنصر بن مزاحم 495، شرح نهج البلاغة ج2 ص293.
2- تاريخ الطبري، ج 5، ص 242.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
15

11

القسم الأول: من أسباب النهضة الحسينية

 السياسة الضرائبية العشوائية

 
أما جباية الخراج فكانت خاضعة لرغبات الجباة وأهوائهم، وقد سأل صاحب "أخنا" عمرو بن العاص عن مقدار ما عليه من الجزية!! فنهره ابن العاص وقال له: " لو أعطيتني من الأرض إلى السقف ما أخبرتك ما عليك، إنما أنتم خزانة لنا!! إن كثّر علينا كثّرنا عليكم، وإن خُفف عنا خففنا عنكم". 
 
وأوعز معاوية إلى زياد بن أبيه أن يصطفي له الذهب والفضة، فقام زياد مع عماله بإجبار الناس على مصادرة ما عندهم من ذلك وإرساله إلى دمشق. 
 
ثانياً: إثارة عناصر التفرقة والعصبيات القبلية 
 
عمل معاوية على تمزيق أواصر الأمة الإسلامية بإثارة الروح القومية والقبلية والإقليمية إمعاناً في إلهاء الأمة في تناقضات جانبية على حساب تناقضها الأساسي مع الحكم الأموي الجائر، وذلك في ممارسة إثارة الضغائن بين القبائل العربية وإشغالها بالصراعات الجانبية فيما بينها، كالصراع الذي نشب بين قيس ومضر، وأهل اليمن والمدينة، وبين قبائل العراق فيما بينها، وإثارة العنصرية عند العرب ضد المسلمين من غير العرب الذين يُعرفون تاريخياً باسم الموالي، الذين أراد أن يقتل شطراً منهم لو لم ينهه الأحنف بن قيس 1، كما عمد معاوية إلى إثارة الأحقاد القديمة ما بين الأوس والخزرج محاولاً بذلك التقليل من أهميتهم، وإسقاط مكانتهم، وبمقدور المرء أن يجد آثار تلك السياسة الجاهلية جليّاً في أشعار مسكين الدارمي والفرزدق وجرير والأخطل وسواهم.
 
 
 

1- العقد الفريد ج2 ص260.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
16

12

القسم الأول: من أسباب النهضة الحسينية

 ثالثاً: الخداع والمخاتلة

 
وأقام معاوية دولته على المخاتلة والخداع، فلما دس السم إلى مالك الأشتر أقبل على أهل الشام فقال لهم: " إن علياً وجه الأشتر إلى مصر فادعوا الله أن يكفيكموه". 
 
فكان أهل الشام يدعون عليه في كل صلاة، ولما أخبر بموته أنبأ أهل الشام بأن موته نتج عن دعائهم لأنهم حزب الله، ثم همس في أذن ابن العاص قائلاً له: "إن لله جنوداً من عسل".
 
رابعاً: الإستخفاف بالقيم والأحكام الإسلامية
 
عرف معاوية بالخلاعة والمجون، يقول ابن أبي الحديد: " كان معاوية أيام عثمان شديد التهتك موسوماً بكل قبيح، وكان في أيام عمر يستر نفسه قليلاًً خوفاً منه". 
 
ونقل الناس عنه في كتب السيرة أنه كان يشرب الخمر 1. واستخف بكافة القيم الدينية، ولم يعن بجميع ما جاء به الإسلام من الأحكام فاستعمل أواني الذهب والفضة، وأباح الربا 2، وتطيَّب في الإحرام، وعطَّل الحدود، واستلحق زياد بن أبيه، وقد خالف بذلك قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "الولد للفراش وللعاهر الحجر". 
 
خامساً: تأسيس مدرسة الكذب في الحديث
 
وعمد معاوية فأوعز إلى بعض الوضاعين من الصحابة أن يفتعلوا الأحاديث على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في إلزام الأمة بالخضوع للظلم، والخنوع للجور والتسليم لما يقترفه سلطانها من الجور والإستبداد وهذه بعض الأحاديث: 
1 – روى البخاري بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لأصحابه: " إنكم سترون بعدي إثرة، وأموراً تنكرونها: قالوا فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : أدّوا إليهم حقهم، واسألوا الله حقكم..".
 
 
 

1- مسند أحمد ابن حنبل ج5 ص347.
2- سنن النسائي ج7 ص279.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
17

13

القسم الأول: من أسباب النهضة الحسينية

 2- روى البخاري بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "من رأى من أميره شيئاًً يكره فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية". 


سادساً: الحط من قيمة أهل البيت عليهم السلام 

وقد استخدم الكتاتيب لتغذية الأطفال ببغضهم، ثم استخدم لذلك الوعّاظ الذين سخرهم واستأجرهم لكي يحولوا القلوب عن أهل البيت عليه السلام ، ويذيعوا الأضاليل في انتقاصهم تدعيماً للحكم الأموي، فقام هؤلاء بافتعال الأخبار ووضع الأحاديث على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم للحط من قيمة أهل البيت عليه السلام وأبرز هؤلاء: أبو هريرة الدوسي، وسمرة بن جندب، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبة، وقد افتعلوا آلاف الأحاديث على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت عدة طوائف مختلفة حسب التخطيط السياسي للدولة وهي: 
الطائفة الأولى: وضع الأخبار في فضل الصحابة لجعلهم قبال أهل البيت، وقد عدّ الإمام الباقر عليه السلام أكثر من مائة حديث، منها أن عمر كان محدَّثاً، أي تحدثه الملائكة. وأن السكينة تنطق على لسان عمر، وأن عمر يلقنه الملك، وأن الملائكة لتستحي من عثمان!! و" إن سيدي كهول أهل الجنة أبو بكر وعمر"، وقد عارضوا بذلك الحديث المتواتر "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة".

الطائفة الثانية: وضع الأخبار في ذم العترة الطاهرة والحط من شأنها، فقد أعطى معاوية سمرة بن جندب أربع مائة ألف على أن يخطب في أهل الشام، ويروي لهم أن هذه الآية الكريمة )ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد( قد نزلت في
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
18

14

القسم الأول: من أسباب النهضة الحسينية

 أمير المؤمنين علي عليه السلام ، فروى لهم سمرة ذلك وأخذ العوض الضخم من بيت مال المسلمين 1

 
وروى الأعمش أنه لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة في سنة 41 هجرية، جاء إلى مسجد الكوفة، فلما رأى كثرة من استقبله من الناس، جثا على ركبتيه ثم ضرب صلعته مراراً، وقال: " يا أهل العراق أتزعمون أني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحرق نفسي بالنار؟ لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " إن لكل نبي حرماً، وإن حرمي ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيهما حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة أجمعين، وأشهد بالله أن علياً أحدث فيها!! فلما بلغ معاوية قوله أجازه وأكرمه وولَّاه إمارة المدينة 2
 
الطائفة الثالثة: افتعال الأخبار في فضل معاوية، فقد روى هؤلاء أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " معاوية بن أبي سفيان أحلم أمتي وأجودها 3" و "صاحب سري معاوية بن أبي سفيان 4" و "اللهم علِّمه – يعني معاوية – الكتاب وقه العذاب وأدخله الجنة". 
 
 
 

1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 73.
2- شرح نهج البلاغة ج4، ص259.
3- تطهير الجنان، ص12.
4- تطهير الجنان، ص13. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
19

15

القسم الأول: من أسباب النهضة الحسينية

  سابعاً: سب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام 

 
وتمادى معاوية في التطاول على الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فأعلن سبه في نواديه العامة والخاصة وأوعز إلى جميع عماله وولاته أن يذيعوا سبّه بين الناس، وسرى سب الإمام في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وقد خطب معاوية في أهل الشام فقال لهم: " أيها الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي: إنك ستلي الخلافة من بعدي فاختر الأرض المقدسة، يعني الشام، فإن فيها الأبدال، وقد اخترتكم فالعنوا أبا تراب" 1، فعجّ أهل الشام بسب الإمام. وخطب معاوية فيهم، فقال لهم: " ما ظنكم برجل، يعني علياً، لا يصلح لأخيه، يعني عقيلاً، يا أهل الشام !! إن أبا لهب المذموم في القرآن هو عم علي بن أبي طالب" 
 
ويقول المؤرخون: إنه كان إذا خطب ختم خطابه بقوله: " اللهم إن أبا تراب ألحد في دينك وصدَّ عن سبيلك فالعنه لعناً وبيلاً، وعذَّبه عذاباً أليماً". 
 
عن الزهري قال: قال ابن عبّاس لمعاوية: ألا تكفّ عن شتم هذا الرجل؟ قال: ما كنت لأفعل حتّى يربو عليه الصغير ويهرم فيه الكبير، فلمّا ولّي عمر بن عبد العزيز كفّ عن شتمه، فقال الناس: ترك السُّنة 2.
 
وكان يشاد بهذه الكلمات على المنابر، ولما ولى معاوية المغيرة بن شعبة إمارة الكوفة، كان أهم ما عهد إليه أن لا يتسامح في شتم الإمام عليه السلام والترحم على عثمان، والعيب لأصحاب علي عليه السلام وإقصائهم، وأقام المغيرة والياً على الكوفة سبع سنين وهو لا يدع ذم علي عليه السلام والوقوع فيه. 
 
واضطهدت الشيعة أيام معاوية اضطهاداً رسمياً في جميع أنحاء البلاد، وقوبلوا بمزيد من العنف والشدة، فقد انتقم منهم معاوية كأشد ما يكون الإنتقام قسوة وعذاباً. 
 
 

1- شرح نهج البلاغة ج3 ص361.
2- شرح أصول الكافي للمازندراني: 11 ص 293، البحار: 33 ص 214، شرح النهج: 2 ص 102. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
20

16

القسم الأول: من أسباب النهضة الحسينية

 ثامناً: القتل والإرهاب و تصفية المعارضين

 
فوجئ العرب والمسلمون بالسياسة الجديدة للدولة الإسلامية، وهي سياسة البطش والإرهاب والقتل على الظنة والشك، فقد كان عدم وجود سلطة مركزية أحد عدم موانع انتشار الرسالة الإسلامية، ولكن بعد أن انتشرت هذه الرسالة وتأسست دولتها المركزية وأصبح لديها جيش قوي في الشام، استعمل معاوية هذه الدولة المركزية وهذا الجيش القوي في التنكيل والقتل وزرع الرعب في قلوب الناس، فكانت هذه المرحلة مرحلة انقلاب أساسي في حياة الناس وحريتهم، فقد كانوا في زمن الخلفاء أحراراً يستطيعون المعارضة وإسقاط الخليفة بل قتله، أما الآن فلم يكن أمام الناس إلا الخضوع مذهولين للدولة الإرهابية الجديدة. 
 
فمما أوصى به معاوية أحد قادة جيوشه:".. فأقتل من لقيته ممن ليس هو على مثل رأيك، واخرب كل ما مررت به من القرى، واخرب الأموال، فإن خرب الأموال شبيه بالقتل وهو أوجع للقلب" 1
 
وقد قتل بسر بن أبي أرطأة ثلاثين ألفاً عدا من أحرقهم بالنار، وقتل سمرة بن جندب ثمانية آلاف من أهل البصرة.
 
وأسرف معاوية إلى حدٍّ كبير في سفك دماء الشيعة، فقد عهد إلى الجلادين من قادة جيشه بتتبع الشيعة وقتلهم حيثما كانوا، وكتب إلى ولاته في جميع الأمصار: انظروا من قامت عليه البيّنة أنه يحبّ علياً وأهل بيته، فامحوه من الديوان واسقطوا عطاءه ورزقه 2، وكتب كتاباًً آخر جاء فيه: من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكّلوا به واهدموا داره 3، فارتكب زياد بن أبيه أفظع المجازر، فقطع الأيدي والأرجل وسمل العيون، وأنزل بالشيعة من صنوف العذاب ما لا يوصف لمرارته وقسوته. 
 
 
 

1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة ج 2 ص 86.
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة ج 11 ص 45.
3- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة ج 11 ص 45. 


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
21

17

القسم الأول: من أسباب النهضة الحسينية

 وقد صوَّر الإمام محمّد الباقر عليه السلام تلك المأساة الدامية بأقصر عبارة وأدقها، حين قال: "فقُتلت شيعتنا بكل بلدة، وقطعت الأيدي والأرجل على الظِنّة، وكان من يُذكر بحبنا والإنقطاع إلينا سُجن، أو نهب ماله، أو هدمت داره، ثم لم يزل البلاء يشتدّ ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين عليه السلام " 1.

 
وعمد معاوية نفسه إلى إبادة رموز الشيعة كحجر بن عدي، ورشيد الهجري وعمرو بن الحمق الخزاعي، وأوفى بن حصن، وعبد الله الحضرمي، وجويرية العبدي وصيفي بن فسيل. 
 
كذلك أوعز معاوية إلى جميع عماله بهدم دور الشيعة، فقاموا بنقضها وتركوا شيعة آل البيت عليه السلام بلا مأوى يأوون إليه، وبادر عماله في الفحص في سجلاتهم، فمن وجدوه محباً لآل البيت عليه السلام محوا اسمه وأسقطوا عطاءه، وعمد معاوية إلى إسقاط الشيعة اجتماعياً، فعهد إلى جميع عماله بعدم قبول شهادتهم في القضاء وغيره. 
 
وأراد زياد بن أبيه تصفية الشيعة من الكوفة وكسر شوكتهم فأجلى خمسين ألفاً منهم إلى خراسان وهي المقاطعة الشرقية في فارس، وقد دقَّ زياد بذلك أول مسمار في نعش الحكم الأموي، فقد أخذ أولئك الذين أبعدوا إلى فارس يعملون على نشر التشيع في تلك البلاد، حتى تحوَّلت إلى مركز للمعارضة ضد الحكم الأموي، وهي التي أطاحت به تحت قيادة أبي مسلم الخراساني. 
 
تاسعاً: تعيين يزيد خليفة على المسلمين
 
ابتدأت قصة يزيد مع الخلافة قبل شهادة الإمام الحسن عليه السلام ، ولكن معاوية لم يستطع الإستمرار فيها بسبب بعض المعارضة، فآثر تأجيلها، وبعد شهادة الإمام الحسن عليه السلام 1 ختم معاوية حياته بأكبر إثم في الإسلام، فقد أقدم غير متحرِّج على فرض يزيد خليفة على المسلمين.
 
 
 

1- ابن أبي الحديد شرح نهج البلاغة ج 11، ص 43. 
2- الإستيعاب، ج1، ص391، دار الجيل – بيروت، والإمامة والسياسة، ج1، ص173-174.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
22

18

القسم الأول: من أسباب النهضة الحسينية

 فقد بلغ المغيرة بن شعبة أن معاوية يريد عزله عن ولاية الكوفة وتعيين سعيد بن العاص مكانه، فتقرّب إليه باقتراح خلافة يزيد، وتعهَّد له بأن يذلل له الصعاب في الكوفة، فأرجعه إلى عمله. وكانت هذه الحادثة فتح عهد يزيد بالخلافة، فقد أوفد إليه المغيرة وفداً من الكوفة لمبايعة يزيد، فابتدأت بذلك هذه المحنة 1

 
وقوي عزم معاوية على الإستمرار، فطلب من زياد بن أبيه المشورة ولكنه نصحه بالتريث. فانتظر حتى مات زياد2 فكتب ببيعته إلى الآفاق3. ثم حاول أن يفرض هذه البيعة على الإمام الحسين عليه السلام بالقوة والعنف تارة 4، وبالحيلة والخداع تارة أخرى 5. وقد كان الإمام عليه السلام يتصدى لكل هذه المحاولات لمعاوية ويكشف زيفها وحقيقة يزيد وعدم أهليته 6.
 
لقد نقض معاوية أهم وأخطر بند في صلحه مع الإمام الحسن عليه السلام ، وأشعل بذلك فتيل أخطر حرب في تاريخ الإسلام لم تنطفئ إلى يومنا هذا، فقد حوّل الإمامة التي هي وراثة النبوة إلى ملك شخصي عائلي يتوارثه الأبناء والأحفاد، وهذا ما سمَّاه المؤرخون تحويل الخلافة إلى قيصرية وكسروية، وفوق ذلك كله فقد كان مختاره للخلافة أقل بكثير من المستوى العادي، وهو ولده يزيد.
 
 
 

1- الكامل في التاريخ، ج3، ص503-504. 
2- الكامل في التاريخ، ج3، ص506.
3- الإمامة والسياسة، ج1، ص176-177. 
4- الإمامة والسياسة، ج1، ص182-183.77
5- الفتوح لإبن الأعثم، ج4، ص343.
6- الفتوح لإبن الأعثم، ج4، ص339، والإمامة والسياسة، ص185-190.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
23

19

القسم الأول: من أسباب النهضة الحسينية

 شخصية الخليفة الجديد: يزيد بن معاوية

 
ولد سنة 25 أو 26 هجرية ولادة ملتبسة 1، ونشأ في البادية متربياً في أحضان أخواله من بني "كلب" ممن كان نصرانياً قبل فتح بلاد الشام، فتأثر بهم في سلوكه وأفكاره، فإذا به ماجن يشرب الخمر ويدمن عليه حتى يترك الصلاة 2، ولع بالصيد 3، شغف بالقرود 4، ملحد في دين الله 5.يستقري الكلاب المهارشة عند التهارش والحمام السُّبَّق لأترابهنَّ والقينات ذات المعازف وضروب الملاهي 6، أو كما نقل ابن كثير اشتهر بالمعازف وشرب الخمر والغناء والصيد واتخاذ الغلمان والقيان والكلاب والنطاح بين الكباش والدباب والقرود، وما من يوم إلا ويصبح فيه مخمور 7، وما عن أنساب الأشراف كان يزيد بن معاوية أول من أظهر الشراب والإستهتار بالغناء، والصيد، واتّخاذ القيان والغلمان، والمتفكِّه بما يضحك منه المترفون من القرود والمعاقرة بالكلاب والديكة. 
 
ومع ذلك فقد كان هوى معاوية في يزيد، إلى الدرجة التي عرّض فيها مستقبل حكم بني أميّة للخطر، فللحفاظ على هذا الملك كان ينبغي أن يرشح داهية آخر يتصنع الإيمان والحكمة والحلم غير يزيد، ولا يرتكب من الحماقات ما يفضحه ويكشفه على حقيقته، ولكن حبه ليزيد وانقياده لهواه فيه أعماه عن هذا القصد، فقال  ولولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي وعرفت قصدي 8 لذلك حاول أن يستدرك شيئاًً من الضعف في شخصية
 
 


1- بحار الأنوار ج 44 ص 309
2- تاريخ ابن عساكر ج 7 ص 372. وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 81، البداية والنهاية ج8 ص216، الكامل لابن الاثير،ج4،ص45، مروج الذهب ج2ص59.
3- الفخري لابن الطقطقي ص45. تاريخ اليعقوبي ج2 ص230. تاريخ الأمم والملوك ج4 ص368.البداية والنهاية ج8 ص 236-239.
4- جواهر المطالب 143. أنساب الأشراف ج 2 ص 2.
5- البداية ولنهاية ج8 ص192، مروج الذهب ومعادن الجوهر ج2 ص95.
6- الإمامة والسياسة، ج1، ص187. 
7- البداية والنهاية، ج2، ص258. 
8- الفتوح لإبن الأعثم، ج4، ص344، والبداية والنهاية، ج8، ص126. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
24

20

القسم الأول: من أسباب النهضة الحسينية

  يزيد، فأوصاه بوصايا يعلمه فيها كيف يتعامل مع رؤوس معارضيه المحتملين، من أولاد الصحابة:

"فأما عبدالله بن عمر فهو معك فالزمه ولا تدعه 1، وأما الحسين فهو رجل خفيف 2 فقد عرفت حظه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو من لحم رسول الله ودمه، وقد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه ويضيّعونه، وأرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه وخذل أخاه، فإن ظفرت به فأعرف حقه ومنزلته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا تؤاخذه بفعله، ومع ذلك فإن لنا به خلطة ورحماً وإياك أن تناله بسوء ويرى منك مكروهاً 3. وأما ابن الزبير فخبٌّ ضبٌّ، فإذا شخَصَ لك فالبد له، إلا أن يلتمس منك صلحاً، فإن فعل فأقبل واحقن دماء قومك ما استطعت" 4
 
كان معاوية حريصاً جداًً في هذه الوصية على عناصر المرونة والدهاء التي تضمن استمرار الحكم الأموي، وتبعده عن مهاوي الحماقة والنزق والعجلة. ولكن هل كان معاوية يعتقد بأن يزيد سيطبق هذه الوصية ؟ ألم يخالف عندما طلب منه عدم إظهار التهتك والتستر على شخصيته ؟ 5 ألم يكن يعلم أن يزيداً سوف يقتل الحسين عليه السلام ، وهو المتتبع للأخبار التي كانت تتناقل منذ عصر النبوة، وتقول إن يزيد هو قاتله بيد جيش يقوده عمر بن سعد، بل تصل إلى تحديد المكان والزمان، بل وحتى اسم حامل الرأس الشريف؟ ولكنه مع ذلك كان مصراً على تعيين يزيد ملكاً وهو يعلم أن الإمام الحسين عليه السلام سيبتلى بعد معاوية بمن لا ينظره فواق ناقة، يعني يزيد 6
 
 
 

1- أمالي الصدوق، ص129، المجلس الثلاثون ح1. 
2- الطبري، ج4، ص238-239. 
3- أمالي الصدوق، 129، المجلس الثلاثون، ح1. 
4- تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص238-239. الشيخ الصدوق، في أماليه 129ن المجلس 30،ح1. 
5- تاريخ اليعقوبي، ج2، ص220. 
6- شرح نهج البلاغة، ج18، ص327. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
25

21

القسم الأول: من أسباب النهضة الحسينية

  لقد كان معاوية يوصي يزيداً باتباع أسلوب الدهاء والمراوغة، ولكن هل كان يقدم معاوية على قتل الإمام الحسين عليه السلام لو خرج عليه، كما قتله يزيد حينما خرج عليه؟ 

 
لا إشكال ولا ريب... 
 
إلا أن يقال بأن معاوية أدهى من أن يبتلى علناً وجهاراً بقتل الإمام عليه السلام كما فعل يزيد، بل قد يقتله غيلة وسراًً بالسم أو غيره... ولكن القتل أولاً وآخراً هو الأسلوب الوحيد المتبقي بين يدي الوالد والولد، وهذا ما أكّد عليه يزيد حينما قيل له إن معاوية كان يكره قتل الحسين عليه السلام فقال: " ذلك قبل أن يخرج، ولو خرج على أمير المؤمنين والله قتله إن قدر" 1
 
إذن فالوصية المذكورة من معاوية لابنه لا تتعدى سقف الوصية بأسلوب الدهاء والمرونة والمراوغة كسياسة عامة مع الخصوم... وأما أصل القتل والتنكيل فينبغي أن يكون بحيث لا يصيب الدولة الأموية منه ضرر... أي سرّاً وخفية يقوم به جنود من عسل مثلاً. 
 
 
 

1- مقتل الحسين عليه السلام، الخوارزمي ص59-60.  
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
26

22

القسم الثاني: السبط الشهيد الامام الحسين بن علي بن أبي طالب سيد شباب أهل الجنة

  القسم الثاني: السبط الشهيد الامام الحسين بن علي بن أبي طالب سيد شباب أهل الجنة

 
 السيرة الذاتية
 
ولد عليه السلام بالمدينة يوم الثلاثاء، وقيل: يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان 1، وقيل: لخمس خلون منه سنة أربع من الهجرة2، وقيل: ولد آخر شهر ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة 3 ولم يكن بينه وبين أخيه الحسن عليه السلام إلا الحمل، والحمل ستة أشهر. وجاءت به فاطمة الزهراء أمه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسمَّاه حسيناًً وعقَّ عنه كبشاًً. وعاش سبعاً وخمسين سنة وخمسة أشهر، كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبع سنين، ومع أمير المؤمنين سبعاً وثلاثين سنة، ومع أخيه الحسن عليه السلام سبعاً وأربعين سنة، وكانت مدة خلافته عشر سنين وأشهراً. واستشهد صلوات الله عليه يوم عاشوراء يوم السبت، وقيل: يوم الاثنين4 وقيل: يوم الجمعة سنة إحدى وستين من الهجرة5
 
 
 

1- مسار الشيعة: 61، مصباح المتهجد: 758.
2- إرشاد المفيد 2: 27، مناقب ابن شهرآشوب 4: 76، مقاتل الطالبيين: 78، أسد الغابة 18: 2.
3- المقنعة: 67 4، التهذيب للطوسي 6: 41.
4- الكافي 1: 385 / ب 115، التهذيب للطوسي 6: 42، مقاتل الطالبيين: 78.
5- التهذيب للطوسي 6: 42، مقاتل الطالبيين: 78.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
27

23

القسم الثاني: السبط الشهيد الامام الحسين بن علي بن أبي طالب سيد شباب أهل الجنة

 النصوص على إمامته 

 
صرَّح النبي صلى الله عليه وآله وسلم على إمامته أيضاً بقوله: "ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا". وأيضا فإن وصية الحسن عليه السلام إليه تدل على إمامته، كما دلَّت وصية أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحسن عليه السلام على إمامته، بحسب ما دلت وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمير المؤمنين عليه السلام على إمامته من بعده. ومما جاء من الأخبار في وصية الحسن عليه السلام إليه ما رواه محمّد ابن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن محمّد ابن سليمان الديلمي، عن هارون بن الجهم، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي عليه السلام يقول: (لما احتضر الحسن عليه السلام قال للحسين عليه السلام: يا أخي إني أوصيك بوصية (فاحفظها) إذا أنا مت فهيئني ووجهني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأحدث به عهداً، ثم اصرفني إلى أمي فاطمة عليه السلام ثم ردني فأدفني بالبقيع)1.
 
وروى محمّد بن يعقوب بإسناده، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "لما حضرت الحسن عليه السلام الوفاة قال: يا قنبر انظر هل ترى من وراء بابك مؤمناً من غير آل محمّد ؟ فقال: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، قال: امض فادع لي محمّد بن علي2. قال: فأتيته، فلما دخلت عليه قال: هل حدث إلا خير ؟ قلت: أجب أبا محمّد. فعجَّل على شسع نعله فلم يسوِّه، فخرج معي يعدو، فلما قام بين يديه سلَّم فقال له الحسن عليه السلام: إجلس فليس مثلك يغيب عن سماع كلام يحيى به الأموات ويموت به الأحياء، كونوا أوعية العلم ومصابيح الدجى، فإن ضوء النهار بعضه أضوء من بعض، أما علمت أن الله عز جل جعل ولد إبراهيم أئمة وفضَّل بعضهم على بعض وأتى داود زبوراً، وقد علمت بما استأثر (به) محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم .
 
يا محمّد بن علي، إني أخاف عليك الحسد، وإنما وصف الله تعالى به الكافرين
 
 
 

1- الكافي 1: 240 / 3، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 44: 174 / 1.
2- هو أخوه محمّد بن الحنفية.



 
 
 
 
 
 
 
 
 
28

24

القسم الثاني: السبط الشهيد الامام الحسين بن علي بن أبي طالب سيد شباب أهل الجنة

 فقال: "كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعدما تبيَّن لهم الحق" ولم يجعل الله للشيطان عليك سلطاناًً. يا محمّد بن علي، ألا أخبرك بما سمعت من أبيك عليه السلام فيك ؟ قال: بلى. قال: سمعت أباك يقول يوم البصرة: من أحب أن يبرّني في الدنيا والآخرة فليبر محمّداً ولدي.

 
يا محمّد بن علي، لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك. يا محمّد بن علي، أمَا علمت أن الحسين بن علي بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي، وعند الله في الكتاب وراثة من النبي أضافها الله له في وراثة أبيه وأمه، علم الله أنكم خيرة خلقه فاصطفى منكم محمّداً واختار محمّد علياً واختارني علي للإمامة واخترت أنا الحسين. فقال له محمّد بن علي: أنت إمامي وسيدي...الحسين أعلمنا علماًً، وأثقلنا حلماً، وأقربنا من رسول الله رحماً، كان إماماً قبل أن يخلق، وقرأ الوحي قبل أن ينطق، ولو علم الله أن أحداًً خيراًً منا ما اصطفى محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما اختار محمّداً اختار محمّد علياً إماماً واختارك علي بعده واخترت الحسين عليه السلام بعدك، سلمنا ورضينا1".
فكانت إمامته عليه السلام ثابتة بعد أخيه الحسن عليه السلام وإن لم يدع إلى نفسه، للهدنة الحاصلة بينه وبين معاوية بن أبي سفيان، وجرى في ذلك مجرى أبيه في ثبوت إمامته بعد النبي عليه وآله الصلاة والسلام مع الكف، ومجرى أخيه عليه السلام في زمان الهدنة، فلما انقضت بهلاك معاوية، واجتمع له أنصار أظهر أمره.
 
من خصائصه ومناقبه وفضائله عليه السلام 
 
كان عليه السلام يشبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من صدره إلى رجليه وكان الحسن عليه السلام يشبهه من صدره إلى رأسه. وروى سعيد بن راشد، عن يعلى بن مرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين
 
 
 

1- الكافي 1: 239 / 2، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 44: 174 / 2.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
29

25

القسم الثاني: السبط الشهيد الامام الحسين بن علي بن أبي طالب سيد شباب أهل الجنة

 سبط من الأسباط)1. وروى عبد الله بن ميمون القداح، عن جعفر بن محمّد عليه السلام قال: (اصطرع الحسن والحسين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (حسن خذ حسيناًً، فقالت فاطمة عليه السلام: يا رسول الله أتستنهض الكبير على الصغير ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هذا جبرئيل يقول للحسين: إيهاً2 حسين خذ حسناً)3. وروى الأوزاعي، عن عبد الله بن شداد، عن أم الفضل، أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: يا رسول الله رأيت الليلة حلماً منكراً. قال: (وما رأيت ؟). فقالت: إنه شديد. قال: (وما هو ؟). قالت: رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (خيراًً رأيتِ، تلد فاطمة غلاماً فيكون في حجرك). فولدت الحسين عليه السلام وكان في حجري كما قال صلوات الله عليه وآله. قالت: فدخلت به يوماً على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوضعته في حجره، ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تهرقان بالدموع، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله مالك ؟ قال: (أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا، وأتاني بتربة من تربته حمراء)4. وفي مسند الرضا عليه السلام: عن علي بن الحسين عليه السلام قال: (حدّثتني أسماء بنت عميس قالت: لما كان بعد حولٍ من مولد الحسن عليه السلام ولد الحسين عليه السلام فجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا أسماء هاتي ابني، فدفعته إليه في خرقة

 
 

1- كامل الزيارات: 52 و 53، إرشاد المفيد 2: 127، المصنف لابن أبي شيبة 12: 102 / 12244، سنن ابن ماجة 1: 51، الأدب المفرد للبخاري 1: 455 / 364، والتاريخ الكبير 8: 414 / 3536، مسند أحمد 4: 172، صحيح الترمذي 5: 658 / 3775، المعجم الكبير للطبراني 3: 20 / 586 و 587 و 589، مستدرك الحاكم 3: 177، ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك، تاريخ ابن عساكر– ترجمة الإمام الحسين عليه السلام: 79 /، 112 أسد الغابة 2: 19، جامع الأصول 9: 29، ذخائر العقبى: 133، سير أعلام النبلاء 3: 190، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 43: 270 / 35.
2- إيه:اسم سمي به الفعل،لأن معناه الأمر.تقول للرجل إذا استزدته من حديث أو عمل:إيهبكسر الهاء-.قال ابن السكيّت:فإن وصلت نونت فقلت:إيه حدثنا.الصحاح ـ أيه ـ6:2226-.
3- قرب الاسناد: 101 / 339، أمالي الصدوق: 361، إرشاد المفيد 2: 128، أمالي الطوسي 2: 172، مناقب ابن شهرآشوب 3: 393، مقتل الخوارزمي: 155، تاريخ ابن عساكر– ترجمة الإمام الحسين عليه السلام 116 - 117 / 154 - 156، 5 أسد الغابة 2: 19، ذخائر العقبى: 134، الإصابة: 1: 332، وفي بعضها باختلاف يسير، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 43: 276 / 45.
4- إرشاد المفيد 2: 129، دلائل الإمامة: 72، مستدرك الحاكم 3: 176، دلائل النبوة للبيهقي 6: 468، مقتل الخوارزمي 1: 158، البداية والنهاية 6: 230.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
30

26

القسم الثاني: السبط الشهيد الامام الحسين بن علي بن أبي طالب سيد شباب أهل الجنة

 بيضاء فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ووضعه في حجره وبكى. قالت أسماء: فداك أبي وأمي مم بكاؤك ؟ قال: من ابني هذا. قلت: إنه ولد الساعة ! قال: يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي، ثم قال: يا أسماء، لا تخبري فاطمة فإنها حديث عهد بولادته، ثم قال لعلي: أي شيئ سميت ابني هذا؟ قال: ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله، فقال رسول الله: ما كنت لأسبق باسمه ربي. فأتاه جبرئيل فقال: الجبار يقرئك السلام ويقول: سمه باسم ابن هارون. فقال: وما اسم ابن هارون ؟ قال: شبير. قال: لساني عربي. قال: سمه الحسين. فسماه الحسين، ثم عق عنه يوم سابعه بكبشين أملحين، وحلق رأسه وتصدق بوزن شعره ورقاً، وطلى رأسه بالخلوق وقال: الدم فعل الجاهلية، وأعطى القابلة فخذ كبش)1.

وروى الضحَّاك، عن ابن المخارق، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم جالس والحسين عليه السلام في حجره إذ هملت عيناه بالدموع فقلت: يا رسول الله أراك تبكي جعلت فداك ؟ قال: (جاءني جبرئيل عليه السلام فعزاني بابني الحسين، وأخبرني أن طائفة من أمتي ستقتله، لا أنالهم الله شفاعتي)2.
 
وروي بإسناد آخر عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج من عندنا ذات ليلة فغاب عنا طويلاًً ثم جاءنا وهو أشعث أغبر ويده مضمومة، فقلت له: يا رسول الله، ما لي أراك شعثاً مغبَّراً ؟ فقال: (أسري بي في هذه الليلة إلى موضع من العراق يقال له: كربلاء، فأريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من ولدي وأهل بيتي، فلم أزل ألقط منه دماءهم فها هي في يدي) وبسطها فقال: (خذيه واحتفظي به). فأخذته فإذا هو شبه تراب أحمر، فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها، فلما خرج الحسين عليه السلام متوجهاًً نحو العراق كنت أُخرج تلك القارورة في كل يوم وليلة فأشمها وأنظر إليها ثم أبكي لمصابه، فلما كان يوم العاشر من المحرم 
 
 
 

1- عيون أخبار الرضا عليه السلام 2: 25 / ضمن حديث 5.
2- إرشاد المفيد 2: 130، كشف الغمة 2: 7.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
31

27

القسم الثاني: السبط الشهيد الامام الحسين بن علي بن أبي طالب سيد شباب أهل الجنة

 - وهو اليوم الذي قتل فيه - أخرجتها في أول النهار وهي بحالها، ثم عدت إليها آخر النهار فإذا هي دم عبيط، فصحت في بيتي وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداؤهم بالمدينة فيسرعوا بالشماتة، فلم أزل حافظة للوقت واليوم حتى جاء الناعي ينعاه، فحقق ما رأيت 1.

 
وعن ابن عباس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (قال لي جبرئيل عليه السلام: إن الله جل جلاله قتل بدم يحيى بن زكريا سبعين ألفاً، وهو قاتل بدم ابنك الحسين سبعين ألفاً وسبعين ألفاً)2. وروى سفيان بن عيينة، عن علي بن زيد، عن علي بن الحسين عليه السلام قال: (خرجنا مع الحسين عليه السلام فما نزل منزلاً ولا ارتحل عنه إلا ذكر يحيى بن زكريا، وقال يوما: من هوان الدنيا على الله عز وجل أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسراًئيل) 3. وروى يوسف بن عبدة قال: سمعت محمّد بن سيرين يقول: لم تُرَ هذه الحمرة في السماء إلا بعد قتل الحسين عليه السلام 4. وذكر الحافظ الشيخ أبو بكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة قال: أخبرنا القطان: حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا سليمان ابن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن معمر قال: أول ما عرف الزهري تكلم في مجلس الوليد بن عبد الملك، فقال الوليد: أيكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين بن علي ؟ فقال الزهري: بلغني أنه لم يقلب حجر إلا وجد تحته دم عبيط5. قال: وأخبرنا القطان بإسناده، عن علي بن مسهر قال: حدثتني جدتي قالت:
 
 
 

1- إرشاد المفيد 2: 130، كشف الغمة 802، وروى مضمونه اليعقوبي في تاريخه 2:
2- تاريخ بغداًد 1: 142، تاريخ ابن الإمام الحسين عليه السلام 241 / 286، الفردوس لابن شيرويه 3: 187 / 4515.
3- إرشاد المفيد 2: 132، مجمع البيان 3: 502، كشف الغمة 2: 9.
4- إرشاد المفيد 2: 132، كشف الغمة 2: 9، طبقات ابن سعد - ترجمة الإمام الحسين عليه السلام ج 8 انظر: مجلة تراثنا العدد 10: ص 200 ح 326، تاريخ أبن عسكر- ترجمة الإمام علي عليه السلام: 45 / 298، وباختلاف يسير في: المعجم الكبير للطبراني 3:122 / 2840، ونحوه في: سير أعلام النبلاء 3: 312، وتاريخ الإسلام للذهبي: ص 15حوادث سنة 61.
5- دلائل النبوة للبيهقي 6: 471، ورواه الطبراني في المعجم الكبير 3: 127 / 2856، والذهبي في سير أعلام النبلاء 3: 314، وتاريخ الإسلام: ص 16 حوادث سنة 61، والهيثمي في مجمع الزوائد 9: 197.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
32

28

القسم الثاني: السبط الشهيد الامام الحسين بن علي بن أبي طالب سيد شباب أهل الجنة

 كنت أيام الحسين عليه السلام جارية شابة فكانت السماء أياماً علُقة 1. قال: وأخبرنا القطان بإسناده، عن جميل بن مرة قال: أصابوا إبلاً في عسكر الحسين عليه السلام يوم قتل فنحروها وطبخوها، قال: فصارت مثل العلقم فما استطاعوا أن يسيغوا منها شيئاًً 2. وعن ابن عباس قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما يرى النائم ذات يوم بنصف النهار أشعث أغبر، بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما هذه قال: (هذا دم الحسين عليه السلام وأصحابه لم أزل التقطه منذ اليوم)، فأحصي بذلك الوقت فوجد (قد) قتل ذلك اليوم 3 وعن نضرة الأزدية: لما قتل الحسين بن علي عليه السلام مطرت السماء دماً، فأصبحت وكل شيء لنا ملء دم 4 !! وروى محمّد بن مسلم، عن السيدين الباقر والصادق عليه السلام قال: سمعتهما يقولان: (إن الله تعالى عوّض الحسين عليه السلام من قتله: أن جعل الإمامة في ذريته، والشفاء في تربته، وإجابة الدعاء عند قبره، ولا تعد أيام زائره جائياً وراجعاً من عمره). قال محمّد بن مسلم: فقلت لأبي عبد الله عليه السلام: هذه الخلال تنال بالحسين فماله هو في نفسه ؟ قال: (إن الله تعالى ألحقه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان معه في درجته ومنزلته) ثم تلا أبو عبد الله عليه السلام: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ 5-6. ومما روي في السبطين عليه السلام: ما رواه عتبة بن غزوان قال: كان

 
 

1- دلائل النبوة للبيهقي 6: 472، ورواه الطبراني في المعجم الكبير 3: 120 / 2836، وابن عساكر في تاريخه- ترجمة الإمام الحسين عليه السلام: 242 / 289، والهيثمي في مجمع الزوائد 9: 196.
2- دلائل النبوة للبيهقي 6: 472، ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء 3: 313، وتاريخ الإسلام: ص 15 حوادث سنة 61.
3- مسند أحمد 1: 242 و 283، المعجم الكبير للطبراني 3: 116، 2822، مستدرك الحاكم 4: 397، ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك، دلائل النبوة للبيهقي 6: 471، تاريخ بغداًد 1: 142، تاريخ ابن عساكر - ترجمة الإمام الحسين عليه السلام: 261 / 325، أسد - الغابة 2: 23، سير أعلام النبلاء 3: 315، تاريخ الإسلام للذهبي: ص 17 حوادث سنة 61، البداية والنهاية 6: 231، تهذيب التهذيب 2: 355، مجمع الزوائد 9: 194.
4- طبقات ابن سعد - ترجمة الإمام الحسين عليه السلام ج 8 انظر: مجلة تراثنا العدد 10: ص 199ح 321، دلائل النبوة للبيهقي 6: 471، تاريخ ابن عساكر- ترجمة الإمام الحسين عليه السلام 244 / 295، سير أعلام النبلاء 3: 312.
5- الطور 52: 21.
6- أمالي الطوسي 1: 324.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
33

29

القسم الثاني: السبط الشهيد الامام الحسين بن علي بن أبي طالب سيد شباب أهل الجنة

 النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلّي فجاء الحسن والحسين عليه السلام يركبان ظهره، فلما انصرف وضعهما في حجره وجعل يقبِّل هذا مرة وهذا مرة، فقال قوم: أتحبهما يا رسول الله ؟ فقال: (ما لي لا أحب ريحانتي من الدنيا)1. وروى سلمان الفارسي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: (الحسن والحسين ابني من أحبهما أحبني، ومن أحبني أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار على وجهه)2. وروى ابن لهيعة عن أبي عوانة رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أن الحسن والحسين شنفا3 العرش، وأن الجنة قالت: يا رب أسكنتني الضعفاء والمساكين، فقال لها الله تعالى: (ألا ترضين أني زينت أركانك بالحسن والحسين، قال: فماست كما تميسالعروس فرحاًً)5. وروى عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطبنا فجاء الحسن والحسين عليه السلام وعليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المنبر فحملهما ووضعهما بين يديه، ثم قال: (صدق الله تعالى:

﴿إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ 6نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما)7. وأما ما جاء من الرواية في ثواب زيارته، وفضل تربته، وكيفية أخذها، وغير ذلك مما يتعلق بجلال رتبته، وعلو منزلته عند الله فكثيرة.
 
 

1- مناقب ابن شهرآشوب 3: 383.
2- مستدرك الحاكم 3: 166، وباختلاف يسير في: إرشاد المفيد 2: 28، وتاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام: 97 - 98 / 131 و 132، كفاية الطالب: 422.
3- الشنف: القرط الأعلى.الصحاح - شنف - 4: 383 1-.
4- الميس: ضرب من الميسان، أي ضرر من المشي في تبختر وتهاد، كما تميس الجارية العروس.العين7: 323-.
5- إرشاد المفيد 2: 127، مناقب ابن شهرآشوب: 395، وقطعة منه في: تاريخ بغداًد 2: 238، ومجمع الزوائد 9: 184، وكنز العمال 12: 121.
6- الأنفال 8: 28، التغابن 64: 15.
7- مسند أحمد 5: 4 35، صحيح الترمذي 5: 658 / 3774، تاريخ ابن عساكر– ترجمة الإمام الحسين عليه السلام: 107 / 144 و 145. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
34

30

النهضة الحسينية‏

 النهضة الحسينية‏

 
كان الإمام الحسين بن علي عليه السلام في نظر الأمة والمجتمع (أعظم الخلف ممن مضى)1، والبقية الباقية من أهل بيت النبوة وبقية آية التطهير وآية المودة وآية المباهلة، حتى عند أعدائه من بني أمية2 والمنحرفين عنه3 وكان الصحابة والتابعون يطلقون عليه لقب: سيد أهل الحجاز4، وسيد العرب5، والسيد الكبير الذي ليس على وجه الأرض يومئذٍ أحد يساميه ولا يساويه6، وكان المخلصون وكل من أهمّه أمر الإسلام ينتظر منه التحرّك 7
 
وقد كان الصحابة والتابعون، وكل من تناقل واهتم بالحديث النبوي، يعرف بأنه سيد الشهداء وأنه يقتل مظلوماً في كربلاء، وأن شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لن تنال قتلته، إنهم كانوا يعرفون الطاغية الذي يأمر بقتله، ومن يقود الجيش الذي يقتله،
 
 
 

1- أنساب الأشراف 3ص 151. 
2- اللهوف 38، وتاريخ الأمم والملوك، 4 ص 352و 356 و 357.
3- تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام، تحقيق المحمودي 147 و 149 ح 191 و 189، ومجمع الزوائد 9: 186-187، عن الطبراني في الأوسط. 
4- تاريخ الأمم والملوك، 4 ص 288. 
5- الفتوح ابن الأعثم، 5ص 23. 
6- البداية والنهاية، 8ص 151. 
7- مقتل الحسين عليه السلام، أبو مخنف 16. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
35

31

النهضة الحسينية‏

 ومن يحمل الرأس الشريف1، ويتداولون الأخبار التي استفاضت في التحذير من خذلانه والنهي عن عدم نصرته، ومع ذلك، فقد تجاوب القليل مع الأوامر النبوية، وتخاذل الأكثر. 2

 
منهج الإمام الحسين عليه السلام بعد استشهاد الإمام الحسن عليه السلام 
 
لقد عاصر الإمام الحسين عليه السلام ، بعد استشهاد أخيه الإمام الحسن عليه السلام ، عشر سنوات من حكم معاوية، الذي كشف واقع أهدافه بكل صراحة بعد إبرام وثيقة الصلح مع الإمام الحسن عليه السلام ، ولخّصها في أن هدفه هو الاستيلاء على السلطة والسيطرة على الحكم 3

 
وكان معاوية يتدرج في تنفيذ المخطط الأموي، الذي أفصح عنه أبو سفيان حين تولى عثمان منصب الحكم، إذ اعتبر خلافة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كرة يتلاعب بها صبيان بني أمية4
 
ولم يسكت الإمام الحسين عليه السلام بعد إبرام الصلح مع معاوية، بل كان يتحرَّك وفق مسؤوليته تجاه شريعة ربّه وأمّة جده صلى الله عليه وآله وسلم بصفته وريث النبوة، بعد أخيه الإمام الحسن عليه السلام ، مراعياً ظروف الأمة ومراقباً لمدى تدهورها وساعياً للمحافظة على ثمرة جهود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فحاول اختراق حصار التضليل الأموي عبر أنشطة مختلفة، من الوعظ والإرشاد إلى حلقات التدريس، إلى الخطب في التجمعات العامة في موسم الحج، بل حتى في مجلس معاوية نفسه، فعرّف مكانة أهل البيت عليه السلام 
 
 


1- لجميع هذه المطالب: تراجع أمالي الطوسي، 367-368، المجلس ح13، 781ص32- بحار الأنوار 44ص 248، الفتوح لإبن الأعثم، 4ص 325، مثير الأحزان 22، تاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام الحسين عليه السلام تحقيق المحمودي، 175، حديث 135، مجمع الزوائد 9ص 187-188، بحار الأنوار 41، 295، باب 114 حديث 18، أمالي الصدوق 478، المجلس 87 ح 5 – دلائل الإمامة، 183-184. ح 101ص6، مستدرك الحاكم 2ص282، مناقب آل أبي طالب 4ص53.
2- - بحار الأنوار ج 44 ص 248 والإرشاد للشيخ المفيد ص 192 و246 وتاريخ ابن عساكر، م. س. ص 239 ح 283 و212 و 269.
3- شرح نهج البلاغة ج4،ص16.
4- مروج الذهب، 2، 351-352. الأغاني، 6، 356،ذكر أبي سفيان وخبره ونسبه-.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
36

32

النهضة الحسينية‏

 وفضلهم 1، وأنهم حجج الله على خلقه أحياءً وأمواتاً2.

 
وقد عمل الإمام في فترة حكم معاوية على تحصين الأمة ضد الإنهيار التام ويمكن أن نلخّص مجمل نشاطه في هذه الفترة فيما يلي:
 
رفض بيعة يزيد
 
أعلن الإمام الحسين عليه السلام رفضه القاطع لبيعة يزيد بعدما قرّر معاوية أن يسافر إلى المدينة ليتولى بنفسه إقناع المعارضين، وقد اتّسم موقف الإمام عليه السلام مع معاوية بالشدة والصرامة3
 
التنديد بسياسة معاوية واستقبال المعارضة
 
أعلن الإمام الحسين عليه السلام وفي مناسبات مختلفة عن اعتراضه على سياسة معاوية وعلى نقضه لشروط الصلح، واحتج على ممارسات ولاته وظلمهم وانحرافاتهم. وأخذ يحذّر المسلمين علناً من سياسة معاوية الهدّامة.
ولما استشهد الإمام الحسن عليه السلام تحركت الشيعة في العراق وكتبوا إلى الحسين عليه السلام في خلع معاوية والبيعة له، وأخذت الوفود تترى على الإمام من جميع الأقطار الإسلامية وهي تعجّ بالشكوى وتستغيث به نتيجة الظلم والجور الذي حلّ بها، وتطلب منه القيام بإنقاذها من الإضطهاد، فامتنع عليهم وذكر أن بينه وبين معاوية عهداً وعقداً لا يجوز له نقضه حتى تمضي المدة، فإذا مات معاوية نظر في ذلك4
 
ونقلت العيون في يثرب إلى السلطة المحليّة تجمّع الناس واختلافهم إلى الإمام،
 
 
 

1- الإحتجاج، ج2، ص22، - 23 وإحقاق الحق ج11، ص595. 
2- الخرائج والجرائح، 2، 811ح 20، وإثبات الهداة ج2، ص183، ح37، الفصل الثامن. 
3- - الإمامة والسياسة، ج 1، ص 182 إلى ص 190. الفتوح لإبن الأعثم، ج 4 ص 339.
4- الأخبار الطوال، 220. أنساب الأشراف، 3، 151، حديث12. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
37

33

النهضة الحسينية‏

 وكان الوالي مروان بن الحكم، ففزع من ذلك وخاف من عواقبه، فأرسل رسالة إلى معاوية جاء فيها: أمّا بعد فقد كثر اختلاف الناس إلى الحسين، والله إني لأرى لكم منه يوماً عصيباً1، وروي أن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية وهو عامله على المدينة: أمّا بعد، فإن عمرو بن عثمان ذكر أن رجالاً من أهل العراق، ووجوه أهل الحجاز يختلفون إلى الحسين بن علي، وذكر أنه لا يأمن وثوبه، وقد بحثت عن ذلك فبلغني أنه لا يريد الخلاف يومه هذا، ولست آمن أن يكون هذا أيضاً لما بعده، فاكتب إليَّ برأيك في هذا والسلام. فكتب إليه معاوية: أمّا بعد، فقد بلغني وفهمت ما ذكرت فيه من أمر الحسين، فإيّاك أن تعرض للحسين في شيء، واترك حسيناًً ما تركك، فإنّا لا نريد أن نعرض له في شيء ما وفى بيعتنا، ولم ينازعنا سلطاننا، فاكمن عنه ما لم يبد لك صفحته والسلام2. فاضطرب معاوية من تحرك الإمام فكتب إليه رسالة قال له فيها: أمّا بعد، فقد انتهت إليَّ أمور عنك إن كانت حقاً فقد أظنك تركتها رغبة فدعها، ولعمر الله إن من أعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء، فإن كان الذي بلغني باطلاً فإنّك أنت أعزل الناس لذلك، وعظ نفسك، فاذكر، وبعهد الله أوف، فإنّك متى ما تنكرني أنكرك، ومتى ما تكدني أكدك، فاتق شق عصا هذه الأمة وأن يردهم الله على يديك في فتنة، فقد عرفت الناس وبلوتهم، فانظر لنفسك ولدينك ولأمة محمّد، ولا يستخفنك السفهاء والذين لا يعلمون. 

 
فلمّا وصل الكتاب إلى الإمام الحسين عليه السلام كتب إليه رسالة يحمّله فيها مسؤوليات جميع ما وقع في البلاد من سفك الدماء وفقدان الأمن وتعريض الأمة للأزمات، وهي من الرسائل التي حفلت بذكر الأحداث التي صدرت من معاوية، فقال له فيها: 
" أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر أنه قد بلغك عني أمور(أن بي عنها غنى وزعمت
 
 

1- كتاب سليم بن قيس، ص 166، طبعة طهران، أنساب الأشراف ج3، ص152ح13 والأخبار الطوال 224. 
2- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 44 - ص 212 – 215 عن رجال الكشي.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
38

34

النهضة الحسينية‏

 أنّي راغب فيها) أنت لي عنها راغب، وأنا بغيرها عندك جدير، فإنّ الحسنات لا يهدي لها ولا يسدّد إليها إلا الله. 

 
وأمّا ما ذكرت أنه انتهى إليك عني، فإنه إنما رقاه إليك الملاقون المشاؤون بالنميم، وما أريد لك حرباً ولا عليك خلافاً، وأيم الله إني لخائف لله في ترك ذلك، وما أظن الله راضياً بترك ذلك، ولا عاذراً بدون الإعذار فيه إليك، وفي أولئك القاسطين الملحدين حزب الظلمة، وأولياء الشياطين. ألست القاتل حجراً أخا كندة، والمصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع، ولا يخافون في الله لومة لائم، ثم قتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما كنت أعطيتهم الأيمان المغلَّظة، والمواثيق المؤكدة، ولا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم، ولا بإحنة تجدها في نفسك. أوَ لَست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله، العبد الصالح الذي أبلته العبادة، فنحل جسمه، وصفرت لونه، بعد ما أمنته وأعطيته من عهود الله ومواثيقه ما لو أعطيته طائراً لنزل إليك من رأس الجبل، ثم قتلته جرأةً على ربك واستخفافاً بذلك العهد. أَو َلست المدّعي زياد بن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف، فزعمت أنه ابن أبيك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الولد للفراش وللعاهر الحجر " فتركت سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعمداً وتبعت هواك بغير هدى من الله، ثم سلطته على العراقين: يقطع أيدي المسلمين وأرجلهم، ويسمل أعينهم ويصلبهم على جذوع النخل، كأنك لست من هذه الأمة، وليسوا منك. أو َلَست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية أنهم كانوا على دين علي صلوات الله عليه فكتبت إليه أن: أقتل كل من كان على دين علي، فقتلهم ومثّل بهم بأمرك، ودين علي عليه السلام والله الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك، به جلست مجلسك الذي جلست، ولولا ذلك لكان شرفك وشرف أبيك الرحلتين1
 
 
 

1- يعنى ما في قوله تعالى ( لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف).
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
39

35

النهضة الحسينية‏

 وقلت فيما قلت: " انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمّد، واتق شق عصا هذه الأمة وأن تردهم إلى فتنة " وإني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها، ولا أعلم نظراً لنفسي ولديني ولأمة محمّد صلّى الله عليه وآله علينا أفضل من أن أجاهدك فإن فعلت فإنه قربة إلى الله، وإن تركته فإني أستغفر الله لذنبي، وأسأله توفيقه لإرشاد أمري. 


وقلت فيما قلت " إني إن أنكرتك تنكرني وإن أكدك تكدني" فكدني ما بدا لك، فإني أرجو أن لا يضرني كيدك فيّ، وأن لا يكون عليّ أحد أضر منه على نفسك، لأنك قد ركبت جهلك، وتحرصت على نقض عهدك، ولعمري ما وفيت بشرط، ولقد نقضت عهدك بقتلك هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا، وقتلوا ولم تفعل ذلك بهم إلا لذكرهم فضلنا، وتعظيمهم حقنا، فقتلتهم مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم مت قبل أن يفعلوا أو ماتوا قبل أن يدركوا. فأبشر يا معاوية بالقصاص، واستيقن بالحساب، واعلم أن لله تعالى كتاباًً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وليس الله بناسٍ لأخذك بالظنة، وقتلك أولياءه على التهم، ونفيك أولياءه من دورهم إلى دار الغربة، وأخذك الناس ببيعة ابنك غلام حدث، يشرب الخمر، ويلعب بالكلاب، لا أعلمك إلا وقد خسرت نفسك، وبترت دينك، وغششت رعيتك، وأخزيت أمانتك، وسمعت مقالة السفيه الجاهل، وأخفت الورع التقي لأجلهم والسلام ". 

فلما قرأ معاوية الكتاب قال: لقد كان في نفسه ضب ما أشعر به! فقال يزيد: يا أمير المؤمنين أجبه جواباً يصغِّر إليه نفسه وتذكر فيه أباه بشَرِّ فعله، قال: ودخل عبد الله بن عمرو بن العاص فقال له معاوية: أما رأيت ما كتب به الحسين؟ قال: وما هو ؟ قال: فأقرأه الكتاب، فقال: وما يمنعك أن تجيبه بما يصغِّر إليه نفسه، وإنما قال ذلك في هوى معاوية، فقال يزيد: كيف رأيت يا أمير المؤمنين رأيي ؟ فضحك معاوية فقال: أما يزيد فقد أشار علي بمثل رأيك، قال عبد الله:
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
40

36

النهضة الحسينية‏

  فقد أصاب يزيد فقال معاوية: أخطأتما! أرأيتما لوأني ذهبت لعيب علي1 محقاًً ما عسيت أن أقول فيه، ومثلي لا يحسن أن يعيب بالباطل، وما لا يعرف، ومتى ما عبت رجلاًً بما لا يعرفه الناس لم يحفل بصاحبه، ولا يراه الناس شيئاًً وكذَّبوه، وما عسيت أن أعيب حسيناًً ووالله ما أرى للعيب فيه موضعاً، وقد رأيت أن أكتب إليه أتوعده وأتهدده،( وأسفّهه وأجهّله) ثم رأيت أن لا أفعل ولا أمحكه. 

 
قال في الإحتجاج: فما كتب إليه بشيء يسوؤه ولا قطع عنه شيئاًً كان يصله به، كان يبعث إليه في كل سنة ألف ألف درهم، سوى عروض وهدايا من كل ضرب 2
 
الاحتكاك بسلطة معاوية واختبار ردة فعله
 
وكان أول احتكاك بين الإمام الحسين عليه السلام وبني أمية، في اليوم الأول من إمامته، فبعد شهادة أخيه الحسن عليه السلام3 أراد الإمام عليه السلام دفنه قرب جده صلى الله عليه وآله وسلم فاستنفر مروان بن الحكم بني أمية وأمَّ المؤمنين عائشة، وكاد يقع القتال بينهم وبين بني هاشم. إذ خرجت أم المؤمنين على بغلة أحضرها لها مروان ومنعت الإمام عليه السلام من دفن أخيه قرب جده. وقد حال الإمام عليه السلام دون نشوب قتال وسفك دماء وصيّةً من الإمام الحسن عليه السلام4. لقد كانت هذه الحادثة إيذاناً بصورة ما سوف يكون عليه الوضع بين الإمام الحسين عليه السلام والأمويين.
وكان معاوية ينفق أكثر أموال الدولة على تدعيم ملكه، كما كان يهب الأموال الطائلة لبني أمية لتقوية مركزهم السياسي والإجتماعي، وكان الإمام الحسين عليه السلام 
 
 
 

1- في الإحتجاج ص 153:أردت أن أعيب علياً.
2- نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 ص 327 الطبعة الأولى أو ج18، ص327، الطبعة الجديدة وناسخ التواريخ ج 1 ص 195. اختيار معرفة الرجال ج1، ص252-259، رقم 99 والإحتجاج ج2، ص19. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 3- ص 212 – 215 محمّد الباقر البهبودي ـ الثانية المصححة ـ1403 - 1983 م ـ مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان ـ دار إحياء التراث العربي، عن رجال الكشي.
3- بحار الأنوار 44 ص 134. 
4- دلائل الإمامة، 161و 162و الكافي ج1ص 302و303 ح3. وتاريخ مدينة دمشق 13 ص 291.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
41

37

النهضة الحسينية‏

 يشجب هذه السياسة، ويرى ضرورة إنقاذ الأموال من معاوية الذي يفتقد حكمه لأي أساس شرعي، ولا يقوم إلا على القمع والإرهاب، وقد اجتازت على المدينة أموال من اليمن إلى خزينة دمشق فعمد الإمام عليه السلام إلى مصادرتها وتوزيعها على المحتاجين، وكتب إلى معاوية: " من الحسين بن علي إلى معاوية بن أبي سفيان، أما بعد فإن عِيراً مرّت بنا من اليمن تحمل مالاً وحُللاً وعنبراً وطيباً إليك لتودعها خزائن دمشق وتعلّ بها بعد النهل بني أبيك، وإني احتجتها فأخذتها، والسلام" وقد أجابه معاوية برسالة يهدده فيها بمن يأتي بعده، يعني يزيد1.

 
إعلان المعارضة في موسم الحج
 
فلما كان قبل موت معاوية بسنة حجَّ الإمام الحسين بن علي عليه السلام وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر معه. فجمع الحسين عليه السلام بني هاشم، رجالهم ونساءهم ومواليهم وشيعتهم من حجَّ منهم، ومن الأنصار ممن يعرفه الحسين عليه السلام وأهل بيته. ثم أرسل رسلاً: ( لا تدعوا أحداًً ممن حج العام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المعروفين بالصلاح والنسك إلا اجمعوهم لي ). فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمائة رجل2 وهم في سرادقه، عامتهم من التابعين ونحو من مائتي رجل من أصحاب النبي صلّى الله عليه وآله وغيرهم. فقام فيهم الحسين عليه السلام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإن هذا الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم وشهدتم، وإني أريد أن أسألكم عن شيء، فإن صدقت فصدقوني وإن كذبت فكذبوني. أسألكم بحق الله عليكم وحق رسول الله وحق قرابتي من نبيكم، لما سيرتم مقامي هذا ووصفتم مقالتي ودعوتم أجمعين في أنصاركم من قبائلكم من آمنتم من الناس ووثقتم به، فادعوهم إلى ما تعلمون
 
 
 

1-الإمامة والسياسة، ج 1 ص 284 والدرجات الرفيعة ص 334 والغدير ج 10 ص 161.
2- في الإحتجاج: ألف رجل.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
42

 


38

النهضة الحسينية‏

 من حقنا، فإني أتخوف أن يدرس هذا الأمر ويذهب الحق ويغلب، والله متم نوره ولو كره الكافرون1

 
الموقف الأموي من الإمام الحسين عليه السلام 
 
لم تكن أية مواجهة علنية بين الإمام الحسين عليه السلام ومعاوية في مصلحة الأمويين، وقد اعتمد معاوية هذا الموقف طالما بقي الإمام عليه السلام ضمن حدود المعارضة الكلامية السلمية وملتزماً بالصلح2، وقد حاول معاوية أن يبرز هذا الموقف بعناوين أخرى تظهر وكأنه يحتفظ بكرامةٍ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإمام الحسين عليه السلام أو كأنه حريص على أن لا يسفك هذا الدم الغالي من بني عبد مناف3
 
إذن فعدم التعرض للإمام عليه السلام بالأذى في عصر معاوية كان بشرط عدم تحركه ضده، وإلا فالسيف4. ومع ذلك فقد بقي الإمام عليه السلام تحت رقابة أمنية مشددة من عملاء معاوية في المدينة حتى في خصوصيات الإمام البيتية5.
 
لماذا لم تحصل النهضة الحسينية في حياة معاوية؟ 
 
رفض الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أن يكون معاوية حاكماً، ولم يساوم على ذلك ولم يداهن، وخاض حرباً طاحنة لمنعه وطرده من الشام، وكان هذا موقف الإمام الحسن عليه السلام لولا تخاذل أهل العراق، إذن فأسباب ودوافع القيام على معاوية ومحاربته كانت وما زالت إلى عصر الإمام الحسين عليه السلام وهو ما صرّح به الإمام نفسه حين قال: وإني والله ما أعرف أفضل من جهادك6
 
 
 

1- كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمّد باقر الأنصاري - ص 320.
2- أنساب الأشراف، ج3، ص156 ح15. 
3- تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين، تحقيق المحمودي، 200 ح255، والإمامة والسياسة، ج1، ص179. 
4- أنساب الأشراف، ج3، ص152 ح13. 
5- زهر الآداب، ج1، ص101. الأخبار الطوال، 224. 
6- الأخبار الطوال، ص220، والإمامة والسياسة، ج1، ص187. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
43

39

النهضة الحسينية‏

 ولكن هل كان بإمكان الإمام الحسين عليه السلام أن يحقق أحد أهدافه لو تحرك ضد معاوية؟ طلب الإصلاح في أمة جده؟ أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ أو إزالة حكومة معاوية؟ وإلا فتعريض الأمة لصدمة مروّعة بقتله وأهل بيته بحيث تستيقظ الأمة من غفلتها وتتحرر وتعرف الحق وأهله؟ 

 
بعد استشهاد الإمام الحسن عليه السلام واغتياله من قِبل معاوية ونقض معاوية لبنود الصلح تحرّك أهل العراق وطالبوا الإمام الحسين عليه السلام بالتحرك والثورة ضد معاوية، حيث إن الحسين عليه السلام كان يملك الدليل المقبول لثورته، ولكنّه لم يستجب لطلباتهم وآثر السكون ما دام معاوية حياً. وذلك للأسباب التالية: 
 
الأول: إن الوفاء بالعهد خُلُقٌ إسلامي رفيع يمثّله الإمام المعصوم أحسن تمثيل، ولا يسوّغ الإمام لنفسه أن يهبط إلى مستوى معاوية في نقضه للعهد. 
 
الثاني: كان بإمكان معاوية أن يستغلّ هذا النقض، كورقة رابحة يستعملها ضدّ الإمام الحسين عليه السلام ويضلّل به الرأي العام1
 
الثالث: إن السبب الرئيس الذي دفع الإمام الحسن عليه السلام إلى الصلح مع معاوية، وهو تخاذل المسلمين عن نصرة ابن بنت نبيهم، ما زال مستمراً في عصر الإمام الحسين عليه السلام ، فقد ذاق هؤلاء مرارة الصراع بين معاوية، الذي لم يكن مكشوفاً بعد، والإمام عليّ عليه السلام ، وبين أم المؤمنين عائشة وطلحة والزبير، زوج النبي وأصحابه وعليّ عليه السلام ، وبين الخوارج، الذين كانوا يدّعون الزهد والعبادة وعليّ عليه السلام ، فأنزلوا علياً عليه السلام إلى مستوى معاوية الذي كان يرمي للوصول إلى الحكم بكل سبب، ولم يكن لهذا التصدي منه والحرص على استلام السلطة أيّ مسوّغ رسالي، وإلى مستوى عائشة أو طلحة أو الزبير، وإلى مستوى الخوارج، ولم يستطع المسلمون تحمل الأعباء التامة لقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، وأتعبتهم التضحيات الجمّة
 
 
 

1- الأخبار الطوال، ص220. الإرشاد، ص221.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
44

40

النهضة الحسينية‏

 في الجمل وصفين والنهروان، فأخذ جمهورهم يتهرّب من أعباء تحمّل المسؤولية الشرعية نحو محاولة التشكيك في أصل الأهداف الكبرى التي من أجلها يجاهد الإمام علي عليه السلام وأولاده من بعده!! هذا التشكيك الذي تحوّل إلى نكول وتخاذل وفرار.


وحينما يستفحل هذا الشك ويتحوّل إلى حالة مرضيّة، كما حدث ذلك في عصر الإمام الحسن عليه السلام ، لم يكن بالإمكان علاجها حتّى بالتضحية، بل لا بدّ من الصبر والتأني ليتّضح لعامّة المسلمين مدى دَجَل معاوية ومدى تظاهره بالإسلام ومدى التزام أهل البيت عليه السلام بمبادئهم الرساليّة. 

وقد فضح معاوية نفسه وكشف عن واقعه بعد نقضه لكلّ بنود الصلح مع الإمام الحسن عليه السلام ، وكان لا بد للشاكّين في سلامة خطّ أهل البيت عليه السلام من الاكتواء بلظى النار التي سعّرها لهم معاوية وأخذ يؤجّجها بكلّ ضراوة، وكان ترشيح يزيد وفرض البيعة له بالخلافة هو آخر الخط لمعاوية، ومهّد معاوية لذلك باغتيال الإمام الحسن عليه السلام ليخلو له الجوّ، وقد ذكر له التأريخ أكثر من محاولة ومراوغة لتحقيق مأربه هذا وتحكيم الجاهليّة بثوبٍ جديد في ربوع الدولة الإسلامية. 

فلو استشهد الإمام الحسين عليه السلام والحالة هذه فسوف لا يكون لقتله أية فائدة تعود على الدين والأمة. بل ربما يكون ضرر ذلك أكثر من نفعه، وذلك عندما يلاحق ذلك معاوية الداهية بحملة دعائية مغرضة، يقضي فيها على الأمل الوحيد للأمة، ويفصل المجتمع المسلم نفسياً وفكرياً عن أهل البيت عليه السلام بشكل عام، وعن أئمتهم بصورة خاصة. 

وخلاصة الأمر: إن قتل الحسين عليه السلام في زمن معاوية ليس فقط لا يجدي ولا ينفع، وإنما يكون فيه قضاء تام على الأمل الوحيد للدين، والأمة، وللحق. وبمقدار ما يكون هذا خيانة حقيقية ظاهرة لكل ذلك، كان استشهاد الحسين عليه السلام بعد ذلك، في كربلاء، وفاء للدين، وللأمة وللحق، عندما لم يعد

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
45

41

النهضة الحسينية‏

 انحراف الحكم وعداؤه للدين خافياً على أحد، ولم يكن بعد للدهاء والمكر، وللسياسات المنحرفة أن تتستر عليه، ولا أن تقلل من وضوحه. وأصبح السكوت عليه في تلك الظروف هو الخيانة للدين، وللأمة، وللحق. وإلا فإن الحسين عليه السلام قد عاش في حكم معاوية بعد استشهاد أخيه الحسن عليه السلام عشر سنوات، ولم يقم بالثورة ضده، مع أن الحسين عليه السلام الذي سكت في زمن معاوية هو نفسه الحسين الذي ثار في زمان يزيد. كما أن الانحراف والظلم الذي كان في زمانه عليه السلام قد كان في زمان أخيه عليه السلام . وما ذكرناه هو المبرر لسكوته هناك، وثورته هنا.

 
وصحيح أن الإمام الحسين عليه السلام كان كارهاً للصلح1، ولكن الإمام الحسن عليه السلام أيضاً كان له كارهاً. غير أن هذا الصلح، على الكراهية التي كانت فيه، كان خيراًً للأمة 2، وإن لم يكن الأفضل، لأنها لم تكن مستعدة، ولم تكن تملك إمكانية القيام بالأفضل منه، وهو الجهاد والتضحية من أجل الانتصار على الطغيان الأموي وإسقاطه3، وأما أخبار اعتراض الإمام الحسين عليه السلام على أخيه، فهي من وضع الأمويين وأتباعهم، فإن فيها من سوء التخاطب بين الحسن والحسين عليه السلام ما يؤكد أنها مفتعلة4
 
هذا، وقد تمدَّح الإمام الحسين عليه السلام أخاه الإمام الحسن عليه السلام على صلحه مع معاوية، واعتبره إيثاراً لله عند مداحض الباطل5
 
وكتب أهل الكوفة أكثر من مرة إلى الإمام الحسين عليه السلام يدعونه إلى الخروج إليهم في خلافة معاوية، وفي كل ذلك يأبى عليهم6، وقد أمرهم بلزوم بيوتهم
 
 
 

1- أنساب الأشراف، ج3، ص150، ح10. 
2- الكافي، ج8، ص330، ح506
3- الأخبار الطوال، ص220.
4- الفتوح لإبن الأعثم، ج4، ص289، والطبري، ج4، ص122، وأنساب الأشراف، ج3، ص51، ح61، وتاريخ مدينة دمشق، ج13، ص267. 
5- تهذيب تاريخ دمشق: ج 4 ص 230، وعيون الأخبار لابن قتيبة: ج 2 ص 314.
6- ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من تاريخ دمشقبتحقيق المحمودي-: ص 197، أنساب الأشراف، 3ص 151، ح12و13.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
46

42

النهضة الحسينية‏

  وبالصبر والترقب، والتخفِّي عن أعين السلطة والانتظار والتكتّم على ميولهم وأفكارهم ما دام معاوية حياً 1. فالقول بأن سبب عدم ثورته على معاوية إنما هو عدم بيعة الناس له في زمنه، لا يصح. كما أن الناس كانوا قد بايعوا الإمام الحسن عليه السلام ، فلماذا سكت؟ ولماذا لم يطالبه الحسين بالقيام؟! ولماذا يمدحه على صلحه لمعاوية2؟ 

 
موت معاوية وطلب يزيد البيعة من الحسين عليه السلام 
 
في السنة الثامنة عشرة من الهجرة عيّن عمر بن الخطاب معاوية والياً على دمشق خلفاً لأخيه يزيد بن أبي سفيان، فبقي حاكماً حوالي اثنين وأربعين سنة، منها سبع عشرة سنة تقريباً والياً في عهد كل من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وخمس سنوات تقريباً متمرداً باغياً في عهد أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، ثم تسع عشرة سنة وبضعة أشهر ملكاً على جميع البلاد الإسلامية، وهو القائل: "أنا أول الملوك"3 و "رضينا بها مُلكاً"4.
 
ولمّا مات معاوية منتصف رجب من سنة ستين من الهجرة عن عمر تجاوز سبعين سنة، وخلّف بعده ولده يزيد، كتب يزيد إلى ابن عمه الوليد بن عتبة والي المدينة يأمره بأخذ البيعة من الحسين بن علي عليه السلام قبل أن يعلم أهل المدينة بالأمر، ولا يرخص له في التأخر عن ذلك ويقول: إن أبى عليك فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه5، ولعل الاستعجال بأخذ البيعة من الحسين عليه السلام قبل أن يعلم أهل المدينة بالأمر كان نصيحة من مروان بن الحكم للوالي6، الذي أحضره
 
 
 

1- الأخبار الطوال: ص 221 ص 222. و220، أنساب الأشراف، 3ص 150، ح10.
2- إختيار معرفة الرجال، ج1، ص325، ح176.
3- - البداية والنهاية، 8: 144.
4- محاسن الوسائل في معرفة الأوائل: 185.
5- تاريخ اليعقوبي، ج2ص 241. 
6- الإمامة والسياسة، ج1، ص206، الفتوح لإبن الأعثم، ج5، ص10. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
47

43

النهضة الحسينية‏

 الوليد واستشاره في أمرالإمام الحسين عليه السلام ، فقال: إنه لا يقبل، ولو كنت مكانك لضربت عنقه، فقال الوليد: ليتني لم أك شيئاًً مذكوراً. 

ثم بعث الوليد إلى الحسين عليه السلام في الليل فاستدعاه، قبل أن يفشو الخبر، وكان عليه السلام في المسجد النبوي، جالساً مع عبدالله بين الزبير1 فعرف الحسين عليه السلام الذي أراد، فدعا بجماعة من أهل بيته ومواليه وكانوا ثلاثين رجلاًً وأمرهم بحمل السلاح وقال لهم: 
"إن الوليد قد استدعاني في هذا الوقت، ولست آمن أن يكلّفني فيه أمراً لا أجيبه إليه، وهو غير مأمون، فكونوا معي، فإذا دخلت فاجلسوا على الباب، فإن سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه عني"2
 
ثم صار الحسين عليه السلام إلى الوليد فوجد عنده مروان بن الحكم، فنعى الوليد معاوية، فاسترجع الحسين عليه السلام ، ثم قرأ عليه كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذ البيعة منه ليزيد. فلم يُرد الحسين عليه السلام أن يصارحه بالامتناع من البيعة وأراد التخلّص منه بوجه سلمي، فقال له: 
"إني أراك لا تقنع أو تجتزئ ببيعتي سراًً حتى أبايعه جهراً فيعرف ذلك الناس"، أو "دون ان نظهرها على رؤوس الناس علانية". أو قال له "لا خير في بيعة سر، والظاهرة خير، فإذا حضر الناس كان أمراً واحداً". 
 
فقال له الوليد: أجل! 
فقال الحسين عليه السلام : "تصبح وترى رأيك في ذلك".
 
فقال له الوليد: انصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس. 
 
فقال له مروان: والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداًً، حتى تكثر القتلى بينكم وبينه، ولكن احبس الرجل فلا يخرج من عندك
 
 
 

1- الكامل في التاريخ، ج4، ص14-15، وتاريخ الأمم والملوك، ج4، ص250-251، والإمامة والسياسة، ج5، ص10-13. 
2- الفتوح لإبن الأعثم، ج5، ص13، والإرشاد للمفيد، ص221، وتاريخ الأمم والملوك، ج4، ص251. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
48

44

النهضة الحسينية‏

 حتى يبايع أو تضرب عنقه. 

 
فلما سمع الحسين عليه السلام مروان صارحهما حينئذٍٍ بالامتناع من البيعة وأنه لا يمكن أن يبايع ليزيد أبداًً، فقال لمروان: 
ويلي عليك يا ابن الزرقاء ! أنت تأمر بضرب عنقي؟! كذبت والله ولؤمت. والله لو رام ذلك أحد من الناس لسقيت الأرض من دمه قبل ذلك، وإن شئت ذلك فرم ضرب عنقي إن كنت صادقاً. 
 
ثم أقبل على الوليد فقال: 
أيّها الأمير إنَّا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومحل الرحمة. بنا فتح الله وبنا ختم. ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون، وننظر وتنظرون أيّنا أحق بالخلافة والبيعة1
 
وسمع من بالباب من الهاشميين الحسين عليه السلام ، فهمّوا بفتح الباب وإشهار السيوف، فخرج إليهم الحسين عليه السلام سريعاً فأمرهم بالإنصراف إلى منازلهم، وتوجه إلى قبر جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم2، ثم عاد إلى منزله مع الصبح3.
 
وكانت تلك الليلة هي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين، فلما أصبح خرج من منزله يستمع الأخبار، فلقيه مروان فقال له: يا أبا عبدالله إني لك ناصح فأطعني ترشد، فقال الحسين عليه السلام : وما ذاك، قل حتى أسمع! 
فقال مروان: إني آمرك ببيعة يزيد بن معاوية فإنه خير لك في دينك ودنياك. 
 
فقال الحسين عليه السلام : 
"إنا لله وإنا إليه راجعون، وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براعٍ مثل 
 
 

1- الفتوح، لإبن الأعثم، ج 5 ص 14.
2- الفتوح، ج5، ص16-22، تاريخ الأمم والملوك، ج4، ص251و252، والإمامة والسياسة، ج1، ص206، الإرشاد ص221و222، الفتوح ابن الأعثم، ج5، ص13-14. 
3- الفتوح، ج5، ص18. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
49

45

النهضة الحسينية‏

 يزيد". وطال الحديث بينه وبين مروان حتى انصرف عليه السلام وهو غضبان، فلما كان آخر نهار السبت بعث الوليد إلى الحسين عليه السلام ليحضر فيبايع فقال لهم الحسين عليه السلام : أصبحوا ثمّ ترون ونرى، فكفّوا عنه تلك الليلة، ولم يلحّوا عليه واشتغلوا بابن الزبير1، فعزم عليه السلام على الخروج من المدينة. 

 
فلما كانت الليلة الثانية خرج إلى القبر أيضا وصلّى ركعات، فلما فرغ من صلاته جعل يقول: 
"اللهم هذا قبر نبيك محمّد، وأنا ابن بنت نبيك، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهم إني أحب المعروف، وأنكر المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحق القبر ومن فيه إلا اخترت لي ما هو لك رضى، ولرسولك رضى". 
ثم جعل يبكي عند القبر، حتى إذا كان قريباً من الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى، فإذا هو برسول الله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله وبين يديه، حتى ضم الحسين عليه السلام إلى صدره وقبَّل بين عينيه، وقال: 
"حبيبي يا حسين، كأنّي أراك عن قريب مرملاً بدمائك، مذبوحاً بأرض كربٍ وبلاء، من عصابة من أمتي، وأنت مع ذلك عطشان لا تسقى، وظمآن لا تروى، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة، حبيبي يا حسين إن أباك وأمك وأخاك قدموا عليَّ وهم مشتاقون إليك، وإن لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلا بالشهادة" فجعل الحسين عليه السلام في منامه ينظر إلى جده ويقول: 
"يا جداًه لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا فخذني إليك وأدخلني معك في قبرك"
 
فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " لابد لك من الرجوع إلى الدنيا حتى ترزق الشهادة، وما قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم، فإنك وأباك وأخاك وعمك وعم 
 
 
 

1- تذكرة الخواص ص214. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
50

46

النهضة الحسينية‏

 أبيك تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة، حتى تدخلوا الجنة ".

 

 
فانتبه الحسين عليه السلام من نومه، ثم رجع إلى منزله، وعند الصبح قص رؤياه على أهل بيته وبني عبد المطلب، فلم يكن في ذلك اليوم، في مشرق ولا مغرب، قوم أشد غماً من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا أكثر باكٍ ولا باكيةٍ منهم1
 
وأقبل أخوه محمّد بن الحنفية2 فقال له: يا أخي أنت أحب الناس إلي وأعزّهم علي ولست أدخر النصيحة لأحد من الخلق إلا لك وأنت أحق بها " لأنك مزاج مائي ونفسي وروحي وبصري وكبير أهل بيتي، ومن وجب طاعته في عنقي، لأن الله قد شرفك عليّ، وجعلك من سادات أهل الجنة"3، تنح ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم ابعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك، فإن تابعك الناس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك، وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا تذهب به مروءتك ولا فضلك، إني أخاف أن تدخل مصراً من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم فمنهم طائفة معك وأخرى عليك، فيقتتلون فتكون أنت لأول الأسنّة غرضاً، فإذا خير هذه الأمة كلها نفساً وأباً وأماً أضيعها دماً وأذلها أهلاً!
 
فقال له الحسين عليه السلام : " فأين أذهب يا أخي ؟".
 
قال: انزل مكة فإن اطمأنت بك الدار بها فذاك وإن تكن الأخرى خرجت إلى بلاد اليمن، فإنهم أنصار جدك وأبيك، وهم أراف الناس وأرقهم قلوباً، وأوسع الناس بلاداً، فان اطمأنت بك الدار، وإلا لحقت بالرمال وشعف "شعوب" الجبال وخرجت من بلد إلى بلد، حتى تنظر (ما يصير أمر الناس إليه)" ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين"، فإنك أصوب ما تكون رأياً حين تستقبل الأمر استقبالاً. 
 
 
 

1- بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 44 ص 328.
2- الفتوح لابن الأعثم، ج5، ص19-20. 
3- - بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 44 ص 328.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
51

47

النهضة الحسينية‏

 فقال الحسين عليه السلام : "يا أخي والله لو لم يكن ملجأ، ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية1"، فقطع محمّد ابن الحنفية الكلام وبكى.

 
فقال الحسين عليه السلام : " يا أخي" جزاك الله خيراًً قد نصحت وأشفقت، وأرجو أن يكون رأيك سديداً موفقاً وأنا عازم على الخروج إلى مكة، وقد تهيأت لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي، وأمرهم أمري ورأيهم رأيي3". 
ثم دعا الحسين عليه السلام بدواة وبياض وكتب هذه الوصية لأخيه محمّد: 
" بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمّد المعروف بابن الحنفية، إن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمّداً عبده ورسوله، جاء بالحق من عند الحق، وأن الجنة والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأني لم أخرج أَشِراً ولا بَطِراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلّى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب عليه السلام ، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين". 
وهذه وصيتي يا أخي إليك وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه انيب. 
 
ثم طوى الحسين عليه السلام الكتاب وختمه بخاتمه، ودفعه إلى أخيه محمّد ثم ودعه وخرج في جوف الليل4
 
إن حوادث الليلة التي وصل فيها خبر موت معاوية إلى المدينة تكشف عدة أمور مهمة: 
 
 
 

1- بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 44 ص 328.
2- الإرشاد - الشيخ المفيد ج 2 ص 34.
3- بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 44 ص 328.
4- بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 44 ص 328.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
52

48

النهضة الحسينية‏

 أولاً: إن الإمام الحسين عليه السلام كان يخشى من عملية إطفاء لثورته قبل أن تضطرم، عبر اغتياله سراًً أو في عملية مواجهة محدودة مفتعلة، تتبعها مسرحية مكذوبة يقوم الأمويون بإخراجها، وبالتالي تُجهض الثورة الحسينية من أولها، ولذلك كان احتياط الإمام عليه السلام شديداًً، فقد طلب من ثلاثين مقاتلاً من بني هاشم وأنصارهم مرافقته وحمايته، حتى لو وصل الأمر إلى حدِّ اقتحام قصر الإمارة بدون استئذان إذا سمعوا صوته عليه السلام قد علا. 


ثانيا: طلب الإمام عليه السلام أن تكون البيعة علنية، ولكن الإمام عليه السلام لم يكن ليبايع يزيد لا سراًً ولا جهراً، كما أنه بسبب القوة العسكرية التي رافقته والتي تدل على أنه كان مستعداً للإشتباك، يظهر أنه احتاط لكي لا يتم إحراجه بالبيعة. 

إذاً، هو لم يكن يريد البيعة أصلاً، فلا بد أن طلبه أن تكون البيعة علنية لكي يستثمر الإجتماع العام لأهل المدينة غداًً، مع ما في هذا الإجتماع من رموز الصحابة والتابعين، فإذا رفض البيعة علناً وفضح حقيقة يزيد وذكرهم بموقعه عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي القرآن ودعاهم إلى مبايعته ونصرته فقد ينقلب الوضع لمصلحته، ولكن مروان انتبه إلى مراد الإمام الحسين عليه السلام فضيّق عليه الفرصة التي أتاحها له الوالي حينما قبل بالتأجيل، وذلك عبر التلفظ بتهديد الإمام بالقتل هنا وفي هذه الغرفة، إذ سوف يصبح الإمام عليه السلام حينئذٍٍ بين محذورين، إما الإستسلام للإبتزاز والسكوت والخضوع، وإما الرفض للإبتزاز وكشف ورقته التي يخبئها هنا، وقد اختار الإمام عليه السلام الخيار الثاني، فأعلن عن موقفه وتخلّى عما كان يتأمله من ذلك الإجتماع العام إن حصل. 

ثالثاً: يظهر أن مروان بن الحكم كان منافساً قوياً للوليد بن عتبة بن أبي سفيان، ويريد منه إما أن يقتل الحسين عليه السلام فيتخلص الأمويون من ألد أعدائهم على يد الوليد، وإما أن لا يفعل فيسهّل عملية عزله واحتلال مكانه والياً على المدينة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
53

49

النهضة الحسينية‏

 رابعاً: يظهر من كثير من النصوص أن الوليد بن عتبة كان خائفاً على آخرته من التورط في قتل الإمام الحسين عليه السلام1، إلا أنه مع ذلك كان بنظر الإمام الحسين عليه السلام (غير مأمون)2، إذ قد يقدم على ارتكاب جريمة كبيرة إذا ما أحرج حرجاً شديداًً، ولذلك لم يرغب الإمام السير طويلاًً في استفزازه، ومع أن الإمام بقي يومين وليلتين بعد تلك الليلة، ومع أنه تجوَّل في المدينة نهاراً واستعد مع أهله وأنصاره وبشكل علني للخروج إلى مكة، وخرج على الطريق العام فإن الوليد لم يبادر إلى عملٍ ضد الإمام، وهذا كان من دوافع يزيد إلى عزله بعد ذلك. 

 
ويظهر أيضاً أن الوليد كان والياً مناسباً لسياسة معاوية، المبنية على المرونة والدهاء مع أعدائه وعدم الحمق والنزق في الإدارة، ولكنه لم يكن مناسباً لتمثيل يزيد، فأراد معالجة مشكلة الإمام عليه السلام على طريقة معاوية، كما أنه لم يعلن موت معاوية ولم يدعُ إلى اجتماع عام إلا بعد خروج الإمام عليه السلام من المدينة، وهذا من دهائه، فقد أراد تفويت الفرصة على الإمام عليه السلام ، ولكن مرونة ودهاء الوليد على كل حال ساعد الإمام عليه السلام على الخروج مبكراً من المدينة دون أي ممانعة أو مضايقة، مما سهّل حركة الإمام بعد ذلك، بينما كان من المفروض حسب سياسة يزيد ومروان التضييق على الإمام وفرض الإقامة الجبرية عليه من أجل إجباره على البيعة أو قتله في المدينة حتى تخنق الثورة في مهدها.
 
الخيارات المطروحة أمام الإمام الحسين عليه السلام 
 
لقد كان أمام الحسين عليه السلام عدّة حلول ممكنة بعد أن طلب يزيد منه البيعة وهدّده بالقتل إن لم يبايع: 
 
 

1- الفتوح لابن الأعثم، ج5، ص18، وتاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين تحقيق المحمودي، ص200، ح255. 
2- الإرشاد، ص221. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
54

50

النهضة الحسينية‏

 الأول: أن يبايع يزيد كما بايع عليّ أبا بكر وعمر وعثمان. 


الثاني: أن يرفض البيعة ويبقى في مكّة أو المدينة. 

الثالث: أن يلجأ إلى بلد من بلاد العالم الإسلامي، بعيداً عن المواجهة المباشرة مع الدولة الأموية، حتى يلتف حوله العدد الكافي لمواجهة هذه الدولة.

الرابع: أن يتحرك ويغادر المدينة إلى مكة منتظراً تحرك أهل الكوفة وبيعتهم له، فإذا ما حصل ذلك فإنه يتوجه نحو العراق ويخوض المعركة الفاصلة مع الدولة الأموية، التي كان يعلم أنه سوف يُستشهد فيها، وبالطريقة التي وقعت. 
وكان اختياره للموقف الأخير قائماً على أساس إدراكه لطبيعة الظرف الذي تعيشه الأمة الإسلامية!! 

فإن جزءاًً كبيراً من الأمة الإسلامية قد فقد - مع قيام الدولة الأموية، وخصوصاً خلال عهد معاوية - إرادته وقدرته على مواجهة النظام الأموي، وهو يشعر بالذل والإستكانة، والشلل وعدم القدرة على التحرك. فقد كان حجم الإرهاب الأمني الأموي مفاجئاً للإنسان العربي، الذي لم يدرِ كيف يتعامل معه، وهو الذي اعتاد على الفردية في كل تفاصيل حياته، بينما كانت إزالة النظام الأموي وهزيمته تحتاج إلى تكتل وتظافر وتعاون واتحاد وإطاعة لقائدٍ أو لحزبٍ يكون في مستوى القدرة على تحدي النظام الأموي وإزالته، ولم يكن سوى الإمام الحسين عليه السلام مؤهلاً لذلك.

كما أن جزءاًً كبيراً آخر من الأمة الإسلامية قد هان عليه أمر الإسلام، فلم يعد يهتم إلاّ بمصالحه الشخصية، وتضاءلت أمامه الرسالة الإسلامية، فهو انضم إليها سلاّباً نهّاباً، يقاتل من أجل الغنيمة ويطمع بالعيش الرغيد. 
ولكن جزءاًً كبيراً من الأمة الإسلامية كان يعلم تماماً أنّ خسارة كبيرة تحيق بالأمة الإسلامية من خلال تبديل الخلافة إلى قيصرية وكسروية. وأنه في عهد معاوية طرأ تغيّر أساسي على نفس مفهوم الخلافة، فلم تعد الخلافة حكماًً للأمة،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
55

51

النهضة الحسينية‏

  بل حوّلها معاوية إلى حكم كسرى وقيصر، وهو تحويل خطير في المفهوم أراد معاوية أن يلبسه ثوب الشرعيّة، ولكن هذا التحويل لم يواجه بالمعارضة والرفض من قِبل الصحابة، بل سكتوا واستكانوا، فأمكن أن تنطلي حيلة معاوية على الكثير من السذّج والبسطاء من العوام إذ يرون في سكوت الصحابة إمضاءً له، وكان في ذلك إحراج شديد للإمام الحسين عليه السلام وهو الصحابي، والممثِّل للدين والقرآن والإسلام، فكيف يسكت؟ ألا يُفهم من سكوته الإمضاء لهذا التحول؟

ثم إن حقيقة موقف الإمام الحسن عليه السلام في مسألة الصلح لم تكن معروفة لجمهور وعموم المسلمين، إلا داخل دائرة خاصة ومحدودة جداًً كانت تعيش هذه المسألة عن قرب، بل حتى الأقربين كانوا غير قادرين على فهمها، كبعض أصحاب الإمام الحسن عليه السلام الذي خاطبه يوماً بكلامٍ لا يخلو من عدم الإحترام قائلاً: "السلام عليك يا مُذِلَّ المؤمنين" !!

فكيف بأهل العراق بشكل عامّ ؟؟ وكيف بمن كان يعيش في أطراف العالم الإسلامي كأقاصي خراسان، حيث لم يعش المحنة يوماً بعد يوم ولم يكتوِ بالنار التي اكتوى بها الإمام الحسن عليه السلام في الكوفة من قواعده وأعدائه، وإنما كانت تصله الأخبار عبر المسافات الشاسعة بين الكوفة وأطراف خراسان مثلاً ؟؟ 

فكل هؤلاء لم يفهموا أن صلح الحسن مع معاوية وتنازله عن الخلافة مؤقتاً ليس اعترافاً بشرعيّة معاوية والأطروحة الأموية !! بل هو تصرّف اقتضته الضرورة والظروف الموضوعية التي كان يعيشها الإمام الحسن عليه السلام . 
فكان لا بدّ للإمام الحسين عليه السلام أن يختار موقفاً يعالج فيه مشكلة كل هذه الإنهيارات في موقف الجمهور الإسلامي. بأن يعيد إلى الأمة إرادتها التي فقدتها بالتميّع الأموي، وإيمانها بالرسالة وشعورها بأهميّة الإسلام، وأن يكشف معاوية ويرفع عنه التستر بأصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنهم سكتوا على تحويل الخلافة إلى كسروية وقيصرية، وذلك عن طريق رفضه شخصياً لذلك التحويل مهما كان الثمن، على
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
56

52

النهضة الحسينية‏

 أساس أنه من الصحابة، ويمثلهم، وأنه رمز لهم، والبقيّة الباقية من الصحابة.. 

 
ولا بد أيضاً أن يختار الإمام الحسين عليه السلام الموقف الذي يشرح فيه، حتى لمن كان بعيداً عن الأحداث، أن تنازل الإمام الحسن عليه السلام لم يكن إقراراً بحقٍ ما لمعاوية ولا لبني أمية، وأن أهل البيت يرفضون تحويل خلافة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى كسروية وقيصرية.
 
فما هو الموقف الذي يحقق كل هذه الأهداف معاً ؟ 
 
أما مبايعة يزيد بن معاوية، فسوف تكرّس كل المخاطر والمحاذير، وليست خلافة يزيد كخلافة أبي بكر وعمر وعثمان، لأن خلافة هؤلاء جاءت من بيعة محدودة، أو من شورى، أو بتعيين لا يستبطن التوريث العائلي والتمليك الشخصي، وأما هنا في حالة يزيد بن معاوية، فقد أصبحت تركة يحصل عليها الورثة بالتوريث العائلي الخاص.
 
