تربية الطفل – الرؤية الإسلامية للأصول والأساليب


الناشر: دار المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2018-05

النسخة: 2018


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدمة

 المقدّمة
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على الأسوة الحسنة والنموذج السلوكيّ الأعلى في التربية، حبيبنا رسول الله محمّد بن عبد الله، صلّى الله عليه وعلى آل بيته الطيّبين الطاهرين.

كانت التربية ومازالت، ميداناً خصباً لجدليّة العلاقة بين النظريّة والتطبيق. وفي هذا السياق نلاحظ أنّ بعض الباحثين ذهب ذات اليمين في طرح رؤى تربويّة أقرب إلى الطابع الفلسفيّ، فغرق في البعد النظريّ المتعلّق بتعريف التربية ومناقشة الآراء حولها، وشرح أهداف التربية والعوامل المؤثّرة إيجاباً أو سلباً فيها، وتحليل الطبيعة البشريّة وبيان أبعاد الشخصيّة الإنسانيّة. فأجاب عن أسئلة، مثل: ما؟ ولم؟ وهل؟ وأغمض عينه اليسرى عن: كيف؟ ومتى؟ أي لم يقدّم لنا رؤية حول الأساليب والتقنيّات التي تقع على صراط صناعة هويّة المتربّي، ولم تبيّن لنا الوسائل والآليّات التي توصل إلى الأهداف المنشودة في التربية، في حين أنّنا نعاين بعض التربويّين يهتمّ بالجانب التطبيقيّ للتربية، باعتبار أنّها مجرّد مجموعة عمليّات، فقدّم تقنيات مهمّة في إيصال المتربّي إلى كمال طبيعته، مجيباً عن كيف؟ ومتى؟ لكن كان ثمّة نقطة ضعف في أعمالهم التربويّة، وهي أنّها لم تؤسس على قاعدة متينة، ولم تستند على أيّ تأصيل نظريّ.

ولا شكّ في أنّ خير الأمور الوسط، فميدان التربية يحتاج إلى كلا الأمرين معاً، أي النظرية والتطبيق، لأنّهما بمنزلة الجناحين اللذين يحتاجهما التربويّ ليحلِّق بهما في سماء هذا الفضاء الواسع.
 
 
 
7

1

المقدمة

 وانطلاقاً من مسار حركتنا في رفد المؤسّسات التعليميّة والتربويّة المهتمّة ببناء الكادر التربويّ تعليماً وتدريساً وبحثاً وتأليفاً، كان القرار بالعمل على تأليف متن تعليميّ وتدريسيّ يوازن بين عمق التأصيل النظريّ من جهة، لصناعة شخصيّة الباحث والمنظّر التربويّ في ضوء أسس ومرتكزات قويّة ومتينة، وبين التقنيّات التطبيقيّة والأساليب العمليّة من جهة ثانية، ليستطيع المتعلّم أن يكون مربياً، وليس مجرّد باحث أو منظّر في التربية.


في هذا السياق، وُلدت فكرة كتاب "المنهج الجديد في تربية الطفل"، حيث تمّ التركيز في الجزء الأول على البعد النظريّ فيما يتعلّق بتربية الطفل، مع تلوينه ببعض الدروس التي تحمل طابعاً عمليّاً، وكنّا قد وعدنا في مقدّمة الجزء الأوّل أن نتمّم العمل بجزء ثانٍ نعالج فيه أساليب وتقنيّات التربيات المضافة، وقد وفّينا في هذا الجزء بما وعدنا به، وأطلقنا عليه عنوان: "المنهج الجديد في تربية الطفل - الرؤية الإسلاميّة للأصول والأساليب".

وبالإضافة إلى ما تقدّم، كان أيضاً من خصائص ومميّزات هذا الكتاب عن غيره من الكتب التربويّة:
أولاً: أنّه تعرّض لأغلب الساحات التربويّة كالتربية العقائديّة والفكريّة والعباديّة والأخلاقيّة والاجتماعية والاقتصاديّة والبيئيّة والجهاديّة والفنيّة والصحّيّة والجنسيّة والرياضيّة والجماليّة... هذا، ولا ندّعي أنّنا قد عالجنا ساحات التربيات المضافة كلّها، بل بقي هناك بعض الساحات التي لم نتعرّض لها، كالتربية الإعلاميّة والتربية السياسيّة... وهذا ليس غفلة منّا عن أهمّيّتها، ولكن بسبب أنّ المسار التعليميّ لهذه المادّة يقتضي عدداً معيّناً من الوحدات.

ثانياً: أنّه عالج أساليب التربية وتقنيّاتها في ضوء رؤية منبثقة من النصوص الدينيّة ومستنبطة منها أو متناغمة ومنسجمة معها، فيلاحظ في كلّ درس مجموعة من الآيات أو الروايات التي تمّت استفادة الأصول والأساليب التربويّة في ضوئها.

ثالثاً: أنه اعتمد على عدد كبير من المصادر والمراجع التربويّة في مختلف الميادين والساحات.
 
 
 
 
8

2

المقدمة

 رابعاً: أنّه جمع بين أصالة الفكر الإسلاميّ وبين حداثة ما تفتّق عنه الذهن البشريّ من نظريّات تربويّة.


هذا بالإضافة إلى نقاط أخرى، كوضوح المنهج والترتيب الهندسيّ بين المباحث، وكالموازنة بين عمق المضمون وسلاسة اللغة...

أخيراً، نسأل الله تعالى أن يكون هذا الكتاب موضع عناية الباحثين التربويّين ومحلّ اهتمام المؤسّسات الناشطة في ميدان التربية والتعليم، لنراكم على التجربة، وننتقل من نقص إلى كمال، ومن كمالٍ إلى أكمل، لتكون أمّتنا الإسلاميّة رائدة في تقديم نموذج حضاريّ في مجال التربية والتعليم عالميّاً.

والحمد لله رب العالمين
مركز المعارف للتأليف والتحقيق
 
 
 
 
 
9

3

الدرس الأول: الحثّ على تربية الأطفال وتعليمهم

 الدرس الأول

الحثّ على تربية الأطفال وتعليمهم

 

أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرض النصوص الدينيّة التي تحثّ على تربية الأطفال وتعليمهم.
2- يحدّد مسؤوليّة الوالدين تجاه تربية الطفل وتعليمه.
3- يعرف إقرار الإسلام حقّ الطفل في التعليم قبل أيّ إعلان عالميّ.
 
 
 
 
 
11

 


4

الدرس الأول: الحثّ على تربية الأطفال وتعليمهم

 تمهيد

كل أبّ أو أمّ يرغب بشدّة في أن يفتخر بأولاده، ويشعر بأنّهم على قدر آماله وأحلامه، وكلّ أب وأمّ يُحبّ أن يرى أنوار الصلاح والفلاح والنجاح تشعّ في حياة أولاده، لأنّ ذلك من محقّقات سعادة الإنسان. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "من سعادة الرجل الولد الصالح"1.

وقد ركّزت الروايات كثيراً في هذا المصطلح: "الولد الصالح"، منها:
- عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الولد الصالح ريحانة2 من الله قسّمها بين عباده"3.

- وعنه عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنّة"4.

- وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له..."5.

- وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مرّ عيسى بن مريم عليه السلام بقبر يُعذّب صاحبه، ثم مرّ به من قابل6، فإذا هو ليس يُعذّب، فقال عليه السلام: يا ربّ، مررتُ بهذا القبر
 
 

1- الكليني، الشيخ محمد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح علي أكبر الغفاري، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1363ش، ط5،ج6، ص3.
2- ريحانة: الريحان نوع من النبات طيّب الريح.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص2.
4- المصدر نفسه.
5- ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللئالي، تقديم: السيد شهاب الدين النجفي المرعشي / تحقيق: الحاج آقا مجتبى العراقي، لا.م، لا.ن، 1403 - 1983م، ط1،ج1، ص97.
6- قابل: وقت لاحق.
 
 
 
 
13

5

الدرس الأول: الحثّ على تربية الأطفال وتعليمهم

 عام أوّل وهو يُعذّب، ومررتُ به العام وهو ليس يُعذّب؟! فأوحى الله جلّ جلاله إليه: يا روح الله، قد أدرك له ولد صالح، فأصلح طريقاً، وآوى يتيماً، فغفرت له بما عمل ابنه..."1.


- وعن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: "الولد الصالح أجمل الذكرين"2.

- وعن الإمام الصادق عليه السلام: "ميراث الله من عبده المؤمن، الولد الصالح يستغفر له"3.

- وعنه عليه السلام، قال: "كان أبي عليه السلام يقول: خمس دعوات لا يُحجبن عن الربّ تبارك وتعالى... ودعوة الولد الصالح لوالديه..."4.

كما أنّ الإنسان يغتمّ ويحزن ويتألّم إذا لم يكن الولد صالحاً، بل كان ولداً سيّئاً، وقد عبّرت عنه الروايات بـ"ولد السّوء"، فكما أنّ الولد الصالح زين لأهله، يكون ولد السوء شيناً لأهله، يُعيّرون به ويُلامون من قِبَل الناس على سلوكه وأخلاقه وتصرّفاته.

عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: "ولد السوء يهدم الشرف، ويشين السلف"5.

وعنه عليه السلام أيضاً: "ولد السوء يعرّ6 السلف، ويفسد الخلف"7.

وعنه عليه السلام: "ولد السوء يعرّ الشرف"8.

وعنه عليه السلام: "ولد عقوق محنة وشؤم"9.
 