إذن فالتحويل هنا على مستوى المفهوم، وسوف يعني على مستوى التطبيق خسارة احتمال عودة الإمامة إلى أهل البيت إلى الأبد !! وتنازل الحسن عليه السلام كان مؤقتاً. فلم يكن بالإمكان أن تمضي عملية التحويل هذه دون أن يقف أهل البيت، الذين هم القادة الحقيقيون للأمة، الموقف الديني الواضح المحدّد منها. 
 
وأما الموقف الثاني: فهو لا يحقّق ذلك المكسب الذي يريده الحسين عليه السلام أيضاً وذلك لأن الإمام الحسين عليه السلام كان يؤكد أنه لو بقي في المدينة أو في مكّة رافضاً للبيعة لقتل من قِبل بني أمية حتى ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة.. وهذا القتل ليس كالقتل الذي استطاع أن يحرك البقية الباقية من عواطف المسلمين تجاه رسالتهم ودينهم. حتى ولو كان هذا القتل من خلال مواجهة عسكرية في المدينة، كان يحتمل احتمالاً كبيراً وقوعها بعد تعرض الإمام عليه السلام لعملية اغتيال مدبّرة من قبل الوالي1،
 
 
 

 1- الفتوح لابن الأعثم، 5ص 18. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
57

53

النهضة الحسينية‏

 وحتى لو فرضنا رفض الوالي لتطبيق تلك الفكرة، إلا أن يزيد لن يعدم والياً أموياً آخر يقوم بالمهمة، بل لعل في بعض الأخبار ما يصرح بأن الأمويين دسّوا على الإمام الحسين عليه السلام من يقوم باغتياله1. فإlرجاع الناس إلى عقيدتهم، من خلال إثارة المتبقي من عواطفهم ومشاعرهم، سوف لن يتحقق من خلال قتلٍ عابرٍ سهلٍ من هذا القبيل، بل لا بد من أن تحشد له كل المثيرات والمحرّكات.

ولذلك كان السبب الرئيس لخروج الحسين عليه السلام من المدينة ليس مجرد الخشية من الإغتيال، بل كان الخوف من أن تخنق ثورته، بإغتياله، وتكتم أنفاسها سراًً، قبل أن تشتعل، وفي ظروف يقوم الأمويون بإعدادها وإخراجها، وتذهب فيها نفس الحسين عليه السلام رخيصة في ظروف ملتبسة، ثم يقوم الأمويون بالإستفادة من الحادثة كعادتهم، وتحويل آثارها لمصلحتهم. 
 
وأما الموقف الثالث: فهو وإن كان أسلم من الأول والثاني على الخطّ القصير، لأنه يمكنه أن يعتصم بشيعته في اليمن مثلاً إلى برهة معينة، لكنّه سوف ينعزل ويحيط نفسه بإطارٍ منغلق عن مسرح الأحداث، بينما لابدّ أن يباشر عمله التغييري على مسرح الأحداث الذي كان وقتئذٍ هو الشام والعراق ومكّة والمدينة، كي يمكن لهذا العمل أن يؤثّر تربوياً وروحياً وأخلاقياً في كلّ العالم الإسلامي. 
وعليه كان لابدّ أن يختار الموقف الرابع الذي استطاع أن يهزّ به ضمير الأمة من ناحية، ويشعرها بأهميّة الإسلام وكرامة هذا الدين من ناحية ثانية. وأن يدحض عمليّة تحويل الخلافة إلى كسروية وقيصرية من ناحية ثالثة، وأن يوضّح لكلّ المسلمين مفهوم التنازل عند الإمام الحسن عليه السلام ، وأنه لم يكن موقفاً إمضائياً وإنّما كان أسلوباً تمهيدياً لموقف الإمام الحسين عليه السلام . 
 
وإذا كانت الهزيمة النفسية للأمة هي الحالة المرضيّة العامّة التي قد تعرضت لها الأمة المسلمة في عصر الحسين عليه السلام ، فالحسين حين يريد معالجة هذا
 
 

1- تاريخ اليعقوبي، 2ص 248- 249.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
58

54

النهضة الحسينية‏

 المرض المستشري في جسمها لا بد له أن يقدّم الموقف النظري والعملي معاً تجاه الوضع القائم، ويضع النقاط على الحروف بنحوٍ ينتهي إلى اجتثاث جذور هذا المرض الخبيث. 

ومن هنا كانت الثورة المسلحة بالشكل المثير جدّاً، والذي يستنهض النفوس الميّتة ويحييها من سباتها ويبدِّل جُبنها إلى الشجاعة ووهنها إلى الإقدام، هو الحل الوحيد للأزمة التي حلت بالأمة المسلمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
لقد رفض الإمام الحسين عليه السلام رفضاً قاطعاً بيعة يزيد، ولم يكن هذا الرفض سلبياً، بل كان رفضاً إيجابياً متحرِّكاً باتجاه نقض البنيان الأموي، طلباً للإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلم يكن الإمام الحسين عليه السلام ليسكت، حتى لو سكت عنه النظام الأموي، بل كان خروجه فعلاً ابتدائياً درءاً للخطر الذي أخذ يتهدد الإسلام بخلافة يزيد.

والأمر الآخر أن الإمام عليه السلام كان أمامه التهديد الأموي إن هو لم يبايع، ولو بايع فإنه سيعطي في مثل هذه الحالة الوثيقة الشرعيّة للحكّام الأمويين الظلمة وسيطفئ بالتالي بصيص الأمل الذي ترصده الأمة في تلك الشخصيّة المعارضة، أعني شخصية الإمام عليه السلام . 
وفي حالة رفضه فإنه أمام خيارين: إما الموت الذي قرّره الأمويون له، ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة، وإما الرحيل إلى إحدى المناطق التي يمتلك فيها شعبيّة وشيعة، ولا تتعدى هذه المناطق اليمن، الكوفة والبصرة، ومن المعلوم أن الطلب الأموي سوف يلاحقه في هذه المناطق بلا فرق. وما دامت الكوفة تحتوي أكثر القواعد الشعبية المؤيّدة له بالإضافة إلى الطلب الشديد من قِبل أهلها، فإنّ الخيار الصحيح لا بدّ أن يكون بالرحيل إلى الكوفة عاصمة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام ، ولهذا رفض الإمام عليه السلام إلحاح أخيه محمّد بن الحنفية وممانعته من الذهاب إلى الكوفة، كما رفض طلب ابن عبّاس الذي أشار على الإمام عليه السلام بالذهاب إلى اليمن.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
59

55

النهضة الحسينية‏

 الخروج من المدينة

 
لم يكن خروج الإمام الحسين عليه السلام سرِّياً، ولا خوفاً من السلطة الأموية، فقد كان موكبه من الضخامة بحيث لا يخفى على الأعين المراقبة، كما أنه اطمأن إلى أن الوليد لن يُقدم على عمل أرعن ضده، بل كان يتمنى خروجه لكي لا يبتلى بدمه. ولعل اختيار الليل كان للتستر على حركة الحرم النبوي ولكي لا تتصفَّح أعين الناس النساء إذا ما كان الخروج نهاراً1
وخرج معه بنو أخيه، وإخوته، وجلّ أهل بيته إلا محمّد بن الحنفية وعبدالله بن جعفر. وكان معه من أنصاره عبدالله بن يقطر الحميري الذي اشتهر بأنه أخو الحسين عليه السلام من الرضاعة، لأن أمه كانت حاضنة الحسين عليه السلام ، وسليمان بن رزين، وأسلم بن عمر، وقارب بن عبدالله الدئلي، ومنجح بن سهم، وكلهم من مواليه واستشهدوا معه في كربلاء. وسعد بن الحرث الخزاعي، ونصر بن أبي النيزر، وهما موليان لأمير المؤمنين علي عليه السلام ، والحرث بن نبهان مولى حمزة بن عبد المطلب، وجون بن حوى مولى أبي ذر الغفاري2، وعقبة بن سمعان، الذي أسر في كربلاء بعد نهاية المعركة، فادعى أنه مملوك فأطلق سراحه3، وهو الذي روى بعض أحداث الطف في روايات أبي مخنف، وذهب بعض علماء الإمامية إلى أنه استشهد في كربلاء4.
 
ولما عزم الحسين عليه السلام على الخروج من المدينة مضى في جوف الليل إلى قبر أمه فودعها ثم مضى إلى قبر أخيه الحسن عليه السلام ففعل كذلك. ثم خرج عليه السلام من المدينة في جوف الليل، وسار إلى مكة، وهو يقرأ ﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ 
 
 

1- الإرشاد، ص222 والأخبار الطوال، 228، والطبري، ج4، ص253. 
2- إبصار العين في أنصار الحسين، ص93-94-95-96-97-98-و176-177 وتنقيح المقال، ج1، ص125و 248، وج2، ص81، 
3- الطبري، ج4، ص347، ونفس المهموم ص298، وتنقيح المقال، ج2، ص254. 
4- البحار، ج101، ص336-341، ومعجم رجال الحديث للسيد الخوئي، ج11، ص154، ح7723، ومستدركات علم رجال الحديث للشيخ علي النمازي، ج5، ص248. 


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
60

56

النهضة الحسينية‏

 قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾1.

 
ولزم الطريق الأعظم، فقال له أهل بيته: لو تنكّبت الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير كي لا يلحقك الطلب، فقال:" لا والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض"2
 
لماذا لم يتوجه الإمام الحسين عليه السلام مباشرة إلى العراق؟
 
لقد كان اختيار (العراق) مركزاً للثورة في ثقافة الثورة الحسينية منذ بدايتها، بل منذ الإخبار عنها في ملاحم الأخبار النبوية، وبغض النظر عن ذلك فقد كانت الكوفة هي الأقرب إلى الاستجابة من بين بقية المدن، فمكة والمدينة، لم يكن فيهما عشرون رجلاًً يحبون أهل البيت عليه السلام والبصرة كانت بأغلبها محسوبة على بني أمية، والشام كانت مغلقة لصالح الأمويين، والثائرون المحبون لأهل البيت، كانوا من أهل الكوفة، وقد تمت اتصالات بهم بعد الصلح وبعد شهادة الإمام الحسن عليه السلام ونصحهم فيها الإمام الحسين عليه السلام بالانتظار والتربص.. وقد تحدث الإمام الحسين عليه السلام مع أم سلمة عن مصرعه في العراق3، كذلك مع أخيه عمر الأطرف الأخ التوأم لرقية، ابن الصهباء التغلبية4
ولم يتوجه الإمام الحسين عليه السلام مباشرة إلى العراق لأنه كان يحتاج إلى هامش من الزمن يظهر فيه العراقيون إرادتهم ورغبتهم وبيعتهم، وبما أن بقاءه في المدينة انتظاراً لذلك كان سوف يشكل خطراً على الثورة ويحتمل خنقها في مهدها باغتياله كما تقدم، فقد فضّل الإمام جعل هذا الهامش الزمني في حركة له إلى
 


1- القصص 28: 21.
2- الإرشاد - الشيخ المفيد ج 2 ص 34.
3- - بحار الأنوار، ج44، ص331-332، باب27، والخرائج والجرائح،ج1، ص253-254، باب 4 ح7. 
4- اللهوف في قتلى الطفوف، 11-12، وسفينة البحار، ج2، ص272. وبحار الأنوار، ج42، 93، باب 120، ح20، والأخبار الطوال 306-307. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
61

57

النهضة الحسينية‏

  مكة أولاً حيث يلوذ بالبيت ويؤخر عملية اغتياله وتظهر بيعة أهل العراق له خلال ذلك الزمان وتنضج ظروف ثورته شعبياً وسياسياً واجتماعياً، بعد أن استكملت أسبابها ودوافعها الرسالية والعقائدية في المدينة وحتى قبل وفاة معاوية. 

لقد كان القرار بالثورة جاهزاً في المدينة ولم يكن ينتظر بيعة أهل العراق ولكن بيعة أهل العراق كانت سوف تقرر مكان وزمان الثورة، وقد صرّح الإمام بذلك في لقائه مع أخيه عمر الأطرف وأخيه محمّد بن الحنفية1
 
الإمام الحسين عليه السلام في مكة المكرمة
 
دخل الإمام الحسين عليه السلام مكة في ليلة الجمعة 3 شعبان2 وهو يقرأ: ﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ﴾3، وخرج منها إلى العراق في 8 ذي الحجة، فكان مكثه فيها مئة وخمسة وعشرين يوماً، وتعتبر من أطول مراحل الثورة الحسينية، ومع ذلك فهي من أقل مراحلها نصوصاً، ومعظم الحوادث التي سجلت اقتصرت على وقائع الأيام الأخيرة منها. 
 
سبب اختيار مكة
 
لعل موسم الحج كان من أهم أسباب اختيار الإمام لها، فهو مناسبة جيدة للدعاية السياسية ضد النظام الأموي وللتحضير لثورته، كذلك مكة أيام الموسم هي المكان المناسب للقاء بوفود العراق لمعرفة تطور الوضع هناك ومدى استعداده لقدوم الإمام إليه. 
من هنا، نشير إلى أن الإمام عليه السلام لم يقصد مكة إلا بما هي مكان لموسم الحج، ولم يقصدها لذاتها فقد كانت مكة منذ الأيام الأولى للبعثة النبوية إلى
 
 
 

1- الفتوح لإبن الأعثم، ج5 ص20-21، وبحار الأنوار، ج44، ص329-330، باب 37. 
2- البداية والنهاية، ص160، وإعلام الورى، 223، وأنساب الأشراف، ج3، ص1297.
3- الإرشاد - الشيخ المفيد ج 2 ص 34.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
62

58

النهضة الحسينية‏

 مرحلة الهجرة النبوية إلى المدينة إلى ما جرى بعد ذلك من صراعات وحروب في الجمل وصفين مركزاً لأعداء أهل البيت عليه السلام ولذرية علي بن أبي طالب عليه السلام ، فبعد سنتين من شهادة الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء يقول الإمام علي بن الحسين زين العابدين ( ما بمكة والمدينة عشرون رجلاًً يحبنا)1

 
لقد قتل علي بن أبي طالب عليه السلام رؤوس قريش في بدر وأحد والأحزاب، وفي معركة الجمل كانت قريش كلها بكل بطونها موحّدة تحت راية أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر ضد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وقد خسرت قريش فيها أيضاً الكثير من رموزها، وفي صفين كانت قريش كلها في جانب الفئة الباغية في معسكر معاوية ضد علي بن أبي طالب عليه السلام ..
 
لقد أورثت الحوادث هذه كرهاً وبغضاً لعلي بن أبي طالب عليه السلام وأولاده في قلوب المكيين2 مما يحدو بنا إلى القول إن ما ورد من التفاف (أهل مكة) حول الإمام الحسين عليه السلام ، وقد فرحوا به فرحاًً شديداًً وعكوفهم عليه ووفودهم إليه وجلوسهم حواليه يستمعون كلامه ويضبطون ما يروون عنه3، إنما يراد به الحجيج والوافدون إلى مكة من أطراف العالم الإسلامي وقد ألمح إلى ذلك بعضهم وإن جزئياً 4.
 
نزل الإمام الحسين عليه السلام في منزل عمه العباس بن عبد المطلب5، في شعب علي6، فلم يكن الإمام عليه السلام راغباً في توريط أحدٍ من الناس في مشاكل مع الأمويين فيما لو نزل عنده، كما أن منازل بني هاشم كان قد باعها عقيل في خلال
 
 

1- الغارات 393، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج4، ص104، وبحار الأنوار ج46، 2143.
2- بحار الأنوار، ج19، ص206، وج29، ص621-628-559 و ص482-280-281،ج43، ص160، ج20، ص50-51، وأنساب القرشيين، ص193، الإرشاد للمفيد، ص46، الإحتجاج، ج1، ص147- نهج البلاغة، 409 رقم 36 وشرح النهج لابن أبي الحديد، ج4، ص104. 
3- البداية والنهاية، ج8، ص153، الإرشاد، 223 الفتوح لإبن الأعثم، ج5، ص26.
4- الإرشاد للمفيد، 223، والفصول المهمة، ص183. 
5- تاريخ الإسلام حوادث سنة 61، ص8، وتهذيب الكمال، ج4، ص489، وتاريخ دمشق ج14، ص182. 
6- الأخبار الطوال، 229. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
63

59

النهضة الحسينية‏

  الهجرة النبوية في المدينة، لأن قريش كانت تصادر أموالهم ودورهم، ففضَّل بيعها، والظاهر أن ذلك كان برضاهم1، إلا أن في لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم (وهل ترك لنا عقيل منزلاً) شوب عتب. 

 
 

1- مغازي الواقدي، ج2، ص829. 


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
64

60

التحضير للثورة

  التحضير للثورة

 
مراسلة أهل البصرة
 
وكتب الحسين عليه السلام إلى رؤساء الأخماس بالبصرة وإلى أشرافها، فكتب يزيد بن مسعود النهشلي إلى الحسين عليه السلام جوابه مبدياً فيه استعداده للنصرة، وقرأ الحسين كتابه ودعا له بالأمن يوم الخوف والإرواء يوم العطش الأكبر، ولكن لمّا تجهّز للخروج لنصرة سيّده الحسين عليه السلام بلغه قتله فجزع من انقطاعه عنه 1. وأما الأحنف بن قيس فقد كتب للحسين عليه السلام : أما بعد فاصبر إن وعد الله حقّ ولا يستخفنّك الذين لا يوقنون 2
وأمّا المنذر بن الجارود فإنه جاء بالكتاب والرسول إلى عبيد الله بن زياد في عشيّة الليلة التي يريد ابن زياد أن يذهب في صبيحتها إلى الكوفة. فأخذ عبيدالله الرسول فصلبه، ثم خطب الناس وتوعّدهم على الخلاف وخرج من البصرة واستخلّف أخاه عثمان عليها3
 
 

1- اللهوف، 110، ومثير الأحزان، 27-29. 
2- الجمل للمفيد، ص158، قاموس الرجال، ج1، ص691، وتنقيح المقال، ج1، ص103 ومستدركات علم الرجال، ج1، ص520. 
3- كتاب الغارات، 358، الهامش، وتاريخ الأمم والملوك، ج3، ص280.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
65

61

التحضير للثورة

 كان العراق هو المكان الأنسب للثورة، إذ لم يكن مغلقاً، كالشام، للأمويين، وكان الإمام الحسين عليه السلام ينتظر موقفاً جيداً من أهل الكوفة، ولم يكن ينتظر اتصالاً إيجابياً من أهل البصرة يبادر إلى دعوته وبيعته، لوجود ثقل للأمويين في البصرة، ولقلة المحبين لعلي بن أبي طالب عليه السلام فيها، خصوصاً بعد معركة الجمل، ولوجود والٍ أموي قوي وإرهابي مستبد فيها وهو عبيد الله بن زياد، ولأن توزيعها إلى خمسة أقسام أمنية تحت قيادة زعيم عشيرة من عشائرها سهّل مراقبتها وضبطها أمنياً، خصوصاً إذا علمنا أن من بين هولاء الخمسة كان واحد فقط يميل إلى آل علي بن أبي طالب عليه السلام وهو الأحنف بن قيس1، رغم ما في سجله أيضاً من مواقف تشير إلى ضعف اعتقاده وتهاونه وتقاعسه عن نصرة الإمام الحسين عليه السلام 2. وأما الآخرون، فقد كان مالك بن مسمع أموياً في ميوله3، وكان مسعود بن عمرو بن عدي الأزدي في جيش أم المؤمنين وصديقاً حميماً لعبيد الله بن زياد وهو الذي هرّبه إلى الشام بعد موت يزيد وحماه 4، وكان قيس بن الهيثم السلمي والياً للأمويين في خراسان وعلى شرطتهم في البصرة وموظفاً عند عبيد الله بن زياد، ثم كان من الذين قاتلوا المختار تحت راية ابن الزبير 5، وأما المنذر بن الجارود العبدي، فبعد أن خان علياً عليه السلام الذي ولاّه، فوبّخه أمير المؤمنين عليه السلام6، خان الإنسانية والإسلام والشرف حينما سلّم عبيد الله بن زياد سليمان بن رزين رسول الإمام الحسين فقتله، فكان أول شهداء الثورة الحسينية7..

 
 

1- الجمل للمفيد، ص158، قاموس الرجال، ج1، ص691، وتنقيح المقال، ج1، ص103 ومستدركات علم الرجال، ج1، ص520. 
2- قاموس الرجال، ج1، ص691، وتاريخ الأمم والملوك ج6، ص95، ووقعة صفين ص387، ومعجم رجال الحديث، ج2، ص372، والغارات 263. 
3- كتاب الغارات هامش ص266. 
4 تاريخ الأمم والملوك ج5، ص505و535 و519، 522. 
5- تاريخ الأمم والملوك، ج5 ص369-172-209-210. 
6- نهج البلاغة، 461-262،كتاب رقم 71 وبحار الأنوار، ج33، ص506 وج34، ص333، وكتاب الغارات، ص357.
7- كتاب الغارات، 358، الهامش، وتاريخ الأمم والملوك، ج3، ص280.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
66

 


62

التحضير للثورة

 الاتصال بالبصرة

 
كما ذكرنا، بادر الإمام للاتصال بأهل البصرة، عبر هؤلاء الذين ذكرناهم، لأنهم الواسطة الوحيدة إلى أهل البصرة، الذين كانوا لا يتحركون إلا بإرادة هؤلاء الزعماء، ولذلك لم يجد الإمام طريقاًً إلى الناس هناك وإلى إلقاء الحجة عليهم، إلا إرسال الرسائل مباشرة إليهم، ولعلّّ خيراًً يظهر منهم. وبالجملة لم تخل البصرة من محبين وموالين وقفوا إلى جانب الحسين واستشهد بعضهم معه في كربلاء1، وكان يزيد بن مسعود النهشلي، أحد رؤوس الأخماس في البصرة الوحيد الذي كان موقفه إيجابياً من دعوة الإمام الحسين عليه السلام2
 
الموقف الأموي في المدينة بعد خروج الإمام الحسين عليه السلام منها: 
 
وصلت أخبار الموقف المتهاون للوالي الأموي على المدينة الوليد بن عتبة من الإمام الحسين عليه السلام إلى يزيد بن معاوية الذي أغضبه موقف الوليد، فبادر إلى مجموعة إجراءات أمنية وسياسية، فعزل الوليد بن عتبة عن ولاية المدينة وأضاف ولايتها إلى عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق3 والي مكة آنذاك4، في محاولة لتوحيد السيطرة على العمل الأمني في الحجاز وجعله في يد واحدة احتياطاً لخروج الإمام الحسين عليه السلام ، وقد قدم عمرو بن سعيد الأشدق المدينة في شهر رمضان بعد خروج الإمام الحسين عليه السلام منها فهدّد أهل المدينة وأنذرهم وامتدح يزيد بن معاوية وهدّد ابن الزبير، ولكنه تجنب التعرض للإمام الحسين عليه السلام5. ثم قام يزيد باتصالات سياسية لمحاولة تطويق الثورة الحسينية قبل انطلاقها فأرسل
 
 

1- إبصار العين، 189-192. 
2- اللهوف، 110، ومثير الأحزان، 27-29. 
3- معجم الشعراء، ص231. 
4- تاريخ الأمم والملوك، ج3، ص272، والبداية والنهاية، ج8، ص151. 
5- تاريخ الأمم والملوك، ج3، ص272، العقد الفريد، ج4، ص132و376. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
67

63

التحضير للثورة

 رسالة لعبد الله بن عباس بن عبد المطلب1، فيها ترغيب وترهيب، وتحذير من شق عصا الطاعة(وكأن الطاعة مفروضة؟!) وهي نمط من خطاب المصادرة الذي اعتمده معاوية، والإيحاء بأن الإمام الحسين عليه السلام كان طالب ملك ودنيا2

وأرسل رسالة أخرى إلى أهل المدينة يهددهم ويحذرهم من الثورة عليه، فأرسل أهل المدينة هذه الرسالة إلى الإمام الحسين في مكة فأجاب عليها مزدرياً به في جواب مختصر يشير فيه إلى القطيعة التامة بين الإسلام والكفر ضارباً المثل بآية قرآنية كانت هي كل الجواب (وإن كذّبوك فقل لي عملي ولكم عملكم، أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريءٌ مما تعملون)3 والسلام4
 
الموقف الأموي في مكة بعد وصول الإمام الحسين عليه السلام إليها
 
كان عمرو بن سعيد الأشدق أموياً متعصباً ومبغضاً لأهل البيت عليه السلام ، فظاً غليظاً، جباراً متكبراً، معتزاً بجاهليته وأمويته، لا يبالي ولا يستحي من ادعاء ما ليس له أهلاً، ومحباً ليزيد ومعاوية5.
وحينما وصل الإمام الحسين عليه السلام إلى مكة وتوافد الناس إليه، توجّه إليه عمرو بن سعيد الأشدق وسأله: ما إقدامك؟ فقال الإمام عليه السلام : عائذاً بالله وبهذا البيت6، ولم يفصح الإمام عليه السلام عن شيء من حقيقة موقفه، إلا أنه أراد أن يحرج هذا الطاغية الأموي بالقاعدة الأساسية التي ينبغي أن لا يزول عنها أي طاغية، لا في جاهلية ولا في إسلام، وهي أن هذا حرم الله تعالى ومن دخله كان آمناً..
 
 
 

1- تذكرة الخواص، ص215. 
2- معجم المؤلفين، ج7، ص69. 
3- يونس، 41. 
4- الفتوح ابن الأعثم ج5، ص77.
5- العقد الفريد، لابن عبد ربه الأندلسي، ج4، ص132-134. 
6- تذكرة الخواص، 214.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
68

64

التحضير للثورة

 وفي خلال المدة التي قضاها الإمام في مكة لم يظهر من الأمويين أي إجراء عسكري عنيف ضد الإمام عليه السلام ، ولعل ذلك بسبب ازدحام مكة بالحجيج، ولأن الإمام عليه السلام كان يتحرك محاطاً بحماية من أنصاره وأهل بيته، أو لأن الوالي الأموي لم يكن يملك قوة عسكرية كافية للاصطدام بالإمام عليه السلام . 

ومع ذلك فإن هناك من الدلائل التاريخية ما يكفي لإثبات أن الأمويين كانوا عازمين على اغتيال الإمام الحسين عليه السلام في مكة، حتى ولو أخّروا ذلك إلى ما بعد انقضاء موسم الحج، وبعد أن تفرغ مكة من الوافدين، ممّا سرّع خطوات خروج الإمام عليه السلام من مكة1.
 
تطور الأحداث في الكوفة بعد موت معاوية
 
يظهر أن نبأ موت معاوية وصل إلى أهل الكوفة بعد وصول الإمام الحسين عليه السلام إلى مكة2. فلم تصل إليه رسائل من الكوفة خلال وجوده في المدينة، لأن الوقت لا يتسع لوصول الخبر من دمشق إلى العراق، ثم للاجتماع وكتابة الرسائل، ثم وصول الرسائل من العراق إلى المدينة قبل خروج الإمام الحسين منها، وكما علمنا، فإن الإمام عليه السلام مكث يومين فقط في المدينة بعد ورود النعي بمعاوية. 
وأما الرسائل التي كانت تصل من العراق والتي تحض الإمام الحسين عليه السلام على الثورة على معاوية3 بعد شهادة الإمام الحسن عليه السلام فإن الإمام الحسين عليه السلام كان يمتنع عليهم ويذكر لهم أن بينه وبين معاوية عهداً لا ينقضه حتى تمضي المدة فإذا مات معاوية نظر في ذلك. 
وكان الاجتماع الأول لرؤوس أهل الكوفة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي
 
 
 

1- اللهوف، 128، الإرشاد للمفيد، 201، تذكرة الشهداء، ص69، وتاريخ اليعقوبي، ج2، ص248-249، بحار الأنوار، ج5، ص323-324، وتذكرة الخواص، ص248.
2- تاريخ الأمم والملوك، ج3، ص277، والإرشاد، 203، ص369، دار الفكر بيروت. 
3- أنساب الأشراف ج3ص151-152 ح13، والإرشاد للمفيد، ص200. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
69

65

التحضير للثورة

 وبحضورالمسيّب بن نجبة ورفاعة بن شدّاد وحبيب بن مظاهر، وخرجت أول وأخطر رسالة من الكوفة إلى الإمام الحسين عليه السلام فوصلت في العاشر من شهر رمضان1، وبعد يومين على هذه الرسالة، خرج قيس بن مسهّر الصيداوي ومعه نحو من مائة وخمسين رسالة من الرجل والإثنين والأربعة2. ثم رسائل أخرى بعد يومين3، ثم أخذت الرسائل تترى على الإمام عليه السلام يسألونه القدوم عليهم، وهو مع ذلك يتأنى ولا يجيبهم، فورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب، وتواترت الكتب حتى اجتمع عنده منها في نُوَبٍ متفرقة اثني عشر ألف كتاب4

 
الإمام الحسين عليه السلام والصحابة والتابعون في مكة
 
عكف الناس على الإمام الحسين عليه السلام ، يفدون إليه، ويقدمون عليه، ويجلسون حواليه، ويستمعون كلامه، وتركوا عبد الله بن الزبير الذي ساءه ذلك ولكنه لزم مصلاّه عند الكعبة، وجعل يتردد إلى الحسين عليه السلام في جملة الناس، وقد تراجع وزنه وذكره وتضاءل أمام ابن بنت رسول الله، سيد الحجاز بل سيد أهل الأرض، ولكنه بقي يختلف إلى الإمام الحسين عليه السلام صباحاً ومساءً 5
ينقسم موقف الصحابة والتابعين الذين التقوا الإمام الحسين عليه السلام وحاوروه وطرحوا عليه اقتراحات ومواقف إلى عدة اتجاهات وميول، تتراوح بين الاستسلام للأمويين والفرار من وجههم في الأرض والتربص بانتظار حصول تبدل في موازين القوى بين الإمام الحسين عليه السلام والأمويين من أجل إحراز نصرٍ مضمون... 
 
 
 

1- الإرشاد للمفيد، 202، وتاريخ الأمم والملوك، ج3، ص277.
2- الإرشاد، ص203.
3- الإرشاد، 203، والبداية والنهاية، ج8، ص154، وتاريخ اليعقوبي، ج2، ص241. 
4- اللهوف، ص105.
5- البداية والنهاية، ج8، ص151، والأخبار الطوال، 229. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
70

66

التحضير للثورة

 إلا أن أحداًً من هؤلاء جميعاًً، حتى أقرب المقربين منهم، كإبن عباس ومحمّد بن الحنفية وعبد الله بن جعفر، لم يكن يتصور سقفاً أعلى من طموحات تحقيق نصر على الحكم الأموي يتمكن من استرداد الدولة من قبضته، وهو سقف تحقيق شهادةٍ تضرب في أعماق التاريخ والوجدان، وتهز كل عروش الظالمين إلى يوم القيامة، وتحفظ أصل دين الإسلام، وليس فقط استرداد قيادة الدولة الإسلامية. 

 
عبد الله ابن العباس 
 
أما عبد الله بن العباس بن عبد المطلب فقد حاول جهده ثني الإمام الحسين عليه السلام عن التوجه إلى العراق، وقد رأى أنه لا بد أن يتحرك أهل الكوفة ويخلعوا أميرهم الأموي، ثم إذا استقر الوضع هناك يستطيع الإمام أن يذهب إلى العراق، وإلا فإن الذهاب وهم يطيعون أميرهم ويعطون الإمام الكلام فقط خطير جداًً 1
لم يرفض، إذن، عبد الله بن عباس نظرية الثورة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا أنه رأى لها سياقاً عرفياً وحسبما يتصرف القادة الثائرون عادة، إذا ما أرادوا الاعتماد على الشعب وعلى الطاقة الجماهيرية، فإن على الجماهير أن تثور، وأن تقدم السلطة للقائد، وأما أن "يغامر" القائد ويعتمد على "إمكانية" أو "احتمال" التحرك معه من الجماهير، فهذا يأباه طبع من يخطط تخطيطاً حكيماً للاستيلاء على السلطة، ولكن أمراً جوهرياً فات عبد الله بن عباس، وهو أن أفق الثورة الحسينية كان أعلى وأعمق من استرداد الدولة وإنجاز إصلاحات اجتماعية وسياسية، وأن ما كان يخطط له الإمام عليه السلام هو بُعد رسالي تأسيسي سوف يكون من ثماره الآنية استرداد الدولة وإنجاز تلك الإصلاحات. 
ولم يكن اقتراح ابن عباس جامداً، بل كان يستند إلى إمكانية الالتجاء إلى
 
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك، ج3، ص294، وتاريخ ابن عساكر ترجمة الإمام الحسين عليه السلام 204، رقم 255.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
71

67

التحضير للثورة

 أمكنة بعيدة، يستطيع أن ينظِّم فيها الإمام الحسين عليه السلام قواه العسكرية والشعبية ويستقطب الأنصار ويخوض بالتالي حرباً منتصرة على الأمويين1.

ولقد كان ابن عباس يبدو في جميع محاوراته مع الإمام الحسين عليه السلام أنه عارف بالقضية الكبرى، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بمقتله عليه السلام وأن على الأمة وجوب نصره، وأنه عارف بكفر الأمويين ونفاقهم، إلى الدرجة التي وضع فيها نفسه تحت إمرة الإمام، ولكن الإمام لم يأمره بالإلتحاق بل أمره بالمضي إلى المدينة 2، ولعل ذلك لأنه كان قد أصبح كفيفاً قبل أن يتوجه الإمام إلى العراق3
 
كيف واجه الإمام عليه السلام طرح عبد الله بن العباس؟ 
 
لقد أخبره، أولاً، بأن هناك خطة أموية لاغتياله في الحرم حتى ولو لم يبايع ووقف موقفاً سلبياً من قضية الثورة، ثم أخبره ثانياً، في محاولة لإفهام ابن عباس، بأن المجال مازال متسعاً لأخذ القرار النهائي بالتوجه إلى العراق، وأنه باقٍ في الحرم (فإنّي مستوطن هذا الحرم، ومقيم فيه أبداًً ما رأيت أهله يحبّوني وينصروني، فإذا هم خذلوني استبدلت بهم غيرهم 4)، والإمام عليه السلام يعلم أنه لا يوجد من أهل مكة من يحبه ويحب أهل بيته، فترك الحسم والجواب النهائي حتى تستبين الأمور، وابن عباس يعلم بموقف أهل مكة من أهل البيت عليه السلام فاستقر بذلك في نفس ابن عباس أن الإمام عليه السلام ، إذن، خارج لا محالة 5
وفي محاولة، لعلها كانت الأخيرة بينهما، وقبل خروجه عليه السلام من مكة بيوم أو
 
 

1- نفس المصدر.
2- الفتوح لإبن الأعثم، ج5، ص27، ومقتل الحسين للخوارزمي، ج1، ص281.
3- تنقيح المقال، د2، ص191، قاموس الرجال، ج6، ص470، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج20 ص130و134. وسير أعلام النبلاء ج3، ص354-356، ومنتهى المقال ج4، ص201، والمعارف لابن قتيبة، 589، واختيار معرفة الرجال، ج1،ص272 وأمالي الطوسي، 314-315، المجلس 11 الحديث 640ص87، ومروج الذهب للمسعودي، ج3، ص108، وسفينة البحار، ج6، ص128.
4- الفتوح لإبن الأعثم، ج 5 ص 26-27. ونقله الخوارزمي عنه في مقتل الحسين ج 1 ص278- 281.
5- نفس المصادر السابقة. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
72

68

التحضير للثورة

 يومين، حسم الإمام عليه السلام أمره مع ابن عباس، وصرّح له بأنه (لا بد من العراق) وأنه إن يقتل بالعراق أحب إليه من أن يقتل بمكة، فإنه إذا كان مقتولاً لا محالة، وأن ما قضى الله فهو كائن، فالهجوم والتقدم إلى الأمام أفضل من النكوص والتراجع1.

 
محمّد بن الحنفية 
 
التقى به الإمام الحسين عليه السلام في المدينة قبل خروجه إلى مكة فاقترح عليه خطة حشد عناصر القوة العسكرية والشعبية من أجل التأثير في ميزان القوى مع الدولة الأموية، بدعوة الناس إليه ولو بالتنقل من بلد إلى بلد، ومن جبل إلى جبل، انطلاقاً من المدينة إلى مكة إلى اليمن، وإلا فإلى الوديان والجبال والبوادي... وهكذا2
رسالة الإمام عليه السلام إلى محمّد بن الحنفية ومن قِبله من بني هاشم 3
وخلال وجوده في مكة، أو بعد خروجه منها 4، بعث الإمام الحسين عليه السلام إلى أخيه محمّد بن الحنفية ومن قِبله من بني هاشم في المدينة رسالة نصّها:
 
                                         بسم الله الرحمن الرحيم
 
من الحسين بن علي إلى محمّد بن علي ومن قِبله من بني هاشم. 
أمّا بعدُ: فإن من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يُدرك الفتح والسلام."5
 
 
 

1- تاريخ الطبري، ج3، ص294و295، الفتوح ابن الأعثم، ج5، ص72، مثير الأحزان، 38. 
2- الإرشاد للشيخ المفيد، ص201و 202، والفتوح ابن الأعثم، ج5، ص20و 21. 
3- راجع تاريخ ابن عساكرترجمة الإمام الحسين عليه السلام ص تحقيق المحمودي، 298ح 2/56-، البداية والنهاية، 8، 178، تاريخ الإسلام، حوادث سنة 61، ص9. 
4- بصائر الدرجات، 481 حديث رقم 5، كما رواها عن الإمام الصادق عليه السلام، وظاهرها أن الإمام الحسين عليه السلام كتبها بعد خروجه من مكة، محمّد بن يعقوب الكليني في كتاب الرسائل. راجع بحار الأنوار، ج 44، ص 330، وج45، ص84. 
5- بصائر الدرجات 10ص 481 باب 9 ح وكامل الزيارات 75 باب 24، ح15، وبحار الأنوار، ج44، ص330، باب 37.. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
73

69

التحضير للثورة

 وقد لحق محمّد بن الحنفية بالإمام في مكة 1، بعد هذه الرسالة، ولكنه لم يلحق به إلى العراق !!! حيث اقترح على الإمام في الليلة الأخيرة التي خرج في صبيحتها إلى العراق، المكوث في الحرم، فصرّح له الإمام بخشيته من أن يغتاله الأمويون في الحرم فيكون بذلك هو الذي تتحدث عنه الروايات النبوية والذي تستباح به حرمة المسجد الحرام، وأن ذنوبه لو وزنت بذنوب الثقلين لوزنتها وأن عليه نصف عذاب العالم2، ولو نجح الأمويون في قتل الإمام الحسين عليه السلام في الحرم، فسوف يروّجون عبر قصّاصيهم وكذّابيهم أنه هو المقصود بتلك الروايات النبوية.

ثم التقى محمّد بن الحنفية بالإمام للمرة الأخيرة متعجّباً من إصرار الإمام على التوجّه إلى العراق، فصرّح له الإمام عليه السلام بطرف من المشروع الإلهي الذي يسعى إليه، عبر إخباره بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتاه وأمره بالخروج مع أهل بيته (فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً... وشاء أن يراهن سبايا) 3.
 
لماذا لم يلتحق محمّد بن الحنفية بالإمام عليه السلام في العراق؟
 
الظاهر من بعض الأخبار أن محمّد بن الحنفية كان مريضاً مرضاً شديداًً أيام خروج الإمام الحسين عليه السلام من المدينة إلى مكة ثم إلى العراق، بحيث أنه لم يكن يقوى على حمل السيف أو الرمح 4. وفي بعض آخر، فإنَّ الإمام الحسين عليه السلام قال له: "وأما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم في المدينة فتكون لي عيناً، ولا تخف
 
 

1- البداية والنهاية، ج8، ص167، وتاريخ ابن عساكرترجمة الإمام الحسين عليه السلام، تحقيق المحمودي- 204، رقم256. 
2- سير أعلام النبلاء ج3، ص377، وقاموس الرجال، ج6، ص354. 
3- اللهوف، ص127. 
4- كتاب حكابة المختار في أخذ الثأر برواية أبي مخنف، 33، المطبوع مع كتاب اللهوف في قتلى الطفوف، منشورات المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف، واسراًر الشهادة للدربندي، نقلاً عن أبي مخنف، ص246، ومعالي السبطين، ج1،ص230، وتذكرة الشهداء للشيخ حبيب الله الكاشاني، ص71و 82، والكامل للمبرّد ج3، ص266، دار الفكر العربي- القاهرة. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
74

70

التحضير للثورة

 عليَّ شيئاًً من أمورهم." 1 إلا أن هذه الروايات لم تكف في تحصيل الباحث القطع واليقين في السبب الذي منع محمّد بن الحنفية من الإلتحاق بالإمام الحسين عليه السلام . 

وعلى كل حال، سواء كان محمّد بن الحنفية معذوراً في عدم التحاقه بالإمام عليه السلام أم لم يكن معذوراً، فقد فاته فتح جليل، لأن الإمام الحسين عليه السلام جعله قرين الشهادة، هذا الفتح الذي ما زال إلى يومنا هذا أمنيةً لكل من يحيي أمر الإمام الشهيد عليه السلام وأصحابه وأهل بيته. 
 
عبد الله بن جعفر
 
وأما عبد الله بن جعفر الذي كان صحابياً2 نشأ في حجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان على ميمنة أمير المؤمنين عليه السلام في صفين إمامياً3 جريئاً في قول الحق4، فقد اتصل بالإمام الحسين عليه السلام عبر رسالة حاول فيها ثنيه عن المسير إلى العراق 5، تبعاً لابن عباس ومحمّد بن الحنفية بناءً على رؤيتهم لموازين القوى ولاعتقادهم أن أفق الثورة الحسينية هو إحراز نصر سياسي عسكري على الدولة الأموية واسترداد قيادة الدولة.
لكن عبد الله بن جعفر لم يلتحق بالثورة الحسينية بل عاد من الطريق6 رغم أن زوجته زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام قد رافقت الإمام الحسين 
 
 

1- الفتوح لابن أعثم،ج5، ص 21. 
2- مستدركات علم الرجال: 4ص 502 – خلاصة الأقوال للحلي: ص103 – منتهى المقال للحائري، ج4، ص167، ونقد الرجال للتفرشي، ج3، ص93، وسير أعلام النبلاء، ج3، ص456. 
3- الخصال، ج2، ص477، باب 122 رقم 41، معجم رجال الحديث، ج10، ص138 رقم 6751. 
4- قاموس الرجال، ج6، ص284، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج6، ص295- 297. 
5- الفتوح لإبن الأعثم ج5، ص74، تاريخ ابن عساكر،ترجمة الإمام الحسين عليه السلام تحقيق المحمودي، ص202، البداية والنهاية ج8، ص169. 
6- الإرشاد للشيخ المفيد، ص219، تاريخ الأمم والملوك، ج3، ص297. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
75

71

التحضير للثورة

 عليه السلام في ثورته حتى النهاية ورغم أن ولديه 1، أو أولاده 2 قد رافقوا الإمام أيضاً واستشهدوا معه في كربلاء. 

يبقى شيء في موضوع عبد الله بن جعفر وهو وساطته التي قام بها بين عمرو بن سعيد الأشدق الأموي والإمام الحسين عليه السلام ، في محاولة منه لتحقيق أمان للإمام في مكة اعتقاداً منه بأن سبب الثورة الحسينية هو عدم الأمان وتهديد الأمويين للإمام بالقتل، لكن هذه المحاولة فشلت لإصرار الإمام على ما قرّره ولأن الأمان الأموي كما في رسالة الأشدق إلى الإمام كان يحمل إرغاماً وإذلالاً يأباه الإمام عليه السلام 3
والجدير بالذكر أن رواية الطبري للوساطة تنسب رسالة الأشدق إلى عبد الله بن جعفر مع ما فيها من سوء الأدب والتطاول على الإمام عليه السلام مما لا ينبغي أن يصدر من موالٍ مهذّب كعبد الله بن جعفر، ونسبة الرسالة إلى الأشدق، دون عبد الله بن جعفر، كما يؤكد عليها ابن أعثم وابن الأثير والشيخ المفيد يدل على أن يد الوضع تسرّبت إلى تاريخ الأمم والملوك في محاولة للانتقاص من عبد الله بن جعفر، أو محاولة إثبات أن إجماع الصحابة لم يكن على تأييد الثورة الحسينية، وهي مدرسة الطبري في تقريب الألوان بين الصحابة. 
 
عبد الله بن عمر
 
وأما عبد الله بن عمر فنأتي معه إلى مستوى آخر منخفض في التعامل مع الثورة الحسينية، فقد رفض أصل الثورة ودعا الإمام عليه السلام إلى الدخول في ما دخل فيه
 
 
 

1- الإرشاد للمفيد، ص219و 247، والكامل في التاريخ، ج2، ص579، والطبري، ج3، ص342. 
2- مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني، ص61، بحار الأنوار، ج45، ص34. 
3- تاريخ الأمم والملوك، ج3، ص297، والكامل في التاريخ، ج2، ص548، والفتوح لإبن الأعثم، ج5، ص75، الإرشاد للشيخ المفيد، ص219، والبداية والنهاية، ج8، ص169. 
4- نفس المصادر في الحاشية رقم 8. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
76

72

التحضير للثورة

 الناس وإلى مبايعة يزيد والصبر عليه كما صبر لمعاوية من قبل 1، مع أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأمر بنصرة الحسين عليه السلام ، وسمع ابن عباس يروي حديثاً مشابهاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وسمع من الإمام الحسين عليه السلام يطلب منه أن ينصره2.

 
 
ومع ذلك قعد ابن عمر وتخلّف عن نصرة الإمام الحسين عليه السلام بلا عذر، بل دعاه إلى متاركة بني أمية والقعود عن الثورة ولزوم منزله وأن بني أمية لن يقتلوه حتى ولو لم يبايع!!! 
ولكن من قال لابن عمر ذلك؟ هل كان على اتصال ببني أمية ويريد إغراء الإمام بالمكوث في مكة لإجهاض الثورة في مهدها؟ 
قد يكون الجواب إيجابياً إذا علمنا أن ابن عمر قد عاش في نعيم المال الأموي من أجل أن يبايع ليزيد 3وأنه بايع يزيد واعتبر نكث بيعته من أعظم الغدر 4، بل كان مع معاوية ويزيد من أول الطريق 5، وعرض سريع لهويته التاريخية يكشف الكثير من شخصيته، فقد وصفه أمير المؤمنين علي عليه السلام بأنه سيء الخلق صغيراً وكبيراً 6
وكان ابن عمر يُكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويُكثر في الفتيا، ويُخطئ في كليهما أخطاءً فاحشة، وقد كشفت عائشة عن كثير من اشتباهاته في الرواية والفتيا 7.
ويكفي ابن عمر جهلاً أنه ما كان يحسن طلاق زوجته، فقد طلقها ثلاثاً وهي
 
 
 

1- تاريخ ابن عساكرترجمة الإمام الحسين، تحقيق المحمودي، 192- 193- 200 رقم 246و 254. 
2- الفتوح لإبن الأعثم، ج5، ص26- 27. 
3- البداية والنهاية لابن كثير، ج8، ص83، الكامل في التاريخ لابن الأثير، ج2، ص5099. 
4- سنن الترمذي، ج4، ص144. 
5- أمالي الصدوق، ص215، المجلس الثلاثون ح1. 
6- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج4، ص9و 10. 
7- راجع الغدير: 10، 37- 58 وص 42، عن الإجابة للزركشي: 119 الغدير: 10: 43 عن كتاب الإنصاف لشاه صاحب -. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
77

 


73

التحضير للثورة

 حائض 1، وكان ابن عمر يقول: لا أقاتل في الفتنة، وأصلي وراء من غلب! 2.

وقال ابن حجر في فتح الباري 3 "كان رأي ابن عمر ترك القتال في الفتنة ولو ظهر أن إحدى الطائفتين محقة والأخرى مبطلة!" وهذا مخالف لصريح القرآن في وجوب قتال الفئة التي تبغي! وقال ابن كثير في تأريخه 4"كان، أي ابن عمر، في مدة الفتنة لا يأتي أميراً إلا صلّى خلفه! وأدّى إليه زكاة ماله!" فهو مع الأمير دائماً وإن كان ظالماً فاجراً!" 
 
لكن ابن عمر لم يلتزم بما ادعى الالتزام به من تلك المتبنيات في موقفه من الأمير الحقّ عليّ عليه السلام ، إذ لم يرَ شرعيته حتى بعد انتصاره في موقعة الجمل! ولم يبايعه وقعد عنه. 
والذي يضحك الثكلى قول ابن عبد البرّ في ابن عمر:" وكان رضي الله عنه لورعه قد أشكلت عليه حروب عليّ رضي الله عنه وقعد عنه!" 5
 
ويتمادى ابن عمر في تمرّده وتطاوله حين يأمن سطوة أهل الحق، إذ "لما بايع الناس علياً، وتخلّف عبد الله بن عمر، وكلّمه في البيعة، أتاه في اليوم الثاني فقال: إنّي ناصح! إن بيعتك لم يرضَ بها كلهم، فلو نظرت لدينك ورددت الأمر شورى بين المسلمين! فقال علي: ويحك! وهل كان عن طلب مني!؟ ألم يبلغك صنيعهم!؟ قم عنّي يا أحمق! ما أنت وهذا الكلام؟" 6. ويُروى أن ابن عمر أظهر في أواخر عمره ندمه على عدم نصرته لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام في حروبه 7.
ولو صحّ هذا الندم فلا بدّ أن حصوله كان لما حضرت ابن عمر الوفاة ولات
 
 
 

1- راجع تاريخ الأمم والملوك، 4، 228، والكامل لابن الأثير، 2، 219. 
2- راجع: الطبقات الكبرى: 4، 149. 
3- ابن حجر، فتح الباري ج13، ص47. 
4- تاريخ ابن كثير ج9، ص8 حوادث سنة 74. 
5- الإستيعاب، 3، 81. 
6- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4، 10. 
7- راجع الطبقات الكبرى، 4، 187، والإستيعاب، 3، 83، وأسد الغابة، 3، 432، والرياض النضرة، 3، 201. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
78

74

التحضير للثورة

 ساعة مندم، ذلك لأنه كان يصلّي أواخر عمره خلف الحجّاج في مكة، وخطباء الحجاج كانوا يسبّون علياً عليه السلام بل كان ابن عمر يصلّي أيضاًً خلف نجدة بن عامر الخارجيّ 1

وقد أذلّ الله ابن عمر وأذاقه وبال أمره، بامتناعه عن مبايعة عليّ عليه السلام ، إذ لمّا أراد أن يبايع لطاغية زمانه عبد الملك بن مروان على يد ممثله الحجاج مدَّ إليه هذا المتجبّر رجله بدلاً من يده احتقاراً له، ثمّ سلّطه الله عليه، فقتله وصلّى عليه! 2
 
عبدالله بن الزبير
 
هو عبدالله بن الزبير بن العوّام، وأمّه أسماء بنت أبي بكر وخالته أم المؤمنين عائشة، وقد عُدَّ من صغار الصحابة 3 لأنه ولد في السنة الأولى أو السنة الثانية من الهجرة، وقد وصفه أمير المؤمنين عليه السلام في واحدٍ من أخباره بالمغيبات قائلاً: "خَبٌّ ضبٌّ، يروم أمراً ولا يُدركه، ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا، وهو بعدُ مصلوب قريش!" 4.
وهو الذي رغّب عثمان بن عفّان، أثناء الحصار، بالتحوّل إلى مكة، لكنّ عثمان أبى ذلك قائلاً: إني سمعتُ رسول الله يقول: يُلحد بمكة كبش من قريش اسمه عبد الله، عليه مثل نصف أوزار الناس، وقد سمع هذا الانذار مرة ثانية، حينما حذّره عبد الله بن عمر بن الخطاب بقوله: "إيّاك والإلحاد في حرم الله، فاشهد لسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يُحلّها، (او تُحلُّ به) رجل من قريش لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها، فانظر يا ابن الزبير لا تكونه!5
 
 

1- راجع الطبقات الكبرى: 4، 149، والمحلّى: 4، 2123. 
2- راجع: الإستيعاب، 3، 82، وأسد الغابة، 3، 23، وأنساب الأشراف، 10، 447و 452. 
3- سير أعلام النبلاء، 3، 364. 
4- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، 7، 24. 
5- سير أعلام النبلاء. 3، 378. 



 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
79

75

التحضير للثورة

 وكان عبد الله بن الزبير من أهمّ العوامل التي أثّرت في تغيير مسار أبيه، وفي هذا يقول أمير المؤمنين عليه السلام : "ما زال الزبير منّا حتى نشأ ابنه عبد الله!" 1.

وهو الذي حرّض عائشة على مواصلة المسير إلى البصرة حين قصدت الرجوع بعد نباح كلاب الحوأب عليها.
وهو الذي بقي أربعين يوماً لا يصلّي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته حتى التات عليه الناس، فقال: إنّ له أهل بيت سوء! إذا ذكرته اشرأبّت نفوسهم إليه وفرحوا بذلك، فلا أحبّ أن أقرّ أعينهم بذلك! 2.
وهو الذي دعا ابن عباس ومحمّد بن الحنفية وجماعة من بني هاشم إلى بيعته، فلما أبوا عليه جعل يشتمهم ويتناولهم على المنبر.. ثم قال: لتبايعن أو لأحرقنكم بالنار! فأبوا عليه، فحبس محمّد بن الحنفية في خمسة عشر من بني هاشم في السجن3
 
وقد كان يبغض بني هاشم ويلعن علياً عليه السلام ويسبّه، وكان حريصاً جداًً على الإمارة والسلطة، وكان يدعو الناس إلى طلب الثأر قبل موت يزيد، فلمّا مات طلب الملك لنفسه لا للثأر 4، وكان، مع ذلك، متصفاً بصفات وخلالٍ تنافي أخلاقيات الرئاسة ولا يصلح معها للخلافة، إذ كان بخيلاً، سيء الخلق، حسوداً، كثير الخلاف ولذا تراه أخرج ابن الحنفية، ونفى ابن عباس إلى الطائف 5
وقد عانى الناس أيام سلطته القصيرة أنواع البؤس والجوع والحرمان، وخصوصاً الموالي فقد لاقوا منه أنواع الضيق حتى أنشد شاعرهم فيه: 
 
إنّ الموالي أمست وهي عاتبة           ماذا علينا وماذا كان يُرزؤنا
على الخليفة تشكو الجوع والسغبا     أيّ الملوك على من حولنا غلبا 6
 
 
 

1- بحار الأنوار، 34، 289.
2- العقد الفريد، 4، 413، بحار الأنوار، 48، 183. 
3- العقد الفريد، 4، 413. 
4- مستدركات علم الرجال، 5، 18. 
5- فوات الوفيات، 1، 448. 
6- مروج الذهب، 3، 22. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
80

76

التحضير للثورة

 وعندما وصل الإمام الحسين عليه السلام إلى مكة "اشتد ذلك على ابن الزبير، لأنه كان قد طمع أن يبايعه أهل مكة، فلما قدم الحسين عليه السلام شقّ ذلك عليه، غير أنه لا يُبدي ما في قلبه إلى الحسين، لكنّه يختلف إليه ويصلّي بصلاته، ويقعد عنده ويسمع حديثه، وهو يعلم أنه لا يبايعه أحدٌ من أهل مكة والحسين بن علي عليه السلام بها، لأن الحسين عليه السلام عندهم أعظم في أنفسهم من ابن الزبير 1، الذي لزم مصلاّه عند الكعبة، وجعل يتردد في غضون ذلك إلى الحسين عليه السلام في جملة الناس، ولا يمكنه أن يتحرّك بشيء مما في نفسه مع وجود الحسين عليه السلام ، لِما يعلم من تعظيم الناس له وتقديمهم إيّاه عليه وميلهم إليه عليه السلام لأنه السيّد الكبير، وابن بنت رسول الله، ليس على وجه الأرض يومئذٍ أحدٌ يساميه ولا يساويه" 2

 
 
من هنا كان كلّ هم عبد الله بن الزبير وأقصى أمنيته أن يخرج الإمام الحسين عليه السلام من مكة لتخلو له، وكان يظن أن ما يضمره خافٍ على الإمام عليه السلام ، غير أن أمره كان أظهر من أن يخفى!؟ 
لقد أتاه وحدّثه ساعة ثم قال: ما أدري ما تركنا هؤلاء القوم وكفّنا عنهم ونحن أبناء المهاجرين وولاة هذا الأمر دونهم، خبرني ما تريد أن تصنع؟
فقال الحسين عليه السلام : والله لقد حدّثت نفسي بإتيان الكوفة ولقد كتب إليَّ شيعتي بها وأشراف أهلها وأستخير الله!
فقال له ابن الزبير: أَمَا لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت بها !
ثم إنه خشي أن يتهمه، فقال: أَمَا إنك لو أقمت بالحجاز ثم أردت هذا الأمر ههنا ما خولف عليك إن شاء الله.
 
 

1- الفتوح، 5، 26، أعلام الورى، 223، البداية والنهاية، 8، 153، روضة الواعظين، 172. 
2- البداية والنهاية، 8، 153، تاريخ الإسلام، 268. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
81

77

التحضير للثورة

 ثمّ قام فخرج من عنده، فقال الحسين عليه السلام : ها، إن هذا ليس شيء يؤتاه من الدنيا أحبَّ إليه من أن أخرج من الحجاز إلى العراق، وقد علم أنه ليس له من الأمر معي شيء، وإن الناس لم يعدلوه بي فودَّ أني خرجت منها لتخلو له.1

وقال عبد الله بن سليم والمذري بن المشمعل الأسديين: خرجنا حاجين من الكوفة حتى قدمنا مكة، فدخلنا يوم التروية، فإذا نحن بالحسين عليه السلام وعبد الله بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين الحجر والباب، فتقربنا منهما فسمعنا ابن الزبير وهو يقول للحسين عليه السلام إن شئت أن تقيم أقمت فوليت هذا الأمر فآزرناك وساعدناك ونصحنا لك وبايعناك.
فقال له الحسين عليه السلام : إن أبي حدثني أن بها كبشاًً يستحل حرمتها، فما أحب أن أكون أنا ذلك الكبش، فقال له ابن الزبير فأقم إن شئت وتوليني أنا الأمر فتطاع ولا تعصى!! فقال عليه السلام : وما أريد هذا أيضاً 2.
وروى أبو مخنف عن أبي سعيد عقيصا، عن بعض أصحابه قال: سمعت الحسين بن علي عليه السلام وهو بمكة، وهو واقف مع عبد الله بن الزبير، فقال له ابن الزبير: إليّ يا ابن فاطمة، فأصغى إليه فساره. ثم التفت إلينا الحسين عليه السلام فقال: أتدرون ما يقول ابن الزبير؟
فقلنا: لا ندرى جعلنا الله فداك.
فقال: قال أقم في هذا المسجد أجمع لك الناس.
ثم قال الحسين: ( والله لأن أقتل خارجاً منها بشبر أحبّ إليَّ من أن أقتل داخلاً منها بشبر، وأَيمَّ الله لو كنت في جُحْر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا فيّ حاجتهم ووالله ليعتدّن عليّ كما اعتدت اليهود في السبت)3.
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك - الطبري ج 4 ص 288وص 289 
2- تاريخ الأمم والملوك - الطبري ج 4 ص 288وص 289 
3- تاريخ الأمم والملوك - الطبري ج 4 ص 288وص 289

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
82

78

التحضير للثورة

 وبلغ عبد الله بن الزبير ما يهم به الحسين عليه السلام ، فأقبل حتى دخل عليه، فقال له: لو أقمت بهذا الحرم، وبثثت رسلك في البلدان، وكتبت إلى شيعتك بالعراق أن يقدموا عليك، فإذا قوي أمرك نفيت عمال يزيد عن هذا البلد، وعليَّ لك المكانفة والمؤازرة، وإن عملت بمشورتي طلبت هذا الأمر بهذا الحرم، فإنه مجمع أهل الآفاق، ومورد أهل الأقطار لم يعدمك بإذن الله إدراك ما تريد، ورجوت أن تناله1

 
وعن أبي سعيد عقيصا، قال: سمعت الحسين بن علي عليه السلام وخلا به عبد الله بن الزبير وناجاه طويلاً، قال: ثم أقبل الحسين عليه السلام بوجهه إليهم وقال: إنَّ هذا يقول لي: كن حماماً من حمام الحرم، ولأن أقتل وبيني وبين الحرم باع أحب إليَّ من أن أقتل وبيني وبينه شبر، ولأن أقتل بالطف أحب إليَّ من أن أقتل بالحرم. 
 
وعن أبي عبد الله عليه السلام ، قال: قال عبد الله بن الزبير للحسين عليه السلام : ولو جئت إلى مكة فكنت بالحرم، فقال الحسين عليه السلام : لا نستحلها ولا تستحل بنا، ولأن أقتل على تلٍ أعفر أحب إليَّ من أن أقتل بها.
وعن أبي جعفر عليه السلام ، قال: إن الحسين عليه السلام خرج من مكة قبل التروية بيوم، فشيَّعه عبد الله بن الزبير فقال: يا أبا عبد الله لقد حضر الحج وتدعه وتأتي العراق؟ فقال: يابن الزبير لأن أدفن بشاطئ الفرات أحبّ إليَّ من أن أدفن بفناء الكعبة2.
 
كانت شخصية عبد الله بن الزبير قلقة، مضطربة، انعكست على آرائه ومواقفه، فقد كان طامحاً للرئاسة، إلى الدرجة التي ساوى فيها بينه وبين الإمام عليه السلام في مسألة الحق بالخلافة فيقول له (ونحن أبناء المهاجرين وولاة الأمر دونهم) بل
 
 

1- الأخبار الطوال- الدينوري ص 244.
2- كامل الزيارات، جعفر بن محمّد بن قولويه ص 151و ص 152. عنه البحار 45ج: 85ص و86. قال الجوهري: الأعفر الرمل الأحمر، والأعفر الأبيض وليس بالشديد البياض، وقال المسعودي: تل أعفر موضع من بلاد ديار ربيعة.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
83

79

التحضير للثورة

  وصل به التعلق الأعمى بالرئاسة حداً توهم أن يكون هو الخليفة مع وجود الإمام فيقول له (فأقم إن شئت وتوليني أنا الأمر). 

ومع ذلك فقد كان الإمام عليه السلام يسايره ويحاوره بدون أن يظهر له أنه يعرف حقيقة مشروعه الذي كان فيه استحلالاً للبيت وانتهاكاً لحرمته، وقد قال ذلك له الإمام صراحة، "إنّ أبي حدثني أن بها كبشاً يستحل حرمتها، فما أحب أن أكون أنا ذلك الكبش" 1.
 
وكان الإمام عليه السلام حريصاً على أن لا يتوهم أحد أنه يخفي شيئاًً بخصوص هذه المحاورات، فكان يصرّح لمن يراهما يتحادثان بحقيقة موقف ابن الزبير. 
إضافة إلى ذلك كله، كان الإمام عليه السلام يلقي الحجة على عبد الله بن الزبير في وجوب الخروج والثورة معه على بني أمية... ولكن هذه الحجة لم تؤثر في نفس ابن الزبير لأنه كان يتمنى خروج الحسين عليه السلام لكي يدعو إلى نفسه ويخلو له الجو.
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك - الطبري ج 4 ص 288وص 289 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
84

80

مسلم بن عقيل

 مسلم بن عقيل

 
دعوة أهل الكوفة والإعلان عن الاستعداد للبيعة
 
ولما بلغ أهل الكوفة موت معاوية وامتناع الحسين عليه السلام من البيعة، ارجفوا بيزيد وعُقد اجتماع في منزل سليمان بن صرد الخزاعي، فأرسلوا وفداً من قبلهم وعليهم أبو عبدالله الجدلي وكتبوا إليه معهم.
ثم لبثوا يومين وأنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الرحمن بن عبدالله بن شداد الأرحبي وعمارة بن عبدالله السلولي إلى الحسين عليه السلام ومعهم نحو مائة وخمسين صفحة من الرجل والإثنين والأربعة، وهو مع ذلك يتأنى ولا يجيبهم، فورد عليه في يوم واحد مائة كتاب، وتواترت الكتب حتى اجتمع عنده إثنا عشر ألف كتاب، ثم لبثوا يومين آخرين وسرحوا إليه هاني بن هاني السبعي وسعيد بن عبدالله الحنفي وكانا آخر الرسل وكتبوا إليه:( بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي من شيعته من المؤمنين والمسلمين، أمّا بعد، فحيّهلا، فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك فالعجل العجل، ثم العجل العجل، والسلام. 1
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك ج 3 ص277. الإرشاد للشيخ المفيد ص 202 و 203. البلاذري، أنساب الأشراف، ج 3 ص 369. البداية والنهاية، ج 7 ص 154. تذكرة الخواص ص 215. تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 241.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
85

81

مسلم بن عقيل

 اجتماع الإمام عليه السلام برسل أهل الكوفة ومبعوثيهم

 
بعد أن علم أهل الكوفة بامتناع الإمام عليه السلام عن البيعة ليزيد، وأنه عليه السلام قد صار إلى مكة، تقاطرت رسائلهم الكثيرة إليه بلا انقطاع، وقد أبدوا فيها استعدادهم لنصرته والقيام معه، ودعوه فيها إلى القدوم إليهم. 
"وتلاقت الرسل كلها عنده، فقرأ الكتب، وسأل الرسل عن الناس..."1، وكان هاني بن هاني وسعيد بن عبد الله الحنفي آخر الرسل القادمين عليه. 
فقال الحسين عليه السلام لهاني وسعيد بن عبد الله الحنفي: 
خبراني من اجتمع على هذا الكتاب الذي كُتب معكما إليّ؟ 
 
فقالا: يا أمير المؤمنين اجتمع عليه شبث بن ربعي، وحجّار بن أبجر، ويزيد بن الحارث، ويزيد بن رويم، وعروة بن قيس، وعمرو بن الحجاج، ومحمّد بن عمر بن عطارد. 
قال: فعندها قام الحسين عليه السلام فتطهّر وصلّى ركعتين بين الركن والمقام، ثم انفتل من صلاته وسأل ربه الخير فيما كتب إليه أهل الكوفة، ثم جمع الرسل فقال لهم: 
"إني رأيتُ جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منامي، وقد أمرني بأمر وأنا ماضٍ لأمره. 
فعزم الله لي بالخير، إنّه ولي ذلك والقادر عليه إن شاء الله تعالى"2
 
رسالة الإمام الحسين عليه السلام إلى أهل الكوفة 
 
"... ثم كتب مع هاني بن هاني وسعيد بن عبدالله، وكانا آخر الرسل: 
بسم الله الرحمن الرحيم
من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين: أما بعدُ: فإنّ هانياً وسعيداً قدما علي بكتبكم، وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم، وقد فهمت
 
 
 

1- الإرشاد، 204. 
2- الفتوح، 5، 34. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
86

82

مسلم بن عقيل

 كل الذي اقتصصتم وذكرتم، ومقالة جُلِّكم: إنّه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق والهدى. 

 
وإنّي باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وأمرته أن يكتب لي بحالكم وخبركم ورأيكم ورأي ذوي الحجى والفضل منكم، وهو متوجه إليكم إن شاء الله، ولاقوة إلا بالله، فإن كنتم على ما قدمت به رسلكم (أو: فإن كتب إليّ أنه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم) وقرأت في كتبكم، فقوموا مع ابن عمّي وبايعوه ولا تخذلوه، فإني أقدم إليكم وشيكاً إن شاء الله، فلعمري ما الإمام العامل(الحاكم) بالكتاب القائم بالقسط، الداين بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله، كالذي يحكم بغير الحق ولا يهتدي سبيلاً والسلام..."1.
 
ثم طوى الكتاب، وختمه، ودعا بمسلم بن عقيل فدفع إليه الكتاب وقال:
"إنّي موجهك إلى أهل الكوفة، وسيقضي الله من أمرك ما يحبّ ويرضى، وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء، فامضِ ببركة الله وعونه حتى تدخل الكوفة، فإذا دخلتها فانزل عند أوثق أهلها، وادع الناس إلى طاعتي، فإن رأيتهم مجتمعين على بيعتي فعجّل عليّ بالخبر حتى أعمل على حساب ذلك إن شاء الله تعالى". 
ثم عانقه الحسين عليه السلام وودّعه وبكيا جميعاًً" 2. ثم سرّحه مع قيس بن مسهر الصيداوي، وعمارة بن عبد الله السلولي، وعبد الله وعبد الرحمن ابني شداد الأرحبي، وأمره بالتقوى وكتمان أمره، واللطف، فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجّل إليه بذلك..."3
 
 

1- الفتوح، 5، 35، مقتل الخوارزمي، 1، 195- 196. الإرشاد، 204، وتاريخ الأمم والملوك، 3، 278، والأخبار الطوال، 231، وفيه "ليعلم لي كنه أمركم...".
2- الفتوح، 5، 36، مقتل الخوارزمي، 1، 196. 
3- الإرشاد، 44. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
87

83

مسلم بن عقيل

 رحلة مسلم إلى العراق

 
لقد كان مسلم بن عقيل من أشجع بني عقيل وأرجلهم1، فقد كان أحد قيادات ميمنة جيش أمير المؤمنين علي عليه السلام في صفين2، وهو الذي خاطب معاوية وكان آنذاك الطاغية ذا اليد المطلقة في العالم الإسلامي: مه، دون أن أضرب رأسك بالسيف3، وهو الذي ودّع الإمام الحسين عليه السلام وداع فراق لا لقاء بعده إلا في الجنة بعد أن عرف أنه متوجه إلى الشهادة لا محالة من قول الإمام عليه السلام له: وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء. وهو الذي قابل جموع أهل الكوفة وحده من دون أن يعينه أو يقف إلى جنبه أي أحد، فأشاع فيهم القتل مما ملأ قلوبهم ذعراً وخوفاً، ولمّا جيء به أسيراً على ابن زياد لم يظهر عليه أي ذل أو انكسار. 
ولكن بعض المؤرخين روى قصة مختلقة عن رحلة مسلم إلى العراق، تصفه بالجبن والتطيّر، للحطّ من مقام هذا الشهيد وتشويه صورته، وللايحاء بأن مسؤولية فشل انتفاضة الكوفة تقع على عاتق مسلم بن عقيل وليس على عاتق أهل الكوفة، فقد كان جباناً متطيّراً !!!
 
فقالوا إن مسلم بن عقيل أقبل حتى أتى المدينة، فصلّى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وودع من أحب من أهله، ثم استأجر دليلين من قيس فأقبلا به، فضلَّا من الطريق وجارا، وأصابهم عطش شديد، وقال الدليلان: هذا الطريق حتى تنتهي إلى الماء، وقد كادوا أن يموتوا عطشاًً (وفي رواية الإرشاد: ومات الدليلان عطشاًً)، فكتب مسلم بن عقيل مع قيس بن مسهر الصيداوي إلى الحسين وذلك بالمضيق من
 
 

1- أنساب الأشراف، 2، 836.
2- بحار الأنوار ج 42 ص 93.
3- بحار الأنوار ج 42 ص 116.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
88

 


84

مسلم بن عقيل

 بطن الخُبيت (أوالخبت): أما بعدُ، فإني أقبلت من المدينة معي دليلان لي فجارا عن الطريق وضلَّا، واشتد علينا العطش، فلم يلبثا أن ماتا، وأقبلنا حتى انتهينا إلى الماء فلم ننج إلا بحشاشة أنفسنا، وذلك الماء بمكان يُدعى المضيق من بطن الخبيت، وقد تطيّرتُ من وجهي هذا، فإن رأيت أعفيتني منه وبعثت غيري، والسلام. فكتب إليه الحسين عليه السلام : 

أما بعدُ، فقد خشيت ألا يكون حملك على الكتاب إليَّ في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له إلا الجبن، فامضِ لوجهك الذي وجهتك له، والسلام عليك. 
فقال مسلم لما قرأ الكتاب: هذا ما لستُ أتخوفه على نفسي..."1
 
وقد فات رواة هذه الحكاية الكاذبة أن مضيق الخبت، الذي بعث منه مسلم رسالته إلى الإمام، يقع ما بين مكة والمدينة 2، في حين أن الرواية تنص على أنه استأجر الدليلين من المدينة، وخرجوا إلى العراق فضلوا عن الطريق ومات الدليلان، وهذا يعني أن هذه الحادثة وقعت ما بين المدينة والعراق، ولم تقع ما بين مكة والمدينة. 
 
ولو فرضنا أن هناك مكاناً يُدعى بهذا الاسم يقع ما بين يثرب والعراق، فإن السفر منه إلى مكة ذهاباً وإياباً يستوعب زماناً يزيد على عشرة أيام، في حين أن سفر مسلم من مكة كان في اليوم الخامس عشر من شهر رمضان، وقد وصل إلى الكوفة في اليوم الخامس من شوال، فيكون مجموع سفره عشرين يوماً، وهي أسرع مدة يقطعها المسافر من مكة إلى المدينة، ثم إلى الكوفة، وإذا استثنينا من هذه المدة سفر رسول مسلم من ذلك المكان ورجوعه إليه، فإن مدة سفره من مكة إلى الكوفة تكون أقل من عشرة أيام، ويستحيل عادة قطع تلك المسافة بهذه الفترة من الزمن.
 
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك، 3، 278، الإرشاد، 204، الأخبار الطوال، 230. 
2- الحموي، معجم البلدان، 2، 343
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
89

85

مسلم بن عقيل

 والمؤسف ان الشيخ المفيد ينقل هذه الحكاية عن الطبري، بدون تمحيص ونقد، مع ما عرف عن الطبري من انحراف عن المنهج الحق وانتقائية. 

 
رسول الحسين عليه السلام إلى الكوفة 
 
خرج مسلم بن عقيل عليه السلام من مكة في منتصف شهر رمضان سنة ستين للهجرة، ودخل الكوفة في اليوم الخامس من شهر شوّال من نفس السنة 1
وأوصاه الإمام الحسين عليه السلام أن ينزل عند أوثق أهل الكوفة 2، وقد روي أنه نزل عند مسلم بن عوسجة 3، كما روي أنه نزل عند هاني بن عروة ابتداءً 4، لكن الأشهر هو أن مسلماًً عليه السلام نزل في دار المختار بن أبي عبيد الثقفي ابتداءً ثم تحوّل منها بعد ذلك إلى دار هاني 5
وجعل الإمام مبادرته وإسراعه في القدوم على أهل الكوفة منوطاً بما إذا كتب إليه مسلم بأن حقيقة حالهم على مثل ما قدمت به رسلهم وكتبهم 6
 
ما هي طبيعة مهمة مسلم بن عقيل في الكوفة؟
 
لم تكن مهمة مسلم في الكوفة منحصرة في الإعداد والتعبئة فقط حتى يقدم الإمام عليه السلام فتتم البيعة له مباشرة، ثم هو يرى رأيه في كيفية العمل بعد ذلك، بل كان، كما يظهر من الأخبار، أن مسلماًً كان معه صلاحية المبادرة إلى التحرك المباشر
 
 
 

1- مروج الذهب، 3، 55. 
2- الفتوح، 5، 36، ومقتل الخوارزمي، 1، 196. 
3- تاريخ الأمم والملوك، 3، 275، مروج الذهب، 3، 55.
4- سير أعلام النبلاء، 3، 299.
5- الإرشاد، 186، وتاريخ الأمم والملوك، 3، 279، وإبصار العين، 80.
6- الإرشاد: 186، وتاريخ الأمم والملوك، 3، 28، والأخبار الطوال، 231. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
90

 


86

مسلم بن عقيل

 والقيام بأهل الكوفة ضد السلطة الأموية هناك حتى قبل مجيء الإمام عليه السلام1

والظاهر أن الإمام كان يعلم بأن مهمة مسلم سوف تنتهي بشهادته، ولذلك أشعره بأن ختام أمره في هذا الطريق هو الفوز بدرجة الشهادة2. وأوصاه: "بالتقوى، وكتمان أمره، واللطف، فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجّل إليه بذلك..." 3
 
الأسلوب السرّي في تعبئة أهل الكوفة 
 
كان لا بد لمسلم من اعتماد السرّ والرفق في تعبئة أهل الكوفة حتى يستكمل العدد والعدّة الكافيين لتأهيل الكوفة للقيام معه، أو مع الإمام عليه السلام بعد أن يصل إليها 4، وقد كانت الأجواء المعنوية والسياسية مؤاتية للتحرك، ولذلك فقد اتخذ له مركزاً في أحد البيوت، وابتدأ يجتمع بالناس الذين أخذوا يتوافدون عليه أفراداً وجماعات ويبايعون الإمام الحسين عليه السلام (وأقبلت الشيعة تختلف إليه، فلما اجتمعت إليه جماعة منهم قرأ عليهم كتاب الحسين، فأخذوا يبكون..." 5. وأخذ عدد الذين يبايعون مسلماًً من أهل الكوفة يتزايد يوماً بعد يوم، حتى بايعه ثمانية عشر ألف رجل في ستر ورفق!" 6، حينئذٍٍ 7 كتب مسلم إلى الإمام عليه السلام بذلك وأرسله مع عابس بن أبى شبيب الشاكرى:
 
 
 

1- الفتوح، 5، 35، ومقتل الخوارزمي، 1، 195- 196. 
2- الفتوح، 5، 36، ومقتل الخوارزمي، 1، 196. 
3- الإرشاد، 186. 
4- شرح الأخبار، 3، 143. 
5- تاريخ الأمم والملوك، 3، 279. 
6- الأخبار الطوال: 235،روضة الواعظين، 173. 
7- إن أقل عدد للمبايعين ذكرته المصادر التأريخية هو إثنا عشر ألفاًمناقب آل أبي طالب، 4، 91، وتاريخ الأمم والملوك، 3، 275، ومروج الذهب، 3، 55، وغيرهم-، وأما ثمانية عشر ألفاً فعليه أكثر المؤرخيناللهوف: 16، وروضة الواعظين، 173، والأخبار الطوال، 235.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
91

87

مسلم بن عقيل

 " أمّا بعدُ، فإن الرائد لا يكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً، فعجّل الإقبال حين يأتيك كتابي هذا، فإنّ الناس كلّهم معك! ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى، والسلام"1

 
إنّ هذه البيعة كانت من جهة أهل الكوفة تعبيراً عن الحب والولاء من جانبهم للإمام عليه السلام ، ليس أكثر، ولم يكن معناها أن كل الذين يبايعون قد تحولوا إلى تشكيلات منظمة من سرايا وكتائب وقطعات مسلحة جاهزة للقتال، فكانت هذه مهمة أخرى لمسلم، ومرحلة أدق وأصعب من مرحلة تحصيل البيعة وإعلان الولاء، فكان على مسلم، الذي يمثّل قوة سياسية، كانت بعيدة عن الكوفة طوال عشرين عاماً، أن يختصر عشرين عاماً، كانت السلطة الأموية خلالها تبني أقوى تشكيلاتها الأمنية وأخطبوطها الإرهابي، وامتداداتها القبلية والعشائرية، ولذلك كانت المواجهة غير متكافئة تماماً، فمجرد البيعة لا يعني وجود القوة حتى لو كان عدد المبايعين ثمانية عشر ألفاً!!
 
 
ففي أحد الاجتماعات التي عقدت مع مسلم وبايعه فيها الناس، على كثرة من حضر هذا الاجتماع ممن هو محسوب على التشيّع، لم يقم إلا ثلاثة، استشهدوا بعد ذلك في كربلاء، أظهروا لمسلم استعدادهم التام لامتثال أمره والتضحية في هذا السبيل!2. بينما كان هناك كثرة أظهرت أنها تحبّ الحق ولكنها تكره أن تموت من أجله3.
 
إن كراهية الموت هنا هي تعبير عن الخوف من الإقدام في ضوء التفوق الكاسح للسلطة الأموية، لأن الإقدام في مثل هذه الحالة يحتاج إلى وعي والتزام كبيرين، وإلى نفوس كبيرة عالية الهمة، وإلى مستوى فكري وعقائدي متين جداًً، لم يكن
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك، 3، 290، مثير الأحزان، 32. 
2- تاريخ الأمم والملوك، 3، 279. 
3- تاريخ الأمم والملوك، 3، 279. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
92

88

مسلم بن عقيل

 متوفراً عند جمهور أهل الكوفة، الذي كان يحتاج إلى أن ينجز مسلم مرحلة الإعداد وتشكيل السرايا، فإذا تم ذلك، واستشعر هؤلاء الناس القوة، فإنهم سوف يقاتلون، لأن القتال حينئذٍ مضمون النتيجة، وهذا ديدن الجماهير التي كلما استشعرت الكثرة والتظافر اعتمدت على تجمهرها واعتبرته مصدر قوة فتقوم وتثور، وعلى القيادة بعد ذلك أن تسيّرها نحو أهدافها.


ولما تزايد عدد المبايعين لمسلم انتشر أمره وفشا بين الناس، وكان لا بد للسلطة الأموية من أن تعلم، والظاهر أن النعمان بن بشير بن سعد الخزرجي والي الكوفة، لم يكن مستعدا ًلتنفيذ استعمال القوة ضد مسلم والمبادرة إلى الهجوم عليه، إما لأن مسلماًً كان في بيت صهره المختار، وإما لأنه كان يتبنّى سياسة معاوية، وهي تحاشي المواجهة العلنية مع الإمام الحسين عليه السلام ، بحيث أن معاوية لو اضطر إلى مواجهة علنية وقتال ضدّ الإمام الحسين عليه السلام وظفر به لعفا عنه، وليس ذلك حبّاً للإمام عليه السلام وإنما لأن معاوية يعلم أن إراقة دم الإمام علناً وهو بتلك القدسيّة البالغة في قلوب الأمّة كفيل بأن يفصل الأموية عن الإسلام، ويذهب بجهود حركة النفاق عامة والحزب الأموي خاصة أدراج الرياح، خصوصاً تلك الجهود التي بذلها معاوية في مزج الأموية بالإسلام في عقل الأمة وعاطفتها بحيث أنه لم يعد أكثر هذه الأمة يعرف إلا الإسلام الأموي، حتى صار من غير الممكن بعد ذلك الفصل بين الإسلام والأموية إلا إذا أريق ذلك الدم المقدس، دم الإمام عليه السلام ، ضد الحكم الأموي. 

فكان النعمان بن بشير يعتقد أن يزيد سوف يطبق سياسة معاوية في تجنب الإصطدام الدموي مع رمز الإسلام المحمّدي الأصيل آنذاك، الحسين بن علي، خوفاً من وقوع الفرز بينه وبين الإسلام الأموي، وبالتالي انكشاف اللعبة النفاقية التي كان يحتاج إليها معاوية في بناء واستمرارية ملك بني أمية! 

وإما لأن القوة المعنوية لنهضة مسلم كانت قد انتشرت بحيث أنها تحتاج،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
93

89

مسلم بن عقيل

 لمواجهتها، إلى استعمال شرس وعنيف للسلطة الأمنية، ولم تكن شخصية النعمان لذاتها قادرة على ذلك! 

 
هذه هي الاحتمالات الممكنة، فلم يكن النعمان بن بشير محباً لأهل البيت عليه السلام ولا ذا ميل إليهم1، بل كان له ولأبيه تاريخ أسود طويل في نصرة حركة النفاق بعد موت النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان عثماني الهوى، يجاهر ببغض علي عليه السلام ، ويسيء القول فيه، وقد حاربه يوم الجمل وصفّين، كذلك فلم يكن النعمان "حليماً ناسكاً يحبّ العافية ويغتنم السلامة"2، بل تلميذاً نبيهاً في مدرسة معاوية السياسية، فكان يتضعّف مكراً وحيلة، ويعوّل على الأسلوب السرّي والخدعة الخفية للقضاء على الثورة والتخلص من مسلم بن عقيل، بل التخلص حتى من نفس الإمام عليه السلام . 
وعلى كل حال، لم يرق موقفه لحلفاء بني أمية في الكوفة3، فأخذت تتوالى رسائلهم إلى يزيد في الشام4 تخبره بمستجدات حركة الأحداث في الكوفة، وبموقف النعمان بن بشير منها، وقد أجمعت على أنه "إن كان لك بالكوفة حاجة فابعث إليها رجلاًً قوياً، يُنفذ أمرك، ويعمل مثل عملك في عدوّك، فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعّف!" 5.
 
عبيد الله بن زياد والي الكوفة الجديد
 
استدعى يزيد مستشاره ومستشار أبيه من قبل سرجون بن منصور النصراني، وسأله عن رأيه في من يكون الوالي على الكوفة بدلاً من النعمان، فأشار عليه
 
 
 

1- الإمامة والسياسة، 2، 4. 
2- الأخبار الطوال، 231. تاريخ الأمم والملوك، 3، 279. 
3- تاريخ الأمم والملوك، 3، 279، والكامل في التاريخ، 3، 386، والأخبار الطوال، 231، والإرشاد، 186. 
4- تاريخ الأمم والملوك، 3، 289. 
5- تاريخ الأمم والملوك، 3، 280. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
94

90

مسلم بن عقيل

 سرجون باستعمال عبيد الله بن زياد قائلاً بأن هذا هو رأي معاوية أيضاً، وأخرج له كتاباًً كان معاوية قد كتبه بذلك قبل موته 1، فأخذ يزيد بهذا الرأي وضم الكوفة والبصرة إلى عبيد الله بن زياد، وبعث إليه بعهده الجديد وأمره باعتقال مسلم أو قتله.

وما أن تسلم عبيد الله بن زياد رسالة يزيد حتى أمر بالجهاز من وقته والمسير والتهيؤ إلى الكوفة من الغد 2، ثمّ خرج ومعه شريك بن الأعور الحارثي وحشمه وأهل بيته، وكان شريك شيعياً، وقيل: "كان معه خمسماءة، فتساقطوا عنه، فكان أوّل من سقط في الناس شريك، ورجوا أن يقف عليهم ويسبقه الحسين إلى الكوفة، فلم يقف على أحدٍ منهم..." 3
 
فلما أشرف عليها نزل حتى أمسى ليلاً، ولما صار في داخل المدينة في جنح الظلام وكان معتمّاً بعمامة سوداء وهو متلثم، والناس قد بلغهم إقبال الحسين عليه السلام ، فقالت امرأة: الله أكبر ابن رسول الله وربّ الكعبة! فتصايح الناس، وظنّوا أنه الإمام الحسين عليه السلام ، وقالوا: إنّا معك أكثر من أربعين ألفاً. وازدحموا عليه حتى أخذوا بذنب دابّته، فأخذ لا يمرّ على جماعة من الناس إلا سلموا عليه وقالوا: مرحباًً بك، يا ابن بنت رسول الله، قدمت خير مقدم، فرأى من تباشرهم بالحسين ما ساءه4
 
"وسار حتى وافى القصر بالليل، ومعه جماعة قد التفّوا به لا يشكّون أنّه الحسين عليه السلام ، فأغلق النعمان بن بشير الباب عليه وعلى خاصته، فناداه بعض من كان
 
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك، 3، 280. 
2- الإرشاد، 187. 
3- الكامل في التاريخ، 3، 388. 
4- تاريخ الأمم والملوك، 3، 281، والإرشاد، 187. مثير الأحزان، 30، وفيه: "حتى أمسى لئلا يظن أهلها أنه الحسين..." بحار الأنوار، 44، 340 عن مثير الأحزان. وقال الشبلنجي في نور الأبصار: 140، "ولما قرب منها عبيد الله بن زياد تنكر ودخلها ليلاً، وأوهم أنه الحسين، ودخلها من جهة البادية في زيّ أهل الحجاز...". 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
95

 


91

مسلم بن عقيل

 معه ليفتح لهم الباب، فاطلع عليه النعمان وهو يظنه الحسين عليه السلام ، فقال: ياابن رسول الله مالي ولك؟ وما حملك على قصد بلدي من بين البلدان؟ أنشدك الله إلا ما تنحيت، والله ما أنا بمسلم إليك أمانتي، ومالي في قتالك من إرب!. 

فجعل لا يكلمه، ثم إنه دنى وتدلى النعمان من شُرف القصر، فقال له ابن زياد: إفتح لا فتحت! فقد طال ليلك! وحسر اللثام عن فيه.
 
وسمعها إنسان خلفه فنكص إلى القوم الذين اتبعوه من أهل الكوفة على أنه الحسين عليه السلام فقال: يا قوم! ابن مرجانة والذي لا إله غيره! فعرفه النعمان ففتح له، وتنادى الناس: ابن مرجانة! وحصبوه بالحصباء، ففاتهم ودخل القصر1، وضربوا الباب في وجوه الناس" 2
 
لقد أظهرت كيفية دخول ابن زياد الكوفة مدى الشلل في الجهاز الأمني الأموي، ومدى الحالة العامة المعنوية المؤيدة للإمام الحسين عليه السلام .
 
تفعيل التشكيلات الأمنية الأموية في الكوفة
 
هو المهمة الأولى التي عمل ابن زياد عليها، فبعد أن دخل القصر، واطلع على حقيقة مجريات حركة الأحداث في الكوفة، مهّد لقراراته وإجراءاته بخطاب إرهابيّ توعّد أهل الكوفة فيه بالسوط، والسيف، ورغّبهم بالانقياد 3
ثم أتبع خطابه بإجراءات أمنية، تمثلت في إعادة ضبط وتفعيل التشكيلات الأمنية، وأهم فئة فيه هم العرفاء، أي المسؤولين الأمنيين المباشرين في الأحياء ووسط القبائل، فاستدعاهم وأخذهم أخذاً شديداًً، وطلب منهم تزويده بالتقارير: اكتبوا إليّ الغرباء، ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين، ومن فيكم من الحرورية،
 
 


1- مروج الذهب، 3، 66- 67. 
2- تاريخ الأمم والملوك، 3، 281، والإرشاد، 187، وعنه بحار الأنوار، 44، 340. 
3- تاريخ الأمم والملوك، 3، 281، والإرشاد، 188. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
96

92

مسلم بن عقيل

 وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف والشقاق! فمن كتبهم لنا فبرئ، ومن لم يكتب لنا أحداًً يضمن لنا ما في عرافته ألّا يخالفنا منهم مخالف، ولا يبغي علينا منهم باغٍ، فمن لم يفعل برئت منه الذمّة، وحلال لنا ماله وسفك دمه، وأيما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحدٌ لم يرفعه إلينا صُلب على باب داره، وألغيت تلك العرافة من العطاء، وسُيّر إلى موضع بعمان الزارة" 1

 
لقد كان لمبادرة ابن زياد هذه أهمية كبيرة في تحويل الأحداث في ساحة الكوفة إلى غير المجرى الذي كان تجري فيه بهدوء تحت إشراف ابن عقيل، إذ كان العرفاء الواسطة بين السلطة والناس آنذاك، فهم المسؤولون عن أمور القبائل، يوزعون عليهم العطاء، ويقومون بتنظيم السجلات العامة، التي فيها أسماء الرجال والنساء والأطفال، ويسجّل فيها من يولد ليفرض له العطاء، ويحذف منها الميّت ليحذف عطاؤه، وكانوا أيضاً مسؤولين عن شؤون الأمن والنظام، وكانوا أيام الحرب يقومون بأمور تعبئة الناس لها، ويخبرون السلطة بأسماء المتخلّفين عنها، وتعاقب السلطة العرفاء أشدّ العقوبة إذا أهملوا واجباتهم أو قصّروا فيها، ولقد كان للعرفاء بعد هذا القرار دور كبير في تخذيل الناس عن الثورة، وإشاعة الخوف والرهبة بينهم، كما كان لهم بعد ذلك دور كبير في زجّ الناس لحرب الإمام الحسين عليه السلام . 
 
ولما سمع مسلم بن عقيل بمجيء ابن زياد إلى الكوفة ومقالته التي قالها، وما أخذ به العرفاء والناس، لم يعد بقاؤه في دار صهر الوالي نافعاً، إذ لم يعد هذا في السلطة، وكان عليه أن يبادر إلى الإستعانة بعناصر قوة سريعة، لاتعتمد فقط على البيعة والولاء لأهل البيت، بل على عنصر الولاء القبلي، لمواجهة التطور الأمني الجديد الذي تمثل باستنهاض وتفعيل القوة الأمنية الأموية، خصوصاً وأن المختار ليس له من القوة القبلية في الكوفة ما يجعله في منعة، بعكس ما عليه هانيء بن
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك، 3، 281، والإرشاد، 188، وتذكرة الخواص، 200. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
97

93

مسلم بن عقيل

 عروة المرادي من العزة والقوة القبلية في الكوفة 1

 
فخرج من دار المختار حتى انتهى إلى دار هانيء بن عروة المرادي، شيخ مذحج، من أقوى قبائل الكوفة، وزعيمها، فدخلها، فأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هانيء على تستر واستخفاء من عبيد الله، وتواصوا بالكتمان..." 2
 
تصفية وجوه الشيعة وحبسهم
 
اتخذ ابن زياد وضعية الهجوم، للسيطرة على زمام الأمور والقضاء على حركة مسلم، فبادر إلى تقصّي رجال الشيعة في الكوفة وإلقاء القبض عليهم وقتلهم، فحبس ميثم التمار وقتله وصُلب معه تسعة آخرون في دُفعة واحدة!. وقتل رشيد الهجري 3، وحبس المختار وعبد الله بن الحارث 4، وسليمان بن صرد، وإبراهيم بن مالك الأشتر 5
 
محاولة اكتشاف مركز مسلم بن عقيل
 
كان الهم الأكبر لعبيد الله بن زياد منذ بدء تفعيله لجهازه الأمني هو معرفة مكان مسلم بن عقيل، وقد تم له ذلك بسهولة، عبرعميل تظاهر بأنه رجل من أهل الشام ومن أهل حمص 6، وأنه مولى لذي الكلاع الحميري في الشام، وأنه محب لأهل البيت وأنه يحمل مالاً لهم، حتى لا يكون بإمكان مسلم بن عوسجة أن يسأل
 
 
 

1- مروج الذهب، 3، 69. 
2- الإرشاد، 188. 
3- معجم رجال الحديث، 7، 191 رقم 4589، اختيار معرفة الرجال، 1، 291، رقم 131، وفي أمالي الطوسي، 165- 166، رقم 276ص 28. البحار، 42، 123، باب 122ن رقم 6. الفصول المهمة، 197 ووسيلة المآل، 186.
4- تاريخ الأمم والملوك، 3، 294، وقال البلاذري، في أنساب الأشراف، 5، 215: " أمر ابن زياد بحبسهما، بعد أن شتم المختار واستعرض وجهه بالقضيب فشتر عينه، وبقيا في السجن إلى أن قُتل الحسين عليه السلام ". 
5- تنقيح المقال، 2، 63، قاموس الرجال، 5، 280. 
6- مثير الأحزان، 32. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
98

94

مسلم بن عقيل

 ويستفسر عن حقيقة حاله في قبائل الكوفة، ولعل أهل حمص آنذاك قد عُرف أن فيهم من يحبّ أهل البيت عليه السلام ، فيكون ذلك مدعاة لاطمئنان من يتخذه "معقل" منفذاً لاختراق حركة مسلم، كما أن المعروف عن جلّ الموالي حبّهم لأهل البيت عليه السلام . 

 
فاخترق هذا العميل الموانع الأمنية المحيطة بمسلم ووصل إلى مركزه، عبر إيقاع مسلم بن عوسجة في الفخ. 
 
ولا يحتاج تعرفه على ابن عوسجة إلى كثير جهد ومشقة، إذ كان وجيهاً شيعياً معروفاً في الكوفة، وقد كشف له معقل عن سرّ سهولة تعرّفه عليه حين قال له: سمعت نفراً يقولون: هذا رجلٌ له علم بأهل هذا البيت، فأتيتك لتقبض هذا المال وتدلّني على صاحبك فأبايعه، وإن شئت أخذت البيعة له قبل لقائه!"1 ولقد عبّر له ابن عوسجة عن استيائه لسرعة تعرّفه عليه وقوله: "... ولقد ساءتني معرفتك إياي بهذا الأمر من قبل أن ينمى مخافة هذا الطاغية وسطوته.."2
إن عبارة مسلم بن عوسجة (ولقد ساءتني معرفتك إياي بهذا الأمر من قبل أن ينمى مخافة هذا الطاغية وسطوته) تدل على مدى سيطرة عبيد الله بن زياد على الشارع وعلى مدى سريّة وتكتم وخفاء حركات مسلم بن عقيل، وتدل أيضاً على أن تشكيلات مسلم لم تنضج بعد وتنمو بشكل يصح الاعتماد عليها والانطلاق بها 3
 
 
 

1- إبصار العين، 108- 109، وانظر الإرشاد: 189، وتاريخ الأمم والملوك، 3، 282.
2- نفس المصدر. 
3- الأخبار الطوال، 235- 236، الإرشاد، ص189، تاريخ الأمم والملوك، ج3، ص282، الكامل لابن الأثير، ج3، ص29، مقاتل الطالبيين، ص64، تجارب الأمم ج2، ص43، تذكرة الخواص، ص218. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
99

95

مسلم بن عقيل

 كشف موقع مسلم بن عقيل

 
 
ثم إن ابن عوسجة أخّر معقلاً أياماً قبل أن يطلب الإذن له، وكان يجتمع معه في منزله هو تلك الأيام "اختلف إليّ أياماً في منزلي فإني طالب لك الإذن على صاحبك..."1 ثم لم يدخله على مسلم بن عقيل حتى طلب له الإذن فأذن له.
وهكذا، استطاع عبيد الله بن زياد اختراق جماعة مسلم عبر هذا العميل الذي أوصله مسلم بن عوسجة إلى مقر مسلم في دار هانيء، حيث كان يمكث النهار بطوله يراقب الغادين والرائحين، وفي الليل كان يضع عبيد الله بن زياد في حصيلة معلوماته. 
 
فكرة اغتيال عبيد الله بن زياد في دار هانيء بن عروة
 
وسواء كان المريض في الروايات هو هانيء بن عروة أو هو شريك بن الأعور الهمداني، وسواء كان الذي وضع خطة الاغتيال وحرّض عليها هو هانيء بن عروة أم هو شريك.. إلا أن الثابت أن مسلماًً رفض تنفيذ هذه الخطة، لأن هانيء أبى وكره أن يتم الاغتيال في داره، أو لأن امرأة في داره هي التي أبت ذلك، ولا غرابة في ذلك فليس من أخلاق أهل البيت خيانة الأمانة ولا الفتك ولا الغدر بمن استضافهم وأدخلهم داره، فقد كانت خطة الاغتيال وإن حققت نصراً عاجلاً تعتبر نقيصة في الأخلاق السياسية لأهل البيت لما فيها من الإساءة وعدم الوفاء لهانيء، خصوصاً وأن عملية الاغتيال هذه سوف تكون في عرف العرب سبباً في السبّة والمعابة على هانيء، فقد جاء عبيد الله ليزوره أو ليعوده والعرب لا تسيء إلى ضيفها حتى ولو كان عدواً2
 
 
 

1- الإرشاد، 189. 
2- الأخبار الطوال، ص233- 234، مقاتل الطالبيين، ص65 مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر، قم، تجارب الأمم ج4ص44، 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
100

96

مسلم بن عقيل

 ولكن ابن الأثير 1، خلافاً لقاعدته في النقل الأعمى عن الطبري، زاد هنا برهاناً على عمى بصيرته كلمة (بمؤمن) في رواية (فلا يفتك مؤمن بمؤمن) ونسبها إلى مسلم إلى علي بن أبي طالب عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكأنه يريد أن مسلماًً يصف عبيد الله بن زياد بأنه مؤمن، وهذا ينسجم مع قاعدته في تقديس السلطان وإن كان جائراًً. 

 
اعتقال هانيء بن عروة
 
بعد أن علم عبيد الله بن زياد بموقع مسلم قرّر المبادرة إلى الهجوم، وكانت أول خطوة اعتقال هانيء، فاستدرجه عبر رؤوس أهل الكوفة، فاستأمن، ودخل القصر متخلياً عن الحذر، حيث واجهه عبيد الله بن زياد بالجاسوس، فأوقع في يده واعترف، لكنه بادر إلى الهجوم معتمداً على قوة عشيرته، ولكن عبيد الله بن زياد اعتقله، وساعده قريبه عمرو بن الحجاج في تفريق عشيرته حينما جاءت لنجدته، كما لعب شريح القاضي دوراً سيئاً في التعمية على العشيرة، فبقي هانيء معتقلاً في القصر، واستطاع عبيد الله بن زياد إخراج قبيلة مذحج من ساحة المعركة وجرّد مسلم بن عقيل من قوة قبيلة كانت ستكون تحت تصرفه لو أن هانيءاً طليق 2
 
تاريخ الأمم والملوك، ج3، ص282. الإمامة والسياسة، ج2، ص4، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص243. 
 
 
 

1- الكامل في التاريخ، ج3، ص390
2- الإرشاد، ص190- الكامل لابن الأثير، ج3، ص391- تجارب الأمم، ج2، ص45- 46- 47، تاريخ الأمم والملوك، ج3، ص276- 282- 283- 284- مروج الذهب، ج3، ص67- الفتوح لإبن الأعثم ج5، ص84- الإمامة والسياسة، ج2، ص5
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
101

97

مسلم بن عقيل

 إنتفاضة مسلم بن عقيل

 
هل كان ينبغي لأهل الكوفة المعارضين للحكم الأموي أن يُعدَّوا العدة ويستبقوا الأمور، والمبادرة إلى السيطرة على الوضع في الكوفة قبل مجيء الإمام عليه السلام إليها، وذلك بالقيام بإجراءات وقائية احترازية، كاعتقال الوالي الأمويّ ومعاونيه، ومنع الخروج من الكوفة لحجب أخبارها عن مسامع السلطة الأموية أطول مدة ممكنة حتى يصل الإمام عليه السلام فيمسك بزمام الأمور ويقود الثورة ؟
لم يكن من الممكن أن تصدر هذه المبادرة عن أهل الكوفة، حتى مع وجود ذوي الخبرات العسكرية فيهم، وإذا كان من المظنون جداًً أن تكون فكرة هذه المبادرة قد خطرت في ذهن بعضهم، إلاّ أنها لم يكن من الممكن لها أن تتحول إلى مبادرة جماعية تنفيذية على الأرض.
 
فقد كان أهل الكوفة من قبائل شتى، لكل قبيلة وجهاؤها وأشرافها المتعددّون، ولكلّ منهم تأثير في قبيلته لا يتعداه إلى القبائل الأخرى، ولم يكن من السهل أن يكون لهذا العدد الكبير من القبائل عميدٌ واحد يرجعون إليه في أمورهم، ويصدرون عن رأيه وقراره وأمره. كذلك لم يكن من السهل أبداًً أن تصدر مواقفهم إزاء الأحداث عن تنسيق بينهم وتنظيم يوحّد بين تلك المواقف. لقد كان ذلك شبيه بالمستحيل في ذلك الزمان !!
ولقد ترسخت هذه الحالة، في أهل الكوفة خاصة والعراق عامة، نتيجة السياسات التي مارسها معاوية، وبتركيز خاص على الكوفة، وكان عمادها الإرهاب والقمع، والمراقبة الشديدة، والاضطهاد والقتل الذي تعرّض له كثير من أهل الكوفة ومن زعمائهم خاصة، وبث عناصر الفرقة والتناحر بين القبائل، الأمر الذي زرع بين الناس، على مدى عشرين سنة، الحذر المفرط والخوف الشديد من سطوة النظام الأمني الأموي، وضعف الثقة بالنفس، وعدم الإطمئنان لبعضهم البعض، والفردية في اتخاذ الموقف والقرار.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
102

98

مسلم بن عقيل

 ولم تكن جميع قبائل الكوفة معادية للنظام الأموي، وإذا ما كانت قبيلة معادية له فلم تكن كذلك بجميع أفرادها، بل كثيراً ما نجد انقساماً للولاء في نفس أفراد القبيلة الواحدة، ففي كلّ قبيلة إذا كان هناك من يعارض الحكم الأمويّ أو يوالي أهل البيت عليه السلام ، فقد كان هناك أيضاً من يوالي الحكم الأمويّ ويخدم في أجهزته، بل قد يكون في بعض هذه القبائل من الموالين للحكم الأموي أكثر من المعارضين له عامة والموالين لأهل البيت عليه السلام خاصة. 


ولذلك كان من الصعب جداًً أن يستطيع رؤساء القبائل التأثير النفسي والمعنوي على قبائلهم ودفعهم للثورة ضد الحكم الأموي علانية، ذلك لأن عناصر أخرى، قد تكون أساسية أيضاً، في نفس القبيلة، ممّن يخدمون في أجهزة الأمويين الأمنية أو يوالونهم، سوف يحبطون ذلك، بالتخريب من داخل القبيلة نفسها على مساعي الزعيم، أو من خارجها بالإستعانة بالسلطة الأموية نفسها، وذلك إما بإخبار السلطة الأموية بما عزم عليه زعيم قبيلتهم، وإما بالمبادرة إلى إجهاض تحرك زعيم قبيلتهم، ومحاصرته ومنعه من استنهاض القبيلة ضد النظام الأموي، وذلك بإحداث حالة من التنازع الداخلي بين أفراد القبيلة ودفعها نحو عدم أخذ قرار إجماعي ضد أحد طرفي النزاع، فتميل القبيلة إلى الحياد بين الأطراف المتنازعة، وبهذا ينجو النظام الأموي، وتخرج هذه القبيلة من عداد أعدائه، فيُقضى بذلك على العمل قبل البدء فيه، هذا إذا لم يقض على الزعيم وعلى أنصاره أيضاً. 


ففي قبيلة مذحج الكبيرة في الكوفة مثلاً، كان زعيم القبيلة معاد للنظام الأموي، وهو هانيء بن عروة، ولكن كان بإزاءه زعيم آخر موال للنظام الأموي، وإن كان أقل منه مرتبة في القبيلة، هو عمرو بن الحجاج الزبيدي، الذي قدّم خدمة كبيرة للأمويين، حينما ركب موجة قبيلة مذحج التي استنفرت لإطلاق سراح هانيء، فصرفهم عن اقتحام القصر وفرّق جموعهم بمكيدة شارك في حبكها عبيد الله بن زياد وشريح القاضي.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
103

99

مسلم بن عقيل

 المهمة الصعبة لمسلم بن عقيل



من هنا كانت مهمة مسلم، التي أرسله من أجلها الإمام عليه السلام إلى الكوفة، هي تعبئة وإعداد الموالين للإمام الحسين عليه السلام والمعارضين للحكم الأموي في الكوفة، وتنظيمهم في تشكيلات أمنية وعسكرية مؤاتية لمواجهة المهام المقبلة، التي أولها السيطرة على الوضع داخل الكوفة، وقد لا يكون آخرها الدخول في مواجهة عسكرية شاملة مع الجيش الأموي الشامي.

لقد كان ذلك يحتاج إلى وقتٍ بحيث تُسدُّ كل الثغرات والنواقص المعنوية والتنظيمية، على الأقل من أجل إنجاز المرحلة الأولى وهي إعادة الكوفة إلى حظيرة الطاعة والإنقياد لقيادة الإمام الحسين المقبلة من الحجاز، حتى إذا وصل الإمام الحسين عليه السلام إلى الكوفة، فإنه سوف يكون هو القائد المباشر، ويواصل من موقعه المقدس في القلوب، وعلى طريقته، قيادة الثورة واستكمال المشروع الإصلاحي والتغييري العام.

من هنا، تحاشى مسلم الدخول في أي مواجهة ميدانية فاصلة قبل أوانها مع السلطة الأموية المحليّة في الكوفة، حتى يستكمل الإعداد والتحضير، كذلك كانت هذه السلطة لا تريد تلك المواجهة الميدانية الفاصلة مع حركة مسلم بن عقيل، إما لاعتبارات شخصية تربك حركة الوالي، كوجود قيادة هذه الحركة في دار صهره المختار، أو لطمع في نفس هذا الوالي بإمكانية السيطرة على هذه الحركة واستيعابها بالسياسة، على طريقة معاوية، أو لعدم وجود مقدرة شخصية سلطوية عند الوالي على تفعيل الامكانيات الأمنية المحلية في الكوفة، ومراهنته على وصول نجدة من الشام تتولى هي الموقف. 

بينما نجد أن الأمر انقلب تماماً مع قدوم عبيد الله بن زياد، الشخصية السلطوية الأمنية الأقوى، إلى الكوفة، فقد كان إلى جانب خبثه ودهائه عارفاً بالوضع السياسي
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
104

100

مسلم بن عقيل

  والإجتماعي والنفسي في الكوفة، وبرجالها وقبائلها، وقادراً على الإمساك بالجهاز الأمني وتفعيله وتشغيله بأقصى طاقاته، وأبوه زياد بن أبيه هو الذي أسسه وبناه، وكان قوامه أربعة آلاف رجل، فإذا ما كان هذا الوالي الجديد قادراً على الإمساك بالوضع الأمني، وكان طامحاً إلى إنجاز المهمة التي أوكلها إليه يزيد، طمعاً في تقوية موقعه الإداري ومركزه القيادي عنده فسوف يبادر إلى استعمال أقصى ما يملك من الدهاء والبطش والقسوة بدون الإستعانة بالجيش الأموي. فبادر إلى اختراق حركة مسلم من داخلها بواسطة أحد جواسيسه الأمنيين المحترفين، ثمّ تواطأ مع بعض زعماء الكوفة للإيقاع بهانىء بن عروة واعتقاله، ثم شغّل شريح القاضي في تضليل قبيلة هانىء، ثم استعمل عمرو بن الحجاج في امتطاء موجة غضب مذحج الزاحفة نحو القصر، ثم لصرفها عنه وتفريق جموعها، وبعد أن فصل بين مسلم وأقوى قيادة قبلية كانت معه في الكوفة، أراد الانتقال إلى الخطوة الأخيرة، إعتقال رأس الحركة: مسلم بن عقيل!!


الاضطرار والقرار الاستثنائي

مثّل اعتقال هاني منعطفاً حرجاً وخطيراً في تقديرات مسلم بن عقيل، اضطره إلى الخروج عن الخطة الأصلية التي كان قد اعتمدها، واتخاذ قرار استثنائي لمواجهة الوضع الطارئ الذي فرضه ابن زياد على الحركة باعتقاله هانياً، فلم يعد طبيعياً الإستمرار في مواصلة التعبئة والإعداد والتحضير، وكأن شيئاًً لم يكن !! فإن هذه المواصلة، من جهة، لم تعد ممكنة بعد اعتقال هانىء، الذي يعد من أقوى وأمنع زعماء القبائل في الكوفة، ومن جهة ثانية، إذا تمكن ابن زياد من اعتقاله ولم يواجه بتحرك صارم من قبيلته ومن بقية عناصر حركة مسلم بن عقيل لإنقاذه، فسوف يبادر عبيد الله بن زياد إلى اعتقال المزيد والمزيد من أشراف وزعماء الكوفة بلا أدنى محذور، بدون أن يتحرك أحد لإنقاذ أيّ رجل من
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
105

101

مسلم بن عقيل

 قبضة ابن زياد، أو إنه، من جهة ثالثة، سوف يعتقل مسلماًً نفسه الذي لم يعد آمناً في الكوفة، ولا شك أنه الرجل الثاني الذي سيُعتقل مباشرة بعد هانىء الذي كان أقوى وأمنع حصن يمكن أن يحميه.

فأيّ فائدة تبقى بعد اعتقال هانىء في مواصلة التعبئة والتحضير!؟
إذن لا بد من الانعطاف في طريقة العمل، والتخلّي عن مواصلة الإعداد والتحضير، والمبادرة إلى التحرك فوراً، تحت وطأة الضرورة والاضطرار، والدخول في مواجهة حاسمة سريعة مع السلطة الأموية المحلّية في الكوفة.
 
الانتفاضة
 
يقول عبد الله بن حازم: "أنا والله رسول ابن عقيل إلى القصر في أثر هانيء لأنظر ما صار إليه أمره، فلما ضرب وحبس ركبت فرسى وكنت أول أهل الدار دخل على مسلم بن عقيل بالخبر وإذا نسوة لمراد مجتمعات ينادين يا عثرتاه يا ثكلاه، فأخبرته الخبر، فأمرني أن أنادي في أصحابي وقد ملأ الدور منهم حواليه، فقال: نادِ: يا منصور أمِتْ!
 
فخرجت فناديتُ، وتنادى أهل الكوفة فاجتمعوا إليه فعقد مسلم لعبيد الله بن عمرو بن عزيز الكندي على ربع كندة وربيعة، وقال: سر أمامي في الخيل، وقدّمه في الخيل، وعقد لمسلم بن عوسجة على مذحج وأسد، وقال له: إنزل فأنت على الرّجّالة. وعقد لأبي تمامة الصائدي على تميم وهمدان، وعقد للعباس بن جعدة الجدلي على أهل المدينة، ثمّ أقبل نحو القصر"1
 
وكان عبيد الله بن زياد، خشية أن يثب الناس به 2، قد بادر إلى المسجد، بعد أن حبس هانىء بن عروة وبعد أن صرف قبيلته مذحج مستعيناً بشريح وعمرو بن
 
 
 

1- مقاتل الطالبيين، 66. 
2- تاريخ الأمم والملوك - الطبري ج 4 ص 275و ص 276
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
106

102

مسلم بن عقيل

 الحجاج، فصعد المنبر ومعه أشراف الناس وشرطه وحشمه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس ! إعتصموا بطاعة الله وطاعة أئمتكم ولا تفرقوا فتختلفوا وتهلكوا وتذلوا وتخافوا وتخرجوا، فإن أخاك من صدقك، وقد أعذر من أنذر. 

وما أن أتم خطبته وذهب لينزل حتى سمع الصيحة، فقال ما هذا ؟ فقيل له: أيها الأمير الحذر الحذر! هذا مسلم بن عقيل قد أقبل في جميع من بايعه! فما نزل حتى دخلت النظارة المسجد من قبل التمارين يشتدون ويقولون: قد جاء ابن عقيل، فدخل عبيدالله القصر و تحرز فيه وأغلق بابه 1.
 
وأقبل مسلم يسير في الناس من مراد، وبين يديه الأعلام وشاكّوا السلاح وهم في ذلك يشتمون عبيد الله بن زياد ويلعنون أباه 2، حتى أحاط بالقصر، وكانوا حينما خرجوا مع مسلم أربعة آلاف فما بلغوا القصر إلا وهم ثلثمائة 3!!! ثم إن الناس تداعوا إليهم واجتمعوا، وما لبثوا إلا قليلاًً، حتى امتلأ المسجد من الناس والسوقة، ما زالوا يتوثبون حتى المساء، وأمرهم شديد 4، فضاق بعبيد الله أمره 5، وكان كبر أمره أن يتمسك بباب القصر وليس معه إلا ثلاثون رجلاً من الشرط وعشرون رجلاً من أشراف الناس وأهل بيته ومواليه 6.
 
إنضمام الأشراف إلى ابن زياد
 
ولما سمع أشراف الكوفة بما يجري لابن زياد أقبلوا يأتونه من قبل الباب الذي يلي دار الروميين، وجعلوا يشرفون على أنصار مسلم، فينظرون إليهم، فيتقون أن يرموهم بالحجارة وأن يشتموهم وهم لا يفترون على عبيدالله وعلى أبيه 7، وكان
 
 
 

1- مقاتل الطالبيين- أبو الفرج الأصفهاني ص70. الفتوح لإبن الأعثم، ج 5 ص 86.
2- الفتوح لإبن الأعثم، ج 5 ص 86.
3- تاريخ الأمم والملوك - الطبري ج 4 ص 275و ص 276
4- تاريخ الأمم والملوك - الطبري ج 4 ص 275و 276و287
5- مقاتل الطالبيين- أبو الفرج الأصفهاني ص 71
6- تاريخ الأمم والملوك - الطبري ج 4 ص 275
7- تاريخ الأمم والملوك - الطبري ج 4 ص 275
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
107

103

مسلم بن عقيل

 أنصار عبيد الله بن زياد من الأشراف حتى تلك الساعة قد أصبحوا مائتين!!! فقاموا على سور القصر يرمون القوم بالمدر 1 والنشاب، ويمنعونهم من الدنو من القصر، فلم يزالوا بذلك حتى أمسوا 2.

 
الحرب النفسية
 
ودعا عبيدالله بن زياد أعوانه: كثير بن شهاب، فأمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج فيسير بالكوفة ويخذل الناس عن ابن عقيل، ويخوفهم الحرب ويحذرهم عقوبة السلطان، وأمر محمّد بن الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة وحضرموت فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس، وقال مثل ذلك للقعقاع بن شور الذهلي، وشبث بن ربعي التميمي، وحجار ابن أبجر العجلي، وشمر بن ذي الجوشن العامري، وحبس سائر وجوه الناس عنده استيحاشاً إليهم لقلة عدد من معه من الناس 3.
 
محاولة محاصرة مسلم
 
وخرج كثير بن شهاب يخذل الناس عن ابن عقيل، وينصب الحواجز لكي يمنع الناس من الإلتحاق بمسلم، فألفى عبد الأعلى بن يزيد قد لبس سلاحه يريد ابن عقيل في(حي) بنى فتيان، فأخذه حتى أدخله على ابن زياد فأخبره خبره فقال لابن زياد: إنما أردتك، قال: وكنت وعدتني ذلك من نفسك فأمر به فحبس. وخرج محمّد بن الأشعث حتى وقف عند دور بني عمارة وجاءه عمارة بن صلخب الأزدي وهو يريد ابن عقيل عليه سلاحه، فأخذه فبعث به إلى ابن زياد فحبسه 4
 
 
 

1- رماح كانت تركب فيها القرون المحددة مكان الأسنة.
2- الأخبار الطوال- الدينوري ص 238.
3- تاريخ الأمم والملوك - الطبري ج 4 ص 275.
4- تاريخ الأمم والملوك - الطبري ج 4 ص 275.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
108

104

مسلم بن عقيل

 مسلم يحاول فك الحصار

 
بعث ابن عقيل إلى محمّد بن الأشعث من المسجد عبد الرحمن بن شريح الشبامي فلما رأى محمّد بن الأشعث كثرة من أتاه أخذ يتنحى ويتأخر وأرسل القعقاع بن شور الذهلي إلى محمّد بن الأشعث: قد حلّت على ابن عقيل من العرار، فتأخر عن موقفه، فأقبل حتى دخل على ابن زياد من قبل دار الروميين 1
 
تجمع قوة ابن زياد في القصر وانتقالها إلى الهجوم
 
فلما اجتمع عند عبيدالله كثير بن شهاب ومحمّد والقعقاع فيمن أطاعهم من قومهم، وقد ظهر أنه تجمع لدى ابن زياد القوة الكافية للقيام بالهجوم المعاكس على قوة مسلم ومنعها بالتالي من الهجوم على القصر، وعلى الأقل تأخير الهجوم حتى المساء، فقال كثير لابن زياد، وكانوا مناصحين له: أصلح الله الأمير، معك في القصر ناس كثير من أشراف الناس ومن شرطك وأهل بيتك ومواليك، فأخرج بنا إليهم!! فأبى عبيدالله، وعقد لشبث بن ربعي لواء فأخرجه 2.
 
قتال شوارع حول القصر
 
وركب أصحاب ابن زياد، بقيادة شبث بن ربعي، واختلط القوم، فقاتلوا قتالاًً شديداًً، وعبيد الله بن زياد وجماعة من أهل الكوفة قد أشرفوا على جدار القصر ينظرون إلى محاربة الناس 3.
 
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك - الطبري ج 4 ص 277.
2- تاريخ الأمم والملوك - الطبري ج 4 ص 277.
3- الفتوح لإبن الأعثم، ج 5 ص 86-87.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
109

105

مسلم بن عقيل

 الإنهيار المعنوي لأنصار مسلم

 
ثم قال عبيدالله للأشراف: ليشرف كل رجل منكم في ناحية من السور، فخوفوا القوم 1، فمنّوا أهل الطاعة الزيادة والكرامة وخوفوا أهل المعصية الحرمان والعقوبة وأعلموهم فصول الجنود من الشام إليهم، فأشرف كثير بن شهاب، ومحمّد بن الأشعث، والقمقاع بن شور، وشبث ابن ربعي، وحجار بن أبجر، وشمر بن ذي الجوشن 2، على قوات مسلم، فتكلم كثير بن شهاب أول الناس حتى كادت الشمس أن تجب، فقال: أيها الناس، يا أهل الكوفة، اتقوا الله ولا تستعجلوا الفتنة، ولا تشقوا عصا هذه الأمة، الحقوا بأهاليكم ولا تعجلوا الشر ولا تعرضوا أنفسكم للقتل، ولا توردوا على أنفسكم خيول الشام، فقد ذقتموهم، وجربتم شوكتهم، فإن هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت. وقد أعطى الله الأمير عهداً لئن أتممتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيتكم أن يحرم ذريتكم العطاء ويفرق مقاتلتكم في مغازي أهل الشأم على غير طمع وأن يأخذ البريء بالسقيم والشاهد بالغائب حتى لا يبقى له فيكم بقية من أهل المعصية إلا أذاقها وبال ما جرّت أيديها، وتكلم الأشراف بنحو من كلام هذا.
 
الإنهيار العام
 
فلما سمع الناس مقالتهم فتروا بعض الفتور، وأخذوا يتفرقون وينصرفون. وكان الرجل من أهل الكوفة يأتي ابنه، وأخاه، وابن عمه فيقول: انصرف، فإن الناس يكفونك، غداًً يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر؟ انصرف ! فيذهب به. وتجيء المرأة إلى ابنها وزوجها وأخيها فتقول انصرف! الناس يكفونك، فتتعلق به حتى يرجع.
 
 
 

1- الأخبار الطوال- الدينوري ص 239.
2- الأخبار الطوال- الدينوري ص 239.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
110

106

مسلم بن عقيل

 فما زالوا يتفرقون ويتصدّعون حتى أمسى ابن عقيل وما معه إلاّ ثلاثون نفساً في المسجد حتى صلاة المغرب، فلما رأى أنه قد أمسى وليس معه إلا أولئك النفر خرج منصرفاً ماشياً، ومشوا معه، متوجهاًً نحو أبواب كندة، فما بلغ الأبواب إلاّ معه منهم عشرة 1.

 
والظاهر الذي لا بد من القول به هنا هو أن قادة الألوية الأربعة، مسلم بن عوسجة، وأبا ثمامة الصائدي، وعبد الله بن عزيز الكندي، وعباس بن جعدة الجدلي، وغيرهم من أمثال عبدالله بن حازم البكري، كانوا من القلة التي بقيت مع مسلم بن عقيل إلى آخر الأمر، ولم يتخلوا عنه في تلك الساعة، ولم يتركوه، بل الأرجح أنه اتفق معهم على التفرق والاختفاء بعد أن أصبحوا لا ناصر لهم ولا معين، على أن يلتحقوا بالإمام الحسين عليه السلام .
وقد التحق فعلاً مسلم بن عوسجة وأبو ثمامة الصائدي بالركب الحسيني واستشهدوا مع الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، وأماعبد الله بن عزيز الكندي، وعباس بن جعدة الجدلي، فقد اعتقلهم عبيد الله بن زياد ثم قتلهم، وأما عبدالله بن حازم البكري فقد استشهد في ثورة التوابين.
 
مسلم بن عقيل وحيداً
 
ثم خرج مسلم من الباب وإذا ليس معه إنسان، والتفت فإذا هو لا يحس أحداًً يدله على الطريق ولا يدله على منزل ولا يواسيه بنفسه إن عرض له عدو 2، فمضى على وجهه يتلدد في أزقة الكوفة، وقد أثخن بالجراحات 3، لا يدري أين يذهب حتى خرج إلى دور بني جبلة من كندة، فمشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها
 
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك - الطبري ج 4 ص 277 و ص 278. الأخبار الطوال- الدينوري ص 239. مقاتل الطالبيين- أبو الفرج الأصفهاني ص 71.
2- تاريخ الأمم والملوك - الطبري ج 4 ص 277 و ص 278. الأخبار الطوال- الدينوري ص 239. مقاتل الطالبيين- أبو الفرج الأصفهاني ص 71.
3- الفتوح لإبن الأعثم، ج 5 ص 87-88.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
111

107

مسلم بن عقيل

 طوعة، أم ولد كانت للأشعث بن قيس فأعتقها فتزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالاً، وكان بلال قد خرج مع الناس وأمه قائمة تنتظره، وكانت ممن خف مع مسلم 1، فسلم عليها ابن عقيل، فردت عليه، فقال لها: يا أمة الله اسقيني ماء !!

فدخلت فسقته، فجلس، وأدخلت الإناء ثم خرجت.
فقالت: يا عبد الله ألم تشرب ؟
قال: بلى !
قالت: فاذهب إلى أهلك !
فسكت! ثم عادت فقالت مثل ذلك، فسكت ! 
ثم قالت له: فئ لله ! سبحان الله ! يا عبد الله ! فمر إلى أهلك عافاك الله ! فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أحلّه لك !
فقام فقال: يا أمة الله مالي في هذا المصر منزل ولا عشيرة ! فهل لك إلى أجر ومعروف ولعلي مكافئك به بعد اليوم ؟؟
فقالت: يا عبد الله ! وما ذاك ؟
قال: أنا مسلم بن عقيل !! كذّبني هؤلاء القوم وغرّوني !
قالت: أنت مسلم ؟
قال: نعم !
قالت: ادخل !
فأدخلته بيتاً في دارها، غير البيت الذى تكون فيه، وفرشت له، وعرضت عليه العشاء فلم يتعش، ولم يكن بأسرع من أن جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه، فقال: والله إنه ليريبني كثرة دخولك هذا البيت منذ الليلة وخروجك منه، إن لك لشأناً.
قالت: يا بنى اله عن هذا !!
 
 
 

1- الأخبار الطوال- الدينوري ص 239. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
112

108

مسلم بن عقيل

 قال لها: والله لتخبرني.

قالت: أقبل على شأنك ولا تسألني عن شيء !
فألح عليها، فقالت: يا بنيّ لا تحدّثن أحداً من الناس بما أخبرك به، وأخذت عليه الإيمان، فحلف لها فأخبرته، فاضطجع وسكت، وزعموا أنه قد كان شريداً من الناس، وقال بعضهم كان يشرب مع أصحاب له 1
 
عبيد الله بن زياد يسيطر على الوضع
 
ولمّا تفرّق الناس عن مسلم، طال على ابن زياد، وأخذ لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتاً كما كان يسمعه قبل ذلك، فقال لأصحابه: أشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحداً ؟ وكان المسجد مع القصر. فأشرفوا، فلم يروا أحداً، فقال ابن زياد: فانظروا، لعلهم تحت الظلال قد كمنوا لكم!
فنزعوا تخائج المسجد، وجعلوا يخفضون شعل النار في أيديهم ثم ينظرون هل في الظلال أحد، وكانت أحياناً تضيء لهم وأحياناً لا تضيء لهم كما يريدون، فدولوا القناديل وأطناب القصب، تشد بالحبال ثم تجعل فيها النيران ثم تدلى حتى تنتهي إلى الأرض، ففعلوا ذلك في أقصى الظلال وأدناها وأوسطها، حتى فعلوا ذلك بالظلة التي فيها المنبر فلما لم يروا شيئاً وأعلموا ابن زياد، فقال ابن زياد: إن القوم قد خذلوا، وأسلموا مسلماً. وانصرفوا. فخرج فيمن كان معه، وجلس في المسجد، ووضعت الشموع والقناديل، ففتح باب السدة التي في المسجد، ثم خرج فصعد المنبر، وخرج أصحابه معه، فأمرهم فجلسوا حوله قبيل العتمة.
 
 
 

1- - تاريخ الأمم والملوك - الطبري ج 4 ص 277 و ص 278. مقاتل الطالبيين- أبو الفرج الأصفهاني ص 71. الإرشاد، ص194. الفتوح لإبن الأعثم، ج 5 ص 89
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
113

109

مسلم بن عقيل

 ابن زياد يستنفر كامل جهازه الأمني لاعتقال مسلم

 
وأمر ابن زياد عمرو بن نافع، فنادى: ألا برئت الذمة من رجل من الشرطة والعرفاء أو المناكب أو المقاتلة والحرس صلّى العتمة إلا في المسجد، فلم يكن له إلا ساعة حتى امتلأ المسجد من الناس، ثم أمر مناديه فأقام الصلاة، فقال الحصين بن نمير: إن شئت صليت بالناس أو يصلّي بهم غيرك ودخلت أنت فصليت في القصر فإني لا آمن أن يغتالك بعض أعدائك، فقال: مر حرسي فليقوموا ورائي كما كانوا يقفون ودر فيهم فإني لست بداخل إذاً.
فصلّى بالناس العشاء، ثم قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أمّا بعد، فإنّ ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق، فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره، ومن جاء به فله ديته، اتقوا الله عباد الله، والزموا طاعتكم وبيعتكم، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلاً.
ثم قال للحصين بن نمير السكوني: يا حصين ابن نمير، ثكلتك أمك إن ضاع باب سكة من سكك الكوفة لم تطبق على أهلها، أو خرج هذا الرجل ولم تأتني به، فوالله لئن خرج من الكوفة سالماً لنريقن أنفسنا في طلبه، وقد سلطتك على دور أهل الكوفة، فابعث مراصدة على أفواه السكك وأصبح غداًً واستبر الدور، داراً داراً، وجس خلالها حتى تأتيني بهذا الرجل، وكان الحصين على شرطه، وهو من بني تميم، ثم نزل ابن زياد فدخل القصر وقد عقد لعمرو بن حريث راية وأمّره على الناس 1
 
إنكشاف مكان مسلم
 
فلما أصبح جلس مجلسه وأذن للناس فدخلوا عليه، وأقبل في أوائلهم محمّد بن الأشعث فقال: مرحباً بمن لا يستغش ولايتهم، ثم أقعده إلى جنبه معه على سريره،
 
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك - الطبري ج 4 ص 278و279. الأخبار الطوال- الدينوري ص 240. مقاتل الطالبيين- أبو الفرج الأصفهاني ص 71. الإرشاد، 195. الفتوح لإبن الأعثم، ج 5 ص90.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
114

110

مسلم بن عقيل

 وأصبح ابن تلك العجوز وهو بلال بن أسيد الذى آوت أمه ابن عقيل فغداً إلى عبد الرحمن بن محمّد ابن الأشعث فأخبره بمكان ابن عقيل عند أمه، فقال له عبد الرحمن: أسكت الآن ولا تعلم بهذا أحداًً من الناس، ثم أقبل عبد الرحمن حتى أتى أباه وهو عند ابن زياد فسارّه في أذنه وقال: إن مسلماًً في دار طوعة، فقال له ابن زياد: ما قال لك عبد الرحمن ؟ 

 
فقال: أصلح الله الأمير، البشارة العظمى!
 
فقال عبيد الله بن زياد: وما ذاك؟ ومثلك من بشّر بخير !
 
فقال محمّد بن الأشعث: إن ابني هذا أخبرني أن ابن عقيل في دار من دورنا، في دار طوعة، مولاة لنا.
 
فسُرّ بذلك عبيد الله بن زياد، ونخس بالقضيب في جنبه ثم قال: قم فأتني به الساعة، ولك ما بذلت من الجائزة والحظّ الأوفى.
 
وحين قام ابن الأشعث ليأتيه بابن عقيل بعث ابن زياد إلى عمرو بن حريث، وهو في المسجد خليفته على الناس، أن أبعث مع ابن الأشعث ستين أو سبعين رجلاً كلهم من قيس أو قريش 1، لأن قيس وقريش من عرب الشمال الذين يبغضون علي بن أبي طالب عليه السلام لأنه قتل رجالهم في بدر وأحد والأحزاب والجمل وصفين، فهم مستعدون لقتل ابن أخيه مسلم بن عقيل، بخلاف أهل الجنوب، اليمنيين الذين يحبون علي بن ابي طالب عليه السلام.
 
وإنما كره أن يبعث معه قومه لأنه قد علم أن كل قوم يكرهون أن يصادف فيهم مثل ابن عقيل، فبعث معه عمرو بن عبيدالله بن عباس السلمى في ستين أو سبعين من قيس حتى أتوا الدار التي فيها ابن عقيل 2.
 
 
 

1- الأخبار الطوال، الدينوري، ص 239.
2- تاريخ الأمم والملوك - الطبري ج 4 ص 279. مقاتل الطالبيين- أبو الفرج الأصفهاني ص 69. الأخبار الطوال- الدينوري ص 239. الإرشاد، 195. الفتوح لإبن الأعثم، ج 5 ص91.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
115

111

مسلم بن عقيل

 المعركة الأخيرة وشهادة مسلم بن عقيل

 
فلما سمع مسلم بن عقيل وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال عرف أنه قد أتي في طلبه، فبادر إلى فرسه فأسرجه وألجمه، وصب عليه درعه، واعتجر بعمامة، وتقلد سيفه والقوم يرمون الدار بالحجارة، فتبسم مسلم، ثم قال للمرأة: رحمك الله وجزاك عني خيراًً، إعلمي أني أوتيت من قبل ابنك، ولكن افتحي الباب.
 
 
ففتحت الباب، فاقتحموا عليه الدار فشد عليهم يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار، ثم عادوا إليه فشد عليهم كذلك فاختلف هو وبكير بن حمران الأحمري ضربتين فضرب بكير فم مسلم فقطع شفته العليا، وأشرع السيف في السفلى ونصلت لها ثنيتاه، فضربه مسلم ضربة في رأسه منكرة، وثنّى بأخرى على حبل العاتق كادت تطلع على جوفه، فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق ظهر البيت، وظهروا فوقه، فأخذوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في أطناب القصب ثم يقلبونها عليه من فوق البيت.
 
فلما رأى ذلك قال: أكلما أرى من الإجلاب لقتل ابن عقيل ؟ يانفس اخرجي إلى الموت الذي ليس منه محيص، ولا عنه محيد، فخرج مصلتاً سيفه إلى السكة، وجعل يضاربهم بسيفه حتى قتل منهم جماعة، فبلغ ذلك عبيد الله بن زياد فأرسل إلى محمّد بن الأشعث أن أعطه الأمان، فإنك لن تقدر عليه إلاّ بالأمان 1!
وأخذوا يرمون مسلماًً بالحجارة فقال: ويلكم! ما لكم ترمونني بالحجارة كما تُرمى الكفّار!؟ وأنا من أهل بيت الأنبياء الأبرار! ويلكم، أما ترعون حقّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذرّيته!؟
ثم حمل عليهم على ضعفه فكسرهم! وفرّقهم في الدروب! ثم رجع وأسند ظهره إلى باب دار هناك، فرجع القوم إليه، فصاح بهم محمّد بن الأشعث: ذروه حتى
 
 
 

1- بحار الأنوار ج 44 ص 354.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
116

112

مسلم بن عقيل

 أكلمه بما يُريد. ثم دنا منه ابن الأشعث حتى وقف قبالته وقال: ويلك يا ابن عقيل! لا تقتل نفسك، أنت آمن ودمك في عنقي! 

فقال له مسلم: أتظنّ يا ابن الأشعث أني أعطي بيدي أبداًً وأنا أقدر على القتال!؟ لا والله لا كان ذلك أبداًً!
ثم حمل عليه حتى ألحقه بأصحابه، ثم رجع إلى موضعه فوقف وقال: اللهم إن العطش قد بلغ منّي! فلم يجسر أحد أن يسقيه الماء ولا قَرُبَ منه! 
فأقبل ابن الأشعث على أصحابه وقال: ويلكم! إن هذا لهو العار والفشل أن تجزعوا من رجل واحد هذا الجزع! إحملوا عليه بأجمعكم حملة واحدة! 1
فطُعن من ورائه طعنة فسقط إلى الأرض، فأقبل عليه محمّد بن الأشعث فقال: يا فتى لك الأمان، لا تقتل نفسك. فقال مسلم: لا حاجة لي إلى أمان الغدرة، ثم أقبل يقاتلهم وهو يقول:
 
أقسمت لا أقتل إلا حــرّا       وإن رأيت الموت شيئاً نكرا
أخاف ان أكذب أوأغــرّا      أو يخـلط البـارد سخناً مرّا
رُدَّ شعاع الشمس فاستقرّا    كل امرئ يـوماً مـلاقٍ شرّا
أضـربكم ولا أخـاف ضــرّا
 
فقال له محمّد بن الأشعث: ويحك يا ابن عقيل، إنك لا تكذب ولا تخدع ولا تغر، إن القوم بنو عمك وليسوا بقاتليك ولا ضاربيك، فلا تقتل نفسك !
ولكن مسلم بن عقيل لم يلتفت إلى كلامه وجعل يقاتل حتى أثخن بالجراح، وتكاثروا عليه وجعلوا يرمونه بالحجارة، فعجز عن القتال، وانبهر فأسند ظهره إلى جنب تلك الدار، فدنا محمّد بن الأشعث فقال: لك الأمان!
فقال له مسلم: آمن أنا ؟
 
 
 

1- المعروف أن بُكير لم يُقتل بضربة مسلم بل جرح جرحاً منكراً، وهو الذي أمره ابن زياد بقتل مسلم بعد ذلك، كما في تاريخ الأمم والملوك، والإرشاد، لكنّ الدينوري في الأخبار الطوال: 241 ذكر أن الذي تولى ضرب عنق مسلم هو أحمر بن بكير وليس بكير نفسه. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
117

113

مسلم بن عقيل

 قال: نعم ! وقال القوم جميعاً: أنت آمن ! غير عمرو بن عبيدالله بن العباس السلمي، فإنه قال: لا ناقة لي في هذا ولا جمل، وتنحى. 

وقال ابن عقيل أما لو لم تؤمنوني ما وضعت يدي في أيديكم، فأُخذ أسيراً، وأتي ببغلة فحمل عليها، واجتمعوا حوله، وسلبه ابن الأشعث حين أعطاه الأمان سيفه وانتزعه من عنقه 1، وتقدّم رجل من بني سليمان يُقال له عبيد الله بن العباس فأخذ عمامته!" 2
 
فكأنه عند ذلك آيس من نفسه فدمعت عيناه، وعلم أن القوم قاتلوه، فقال: هذا أول الغدر! فقال محمّد بن الأشعث: أرجو ألا يكون عليك بأس !
قال مسلم: ما هو إلا الرجاء، أين أمانكم؟! إنا لله وإنا إليه راجعون، وبكى.
 
فقال له عمرو بن عبيدالله بن عباس السلمي: إن من يطلب مثل الذى تطلب إذا نزل به مثل الذى نزل بك لم يبك !
قال مسلم:" إنى والله ما لنفسي أبكي ولا لها من القتل أرثي، وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفاً، ولكن أبكي لأهلي المقبلين إليّ، أبكي لحسين وآل حسين، ثم أقبل على محمّد بن الأشعث فقال له: يا عبد الله ! إني أراك والله ستعجز عن أماني فهل عندك خير تستطيع أن تبعث من عندك رجلاً على لساني يبلغ حسيناًً، فإني لا أراه إلا قد خرج إليكم اليوم مقبلاً، أو هو خرج غداً هو وأهل بيته، وإن ما ترى من جزعي لذلك، فيقول إن ابن عقيل بعثني إليك وهو في أيدي القوم أسير، لا يرى أن تمشي حتى تقتل، وهو يقول ارجع بأهل بيتك ولا يغرك أهل الكوفة فانهم أصحاب أبيك الذى كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل إن أهل الكوفة، قد كذبوك وكذبوني وليس لمكذوبٍ رأي، فقال ابن الأشعث: والله لأفعلن ولأعلمن ابن زياد أني قد أمنتك. 
 


1- مروج الذهب، 3، 68.
2- الفتوح: 92- 96، وانظر مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، 1، 300- 302. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
118

 


114

مسلم بن عقيل

 وأقبل محمّد بن الأشعث بمسلم ابن عقيل إلى باب القصر، فاستأذن فأذن له، فأخبر عبيدالله خبر ابن عقيل وضرب بكير إياه، فقال: بعداً له، فأخبره محمّد بن الأشعث بما كان منه وما كان من أمانه إياه، فقال عبيدالله: ما أنت والأمان؟ كأنّا أرسلناك تؤمنه!! إنما أرسلناك تأتينا به !! فسكت !!

وانتهى ابن عقيل إلى باب القصر وهو عطشان، وعلى باب القصر ناس جلوس ينتظرون الإذن، منهم عمارة بن عقبة بن أبي معيط، وعمرو بن حريث، ومسلم بن عمرو، وكثير بن شهاب، وإذا قلة باردة موضوعة على الباب فقال: اسقوني من هذا الماء !! 
فقال له مسلم بن عمرو: أتراها ما أبردها ؟؟ لا والله لا تذوق منها قطرة أبداًً حتى تذوق الحميم في نار جهنم !
قال له مسلم: ويحك من أنت ؟؟ قال: أنا ابن من عرف الحق إذا أنكرته ! ونصح لإمامه إذ غششته ! وسمع وأطاع إذ عصيته وخالفت ! أنا مسلم بن عمرو الباهلي !
فقال مسلم: لأمك الثكل ! ما أجفاك وما أفظك وأقسى قلبك وأغلظك ! أنت يا ابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنم مني.
ثم جلس متسانداً إلى حائط، وجاؤوه بقلة عليها منديل ومعه قدح فصب فيه ماء ثم سقاه، فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دماً، فلما ملأ القدح المرة الثالثة ليشرب سقطت ثنيتاه فيه فقال: الحمد لله لو كان لي من الرزق المقسوم شربته.
ثم أُدخل مسلم بن عقيل على عبيد الله بن زياد فقال له الحرسي: سلّم على الأمير!
فقال له مسلم: أُسكت لا أُمّ لك! مالك وللكلام! والله ليس هو لي بأميرٍ فأسلّم عليه! فقال له عبيد الله بن زياد: لا عليك! سلّمت أم لم تسلّم، فإنك مقتول!
فقال مسلم بن عقيل: إن قتلتني فقد قتل شرٌ منك من كان خيراًً منّي!
 
 
 

1- نقل الطريحي أن مسلماًً حينما دخل ديوان القصر على ابن زياد قال له القوم سلِّم على الأمير! فقال: "السلام على من أتبع الهدى، وخشي عواقب الردى، وأطاع الملك الأعلى.."المنتخب 427، المجلس التاسع من الجزء الثاني-.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
119

115

مسلم بن عقيل

 فقال ابن زياد: يا شاقّ! يا عاقّ! خرجت على إمامك وشققت عصا المسلمين وألحقت الفتنة! 

فقال مسلم: كذبت يا ابن زياد! والله ما كان معاوية خليفة بإجماع الأمّة، بل تغلب على وصيّ النبي بالحيلة، وأخذ عنه الخلافة الغصب، وكذلك ابنه يزيد! وأمّا الفتنة فإنك ألحقتها أنت وأبوك زياد بن علاج من بني ثقيف! وانا أرجو أن يرزقني الله الشهادة على يدي شرّ بريّته! فوالله ما خالفت ولا كفرتُ ولا بدّلتُ! وإنما أنا في طاعة أمير المؤمنين الحسين بن علي، بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ونحن أولى بالخلافة من معاوية وابنه وآل زياد! 
فقال له ابن زياد: يا فاسق إن نفسك تمنيك ما حال الله دونه ولم يرك أهله!
قال: فمن أهله يا ابن مرجانة ؟
قال: معاوية وأمير المؤمنين يزيد!!
فقال مسلم: الحمد لله على كل حال رضينا بالله حكماً بيننا وبينكم !
قال: كأنك تظن أن لكم في الأمر شيئاً ؟
قال: لا والله ما هو بالظن ولكنه اليقين !
قال: قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام !
قال: أما إنك أحق من أحدث في الإسلام ما لم يكن فيه ! أما إنك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السيرة ولؤم الغلبة، ولا أحد من الناس أحق بها منك، والله لو كان معي عشرة ممن أثق بهم، وقدرت على شربة من ماء لطال عليك أن تراني في هذا القصر! ولكن إن عزمت على قتلي ولا بد لك من ذلك فدعني أوصِ إلى بعض قومي.
ثم نظر مسلم إلى جلساء عبيدالله وفيهم عمر بن سعد، فقال: يا عمر إن بيني وبينك قرابة، ولي إليك حاجة، وقد يجب لي عليك نجح حاجتي، وهو سر، فأبى أن يمكّنه من ذكرها، فقال له عبيدالله: لا تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمك فقام
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
120

116

مسلم بن عقيل

 معه فجلس حيث ينظر إليه ابن زياد فقال له: إن عليَّ بالكوفة ديناً استدنته منذ قدمت الكوفة، سبعمائة درهم،(أو ألف 1) فاقضه عني، حتى يأتيك من غلتي بالمدينة، وانظر جثتي فاستوهبها من ابن زياد، لئلا يمثل بها، فوارها، وابعث إلى حسين من يرده ويعلمه حالي، وما صرت إليه من غدر هؤلاء الذين يزعمون أنهم شيعته، وأخبره بما كان من نكثهم بعد أن بايعني منهم ثمانية عشر ألف رجل، لينصرف إلى حرم الله، فيقيم به، ولا يغتر بأهل الكوفة، فإني قد كتبت إليه أعلمه أن الناس معه ولا أراه إلا مقبلاً.

فقال عمر لابن زياد: أتدري ما قال لي ؟ 
قال له ابن زياد: هات ! إنه لا يخونك الأمين ولكن قد يؤتمن الخائن ! 
قال عمر: إنه ذكر كذا وكذا.
فقال ابن زياد لمسلم: أما مالك فهو لك ولسنا نمنعك أن تصنع فيه ما أحببت، وأما حسين فإنه إن لم يردنا لم نرده وإن أرادنا لم نكف عنه، وأما جثته فإنَّا لن نشفعك فيها إنه ليس بأهل منا لذلك قد جاهدنا وخالفنا وجهد على هلاكنا، وزعموا أنه قال: أما جثته فإنّا لا نبالي إذا قتلناه ما صنع بها.
ولكني أريد أن تخبرني يا ابن عقيل، بماذا أتيت إلى هذا البلد؟ شتّت أمرهم، وفرّقت كلمتهم، ورميت بعضهم على بعض. 
فقال مسلم بن عقيل: ليس لذلك أتيت هذا البلد، ولكنّكم أظهرتم المنكر، ودفنتم المعروف، وتأمّرتم على الناس من غير رضا، وحملتموهم على غير ما أمركم الله به، وعملتم فيهم بأعمال كسرى وقيصر، فأتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر، وندعوهم إلى حكم الكتاب والسنّة، وكنّا أهل ذلك، ولم تزل الخلافة لنا منذ قُتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ولا تزال الخلافة لنا، فإنّا قُهرنا
 
 
 

1- الأخبار الطوال- الدينوري ص 241.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
121

117

مسلم بن عقيل

 عليها، لأنكم أوّل من خرج على إمام هدىً، وشقّ عصا المسلمين، وأخذ هذا الأمر غصباً، ونازع أهله بالظلم والعدوان، ولا نعلم لنا ولكم مثلاً إلا قول الله تبارك وتعالى: (وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون) 1.. 

قال ابن زياد: وما أنت وذاك يا فاسق، أو لم نكن نعمل بذاك فيهم إذ أنت بالمدينة تشرب الخمر ؟
فقال مسلم بن عقيل: قال: أنا أشرب الخمر ؟ والله إن الله ليعلم إنك غير صادق! وإنك قلت بغير علم! وإني لست كما ذكرت، وإن أحقُّ بشرب الخمر مني وأولى بها من يلغ في دماء المسلمين ولغاً، فيقتل النفس التي حرّم الله قتلها ويقتل النفس بغير النفس، ويسفك الدم الحرام، ويقتل على الغضب والعداوة وسوء الظن، وهو يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئاً !!
فجعل ابن زياد يشتم عليّاً والحسن والحسين عليه السلام . 
فقال له مسلم: أنت وأبوك أحقّ بالشتيمة منهم! فاقض ما أنت قاض! فنحن أهل بيت موكول بنا البلاء. 
فقال عبيد الله بن زياد: إلحقوا به إلى أعلى القصر فاضربوا عنقه، وألحقوا رأسه جسده!. 
فقال مسلم بن عقيل لابن الأشعث: أما والله لولا أنك آمنتني ما استسلمت!! قم بسيفك دوني فقد أخفرت ذمتك 2! ثم قال لابن زياد: أما والله يا ابن زياد! لو كُنتَ من قريش أو كانت بيني وبينك قرابة ما قتلتني، ولكنّك ابن أبيك!
ثم قال ابن زياد: أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف وعاتقه، فدُعي، فقال: اصعد فكن أنت الذي تضرب عنقه، فصعد به وهو يكبر ويستغفر ويصلّي على النبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وملائكة الله ورسله، وهو يقول: "اللهم احكم بيننا وبين قومٍ
 
 
 

1- سورة الشعراء، 227. 
2- تاريخ الأمم والملوك، 3، 291.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
122

118

مسلم بن عقيل

 غرّونا وكذّبونا وأذلونا"، وأشرف به على الناس، وهم على باب القصر مما يلي الرحبة، على موضع الجزارين اليوم، حتى إذا رأوه ضربت عنقه هناك، فسقط رأسه إلى الرحبة، ثم أتبع الرأس بالجسد. 

 
اللحظات الأخيرة
 
نزل الأحمري بكير بن حمران الذي قتل مسلماً فقال له ابن زياد: قتلته ؟
قال: نعم !
قال: فما كان يقول وأنتم تصعدون به ؟
قال: كان يكبر ويسبح ويستغفر، فلما أدنيته لأقتله قال:" اللهم احكم بيننا وبين قوم كذّبونا وغرّونا وخذلونا وقتلونا"، فقلت له: ادن مني، الحمد لله الذى أقادني منك فضربته ضربة لم تغن شيئاًً، فقال: أما ترى في خدش تخدشنيه وفاءً من دمك أيها العبد ؟
فقال: ابن زياد وفخراً عند الموت ؟
قال: ثم ضربته الثانية فقتلته 1.
 
مقتل هانيء وأنصار مسلم المعتقلين
 
وكان محمّد بن الأشعث قد كلم عبيدالله بن زياد في هانيء بن عروة، وقال له: إنك قد عرفت منزلة هانيء بن عروة في المصر وبيته في العشيرة، وقد علم قومه أني وصاحبي سقناه إليك، فأنشدك الله لمَّّا وهبته لي فإني أكره عداوة قومه، وهم أعز أهل المصر وعدد أهل اليمن، فوعده أن يفعل.
فلما كان من أمر مسلم ابن عقيل ما كان بدا لعبيد الله بن زياد فيه، وأبى أن
 
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك - الطبري ج 4 ص 281-284. مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني ص67- 68. الأخبار الطوال- الدينوري ص 241. الإرشاد، الشيخ المفيد، ص197. الفتوح لإبن الأعثم، ج 5 ص103.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
123

119

مسلم بن عقيل

 يفي لمحمّد بن الأشعث بما قال، فأمر بهانيء بن عروة حين قتل مسلم بن عقيل، فقال: أخرجوه إلى السوق فاضربوا عنقه، فأخرج بهانيء حتى انتهى إلى مكان من السوق كان يباع فيه الغنم وهو مكتوف، فجعل يقول:" وامذحجاه ولا مذحج لي اليوم، وامذحجاه وأين مني مذحج !!" فلما رأى أن أحداً لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثم قال:" أما من عصا أو سكين أو حجر أو عظم يجاحش به رجل عن نفسه؟؟ ووثبوا إليه فشدوه وثاقا"، ثم قيل له: امدد عنقك، فقال: ما أنا بها مجد سخي وما أنا بمعينكم على نفسي، فضربه مولى لعبيد الله بن زياد، تركي يقال له رشيد، بالسيف، فلم يصنع سيفه شيئاًً، فقال هانيء: إلى الله المعاد، اللهم إلى رحمتك ورضوانك !! ثم ضربة أخرى فقتله 1.

ثم قام أعوان عبيد الله بن زياد بسحل جثتي مسلم بن عقيل وهاني بن عروة في سوق الكوفة 2، وبعد ذلك أمر بهما فصلبا منكسين 3.
فبصر عبد الرحن بن الحصين المرادي بخازر بالمولى التركي لعبيد الله بن زياد الذي يقال له رشيد والذي قتل هانيء بن عروة، وهو مع عبيدالله بن زياد، فقال الناس هذا قاتل هانيء بن عروة فقال ابن الحصين: قتلني الله إن لم أقتله أو أقتل دونه، فحمل عليه بالرمح فطعنه فقتله 4
 
ثم دعا عبيدالله بن زياد بعبد الأعلى الكلبي، الذى كان أخذه كثير بن شهاب في بني فتيان، فأتي به فقال له: أخبرني بأمرك !
فقال: أصلحك الله خرجت لأنظر ما يصنع الناس فأخذني كثير بن شهاب !
فقال له: فعليك وعليك من الأَيمان المغلظة إن كان أخرجك إلا ما زعمت ؟؟
فأبى أن يحلف، فقال عبيدالله: انطلقوا بهذا إلى جبانة السبع فاضربوا عنقه
 
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك - الطبري ج 4 ص 281-284. مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني ص67- 68.
2- تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج 4 ص 296.
3- الفتوح لإبن الأعثم، ج 5 ص 105.
4- تاريخ الأمم والملوك - الطبري ج 4 ص 281-284. مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني ص67- 68.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
124

120

مسلم بن عقيل

 بها ! فانطلق به فضربت عنقه.

ثم أتي أيضاً بعمارة ابن صلخب الأزدي، وكان ممن يريد أن يأتي مسلم بن عقيل بالنصرة لينصره، فقال له عبيدالله بن زياد: ممن أنت ؟؟
قال: من الأزد !
قال: انطلقوا به إلى قومه، فضربت عنقه فيهم 1.
 
إعتقال المعارضين المشتبه بهم
 
وكان المختار بن أبي عبيد وعبد الله بن الحارث بن نوفل قد خرجا مع مسلم، خرج المختار براية خضراء، وخرج عبد الله براية حمراء وعليه ثياب حمر، وجاء المختار برايته فركزها على باب عمرو بن حريث وقال: إنما خرجت لأمنع عمراً، وأن الأشعث والقعقاع بن شور وشبث بن ربعي قاتلوا مسلماً وأصحابه عشية سار مسلم إلى قصر ابن زياد قتالاً شديداً، وأن شبثاً جعل يقول انتظروا بهم الليل يتفرقوا فقال له القعقاع: إنك قد سددت على الناس وجه مصيرهم فافرج لهم ينسربوا، وأن عبيدالله أمر أن يطلب المختار وعبد الله بن الحارث وجعل فيهما جعلاً فأتى بهما فحبسا.
 
إرسال البشارة والرؤوس إلى يزيد بن معاوية
 
ثم إن عبيدالله ابن زياد، لما قتل مسلماًً وهانيءاً، بعث برؤوسهما مع هانيء بن أبي حية الوادعي والزبير ابن الأروح التميمي إلى يزيد بن معاوية، وأمر كاتبه عمرو بن نافع أن يكتب إلى يزيد بن معاوية: أما بعد، فالحمد لله الذى أخذ لأمير المؤمنين بحقه وكفاه مؤنة عدوه، أخبر أمير المؤمنين أكرمه الله أنَّ مسلم بن عقيل لجأ إلى دار هانيء بن عروة المرادي، وإني جعلت عليهما العيون، ودسست
 
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك - الطبري ج 4 ص 281-284. مقاتل الطالبيين، أبو الفرج الأصفهاني ص67- 68.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
125

121

مسلم بن عقيل

 إليهما الرجال، وكدتهما حتى استخرجتهما وأمكن الله منهما، فقدمتهما فضرب أعناقهما، وقد بعثت إليك برؤوسهما مع هانيء بن أبي حية الهمداني والزبير بن الأروح التميمي، وهما من أهل السمع والطاعة والنصيحة فليسألهما أمير المؤمنين عما أحب من أمر، فإن عندهما علماً وصدقاً وفهماً وورعاً، والسلام 1.

 
فكتب إليه يزيد: أما بعد، فإنك لم تعد أن كنت كما أحب عملت عمل الحازم وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش، فقد أغنيت وكفيت وصدقت ظني بك ورأيي فيك، وقد دعوت رسوليك فسألتهما وناجيتهما، فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت، فاستوص بهما خيراً، وإنه قد بلغني أن الحسين بن علي قد فصل من مكة متوجهاً نحو العراق، فضع المناظر والمسالح، وأدرك العيون عليه، وضع الأرصاد على الطرق، واحترس على الظن، وخذ على التهمة وقم أفضل القيام، غير ألا تقتل إلا من قاتلك، واكتب إليّ في كل ما يحدث من الخبر في كل يوم 2، والسلام عليك ورحمة الله. 
ثم أمر يزيد بن معاوية بنصب الرأسين في درب من دمشق 3.
 
 
ولما بلغ عبيد الله بن زياد أن الإمام الحسين عليه السلام توجه من مكة إلى العراق، بعث الحصين بن النمير السكوني صاحب شرطه حتى نزل القادسية في أربعة آلاف فارس من أهل الكوفة !! وأمره أن يقيم بالقادسية إلى خفّان إلى القطقطانة وما بين واقصة إلى طريق الشام إلى طريق البصرة إلى لعلع، فيمنع من أراد الدخول ومن أراد النفوذ من ناحية الكوفة إلى الحجاز، إلاّ من كان حاجاً أو معتمراً، ومن لا يتهم بممالاة الحسين 4
ثم جمّد عبيد الله بن زياد البعوث العسكرية التي كانت متوجهة إلى الثغور
 
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج 4 ص 285. الإرشاد للمفيد، ص 200.
2- الأخبار الطوال صفحة 242. تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج 4 ص 285. الإرشاد للمفيد، ص 200. 
3- مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 93.
4- ألإرشاد للمفيد، ص 202 و 204. الأخبار الطوال ص 243. أنساب الأشراف، ج 3 ص 377و 278.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
126

122

مسلم بن عقيل

 وحوّلها إلى قتال الإمام الحسين عليه السلام 1.

وكانت انتفاضة مسلم بن عقيل بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان ليال مضين من ذي الحجة سنة 60 للهجرة النبوية، وكان خروج الحسين عليه السلام من المدينة إلى مكة يوم الأحد لليلتين بقيتا من رجب سنة 60 للهجرة، ودخل مكة ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان، فأقام بمكة شعبان وشهر رمضان وشوال وذا القعدة، ثم خرج منها لثمان مضين من ذى الحجة يوم الثلاثاء يوم التروية في اليوم الذي انتفض فيه مسلم بن عقيل في الكوفة2.
 
 
 

1- تاريخ دمشق، ج 14 ص 215. تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين، تحقيق المحمودي، 305 رقم 264.
2- تاريخ الأمم والملوك، الطبري ج 4 ص 284و285و286. الأخبار الطوال صفحة 242.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
127

123

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

 الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

 
لماذا زمان الثورة ومكانها في العراق؟ 
 
بغض النظر عن الرسائل التي وصلت إلى الإمام الحسين عليه السلام من أهل الكوفة، لم يكن بدٌ من التوجه إلى العراق 1، لأن بذرة الشيعة في العراق. فهناك شيعته 2، ومواطن العلويين الذين ظهر منهم الإخلاص لأهل البيت وخاضوا إلى جانبهم حروب الجمل وصفين والنهروان 3، وأثنى عليهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام 4
 
ولأن العراق لم يستسلم لبني أمية كبقية الأقطار، فقد كانت الكوفة هي الحاضرة الوحيدة في العالم الإسلامي التي اخترقت الولاء للأمويين، وكانت مقر المعارضة والثورة ضدهم طيلة عشرين سنة، وبقيت تتمنى زوالهم، بعد أن ذاقت مرّ حكمهم واضطهادهم وظلمهم، فقد حرموها وجوّعوها وبطشوا برجالها ورؤوسها، وبقيت على اتصال بالإمام الحسين عليه السلام تدعوه إلى الثورة ضد الأمويين 5، وتزوره دائما
 
 
 

1- مقتل الحسين للخوارزمي، ج1، ص310. 
2- تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين، تحقيق المحمودي، ص294.
3- الإمامة والسياسة، ج1، ص231. 
4- الإمامة والسياسة، ج1، ص230، مختصر البلدان لابن الفقيه، ص163. 
5- الإرشاد، ص182. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
129

124

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

 في المدينة 1. كل ذلك أدّى إلى أن تكون احتمالات انعكاس الإستشهاد الحسيني في التربة العراقية أكبر بكثير من غيرها، والحوادث التي وقعت بعد كربلاء وعلى مدى سنين متطاولة تثبت ذلك. 

 
بينما لم يكن في مكة والمدينة عشرون رجلاًً يحبون أهل البيت عليه السلام 2، وحينما خرج الإمام الحسين عليه السلام إلى العراق، لم يخرج معه من مكة والمدينة رجل واحد في ثورته. 
 
هذا مع أنه كان يعلم سلام الله عليه بأن أهل الكوفة قاتِلوه 3. ومع ذلك فلا بد من العراق، لأن الله تعالى ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اختارا مصرعه وبدء مسيره وحملته لإنقاذ الإسلام هناك في كربلاء، في العراق4
 
الرؤيا دليل الخط الصحيح للثورة
 
فقد تكررت هذه الرؤيا غير مرة، وهي رؤيا حقة، لأن الرائي إمام معصوم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولأن المرئيّ هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 5
 
وكان بدء هذه الرؤيا الحقة في المدينة، بعدما أعلن الإمام رفضه مبايعة يزيد بعد موت معاوية أمام الوليد بن عتبة والي المدينة يومذاك، فقد خرج في الليلة الثانية إلى القبر، فصلّى ركعتين، فلما فرغ من صلاته جعل يقول:
"اللهم إنّ هذا قبر نبيّك محمّد، وأنا ابن بنت محمّد، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهم وإني أحب المعروف وأكره المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحق هذا القبر ومن فيه إلا ما اخترت من أمري هذا ما هو لك رضى".
 
 
 

1- أنساب الأشراف للبلاذري، ج3، ص156- 157 ح15. 
2- شرح النهج لابن أبي الحديد، ج4، ص104. 
3- تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام، تحقيق المحمودي، 211 رقم 266. 
4- بحار الأنوار، ج44، ص331- 332، والخرائج والجرائح، ج1، ص253 رقم7. 
5- مصابيح الأنوار، 2، 1، المطبعة العلمية – النجف الأشرف- عن الصدوق في الأمالي والعيون
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
130

125

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

 ثم جعل عليه السلام يبكي، حتى إذا كان في بياض الصبح وضع رأسه على القبر فأغفى ساعة، فرأى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قد أقبل في كوكبة من الملائكة عن يمينه وشماله ومن بين يديه ومن خلفه، حتى ضمّ الحسين عليه السلام إلى صدره، وقبّل بين عينيه وقال: 

"يا بنيَّ يا حسين، كأنّك عن قريب أراك مقتولاً مذبوحاً بأرض كربٍ وبلاء من عصابة من أمتي، وأنت في ذلك عطشان لا تُسقى وظمآن لا تُروى، وهم مع ذلك يرجون شفاعتي! ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة، فما لهم عند الله من خلاق. 
 
حبيبي يا حسين، إنّ أباك وأمّك وأخاك قد قدموا عليَّ وهم إليك مشتاقون، وإنّ لك في الجنة درجات لن تنالها إلاّ بالشهادة" ! 
 
فجعل الحسين عليه السلام ينظر في منامه إلى جده صلى الله عليه وآله وسلم ويسمع كلامه ويقول: "يا جدّاه، لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا أبداًً، فخذني إليك واجعلني معك إلى منزلك!"
 
فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : 
"يا حسين، إنه لا بدّ لك من الرجوع إلى الدنيا حتى تُرزق الشهادة، وما كتب الله لك فيها من الثواب العظيم، فإنك وأباك وأخاك وعمّك وعم أبيك تُحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة حتى تدخلوا الجنة" 1
 
ولما كان السحر ارتحل الحسين عليه السلام ، فبلغ ذلك ابن الحنفية، فأتاه فأخذ زمام ناقته التي ركبها، فقال له: يا أخي، ألم تعدني النظر فيما سألتك؟ 
 
قال عليه السلام : بلى.
 
قال: فما حداك على الخروج عاجلاً؟ 
 
 
 

1- الفتوح: 5، 27- 29، وعنه مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، 1، 186، وبحار الأنوار، 44، 328. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
131

126

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

  فقال عليه السلام : أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ما فارقتك، فقال: يا حسين، أخرج فإن الله قد شاء أن يراك قتيلاً! 

 
فقال له ابن الحنفية: إنا لله وإنا إليه راجعون، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك، وأنت تخرج على مثل هذه الحال؟ 
 
فقال له عليه السلام : "قد قال لي، إن الله قد شاء أن يراهنّ سبايا!"، وسلّم عليه ومضى 1
 
وقد أشار الإمام عليه السلام أيضاً إلى أمر هذه الرؤيا بعد خروجه عن مكة، في ردّه على عبد الله بن جعفر ويحيى بن سعيد حينما ألحّا عليه بالرجوع وجهدا في ذلك، حيث قال عليه السلام لهما: "إنّي رأيتُ رؤيا فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، واُمرتُ فيها بأمرٍ أنا ماضٍ له، عليَّ كان أو لي!" ولما سألاه فما تلك الرؤيا؟ 
 
قال عليه السلام : "ما حدّثت بها أحداً، وما أنا محدّث بها حتى ألقى ربّي!" 2.
 
فبعد أن اختار رفض البيعة ليزيد وسلك سبيل الثورة والقتل الحتمي، سواء خرج إلى العراق أم لم يخرج، إذن، لا بد أن يختار ما اختاره الله ورسوله من حيث الزمان والمكان، عاشوراء في كربلاء، في العراق. 
 
في الطريق إلى كربلاء
 
في بستان بني عامر، أو ابن معمر 3، التقى الإمام عليه السلام بالشاعر الفرزدق الذي أجابه على سؤاله بالكلمة الشهيرة: "قلوب الناس معك وأسيافهم عليك، مع بني أمية، والقضاء ينزل من السماء، والله يفعل ما يشاء"، فقال الإمام عليه السلام : 
 
 

1- اللهوف: 27، وعنه بحار الأنوار، 44، 364. 
2- تاريخ الطبري، 3، 297، والكامل في التاريخ، 3، 402، تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام تحقيق المحمودي، 202، رقم255، بتفاوت وفيها "حتى ألقى عملي"، وكذلك البداية والنهاية، 8، 176. 
3- معجم البلدان، ج1، ص414، أو في الصفاح، أنساب الأشراف، ج3، ص376، تاريخ الطبري، ج3، ص296، تجارب الأمم ج2، ص56- 57
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
132

127

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

 " صدقت، الناس عبيد المال، والدين لعق على ألسنتهم، يلوكونه ما درّت به معائشهم ! فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الدياّنون 1!

 
يا فرزدق ! إن هؤلاء قوم لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد في الأرض، وأبطلوا الحدود، وشربوا الخمور، واستأثروا في أموال الفقراء والمساكين، وأنا أولى من قام بنصرة دين الله وإعزاز شرعه والجهاد في سبيله لتكون كلمة الله هي العليا 2
 
لله الأمر، وكل يوم ربنا هو في شأن، إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه، وهو المستعان على أداء الشكر، وإن حال القضاء دون الرجاء، فلم يبعد من كان الحق نيته والتقوى سريرته" 3
 
إلا أن الفرزدق استمر في طريقه مع أمه إلى مكة ولم يلتحق بالإمام عليه السلام . 
 
وفي التنعيم، على بعد 12كلم من مكة، التقى الإمام عليه السلام بقافلة آتية من اليمن لمصلحة يزيد فصادرها 4
 
وفي ذات عرق 5التقى عليه السلام ببشر بن غالب الذي قال له أيضاً: قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية، فقال له الإمام عليه السلام : " صدق أخو بني أسد، إن الله يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد" 6!!
 
وبشر بن غالب هذا هو الذي روى عنه دعاء عرفة، ويعد من أصحابه ومن موالي أهل البيت عليه السلام وشيعتهم 7، إلا أنه استمر في طريقه إلى مكة ولم يلتحق بالإمام عليه السلام . 
 
إن كلاًّ من الفرزدق وبشر بن غالب قد أخبر الإمام عليه السلام أن قلوب أهل العراق 
 
 
 

1- كشف الغمة، ج 2 ص 32.المحجة البيضاء، ج4 ص 228.
2- تذكرة الخواص ص 217- 218.
3- الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 67.
4- أنساب الأشراف، ج3، ص375- 376، الإرشاد، ص202، الطبري، ج3، ص296.
5- معجم البلدان، ج 4 ص 108.
6- أمالي الصدوق، ص131، مثير الأحزان، ص42، اللهوف، ص30. 
7- مستدركات علم رجال الحديث،ج 2 ص 33، رقم 2130. لسان الميزان، ج 2 ص 29.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
133

128

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

  معه وسيوفهم مع بني أمية، ومع ذلك فنحن نجد أن الإمام عليه السلام يجيبهما بجواب واحد: صدقت!!

 
وذلك يدل بلا ريب على أن الإمام عليه السلام كان يعلم منذ البدء بأن أهل العراق سوف يخذلونه ويقتلونه، وأن الشهادة تنتظره في العراق !!
 
وحينما وصل الإمام عليه السلام إلى الحاجر من بطن الرُّمَّة، وهو وادٍ بعالية نجد، ومنزل لأهل البصرة إذا أرادوا المدينة، وفيه يجتمع أهل الكوفة والبصرة، ويقع شمال نجد 1، بعث قيس بن المسهر الصيداوي، ويقال: بل بعث أخاه من الرضاعة عبد الله بن يقطر 2، إلى أهل الكوفة، ولم يكن عليه السلام علم بخبر مسلم ابن عقيل وكتب معه إليهم: 
" بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى إخوانه من المؤمنين والمسلمين، سلام عليكم، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو. 
 
أما بعد، فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبر فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا، فسألت الله أن يحسن لنا الصنيع، وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر، وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية، فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدوا، فإني قادم عليكم في أيامي هذه، والسلام عليكم ورحمة الله " 4
 
وكان عبيد الله بن زياد قد علم بخروج الحسين عليه السلام من مكة، فكلّف الحصين بن النمير السكوني بمراقبة مداخل العراق من الحجاز، فاتخذ الحصين القادسية
 
 
 

1- بطن الرمة: منزل يجمع طريق البصرة والكوفة إلى المدينة المنورة " مراصد الاطلاع 2: 634. معجم البلدان، ج1، ص449، وج2، ص204، وخطب الإمام الحسين عليه السلام ج1، ص132.
2- وهو قول الطبري في تاريخه 5: 398، وضبطه ابن الاثير بالباء كما في الكامل 4: 42، وفي القاموس المحيط: 376: بقطر- كعصفر- رجل.
3- أي أسرعوا.
4- الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 70.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
134

129

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

 مركزاً له ووزع خيله شرقاً وغرباً، فأقبل قيس بن مسهر الصيداوي، حتى انتهى إلى القادسية، فأخذه الحصين بن نمير، وبعث به إلى عبيد الله بن زياد، فأخرج الكتاب ومزَّقه، فلما حضر بين يدى عبيد الله قال له: من أنت ؟ 

 
قال: رجل من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام !
 
قال: فلماذا مزقت الكتاب ؟
 
قال: لئلا تعلم ما فيه !
 
قال: ممن الكتاب وإلى من ؟
 
قال: من الحسين عليه السلام إلى قوم من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم !
 
فغضب ابن زياد، وقال له: اصعد فسب الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي بن أبي طالب !
 
فصعد قيس القصر فحمد الله وأثنى عليه وقال: 
"أيّها الناس إنّ هذا الحسين بن علي خير خلق الله ابن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله، وأنا رسوله، وقد فارقته في الحاجز فأجيبوه" !! 
 
ثم لعن عبيد الله بن زياد وأباه، واستغفر لعلي بن أبي طالب عليه السلام ، فأمر عبيد الله فألقي من فوق القصر فتقطع فمات 1!! 
 
فبينما الحسين عليه السلام في الطريق إذ طلع عليه ركب أقبلوا من الكوفة فإذا فيهم هلال بن نافع الجملي وعمرو بن خالد فسألهم عن خبر الناس !! فقالوا: أما والله الأشراف فقد استمالهم ابن زياد بالأموال فهم عليك وأما سائر الناس فأفئدتهم لك وسيوفهم مشهورة عليك !! 
 
قال: فلكم علم برسولي قيس بن مسهر ؟؟
 
قالوا: نعم !! قتله ابن زياد !!
 


1- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 298. تجارب الأمم ج2 ص57. أنساب الأشراف، ج3 ص378. الأخبار الطوال، ص245-246. تذكرة الخواص، ص221. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
135

130

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

 فاسترجع، واستعبر باكياً، وقال: جعل الله له الجنة ثواباً، اللهم اجعل لنا ولشيعتنا منزلاً كريماً إنك على كل شيء قدير 1

 
ثم التقى الإمام عليه السلام بعبد الله بن مطيع العدوي أحد رجال عبد الله بن الزبير ثانية 2، ولعلها المرة الأولى 3، وتكون التي سبقتها من اشتباه المؤرخين. 
 
ثم وصل إلى الخزيمية 4، وبينها وبين الثعلبية إثنان وثلاثون ميلاً على جهة الكوفة. فأقام يوماً وليلة 5
 
زهير بن القين
 
وفي زرود 6، بعد الخزيمية بميل، انضم إليه زهير بن القين بعد أن ذكّره الإمام عليه السلام بحادثةٍ جرت معه وكلام سمعه من سلمان الفارسي 7
 
وكان عبيدالله بن زياد أمر فأخذ ما بين واقصة إلى طريق الشام إلى طريق البصرة، فلا يدعون أحداً يلج ولا أحداً يخرج، وأقبل الحسين عليه السلام لا يشعر بشيء حتى لقي الأعراب، فسألهم فقالوا: لا والله ما ندري، غير أنَّا لا نستطيع أن نلج أو نخرج. فسار تلقاء وجهه عليه السلام . 
 
فقد أتاه زهير بن القين، وما لبث أن جاء مستبشراً قد أشرق وجهه، فأمر بفسطاطه وثقله ورحله ومتاعه فقوض وحمل إلى الحسين عليه السلام ، ثم قال لامرأته:
 


1- مثير الأحزان، ابن نما الحلي ص 30 و31. وتجارب الأمم، ج2، ص57، وأنساب الأشراف، ج3، ص378، والأخبار الطوال، ص245و246، وتذكرة الخواص، ص221. الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 72. تاريخ الطبري، الطبري ج 4ص298.
2- الإرشاد، 203، تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 298. 
3- الأخبار الطوال، ص246. 
4- معجم البلدان، ج2، ص370.
5- الفتوح لإبن الأعثم، ج5، ص122. 
6- موضع على طريق حاج الكوفة بين الثعلبية والخزيمية. " معجم البلدان 3: 139".
7- مثير الأحزان، ص47، وروضة الواعظين، ص153، ومقتل الخوارزمي، ج1، ص323ن عن ابن أعثم والكامل لابن الأثير، ج3، ص277، تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 298، الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 73. 
8- موضع في طريق مكة إلى العراق " معجم البلدان 5: 354


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
136

131

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

 أنت طالق، الحقي بأهلك، فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير، فإني قد وطنت نفسي على الموت مع الحسين عليه السلام . ثم قال لمن كان معه من أصحابه: من أحب منكم (الشهادة فليقم، ومن كرهها فليتقدم) أن يتبعني وإلا فإنه آخر العهد إني سأحدثكم حديثاً: غزونا بلنجر 1 ففتح الله علينا وأصبنا غنائم، فقال لنا سلمان الفارسي رضي الله عنه: أفرحتم بما فتح الله عليكم وأصبتم من المغانم ؟ فقلنا: نعم ! فقال لنا: إذا أدركتم سيد شباب آل محمّد فكونوا أشد فرحاً بقتالكم معهم مما أصبتم من الغنائم. فأما أنا فإني أستودعكم الله. 

 
فلم يقم معه منهم أحد، وخرجوا مع المرأة وأخيها حتى لحقوا بالكوفة 2
 
وكان زهير موالياً لأهل البيت عليهم السلام يتكتم ولا يظهر ذلك، حتى لقد شبهه الإمام بمؤمن آل فرعون 3. ولم يكن عثمانياً كما يُستوحى من بعض المؤرخين 4، الذين نقلوا الرواية عن مجهولين(رجل من بني فزارة)، بل نفس هذه النصوص تدل على أنه كان موالياً لأهل البيت عليه السلام ، فقد قال: (أفلستَ تستدل بموقفي هذا أني منهم؟) ولم يقل: أصبحت منهم!! عدا عن أن مواكبة الحسين عليه السلام في الطريق غير معقولة فقد غادر الإمام مكة قبل زهير بخمسة أيام على الأقل، فإذا كان الإمام قد جدّ السير نحو العراق لا يلوي على شيء فكيف يواكبه؟ إلا إذا جدّ زهير السير وبسرعة، والذي يريد أن يقضي حجه ويلحق بالإمام في نفس الوقت، فعليه أن يجدّ السير ويرقل بناقته ومع ذلك فهو لن يستطيع أن يدركه إلا في زرود، فيكون زهير قد جدّ السير لا أنه واكبه فإذا نزل مشى وإذا مشى نزل!!! 
 
فهنا نسأل: لماذا يجدّ السير؟ هل إلا ليلحق بالإمام ؟. 
 
 

1- وهي مدينة ببلاد الروم. انظر: معجم ما استعجم 1: 376.
2- تاريخ الطبري 5: 396، الكامل في التاريخ 4: 42، ومختصرا في مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 1: 225، عن أحمد بن اعثم. الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 72. الأخبار الطوال، الدينوري، ص 246و247.
3- تاريخ الطبري، ج3، ص319، وإبصار العين، ص165- 166. 
4- الطبري، ج3، ص314، وأنساب الأشراف، ج3، ص378- 379. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
137

132

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

 كما أن حوار زهير مع زوجته حينما قرر الإلتحاق يكشف عن حب عميق لأهل البيت عليه السلام والحسين عليه السلام . وأنه كان يعلم بالوقعة وبأن الإمام عليه السلام سوف يستشهد.

 
ووصل الإمام عليه السلام إلى الثعلبية وتقع على ثلثي الطريق من مكة إلى العراق 1، حيث علم هناك بشهادة مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة 2
 
فقد روى عبد الله بن سليمان والمنذر بن المشمعل الأسديان قالا: لما قضينا حجنا لم تكن لنا همة إلا اللحاق بالحسين عليه السلام في الطريق، لننظر ما يكون من أمره، فأقبلنا ترقل3 بنا نياقنا مسرعين حتى لحقنا بزرود، فلما دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين عليه السلام ، فوقف الحسين كأنه يريده ثم تركه ومضى، ومضينا نحوه، فقال أحدنا لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا لنسأله فإن عنده خبر الكوفة، فمضينا حتى انتهينا إليه فقلنا: السلام عليك ! 
 
فقال: وعليكم السلام ! 
 
قلنا: ممن الرجل ؟ 
 
قال: أسدي ! 
 
قلت: ونحن أسديان ! فمن أنت ؟ 
 
قال: أنا بكر بن فلان ! 
 
وانتسبنا له ثم قلنا له: أخبرنا عن الناس وراءك، قال: نعم، لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة، ورأيتهما يجران بأرجلهما في السوق. فأقبلنا حتى لحقنا الحسين صلوات الله عليه فسايرناه حتى نزل الثعلبية ممسياً،
 
 

1- معجم البلدان، ج2، ص78. 
2- تاريخ الطبري، ج3، ص302- 303. 
3- أرقلت في سيرها: أسرعت، مجمع البحرين، رقل:ج 5 ص 385.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
138

133

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

 فجئناه حين نزل فسلمنا عليه فرد علينا السلام، فقلنا له: رحمك الله، إن عندنا خبراً إن شئت حدثناك علانيةً، وان شئت سراً ! 

 
فنظر إلينا وإلى أصحابه ثم قال: " ما دون هؤلاء ستر" 
 
فقلنا له: رأيت الراكب الذي استقبلته عشي أمس ؟ 
 
قال: نعم، وقد أردت مسألته !
 
فقلنا: قد والله استبرأنا لك خبره، وكفيناك مسألته، وهو امرؤ منا ذو رأي وصدق وعقل، وإنه حدّثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم وهانيء، ورآهما يجران في السوق بأرجلهما !! 
 
فقال: " إنّا لله وإنّا إليه راجعون، رحمة الله عليهما " يردّد ذلك مراراً ! 
 
فقلنا له: ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك إلا انصرفت من مكانك هذا، فإنه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة، بل نتخوف أن يكونوا عليك. فنظر إلى بني عقيل فقال: " ما ترون ؟ فقد قتل مسلم " 
 
فقالوا: والله لا نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق ! 
 
فأقبل علينا الحسين عليه السلام وقال: " لا خير في العيش بعد هؤلاء " !!
 
فعلمنا أنه قد عزم رأيه على المسير، فقلنا له: خار الله لك ! 
 
فقال: رحمكما الله.
 
فقال له بعض أصحابه: إنك والله ما أنت مثل مسلم ابن عقيل، ولو قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع !! فسكت !!
 
ثم انتظر حتى إذا كان السحر قال لفتيانه وغلمانه: " اكثروا من الماء " فاستقوا وأكثروا ثم ارتحلوا 1
 
 

1- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 299و300.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
139

134

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

 فسار حتى انتهى إلى زبالة 1، وهناك وافاه بها رسول محمّد بن الأشعث بما كان سأله مسلم أن يكتب به إليه من أمره، وخذلان أهل الكوفة إياه، بعد أن بايعوه، وقد كان مسلم سأل محمّد بن الأشعث ذلك. فلما قرأ الكتاب استيقن بصحة الخبر، وأفظعه قتل مسلم بن عقيل، وهانيء ابن عروة. ثم أخبره الرسول بقتل قيس بن مسهر رسوله الذي وجهه من بطن الرمة 2.

 
والمشهور هو أن الإمام الحسين عليه السلام سرّح عبدالله بن يقطر إلى مسلم بن عقيل بعد خروجه من مكة في جواب كتاب مسلم إلى الإمام، الذي أخبره فيه باجتماع الناس وسأله فيه القدوم إلى الكوفة، فقبض عليه الحصين بن نمير 3.
 
 ولكن هناك رواية تقول إن الذي أرسله الحسين عليه السلام هو قيس بن مسهّر... وإن عبد الله بن يقطر بعثه الحسين مع مسلم، فلما أن رأى مسلم الخذلان قبل أن يتم عليه ما تم بعث عبد الله إلى الحسين يخبره بالأمر الذي انتهى، فقبض عليه الحصين وصار ما صار عليه من الأمر الذي ذكرناه" 4
 
فأخرج إلى الناس كتاباًً فقرأه عليهم: " بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد: فإنّه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل، وهانيء بن عروة، وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا، فمن أحب منكم الإنصراف فلينصرف غير حرج، ليس عليه ذمام ".
 
وكان الإمام الحسين عليه السلام لا يمر بأهل ماء إلا أتبعوه حتى انتهى إلى زبالة، فتفرق الناس عنه وأخذوا يميناً وشمالاً، حتى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة، ونفر يسير ممن انضووا إليه. وإنما فعل ذلك لأنه عليه السلام علم أن الأغراب الذين أتبعوه إنما أتبعوه وهم يظنون أنه يأتي بلداً قد استقامت له طاعة
 
 

1- زبالة: منزل بطريق مكة من الكوفة. " معجم البلدان 3: 129.
2- الأخبار الطوال، ص 247-248.
3- راجع الإرشاد، 203. وتاريخ الطبري، ج3، 303. 
4- إبصار العين، 94.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
140

135

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

  أهله، فكره أن يسيروا معه إلآ وهم يعلمون على ما يقدمون، وقد علم أنهم إذا بين لهم لم يصحبه إلَّا من يريد مواساته والموت معه، فلما كان من السحر أمر فتيانه فاستقوا الماء وأكثروا، ثم سار حتى مر ببطن العقبة فنزل بها 1

 
وهكذا، صمّم عليه السلام على المضي والمسير نحو الكوفة، حتى ولو عبّر بأنه لا خير في العيش بعد شباب بني عقيل أو استجابة للرغبة في الثأر عند هؤلاء... ولكن موقفه الحقيقي كان الاندفاع نحو الأمام لتحقيق المواجهة التاريخية بين الحق والباطل 2
 
وأقبل الحسين عليه السلام حتى نزل شراف فلما كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا، ثم ساروا منها حتى انتصف النهار تقريباً، فظهرت في الأفق رايات الجيش الأموي بقيادة الحر بن يزيد الرياحي، فتياسر الإمام عليه السلام إلى جبل اسمه ذو حُسَم، كي يضعه خلفه ويواجه القوم. فنزل الحسين فأمر بأبنيته فضربت.
 
وسرعان ما تواجه الجيشان في حرِّ الظهيرة، ألف فارس من أهل العراق وقلة قليلة مع الإمام عليه السلام معتمون متقلدو أسيافهم، فقال الحسين عليه السلام لفتيانه: 
اسقوا القوم وارووهم من الماء ورشفوا الخيل ترشيفاً !!
 
فقام فتيانه وسقوا القوم من الماء حتى أرووهم، وأقبلوا يملؤن القصاع والأتوار والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس، فإذا عبَّ، فيه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه وسقوا آخر، حتى سقوا الخيل كلها !!
 
وكان مجيء الحر بن يزيد من القادسية، حيث الجيش الأموي بقيادة الحصين بن نمير التميمي الذي كان على شرطة عبيدالله بن زياد، وأمره أن ينزل القادسية
 
 

1- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 300، والخوارزمي في مقتل الحسين عليه السلام 1: 228، وذكره أبو الفرج في مقاتله ص 110 مختصرا، ونقله العلامة المجلسي في البحار 44: 372. الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 75. الأخبار الطوال، الدينوري صفحة 248. 
2- الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية، ص115، دار صادر. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
141

136

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

  وأن يضع المسالح فينظم ما بين القطقطانة إلى خفان، ولم يصرّح الحر للإمام عليه السلام بمهمته حتى انقضى حيّز من النهار صلّى فيه الإمام عليه السلام الظهر والعصر. 


وحينما حضرت صلاة الظهر خرج الحسين عليه السلام في إزار ورداء ونعلين فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: 
"أيّها الناس، إنّها معذرة إلى الله عز وجل وإليكم، إنّي لم آتكم حتى أتتني كتبكم، وقدمت عليّ رسلكم، أن اقدم علينا فإنّه ليس لنا إمام، لعل الله يجمعنا بك على الهدى، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم، فإن تعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم أقدم مصركم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه اليكم".

فسكتوا عنه، فقال الحسين عليه السلام للحر: أتريد أن تصلي بأصحابك ؟ 

قال: لا ! بل تصلي أنت ونصلي بصلاتك !

فصلّى بهم الحسين عليه السلام ، ثم دخل خيمته واجتمع إليه أصحابه، وانصرف الحر إلى مكانه الذى كان به، فلما كان وقت العصر أمر الحسين عليه السلام أن يتهيؤا للرحيل، ثم خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر، فصلّى بالقوم، ثم سلم وانصرف إلى القوم بوجهه مخاطباً الجموع التي كانت مع الحر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: 
"أمّا بعد، أيّها الناس، فإنّكم إن تتقوا وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان، وإن أنتم كرهتمونا وجعلتم حقّنا وكان رأيكم غير ما أتتني كتبكم وقدمت به عليّ رسلكم انصرفت عنكم" 

فقال له الحر بن يزيد: إنا والله ما ندرى ما هذه الكتب التي تذكر !!

فقال الحسين عليه السلام : يا عقبة بن سمعان !! أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
142

137

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

إلي! فأخرج خرجين مملوءين صحفاً فنشرها بين أيديهم !! 

 
ولكن الظاهر أن هذا الخطاب كان بلا جدوى، فقد صرّح الحرّ للإمام بأنه يريد أن يُقْدِمه على ابن زياد، وقال: فإنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك !! وقد أمرنا إذا نحن لقيناك ألا نفارقك حتى نقدمك على عبيدالله ابن زياد !! 
 
رفض الإمام عليه السلام وقال للحر: الموت أدنى إليك من ذلك !!
 
ثم قام عليه السلام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: 
"إنّه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وإنّ الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت جداً، فلم يبق منها إلا صبابة كصبابة الاناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون أنّ الحق لا يعمل به، وأنّ الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإنّي لا أرى الموت إلا سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلا برما 1".
 
فقام زهير بن القين البجلي فقال لأصحابه: أتتكلمون أم أتكلم ؟؟ 
 
قالوا: لا !! بل تكلم !!
 
فحمد الله فأثنى عليه، ثم قال للإمام عليه السلام : قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله مقالتك، والله لو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين إلا أن فراقها في نصرك ومواساتك لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها!! 
 
فدعا له الحسين ثم قال له خيراً 2، ثم أمر قافلته بالإنصراف، فاعترضها جيش الحر، فوقع تلاسن بينه وبين الإمام عليه السلام .. ولما كثر الكلام بينهما قال له الحر: إني لم أومر بقتالك، وإنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة، فإذا أبيت فخذ طريقاً لا تدخلك الكوفة ولا تردك إلى المدينة، لتكون بيني وبينك نصفاً حتى أكتب إلى ابن زياد وتكتب أنت إلى يزيد بن معاوية، إن أردت أن تكتب إليه
 
 
 

1- في اللهوف ص 34 وفي معظم المصادرسعادة-. وفي تاريخ الطبري، ج 4 ص 305شهادة-.
2- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 304.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
143

138

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

 أو إلى عبيدالله بن زياد إن شئت !! فلعل الله إلى ذاك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلي بشيء من أمرك!! 

 
قال الإمام الحسين عليه السلام : فخذ ههنا 1.
 