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص4.
2- الطبرسي، الميرزا حسين النوري، مستدرك الوسائل، بيروت - لبنان، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1408ه - 1987م، ط1،ج15، ص113.
3- الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، لا.ت، ط2،ج3، ص481.
4- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص509.
5- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج15، ص215، ح18039.
6- يعرّ: يلحق العار بالسلف والشرف، وأصل العرّ تلطيخ الشيء بغير طيب.
7- مستدرك الوسائل، المصدر السابق.
8- الليثي الواسطي، الشيخ كافي الدين أبو الحسن علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق الشيخ حسين الحسيني البيرجندي، قم، دار الحديث، 1418ه، ط1،ص503.
9- المصدر نفسه، ص504.
 
 
 
 
14

6

الدرس الأول: الحثّ على تربية الأطفال وتعليمهم

 وعن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "... إنّ ولد السوء يُعيَّر والده بعمله..."1.


والولد الصالح أو ولد السوء، ليس وليد نفسه وحسب، بل للأب والأمّ الدور الرئيس في صلاحه أو سوئه. فبعد 9/ 14 سنة مثلاً من وجود الطفل في البيئة الأسريّة، لو صدر عنه مجموعة أفعال غير مرغوب فيها، وكانت أخلاقه غير مرضيّة، لا ينبغي أن يبرئ الأهل أنفسهم ويلقوا اللوم والذمّ على الولد، بل من الأفضل أن يسألوا أنفسهم: ألا يُمكن أن يكون هذا إشارة إلى كوننا نحن الأهل، لم نتحمّل مسؤوليّاتنا التربويّة كما يجب؟ أليس من الممكن أن نكون نحن فاشلين، أو على الأقلّ، مقصّرين في عمليّة التربية؟ بنحو تؤدّي هذه التساؤلات إلى حثّهم على مراجعة أنفسهم، والقراءة النقديّة لذواتهم، التي لم تُثمر ولداً مؤدّباً بعد سنوات من رحلته معهم في سفينة أسريّة واحدة.

فسلوك الطفل غير المرغوب فيه ليس فطرياً بأصل الخلقة، بل هو مكتسب يتعلّمه من خلال التواصل مع البيئة الأسريّة والاحتكاك بها، والمحاكاة لوالديه قولاً وعملاً.

عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام أنّه قال: "أمّا حقّ ولدك، فأنْ تعلم أنّه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وأنّك مسؤول عمّا وُلّيته من حسن الأدب، والدلالة على ربّه عزّ وجلّ، والمعونة على طاعته. فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه، معاقب على الإساءة إليه"2.

لذا، من أهمّ مسؤوليّات الوالدين مطلقاً تجاه أطفالهم هي التربية بالمعنى الأعمّ، فلا يكفي أن يسأل الإنسانُ اللهَ تعالى أن يرزقه الولد الصالح كي تتحقّق هذه النتيجة وتصبح أمراً واقعاً، فإنّ الطفل أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كلّ نقش وصورة، وهو قابل لكلّ نقش ومائل إلى كلّ ما يُمال به إليه، فإن عُوّد الخير وعُلّم
 
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص219.
2- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص622. وفي نصّ آخر: بعد قوله: المعونة له على طاعته "فيك وفي نفسه، فمثاب على ذلك ومعاقب، فاعمل في أمره عمل المتزيّن بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا، المعذر إلى ربّه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه والأخذ له منه، ولا قوّة إلا بالله". ابن شعبة الحراني، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1404 - 1363 ش، ط2،ص293.
 
 
 
 
15

 


7

الدرس الأول: الحثّ على تربية الأطفال وتعليمهم

 نشأ عليه، وسعد في الدّنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه، وكلّ معلّم له ومؤدّب. وإن عُوّد الشرّ وأُهمل شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيّم به والوالي عليه1.


قال أمير المؤمنين لولده الحسن عليهما السلام: "إنّما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما أُلقي فيها من شيء قبلته، فبادرتُك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبُّك"2.

إذاً، من أهمّ عناصر صلاح الأطفال، مبادرة الأهل إلى مسؤوليّاتهم التربويّة، بالاهتمام بشؤون أطفالهم ورعايتهم وتهذيب أخلاقهم، وعدم التخلّي عنهم وإهمالهم، فإنّ للأطفال حقّاً على الآباء في التربية. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ لولدك عليك حقّاً"3.

لذا، لا ينبغي للأهل أن يتذرّعوا بأسباب خارجية لتبرئة أنفسهم من تحمّل مسؤوليّة ما آلت إليه شخصيّة طفلهم سلباً، فيلقوا التهمة تارة على المدرسة، وأخرى على الأصدقاء، وثالثة على الأقارب، ورابعة على الجمعيّة الكشفيّة...إلخ، لأنّهم هم المسؤولون أولاً عن تربية أبنائهم، ووضعهم موضعاً صالحاً، وتوجيههم وإرشادهم، واختيار المدرسة المناسبة، والأصدقاء اللائقين، والجمعيّة الكشفيّة الملائمة، لتكون بيئات حاضنة للنموّ الصالح لأبنائهم.

يقول السيّد محمد رضا الكلبايكانيّ: "إنّ وظيفة الوالدين تأديب أولادهم وتربيتهم على الأخلاق الكريمة والآداب الحسنة، وتمرينهم وتعويدهم كرائم العادات وفعل الحسنات، ومنعهم عن كلّ عمل يضرّ بأنفسهم وبغيرهم. وعلى وليّ الأطفال تكميل نفوسهم وسوقهم إلى ما فيه صلاحهم وسدادهم"4.
 

1- الغزالي، إحياء علوم الدين، بيروت، دار الكتاب العربي، لا.ت، لا.ط،ج8، ص130. والفيض الكاشانيّ، المحجّة البيضاء في تهذيب الأحياء، ج5، ص124-127.
2- الرضي، السيد أبو الحسن محمد الرضي بن الحسن الموسوي، نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، بيروت - لبنان، لا.ن، 1387ه - 1967م، ط1،من وصيّة له لولده الحسن كتبها إليه بحاضرين منصرفاً من صفّين، رقم269، ص526.
3- مسلم النيسابوري، أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، الجامع الصحيح (صحيح مسلم)، بيروت- لبنان، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لا.ت، لا.ط،ج3، ص163.
4- الجهرميّ، عليّ الكرميّ، الدّرّ المنضود في أحكام الحدود، تقريرات أبحاث السيّد محمّد رضا الكلبايكانيّ، ج2، ص282.
 
 
 
 
16

8

الدرس الأول: الحثّ على تربية الأطفال وتعليمهم

 وهذه النقطة موضع اتّفاق من قِبَل بعض الفلاسفة الغربيّين مع النظرة الإسلاميّة. يقول جون لوك: "التربية الجيّدة للأطفال واجب الوالدين ومهمّتهما الأساسيّة"1.


ومن هنا، حثّ الإسلام الأهل على حسن تربية الأبناء وتعليمهم وتأديبهم، سواء أكانوا ذكوراً أم إناثاً.

الحثّ على تعليم الأطفال وتأديبهم
وقد ورد الحثّ على تأديب الأطفال والأبناء في العديد من الأحاديث والروايات، نذكر منها:
- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من عال ثلاث بنات، فأدّبهنّ ورحمهنّ وأحسن إليهنّ، فله الجنّة"2.

- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من عال ثلاث بنات، علّمهنّ وزوّجهنّ وأحسن أدبهنّ، أدخله الله الجنّة..."3.

- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم، يغفر لكم"4.

- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "رحم الله عبداً أعان ولده على برّه بالإحسان إليه، والتآلف له، وتعليمه وتأديبه"5.

- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "لأن يؤدّب أحدكم ولده خير له من أن يتصدّق بنصف صاع كلّ يوم"6.

- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ما نحل7 والد ولده أفضل من أدب حسن"8.
 

1- نقلاً عن: طه، حسن جميل، الفكر التربويّ المعاصر وجذوره الفلسفيّة، ص121.
2- أحمد بن حنبل، المسند -مسند أحمد-، بيروت - لبنان، دار صادر، لا.ت، لا.ط،ج3، ص97.
3- الهيثمي، الحافظ نور الدين علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، بيروت - لبنان، دار الكتب العلمية، 1408ه - 1988م، لا.ط،ج8، ص162.
4- الأحسائيّ، ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللئالي، ج1، ص254.
5- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج15، ص169.
6- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، منشورات الشريف الرضي، 1392 - 1972م، ط6،ص222.
7- النحل: العطيّة والهبة ابتداء من غير عوض ولا استحقاق.
8- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج15، ص165.
 
 
 
17

9

الدرس الأول: الحثّ على تربية الأطفال وتعليمهم

 - وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "يا عليّ، حقّ الولد على والده أن يُحسن اسمه وأدبه، ويضعه موضعاً صالحاً"1.


- وعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "حقّ الولد على والده إذا كان ذكراً أن يستفره أمّه، ويستحسن اسمه، ويُعلّمه كتاب اللَّه، ويُطهّره، ويُعلّمه السباحة. وإن كانت أنثى أن يستفره أمّها، ويستحسن اسمها، ويُعلّمها سورة النور..."2.

- وعن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام أنه قال: "حقّ الولد على والده: أن يُحسن اسمه، ويُحسن أدبه، ويُعلّمه القرآن"3.

- وعن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "تجب للولد على والده ثلاث خصال: اختياره لوالدته، وتحسين اسمه، والمبالغة في تأديبه"4.

- وعنه عليه السلام: "إنّ خير ما ورّث الآباء لأبنائهم الأدب لا المال، فإنّ المال يذهب، والأدب يبقى"5.

- وعنه عليه السلام، فيما وعظ به لقمان الحكيم ابنه أن قال له: "يا بنيّ، إن تأدّبت صغيراً انتفعت به كبيراً، ومن عُني بالأدب اهتمّ به، ومن اهتمّ به تكلّف علمه، ومن تكلّف علمه اشتدّ له طلبه..."6.