كان الإمام عليه السلام يريد أن يدخل الكوفة حُرّاً وبالطريقة التي يختارها هو، وكان الحُرّ يريد أن يأخذه إليها أسيراً! بأمرٍ من ابن زياد! وكان هذا أصل الأخذ والرد بينهما، فقد ظل الإمام عليه السلام مصراً على التوجه نحو الكوفة، حتى بعد أن خيّره الحر بن يزيد في أن يتخذ طريقاًً لا تدُخله الكوفة ولا ترده إلى المدينة، فيذهب حيث يشاء بين ذلك، بل على رواية ابن أعثم، كان الإختيار أوسع، حيث شمل حتى الرجوع إلى المدينة إذا شاء، حين قال له الحر: "يا أبا عبد الله، إني لم أؤمر بقتال، وإنما أُمرتُ أن لا أفارقك أو أقدم بك على ابن زياد! وأنا والله كارهٌ أن يبتليني الله بشيء من أمرك، غير أني قد أخذتُ ببيعة القوم وخرجت إليك! وأنا أعلم أنه لا يوافي القيامة أحد من هذه الأمة إلا وهو يرجو شفاعة جدّك محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ! وأنا خائف إن قاتلتك أن أخسر الدنيا والآخرة! ولكن خذ عنّي هذا الطريق وامضِ حيث شئت! حتى أكتب على ابن زياد أن هذا خالفني في الطريق فلم أقدر عليه!.." 2
 
وعلى ذلك، فقد كان الإمام قادراً على العودة إلى المدينة، ولكنه أصرّ على التوجه إلى الكوفة 3، ولمَّا منعه الحر أن يدخلها إلاّ أسيراً، لم يبق أمامه عليه السلام إلا التياسر، فلا يستسلم للحر ولا يريد العودة إلى المدينة، وهذا الطريق هو الذي قاده إلى كربلاء 4
 
وهكذا أخذ الحسين عليه السلام يتياسر عن طريق العذيب والقادسية وبينه وبين
 
 

1- الأخبار الطوال، الدينوري 249 و251.
2- الفتوح، ج 5، 139. 
3- الفتوح لإبن الأعثم، ج5، ص134- 139. 
4- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 302و303و304. الإرشاد، ص206. أنساب الأشراف، ج3، ص380- 381.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
144

139

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

  العذيب ثمانية وثلاثون ميلاً، وسار في أصحابه والحر يسايره. 

 
وفي البيضة، وهي ما بين واقصة إلى العذيب 1، خطب الحسين أصحابه وأصحاب الحر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: 
"أيّها الناس إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحُرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيّر عليه بفعلٍ ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله !! 
 
ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ من غَيَّر! وقد أتتني كتبكم وقدمت عليّ رسلكم ببيعتكم، أنّكم لا تسلموني ولا تخذلوني، فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم ! فأنا الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهليكم، فلكم فيّ أسوة! وإن لم تفعلوا! ونقضتم عهدكم، وخلعتم بيعتي من أعناقكم، فلعمري ما هي لكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم! والمغرور من اغتر بكم! فحظكم أخطأتم، ونصيبكم ضيعتم! ومن نكث فإنّما ينكث على نفسه، وسيغني الله عنكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته" 2.
 
وأقبل الحر يساير الإمام الحسين عليه السلام وهو يقول له: إني أذكرك الله في نفسك، فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن، ولئن قوتلت لتهلكن فيما أرى !!
 
فقال له الحسين عليه السلام : 
أفبالموت تخوفني ؟؟ وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني؟ ما أدري ما أقول لك !! ولكن أقول كما قال أخو الأوس لابن عمه ولقيه وهو يريد نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال له: أين تذهب فإنك مقتول، فقال: 
 
 

1- معجم البلدان، ج1 ص532.
2- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 303.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
145

140

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

 سأمضي وما بالموت عار على الفتى             إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلماً

وآسى الرجال الصالحين بنـفسه                وفارق مثبـوراً يغـش ويرغما 
 
فلما سمع ذلك منه الحر تنحى عنه، وكان يسير بأصحابه في ناحية والإمام الحسين عليه السلام في ناحية أخرى 1، حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات 2، فإذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة، فأقبل إليهم الحر بن يزيد فقال: إنّ هؤلاء النفر الذين من أهل الكوفة ليسوا ممن أقبل معك وأنا حابسهم أو رادهم !
 
فقال له الحسين عليه السلام : لأمنعنّهم مما أمنع منه نفسي !! إنما هؤلاء أنصاري وأعواني!! وقد كنت أعطيتني ألا تعرض لي بشيء حتى يأتيك كتاب من ابن زياد!! 
 
فقال الحر: أجل !! لكن لم يأتوا معك !
 
قال الحسين عليه السلام : هم أصحابي وهم بمنزلة من جاء معي !! فإن تممت على ما كان بيني وبينك وإلا ناجزتك!!
 
فكف عنهم الحر. 
 
ثم قال لهم الحسين عليه السلام : أخبروني خبر الناس وراءكم !!
 
فقال له مجمع بن عبد الله العائذي: أما أشراف الناس فقد أعظمت رشوتهم، وملئت غرائرهم، يستمال ودّهم، ويستخلص به نصيحتهم، فهم ألب واحد عليك!! وأما سائر الناس بعد، فإن أفئدتهم تهوي إليك، وسيوفهم غداً مشهورة عليك !
 
فقال الحسين عليه السلام : أخبرني ! فهل لكم برسولي إليكم ؟
 
قالوا: من هو ؟
 
قال: قيس بن مسهر الصيداوي!! 
 
فقالوا: نعم ! أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى ابن زياد، فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك فصلّى عليك وعلى أبيك ولعن ابن زياد وأباه، ودعا إلى نصرتك
 
 
 

1- الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 81.
2- معجم البلدان، ج4 ص92.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
146

141

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

  وأخبرهم بقدومك، فأمر به ابن زياد فأُلقي من طمار القصر!!

 
فترقرقت عينا الحسين عليه السلام ولم يملك دمعه !! ثم قال: "منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً، اللهم اجعل لنا ولهم الجنة نزلاً واجمع بيننا وبينهم في مستقرٍ من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك" 1
 
ثم دنا الطرماح بن عديّ من الحسين عليه السلام فقال له: والله إني لأنظر فما أرى معك أحداًً! ولو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم، وقد رأيتُ قبل خروجي من الكوفة إليك بيومٍ ظهرَ الكوفة وفيه من الناس ما لم ترَ عيناي في صعيد واحدٍ جمعاً أكثر منه! فسألتُ عنهم فقيل: اجتمعوا ليُعرَضوا، ثم يُسرَحون إلى الحسين!
 
فأنشدك اللهَ إن قدرت على ألا تقدم عليهم شبراً إلا فعلت! فإن أردت أن تنزل بلداً يمنعك الله به حتى ترى من رأيك ويستبين لك ما أنت صانعٌ فسِرْ حتى أنزلك مناع جبلنا الذي يُدعى (أجأ). 
 
أمتنعنا والله به من ملوك غسان وحمير، ومن النعمان بن المنذر، ومن الأسود والأحمر، والله إن دخل علينا ذُلٌّ قطُّ!!
 
فأسير معك حتى أُنزلك القُرَيَّة 2، ثم نبعث إلى الرجال ممن بأجأ وسلمى 3 من طيء، فوالله لا يأتي عليك عشرة أيام حتى يأتوك رجالاً وركباناً! ثم أقم فينا ما بدا لك، فإن هاجك هيجٌ فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم! والله لا يوصَل إليك أبداًً ومنهم عينٌ تطرف! فقال له عليه السلام : 
"جزاك الله وقومك خيراًً، إنه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قولٌ لسنا نقدر
 
 

1- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 306.
2- القُرَيَّة: تصغير قرية، مكان في جبليْ طيء مشهورراجع: معجم البلدان، 4، 340-. 
3- وهو أحد جبليْ طيء، وهما أجأُ وسلمى، وهو جبل وعرٌ، به وادٍ يقال له رك، به نخلٌ وآبار مطوية بالصخر طيبة الماء.معجم البلدان، 3، 238-. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
147

142

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

 معه على الإنصراف! ولا ندري علام تنصرف بنا وبهم الأمور في عاقبة!" 1

 
قال الطرماح بن عدي: فودعته، وقلت له: دفع الله عنك شرَّ الجن والإنس، إني قد أمرتُ لأهلي من الكوفة ميرة، ومعي نفقة لهم، فآتيهم فأضع ذلك فيهم، ثم أقبل إليك إن شاء الله، فإن ألحقك فوالله لأكوننّ من أنصارك! 
 
قال عليه السلام : فإن كنت فاعلاً فعجّل رحمك الله! 
 
قال الطرماح: فعلمتُ أنه مستوحشٌ إلى الرجال حتى يسألني التعجيل! فلمّا بلغتُ أهلي وضعت عندهم ما يُصلحهم وأوصيتُ ! فأخذ أهلي يقولون: إنك لتصنع مرَّتَكَ هذه شيئاًً ما كنت تصنعه قبل اليوم!؟ فأخبرتهم بما أريد، فأقبلتُ في طريق بني ثُعَل حتى إذا دنوتُ من عُذيب الهجانات استقبلني سماعة بن بدر فنعاه إليَّ! فرجعت" 2
 
إصرار الإمام على المسير بعد علمه بانقلاب الوضع في الكوفة
 
بعد انقلاب أهل الكوفة على مسلم بن عقيل وخذلانهم إياه، انتفت عملياً وانتهت تماماً حجّتهم التي ألزموا الإمام عليه السلام بها بما أرسلوا من رسائل وبالبيعة التي بايعوها لمسلم، ومع ذلك فلم يُعرض الإمام عليه السلام عن التوجه إلى العراق بعد وصول خبر مقتل مسلم وهاني وعبد الله بن يقطر، بل أصرّ على التوجه إليهم، وواصل الإحتجاج عليهم برسائلهم وبيعتهم !! فها هو يقول لمن يقابله في الطريق:"هذه كتب أهل الكوفة إليَّ ولا أراهم إلا قاتليَّ...!" 3، ويقول للطرمّاح وقد سأله أن يلجأ إلى جبل أجأ: "إن بيني وبين القوم موعداً أكره أن أخلفهم! فإن يدفع الله عنا فقديماً ما أنعم علينا وكفى، وإن يكن ما لابد منه ففوزٌ وشهادة إن شاء
 
 
 

1- وفي مثير الأحزان، 40/ "فقال: إن بيني وبين القوم موعداً أكره أن أُخلفهم! فإن يدفع الله عنا فقديماً ما أنعم علينا وكفى، وإن يكن ما لابد منه ففوزٌ وشهادة إن شاء الله".
2- تأريخ الطبري، 3، 308. 
3- تاريخ ابن عساكرترجمة الإمام الحسين عليه السلام / تحقيق المحمودي-، 211، رقم266، وانظر سير أعلام النبلاء، 3، 305. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
148 
 

143

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

  الله..1 وفي نص آخر: "إنه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قولٌ لسنا نقدر معه على الإنصراف.." 2

 
فهل كان الإمام عليه السلام يراهن على قدرته الشخصية على التأثير على أهل الكوفة لو دخلها هو شخصياً وخاطب أهلها مباشرة، بحيث أنهم سيلتفّون حوله ويسارعون إلى نصرته ؟ بناءً على أن مسلم بن عقيل لا يملك قدرة الإمام عليه السلام في هذا المجال ؟؟
 
ولعل هذه الفكرة طرأت على ذهن أحد أصحاب الإمام عليه السلام حين قال له: "إنك والله ما أنت مثل مسلم بن عقيل، ولو قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع..." 3، ولذا واصل الإمام الإصرار على التوجه إلى الكوفة ؟ 
 
أم أن الإمام عليه السلام كان يعلم منذ البدء أن أهل الكوفة سوف يخذلونه ويقتلونه، لعلمه بما سيؤول إليه موقف أهل الكوفة من قبل ذلك، فهو يعلم بما كان وبما سيكون إلى قيام الساعة، أو لأن أنباء أهل الكوفة، بعد مقتل مسلم، قد تواترت إليه بسرعة مؤكدة على أن ابن زياد قد عبّأهم لقتاله وأنهم أصبحوا إلباً عليه، وفي عذيب الهجانات لم يعد ثمّة شكّ في أن الكوفة قد انقلبت على عهدها مع الإمام عليه السلام رأساً على عقب، بل وقد عبّأها ابن زياد عن بكرة أبيها واستعرض عساكرها ليُسرّح بهم إلى الحسين عليه السلام . 
 
فيكون الإمام عليه السلام قد واصل طريقه، وأصرّ على التوجه إلى الكوفة، لا لأن لأهل الكوفة حجة باقية عليه، بل وفاءً منه بوعده والقول الذي أعطاه، وحتى لا يقول واحد من الناس أنه لم يفِ تماماً بالعهد، لو أنه انصرف عن التوجه إلى الكوفة في بعض مراحل الطريق، حتى بعد أن أغلق جيش الحرّ دونه الطريق إليها، ذلك لأن
 
 
 

1- مثير الأحزان، 39. 
2- تاريخ الطبري، 3، 308. 
3- الإرشاد، 204. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
149

144

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

 الإمام عليه السلام أراد أن يتم حجّته على أهل الكوفة، ولم يشأ أن يدع لهم أيّة مؤاخذة عليه يمكن أن يتذرّعوا بها لو أنه كان قد انصرف عن التوجه إليهم أثناء الطريق، لأنهم يمكن أن يدّعوا أن الأخبار التي بلغت الإمام عليه السلام عن حال الكوفة لم تكن صحيحة أو دقيقة! وأن أنصاراً له كثيرين فيها كانوا ينتظرونه في خفاء عن رصد السلطة!


إن إصرار الإمام على التوجه إلى العراق، رغم علمه بالإنقلاب الحاد في موازين القوى لمصلحة الأمويين، يدل على أن رسائل أهل الكوفة إلى الإمام الحسين عليه السلام ودعوتهم إليه لم تكن هي السبب الرئيس في توجهه نحو العراق، بل كان السبب الرئيس وراء إصراره على التوجه نحو العراق هو علمه المسبق بأنه ما لم يبايع، مقتول لا محالة، حتى لو كان في جحر هامة من هوام الأرض، بل كان عليه السلام يعلم أن أهل الكوفة قاتلوه، "هذه رسائل أهل الكوفة إليّ ولا أراهم إلا قاتليّ!". ولذلك كان عليه أن يختار بنفسه أرض مصرعه، ولم يكن أفضل من أرض العراق للمصرع المحتوم الذي لا بُدّ منه، لما ينطوي عليه العراق من استعدادات للتأثر بواقعة المصرع، والتغيّر، حيث ستهُبّ من هناك، بعد مقتله، عواصف التغيير والتحولات الكبرى التي لا تهدأ حتى تُسقط دولة الأمويين، والتي سوف يتحقق فيها الفتح الحسيني!

إذن، عندما قال الإمام عليه السلام في خطبته بعد صلاة الظهر: "... وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلتُ منه إليكم"، وفي خطبته بعد صلاة العصر: "وإن كرهتمونا وجهلتم حقنا، وكان رأيكم غير ما أتتني كتبكم وقدمت به عليَّ رسلكم انصرفت عنكم!"، لم يقصد التخلّي عن ثورته، بل قصد القيام بالانتقال في ثورته من موقع إلى موقع، فإذا كان لا يمكنه أن يدخل الكوفة إلا أسيراً، فيمكن الآن عدم التوجه إليها، وهذا لا يعني تخليه عن مواصلة الثورة، بل يعني تغيير مسار كة الثورية الحسينية إلى جهة أخرى، والالتفاف

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
150

145

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

 على الطوق العسكري الذي فرضه عليه ابن زياد، سواء بالعودة إلى مكة المكرمة أو المدينة المنورة أو الذهاب إلى اليمن أو أي مكان آخر، خصوصاً وأن أي اشتباك بعيداً عن استكمال الحجة سوف يكون خسارة للثورة الحسينية وأهدافها. 


في قصر بني مقاتل

ثم مضى الحسين عليه السلام حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل، فنزلوا جميعاً هناك، فإذا هو بفسطاط مضروب، فسأل عنه، فأخبر أنه لعبيد الله بن الحر الجعفي، وكان من أشراف أهل الكوفة وفرسانهم، فأرسل الحسين عليه السلام إليه بعض مواليه، فأقبل حتى دخل عليه في فسطاطه فسلّم عليه فردّ عليه السلام ثم قال: ما وراءك؟ 

فقال: واللهِ قد أهدى الله إليك كرامة إن قبلتها! 

قال: وما ذاك؟ 

فقال: هذا الحسين بن علي عليه السلام يدعوك إلى نصرته! فإن قاتلت بين يديه أُجرتَ، وإن متَّ فإنك استشهدت! 

فقال له عبيد الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله ما خرجت من الكوفة إلا كراهية أن يدخلها الحسين وأنا فيها فلا أنصره، لكثرة من رأيته خرج لمحاربته وخذلان شيعته، فعلمت أنه مقتول ولا أقدر على نصره، لأنه ليس له في الكوفة شيعة ولا أنصار إلا وقد مالوا إلى الدنيا إلا من عصم الله منهم! فارجع إليه وخبّره بذاك. والله ما أريد ولست أحب أن أراه ولا يراني ؟ 

فأقبل إلى الحسين عليه السلام فخبّره بذلك، فصار الحسين عليه السلام إليه في جماعة من إخوانه، فلما دخل وسلَّم وثب عبيد الله بن الحر من صدر المجلس، وجلس الحسين فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
 "أما بعد يا ابن الحرّ، فإن أهل مصركم هذه كتبوا إلي وخبّروني أنهم مجتمعون على نصرتي، وأن يقوموا دوني ويقاتلوا عدوّي، وإنهم سألوني القدوم عليهم
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
151

146

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

 فقدمتُ، ولست أدري القوم على ما زعموا، فإنهم قد أعانوا على قتل ابن عمي مسلم بن عقيل وشيعته! وأجمعوا على ابن مرجانة عبيد الله بن زياد مبايعين ليزيد بن معاوية!

 
وأنت يا ابن الحر، فاعلم أن الله عز وجل مؤاخذك بما كسبت وأسلفت من الذنوب في الأيام الخالية 1، وأنا أدعوك في وقتي هذا إلى توبة تغسل بها ما عليك من الذنوب، أدعوك إلى نصرتنا اهل البيت، فإن أعطينا حقّنا حمدنا الله على ذلك وقبلناه، وإن منعنا حقنا ورُكبنا بالظلم كنت من أعواني على طلب الحق". 
 
فقال عبيد الله بن الحر: والله يا ابن بنت رسول الله، لو كان لك بالكوفة أعوان يقاتلون معك لكنتُ أشدّهم على عدوّك! ولكني رأيتُ شيعتك بالكوفة وقد لزموا منازلهم خوفاً من بني أمية ومن سيوفهم! 
 
والله إني لأعلم أن من شايعك كان السعيد في الآخرة، ولكن ما عسى أن أغني عنك، ولم أخلف لك بالكوفة ناصراً، فأنشدك الله أن تطلب منّي هذه المنزلة! فإن نفسي لم تسمح بعد بالموت، وأنا أواسيك بكل ما أقدر عليه، وهذه فرسي ملجمة، والله ما طلبت عليها شيئاًً إلا أذقته حياض الموت، ولا طُلبتُ وأنا عليها فلُحقتُ، وخذ سيفي هذا فوالله ما ضربت به إلا قطعتُ!
 
فقال له الحسين عليه السلام :" يا ابن الحرّ، ما جئناك لفرسك وسيفك! إنما أتيناك لنسألك النصرة، فإن كنت قد بخلت علينا بنفسك فلا حاجة لنا في شيء من مالك! ولم أكن بالذي اتخذ المضلّين عضداً، فإن لم تنصرنا فاتق الله أن تكون ممن يقاتلنا، والله لا
 
 
 

1- كان عبيد الله بن الحر الجعفي عثماني الهوى، ولأجله خرج إلى معاوية وحارب علياً عليه السلام يوم صفّين، وروى الطبري أخباراً في تمرد هذا الرجل على الشريعة بنهبه الأموال وقطعه الطرق. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
152

147

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

 يسمع واعيتنا 1 أحد ثم لا ينصرنا إلا هلك، لأني قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: من سمع داعية أهل بيتي ولم ينصرهم على حقّهم إلا أكبّه الله على وجهه في النار". 

 
فقال: أما هذا فلا يكون أبداً إن شاء الله، ثم سار الحسين عليه السلام من عنده، ورجع إلى رحله" 2
 
ولما كان في آخر الليل أمر عليه السلام فتيانه بالإستقاء من الماء، ثم أمر بالرحيل، فارتحل من قصر بني مقاتل ليلاً، ومعه الحر بن يزيد، كلما أراد أن يميل نحو البادية منعه، وبعد أن سار الحسين عليه السلام ساعة خفق وهو على ظهر فرسه خفقة ثم انتبه، وهو يقول: " إنّا لله وإنّا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين " 
 
ففعل ذلك مرتين أو ثلاثاً، فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين عليه السلام على فرس فقال: ممَّ حمدت الله واسترجعت ؟ 
 
فقال: " يا بنيّ، إنيّ خفقت خفقة فعنَّ لي فارس على فرس وهو يقول: القوم يسيرون، والمنايا تسير إليهم، فعلمت أنّها أنفسنا نعيت إلينا " 
 
فقال له: يا أبت لا أراك الله سوءاً، ألسنا على الحق ؟ 
 
قال: " بلى، والّذي إليه مرجع العباد " 
 
قال: فإننا إذاً لا نبالي أن نموت محقين(وقع الموت علينا أم وقعنا على الموت) فقال له الحسين عليه السلام: " جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده" 3
 
 

1- الواعية: الصارخة. " الصحاح - وعى - 6: 2526 "
2- الفتوح، 5، 129- 132، وعنه مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، 1، 324- 326، تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 308. أنساب الأشراف، 3، 384، إبصار العين، 151-152، نقلاً عن خزانة الأدب الكبرى، 2، 158 بتفاوت. الأخبار الطوال- الدينوري ص 249و251. اإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 81. 
3- اللهوف في قتلى الطفوف، ص30، مقتل الحسين للخوارزمي، ج1، ص324، الفتوح لإبن الأعثم، ج5، ص123، سير أعلام النبلاء للذهبي، ج2، ص298، تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 309، الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 82، ومناقب آل أبي طالب، ج4، ص95. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
153

148

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

 فلمّا أصبح نزل فصلّى الغداة، ثمّ عجّل الركوب فأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرقهم، فيأتيه الحرّ فيردّه وأصحابه، فجعل إذا ردّهم نحو الكوفة ردَّاً شديداًً امتنعوا عليه وارتفعوا فلم يزالوا يتياسرون كذلك حتى انتهوا إلى نينوى 1

 
فإذا راكب على نجيب له وعليه السلاح متنكب قوساً مقبل من الكوفة، فوقفوا جميعاً ينتظرونه، فلما انتهى إليهم سلَّم على الحر بن يزيد وأصحابه ولم يسلم على الحسين عليه السلام وأصحابه، فدفع إلى الحر كتاباً من عبيدالله بن زياد فإذا فيه: 
أمّا بعد، فجعجع 2 بالحسين بن علي وأصحابه بالمكان الذي يوافيك كتابي ويقدم عليك رسولي، فلا تنزله إلا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري، والسلام. 
 
فلما قرأ الكتاب قال لهم الحر: هذا كتاب الأمير عبيدالله ابن زياد يأمرني فيه أن أجعجع بكم في المكان الذى يأتيني فيه كتابه، وهذا رسوله وقد أمره أن لا يفارقنى حتى أنفذ رأيه وأمره 3 ولا بد من الانتهاء إلى أمره، فانزل بهذا المكان، ولا تجعل للأمير عليَّ علّة. 
 
فنظر أبو الشعثاء الكندي إلى رسول عبيدالله بن زياد، فعنَّ له، فقال: أمالكُ بن النسير البدي ؟؟ قال: نعم !! وكان أحد كندة.
 
فقال له: ثكلتك أمك !! ماذا جئت فيه ؟ 
 
قال: وما جئت فيه ؟؟ أطعت إمامي ووفيت ببيعتي !!
 
فقال له أبو الشعثاء: عصيت ربك !! وأطعت إمامك في هلاك نفسك!! كسبت العار والنار!! قال الله عز وجل: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ 
 
 

1- الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 83. تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 308.
2- جعجع القوم أي أناخوا بالجعجاع وهو ما غلظ من الأرض. وفي الصحاح، 3: 1196: جعجع: كتب عبيدالله بن زياد إلى عمر بن سعد: أن جعجع بحسين. قال الأصمعي: يعني احبسه، وقال ابن الأغرابي: يعني ضيق عليه.
3- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 308.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
154

149

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

 لَا يُنصَرُونَ1، فإمامك منهم. وأخذ الحر بن يزيد الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه وأهل بيته بالنزول في ذلك المكان على غير ماءٍ ولا في قرية. 

 
فقالوا: دعنا ننزل في هذه القرية، يعنون نينوى، أو هذه القرية، يعنون الغاضرية، أو هذه الأخرى، يعنون شفية!! 
 
فقال: لا والله ما أستطيع ذلك !! هذا رجل قد بعث إليَّ عيناً!! 
 
فقال زهير بن القين للإمام الحسين عليه السلام : إني والله ما أراه يكون بعد هذا الذي ترون إلا أشد مما ترون، بأبي وأمي يا ابن رسول الله، والله لو لم يأتنا غير هؤلاء لكان لنا فيهم كفاية، فكيف بمن سيأتينا من غيرهم ؟ فهلم بنا نناجز هؤلاء، إن قتال هؤلاء أهون من قتال من يأتينا من بعدهم فلعمري ليأتينا من بعد ما ترى ما لا قبل لنا به 2!! 
 
فقال له الإمام الحسين عليه السلام : فإني أكره أن أبدأهم بقتال، ما كنت لابدأهم بالقتال حتى يبدأوا!! 
 
فقال له زهير بن القين: فهاهنا قرية بالقرب منَّا على شط الفرات، وهي في عاقول 3حصينة، الفرات يحدق بها إلا من وجه واحد. فإن منعونا قاتلناهم فقتالهم أهون علينا من قتال من يجيء من بعدهم فقال له الإمام الحسين عليه السلام : وأية قرية هي ؟؟
 
قال: هي العقر!! 
 
فقال الإمام الحسين عليه السلام : اللهم انى أعوذ بك من العقر !!
 
فقال الحسين للحر: سر بنا قليلاً، ثم ننزل. 
 
 

1- القصص، الآية 41.
2- الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 84.
3- عاقول الوادي ما اعوج منه، والأرض العاقول التي لا يهتدي إليها.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
155

150

الإمام الحسين عليه السلام يتحرك نحو العراق

 فسار معه حتى أتوا كربلاء، فوقف الحر وأصحابه أمام الحسين ومنعوهم من المسير، وقال: انزل بهذا المكان، فالفرات منك قريب. 

 
قال الحسين عليه السلام : وما اسم هذا المكان ؟ 
 
قالوا له: كربلاء. 
 
قال عليه السلام : ذات كربٍ وبلاء، ولقد مرَّ أبي بهذا المكان عند مسيره إلى صفين، وأنا معه، فوقف، فسأل عنه، فأخبر باسمه، فقال: "هاهنا محط ركابهم، وهاهنا مهراق دمائهم"، فسئل عن ذلك، فقال: " ثقل لآل بيت محمّد، ينزلون هاهنا". 
 
ثم أمر الحسين بأثقاله، فحطت بذلك المكان 1، وكان ذلك يوم الخميس، وهو اليوم الثاني من المحرم سنة إحدى وستين 2.
 
 
 

1- الأخبار الطوال، الدينوري ص 249 و251.
2- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 309. الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 84. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
156

151

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 
كربلاء
 
ذكر "ياقوت" أنها لفظة عربية مشتقة من "الكربلة"، وهي رخاوة في القدمين أي الرخوة، أو من التهذيب والنقاوة، أي الأرض المنقاة من الحصى والدغل. أو لأن فيها الكثير من نبات "الكربل" وهو اسم نبات الحمّاض 1
 
وذكر "الشهرستاني" أن كربلاء معرّبة من كور بابل أي (قرى بابلية)، وقال الكرملي إنها مؤلفة من كلمتين كرب وإل أي حرم الله. 
 
وكانت معروفة قبل الفتح العربي لبلاد ما بين النهرين، وقد ذُكرت في كتب التاريخ قبل الفتح 2. فهي قطعاً ليست لفظة عربية. 
 
فكربلا إذن من القرى القديمة كبابل وأربيل ونينوى، فلعل الاسم بابلي أو آرامي. ثم ورثها أمراء المناذرة وسكان الحيرة بحماية الفرس. وكانت منطقة زراعية تجبى عنها الثمار وتنيخ عنها القوافل. يحدها شرقاً نهر الفرات ومدينة بابل، فهي على مشارف البادية، ومن الشمال الغربي الأنبار، ومن الجنوب الغربي الحيرة عاصمة المناذرة. 
 
 

1- معجم البلدان، ج4، ص445، مراصد الاطلاع ج3، ص1154. 
2- الطبري، ج2، ص574 وبحار الأنوار ج44، ص259- 260، باب 31، ح11، معجم البلدان، ج4، ص419.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
157

152

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 وهي عبارة عن وهدة فسيحة محدودة بسلسلة تلال ممدودة وربوات متصلة من ثلاث جهات مدخلها الجهة الشرقية. 

 
ولها أسماء أخرى ذكرتها المصادرالتاريخية: مثل الطف أو الطفوف، وطف الفرات أي الشاطئ 1، ونينوى 2، والنواويس، وهي مقابر النصارى 3، والغاضرية.
 
من 2 محرَّم إلى فجر 10 محرَّم 61هـ
 
نزل الركب الحسيني أرض كربلاء في الثاني من المحرم سنة إحدى وستين للهجرة، وكان ذلك في يوم الخميس، على ما هو المشهور القويّ 4
 
وقد عبّر الإمام الحسين عليه السلام عن معرفته العميقة بالأرض وبالتاريخ حيث قال: " إنزلوا، هاهنا مناخ ركابنا، هاهنا تسفك دماؤنا، هاهنا والله تُهتك حريمنا، هاهنا والله تُقتل رجالنا، هاهنا والله تُذبح أطفالنا، هاهنا والله تُزار قبورنا، وبهذه التربة وعدني جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولا خُلف لقوله"، ثمّ نزل عن فرسه 5، وضُربت خيمة لأهله وبنيه، وضرب عشيرته خيامهم من حول خيمته 6، ثمّ بقية الأنصار. 
 
وأقبل الحر بن يزيد حتى نزل حذاء الحسين عليه السلام في ألف فارس ثم كتب إلى عبيد الله بن زياد يخبره أن الحسين نزل بأرض كربلاء 7
 
فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقّاص من الكوفة في أربعة
 


1- معجم البلدان ج4، ص35و 36. 
2- موسوعة العتبات المقدسة، ج8، ص23، وتاريخ الطبري، ج4، ص308. 
3- معجم البلدان ج5، ص254، ولسان العرب، ج6، ص245. 
4- الطبري، ج4، ص309، وابن الأثير، الكامل، ج3، ص282، والشيخ المفيد، الإرشاد، 253، البلاذري، أنساب، ج3، ص385. 
5- منتهى الآمال: ج1، ص617، تذكرة الخواص، ص225، الفتوح، ج5، ص149. اللهوف، ص35. 
6- الفتوح، ج5، ص149. 
7- الفتوح، ج5، ص150. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
158

153

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 آلاف فارس فنزل بنينوى 1 وهناك انضم إليه الحر بن يزيد الرياحي في ألف فارس، فصار في خمسة آلاف فارس، وما زال ابن زياد يرسل إليه بالعساكر حتى وصل عدد الجيش الذي استنفر لقتال الحسين عليه السلام إلى ثلاثين ألفاً ما بين فارس وراجل 2

 
عمر بن سعد يتولى قيادة الجيش الأموي
 
وافق عمر بن سعد بن أبي وقاص على تولي قيادة الجيش الأموي في كربلاء مقابل الوعد بولاية الري، ولم يستمع إلى نصائح الناصحين 3، وفضَّل النار في الآخرة مع ولاية الري في الدنياعلى الجنة. 
 
وكان عبيد الله بن زياد قد بعث عمر بن سعد على رأس أربعة آلاف فارس من أهل الكوفة إلى "دستبى" 4، وكانت الديلم قد خرجوا إليها وغلبوا عليها، وكتب إليه عهده على الريّ وأمره بالخروج، فخرج معسكراً بالناس بحمّام أعين، فلما كان من أمر الحسين عليه السلام ما كان وإقباله إلى الكوفة، دعا ابن زياد عمر بن سعد فقال له: سرْ إلى الحسين، فإذا فرغنا مما بيننا وبينه سرتَ إلى عملك.
 
فقال له عمر بن سعد: إن رأيت رحمك الله أن تعفيني فافعل! 
 
فقال عبيد الله بن زياد: نعم على أن ترد إلينا عهدنا!
 
فانصرف عمر يستشير نصحاءه! فلم يكن يستشير أحداًً إلا نهاه! فأقبل إلى ابن زياد، فقال له: أصلحك الله، إنك وليتني هذا العمل وكتبت لي العهد، وسمع به الناس، فإن رأيت أن تُنفذ لي ذلك فافعل، وابعث إلى الحسين في هذا الجيش من أشراف الكوفة من لستُ بأغنى ولا أجزأ عنك في الحرب منه. فسمّى له أناساً. 
 
 

1- الإرشاد، ص253، تاريخ الطبري، ج4، ص310، 309.. 
2- هكذا ذكره في الإرشاد وهو المروي عن الصادق عليه السلام. 
3- تاريخ الطبري، ج4، ص310، 309.
4- معجم البلدان، ج2، ص454. وهي كورة كبيرة، كانت مشتركة بين الري وهمذان، فقسمت كورتين، وتشتمل على قريب تسعين قرية.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
159

154

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 فقال له ابن زياد: لا تعلمني بأشراف الكوفة، ولستُ أستأمرك فيمن أريد أن أبعث! إن سِرتَ بجندنا وإلا فابعث إلينا بعهدنا. 

 
فلما رآه قد لجّ، قال: إنّي سائر!..." 1
 
وهكذا وافق عمر بن سعد على قيادة الحرب ضد الإمام الحسين عليه السلام برغم كل النواهي والتحذيرات التي سبق أن بلغت مسامعه الصمّاء، فقد روي أن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام قال له: كيف أنت إذ قُمتَ مقاماً تُخير فيه بين الجنة والنار فتختار النار!؟" 2
 
وروي أن عمر بن سعد قال يوماً للإمام الحسين عليه السلام : يا أبا عبد الله، إن قِبلنا ناساً سفهاء يزعمون أنّي أقتلك! فقال له الحسين عليه السلام : إنهم ليسوا بسفهاء ولكنهم حلماء، أما إنه تقرّ عيني أن لا تأكل من برّ العراق بعدي إلا قليلاًً!".
 
"وروى عبد الله بن شريك العامري، قال: كنت أسمع أصحاب علي عليه السلام إذا دخل عمر بن سعد من باب المسجد يقولون: هذا قاتل الحسين بن علي عليه السلام وذلك قبل أن يُقتل بزمان!". 
 
ولم يكن عمر بن سعد عبد الدنيا فحسب! بل كان ذا ميل وهوى أموي، فقد كان ممن يتقرّب إلى سلطانهم، وكان من جملة الذين كتبوا إلى يزيد بن معاوية في ضعف والي الكوفة النعمان بن بشير أو تضعّفه في مواجهة مسلم بن عقيل.
 
وكان قد نفّذ تعاليم ابن زياد تماماً في قتل الإمام الحسين عليه السلام وفي أن يوطئ الخيل صدره وظهره! 3
 
ولمّا لم ينل، بعد عاشوراء، من ابن زياد ما كان يأمله من ولاية الريّ، والزلفى من السلطان، خرج من مجلس ابن زياد يريد منزله إلى أهله وهويقول في طريقه:
 
 

1- تاريخ الطبري، ج4، ص309- 310. الأخبار الطوال، الدينوري ص 254.
2- الفتوح، ج5، ص151- 153. 
3- الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 86. الأخبار الطوال، الدينوري ص 255.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
160

155

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 ما رجع أحدٌ مثل ما رجعت! أطعتُ الفاسق ابن زياد، الظالم ابن الفاجر! وعصيت الحاكم العدل! وقطعت القرابة الشريفة!

 
وهجره الناس، وكلّما مرّ على ملأ من الناس أعرضوا عنه، وكلما دخل المسجد خرج الناس منه، وكل من رآه قد سبّه! فلزم بيته إلى أن قُتل 1
 
رُسُل عمر بن سعد إلى الإمام عليه السلام 
 
بعد أن استلم عمر بن سعد قيادة العمليات ضد الإمام الحسين عليه السلام ووصل إلى كربلاء، بعث إليه عزرة بن قيس الأحمسي وقال له: ائته فسله ما الذي جاء به وماذا يريد، وكان عزرة ممن كتب إلى الحسين فاستحيا منه أن يأتيه، فعرض عمر بن سعد ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه فكلهم أبى وكرهه. 
 
وقام إليه كثير به عبد الله الشعبي، فقال: أنا أذهب إليه !! والله لئن شئت لأفتكنّ به فقال له عمر بن سعد: ما أريد أن يفتك به ولكن ائته فسله ما الذى جاء به!!
 
فأقبل كثير إلى الإمام عليه السلام ، فلما رآه أبو ثمامة الصائدي قال للحسين عليه السلام : أصلحك الله أبا عبد الله، قد جاءك شر أهل الأرض وأجرأه على دم وأفتكه!! 
 
فقام أبو ثمامة إليه فقال له: ضع سيفك !!
 
قال: لا والله ولا كرامة، إنما أنا رسول فإن سمعتم مني أبلغتكم ما أرسلت به اليكم، وإن أبيتم انصرفت عنكم!! 
 
فقال له: فإني آخذ بقائم سيفك ثم تكلم بحاجتك !
 
قال: لا والله لا تمسه!
 
فقال له: أخبرني ما جئت به وأنا أبلغه عنك ولا أدعك تدنو منه فإنك فاجر! فاستبا 2!! 
 
 

1- تذكرة الخواص، ص233. 
2- الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 87. تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 310.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
161

156

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 ثم انصرف كثير إلى عمر ابن سعد فأخبره الخبر، فدعا عمر قرة بن قيس الحنظلي فقال له: ويحك يا قرة، القَ حسيناً فسله ما جاء به وماذا يريد!! 


فأتاه قرة بن قيس، فلما رآه الحسين مقبلاً قال أتعرفون هذا ؟؟ 

فقال حبيب بن مظاهر: نعم !! هذا رجل من حنظلة، تميمي، وهو ابن أختنا، ولقد كنت أعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه يشهد هذا المشهد.

فجاء حتى سلَّم على الحسين عليه السلام وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه له فقال الحسين عليه السلام : 
" كتب إليَّ أهل مصركم هذا أن أقدم فأما إذ كرهوني فأنا أنصرف عنهم". 

ثم قال حبيب ابن مظاهر لقرة بن قيس: ويحك يا قرة بن قيس، أنَّى ترجع إلى القوم الظالمين، انصر هذا الرجل الذى بآبائه أيدَّك الله بالكرامة وإيانا معك !!

فقال له قرة: أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي، فانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر، فقال له عمر بن سعد إني لأرجو أن يعافيني الله من حربه وقتاله.

وكتب عمر بن سعد إلى عبيدالله بن زياد:
أمّا بعد، فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عما أقدمه وماذا يطلب ويسأل، فقال:كتب إليّ أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم فسألوني القدوم ففعلت، فأما إذ كرهوني فبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم. 

فلما قرئ الكتاب على ابن زياد قال: 
الآن إذ علقت مخالبنا بـه         يرجو النجاة ولات حين مناص 

وكتب إلى عمر بن سعد: أما بعد، فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت، فاعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية هو وجميع أصحابه، فإذا فعل ذلك رأينا رأينا، والسلام.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
162

157

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 فلما أتى عمر بن سعد الكتاب قال: قد حسبت ألا يقبل ابن زياد العافية 1

 
فأرسل عمر بن سعد بكتاب ابن زياد إلى الحسين عليه السلام ! 
 
فقال الحسين عليه السلام للرسول: لا أجيب ابن زياد إلى ذلك أبداًً، فهل هو إلا الموت؟ فمرحباًً به!
 
فكتب عمر بن سعد إلى ابن زياد بذلك، فغضب، فخرج بجميع أصحابه إلى النخيلة 2.
 
الإمام الحسين عليه السلام يشتري أرض نينوى
 
"روي أن الحسين عليه السلام اشترى النواحي التي فيها قبره من أهل نينوى والغاضرية بستين ألف درهم، وتصدق عليهم وشرط أن يُرشدوا إلى قبره، ويُضيّفوا من زاره ثلاثة أيام"، ثم بيّن في ذيل الخبر مقدار مساحة تلك الأراضي، وأنها هي حرم الحسين عليه السلام بقوله: "قال الصادق عليه السلام : حرم الحسين عليه السلام الذي اشتراه أربعة أميال في أربعة أميال، فهو حلال لولده ومواليه، حرام على غيرهم ممن خالفهم، وفيه البركة"، وإنما صارت حلالاً بعد الصدقة لأنهم لم يفوا بالشرط 3.
 
ابن زياد يعبّئ الكوفة لقتال الحسين عليه السلام 
 
كان الحر بن يزيد الرياحي قد كتب إلى ابن زياد، بعد نزول الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، يخبره بذلك، فكتب ابن زياد عندئذٍ إلى الإمام الحسين عليه السلام : "أما بعدُ يا حسين، فقد بلغني نزولك بكربلاء، وقد كتب إليّ أمير المؤمنين يزيد بن معاوية أن لا أتوسّد الوثير ولا أشبع من الخمير، أو ألحقك اللطيف الخبير! أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد بن معاوية. 
 
 

1- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 311. الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 84-86.
2- موضع قرب الكوفة على سمت الشام. معجم البلدان، ج5، ص278. 
3- تاريخ كربلاء وحائر الحسين عليه السلام: 44 عن كشكول البهائي: 103، ط، مصر 1302هجرية. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
163

158

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 فلمّا ورد الكتاب قرأه الحسين ثمّ رمى به، ثمّ قال: لا أفلح قومٌ آثروا مرضاة أنفسهم على مرضاة الخالق! فقال له الرسول: أبا عبد الله! جواب الكتاب؟ 

 
قال: ما له عندي جواب، لأنه قد حقَّت عليه كلمة العذاب! 
 
فقال الرسول لابن زياد ذلك، فغضب من ذلك أشدّ الغضب... 1. ثم جمع الناس في مسجد الكوفة، ثم خرج فصعد المنبر، فقال: أيّها الناس، إنكم قد بلوتم آل سفيان فوجدتموهم على ما تحبّون، وهذا يزيد قد عرفتموه أنه حسن السيرة، محمود الطريقة، محسن إلى الرعية، متعاهد الثغور، يعطي العطاء في حقّه، حتى أنه كان أبوه كذلك! وقد زاد أمير المؤمنين في إكرامكم، وكتب إليّ يزيد بن معاوية بأربعة آلاف ديناًر ومائتي ألف درهم 2 أفرّقها عليكم وأخرجكم إلى حرب عدوّه الحسين بن علي! فاسمعوا وأطيعوا، والسلام. 
 
ثم إن ابن زياد أمر عمر بن سعد بتولي قيادة الجيوش لقتال الإمام عليه السلام ، فخرج، بعد ترددٍ، في أربعة آلاف حتى نزل كربلاء في الثالث من المحرّم، وانضمّ إليه الحر مع ألف فارس هناك، فصار في خمسة آلاف فارس.
 
"ولما سرّح ابن زياد عمر بن سعد، خرج إلى النخيلة واستخلّف على الكوفة عمرو بن حريث 3، وأمر الناس فعسكروا بالنخيلة، وأمر ألا يتخلّف أحدٌ منهم، فلا يبقين رجل من العرفاء والمناكب والتجّار والسكان إلا خرج فعسكر معي! فأيّما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلّفاً عن العسكر برئت منه الذمة!"
 
ثمّ دعا ابن زياد كثير بن شهاب الحارثي، ومحمّد بن الأشعث بن قيس، والقعقاع بن سويد، وأسماء بن خارجة الفزاري، وقال: طوفوا في الناس فمروهم بالطاعة والاستقامة، وخوّفوهم عواقب الأمور والفتنة والمعصية! وحثّوهم على العسكرة! 
 
 

1- الفتوح، ج5، ص150- 151. 
2- "وقد زادكم مائة مائة، وأمرني أن أوفرها عليكم وأخرجكم إلى حرب عدوه الحسين، فاسمعوا وأطيعوا". البحار، ج44، ص385. 
3- قاموس الرجال، ج8، ص75. 


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
164

159

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 فخرجوا يعذروا، وداروا بالكوفة، وفيما كان القعقاع بن سويد يتطوف بالكوفة في خيل، وجد رجلاًً من همدان قد قدم يطلب ميراثاً له بالكوفة 1، فأتى به ابن زياد فقتله! فلم يبق بالكوفة محتلم إلا خرج إلى العسكر بالنخيلة. ثم لحقوا جميعاًً بابن زياد، غير كثير بن شهاب فإنه كان مبالغاً يدور بالكوفة يأمر الناس بالجماعة ويحذّرهم الفتنة والفرقة، ويخذِّل عن الحسين! 

 
وبعث ابن زياد أيضاً إلى الحصين بن نمير السكوني وكان بالقادسية في أربعة آلاف، فقدم النخيلة في جميع من معه، فسرّحه ابن زياد في الأربعة آلاف الذين كانوا معه إلى الحسين عليه السلام بعد شخوص عمر بن سعد بيوم أو يومين. 
 
اكتمال تعبئة الكوفة لقتال الإمام عليه السلام في السادس من المحرّم
 
كان الشمر بن ذي الجوشن السلولي أول من خرج إلى عمر بن سعد في أربعة آلاف فارس، فصار في تسعة آلاف، ثم أتبعه زيد (يزيد) بن ركاب الكلبي في ألفين، والحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف، والمصاب الماري في ثلاثة آلاف، ونصر بن حربة في ألفين، فتم له عشرون ألفاً، ثم بعث ابن زياد إلى شبث بن ربعي الرياحي.. فاعتل بمرضٍ، فقال له ابن زياد: أتتمارض؟ إن كنت في طاعتنا فأخرج إلى قتال عدوّنا، فخرج إلى عمر بن سعد في ألف فارس بعد أن أكرمه ابن زياد وأعطاه وحباه، وأتبعه بحجّار بن أبجر في ألف فارس، ووجّه أيضاً يزيد بن الحارث بن يزيد بن رويم في ألف أو أقلّ، فصار عمر بن سعد في إثننين وعشرين ألفاً من بين فارس وراجل" 2. وكان الرجل يُبعث في ألف فلا يصل إلا في ثلاثمائة أو أربعمائة وأقلّ من ذلك كراهة منهم لهذا الوجه 3
 
 

1- الأخبار الطوال، ص255. 
2- الفتوح، ج5، ص157- 158. البحار، ج44، ص386.
3- الأخبار الطوال، 254. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
165

160

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 جعل ابن زياد يُرسل العشرين والثلاثين والخمسين إلى المائة، غدوة وضحوة ونصف النهار وعشيّة، من النخيلة يمدُّ بهم عمر بن سعد، حتى تكامل عنده، لستٍّ مضين من المحرّم، ثلاثون ألفاً ما بين فارس وراجل" 1
 
ووضع ابن زياد المناظر على الكوفة لئلاّ يجوز أحدٌ من العسكر مخافة لأن يلحق الحسين مغيثاً له! ورتّب المسالح حولها، ورتب بينه وبين عسكر عمر بن سعد خيلاً مضمرة مقدحة! فكان خبر ما قِبَلِه يأتيه في كل وقت" 2
 
وهمّ عمّار بن أبي سلامة الدالاني أن يفتك بعبيد الله بن زياد في عسكره بالنخيلة، فلم يمكنه ذلك، فلطف حتى لحق بالحسين فقُتل معه! 3، وكان قد شهد المشاهد مع أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام 4.
 
وكان عبد الله بن عمير الكلبي قد نزل الكوفة، واتخذ عند بئر الجعد من همدان داراً وكانت معه امرأة له، يقال لها أم وهب بنت عبد، فرأى القوم بالنخيلة يعرضون ليسرحوا إلى الحسين، فسأل عنهم فقيل له يسرحون إلى حسين بن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال: والله لو قد كنت على جهاد أهل الشرك حريصاً وإني لأرجو ألا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أيسر ثواباً عند الله من ثوابه إياي في جهاد المشركين، فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع وأعلمها بما يريد، فقالت: أصبت أصاب الله بك أرشد أمورك، افعل وأخرجني معك، فخرج بها ليلاً حتى أتى حسيناً عليه السلام فأقام معه 5
 
 
 

1- البحار، ج44، ص386، أمالي الصدوق: 373- 374. المجلس السبعون، رقم 10. الفتوح، ج5، ص159.
2- أنساب الأشراف، ج3، ص386- 388. 
3- أنساب الأشراف، ج3، ص388. 
4- مقتل الحسين عليه السلام، للمقرّم، ص199، ع/ن كتاب الإكليل للهمداني، ج10، ص87 و101. 
5- - تاريخ الطبري - الطبري ج 4 ص 327.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
166

161

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 خطبة للإمام عليه السلام في أصحابه

 
لما نزل عمر بن سعد بالإمام الحسين عليه السلام ، وأيقن أنهم قاتلوه قام في أصحابه خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: 
"قد نزل بنا ما ترون من الأمر، وإنّ الدنيا قد تغيّرت وتنكّرت، وأدبر معروفها، واستمرّت حتى لم يبق منها إلّا صبابة كصبابة الإناء! وإلّا خسيس عيش كالمرعى الوبيل!، ألا ترون أنّ الحق لا يُعمل به! وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه! ليرغب المؤمن في لقاء الله، فإنّي لا أرى الموت إلا سعادة! والحياة مع الظالمين إلّا برما" 1
 
حبيب بن مظاهر يستنفر حياً من بني أسد لنصرة الإمام
 
في السادس من محرّم، وبعد أن التأمت العساكر عند عمر بن سعد، جاء حبيب بن مظاهر الأسدي إلى الحسين عليه السلام فقال له: يا ابن رسول الله! إن هاهنا حياً من بني أسد قريباً منا، أفتأذن لي بالمسير إليهم الليلة أدعوهم إلى نصرتك، فعسى الله أن يدفع بهم عنك بعض ما تكره؟ 
فقال له الحسين عليه السلام : قد أذنت لك.
 
فخرج إليهم حبيب من معسكر الحسين عليه السلام في جوف الليل متنكراً، حتى صار إليهم فحياهم وحيوه وعرفوه. 
 
فقالوا له: ما حاجتك ياابن عم؟
 
قال: حاجتي إليكم أني قد أتيتكم بخير ما أتى به وافد إلى قومٍ قط، أتيتكم أدعوكم إلى نصرة ابن بنت نبيّكم، فإنه في عصابة من المؤمنين، الرجل منهم
 
 

1- تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام، تحقيق المحمودي، 314- 315، رقم 271، الطبراني، المعجم الكبير، ج3، ص114، رقم2842، أبو نعيم الاصبهاني، حلية الأولياء، ج2، 39، الخوارزمي، عن أبي نعيم، في المقتل، ج2، ص7، رقم7، المتقي الهندي، مجمع الزوائد، ج9، ص192. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
167

162

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 خيرٌ من ألف رجل، لن يخذلوه ولن يُسلموه وفيهم عين تطرف! وهذا عمر بن سعد قد أحاط به، وأنتم قومي وعشيرتي وقد أتيتكم بهذه النصيحة، فأطيعوني اليوم تنالوا شرف الدنيا وحسن ثواب الآخرة، فإني أقسم بالله لا يُقتل منكم رجل مع ابن بنت رسول الله محتسباً إلا كان رفيق محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في أعلى عليين. 

 
لقد نجح حبيب بن مظاهر نجاحاً جزئياً في محاولته تعبئة بني أسد لنصرة الإمام الحسين عليه السلام ، فانضم إليه ثلة منهم، ولكن جاسوساً كان بينهم أوصل خبر ذلك إلى عمر بن سعد فاختار أحد رجاله وضم إليه أربعمائة فارس، ووجه به إلى حي بني أسد مع ذلك الذي جاء بالخبر، فبينما أولئك القوم من بني أسد قد أقبلوا في جوف الليل مع حبيب يريدون عسكر الحسين إذ استقبلتهم خيل ابن سعد على شاطئ الفرات، وكان بينهم وبين معسكر الحسين اليسير، فتناوش الفريقان واقتتلوا. 
 
وعلمت بنو أسد أن لا طاقة لهم بخيل ابن سعد فانهزموا راجعين إلى حيّهم! ثمّ تحملوا في جوف الليل خوفاً من ابن سعد أن يكبسهم، ورجع حبيب إلى الحسين عليه السلام فأخبره، فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!" 1.
 
وفي اليوم السابع من المحرّم
 
رجعت تلك الخيل حتى نزلت على الفرات، وحالوا بين الحسين عليه السلام وأصحابه وبين الماء، فأضرّ العطش بالحسين وبمن معه، فأخذ الحسين عليه السلام فأساً، وجاء إلى وراء خيمة النساء، فخطا على الأرض تسع عشرة خطوة نحو القبلة، ثم احتفر هناك فنبعت له هناك عين من الماء العذب! فشرب الحسين وشرب الناس بأجمعهم! وملأوا أسقيتهم، ثم غارت العين فلم يُرَ لها أثر!. 
 
 

1- مقتل الحسين للخوارزمي، ج1، ص345- 346، الفتوح، ج5، ص159- 162، البحار، ج44، ص387. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
168

163

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 وبلغ ذلك إلى عبيد الله فكتب إلى عمر بن سعد: بلغني أن الحسين يحفر الآبار ويصيب الماء فيشرب هو وأصحابه، فانظر إذا ورد عليك كتابي هذا فحل بين الحسين عليه السلام وأصحابه وبين الماء، فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت، وضيّق عليهم ولا تدعهم أن يذوقوا من الماء قطرة! وافعل بهم كما فعلوا بالزكيّ عثمان! والسلام.

 
فلما ورد على عمر بن سعد ذلك أمر عمرو بن الحجاج أن يسير في خمسمائة راكب، فينيخ على الشريعة، ويحولوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء، وذلك قبل مقتله عليه السلام بثلاثة أيام، فمكث أصحاب الحسين عطاشى 1
 
ونادى أحد أوباش اهل الكوفة: يا حسين، ألا تنظر إلى الماء كأنه كبد السماء، والله لا تذوقون منه قطرة واحدة حتى تموتوا عطشاً، فقال الحسين عليه السلام : " اللهم أقتله عطشاً ولا تغفر له أبداً ". 
 
وروى من رآه بعد معركة كربلاء، فقال إنه رآه يشرب الماء حتى يبغر 2 ثم يقيئه، ويصيح: العطش العطش، ثم يعود فيشرب الماء حتى يبغر ثم يقيئه ويتلظى عطشاً، فما زال ذلك دأبه حتى لفظ نفسه 3
ولما اشتد على الحسين عليه السلام وأصحابه العطش دعا العباس 4 بن علي بن أبي
 
 

1- الأخبار الطوال، 255. مقتل الحسين عليه السلام: الخوارزمي، ج1، ص346، الفتوح، ج5، ص162، تاريخ الطبري، ج4، ص311- 312، أنساب الأشراف، ج3، ص389. 
2- بغر: كثر شربه للماء، انظر " العين - بغر - 4: 415.
3- الإرشاد - الشيخ المفيد ج 2 ص87.
4- وأمه أم البنين، فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابيّ، وهو أكبر أولادها، ولدته في الرابع من شعبان سنة ستّ وعشرين من الهجرة، وكان عمره الشريف عند شهادته أربعاً وثلاثين سنة1-. "وكان رجلاًً وسيماً جميلاً، وكان يُقال له: قمر بني هاشم!، وكان لواء الحسين بن علي عليه السلام معه يوم قُتل2-". وكان صلوات الله عليه يُلقَّب بالسقاء3-.
1- مستدركات علم رجال الأحداث،ج4،ص350،رقم8447.
2- مقاتل الطالبين،ج4،ص56.
3- إبصار العين،62،مقاتل الطالبين،55ومقتل الحسين للخوارزمي،ج1،ص743وج2،ص34.الأخبار الطوال،256،الإرشاد260.
وكان مثالاً للشجاعة والنجدة والإقدام، ففي اليوم العاشر، "لما نشبت الحرب بين الفريقين تقدم عمرو بن خالد الصيداوي، ومولاه سعد، ومجمع بن عبد الله، وجنادة بن الحرث، فشدّوا مقدمين بأسيافهم على الناس، فلما وغلوا فيهم عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم، وقطعوهم من أصحابهم، فندب الحسين عليه السلام لهم أخاه العباس، فحمل على القوم وحده! فضرب فيهم بسيفه حتى فرّقهم عن أصحابه وخلص إليهم فسلّموا عليه، فأتى بهم، ولكنهم كانوا جرحى فأبوا عليه أن يستنقذهم

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
169

164

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 طالب عليه السلام أخاه، فبعثه في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً، وبعث معهم بعشرين قربة، فجاءوا حتى دنوا من الماء ليلاً، واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال الجملي، فقال عمرو بن الحجاج الزبيدي: من الرجل؟ فجِيءْ! ما جاء بك؟ 

 
قال: جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه. 
قال: فاشرب هنيئاً. 
 
قال: لا والله، لا أشرب منه قطرة وحسين عطشان ومن ترى من أصحابه! فطلعوا عليه. 
فقال: لا سبيل إلى سقي هؤلاء! إنما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء! 
 
فلما دنا منه أصحابه قال لرجاله: املأوا قربكم. فدهم العباس على الشريعة بمن معه حتى أزالوهم عنها، واقتحم رجالة الحسين الماء، فملأوا قربهم، ووقف العباس في أصحابه يذبون عنهم، فثار إليهم عمروبن الحجاج وأصحابه، فحمل عليهم العباس بن علي ونافع بن هلال، فاقتتلوا على الماء قتالاًً عظيماً، فكان قومٌ يقتتلون وقوم يملؤون القرب حتى ملؤها، فقُتل من أصحاب عمرو جماعة ولم يقتل من أصحاب الحسين أحد، ثم رجع القوم إلى معسكرهم وشرب الحسين من القرب ومن كان معه 1.
 
 

3 سالمين، فعاودوا القتال وهو يدفع عنهم حتى قُتلوا في مكان واحد فعاد العباس إلى أخيه وأخبره خبرهم1-. 
وكان الإمام الحسين عليه السلام يحبّ أخاه العباس حباً خاصاً فائقاً، حتى كان عليه السلام يفدي أبا الفضل بنفسه القدسية، فلما زحف عمر بن سعد يوم الخميس، التاسع من المحرم، بعد صلاة العصر بجيوشه نحو معسكر الإمام الحسين عليه السلام، قال الإمام لأخيه أبي الفضل: "يا عباس اركب، بنفسي أنت يا أخي! حتى تلقاهم فتقول لهم مالكم وما بدا لكم، وتسألهم عما جاء بهم!؟"2-. 
ولما استشهد العباس قال الحسين عليه السلام: "الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي!"3-، وتركه الإمام في المكان الذي استشهد فيه لسرِّ مكنون أظهرته الأيام، وهو أن يدفن في موضعه منحازاً عن الشهداء، ليكون له مشهدٌ يُقصد بالحوائج والزيارات! وبقعة يزدلف إليها الناس.
1- إبصار العين،61.تاريخ الطبري،ج4ص340.
2- تاريخ الطبري،ج4،ص315.
3- البحار،45،ص42،مقتل الحسين للخوارزمي،ج2،ص34.
1- الفتوح، ج5، ص164، مقتل الحسين، للخوارزمي، ج1، ص346، الأخبار الطوال، ص255. تاريخ الطبري، ج4، ص312، أنساب الأشراف، ج3، ص389، الكامل في التاريخ، ج3، ص283.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
170

165

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 المحاورة بين الإمام عليه السلام وبين عمر بن سعد

 
"ثم أرسل الحسين عليه السلام إلى عمر بن سعد: إني أريد أن أكلمك، فالقني الليلة بين عسكري وعسكرك، فخرج إليه عمر بن سعد في عشرين فارساً، وأقبل الحسين في مثل ذلك، فلما التقيا أمر الحسين أصحابه فتنحوا عنه، وبقي معه أخوه العباس وابنه عليّ الأكبر، وأمر عمر بن سعد أصحابه فتنحوا، وبقي معه حفص ابنه وغلام له يُقال له لاحق 1
 
فقال له الإمام الحسين عليه السلام : ويحك يا ابن سعد! أما تتقي الله الذي إليه معادك أن تقاتلني، وأنا ابن من علمت ياهذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم !؟ فاترك هؤلاء وكن معي، فإني أقرّبك إلى الله عز وجل. 
 
فقال له عمر بن سعد: أخاف أن تُهدم داري! 
 
فقال له الحسين عليه السلام : أنا أبنيها لك. 
 
فقال: أخاف أن تؤخذ ضيعتي! 
 
فقال الحسين: أنا أخلف عليك خيراًً منها من مالي بالحجاز. 
 
فقال: لي عيال أخاف عليهم! 
 
فقال: أنا أضمن سلامتهم.
 
قال فلم يجب عمر إلى شيء من ذلك! فانصرف عنه الحسين عليه السلام وهو يقول: مالك!؟ ذبحك الله على فراشك سريعاً عاجلاً! ولا غفر الله لك يوم حشرك ونشرك! فوالله إني لأرجو أن لا تأكل من برّ العراق إلا يسيراً 2.
 
"فقال له عمر: يا أبا عبد الله! في الشعير عوض عن البرّ!! ثم رجع عمر إلى معسكره"3
 
"وتحدّث الناس فيما بينهما ظنّاً يظنونه أن حسيناًً قال لعمر بن سعد: أخرج معي
 
 

1- تاريخ الطبري، ج4، ص312. الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 87.
2- الفتوح، ج5، ص164- 166. 
3- مقتل الحسين عليه السلام، للخوارزمي، ج1، ص347. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
171

166

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

  إلى يزيد بن معاوية! وندع العسكرين! قال عمر: إذن تُهدم داري، قال: أنا أبنيها لك، قال: إذن تؤخذ ضياعي! قال: إذن أعطيك خيراًً منها من مالي بالحجاز. فتكرّه عمر، فتحدث الناس بذلك وشاع فيهم من غير أن يكونوا سمعوا من ذلك شيئاًً ولا علموه!" 1

 
ويحاول الطبري، على مذهبه في محاولة المصالحة بين الدين ودنيا السلاطين، إضفاء حالة من الصدقية على يزيد بن معاوية، وأن الإمام الحسين عليه السلام كان مستعداً لمصالحته، وأن المجرم القاتل هو عبيد الله بن زياد، ثم يجعل الطبري ذلك على عهدة المحدّثين، بل "هو ما عليه جماعة المحدّثين"! وهو أن الإمام الحسين عليه السلام قال لهم: اختاروا مني خصالاً ثلاثاً، إما أن أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه، وإما أن أضع يدي في يد يزيد بن معاوية فيرى فيما بيني وبينه رأيه!، وإما أن تسيروني إلى أي ثغر من ثغور المسلمين شئتم، فأكون رجلاًً من أهل، لي ما لهم وعليّ ما عليهم" 2
 
لكن شاهد عيان، وهو عقبة بن سمعان مولى الرباب زوج الإمام الحسين عليه السلام ، وكان ممن صحب الإمام من المدينة إلى كربلاء، وكان في خدمة الإمام فلم يغب عن شيء مما خاطب الإمام به الناس!.. يروي الحقيقة، ويقول:
"صحبت حسيناًً، فخرجت معه من المدينة إلى مكة، ومن مكة إلى العراق، ولم أفارقه حتى قُتل، وليس من مخاطبته الناس كلمة بالمدينة ولا بمكة ولا في الطريق ولا بالعراق ولا في عسكر إلى يوم مقتله إلا وقد سمعتها، ألا والله ما أعطاهم ما يتذاكر الناس وما يزعمون من أن يضع يده في يد يزيد بن معاوية! ولا أن يسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين! ولكنه قال: دعوني فلأذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر ما يصير إليه أمر الناس" 3
 
 

1- تاريخ الطبري، ج4، ص312- 313. 
2- تاريخ الطبري، ج4، ص313، أنساب الأشراف، ج3، ص390. 
3- تاريخ الطبري، ج4، ص313. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
172

167

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 عمر بن سعد يفتري على الإمام عليه السلام لينجو

 
لا شك أن عمر بن سعد، كغيره من مجرمي جيش ابن زياد، كان يعلم بأحقية الإمام عليه السلام بهذا الأمر! كما كان يعلم بما لا يرتاب فيه بالعار والسقوط اللذين سيلحقانه مدى الدهر إذا ما قتل الإمام عليه السلام في هذه المواجهة التي صار هو فيها على رأس الجيش الأموي! ولكنه كان في باطنه أيضاً أسير رغبته الجامحة في ولاية الريّ! من هنا فقد سعى إلى أن يجد المخرج من هذه الورطة فيُعافى من ارتكاب جريمة قتل الإمام عليه السلام ، ولا يخسر أمنيته في ولاية الري. فكتب، بعد لقائه مع الإمام عليه السلام ، إلى ابن زياد كتاباًً نصّه: "أما بعد، فإن الله قد أطفأ النائرة، وجمع الكلمة، وأصلح أمر الأمة! هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي أتى منه، أو أن يسير(نسيّره) إلى (أي) ثغر من الثغور(شيئنا)، فيكون رجلاًً من المسلمين، له ما لهم وعليه ما عليهم، أو أن يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في يده، فيرى فيما بينه وبينه رأيه، وفي هذا لكم رضىً وللأمة صلاح" 1
 
فلما قرأ عبيد الله الكتاب قال: هذا كتاب رجل ناصح لأميره مشفق على قومه! نعم قبلت! 
 
ولكن الشمر بن ذي الجوشن، تقرباً منه إلى ابن زياد بدم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإبطاءً لخطة عمر بن سعد وطمعاً بأن يكون هو أمير الجيش في كربلاء، قال لابن زياد: أتقبل هذا منه، وقد نزل بأرضك إلى جنبك!؟ والله لئن رحل من بلدك ولم يضع يده في يدك ليكوننّ أولى بالقوّة والعزّ، ولتكوننّ أولى بالضعف والعجز، فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن، ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه، فإن عاقبت فأنت وليُّ العقوبة (أولى بالعقوبة)، وإن غفرت كان ذلك لك! والله لقد بلغني أن حسيناًً وعمر بن سعد يجلسان بين العسكرين فيتحدّثان عامّة الليل! 
 
 
 

1- تاريخ الطبري، ج4، ص313. والكامل لابن الاثير 4: 55. الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 87.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
173

168

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 فقال له ابن زياد: نِعْم ما رأيت، الرأي رأيك!!"

 
ثم إن عبيد الله بن زياد دعا شمر بن ذي الجوشن، فقال له: اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد، فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي! فإن فعلوا فليبعث بهم إليّ سلماً! وإن هم أبوا فليقاتلهم، فإن فعل فاسمع له وأطع، وإن هو أبى فقاتلهم فأنت أمير الناس، وَثِبْ عليه فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه!" 1.
 
وكان كتاب ابن زياد لعمر بن سعد: "أمّا بعدُ، فإنّي لم أبعثك إلى حسين لتكفّ عنه، ولا لتطاوله، ولا لتمنّيه السلامة والبقاء، ولا لتقعد له عندي شافعاً، انظر فإن نزل حسين وأصحابه على الحكم واستسلموا فابعث بهم إليّ سلماً، وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثّل بهم فإنهم لذلك مستحقون، فإن قُتل حسين فأوطئ الخيل صدره وظهره، فإنّه عاقٌّ مشاقٌّ قاطع ظلوم، ولستُ أرى في هذا أن يضرّ بعد الموت شيئاًً، ولكن عليّ قول لو قد قتلته فعلتُ هذا له! فإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع، وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا، وخلِّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فإنّا قد أمرناه بأمرنا، والسلام"2.
 
وفي اليوم التاسع من المحرّم الحرام
 
أقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد، فلما قدم به عليه فقرأه قال له عمر: يا أبرص ! ما لك؟ ويلك، لا قرّب الله دارك، ولا سهّل محلتك، وقبّحك، وقبّح ما قدمتَ به عليّ، والله إني لأظنّك أنت ثنيته أن يقبل ما كتبتُ به إليه، أفسدت علينا أمراً كنّا رجونا أن يصلح، لا يستسلم واللهِ حسينٌ، إنّ نفساً أبية لبين جنبيه. 
 
 

1- تاريخ الطبري، ج3، ص313- 314، أنساب الأشراف، ج3، ص390- 391، الكامل في التاريخ، ج3، ص284. 
2- تاريخ الطبري، ج4، ص314، الكامل في التاريخ، ج3، ص284. الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 88، أنساب الأشراف، ج3، ص319، الأخبار الطوال، 255، الفتوح، ج5، ص166. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
174

169

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 فقال له شمر: أخبرني ما أنت صانع!؟ أتمضي لأمر أميرك وتقتل عدوّه؟ وإلا فخلِّ بيني وبين الجند والعسكر. 

 
قال: لا، ولا كرامة لك، وأنا أتولّى ذلك، فدونك، فكن أنت على الرجالة 1.
 
ابن زياد يكتب أماناً لأبي الفضل العباس عليه السلام وإخوته 2
 
لما قبض شمر بن ذى الجوش الكتاب قام هو وعبد الله بن أبي المحل، وكانت عمته أم البنين ابنة حزام عند أمير المؤمنين علي بن أبى طالب عليه السلام ، فولدت له العباس وعبد الله وجعفراً وعثمان، فقال عبد الله بن أبي المحل الكلبي لعبيد الله بن زياد: أصلح الله الأمير إن بني أختنا مع الحسين، فإن رأيت أن تكتب لهم أماناً فعلت !! قال: نعم ونعمة عين !! فأمر كاتبه فكتب له أماناً. 
 
وجاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين عليه السلام فقال: أين بنو أختنا؟ فخرج إليه العباس وجعفر وعبدالله وعثمان بنو علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقالوا له: ما تريد؟ 
 
فقال: أنتم يا بني أختي آمنون. 
 
فقال له الفتية: لعنك الله ولعن أمانك ! أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له 3
 
ثم إن عمر بن سعد نفر بجيشه لقتال الإمام عليه السلام "فنهض إليه عشيّة الخميس لتسع مضين من المحرم" 4، ونادى: يا خيل الله اركبي وأبشري! 
 
فركب في الناس، ثم زحف نحوهم بعد صلاة العصر، والحسين عليه السلام جالس
 
 

1- تاريخ الطبري، ج3، ص315، الكامل في التاريخ، ج3، ص284، الإرشاد، 256- 257، أنساب الأشراف، ج3، ص391. الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 89. 
2- تاريخ الطبري، ج4، ص315، الكامل في التاريخ، ج3، ص284، الفتوح، ج5، ص166- 167. 
3- الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 88. تاريخ الطبري، ج4، ص315، الكامل في التاريخ، ج3، ص284، أنساب الأشراف، ج3، ص391 الفتوح، ج5، ص168- 169. 
4- تاريخ الطبري، ج4، ص315، والأخبار الطوال: ص256، الكامل في التاريخ، ج3، ص284، الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 88. أنساب الأشراف، ج3، ص391. 


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
175

170

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

  أمام بيته محتبياً سيفه، فقال العباس: يا أخي، أتاك القوم! فنهض الإمام عليه السلام وقال: يا عبّاس، اركب بنفسي أنت يا أخي! حتى تلقاهم فتقول لهم: ما لكم، وما بدا لكم، وتسألهم عمّا جاء بهم! 

 
فأتاهم العباس عليه السلام ، فاستقبلهم في نحو من عشرين فارساً، فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر، فقال لهم العباس: ما بدا لكم وما تريدون؟ 
 
قالوا: جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو ننازلكم! 
 
قال: فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم. 
 
فوقفوا، ثم قالوا: إلقَه فأعلمه ذلك، ثم القنا بما يقول. 
 
فانصرف العباس عليه السلام راجعاً يركض إلى الحسين عليه السلام يخبره بالخبر، ووقف أصحابه يخاطبون القوم. 
 
وأتى العباس حسيناًً عليه السلام بما عرض عليه عمر بن سعد، فقال له الإمام عليه السلام : إرجع إليهم، فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غدوة وتدفعهم عنّا العشية، لعلنا نصليّ لربنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أني قد كنت أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والإستغفار" 1
 
ولماّ ركض العباس إلى الحسين عليه السلام يخبره بالخبر، وقف أصحابه يخاطبون القوم فقال حبيب بن مظاهر لزهير بن القين: كلّم القوم إن شئت، وإن شئت كلمتهم !! 
 
فقال له زهير: أنت بدأت بهذا فكن أنت الذي تكلمهم !!
 
فقال لهم حبيب بن مظاهر: أما والله لبئس القوم عند الله غداً، قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرية نبيه عليه السلام وعترته وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم وعباد أهل هذا المصر، المجتهدين بالأسحار، والذاكرين الله كثيرا !!
 
 
 

1- تاريخ الطبري، ج4، ص315- 317، الكامل في التاريخ، ج3، ص284- 285، أنساب الأشراف، ج3، ص392. الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 88. الفتوح، ج5، 175- 179، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، ج1، ص253- 254. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
176
 

171

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 فقال له عزرة بن قيس: إنك لتزكي نفسك ما استطعت !!

 
فقال له زهير: يا عزرة ! إن الله قد زكاها وهداها، فاتقِ الله يا عزرة، فإني لك من الناصحين، أنشدك الله يا عزرة أن تكون ممن يعين الضلال على قتل النفوس الزكية! قال عزرة: يا زهير ما كنت عندنا من شيعة أهل هذا البيت إنما كنت عثمانياً !!
 
فقال له زهير: أفلست تستدل بموقفي هذا أني منهم ؟ أما والله ما كتبت إليه كتاباً قط، ولا أرسلت إليه رسولاً قط، ولا وعدته نصرتي قط !! ولكن الطريق جمع بيني وبينه، فلما رأيته ذكرت به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومكانه منه، وعرفت ما يقدم عليه من عدوه وحزبكم، فرأيت أن أنصره وأن أكون في حزبه وأن أجعل نفسي دون نفسه حفظاً لما ضيعتم من حق الله وحق رسوله 1
 
وهنا، أقبل العباس عليه السلام يركض حتى انتهى إليهم، فقال لهم: يا هؤلاء! إن أبا عبدالله يسألكم أن تنصرفوا هذه العشيّة حتى ينظر في هذا الأمر، فإن هذا أمرٌ لم يحر بينكم وبينه فيه منطقٌ فإذا أصبحنا التقينا إن شاء الله، فإما رضيناه فأتينا بالأمر الذي تسألونه وتسومونه! أو كرهنا فرددناه 2
 
والظاهر أن رسولاً من طليعة الجيش الأموي نقل طلب الإمام عليه السلام إلى عمر بن سعد، فقال عمر بن سعد: ما ترى يا شمر ؟؟ 
 
قال: ما ترى أنت، أنت الأمير والرأي رأيك !!
 
قال: قد أردت ألا أكون! 
 
ثم أقبل على الناس، فقال: ماذا ترون ؟؟ 
 
فقال عمرو بن الحجاج: سبحان الله ! والله لو كانوا من الديلم ثم سألوك هذه المنزلة لكان ينبغي لك أن تجيبهم إليها !
 
 

1- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 316.
2- الفتوح، ج5، ص178- 179.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
177

172

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 وقال قيس بن الأشعث: أجبهم إلى ما سألوك، فلعمري ليصبحنك بالقتال غدوة، فوافق عمر بن سعد على طلب الإمام عليه السلام وأرسل رسولاً من قبله، فقام من معسكر الإمام الحسين عليه السلام مثل حيث يُسمع الصوت فقال: إنا قد أجّلناكم إلى غدٍ، فإن استسلمتم سرّحنا بكم إلى أميرنا عبيد الله بن زياد، وإن أبيتم فلسنا بتاركيكم" 1. فانصرف الفريقان بعضهم من بعض 2

 
لقد سعى الإمام الحسين عليه السلام ألا يُقتل في ظروف زمانية ومكانية وبكيفية يختارها ويخطط لها ويُعدّها العدو، وسعى عليه السلام أن يتحقق مصرعه الذي لا بد منه على أرضٍ يختارها هو، وبحيث لا يتمكّن العدوّ فيها أن يعتّم على مصرعه فتختنق الأهداف المرجوّة من رواء هذا المصرع الذي سيهزّ الأعماق في وجدان الأمة ويحرّكها بالاتجاه الذي أراد الحسين عليه السلام ، كما سعى أن تجري وقائع المأساة في وضح النهار لا في ظلمة الليل، ليرى جريان وقائعها أكبر عدد من الشهود، فلا يتمكّن العدو من أن يعتّم على هذه الوقائع الفجيعة ويغطي عليها، وهذا هو الهدف المنشود من وراء العامل الإعلامي والتبليغي في طلب الإمام عليه السلام عصر تاسوعاء أن يمهلوه إلى صبيحة عاشوراء. 
 
لقد كان النهار عاملاً مهماً من عوامل نجاح حفظ حقيقة فاجعة الطف كما هي وبكل تفاصيلها، إذ لو كانت قد حصلت الواقعة في ليل لغطّت ظلمته على جل تفاصيلها المفجعة وبطولاتها المشرقة، ولَمَا رأى من حضرها إلا نزراً قليلاًً من وقائعها، ثمّ، لَمَا بلغنا منها إلا حكاية مبهمة وجيزة لا تحمل في طيّاتها من الفعل والتأثير إلا شيئاًً يسيراً. 
 
 
 

1- تاريخ الطبري، ج4، ص317. الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 89 - 90. 
2- الفتوح، ج5، ص179، مقتل الحسين للخوارزمي، ج1، ص354- 355. تاريخ الطبري، ج4، ص317. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
178

173

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 ثم كانت ليلة عاشوراء 

 
وفي تلك الليلة أحلّ الإمام الحسين عليه السلام أصحابه من بيعته وطلب منهم الإنسحاب على أن يسحبوا معهم أهل بيته، إلا أنهم رفضوا جميعاًً وصمّموا على القتال والإستشهاد معه.
 
يقول الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام : جمع الحسين أصحابه بعد ما رجع عمر بن سعد، وذلك عند قرب المساء، فدنوت منه لأسمع وأنا مريض، فسمعت أبي وهو يقول لأصحابه: 
"أثني على الله تبارك وتعالى أحسن الثناء، وأحمده على السراًء والضراء، اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة، وعلمتنا القرآن، وفقهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدةً ولم تجعلنا من المشركين.
 
أمّا بعد ! فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراًً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعاً خيراًً 1، ألا وإنّي أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غداًً، ألا وإنّي قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلٍّ ليس عليكم مني ذمام، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً 2، ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، ثم تفرّقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله، فإنّ القوم إنما يطلبوني، ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري" !!
 
فقال له إخوته، وأبناؤه، وبنو أخيه، وأبناء عبد الله ابن جعفر: لم نفعل ؟ لنبقى بعدك ؟ لا أرانا الله ذلك أبداًً !! بدأهم بهذا القول العباس ابن علي عليه السلام ، ثم إنهم تكلموا بهذا ونحوه، فقال الحسين عليه السلام : يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم !! إذهبوا قد أذنت لكم !! 
 
 

1- الإرشاد، ج2، ص91، تاريخ الطبري، ج3، ص315، الكامل في التاريخ، ج4، ص57، بحار الأنوار، ج41، ص295، باب 114، حديث رقم18. 
2- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 317. الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 88.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
179

174

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 قالوا: فما يقول الناس ؟؟ يقولون إنّا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الاعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا !! لا والله !! لا نفعل ! ولكن تفديك أنفسنا وأموالنا وأهلونا !! ونقاتل معك حتى نرد موردك، فقبّح الله العيش بعدك !!

 
فقام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي فقال: أنحن نخلّي عنك ولمّا نعذر إلى الله في أداء حقك ؟؟ أما والله حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولا أفارقك، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة دونك حتى أموت معك !!
 
وقال سعيد بن عبد الله الحنفي: والله لا نخليك حتى يعلم الله أنّا قد حفظنا غيبة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم فيك !! والله لو علمت أنّي أقتل، ثم أحيا، ثم أحرق حياً، ثم أذر !! يفعل ذلك بي سبعين مرة، ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداًً. 
 
وقال زهير بن القين: والله لوددت أنّي قتلت ثم نشرت، ثم قتلت، حتى أقتل كذا ألف قتلة وأنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك 1
 
وقيل لمحمّد بن بشير الحضرمي، وهو مع الحسين عليه السلام في كربلاء: قد أسر ابنك بثغر الري. قال: عند الله أحتسبه ونفسي ما كنت أحب أن يؤسر ولا أن أبقى بعده. فسمع قوله الحسين عليه السلام فقال له: رحمك الله أنت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك ! قال: أكلتني السباع حياً إن فارقتك!!! قال: فأعط ابنك هذه الاثواب البرود تستعين بها في فداء أخيه. فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف ديناًر 2
 
 

1- الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 91- 93.
2- ترجمة الإمام الحسين عليه السلام ابن عساكر ص 221 رواه ابن سعد في الحديث 100 من ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من الطبقات الكبرى، ورواه ابن العديم بسنده إلى ابن عساكر في الحديث 78 من بغية الطلب ص 51.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
180

175

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 وتكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً في وجه واحد، فقالوا: والله لا نفارقك ولكن أنفسنا لك الفداء نقيك بنحورنا وجباهنا وأيديناً فإذا نحن قتلنا كنّا وفينا وقضينا ما علينا 1

 
فقال الحسين عليه السلام حينئذٍ لأصحابه: إنّكم تقتلون غداً كلّكم ولا يفلت منكم رجل! 
 
فقالوا: الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك، وشرّفنا بالقتل معك، أو لا نرضى أن نكون معك في درجتك يابن رسول الله ؟ 
 
فقال: جزاكم الله خيراًً، ودعا لهم بخير. 
 
فقال له القاسم بن الحسن عليه السلام : وأنا فيمن يقتل؟ 
 
فاشفق عليه، فقال له: يا بنيّ كيف الموت عندك ؟! 
 
قال: يا عم !! أحلى من العسل. 
 
فقال: إي والله فداك عمك إنك لأحد من يقتل من الرجال معي، بعد أن تبلو ببلاء عظيم، وابني عبد الله. 
 
فقال: يا عم ويصلون إلى النساء حتى يقتل عبد الله وهو رضيع ؟ 
 
فقال: فداك عمك يقتل عبد الله، إذا جفت روحي عطشاً، وصرت إلى خيمنا فطلبت ماءً ولبناً فلا أجد قط فأقول: ناولوني إبني، لأشرب من فيه، فيأتوني به، فيضعونه على يدي، فأحمله لأدنيه من فيّ، فيرميه فاسق، لعنه الله، بسهم فينحره، وهو يناغي، فيفيض دمه في كفي، فارفعه إلى السماء، وأقول: اللهم صبراً واحتساباً فيك، فتعجلني الأسنة منهم، والنار تستعر في الخندق الذي فيه ظهر الخيم، فأكرّ عليهم في أمرّ أوقات في الدنيا، فيكون ما يريد الله !!
 
فبكى وبكينا، وارتفع البكاء والصراخ من ذراري رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم ، في الخيم، ويسأل زهير ابن القين، وحبيب بن مظاهر، عني، فيقولون: يا سيدنا ! فسيدنا علي،
 
 

1- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 317 و318. الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص91- 93.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
181

176

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 فيشيرون إليّ ! ماذا يكون من حاله ؟ فيقول، مستعبراً: ما كان الله ليقطع نسلي من الدنيا، فكيف يصلون إليه وهو أب ثمانية أئمة ؟ 1

 
قالوا: الحمد لله الذي شرّفنا بالقتل معك. 
 
ثم دعا فقال لهم: ارفعوا رؤوسكم وانظروا، فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم من الجنة، وهو يقول لهم: هذا منزلك يا فلان 2
 
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له أخبرني عن أصحاب الحسين عليه السلام وإقدامهم على الموت !! فقال: إنهم كشف لهم الغطاء حتى رأوا منازلهم من الجنة، فكان الرجل منهم يقدم على القتل ليبادر إلى حوراء يعانقها وإلى مكانه من الجنة. 3 فشهداء الطف إذن أعلى مقاماً وأشرف رتبة حتى من شهداء بدر 4. ولسمو منزلتهم كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد حفر لهم قبورهم 5!
 
برير يحاول التأثير في عمر بن سعد
 
ثم قال برير بن خضير الهمداني للحسين عليه السلام : إئذن لى يا ابن رسول الله أن آتي هذا الفاسق عمر ابن سعد فأكلمه، (في أمر الماء)، فعساه يرتدع فقال له: ذلك إليك.
 
فجاء برير إلى عمر بن سعد، فدخل عليه فلم يسلِّم عليه، فقال ابن سعد: يا أخا همدان ما منعك من السلام عليّ ألست مسلماًً أعرف الله ورسوله ؟ 
 
فقال له برير: " لو كنت مسلماًً كما تقول لما خرجت إلى عترة رسول الله صلّى الله
 
 

1- مدينة المعاجز - السيد هاشم البحراني ج 4 ص 214.
2- بحار الأنوار، العلامة المجلسي ج 44 ص 298وج45، ص73. علل الشرائع،ج1، 229، باب163، حديث رقم1. أنساب الأشراف، ج3، ص400/ دار الفكر – بيروت، الإرشاد، ج2، ص103، 104، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج3، 307/ دار إحياء التراث العربي- بيروت.
3- - علل الشرائع، الشيخ الصدوق ج 1 ص 229.
4- الطبراني المعجم الكبير، ج3، ص111، رقم2828، سير أعلام النبلاء، ج12، ص522، رقم199، ج6، ص110، رقم30، تهذيب الكمال، ج20، ص86، رقم3934، الجرح والتعديل، ج6، ص330، رقم1839. 
5- أمالي الطوسي، 90، المجلس الثالث، حديث رقم49، أمالي المفيد، 319، المجلس الثامن والثلاثون، حديث رقم6. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
182

177

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 عليه وآله تريد قتلهم ! وبعد، هذا ماء الفرات تشرب منه كلاب السواد وخنازيرها وهذا الحسين بن علي وأخوته ونساؤه وأهل بيته يموتون عطشاً قد حلت بينهم وبين ماء الفرات أن يشربوه وأنت تزعم أنك تعرف الله ورسوله ؟؟ 

 
فأطرق عمر بن سعد (ساعة إلى الأرض، ثم رفع رأسه ثم قال: والله يا أخا همدان إني لأعلم ( يقيناً أن كل من قاتلهم وغصبهم حقهم هو في النار لا محالة) حرمة أذاهم، ولكن، (يا برير، أفتشير عليّ أن أترك ولاية الري فتكون لغيري ؟ فوالله ما أجد نفسي تجيبني لذلك، ثم أنشأ يقول:
 
دعـاني عبيد الله من دون قومـه         إلى خطة فيها خرجت لـحيني
 
فـو الله لا أدري وإنـي لـواقف       علـى خــطر لا أرتضيه ومين
 
أأترك ملك الري والـري رغبة          أم أرجـع مأثوماً بقتـل حسين
 
وفي قتله النار التي ليس دونها              حجاب وملك الري قرة عيني
 
فرجع برير فقال للحسين عليه السلام : يا ابن رسول الله !! قد رضي أن يقتلك بولاية الري 1
 
يقول الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام : إني جالس في تلك العشية التي قتل أبي صبيحتها، وعمتي زينب عندي تمرضني، إذ اعتزل أبي بأصحابه في خباء له وعنده حوي مولى أبى ذر الغفاري وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي يقول:
 
يا دهـر أفٍ لك من خليل           كم لك بالإشراق والأصيل 
 
من صاحبٍ أو طالبٍ قتيل             والدهـر لا يقنـع بالبـديل 
 
وإنـما الأمـر إلى الجليل               وكـل حي سالك السبيـل 
 
 

1- كشف الغمة، ابن أبي الفتح الإربلي ج 2 ص 258. نفس المهموم، ص 218. الفتوح، لإبن الأعثم،ج5 ص171. مقتل الحسين، الخوارزمي، ج1 ص351، الفصول المهمة، ابن الصباغ، ص202. مطالب السؤل، ص76. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
183

178

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 فأعادها مرتين أو ثلاثاً حتى فهمتها فعرفت ما أراد، فخنقتنى عبرتي فرددت دمعي ولزمت السكون، فعلمت أن البلاء قد نزل، فأما عمتي فإنها سمعت ما سمعت، وهي امرأة، وفى النساء الرقة والجزع، فلم تملك نفسها أن وثبت تجر ثوبها وإنها لحاسرة، حتى انتهت إليه فقالت: واثكلاه !! ليت الموت أعدمنى الحياة، اليوم ماتت فاطمة أمي وعلي أبي وحسن أخي!! يا خليفة الماضي وثمال الباقي !!

 
فنظر إليها الحسين عليه السلام فقال: يا أخية لا يذهبن حلمك الشيطان !! وترقرقت عيناه، وقال: لو ترك القطا لنام !!
 
قالت: يا ويلتى! أفتغتصب نفسك اغتصاباً، فذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي!! 
 
فقال لها الحسين عليه السلام : " يا أخيّة اتقي الله وتعزّي بعزاء الله، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون وأنّ أهل السماء لا يبقون، وأنّ كل شيء هالك إلا وجه الله الذي خلق الأرض بقدرته ويبعث الخلق فيعودون، وهو فرد وحده، أبي خير منّي وأميّ خير منّي وأخي خير منّي، ولي ولهم ولكل مسلم برسول الله أسوة". 
 
فعزّاها بهذا ونحوه، وقال لها: " يا أخيّة إنّي أقسم عليك فأبري قسمي!! لا تشقّي عليّ جيباً ولا تخمشي عليّ وجهاً ولا تدعي عليّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت!!
 
ثم جاء بها حتى أجلسها عندي، وخرج إلى أصحابه فأمرهم أن يقربوا بعض بيوتهم من بعض، وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض، وأن يكونوا هم بين يدي البيوت إلا الوجه الذى يأتيهم منه عدوهم، فيستقبلوا القوم من وجه واحد والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم قد حفّت بهم، إلا الوجه الذي يأتيهم منه عدوّهم 1.
 
وخرج الحسين عليه السلام في جوف الليل إلى خارج الخيام يتفقد التلاع والعقبات،
 
 
 

1- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 319و320. الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 95، ونقله المجلسي في البحارج 45: 1،2.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
184

179

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

  فتبعه نافع بن هلال الجملي فسأله الحسين عليه السلام عما أخرجه ! قال: يا ابن رسول الله أفزعني خروجك إلى جهة معسكر هذا الطاغي !! 


فقال الحسين عليه السلام : إني خرجت أتفقد التلاع والروابي مخافة أن تكون مكمناً لهجوم الخيل يوم تحملون ويحملون! 

ثم رجع عليه السلام وهو قابض على يد نافع ويقول: هي هي والله وعد لا خلف فيه، ثم قال له: ألا تسلك بين هذين الجبلين في جوف الليل وتنجو بنفسك؟ فوقع نافع على قدميه يقبلهما ويقول: ثكلتني أمي، إن سيفي بألف وفرسي مثله، فوالله الذي منّ بك علي لا فارقتك حتى يكلاَّ عن فري وجري. 

ثم دخل الحسين عليه السلام خيمة زينب، ووقف نافع إزاء الخيمة ينتظره فسمع زينب تقول له: هل استعلمت من أصحابك نياتهم؟ فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة. 

فقال لها: والله لقد بلوتهم فما وجدت إلا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني استيناس الطفل إلى محالب أمه. 

قال نافع: فلما سمعت هذا منه بكيت وأتيت حبيب بن مظاهر وحكيت ما سمعت منه ومن أخته زينب. 

قال حبيب: والله لولا انتظار أمره لعاجلتهم بسيفي هذه الليلة !

قال نافع: إني خلفته عند أخته، وأظن النساء أفقن وشاركنها في الحسرة ! فهل لك أن تجمع أصحابك وتواجههن بكلام يطيّب قلوبهن؟؟ 

فقام حبيب ونادى: 
يا أصحاب الحمية وليوث الكريهة !! 

فتطالعوا من مضاربهم كالأسود الضارية ! فقال لبني هاشم: ارجعوا إلى مقركم لا سهرت عيونكم. ثم التفت إلى أصحابه وحكى لهم ما شاهده وسمعه نافع فقالوا بأجمعهم والله الذي منّ علينا بهذا الموقف لولا انتظار أمره لعاجلناهم بسيوفنا الساعة! فطب نفساً وقرَّ عيناً فجزاهم خيراًً. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
185

180

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 وقال: هلموا معي لنواجه النسوة ونطيب خاطرهن، فجاء حبيب ومعه أصحابه وقال: يا معشر حرائر رسول الله هذه صوارم فتيانكم آلوا ألا يغمدوها إلا في رقاب من يريد السوء فيكم، وهذه أسنة غلمانكم أقسموا ألا يركزوها إلا في صدور من يفرق ناديكم. 

 
فخرجن النساء إليهم ببكاء وعويل وقلن: أيها الطيبون حاموا عن بنات رسول الله وحرائر أمير المؤمنين. 
 
فضجّ القوم بالبكاء حتى كأن الأرض تميد بهم 1. فجزاهم الحسين عليه السلام خيراً وانصرف إلى مضربه. 
 
ثم قام الحسين عليه السلام وأصحابه الليل كله يصلّون ويستغفرون ويدعون، وباتوا ولهم دويٌّ كدويّ النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد، ومرّ بهم خيل لابن سعد يحرسهم، وإن حسيناًً عليه السلام ليقرأ: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِين* مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾، فسمعها من تلك الخيل رجل فقال: نحن ورب الكعبة الطيبون، ميزنا منكم. فقال له برير بن خضير: يا فاسق أنت يجعلك الله من الطيبين؟! فقال له: من أنت ويلك ؟ قال: أنا برير بن خضير، فتسابا 2
 
وعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلاًً، وكان أبو الشعثاء الكِنْدي وهو يزيد بن زيادٍ، مع ابن سعدٍ، فلما ردّوا الشروط على الحسين عليه السلام صار معه 3. ومن هؤلاء: جوين بن مالك التميمي، وزهير بن سليم الأزدي، والنعمان بن عمرو الأزدي الراسبي وأخوه الحلاّس 4.
 
 

1- الدمعة الساكبة، ص325. 
2- الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 95. تاريخ الطبري، ج 4 ص 320. البحار، ج 45:ص 1،2.
3- تاريخ الطبري، ج4، ص330، الأمالي للصدوق، ص137، مجلس 30. العقد الفريد، ج5 ص128. تهذيب ابن عساكر، ج4 ص338. الإمامة والسياسة، ج2 ص6.
4- راجع: إبصار العين، ص 194و 186 و 187. ووسيلة الدارين، ص116 و117 رقم 26و 177 رقم 112.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
186

181

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 الأنصار الملتحقون به عليه السلام في كربلاء حتى ليلة العاشر

 
أنس بن الحارث الكاهلي، الصحابي 1. جوين بن مالك بن قيس بن ثعلبة التميمي 2. حبيب بن مظاهر (مُظَهِّر) الأسدي الفقعسي، الصحابي 3. مسلم بن عوسجة الأسدي، الصحابي 4. مسلم أوأسلم بن كثير الأعرج الأزدي، الصحابي 5. رافع بن عبد الله مولى مسلم بن كثير 6. القاسم بن حبيب بن أبي بشر الأزدي 7. زهير بن سليم الأزدي 8. النعمان بن عمرو الأزدي الراسبي والحُلاس بن عمرو الأزدي الراسبي 9. جابر بن الحجّاج مولى عامر بن نهشل التيمي 10. مسعود بن الحجّاج التيمي. عبد الرحمن بن مسعود بن الحجّاج التيمي 11. عمر بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة الضبعي التميمي، الصحابي 12. أمية بن سعد الطائي 13
 


1- البحار، ج45، ص71. 
2- إبصار العين، ص99، وسيلة الداين في أنصار الحسين عليه السلام، ص116، رقم25، البحار، ج101، ص273. 
3- جمهرة النسب، ج1، ص241، رجال الكشي، ص78، رقم133، الإرشاد، ص224، اللهوف، ص14، تاريخ الطبري، ج4، 261، تاريخ الطبري، ج4، ص311، 316، 326، 336، 335، إبصار العين، ص100- 103، 104، 105، 106، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، ج، ص345، ج2، ص22، الكامل في التاريخ، ج3، ص291- 292، الأخبار الطوال، ص256، معالي السبطين، ج1، ص376، ينابيع المودة، ص415، البحار، ج45، ص71. 
4- الجزري في أُسد الغابة، ج4، ص264 باسم مسلم بن عوسجة الأسدي، وابن حجر في الإصابة، ج6، ص96، رقم 7978، وقال النمازي: " مسلم بن عوسجة الأسدي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم..."مستدركات علم رجال الحديث، ج7، ص414، رقم 14915، إبصار العين، ص107- 108،109- 110، 104، 111، مقاتل الطالبيين، ص66، الأخبار الطوال، ص235- 236، الإرشاد، ص189، تاريخ الطبري، ج4،ص270، 332،333، الكامل في التاريخ، ج3، ص390، البحار، ج45، 69- 7-، 72. 
5- إبصار العين،ص185، مستدركات علم رجال الحديث، ج7، ص415، وسيلة الدارين في أنصار الحسين عليه السلام ص106، البحار، ج45، ص72.
6- إبصار العين، ص185، وسيلة الدارين، ص136.
7- البحار، ج45،ص73، إبصار العين، 186. 
8- إبصار العين، ص186، وسيلة الدارين، ص139، رقم 53، مستدركات علم رجال الحديث، ج3،ص440، رقم5813، البحار، ج45، ص72. 
9- إبصار العين، ص187، وسيلة الدارين، ص200، رقم160. 
10- إبصار العين، ص193، وسيلة الدارين، ص111، رقم17. 
11- إبصار العين، ص193- 194، البحار، ج45، ص72و ج101: ص273. 
12- وسيلة الدارين، ص177، رقم112، إبصار العين، ص194، البحار، ج45، ص72، وج101، ص273. 
13- إبصار العين، ص198. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
187

182

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 الضرغامة بن مالك التغلبي 1. كنانة بن عتيق التغلبي، الصحابي 2. قاسط بن زهير بن الحرث التغلبي وكردوس بن زهير بن الحرث التغلبي ومسقط بن زهير بن الحرث التغلبي 3. سالم بن عمرو مولى بني المدينة الكلبي 4. حنظلة بن أسعد الشامي 5. سيف بن الحرث بن سريع بن جابر الهمداني الجابري ومالك بن عبد الله بن سريع بن جابر الهمداني الجابري 6. شبيب مولى الحرث بن سريع الهمداني الجابري 7. عمّار بن أبي سلامة الدالاني، الصحابي 8. حبشي بن قيس النهمي 9. زياد بن عريب الهمداني الصائدي، أبو عمرة 10. سوار بن منعم بن حابس بن أبي عمير بن نهم الهمداني النهمي 11. عمرو بن عبدالله الجندعي 12. عمرو بن قرظة الأنصاري 13. عبدالله بن بشر الخثعمي 14. الحارث بن امرء القيس الكندي 15. بشر بن عمرو بن الأُحدوث الحضرمي الكندي 16. عبدالله بن 

 
 

1- إبصار العين، ص99، وسيلة الدارين، ص157، رقم78، البحار، ج45، 71و 101، ص273. 
2- وسيلة الدارين، ص184- 185، رقم132، إبصار العين،ص199، البحار، ج45، ص71، وج101، ص273. 
3- إبصار العين، ص200، وقعة صفين، ص204- 206، وسيلة الدارين، ص183- 184، رقم130و 133، البحار، ج101، ص273، و ج45، ص71. 
4- إبصار العين، ص182- 183، وسيلة الدارين، ص145- 146، رقم56، البحار، ج101، ص273. 
5- ياقوت الحموي في معجم البلدان، ج3، ص318، إبصار العين، ص130- 131، وسيلة الدارين، ص134- 135، رقم40، البحار، ج45، ص73، و ج101، ص273. 
6- وسيلة الدارين، ص154، رقم72و 73، إبصار العين، ص132- 133البحار، ج101، ص273. 
7- الإصابة، ج2، ص160، رقم3960، وسيلة الدارين، ص155، رقم75، البحار، ج101، ص273. 
8- الإصابة، ج3، ص112، رقم6463، إبصار العين، ص133- 134، وانظر وسيلة الدارين، ص172، رقم106، أنساب الأشراف، ج3، ص388، البحار، ج45، ص73، و ج101، ص273. 
9- الإصابة، ج2، ص104- 105، رقم3644، إبصار العين، ص134، وسيلة الدارين، ص118، رقم30. 
10- إبصار العين، ص134- 135، وسيلة الدارين، ص145، الرقم55. 
11- البحار، ج101، ص273، و ج45، ص73، إبصار العين، ص35- 136، وسيلة الدارين، ص153، رقم70. 
12- البحار، ج101، ص273، إبصار العين، ص136، 137، وسيلة الدارين ص178، رقم 113.
13- مثير الأحزان، ص61، اللهوف، ص46- 47، إبصار العين، ص155- 156، وسيلة الدارين، ص174- 176، رقم108، البحار، ج101، 272، وج45، ص71. 
14- إبصار العين، ص170. 
15- وسيلة الدارين، ص116- 117، رقم26، إبصار العين، ص173. 
16- البحار، ج101، ص272. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
188

183

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 عروة بن حرّاق الغفاري وعبد الرحمن بن عروة بن حرّاق الغفاري 1. عبدالله بن عمير الكلبي 2.

 
أنصار الإمام الحسين عليه السلام 
 
إختلفت الروايات في عدد أصحاب الإمام الحسين عليه السلام يوم الطف، بين سبعين 3، وإثنين وسبعين 4، وإثنين وثمانين 5، وسبعة وثمانين 6، ومئة وخمسة وأربعين 7، خمسماية فارس ومئة راجل 8، وورد في بعض المصادر أن عددهم كان ستين 9، أو واحد وستين 10، غير أن أشهر عدد لأنصار الإمام عليه السلام يوم الطف هو إثنان وسبعون. 
 
صحابة رسول الله في أنصار الإمام الحسين عليه السلام يوم الطف
 
لقد شارك بعض صحابة رسول الله في القتال في كربلاء إلى جانب الإمام الحسين عليه السلام ، وهم:
أنس بن الحارث الكاهلي الأسدي، وهو ممن روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثه: "إن ابني هذا، يُقتل بأرضٍ يُقال لها كربلاء، فمن شهد ذلك منكم فلينصره" 11
 
عبد الرحمن بن عبد ربّ الأنصاري الخزرجي، وهو ممن شهد حينما استشهد
 
 

1- إبصار العين، ص175- 176، البحار، ج101، ص273. 
2- إبصار العين، ص179- 181، وسيلة الدارين، ص168- 170، رقم98، البحار، ج101، ص272. 
3- مختصر تاريخ دول الإسلام للذهبي، ج1، ص31، تاريخ الخميس، ج2، ص227. 
4- الإرشاد، ج2، ص95، الأخبار الطوال، ص256، تاريخ ابن الوردي، ج1، ص164، المنتظم، ج5، 338. 
5- مناقب آل أبي طالب، ج4، ص98، نور الأبصار، ص259، مرآة الجنان، ج1، ص133. 
6- تارخ مختصر الدول لابن العنبري،ص110. 
7- تذكرة الخواص، ص145، مثير الأحزان، ص54، اللهوف، ص43. 
8- مروج الذهب، ج3، ص703. 
9- حياة الحيوان للدميري، ج1، ص73. 
10- راجع إثبات الوصية، 141. 
11- تاريخ ابن عساكر/ ترجمة الإمام الحسين عليه السلام، 347، رقم283. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
189

184

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

  الإمام علي عليه السلام الناس في الرحبة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "ألا إن الله عز وجل ولييّ، وأنا ولي المؤمنين، ألا فمن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم وال من والاه وعادِ من عاداه، وأحبّ من أحبّه، وابغض من أبغضه، وأعنْ من أعانه" 1.

 
حبيب بن مظاهر (مظهّر) الأسدي 2. عبدالله بن يقطر الحميري 3. مسلم بن عوسجة الأسدي 4. كنانة بن عتيق التغلبي 5. عمّار بن أبي سلامة الدالاني الهمداني 6. زياد بن عريب الهمداني الصائدي 7. عمروبن ضبعة الضبعي التميمي 8. أسلم (مسلم) بن كثير الأعرج الأزدي 9. زاهر مولى عمرو بن الحمق الخزاعي 10. سعد بن الحرث مولى علي بن أبي طالب عليه السلام 11. يزيد بن مغفل الجعفي 12. شبيب بن عبد الله مولى الحرث بن سريع الكوفي 13. جنادة بن الحرث السلماني الأزدي الكوفي 14. جندب بن حجير الخولاني الكوفي 15
 
وأما عدد أفراد الجيش الأموي، فقد تفاوتت الروايات والمتون التاريخية في
 
 

1- إبصار العين، 100، الجزري في أسد الغابة، 3، 307. 
2- إبصار العين، 100، ابن الكلبي في جمهرة النسب، ج، 241. 
3- إبصار العين، 93، ابن حجر، الإصابة،ج4، ص59، 
4- إبصار العين، 108، الجزري، أسد الغابة، 4: 264، ابن حجر، الإصابة، 6: 96، رقم7978، 
5- شهد موقعة أحد وسيلة الدارين، 184- 185، رقم132، إبصار العين، 199.
6- ابن حجر، الإصابة، 3: 112، رقم6463، تنقيح المقال، 1: 248، إبصار العين، 98، وسيلة الدارين، 117، رقم27. 
7- إبصار العين، 134- 135.
8- وسيلة الدارين، 177 رقم112. 
9- إبصار العين، 185، مستدركات علم رجال الحديث، 7: 415 رقم14919، وسيلة الدارين، 105، 106 رقم 11. 
10- البحار، 45، 72،معجم رجال الحديث: 7، 214، رقم4647، قاموس الرجال: 4، 403 رقم2903، إبصار العين، 173، وسيلة الدارين: 137- 138 رقم51، مستدركات علم رجال الحديث: 3، 416، رقم5699. 
11- إبصار العين: 96، وسيلة الدارين: 148، رقم59، مستدركات عليم رجال الحديث: 4، 27، رقم6108. 
12- إبصار العين، 153، تنقيح المقال: 3، 328، مستدركات علم رجال الحديث، 8، 263، رقم16387. 
13- وسيلة الدارين: 155 رقم75، تنقيح المقال: 2، 81 رقم5285، مستدركات علم رجال الحديث، 4، 199، رقم6812. 
14- وسيلةالدارين، 113، رقم21، تنقيح المقال: 1، 234، رقم1957، مستدركات علم رجال الحديث، 2، 239، رقم2935، إبصار العين، 144. 
15- وسيلة الدارين: 114، رقم23، تنقيح المقال: 1، 236، مختصر تاريخ دمشق لابن منظور: 6، 121، إبصار العين: 174. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
190

185

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 عدد الجيش الأموي الذي واجه الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء يوم عاشوراء، وهذه الأعداد على الترتيب من الأقلّ إلى الأكثر هي: 

 
ألف مقاتل 1، أربعة آلاف 2، ستة آلاف 3، ثمانية آلاف 4، إثنا عشر ألفاً، ستة عشر ألفاً 5، عشرون ألفاً 6، إثنان وعشرون ألفاً 7، ثلاثون ألفاً 8، خمسة وثلاثون ألفاً 9، أربعون ألفاً 10، خمسون ألفاً 11. وكان هؤلاء كما وصفتهم الروايات التاريخية من المزدلفين إلى الإمام عليه السلام لقتله 12، ومن أهل الأهواء والأطماع، ومن الانتهازيين 13، والمرتزقة 14، والفسقة والبطالين 15، والخوارج 16
 
والأقرب الأقوى أن عدد الجيش الأموي الذي واجه الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء هو ثلاثون ألفاً، لأن هناك رواية عن الإمام الحسن عليه السلام أنه خاطب الإمام الحسين عليه السلام قائلاً: 
"ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنّهم من أمة جدّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وينتحلون دين الإسلام، فيجتمعون على قتلك 
 
 

1- نور الإبصار: 143. 
2- نور الإبصار: 143. 
3- حياة الإمام الحسين عليه السلام، ج3،ص121، عن الصراط السوي في مناقب آل النبي: ص87. 
4- حياة الإمام الحسين بن علي عليه السلام 3، 120، عن مرآة الزمان في تواريخ الأعيان ص92. 
5- الدرّ النظيم: 551. 
6- الصواعق المحرقة: 197، الفصول المهمة: 175، مرآة الزمان: 1، 132. 
7- مقتل الحسين للخوارزمي، 2، 7، شذرات الذهب، 1، 67، مرآة الزمان، 1، 123 كشف الغمة، 2، 259. 
8- عمدة الطالب، 192. 
9- المناقب لابن شهر آشوب، 4، 98. 
10- نور العين في مشهد الحسين عليه السلام، 32. 
11- حياة الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام، 3، 120، عن شرح شافية أبي فراس، 1، 93.
12- أمالي الصدوق، 101 المجلس 24،حديث رقم3/ و373- 374، المجلس 70، حديث رقم10. 
13- سير أعلام النبلاء، 3، k303. 
14- - بحار الأنوار: 45، 56، المنتخب للطريحي: 451. 
15- تاريخ الطبري، 3، 317، إبصار العين، 122- 123. 
16- إبصار العين، 159، وسيلة الدارين، 149، رقم61، تنقيح المقال: 2، 12، رقم4666، مستدركات علم رجال الحديث، 4، 27، رقم6107.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
191

186

الإمام الحسين عليه السلام: في كربلاء‏

 وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك..." 1.

 
 ورواية أخرى عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنه قال: 
"ولا يوم كيوم الحسين عليه السلام ازدلف عليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنّهم من هذه الأمّة! كلٌّ يتقرب إلى الله عزّ وجلّ بدمه!! وهو بالله يذكّرهم فلا يتّعظون حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً..." 2
 
ولكن الثابت والمشهور أن أهل الشام لم يشتركوا في واقعة الطفّ، وأن جميع من حضر مقتل الحسين من العساكر وحاربه وتولىّ قتله كانوا من أهل الكوفة خاصة، "لم يحضرهم شاميّ" 3، ولكن قد يُستفاد أن أفراداً متفرّقين من أهل الشام قد حضروا كربلاء يوم عاشوراء في جيش ابن زياد، بل لعلّ من غير الممكن أن لا يتحقق هذا، لأنه لا بدّ للسلطة المركزية في الشام من مراسلين وجواسيس شاميين يعتمدهم يزيد بن معاوية، يواصلونه بكل جديد عن حركة الأحداث في العراق عامّة والكوفة خاصة. 
 
لكننا نقطع بأن يزيد بن معاوية لم يبعث إلى ابن زياد بأيّة قطعات عسكرية شاميّة للمساعدة في مواجهة الإمام الحسين عليه السلام .
 
 
 

1- أمالي الصدوق: 101، المجلس 24،حديث رقم 3.
2- أمالي الصدوق، 373- 374 المجلس 70، حديث رقم10. 
3- مروج الذهب، 3، ص71، ابن الجوزي في تذكرة الخواص: 226. 
4- ترجمة الإمام الحسين عليه السلام ومقتله، من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد، تحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي رحمه الله ص73، العقد الفريد، 5: 125،عيون الأخبار: 106، شرح الأخبار: 3، 157، الفتوح: 5،131، مناقب آل أبي طالب عليه السلام: 4، ص98 و109. أمالي الشيخ الصدوق، 138، المجلس الثلاثون، حديث رقم1، الكافي: 4، كتاب الصيام، 147، حديث رقم7. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
192

187

عاشوراء

 الهاشميين 1الذين تقدّموا إلى الشهادة بين يديه. وأمّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي، وهو يومئذٍ ابن ثمانية وعشرين سنة، فلما رآه الحسين رفع شيبته نحو السماء وقال: 

"اللهم اشهد على هؤلاء القوم، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلُقاً ومنطقاً برسولك محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، كنا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه. اللهم فامنعهم بركات الأرض، وإن منعتهم ففرّقهم تفريقاً، ومزّقهم تمزيقاً. واجعلهم طرائق قدداً، ولا تُرضي الولاة عنهم أبداًً، فإنهم دعونا لينصرونا، ثمّ عدوا علينا يقاتلونا ويقتلونا‍‍". 
 
ثم صاح الحسين عليه السلام بعمر بن سعد: 
"مالك، قطع الله رحمك، ولا بارك الله في أمرك، وسلّط عليك من يذبحك على فراشك، كما قطعت رحمي، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم رفع صوته وقرأ ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.
 
ثم حمل علي بن الحسين عليه السلام وهو يقول: 
 
أنا علي بن الحسين بن علي          نحن وبيت الله أولى بالنبي 
 
والله لا يحكم فينا ابن الدعي          أطعنكم بالرمح حتى ينثني 
 
أضربكم بالسيف حتى يلتوي         ضرب غلام هاشمي علوي 
 
 

1- هناك ثلاثة أقوال في هذا الصدد: 
1 – العباس بن علي بن أبي طالب عليه السلام: ذهب إلى هذا القول الشعبيراجع تذكرة الخواص، 230-. 
2- عبدالله بن مسلم بن عقيل عليه السلام، ذهب إليه السروي في المناقب، 4، 105. والصدوق في الأمالي، 226. وابن فتّال في روضة الواعظين، 118. والحائري، في تسلية المجالس، 2، 302. 
3- عليّ الأكبر عليه السلام، ذهب إليه أكثر المؤرخين كابن الأثير، في الكامل، 3، 293. والمفيد في الإرشاد، 2، 106. والبلاذري في أنساب الأشراف، ج 3، 406. وأبي الفرج الأصفهاني، في مقاتل الطالبيين، 86. والأندلسي في جمهرة أنساب العرب، 267. والسيد ابن طاووس في اللهوف، 166. والطبرسي في إعلام الورى، 2، 462. والدينوري في الأخبار الطوال، 256.وابن نما في مثير الأحزان، 68. وعشرات الكتب الأخرى تركناها رعاية للاختصار. 
ويؤيده ما ورد في زيارة الناحية المقدّسة من السلام عليه: "السلام عليك يا أول قتيل من نسل خير سليل من سلالة إبراهيم الخليل".راجع البحار، ج 45، 65-. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
136

188

عاشوراء

 عاشوراء

 
الاستعداد للقتال
 
لمّا أصبح الحسين عليه السلام يوم عاشوارء، وكان يوم الجمعة، صلّى بأصحابه صلاة الصبح، وقام خطيباً فيهم، فحمِد الله وأثنى عليه، ثم قال:"إن الله تعالى قد أذِنَ في قتلكم وقتلي في هذا اليوم فعليكم بالصبر والقتال "1
 
وأصبح عمر بن سعد في ذلك اليوم، فعبّأ أصحابه، وخرج فيمن معه من الناس نحو الحسين عليه السلام ، وكان على ميمنته عمرو بن الحجاج الزبيدى، وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن، وعلى الخيل عزرة بن قيس الأحمسي، وعلى الرجالة شبث بن ربعي، وأعطى الراية ذويداً دريداً) مولاه 2
 
ولما صبّحت الخيل الحسين عليه السلام رفع يديه وقال: 
"اللهم أنت ثقتي في كلّ كرب، ورجائي في كلّ شدة وأنت لي في كلّ أمرٍ نزل بي ثقةٌ وعدّة، كم من همٍّ يضعف فيه الفؤاد، وتقل فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبة منّي إليك عمّن 
 
 

1- إثبات الوصية، ص163 وكامل الزيارات ص 73. 
2- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص320و321. الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 95. الأخبار الطوال، الدينوري ص 256.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
193

189

عاشوراء

 سواك، ففرجته وكشفته، فأنت وليّ كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى كل رغبة "1. ثم صفّ أصحابه للحرب، وكانوا اثنين وسبعين فارِساً وراجلاً (اثنين وثلاثين فارسا وأربعين راجلا) 2، فجعل زُهير بن القين في الميمنة، وحبيب بن مظاهر في الميسرة 3، وثبت هو وأهل بيته في القلب 6، وأعطى رايته أخاه العبّاس 5، ثم وقف، ووقفوا معه أمام البيوت 6، وجعلوا البيوت في ظهورهم، وأمر بحطبٍ وقصبٍ كان من وراء البيوت أن يُترك في خندقٍ كان قد حُفر هناك وأن يُحرق بالنار، مخافة أن يأتوهم من ورائهم 7.

 
وزحف عمر بن سعد نحو الإمام الحسين عليه السلام في ثلاثين ألفاً. ثم أقبل أصحابه يجولون حول البيوت، فإذا بالنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان أنصار الإمام الحسين عليه السلام قد ألهبوا فيه النار من ورائهم لئلا يأتوهم من خلفهم، وتقدم منهم رجل من أصحاب عمر بن سعد يركض على فرس كامل الأداة، فلم يكلمهم حتى مر على أبياتهم، فنظر إليها فإذا هو لا يرى إلا حطبا تلتهب النار فيه، فرجع فنادى بأعلى صوته: يا حسين استعجلت النار في الدنيا قبل يوم القيامة!!
 
فقال الحسين عليه السلام : من هذا ؟ كأنه شمر بن ذي الجوشن! 
 
فقالوا: نعم أصلحك الله هو هو، فقال عليه السلام : يا ابن راعية المعزى أنت أولى بها صليا.
 
فقال له مسلم بن عوسجة: يا ابن رسول الله جعلت فداك ألا أرميه بسهم، فإنه
 
 

1- البحار، ج ج 45 ص 4. الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 96. تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 321.
2- الأخبار الطوال- الدينوري ص 256.
3- الإرشاد للمفيد، ج2ص 95. 
4- مقتل الحسين الخوارزمي: ج2، ص4. 
5- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص320.
6- الأخبار الطوال، الدينوري ص 256.
7- الإرشاد للمفيد ج2ص 96. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
194

190

عاشوراء

 قد أمكنني، وليس يسقط سهم، فالفاسق من أعظم الجبارين.

 
فقال له الحسين عليه السلام : لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم 1.
 
خطبة الإمام الحسين عليه السلام الأولى في أهل العراق
 
ثم دعا الإمام الحسين عليه السلام براحلته فركبها وتقدم حتى وقف بازاء القوم، فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنهم السيل، ونظر إلى ابن سعد واقفاً في صناديد الكوفة، ثم نادى بأعلى صوته، وجلهم يسمعون: " يا أهل العراق "
 
ثم قال: 
" أيّها الناس! اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم عليَّ، وحتى أعذر إليكم، فإن أعطيتموني النَّصَف كنتم بذلك أسعد، وإن لم تعطوني النَّصَف من أنفسكم فأَجمعوا رأيكم ثم لا يكن أمركم عليكم غُمّة ثم اقضوا إليَّ ولا تنظرون، إنّ وليي الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولى الصالحين!" 
 
ثم حمد الله وأثنى عليه وذكر الله بما هو أهله، وصلّى على النبي صلّى الله عليه وآله وعلى ملائكة الله وأنبيائه، فلم يسمع متكلم في قبله ولا بعده أبلغ منطق منه، فقال:
"الحمدلله الذي خلق الدنيا فجعلها دارَ فناءٍ وزوالٍ، متصرّفة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرور من غرَّته والشقي من فتنته، فلا تغرنّكم هذه الدنيا، فإنّها تقطع رجاء من ركن إليها وتُخيِّب طَمَعَ من طمٍع فيها، وأراكم قد اجتمعتم على أمرٍ قد أَسخطتم الله فيه عليكم وأعرَض بوجهه الكريم عنكم، وأحلَّ بكم نقمته، وجنَّبكم رحمته، فنعم الربُّ ربُّنا، وبئس العبيدُ أنتم ! أقررتم بالطاعة، وآمنتم بالرسول محمّد صلّى الله عليه وآله ثم إنّكم زحفتم إلى ذريته وعترته تريدون
 
 

1- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 322. الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 96.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
195

191

عاشوراء

  قتلهم، لقد استحوذ عليكم الشيطان، فأنساكم ذكر الله العظيم، فتبّاً لكم ولما تريدون، إنّا لله وإنّا إليه راجعون، هؤلاء قوم كفروا بعد إيمانهم فبُعداً للقوم الظالمين!!

 
أمّا بعد، فانسبوني فانظروا من أنا، ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هل يصلُحُ لكم قتلي وانتهاكُ حرمتي ؟ ألست ابنَ بنت نبيِّكم، وابنَ وصيه وابنَ عمه وأولَ المؤمنين المصدّق لرسول الله بما جاء به من عند ربه، أو ليس حمزة سيّد الشهداء عمّي، أو ليس جعفر الطيّار في الجنّة بجناحين عمّي ؟! أَوَ لم يبلغكُم ما قال رسول اللهِ لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنّة ؟ ! فإن صدّقتموني بما أقول وهو الحقّ، والله ما تعمّدت كذباً منذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله، وإن كذّبتموني فإنّ فيكم من لو سألتموه عن ذلك أخبرَكم، سلوا جابرَ بنَ عبدِ اللهِ الأنصاري وأبا سعيدٍ الخدريّ وسهل بن سعد الساعديّ وزيدَ بنَ أرقم وأنسَ بنَ مالك، يخبروكم أنّهم سمعوا هذه المقالةَ من رسول اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ لي ولأخي، أَمَا في هذا حاجز لكم(يحجزكم) عن سفك دمي ؟!". 
 
فقال عمر: ويلكم كلموه فإنّه ابن أبيه، والله لو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً لما انقطع ولما حصر، فكلموه!
 
فتقدم شمر لعنه الله فقال: يا حسين ما هذا الذي تقول ؟ أفهمنا حتى نفهم!
 
فقال: أقول اتّقوا الله ربكم ولا تقتلوني، فإنّه لا يحلّ لكم قتلي، ولا انتهاك حرمتي، فإنّي ابنُ بنت نبيِّكم، وجدّتي خديجة زوجة نبيِّكم، ولعلّه قد بلغكم قول نبيِّكم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة 1
 
فقال له شمر بن ذي الجوشن: (أنا أعبد الله على حرف إن كنت أدري ما تقول!) 2 فقال له حبيب بن مظاهر: والله إني لأراك تعبد الله على سبعين حرفاً، وأنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول، قد طبع الله على قلبك. 
 
 

1- بحار الأنوار، العلامة المجلسي ج 45 ص 5 وص 6.
2- مقتل الحسين الخوارزمي، ج ج 1 ص358.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
196

192

عاشوراء

 فقال له الإمام الحسين عليه السلام : حسبك يا أخا بني أسد! فقد قضي القضاء، وجف القلم، والله بالغ أمره، والله إنّي لأشوق إلى جدي وأبي وأمّي وأخي وأسلافي من يعقوب إلى يوسف وأخيه! ولي مصرع أنا لاقيه!

 
ثم قال لهم الحسين عليه السلام : " فإن كنتم في شك من هذا،أفتشكون أنّي ابن بنت نبيكم!فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم، ويحكم أتطلبوني بقتيلٍ منكم قتلته، أو مالٍ لكم استهلكته، أو بقصاصِ جراحة ؟!"
 
فأخذوا لا يكلمونه، فنادى: " يا شبث بن ربعي، يا حجار بن أبجر، يا قيس بن الأشعث، يا يزيد بن الحارث، ألم تكتبوا إليَّ أن قد أينعت الثمار واخضرَّ الجناب، وإنما تُقدِم على جُند لك مجنّد؟! " 
 
فقال له قيس بن الأشعث: ما ندري ما تقول، ولكن انزل على حكم بني عمك، فإنهم لن يروك إلا ما تحب.
 
فقال له الحسين عليه السلام " لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفرّ فرار(أقر إقرار) العبيد". 
 
ثم نادى: " يا عباد الله، إنّي عذت بربّي وربّكم أن ترجمون، أعوذ بّربي وربّكم من كل متكبرٍ لا يؤمن بيوم الحساب ".
 
ثم إنه أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها 1
 
وكان بين يديه برير بن خضير الهمداني، فقال له الإمام عليه السلام : كلّم القوم يا برير وانصحهم! 
 
فتقدم برير فقال: يا قوم اتّقوا الله فإنّ ثقل محمّد قد أصبح بين أظهركم، هؤلاء ذريته وعترته وبناته وحرمه، فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون أن تصنعوه بهم ؟ 
 
 
 

1- الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 97 وص 98. تاريخ الطبري ج 4 ص 322.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
197

193

عاشوراء

 فقالوا: نريد أن نمكّن منهم الأمير ابن زياد، فيرى رأيه فيهم !


فقال لهم برير: أفلا تقبلون منهم أن يرجعوا إلى المكان الذي جاؤوا منه ؟ ويلكم يا أهل الكوفة أنسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها وأشهدتم الله عليها، يا ويلكم أدعوتم أهل بيت نبيكم، وزعمتم أنكم تقتلون أنفسكم دونهم، حتى إذا أتوكم أسلمتموهم إلى ابن زياد، وحلأتموهم عن ماء الفرات!! بئس ما خلفتم نبيكم في ذريته، ما لكم لا سقاكم الله يوم القيامة، فبئس القوم أنتم !

فقال له نفر منهم: يا هذا ما ندري ما تقول ؟ |

فقال برير: الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة!! اللهم إني أبرء إليك من فعال هؤلاء القوم! اللهم ألق بأسهم بينهم، حتى يلقوك وأنت عليهم غضبان!

فجعل القوم يرمونه بالسهام، فرجع برير إلى ورائه.

ثم خطب زهير بن القين فقال:
يا أهل الكوفة! نذارِ لكم من عذاب الله نذارِ! إنّ حقاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتى الآن إخوة، وعلى دين واحد وملة واحدة، ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منّا أهل، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة وكنا أمة وأنتم أمة.

إنّ الله قد ابتلانا وإياكم بذرية نبيه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، لينظر ما نحن وأنتم عاملون، إنا ندعوكم إلى نصرهم وخذلان الطاغية عبيدالله بن زياد، فإنكم لا تدركون منهما إلا بسوء عمر سلطانهما كله! ليسملان أعينكم ويقطعان أيديكم وأرجلكم، ويمثلان بكم، ويرفعانكم على جذوع النخل، ويقتلان أماثلكم وقرّاءكم، أمثال حجر بن عدي وأصحابه وهانيء بن عروة وأشباهه.

فسبّوه وأثنوا على عبيد الله بن زياد ودعوا له، وقالوا: والله لا نبرح حتى نقتل صاحبك ومن معه، أو نبعث به وبأصحابه إلى الأمير عبيدالله سلماً!

فقال لهم زهير: عباد الله إن ولد فاطمة رضوان الله عليها أحق بالود والنصر
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
198

194

عاشوراء

 من ابن سمية، فإن لم تنصروهم فأعيذكم بالله أن تقتلوهم، فخلوا بين هذا الرجل وبين ابن عمه يزيد بن معاوية، فلعمري إنَّ يزيد ليرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين عليه السلام !

 
فرماه شمر بن ذي الجوشن بسهم، وقال: اسكت! أسكت الله نأمتك! أبرمتنا بكثرة كلامك! فقال له زهير: يا ابن البوَّال على عقبيه! ما إياك أخاطب! إنما أنت بهيمة! والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين! فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم!
 
فقال له شمر: إن الله قاتلك وصاحبك عن ساعة!
 
قال زهير: أفبالموت تخوفني! فوالله للموت معه أحب إلى من الخلد معكم!
 
ثم أقبل على الناس رافعاً صوته فقال: عباد الله لا يغرنكم من دينكم هذا الجلف الجافي وأشباهه! فوالله لا تنال شفاعة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم قوماً أهرقوا دماء ذريته وأهل بيته، وقتلوا من نصرهم وذبَّ عن حريمهم.
 
فناداه رجل فقال له: إن أبا عبد الله يقول لك أقبل فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء لقد نصحت لهؤلاء وأبلغت لو نفع النصح والإبلاغ 1
 
ثم خطب الإمام الحسين عليه السلام خطبة ثانية، وقال: 
" تبّاً لكم أيتها الجماعة وترحا! حين استصرختمونا والهين فأصرخنا كم موجفين! سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم! وحششتم علينا ناراً اقتدحناها على عدوّنا وعدوّكم! فأصبحتم إلباً لأعدائكم على أوليائكم، بغير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم! فهلّا لكم الويلات! تركتمونا والسيف مشيم والجأش طامن والرأي لمّا يستحصف! ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدبى!
 
 
 

1-  تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 323 – 324. الكامل في التاريخ لابن الاثير ج 3 ص 288. تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 177. أنساب الأشراف، ج3 ص 397.
                                                                                        
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
199

195

عاشوراء

 وتداعيتم إليها كتهافت الفراش! فسحقاً يا عبيد الأمّة، وشذاذ الأحزاب، ونبذة الكتاب، ومحرّفي الكلم، وعصبة الآثام، ونفثة الشيطان، ومطفئي السنن! أهؤلاء تعضدون وعنّا تتخاذلون!!؟


أجل والله! الغدر فيكم قديم! وشجت إليه أصولكم وتأزرّت عليه فروعكم! فكنتم أخبث ثمر! شجى للناظر وأكلة للغاصب!

ألا وإنّ الدَّعي ابن الدَّعي قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منَّا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام! ألا وإنّي زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد وخذلة الناصر!

فـإن نُـهزم فـهزّامون قـِدمـاً             وإن نُغلـب فغـير مُغلَّبيـنا

ومـا إن طـبّنا جـُبنٌ ولـكـن             منـايانا ودولــة آخـريـنا

إذا مـا الـموت رفِّع عن أُناس          كـلاكـله أنـاخ بآخـريـنا

فـأفنى ذلـكم سروات قومـي            كمـا أفنـى القرون الأولينا

فلـو خلُد الـملوك إذاً خلُدنا             ولـو بقي الكـرام إذاً بقينا

فقـل للشامتيـن بنـا أفــيقوا            سيلقى الشامتون كما لقينا


ثم أَيمَّ الله لا تلبثون بعدها إلا كريث ما يركب الفرس، حتى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور، عهد عهده إليّ أبي عن جدّي، فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثمَّ لا يكن أمركم عليكم غمَّة ثمَّ اقضوا إليّ ولا تنظرون، إنِّي توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إنَّ ربِّي على صراطٍ مستقيم. 

ثم رفع يديه نحو السماء وقال: 
"اللهمّ احبس عنهم قطر السماء، وابعث عليهم سنين كسنيِّ يوسف، وسلِّط
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
200

196

عاشوراء

  عليهم غلامَ ثقيفٍ، يسقيهم كأساً مصبَّرةً 1، والله لا يدعُ أحداًً منهم إلا انتقم لي منه قتلةً بقتلةٍ، وضربةً بضربةٍ، وإنَّه لينتصر لي ولأهل بيتي وأشياعي. فإنّهم كذَّبونا وخذلونا، وأنت رّبنا عليك توكلنا، وإليك أنبنا وإليك المصير". 

 

 
ثم نزل عليه السلام ودعا بفرس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المرتجز فركبه وعبَّأ أصحابه للقتال 2.
 
واستدعى الحسين عليه السلام عمر بن سعد فدُعي له، وكان كارهاً لا يحبُّ أن يأتيه، فقال: "أي عمر!! أتزعم أنّك تقتلني، ويولّيك الدَّعي بلاد الري 17 وجُرجان4، والله لا تهنأ بذلك، عهدٌ معهود، فاصنع ما أنت صانعٌ، فإنّك لا تفرحُ بعدي بدنياً ولا آخرةٍ، وكأنّي برأسك على قصبة يتراماه الصبيان بالكوفة، ويتّخذونه غرضاً بينهم"... 
 
فصرف بوجهه عنه مغضباً 5
 
نشوب القتال
 
تقدم عمر بن سعد نحو جيش الحسين عليه السلام ، ثم نادى غلامه: يا ذويد(دريد) !! أدن رايتك! فأدناها، ثم وضع عمر سهمه في كبد قوسه ثم رمى بسهم فقال: اشهدوا ( لي عند الأمير) أنّي أول من رمى 6، فرمى أصحابه 7كلهم بأجمعهم في أثره رشقة واحدة كأنَّها القطر 8، فما بقي من أصحاب الحسين عليه السلام أحد إلاّ
 
 

1- صبّر الكأس أي ملأها إلى رأسها، والصبرة بمعنى المُرة، المنجد، والمعنى يسقيهم كأساً مُرّة. 
2- -اللهوف في قتلى الطفوف، السيد ابن طاووس الحسني ص 58- 60 ومقتل الخوارزمي، ج2 ص6.
3- الريُ: بفتح الراء وتشديد الياء، مدينة إيرانية بالقرب من طهران دفن فيها عبد العظيم بن عبدالله الحسني، وذكر ياقوت أن طهران كانت تُعدّ من قرى "الري"، بينهما نحو فرسخ، راجع طهران من معجم البلدان ج4 ص51. 
4- جُرْجان: بضم الجيم وسكون الراء، مدينة مشهورة عظيمة بين طبرستان وخراسان، راجع ياقوت في معجم البلدان: ج3 ص119. 
5- المقتل للمقرم: ص284، نقلاً عن تظلّم الزهراء عليه السلام ص110، ومقتل الخوارزمي، ج2 ص8. 
6- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 325، 326.
7- الخطط للمقريزي: ج2، ص287. الإرشاد، ج2 ص101. تاريخ الطبري، ج 4 ص321. إعلام الورى، ج2 ص461. الكامل في التاريخ، ج3 ص289.
8- اللهوف على قتلى الطفوف، ص158.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
201

197

عاشوراء

  أصابه من رميتهم سهم! 1 فقال الإمام الحسين عليه السلام لأصحابه: قوموا يرحمكم الله إلى الموت الذي لا بد منه فإنَّ هذه السهام رسل القوم إليكم!! 

 
توبة الحر 
 
فلما رأى الحر بن يزيد الرياحي أن القوم قد صمموا على قتال الحسين عليه السلام ، وكان قد شاع في صفوف جيش ابن سعد أن الإمام الحسين عليه السلام عرض خصالاً على عمر بن سعد أحدها أن يتركوه يضع يده في يد يزيد، وقد تقدم أن ذلك ليس إلاّ كذبة ابتكرها عمر بن سعد نفسه لكي ينجو من التورط في قتل الحسين عليه السلام ، وقد انتهت هذه الكذبة عندما رفض عبيد الله بن زياد اقتراح عمر، فقد تقدم الحر من ابن سعد وقال له: أي عمر، أصلحك الله أمقاتل أنت هذا الرجل؟ 
 
قال: إي والله!! قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي.
 
قال: أفما لكم في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضىً؟
 
قال عمر بن سعد: أما والله لو كان الأمر إليّ لفعلت ولكن أميرك قد أبى ذلك.
 
فأقبل الحر حتى وقف من الناس موقفاً، ومعه رجل من قومه يقال له قرة بن قيس، فقال يا قرة هل سقيت فرسك اليوم؟
 
قال: لا.
 
قال الحر: فما تريد أن تسقيه؟
 
قال قرة: فظننت والله أنه يريد أن يتنحى فلا يشهد القتال، وكره أن أراه حين يصنع ذلك فيخاف أن أرفعه عليه، فقلت له: لم أسقه وأنا منطلق فساقيه. فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه 2
 
 
 

1- مقتل الحسين الخوارزمي ج2 ص11. تسلية المجالس ج2 ص278.
2- لم نذكر هنا كلاماً لقرّة، ذكره حين رواية هذا الكلام بعد عاشوراء، يقول فيه لو أن الحر قال له حقيقة ما كان يريد فعله من الإلتحاق بالإمام الحسين عليه السلام لالتحق به معه، ولا شك أن قرّة يكذب، فقد بقي في جيش الضلالة حتى بعد التحاق الحر بالإمام الحسين عليه السلام.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
202

198

عاشوراء

 فأخذ الحر يدنو من حسين ٍقليلاً قليلاًً، فقال له رجل من قومه يقال له المهاجر بن أوس: ما تريد يا ابن يزيد؟ أتريد أن تحمل؟ 

 
فسكت الحر وأخذه مثل العرواء (الأفكل)، وهي الرعدة !!
 
فقال له: يا ابن يزيد! والله إن أمرك لمريب، والله ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن، ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة رجلاًً ما عدوتك، فما هذا الذى أرى منك؟ 
 
قال الحر: إني والله أخيّر نفسي بين الجنة والنار!! ووالله لا أختار على الجنة شيئاً ولو قطِّعت وحرِّقت!!
 
ثم ضرب فرسه فلحق بالإمام الحسين عليه السلام وهو يقول: 
" اللهم إليك أنيبُ فتب عليَّ، فقد أرعبت قلوبَ أوليائك، وأولاد نبيّك" 1.
 
ثم قال له: جعلني الله فداك يا ابن رسول الله! أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك في هذا المكان، والله الذي لا إله إلا هو ما ظننت أن القوم يردّون عليك ما عرضت عليهم أبداًً! ولا يبلغون منك هذه المنزلة! (فقلت في نفسي لا أبالي أن أطيع القوم في بعض أمرهم ولا يرون أنَّي خرجت من طاعتهم وأما هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم!)
 
والله لو ظننت أنهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك! وإني قد جئتك تائباً مما كان مني إلى ربي ومواسياً لك بنفسي حتى أموت بين يديك! أفترى ذلك لي توبة ؟؟
 
قال نعم يتوب الله عليك 2، أنت الحر كما سمتك أمك، أنت الحر، إن شاء الله، في الدنيا والآخرة.. إنزل..
 
قال: أنا لك فارساً خير مني راجلاً أقاتلهم على فرس ساعة وإلى النزول ما يصير آخر أمري.
 
 

1- أمالي الصدوق، ص223. 
2- اللهوف على قتلى الطفوف: ص103، والأمالي للصدوق: ص223، ذكر الطبري هنا أن الإمام عليه السلام سأله عن اسمه، ولم نذكر ذلك لأن الصدوق في أماليه ص 218 ذكر ذلك عندما تعرّف الإمام عليه السلام عليه حينما التقيا أول مرة.
 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
203

199

عاشوراء

 قال الحسين عليه السلام : فاصنع يرحمك الله ما بدا لك!

 
ثم استأذن الحر الحسين عليه السلام في أن يُكلّم أهل الكوفة، فأذن له، فاستقدم أمام (الحسين) أصحابه ثم قال: أيها القوم ألا تقبلون من حسين خصلة من هذه الخصال التي عرض عليكم فيعافيكم الله من حربه وقتاله؟
 
قالوا: هذا الأمير عمر بن سعد فكلِّمه!
 
فكلّمه بمثل ما كلَّمه به قبل وبمثل ما كلَّم به أصحابه.
 
قال عمر: قد حرصت، لو وجدت إلى ذلك سبيلاً فعلت! 
 
فقال الحر: يا أهل الكوفة، لأمكم الهبل والعبر! إذ دعوتموه (أدعوتم هذا العبد الصالح) حتى إذا أتاكم أسلمتموه، وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه، أمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه 1، وأحطتم به من كل جانب فمنعتموه التوجه في بلاد الله العريضة، حتى يأمن ويأمن أهل بيته، وأصبح في أيدكم كالأسير لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضراً، وحلأتموه 2 ونساءه وصبيته وأصحابه عن ماء الفرات الجاري... وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه! وهاهم قد صرعهم العطش! بئسما خلفتم محمّداً في ذريته، لا أسقاكم الله يوم الظمأ الأكبر (إن لم تتوبوا وتنزعوا عما أنتم عليه من يومكم هذا في ساعتكم هذه).
 
فحملت عليه رجالة لهم ترميه بالنبل، فأقبل حتى وقف أمام الحسين 3 عليه السلام .
 
 

1- يقال: اخذت بكظمه أي بمخرج نفسه " الصحاح - كظم - 5: 2023".
2- حلاه عن الماء: طرده ولم يدعه يشرب " الصحاح - حلا - 1: 45 ".
3- - تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 323، 324، 325، 326. الكامل في التاريخ: ج4، ص65.
الإرشاد، الشيخ المفيد، ج 2 ص 99، 100.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
204

200

عاشوراء

 خروج مسروق بن وائل من ساحة كربلاء

 
وكان مسروق بن وائل في أوائل الخيل، ممن سار إلى الحسين عليه السلام، فقال: أكون في أوائلها لعلّي أصيب رأس الحسين عليه السلام فأصيب به منزلة عند عبيد الله بن زياد !! 
 
فلما انتهى إلى الحسين عليه السلام تقدَّم رجل من القوم يقال له عبد الله ابن حوزة حتى وقف أمام الحسين عليه السلام فقال: أفيكم حسين ؟ 
 
فسكت الحسين عليه السلام فقالها ثانية، فسكت، حتى إذا كانت الثالثة، قال الحسين عليه السلام :
 
قولوا له نعم ! هذا حسين، فما حاجتك.
 
فقال ابن حوزة: يا حسين أبشر بالنار !
 
قال الحسين عليه السلام : كذبت!! بل أقدم على ربٍّ غفورٍ وشفيعٍ مطاع، فمن أنت ؟
 
قال: ابن حوزة !!!
 
فرفع الحسين عليه السلام يديه حتى رأينا بياض إبطيه من فوق الثياب، ثم قال: اللهم حزَّه إلى النار!!
 
فغضب ابن حوزة فذهب ليقحم إليه الفرس وبينه وبينه نهر، فاضطرب به فرسه في جدول فوقع فيه، وتعلقت رجله اليسرى بالركاب وارتفعت اليمنى ووقع رأسه في الأرض، فشدَّ عليه مسلم بن عوسجة فضرب رجله اليمنى فطارت، ونفر الفرس وعدا به فانقطعت قدمه وساقه وفخذه وبقي جانبه الآخر متعلقاً بالركاب، فأخذه الفرس يمرّ به فيضرب برأسه كل حجر وكل شجرة حتى مات. 
 
فرجع مسروق وترك الخيل من ورائه، بعد أن رأى الاستجابة الفورية لأهل البيت 1عليه السلام .
 
 

1- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 327، 328. الإرشاد، الشيخ المفيد ج 2 ص 102.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
205

201

عاشوراء

 المبارزة الأولى

 
ثم برز يسار مولى زياد بن أبي سفيان وسالم مولى عبيد الله بن زياد، فقالا: من يبارز ؟ ليخرج إلينا بعضكم! فوثب حبيب بن مظاهر وبرير بن خضير! فقال لهما الحسين عليه السلام : اجلسا! فقام عبد الله بن عمير الكلبي فقال: أبا عبد الله رحمك الله! ائذن لي فلأخرج اليهما!! فرأى الحسين عليه السلام رجلاً آدم طويلاً شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين، فقال الحسين عليه السلام : إني لأحسبه للأقران قتّالاًً !! اخرج إن شئت. فخرج إليهما. 
 
فقالا له: من أنت؟ فانتسب لهما.
 
فقالا: لا نعرفك!! ليخرج إلينا زهير بن القين أو حبيب بن مظاهر أو برير بن خضير !! ويسار مستنتل 1أمام سالم.
 
فقال له الكلبي: يا ابن الزانية! وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس؟! وما يخرج إليك أحد من الناس إلا وهو خير منك؟
 
ثم شدَّ عليه فضربه بسيفه حتى برد، فإنه لمشتغل بضربه إذ شدَّ عليه سالم مولى عبيدالله بن زياد، فصاح به أصحابه: قد رهقك العبد !! فلم يأبه له حتى غشيه فبدره ضربة اتَّقاها ابن عمير بكفِّه اليسرى فأطارت أصابع كفه ثمَّ شدَّ عليه فضربه حتى قتله، وأقبل وقد قتلهما جميعاً وهو يقول: 
 
إن تنكروني فأنا ابن كلب حسبي            ببيتي في عُلَيمٍ حسبي
 
إنّي امرؤ ذو مِرَّةٍ وعصب                  ولـست بالخوّار عـند الـنكب 
 
إنّـي زعيم لـك أمَّ وهب                 بالـطّعن فيهم مُقدما والـضرب    
 
ضرب غلام مؤمن بالرب 
 
فأخذت أم وهب امرأته عموداً ثم أقبلت نحو زوجها تقول له: فداك أبي وأمي قاتل دون الطيبين ذرية محمّد!
 


1- استنتل، تقدّم أمامه في الصف في الحرب، لسان العرب، ابن منظور، ج11 ص644.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
206

202

عاشوراء

 فأقبل إليها يردّها نحو النساء، فأخذت تجاذب ثوبه! ثم قالت: إني لن أدعك دون أن أموت معك! فناداها الحسين عليه السلام فقال:

"جزيتم من أهل بيت خيراًً، إرجعي رحمك الله إلى النساء فاجلسي معهن فإنّه ليس على النساء قتال" ! فانصرفت اليهن 1.
 
الحملة الأولى
 
وحمل شمر بن ذي الجوشن في ميسرة أهل الكوفة على ميمنة الإمام الحسين عليه السلام فثبتوا له فطاعنوه وأصحابه، وحمل عمرو بن الحجاج وهو في ميمنة أهل الكوفة من نحو الفرات على ميسرة الإمام الحسين عليه السلام ، وهو يقول: يا أهل الكوفة! الزموا طاعتكم وجماعتكم، ولا ترتابوا في قتل مَن مَرق عن الدين وخالف الإمام !!
 
فقال له الحسين عليه السلام : يا عمرو بن الحجاج ! أَعليّ تحرّض الناس؟ أنحن مرقنا وأنتم ثبتم عليه ؟ أَما والله لتعلمن لو قد قبضت أرواحكم ومتّم على أعمالكم أيّنا مرق من الدّين، ومن هو أولى بصلي النّار!.
 
فلما أن دنت خيل أهل الكوفة من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام ثبتوا، وجثوا 2لهم على الركب، وأشرعوا 3الرماح نحوهم، فلم تقدِم الخيل على الرماح، فلما ذهبت الخيل لترجع رشقهم أصحاب الحسين عليه السلام بالنبل، فصرعوا رجالاً وجرحوا آخرين 4..
 
ثم حمل عمرو بن الحجاج في أصحابه على الحسين عليه السلام من نحو الفرات فاقتتلوا ساعة، ثم انصرف عمرو بن الحجاج وأصحابه، وارتفعت الغبرة، فإذا هم 
 
 

1- تاريخ الطبري، الطبري، ج4 ص327.
2- جثا أي جلس على ركبتيه، المنجد. 
3- أشرع الشيء أي رفعه جداًً، المنجد. 
4- المقتل للمقرم، ص290، نقلاً عن الكامل لابن كثير: ج8، ص182. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
207

203

عاشوراء

  بمسلم بن عوسجة الأسدي صريع، فمشى إليه الحسين عليه السلام فإذا به رمق، فقال: 

"رحمك ربك يا مسلم ابن عوسجة،" ﴿فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ 1!
 
ودنا منه حبيب ابن مظاهر، فقال: عزّ عليّ مصرعك يا مسلم! أبشر بالجنة!
 
فقال له مسلم، قولاً ضعيفاً: بشَّرك الله بخير!
 
فقال له حبيب: لولا أني أعلم أني في أثرك لاحق بك من ساعتي هذه لأحببت أن توصيني بكل ما أهمك، حتى أحفظك في كل ذلك بما أنت أهل له في القرابة والدين!
 
قال: بل أنا أوصيك بهذا رحمك الله، وأهوى بيده إلى الحسين، أن تموت دونه!
 
قال حبيب: أفعل وربّ الكعبة! 
 
فما كان بأسرع من أن مات في أيديهم 2، وكان أول 3 شهيد من أصحاب الحسين عليه السلام .. وصاحت جارية له فقالت: يا ابن عوسجتاه يا سيداه !! فتنادى أصحاب عمرو بن الحجاج: قتلنا مسلم ابن عوسجة الأسدي. 
 
فقال شبث لبعض من حوله من أصحابه: ثكلتكم أمهاتكم! إنما تقتلون أنفسكم بأيديكم وتذللون أنفسكم لغيركم! تفرحون أن يقتل مثل مسلم بن عوسجة؟ أما والذي أسلمت له، لربَّ موقفٍ له قد رأيته في المسلمين كريم! لقد رأيته يوم سلق آذربيجان قتل ستة من المشركين قبل تَتَامّ خيول المسلمين!! أفيقتل منكم مثله وتفرحون ؟. 
 
وكان الذي قتل مسلم بن عوسجة، مسلم بن عبد الله الضبابي وعبد الرحمن ابن أبي خشكارة البجلي 4
 
 
 

1- الأحزاب 33: 23.
2- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 327. والإرشاد للشيخ المفيد ج2، ص104. 
3- بحار الأنوار، ج45 ص69-70.
4- تاريخ الطبري، ج4 ص327. الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2 ص 105. المنتظم، ابن الجوزي، ج5 ص339. البداية والنهاية، ابن كثير، ج8 ص182.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
208

204

عاشوراء

 وحمل شمر بن ذي الجوشن في ميسرة عمر بن سعد على ميمنة الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه، فثبتوا له فطاعنوه وأصحابه، وقاتل عبد الله بن عمير الكلبي قتالاًً شديداًً، فقتل رجلين آخرين من أصحاب شمر، فحمل عليه هانيء بن ثبيت الحضرمي وبكير بن حي التيمى فقتلاه، وكان الشهيد الثاني من أصحاب الحسين عليه السلام . وخرجت امرأة الكلبي تمشي إلى زوجها، حتى جلست عند رأسه تمسح عنه التراب، وتقول: هنيئاً لك الجنة، فقال شمر بن ذي الجوشن لغلام يسمى رستم: اضرب رأسها بالعمود، فضرب رأسها فشدخه، فماتت مكانها 1.

 
استشهاد مجموعة الصيداوي بكاملها
 
وفي أول الحملة الأولى، وما أن نشب القتال، حتى شدَّ الصيداوي عمرو بن خالد، وجنادة بن الحارث السلماني2، ومجمع بن عبد الله العائذي، وابنه عائذ، وسعد مولى عمر بن خالد، وواضح مولى الحرث، مقدمين بأسيافهم على أهل الكوفة، فلما وغلوا عطف عليهم أصحاب عمر بن سعد فأخذوا يحوزونهم وقطعوهم من أصحابهم غير بعيد، فحمل عليهم العباس بن علي عليه السلام ، فاستنقذهم فجاؤوا قد جرّحوا، فلما دنا منهم عدوهم شدّوا بأسيافهم فقاتلوا حتى قتلوا في مكان واحد 3.
 
الهجوم المعاكس لأنصار الإمام الحسين عليه السلام 
 
ثم حمل أصحاب الحسين عليه السلام حملة واحدة 4، وقاتلوهم قتالاً شديداًً، وأخذت خيلهم تحمل، وإنما هم اثنان وثلاثون فارساً، وأخذت لا تحمل على جانب من خيل أهل الكوفة إلا كشفته.
 
 

1- - تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 334و 335و336. أنساب الأشراف، ج3، ص401، الكامل في التاريخ، ج3 ص291.
2- رجال الشيخ الطوسي، ص99 رقم 968.
3- تاريخ الطبري، الطبري ج 4ص340
4- اللهوف على قتلى الطفوف، ص101. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
209

205

عاشوراء

 مقدمة جيش ابن سعد تطلب النجدة

 
فلما رأى عزرة بن قيس، وهو على خيل أهل الكوفة، أن خيله تنكشف من كل جانب، ورأى الوهنَ في أصحابه والفشل كلّما يحملون، بعث إلى عمر بن سعد عبدَ الرحمن بنَ حصن فقال: أما ترى ما تلقى خيلي منذ اليوم من هذه العدة اليسيرة؟
 
ابعث إليهم الرجال والرماة!! فقال عمر بن سعد لشبث بن ربعي: ألا تقدم إليهم؟
 
فقال: سبحان الله أتعمد إلى شيخ مصر وأهل مصر عامة تبعثه في الرماة ؟؟ لم تجد من تندب لهذا ويجزي عنك غيري 1؟
 
وكان الحصين بن نمير السكوني على شرطة عبيدالله بن زياد، فبعثه إلى الحسين عليه السلام ، وكان مع عمر بن سعد، فاستدعاه، فبعث معه المجفّفة 2 وخمسمائة من المرامية، فأقبلوا حتى إذا دنوا من الحسين عليه السلام وأصحابه رشقوهم بالنبل، واشتدَّ القتال، وأكثر أصحاب الحسين فيهم الجراح، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم فصاروا رجالة كلهم 3
 
وصول أوباش الكوفة إلى قلب معسكر الإمام الحسين عليه السلام 
 
ثم حمل الشِّمر في جماعة من أصحابه على ميسرة الحسين عليه السلام حتى طعن فسطاط الحسين برمحه، ونادى عليّ بالنار حتى أحرق هذا البيت على أهله. فصاح النساء وخرجن من الفسطاط، وصاح به الحسين عليه السلام : يا ابن ذي الجوشن، أنت تدعو بالنّار لتحرق بيتي على أهلي، حرقك الله بالنّار!
 
 

1- ذكر الطبري، في ج4 ص333: أنهم ما زالوا يرون من شبث الكراهة لقتاله عليه السلام وقال أبو زهير العبسي: فأنا سمعتهيعني شبث- في إمارة مصعب يقول: لا يعطي الله أهل هذا المصر خيراً أبداً ولا يسددهم لرشدّ ألا تعجبون أنّا قاتلنا مع علي بن أبى طالب ومع ابنه من بعده آل أبي سفيان خمس سنين ثم عدونا على ابنه وهو خير أهل الأرض نقاتله مع آل معاوية وابن سمية الزانية، ضلال يالك من ضلال.
2- فرقة عسكرية من الرماة، كان أفرادها يحملون دروعاً كبيرة تقيهم وتقي الرماة منهم نبال ورماح الأعداء، والظاهر أن مهمتها كانت كمهمة القصف التمهيدي في الجيوش الحديثة.
3- - تاريخ الطبري، الطبري ج4 ص 332و331. إعلام الورى، ص245، والكامل في التاريخ، ج4، ص69. الإرشاد، الشيخ المفيد، ص 104.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
210

206

عاشوراء

 فحمل عليه زهير بن القين في عشرة رجال من أصحابه، فشدَّ على شمر بن ذي الجوشن وأصحابه، فكشفهم عن البيوت 1 حتى ارتفعوا عنها، وصرعوا أبا عزة الضبابي فقتلوه وكان من أصحاب شمر 2

 
وقاتلوهم حتى انتصف النهار أشد قتال خلقه الله! فلم يقدروا أن يأتوهم من وجهٍ واحدٍ لتقارُب أبنيتهم، فأرسل ابن سعدٍ الرجال ليقوِّضوها 3 عن أيمانهم وعن شمائلهم ليحيطوا بهم، فأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين يتخلّلون البيوت فيشدّون على الرجل وهو ينهب فيقتلونه، ويرمونه من قريب فيعقرونه. فقال ابن سعدٍ: احرقوها بالنار، فأضرموا فيها النار، فصاحت النساء ودُهِشت الأطفال، فقال الحسين عليه السلام : دعوهم فليحرقوها! فإنّهم لو قد حرقوها لم يستطيعوا أن يجوزوا إليكم منها!
 
وكان ذلك كذلك 4 وأخذوا لا يقاتلونهم إلا من وجه واحد.
 
وأحاط جيش عمر بن سعد بأصحاب الإمام الحسين عليه السلام وبمعسكره من كل جانب، وتعطفوا عليهم من كل جهة وبجميع الأسلحة، واستعر القتال، وتفوّقت الكثرة عدداً وعدةً وكثافةً في الرماية على القلّة، وأخذ أصحاب الإمام الحسين عليه السلام يستشهدون واحداً تلو الآخر، فكان إذا قتل الرجل أو الرجلان من أصحاب الإمام عليه السلام يبين ذلك فيهم لقلتهم، ولا يبين القتل في جيش عمر بن سعد لكثرتهم.
 
وانجلت غبرة الحملة الأولى عن تسعة وخمسين صريعاً 5 من أصحاب الحسين عليه السلام . فعندها ضرب الحسين عليه السلام بيده على لحيته وجعل يقول:
"اشتدَّ غضب الله تعالى على اليهود والنصارى إذ جعلوا له ولداًً! واشتدَّ
 
 

1- تاريخ الطبري، ج3، ص326، والمقتل الخوارزمي، ج ج2، ص16. الإرشاد، الشيخ المفيد،ج2، ص 105.
2- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 334و 335و336.
3- قوّض البناء أي هدّمه، المنجد. 
4- الكامل في التاريخ، ج4، ص69. 
5- بحار الأنوار: ج45، ص12، نقلاً عن محمّد ابن أبي طالب. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
211

207

عاشوراء

  غضب الله تعالى على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة! واشتدَّ غضب الله تعالى على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه! واشتدَّ غضب الله تعالى على قوم اتفقت آراؤهم(كلمتهم) على قتل ابن بنت نبيّهم! (أما) والله لا أجيبهم إلى شيء مما يريدونه أبداًً حتى ألقى الله وأنا مخضّب بدمي 1

 
ثم صاح عليه السلام : أما من مغيث يُغيثنا لوجه الله تعالى؟ أما من ذابٍّ يذبّ عن حرم رسول الله 2؟" 
 
وهنا أنزل الله تعالى النصر على الحسين عليه السلام ، حتى كان ما بين السماء والأرض، ثم خيّر: النصر أو لقاء الله، فاختار لقاء الله 3!
 
شهداء الحملة الأولى 
 
تضاربت جداًً أرقام وأسماء شهداء معركة الطف، وخصوصاً شهداء الحملة الأولى، وتداخلت مع أسماء الشهداء الذين سقطوا مبارزة بعد الحملة الأولى. وقد ذكرنا هنا أسماء شهداء الحملة الأولى التي استفدناها من جملة من كتب التراجم والتواريخ، مع ملاحظة أن يكون بعضهم مكرراً نتيجة للتصحيف الذي تقع فيه كتب التاريخ بسبب عملية النسخ، أو أن يكون بعضهم ذكر في بعض المصادر الأخرى ممن استشهد في المبارزة. وهم: 
الحبّاب بن عامر التميمي 4- الحُلاس بن عمرو الراسبي الأزدي – النعمان بن عمرو الراسبي الأزدي – الأدهم بن أميّة العبدي البصري – أم وهب زوج عبد الله بن عمير الكلبي – أمية بن سعد الطائي – القاسم بن حبيب بن أبي بشر
 
 

1- اللهوف على قتلى الطفوف، ص158. 
2- مقتل الحسين الخوارزمي ج2 ص11-12
3- الكافي، ج1 ص260، باب أن الائمة يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلاّ باختيار منهم، ح 8.
4- السماوي، إبصار العين، 195. ابن شهر آشوب، المناقب، 4، 113. الزنجاني، وسيلة الدارين، 94. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
212

208

عاشوراء

  الأزدي – الحجاج بن بدر التميمي السعدي 1– أسلم بن عمرو التركي مولى الحسين عليه السلام 2– الحارث بن امرء القيس الكندي 3– الحرث بن نبهان مولى حمزة عليه السلام – بشر بن عمرو بن الأحدوث الحضرمي الكندي 4– جبلة بن علي الشيباني 5– جندب بن حجير الكندي– جنادة بن كعب بن الحرث الأنصاري - جوين بن مالك التيمي 6– جنادة بن الحرث المذحجي السلماني – جون بن حويّ، مولى أبي ذرّ 7– جابر بن الحجّاج مولى عامر بن نهشل التيمي 8– حنظلة بن عمرو الشيباني 9– حجير بن جندب بن حجير الكندي 10- زاهر بن عمرو الكندي، صاحب عمرو بن الحمق - زهير بن سليم الأزدي – زهير بن بشر الخثعمي 11- سالم بن عمرو 12- سالم مولى عامر بن مسلم - سوار بن أبي عمير النهمي 13- سيف بن مالك العبدي البصري 14– سعد 

 
 

1- السماوي، إبصار العين، 214. 
2- السماوي، إبصار العين، 95- 96. 
3- السماوي، إبصار العين، 173. الزنجاني، وسيلة الدارين، 116- 117. المامقاني، تنقيح المقال، 1، 243. 
4- السماوي، إبصار العين، 174. لكن ابن شهر آشوب لم يذكره في أسماء شهداء الحملة الأولى في المناقب، 4، 113. 
5- إبصار العين، 215. ابن شهر آشوب، المناقب، 4، 113. 
6- ابن شهر آشوب، المناقب، 4، 113. السماوي، إبصار العين، 194. 
7- السماوي، إبصار العين، 176. السيد ابن طاووس، اللهوف، 163. البحار، ج 45، 23. 
8- السماوي، إبصار العين، 193. ولكن المامقاني لم يذكر في ترجمته أنه قُتل في الحملة الأولىراجع تنقيح المقال: 1، 198. ومستدركات علم رجال الحديث، 2، 97-. ولم يذكره الآخرون أيضاً في شهداء الحملة الأولىراجع، الحدائق الوردية، 122. وتسمية من قُتل مع الحسين عليه السلام، 155. ومناقب آل أبي طالب عليه السلام، 4، 113. 
9- ابن شهر آشوب، المناقب، 4، 113. والزنجاني، وسيلة الدارين،94. ولم يذكره السماوي في إبصار العين في من استشهد في الحملة الأولى. 
10- السماوي، إبصار العين، 174. 
11- ابن شهر آشوب، المناقب، 4، 113. الزنجاني، وسيلة الدارين، 94. ولم يذكره السماوي في إبصار العين، بل ذكر "عبد الله بن بشر الخثعمي" وترجم له في ص170من كتابه، وذكر في ترجمته أنه قُتل في الحملة الأولى. 
12- كان سالم مولى لبني المدينة، وهم بطن من كلب، كوفيّاً من الشيعة، خرج إلى الحسين عليه السلام أيّام المهادنة، فانضم إلى أصحابه. قال في الحدائق: ومازال معه حتى قُتل في أول حملة مع من قُتل من أصحاب الحسين عليه السلام. انظرالحدائق الوردية: 121. ولم نعثر على اسمه في مجموعة أسماء شهداء الحملة الأولى الذين ذكرهم ابن شهر آشوب السروي في المناقب: 4، 113. انظر البحار، ج 45، 72. إبصار العين، 182. 
13- ابن شهر آشوب، المناقب، 4، 113. السماوي، إبصار العين، 135- 136. 
14- ابن شهر آشوب، المناقب، 4، 113. لكن السماوي قال: قتل مبارزة بعد صلاة الظهر،" إبصار العين، 192. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
213

 


209

عاشوراء

 مولى عمرو بن خالد الصيداوي – سعد بن الحرث مولى علي عليه السلام 1– شبيب مولى الحرث بن سريع الهمداني الجابري 2– شبيب بن عبد الله النهشلي 3-ضرغامة بن مالك التغلبي 4– عامر بن مسلم العبدي البصري – عائذ بن مجمع بن عبد الله العائذي – عبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي 5– عبد الله بن بشر الخثعمي 6– عبيد الله بن يزيد العبدي البصري – عبد الله بن يزيد العبدي البصري – عبد الرحمن بن عبد ربّ الأنصاري 7- عبد الله بن عروة الغفاري 8– عبد الرحمن بن مسعود بن الحجّاج 9- عبد الله بن عمير الكلبي – عمراًن بن كعب بن حارث الأشجعي 10– عمرو بن ضبعة الضبعي 11- عمرو الجندعي 12– عمّار الدالاني – عمرو بن خالد الأسدي الصيداوي 13- عمار بن حسان الطائي – قارب بن عبد الله الدئلي – قاسط بن زهير التغلبي– كنانة بن عتيق التغلبي 14– مسلم بن كثير الأزدي – مسلم بن

 
 

70- ابن شهر آشوب، المناقب، 4، 113. 
71- السماوي، إبصار العين، 133. لم يذكره ابن شهر آشوب في أسماء شهداء الحملة الأولى، المناقب، 4، 113. 
72- الزنجاني، وسيلة الدارين، 155- 156 رقم 76. الشيخ الطوسي في رجاله، ص74. 
73- ابن شهر آشوب، المناقب، 4، 113. لكن السماوي قال: قتل مبارزة بعد صلاة الظهر، إبصار العين، 199. 
74- ابن شهر آشوب، المناقب، 4، 113. والزنجاني، وسليلة الدارين، 94، ولكنه في ترجمته في ص164- 165 رقم 90 ذكر أنه استأذن الإمام عليه السلام في البراز بعد صلاة الظهر. والسماوي في ترجمة عبدالرحمن الأرحبي في ص132 نقلاً عن أبي مخنف قال إن الأرحبي قُتل مبارزة. البلاذري، أنساب الأشراف، ج 3، 404. 
75- راجع حاشية اسم "زهير بن بشر الخثعمي". رقم 5 ص 216. 
76- السماوي، إبصار العين، 157- 158. ولم يذكره ابن شهر آشوب في المناقب في من ذكرهم من شهداء الحملة الأولى. 
77- قيل إنه وأخاه عبد الرحمن قُتلا مبارزة، إبصار العين، 176. لكن ابن شهر آشوب في المناقب 4، 113، ذكر عبد الله في من قتل في الحملة الأولى. 
78- ابن شهر آشوب، المناقب، 4، 113. السماوي، إبصار العين، 193- 194. الزنجاني، وسيلة الدارين، 94. 
79- ابن شهر آشوب، المناقب، 4، 113. والزنجاني، وسيلة الدارين، 94. مستدركات علم الرجال: 6، 75و 108 رقم 11090. 
80- ابن شهر آشوب، المناقب، 4، 113، باسم "عمرو بن مشيعة". الزنجاني، وسيلة الدارين، 94. السماوي، إبصار العين، 194.
81- ابن شهر آشوب، المناقب، 4، 113. الزنجاني، وسيلة الدارين، 94. السماوي، إبصار العين، 136. 
82- السماوي، إبصار العين، 114- 116، لكن ابن شهر آشوب، المناقب، 4، 101، ذكر أنه برز، ثم برز ابنه خالد، ولم يذكر المؤرخون أن ابنه خالداً كان معه! كذلك في اللهوف، 163. ابن طاووس. 
83- السماوي، إبصار العين، 199. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
214

210

عاشوراء

 عوسجة الأسدي – مسعود بن الحجّاج التيمي – مسقط بن زهير التغلبي – مجمع بن عبد الله العائذي – منجح بن سهم مولى الحسين عليه السلام 1– نصر بن أبي نيزر مولى علي عليه السلام 2– نعيم بن عجلان.

 
وتعطف الناس على الباقين من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام ، فكثروهم، فإذا قتل منهم الرجل والرجلان تبين فيهم، وأولئك كثير لا يتبين فيهم ما يقتل منهم.
 
الصلاة الأخيرة يوم عاشوراء
 
فلما رأى ذلك أبو ثمامة، عمرو ابن عبد الله الصائدي، قال للحسين عليه السلام : يا أبا عبد الله ! نفسي لك الفداء، إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك إن شاء الله، وأحب ان ألقى ربى وقد صليت هذه الصلاة التي قد دنا وقتها!!
 
فرفع الحسين عليه السلام رأسه ثم قال: 
ذكرت الصلاة، جعلك الله من المصلين الذاكرين، نعم!! هذا أول وقتها، سلوهم أن يكفوا عنا حتى نصلي!! 
 
شهادة حبيب بن مظاهر 
 
فقال لهم الحصين بن النمير السكوني: إنها لا تقبل !! 
 
فقال له حبيب بن مظاهر: لا تقبل!! زعمت الصلاة من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقبل وتقبل منك...!؟ 
 
فحمل عليهم الحصين بن النمير السكوني، وخرج إليه حبيب بن مظاهر فضرب وجه فرسه بالسيف، فشب ووقع عنه، وحمله أصحابه فاستنقذوه.
 
 

1- ابن شهر آشوب، المناقب، 4، 113. السماوي، إبصار العين، 96. 
2- السماوي، إبصار العين، 98. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
215

211

عاشوراء

 وأخذ حبيب يقاتل قتالاً شديداًً، فحمل عليه رجل من بني تميم فضربه حبيب بالسيف على رأسه فقتله 1، وحمل عليه آخر من بني تميم فطعنه فوقع حبيب، فذهب ليقوم فضربه الحصين بن النمير السكوني على رأسه بالسيف فوقع، ونزل إليه التميمي فاحتزّ رأسه. فقال له الحصين: إني لشريكك في قتله! 

 
فقال التميمي: والله ما قتله غيري! 
 
فقال الحصين: أعطنيه اعلقه في عنق فرسي كيما يرى الناس ويعلموا أني شركت في قتله، ثم خذه أنت بعد فامض به إلى عبيدالله بن زياد، فلا حاجة لي فيما تعطاه على قتلك إياه! 
 
فأبى عليه، فأصلح قومه فيما بينهما على هذا !! فدفع إليه رأس حبيب بن مظاهر، فجال به في العسكر قد علقه في عنق فرسه، ثم دفعه بعد ذلك إليه، فلما رجعوا إلى الكوفة أخذ الآخر رأس حبيب فعلقه في لبان فرسه ثم أقبل به إلى ابن زياد في القصر.
 
ولما قتل حبيب ابن مظاهر هدَّ ذلك حسيناًً عليه السلام وقال:
"عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي" 2.
 
 

1- الكامل في التاريخ ج 3 ص219.
2- بحار الأنوار، ج 45 ص27. تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 334و 335و336. وفيه بعد رواية مقتل حبيب: فبصر به ابنه القاسم بن حبيب وهو يومئذ قد راهق، فأقبل مع الفارس لا يفارقه كلما دخل القصر دخل معه، وإذا خرج خرج معه، فارتاب به، فقال مالك: يا بني تتبعني قال: لا شيء قال بلى يا بنى أخبرني، قال له: ان هذا الرأس الذي معك رأس أبي أعطينيه حتى أدفنه، قال: يا بني لا يرضى الأمير أن يدفن، وأنا أريد أن يثيبني الأمير على قتله ثواباً حسناً قال له الغلام: لكن الله لا يثيبك على ذلك إلا أسوأ الثواب، أما والله لقد قتلته خيراً منك، وبكا، فمكث الغلام حتى إذا أدرك لم يكن له همة إلا اتباع أثر قاتل أبيه، ليجد منه غرة فيقتله بأبيه فلما كان زمان مصعب بن الزبير وغزا مصعب باجميرا، دخل عسكر مصعب فإذا قاتل أبيه في فسطاطه، فأقبل يختلف في طلبه والتماس غرته، فدخل عليه وهو قائل نصف النهار، فضربه بسيفه حتى برد.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
216

212

عاشوراء

 أداء الصلاة الأخيرة وشهادة سعيد بن عبد الله الحنفي

 
وقام الإمام الحسين عليه السلام إلى الصلاة، فصلّى بمن بقي من أصحابه صلاة الخوف 1، ويقال بل صلّى وأصحابُه فرادى بالإيماء 2. وتقدّم أمامه زهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي في نصفٍ من أصحابه3، ووُصِلَ إلى الحسين، فاستقدم الحنفي أمامه، فاستُهدِفَ لهم يرمونه بالنبل يميناًً وشمالاًً قائماً بين يديه، فما زال يرمي حتى سقط 4إلى الأرض وهو يقول: اللهم العنهم لعن عاد وثمود! اللهم أبلغ نبيك عني السلام! وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإني أردت بذلك نصرة نبيك 5
 
ثم التفت إلى الإمام الحسين عليه السلام فقال: أوفيت يا ابن رسول الله ؟؟
 
فقال عليه السلام : نعم!! أنت أمامي في الجنة! 
ثم فاضت نفسه.
 
ولما نظر من بقي من أصحاب الحسين عليه السلام إلى كثرة من قتل منهم، أخذ الرجلان والثلاثة والأربعة يستأذنون الحسين عليه السلام في الذبّ عنه. ثم أخذوا بعد أن قلَّ عددهم وبان النقصُ فيهم يبرز الرجلُ بعد الرجلِ، فأكثروا القتل في أهل الكوفة، وكان كل من أراد الخروج ودّعَ الحسين عليه السلام بقوله: السلامُ عليك يا ابن رسول الله، فيُجيبُه الحسين: وعليك السلام، ونحن خلفك، ثم يقرأ:﴿فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾. 6
 
وكان الحر بن يزيد الرياحي أول من برز من أصحاب الحسين عليه السلام ، فقال له: يا ابن رسول الله! كنت أول خارج عليك، فأذن لي أن أكون أول قتيل بين يديك،
 


1- - تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص336 و337.
2- مثير الأحزان، لابن نما، ص65. 
3- المقتل للمقرم، ص296، نقلاً عن مقتل العوالم، ص88 ومقتل الخوارزمي: ج2 ص17. 
4- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص336 و337.
5- بحار الأنوار ج 45 ص70.
6- المقتل للمقرم، ص298، نقلاً عن مقتل العوالم، ص85 ومقتل الخوارزمي، ج ج2 ص25، والآية 23 من سورة الأحزاب. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
217

213

عاشوراء

 فلعلّي أن أكون أوّل من يصافح جدّك محمّداً غداًً في القيامة!!

 
وتقدم إلى قتال القوم، وأخذ يرتجز ويقول:
 
آلـيت لا أقـتل حـتى أقــتلا              ولن أصاب اليوم إلا مقبلا     
أضربهم بالسيف ضرباً مقصلا        لا ناكلاً عـنهم ولا مـهللا 
 
وأخذ يقول أيضاً:
أضرب في أعراضهم بالسيف عن خير من حلَّ منى والخيف 
 
فقاتل هو وزهير بن القين قتالاً شديداًً، فكان إذا شدَّ أحدهما، فإن استلحم، شدَّ الآخر حتى يخلصه ففعلا ذلك ساعة. 
 
وكان رجل من أهل الكوفة يقال له يزيد بن سفيان قد قال: أما والله لو أني رأيت الحر بن يزيد حين خرج لأتبعته السنان، فبينا الناس يتجاولون ويقتتلون والحر بن يزيد يحمل على القوم مقدماً ويتمثل قول عنترة: 
 
ما زلـت أرميهـم بثغــرة نحـره ولبانـه 1حتـى تسـربل بالـدم 
 
وإن فرسه لمضروب على أذنيه وحاجبه وإن دماءه لتسيل، فقال الحصين بن نمير ليزيد بن سفيان: هذا الحر بن يزيد الذي كنت تتمنى، قال: نعم!
 
فخرج إليه، فقال له: هل لك يا حر بن يزيد في المبارزة؟
قال: نعم قد شئت !!
فبرز له، فكأنما كانت نفسه في يده فما لبث الحر حين خرج إليه أن قتله. 2
 
ورمى أحد أصحاب عمر بن سعد فرس الحر بسهم، فما لبث أن أرعد الفرس واضطرب وكبا، فوثب عنه الحر كأنه ليث والسيف في يده وهو يقول: 3
 
إن تعقروا بي فأنا ابن الحر أشجع من ذي لبد هزبر 
فما رُئيَ أحد قط يفري فريه.
 
 

1- اللبان: الصدر " الصحاح - لبن - 6: 2193".
2- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص331.الإرشاد للشيخ المفيد ج2، ص102
3- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 334و 335و336.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
218

214

عاشوراء

 وقد روى الشيخ الصدوق أنه قتل منهم ثمانية عشر رجلاًً 1. ثم إن رجالة شدَّت على الحر بن يزيد فقتل 2، فاحتمله أصحاب الحسين عليه السلام حتى وضعوه بين يديه وبه رمق، فجعل الحسين عليه السلام يمسح وجهه ويقول:

أنت الحر كما سمتك أمّك! وأنت الحر في الدنيا، وأنت الحر في الآخرة 3.
 
ثم برز يزيد بن زياد بن مهاصر الكندي 4، وهو أبو الشعثاء الكندي، فجثى على ركبتيه بين يدي الحسين عليه السلام ، فرمى بمائة سهم ما سقط منها إلا خمسة أسهم، وكان رامياً. والإمام الحسين عليه السلام يقول: اللهم سدد رميته، واجعل ثوابه الجنة. 
 
فلما رمى بها قام فقال: ما سقط منها إلا خمسة أسهم، ولقد تبيّن لي أنّي قد قتلتُ خمسة نفر. فلم يزل يقاتل حتى قُتل رضوان الله عليه 5"وكان في أول من قُتل" 6
 
واستأذن الصحابي الجليل أنس بن الحارث الكاهلي 7الإمام الحسين عليه السلام لمبارزة الأعداء فأذن له، "وبرز شادّاً وسطه بالعمامة، رافعاً حاجبيه بالعصابة،
 
 
 

1- أمالي الصدوق، 136 المجلس 30، حديث رقم 1.
2- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص336 و337. الكامل في التاريخ ج 3 ص292.
3- الأخبار الطوال- الدينوري ص 256. أمالي الصدوق، 136 المجلس 30، حديث رقم 1.
وقيل إن الحسين عليه السلام رثاه بأبيات من الشعر، فقال:
لنعم الحـــر حـــر بني رياح ونعـــم الحر عند مشتبك الرماح
ونـعـم الـحر إذ فـادى حسيناًً فجـــاد بنفســـه عـنـــد الصــباح 
أمالي الشيخ الصدوق، 136 المجلس 30 رقم1، وقيل رثاه بهذه الأبيات بعض أصحاب الحسين عليه السلام، وذكر الخوارزمي عن الحاكم الجشمي أنه قال: بل رثاه علي بين الحسين عليه السلام، مقتل الحسين عليه السلام الخوارزمي، ج 2، 14وانظر الفتوح، 5، 186، وانظر البحار، ج 45، 14، 
4- ذكره المفيد في الإرشاد، ج2،ص83، أمالي الصدوق، 137، المجلس 30 ح1، الكامل في التاريخ، 3، 293، ابن شهر آشوب في المناقب، 4، 103. 
5- إبصار العين، 172، أمالي الصدوق، 137، المجلس 30، ح1، وانظر مقتل الحسين عليه السلام الخوارزمي، ج 2، 23، مناقب آل أبي طالب، عليه السلام، 4، 103، الكامل في التاريخ، 3، 293، البحار، ج 45، 72.. 
6- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص340، وانظر الكامل في التاريخ، 3، 293. 
7- ذكره الشيخ الصدوق في الأمالي: 137 المجلس 30 ح1، ابن شهر آشوب في المناقب، 4، 102، الخورزمي في المقتل، 2، 21، ابن حجر في الإصابة، 1، 68، وابن حبّان في كتاب الثقات، 4، 41، والطبري في ذخائر العقبى، 146، وابن الأثير في أسد الغابة، 1، 123، الشيخ عباس القمي، في نفس المهموم، 289. البحار، ج 45، 71. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
219

 


215

عاشوراء

 ولما نظر إليه الحسين عليه السلام بهذه الهيئة بكى وقال: شكر الله لك يا شيخ، فقاتل حتى قتل 1

 
وبرز وهب بن وهب، وكان نصرانياً أسلم على يد الحسين عليه السلام هو وأمه، فأتبعوه إلى كربلاء، فركب فرساً وتناول بيده عمود الفسطاط، فقاتل، ثم استؤسر فأُتي به عمر بن سعد لعنه الله، فأمر بضرب عنقه، ورمي به إلى عسكر الحسين عليه السلام ، وأخذت أمّه سيفه وبرزت، فقال لها الحسين عليه السلام : 
يا أم وهب! اجلسي فقد وضع الله الجهاد عن النساء، إنَّك وابنك مع جدي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة" 2
 
ثم برز الحجاج بن مسروق المذحجي الجعفي، وهو يقول:
 
أقـدم حسين هـاديـاً مهديّـا             اليـوم نلقـى جدَّك النبيّـا  
ثــم أبـاك ذا العُــلا عـليّـا               والحسن الخير الرضا الوليّا 
وذا الجناحيـن الفتى الكمـّا            وأسد الله الشهيد الحـيّـــا 3
 
ثم حمل فقاتل حتى قُتل 4، وكان مؤذِّن الإمام الحسين عليه السلام في أوقات الصلاة، وخرج من الكوفة إلى الإمام عليه السلام والتحق به في مكة المكرمة. 
 
وتقدم زهير بن القين وضرب على منكب الحسين 5وقال: 
 
أقـدم هُديتَ 109 هاديـاً مهديـا                       فاليـوم نلقـــى جـدّك النـبـيا  
وحـسنـــاً والمرتــضـى عـليـا               وذا الجـناحـين الفـتـى الكميـا 
وأسـد الله الشـهيــد الحــيــا 
 
 

1- ذخيرة الدارين، 208، وفي المناقب لابن شهرآ شوب، 4، 102، إبصار العين، 100. 
2- أمالي الصدوق، 137، المجلس 30، حديث رقم1.
3- يمر بنا في مصرع زهير بن القين أن زهيراً أنشد هذه الأبيات، ولا مانع من أن يكون قد أنشدها أكثر من رجل واحد من الأنصار.
4- انظر مقتل الحسين الخوارزمي، ج 2، 23، مناقب أل أبي طالب عليه السلام، 4، 103، إبصار العين، 152- 153، ومقتل الحسين للمقرم، 153- 254. 
5- أي وهو يستأذنه ويودعه. 
6- وفي إبصار العين، 167 "فدتك نفسي هادياً مهدياً".
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
220

216

عاشوراء

 ثم أخذ يقاتل قتالاًً شديداًً، وهو يقول: 

 
أنا زهير وأنا ابن القين أذودهم بالسيف عن حسينِ 
 
فشدّ عليه كثير بن عبد الله الشعبي، ومهاجر بن أوس، فقتلاه. 1
 
فقال الحسين عليه السلام حين صُرع زهير: لا يبعدنّك الله يا زهير! ولعن الله قاتلك لعن الذين مسخهم قردة وخنازير." 2
 
وكان سلمان بن مضارب البجلي مع ابن عمه زهير في سفر الحجّ سنة ستين للهجرة، ولما مال زهير في الطريق إلى الإمام عليه السلام وانضم إليه، مال معه ابن عمّه سلمان هذا وانضم إلى الإمام عليه السلام أيضاً، واستشهد في كربلاء، ولعله قتل مع زهير 3.
 
ثم برز أبو ثمامة الصائدي وقال:
 
عـزاءً لآل المصطفــى وبنـاتـه على حبس خير الناس سبط محمّد               عـزاءً لزهـراء النبـي وزوجـها خـزانة علـم الله مـن بعـد أحمـد 
 
عزاءً لأهل الشرق والغرب كلهم وحزناً على حبس الحسين المسدد             فـمن مـبلغ عنـي الـنبي وبنـته بأن ابنكم في مجهد أيّ مجهد" 4
 
ثم إن أبا ثمامة قال للحسين عليه السلام ، وقد صلّى: يا أبا عبد الله إني قد هممت أن ألحق بأصحابي، وكرهت أن أتخلّف وأراك وحيداً من أهلك قتيلاً. فقال له الحسين عليه السلام : تقدم فإنا لاحقون بك عن ساعة. 
 
فتقدم فقاتل حتى أُثخن بالجراحات، فقتله قيس بن عبد الله الصائدي ابن عم
 
 

1- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص336 و337، 328، وانظر أمالي الصدوق، 136، المجلس 30 ح1، وأنساب الأشراف، ج 3، 403.الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 105.
2- 0 مقتل الحسين الخوارزمي، ج 2، 24، أمالي الصدوق، 136، المجلس 30 ح1، المناقب، 4، 104، وتسلية المجالس، 2، 277، البحار، ج 45، 71. 
3- إبصار العين، 169، عن الحدائق الورديّة، 122. 
4- مناقب آل أبي طالب عليه السلام، 4، 105. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
221

217

عاشوراء

 له، وكان له عدواً 1. ولكن الطبري يذكر أن أبا ثمامة الصائدي هو الذي قتل ابن عم له وكان عدواً له! 2.

 
وخرج يزيد بن معقل، فقال يا برير بن خضير كيف ترى الله صَنَعَ بك؟ قال: صَنَعَ الله والله بي خيراًً، وصَنَعَ الله بك شراً! 
 
قال: كذبت وقبل اليوم ما كنت كذَّاباً ! هل تذكر وانا أُماشيك في بني لوذان وأنت تقول إن عثمان بن عفان كان على نفسه مسرفاً، وإن معاوية بن أبي سفيان ضالٌ مضلٌ، وإن امام الهدى والحق علي بن أبي طالب ؟؟
 
فقال له برير: أشهد أنَّ هذا رأيي وقولي ؟ 
 
فقال له يزيد بن معقل: فإني أشهد أنك من الضالين. 
 
فقال له برير بن خضير: هل لك فلأباهلك ولندع الله أن يلعن الكاذب وأن يقتل المبطل ثم اخرج فلأبارزك ؟
 
فخرجا فرفعا أيديهما إلى الله يدعوانه أن يلعن الكاذب وأن يقتل المحق المبطل، ثم برز كل واحد منهما لصاحبه، فاختلفا ضربتين، فضرب يزيد بن معقل برير بن خضير ضربةً خفيفةً لم تضره شيئاًً، وضربه برير بن خضير ضربةً قدَّت المغفر وبلغت الدماغ، فخرَّ كأنمَّا هوى من حالق، وإن سيف ابن خضير لثابت في رأسه وهو ينضنضه من رأسه. 
 
وحمل عليه رضي بن منقذ العبدي، فاعتنق بريراً، فاعتركا ساعة، ثم إن بريراً قعد على صدره فقال رضي: أين أهل المصاع 3والدفاع ؟ 
 
فذهب كعب بن جابر الأزدي ليحمل عليه، فقيل له: إن هذا برير بن خضير القارئ الذى كان يقرئنا القرآن في المسجد !! فحمل عليه بالرمح حتى وضعه في ظهره فلما
 
 
 

1- إبصار العين، 121، وتابعه على ذلك الزنجاني في وسيلة الدارين، 99، رقم1. 
2- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص336 و337.
3- المصع: الضرب بالسيف، والمماصعة: المقاتلة والمجالدة بالسيوف،لسان اللسان، 2، 559-. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
222

218

عاشوراء

 وجد مس الرمح برك عليه فعض بوجهه وقطع طرف أنفه، فطعنه كعب بن جابر حتى ألقاه عنه وقد غيب السنان في ظهره، ثم أقبل عليه يضربه بسيفه حتى قتله.

 
فلما رجع كعب بن جابر قالت له امرأته أو أخته النوار بنت جابر: أعنت على ابن فاطمة، وقتلت سيد القراء!! لقد أتيت عظيماً من الأمر والله لا أكلمك من رأسي كلمةً أبداً 1.
 
وخرج عمرو بن قرظة الأنصاري يقاتل دون الحسين عليه السلام وهو يقول: 
 
قــد علمــت كتيـبة الأنصــارِ                     أنّـي سـأحــمـي حــوزة الـذّمار 
   
ضـرب غلام غير نكـسٍ شـار                    دون حسـين مـهجـتي وداري"2
 
وكان عليّ بن قرظة أخوه مع عمر بن سعد! فنادى: يا حسين! أضللت أخي وغررته حتى قتلته!؟ قال: إن الله لم يُضل أخاك ولكنه هدى أخاك وأضلك! 
 
قال: قتلني الله إن لم أقتلك أو أموت دونك! فحمل عليه، فاعترضه نافع بن هلال الجملي المرادي فطعنه فصرعه، فحمله أصحابه فاستنقذوه فدوويَ بعدُ فبرئ 3
 
وكان نافع بن هلال الجملي قد كتب اسمه على أفواق نبله، فجعل يرمي بها مسمومة وهو يقول: 
 
أرمي بها معلّمةً أفواقها                        مسمومة تجري بها أخفاقها 
 
يملأنّ أرضها رشاقها                           والنفس لا ينفعها إشفاقها 
 
فقتل اثني عشر رجلاًً من أصحاب عمر بن سعد سوى من جرح! حتى إذا فنيت نباله جرّد فيهم سيفه، فحمل عليهم وهو يقول:
 
 

1- تاريخ الطبري، ج 4 ص 328، 329، الكامل في التاريخ، 3، 289- 290، وأنساب الأشراف، ج 3، 399 ومثير الأحزان، 61، واللهوف، 160، مناقب آل أبي طالب، ج 4، 100، أمالي الصدوق، 136- 147، المجلس 30 رقم1، تسلية المجالس، 2، 283، والبحار، ج 45، 15. 
2- تاريخ الطبري ج 4 ص 328، 329. 
3- تاريخ الطبري، ج 4 ص 328، 329. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
223

219

عاشوراء

  أنــا ابــن هـلال 1الجملي أنـا عـلى ديــن علــي 

 
فبرز إليه مزاحم بن حريث فقال له: أنا على دين عثمان، فقال له نافع: أنت على دين شيطان، وحمل عليه فقتله. 
 
فصاح عمرو بن الحجاج بأصحابه: يا حمقى!! أتدرون من تُقاتلون؟ تُقاتلون فرسان المِصر وأهل البصائر وقوماً مستميتين، لا يبرزُ إليهم أحدٌ منكم إلا قتلوه على قِلّتهم، والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم. 
 
فقال عمر بن سعد: صدقت، الرأيُ ما رأيت، أرسل في الناس من يعزم عليهم أن لا يبارزهم رجل منهم، ولو خرجتم إليهم وحداناً 2لأتوا عليكم 3.
 
فتواثبوا عليه وأطافوا به يضاربونه بالحجارة والنصال حتى كسروا عضديه، فأخذوه أسيراً، فأمسكه شمر بن ذي الجوشن، ومعه أصحاب له يسوقون نافعاً حتى أتي به عمر بن سعد، فقال له عمر بن سعد: ويحك يا نافع ما حملك على ما صنعت بنفسك؟؟
 
قال، والدماء تسيل على لحيته: إن ربي يعلم ما أردت، والله لقد قتلت منكم اثني عشر سوى من جرحت، وما ألوم نفسي على الجهد، ولو بقيت لي عضد وساعد ما أسرتموني!
 
فقال شمر لعمر بن سعد: أقتله أصلحك الله !!
 
قال: أنت جئت به !! فإن شئت فأقتله !!
 
فانتضى شمر سيفه، فقال له نافع: أما والله أن لو كنتَ من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا، فالحمد لله الذى جعل منايانا على يدي شرار خلقه!! فقتله شمر لعنه الله 123!!
 