- وعنه عليه السلام: "لا يزال المؤمن يورث أهل بيته العلم والأدب الصالح حتّى يدخلهم الجنّة جميعاً، حتّى لا يفقد منهم صغيراً ولا كبيراً، ولا خادماً ولا جاراً. ولا يزال العبد العاصي يورث أهل بيته الأدب السيّئ حتّى يدخلهم النار جميعاً،
 
 

1- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص372.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص49.
3- نهج البلاغة، فصل في غريب كلامه المحتاج إلى تفسير، ص546، ح 399.
4- ابن شعبة الحراني، تحف العقول ، ص355.
5- الشيخ الكليني،الكافي، ج8، ص150.
6- علي بن إبراهيم القمي، تفسير القمي، تصحيح وتعليق وتقديم: السيد طيب الموسوي الجزائري، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر - قم - إيران، صفر 1404، ط3،ج2، ص164.
 
 
 
 
18

 


10

الدرس الأول: الحثّ على تربية الأطفال وتعليمهم

 حتّى لا يفقد فيها منهم صغيراً ولا كبيراً، ولا خادماً ولا جاراً"1.


- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "علّموا أولادكم السباحة والرماية"2.

- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "علّموا أولادكم الصلاة..."3.

- وعنه عليه السلام، قال: "علّموا صبيانكم ما ينفعهم الله به، لا تغلب عليهم المرجئة برأيها"4.

- وعنه عليه السلام، قال: "بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن تسبقكم إليهم المرجئة"5.

- وعنه عليه السلام، قال: "علّموا صبيانكم الصلاة..."6.

- وعن الإمام عليّ عليه السلام، قال: "حقّ الولد على والده:... ويُعلّمه القرآن"7.

- وعن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "كان أمير المؤمنين يُعجبه أن يُروى شعر أبي طالب، وأن يُدوّن. وقال: تعلّموه، وعلّموه أولادكم، فإنّه كان على دين الله، وفيه علم كثير"8.

- وعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "يا معشر الشيعة، علّموا أولادكم شعر العبديّ9، فإنه على دين الله"10.
 

1- القاضي النعمان المغربي، دعائم الإسلام، آصف بن علي أصغر فيضي، دار المعارف - القاهرة، 1383 - 1963م، لا.ط،ج1، ص82.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص47.
3- عيون المواعظ والحكم، ص341.
4- الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، الخصال، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1403ه - 1362ش، لا.ط،ص614.
5- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، تحقيق وتعليق السيد حسن الموسوي الخرسان، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1364ش، ط3،ج8، ص111.
6- المصدر نفسه، ص626.
7- نهج البلاغة، باب في غريب كلامه المحتاج إلى تفسير، ح 399.
8- الموسويّ، فخار بن معد، الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب، ص25. ويراجع: الحر العاملي، الشيخ محمد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام، 1414ه، ط2،ج17، ص231.
9- العبديّ: أبو محمّد سفيان بن مصعب العبديّ الكوفيّ، من شعراء أهل البيت عليهم السلام، وهو من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام.
10- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، تصحيح وتعليق: مير داماد الأسترابادي / تحقيق: السيد مهدي الرجائي، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، 1404، لا.ط،ج2، ص704.
 
 
 
 
19
 

11

الدرس الأول: الحثّ على تربية الأطفال وتعليمهم

 - وعنه عليه السلام: "علّموا أولادكم (يس)، فإنّها ريحانة القرآن"1.


... إلخ من الروايات التي تحثّ على تعليم الأطفال وتأديبهم في مجالات مختلفة، حتى تتشكّل هويّة الطفل بنحو يكون ناتج عملية التربية وحاصلها "ولداً صالحاً".

حقّ الطفل في التعليم
من خلال ما تقدّم من الروايات، يظهر بوضوح أنّ من حقّ الطفل على الأهل تعليمه، وقد حثّ الإسلام على هذا الحقّ قبل أيّ إعلان أو اتّفاق حقوقيّ عالميّ عن حقوق الطفل فمثلاً تنصّ المادّة 26 من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان لعام 1948 على: "لكلّ طفل الحقّ فيالتعليم، ويجب أن يُوفّر التعليم مجّاناً..."، وتنصّ اتفاقيّة حقوق الطفل لعام 1989 (المادّتان: 28-29)، على حقّ الطفل في التعليم. وممّا جاء فيهما: "تعترف الدول الأطراف بحقّ الطفل في التعليم... إلخ"، وقد نصّ الإمام زين العابدين عليه السلام على ذلك في رسالة الحقوق قبل ذلك بمئات السنين، حيث قال: "وأما حقّ الصغير فرحمته وتثقيفه وتعليمه..."2.

ونلفت إلى أنّه من حقّ الطفل حسن اختيار البيئة العلميّة (المدرسة) التي سيتعلّم بها، فإنّه من مصاديق ما أوردناه أعلاه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "حقّ الولد على والده... ويضعه موضعاً صالحاً"3.

كما أنّ وضع الطفل في المدرسة، لا يعني إلقاء المسؤوليّة التعليميّة عن ظهر الأهل، فإنّ التعليم المدرسيّ جزء مساهم في بلورة هويّة الطفل، ولكن لممارسة الأهل دورهم التعليميّ، أهمّيّة خاصّة في تشكيل هويّة الطفل أيضاً، وهذا يقتضي أن يسعى الأهل للتعليم والرفع من مستواهم العلميّ، وإن كانوا أمّيين، فعليهم أن يشعروا أبناءهم بأنّهم يسعون للتعلّم من خلال الانتماء إلى الجمعيّات المتخصّصة في محو الأمّيّة، فإنّ ذلك يُشكّل دافعاً أكبر للأبناء نحو التعلّم.
 
 

1- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، الأمالي، قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع - قم، 1414، ط1،ص677.
2- ابن شعبة الحراني، تحف العقول ، ص270.
3- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4،صص372.
 
 
 
 
 
20

12

الدرس الأول: الحثّ على تربية الأطفال وتعليمهم

 وتعليم الطفل بمعنى التمدرس، كما اتّضح من خلال تقسيم الثلاث سبعات لمراحل الطفولة في الجزء الأول1، إنّما يبدأ من سن الـ7. فعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، قال: "الغلام يلعب سبع سنين، ويتعلّم الكتاب سبع سنين، ويتعلّم الحلال والحرام سبع سنين"2.


وعنه عليه السلام، قال: "احمل صبيّك حتّى يأتي على ستّ سنين، ثم أدّبه في الكُتّاب ستّ سنين، ثم ضمّه إليك سبع سنين، فأدّبه بأدبك، فإن قبل وصلح وإلا فخلّ عنه"3.

وهي السن المعتمد عليها في أكثر دول العالم، بمعنى أنّ بدء التعليم الإلزاميّ للأطفال يكون عند انتهاء سنّ السادسة، إذ إنّ السنّ النظاميّة لدخول الطفل المدرسة هي كذلك في 91 دولة، وفي 32 دولة سبع سنوات، وفي 15 دولة 5 سنوات.
 
 

1- الدرس الخامس.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص47.
3- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص223.
 
 
 
 
21

13

الدرس الأول: الحثّ على تربية الأطفال وتعليمهم

 المفاهيم الرئيسة


- لقد ركّزت الروايات كثيراً في مصطلح: "الولد الصالح"، منها: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الولد الصالح ريحانة من الله قسّمها بين عباده". وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا مات ابن آدم، انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له...".

- إنّ الإنسان يغتمّ ويحزن ويتألّم إذا لم يكن ولده صالحاً، بل كان ولداً سيّئاً. وقد عبّرت عنه الروايات بـ "ولد السّوء". فكما أنّ الولد الصالح زين لأهله، يكون ولد السوء شيناً لأهله. عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: "ولد السوء يهدم الشرف، ويشين السلف". وعن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "... إنّ ولد السوء يُعيَّر والده بعمله...".

- إنّ للأب والأم الدور الرئيس في صلاح الولد أو سوئه، فبعد 9/ 14 سنة مثلاً من وجود الطفل في البيئة الأسريّة، لو صدر عنه مجموعة أفعال غير مرغوب فيها، وكانت أخلاقه غير مرضيّة، لا ينبغي أن يبرّئ الأهل أنفسهم ويلقوا اللوم والذمّ على الولد، بل من الأفضل أن يسألوا أنفسهم: ألا يُمكن أن يكون هذا إشارة إلى كوننا نحن الأهل لم نتحمّل مسؤوليّاتنا التربويّة كما يجب؟

- وبالتّالي، فإنّ حقّ الولد على والديه مبادرتهم إلى تحمّل مسؤوليّاتهم بالاهتمام بشؤون أطفالهم وتأديبهم وتعليمهم وتهذيب أخلاقهم. عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "أمّا حقّ ولدك، فأنْ تعلم أنّه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وأنّك مسؤول عمّا وُلّيته من حسن الأدب، والدلالة على ربّه عزّ وجلّ، والمعونة على طاعته. فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه، معاقب على الإساءة إليه".

- ورد الحثّ على تأديب الأطفال والأبناء في العديد من الأحاديث والروايات، نذكر منها: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "من كانت له ابنة فأدّبها وأحسن أدبها، وعلّمها فأحسن تعليمها، فأوسع عليها من نعم الله التي أسبغ عليه، كانت له منعة وستراً من النار". وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم، يُغفر لكم".

- من حقّ الطفل على الأهل تعليمه، وقد حثّ الإسلام على هذا الحقّ قبل أيّ إعلان أو اتفاق حقوقيّ عالميّ عن حقوق الطفل.
 