 

1- السماوي، إبصار العين، 149- 150، ذكر الطبري الهزبر مكان ابن هلال، ولا يصح وزن الشعر على عبارة الطبري، فاخترنا ماذكره الشيخ المفيد في الإرشاد ج2 ص 103. واختاره السماوي.
2- الوحداني – بكسر الواو – المنفرد بنفسه، المنجد. 
3- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص331.
4- تاريخ الطبري، ج 4 ص336 و337. السماوي، إبصار العين، 149- 150، تسلية المجالس، 2، 296، وفيه "هلال بن نافع"
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
224

220

عاشوراء

 واستأذن يزيد بن مغفل الجعفي الحسين عليه السلام في البراز فأذن له، فتقدّم وهو يقول: 

 
أنـا يزيـد وأنـا بـن مغفــل            وفي يميني نصل سيف منجل 
 
أعلو به الهامات وسط القسطل       عن الحسين المـاجد المفضّل 
 
ثم قاتل حتى قُتل" 1.
 
وكان الموقّع 2بن ثمامة الأسدي الصيداوي ممن جاء إلى الحسين عليه السلام في الطفّ، وخلص إليه ليلاً مع من خلص، فنثر نبله وجثا على ركبتيه فقاتل، فصُرع فجاءه نفر من قومه فاستنقذوه وقالوا له: أنت آمن ! أخرج إلينا، فخرج إليهم، وأتوا به إلى الكوفة فأخفوه، فلمّا قدم عمر بن سعد على ابن زياد وأخبره خبره أرسل إليه ليقتله، فشفع فيه جماعة من بني أسد، فلم يقتله ولكن كبّله بالحديد ونفاه إلى الزارة 3، وكان مريضاً من الجراحات التي به، فبقي في الزارة مريضاً مكبّلاً حتى مات بعد سنة 4
 
وكان جنادة بن كعب بن الحرث الأنصاري الخزرجي ممّن قتل في الحملة الأولى من أصحاب الحسين عليه السلام 5، وكان قد صحب الإمام عليه السلام من مكة، وجاء معه أهله وابنه عمرو وهو ابن إحدى عشر سنة 6، فقالت له أمه: يا بني اخرج فقاتل بين يدي ابن رسول الله حتى تُقتل! فخرج فقال الحسين عليه السلام : هذا شابٌ قُتل أبوه، ولعلّ أمه تكره خروجه، فقال الشاب: أمي أمرتني يا ابن رسول الله! فخرج
 وأنساب الأشراف، ج 3، 404، أمالي الصدوق، 137، المجلس30، حديث رقم1، قال الشيخ السماوي: "الجملي: منسوب إلى جمل بطن من مذحج، ويمضي على الألسن وفي الكتب، البجلي، وهو غلط فاضح"،إبصار العين،-150.
 


1- إبصار العين، 153- 154. 
2- في تاريخ الطبري، ج4، ص 347، ورد فيه هكذا: "إلا أن المرقّع بن ثمامة الأسدي.
3- الزارة: موضع بعُمان كان ينفي إليه زياد وابنه من شاء من أهل البصرة والكوفة. 
4- إبصار العين، 117. 
5- راجع: مناقب آل أبي طالب عليه السلام، 4، 104، وفيه بعد ذلك "ثم برز ابنه واستشهد". 
6- راجع: مقتل الحسين عليه السلام، للمقرّم، 253، إبصار العين، 159. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
225

221

عاشوراء

  وهو يقول: 

 
أميري حسين ونعم الأمير                 سرور فؤاد البشير النذير   
علـيٌّ وفاطمـة والـداه                     فهل تعلمون له من نظير 
 
ثم قاتل فقُتِل، وحُزَّ رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين، فأخذت أمه رأسه وقالت له: أحسنت يا بني! يا قُرة عيني وسرور قلبي!
 
ثمّ أخذت عمود خيمة وحملت على القوم وهي تقول: 
 
أنا عجوز في النسا ضعيفة                باليـة خـاويـة نحيفـة            
أضربكـم بضربـة عنيفة                   دون بني فاطمة الشريفـة 
 
فأمر الحسين عليه السلام بصرفها ودعا لها" 1
فلما رأى أصحاب الحسين أنهم قد كُثروا، وأنهم لا يقدرون على أن يمنعوا حسيناًً ولا أنفسهم تنافسوا في أن يُقتلوا بين يديه، فجاءه عبد الله وعبد الرحمن إبنا عزرة (أو عروة) 2الغفاريان، فقالا: يا أبا عبد الله، عليك السلام! حازنا العدوّ إليك فأحببنا أن نُقتل بين يديك، نمنعك وندفع عنك! 
 
قال: مرحباًً بكما أُدنوا منّي! 
 
فدنوا منه، فجعلا يقاتلان قريباً منه، وأحدهما يقول: 
 
قـد علمـتْ حقـاً بنو غِفــار              وخــــنــدفٌ بـعـد بـنـي نزار
لنضربنّ مـتعشر الـــفـُجّـار             بكــل عــــضبٍ صـارمٍ بتّــارِ 
 
يا قوم ذودوا عن بني الأحرار 3        بالمشـرفيّ والقـــنا الخطّـار 4
 
 

1- مقتل الحسين عليه السلام الخوارزمي، ج 2، 25- 26، واتظر البحار، ج 45، 27- 28، عن تسلية المجالس، وفيه إضافة هذا البيت: "له طلعة مثل شمس الضحى له غرة مثل بدر منير".
2- ضبط المحقق المرحوم الشيخ السماوي إسم أبيهما أنهعروة- وليس عزرة، وذكر أن اسم جدّهما حرّاقٌ، وكان من أصحاب أمير المؤمنين علي عليه السلام، وممن شارك معه في حروبه الثلاث، راجع إبصار العين، 175. 
3- ¬ في إبصار العين، 176، في البيت الثالثعن بني الأطهار- بدلاً منعن بني الأحرار-. 
4- تاريخ الطبري، الطبري ج 4ص338. مقتل الحسين الخوارزمي، ج 2، 21، 2، 26، وكذلك ابن شهر آشوب في المناقب، 4، 102، الشيخ الصدوق، في أماليه، 136، المجلس 30 حديث1.مناقب آل أبي طالب، ج 4، 113، إبصار العين، 175- 176. البحار، ج 45، 71. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
226

222

عاشوراء

 وجاء الفتيان الجابريان سيف بن الحارث بن سريع ومالك بن عبد بن سريع، وهما ابنا عم وأخوان لأم، فأتيا حسيناًً عليه السلام ، فدنوا منه وهما يبكيان، فقال: أي ابني أخي ما يبكيكما، فوالله إني لأرجو أن تكونا عن ساعة قريري عين؟ 

 
قالا: جعلنا الله فداك! لا والله ما على أنفسنا نبكي، ولكنا نبكي عليك، نراك قد أحيط بك ولا نقدر على أن نمنعك!! 
 
فقال: جزاكما الله يا ابني أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما إياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين 1.
 
ثم استقدما يلتفتان إلى الحسين عليه السلام ويقولان: السلام عليك يا ابن رسول الله! فقال: وعليكما السلام ورحمة الله، فقاتلا حتى قتلا 2.
 
وجاء حنظلة بن أسعد الشبامي، فقام بين يدي الإمام الحسين عليه السلام ، فأخذ ينادي: يا قوم ! إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلماً للعباد ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد، يا قوم لا تقتلوا حسيناًً فيسحتكم الله بعذاب وقد خاب من افترى‍! 
 
فقال له الحسين عليه السلام : 
يا ابن أسعد! رحمك الله! إنهم قد استوجبوا العذاب حين ردّوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك! فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانك الصالحين!
 
قال: صدقت جعلت فداك!! أنت أفقه مني وأحق بذلك، أفلا نروح إلى الآخرة ونلحق بإخواننا !! 
 
 

1- تاريخ الطبري، الطبري ج 4ص338.
2- تاريخ الطبري، الطبري ج 4ص338. انظر الكامل في التأريخ، 3، 292، وأنساب الأشراف، ج 3، 405، والإرشاد، 2، 105، ومقتل الحسين الخوارزمي، ج 2، 28، واللهوف، 164، وتسلية المحالس، 2، 294، وتسمية من قُتل مع الحسين عليه السلام، 156. البحار، ج 101، 273و 45، 73، وكذلك في الزيارة الرجبية والشعبانيةراجع البحار، ج 101، 340. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
227

 


223

عاشوراء

 فقال عليه السلام : رح إلى خير من الدنيا وما فيها وإلى ملك لا يبلى! 

 
فقال: السلام عليك أبا عبد الله !! صلّى الله عليك وعلى أهل بيتك وعرّف بيننا وبينك في جنته. 
 
فقال عليه السلام : آمين آمين!!
 
فاستقدم فقاتل حتى قتل.
 
وجاء عابس بن أبي شبيب الشاكري ومعه شوذب 1بن عبد الله مولى شاكر، فقال: يا شوذب ما في نفسك أن تصنع؟ 
 
قال: ما أصنع؟ أقاتل معك دون ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أقتل. 
 
قال: ذلك الظن بك!! أما الآن فتقدم بين يدي أبي عبد الله حتى يحتسبك كما احتسب غيرك من أصحابه وحتى أحتسبك أنا !! فإنه لو كان معي الساعة أحد أنا أولى به مني بك لسرني أن يتقدم بين يدي حتى أحتسبه، فإن هذا يوم ينبغي لنا أن نطلب الأجر فيه بكل ما قدرنا عليه، فإنه لا عمل بعد اليوم وإنما هو الحساب!! 
 
فتقدم شوذب فسلَّم على الحسين عليه السلام فقال: السلام عليك يا أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته، أستودعك الله وأسترعيك، ثم مضى فقاتل حتى قتل 2.
 
ثم تقدم عابس بن أبي شبيب الشاكري، فقال: يا أبا عبد الله! أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعز عليّ ولا أحب إليّ منك! ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعز عليّ من نفسي ودمي لفعلته! السلام عليك يا أبا عبد الله أشهد الله أنّي على هديك وهدي أبيك. 
 
 
ثم مشى بالسيف مصلتاً نحوهم وبه ضربة على جبينه، فقال أحد رجال عمر بن سعد، لما رآه مقبلاً، وقد عرفه، وقد شاهده في المغازي: أيها الناس!! هذا أسدُ الأُسود! هذا ابن أبي شبيب! لا يخرجن إليه أحد منكم! فأخذ شبيب ينادي: ألا رجل لرجل !! فقال عمر بن سعد: ارضخوه بالحجارة! 
 
 

1- هكذا ضبطه المحقق السماوي ، شوذب بن عبد الله الهمداني الشاكري،مولى لهم-،راجع، إبصار العين، 29-. 
2- تاريخ الطبري، الطبري ج 4ص338. وانظر مقتل الحسين، الخوارزمي، ج 2، 26. الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 105.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
228

224

عاشوراء

 فرمي بالحجارة من كل جانب، فلما رأى ذلك ألقى درعه ومغفره، ثم شدَّ على الناس، فكان يطرد أكثر من مائتين من الناس، ثم إنهم تعطفوا عليه من كل جانب فقتل. فكان رأسه في أيدي رجال ذوي عدَّة، هذا يقول أنا قتلته وهذا يقول أنا قتلته!!

 
فأتوا عمر بن سعد فقال: لا تختصموا! هذا لم يقتله سنان واحد، ففرّق بينهم بهذا القول 1.
 
وكان سعدٌ وأخوه أبو الحتوف، الأنصاريان، من أهل الكوفة ومن المحكّمة 2، فخرجا مع عمر بن سعد إلى قتال الحسين عليه السلام ، فلما كان اليوم العاشر، وقُتل أصحاب الحسين فجعل الحسين عليه السلام يُنادي: ألا ناصر فينصرنا.
 
 فسمعته النساء والأطفال، فتصارخن، وسمع سعدٌ وأخوه أبو الحتوف النداء من الحسين عليه السلام والصراخ من عياله، فمالا بسيفهماً مع الحسين عليه السلام على أعدائه، فجعلا يقاتلان حتى قُتلا معاً". 3
 
وكان مجمع بن زياد بن عمرو الجهني، 4وعبّاد بن المهاجر بن أبي المهاجر الجهني، 5قد التحقوا بالإمام عليه السلام من منازل جهينة، وهو في طريقه من المدينة إلى مكة، وثبتوا معه ولازموه، فلم ينفضّوا عنه حين انفض كثير من الأغراب عنه في زُبالة، فلما كان يوم العاشر من المحرم قاتلوا بين يديه حتى قتلوا رضوان الله عليهم. 
 
وكان ولدا يزيد بن ثبيط العبدي البصري، عبد الله وعبيد الله، قد قُتلا في الحملة الأولى 6، فبرز وقاتل حتى قتل 7.
 
 

1- تاريخ الطبري، الطبري ج 4ص339. أنساب الأشراف، ج 3، 404. ومقتل الحسين، الخوارزمي، ج 2، 26- 27. إبصار العين، 129. ولسان اللسان، 2، 452. الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 106.
2- من المحكمة: أي من الخوارج، وفي أنهما كانا من الخوارج كلام وأخذٌ وردّ بين المحققينراجع قاموس الرجال: 5، 28، رقم 3147-. 
3- إبصار العين، 159. راجع الحدائق الوردية، 122. وتسمية من قتل مع الحسين عليه السلام، 154. 
4- راجع إبصار العين، 201.وانظر تنقيح المقال، ج 3، 53. المحقق التستري في قاموس الرجال: 8، 674 رقم 6253. 
5- إبصار العين، 201. انظر تنقيح المقال، ج 2، 123. الزنجاني في وسيلة الدارين: 162، رقم 87. 
6- راجع مناقب آل أبي طالب عليه السلام: 4، 113. 
7- راجع إبصار العين، 190.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
229

225

عاشوراء

 وكان رافع بن عبد الله قد خرج إلى الإمام الحسين عليه السلام مع مولاه مسلم بن كثير الأعرج الأزدي من الكوفة، وانضمّا إلى الإمام عليه السلام في كربلاء، ولما كان اليوم العاشر، ونشب القتال قُتل مسلم بن كثير في الحملة الأولى، وبعد صلاة الظهر، تقدّم مولاه رافع بن عبد الله مبارزاً للأعداء بين يدي الإمام الحسين عليه السلام ، فقاتل ثم نال شرف الشهادة 1

 
ثم قتل حبشي بن قيس النهمي 2، وزياد بن عريب الهمداني الصائدي 3، وكنيته أبو عمرة، وهو ممن أدرك زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد روى الشيخ ابن نما عن مهران الكاهلي، وهو مولى لبني كاهل، قال: شهدت كربلاء مع الحسين عليه السلام فرأيت رجلاًً يقاتل قتالاًً شديداًً، لا يحمل على قوم إلا كشفهم! ثم يرجع إلى الحسين عليه السلام ويرتجز ويقول: 
 
أبشر هُديتَ الرُشد يا بن أحمدا              في جنة الفردوس تعلوا صعّدا 
 
فقلت: من هذا؟ قالوا: أبو عمرة النهشلي، فاعترضه عامر بن نهشل أحد بني تيم الله بن ثعلبة فقتله واحتزّ رأسه. وكان أبو عمرة هذا متهجّداً كثير الصلاة 4
 
ومن أنصاره عليه السلام الذين استشهدوا بين يديه في كربلاء قعنب بن عمر النمري البصري، وكان قد جاء إلى الإمام عليه السلام مع الحجاج بن بدر السعدي من البصرة، والتحقا به في مكة، ولم يزل ملازماً له، حتى نشب القتال يوم عاشوراء، فقاتل في الطفّ بين يدي الإمام عليه السلام حتى قُتل في الحملة الأولى 5، وروي أنه قُتل مبارزة 6
 
وكان بكر بن حي التيمي ممن خرج مع عمر ابن سعد إلى حرب الحسين عليه السلام ، حتى إذا قامت الحرب على ساق، مال مع الحسين عليه السلام على ابن سعد، فقتل بين
 


1- راجع إبصار العين: 185. وذخيرة الدارين: 270. وتنقيح المقال: 3، 422. 
2- إبصار العين، 134. والإصابة، 2، 104- 105 رقم 3644. وسيلة الدارين، 118 رقم30.
3- إبصار العين: 134- 135. وانظر وسيلة الدارين، 145 رقم 55. 
4- مثير الأحزان: 57. 
5- راجع: إبصار العين، 215- 216. وسيلة الدارين: 184 رقم 132.
6- البحار: 45، 72و 101، 273. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
230

226

عاشوراء

 يدي الحسين عليه السلام ، بعد الحملة الأولى 1

 
وكان من موالي الحسين غلام تركيّ قارئ للقرآن، عارف بالعربية، فخرج إلى القتال وهو يقول: 
 
أميــري حســينٌ ونعم الأمـير           سـرور فــؤاد البشيـر النــذيـر 
 
فجعل يقاتل، فتحاوشوه فصرعوه، فجاءه الحسين عليه السلام وبك ووضع خدّه على خدّه، ففتح عينيه ورآه فتبسم وقال: من مثلي وابن رسول الله واضعٌ خده على خدي، ثم صار إلى ربّه 2
 
وقاتل بشير 3بن عمرو بن الأُحدوث الحضرمي وهو يقول: 
 
اليومَ يــا نفسُ ألاقــي الرحـمن          والــيوم تُجـزَين بــك إحسـان 
 
لا تجــزعـي فكـلّ شــيء فـان            والصبر أحظى لكِ عند الديان" 4
 
حتى قتل.
 
وكان سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي، آخر من استشهد بين يدي الحسين عليه السلام من أصحابه 5، وكان شيخاً شريفاً عابداً كثير الصلاة، وشجاعاً مجرّباً في الحروب 6. فقاتل قتال الأسد الباسل، وبالغ في الصبر على البلاء النازل حتى سقط بين القتلى وقد أثخن بالجراح، ولم يزل كذلك وليس به حراك،
 
 


1- انظر الحدائق الوردية: 122. وفيه: " وقُتل بكر بن حي التيمي من بني تيم الله بن ثعلبة. إبصارالعين: 194.
2- مقتل الحسين عليه السلام. البحار: 45، 72. 
3- تتفاوت المصادر التاريخية في ضبط اسمه، فبعضها يذكره باسمبشير- ففي إبصار العين، 173 "بشر بن عمرو الأحدوث الحضرمي الكندي". وورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة باسم "بشر بن عمر الحضرمي". البحار، ج 45، ص 70.330. وأنساب الأشراف، ج 3، 404،وورد بعنوان "بشير بن عمر" كما في تسمية من قُتل مع الحسين عليه السلام: 156. وقد ذكر المحقق السماوي أنه قُتل في الحملة الأولى نقلاً عن قول ابن شهر آشوب السرويّ في المناقبراجع إبصار العين، 174-. ولكن ابن شهر آشوب لم يذكره في أسماء شهداء الحملة الأولىراجع مناقب آل أبي طالب، 4، 113- بل ذكره الزنجاني في وسيلة الدارين في أسماء شهداء الحملة الأولىراجع وسيلة الدارين، 94- 95، الذي ذكره باسم "بشير بن عمرو"-. لكنّ الطبريراجع تاريخ الطبري، الطبري ج 4ص339- روى أن آخر من بقي مع الإمام عليه السلام من اصحابه سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي، وبشير بن عمرو الحضرمي.
4- أنساب الأشراف، ج 3، 404. البحار، ج 45، 70. 
5- تاريخ الطبري، الطبري، ج4، ص 347. والكامل في التاريخ، 3، 293. وأنساب الأشراف، ج 3، 409. 
6- إبصارالعين، 169. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
231

227

عاشوراء

 حتى سمعهم يقولون: قُتل الحسين. فتحامل وأخرج من خفّه سكيناً، وجعل يقاتلهم بها حتى قتل رضوان الله عليه" 1

وأما آخر من بقي مع الحسين عليه السلام ولم يستشهد في كربلاء، فهو الضحاك بن عبدالله المشرقي، وكان قد قدم هو ومالك بن النضر الأرحبي على الحسين عليه السلام وهو في الطريق إلى كربلاء 2، فسلما عليه ثم جلسا إليه، فرد عليهما ورحب بهما، وسألهما عما جاءا له، فقالا: جئنا لنسلم عليك وندعو الله لك بالعافية، ونُحدث بك عهداً، ونخبرك خبر الناس، وإنا نحدّثك أنهم قد جمعوا على حربك! فرَ رأيك. 

 
فقال الحسين عليه السلام : حسبي الله ونعم الوكيل. 
 
فتذمما وسلما عليه ودعوا الله له! فقال لهما: ما يمنعكما من نصرتي!؟
 
فقال مالك بن النضر: عليّ دين ولي عيال!!
 
فقال الضحاك بن عبدالله المشرقي: إن عليَّ ديناًً وإن لي لعيالاً، ولكنك إن جعلتني في حلّ من الإنصراف إذا لم أجد مقاتلاً، قاتلتُ عنك ما كان لك نافعاً وعنك دافعاً!
 
قال الإمام الحسين عليه السلام : فأنت في حلّ! 
 
فأقام معه 3، وعندما استشهد آخر واحد من أصحاب الحسين عليه السلام استأذن الإمام عليه السلام بالتخلّي عنه آخر الأمر، وفرّ من الميدان، ونجا من القتل!!
 
 
 

1- اللهوف، 165. تسمية من قُتل مع الحسين عليه السلام، 154. والحدائق الوردية، 104. إبصارالعين، 169-170. 
2- لقد أشار الشيخ الصدوق إلى مثل هذا اللقاء في كتابه ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 232 في منزل قصر بني مقاتل، والرجلاًن المشرقيان في رواية الشيخ الصدوق هما عمرو بين قيس المشرقي وابن عمّ له. 
3- تاريخ الطبري، الطبري ج 4ص339. وفي إبصار العين، 173 "بشر بن عمرو الأحدوث الحضرمي الكندي". وورد السلام عليه في زيارة الناحية المقدّسة باسم "بشر بن عمرو الحضرمي". البحار، ج 45، ص 70. قال الضحاك بن عبد الله المشرقي: لما رأيت أصحاب الحسين قد أصيبوا وقد خلص إليه وإلى أهل بيته ولم يبق معه غير سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي وبشير بن عمرو الحضرمي قلت له: يا ابن رسول الله قد علمت ما كان بيني وبينكّ قلت لك أقاتل عنك ما رأيت مقاتلاً، فإذا لم أر مقاتلاً فأنا في حل من الإنصراف فقلت لي نعم قال: فقال:صدقت وكيف لك بالنجاء؟ إن قدرت على ذلك فأنت في حل، قال: فأقبلت إلى فرسي وقد كنت حيث رأيت خيل أصحابنا تعقر أقبلت بها حتى أدخلتها فسطاطاً لأصحابنا بين البيوت، وأقبلت أقاتل معهم راجلاً فقتلت يومئذٍ بين يدي الحسين عليه السلام رجلين وقطعت يد آخر، وقال لي الحسين عليه السلام يومئذٍ مراراً لا تشلل لا يقطع الله يدك، جزاك الله خيراً عن أهل بيت نبيك صلى الله عليه وآله وسلم ،فلما أذن لي استخرجت الفرس من الفسطاط، ثم استويت على متنها ثم ضربتها حتى إذا قامت على السنابك رميت بها عرض القوم فأفرجوا لي، وأتبعني منهم خمسة عشر رجلاً حتى انتهيت إلى "شفية" قرية قريبة من شاطئ الفرات فلما لحقوني عطفت عليهم فعرفوني فقالوا: هذا الضحاك بن عبد الله المشرقي، هذا ابن عمنا، ننشدكم الله لما كففتم عنه فقال ثلاثة نفر من بني تميم كانوا معهم: بلى والله لنجيبن إخواننا وأهل دعوتنا إلى ما أحبوا من الكف عن صاحبهمّ قال: فلما تابع التميميون أصحابي كف الآخرون قال فنجاني الله.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
232

228

عاشوراء

 أنصار آخرون لأبي عبد الله الحسين عليه السلام 

 
لقد وردت في مصادر مختلفة ومتشابهة ومتباينة، أسماء أخرى لرجال ذكرت هذه المصادر أنهم استشهدوا مع الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، وهذ الاسماء تتشابه مع أسماء أخرى، بعضها ذكر أنه استشهد في الطف، وبعضها لم يكن من شهداء الطف، وهؤلاء هم: 
مالك بن دودان 1، أنيس بن معقل الأصبحي 2، ربيعة بن خوط 3، زيد بن معقل 4، هلال ابن الحجاج 5، بدر بن رقيط وابنيه 6، خالد بن عمرو بن خالد الأزدي 7،جابر بن عروة الغفاري 8، عمرو بن جندب الحضرمي 9، جعبة بن قيس بن مسلمة 10، أبو الهياج 11، يزيد بن حُصين الهمداني المشرقي 12، عمرو بن مطاع الجعفي 13، عبد الرحمن بن عبد الله اليزني 14، يحيى بن سليم المازني 15، جبلة بن عبد الله 16، سعد بن حنظلة التميمي 17، عمير بن عبد الله
 
 

1- مناقب آل أبي طالب، ج 4 ص104.
2- مناقب آل أبي طالب، ج 4، 103. ابن أعثم الكوفي، الفتوح، 5، 198. مقتل الحسين، الخوارزمي، ج 2، 23. 
3- ذخيرة الدارين، 188. 
4- رجال الشيخ الطوسي: 100رقم 981. مناقب آل أبي طالب، ج 4، 78. البحار، ج 45، 72، وج 10، 273. 
5- أمالي الشيخ الصدوق، 137، المجلس، 30، حديث رقم 1. 
6- راجع البحار، ج 101، ص 340، 273، وج 45، ص 72. 
7- مناقب آل أبي طالب ج 4، ص101. ومقتل الحسين، الخوارزمي، ج 2، 17. 
8- مستدركات علم رجال الحديث، 2، 103، رقم 3401. ذخيرة الدارين، 208، إبصار العين، 99. مقتل الحسين، الخوارزمي، ج 2، 25. 
9- مستدركات علم رجال الحديث، 6، 31، رقم 10755. البحار، ج 45، 73وج 101، 273. 
10- الإصابة، 3، 285، رقم 4236. 
11- الإصابة، 4، 80. 
12- كشف الغمة، 2، 205. ورجال الشيخ الطوسي، 106. وتنقيح المقال، ج 3، 325. وذخيرة الدارين، 179. قاموس الرجال، 2، 294- 296، رقم 1077. 
13- مناقب آل أبي طالب، ج 4، 102. مقتل الحسين، الخوارزمي، ج 2، 22. 
14- مناقب آل أبي طالب، ج 4، 101- 102. تسلية المجالس، 2، 292. 
15- مناقب آل أبي طالب: 4، 102. مقتل الحسين، الخوارزمي، ج 2، 21. 
16- الإقبال، 714. البحار، ج 101، ص 340، وج 45، ص 72.
17- مقتل الحسين، الخوارزمي، ج 2، 17. مناقب آل أبي طالب، ج 4، 101. تاريخ الطبري، 3، 329. الإرشاد، 2، 107. اللهوف، 164. إبصار العين، 130- 131- 132. البحار، ج 45، 73. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
233

 


229

عاشوراء

 المذحجي 1، إبراهيم بن الحصين الأسدي2، دارم بن عبد الله الصائدي 3، يحيى بن هاني بن عروة4، الهفهاف بن المهند الراسبي5.

 
وورد السلام في الزيارة الرجبية الشعبانية على الأسماء التالية:
سليمان بن سليمان الأزدي، عامر بن مالك، منيع بن زياد، عامر بن جليدة، حمّاد بن حمّاد الخزاعي، رميث بن عمرو 6، منذر بن المفضّل الجعفي، حيان بن الحارث 7، عمر بن أبي كعب، سليمان بن عون الحضرمي، عثمان بن فروة الغفاري، غيلان بن عبد الرحمن، قيس بن عبد الله الهمداني، عمر بن كنّاد، زائدة بن مهاجر، سليمان بن كثير، سويد مولى شاكر 8.
 
مقاتل ومصارع بني هاشم عليه السلام في كربلاء
 
وبعد ما استشهدت الصفوة العظيمة من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام هبّ أبناء الأسرة النبوية شباباً وأطفالاً للتضحية والفداء، وهم بالرغم من صغر سنهم كانوا كالليوث، لم يرهبهم الموت ولم تفزعهم الأهوال، وتسابقوا بشوق إلى ميادين الجهاد، وقد ضنّ الإمام عليه السلام على بعضهم بالموت، فلم يسمح لهم بالجهاد إلا أنهم أخذوا يتضرعون إليه ويقبّلون يديه ورجليه ليأذن لهم في الدفاع عنه. 
 
والمنظر الرهيب الذي يذيب القلوب، ويذهل كل كائن حي هو أن أولئك الفتية جعل يودّع بعضهم بعضاً الوداع الأخير، فكان كل واحد منهم يوسع أخاه وابن عمه
 
 
 

1- مقتل الحسين الخوارزمي، ج 2، 17. مناقب آل أبي طالب، ج 4، 101.
2- مناقب آل أبي طالب، ج 4، 105. 
3- جمهرة أنساب العرب، 395. النسب، 337. رجال الشيخ الطوسي، 104، رقم 1029. 
4- راجع إبصار العين، 139، 149. تهذيب الكمال، 32، 18، رقم 6936. تنقيح المقال، ج 3، 322، رقم 13089. وانظر ذخيرة الدارين، 255. راجع تاريخ الطبري، 3، 324.
5- تسمية من قُتل مع الحسين، 156. وسيلة الدارين، 203- 204، رقم 164. انظر الحدائق الوردية، 122. مستدركات علم رجال الحديث 8، 162، رقم15944. 
6- راجع مناقب آل أبي طالب، ج 4، 78. 
7- البحار، ج 11، 340، وج 101، 273. وج 45، 72. الإقبال، 576. رجال الشيخ الطوسي، 99، رقم 968. إبصار العين، 144. 
8- راجع البحار، ج 101، ص 340- 341. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
234

230

عاشوراء

 تقبيلاً، وهم غارقون بالدموع حزناً وأسىً على ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث يرونه وحيداً غريباً قد أحاطت به جيوش الأعداء، ويرون عقائل النبوة قد تعالت أصواتهن بالبكاء والعويل... وساعد الله الإمام عليه السلام على تحمّل هذه الكوارث التي تقصم الأصلاب، وتذهل الألباب، ولا يطيقها أيّ إنسان إلا من امتحن الله قلبه للإيمان، بل لا يطيقها إلا من عصمه الله بعصمة الإمامة. 

 
وقد وردت عدة أقوال في عدد شهداء الطف من الهاشميين، ما بين تسعة أشخاص 1، إلى أحد عشر 2، إلى سبعة عشر 3، إلى سبعة وعشرين شهيداً 4.وكان عليّ الأكبر عليه السلام 5، ابن الإمام الحسين عليه السلام ، أول
 
 

1- السيرة النبوية، ص558. 
2- تاريخ الإسلام للذهبي، حوادث سنة 61، ص21، مرآة الزمان لليافعي، ج1، 131. 
3- الإرشاد، ص279، الدر النظيم، ص378، الإصابة، ج1، ص17، تاريخ العلماًء ووفياتهم، ج1، ص172، مرآة الزمان، ج3، ص113، البداية والنهاية، ج8، ص191، المعجم الكبير للطبراني، ج3، ص104، رقم2805، خطط المقريزي، ج2، ص286، تهذيب التهذيب، ج2، ص323، إبصار العين،49- 77، 89، 92، 54، 91، البحار، ج45، ص65-69. 
4- مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب، ج4، ص112، ذخائر العقبى، ص146، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، ج2، 53، سفينة البحار،ج2،ص196، أعيان الشيعة، ج4، ص134.
5- المصرحون بأنه هو الأكبر: ابن سعد في طبقاته،ترجمة الإمام الحسين، عليه السلام ومقتله، من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد، تحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي، 73-. وابن فندق في لباب الأنساب، 1، 349. وابن كثير في البداية والنهاية، 8، 191. والطبري، في تاريخه، ج4، ص340. وأبو الفرج الأصفهاني، في مقاتل الطالبيين، 86. والدينوري في الأخبار الطوال، 256. وابن الأثير في الكامل، 3، 293. وابن الجوزي في تذكرة الخواص، 229. والديار بكري، في تاريخ الخميس، 2، 298. وابن الحنبلي، في شذرات الذهب، 2، 61. والمجدي العلوي في المجدي، 91. والبلاذري في أنساب الأشراف، ج 3، 406.والأندلسي في جمهرة أنساب العرب، 267. والفخر الرازي في الشجرة المباركة، 72. والفضيل بن الزبير الكوفي الأسدي في تسمية من قُتل مع الحسين عليه السلام، 150. والطبراني في مقتل الحسين عليه السلام 38. وابن شهر آشوب في المناقب. والذهبي في سير أعلام النبلاء، 3، 321. والمسعودي في مروج الذهب، 3، 61. والذهبي أيضاً في تارخ الإسلام حوادث سنة 61، ص21-. الزرندي في نظم درر السبطين، 218. واليافعي في مرآة الزمان، 1، 131. واليعقوبي في تاريخه، 2، 94. واليماني في النفحة العنبرية، 45. والعقيقي كما في الحدائق الوردية، 116. وأبو نصر في سرّ السلسلة العلوية، 30. وابن إدريس في السراًئر، 1، 657. والشهيد الأول، في الدروس، 2، 11. ومن الأدلة على أنه الأكبر من الإمام زين العابدين عليه السلام: 
1 – أن عليّ بن الحسين عليه السلام المقتول بكربلاء مع أبيه عليه السلام، ولد سنة ثلاث وثلاثين للهجرة النبوية على قول الواقدي، وينقل ذلك المقرم في كتابه مقتل الحسين عليه السلام ص255-. وأن الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام ولد سنة ثماني وثلاثين من الهجرة، وبعض النصوص تصرّح بأنّ علياً الشهيد عليه السلام ولد في إمارة عثمانراجع السراًئر، 1، 654. ومقاتل الطالبيين، 86-. 
2 – يروي المؤرخون أن الإمام زين العابدين عليه السلام حينما سأله يزيد بن معاوية: ما اسمك؟ قال: علي بن الحسين. قال: أولم يقتل الله عليّ بن الحسين؟ قال عليه السلام: قد كان لي أخ أكبر مني يُسمى علياُ فقتلتموه.راجع مقاتل الطالبيين، 119- 120. ونسب قريش، 58-. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
235

231

عاشوراء

 فلم يزل يقاتل حتى ضجّ أهل الكوفة لكثرة من قتل منهم، ثم رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة، فقال: يا أبة، العطش قد قتلني، وثقل الحديد قد أجهدني، فهل إلى شربة ماءٍ من سبيل؟ أتقوّى بها على الأعداء. 

 
فبكى الحسين عليه السلام وقال: يا بني عزَّ على محمّد وعلى عليّ وعلى أبيك، أن تدعوهم فلا يجيبونك، وتستغيث بهم فلا يغيثونك، يا بني هاتِ لسانك. 
 
فأخذ لسانه فمصّه، ودفع إليه خاتمه وقال: خذ هذا الخاتم في فيك، وارجع إلى قتال عدوّك، فإني أرجو أن لا تمسي حتى يسقيك جدك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداًً. 
 
فرجع عليّ بن الحسين عليه السلام إلى القتال، وحمل وهو يقول: 
 
الحربُ قد بانت لها حقائق       وظهرت من بعدها مصادق 
 
والله ربّ العرش، لا نفارق      جموعكم أو تُغمد البوارق 
 
وجعل يُقاتل، فضربه منقذ بن مُرة العبد على مفرق رأسه ضربة صرعه فيها، وضربه الناس بأسيافهم، فاعتنق الفرس، فحمله الفرس إلى عسكر عدوّه، فقطعوه بأسيافهم إرباً إرباً، فلما بلغت روحه التراقي نادى بأعلى صوته، يا أبتاه هذا جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداًً، وهو يقول لك: العجل فإن لك كأساً مذخورة. 
 
فصاح الحسين عليه السلام : 
"قتل الله قوماً قتلوك يا بني ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الدنيا بعدك العفا". 
 
ثم أخذ بكفه من دمه الطاهر ورمى به نحو السماء، فلم يسقط منه قطرة 1!
 
وخرجت السيدة زينب عليه السلام مسرعة تنادي بالويل والثبور، تصيح: واحبيباه، وا ثمرة فؤاداه، وا نور عيناه، يا أخياه وابن أخياه، ثم جاءت حتى انكبّت عليه،
 
 
 

1- كامل الزيارات، 253 باب 79 رقم21- نشر مكتبة الصدوق. البحار، ج 45، 65- 66. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
237

232

عاشوراء

  فجاء إليها الحسين حتى أخذ بيدها وردّها إلى الفسطاط، ثم أقبل مع فتيانه إلى ابنه فقال: احملوا أخاكم! فحملوه من مصرعه حتى وضعوه عند الفسطاط الذي يقاتلون أمامه 1، والظاهر من بعض الأخبار أنه كان لعلي الأكبر ذرية 2

 
واندفعت الفتية الطيّبة من أنصار الإمام الحسين عليه السلام من آل عقيل عليه السلام إلى الجهاد، وهي مستهينة بالموت، وقد نظر الإمام عليه السلام إلى بسالتهم واندفاعهم إلى نصرته فكان يقول: " اللهم أقتل قاتل آل عقيل... صبراً آل عقيل إن موعدكم الجنة". وكان علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام يميل أشدّ الميل لآل عقيل ويقدّمهم على غيرهم من آل جعفر، فقيل له في ذلك، فقال: إني لأذكر يومهم مع أبي عبد الله فأرق لهم. 
 
وقد استشهد منهم تسعة في المعركة دفاعاً عن ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيهم يقول الشاعر: 
 
عينُ جـودي بعبـرة وعـويـل        وانـدبـي إن نـدبـتِ آل الـرسول 
 
سبعـة كلـهـم لصـلب عـليّ           قـد أصيبوا وتسعـة لعــقـيل" 3
 
 

1- مقتل الحسين عليه السلام، للخورازمي، 2، 34- 36. وانظر الإرشاد، الشيخ المفيد، ج 2، ص 106-107. وتأريخ الطبري، ج4، ص340 و341. والدر النظيم، 555. والأخبار الطوال، 256. وتذكرة الخواص، 230. وإعلام الورى، 2، 464. وتسلية المجالس، ص 310. ومقاتل الطالبيين، 86. 
2- راجع كامل الزيارات، 253 باب 79 رقم 21. وذكر بعض المؤرخين أن للإمام الحسين عليه السلام أبناءً آخرين، عدا علي الأكبر والسجّاد، وعبد الله الرضيع، فقد ذكر ابن شهر آشوب السروي في المناقب: 4، 113 في جملة المقتولين من أهل البيت مجموعة من أبناء الحسين عليه السلام قائلاً: "وستة من أبناء الحسين مع اختلاف فيهم: عليّ الأكبر، وإبراهيم، وعبد الله، ومحمّد وحمزة وعليّ، وجعفر، وعمر، وزيد، وذُبح عبدالله في حجره"، ولكنّ هؤلاء تسعة وليسوا ستة كما ذكر، ولعلّ الستة جاءت بدلاً من التسعة سهواً. 
كما ذكرت بعض المصادر الأخرى أن للإمام الحسين عليه السلام ولداًً صغيراً اسمه أبو بكر، وأنه قتل في كربلاء مع أبيه الحسين عليه السلام، راجع تاريخ الطبري، ج4، ص 341. والكامل في التاريخ، 3، 294. وترجمة الإمام الحسين عليه السلام من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد، 76. ومقتل الحسين عليه السلام للطبراني، 38. والشجرة المباركة 73. وفي سرّ السلسلة العلوية، ص 30، أن أبا بكر مات صغيراً قبل أبيه، وروى ابن سعد في طبقاته أن عبد الله بن عقبة الغنوي هو قاتل أبي بكر، وجعفر، ابني الحسين عليه السلام، كذلك روى الطبري وابن الأثير وأبو الفرج أن قاتل أبي بكر هو هذا الغنوي لعنه الله. 
وذهب صاحب الإمامة والسياسة: 2، 6. والتميمي في المحن: 134. وابن عبد ربه في العقد الفريد، 5، 134 إلى أن محمّد بن الحسينالذي ذكره ابن شهر آشوب في القتلى- كان في قافلة الأسرى. 
3- "المحقق القرشي، حياة الإمام الحسين بن علي عليه السلام: 3، 249. وانظر المعارف لابن قتيبة: 204. ونفس المهموم: 321. وجمهرة أنساب العرب: 69.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
238

233

عاشوراء

 والذين اشتهر عند المؤرخين وأهل التراجم أنهم استشهدوا مع الإمام عليه السلام يوم عاشوراء هم: عبدالله بن مسلم بن عقيل عليه السلام ، وقد روي أنه أول من خرج من الطالبيين عليه السلام إلى قتال الأعداء، وكان يقول: 

 
اليوم ألقى مُسلماً وهو أبي        وفتية بادوا على دين النبي 
 
ليسوا كقومٍ عُرفوا بالكذب         لكـن خيارٌ وكرامُ النسبِ 
 
مــن هــاشـم السـادات أهـل الحسـب 
 
ثم حمل حتى قتل منهم جماعة وقُتل 1. فقد رماه عمرو بن صبيح الصيداوي 2بسهم فوضع كفّه على جبهته، فأخذ لا يستطيع أن يحرك كفّيه، ثم انتهى له بسهم آخر ففلق قلبه، فاعتوره الناس من كل جانب 3. ويقال قتله أسد بن مالك الحضرمي 4
 
وحمل بنو أبي طالب بعد قتل عبدالله حملة واحدة، فصاح بهم الحسين عليه السلام : صبراً على الموت يا بني عمومتي! فوقع محمّد بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام ، وأمه أم ولد، فشدّ عليه أبو مرهم الأزدي ولقيط بن إياس الجهني، 5فقتلاه. وبرز إلى ميدان الحرب جعفر 6بن عقيل بن أبي طالب وهو يرتجز ويقول: 
 
 

1- راجع الفتوح، 5، 202- 203. ومقتل الحسين عليه السلام الخوارزمي، ج 2، 30. 
2- راجع: اللهوف، 182. ذوب النظار: 122.
3- تاريخ الطبري،ج4، ص340 و341. الكامل، 3، 293. الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص107. الأخبار الطوال، 257. 
4- المناقب، 4، 105. تسلية المجالس، 2، 302. الدر النظيم، 555. وترجمة الإمام الحسين عليه السلام ومقتله من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد تحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي، ص76. أنساب الأشراف، ج 3، 406. إبصار العين، 90. تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام، 151، وفيه: قتله عمرو بن صبيح الصيداوي، ويقال: قتله أسد بن مالك الحضرمي.
5- مقاتل الطالبيين: 97. مناقب آل أبي طالب، ج 4، 109. تذكرة الخواص، 229. الأخبار الطوال، 257.
6- وأمه أم الثغر بنت عامر بنت الهضاب العامري من بني كلاب. ويقال: أمه الخوصاء بنت الثغر، واسمه عمرو بن عامر... راجع مقاتل الطالبيين، 97. وفي تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام: 151. أمه أم البنين بنت النفرة بن عامر بن هصان الكلابي. وانظر إبصار العين، 92. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
239

234

عاشوراء

 أنا الغلام الأبطحي الطالبي       من معشر في هاشم وغالب 

 
ونحن حقاً سادة الذوائـب       هذا حسين سيـد الأطائـب 
 
فقتله عروة بن عبد الله الخثعمي 1.  
 
وبرز عبد الرحمن بن عقيل عليه السلام ، وأمه أم ولد 2، وهو يرتجز ويقول: 
 
أبـي عقيـل فأعرفوا مكاني       مــن هاشـم وهاشـم إخـــواني 
 
كهول صدق سادة القرآن        هذا حسين شـامـخ الـبنـيان" 3
 
فشدّ عليه اثنان من رجال عمر بن سعد 4فقتلوه. 
 
وبرز إلى ساحة الحرب محمّد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب عليه السلام ، وأمه أم ولد. فقتله لقيط بن ياسر الجهني، وذُكر أنه اشترك معه آخرون في قتله 205
 
وقال هشام الكلبي: حدّث هاني بن ثبيت الحضرمي قال: كنت ممن شهد قتل الحسين عليه السلام ، فوالله إني لواقف عاشر عشرة ليس منا إلا رجل على فرس، وقد جالت الخيل وتضعضعت، إذ خرج غلام من آل الحسين وهو ممسك بعود من تلك الأبنية عليه إزار وقميص، وهو مذعور يتلفت يميناًً وشمالاًً، فكأني أنظر إلى درّتين في أذنيه يتذبذبان كلّما التفت، إذ أقبل رجل يركض حتى إذا دنا منه مال عن فرسه، ثم اقتصد الغلام فقطعه بالسيف. 
 
قال هشام الكلبي: هاني بن ثبيت الحضرمي هو صاحب أي قاتل، الغلام، وكنّى
 
 

1- مقاتل الطالبيين، 97. تاريخ الطبري، 3، 331. تذكرة الخواص، 229. وتسمية من قتل مع الحسين عليه السلام 151. 
2- راجع مقاتل الطالبيين، 96. وراجع سير أعلام النبلاء، 3، 320. تسمية من قتل الحسين عليه السلام ، 151. 
3- الفتوح، 5، 203. راجع الإرشاد، 2، 107. الطبقات الكبرى، 76. إبصارالعين، 92. وعن ابن فندق في لباب الأنساب، 1، 397، بأن عمره ح/ينما قتل كان ابن خمس وثلاثين سنة. 
4- تاريخ الطبري،ج4، ص341. مقاتل الطالبيين، 96. تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام، 151. الأخبار الطوال257. أنساب الأشراف، ج 3، 406. جمهرة أنساب العرب، 60. المناقب، 4، 105. 
5- تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام، 151. وتاريخ العلماًء ووفياتهم، 1، 172. ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من طبقات ابن سعد، 77. وتاج المواليد للمرحوم الطبرسي، 108. ومناقب آل أبي طالب، ج 4، 112.



 
 
 
 
 
 
 
 
 
240

235

عاشوراء

 عن نفسه استحياءً أو خوفاً" 1

 
وانبرى إلى ساحة القتال عبد الله بن عقيل الأكبر 2وقاتل قتال الأبطال، فقُتل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة 3
 
ثم برز بقية أولاد عقيل، عبيد الله، وأمه الخوصاء بنت حفصة، ومحمّد 4، وهو صهر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وعون، وعلي، وموسى 5. ثم برز أحمد بن محمّد بن عقيل 6، فاستشهدوا جميعاًً واحداً تلو الآخر.
 
ثم ابتدأ آل جعفر بن أبي طالب عليه السلام بالتقدم إلى حومة الحرب لنصرة سيد شباب أهل الجنة، فبرز عون بن عبد الله بن جعفر 7عليه السلام ، وأمه العقيلة 8زينب بنت الإمام أمير المؤمنين عليه السلام . وهو يرتجز ويقول: 
 
إن تنكـــروني فأنـا ابـن جعفــر         شهيد صـدق في الجنـان أزهـــر 
 
يطيـــر فيــهــا بجنـاح أخضـر          كفى بهذا شرفاً فـي المحشر 9
 
ثم برز إلى ميدان المعركة محمّد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأمه الخوصاء بنت حفصة 10. وهو يرتجز: 
 
 
 

1- تاريخ الطبري، 3، 332. ومقاتل الطالبيين، 188. 
2- قال في المقاتل: 97، وأمه أم ولد. راجع تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام 151. مقاتل الطالبيين، 97. راجع المعارف لابن قتيبة، 204. البحار، ج 45، 33. 
3- لباب الألباب، 1، 397. وفي الطبقات لابن سعد، 76. تذكرة الخواص، 229. 
4- الأخبار الطوال، 257. 
5- المعارف، 204، قال ابن قتيبة: وولد عقيل مسلماًً وعبد الله ومحمّد ورملة وعبيد الله لأم ولد. مستدركات علم رجال الحديث، ج5، 415. وج6، 144. وج7، 209. البحار، ج 45، 62. المناقب، 4، 112. الأخبار الطوال: 257. وفي نسب قريش، 45. وكانت أم هاني بنت علي عند عبد الله الأكبر بن عقيل بن أبي طالب فولدت له محمّداً قتل في الطف. ذخيرة الدارين، 162. وفي مقاتل الطالبيين، 98 أن علي بن عقيل أمه أم ولد قتل يومئذ. وعن ابن فندق في لباب الأنساب، 1، 397، بأن عمره كان 38 سنة.
6- تنقيح المقال، ج 1، 103، رقم 589. وعنه مستدركات علم رجال الحديث، 1، 459، رقم1633. 
7- الأخبار الطوال، 257. 
8- تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام، 150. عمدة الطالب للسيد الداوودي، 36. مقتل الحسين عليه السلام الخوارزمي، ج 2، 31. مقاتل الطالبيين، 95. نفس المهموم، 317. 
9- مناقب آل أبي طالب عليه السلام، 4، 106. وانظر أنساب الأشراف، ج 3، 406. والدر النظيم، 555. 
10- راجع تسمية من قتل مع الحسين، عليه السلام، 151. أنساب الأشراف، ج 3، 406. وفي إبصار العين، 77.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
241

236

عاشوراء

 نشكـو إلــى الله مــن العدوان         فِعالِ قـوم فـي الردى عـميـان 

 
قــد بدّلـوا معــالـم القــرآن            ومحكـم التنـــزيــل والتـبيان 
 
وأظهــروا الكفـر مــع الطغـيـان" 1
 
فقاتل وقُتل 2
 
وكان القاسم بن محمّد بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام ، وأمه أم ولد، ملازماً لابن عمه الحسين عليه السلام ، ولم يفارقه أبداً، وقد زوّجه عليه السلام بنت عمّه عبد الله بن جعفر التي خطبها معاوية لابنه يزيد، وأمها زينب بنت أمير المؤمنين عليه السلام ، واسمها أم كلثوم الصغرى، وقد انتقل القاسم مع زوجته مع الحسين عليه السلام إلى كربلاء، وقاتل وأثخن بالجراح، فتعطفوا عليه من كل جانب، فقتلوه 3
 
وبعده استشهد عبيد الله بن عبد الله بن جعفر4 عليه السلام ، وأمه الخوصاء بنت حفصة، ثم عبد الله بن عبد الله بن جعفر عليه السلام 5
 
ثم جاء دور أبناء الإمام الحسن بن علي عليه السلام ، وكان أول واحد فيهم القاسم بن الحسن 6عليه السلام، وكان يقول: " لا يُقتل عمي وأنا أحمل السيف" 7. ولما رأى وحدة عمه، استأذنه في القتال فلم يأذن له لصغره، فما زال به حتى أذن له 8
 
روى الشيخ المفيد (رضوان الله عليه) قائلاً: "قال حميد بن مسلم: فإنا كذلك إذ خرج علينا غلام كأن وجهه شقة قمر في يده سيف، وعليه قميص وإزار، ونعلان قد
 
 

1- الفتوح، 5، 204. 
2- تسمية من قتل مع الحسين، عليه السلام 151. ومقاتل الطالبيين، 96. ومقتل الحسين عليه السلام الخوارزمي، ج 3، 31. وذخيرة الدارين، 155. ورجال الشيخ الطوسي، 105، الرقم 1037. مقاتل الطالبيين، 96. 
3- تنقيح المقال، ج 2، 24، رقم 9610. وعنه مستدركات علم رجال الحديث، 6، 255، رقم 11786. 
4- مقاتل الطالبيين، 96. 
5- مناقب آل أبي طالب عليه السلام، 4، 111. وعنه مستدركات علم رجال الحديث، 5، 50، رقم 8463. 
6- أمه أم أبي بكر، يقال إن اسمها رملة.راجع إبصار العين، 72-. وفي تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام، 150. "وأمه أم ولد". الأخبار الطوال، 257. 
7- حياة الإمام الحسين بن علي عليه السلام، 3، 254. عن البستان الجامع لجميع تواريخ أهل الزمان لعماد الدين الأصفهاني، 25. 
8- الخوارزمي في المقتل، 2، 31. راجع لباب الأنساب، لابن فندق 1، 397. وانظر البحار، ج 45، 34- 35. وروضة الواعظين، 188. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
242

237

عاشوراء

  انقطع شسعُ إحداهما، فقال لي عمر بن سعيد بن نفيل الأزدي: والله لأشدّن عليه. فقلت: سبحان الله، وما تريد بذلك؟! دعه يكفيكه هؤلاء القوم الذين ما يبقون على أحد منهم! فقال: والله لأشدّن عليه. فشدّ عليه فما ولّى حتى ضرب رأسه بالسيف ففلقه، ووقع الغلام لوجهه فقال: يا عمّاه! فجلى الحسين عليه السلام كما يُجلي الصقر، ثم شدّ شدة ليث أغضب، فضرب عمر بن سعيد بن نفيل بالسيف فاتقاها بالساعد، فأطنّها من لدُنِ المرفق، فصاح صيحة سمعها أهل العسكر، ثم تنحى عنه الحسين عليه السلام ، وحملت خيلُ الكوفة لتستنقذه فتوطّأته بأرجلها حتى مات. 

 
وانجلت الغبرة فرأيت الحسين عليه السلام قائماً على رأس الغلام وهو يفحص برجله والحسين عليه السلام يقول: بعداً لقوم قتلوك، ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدُّك. ثم قال: 
عزَّ، والله، على عمك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا ينفعك،( أو يعينك فلا يغني عنك، بعداً لقوم قتلوك، الويل لقاتلك) صوت، والله، كثر واتروه وقل ناصروه!!
 
ثم حمله على صدره، فكأني أنظر إلى رجلي الغلام تخطان الأرض. فجاء به حتى ألقاه مع ابنه علي بن الحسين عليه السلام والقتلى من أهل بيته، فسألتُ عنه فقيل لي: القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام 1
 
ثم رفع صوته إلى السماء وقال: 
"اللهم أحصهم عدداً ولا تغادر منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً. صبراً يا بني عمومتي، صبراً يا أهل بيتي لا رأيتم هوانا ًبعد هذا اليوم أبداًً" 2
 
وكان أحمد بن الحسن عليه السلام قد خرج مع عمّه الحسين عليه السلام هو وأمّه وأخوه
 
 

1- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 108. الدر النظيم، 556. تذكرة الخواص، 230. تاريخ الطبري، ج4، ص341و342. مآثر الإنافة، 1، 107.
2- مقتل الخوارزمي، ج 2، 32. المناقب، 44، 106. أنساب الأشراف، ج 3، 406. وفي أمالي الشيخ الصدوق، 138، المجلس 30، حديث رقم1. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
243

238

عاشوراء

 القاسم وأختاه أمّ الحسن وأمّ الخير إلى مكة، ثم إلى كربلاء، وله من العمر ست عشرة سنة، وعند اشتداد القتال، بعد صلاة الظهر، حمل على القوم وهو يرتجز، وأثخن بالجراح، فتعطّفوا عليه جماعة كثيرة فقتلوه 1. ثم استشهد بعده أبو بكر بن الحسن عليه السلام2.

 
وقاتل الحسن بن الحسن المثنى، فأصابته ثماني عشرة جراحة، وقطعت يده اليمنى ولم يستشهد 3، فقد وقع فأخذه خاله أسماء بن خارجة فحمله إلى الكوفة وداواه حتى برئ وحمله إلى المدينة 4
 
وأما عمر بن الحسن عليه السلام ، فقد قيل إنه من شهداء الطف، 5ولكن ابن الجوزي قال: "واستصغروا أيضاً عمر ابن الحسن بن علي عليه السلام فلم يقتلوه وتركوه" 6
 
وبعد استشهاد أولاد عمومته وأولاد أخيه، أخذ إخوان الإمام الحسين عليه السلام بالتصدي والقتال في يوم عاشوراء. وهناك اختلاف بين المؤرخين حول عدد أولاد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الذين قتلوا مع ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في واقعة الطف، فعن المفيد والطبري أنهم كانوا خمسة، وعن آخرين أنهم كانوا تسعة أشخاص، ونحن نذكر هنا المشهورين منهم. 
 
وكان عبدالله وجعفر وعثمان 7إخوة العباس بن علي عليه السلام من أمه، أم البنين
 
 

1- تنقيح المقال، ج 1، 103، رقم 588. ذخيرة الدارين، 165. ضياء العينين، 303. 
2- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 109. أنساب الأشراف، ج 3، 406. تاريخ الطبري، ج4، ص341و342. مآثر الإنافة، 1، 107، وعن أبي فندق في لباب الأنساب، 1، 397، بأن عمره حيمنا قتل كان خمساً وثلاثين سنة. مقاتل الطالبيين، 92. تذكرة الخواص، 229. ولظاهر أن الحسين تصحيف الحسن، خصوصاً في مقاتل الطالبيين، وذلك لأنه ذكره في جملة أولاد الحسن عليه السلام قال فيما بعده: والقاسم بن الحسن... وهو أخو أبي بكر بن الحسن المقتول قبله لأبيه وأمه.. إعلام الورى، 1، 466. 
3- وفي سير أعلام النبلاء. 3، 303. ذكر الذهبي، بأن الحسن بن الحسن لم يقتل وله ذرية. 
4- اللهوف، 191. 
5- ذكره الخوارزمي في المقتل: 2، 53، وانظر سير أعلام النبلاء، 3، 303. 
6- تذكرة الخواص، 229، وانظر سير أعلام النبلاء، 3، 303. 
7- مقاتل الطالبيين، 87. إبصار العين، 67. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
244

239

عاشوراء

 فاطمة بنت حزام الكلابية، العامرية 1، فلما رأى العباس كثرة القتلى في أهله قال لهم: "يا بني أمي، تقدموا، بنفسي أنتم، فحاموا عن سيدكم حتى تموتوا دونه، حتى أراكم قد نصحتم لله ولرسوله. 2فتقدموا جميعاً. فصاروا أمام الحسين عليه السلام ، يقونه بوجوههم ونحورهم. 

 
فتقدم عبدالله فقاتل قتالاًً شديداًً، فاختلف هو وهاني بن ثبيت الحضرمي ضربتين فقتله هاني لعنه الله" 3. ثم تقدم جعفر4، فقتله أيضاً هانيء 5، وجاء برأسه 6. وروي أن خولِّي بن يزيد الأصبحي هو الذي قتله 7
 
وعندما برز عثمان بن علي عليه السلام ، رماه خوليُّ بن يزيد الأصبحي بسهم فصرعه 8، وشدّ عليه رجل من بني دارم فاحتزّ رأسه، فأتى عمر بن سعد، فقال له: أثبني، فقال عمر: عليك بأميرك، يعني عبيد الله بن زياد، فسله أن يثيبك 9. وبقي العباس بن علي قائماً أمام الحسين عليه السلام يقاتل دونه، ويميل معه حيث مال.
 
ثم برز محمّد الأصغر، أو عبد الله، أبو بكر بن علي عليه السلام وأمه ليلى بنت 
 
 

1- الأخبار الطوال، 257.
2- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 109، وفي الأخبارالطوال: 257 "تقدموا بنفسي أنتم فحاموا عن سيدكم حتى تموتوا دونه". ولعل كلمة أرثكم الواردة في تأريخ الطبري، 3، 332،هي تصحيف لكلمة "أراكم" أو "أرزء بكم" والله العالم. 
3- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 109. مقاتل الطالبيين، 88. مقتل الحسين عليه السلام للطبراني، 38. مروج الذهب، 3، 61. نظم درر السمطين، 218. كفاية الطالب، 298. الدر النظيم، 557. مناقب آل أبي طالب، ج 4، 107. الأخبار الطوال، 257.
4- ولد بعد أخيه عثمان بسنتين، وأمه فاطمة أم البنين، وبقي مع أبيه نحو سنتين ومع أخيه الحسن عليه السلام نحو اثنتي عشر سنة، ومع أخيه الحسين عليه السلام نحو إحدى وعشرين سنة، وذلك مدة عمره.راجع إبصار العين، 69. وتنقيح المقال، ج 1، 219. وأعيان الشيعة، 4، 129-. 
5- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 109. الدر النظيم، 557. مناقب آل أبي طالب، ج 4، 107. راجع: إبصار العين، 70. وانظر مقتل الخوارزمي، ج 2، 34. وتاريخ خليفة 145. وشرح الأخبار، 3، 194. جمهرة النسب لابن الكلبي، 181. ومآثر الإنافة، 118. الأخبار الطوال، 257.
6 تاريخ الطبري، الطبري، ج4، ص 342 وص 343. الأخبار الطوال، 257.
7- مقاتل الطالبيين، 88. 
8- وأمه فاطمة أم البنين. إبصار العين، 68. وروي عن أمير المؤمنينن عليه السلام أنه قال: "إنما سمّيته عثمان بعثمان بن مظعون أخي" راجع مقاتل الطالبيين، 89. الأخبار الطوال، 257.
9- الإرشاد، 2، 109. مقاتل الطالبيين، 89. شرح الأخبار، 3، 194. جمهرة النسب، 1، 18. المناقب، 4، 107. البحار، ج 45، 37. نفس المهموم، 327. الأخبار الطوال، 257.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
245

240

عاشوراء

 مسعود الثقفية 1 قائلاً: 

شيـخي علـي ذو الفخـار الأطول       من هاشم الخير الكريم المُفضل 
هذا حسيـن ابـن النبـيّ المرسل       عـنه نحامي بالحـسام المصقل 
تـفديــه نـفـسي مـن أخٍ مبجـّل 
 
فرماه رجل فقتله وجاء برأسه 2، وأمه أم ولد 3. ويقال إنه لم يُقتل لمرضه 4
 
ولكن مؤرخين آخرين أوردوا كنيته دون اسمه، وذكروا أن أمه ليلى بنت مسعود بن خالد، من تميم. وروي عن الإمام محمّد الباقر عليه السلام أن رجلاًً من همدان قتله 5، وذكر المدائني: أنه وُجد في ساقية مقتولاً لا يُدرى من قتله" 6
 
وذكر ابن شهراشوب في المناقب أن عمر بن علي عليه السلام برز، من بعد أخيه أبي بكر، وهو يرتجز: 
خلّـوا عداة الله خلـوا عــن عـمـر        خـلوا عن الليـث الهصور المكفهر 
يضربكــم بسـيفــه ولا يــفـر             يـا زجـر يـا زجـر تـدانَ من عمر 
 
وقتل زجراً قاتل أخيه، ثم دخل حومة الحرب 7، فلم يزل يقاتل حتى قتل 8
 
ولكن ما ذكره ابن شهراشوب في المناقب يدفعنا إلى طرح مسألة مهمة، وهي
 
 

1- راجع إبصار العين، 70. الإرشاد، 1، 354. تاريخ المواليد،المطبوع ضمن المجموعة النفيسة رقم 95-، ص108. كشف الغمة، 2، 66.
2- الأخبار الطوال، 257. تاريخ الطبري، الطبري، ج4، ص 342 وص 343. وانظر مناهل الضرب في أنساب العرب، 86. 
3- مقاتل الطالبيين، 69. وفي تاريخ خليفة، 145. 
4- مناقب آل أبي طالب عليه السلام، 4، 113. 
5- مقاتل الطالبيين، 88.
6- مقاتل الطالبيين، 91. وانظر تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام 149. وتاريخ العلماًء ووفياتهم، 1، 182. والسيرة النبوية وأخبار الخلفاء، 560. والإمامة والسياسة، 2، 6. ونظم درر السمطين، 218. وجمهرة أنساب العرب، 230. والمجدي، 12: "وفيه أبو بكر اسمه عبدالله قتل بالطف". وراجع شذرات الذهب، 1، 66. وتاريخ الخميس، 2، 298. ومستدركات علم رجال الحديث، 8، 343. 
7- مناقب آل أبي طالب، ج 4، 107. 
8- تسليةالمجالس، 2، 306. وانظر مقتل الحسين عليه السلام الخوارزمي، ج 2، 33. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
246

 


241

عاشوراء

 أنه سواء كان لأمير المؤمنين علي عليه السلام ابنين 1باسم عمر، الأكبر والأصغر، أم كان له ابن واحد اسمه عمر 2، فالمشهور أن عمر قد تخلّف عن أخيه الحسين عليه السلام بلا عذر معروف، ولم يسر معه إلى الكوفة، وأن الرواية التي تقول إن "عمر" حضر كربلاء لا يمكن أن تصح، فالمشهور بين أهل التواريخ والسير أنه لم يشهد مع أخيه الحسين عليه السلام بالطف 3. والمذكور في التاريخ أنه مات بينبع 4وهو ابن سبع وسبعين سنة، وقيل خمس وسبعين سنة، وقيل عاش خمساً وثمانين سنة! 5.. وأنه إذا كان هناك "عمر" آخر، فهو لم يحضر الطف أيضاً، بل قتل في وقعة المذار سنة سبع وستين 6.

 
وتباينت كلمات المؤرخين في شهادة إبراهيم بن علي بن أبي طالب عليه السلام في وقعة الطف. 
 
فقد شكك في ذلك أبو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين، وهو أقدم من تحدّث في هذه المسألة، حيث قال: "وقد ذكر محمّد بن علي بن حمزة أنه قتل يومئذٍ إبراهيم بن علي بن أبي طالب عليه السلام . وأمه أم ولد. وما سمعت بهذا من غيره، ولا رأيت لإبراهيم في شيء من كتب الأنساب ذكراً" 7
 
وفي مقابل ذلك صرح ابن عبد ربه الأندلسي، 8وابن شهر آشوب 9، 
 
 

1- راجع مستدركات علم رجال الحديث، 6، 101، رقم 11070.
2- عمدة الطالب، 339. وانظر السلسلة العلوية، 96. الطبقات الكبرى، 5، 117. 
3- نفس المهموم، 328. 
4- الحموي في معجم البلدان، 5، 284. 
5- راجع مستدركات علم رجال الحديث، 6، 101، رقم 11070.
6- تاريخ خليفة بن خياط، 165. 
7- مقاتل الطالبيين، 91. وعنه نفس المهموم، 328. 
8- العقد الفريد، 5، 134. 
9- مناقب آل أبي طالب عليه السلام، 4، 112. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
247

242

عاشوراء

 والنمازي 1، والخوارزمي 2، بأنه قتل في كربلاء، بين يدي ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . 

 
ثم استشهد بقية أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، عتيق، وأمه أم ولد 3. وعون 4. ويحيى، وأمه أسماء بنت عميس 5، لكن أبا الفرج ذكر أنه توفي في حياة أبيه أمير المؤمنين عليه السلام 6
 
وذكرت بعض الأخبار أن عبيد الله بن علي بن أبي طالب عليه السلام قتل في واقعة الطف 7، ولكن لا يمكن الإعتماد على هذه الأخبار، لأن هناك أقوال كثيرة مقابلها تصرّح بأنه لم يقتل بكربلاء، خصوصاً وأن في أصحابها من له الخبرة التامة في علم الأنساب، كمصعب الزبيري في نسب قريش 8، أو ابن فندق في لباب الأنساب 9، أو الأندلسي في جمهرة أنساب العرب 10، ويقول أبو الفرج الأصبهاني
 


1- مستدركات علم رجال الحديث، 1، 117. 
2- مقتل الحسين عليه السلام، 2، 53. 
3- الإمامة والسياسة، 2، 6. مرآة الزمان، 1، 131. تاريخ الإسلام، حوادث سنة 61، ص21. شذرات الذهب، 1، 66. تاريخ الخميس، 2، 298.
4- تاريخ الإسلام، حوادث سنة 61، ص61. مناهل الضرب في أنساب العرب، 86. 
5- مستدركات علم رجال الحديث، 8، 220. وذكر في ص546: بأن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام تزوّج أسماء بنت عميس بعد موت أبي بكر فولدت له يحيى. 
وقال أبو الفرج في المقاتل: 36، وأسماء بنت عميس تزوجها جعفر بن أبي طالب ثم أبو بكر ثم أمير المؤمنين عليه السلام. 
6- مقاتل الطالبيين، 37. راجع الطبقات الكبرى، 8، 208. 
7- الإرشاد، 1، 354. وعن المعارف، 210. تاج المواليد ضمن المجموعة النفيسة، 95. راجع ص108. كشف الغمة، 2، 66. بطل العلقمي، 1، 303. مآثر الإنافة، 118. تهذيب الكمال، 20، 479. تاريخ خليفة، 145. البحار، ج 101، 339. 
8- مصعب الزبيري في نسب قريش، 43، قال: "وعبيد الله بن علي كان قدم على المختار بن أبي عبيد الثقفي حين غلب المختار على الكوفة فلم ير عند المختار ما يحب، زعموا أن المختار قال له: صاحبُ أمرنا هذا رجل منكم لا يعمل فيه السلاح فإن شئت، جربت فيك السلاح، فإن كنت صاحبنا لم يضرك السلاح وبايعناك، فخرج من عنده، فقدم البصرة، فجمع جماعة، فبعث إليه مصعب، فأتاه عبيد الله فلم يزل مقيماً عنده حتى خرج مصعب إلى المختار، فقدّم بين يديه محمّد بن الأشعث بن عيسى الكندي... فضم عبيد الله إليه مع محمّد في مقدّمة مصعب، فبيّته أصحاب المختار، فقتلوا محمّداً، وقتلوا عبيد الله تحت الليل". 
9- ابن فندق في لباب الأنساب، 1، 397، ذكر بأن عبيد الله بن علي بن أبي طالب قتل وهو قريب من خمسين سنة وقتله ابن حريث.
10- الأندلسي في جمهرة أنساب العرب: 230.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
248

243

عاشوراء

 في مقاتل الطالبيين: إنما قتل عبيد الله يوم المدار، 1قتله أصحاب المختار بن أبي عبيد الثقفي، وقد رأيته بالمدار2. أو بالمذار وقبره هناك ظاهر، معروف عند أهل تلك البلاد 4.

 
وذكر بعض المحققين أن "العباس الأصغر" بن الإمام علي عليه السلام هو أخو الإمام الحسين عليه السلام لأبيه، وأمه لبابة بنت عبيد الله بن العبّاس، وأنه استشهد يوم الطف 5. وقد نقل ذلك عن خليفة بن خياط، قال: "وقتل مع الحسين عليه السلام العباس الأصغر، أمه لبابة بنت عبيد الله بن العباس" 6. ويؤيده ما رواه سبط ابن الجوزي 7
 
لكنّ النمازيّ يقول في ترجمة (لبابة بنت عبيد الله بن عباس بن عبد المطّلب): "تزوّجها أبو الفضل العباس بن أمير المؤمنين عليه السلام ، فولد له منها عبيد الله وفضل، وكانت جميلة عاقلة، وبعد شهادة العباس عليه السلام تزوجها زيد بن عبد الملك، وعن المجدي تزوّجها وليد بن عتبة بن أبي سفيان، فولد له منها القاسم" 8
 
فإذا كان العباس الأصغر، هو ابن لبابة بنت عبيد الله بن العباس، زوجة أبي الفضل عليه السلام ، فهو إذن ابن أبي الفضل العباس، وليس أخاه، ذلك لأن لبابة لا يمكن
 
 

1- المدار بالفتح اسم مكان من دار يدور: موضع بالحجاز في ديار عدوان أو غُدانة.راجع معجم البلدان، 5-. 
2- مقاتل الطالبيين، 92. وذهب المسعودي في إثبات الوصية: 131. وابن قتيبة في المعارف، 401. والأعرجي في مناهل الضرب في أنساب العرب، 86. وابن الطقطقي في الأصيلي في أنساب الطالبيين، 57. وابن عماد في شذرات الذهب، 1، 75. وتاريخ أهل البيت عليه السلام، 98. والربيعي الدمشقي في تاريخ مولد العلماًء ووفياتهم،1، 172. أن عبيد الله هذا لم يقتل في واقعة الطف في كربلاء. 
3- قال الحموي الرومي في معجم البلدان: 5، 88، المذار بالفتح وآخره راء في ميسان بين واسط والبصرة، وهي قصبة ميسان بينها وبين البصرة مقدار أربعة أيام، وبها مشهد عامر كبير جليل عظيم قد أُنفق على عمارته الأموال الجليلة وعليه الوقوف وتساق إليه النذور، وهو قبر عبد الله بن علي بن أبي طالب... وكانت بالمذار وقعة لمصعب بن الزبير. 
4- السراًئر، 155. 
5- باقر شريف القرشي، حياة الإمام الحسين عليه السلام،ج3، ص 270.
6- تاريخ خليفة، 145. 
7- تذكرة الخواص، 253 –ولعل للمتأمل تحفظات عديدة.
8- مستدركات علم رجال الحديث، 8، 598 رقم18167. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
249

244

عاشوراء

 أن تكون زوجة لأمير المؤمنين عليه السلام ، ثم زوجة لابنه أبي الفضل عليه السلام . 

 
شهادة أبي الفضل العباس عليه السلام 
 
كان أبو الفضل العباس عليه السلام أكبر أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وأمهم أم البنين فاطمة بنت حزام الكلابية، وقد ولد في الرابع من شعبان سنة ست وعشرين للهجرة، وكان عمره الشريف عند استشهاده أربعاً وثلاثين سنة. 
 
وقد ذكرت المصادر التاريخية في كيفية شهادة أبي الفضل العباس صورتين، إجمالية وتفصيلية. 
 
أما الإجمالية، فقد قال الشيخ المفيد: "وحملت الجماعة على الحسين عليه السلام فغلبوه على عسكره، واشتد به العطش، فركب المسنّاة يريد الفرات، وبين يديه العباس أخوه، فاعترضته خيل ابن سعد وفيهم رجل من بني دارم فقال لهم: ويلكم حولوا بينه وبين الفرات ولا تمكنوه من الماء! فقال الحسين عليه السلام : اللهم أظمئه. 
 
فغضب الدارميّ ورماه بسهم فأثبته في حنَكِه، فانتزع الحسين عليه السلام السهم، وبسط يده تحت حنكه فامتلأت راحتاه بالدم! فرمى به ثمّ قال: اللهم إني أشكو إليك ما يُفعل بابن بنت نبيّك! ثم رجع إلى مكانه وقد اشتدّ به العطش، وأحاط القوم بالعبّاس فاقتطعوه عنه، فجعل يقاتلهم وحده حتى قُتل عليه السلام ، وكان المتولّي لقتله زيد بن ورقاء الحنفيّ 1، وحكيم بن الطفيل السنبسي 2، بعد أن أُثخن بالجراح فلم يستطع حراكاً!" 3
 
وأما التفصيلية، فقد اشتركت في إيرادها مجموعة من المصادر، وتقول إن العباس بن علي عليه السلام خرج من بعد أخيه عبد الله، فحمل وهو يقول: 
 
 

1- راجع مقاتل الطالبيين90 وتذكرة الخواص، 229، وترجمة الإمام الحسين عليه السلام، ومقتله من القسم المطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد، 75-، وفي كتاب ذو النضار، 120.
2- في كتاب ذو النضار: 119.
3- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص109 و110، وفي مثير الأحزان، 71، اللهوف، 170. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
250

245

عاشوراء

 أقسمـت بالله الأعــزّ الأعظــم           وبالحجون صـادقـاً وزمـزم 

وبالحــطيـم والفنـا المحــرّم            ليخضبنّ اليوم جسمي بدمي 
دون الحسين ذي الفخار الأقدم                 إمــام أهل الفضل والتكرّم 
 
فلم يزل يقاتل حتى قتل جماعة من القوم، ثم قُتل، فقال الحسين عليه السلام : "الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي!" 1
وفي مصادر أخرى المزيد من التفاصيل، يقول ابن شهر آشوب السروي في كتابه المناقب: " وكان عبّاس السقاء قمر بني هاشم، صاحب لواء الحسين، وهو أكبر الإخوان، مضى يطلب الماء، فحملوا عليه، وحمل هو عليهم وجعل يقول: 
 
لا أرهب الـموتَ إذا الـموت زقا          حتى أوارى في المصاليت لقا 
نفسي لنفس المصطفى الطهر وقا       إني أنا العبـاس أغدو بالسقا 
ولا أخـاف الـشـرّ يـوم المـلتـقـى 
 
ففرّقهم، فكمن له زيد بن ورقاء الجهني من وراء نخلة، وعاونه حكيم بن طفيل السنبسي فضربه على يمينه، فأخذ السيف بشماله، وحمل عليهم وهو يرتجز:
 
والله إن قطعتـم يمينـي            إني أحامي أبداًً عن ديني 
وعن إمام صادق اليقين          نجل النبيّ الطاهر الأمينِ 
 
فقاتل حتى ضعف، فكمن له الحكيم بن الطفيل الطائي من وراء نخلة فضربه على شماله فقال:
 
يا نفس لا تخشي من الكفار      وأبشري برحمة الجبّـارِ 
مع النبيّ السيّـد المختـار         قد قطعوا ببغيهم يساري 
فـأصلـهم يـــارب حـر الـنـار
 
فقتله الملعون بعمود من حديد" 2
 
 

1- مقتل الحسين للخوارزمي، 2، 34، وانظر الفتوح، 5، 207. 
2- مناقب آل أبي طالب عليه السلام: 4، 108، وانظر البلاذري كتاب أنساب الأشراف، 3، 406. البحار، 45، 41- 45. 
إبصار العين، 62- 63.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
251

246

عاشوراء

 الإمام الحسين عليه السلام وحيداً فريداً في الميدان

 
ولما قتل العباس عليه السلام التفت الحسين عليه السلام فلم يرَ أحداًً ينصره! ونظر إلى أهله وصحبه مجزّرين كالأضاحي، وهو إذ ذاك يسمع عويل الأيامى وصراخ الأطفال، فصاح بأعلى صوته: "هل من ذابٍ عن حُرم رسول الله ؟" هل من موحّدٍ يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟" 
 
فخرج ولده علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام ، وكان مريضاً لا يقدر أن يقلّ سيفه، وأمّ كلثوم تنادي خلفه: يا بنيّ ارجع، فقال: يا عمّتاه ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله، فقال الحسين عليه السلام : "يا أمّ كلثوم، خذيه لئلا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم " 1
 
قتل أطفال الحسين عليه السلام 
 
ويظهر من الأخبار والروايات الواردة في هذا الفصل من ملحمة عاشوراء أن الإمام عليه السلام كان له ولدان صغيران قُتلا في الطف، أحدهما اسمه عبد الله بن الحسين عليه السلام وأمه الرباب بنت امرئ القيس، والآخر اسمه علي الأصغر. 
 
أما الأول فوُلد في الحرب، فأُتي الإمام الحسين عليه السلام به وهو قاعد أمام الفسطاط، أو هو واقف على فرسه 3، فأخذه في حجره ولبّاه بريقه وأذّن في أذنه وجعل يحنّكه، وسمّاه عبدالله. فرماه حرملة بن الكاهل الأسدي بسهم فوقع في حلق الصبيّ فذبحه، فنزع الحسين السهم من حلقه وجعل يلطخه بدمه ويقول: 
 
 

1- تسلية المجالس: 2، 314، وانظر مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، 2، 36. تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 343. وترجمة الإمام الحسين عليه السلام من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد: 77، الإرشاد: 2، 93، وإثبات الوصية، 177، و181، ونسب قريش: 58، وإعلام الورى، 1، 469، وتذكرة الخواص، 229 عن الواقدي، والمناقب لابن شهر آشوب: 4، 113، وعمدة الطالب، 182. 
2- تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام: 150. الدينوري، الأخبار الطوال: 259. بغية الطلب: 6، 26- 29. 
3- تاريخ اليعقوبي: 2، 177، الحدائق الوردية: 120، وفي مقتل الحسين للخوارزمي، 2، 37. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
252

247

عاشوراء

 " والله لأنت أكرم على الله من الناقة، ولَمحمّد أكرم على الله من صالح" 1، ثم نزل عن فرسه وحفر له بطرف السيف ورمّله بدمه وصلّى عليه ودفنه" 2

 
وفي رواية أخرى أن الإمام عليه السلام هو الذي تقدَّم إلى باب الخيمة وقال لزينب: ناوليني ولدي الصغير حتى أودعه، فأخذه وأمال إليه ليقبّله، فرماه حرملة بن الكاهل الأسدي بسهم فوقع في نحره فذبحه، فقال لزينب عليه السلام :خذيه. ثم تلقى الدم بكفيه حتى امتلأتا، ورمى به نحو السماء وقال: هوّن عليّ ما نزل بي أنه بعين الله. قال الباقر عليه السلام : "فلم تسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض" 3. وفي رواية الشيخ المفيد: فتلقى الحسين عليه السلام دمه فلمّا ملأ كفّه صبّه في الأرض ثم قال: "ربّ إن تكن حبست عنا النصر من السماء، فاجعل ذلك لما هو خير، وانتقم لنا من هؤلاء القوم الظالمين". ثم حمله حتى وضعه مع قتلى أهله من ولده وبني أخيه 4
 
وأما ولده الثاني، فقد كان معه حينما خرج من المدينة. واسمه علي الأصغر، له من العمر ثلاث سنين 5. وكان الإمام عليه السلام يقبله وهو واقف إلى باب الخيمة، ويقول له: يا بني ويل لهؤلاء القوم إذا كان غداًً خصمهم جدّك محمّد‍. فأصابه سهم فقتله 6
 
 

1- تاريخ اليعقوبي: 2، 177، الحدائق الوردية: 120، وفي مقتل الحسين للخوارزمي، 2، 37. 
2- الفتوح، 5، 131. 
3- اللهوف، 169.
4- الإرشاد: 2، 108، وانظر تاريخ الطبري، ج4، ص342. وأنساب الأشراف، 3، 407، والمعجم الكبير، 3، 103، والحدائق الوردية، 103، ونسب قريش، 59، أخبار الدول وآثار الأول: 108، والدر النظيم: 556، وجواهر المطالب، 2: 287، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام من الطبقات الكبرى: 73، أعلام الورى، 1، 466، مثير الأحزان، 70، البحار، 45، 46، اللهوف، 169. 
5- سير أعلام النبلاء: 3، 302. 
6- الأصيلي في أنساب الطالبيين، 143، النفحة العنبرية: 46، كشف الغمة: 2، 250، المناقب، 4، 109. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
253

248

عاشوراء

 الوصية الأخيرة

 
ثم أحضر علي بن الحسين عليه السلام ، وكان عليلاً، فأوصى إليه الإمام الحسين عليه السلام بالإسم الأعظم ومواريث الأنبياء عليه السلام ، وعرّفه أنه قد دفع العلوم والصحف والمصاحف والسلاح إلى أمّ سلمة رضي الله عنها، وأمرها أن تدفع جميع ذلك إليه 1
 
وروي أن الحسين عليه السلام دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين عليه السلام 2، فدفع إليها كتاباًً ملفوفاً ووصية ظاهرة، وكان علي بن الحسين عليه السلام مبطوناً معهم لا يرون إلا أنه لما به، فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين عليه السلام ، ثم صار ذلك إلى بقية أئمة أهل البيت عليه السلام 3.
 
الإستعداد للشهادة 
 
ولما بقي الحسين عليه السلام في ثلاثة رهط أو أربعة، قال: ائتوني بثوبٍ لا يرغب فيه أحد ألبسه غير ثيابي، وأجعله تحت ثيابي، لا أجرّد فإني مقتول مسلوب، فقال له بعض أصحابه: لو لبست تحته تُبّاناً قال: ذلك ثوب مذلة، ولا ينبغي لي أن ألبسه، ثم أتوه بشيء أوسع منه دون السراًويل وفوق التبان ففزره ونكثه لكيلا يسلبه ولبسه 6
 
 

1- إثبات الوصية: 177، 206، نفس المهموم: 347، إثبات الهداة، 5، 216، حديث9 وفيه ص181. 
2- راجع تهذيب الكمال، 35، 255. 
3- بصائر الدرجات، 164، إثبات الهداة، 5، 215، ح5، البحار، 26، 35، ح62. 
4- التبان: شبه السراًويل الصغيرة.راجع لسان العرب: 2، 18-. 
5- فزره: أي نقض نسجه، مزّقه. 
6- مناقب آل أبي طالب، عليه السلام 4، 109، المنتخب، 451. المعجم الكبير، 3، 125، مثير الأحزان، 74، لواعج الأشجان، 162، اللهوف، 174. تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 345. مجمع الزوائد، 9، 193، بغية الطلب، 6، 2417، تهذيب الكمال، 6، 428، الإرشاد، 2، 111، الدر النظيم، 558، أعلام الورى، 1، 468. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
254

249

عاشوراء

 الملحمة الحسينية

 
ثم وقف صلوات الله عليه قبلة القوم وسيفه مُصلت في يده، آيساً من الحياة عازماً على الموت، وهو يقول:
 
وإن تكــن الدنيــا تعـدّ نفيسـة     فــإن ثــواب الله أعلــى وأنبــلُ 
وإن تكن الأبدان للمـوت أنشئت           فقتل امرئ بالسيف فـي الله أفضـل 
وإن تكـن الأرزاق قسمـاً مقـدّراً         فقلّة سعي المرء في الكسب أجـملُ 
وإن تكن الأمـوال للترك جمعها             فما بـال مـتروك به الـمرءُ يبخـلُ 
سأمضي وما بالقتل عار على الفتى            إذا في سبيـل الله يمضـي ويُقتــلُ 
 
ثم إنه دعا الناس إلى البراز، فلم يزل يقتل كلّ من دنا منه من عيون الرجال، ثم حمل على الميمنة وقال: 
 
الموت خير من ركوب العار              والعار أولى من دخول النار 
 
حمل على الميسرة وقال: 
 
أنا الحسين ابن علي                        أحـمي عـيالات أبي
آلـيت أن لا أنثنـي                       أمضي على دين النبي 
 
وجعل يقاتل 1بثبات ورباطة جأشه! وقد وصفه أحد الذين شهدوا وقعة الطف من أعدائه في معسكر ابن سعد، فقال: " فوالله ما رأيت مكثوراً قط، قد قُتل ولده وأهل بيته وجميع أصحابه حوله، وأحاطت به الكتائب، أربط جأشاً، ولا أمضى جناناً منه، ولا أجرأ مقدماً! والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله! فوالله لكان يشدّ عليهم فكانت الرجّالة لتنكشف من عن يمينه وشماله انكشاف المعزى إذا شدّ فيها الذئب" 2
 
 

1- مناقب آل أبي طالب: 4، 110، تسلية المجالس، 2، 318، البحار، 4، 49، العوالم، 17، 293.
2- تاريخ الطبري، الطبري، ج4، ص344. الكامل في التاريخ، 3، 295. عيون الأخبار، 134. وسعد السعود، 136. وشرح الأخبار، 3، 163. وأنساب الأشراف، 3، 408. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
255

250

عاشوراء

 "فمكث ملياً والناس يدافعونه ويكرهون الإقدام عليه" 1. وكان يحمل فيهم، ولقد كمّلوا ثلاثين ألفاً فيُهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر!! ثمّ يرجع إلى مركزه وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله!" 2

 
فقال عمر بن سعد لقومه: ويلكم أتدرون من تبارزون؟ هذا ابن الأنزع البطين! هذا ابن قتّال العرب! فاحملوا عليه من كلّ جانب 3! فحمل عليه مئات الرجال من حملة الرماح والسيوف ورماة السهام!.... 
 
ثم حمل الحسين عليه السلام على الأعور السلمي وعمرو بن الحجّاج الزبيدي، وكانا في أربعة آلاف رجل على الشريعة، وأقحم الفرس على الفرات! ولكن صارخاً من جيش عمر بن سعد هتف به: تتلذذ بشرب الماء وقد هُتكت حريمك!؟ فنفض الماء من يده، وحمل على القوم فكشفهم فإذا الخيمة سالمة! 4
 
ثم ودّع ثانياً أهل بيته، وأمرهم بالصبر، ووعدهم بالثواب والأجر، وأمرهم بلبس أُزِرهم، وقال لهم: 
"استعدوا للبلاء، واعلموا أن الله تعالى حافظكم وحاميكم، وسينجيكم من شرّ الأعداء، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير، ويعذِّب أعاديكم بأنواع البلاء، ويعوّضكم الله عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة، فلا تشكوا، ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص من قدركم!" 5
 
يقول إبن شهرآشوب: "ثم ودّع النساء وكانت سكينة تصيح فضمّها إلى صدره وقال:
 
 سيطول بُعـدي يـا سكـينة فاعلمي          منــك البكاء إذا الحمام دهانـي 
 
 

1- راجع: عيون الأخبار، 134، وسعد السعود، 136، وشرح الأخبار، 3، 163، وأنساب الأشراف، 3، 408. الدينوري، الأخبار الطوال: 259.
2- اللهوف: 105. 
3- مناقب آل أبي طالب: 4، 111. 
4- مناقب آل أبي طالب عليه السلام: 4، 58.
5- جلاء العيون: 201، وعنه نفس المهموم: 355. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
256

251

عاشوراء

 لا تحرقـي قلبـي بدمعـك حسـرة             ما دام منّـي الـروح فـي جثمــاني 

 
فإذا قُتـلتُ فـأنــتِ أولى بالـذي              تـأتيــنه يـا خـيـرة النسوان" 1
 
فقال عمر بن سعد: ويحكم اهجموا عليه ما دام مشغولاً بنفسه وحرمه، والله إن فرغ لكم لا تمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم !! 
 
فحملوا عليه يرمونه بالسهام حتى تخالفت السهام بين أطناب المخيّم، وشك سهم بعض أُزر النساء، فدهشن وأرعبن وصحن ودخلن الخيمة ينظرن إلى الحسين عليه السلام كيف يصنع.
 
فحمل عليهم حملة منكرة قتل فيها كثيراً من الرجال والأبطال، فكان كالليث الغضبان، لا يلحق أحداًً إلا بعجه بسيفه فقتله، والسهام تأخذه من كل ناحية وهو يتقيها بصدره ونحره". 
 
ويصفه، في هذه الساعة الإلهية من حياته المقدسة، أحد الذين شهدوا معركة كربلاء من جيش عمر بن سعد، فيقول: كانت عليه جُبّة من خزّ، وكان معتمّاً وكان مخضوباً بالوسمة، وسمعته يقول قبل أن يُقتل، وهو يقاتل على رجليه قتال الفارس الشجاع، يتّقي الرمية، ويفترص العورة، ويشدّ على الخيل، وهو يقول: 
"يا أمة السوء! بئسما خلفتم محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم في عترته! أعلى قتلي تحاثون؟‍ أما إنكم والله لا تقتلون بعدي عبداً من عباد اللهِ الصالحين، اللهُ أسخط عليكم لقتله منّي، فتهابوا قتله، بل يهون عليكم عند قتلكم إياي، وأيمُ الله إني لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون، أما والله أن لو قتلتموني لقد ألقى الله بأسكم بينكم، وسفك دماءكم، ثم لا يرضى لكم حتى يضاعف لكم العذاب الأليم". 
 
فصاح الحصين بن النمير السكوني: يا ابن فاطمة! بماذا ينتقم لك منّا؟ 
 
فقال عليه السلام : 
 
 
 

1- مناقب آل أبي طالب عليه السلام: 4، 109. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
257

252

عاشوراء

 "يُلقي بأسكم بينكم، ويسفك دماءكم، ثم يصبّ عليكم العذاب الأليم". 

 
ورجع سالماً إلى موقفه عند الحريم، ثم حمل حملة أخرى وأراد الكرّ راجعاً إلى موقفه، فأقبل شمر بن ذي الجوشن في نفر من عشرة من رجّالة أهل الكوفة قِبَل منزل الحسين الذي فيه ثقله وعياله، فحالوا بينه وبين رحله، وأحدقوا به، ثم إن جماعة منهم تبادروا إلى الحريم والأطفال يريدون سلبهم، فصاح الحسين عليه السلام : 
ويحكم يا شيعة الشيطان، يا شيعة آل أبي سفيان. ويلكم إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون يوم المعاد، وكنتم عرباً كما تزعمون، فكونوا في أمر دنياكم أحراراً ذوي أحساب، إمنعوا رحلي وأهلي من طغامكم1 وجهّالكم. وكفّوا سفهاءكم عن التعرض للنساء والأطفال فإنهم لم يقاتلوا. فرحلي لكم عن ساعة مباح 2
 
فقال شمر بن ذي الجوشن: ذلك لك يابن فاطمة 3، "ثم قال لأوباش أهل الكوفة: كفّوا عنهم واقصدوا الرجل بنفسه". 4
 
فقصده القوم بالحرب من كل جانب، فجعل يحمل عليهم ويحملون عليه، وهو في ذلك يطلب الماء ليشرب منه شربة، فكلما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه حتى أجلوه عنه 5، ثمّ رماه رجل يُقال له أبو الحتوف الجعفي بسهم فوقع السهم في جبهته، فنزع الحسين السهم ورمى به، فسال الدم على وجهه ولحيته 6. فقال: 
"اللهم قد ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العُصاة العتاة! اللهم فأحصهم عدداً، وأقتلهم بدداً، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحداًً، ولا تغفر لهم أبداًً"!. 
 
ثم جعل يُقاتل، حتى أصابته مئات الجراحات بين طعنة بالرمح وضربة بالسيف
 


1- فسر الطغام ابن منظور في لسان العرب، 2، 94، بمعنى أرذال الناس. 
2- تاريخ الطبري، الطبري، ج4، ص 344. وأنساب الأشراف، 3، 407، والكامل في التاريخ، 4، 76. مقاتل الطالبيين، 118. 
3- اللهوف، 171. 
4- الفصول المهمة: 19، وتسلية المجالس، 2، 318، ونور الأبصار، 144. 
5- الدينوري، الأخبار الطوال: 259.
6- تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام، تحقيق المحمودي، 2345، رقم 281. 


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
258

253

عاشوراء

 ورمية بالسهام، وكانت كلها في مقدمه لأنه كان لا يولّي 1. فوقف يستريح وقد ضعف عن القتال، فبينا هو واقف إذ أتاه حجر فوقع على جبهته، فسالت الدماء من جبهته، فأخذ الثوب ليمسح عن جبهته فأتاه سهم محدّد مسموم، له ثلاث شعب، فوقع في قلبه، فقال الحسين عليه السلام : 

"بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله".
 
ورفع رأسه إلى السماء، وقال: 
"إلهي، إنك تعلم أنهم يقتلون رجلاًً ليس على وجه الأرض ابن نبيّ غيره". 
 
ثم أخذ السهم وأخرجه من وراء ظهره فانبعث الدم كالميزاب، فوضع يده على الجرح، فلما امتلأت دماً رمى بها إلى السماء، فما رجع من ذلك قطرة، وما عُرفت الحمرة في السماء حتى رمى الحسين عليه السلام بدمه إلى السماء، ثم وضع يده على الجرح ثانياً، فلما امتلأت لطّخ بها رأسه ولحيته، وقال: 
"هكذا والله أكون حتى ألقى جدي محمّدأً صلى الله عليه وآله وسلم وأنا مخضوب بدمي، وأقول: يا رسول الله، قتلني فلان وفلان".
 