 
 
 
 
22

 


14

الدرس الأول: الحثّ على تربية الأطفال وتعليمهم

 أسئلة الدرس

1- لقد ركّزت الروايات كثيراً في مصطلح الولد الصالح، اذكر روايتين في هذا السياق.

2- ورد في بعض الروايات تعبير "ولد السّوء"، من هو؟ واذكر رواية عن الموضوع.

3- إذا كانت أخلاق الولد غير مرضيّة، برأيك هل يستطيع الأهل تبرئة أنفسهم وإلقاء اللّوم والذمّ على الولد، أو على عناصر خارجيّة؟

4- حلِّل حقّ الولد على الوالد على ضوء نصّ الإمام زين العابدين في رسالة الحقوق.

5- اذكر 5 روايات تحثّ على تأديب الأبناء، واستخرج منها بعض النتائج.

6- من أهمّ حقوق الطفل اليوم حقّه في التعليم، اذكر بعض الروايات التي توضح كون الإسلام سبق القوانين الوضعيّة المعاصرة في الحثّ على تعليم الأبناء.
 
 
 
 
 
23

15

الدرس الثاني: معايير تحديد القيم والأفعال في تربية الطفل

 الدرس الثاني

معايير تحديد القيم والأفعال في تربية الطفل


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يحدّد منظومة القيم والسلوكات التي ينبغي التربية عليها قبل البدء بعمليّة التربية.
2- يعرف المصادر التي يستطيع أن يستقي منها محدّدات الرؤية التربويّة الإسلاميّة.
3- يميّز بين السلوك المرغوب فيه وغيره، في ضوء معايير واضحة.
 
 
 
 
 
25

16

الدرس الثاني: معايير تحديد القيم والأفعال في تربية الطفل

 تمهيد

تتركّب العمليّة التربويّة من عناصر رئيسة عدّة هي: المربّي، المتربّي، أهداف التربية، ميادين التربية وساحاتها. ومنها: القيم والسلوكات والآداب التي ينبغي تربية الطفل عليها، والأساليب والتقنيّات التي ينبغي استعمالها في عمليّة تربية الطفل، والجواب عن سؤال: علام ينبغي أن نُربّي الطفل؟ وكيف؟ مسبوق بالجواب عن السؤال: ما هي المصادر التي نُحدّد على ضوئها معالم تربية الطفل؟ وما هي المعايير التي على أساسها تُصنَّف القيم والأفعال إلى حسنة وجميلة، أو قبيحة وسيّئة، بحقّ الأطفال في الرؤية التربويّة الإسلاميّة، بحيث تُعتبر الأولى مرغوبة من الطفل، فنُربّيه ونؤدّبه عليها، وتكون الثانية غير مرغوبة، فنُربّيه على تركها.

وبعبارة أخرى نحتاج في عمليّة التربية إلى أمرين:
- الأول: تحديد منظومة القيم وجدول الأفعال التي ينبغي أو لا ينبغي تربية الطفل عليها، والأساليب والتقنيّات التي نُربّي الطفل بواسطتها. فإذا لم يكن لدى المربّي معرفة بذلك، فعلام يُربّي؟ وكيف يُربّي؟ حينها، أليس من الممكن أن يُربّي بنحو عكسيّ؟ بمعنى أنّه قد يكون السلوك الصادر عن الطفل غير مرغوب فيه من وجهة نظر تربويّة، في حين يدرّب المربّي الطفل ويعوّده عليه، وقد يكون الأمر بالعكس. وهذا يقتضي أن يكون لدى المربّي خلفيّة معرفيّة مسبقة ولو إجماليّة عمّا ينبغي أو لا ينبغي التربية عليه، وكيف. وهذا يؤكّد أهمّيّة أن يعمل المربّي نفسه على تأهيل ذاته ورفد نفسه وتطوير مهاراته العمليّة في التربية، كي يكون مؤهّلاً للاتصاف باسم المربّي.
 
 
 
 
27

17

الدرس الثاني: معايير تحديد القيم والأفعال في تربية الطفل

 - والثاني: بيان المعايير والمصادر التي نُحدّد من خلالها تلك المنظومة القيميّة والسلوكات والأساليب والتقنيّات المرغوب فيها أو غير المرغوب فيها. وبعبارة أخرى تعيين الميزان الذي على أساسه نُحدّد أنّ هذا ممّا ينبغي تربية الطفل عليه وبه، وذاك لا.


صفات المربّين وخصالهم
وقد يُقال إنّ البحث عن الجانب الثاني ليس بميسور كلّ مربٍّ أن يُحيط به علماً، لكونه أمراً تخصُّصياً، فيكفي أن يعرف المربّي لائحة القيم والأفعال والأساليب المرغوبة حتى يُربّي عليها أو بها، حتى لو لم يلمّ بالمعايير والمقاييس لتمييز تلك القيم والأفعال والأساليب. إلا أنّ الجواب عن ذلك بالقول: إنّ المربّي على نوعين:
النوع الأول: مربٍّ لا يمتلك الاستعدادات اللازمة للاطّلاع على المصادر والمعايير، لضعف قابليّاته الذّاتيّة، كأن لا يكون صاحب مستوى علميّ يؤهّله لذلك. فهذا يكفي أن يعرف في البداية بصورة إجماليّة لائحة القيم والأفعال والأساليب التي ينبغي استعمالها في التربية. ولكن عليه أن لا يكتفي بهذا المقدار، بل ينبغي له أن يسعى بالتدريج على قدر طاقته ووسعه، إلى تطوير ذاته تربويّاً من خلال سؤال أهل العلم والاختصاص واستشارتهم، أو من خلال المطالعة والقراءة بالاستنصاح عن الكتب التي ينبغي قراءتها في هذا المجال، أو من خلال متابعة بعض البرامج الإعلاميّة على المحطّات الموثوقة التي تُسلّط الضوء على القضايا التربويّة، أو من خلال حضور بعض الدروس والمحاضرات والدورات عن ذلك...إلخ، فإنّ المسؤوليّة التربويّة عن الأبناء أو التلامذة تقتضي العمل على تطوير الذّات تربويّاً، وعدم الاكتفاء بالمعارف التي يمتلكها الإنسان كمّاً وكيفاً عن التربية.

عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، قال: "من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه شرّهما فهو ملعون، ومن لم يعرف الزيادة في نفسه كان إلى النقصان أقرب، ومن كان إلى النقصان أقرب فالموت خير له من الحياة"1.
 
 

1- الشيخ الصدوق، الأمالي ، ص766، ح1030.
 
 
 
 
28

18

الدرس الثاني: معايير تحديد القيم والأفعال في تربية الطفل

 فإذا كان معنى التربية إيصال المتربّي إلى الكمال، فكيف يُمكن لمن ينزل على سلّم النقصان ولا يعرف الزيادة بالتكامل في نفسه، أن يأخذ بيد المتربّي إلى الكمال؟!


النوع الثاني: المربّي المؤهَّل لأنْ يُحصّل المعرفة بالمعايير اللازمة للتمييز بين ما هو مرغوب أو غير مرغوب. وهذا الصنف الثاني من المربّين يشمل المتعلِّمين والمتدِّربين الذين سيدرسون هذا الكتاب، لذا عليهم أن يمتلكوا بين أيديهم الميزان الذي على أساسه يجري تحديد وقياس ما هو مطلوب في التربية. فإذا لم يمتلك المربّي معايير معرفة السلوكات الجميلة والحسنة المرغوب فيها، والتي تضع الطفل على خطّ السير على طريق الكمال، وتعتبر من مقتضياته أو شروطه، وتمييزها عن القيم والأفعال السلبيّة التي تُشكّل مانعاً وحاجزاً عن السلوك تجاه الكمال، فكيف له أنْ يُميّز تربوياً؟! إذ قد يشتبه الأمر ويختلط ويلتبس على المربّي، فيظنّ ما هو مطلوب ومرغوب فيه مرغوباً عنه، وبدل أن يسير بالطفل إلى كماله يأخذ بيده نحو النقص. وهذا يقتضي أن يكون المربّي، سواء أكان أباً أم أمّاً أم معلّماً أم قائداً كشفياً... إلخ، على وعي وبصيرة ليس بالخطأ والصواب والحسن والقبح وحسب، بل بالقدرة على التمييز بينها من خلال معايير واضحة أيضاً. وبمعنى آخر لا بدّ من تحديد مفهومنا عن الخطأ، فليس معيار الخطأ وميزانه هو الاستنساب والاستحسان الشخصيّ من قِبَل المربّي، وليس من حقّ المربّي أن يجعل من نفسه معياراً لمعرفة الخطأ، فإنّ "الحقّ لا يُعرف بالرجال، اعرف الحقّ تعرف أهله"1، كما رُوي عن الإمام عليّ عليه السلام.

وبعبارة مختصرة: لا بدّ للمربّي من أن يكون على معرفة بمعايير تمييز الخطأ من الصواب، وعلى معرفة بانطباق المعيار المفهوميّ على المصداق الخارجيّ الذي هو سلوك الطفل (أ) أو (ب).
 

1- ابن طاووس، السيد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد الحسني الحسيني، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، لا.م، لا.ن، 1399ه، ط1،ص136.
 
 
 
 
29

19

الدرس الثاني: معايير تحديد القيم والأفعال في تربية الطفل

 المصادر والمعايير

سنتعرّض في هذا الدرس إلى أربعة مصادر ومعايير، هي:
المعيار الأوّل: الحسن والقبح العقليّان أو العقلائيّان
إنّ المعيار الأوّل الذي على أساسه يقيس الإنسان حسن الفعل وقبحه، هو العقل العمليّ القطعيّ الفطريّ الصريح، الذي جعله الله تعالى حجّة باطنة على الإنسان، كما جعل نبيّه وأهل بيته صلوات الله عليهم حجّة ظاهرة. فـ "العقل السليم أيضاً حجّة من الحجج، فالحكم المستكشف به حكم بلغه الرسول الباطنيّ، الذي هو شرع من داخل، كما أنّ الشرع عقل من خارج"1.