ثم ضعف عن القتال، فوقف مكانه، ومكث طويلاًً من النهار، ولو شاء الناس أن يقتلوه لفعلوا، ولكنّهم كان يتقي بعضهم ببعض، ويحبّ هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء‍، فكلما أتاه رجل من الناس وانتهى إليه انصرف عنه، وكره أن يلقى الله بدمه. حتى جاءه رجلٌ من كندة يقال له مالك بن نسر، فضربه بالسيف على رأسه، وكان عليه برنس، فقطع البرنس وامتلأ دماً، فقال له الحسين عليه السلام : 
"لا أكلت بيمينك ولا شربت بها، وحشرك الله مع الظالمين". 
 
وكان عبد الله بن الحسن عليه السلام غلاماً لم يراهق، ولما رأى وحدة عمّه عليه السلام 
 
 

1- أمالي الصدوق: 139، المجلس 31، حديث رقم1، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، 2، 42، أمالي الطوسي: 677، وراجع أنساب الأشراف، 3، 409، مناقب آل أبي طالب عليه السلام، 4، 111، وانظر أيضاً الحدائق الوردية، 123، وتاج المواليد: 107، وتذكرة الخواص، 228، ومروج الذهب، 3، 71، وتاريخ الطبري، الطبري، ج4، ص 344. ومرآة الزمان، 1، 133، وروضة الواعظين، 189. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
259

254

عاشوراء

  بين أعدائه الذين قد أحاطوا به بعد مقتل أنصاره، وكان نزف رأسه قد اشتدّ به من ضربة مالك بن النسر الكندي 1 لعنه الله، خرج إليه من عند النساء حتى وقف إلى جنبه، فلحقته زينب بنت علي عليه السلام لتحبسه، فقال لها الحسين عليه السلام : "إحبسيه يا أختي"!! فأبى وامتنع عليها امتناعاً شديداًً وقال: والله لا أفارق عمّي! وأهوى أبجر بن كعب 2 إلى الحسين عليه السلام بالسيف، فقال له الغلام: ويلك يابن الخبيثة أتقتل عمي!؟ فضربه أبجر بالسيف فاتقاها الغلام بيده، فأطنّها إلى الجلدة فإذا يده معلقة، ونادى الغلام: يا أمّتاه! فأخذه الحسين عليه السلام فضمه إليه وقال: 

" يابن أخي إصبر على ما نزل لك، واحتسب في ذلك الخير، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين". 
 
ثم رفع الإمام الحسين عليه السلام يده وقال: 
"اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا تُرضِ الولاة عنهم أبداًً، فإنهم دعونا لينصرونا، ثم عدوا علينا فقتلونا!" 3
 
ثم ألقى الإمام الحسين البرنس ولبس قلنسوة واعتمّ عليها، وقد أعيى وتبلد 4
 
ثم نادى شمر: ما تنتظرون بالرجل؟ فقد أثخنته السهام، أقتلوه ثكلتكم أمهاتكم. 
 
 

1- تاريخ الطبري، الطبري، ج4، ص 343.
2- تاريخ الطبري، الطبري، ج4، ص 343. الدينوري، الأخبار الطوال: 259. وفي مقاتل الطالبيين ص 93 أن حرملة بن كاهل الأسدي قتله. اللهوف، 173.
3- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 110 و111. مقاتل الطالبيين، 93. اعلام الورى، 1، 467. المجدي، 19. اللهوف، 172. وفي تاريخ الطبري،ج4، ص343. بعد "بآبائك الصالحين": "برسول الله وعلي بن أبي طالب وحمزة وجعفر والحسن بن علي صلّى الله عليهم أجمعين". مناقب آل أبي طالب عليه السلام، 4، 106. مقتل الحسين عليه السلام الخوارزمي، ج 2، 32. 
4- وجاء الكندي فأخذ البرنس، وكان من خزّ، فلما قدم به على امرأته أم عبد الله ليغسله من الدّم، قالت له امرأته: أتسلب ابن بنت رسول الله وتدخل بيتي؟ أخرج عني حشا الله قبرك ناراً. وذكر أصحابه أنه يبست يداه، ولم يزل فقيراً بأسوء حال إلى أن مات. انظر أيضاً عيون الأخبار، 105، وفيه "مالك بن بشير"، والبداية والنهاية، 8، 186- 188وفيه "ومكث الحسين نهاراً طويلاًً وحده لا يأتي أحدٌ إليه إلا رجع عنه لا يحب أن يلي قتله"، ومثير الأحزان، 73، والخطط المقريزية: 228، وغرر الخصائص الواضحة، 337، وفيه فكان بعضهم يُحيل على بعض"، واللهوف، 172، وشرح الأخبار، 3، 163، والأخبار الطوال: 258، وأخبار الدول، 108، وسير أعلام النبلاء، 3، 302، والمنتظم: 5، 340، وأنساب الأشراف، 3، 408، "وأخذ الكندي البرنس، فيقال إنه لم يزل فقيراً وشُلت يداه"، وتاريخ الطبري، 3، 331،القطع الكبير- 6 مجلدات، دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان، طبع سنة 1408هـ/1988م.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
260

255

عاشوراء

 فحُمل عليه من كل جانب، وأخذت به الرماح والسيوف، ورماه سنان بن أنس بسهم في نحره، وطعنه صالح بن وهب المرّي على خاصرته طعنة منكرة، وضُرب على عاتقه، ثم انصرفوا وهو ينوء ويكبو‍" 1. فسقط الحسين عن فرسه 2 إلى الأرض على خدّه الأيمن، ثم استوى جالساً ونزع السهم من نحره. 

 
ولما اشتد به الحال رفع طرفه إلى السماء يدعو الله ويناجيه قائلاً: 
"اللهم متعال المكان، عظيم الجبروت، شديد المحال، غنيّ عن الخلائق، عريض الكبرياء، قادر على ما تشاء، قريب الرحمة صادق الوعد، سابغ النعمة، حسن البلاء، قريب إذا دعيت، محيط بما خلقت، قابل التوبة لمن تاب إليك، قادر على ما أردت، تدرك ما طلبت، شكور إذا شكرت، ذكور إذ ذكرت، أدعوك محتاجاً، وأرغب إليك كافياً، اللهم احكم بيننا وبين قومنا فإنهم غرّونا وخذلونا وغدروا بنا وقتلونا، ونحن عترة نبيّك، وولد حبيبك محمّد صلى الله عليه وآله وسلم الذي اصطفيته بالرسالة، وائتمنته على الوحي، فاجعل لنا من أمرنا فرجاً ومخرجاً يا أرحم الراحمين. 
 
صبراً على قضائك يا ربّ، لا إله سواك، يا غياث المستغيثين، مالي ربّ سواك، ولا معبود غيرك، صبراً على حكمك، يا غياث من لا غياث له، يا دائماً لا نفاذ له، يا محيي الموتى، يا قائماً على كل نفس بما كسبت، أحكم بيني وبينهم وأنت خير الحاكمين" 3.
 


1- تاريخ الطبري، الطبري، ج4، ص 345.الإرشاد: 2، 111- 112. 
2- قال الخوارزمي: "وأقبل فرس الحسين، وقد عدا من بين أيديهم أن لا يؤخذ، فوضع ناصيته بدم الحسين، وذهب يركض إلى خيمة النساء، وهو يصهل ويضرب برأسه الأرض عند الخيمة، فلمّا نظرت أخوات الحسين وبناته وأهله إلى الفرس ليس عليه أحد، رفعن أصواتهنّ بالصراخ والعويل، ووضعت أم كلثوم يدها على أم رأسها ونادت: وا محمّداه، وا جداًه، وا نبيّاه، وا أبا قاسماه، وا عليّاه، وا جعفراه، وا حمزتاه، وا حسناه، هذا حسين بالعرا، صريع بكربلاء، محزوز الرأس من القفا، مسلوب العمامة والرداء، ثم غشي عليها.."مقتل الحسين للخوارزمي: 2، 42- 43-. وأقبل الفرس يدور حوله ويلطّخ ناصيته بدمه، فصاح ابن سعد: دونكم الفرس فإنه من جياد خيل رسول الله، فأحاطت به الخيل، فجعل يرمح برجليه، فقال ابن سعد: دعوه لننظر ما يصنع؟ فلما أمن الطلب أقبل نحو الحسين يمرّغ ناصيته بدمه ويشمّه ويصهل صهيلاً عالياً، قال أبو جعفر الباقر عليه السلام: كان يقول: الظليمة الظليمة من أمة قتلت ابن بنت نبيّها‍، وتوجه نحو المخيّم بذلك الصهيل ". 
3- راجع مقتل الحسين عليه السلام للمقرّم: 282عن مصباح المتهجّد والإقبال وأسراًر الشهادة ورياض المصائب. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
261

256

عاشوراء

 ثم دنا عمر بن سعد من الحسين ليراه. وخرجت زينب عليه السلام وهي تقول: ليت السماء أطبقت على الأرض، يا ابن سعد، أيُقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه؟ فصرف وجهه عنها، والحسين جالسٌ وعليه جُبة خز، قد تحاماه الناس، فصاح شمر: ويحكم ما تنتظرون؟ أقتلوه ثكلتكم أمهاتكم 1، فضربه زرعة بن شريك فأَبَانَ كفّه اليسرى، ثم ضربه على عاتقه فجعل عليه السلام يكبو مرة ويقوم أخرى، فحمل عليه سنان ابن أنس في تلك الحال فطعنه بالرمح فصرعه 2، وقال لخوليّ بن يزيد: احتز رأسه. فضعف وارتعدت يداه، فقال له سنان: فتّ الله عضدك وأبان يدك 3. فنزل إليه نصر بن خرشة الضبابي، وقيل: بن ذي الجوشن 4، وكان أبرص، وألقاه على قفاه، ثم أخذ بلحيته، فقال له الحسين عليه السلام : أنت الكلبُ الأبقع الذي رأيته في منامي.

 
فقال له شمر: أتشبهني بالكلاب يا ابن فاطمة؟ ثم جعل يضرب بسيفه مذبح الحسين عليه السلام ويقول: 
 
أقتلك اليوم ونفسي تعلمُ               علماًً يقيناً ليس فيه مزعم   
 
ولا مجـالٌ لا ولا تـكتم                 أن أباك خير من يُكلـّم 
 
وروي أنه جاء إليه شمر بن ذي الجوشن، وسنان بن أنس، والحسين عليه السلام بآخر رمق يلوك لسانه من العطش، فقال شمر: يا ابن أبي تراب، ألستَ تزعم أن أباك
 
 

1- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 111.
2- وفي اللهوف: 176:"فضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى، وضرب الحسين عليه السلام زرعة فصرعه، وضربه آخر على عاتقه المقدس بالسيف ضربة كبا عليه السلام بها لوجهه، وكان قد أعيا وجعل ينوء ويكبو، فطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته، ثم انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره، ثم رماه سنان أيضاً بسهم فوقع السهم في نحره..". 
3- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 112. انظر أيضاً تاريخ الطبري، الطبري، ج4، ص 345.
4- تفاوت المصادر التاريخية في من هو قاتل الإمام عليه السلام الذي احتز رأسه الشريف، وجلّ المصادر الأساسية كان الترديد بينها في اثنين من أعداء الله هما: شمر بن ذي الجوشن لعنه الله، وهوالقول الأشهر، وسنان بن أنس النخعي لعنه الله، وهناك أقوال ضعيفة تقول إن قاتله خولي بن يزيد الأصبحي، أو حصين بن نمير، أو مهاجر بن أوس التميمي، أو كثير بن عبد الله الشعبي، أو أبو الجنوب زياد بن عبد الرحمن الجعفي، أو شبل بن يزيد وهو أخو خولي بن يزيد الأصبحي، كما في الأخبار الطوال: 258. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
262

257

عاشوراء

 على حوض النبي يسقي من أحبّه؟ فاصبر حتى تأخذ الماء من يده. ثم قال لسنان بن أنس: احتز رأسه من قفاه، فقال: لا والله، لا أفعل ذلك فيكون جدّه محمّد خصمي، فغضب شمر منه، وجلس على صدر الحسين عليه السلام ، وقبض على لحيته وهمّ بقتله، فضحك الحسين وقال له: أتقتلني؟ أو لا تعلم من أنا؟

 
قال شمر لعنه الله: أعرفك حق المعرفة، أمك فاطمة الزهراء، وأبوك عليّ المرتضى، وجدك محمّد المصطفى، وخصيمك الله العليّ الأعلى، وأقتلك ولا أبالي، وضربه بسيفه اثنتي عشرة ضربة، ثم حزّ رأسه" 1.
 
فقال الناس لسنان بن أنس: قتلت حسين بن علي وابن فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قتلت أعظم العرب خطراً، جاء إلى هؤلاء يريد أن يزيلهم عن ملكهم، فأتِ أمراءك فاطلب ثوابهم وإنهم لو أعطوك بيوت أموالهم في قتل الحسين عليه السلام كان قليلاًً، فأقبل على فرسه وكان شجاعاً شاعراً، وكانت به لوثة، فأقبل حتى وقف على باب فسطاط عمر بن سعد، ثم نادى بأعلى صوته:
 
أوقر ركابي فضة وذهبا           أنا قتلت الملك المحجبا 
 
قتلت خير الناس أماً وأبا         وخيرهم إذ ينسبون نسبا 
 
فقال عمر بن سعد: أشهد أنك لمجنون ما صحوت قط، أدخلوه عليّ، فلما أدخل حذفه بالقضيب، ثم قال: يا مجنون أتتكلم بهذا الكلام، أما والله لو سمعك ابن زياد لضرب عنقك 2
 
"وروى هلال بن نافع قال: إني لواقف مع أصحاب عمر بن سعد، إذ صرخ صارخ: أبشر أيها الأمير، فهذا شمر قتل الحسين، قال: فخرجت بين الصفّين، فوقفت عليه، فإنه ليجود بنفسه، فوالله ما رأيت قتيلاً مضمخاً بدمه أحسن منه ولا أنور 
 
 

1- مقتل الحسين، عليه السلام للخوارزمي، 2، 39- 42. الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 112. وأنساب الأشراف، 3، 409، وبغية الطلب، 6، 2629، وكشف الغمة: 2، 263، وإعلام الورى،1، 469، والدر النظيم، 558، والإتحاف بحب الأشراف للشبراوي، 16. 
2- تاريخ الطبري - الطبري ج 4 ص 347.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
263

258

عاشوراء

 وجهاً، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيئته عن الفكر في قتله، فاستسقى في تلك الحال ماءً فسمعت رجلاًً يقول له: والله لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها، فقال له الحسين عليه السلام : 

"بل أرد على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأسكن معه في داره، في مقعد صدق عند ‍مليك مقتدر، وأشرب من ماءٍ غير آسن، وأشكو إليه ما ارتكبتم منّي وفعلتم بي". 
 
قال: "فغضبوا بأجمعهم حتى كأن الله لم يجعل في قلب أحدٍ منهم من الرحمة شيئاًً، فاحتزوا رأسه وإنه ليكلمهم فعجبت من قلّة رحمتهم، وقلت والله لا أجامعكم على أمرٍ أبداًً" 1.
 
سلب الإمام عليه السلام ورضّ جسده الشريف بحوافر الخيل!
 
ثم أقبلوا على سلب الحسين قميصه، وسراويله، وعمامته، وسيفه 2، فالذي أخذ قميصه صار أبرص وامتعط شعره!... والذي أخذ سراويله، صار زمناً مقعداً من رجليه! والذي أخذ عمامته فاعتم بها صار معتوهاً! وأخذ نعليه الأسود بن خالد لعنه الله، وأخذ خاتمه بجدل بن سليم الكلبي بعد أن قطع إصبعه عليه السلام مع الخاتم، وهذا أخذه المختار بن أبي عبيد الثقفي فقطع يديه ورجليه وتركه يتشحّط في دمه حتى هلك، وأخذ قيس بن الأشعث قطيفة له عليه السلام كانت من خزّ، كان يجلس عليها، فسمّي لذلك "قيس قطيفة" 3، وأخذ درعه البتراء عمر بن سعد، فلما قُتل عمر وهبها المختار لأبي عمرة قاتله، وأخذ عمر بن سعد سيفه، ولكنه ليس ذا الفقار، فإن ذلك كان مذخوراً ومصوناً مع أمثاله من ذخائر النبوة والإمامة 4.
 
 

1- اللهوف، 177. 
2- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص112.
3- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، ج2، ص 43. المناقب، ابن شهر آشوب، ج 4، 120. تذكرة الخواص: 228، والإرشاد، 2، 112، والكامل في التأريخ: 3، 295، وتاريخ الطبري، الطبري، ج4، ص 345. وترجمة الإمام الحسين عليه السلام من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد، 78. 
4- اللهوف: 114- 115. وانظر نفس المهموم، ص 372- 373. وفي البحار، ج43، ص 247 رقم23 عن أمالي الصدوق، بسنده
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
264

259

عاشوراء

 ثم انتهبوا رحله وإبله وأثقاله 1، ثم أغاروا على خيم النساء فأحرقوها وهم ينادون: أحرقوا بيوت الظالمين !!! بينما النساء تفر مذعورات من خيمة إلى أخرى، ثم عمد أوباش أهل الكوفة إلى سلب النساء ونهب ما عليهن من حليّ وحلل، ونهبوا ما في الخيام من متاع 2

 
ثم نادى عمر بن سعد في أصحابه: من ينتدب للحسين فيواطئ الخيل ظهره وصدره! فانتدب منهم عشرة، وهم: إسحاق بن حويّة الذي سلب الحسين عليه السلام قميصه، وأخنس بن مرثد، وحكيم بن طفيل السنبسي، وعمر بن صبيح الصيداوي، ورجاء بن منقذ العبدي، وسالم بن خثيمة الجعفي، وواحظ بن ناعم، وصالح بن وهب الجعفي، وهاني بن ثبيت الحضرمي، وأُسيد بن مالك، لعنهم الله تعالى، فداسوا الحسين عليه السلام بحوافر خيلهم حتى رضّوا صدره وظهره 3.
 
وبعد سبع وخمسين سنة 4 من عمره الشريف، وفي اللحظة التي استشهد فيها 
 
 

عن محمّد بن مسلم "قال: سألت الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام عن خاتم الحسين بن علي عليه السلام إلى من صار؟ وذكرت له أني سمعت أنه أُخذ من إصبعه فيما أُخذ. قال عليه السلام: ليس كما قالوا، إن الحسين عليه السلام أوصى إلى ابنه عليّ بن الحسين عليه السلام وجعل خاتمه في إصبعه، وفوّض إليه أمره كما فعله رسول الله P بأمير المؤمنين عليه السلام، وفعله أمير المؤمنين بالحسن، وفعله الحسن بالحسين عليه السلام، ثم صار ذلك الخاتم إلى أبي عليه السلام بعد أبيه، ومنه صار إليّ فهو عندي، وإني لألبسه كل جمعة وأصلي فيه. 
قال محمّد بن مسلم: فدخلت إليه يوم الجمعة وهو يصلّي، فلما فرغ من الصلاة مدّ إليّ يده فرأيت في إصبعه خاتماً نقشه "لا إله إلا الله عدّة للقاء الله" فقال: هذا خاتم جدّي أبي عبد الله الحسين بن علي عليه السلام. 
1- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 112. إعلام الورى، ج1 ص 469.
2- نقلاً عن تاريخ المظفري 238
3- اللهوف: 115، وقال أيضاً: "قال الراوي: وجاء هؤلاء العشرة حتى وقفوا على ابن زياد، فقال أحدهم، وهو أسيد بن مالك: نحن رضضنا الصدر بعد الظهر بكل يعبوب شديد الأسر فقال ابن زياد: من أنتم؟ قالوا: نحن الذين وطأنا بخيولنا ظهر الحسين حتى طحنّا جناجن صدره! قال فأمر لهم بجائزة يسيرة! ابن شهر آشوب في المناقب، 4، 112، وانظر، تاريخ الطبري، الطبري، ج4، ص 347.والكامل في التاريخ، 3، 295، ومقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، 2، 44. وانظر أسد الغابة في معرفة اصحابة، 2، 21، وأنساب الأشراف، 3، 409، ومقاتل الطالبيين، 118، وتاريخ أبي الفداء، 1، 266، والمنتظم، 5، 341، وتاريخ الخميس، 2، 298، والبداية والنهاية، 8، 191، وروضة الواعظين، 189، ومروج الذهب، 3، 72، والخطط المقريزية، 2، 288. الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 113.
4- أمالي الصدوق، 135 المجلس الثلاثون، حديث رقم1. الكافي: 1، 530، وفيه: "قبض في شهر المحرم منه سنة إحدى وستين وله سبع وخمسون سنة وأشهر". 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
265

260

عاشوراء

 مذبوحاً ظمآناً، ارتفعت في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة مظلمة، فيها ريحٌ حمراء، لا يُرى فيها عين ولا أثر، حتى ظنّ القوم أن العذاب قد جاءهم، فلبثت بذلك ساعة، ثم انجلت عنهم" 1.

 
وروى الشيخ الصدوق (رضوان الله عليه) والشيخ الكليني (رضوان الله عليه) أيضاً، عن الإمام الصادق عليه السلام أنه: "لما ضُرب الحسين بن علي عليه السلام بالسيف، ثم ابتُدر ليُقطع رأسه، نادى منادٍ من قبل رب العزة تبارك وتعالى من بطنان العرش فقال: ألا أيتها الأمة المتحيّرة الظالمة بعد نبيّها، لا وفّقكم الله لأضحى ولا فطر. قال: ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : لا جَرَم والله، ما وفّقوا ولا يوفّقون أبداًً حتى يقوم ثائر الحسين عليه السلام 2
 
ولم ينج، من أصحاب الحسين عليه السلام وولد أخيه وأولاده، إلاّ علي، زين العابدين عليه السلام ، وعمر بن الحسين عليه السلام ، وقد كان بلغ أربع سنين 3. وذهب بعض المؤرخين إلى أن محمّد بن الحسين عليه السلام كان في قافلة الأسرى 4
 
وأما أولاد أخيه، فقد قيل إن عمر بن الحسن عليه السلام من شهداء الطف، 5 ولكن ابن الجوزي قال: "واستصغروا أيضاً عمر بن الحسن بن علي عليه السلام فلم يقتلوه وتركوه" 6.
 
وأما الحسن بن الحسن المثنى، فقد قاتل، كما تقدم، فأصابته ثماني عشرة جراحة، وقطعت يده اليمنى ولم يستشهد 7، إذ وقع فأخذه خاله أسماء بن خارجة
 
 

1- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، 2، 42. 
2- أمالي الصدوق: 142، المجلس31، حديث رقم5، والكافي، 4، 170، حديث رقم3. 
3- الدينوري، الأخبار الطوال، ص 259.
4- الإمامة والسياسة: 2، 6. والتميمي في المحن: 134. وابن عبد ربه في العقد الفريد، 5، 134 ولكن ابن شهر آشوب السروي في المناقب، ج4، ص 113 ذكر في جملة المقتولين من أهل البيت مجموعة من أبناء الحسين عليه السلام قائلاً: "وستة من أبناء الحسين مع اختلاف فيهم: عليّ الأكبر، وإبراهيم، وعبد الله، ومحمّد وحمزة وعليّ، وجعفر، وعمر، وزيد، وذُبح عبدالله في حجره". والظاهر أن ستة تصحيف تسعة سهواً. 
5- ذكره الخوارزمي في المقتل: 2، 53، وانظر سير اعلام النبلاء، 3، 303. 
6- تذكرة الخواص، 229، وانظر سير أعلام النبلاء، 3، 303. 
7- وفي سير أعلام النبلاء. 3، 303. ذكر الذهبي، بأن الحسن بن الحسن لم يقتل وله ذرية. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
266

261

عاشوراء

  فحمله إلى الكوفة وداواه حتى برئ وحمله إلى المدينة 1. ويقال إن ابا بكر بن علي عليه السلام لم يُقتل لمرضه 2

 
ولم يسلم من أصحاب الإمام الحسين عليه السلام إلا رجلان، أحدهما المرقع بن ثمامة الأسدي، بعث به عمر بن سعد إلى ابن زياد فسيره إلى الربذة، فلم يزل بها حتى هلك يزيد، وحينما هرب عبيد الله بن زياد إلى الشام، إنصرف المرقع إلى الكوفة، والآخر عقبة بن سمعان، مولى للرباب بنت امرئ القيس الكلبية، وهي أم سكينة بنت الحسين، أخذوه بعد قتل الحسين عليه السلام ، فأرادوا ضرب عنقه، فقال لهم: إني عبد مملوك، فخلوا سبيله 3.
 
 

1- اللهوف، 191. 
2- مناقب آل أبي طالب عليه السلام، 4، 113. 
3- تاريخ الطبري، الطبري ج 4 ص 347. الدينوري، الأخبار الطوال، ص 259. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
267

262

بعد عاشوراء

 بكم هكذا" 1. ثم أمر بالنسوة أن ينزلن في دار على حدة، معهن أخوهن علي بن الحسين عليهم السلام، فأقاموا المناحة على الحسين ثلاثاً 2. وروي عن فاطمة بنت عليّ عليه السلام قالت: "ثمّ إن يزيد (لعنه الله) أمر بنساء الحسين عليه السلام فحُبسن مع علي بن الحسين عليه السلام في محبسٍ لا يكنّهم من حرّ ولا قرّ حتى تقشّرت وجوههم" 3. فأقاموا فيه شهراً ونصف 4، حتى أقشرت وجوههنَّ من حرّ الشمس، ثم أطلقهم" 5. فقال بعضهم: إنّا جُعلنا في هذا البيت ليقع علينا فيقتلنا 6

 
صلب الرأس الشريف في دمشق
 
"ثم أمر يزيد اللعين بأن يصلب الرأس على باب داره" 7، "ثم نصب على باب مسجد دمشق" 8، "ثم أمر به فطيف به في مدائن الشام وغيرها" 9. وهو أوّل رأس حُمل على رمح في الإسلام 10. وروى الذهبي عن حمزة بن يزيد الحضرمي أنه قال: "وقد حدّثني بعض أهلنا أنه رأى رأس الحسين مصلوباً بدمشق ثلاثة أيام" 11. ثم وُضع بخزانة السلاح 12،ومكث في خزائن بني أمية 13
 
 

1- انظر تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، 352، البداية والنهاية، 8، 196، اعلام الورى، 249. الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص120. 
2- تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 354. الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص122.
3- أمالي الصدوق: 231، مجلس 31، ح243 –عنه بحار الأنوار: 45، 140. ونحوه في روضة الواعظين: 1، 192، وفيه مجلس يدل محبس، والظاهر كونه تصحيف. 
4- شرح الأخبار: 3، 269. وفي إقبال الأعمال: 589: أقاموا فيه شهراً، وفي الإرشاد: 2، 122: "فأقاموا أيّاماً". 
5- شرح الأخبار: 3، 269. مثير الأحزان: 102، الملهوف: 219، وروي مضمونه في تسلية المجالس: 2، 396. 
6- بصائر الدرجات: 338، باب 12، ح1، عنه بحار الأنوار: 45، 177، وانظر: المناقب: 4، 145، دلائل الإمامة: 204، ح125. 
7- بحار الأنوار: 45، 142. 
8- أمالي الصدوق: 231- عنه بحار الأنوار: 45، 145- روضة الواعظين: 1، 191. 
9- شرح الأخبار: 3، 159. 
10- المعجم الكبيرللطبراني- 3، 134 ح2876، الردّ على المتعصّب العنيد: 40، كشف الغمة: 2، 54، مجمع الزوائد: 9، 196، الجوهر الثمين: 78. 
11- سير أعلام النبلاء: 3، 319. الإتحاف بحبّ الأشراف: 69. 
12- جواهر المطالب: 2، 299. 
13- بحار الأنوار: 45، 145. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
325

263

بعد عاشوراء

 وذات يوم قال يزيد لعمر بن الحسين: هل تصارع ابني هذا ؟ يعني خالداً، وكان من أقرانه. فقال عمر: بل أعطني سيفاً، وأعطه سيفاً حتى أقاتله، فتنظر أينا أصبر. فقال يزيد: شِنْشِنّة أعرفها من أخزم"، هل تلد الحية إلا حية 1

 
ثم أمر بتجهيزهم، وقال لعلي بن الحسين عليه السلام : انطلق مع نسائك حتى تبلغهن وطنهن. 
 
ثم ندب يزيد النعمان بن بشير، ووجه معه رجلاً في ثلاثين فارساً، فخرج بهم حتى دخلوا المدينة 2
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 354. الأخبار الطوال، الدينوري، ص262.
2- الأخبار الطوال، الدينوري، ص262. الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص122. تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 354. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
226

264

بعد عاشوراء

  بعد عاشوراء

 
مسيرة الأسر والسبي من كربلاء إلى الكوفة إلى الشام
 
وما أن ذبح سيد الشهداء واحتز رأسه حتى بكت السماء عليه1 وظهرت آيات ذلك في السماء والأرض، فتجلى الغضب الإلهي لقتله عليه السلام ، و هذه الآيات وردت في كثير من مختصات الشيعة، بل وردت في كثير من مصادر الخاصة والعامة.
 
لقد صرخ جبريل في القتلة2، وكسفت الشمس حتى بدت الكواكب نصف النهار3، واسودت السماء وسقط التراب الأحمر4. واحمرت السماء، كأنها الدم 5. وأمطرت السماء دماً ورماداً6. وما كشف أو رفع حجر في ذلك اليوم إلا
 
 

1- كامل الزيارات، 79- 80، باب 25و 26 و 28ح 1 و 3 و 6و 4، الخطط المقريزية، ج2، ص289و درر السمطين، ص222، العمدة لابن البطريق، ص467.
2- كامل الزيارات، 336، باب 108 ح، 14.
3- المعجم الكبير، 3، ص114 رقم 2838.مجمع الزوائد، ج9، ص197، الصواعق المحرقة، ص194، تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص207، ينابيع المودة، ص321، تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين، تحقيق المحمودي، ص357 رقم 296. 
4- تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين، تحقيق المحمودي، ص354، رقم 288، تهذيب التهذيب لابن حجر، ج2، ص305. 
5- تاريخ ابن عساكر، ص355، رقم 291و 292، أمالي الصدوق، ص110، المجلس 27 ح1، مناقب آل أبي طالب، ج4، ص54، سير أعلام النبلاء، ج3، ص312، الصواعق المحرقة، ص194، العمدة لابن البطريق، ص467، الطرائف لابن طاووس، ص203. 
6- اللهوف، ص193، أمالي الشيخ الطوسي، 330 مجلس 11 ح رقم 659،106، دلائل النبوة للبهيقي، ج6، ص471، ذخائر العقبى، ص10، سبل الهدى والسلام، ج11، ص80، البيان والتعريف، ج8، ص353، مطالب السؤول، ص155، أنساب
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
269

265

بعد عاشوراء

 وكان تحته دم عبيط 1

 
وبكت السماء على الإمام الحسين عليه السلام وصلّت عليه2. وعجّت السماوات والأرض والملائكة 3، حتى الجن ناح عليه عليه السلام 4، والطير 5. وبكى جميع ما خلق الله، إلا بنو أمية6 وآل الحكم بن أبي العاص7، لأنهم الشجرة الملعونة في القرآن. وإلاّ أهل البصرة، لأنها البلدة التي اتخذها الناكثون مركزاً للوقوف في وجه الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، ولما تركته معركة الجمل من آثار. وأهالي دمشق، لطول زمان تسلط بني أمية عليهم وبث الفتنة والدعايات الكاذبة ضد آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينهم، فراحوا يهنئون يزيد بالفتح8
 
نهب مخيم أهل البيت عليهم السلام 
 
بعد أن استشهد الإمام الحسين عليه السلام ، وحزّ رأسه ورضّ جسده الشريف بحوافر الخيل، أمر عمر بن سعد أوباش أهل الكوفة بنهب الخيام، فمالوا على الورس الذي كان أخذه الإمام الحسين من العير فانتهبوه، ثم مالوا على النساء فكانوا ينتزعون ملحفة المرأة عن ظهرها وهي تنازعهم حتى تغلب عليه، وجعلوا يسلبون حتى



الأشراف للبلاذري، ص3ن ص413، شرح الأخبار، ج3، ص166 ح 1099. أمالي الصدوق، ص101 مجلس 24، رقم3. تهذيب الكمال، ج6، ص523و 519.
1- الطبراني، المجمع الكبير، ج3، ص127 رقم 2856، وص113 ح2834 وح 2835، الصواعق المحرقة، ص194، تذكرة الخواص، ص284، نظم درر السمطين، ص220، ينابيع المودة، ص356، تارخ، مدينة دمشق، ج11، ص230وج14، ص229، بحار الأنوار، ج45، ص216، كامل الزيارات ص 93، باب 29 ح20، سير أعلام النبلاء، ج3، ص314، الإتحاف بحب الأشراف، ص24، وتاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين، تحقيق
 المحمودي، ص362، رقم 301و 302، العقد الفريد، ج4، ص386، أمالي الصدوق، ص142، مجلس 31 رقم 5، ذخائر العقبى، ص145، سبل الهدى والرشاد، ج11، ص80. 
2- كامل الزيارات، ص83و84 باب 27 ح2و 5. 
3- الكافي، ج1، ص34 ح5 ح 19. 
4- كامل الزيارات، 93و 97و 101و 102 باب 29 ح 1 و 6و 11. 
5- مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، ج2، ص91و 92، والبحار، ج45، ص19، بغية الطلب في تاريخ حلب، ج6، ص2657. 
6- المنتخب للطريحي، ص39. 
7- أمالي الطوسي: 54، مجلس2، ح73. ونحوه في كامل الزيارات، 80ح5 بتفاوت. 
8- مثير الأحزان، 100. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
270

266

بعد عاشوراء

  لباس الأطفال، وخرموا أذن أم كلثوم من أجل قرطٍ في أذنيها، ثم قطعوا الخيام بالسيوف وأضرموا فيها النيران. 

 
قالت فاطمة1 بنت الحسين: "كنت واقفة بباب الخيمة، وأنا أنظر إلى أبي وأصحابه مجزّرين كالأضاحي على الرمال، والخيول على أجسادهم تجول، وأنا أفكر فيما يقع علينا بعد أبي من بني أمية أيقتلوننا أم يأسروننا؟ فإذا برجلٍ على ظهر جواده يسوق النساء بكعب رمحه، وهن يلذن بعضهنّ ببعض وقد أخذ ما عليهن من أخمرة وأسورة، وهنَّ يصحن: واجداه، وأبتاه، واعلياه، وقلة ناصراه، واحسيناه! أما من مجيرٍ يجيرنا؟ أما ذائدٍ يذود عنّا ؟ فطار فؤادي وارتعدت فرائصي، فجعلت أجيل بطرفي يميناًً وشمالاًً على عمتي أم كلثوم خشية منه أن يأتيني، فبينا أنا على هذه الحالة وإذا به قد قصدني ففررت منهزمة، وأنا أظن أني أسلم منه، وإذا به قد تبعني فذهلت خشية منه، وإذا بكعب الرمح بين كتفيّ فسقطت على وجهي، فخرم أذني وأخذ قرطي ومقنعتي، وترك الدماء تسيل على خدّي، ورأسي تصهره الشمس، وولى راجعاً إلى الخيم، وأنا مغشي عليّ، وإذا بعمتي عندي تبكي وهي تقول: قومي نمضي!... فما رجعنا إلى الخيمة إلا وهي قد نُهبت وما فيها، وأخي علي بن الحسين مكبوب على وجهه لا يطيق الجلوس من كثرة الجوع والعطش والأسقام، فجعلنا نبكي عليه ويبكي علينا".
 
وقالت: "دخلت الغاغة علينا الفسطاط وأنا جارية صغيرة، وفي رجليّ خلخالان
 
 

1- فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب القرشيّة الهاشمية المدنية. روت عن بلال المؤذن مرسلاً، وعن أبيها الحسين عليه السلام، وعن عبد الله بن عباس، وأخيها زين العابدين عليه السلام، وعن أسماء بنت عميس، وعن عمّتها زينب العقيلة عليه السلام، وعن عائشة، وعن جدّتها فاطمة الكبرى بنت رسول الله مرسلاً، وروى عنها: أبناؤها: إبراهيم بن الحسن المثنى، وأخوه الحسن المثلث، وأخوه عبد الله بن الحسن المثنى، وغيرهمراجع تهذيب الكمال: 25، 254-. 
قال ابن سعد: أمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله، تزوجها ابن عمها حسن بن حسن فولدت له عبد الله وإبراهيم وحسناً وزينبالطبقات: 7: 473، وانظر مقاتل الطالبيين: 171-، وهي التي قال فيها الحسين عليه السلام لابن أخيه الحسن المثنى: إني اخترت لك ابنتي فاطمة فهي أكثرهما شبهاً بأمي فاطمة بنت رسول اللهP،راجع: مستركات علم رجال الحديث: 8، 592-، و توفيت في المدينة سنة 117هجرية.راجع مستدركات علم رجال الحديث، 8، 592-، وكانت فيمن قدم دمشق بعد قتل أبيها، ثم خرجت إلى المدينة.تهذيب الكمال: 35، 255-. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
271

267

بعد عاشوراء

 من ذهب، فجعل رجلٌ يفضّ الخلخالين من رجلي وهو يبكي! فقلت: ما يبكيك يا عدو الله!؟ فقال: كيف لا أبكي وأنا أسلب ابنة رسول الله!

 
فقلت: لا تسلبني. 
 
قال: أخاف أن يجيء غيري فيأخذه!
 
قالت: وانتهبوا ما في الأبنية حتى كانوا ينزعون الملاحف عن ظهورنا!"1.
 
وروى ابن شهر آشوب عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: "إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون القتال فيه، فاستُحلت فيه دماؤنا! وهُتك فيه حُرمتنا! وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا! وأضرمت النيران في مضاربنا! وانتهب ما فيها من ثقلنا"2.
 
وكان على رأس النهابين السلاّبين شمر بن ذي الجوشن3، الذي ما أن وصل إلى خيمة الإمام زين العابدين عليه السلام ورآه حتى أمر بقتله4 ولكن عمته زينب عليه السلام تعلقت به وقالت للشمر: "حسبك من دمائنا، والله لا أفارقه، فإن قتلته فأقتلني معه"، كما ساعدت حالته الصحية في تشجيع هؤلاء الأوباش على رفض تنفيذ أوامر الشمر، حيث بدا الإمام نحيلاً ضعيفاً من شدة المرض غير قادر على النهوض، وكأنهم اعتقدوا أن مرضه كافٍ في التسبب بموته بدون أن يقتلوه هم. كما ظهر كأنه صبي لشدة هزاله5، وكان الشمر مصمماً على قتله لأن عبيد الله بن زياد أمره بقتل جميع أولاد الإمام الحسين عليه السلام.
 
 

1- أمالي الشيخ الصدوق: 139- 140 المجلس 31، حديث رقم2. مثير الأحزان: 76، وينقل العلامة المجلسي، البحار: ج45، ص60- 61. 
2- مناقب آل أبي طالب عليه السلام: 2، 206، وانظر مسند الإمام الشهيد: 2، 196. 
3- مرآة الجنان، ج1، ص135، الأخبار الطوال، ص258، تاريخ الأمم والملوك، ج3، 334، الإرشاد للمفيد، ج2، ص112، الكامل في التاريخ، ج3، ص295، اللهوف، ص180، الحدائق الوردية، ص123، نور العين في مشهد الحسين، ص45و 46، أمالي الشيخ الصدوق، ص139- 140 مجلس 31 ح2، سير أعلام النبلاء، ج3، ص303، مثير الأحزان، ص76، بحار الأنوار، ج45، ص60- 61، الفتوح لإبن الأعثم، ج5، ص138. 
4- الدينوري، الأخبار الطوال، ص113.
5- تاريخ الأمم والملوك، الطبري ج 4 ص 347.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
272

268

بعد عاشوراء

 وهكذا أفلح موقف السيدة زينب عليه السلام ومرض الإمام وهزاله، وتردد عمر بن سعد وبقية القتلة في ثني الشمر عن قتله. وكأن الله عزّ وجلّ قد جمع كل هذه الأسباب ليبقيه حياً لأنه بقية الله وفيه سوف تكون الذرية الطاهرة1.

 
ولا يلتفت في هذا المقام إلى ما حاول الراوي، حميد بن مسلم، أن يروّجه لنفسه، بأنه لعب دوراً إيجابياً في الذود عن حياة الإمام زين العابدين عليه السلام وفي صرف شمر بن ذي الجوشن عن قتله، وهذا ضمن سياق عام من الأدوار الإيجابية الأخرى التي حاول رسمها لنفسه في روايات الطبري الذي تبعه آخرون وأخذوا عنه بدون تأمل. 
 
ولكن هذا الموقف لا ينطلي على متأمل، فإن حميد بن مسلم الأزدي هذا كان في جيش عمر بن سعد يوم عاشوراء‍، بل كان وجيهاً من وجهاء هذا الجيش معروفاً عند قادته وقريباً منهم، ويدل على ذلك أنه وخولّي بن يزيد الأصبحي حملا رأس الإمام عليه السلام إلى ابن زياد2 بتكليف من عمر بن سعد. كما كان الرسول الخاص لعمر بن سعد إلى اهله لكي يبشرهم بالنصر المؤزر على الإمام الحسين في كربلاء3. ‍‍
 
كما أننا نرتاب في حقيقة ما حاول إظهاره في رواياته من التأثر لأهل البيت عليه السلام ، لأن كل هذه الروايات إنما رويت من طريقه نفسه فهو يحدث عن نفسه بنفسه !!
 
وعلى كل حال، فقد أضرمت النار في مضارب أهل البيت بعد إخراجهم منها، فخرجت النساء هاربات مسلّبات حافيات باكيات4، وكان يوم العاشر من المحرّم
 
 

1- معالي السبطين، ج2، ص87. الإرشاد، ج2، ص112و 113و 116. تاريخ الأمم والملوك، الطبري ج 4 ص 347. أخبار الدول، ص108. روضة الصفا، ج3، ص170. تذكرة الخواص، ص232. مناقب آل أبي طالب، ج4، ص142. 
2- راجع الإرشاد، ج2، ص113. 
3- تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4 ص 349، قال: عن حميد بن مسلم قال دعاني عمر بن سعد فسرحني إلى أهله لأبشرهم بفتح الله عليه وبعافيته فأقبلت حتى أتيت أهله فأعلمتهم ذلك
4- اللهوف، ص180، الفتوح، ج5، ص138، مثير الأحزان، ص77، مناقب آل أبي طالب، ج2، ص206.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
273

269

بعد عاشوراء

 طويلاًً عليهم، وما انقضى اليوم حتى كان حرم الحسين عليه السلام وبناته وأطفاله في أسر الأعداء، يلوذون ببعضهم، مشغولون بالحزن والهموم والبكاء، وانقضى عليهم آخر ذلك النهار وهم فيما لا يحيط به قلب من الحزن والإنكسار، وباتوا تلك الليلة فاقدين لحماتهم ورجالهم1

 
وسرّح عمر بن سعد من يومه ذلك، وهو يوم عاشوراء، برأس الحسين عليه السلام مع خوليّ بن يزيد الأصبحي، وحميد بن مسلم الأزدي، إلى عبيد الله بن زياد. 2
 
فأقبل خولي بالرأس فأراد القصر فوجد باب القصر مغلقاً، فأتى منزله 3فوضعه تحت أجانة في منزله، وله امرأتان، امرأة من بني أسد، والأخرى من الحضرميين يُقال لها النوَّار ابنة مالك بن عقرب، وكانت تلك الليلة ليلة الحضرمية. 
 
قال هشام: فحدّثني أبي عن النوّار بنت مالك قالت: أقبل خوّلي برأس الحسين عليه السلام فوضعه تحت أجانة في الدار، ثمّ دخل البيت فأوى إلى فراشه، فقلت له: ما الخبر عندك؟ قال: جئتك بغنى الدهر! هذا رأس الحسين معك في الدار! قالت: فقلت: ويلك جاء الناس بالذهب والفضة وجئت برأس ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! لا والله لا يجمع رأسي ورأسك بيتٌ أبداًً! 
 
قالت: فقمت من فراشي فخرجت إلى الدار، فدعا الأسدية فأدخلها إليه، وجلستُ أنظر، قالت: فوالله ما زلت أنظر على نور يسطع مثل العمود من السماء إلى الأجانة! ورأيت طيراً بيضاً ترفرف حولها!
 
قال هشام: فلمّا أصبح غداً بالرأس إلى عبيد الله بن زياد 4
 
وأقام عمر بن سعد بكربلاء بعد مقتل الحسين عليه السلام يومين، بقيّة يومه واليوم
 
 

1- الإقبال، 583ن وعنه نفس المهموم، 350. 
2- الدينوري، الأخبار الطوال، ص113.
3- انفرد خوليّ بالرأس، وكيف اختفى حميد بن مسلم الأزدي عن مسرح قصّة حمل الرأس إلى ابن زياد!؟ وكان منزله على فرسخ من الكوفة. راجع مقتل الحسين عليه السلام للمقرم: 304، رياض الأحزان، 16. 
4- تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 348.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
274

 


270

بعد عاشوراء

  الثاني إلى زوال الشمس، ودفن القتلى من جيشه وصلّى عليهم1. ثم أذّن في الناس بالرحيل، وأمر برؤوس أصحاب الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته فنظّفت، وكانت اثنين وسبعين رأساً، وسرّح بها مع شمر بن ذي الجوشن، وقيس بن الأشعث، وعمرو بن الحجاج، وعزرة بن قيس، وحُملت الرؤوس على أطراف الرماح2. فأقبلوا حتى قدموا بها على ابن زياد3

 
وتنافست القبائل في تقاسم الرؤوس حتى تنال الحظية عند ابن زياد، فجاءت هوازن منها بإثنين وعشرين رأساً، وجاءت تميم بسبعة عشر رأساً مع الحصين بن نمير، وجاءت كندة بثلاثة عشر رأساً مع قيس بن الأشعث، وجاءت بنو أسد بستّة رؤوس مع هلال الأعور، وجاءت الأزد بخمسة رؤوس مع عهيمة بن زهير، وجاءت ثقيف باثني عشر رأساً مع الوليد بن عمرو"4
 
وبقي جسد الإمام الحسين عليه السلام مع أجساد الشهداء الآخرين من أهل بيته وأصحابه عليه السلام في العراء لا تُوارى، تصهرها حرارة الشمس، وتسفّ عليها الرياح السوافي. وكانت بين وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين قتل الحسين عليه السلام خمسون عاما5
 
ثمّ أخرجوا النساء من الخيمة وأشعلوا فيها النار، فخرجن مسلّبات حافيات باكيات يمشين سبايا في الأسر، وحملوهن على أحلاس أقتاب الجمال بغير وطاء ولا غطاء! مكشّفات الوجوه بين الأعداء وهنّ ودائع خير الأنبياء! وساقوهنّ كما يُساق سبي الترك والروم في أسر المصائب والهموم 6
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 348.
2- الأخبار الطوال، 259، جواهر المطالب، 2، 291. 
3- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 113. تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 349. اللهوف، 189. الأخبار الطوال، 260.
4- الأخبار الطوال، الدينوري، ص259.تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 349. 
5- الأخبار الطوال، الدينوري، ص259
6- اللهوف، 189. الفتوح، 5، 139، تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 349. الكامل في التاريخ، 3، 296. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
275

271

بعد عاشوراء

 فلمّا نظر النسوة إلى القتلى صحن وضربن وجوههن، قال الراوي: فوالله لا أنسى زينب ابنة علي وهي تندب الحسين عليه السلام وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب: يا محمّداه يا محمّداه، صلّى عليك ملائكة السماء، هذا الحسين عليه السلام بالعرا، مرمل بالدما، مقطع الأعضاء يا محمّداه وبناتك سبايا، وذريتك مقتلة، تسفى عليها الصبا، قال الراوي: فأبكت والله كل عدوٍّ وصديق1

 
ثم إن سكينة اعتنقت جسد الحسين عليه السلام ! فاجتمع عدّة من الأغراب حتى جرّوها عنه!2
 
ولمّا نظرت أم كلثوم أخاها الحسين تسفي عليه الرياح! وهو مكبوب! وقعت من أعلى البعير إلى الأرض، وحضنت أخاها وهي تقول ببكاء وعويل:
يا رسول الله ! انظر إلى جسد ولدك ملقى على الأرض بغير دفن! كفنه الرمل السافي عليه! وغسله الدمّ الجاري من وريديه! وهؤلاء أهل بيته يُساقون أسارى في أسر الذل! ليس لهم من يمانع عنهم! ورؤوس أولاده مع رأسه الشريف3 على الرماح كالأقمار! يا محمّد المصطفى هذه بناتك سبايا وذرّيتك مقتّلة! 4
 
في الطريق إلى الكوفة
 
لم يفلت من أهل بيت الإمام الحسين عليه السلام الذين معه إلا خمسة: 
علي بن الحسين، زين العابدين، وكان له في ذلك اليوم اثنان وعشرون سنة، وهو أبو بقية ولد الحسين بن علي اليوم، وكان مريضاً فكان مع النساء، وكان لولده محمّد الباقر أربع سنوات5
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 349. مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، ج2، ص45، الخطط المقريزية، ج2، ص289. 
2- اللهوف، 180- 181. الشيخ ابن نما، مثير الأحزان، 77. 
3- يُلاحظ أن ما في هذه العبارة خلافٌ لما ذكرته مصادر تأريخية معتبرة من أن رأس الإمام عليه السلام أرسل من ساعته مع خوليّ بن يزيد وحميد بن مسلم إلى ابن زياد. 
4- أسراًر الشهادة، 460، معالي السبطين، 2، 55. 
5- الكامل البهائي لعماد الدين الطبري: 290. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
276

272

بعد عاشوراء

 وحسن بن حسن بن عليّ 40، وله بقيّة، وعمرو بن حسن بن عليّ ولا بقية له، والقاسم بن عبد الله بن جعفر، ومحمّد بن عقيل الأصغر، فإن هؤلاء استضعفوا فقدم بهم وبنساء الحسين بن عليّ وهنّ: زينب وفاطمة ابنتا علي بن أبي طالب، وفاطمة وسكينة ابنتا الحسين بن علي، والرباب بنت أنيف2 الكلبية امرأة الحسين ابن علي، وهي أم سكينة وعبد الله المقتول ابني الحسين بن علي. وأم محمّد بنت حسن بن علي امرأة علي بن حسين. ولكن الاصبهاني في مقاتل الطالبيين يضيف زيد بن الحسن وأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب عليه السلام 3

 
وكان معهم موالي لهم ومماليك عبيد وإماء قدم بهم على عبيد الله بن زياد، مع رأس الحسين بن علي عليه السلام ورؤوس من قُتل معه سلام الله عليهم أجمعين 4
 
كذلك كان مع السبايا ممن ذُكر زوجة الشهيد جنادة بن الحرث السلماني الغلام ذي الإحدى عشرة سنة من العمر، وكذلك كانت عائلة الشهيد مسلم بن عوسجة 5 في هذا الركب، وأمُّ الشهيد وهب الذي كان نصرانياً 6
 
وسار هذا الموكب الذي حفر في كل خطوة خطاها في ذاكرة التاريخ باتجاه الكوفة، ولكنه لم يدخلها، ولعل ذلك كان محاولة من ابن سعد للظهور بمظهر المنتصر، فانتظر خارج الكوفة، في منزل من منازل الطريق القريبة جداًً من
 
 

1- قال السيد ابن طاووس: "وروى مصنّف كتاب المصابيح أن الحسن بن الحسن المثنى قَتل بين يدي عمّه الحسين عليه السلام في ذلك اليوم سبعة عشر نفساً، وأصابته ثماني عشرة جراحة، فوقع فأخذه خاله أسماء بن خارجة فحمله إلى الكوفة وداواه حتى برئ وحمله إلى المدينة"راجع: اللهوف: 191-. ومعنى هذا أن الحسن المثنى لم يكن مع الأسرى في الركب الحسيني الذين أُخذوا من كربلاء إلى الكوفة. 
2- المشهور أنها الرباب بنت امرء القيس.
3- مقاتل الطالبيين: 119، وانظراللهوف: 191، وانظر تاريخ أبي الفداء: 1، 266 وفيه: "ثمّ بعث ابن زياد بالرؤوس وبالنساء والأطفال إلى يزيد بن معاوية.. وفيهنّ ابنة عقيل بن أبي طالب..".
4- ترجمة الإمام الحسين عليه السلام ومقتله، من القسم غير المطبوع من كتاب الطبقات الكبير لابن سعد، تحقيق السيد عبد العزيز الطباطبائي: ص78، وانظر سير أعلام النبلاء للذهبي، 3، 303 في نقله عن طبقات ابن سعد، وانظر: تسمية من قتل مع الحسين عليه السلام: 157. تاريخ الطبري، 3، 335، وانظر الكامل في التاريخ، 3، 296، ومقتل الحسين عليه السلام، للخوارزمي: 2، 44، ومثير الأحزان: 83. 
5- راجع: إبصار العين، 220. 
6- راجع: أمالي الصدوق، 137 المجلس 30، حديث رقم1. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
277

273

بعد عاشوراء

 الكوفة، أو على مشارفها، ولم يدخلها، وأجّل دخوله إلى نهار اليوم التالي، فبات موكب السبايا والأسرى من أهل البيت عليه السلام ليلة الثاني عشر في صحبة عسكر ابن سعد خارج الكوفة، وفي نهار اليوم الثاني عشر دخل عمر بن سعد الكوفة مع عسكره وبقية موكب الأسرى والسبايا. 

 
وكانت البوقات تضرب، والرايات تخفق قد أقبلت1، والأسواق معطّلة، والدكاكين مغلقة، والناس مجتمعون خلقاً كثيراً، حلقاً حلقاً، منهم من يبكي سراًً، فإن من أهل الكوفة من كان يعلم بحقيقة مجرى الأحداث، ويُدرك عِظم المصاب وفظاعة الجناية التي ارتكبتها الكوفة بالأساس، ويدري أن السبايا المحمولين مع عمر بن سعد هم بقيّة آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وأن الرؤوس التي على أطراف الأسنة هي رؤوس ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وأصحابه، وهم خير أهل الأرض يومذاك، فكان يبكي لعظم الرزيّة!
 
ومنهم من يضحك جهراً، فإن من أهل الكوفة من كان أمويّ الميل والهوى، أو جاهلاً لم يعلم بحقائق الأحداث، متوهماً أن والي الكوفة وأميرها قد فتح فتحاً جديداً على ثغر من ثغور المسلمين! وجيء إليه بسبايا من غير المسلمين، فكان يضحك جهراً ويهنّئ من يلقاه بهذه المناسبة!!2.
 
لمّا وصل إلى ابن زياد خبر عودة جيشه بقيادة عمر بن سعد إلى الكوفة، أمر أن لا يحمل أحدٌ من الناس السلاح في الكوفة، كما أمر أن يأخذوا السكك والأسواق، والطرق والشوارع، خوفاً من الناس أن تحصل ردة فعل عفوية غير محسوبة تأثراً بمنظر أهل البيت عليه السلام إذا رأوا بقيّتهم بتلك الحالة من الأسر والسبي، وأمر أن تُجعل الرؤوس في أوساط المحامل أمام النساء، وأن يُطاف بهم في الشوارع والأسواق حتى يغلب على الناس الخوف والخشية48. كما أمر عبيد الله بن زياد أن
 
 

1- مدينة المعاجز: 4، 121. 
2- رياض الأحزان، 48. 
3- راجع: معالي السبطين، 2، 57، وروضة الشهداء، 288. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
278

274

بعد عاشوراء

  يضعوا الرأس المقدّس على الرمح ويُطاف به في سكك الكوفة وقبائلها1

 
وطاف موكب الأسرى والسبايا على الجمال بغير وطاء في أزقة الكوفة، ومعهم الأجناد يحيطون بهم، وقد خرج الناس للنظر إليهم، فجعل نساء الكوفة يبكين ويلتدمن!2 وما مروا بزقاق إلا وهو قد امتلأ رجالاً ونساء يضربون وجوههم ويبكون3، فسُمِعَ علي بن الحسين عليه السلام وهو يقول بصوت ضئيل، وقد نهكته العلة، وفي عنقه الجامعة! ويده مغلولة إلى عنقهّ!: "إن هؤلاء النسوة يبكين! فمن قتلنا!."4
 
فأشرفت امرأة من الكوفيات فقالت: "من أي الأسارى أنتن؟ فقلن: نحن أسارى آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم !!. فنزلت المرأة من سطحها فجمعت لهنّ ملاء وأُزُراً ومقانع، وأعطتهن فتغطين" 5
 
وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز، فصاحت بهم أم كلثوم وقالت: يا أهل الكوفة! إنّ الصدقة علينا حرام! وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض. 
 
كل ذلك والناس يبكون على ما أصابهم! فقالت لهم أم كلثوم: صه يا أهل الكوفة! تقتلنا رجالكم وتبكينا نساؤكم!؟ فالحاكم بيننا وبينكم الله يوم فصل القضاء! 6
 
قال بشير بن خزيم الأسدي: ونظرتُ إلى زينب بنت علي يومئذٍ، ولم أرَ خفرةً 
 


1- وقد يربو عدد نفوس أهل الكوفة آنذاك، سنة 61هجرية، على ثلاثمائة ألف نسمة، ذلك لأن الكوفيين الذين كاتبوا الإمام الحسين عليه السلام في سنة 60 هجرية بعد موت معاوية ذكروا له عن وجود مائة ألف مقاتل! فإذا كان ثلث كل أسرة من الذكور مقاتلين، وهو الطابع العام آنذاك لمجتمع الكوفة، لكان مجموع نفوس الكوفة آنذاك حوالي ثلاثمائة ألف نسمة، وإذا كان عددهم في سنة 22 هجرية، في أيام عمر بن الخطاب هو مائة ألف، فلا شك أن نفوسهم بعد 38 سنة قد بلغ حوالي ثلاثة أضعاف..راجع: كامل البهائي، 290. والكامل في التاريخ، 3، 32-. 
2- التدمت المرأة: ضربت صدرها في النياحة، وقيل ضربت وجهها في المآتم.
3- أمالي الشيخ الصدوق: 140 المجلس 31 حديث رقم3. 
4- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 45، ص 108و114. الإرشاد ص 227. أمالي الطوسي: 91، واللهوف: 192، وأمالي المفيد: 320، والفصول المهمة: 192، والمنتخب للطريحي: 350. تاريخ اليعقوبي: 2، 177. الفتوح: 5، 139. 
5- اللهوف: 191. 
6- بحار الأنوار: 45: 114- 115.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
279

275

بعد عاشوراء

 والله أنطق منها! كأنها تُفرغ من لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ! وقد أومأت إلى الناس أنِ اسكتوا فارتدت الأنفاس وسكنت الأجراس!! ثم قالت: 

الحمد الله، والصلاة على أبي محمّد وآله الطيبين الأخيار! أما بعدُ يا أهل الكوفة! يا أهل الختل والغدر! أتبكون؟ فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنّة! إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم! ألا وهل فيكم إلا الصَّلَفُ النَّطِفُ، والعجب والكذب والشَّنِف، وملق الإماء، وغمز الأعداء1، أو كمرعى على دمنة، أو كفضة(قصة)على ملحودة 2!؟ ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسك أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون!
 
أتبكون وتنتحبون!؟ إي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاًً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغُسل بعدها أبداًً! وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة، ومعدن الرسالة، وسيد شباب أهل الجنّة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجّتكم، ومدرة ألسنتكم!؟ ألا ساء ما تزرون، وبُعداً لكم وسُحقاً، فلقد خاب السعي، وتبّت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضُربت عليكم الذلة والمسكنة!
 
ويلكم يا أهل الكوفة! أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم!؟ وأي كريمة له أبرزتم!؟ وأيّ دم له سفكتم!؟ وأيّ حرمة له انتهكتم!؟ ولقد جئتم بها صلعاء عنقاء سوداء فقماء (خرقاء شوهاء) كطلاع الأرض أو ملاء السماء!
 
أفعجبتم أن مطرت السماء دماً!؟ ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تُنصرون! فلا يستخفنّكم المهل، فإنه لا يحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثار، وإن ربكم
 
 

1- الصلف، بفتحتين، الذي يتمدح بما ليس فيه. والنطف القذف بالفجور. والشنف المبغض بغير حق.والملق المتذلل. والغمز الطعن بالشر.
2- كذا في المصدر ص 130، ونقله المصنف، بلفظه ثم شرحه فيما يأتي من بيان الغرائب بالتزيين، ولكن الصحيح: " كقصة على ملحودة " والقصة هي الجصة بلغة أهل الحجاز، كما في أكثر معاجم اللغة - القاموس - الصحاح - تاج العروس – النهاية، وقال في الفائق ج 2 ص 173 روى أن النبي صلّى الله عليه وآله نهى عن تطيين القبور وتقصيصها أي تجصيصها، فان القصة هي الجصة.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
280

276

بعد عاشوراء

 لبالمرصاد!1

 
قال الراوي: فوالله لقد رأيت الناس يومئذٍ حيارى يبكون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي يبكي حتى اخضلَّت لحيته، وهو يقول: بأبي أنتم وأمي كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونساؤكم خير النساء ونسلكم خير نسل، لا يخزى ولا يبزى 2.
 
وروى زيد بن موسى قال: حدّثني أبي، عن جدّي عليه السلام قال: خطبت فاطمة الصغرى بعد أن وردت من كربلاء فقالت: 
الحمدُ لله عدد الرمل والحصى، وزنة العرش إلى الثرى، أحمده وأؤمن به، وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم عبده ورسوله، وأن أولاده ذُبحوا بشطِّ الفرات بغير ذُحل ولا ترات!
 
اللهم إني أعوذ بك أن أفتري عليك الكذب، أو أن أقول عليك خلاف ما أنزلت عليه من أخذ العهود لوصيّه عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، المسلوب حقّه، المقتول من غير ذنب كما قتل ولده بالأمس، في بيت من بيوت الله في معشر مسلمة بألسنتهم! تعساً لرؤوسهم ما دفعت عنه ضيماً في حياته ولا عند مماته، حتى قبضته إليك محمود النقيبة، طيّب العريكة، معروف المناقب مشهور المذاهب، لم تأخذه فيك اللهم لومة لائم ولا عذل عاذل، هديته اللهم للإسلام صغيراً، وحمدت مناقبه كبيراً، ولم يزل ناصحاً لك ولرسولك صلى الله عليه وآله وسلم حتى قبضته إليك زاهداً في الدنيا غير حريص عليها، راغباً في الآخرة، مجاهداً لك في سبيلك، رضيته فاخترته فهديته إلى صراطٍ مستقيم. 
 
أما بعدُ يا أهل الكوفة، يا أهل المكر والغدر والخيلاء ! فإنّا أهل بيت ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا، فجعل بلاءنا حسناً، وجعل علمه عندنا وفهمه لديناً، فنحن
 
 

1- اللهوف: 192. وأمالي المفيد: 321، والفتوح: 5، 139، وأمالي الطوسي: 1، 90، ومثير الأحزان: 86، ومناقب آل أبي طالب عليه السلام: 4، 115، وبحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 45، ص 162. 
2- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 45، ص 108و114.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
281

277

بعد عاشوراء

 عيبة علمه، ووعاء فهمه وحكمته، وحجَّته على الأرض في بلاده لعباده، أكرمنا الله بكرامته، وفضّلنا بنبيّه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم على كثير ممّن خلق تفضيلاً بيّناً، فكذّبتمونا وكفرتمونا! ورأيتم قتالنا حلالاً! وأموالنا نهباً! كأننا أولاد ترك وكابل! كما قتلتم جدّنا بالأمس1، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدّم! قرّت لذلك عيونكم وفرحت قلوبكم، افتراءً على الله ومكراً مكرتم، والله خير الماكرين. فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا ونالت أيديكم من أموالنا، فإنّ ما أصابنا من المصائب الجليلة والرزايا العظيمة  ﴿فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير* ِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾، تباً لكم! فانتظروا اللعنة والعذاب، فكأن قد حلَّ بكم وتواترت من السماء نقمات، فيسحتكم بعذاب ويُذيق بعضكم بأس بعض، ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا، ألا لعنة الله على الظالمين.

 
ويلكم! أتدرون أيّة يدٍ طاعنتنا منكم!؟ وأية نفس نزعت إلى قتالنا!؟ أم بأي رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا!؟
 
قست والله قلوبكم، وغلظت أكبادكم، وطبع على أفئدتكم، وخُتم على أسماعكم وأبصاركم، وسوّل لكم الشيطان وأملى لكم، وجُعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون!
 
فتباً لكم يا أهل الكوفة! أي تراتٍ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قِبَلكم، وذحول له لديكم بما 
 
 

1- هذه العبارة: "كما قتلتم جدنا بالأمس" تشخص أن فاطمة هذه هي فاطمة بنت الحسين عليه السلام، لأن الجد القتيل هو أمير المؤمنين علي عليه السلام، أما إطلاق الصغرى أو الكبرى على فاطمة بنت الحسين عليه السلام فلا يوجد في كتب المؤرخين الأوائل، لكنه موجود في كتب المؤرخين المتأخرين، أمثال الخوارزمي، وابن نما، وابن طاووس، والعلامة المجلسي، وقد ذكر الشيخ المفيد فاطمة ضمن ذكره لبنات الحسين عليه السلام لكنه لم يقيدها بصغيرة أو كبيرة، كما أنها عليه السلام مذكورة في أكثر كتب التراجم بدون هذا القيد، ففي كتاب تهذيب الكمال: 35، 254 رقم 7901: "فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب القرشية الهاشمية المدنية، أخت علي بن الحسين زين العابدين، وأمها أم إسحق بنت طلحة بن عبيد الله، تزوجها ابن عمها حسن بن حسن فولدت له عبد الله وإبراهيم وحسناً وزينب..."
وعدّها ابن حبّا/ن في الثقات! وقال: ماتت وقد قاربت التسعين.راجع: كتاب الثقات: 5: 301-. 
وأما المشهور من أن للإمام الحسين عليه السلام بنتاً اسمها فاطمة الصغرى، وقد تركها في المدينة لأنها كانت يومذاك مريضة فلم يصطحبها معه إلى كربلاء لشدّة وجعها وعدم تمكنها من السير والحركة، فلا تؤكده النصوص والمصادر المعتبرة. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
282

278

بعد عاشوراء

 عندتم بأخيه علي بن أبي طالب عليه السلام جدّي وبنيه وعترة النبيّ الأخيار صلوات الله وسلامه عليهم!؟ وافتخر بذلك مفتخركم فقال: 

 
نحن قتلنا علياً وبني علي                    بسيوف هندية ورماح 
 
وسبينا نساءهم سبي ترك                   ونطحناهم فأيُّ نطاح 
 
بفيك أيها القائل الكثكث والأثلب! افتخرت بقتل قوم زكّاهم الله وأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً! فاكظِمْ وأقع كما أقعى أبوك، فإنما لكل امرء ما اكتسب وما قدمت يداه، أحسدتمونا، ويلاً لكم، على ما فضّلنا الله!؟
 
فما ذنبنا إن جاش دهراً بحورنا             وبحرك ساجٍ لا يواري الدّعامصا 
 
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور. 
 
قال: وارتفعت الأصوات بالبكاء! وقالوا: حسبك يا ابنة الطيبين! فقد أحرقت قلوبنا، وأنضجت نحورنا، وأضرمت أجوافنا. فسكتت"1
 
وخطبت أم كلثوم61 بنت علي عليه السلام في ذلك اليوم من وراء كلّتها، رافعة صوتها
 
 

1- اللهوف: 194، وانظر: الإحتجاج: 2، 104، ومثير الأحزان، 87، وتسلية المجالس: 2، 355- 359. بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 45، ص 108و114.
2- ولكن هل كانت للسيدة الزهراء بنتٌ واحدة هي زينب وكانت كنيتها أم كلثوم ؟؟ أم كان لها ابنة أخرى هي أم كلثوم؟ ينقل الشيخ القمّي في كتابه بيت الأحزان ص 149، مطبعة سيد الشهداء عليه السلام قم، عن كتاب مصباح الأنوار: "عن أبي عبد الله عليه السلام، عن آبائه عليه السلام، قال: إن فاطمة عليه السلام لما احتضرت أوصت علياً فقالت: إذا أنا متُّ فتولَّ أنت غسلي، وجهّزني، وصلِّ عليَّ، وأنزلني في قبري، وألحدني، وسوِّ التراب عليَّ، واجلس عند رأسي قبالة وجهي فأكثر تلاوة القرآن والدعاء فإنها ساعة يحتاج الميت إلى أُنس الأحياء، وأنا أستودعك الله تعالى وأوصيك في ولدي خيراًً، ثمَّ ضمّت إليها أمّ كلثوم فقالت له: إذا بلغت فلها ما في المنزل ثم الله لها، فلمّا توفيت فعل ذلك أمير المؤمنين عليه السلام ". وكما يروي الشيخ الصدوق في كتابه معاني الأخبار، ص 107، بسنده عن حمّاد بن عثمان "قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جُعلت فداك! ما معنى قول رسول الله: إن فاطمة أحصنت فرجها، فحرّم الله ذريتها على النار. فقال: المعتقون من النار هم ولد بطنها الحسن والحسين وأمّ كلثوم". 
وكما في الخبر الذي ينقله الشيخ المفيد في الإرشاد، ج1، ص14، من رواية عثمان بن المغيرة حيث يقول: "لما دخل شهر رمضان كان أمير المؤمنين عليه السلام يتعشّى ليلة عند الحسن، وليلة عند الحسين، وليلة عند عبد الله بن جعفر، وكان لا يزيد على ثلاث لُقم...". وهذا معناه عدم وجود إبنة ثالثة لأمير المؤمنين عليه السلام، فإن ليلة عبد الله بن جعفر تعني ليلة زينب عليه السلام لأنها زوجته، وليس هنا ليلة أخرى يتعشّى فيها عليٌ عليه السلام عند ابنة له أخرى اسمها أمّ كلثوم! 
ولكن هناك روايات أخرى يستفاد منها أن علياً وفاطمة عليه السلام كان لهما من ذريتهما ابنتان هما زينب وأمّ كلثوم عليه السلام
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
283

279

بعد عاشوراء

 بالبكاء فقالت: 

يا أهل الكوفة! سوأة لكم! خذلتم حسيناًً وقتلتموه، وانتهبتم أمواله وورثتموه!؟ وسبيتم نساءه ونكبتموه!؟ فتباً لكم وسحقاً. 
 
ويلكم! أتدرون أي دواهٍ دهتكم!؟ وأيّ وزرٍ على ظهوركم حملتم!؟ وأيّ دماءٍ سفكتم!؟ وأيّ كريمة أصبتموها!؟ وأيّ صبية سلبتموها!؟ وأيّ أموال انتهبتموها!؟ قتلتم خير رجالات بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ! ونُزعت الرحمة من قلوبكم، ألا إن حزب الله هم الفائزون، وحزب الشيطان هم الخاسرون. 
 
فضج الناس بالبكاء، والحنين والنوح، ونشر النساء شعورهن ووضعن التراب على رؤوسهن، وخمشن وجوههن، وضربن خدودهن، ودعون بالويل والثبور، وبكى الرجال، فلم ير باكية وباك أكثر من ذلك اليوم 1
 
ثم إن زين العابدين عليه السلام أومأ إلى الناس أن اسكتوا، فسكتوا، فقام قائماً، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم صلّى عليه، ثم قال: 
"أيها الناس! من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، أنا ابن من انتهكت حرمته، وسُلبت نعمته، وانتهب ماله، 
 
 

، بل إن هذه الروايات هي الأكثر، وفي ضوئها ذهب جمع من علمائنا إلى هذا، منهم الشيخ المفيد في الإرشاد، ج1، ص354، والمقدسي المتوفي سنة 620 هجرية في كتابه "التبيين في أنساب القرشيين" ص125، والمامقاني في تنقيح المقال، ج3، ص73، والنمازي الذي يقول في مستدركات علم رجال الحديث، ج 8، ص 577 رقم 18081: "كانت لمولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه بنات منهن ثلاث زينبات: زينب الكبرى، وزينب أخرى المكنّاة بأم كلثوم، من ولد فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، وزينب أخرى من أم ولد. أما زينب الكبرى صلوات الله عليها: من رواة الحديث، أدركت النبيP وولدت في حياته، وهي عقيلة بني هاشم، ذات الخصال الحميدة والصفات المجيدة، وفي الصبر والثبات وقوة الإيمان والتقوى فريدة وحيدة، وفي الفصاحة والبلاغة كأنها تنطق من لسان أمير المؤمنين عليه السلام... وفي كتاب الزينبات روايات محصولها أن زينب الكبرى عليه السلام لما جاءت إلى المدينة كانت تحرّض الناس على الأخذ بثأر الحسين عليه السلام، فأبلغ خبرها والي المدينة إلى يزيد، فأمر يزيد بإخراجها من المدينة مع من تشاء من نساء بني هاشم إلى مصر، فجهّزهنّ إلى مصر، فلمّا وردوا مصر أقامت فيها أحد عشر شهراً وخمسة عشر يوماً، وتوفيت بمصر في 15رجب سنة 62 هجرية...". 
ويُنسب إلى السيّد محسن الأمين العاملي أنه قال: "وجد على قبر في الشام حجر مكتوب عليه: هذا قبر السيدة زينب المكنّاة بأم كلثوم بنت سيدنا عليّ رضي الله عنه". 
1- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 45، ص 108و114.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
284

280

بعد عاشوراء

 وسُبي عياله! أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذُحلٍ ولا ترات! أنا ابن من قُتل صبراً، فكفى بذلك فخراً! 

 
أيها الناس! فأنشدكم الله، هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه!؟ وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه!؟
 
فتباً لما قدّمتم لأنفسكم! وسوأة لرأيكم! بأيّة عين تنظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي، فلستم من أمّتي!؟
 
فارتفعت الأصوات من كل ناحية، ويقول بعضهم لبعض: هلكتم وما تعلمون!!
 
فقال عليه السلام : رحم الله امرءً قبل نصيحتي وحفظ وصيتي في الله وفي رسوله وأهل بيته، فإنّ لنا في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسوة حسنة. 
 
فقالوا بأجمعهم: نحن كلنا يا ابن رسول الله سامعون مطيعون، حافظون لذمامك، غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك! فمرنا بأمرك يرحمك الله! فإنا حربٌ لحربك! وسلم لسلمك! لنأخذنَّ يزيد لعنه الله ونبرأ ممّن ظلمك! 
فقال عليه السلام : هيهات هيهات أيها الغدرة المكرة! حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم! أتريدون أن تأتوا إليّ كما أتيتم إلى آبائي من قبل!؟ 
 
كلا وربِّ الراقصات! فإن الجرح لمّا يندمل، قُتل أبي صلوات الله عليه بالأمس وأهل بيته معه، ولم ينسني ثكل رسول الله وثكل أبي وبني أبي، ووجده بين لهاتي، ومرارته بين حناجري وحلقي، وغصصه يجري في فراش صدري، ومسألتي أن لا تكونوا لنا ولا علينا!
 
رضينا منكم رأساً برأس! فلا يوم لنا ولا يوم علينا!" 1
 
يقول الشيخ محمّد جعفر الطبسي: لقد صبّ الإمام زين العابدين وعمته وأخواته جام غضبهم على مجموع أمة أهل الكوفة وحمّلوهم أوزار جريمة فاجعة عاشوراء..
 
 

1- اللهوف: 199، وانظر: الإحتجاج: ج2، 117، بتفاوت يسير، ومثير الأحزان: 89- 90، بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 45، ص 108و114. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
285

281

بعد عاشوراء

 إذ لولا أمّة "أهل الكوفة" لكان ابن زياد وجلاوزته أعجز من أن يقوموا بما قاموا به!

 
فالأمة هنا هي وقود النار التي اقتدح شرارتها الجبابرة الظالمون، وهي أداة القتل، بل هي التي باشرت ارتكاب الجريمة العظمى بيدها! فهي التي تستحق اللعن الدائم إلى قيام الساعة وفي هذا وردت نصوص كثيرة عن أهل بيت العصمة عليه السلام منها هذه الفقرة من زيارة عاشوراء: 
"... فلعن الله أمة أسست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت، ولعن الله أمة دفعتكم عن مقامكم وأزالتكم عن مراتبكم التي رتّبكم الله فيها، ولعن الله أمّة قتلتكم..." 1
 
إن دور الأمة، في مجموعة العلل والأسباب الإجتماعية، هو الدور الفاعل الرئيس، فبالأمة يستطيع قادة الخير أن يحققوا كلّ مشاريع الخير والصلاح، وبدونها يعجز هؤلاء القادة عن تحقيق أي هدف من أهداف الإصلاح والخير، وكذلك فإنّ أئمة الضلال إنما يستطيعون بلوغ أهدافهم الشريرة المشؤومة ما أطاعتهم الأمّة فيما يريدون، ويعجزون عن تحقيق أي مطمع من مطامعهم إذا خالفتهم الأمة في الرأي والعمل. 
 
نعم، في البدء يكون سامريٌّ وعجل! لكنهما لا أثر لهما ما لم تطعهما الأمة وتقتف أثرهما!!
فالأمة وإن كانت تابعة لكنها ذات الدور الفاعل الأساس!2
 
وقد بات أهل البيت عليهم السلام ليلتهم تلك في سجن عبيد الله بن زياد، وحتى وهم يسحبون إلى السجن كانوا كلما مروا بزقاق يجدونه قد امتلأ رجالاً ونساء يضربون وجوههم ويبكون3. ثم حبسوا في سجن وطبّق عليهم 4.
 
فبينا هم محتبسون إذ وقع حجر في السجن معه كتاب مربوط، وفي الكتاب:
 
 

1- راجع نص زيارة عاشوراء. 
2- مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة، ج5، وقائع الطريق من كربلاء إلى الشام، ص107.
3- أمالي الشيخ الصدوق: 140 المجلس 31 حديث رقم3. 
4- أمالي الصدوق، 140، المجلس 31 حديث رقم 3.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
286

282

بعد عاشوراء

  خرج البريد بأمركم في يوم كذا وكذا إلى يزيد بن معاوية، وهو سائر كذا وكذا يوماً، وراجع في كذا وكذا، فإن سمعتم التكبير فأيقنوا بالقتل! وإن لم تسمعوا تكبيراً فهو الأمان إن شاء الله. 

 
فلما كان قبل قدوم البريد بيومين أو ثلاثة إذا حجرٌ ألقي في السجن ومعه كتاب مربوط وموسى، وفي الكتاب: أوصوا واعهدوا فإنما ينتظر البريد يوم كذا وكذا، فجاء البريد ولم يُسمع التكبير، وجاء كتابٌ بأن سرّح الأسارى إليّ 1.
 
في قصر عبيد الله بن زياد
 
في اليوم التالي لوصول رأس الحسين عليه السلام ووصول ابن سعد، ومعه بنات الحسين عليه السلام وأهله، جلس ابن زياد للناس في قصر الامارة وأذن للناس إذناً عاماً، وأمر بإحضار الرأس فوضع بين يديه، فجعل ينظر إليه ويتبسم وفي يده قضيب (أوخيزرانة) يضرب به ثناياه 2، وكان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهو شيخ كبير.
 
فلما رآه زيد بن أرقم لا ينجم عن نكته بالقضيب قال له:اعل بهذا القضيب عن هاتين الثنيتين(الشفتين)، فوالله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على هاتين الشفتين يقبلهما (أو يلثمها، أوما لا أحصيه كثرة تقبلهما). ثم خنقته العبرة وانتحب باكياً، فقال له ابن زياد: أبكى الله عينيك، أتبكي لفتح الله ؟ فوالله لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك! فنهض فخرج، وهو يقول، بحيث يسمعه الناس ولا يسمعه ابن زياد: ملك عبد عبداً، فاتخذهم تلداً، أنتم يا معشر العرب العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة وأمّرتم ابن مرجانة، فهو يقتل
 


1- تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 354. وانظر الكامل في التاريخ، 3، 298. 
2- ثنايا الإنسان في فمه الأربع التي في مقدم فيه، ثنتان من فوق وثنتان من أسفل.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
287

283

بعد عاشوراء

 خياركم ويستعبد شراركم، فرضيتم بالذل فبعداً لمن رضي بالذل1.

 
ولكن سبط ابن الجوزي ينقل عن ابن أبي الدنيا كلاماً يظهر فيه زيد بن أرقم أكثر شجاعة، فقد نهض ثم قال: "يا ابن زياد لأحدثنّك حديثاً أغلظ من هذا! رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقعد حسناً على فخذه اليمنى، وحسيناًً على فخذه اليسرى، ثمّ وضع يده على يافوخيهما، ثم قال: اللهم إني أستودعك إياهما وصالح المؤمنين. فكيف كانت وديعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندك يا ابن زياد!؟"2
 
وروى ابن عساكر بأسانيد إلى أنس بن مالك الصحابي أنه قال: "لما أُتي برأس الحسين، يعني إلى عبيد الله بن زياد، فجعل ينكت بقضيب في يده ويقول: إن كان لحسن الثغر! فقلت والله لأسوءنّك! لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبّل موضع قضيبك منه"3
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 349. الأخبار الطوال، الدينوري، ص260. الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص115. بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 45، ص 115و120. الملهوف ص 142 و 143. الإرشاد ص 228، ولكن قد يقال إن زيد بن أرقم كان حينذاك أعمى: قد كف بصره بدعاء علي أمير المؤمنين عليه السلام حين استشهده عن كلام رسول الله " من كنت مولاه فهذا على مولاه " فكتمه، كما في
 شرح النهج ج 1 ص 362 لابن أبي الحديد. إلا انه لم يثبت، ولا نقله أرباب التراجم في ترجمته ولو صح لم يناف إنكاره على ابن زياد بضرب القضيب على ثناياه عليه السلام، لجواز أن يكون قد أنكر على ما سمعه ممن رأى ذلك، نعم قال ابن عساكر في تاريخه 4 ص 340: أنه كان حاضر المجلس ويؤيد ابن زياد، لكن إلى أي مدى نتقبل هذه الرواية وقد روى الشيخ المفيد في الإرشاد: ج1، ص، 352، عن نفس زيد بن أرقم أنه قال: "نشد عليٌّ الناس في المسجد فقال: أُنشد رجلاًً سمع النبي P يقول: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه؟ فقام إثنا عشر بدرياً، ستة من الجانب الأيمن، وستّة من الجانب الأيسر، فشهدوا بذلك. قال زيد بن أرقم: وكنت فيمن سمع ذلك فكتمته! فذهب ببصري. وكان يتندّم على ما فاته من الشهادة ويستغفر." فهل كان في زمن عبيد الله بن زياد أعمى ام مبصراً ؟
2- تذكرة الخواص: 231، وانظر أسد الغابة: 2، 21، وتاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام تحقيق المحمودي: 381- 383 رقم 322و 323، ومقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي: 2، 39، والمعجم الكبير، للطبراني: 5، 234، ومجمع الزوائد: 9، 194، وانظر أمالي الشيخ الطوسي: 252، المجلس التاسع: رقم 449، 41و 450، 42. 
3- تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام، تحقيق المحمودي: 378- 380 رقم 319و 320 وانظر: رقم 321، وراجع حواشي هذه الصفحات الثلاث من ذلك الكتاب لمعرفة المصادر الأخرى التي أوردت هذه الأحاديث أيضاً. وكذلك أنس بن مالك، فقد ورد في نهج البلاغة: ص 530 رقم311، ضبط الدكتور صبحي الصالح. أن أمير المؤمنين علي عليه السلام، لما جاء عليه السلام إلى البصرة، بعثه إلى طلحة والزبير، ليذكرهما شيئاًً مما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أمرهما، فلوى أنسُ عن ذلك ورجع إليه فقال: "إني أُنسيتُ ذلك الأمر! فقال عليه السلام: إن كنت كاذباً فضربك الله ببيضاء لامعة لا تواريها العمامة! فأصاب أنساً داء البرص فيما بعد في وجهه! فكان لا يُرى إلا مبرقعاً. فهل هذه الرواية هنا هي دعاية لأنس ومحاولة لتبييض صفحته السوداء ؟
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
288

284

بعد عاشوراء

 بين الحوراء عليها السلام والطاغية ابن زياد


لما دخل برأس الإمام الحسين عليه السلام وصبيانه وأخواته ونسائه على عبيدالله بن زياد، لبست زينب عليه السلام أرذل ثيابها، وتنكرت، وحفّ بها إماؤها، فلما دخلت مضت حتى جلست ناحية من القصر، فقال عبيدالله ابن زياد: من هذه التي انحازت ناحية ومعها نساؤها ؟؟ فلم تكلّمه !! فقال ذلك ثلاثاً، يسأل عنها، كل ذلك لا تكلمه! فقال بعض إمائها: هذه زينب ابنة فاطمة بنت رسول الله ! فقال لها عبيد الله: الحمد لله الذى فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم !!

فقالت: الحمد لله الذى أكرمنا بنبيه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، وطهَّرنا من الرجس تطهيراً، لا كما تقول أنت، إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا والحمد لله !! 

قال: فكيف رأيتِ صنع الله بأهل بيتك ؟!

قالت: كتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم، فتحاجون إليه وتخاصمون عنده ! فانظر لمن الفلج يومئذٍ !! ثكلتك أمك يا ابن مرجانة!!

فغضب ابن زياد واستشاط، وكأنَّه همَّ بها. فقال له عمرو بن حريث: أصلح الله الأمير، إنما هي امرأة، وهل تؤاخذ المرأة بشيء من منطقها ؟ إنها لا تؤاخذ بقول ولا تلام على خطل، ولا تذم على خطابها !!

فقال لها ابن زياد: قد أشفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك !!

فرقت زينب عليه السلام وبكت، ثم قالت: لعمري !! لقد قتلت كهلي، وأَبَدْتَ أهلي، وقطعت فرعي، واجتثثت أصلي، فإن يشفك هذا فقد اشتفيت !! 

فقال لها عبيد الله هذه الشجاعة(السجاعة)، قد لعمري كان أبوك شاعرا شجاعاً(سجاعاً). 

قالت: ما للمرأة والشجاعة(السجاعة)، إنّ لي عن الشجاعة(السجاعة)،
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
289

285

بعد عاشوراء

 لشغلا، ولكني نفثي ما أقول1، وإني لأعجب ممن يشتفي بقتل أئمته، ويعلم أنهم منتقمون منه في آخرته2.

 
بين الإمام زين العابدين عليه السلام والطاغية
 
حين عرض علي بن الحسين عليه السلام على عبيد الله بن زياد قال له: ما اسمك؟ قال عليه السلام : أنا علي بن الحسين.
 
قال: أولم يقتل الله عليَّ بن الحسين ؟ 
 
فسكت عليه السلام .
 
فقال له ابن زياد: مالك لا تتكلم ؟ 
 
قال عليه السلام : قد كان لي أخ يقال له أيضاً علي، فقتله الناس !! 
قال: بل الله قتله !! 
فسكت عليه السلام . 
فقال له ابن زياد: مالك لا تتكلم ؟
 
قال عليه السلام :  ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾3، وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾4!! 
فغضب ابن زياد وقال: وبك جرأة لجوابي وفيك بقية للرد علي ؟ أنت والله منهم !! انطلقوا به فاضربوا عنقه !
 
فتعلقت به عمته زينب عليه السلام واعتنقته وقالت: والله لا أفارقه، يا ابن زياد حسبك منا، أما رويت من دمائنا؟ وهل أبقيت منا أحداًً؟ أسألك بالله إن كنت مؤمناً إن قتلته لمّا قتلتني معه !
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 349. الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص115. بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 45، ص 115و120.
2- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 45، ص 115و120. الملهوف ص 142 و 143. 
3- سورة الزمر، رقم 39، الآية 42.
4- سورة يونس، الآية 100.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
290

286

بعد عاشوراء

 'فقال عليه السلام : أبالقتل تهددني يا ابن زياد ؟ أما علمت أن القتل لنا عادة، وكرامتنا الشهادة1؟ 

 
فسكت ابن زياد ونظر إليها ساعة، ثم نظر إلى القوم، فقال: أخرجوهم عني2، عجباً للرحم ! والله إني لأظنها ودَّت لو أني قتلته أنّي قتلتها معه!! دعوا الغلام، فإني أراه لما به، إنطلق مع نسائك. فبعثه معهن.79
 
ثم أمر ابن زياد بردّ علي بن الحسين عليه السلام وأهله إلى السجن، فحملوا إلى دار إلى جنب المسجد الأعظم4، فقالت زينب عليه السلام : لا يدخلن علينا عربية إلا أم ولد أو مملوكة فإنهن سبين وقد سبينا5. وبعث ابن زياد البشائر إلى النواحي بقتل الحسين عليه السلام6.
 
والظاهر أن ابن زياد كان قد حبسهم في سجن على بُعد من القصر ومن المسجد، قبل أن تقع بينه وبينهم المحاورات الجريئة الساخنة، ثم بعد أن استدعاهم فحاورهم وحاوروه، وصار الناس يولولون ويلغط أهل المجلس خاف ابن زياد فأمر بردّهم إلى الحبس مرة أخرى ولكن في دار إلى جنب المسجد.
 
ثورة الأزدي
 
لما دخل عبيدالله القصر، ودخل الناس، نودي الصلاة جامعة، فاجتمع الناس في المسجد الأعظم، ثم قام من مجلسه حتى خرج من القصر، ودخل المسجد فصعد المنبر فقال: الحمد لله الذى أظهر الحق وأهله، ونصر أمير المؤمنين يزيد بن معاوية وحزبه، وقتل الكذّاب ابن الكذاب الحسين بن علي وشيعته...
 
 

1- إبن أعثم، الفتوح، ج5، ص142.
2- إبن أعثم، الفتوح، ج5، ص142.
3- تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 350. الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص116. بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 45، ص 115و120.
4- إبن أعثم، الفتوح، ج5، ص142.
5- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 45، ص 115و120. اللهوف: 202.
6- أمالي الصدوق: 140 المجلس 31 حديث رقم3. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
291

287

بعد عاشوراء

 فلم يفرغ ابن زياد من مقالته، حتى وثب إليه عبد الله بن عفيف الأزدي، وكان من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام ، وكانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل مع علي عليه السلام ، فلما كان يوم صفين، ضرب على رأسه ضربة، وأخرى على حاجبه، فذهبت عينه الأخرى، فكان لا يكاد يفارق المسجد الاعظم يصلّي فيه إلى الليل ثم ينصرف. 

 
فلما سمع مقالة ابن زياد، قال: يا عدو الله! يا ابن مرجانة ! إن الكذَّاب ابن الكذَّاب أنت وأبوك والذي ولاّك وأبوه !! يا ابن مرجانة أتقتلون أبناء النبيين وتكلمون بكلام الصدّيقين(وتقوم على المنبر مقام الصديقين) ؟؟ 
 
فقال ابن زياد: عليَّ به !! 
 
فوثبت عليه الجلاوزة، فأخذوه ! فنادى بشعار الأزد: يا مبرور !!
 
وكان عبد الرحمن بن مخنف الأزدي جالساً، فقال: ويح غيرك! أهلكت نفسك وأهلكت قومك ! وحاضر الكوفة يومئذٍ من الأزد سبعمائة مقاتل، فوثب إليه فتية من الأزد فانتزعوه، فأتوا به أهله، فأرسل إليه عبيد الله بن زياد من أتاه به، فقتله وأمر بصلبه في السبخة فصلب هنالك.1
 
صلب الرأس
 
ولما أصبح عبيدالله بن زياد بعث برأس الحسين عليه السلام فنصبه، وجعل يدار به في سكك الكوفة2 كلها وقبائلها، فروي عن زيد بن أرقم أنه قال: مر به علي وهو على رمح وأنا في غرفة، فلما حاذاني سمعته يقرأ:  ﴿أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا﴾3 فقف 4، والله، شعري وناديت: رأسك والله، يا ابن رسول الله، أعجب وأعجب 5
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 351. الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص.117.
2- تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 351.
3- الكهف 18، 9
4- قفَّ شعري: أي قام من الفزع، الصحاح - قفف - 4: 1418
5- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص117. مقتل الحسين عليه السلام لابي مخنف: 175، ونقله العلامة المجلسي في البحار45: 121 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
292

288

بعد عاشوراء

 إرسال الرأس إلى الشام

 
ولما فرغ القوم من التطواف برأس الحسين بالكوفة، ردوه إلى باب القصر، فدفعه ابن زياد إلى زحر بن قيس ودفع إليه رؤوس أصحابه، وسرحه إلى يزيد بن معاوية، وكان مع زحر أبو بردة بن عوف الأزدي وطارق بن أبى ظبيان الأزدي في جماعة من أهل الكوفة، فخرجوا حتى وردوا بها على يزيد بن معاوية بدمشق 1.
 
إرسال البشارة بقتل أبي عبد الله الحسين عليه السلام إلى المدينة !!!
 
ولما أنفذ ابن زياد برأس الحسين عليه السلام إلى يزيد، تقدم إلى عبد الملك بن أبي الحديث السلمي فقال: انطلق حتى تأتي عمرو بن سعيد ابن العاص بالمدينة، فبشره بقتل الحسين، فقال عبد الملك: فركبت راحلتي وسرت نحو المدنية، فلقيني رجل من قريش فقال: ما الخبر ؟ فقلت: الخبر عند الأمير تسمعه، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، قتل ــ والله ــ الحسين. ولما دخلت على عمرو بن سعيد قال: ما وراءك ؟ فقلت: ما سر الأمير، قتل الحسين بن علي، فقال: اخرج فنادِ بقتله، فناديت، فلم أسمع والله واعية قط مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين ابن علي عليه السلام حين سمعوا النداء بقتله، فدخلت على عمرو بن سعيد، فلما رآني تبسَّم إليَّ ضاحكاً ثم أنشأ متمثلاً بقول عمرو بن معدي كرب:
عجـت نسـاء بني زيـاد عـجـة               كعجيج نسوتنا غداًة الأرنـب 2
 
ثم قال عمرو: هذه واعية بواعية عثمان. ثم صعد المنبر فأعلم الناس قتل الحسين بن علي عليه السلام ودعا ليزيد بن معاوية ونزل3.
 