عن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام، قال: "يا هشام، إنّ لله على الناس حجّتين: حجّة ظاهرة، وحجّة باطنة. فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام، وأمّا الباطنة فالعقول"2.

وقد تحدّث فلاسفة الأخلاق المسلمون وعلماء الكلام وعلماء أصول الفقه، عن الحسن والقبح العقليّين أو العقلائيّين - على الاختلاف المبنائيّ في ذلك3 - كقاعدة لتصنيف القيم والأفعال الإيجابيّة والسلبيّة على أساسها، وبالتّالي التربية على فعل الحسن وعدم فعل القبيح.

فما هو الحسن العقليّ؟ وما هو القبح العقليّ؟
ذكروا للحسن والقبح أربعة معانٍ:
المعنى الأوّل: الحسن بمعنى ما يُلائم طبع الطفل والإنسان، فكلّ ما يجلب اللذّة الشخصيّة للنفس هو حسن، ويُقابله القبح، بمعنى كلّ ما ينفر طبع الطفل والإنسان منه ولا يلتذّ به. وبعبارة مختصرة، الفعل الحسن هو ما يوجب التذاذ الشخص، والفعل القبيح ما يقتضي نفور الشخص. وهذا المعنى يختلف باختلاف الطبائع والأمزجة والأفراد
 

1- الأنصاري، الشيخ الأعظم مرتضى بن محمد أمين، فرائد الأصول، تحقيق لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، قم، مجمع الفكر الإسلامي، 1419ه، ط1،ج1، ص59.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج1، ص16.
3- يراجع: عجمي، سامر توفيق، حجيّة العلم قراءة على ضوء النظريّة التعليقيّة_ قراءة في المباني الأصوليّة للسيّد عليّ حجازي، ص55 وما بعد.
 
 
 
30

20

الدرس الثاني: معايير تحديد القيم والأفعال في تربية الطفل

 والمراحل العمريّة والحالات النفسيّة...، وليس له معيار محدّد، فقد يكون طعام ما حسناً بالنسبة إلى طفل وقبيحاً بالنسبة إلى آخر، وكذلك قد يكون لون ثياب ما أو عطر أو... ينفر منه طبع الطفل ولا تلتذّ نفسه به في ظرف خاصّ أو مرحلة عمريّة معيّنة، أو بفعل التأثّر بشخص ما، أو نتيجة العادة أو بسبب اقترانه بإمراضه... إلخ من الأسباب. وفي هذا المجال، لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار أنّه إذا لم يكن مفعول سلبيّ على شخصيّة الطفل في ما لا يميل طبعه إليه أو ينفر منه، ينبغي عدم إرغامه عليه، كأن لا يميل إلى ارتداء ثياب من لون خاصّ، أو يكون نوع الطعام ممّا يُمكن استبدال طعام آخر به، له نفس القيمة الغذائيّة، حينها ينبغي عدم إجبار الطفل على تناول طعام خاصّ، أو لبس ثوب من لون خاصّ، إلّا إذا كان هذا سلوكاً نمطيّاً متكرّراً منه في مجالات مختلفة، يُعتبر هامش الرفض فيها أكبر بكثير من هامش القبول، ومضرّاً بالسلامة الجسديّة أو الصحّة النفسيّة أو النموّ العقليّ للطفل، فهنا لا بدّ من العمل على تغيير وتعديل سلوكه من خلال تعديل طبعه، ولكن بالتدرّج شيئاً فشيئاً، بالدربة والعادة من دون ضغط وقهر وإكراه مهما أمكن، وبأساليب تعزيزيّة تُرغّبه في الشيء، لا أن ترفع من منسوب النفور عنده من ذلك الشيء.


المعنى الثاني: الحسن بمعنى وجود مصلحة واقعيّة في فعلٍ ما، ويُقابله القبح بمعنى وجود مفسدة واقعيّة بالفعل ذاته بما هو هو. وعندما يعتبر علماء أصول الفقه أنّ الأحكام الشرعيّة تابعة للمصالح والمفاسد في متعلّقاتها، أي في الأفعال الواجبة أو المحرّمة مثلاً، وأنّ العقل البشريّ "لا يُحيط بالمصالح الواقعيّة والمفاسد النفس أمريّة والجهات المزاحمة لها، ولذا ورد في الروايات: "إنّ دين الله لا يُصاب بالعقول"1"2، يقصدون هذا المعنى. وهذا النوع من المصالح والمفاسد يكشف عنه الوحي الإلهيّ للعقل الإنسانيّ، وبناءً عليه، فكلّ ما أوجبته الشريعة فيه مصلحة، وكلّ ما نهت عنه الشريعة فيه مفسدة
 
 

1- الرواية واردة عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام. انظر: الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، كمال الدين وتمام النعمة، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، محرم الحرام 1405 -1363 ش، لا.ط،ص324.
2- الواعظ الحسينيّ البهسودي، تقرير بحث السيد الخوئي ، مصباح الأصول (موسوعة الإمام الخوئي)، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، مؤسسة إحياء آثار الأمام الخويي قدس سره، 1422، لا.ط،ج2، ص26.
 
 
 
31

21

الدرس الثاني: معايير تحديد القيم والأفعال في تربية الطفل

 للإنسان عموماً. أمّا فيما يتعلّق بالطفل فسيأتي البحث عن هذه النقطة في المعيار الثاني.


المعنى الثالث: الحسن بمعنى ما يوصل النفس إلى كمالها اللائق بها، والقبح بمعنى ما يجعل النفس تتسافل في مراتب النقص. فالقيم الموجِبة، كالعلم والعدل والشجاعة والكرم والصدق، توصف بالحسن، بمعنى أنّها كمال للنفس البشريّة. والقيم السالبة، كالجهل والبخل والكذب والجبن، توصف بالقبح، لأنّها نقص للنفس البشريّة. وقد أشرنا سابقاً إلى رأي الإمام الخمينيّ قدس سره في ما يتعلّق بأنّ الله جبل النفس البشريّة على فطرة عشق الكمال والنفور من النقص، فهذه القيم مطلوبة للنفس بأصل الخلقة، فالنفس تتحرّك بالفطرة نحو القيم الكماليّة، وتنفر بأصل الخلقة عن القيم السالبة.

المعنى الرابع: الحسن بمعنى ما يحكم العقل العمليّ بوجوب فعله ولزوم صدوره عن الإنسان المختار، بنحو يستحقّ الصادر عنه الفعل المدح والثواب من قِبَل الناس العقلاء. ويُقابله القبح بمعنى ما لا ينبغي فعله بحيث يستحقّ الفاعل المختار الذمّ من قِبَل العقلاء.

وينبغي تربية الطفل على ما يحكم العقل العمليّ بوجوبه من قيم وأفعال، ومدح الطفل وإثابته على ذلك، وتربيته على ترك ما يحكم العقل بعدم وجوبه، وذمّ الطفل ومعاقبته على ذلك.

المعيار الثاني: الحسن والقبح الشرعيّان
ذكر الفقهاء أنّ موضوع علم الفقه هو فعل المكلّف، وقسّموا الأفعال بلحاظ الأحكام إلى خمسة: الواجب، والحرام، والمكروه، والمستحبّ، والمباح.

والأحكام الشرعيّة تابعة للمصالح والمفاسد الواقعيّة، فمثلاً الأمر والطلب الوجوبيّ هما إرادة الله تعالى للشيء إرادة أكيدة شديدة، بنحو تكون منبعثة عن مصلحة واقعيّة ملزِمة في الفعل، وظيفتها جعل الداعي في نفس المكلّف وتحريكه إلى إتيان الشيء.

وهذه العناوين أصلاً متعلّقة بأفعال المكلّفين، لأنّ رفع قلم التكليف أسقط الإلزام عن الطفل. ففعل الطفل لا يوصف بأيّ عنوان إلزاميّ منها - الوجوب والحرمة -
 
 
 
32

22

الدرس الثاني: معايير تحديد القيم والأفعال في تربية الطفل

 بالإجماع، إلا أنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ رفع قلم التكليف عن الطفل المميّز ليس بسبب عدم القابليّة والاستعداد للتكليف، بل للامتنان واللطف والرأفة بهذا الطفل، وإلّا فإنّه بسبب قدرة تمييزه يستحقّ أن يتوجّه إليه الخطاب الإلهيّ أمراً ونهياً. لذا يمكن القول إنّ دائرة استحقاق الخطاب أوسع من دائرة فعليّة الخطاب، بمعنى أنّ الخطاب الإلهيّ وإن كان مختصّاً بالمكلّفين من ناحية الإلزام الفعليّ بالوجوب والحرمة وغيرهما من الأحكام التكليفيّة، إلا أنّ الطفل المميّز فيه من القابلية والمؤهّليّة ما يجعله صالحاً لإمكانيّة توجيه الخطاب الإلهيّ الإلزاميّ له. ومستحقّاً له، ولكن الله تعالى بقاعدة الامتنان، منّ على الطفل المميّز ورفع عنه قلم التكليف. فرفع قلم التكليف عن الطفل المميّز ليس لعدم القابليّة، بل للامتنان. فالطفل المميّز يُمكنه أن يعرف الحسن من القبح، وإلّا لما وقع توجيه الأمر إليه من قِبَل الأب بالصلاة والصيام والصدقة إذا كان عمره سبع أو تسع سنوات لتدريبه وتمرينه، بل حكم الكثير من الفقهاء بمشروعيّة عباداته، بمعنى أنّها ليست مجرّد تمرين وتدريب، بل إضافةً إلى كونها تحمل هذا العنصر، هي تتّصف بالمشروعيّة، بمعنى أنّ الطفل يستحقّ الثواب الأخرويّ عليها، ويكتب في سجلّه الحسنات1.