ودخل بعض موالي عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عليه السلام فنعى إليه ابنيه
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 351.الفتوح لابن اعثم 5: 147. الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص119. مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2: 56، ونقله العلامة المجلسي في البحار 45: 129.
2- تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج5، ص466، والكامل 4: 98: الأرنب: وقعة كانت لبني زبيد على بني زياد من بني الحارث بن كعب.
3- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص123. تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 356.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
293

289

بعد عاشوراء

 فاسترجع، فقال أبو السلاسل مولى عبد الله: هذا ما لقينا من الحسين بن علي، فحذفه عبد الله بن جعفر بنعله ثم قال: يا ابن اللخناء، أللحسين تقول هذا ؟ ! والله لو شهدته لأحببت ألا أفارقه حتى أقتل معه، والله إنه لممَّا يسخي بنفسي عنهما ويعزّيني عن المصاب بهما أنهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له، صابرين معه. ثم أقبل على جلسائه فقال: الحمد لله، عزَّ عليَّ مصرع الحسين، إن لا أكن آسيت حسيناً بيدي فقد آساه ولدي1

 
وخرجت أم لقمان بنت عقيل بن أبي طالب حين سمعت نعي الحسين عليه السلام حاسرة ومعها أخواتها: أم هانيء، وأسماء، ورملة، وزينب، بنات عقيل بن أبي طالب رحمة الله عليهن تبكي قتلاها بالطف، وهي تقول: 
 
مـاذا تقــولون إذ قـال النبي لكم                    مـاذا فعـلتـم وأنـــتــم آخـر الأمم 
 
بعتـرتي وبأهــلي بعـد مفتـقدي                     منـهم أســارى ومنهــم ضرجوا بدم 
 
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم                  أن تخلّفوني بسوء في ذوي رحمي2 
 
دفن الإمام الحسين عليه السلام وبقية الشهداء 
 
"وفي اليوم الثالث" 3، بعد رحيل ابن سعد، خرج قوم من بني أسد كانوا نزولاً بالغاضرية إلى الحسين عليه السلام وأصحابه، وهم سبعة عشر نفساً، غير الحسين بن علي عليه السلام ، وهم:
العباس، وعبد الله، وجعفر، وعثمان، وعبيد الله، وأبو بكر، بنو أمير المؤمنين عليه السلام . وعلي، وعبد الله، ابنا الحسين بن علي عليهم السلام. والقاسم، وأبو بكر،
 
 

1- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص 123. تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 357.
2- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص124. تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 357.
3- ولكن أبا مخنف يروي قائلاً: "ودفن الحسين وأصحابه أهل الغاضرية من بني أسد بعدما قُتلوا بيوم، أي في اليوم الحادي عشر، وأن أهل الغاضرية من بني أسد قاموا بدفنهم، أنظر تاريخ الأمم والملوك، الطبري، 4، 335. أنساب الأشراف: 3، 411. مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي: 2، 44. مروج الذهب: 3، 72. الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص114. الأخبار الطوال، الدينوري، ص260. اللهوف: 125. مناقب آل أبي طالب: 4، 112. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
294

290

بعد عاشوراء

  وعبد الله، بنو الحسن بن علي عليه السلام . ومحمّد، وعون، ابنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب. وعبد الله، وجعفر، وعبد الرحمن، بنو عقيل بن أبي طالب. ومحمّد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب.


فهؤلاء سبعة عشر نفساً من بني هاشم، وهم إخوة الحسين وبنو أخيه وبنو عمه جعفر وعقيل.

ولم يكن بنو أسد هؤلاء، وهم من أهل القرى الذين لم يشهدوا المعركة، قادرين على التحقق من شخصية كل شهيد من هؤلاء الشهداء، بدون أن يكون هناك عارف بهؤلاء الشهداء شخصياً، فيرشدهم إلى شخصية كل واحد منهم، خصوصاً وأن أجسادهم كانت بلا رؤوس، كما أن طريقة دفنهم على النحو والتوزيع المعروف من خلال قبورهم، والمتسالم عليه بلا خلاف، لا يمكن لبني أسد بدون من يرشدهم إلى ذلك.

فلولاه لما أمكن لبني أسد من أهل الغاضرية التمييز بين الإمام الحسين عليه السلام وولده وأصحابه، ولكان الدفن عشوائياً، ولم يكن ليتحقق هذا الفصل وهذا التوزيع بين القبور على ما هي عليه الآن. 

إن الروايات المأثورة عن أهل البيت عليه السلام ، تؤكد أنّ هذا العارف الذي أرشد بني أسد من اهل الغاضرية وحضر معهم عملية الدفن، لم يكن سوى الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام ، فقد ورد في رواية إثبات الوصية عن سهل بن زياد عن منصور بن العباس عن إسماعيل بن سهل عن بعض أصحابه قال: "كنت عند الرضا عليه السلام ، فدخل عليه عليّ بن أبي حمزة، وابن السرّاج، وابن المكاري، فقال عليٌّ بعد كلام جرى بينهم وبينه عليه السلام في إمامته: إنّا روينا عن آبائك عليه السلام أنّ الإمام لا يلي أمره إلا الإمام مثله. 

فقال له أبو الحسن عليه السلام : فأخبرني عن الحسين بن عليّ كان إماماً أو غير إمام؟ 

قال: كان إماماً. 
.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
295

291

بعد عاشوراء

 قال: فمن ولِيَ أمره؟ 

 
قال: علي بن الحسين! 
 
قال: وأين كان علي بن الحسين؟ 
 
قال: كان محبوساً بالكوفة في يد عبيد الله بن زياد. 
 
قال: كيف ولِيَ أمر أبيه وهو محبوس؟ 
 
قال له: روينا أنه خرج وهم لا يعلمون حتّى ولِيَ أمر أبيه، ثمّ انصرف إلى موضعه. 
 
فقال له أبو الحسن: إنّ هذا الذي أمكن عليَّ بن الحسين وهو معتقل، فهو يمكّن صاحب هذا الأمر وهو غير معتقل أن يأتي بغداد ويلي أمر أبيه وينصرف وليس هو محبوس ولا مأسور!"1
 
إذن، بل لابد، أن يكون الإمام السجاد عليه السلام ، الذي كان محبوساً بالكوفة في يد عبيد الله بن زياد، قد خرج وهم لا يعلمون حتّى ولِيَ أمر أبيه الإمام الحسين عليه السلام ، لأن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله 2، ولا بد أن يكون حضوره عليه السلام ساحة كربلاء حضوراً إعجازياً خارقاً للعادة في الأسباب! لأنه عليه السلام حينذاك كان لم يزل في قيد الأسر بيد الأعداء. فحضر وصلّى على أبيه الإمام الحسين عليه السلام وعلى أخيه علي الأكبر عليه السلام ، وبقية الشهداء، ثم عاونه أهل الغاضرية على حفر القبور فدفن الإمام عليه السلام حيث قبره الآن، ثم دفن أخاه علياً الأكبر عند رجليه، ثم حفروا حفيرة للشهداء من أهل بيته وأصحابه الذين صرعوا حوله مما يلي رجلي الحسين عليه السلام في مشهده، وجمعوهم فدفنوهم جميعاً معاً، ودفنوا العباس بن علي عليه السلام في موضعه الذي قتل فيه على طريق الغاضرية حيث قبره الآن ظاهر3.
 
 

1- إثبات الوصية: 175. 
2- راجع: الكافي: ج1، ص384- 385، باب أن الإمام لا يغسِّله إلا إمام من الأئمة عليه السلام، وعلل الشرائع، ج1، ص 184 باب 148، العلّة التي من أجلها غسّل فاطمة أميرُ المؤمنين لمّا توفيت، وعيون أخبار الرضا عليه السلام: 2، 245- 250باب 64 حديث رقم1. 
3- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص114، و125و 126.. الأخبار الطوال، الدينوري، ص260.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
296

292

بعد عاشوراء

 وبما أن خروجه عليه السلام إلى كربلاء لم يكن في اليوم الحادي عشر، لأنه لم يدخل المحبس إلا في آخر اليوم الثاني عشر، لأن عمر بن سعد دخل بعسكره وبالسبايا الكوفة في نهار اليوم الثاني عشر الذي انقضى على بقية أهل البيت عليه السلام وهم يعرضون على الناس، وفي مجلس ابن زياد، فيكون حبسهم قد ابتدأ آخر نهار اليوم الثاني عشر، أي في ليلة اليوم الثالث عشر، وبهذا تكون ليلة الدفن هي ليلة اليوم الثالث عشر، أوّل ليلة لهم في السجن حيث بقوا فيه إلى اليوم الذي أرسلهم ابن زياد فيه إلى يزيد. 

 
وإذا كان الدفن قد تحقق نهاراً، أي في اليوم الثالث عشر، فيكون عليه السلام قد خرج من محبسه إلى كربلاء لدفن أبيه عليه السلام وهم لا يعلمون، في وقت كان قد فرغ ابن زياد من التحقيق معهم فلا يعود إلى استدعائهم، فيطمئن الإمام السجّاد عليه السلام إلى أنه إذا غاب فإنّه لا يُفتقد. 
 
ندم المجرمين
 
روي عن حميد بن مسلم قال: كان عمر بن سعد لي صديقاً، فأتيته عند منصرفه من قتال الحسين، فسألته عن حاله، فقال: ( لا تسأل عن حالي، فإنه ما رجع غائب إلى منزله بشرٍّ مما رجعت به، قطعت القرابة القريبة، وارتكبت الأمر العظيم ).1
 
وعن عوانة قال: قال عبيدالله بن زياد لعمر بن سعد بعد قتله الحسين: يا عمر أين الكتاب الذي كتبت به إليك في قتل الحسين؟
 
قال: مضيت لأمرك وضاع الكتاب. 
 
قال: لتجيئن به !!
 
قال: ضاع !!
 
 

1- الأخبار الطوال، الدينوري، ص260
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
297

293

بعد عاشوراء

 قال: والله لتجيئني به !!

 
قال ترك والله يقرأ علي عجائز قريش اعتذاراً إليهن بالمدينة، أما والله لقد نصحتك في حسين نصيحة لو نصحتها أبي سعد بن أبي وقاص كنت قد أديت حقه 1.
 
رأس الحسين عليه السلام في قصر يزيد
 
ولما أُدخلوا على يزيد، وكان بالخضراء 2، أقبل زحر بن قيس يقول: 
 
أوقــر ركـابـي فـضـة أو ذهبـا                   فقــد قتـلـتُ السيِّـد المحجّـبا 
قتـلـت أزكـى النـاسِ أمـاً وأبـا                   وخيـرهم إذ يـذكرون النَّسَبا 3
 
فقال له يزيد: ويلك ما وراءك وما عندك ؟ قال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره، ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا أو ينزلوا على حكم الأمير عبيدالله بن زياد أو القتال، فاختاروا القتال على الإستسلام، فغدونا عليهم مع شروق الشمس، فأحطنا بهم من كل ناحية، حتى إذا أخذت السيوف مآخذها من هام القوم، جعلوا يهربون إلى غير وزر، ويلوذون منا بالآكام والحفر لواذاً كما لاذ الحمائم من صقر، فوالله يا أمير المؤمنين ما كانوا إلا جزر جزور أو نومة قائل، حتى أتينا على آخرهم، فهاتيك أجسادهم مجردة، وثيابهم مرملة، وخدودهم معفرة، تصهرهم الشمس وتسفي عليهم الرياح، زوارهم العقبان والرخم4، فتمثل يزيد:
 
نفـلـق هاماً من رجال أعزة                     علينا وهم كانوا أعق وأظلما5
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 357.
2- الظاهر أنه قصر الخضراء الواقع قرب المسجد الأموي حالياً. 
3- مقاتل الطالبيين، 119، وانظر: الخرائج والجرائح، 2، 580، عنه بحار الأنوار، 45، 186. 
4- تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 352. الفتوح لابن اعثم 5: 147. الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص119. مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي 2: 56، ونقله العلامة المجلسي في البحار 45: 129.
5- الأخبار الطوال، الدينوري، ص261.


 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
298

294

بعد عاشوراء

 فلما وضع الرأس بين يديه قهقه حتى سمعه من كان بالمسجد، ويُقال إنه كبّر تكبيرة عظيمة!"1

 
إرسال الرؤوس والأسرى إلى الشام
 
ثم إن عبيدالله بن زياد بعد إنفاذه برأس الحسين عليه السلام أمر بنسائه وصبيانه، وفيهم عمر والحسن ابنا الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، وكان الحسن بن الحسن بن علي قد ارتث جريحاً فحُمل معهم، وعلي بن الحسين، زين العابدين، وزينب العقيلة، وأم كلثوم بنت علي بن أبي طالب، وسكينة بنت الحسين فجهزوا، وأمر بعلي بن الحسين فغُل بغل إلى عنقه، ثم سرح بهم في أثر الرأس مع محفز بن ثعلبة العائذي وشمر بن ذي الجوشن2، فانطلقوا بهم حتى لحقوا بالقوم الذين معهم الرأس3
 
وبعد مسيرة طويلة، من بلدٍ إلى بلد، ومن منزلٍ إلى منزل، كما تُساق أسارى الترك والديلم، وصلت قافلة الأسرى والسبايا إلى الشام، مشدودين على أقتاب الجمال موثوقين بالحبال، يساقون كما تساق الأنعام، وعلى رأسهم زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام ، وقد جُعل الغلُّ في عنقه ويده 4، يحمله بعير يطلع بغير وطاء، والأسارى من أهل بيت الرسول من النساء والصبيان راكبين أقتاباً5 يابسة،
 


1- عبرات المصطفين، 2، 284. 
2- الأخبار الطوال، الدينوري، ص260
3- وهذا يعني أن أهل بيت الحسين عليه السلام سُرحوا إلى دمشق بعد ما أُنفذ برأس الحسين عليه السلام، ولكنهم لحقوا بالذين معهم الرأس الشريف، فأدخلوا معه إلى الشام، ولكن المشهور والذي ذكره الاكثركما في كتاب الثقات، 2، 312، وإقبال الأعمال، 583، والكامل في التاريخ، 4، 83، والملهوف: 208، وكما روي في شذرات الذهب، 1، 67، والإتحاف، 55و 69- هو أن الرأس الشريف حُمل مع تسييرهم أهل البيت إلى الشام، وهناك احتمال ثالث، وهو أن الرأس الشريف أوصل إلى دمشق قبل وصول أهل البيت عليه السلام ؟ ومقتضى هذا الاحتمال ان الرأس الشريف أُرجع بعد ذلك إلى خارج دمشق لكي يدخل مع الأسارى الشام !!، وجمعاً بين الأخبار، يمكن أن يكون الرأس الشريف قد سيّر مع أهل البيت إلى الشام وأُدخل معهم دمشق، ولكنه أدخل مجلس يزيد قبل إدخالهم مجلسه، وهذا ينسجم مع المشهور الذي ذكره الأكثر. 
4- الكامل في التاريخ، 4، 83. جواهرالمطالب، 2، 293. اعلام الورى، 248. 
5- تاريخ اليعقوبي، 2، 250. 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
299

295

بعد عاشوراء

 يتصفح وجوههنَّ أهل الأقطار1، ورأس الحسين عليه السلام على علَم، وحولهم الجنود بالرماح، إن دمعت عين أحدهم قُرع على رأسه بالرمح 2.

 
ودخل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دمشق نهاراً، وأهلها غارقون في جهلهم بما يجري، قد علّقوا الستور والحجب والديباج، فرحين مستبشرين، ونساؤهم يلعبن بالدفوف، ويضربن على الطبول، في حالة الفرح والانبساط والاشتغال باللهو، وكأنه العيد الأكبر عندهم. 
 
وكان أعظم أمر اهتم به السبايا من حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خلال مسيرة الاسر والسبي هو مسألة الحجاب، مع كونهم في مأساة كبيرة، وذكرى مفجعة، تهز كيانهم وعواطفهم ولا تكاد تنقطع. فعندما اقتربوا من دمشق، دنت أم كلثوم من الشمر، فقالت: لي إليك حاجة! 
 
فقال: وما حاجتك؟ 
 
قالت: إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليلة النظارة، وتقدّم إليهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل وينحّونا عنها، فقد خزينا من كثرة النظر إلينا ونحن في هذه الحال! 
 
فأمر اللعين في جواب سؤالها أن تُجعل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل، بغياً منه وكفراً، وسلك بهم بين النظارة على تلك الصفة، حتى أتى بهم إلى باب دمشق. 
 
وكان سهل بن سعد قد خرج إلى بيت المقدس حتى توسّط الشام، فإذا هو بمدينة مطّردة الأنهار كثيرة الأشجار، قد علّق أهلها الستور والحجب والديباج، وهم فرحون مستبشرون، وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول، فقال في نفسه: لعل لأهل الشام عيداً لا نعرفه نحن! فرأى قوماً يتحدثون، وصادف أنهم كانوا من
 
 

1- تسلية المجالس، 2، 372. 
2- الفتوح، 2، 180. مقتل الخوارزمي، 2، 55. ونحوه في تسلية المجالس، 2، 379. تذكرة الخواص، 274، نظم درر السمطين، 222. جواهر المطالب، 2، 273. شذرات الذهب، 1، 67. الإتحاف بحبّ الأشراف، 55. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
300

296

بعد عاشوراء

  أصحاب الضمائر الحيّة التي بقيت تعرف الأمور، وتميّز الحقّ من الباطل، فقال لهم: يا هؤلاء ألكم عيد لا نعرفه نحن؟ 

 
قالوا: ياشيخ نراك غريباً ! 
 
فقال: أنا سهل بن سعد، قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحملت حديثه! 
 
قالوا: يا سهل ما أعجبك السماء لا تمطر دماً والأرض لا تخسف بأهلها! قال: ولمَ ذلك؟ 
 
قالوا: هذا رأس الحسين، عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، يهدى من أرض العراق إلى الشام، وسيأتي الآن1!! 
 
قال: واعجباه! يهدى رأس الحسين والناس يفرحون2؟! فمن أي باب يدخل؟ فأشاروا إلى باب يقال له باب الساعات، فسار نحو الباب، فبينما هو هنالك إذ جاءت الرايات يتلو بعضها بعضاً وإذا بفارس بيده رمح منزوع السنان وعليه رأس أشبه الناس وجهاً برسول الله، وإذا النسوة من ورائه على جمالٍ بغير وطاء، فدنا من إحداهنّ فقال لها: يا جارية، من أنت؟ 
 
فقالت: أنا سكينة بنت الحسين! 
 
فقال لها: ألكِ حاجة إليّ، فأنا سهل بن سعد، ممن رأى جدك وسمع حديثه؟ 
 
قالت: يا سهل، قل لصاحب الرأس أن يتقدم بالرأس أمامنا حتى يشتغل الناس بالنظر إليه، فلا ينظرون إلينا، فنحن حرم رسول الله. 
 
فدنا من صاحب الرأس وقال له: هل لك أن تقضي حاجتي وتأخذ منّي أربعمائة ديناًر؟ 
 
قال: وما هي؟ 
 
 

1- ذكر الشيخ المفيد في الإرشاد، ج 2، ص 119، والطبرسي في إعلام الورى، ص 248 أن زمن دخول الرأس الشريف إلى الشام، هو اليوم الأول من صفر. 
2- هذا الخبر يدل على سيطرة الجو الإعلامي المسموم على مجتمع وبيئة تربت في أحضان بني أمية، وعلى المستوى الذي وصلت إليه الدعاية الأموية في تضليل أهل الشام وحجبتهم عن معرفة أهل بيت رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم فقد أذاعوا بأن المقتول هو رجل خارجي خرج على أمير المؤمنين! وخليفة المسلمين! 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
301

297

بعد عاشوراء

 "وروي أن السبايا لما وردوا مدينة دمشق أُدخلوا من باب يقال له باب"توما"1، فوقفوا على درج باب المسجد الجامع حيث يقام الأسارى والسبي" 2. و"إن رؤوس أصحاب الحسين وأهل بيته كانت ثمانية وسبعين رأساً"3

 
رأس الحسين عليه السلام يتكلّم بدمشق ويتلو القرآن
 
ولقد أقسم بالله كلٌّ راوٍ رأى رأس الحسين بن علي عليه السلام على القنا وهو يقول: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾4، فكل راوٍ لهذا الحديث قال لمن رواه له: اللهِ إنك سمعته من فلان؟ قال: اللهِ إني سمعته منه، إلى الأعمش، قال الأعمش: فقلت لسلمة بن كهيل: الله إنك سمعته منه؟ قال: اللهِ إني سمعته منه بباب الفراديس بدمشق لا مُثِّل لي ولا شُبِّه لي وهو يقول:  ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾5
 
وأخرج ابن عساكر بإسناده عن المنهال بن عمرو قال: أنا والله رأيت رأس الحسين بن علي حين حُمل وأنا بدمشق، وبين يدي الرأس رجل يقرأ سورة الكهف حتى بلغ قوله:  ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا﴾6، قال: فأنطق الرأس بلسان ذرب فقال: "أعجب من أصحاب الكهف قتلي
 
 

1- مقتل الخوارزمي، 2، 60. تسلية المجالس، 2، 379. بحار الأنوار، 45، 127. 
2- مقتل الخوارزمي، 2، 61. 
3- اللهوف، 210. ونحوه في مثير الأحزان، 97، وفيه: فأمر شمر بضدّ ما سألته بغياً منه وعتواً. 
4- بحار الأنوار، 45، 62. 
5- البقرة:137. تاريخ مدينة دمشق 7، 509. 
6- مختصر تاريخ دمشق 10، 92، وروى الخبر الشيخ الجليل أبو محمّد جعفر بن أحمد بن علي القمّيالمسلسلات:251-، والعلامة الجوينيفرائد السمطين، 2، 169ح458 بإسنادهما. وانظر تهذيب تاريخ دمشق 6،236، الوافي بالوفيات 15، 323، قيد الشريد لمحمّد بن طولون، 75. 
7- الكهف: 9. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
302

298

بعد عاشوراء

 وحملي" 1.

 
وروى ابن شهر آشوب عن الحافظ السروي أنه قال: "وسمع أيضاً صوته عليه السلام بدمشق: لا قوة إلا بالله"2
 
على درج المسجد
 
وأُتيَ بحرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أُدخلوا من مدينة دمشق من باب يقال له "باب توما"، ثم أُتيَ بهم حتى وقفوا على درج باب المسجد، فأمر يزيد عليه اللعنة بإيقاف الأسارى من أسرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هناك، حيث توقف الأسارى3، وحيث يقام السبي، لينظر الناس إليهم.
 
وإذا بشيخٍ قد أقبل حتى دنا منهم وقال: الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم، وأراح الرجال من سطوتكم، وأمكن أمير المؤمنين منكم.
 
فقال له علي بن الحسين: يا شيخ هل قرأت القرآن؟ 
 
فقال: نعم، قرأته. 
 
قال: فعرفت هذه الآية:  ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾4؟
 
فقال الشيخ: قد قرأت ذلك. 
 
فقال علي بن الحسين عليه السلام : فنحن القربى يا شيخ. فهل قرأت في "بني إسرائيل":  ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾5؟
 


1- تاريخ مدينة دمشق، 17، 246، وانظر: الخرائج والجرائح، 2، 577ن الثاقب من المناقب: 333 ح274، وفيه أنه قال: أمري أعجب من أمر أصحاب الكهف والرقيم، الخصائص الكبرى، 2، 127، بحار الأنوار، 45، 188، ح36، الصراط المستقيم، 2، 179 ح57، مناقب أمير المؤمنين للصنعاني، 2، 267، الكواكب الدرينة، 1، 57، إسعاف الراغبين: 196، نور الأبصار، 135، مدينة المعاجز، 274، إثبات الهداة، 5، 193 ح32، إحقاق الحق، 11، 453، عبرات المصطفين، 2، 330، العوالم، 17، 412. 
2- المناقب، 4، 61. 
3- البدء والتاريخ، 6، 12، تاريخ مختصر الدول، 190. 
4- الشورى: 23. 
5- الإسراًء: 26. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
303

299

بعد عاشوراء

 قال الشيخ: قد قرأت ذلك. 

 
فقال علي عليه السلام : فنحن القربى يا شيخ ! وهل قرأت هذه الآية:  ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾1؟؟ 
 
فقال الشيخ: قد قرأت ذلك.
 
فقال علي عليه السلام : فنحن القربى يا شيخ ! وهل قرأت هذه الآية:  ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾2
 
فقال الشيخ: قد قرأت ذلك. 
فقال: فنحن أهل البيت الذين خصصنا بآية الطهارة. 
 
قال: فبقي الشيخ ساعة ساكتاً نادماً على ما تكلمه، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إني تائبٌ إليك مما تكلمته ومن بغض هؤلاء القوم، اللهم إني أبرأ إليك من عدوّ محمّد وآل محمّد من الجن والإنس"3
 
"فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ، فأمر به فقُتل" 4
 
إنّ هذا أول موقف تكلم به الإمام زين العابدين بعد تحمله شدة السفر وشقته، وبعدما رأى من المعاناة، لأنه روي أن الإمام عليه السلام لم يتكلم في الطريق، من الكوفة إلى الشام، حتى وصل الشام5
 
 

1- الأنفال: 41. 
2- الأحزاب: 33. 
3- الفتوح، 2، 183، ونحوه في تفسير فرات الكوفي، 153ح191، أمالي الصدوق، 230، عنه بحار الأنوار، 45، 154، روضة الواعظين، 1، 191، الإحتجاج، 2، 120، عنه بحار الأنوار، 45، 166، ح9، مقتل الخوارزمي، 2، 61، الدر المنثور ذيل آية 23: الشورى، و26: الإسراًء، بتفاوت يسير، وفيه: أن الشيخ الشامي قال، بعدما رفع يده إلى السماء: اللهم إني أتوب إليك، ثلاث مرات، اللهم إني أبرأ إليك من عدو محمّد ومن قتلة أهل بيت محمّد، لقد قرأت القرآن فما شعرت بهذا قبل اليوم. 
4- الظاهر أن أكثرية المجتمع الشامي كانت جاهلة بالواقع على غرار هذا الشيخ، ولذلك لم يتحمل يزيد انكشاف الحقيقة وسقوط التزييف الأموي، فأمر بقتل ذلك الشيخ الذي بادر إلى التوبة إلى الله. الملهوف: 211، ونحوه في تسلية المجالس، 2، 384، وروى الخبر ابن حجر في الصواعق المحرقة: 341 باب وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهم. وفي ينابيع المودة، ج2، ص302، عن الطبراني ملخصاً. 
5- انظر تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص351، الكامل في التاريخ، 4، 83، جواهر المطالب، 2، 291، الإرشاد، 2، 119، أعلام الورى: 248، مثير الأحزان، 97. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
304

300

بعد عاشوراء

 المجلس العام

 
لقد غمرت الأفراح والمسرّات يزيد، وسُرّ سروراً بالغاً، وأمر بترتيب مجلس فخم حاشد من الأشراف والأعيان والشخصيات. 
 
ثم جلس يزيد ودعا إلى مجلس عام حضره أشراف أهل الشام، وحشد من الأعيان، مثل بعض الصحابة والتابعين! كأبي برزة الأسلمي1، وزيد بن الأرقم 2، وقيل سمرة بن جندب 3، وبعض الأنصار 4، وبعض ناصري بني أمية منهم كالنعمان بن بشير 5، والكبار من الشجرة الملعونة في القرآن، مثل يحيى بن الحكم 6، وعبد الله بن الحكم 7، وعبد الرحمن بن الحكم 8، وكذا رجال السلطة الحاكمة. 
 
وحضرت هذا المجلس المشؤوم أيضاً بعض نساء بني أمية مثل "ريا" حاضنة يزيد 9، والتحقت بها زوجته هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز 10
 
وحضر من أهل الكوفة الذين أتوا مع أسارى آل البيت عليه السلام إلى الشام: زحر بن
 
 

1- تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص293. المنتظم، ج5، 342. الردّ على المتعصب العنيد، 47. سير أعلام النبلاء، ج3، 309. تذكرة الخواص، 261. البداية والنهاية، ج8، 194و 199. أنساب الأشراف، ج3، 416. البدء والتاريخ،ج6، 12. الملهوف، 214. مثير الأحزان، 100. بحار الأنوار،ج45، 132. الفتوح،ج2، 181. مقتل الخوارزمي، ج2، 57. 
2- الخرائج والجرائح، 2، 58. 
3- مقتل الحسين للخوارزمي، 2ن 64،ط دار أنوار الهدى-. 
4- الطبقات الكبرى،ترجمة الإمام الحسين من القسم غير المطبوع-، 82، عبرات المصطفين، 2، 321.
5- الجوهرة، 2، 219، على ما في عبرات المصطفين. 
6- الإرشاد، 2، 219. أعلام الورى، 248، تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، 352، الكامل في التاريخ، 4، 89، المناقب، 4، 114. 
7- الفتوح، 2ن 180. 
8- أنساب الأشراف، 3، 421، تاريخ الإسلام للذهبي، 18، مجمع الزوائد، 9، 198، بحار الأنوار، 45، 130 عن المناقب. 
9- تاريخ مدينة دمشق، 19، 420، سير أعلام النبلاء، 3، 319، البداية والنهاية، 8، 205، الإتحاف بحب الأشراف، 56. وتروي ريا خادمة يزيد تفاصيل الحادثة فتقول: دخل بعض بني أمية على يزيد، فقال: "أبشر يا أمير المؤمنين، فقد أمكنك الله من عدوُ الله ! وعدوك، يعني الحسين بن علي، قد قُتل ووُجّه برأسه إليك"، فلم يلبث إلا أياماً حتى جيء برأس الحسين، فوضع بين يدي يزيد في طشت، فأمر الغلام، فرفع الثوب الذي كان عليه، فحين رآه خمّر وجهه بكم –كأنه يشمّ منه رائحة- وقال: الحمد لله الذي كفانا المؤونة بغير مؤونة! كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله. قالت ريا: فدنوت فنظرت إليه وبه ردع من حنّا. فقال حمزة، وهو الذي ينقل الرواية عن ريا: فقلت لها: أقرع ثناياه بالقضيب كما يقولون؟ قالت: "إي والذي ذهب بنفسه وهو قادر على أن يغفر له، لقد رأيته يقرع ثناياه بالقضيب في يده ويقول أبياتاً من شعر ابن الزبعري". 
10- مقتل الخوارزمي، 2، 73، تسلية المجالس، 2، 399، بحار الأنوار، 45، 132. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
305

301

بعد عاشوراء

 قيسوشمر بن ذي الجوشن 2، ومحفز بن ثعلبة 3، وعمر بن سعد 4، وأبو بردة بن عوف الأزدي، و(طارق بن أبي ظبيان الأزدي، وجماعة من أهل الكوفة) 5، وغيرهم مثل ربيعة بن عمر 6، والعذري بن ربيعة بن عمرو الجرشي 7، وعبد الله بن ربيعة الحميري 8، والغار بن ربيعة الجرشي 9، وروح بن زنباع 10

 
وحضر أيضاً كبار أهل الكتاب، ورسول ملك الروم 11 ورأس الجالوت 12
 
لقد كان هذا المجلس بالنسبة إلى يزيد بن معاوية في غاية الأهمية سياسياً واجتماعياً، داخلياً وخارجياً، فأراد أن يظهر نفسه بأنه هو الغالب على عدوّه! وأنه سيطر سيطرة تامة على الوضع، وأن كل شيء قد انتهى. ولم يبق على أعيان الدولة وأشراف أهل الشام وممثل قيصر الروم إلاّ أن "يهنّئوه بالفتح" 13
 
أهل البيت عليهم السلام في مجلس يزيد بن معاوية
 
ولم يكن علي بن الحسين يُكلّم أحداًً من القوم في الطريق كلمة حتى بلغوا، (أي إلى الشام)، فلما انتهوا إلى باب يزيد رفع محفز
 
 

1- الأخبار الطوال: 260، الفتوح، 2، 180، الإرشاد، 2، 118، الرد على المتعصب العنيد، 45، الكامل في التاريخ، 4، 83، جواهر المطالب، 2، 291و... 
2- أنساب الأشراف، 3، 416، الأخبار الطوال، 260، الإرشاد، 2، 119، الكامل في التاريخ، 4، 83، أعلام الورى، 248. 
3- أنساب الأشراف، 3، 416، الفتوح، 4، 180، مقتل الخوارزمي، 2، 55، الإرشاد، 2، 119، أعلام الورى، 248. الأخبار الطوال، 260.
4- الإتحاف بحب الأشراف، 55،وفيه عمرو بدل عمر-. 
5- الإرشاد، 2، 118، الطبري، تاريخ الأمم والملوك، 4، 251، ابن كثير، البداية والنهاية، 8، 193.
6- تذكرة الخواص، 260. 
7- مثير الأحزان، 98. 
8- الإرشاد، 2، 118. 
9- العقد الفريد، 5، 130. 
10- جواهر المطالب، 2، 27، ولكن الظاهر أنه راوي الخبر عن الغار بن ربيعة الجرشي، كما هو كذلك في العقد الفريد، فهناك سقط في السند. 
11- تذكرة الخواص، 263. الملهوف، 221 مقتل الخوارزمي، 2، 72، مثير الأحزان، 103.
12- الكامل في التاريخ، 4، 90. 
13- تهذيب الكمال، 6، 429. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
306

302

بعد عاشوراء

  بن ثعلبة صوته فقال: هذا محفز بن ثعلبة أتى أمير المؤمنين باللئام الفجرة، فأجابه علي بن الحسين عليه السلام :"ما ولدت أمّ محفز أشرّ وألأم" 1

 
"ثم أتي يزيد بن معاوية بثقل الحسين عليه السلام ومن بقي من أهله، فأُدخلوا عليه قد قُرنوا في الحبال، فوقفوا بين يديه، اثنا عشر غلاماً ليس منهم أحد إلا مجموعة يداه إلى عنقه، وكان عليّ بن الحسين عليه السلام مغلولاً" 2
 
ولما أُدخل رأس الحسين عليه السلام على يزيد، كان للرأس طيب قد فاح على كلّ طيب 3، "ثم وضع يزيد الرأس بين يديه وأجلس النساء خلفه لئلا ينظرن إليه" 4. فجعلت فاطمة وسكينة ابنتا الحسين تتطاولان لتنظرا إلى الرأس وجعل يزيد يتطاول ليستر عنهما الرأس! فلما رأين الرأس صحن 5
 
ثم أذن (يزيد) للناس، فدخلوا والرأس بين يديه، فلما مثلوا بين يديه أمر برأس الحسين عليه السلام فأبرز في طست، وقال، حين رأى وجه الحسين: ما رأيت وجهاً قطّ أحسن منه! 
 
فقيل له: إنه كان يشبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فسكت 6، وجعل ينكت ثناياه بقضيب في
 
 

1- الإرشاد، 2، 119، أعلام الورى: 248. ولكن البلاذري في أنساب الأشراف، 3، 416، وابن سعد في الطبقات،ترجمة الإمام الحسين عليه السلام ص82، وتاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 354. وابن نما في مثير الأحزان، 98، عن تاريخ دمشق، وعنه بحار الأنوار، 45، ص129، وابن الأثير في الكامل في التاريخ، 4، 84 والذهبي في سير أعلام النبلاء، 3، 315ن تاريخ الإسلامحوادث ووفيات 61- 80- والخوارزمي في مقتل الخوارزمي، 2، 58، وفيه "ما ولدت أم محفز أكفر وألأم وأذمّ". كل هؤلاء نسبوا هذه الإجابة إلى يزيد. 
2- تفسير القمي، 2، 352، عنه بحار الأنوار، 45، 168. شرح الأخبار، 3، 267، ونحوه عن الإمام زين العابدين في مثيرالأحزان، 98، العقد الفريد، 5، 131، الإمامة والسياسة، 2، 9، جواهر المطالب، 2، 278، إلا أن فيها محمّد بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والظاهر سقوط كلمة "علي" والصحيح: محمّد بن علي بن الحسين الذي ينطبق على الإمام الباقر عليه السلام، إذ لا نعرف ولداًً بقي للإمام عليه السلام غير الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، الملهوف، 213. تذكرة الخواص، 262،. نور الأبصار، 132. 
3- المناقب، 4ن 61. 
4- الملهوف، 2/13، وفيه "فرآه علي بن الحسين عليه السلام "، عنه بحار الأنوار، 45، 132ن ونحوه في مثير الأحزان، 99، بتفاوت يسير جداًً. 
5- الكامل في التاريخ، 4، 85. 
6- أنساب الأشراف، 3، 416. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
307

303

بعد عاشوراء

 يده 1أو بالخيزرانة 2يطعنه 3في وجهه 4، ويقول: ما كنت أظن أبا عبد الله يبلغ هذا السنّ! 5. "ما أحسن ثناياه" 6، "كان أبو عبد الله صبيحاً" 7. ثم تمثّل ببيت شعر للحصين بن الحمام المري 8:

 
يفلقـن هامـاً من رجـال أحبّــة(أعزة)               إلينـا وهـم كانـوا أعـقّ وأظلمـا 9
 
ثم قال: يومٌ بيوم بدر 10
 
وكان أبو برزة الأسلمي، وهو أحد الصحابة 11، عند يزيد، فقال له:" يا يزيد ارفع قضيبك، فوالله لطالما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبّل ثناياه" 12، أما أنك ستجيء يوم القيامة وشفيعك ابن زياد ويجيء الحسين وشفيعه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم 13. "فغضب يزيد وأمر بإخراجه، فأُخرج سحباً" 14
 
 

1- بلاغات النساء، 20، تاريخ اليعقوبي، 2، 245، الردّ على المتعصّب العنيد، 47، اللهوف، 214 مثير الأحزان، 100، بحار الأنوار، 45، 132. 
2- نقلناه عن عبرات المصطفين، 2، 315. 
3- البداية والنهاية، 8، 194. 
4- البدء والتاريخ، 6، 12، جواهر المطالب، 2، 293، الإتحاف بحبّ الأشراف، 69. 
5- الطبقات الكبرى، 82، ح297، سير أعلام النبلاء، 3، 320، تاريخ الإسلامللذهبي-، 19. 
6- كتاب الثقات، 2، 313. 
7- عبرات المصطفين، 2، 310، عن كتاب الجوهرة، 2، 219، ط الرياض. 
8- الحصين بن الحمام هو شاعر جاهلي، وقصيدته تشتمل على 42 بيتاً، وقد تمثّل يزيد بالبيت السادس منها، أنظر الأغاني، 14، 10، شرح اختيارات المفضل للخطيب التبريزي، 1، 325. 
9- الحصين بن الحمام شاعر جاهلي، وقد تمثل يزيد بالبيت السادس من قصيدته. انظر الاغاني 14: 7، شرح اختيارات المفضل للخطيب التبريزي 1: 325 وهوامشه.وتاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 356، الكامل في التاريخ، 4، 85. 
10- المناقب، 4، 114. 
11- هو نضلة بن عبيد الحارث الأسلمي غلبه عليه كنيته، اختلف في اسمه، صحابي من سكّان المدينة ثمّ البصرة، شهد مع علي عليه السلام النهروان، مات بخراسان سنة 65، انظر تهذيب التهذيب، 12، 18، رقم 8284، الإصابة، 3، 557، ترجمة رقم 8718، الأعلام، 8، 33.
12- تذكرة الخواص، 261- 262. 
13- تهذيب الكمال، 6، 428، تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، 293، المنتظم، 5، 342، الردّ على المتعصب العنيد، 47، سير أعلام النبلاء، 3، 309، البداية والنهاية، 8، 194و 199، 8، 194، أنساب الأشراف، 3، 416، وروي نحوه في البدء والتاريخ، 6ن 12، جواهر المطالب، 2، 64. 
14- الملهوف، 214، مثير الأحزان، 100، عنه بحار الأنوار، 45، 132، وانظر الفتوح، 2، 181، ومقتل الخوارزمي، 2، 57، مع تفصيل أكثر، قالا: ثم دعا يزيد بقضيب خيزران فجعل ينكت به ثنايا الحسين عليه السلام وهو يقول: لقد كان أبو عبد الله حسن
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
308

304

بعد عاشوراء

 كذلك اعترض عبد الرحمن بن الحكم 1على فعل يزيد، لما رأى ما فعله برأس الحسين، فقال:

 
لهـامٍ بجنـب الطف أدنــى قرابـة                من ابن زياد العبـد ذي الحسب الوغل 
 
سمية أمسى نسلها عـــدد الحصى              وليس لآل المصطفى اليوم من نسل 2
 
فأسرّ يزيد إلى عبد الرحمن وقال: سبحان الله، أنّى هذا الموضع؟ أما يسعك السكوت؟! 3
 
فقال علي بن الحسين عليه السلام : أتأذن لي في الكلام؟
فقال يزيد: قل ولا تقل هجراً!
فقال الإمام زين العابدين عليه السلام : لقد وقفت موقفاً لا ينبغي لمثلي أن يقول الهجر، ما ظنّك برسول الله لو رآنا مقرّنين في الحبال، أما كان يرقّ لنا؟
فقال لمن حوله: حلّوه 4
ثم قال له: ما اسمك؟ فقال: علي بن الحسين. 
قال: أولم يقتل الله علي بن الحسين؟! 
قال: قد كان لي أخ أكبر منّي يسمّى علياً فقتلتموه! 
قال: بل الله قتله، قال علي:  ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ 5.
 
 

المضحك،وفي الفتوح: حسن المنطق-، فأقبل عليه أبو برزة الأسلمي –أو غيره من الصحابة- وقال له: ويحك يا يزيد، أتنكت بقضيبك ثغر الحسين ابن فاطمة؟في الفتوح: أتنكث بقضيبك ثنايا الحسين وشعره؟ لقد أخذ قضيبك هذا مأخذاً من ثغره، أشهد...- ثم ذكر ما نقلناه عن ابن طاووس. 
1- أنساب الأشراف، 3، 421، تاريخ الإسلام،للذهبي-، 18، مجمع الزوائد، 9، 198. بحار الأنوار، 45، 130. 
2- انظر تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، 352، الكامل في التاريخ، 4، 89، المناقب، 4، 114، جواهر المطالب، 2، 294. 
3- مخطوطة مرآة الزمان، 99، على ما في عبرات المصطفين، ج2، ص 315. 
4- مثير الأحزان، 99.الطبقات الكبرى،ترجمة الإمام الحسين من القسم غير المطبوع-، 83، روى مضمونه، الرد على المتعصّب العنيد، 49، تذكرة الخواص، 262، عبرات المصطفين، 2، 288، الكامل في التاريخ، 4، 86، تاريخ دمشق، 19، 493، مثير الأحزان، 98، الملهوف، 213، جواهر المطالب، 2، 294، تسلية المجالس، 2، 384، وفيه: "كان أول من دخل شمر بن ذي الجوشن على يزيد بعليّ بن الحسين عليه السلام مغلولة يده إلى عنقه..". 
5- الزمر، 42. /
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
309

 


305

بعد عاشوراء

 فقال يزيد لابنه خالد: "أردد عليه يا بني" فلم يدر خالد ماذا يقول، فغضب يزيد وجعل يعبث بلحيته ثم قال: غير هذا من كتاب الله أولى بك وبأبيك، وقال لابنه خالد قل له: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾1

 
يا أهل الشام ما ترون في هؤلاء 2؟
 
فقال رجل من أهل الشام: لا تتخذنّ من كلب سوء جرواً.." 3
 
ولم يفسح يزيد المجال لإجابة الإمام عليه السلام . ولكن أخباراً أخرى تدل على أن الإمام عليه السلام أجابه فقال: 
كلاّ، ما هذه فينا نزلت، إنما نزلت فينا:  ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ*لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ 4. فنحن الذين لا نأسى على ما فاتنا، ولا نفرح بما آتانا منها 5. هذا في حق من ظَلَمَ، لا في حق من ظُلِم 6
 
فقال يزيد: يا علي، إن أباك الحسين قطع رحمي وجهل حقّي ونازعني سلطاني، فصنع الله به ما قد رأيت. 
 
فوثب رجل من أهل الشام فقال: دعني أقتله، فألقت زينب نفسها عليه 7
 
فقال يزيد: يا علي بن الحسين، الحمد لله الذي قتل أباك. 
 
 

1- الشورى، 30. الحديد: 22- 23. وانظرالفتوح، 2، 184، وروي مضمونه في أنساب الأشراف، 3، 419، الطبقات الكبرى، -من القسم غير المطبوع- 83، تاريخ الأمم والملوك، 4، 352، الكامل، 4، 86، الإرشاد، 2، 120، اعلام الورى، 249. مقتل الخوارزمي، 2، 62، الرد على المتعصب العنيد، 49، عبرات المصطفين، 2، 288. 
2- العقد الفريد: 5، 131. انظر تذكرة الخواص: 262، كفاية الطالب: 432، جواهر المطالب: 2، 271،
3- الإمامة والسياسة، 2، 8. وروى مضمونه: العقد الفريد: 5، 131، شرح الأخبار: 3، 268، ح1172 جواهر المطالب: 2، 272، وذكره تاريخ الطبري: 4، 355 بتفاوت. 
4- الحديد، 22- 23. 
5- تفسير القمّي، 2، 352، عنه بحار الأنوار، 45، 168 ح14. 
6- الفصول المهمّة، 195. 
7.- مقاتل الطالبيين، 120. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
310

306

بعد عاشوراء

 فقال علي بن الحسين: لعن الله من قتل أبي. 

 
فغضب يزيد وأمر بضرب عنقه، فأقبلت زينب عليه، وقالت: "يا يزيد، حسبك من دمائنا، وقال عليّ بن الحسين: إن أردت قتلي، فبنات رسول الله من يردّهم إلى منازلهم ؟ فسكت يزيد عنه 1وقال: لا يؤدّيهم إلى منازلهم غيرك" 2.
 
ثم دعا بمبرد فأقبل يبرد الجامعة عن عنقه بيده. 
 
ثم قال له: يا علي بن الحسين، أتدري ما الذي أريد بذلك؟ 
 
قال: بلى تريد أن لا يكون لأحد عليّ منّة غيرك. 
 
فقال يزيد: هذا والله ما أردت أفعله. 
 
ثم قال يزيد للحاضرين: أتدرون من أين أتى هذا ؟ قال أبي عليٌّ خير من أبيه، وأمي فاطمة خير من أمه، وجدي رسول الله خير من جده، وأنا خير منه وأحق بهذا الأمر منه. فأما قوله:" أبوه خير من أبي" فقد حاجَّ أبي أباه وعَلِم الناس أيّهما حكم له !! وأما قوله: "أمي خير من أمه" فلعمري فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسلم خير من أمي. وأما قوله:" جدّي خير من جدّه" فلعمري ما أحد يؤمن بالله واليوم الآخر يرى لرسول الله فينا عدلاً ولا نداً. ولكنه إنما أتي من قبل فقهه، ولم يقرأ  ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ 3
 
ثم أنشد متمثّلاً بأبيات ابن الزبعري 4:
 


1- تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 352.
2- مقاتل الطالبيين: 120. 
3- آل عمراًن، 26، الفتوح، 2، 181، مقتل الخوارزمي، 2، 57، تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص355، الكامل في التاريخ، 4، 85. 
4- مقاتل الطالبيين، 119، الفتوح، 2 182 تذكرة الخواص، 261، المناقب، 4، 114، مقتل الخوارزمي، 2، 66مثير الأحزان، 101، تاريخ مدينة دمشق، 19، 299. الملهوف، 214، شرح نهج البلاغة، 14، 280، العقد الفريد، 5، 139، نزل الأبرار، 159. ذكر ابن هشام الحميري في سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ج3 ص 645، وفي الإصابة 2، 308، ترجمة رقم4679، المؤتلف، 132، أن ابن الزبعري هو عبد الله بن الزبعري بن قيس بن عدي بن سعيد بن سهم، أبو سعد، شاعر قريش من الجاهلية، كان شديداًً على المسلمين، قيل إنه أسلم في الفتح سنة ثمان، ومات سنة 15 من الهجرة " والزبعري" في اللغة السيء الخلق والغليظ، أنظر طبقات الشعراء، 57. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
311

307

بعد عاشوراء

 ياغراب البين ما شئت فقل            إنما تندب أمراً قد فعل

 
كل ملك ونعيم زائل                    وبنات الدهريلعبن بكل
 
 

أما أصل الأشعار فقد ذكرها ابن هشام نقلاً عن ابن إسحاق، قال: قال عبد الله بن الزبعري في يوم أُحُد: 
قد ذكر ابن أعثم في الفتوح، 2، 1182. وفي تذكرة الخواص، 261، وفي مرآة الزمان، 99، على ما في عبرات المصطفين، 2،315. أن يزيد زاد على أبيات ابن الزبعري الأبيات التالية: 
لستُ من عتبة إن لم أنتقم          من بني أحمد ما كان فعل     
لاستهلوا ثم طاروا فرحاًً           ثـم قالوا يا يزيد لا تشـل     
لعبت هاشـم بالملك فـلا            خبر جـاء ولا وحيٌ نـزل   
لست من خندفٍ إن لم أنتقم        من بني هاشم ما كان فعـل 
 
ووقع اختلاف يسير في كيفية النقل وعدد الأبيات، فلم يذكر الصدوق في أماليه ص231 إلا بيتاً واحداً، وذكر مقاتل الطالبيين، 119، والمنتظم،5، 343، والرد على المتعصب العنيد، 47، وجواهر المطالب، 299، والإتحاف بحب الأشراف، 56- بيتين. وذكر مثير الأحزان، 101- ثلاثة أبيات. وذكر الخرائج والجرائح، 2، 580، والبداية والنهاية، 8، 194، وتفسير القمي، على ما في بحار الأنوار، 45، 167ح13- أربعة أبيات. وذكر مرآة الزمان، 99، على ما في عبرات المصطفين، 2، 315، والملهوف، 214، والمناقب، 4، 114- خمسة أبيات. وذكر بلاغات النساء، 21، والفتوح، 2، 182، والإحتجاج، 2، 122- ستة أبيات. وذكر روضة الواعظين، 1، 191- سبعة أبيات. وذكر مقتل الخوارزمي، 2، 58- ثمانية أبيات. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
312

 


308

بعد عاشوراء

 ليت أشياخي ببدر شهدوا               جزع الخزرج من وقع الأسل 


لأهلوا واستهلوا فرحاً                   ثم قالوا يا يزيد لا تشل 

لست من خندق إن لم أتنقم             من بني أحمد ما كان فعل 

لعبت هاشم بالملك                       فلا خبر جاء ولا وحي نزل 

قد أخذنا من علي ثارنا                  وقتلنا الفارس الليث البطل 

و قتلنا القرم من ساداتهم               وعدلناه ببدر فاعتدل 

فتقدّم علي بن الحسين عليه السلام وجعل يقول: 

لا تطمعوا أن تهينونا ونكرمكم            وأن نكفّ الأذى عنكم وتؤذونا 

فـالله يعـلم أنّـا لا نحبّــكُم و                لا نــلومكُم إن لـم تحبّـونا 

فقال يزيد: صدقت يا غلام، ولكن أراد أبوك وجدّك أن يكونا أميرين، فالحمد لله الذي أذلّهما وسفك دماءهما! 

فقال له الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام : 
يا بن معاوية وهند وصخر، لم يزل آبائي وأجدادي فيهم الإمرة من قبل أن تلد (تولد)، ولقد كان جدّي علي بن أبي طالب عليه السلام يوم بدر وأُحد والأحزاب في يده راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبوك وجدّك في أيديهما راية الكفر. 

ثم جعل يقول: 
ماذا تقولون إن قال النبيّ لكم                 ماذا فعـلتم وأنـتم آخـر الأمـم 

بعترتي وبأهـلي بعد منقلبي                   منهم أسارى ومنهم ضُرّجوا بـدم 

أكان هذا جزائي أن نصحتكم                 أن تخلّفوني بسوء في ذوي رحمي 

ثم قال: 
ويلك يا يزيد، إنك لو تدري ما صنعت وما الذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي وأخي وعمومتي إذاً لهربت في الجبال وفرشت الرمال ودعوت بالويل والثبور، أن يكون
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
313

309

بعد عاشوراء

 رأس الحسين بن فاطمة وعلي منصوباً على باب المدينة وهو وديعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيكم، فأبشر بالخزي والندامة غداًً، إذا جمع الناس ليومٍ لا ريب فيه" 1

 
خطبة السيدة زينب عليها السلام 
 
فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام فقالت: 
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على 2 سيد المرسلين، صدق الله تعالى إذ يقول:  ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون﴾ 3
 
أظنْنْتَ يا يَزيدُ حيثُ أخَذْتَ عليْنا أَقطارَ(بأطراف) الأرْضِ 4وآفاقَ(أكناف) السَّماءِ وأصْبَحنا 5نُسَاقُ كما تُساقُ الأسارى 6 أنَّ بنا على اللهِ 7هواناً 8، وبك عليه كرامَةً 9؟ وأنَّ ذلكَ لعظمِ خَطَرِكَ عندَهُ ؟! فَشَمَخْتَ بِأَنْفِكَ وَنظَرْتَ في عِطْفِكَ، جَذْلان مَسْروراً، حينَ رَأَيْتَ الدُّنيا لَكَ مستوسقة، والأمور متسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا، وقد أمهلت ونفست؟ مهلاً مهلاً !! أنسيت قول الله تعالى  ﴿َلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ 10
 
أمن العدل يا بن الطلقاء تخديرك نساءك(حرائرك) وإماءك، وسوقك بنات
 
 

1- الفتوح: 2، 184، انظر مقتل الخوارزمي: 2، 62، تسلية المجالس: 2، 286، بحار الأنوار: 45، 135. 
2- في الإحتجاج: على جدّي سيد المرسلين.
3- الروم: 10. 
4- في الإحتجاج: وضيّقت علينا آفاق السماء. 
5- في الإحتجاج: فأصبحنا لك في أسار نساق إليك، سوق في قطار، وأنت علينا ذو اقتدار.
6- في الملهوف: الإمام. 
7- في الإحتجاج: من الله. 
8- في الإحتجاج: وعليك منه كرامة وامتناناً. 
9- في مثير الأحزان: وبك على الله كآبة فشمخت. 
10- آل عمراًن: 178
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
314

310

بعد عاشوراء

 رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قد هتكت ستورهن، وأبديت وجوههن، وأصحلت صوتهن مكتئبات، تخدي بهن الأباعر، ويحدو بهن الأعادي من بلد إلى بلد، ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل، لا يراقبن ولا يؤوين، يتشوفهن (ويتصفح وجوههن) القريب والبعيد، والدني والشريف، ليس معهن من رجالهن ولي، ولا من حماتهن حمي ؟ وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء، ونبت لحمه بدماء الشهداء ؟ وكيف يستبطأ في بغضتنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن والإحن والأضغان ؟؟

 
أتقول" ليت أشياخي ببدر شهدوا"، غير متأثمٍ ولا مستعظم، وأنت تنكت بمخصرتك ثنايا أبي عبد الله سيد شباب أهل الجنة ؟ وكيف لا تقول ذلك ؟ وقد نكأتَ القرحة واستأصلت الشأفة، بإراقتك(بإهراقك) دماء ذرية محمّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونجوم الأرض من آل عبد المطلب، وتهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم فلتردن وشيكاً موردهم، ولتودن أنك (شللت و) عميت وبكمت، (وأنك لم تقل فاستهلوا وأهلوا فرحاً) ولم يكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت. 
" اللهم خذ بحقنا، وانتقم ممن ظلمنا، وأحلل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حماتنا ".
 
فوالله ما فريت إلا (في) جلدك، ولا جززت(حززت) إلا (في) لحمك، ولتردن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (برغمك) بما تحملت من سفك دماء ذريته، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته،( في حظيرة القدس يوم) حيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم، ويأخذ بحقهم، وهو قول الله تبارك وتعالى:  ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾. 
 
حسبك بالله حاكماً، وبمحمّد خصيماً وبجبرئيل ظهيراً، وسيعلم من(بوأك) سوى لك، ومكنَّك من رقاب المسلمين(المؤمنين)، إذا كان الحَكَمُ الله والخصم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، وجوارحك شاهدة عليك فبئس للظالمين بدلاً، وأيكم شر مكاناً وأضعف جنداً. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
315

311

بعد عاشوراء

 مع أنّي والله يا عدو الله وابن عدوه، لئن جرَّت عليَّ الدواهي مخاطبتك، إني لأستصغر قدرك، وأستعظم تقريعك، وأستكبر توبيخك، لكنَّ العيون عبرى، والصدور حرَّى، ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء، وما يجزي ذلك أو يغني عنا وقد قتل الحسين عليه السلام ، وحزب الشيطان يقربنا إلى حزب السفهاء ليعطوهم أموال الله على انتهاك محارم الله، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا، وهذه الأفواه تتحلب من لحومنا، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل(يعتامها عسلان الفلوات)، وتعفوها أمهات الفراعل. 

 
ولئن اتخذتنا مغنماً لتجدنا وشيكاً مغرماً، حين لا تجد إلا ما قدمتّ تستصرخ يا بن مرجانة ويستصرخ بك، وتتعاوى وأتباعك عند الميزان، وقد وجدت أفضل زاد زوَّدك معاوية، قتلك ذرية محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وما ربك بظلام للعبيد. فوالله ما اتقيتُ غير الله، ولا شكواي إلا إلى الله، فإلى الله المشتكى، وعليه المعوّل، فكد كيدك، واسعَ سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا، ولا ترحض عنك عارها(عار ما أتيت إلينا أبداً)، وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم يناد المناد ألا لعنة الله على الظالمين، فالحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة ولآخرنا(لسادات شبان الجنان) بالشهادة والرحمة والمغفرة، فأوجب لهم الجنة، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب، وأن يرفع لهم الدرجات ويوجب لهم المزيد من فضله، ويحسن علينا الخلافة، فإنه ولي قدير وإنه رحيم ودود، وحسبنا الله ونعم الوكيل 1.
 
 

1- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج45، ص 133 و 135. الملهوف ص 161 و 166. الإرشاد ص 230. جمهرة العرب لأحمد زكي صفوت ج 2 ص 136. بلاغات النساء، ابن طيفور، ص 21 و 23.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
316

312

بعد عاشوراء

 فاطمة بنت الحسين عليه السلام والشامي

 
قالت فاطمة بنت الحسين عليه السلام : فلما جلسنا بين يدي يزيد رقَّ لنا، فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر فقال: يا أمير المؤمنين، هب لي هذه الجارية، يعنيني، وكنت جارية وضيئة، فأرعدت، وظننت أن ذلك جائز لهم، فأخذت بثياب عمتي زينب، وكانت تعلم أن ذلك لا يكون. فقالت عمتي للشامي: كذبت والله ولؤمت، والله ما ذلك لك ولا له، ولا كرامة. 
 
فغضب يزيد وقال: كذبت، إنّ ذلك لي، ولو شئت أن أفعل لفعلت. 
 
قالت: كلا والله، ما جعل الله لك ذلك، إلا أن تخرج من ملتنا وتدين بغيرها. 
 
فاستطار يزيد غضباً، وقال: إياي تستقبلين بهذا ؟! إنما خرج من الدين أبوك وأخوك. 
 
قالت زينب عليه السلام : بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وجدك وأبوك إن كنت مسلماً.. 
 
قال: كذبت يا عدوة الله. 
 
قالت له: أنت أمير، تشتم ظالماً وتقهر بسلطانك!! اللهمّ إليك أشكو دون غيرك.
 
فأطرق يزيد مليّاً،وكأنه ندم فاستحيا وسكت، وسكن غضبه" 1، ثم قال للشامي: "اجلس" 2. فعاد الشامي فقال: هب لي هذه الجارية. فقال له يزيد: اعزب عنّي لعنك الله، ووهب لك حتفاً قاضياً، ويلك لا تقل ذلك! فقال: يا أمير المؤمنين، نساؤهم لنا حلال، فقال علي بن الحسين عليه السلام : كذبت إلاّ أن تخرج من ملّة الإسلام، فتستحلّ ذلك بغير دين. 
 
فقال الشامي: من هذه الجارية؟ فقال له يزيد لعنه الله: هذه فاطمة ابنة
 


1- تذكرة الخواص: 264. 
2- الطبقات الكبرىترجمة الإمام الحسين من القسم غير المطبوع-: 83، الطبقات الكبرىترجمة علي بن الحسين عليه السلام 5، 212. ونحوه في المنتظم: 5، 345، عبرات المصطفين، شرح الأخبار: 3، 253، وفيه: "فأطرق يزيد ولم يقل شيئاًً"، سير أعلام النبلاء: 3، 303 بتفاوت. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
317

313

بعد عاشوراء

 الحسين، وتلك عمتها زينب ابنة عليٍّ وفاطمة، وهم أهل بيت لم يزالوا مبغضين لنا منذ كانوا" 1، فقال الشامي: الحسين بن فاطمة وعليّ بن أبي طالب؟ قال: نعم، فقال الشامي: لعنك الله يا يزيد، تقتل عترة نبيّك وتسبي ذرّيته، والله ما توهّمت إلا أنّهم سبي روم! فقال يزيد:" والله لألحقنّك بهم، ثم أمر به، فضربت عنقه" 2

 
خطبة الإمام علي بن الحسين عليه السلام 
 
وروي أنّ يزيد أمر بمنبر وخطيب ليذكر للناس مساوئ الحسين وأبيه علي عليه السلام 3، فصعد الخطيب المنبر فحمد الله وأثنى عليه وأكثر الوقيعة في عليّ والحسين، وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد، فصاح به عليّ بن الحسين عليه السلام : 
ويلك أيها الخاطب! اشتريت رضا 4 المخلوق بسخط الخالق، فتبوّأ 5مقعدك
 
 

1- مقتل الخوارزمي: 2، 62، انظر الفتوح: 2، 184. الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص121. تاريخ الأمم والملوك، الطبري، ج4، ص 354.
2- الملهوف: 218، تسلية لامجالس: 2، 385. غير أن البلاذري في أنساب الأشراف: 3، 416. والشيخ الصدوق في أماليه: 231، ونقل عنه بحار الأنوار: 45، 154. والطبري في تاريخه: 4، 353. وابن الأثير في الكامل في التاريخ: 4، 76. وابن الجوزي في الردّ على المتعصِّب العنيد: 49، والمنتظم: 5، 344. وابن كثير بتفاوت بالنقل في البداية والنهاية: 8، 196. ذكروا أنَّ القصة جرت في شأن فاطمة بنت علي، ثمّ ذكروا الموقف الزينبي نفسه،وفاطمة بنت علي عليه السلام هذه ذكرت في عداد أولاد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وأن أمها أم ولد، كما عند الشيخ المفيد في الإرشاد: 1، 355، وابن شهر آشوب في المناقب: 3، 305، ونقل عنه بحار الأنوار: 42، 92، والطبرسي في اعلام الورى، ونقل عنه بحار الأنوار: 42، 92. وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة، ونقل عنه بحار الأنوار: 42، 92. وروي في قرب الإسناد: 163 ح594، ونقل عنه بحار الأنوار: 42، 1-6. عن عنبسة العابد أنه قال: إن فاطمة بنت علي مدّ لها في العمر حتى رآها أبو عبد الله عليه السلام. ولكننا لا نعلم بحضورها في وقعة الطف وبعدها. وعلى فرض حضورها فالقرائن الحالية والمقالية في الخبر تدلّ على أنها كانت في شأن فاطمة بنت الحسين عليه السلام، لا فاطمة بنت علي عليه السلام، التي روي أنها كانت متزوجة من محمّد بن عقيل كما في بحار الأنوار: 42، 92، وأمّا ما جاء في بعض هذه الأخبار كما في أمالي الصدوق: 231. بأنها قالت: فأخذت أُختي وهي أكبر منّي وأعقل، أو كما في تاريخ الطبري: 4، 354.: وأخذت بثياب أُختي زينب، فهناك رواية يمكن الركون والاعتماد عليها وهي ما رواه الخوارزمي في مقتله: 2، 62. أنها قالت فاطمة بنت الحسين: فأخذت بثياب أختي وعمّتي زينب، والأخت هي سكينة بنت الحسين عليه السلام.
3- في الفتوح2، 185-: ثمّ دعا يزيد بالخاطب وأمر بالمنبر فأُحضر، ثم أمر بالخاطب فقال: اصعد المنبر فخبّر الناس بمساوئ الحسين وعليّ وما فعلا، وفي المناقب4، 168- وكتاب الأحمر: قال الأوزاعي: لمّا أُتي بعليّ بن الحسين ورأس أبيه إلى يزيد بالشام قال لخطيب بليغ: خذ بيد هذا الغلام فائت به إلى المنبر وأخبر الناس بسوء رأي أبيه وجدّه وفراقهم الحقّ وبغيهم علينا، قال: فلم يدع شيئاًً من المساوئ إلا ذكره فيهم، فلمّا نزل قام عليّ بن الحسين فحمد الله.
4- في الفتوح: مرضاة. 
5- في الفتوح: فانظر. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
318

314

بعد عاشوراء

 من النار، ثم قال: يا يزيد! ائذن لي حتّى أصعد هذه الأعواد، فأتكلّم بكلمات 1 فيهنّ لله رضا ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب. 

 
فأبى يزيد، فقال الناس: يا أمير المؤمنين، ائذن له ليصعد، فلعلّنا نسمع منه شيئاًً. فقال لهم: إن صعد المنبر هذا لم ينزل إلا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان. 
 
فقالوا: وما قدر ما يُحسن هذا؟ 
 
فقال: إنه من أهل بيت قد زُقّوا العلم زقاً 3
 
ولم يزالوا به حتى أذِن له بالصعود، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه4، ثمّ خطب خطبة أبكى منها العيون، وأوجل منها القلوب، فقال فيها: 
"أيها الناس، أُعطينا ستاً وفُضِّلنا بسبع، أُعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين، وفُضّلنا بأنّ منّا النبيّ المختار محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم، ومنّا الصِّدِّيق، ومنّا الطيّار، ومنّا أسد الله وأسد الرسول، ومنّا سيّدة نساء العالمين فاطمة البتول، ومنّا سبطا هذه الأمّة وسيّدا شباب أهل الجنّة 5. فمن عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي 7. أنا ابن مكّة ومنى، أنا ابن زمزم والصفا 9، أنا ابن من حمل الزكاة10
 
 

1- في الفتوح: بكلام فيه رضا الله ورضا هؤلاء الجلساء وأجر وثواب. 
2- في الفتوح: إنه إن صعد. 
3- في الفتوح: إنه من نسل قوم قد رزقوا العلم زرقاً حسناً. 
4- في المناقب: فلمّا نزل قام عليّ بن الحسين، فحمد الله بمحامد شريفة وصلّى على النبيّ صلاة بليغة موجزة. 
5- ههنا في الفتوح والإحتجاج والبحار: أيّها الناس.. وفي المناقب: يا معشر الناس. 
6- بعده في الإحتجاج والمناقب: فأنا أعرّفه بنفسي. 
7- في الفتوح: بعده، أيها الناس. 
8- في المناقب: مروة، في الإحتجاج: المروة. 
9- ههنا في الإحتجاج توجد عبارة: أنا ابن محمّد المصطفى، أنا ابن ما لا يخفى، أنا ابن من علا فاستعلى، فجاوز سدرة المنتهى، وكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى، وفي المناقب: أنا ابن محمّد المصطفى، أنا ابن ما لا يخفى، أنا ابن من علا فاستعلى، فجاوز سدرة المنتهى، وكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء مثنى مثنى، أنا ابن من أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أنا ابن علي المرتضى...
10- في البحار: الركن. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
319

315

بعد عاشوراء

  بأطراف الرداء، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى، أنا ابن خير من انتعل واحتفى، أنا ابن خير من طاف وسعى 1، (أنا) ابن خير من حجّ ولبّى، أنا ابن من حُمل على البراق 2 في الهواء، أنا ابن من أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، فسبحان من أسرى، أنا ابن من بلغ به جبرائيل إلى سدرة المنتهى، أنا بن من دنا فتدلى فكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى، أنا ابن محمّد المصطفى. 

 
أنا ابن علي المرتضى، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتّى قالوا لا إله إلا الله، أنا ابن من ضرب بين يدي رسول الله بسيفين، وطعن برمحين، وهاجر الهجرتين، وبايع البيعتين، وصلّى القبلتين، وقاتل ببدرٍ وحنين، ولم يكفر بالله طرفة عين. أنا ابن صالح المؤمنين، ووارث النبيين، وقامع الملحدين، ويعسوب المسلمين، ونور المجاهدين، وزين العابدين، وتاج البكّائين، وأصبر الصابرين، وأفضل القائمين من آل ياسين و 3 رسول ربّ العالمين، أنا ابن المؤيّد بجبرائيل، والمنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، والمجاهد أعداءه الناصبين، وأفخر من مشى من قريش أجمعين، وأوّل من أجاب واستجاب لله4 من المؤمنين، وأقدم السابقين5، وقاصم المعتدين، ومبير6 المشركين، وسهم من مرامي الله على المنافقين، ولسان حكمة العابدين، ناصر 7دين الله، ووليّ أمر الله، وبستان حكمة الله، وعيبة علم الله8، سمحٌ
 
 

1- في الفتوح: أنا ابن خير من حجّ وطاف وسعى ولبّى. 
2- في الفتوح: أنا ابن خير من حمل البراق. 
3- ليس في البحار، وهو الأنسب، وعلى فرض وجوده ف "رسول" معطوف على كلمة ياسين. 
4- في البحار: ولرسوله. 
5- في البحار: وأوّل السابقين. 
6- في البحار: مبيد. 
7- في البحار: وناصر. 
8- في البحار: علمه. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
320

 


316

بعد عاشوراء

 سخيّ، 1 بهلول زكيّ أبطحيّ، رضيّ مرضي، مقدام همام، صابر صوّام، مهذّب قوّام، شجاع قمقام، قاطع الأصلاب، ومفرّق الأحزاب، أربطهم جناناً، وأطبقهم عناناً، وأجرأهم لساناً، وأمضاهم عزيمة، وأشدّهم شكيمة، أسد باسل، وغيث هاطل، يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنّة وقربت الأعنّة، طحن الرحى 2، ويذروهم ذرو الريح الهشيم، ليث الحجاز، وصاحب الإعجاز، وكبش العراق، الإمام بالنصّ والاستحقاق، مكّيّ مدنيّ، أبطحيّ تهاميّ، خيفيّ عقبيّ، ومن الوغى ليثها، وارث المشعرين، وأبو السبطين الحسن والحسين، مظهر العجائب، ومفرّق الكتائب، والشهاب الثاقب، والنور العاقب، أسد الله الغالب، مطلوب كل طالب، غالب كلّ غالب، ذاك جدّي عليّ بن أبي طالب أنا ابن فاطمة الزهراء أنا ابن سيدة النساء، أنا ابن الطهر البتول، أنا ابن بضعة الرسول.. 4

 
قال: ولم يزل يقول "أنا أنا" حتى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد أن تكون فتنة 5، فأمر المؤذّن أن يؤذّن، فقطع عليه الكلام وسكت 6
 
 

1- ههنا في البحار، عبارة "بهيّ" أيضاً. 
2- في البحار: طحن مرحا.
3- في البحار: ثم قال. 
4- هذه الفقرة في المناقب هكذا: أنا ابن عليّ المرتضى، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن خديجة الكبرى، أنا ابن المقتول ظلماً، أنا ابن المحزوز الرأس من القفا، أنا ابن العطشان حتى قضى، أنا ابن طريح كربلاء، أنا ابن مسلوب العمامة والرداء، أنا ابن من بكت عليه ملائكة السماء، أنا ابن من ناحت عليه الجنّ في الأرض والطير في الهواء، أنا ابن من رأسه على السنان يُهدى، أنا ابن من حرمه من العراق إلى الشام تسبى، أيُّها الناس، إن الله – تعالى وله الحمد- ابتلانا أهل البيت ببلاءٍ حسن حيث جعل راية الهدى والعدل والتقى فينا، وجعل راية الضلالة والردى في غيرنا، فضّلنا أهل البيت بستِّ خصال: فضلنا بالعلم والحلم والشجاعة والسماحة والمحبّة والمحلّة في قلوب المؤمنين، وآتانا ما لم يؤت أحداًً من العالمين من قبلنا، فينا مختلف الملائكة وتنزيل الكتب. 
5- في الإحتجاج: فضجّ أهل الشام بالبكاء حتى خشي يزيد أن يؤخذ من مقعده، فقال للمؤذن: أذِّن. 
6- الفقرة في الفتوح هكذا: فلم يزل يعيد ذلك حتى ضج الناس بالبكاء والنحيب، وخشي يزيد أن تكون فتنة فأمر المؤذن فقال: اقطع عنّا هذا الكلام. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
321

317

بعد عاشوراء

 فلمّا قال المؤذّن (1: "الله أكبر" قال علي بن الحسين عليه السلام : 

كبّرت كبيراً لا يُقاس ولا يُدرك بالحواس، لا شيء أكبر من الله. 
 
فلمّا قال: "أشهد أن لا إله إلا الله" قال علي عليه السلام : 
شهد بها 3 شعري وبشري ولحمي ودمي ومخّي وعظمي. 
 
فلما قال: "أشهد أن محمّداً رسول الله" التفت عليّ 4 من أعلى المنبر إلى يزيد وقال: يا يزيد، محمّد هذا جدّي أم جدّك؟ فإن زعمت أنّه جدّك فقد كذبت 5، وإن قلت 6 إنه جدّي فلِمَ قتلت عترته؟ 
 
قال: وفرغ المؤذن من الأذان والإقامة، فتقدّم يزيد 7 وصلّى صلاة الظهر 8
 
فنزل الإمام علي بن الحسين عليه السلام عن المنبر، فأخذ ناحية باب المسجد، فلقيه مكحول 9 صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال له: كيف أمسيت يا بن رسول الله؟ قال:
 
 

1- في المناقب: ".... فلم يفرغ حتى قال المؤذن "الله أكبر" فقال علي عليه السلام الله أكبر كبيراً، فقال المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال علي بن الحسين: شهد بها شعري...، فلما قال المؤذن: أشهد أن محمّداً رسول الله، قال علي: يا يزيد هذا جدّي أو جدك؟ فإن قلت جدّك فقد كذبت، وإن قلت جدي، فلِمَ قتلت أبي وسبيت حرمه وسبيتني؟، ثم قال: معاشرالناس هل فيكم من أبوه وجدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فعلت الأصوات بالبكاء، فقام إليه رجل يقال له المنهال بن عمرو الطائي، وفي رواية مكحول...
2- في الإحتجاج: فلما قال المؤذن "الله أكبر" جلس عليّ بن الحسين على المنبر.
3- في الفتوح: يشهد بها. 
4- في الفتوح والبحار: التفت علي بن الحسين من فوق المنبر إلى يزيد. 
5- في البحار هنا عبارة "وكفرت" أيضاً. 
6- في البحار: وإن زعمت. 
7- في الفتوح: تقدّم يزيد يصلّيّ بالناس صلاة الظهر، فلما فرغ من صلاته أمر بعليّ بن الحسين وأخواته وعمّاته رضوان الله عليهم، ففرّغ لهم داراً فنزلوها، وأقاموا أيّاماً يبكون وينوحون على الحسين عليه السلام. 
8- روى الخطبة أرباب السير والتأريخ، فمنهم من ذكرها تفصيلاً كابن الأعثم، والخوارزمي، ومحمّد بن أبي طالب، ومنهم من ذكر معظمها كابن شهرآشوب، والمجلسي، ومنهم من ذكر بعضها مثل أبي الفرج الإصفهاني، ومنهم من أشار إليها واكتفى بذكر مقدّماتها مثل ابن نما والسيّد ابن طاووس. أنظر: مقتل الخوارزمي: 1، 69- 71. الفتوح: 2، 185. تسلية المجالس: 2، 391. عن صاحب المناقببحار الأنوار: 45، 137-، وغيرهم. المناقب: 4، 168،الإحتجاج: 2، 123- عنه بحار الأنوار: 45، 161 ح6-. بحار الأنوار: 45، 161 ح6. مقاتل الطالبيين: 121. مثير الأحزان: 102، الملهوف: 19.
9- تهذيب الكمال: 28، 464-تنقيح المقال: 3، 246 رقم 12108-.مستدرك سفينة البحار: 9، 72-. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
322

318

بعد عاشوراء

 "أمسينا بينكم مثل بني أسرائيل في آل فرعون، يذبّحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، وفي ذلك بلاء من ربّكم عظيم" 1. وفي رواية أخرى أن المنهال بن عمر(عمرو الطائي) لقي (علي 2) بن الحسين بن عليّ عليه السلام ، فقال له: كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟ قال: 

"ويحك أما آن لك أن تعلم كيف أصبحت؟‍ أصبحنا في قومنا مثل بني إسرائيل في آل فرعون، يذبّحون أبناءنا، ويستحيون نساءنا 3، وأصبح خير البرية بعد محمّد يُلعنُ على المنابر، وأصبح عدوّنا يُعطى المال والشرف، وأصبح من يحبُّنا محقوراً منقوصاً حقّه، وكذلك لم يزل المؤمنون، وأصبحت العجم تعرف للعرب حقّها بأن محمّداّ كان منها، وأصبحت قريش تفتخر على العرب بأنّ محمّداً كان منها، وأصبحت العرب تعرف لقريش حقّها بأنّ محمّداً كان منها، وأصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمّداً كان منها، وأصبحنا أهل البيت لا يُعرف لنا حقّ، فهكذا أصبحنا يا منهال" 4.
 
وقال ابن أعثم الكوفي: وخرج علي بن الحسين ذات يوم، فجعل يمشي في أسواق دمشق، فاستقبله المنهال بن عمرو الطائي، فقال له: كيف أمسيت يا بن رسول الله؟ قال: أمسينا كبني إسرائيل في آل فرعون، يذبّحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، يا منهال، أمست العرب تفتخر على سائر العجم بأنَّ محمّداً عربيٌّ، وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأن محمّداً منهم، وأمسينا أهل بيت محمّد ونحن مغصوبون مظلومون مقهورون مقتلون مثبورون مطرودون، فإنّا لله وإنّا إليه
 
 

1- الإحتجاج: 2، 134- عنه بحار الأنوار: 45، 162. 
2- سقط في النسخة المطبوعة، وذكره المجلسي عنه عن الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام. 
3- إشارة إلى الآية الشريفة: (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبحُ أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين).القصص: 4-. 
4- تفسير القمي: 2، 134- عنه بحار الأنوار: 45، 84. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
323

319

بعد عاشوراء

 راجعون على ما أمسينا فيه يا منهال" 1

 
وأتى رجل من أهل الشام إلى علي بن الحسين عليه السلام ، فقال له: أنت عليّ بن الحسين؟ 
 
قال: نعم. 
 
قال: أبوك قتل المؤمنين!
 
فبكى عليّ بن الحسين ثم مسح وجهه وقال: ويلك! وبما قطعت على أبي أنه قتل المؤمنين؟ 
 
قال: بقوله إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم على بغيهم. 
 
قال: أما تقرأ القرآن؟ 
 
قال: إني أقرأ.
 
قال: أما سمعت قوله:  ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً.. وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا.. وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾؟ 2
 
قال: بلى. 
 
قال: كان أخاهم في عشيرتهم أو في دينهم؟
 
قال: في عشيرتهم. 
 
قال: فرّجت عنّي فرّج الله عنك" 3
 
ثم دعا بالنساء والصبيان، فأُجلسوا بين يديه، فرأى هيئة قبيحة فقال: "قبّح الله ابن مرجانة، لو كانت بينكم وبينه قرابة ورحم ما فعل هذا بكم ولا بعث
 
 

1- ذكر هذه المحادثة عدة من أرباب الأخبار والسير بتفاوت يسير، منهم المحدّث الجليل فرات الكوفي، وأبو جعفر الكوفي، والخوارزمي، وابن نما، وابن شهر آشوب، وابن طاووس، وابن عساكر.أنظر: الفتوح: 2، 178. تفسير فرات الكوفي: 149، ح 187. المناقب: 138. مقتل الخوارزمي: 2، 71. مثير الأحزان: 105. المناقب: 4، 169. الملهوف: 222. مختصر تاريخ دمشق: 17، 244. 
2- هود: 50- 84- 61. 
3- تفسير فرات الكوفي: 192 ح248. وروى نحوه العياشي في تفسيره: 2، 152 ح43- عنه البرهان في تفسير القرآن: 2، 224 بتفاوت.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
324

320

المصادر والمراجع

 المصادر والمراجع


1- نهج البلاغة: وهو مجموعة ما اختاره الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، ضبط صبحي الصالح، نشر بإشراف مركز البحوث الإسلامية-  قم.
 
1-  السقيفة: سليم بن قيس الهلالي العامري، توفي في سنة 90هجرية، دار الفنون للطباعة والنشر. 

2-  مقتل الحسين عليه السلام : لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي الغامدي، مؤسسة الوفاء-  بيروت. 

3-  المغازي: محمّد بن عمر بن واقد الواقدي-  توفي في سنة 207هجرية، تحقيق الدكتور مارسدن جونس، مطبعة جامعة أكسفورد ومطابع دار المعارف-  القاهرة 1964- 1966م، نشر عالم الكتب-  بيروت. 

4-  السيرة النبوية: لإبن هشام، توفي 213هجرية، مطبعة مصطفى الباني الحلبي وأولاده-  مصر، انتشارات إيران-  قم، دار إحياء التراث العربي-  بيروت. 

5-  الفتوح البلدان: أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، المكتبة التجارية الكبرى بمصر. 

6-  أنساب الأشراف: أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، تحقيق الشيخ محمّد باقر المحمودي، دار التعارف للمطبوعات-  بيروت، ونسخة نشر مكتبة المثنّى-  بغداد، ودار الفكر بيروت، ودار الكتب العلمية. 

7- الطبقات الكبرى: أبو عبد الله محمّد بن سعد بن منيع المشهور بابن سعد، توفي 230هجرية، دار صادر-  دار بيروت-  1957م. 
8- المصنّف: أبو بكر عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة الكوفي توفي في سنة 235هجرية، الدار السلفية-  بومباي-  الهند.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
327

321

المصادر والمراجع

 9- صحيح البخاري: محمّد بن إسماعيل البخاري، توفي 236هجرية، نشر دار إحياء التراث العربي-  بيروت، دار المعرفة-  بيروت. 


10- مسند أحمد بن حنبل: أحمد بن حنبل توفي 241، دار الفكر-  بيروت. 

11- صحيح مسلم: مسلم بن الحجّاج القشيري النيسابوري، توفي 261، دار إحياء التراث العربي-  بيروت. 

12- عيون الأخبار: أبو محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري توفي في سنة 276هجرية، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر، دار الكتب العلمية-  بيروت. 

13- الإمامة والسياسة: لأبي عبدالله، محمّد بن مسلم بن قتيبة، توفي في سنة 276هجرية، المكتبة المصرية-  القاهرة، الطبعة الثانية 1325هجرية، الشريف الرضي قم.

14- أبي داود: سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي، توفي في سنة 275هجري، دار إحياء السنة النبوية. 

15- تفسير فرات الكوفي: أبو القاسم فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، من أعلام الغيبة الصغرى، تحقيق محمّد كاظم، مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي-  قم. 

16- تفسيرالقمّي: أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم، توفي في القرن الثالث، منشورات مكتبة الهدى، مطبعة النجف 1387هجرية، مكتبة العلامة-  قم. 

17- الأخبار الطوال: أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري، توفي في سنة 282هجرية، منشورات الشريف الرضي – قم، القاهرة – ط1. 
18- بصائر الدرجات في فضائل آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم : أبو جعفر محمّد بن الحسن الصفّار القمّي، توفي في سنة 290 هجرية، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي-  قم. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
328

322

المصادر والمراجع

 19- تاريخ اليعقوبي: أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب ابن واضح الكاتب العباسي، المعروف باليعقوبي، توفي بعد 292 هجرية، دار صادر بيروت. 


20- تاريخ الأمم والملوك تاريخ الطبري- : أبو جعفر محمّد بن جرير بن يزيد الطبري، توفي في سنة 310 هجرية، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات-  بيروت، دار الكتب العلمية-  بيروت. 

21- الفتوح: أبو محمّد أحمد بن أعثم الكوفي توفي في سنة 314هجرية، تحقيق علي شيري، دار الأضواء-  بيروت، دار الكتب العلمية-  بيروت، دار الندوة الجديدة-  بيروت. 

22- المجتنى: أبو بكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزدي البصري توفي في سنة 321هجرية، الطبعة الرابعة، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية –حيدر آباد الدكن-  الهند. 

23- الجرح والتعديل: أبو محمّد، عبد الرحمن بن أبي حاتم محمّد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي الرازي، توفي في سنة 327هجرية، دار إحياء التراث العربي-  بيروت. 

24- العقد الفريد: أحمد بن عبد ربه الأندلسي توفي في سنة 328هجرية-  دار إحياء التراث العربي-  بيروت، دار الكتاب العربي-  بيروت. 

25- الكافي: ثقة الإسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني توفي في سنة 329هجرية، دار الكتب الإسلامية-  طهران، دار الأضواء-  بيروت. 

26- مروج الذهب ومعادن الجوهر: أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي توفي في سنة 346هجرية، دار المعرفة-  بيروت، دار الكتب العلمية-  بيروت. 

27- البدء والتاريخ: المنسوب إلى أبي زيد بن سهل البلخي، وهو للمطهر بن طاهر المقدسي، توفي بعد 355هجرية، طبعة باريس-  1899م. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
329

323

المصادر والمراجع

 28- مقاتل الطالبيين: أبو الفرج الأصفهاني توفي في سنة 356هجرية، منشورات المكتبة الحيدرية-  النجف، نشر الرضي-  قم. 


29- الأغاني: أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني، توفي في سنة 365هجرية، دار إحياء التراث العربي-  بيروت، ودار الفكر-  بيروت. 

30- كامل الزيارات: أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه توفي في سنة 367هجرية، المكتبة المرتضوية-  النجف، مكتبة الوجداًني-  قم، مكتبة الصدوق -  طهران. 

31- كمال الدين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين-  قم. 

32- عيون أخبار الرضا عليه السلام : الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، توفي في سنة 381، انتشارات جهان-  طهران، مكتبة طوس-  قم.

33- الخصال: الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، توفي في سنة 381هجرية، مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين -  قم. 

34- علل الشرائع: الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي توفي في سنة 381هجرية، دار إحياء التراث العربي-  بيروت-  المكتبة الحيدرية-  النجف. 

35- معاني الأخبار: الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي توفي في سنة 381هجرية، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية-  قم. 

36- الأمالي: الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين ابن بابويه، توفي في سنة 381هجرية، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات-  بيروت. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
330

324

المصادر والمراجع

 37- إختيار معرفة الرجال رجال أبو عمرو الكشّي-  المتوفي سنة 385هجرية، تحقيق السيد مهدي الرجائي، مؤسسة آل البيت عليه السلام لإحياء التراث-  قم، جامعة مشهد المقدس. 


38- كفاية الأثر: أبو القاسم علي بن محمّد بن علي الخزاز القمّي الرازي-  من أعلام القرن الرابع الهجري، انتشارات بيدار-  قم. 

39- تحف العقول: أبو محمّد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني، من أعلام القرن الرابع، مؤسسة الأعلمي-  بيروت، ومؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين-  قم. 

40- المستدرك على الصحيحين في الحديث: الحاكم أبو عبد الله النيسابوري توفي في سنة 405هجرية، دار الفكر-  بيروت. 

41- الاختصاص: الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري، توفي في سنة 413 هجرية، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية – قم. 

42- الإرشاد: الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري، توفي في سنة 413 هجرية، المطبعة الحيدرية – النجف الأشرف، بصيرتي – قم. 

43- المسائل العكبرية: الشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري، مطبوع ضمن موسوعة "مصنفات الشيخ المفيد": الجزء الرابع. 

44- تنزيه الأنبياء: الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي، توفي في سنة 436هجرية، منشورات الشريف الرضي-  قم، مكتبة بصيرتي- قم. 

45- دلائل النبوة: أبو نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني، توفي في سنة 430هجرية، الطبعة الثانية، مطبعة مجلس دائرة المعارف الثمانية-  حيدر آباد الدكن-  الهند-  1950م، دار المعرفة-  بيروت.

46- المحلّى: أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم توفي في سنة 456هجرية دار الآفاق الجديدة-  بيروت. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
331

325

المصادر والمراجع

 47- الغيبة: الشيخ الطوسي أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، توفي في سنة 460هجرية، مؤسسة المعارف الإسلامية-  قم. 


48- الأمالي: الشيخ الطوسي أبو جعفر محمّد بن الحسن، توفي في سنة 460هجرية، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية –مؤسسة البعثة –إيران. 

49- الإستيعاب في معرفة الأصحاب: أبو عمر يوسف بن عبدالله بن محمّد بن عبد البر، توفي في سنة 463 هجرية، دار الجيل – بيروت، ودار الكتاب العربي-  بيروت، ودار الكتب العلمية-  بيروت. 

50- مناقب علي بن أبي طالب عليه السلام : أبو الحسن علي بن محمّد بن محمّد الواسطي الجلالي الشافعي الشهير بابن المغازلي-  توفي في سنة 483هجرية، المكتبة الإسلامية-  طهران. 

51- دلائل الإمامة: أبو جعفر محمّد بن جرير بن رستم الطبري، من أعلام القرن الخامس الهجري، مؤسسة البعثة-  قم، منشورات الشريف الرضي-  قم، المطبعة الحيدرية-  النجف. 

52- نزهة الناظر وتنبيه الخاطر: الشيخ الجليل الحسين بن محمّد بن الحسن بن نصر الحلواني، من أعلام القرن الخامس، تحقيق وتشر مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعلى فرجه الشريف-  -  قم. 

53- المفردات في غريب القرآن: أبو القاسم الحسين بن محمّد المعروف بالراغب الأصفهاني توفي في سنة 502هجرية، دار المعرفة-  بيروت. 

54- معالم التنزيل تفسيرالبغوي- : أبو محمّد الحسين بن مسعود الفرّاء البغوي توفي في سنة 516هجرية، دار المعرفة-  بيروت. 

55- مقتل الحسين عليه السلام : أبو المؤيد الموفّق بن أحمد المكي أخطب خوارزم، المعروف بمقتل الخوارزمي، توفي في سنة 568هجرية، مطبعة الزهراء-  النجف، نشر أنوار المهدي-  قم. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
332

326

المصادر والمراجع

 56- تاريخ مدينة دمشق: أبو القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله الشافعي المعروف بابن عساكر، توفي في سنة 571، دراسة وتحقيق علي شيري، دار الفكر بيروت. 


57- تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام الحسين عليه السلام : أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي، توفي في سنة 571 هجرية، تحقيق محمّد باقر المحمودي، مؤسسة المحمودي-  بيروت، ومجمع إحياء الثقافة الإسلامية-  قم. 

58- الخرائج والجرائح: قطب الدين الراوندي أبو الحسين سعيد بن هبة الله، توفي في سنة 573هجرية، مؤسسة الإمام المهدي-  قم. 

59- مناقب آل أبي طالب: أبو جعفر رشيد الدين محمّد بن علي بن شهر آشوب الروي المازندراني، توفي في سنة 588هجرية، المطبعة العلمية- قم، نشر العلامة-  قم. 

60- الإحتجاج: أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، من أعلام القرنين السادس والسابع، مطبعة النعمان-  النجف الأشرف، مكتب المصطفوي – قم. 

61- الكامل في التأريخ: عز الدين أبو الحسن علي بن أبي الكرم الشيباني المعروف بابن الأثير توفي 630، دار صادر-  دار بيروت-  دار إحياء التراث العربي-  دار الكتاب العربي-  بيروت. 

62- أسد الغابة في معرفة الصحابة: عز الدين بن الأثير، أبو الحسن علي بن محمّد الجزري، توفي في سنة 630هجرية، دار الشعب-  القاهرة، المكتبة الإسلامية – طهران. 

63- مثير الأحزان: ابن نما الحليّ توفي في سنة 645أو 654؟ هجرية، منشورات مدرسة الإمام المهدي عج-  -  قم-  رقم 19. 

64- تذكرة الخواص: سبط ابن الجوزي، شمس الدين أبو المظفر يوسف بن فرغلي بن عبدالله البغدادي، توفي في سنة 654هجرية، مؤسسة أهل البيت عليه السلام -  بيروت، ومكتبة نينوى الحديثة-  طهران. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
333

327

المصادر والمراجع

 65- شرح نهج البلاغة: عبد الحميد بن هبة الله المدائني إبن أبي الحديد- ، دار إحياء التراث العربي-  بيروت، دار الكتب العلمية-  قم. 


66- اللهوف في قتلى الطفوف: لرضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس الحسيني توفي في سنة 66هجرية، منشورات المطبعة الحيدرية في النجف 1369هجرية، دار الأسوة-  قم.

67- كشف الغمة في معرفة الأئمة: أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي توفي في سنة 692هجرية، دار الكتاب الإسلامي-  حلب. 

68- لسان العرب: أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم ابن منظور، توفي 711، نشر أدب الحوزة-  قم-  1405هجرية. 

69- لباب التأويل في معاني التنزيل تفسير الخازن- : علاء الدين علي بن محمّد بن إبراهيم البغدادي توفي في سنة 725هجرية، دار الفكر. 

70- نهج الحق وكشف الصدق: العلامة الحسن بن يوسف المطهّر الحلّي، توفي سنة 736 أو 726هجرية، دار الهجرة -  قم. 

71- تذكرة الحفّاظ: أبو عبدالله شمس الدين الذهبي، توفي في سنة 748هجرية، الطبعة الثالثة 1955م. 

72- ميزان الإعتدال في نقد الرجال: عبد الله محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي، توفي في سنة 748هجرية، دار المعرفة-  بيروت. 

73- سير أعلام النبلاء: شمس الدين محمّد بن أحمد الذهبي، توفي في سنة 748هجرية، الطبعة التاسعة، مؤسسة الرسالة-  بيروت. 

74- البداية والنهاية في التاريخ: أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي، توفي في سنة 774 هجرية، مؤسسة التأريخ العربي-  بيروت، دار الفكر-  بيروت. 

75- تفسير القرآن العظيم: أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، توفي في سنة 774هجرية، دار المعرفة-  بيروت. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
334

328

المصادر والمراجع

 76- محاسن الوسائل في معرفة الأوائل: محمّد بن عبد الله الشبلي الدمشقي توفي في سنة 796هجرية، تحقيق الدكتور محمّد التونجي، دار النفائس-  بيروت. 


77- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي توفي في سنة 807هجرية، دار الكتاب العربي –بيروت. 

78- النزاع والتخاصم: تقي الدين أبو العبّاس أحمد بن علي المقريزي، توفي في سنة 845هجرية، مؤسسة أهل البيت-  بيروت. 

79- لسان الميزان: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني توفي في سنة 852هجرية، مؤسسة الأعلمي-  بيروت. 

80- الإصابة في تمييز الصحابة: أحمد بن علي بن محمّد بن محمّد بن علي العسقلاني، ابن حجر، توفي في سنة 852هجرية، دار الكتاب العربي –بيروت، ودار إحياء التراث العربي. 

81- الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم: زين الدين أبو محمّد علي بن يونس العاملي النباطي، توفي في سنة 877هجرية، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية-  طهران. 

82- وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم : علي بن عبد الله بن شهاب الدين بن العباس الحسيني الشافعي السمهودي، توفي في سنة 911هجرية، مطبعة الآداب والمؤيد-  مصر 1326هجرية. 

83- جامع المقاصد في شرح القواعد: الشيخ علي بن الحسين الكركي، توفي في سنة 940هجرية، تحقيق مؤسسة آل البيت عليه السلام لإحياء التراث- قم. 

84- إحقاق الحق وإزهاق الباطل: القاضي السيد الشهيد نور الله الحسيني المرعشي التستري، توفي في سنة1019هجرية، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي-  قم. 

85- إثبات الهداة: محمّد بن الحسين الحرّ العاملي، توفي في سنة 1104هجرية دار الكتب الإسلامية – طهران، المطبعة العلمية- قم. 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
335

329
تاريخ النهضة الحسينية