فاتّضح أنّ الطفل المميّز عند بعض الفقهاء يوصف فعله بالاستحباب أو الكراهة، فالواجبات في حقّ الطفل مستحبّات، والمحرّمات مكروهات. أي إنّ الأحكام التكليفيّة في حقّ الطفل ثلاثة: المستحبّ والمكروه والمباح2.

وبناءً عليه، فإنّه من المرغوب فيه أن يُربّى الطفل المميّز على إتيان الواجبات بعنوان المستحبّات، والابتعاد عن المحرّمات بعنوان المكروهات، فإنّه يُثاب على ذلك مع نيّة القربة.

وعلى كلّ حال، سواء أكان الطفل مميّزاً أم غير مميّز (في مراحل معيّنة وحسب طبيعة الفعل)، لا ينبغي إعطاؤه حرّية في ما يتعلّق بفعل الكبائر من المحرّمات، كالسرقة
 
 

1- السيد محمد الصدر، ما وراء الفقه، المحبين للطباعة والنشر، 1427 - 2007م، ط3،ج2، ص174.
2- يراجع: السيد البجنوردي، القواعد الفقهية، مهدي المهريزي - محمد حسين الدرايتي، نشر الهادي - قم - إيران، 1419 - 1377 ش، ط1،ج4، ص109 وما بعد.
 
 
 
33

23

الدرس الثاني: معايير تحديد القيم والأفعال في تربية الطفل

 والكذب والاعتداء بالضرب وتحطيم الأشياء و...، لذا نرى أنّ المشرّع الإسلاميّ اهتمّ بهذه المسألة اهتماماً شديداً، إلى درجة منع فيها الوالدين من المعاشرة الجنسيّة في غرفة فيها طفل في المهد، لأنّ ذلك ممّا يورث الزنا في الطفل الناظر1. وهذا يظهر أهمّيّة بدء عمليّة التربية في إبعاده عن الحرام - الكبائر المستقبحة - من المرحلة العمريّة الأولى للطفولة، فلا يُعطى الطفل خمراً ليشربه، أو يُترك ليُشاهد الأفلام الجنسيّة بذريعة كونه لا يُدرك ولا يفهم...


بل انطلاقاً من قاعدة فقهيّة مهمّة أسّسها بعض الفقهاء، كالسيد محمّد كاظم اليزديّ وغيره، يُمكن الاستفادة منها في تربية الطفل بمنعه عن بعض الأفعال المحرّمة التي قد تصدر عنه، والقاعدة هي: إنّ حرمة الفعل إذا كانت مشدّدة بحيث عُلم كراهية ومبغوضيّة وقوعه في الخارج من الشارع المقدّس على كلّ تقدير، حتى من الأطفال والقاصرين، كالزنا واللواط والقتل وشرب الخمر، وجب على المكلّفين المنع من تحقّقه وسدّ طريق حصوله في الخارج قولاً وفعلاً2. فكيف إذا كان المكلَّف هو المربّي والوليّ الشرعيّ للطفل؟!

أمّا الواجبات فهي على قسمين: منها ما هي واجبات أخلاقيّة، أي ملكات نفسانيّة فاضلة، فهذه يُربّى الطفل عليها مطلقاً، كالصدق والكرم والشجاعة و...، كما ذكرنا في فقرة الحسن والقبح العقليّين، ومنها ما هي واجبات عبادية شرعية، كالصلاة والصوم والحج و...، وهذه يُربّى الطفل عليها في سنّ معيّنة، سيأتي بحثها بالتفصيل في درس التربية العباديّة للطفل.

المعيار الثالث: القيم الاجتماعيّة والآداب الإنسانيّة
من المعايير التي يستند إليها الفقهاء في الحكم على فعل الطفل بالحسن أو القبح، هو القيم الاجتماعيّة العامّة والآداب الإنسانيّة التي يلتزم بها المجتمع الذي يعيش فيه
 

1- يراجع: عجمي، سامر توفيق، حياتنا الجنسيّة كيف نعيشها؟ على هدى القرآن ومنهاج النبيّ وأهل البيت، ص641.
2- يراجع: السيد اليزدي، حاشية المكاسب (ط.ق)، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع - قم - إيران، 1378، لا.ط،ج1، ص8. والروحانيّ، محمّد صادق، فقه الصادق، ج13، ص271.
 
 
 
34

24

الدرس الثاني: معايير تحديد القيم والأفعال في تربية الطفل

 الطفل1، فإنّ كلّ مجتمع من المجتمعات له آدابه العامّة ولياقاته الخاصّة به، التي تُشكّل ثقافة ذلك المجتمع، ونمط حياته وأسلوب عيشه، والتي قد تتغيّر من زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان. فما يراه مجتمع ما قيماً وآداباً ينبغي الالتزام بها، قد لا يراها مجتمع آخر كذلك، بشرط أن لا تكون تلك الآداب والعادات والتقاليد الاجتماعيّة العامّة، مخالفة لكتاب الله ومنهاج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.


فعلينا أن نؤدّب الأطفال بآداب المجتمع الذي يعيشون فيه، ما لم يتعارض ذلك مع المعيار العقلائيّ والشرعيّ.

المعيار الرابع: تراكم الخبرة والتجربة الإنسانيّة
إنّ التجربة بمعنى تراكم الخبرات البشريّة عبر تتبّع الجزئيّات في الخارج، ودراسة آثارها ونتائجها التي تتركها على شخصيّة الطفل، تُساعدنا على استكشاف تقنيّات وأساليب عامّة تصلح للاعتماد في العمليّات التربويّة، وما أكثرها في حياتنا اليوميّة: (في الحضانات والمدارس والجمعيّات الكشفيّة والأنديّة الرياضيّة ووسائل الإعلام والمراكز الصحّيّة و...)، والدين الإسلاميّ لا يقف على الطرف المعارض لحاصل التجارب البشريّة، ولم يرمِ منجزات التجربة البشريّة بعرض الحائط. نعم، لم يكتفِ الدين الإسلاميّ بمنجزات تجارب الإنسان كوسيلة حصريّة ووحيدة لتحصيل المعارف والعلوم، لذا، لا يُمكن أن يستغني الإنسان بالتجربة أو العقل عن نور الوحي والشرع.
 
 

1- الجهرميّ، الدّرّ المنضود في أحكام الحدود، ج2، ص282.
 
 
 
35

25

الدرس الثاني: معايير تحديد القيم والأفعال في تربية الطفل

 المفاهيم الرئيسة


- تحتاج عملية التربية إلى أمرين: الأوّل: تحديد منظومة القيم وجدول الأفعال التي ينبغي أو لا ينبغي تربية الطفل عليها. والثاني: بيان المعايير والمصادر التي نُحدّد من خلالها تلك المنظومة القيميّة والسلوكات والأساليب والتقنيّات المرغوب فيها أو غير المرغوب فيها.

- إنّ المربّي على نوعين: الأوّل: مربّ لا يمتلك الاستعدادات اللازمة للاطّلاع على المصادر والمعايير، لضعف قابليّاته الذّاتيّة. والنوع الثاني: المربّي المؤهّل لأن يُحصّل المعرفة بالمعايير اللازمة، لذا عليه أن يمتلك بين يديه الميزان الذي على أساسه يجري تحديد ما هو مطلوب في التربية وقياسه.

- إنّ المعيار الأوّل الذي على أساسه يقيس الإنسان حسن الفعل وقبحه، هو العقل العمليّ القطعيّ الفطريّ الصريح، الذي جعله الله تعالى حجّة باطنة على الإنسان، كما جعل نبيّه وأهل بيته صلوات الله عليهم حجّة ظاهرة.

- ينبغي تربية الطفل على ما يحكم العقل العمليّ بوجوبه من قيم وأفعال، ومدح الطفل وإثابته على ذلك، وتربيته على ترك ما يحكم العقل بعدم وجوبه، وذمّ الطفل ومعاقبته على ذلك.

- المعيار الثاني الذي على أساسه يُقاس حسن فعل أو قبحه هو المعيار الشرعيّ، أي ما حكم الشارع بحسنه أو قبحه. فمن المرغوب فيه أن يُربّى الطفل المميّز على إتيان الواجبات بعنوان المستحبّات، والابتعاد عن المحرّمات بعنوان المكروهات. أمّا الطفل غير المميّز، فلا ينبغي إعطاؤه حرّيّة في ما يتعلّق بفعل الكبائر من المحرّمات، كالسرقة والكذب...

- المعيار الثالث لقياس الفعل المرغوب في تربية الطفل عليه، هو القيم الاجتماعيّة والآداب الإنسانيّة العامّة التي يلتزم بها المجتمع الذي يعيش فيه الطفل، لأنّ التنشئة الاجتماعيّة تعني جعل الطفل يكتسب صفات خاصّة يكون بها عضواً نافعاً في الهيئة الاجتماعيّة العامّة التي يتحرّك في محيطها.

- المعيار الرابع: هو تراكم الخبرات البشريّة عبر تتبّع الجزئيّات في الخارج، ودراسة آثارها ونتائجها التي تتركها على شخصيّة الطفل، حيث تُساعدنا على استكشاف تقنيّات وأساليب عامّة تصلح للاعتماد في العمليّات التربويّة، بشرط أن تكون منسجمة مع الرؤية الإسلاميّة أو لا تُعارضها.
 
 
 
 
36

26

الدرس الثاني: معايير تحديد القيم والأفعال في تربية الطفل

 أسئلة الدرس


1- لماذا تحتاج العمليّة التربويّة إلى تحديد منظومة القيم والأفعال التي ينبغي تربية الطفل عليها؟
2- هل تعتقد أنّه على كلّ أب أو أمّ السعي نحو تطوير الذّات وتنمية المهارات التربويّة في شخصيّتهم؟ ولماذا؟
3- ما هو المعيار العقليّ العمليّ في تحديد لائحة الأفعال المرغوب فيها والمرغوب عنها من قِبَل الطفل؟
4- إذا كان قلم التكليف قد رُفع عن الطفل، فهل هذا يعني أن يُعطى هامش الحرّيّة في ارتكاب المحرّمات؟ أم المسألة تخضع لموازين أخرى، وما هي؟
5- هل تعتقد أنّه ينبغي تربية الطفل على جميع العادات والتقاليد الاجتماعيّة؟ أم على بعضها؟ ولماذا؟
6- ما هو دور التجربة البشريّة في تحديد تقنيّات تربية الطفل؟
 
 
 
 
 
37

27

الدرس الثالث: العدالة التربويّة

 الدرس الثالث

العدالة التربويّة


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يحدّد معنى العدالة التربويّة ويميّزها عن المساواة.
2- يعرف أنّ العدالة التربويّة أساس في المنهاج التربويّ الإسلاميّ.
3- يُدرك أنّ الجنسيّة (أي الذكورة والأنوثة)، ليست معياراً للتفاضل التربويّ بين الأطفال.
 
 
 
 
 
 
39

28

الدرس الثالث: العدالة التربويّة

 تمهيد

يُعتبر العدل من أسماء الله تعالى، ولأهمّيّة العدل جُعل الاعتقاد بالعدل الإلهيّ من أصول الدين الخمسة في الرؤية العقائديّة الإماميّة. وقد علَّمنا الإسلام "أنْ لا نتعامل مع صفات الله وأخلاق الله كحقائق عينيّة ميتافيزيقيّة فوقنا لا صلة لنا بها، وإنّما نتعامل معها كدلالات ومنازل على الطريق. من هنا كان للعدل مدلوله الأكبر بالنسبة إلى توجيه المسيرة البشريّة"1، فالتخلّق بأخلاق الله تعالى يقتضي أن نكون عادلين في جميع أفعالنا وأقوالنا, حتى مع من يُعادينا، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ2.

هذا، ومن أهمّ وأبرز المشكلات التربويّة التي تعيشها بعض العائلات المسلمة، هي التمييز بين الأطفال في التعامل داخل الأسرة، حيث يجري التمييز الإيجابيّ لمصلحة طفل على حساب طفل آخر، أو لمصلحة الصبيّ مقابل البنت. وقد واجه المنهاج التربويّ الإسلاميّ هذه العادة من خلال ما نصطلح عليه اسم "المساواة التربويّة" أو "العدالة التربويّة".

ونعني بالعدالة التربويّة عدم التمييز بين الأطفال في المعاملة، على نحو لا يُعطي المربِّي ميزة لأحد أطفاله عنده أفضل من غيره. فعن الإمام الصادق عليه السلام في هذا السياق، قال:
 
 

1- الصدر، محمّد باقر، المدرسة القرآنيّة، ملحق بكتاب المجتمع والتاريخ، ص401.
2- سورة المائدة، الآية 8.
 
 
 
41

 


29

الدرس الثالث: العدالة التربويّة

 "نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى رجل له ابنان، فقبّل أحدهما وترك الآخر، فقال له النبيّ: فهلّا واسيت بينهما؟!"1.


لذا حثّ المنهاج التربويّ النبويّ على تطبيق العدالة كقيمة رئيسة في العمليّات التربويّة.
- عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "... اتّقوا الله واعدلوا بين أولادكم..."2.

- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنّ لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم، كما أنّ لك عليهم من الحق أن يبرّوك"3.

- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله تعالى يُحبّ أن تعدلوا بين أولادكم حتى في القُبَل"4.

ومبدأ المساواة والعدالة التربويّة غير مختصّ بالبيئة الأسريّة، بل كلّ مؤسّسة تربويّة مسؤولة عن تطبيق هذا المبدأ، كالمدرسة، والكشّاف، والنادي الرياضيّ، و...

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "أبعد الخلق من الله رجلان: رجل يُجالس الأمراء، فما قالوا من جور صدّقهم عليه، ومعلِّم الصبيان لا يواسي بينهم..."5.

عدم التمييز في تربية الأطفال من حيث الذكورة والأنوثة
وتتأكّد العدالة التربويّة في خطّ علاقة المربّي بأطفاله من حيث الجنسيّة (الذكورة والأنوثة)، بمعنى أن لا يوجد المربّي مناخاً متمايزاً إيجاباً للطفل وسلباً للطفلة، فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "من كان له أنثى فلم يئدها ولم يُهنها ولم يؤثر ولده عليها، أدخله الله الجنّة"6.

وكذا العكس، فعن سعد بن سعد الأشعريّ قال: سألتُ أبا الحسن الرضا عليه السلام...، فقلتُ: جُعلتُ فداك، الرجل يكون بناته أحبّ إليه من بنيه؟ قال الرضا عليه السلام: "البنات والبنون في ذلك سواء، إنّما هو بقدر ما يُنزلهم الله عزّ وجلّ منه"7.
 
 

1- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص483.
2- المتقي الهندي، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ضبط وتفسير: الشيخ بكري حياني / تصحيح وفهرسة: الشيخ صفوة السقا، مؤسسة الرسالة - بيروت - لبنان، 1409 - 1989م، لا.ط،ج16، ص445.
3- المصدر نفسه.
4- محمد الريشهري، ميزان الحكمة، دار الحديث، دار الحديث، لا.ت، ط1،ج4، ص3673.
5- المصدر نفسه، ج3، ص2543.
6- ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللئالي، ج1، ص181.
7- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص51. أي الحبّ، إنّما يكون بقدر ما يجعل اللَّه لهم المنزلة من قلبه.
 
 
 
 
42

30

الدرس الثالث: العدالة التربويّة

 نعم، أحياناً، ولأنّ طبيعة البنت عاطفيّة أكثر، تحتاج إلى الرأفة والرحمة والرقّة والحنان و... أكثر من الابن، وهذا ما نُلاحظه في المنهاج النبويّ. فعن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله تبارك وتعالى على الإناث أرأف منه على الذكور، وما من رجل يُدخل فرحة على امرأة بينه وبينها حرمة، إلاّ فرَّحه الله تعالى يوم القيامة"1.


وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله، كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور، فإنّه من فرّح ابنة فكأنّما أعتق رقبة من ولد إسماعيل، ومن أقرّ عين ابن فكأنّما بكى من خشية الله، ومن بكى من خشية الله أدخله جنّات النعيم"2.

التمايز بين السلوك والعاطفة
ممّا لا شكّ فيه أنّ الله تعالى جبل الإنسان وفطره بأصل الخلقة والتكوين على حبّ أطفاله، وعجن في قلبه الميل العاطفيّ إليهم، وكلّ من يسلك خلاف هذا المنهج فهو يتحرّك بعكس نداء الفطرة، ويسير باتجاه مناقض لمقتضى الطبيعة. فحبّ الأطفال أمر طبيعيّ في كلّ إنسان، ولكن مع ذلك، فإنّ الحبّ من المعاني المشكّكة لا المتواطئة، بمعنى أنّ له مراتب تختلف شدّة وضعفاً في ما بينها. وتفريعاً عليه: عندما نتحدّث عن العدالة التربويّة، هل المقصود هو العدالة في الحبّ والعاطفة، أم العدالة في السلوك والعمل؟

والجواب عن هذا السؤال متوقّف على بيان مقدّمة منهجيّة متعلّقة ببيان الفارق بين أفعال القلوب وأفعال الجوارح، فقد ميّز الفقهاء بين هذين النحوين من الأفعال. فعلى سبيل المثال يقول الميرزا حبيب الله الرشتيّ: "... إنّ محبّة الوباء وتمنّي الغلاء وأمثال ذلك من الكيفيّات النفسيّة ليست من الأفعال الَّتي تتّصف بالحرمة، ومحلّ البحث ما لو كان المعلول فعلاً قابلاً للتحريم، وهما ليسا كذلك، وكذا سائر الأمور القلبيّة والكيفيّات النفسانيّة، كالحبّ والبغض والشوق والعزم والإرادة وغيرها ممّا لا يُعدّ من الأفعال
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص6.
2- الشيخ الصدوق، الأمالي ، ص673.
 
 
 
 
43

31

الدرس الثالث: العدالة التربويّة

 الاختياريّة التي هي موضوع علم الفقه، ومعروضة للأحكام الشرعيّة، وما في الأثر من الذّمّ وتوعيد النار على جملة من الصفات الذميمة القلبيّة والأخلاق الرذيلة، كحبّ الدنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة، وحبّ الجاه والرئاسة والكبر والحسد والعجب، وغيرها من الأخلاق الرذيلة، فليست على ظاهرها، بل لابدّ من صرفها بحكم العقل القاطع إمّا إلى حرمة مقدّماتها وأسبابها التي يتولَّد منها، أو إلى وجوب معالجتها بالرياضات والمجاهدات النفسانيّة، أو بعض ما قُرّر بعلاجها في الأخبار وعلم الأخلاق، أو إلى حرمة ما يجري على بعضها من الآثار كما يشهد به بعض الأخبار1"2.


وبناءً عليه، يتّضح أنّه ليس كلّ أفعال القلوب واقعة تحت قدرة الإنسان واختياره وإرادته الحرّة. وإذا أردنا أن نضرب مثلاً قرآنيّاً على ذلك، فقد تحدّث القرآن عن العدالة بين النساء حال تعدّد الزوجات بقوله: ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء3, وحمل الفقهاء هذا المعنى من نفي العدالة على العدالة القلبيّة في المحبّة لا على نفي مطلق العدل، معلِّلين ذلك بأنّ المودّة القلبيّة من الأمور غير الاختياريّة، فلا تكون متعلّقاً للنهي عنها، لذا قالوا إنّ العدل الواجب بين النساء هو في ترتيب الأثر الخارجي4.

يقول السيّد الطباطبائيّ قدس سره في تفسير الآية السابقة: "العدل هو الوسط بين الإفراط والتفريط، ومن الصعب المستصعب تشخيصه، ولا سيّما من حيث تعلّق القلوب تعلّق الحبّ بهنّ، فإنّ الحبّ القلبيّ ممّا لا يتطرّق إليه الاختيار دائماً... والواجب على الرجل من العدل بين النساء أن يسوّي بينهنّ عملاً بإيتائهنّ حقوقهنّ من غير تطرّف، والمندوب عليه أن يُحسن إليهنّ ولا يُظهر الكراهة لمعاشرتهنّ ولا يُسيء إليهنّ خُلُقاً"5.
 
 

1- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ثلاثة لا يسلم منها أحد: الطيرة، والحسد، والظنّ. قيل: فما نصنع؟ قال عليه السلام: "إذا تطيّرت فامض، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تُحقّق". المجلسي، العلامة محمد باقر بن محمد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، بيروت - لبنان، مؤسسة الوفاء، 1403ه - 1983م، ط2،ج55، ص320.
2- ميرزا حبيب الله الرشتي، بدائع الأفكار، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، لا.ت، لا.ط،ص385.
3- سورة النساء، الآية 129.
4- السيد محمد صادق الروحاني، فقه الصادق عليه السلام، مؤسسة دار الكتاب - قم، 1412، ط3،ج22، ص228.
5- السيد الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، لا.ت، لا.ط،ج5، ص101.
 
 
 
44

 


32

الدرس الثالث: العدالة التربويّة

 وهذا ما نُلاحظه بشكل واضح في الروايات، فعندما سأل هشام بن الحكم الإمام الصادق عليه السلام عن معنى الآية، قال عليه السلام: "يعني في المودّة"1، فعدم القدرة على العدل بين النساء في المودّة والحبّ القلبيّ لا يعني ترك العدالة في السلوك العمليّ، كما هو واضح.


وهذا المثال يصلح لتقريب الفكرة في ما نحن فيه، حيث لا نقصد بعدم التمييز بين الأطفال هو ما يعيشه الإنسان من حالات وجدانيّة داخل قلبه تجاه أطفاله وأولاده، فإنّ المشاعر القلبيّة قد تخرج عن التحكّم والسيطرة كأحاسيس في داخل الإنسان، ولهذا قد يُحبّ طفلاً أكثر من طفل، إمّا لسبب معلوم، كأن يكون الطفل نفسه متميّزاً في أخلاقه وأفعاله، وإمّا لسبب مجهول، كأن يلقى في قلبه محبّة طفل بنحو أشدّ من طفل آخر، كما عبّر الإمام الرضا عليه السلام سابقاً في قوله: "إنّما هو بقدر ما ينزلهم الله عزّ وجلّ منه"، لأنّ أفعال القلوب كثيراً ما تكون خارج التحكّم، ولذا، لا تُعتبر اختيارية للإنسان. ومن هنا لم يكن الإنسان ليُخاطب ويُكلّف بها، وبالتّالي ليعاقَب عليها، فلذا لن يكون مأموراً بالعدالة القلبيّة، فيكون معنى العدالة والمساواة التربويّة، عدم جعل ميزة خاصّة لطفل على آخر في المعاملة الفعليّة دون المحبّة القلبيّة، فإنّ المحبّة القلبيّة ليست دائماً واقعة تحت الاختيار.

لكن اتّضح ممّا تقدّم في كلام الميرزا الرشتي، أنّ الإنسان يستطيع من خلال التدريب والعادة ومجاهدة النفس، أن يصل إلى مرحلة يتحكّم فيها بمشاعره أيضاً، زيادة أو نقصاناً، من خلال السيطرة على المقدّمات والأسباب، وبالتّالي على النتائج. ومن هنا ورد النهي عن كراهة البنات كما سيأتي، لأنّ الكراهة أولاً خلاف مقتضى الفطرة، وثانياً لأنّها قابلة للتحكّم بها، وواقعة تحت الاختيار من خلال تربية النفس على خلافها.

وعلى كلّ حال، المطلوب هو أن يكون سلوك المربّي عادلاً مع أطفاله، بمعنى عدم التمييز بينهم من الناحية العمليّة، بأن لا يجعل حبّه لبعضهم أكثر من بعض ظاهراً في
 
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج5، ص363.
 
 
 
45

33

الدرس الثالث: العدالة التربويّة

 سلوكه معهم، لأنّ إظهار مدى الحبّ بالتمايز من خلال السلوك، يُثير الحساسيّة والتحاسد بين الإخوة من جهة، وقد يؤدّي إلى التباغض، أي بغض بعضهم بعضاً، فالنزاع والتصارع.


لذا، يقول الشهيد الثاني في تعليل كراهة تفضيل بعض الأبناء على بعض: "... لأنّ التفضيل يورث العداوة والشحناء بين الأولاد، كما هو الواقع شاهداً وغابراً، ولدلالة ذلك على رغبة الأب في المفضَّل المثير للحسد المفضي إلى قطيعة الرحم"1.

وهذا ما تُلمّح إليه قصّة النبيّ يوسف عليه السلام، إذ إنّ ظنّ أبناء النبيّ يعقوب عليه السلام واعتقادهم أنّه يُفضّل يوسف عليهم، جعلهم يتآمرون عليه ويكيدون له كيداً. قال تعالى في حكاية ذلك: ﴿لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ * اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ﴾2. مع الإشارة إلى أنّ النبيّ يعقوب عليه السلام لم يتصرّف على خلاف مقتضى العدل والإنصاف في تربية أولاده، وإنّما كانت زيادة العطف منه على يوسف وأخيه مسألة طبيعيّة لكونهما صغيرين وضعيفين، "وهذا النوع من الحبّ المشوب بالرقّة والترحّم ممّا يدعه الكبار للصغار، وينقطعون عن مزاحمتهم ومعارضتهم في ذلك، ترى كبراء الأولاد إذا شاهدوا زيادة اهتمام الوالدين بصغارهم وضعفائهم، واعترضوا بأنّ ذلك خلاف التعديل والتسوية، فأُجيبوا بأنّهم صغار ضعفاء يجب أن يُرقّ لهم ويُرحموا حتى يصلحوا للقيام على ساقهم في أمر الحياة، سكتوا وانقطعوا عن الاعتراض وأقنعهم ذلك"3، لكن أولاد النبيّ يعقوب عليه السلام هم أنفسهم كانوا في ضلال، ولذا لم يكن النبيّ يأمنهم على يوسف، فالمشكلة فيهم مع كونهم بالغين، لا في النبيّ الذي تعامل مع يوسف وأخيه بنيامين الطفلين، بمنطق الطفولة.

وفي هذا السياق نُلاحظ أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال: "قال والدي: والله إنّي لأصانع
 
 

1- الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، مؤسسة المعارف الإسلامية، مؤسسة المعارف الإسلامية - قم - إيران، 1413ه، ط1،ج6، ص28.
2- سورة يوسف، الآيات 7-9.
3- السيد الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج11، ص92. ويراجع حول تفسير الآية: الميزان في تفسير القرآن، ج11، ص89 وما بعد.
 
 
 
 
46
 

34

الدرس الثالث: العدالة التربويّة

 بعض ولدي وأجلسه على فخذي وأُكثر له المحبّة، وأُكثر له الشكر، وإنّ الحقّ لغيره من ولدي، ولكن محافظة عليه منه ومن غيره، لئلّا يصنعوا به ما فُعل بيوسف وإخوته، وما أنزل الله سورة يوسف إلا أمثالاً لكيلا يحسد بعضنا بعضاً، كما حسد بيوسف إخوته، وبغوا عليه"1.


بين الحبّ والحبّ الأشدّ
ونُنبّه إلى أنّنا عندما نتحدّث عن العدالة التربويّة، إنّما يدور الكلام في المسألة بين الحبّ والحبّ الأشدّ، لا بين الحبّ والكراهة أو البغض. فحتّى لو صدر عن طفل ما أفعال عدّة غير مرغوب فيها، ينبغي أن لا تصل الحالة الشعوريّة للأب أو الأمّ تجاه الطفل إلى درجة كراهته أو بغضه، بل إنّما يُبغض عمل الطفل وفعله دون ذاته وشخصه. ويُمكن تقريب الفكرة بما ورد في بعض الأحاديث عن أمير المؤمنين عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنّ الله يُحبّ العبد ويُبغض عمله"2، وعن الإمام الباقر عليه السلام، قال: "إنّ الله يُحبّ العبد ويُبغض عمله، ويُبغض العبد ويُحبّ عمله"3. وعلى كلّ حال، إنّ من يُصاب بحالة من الكراهة القلبيّة والبغض لأطفاله عليه أن ينظر إلى ذاته على أنّه يحتاج إلى معالجة أخلاقيّة ونفسيّة.

الفرق بين العدالة والمساواة
قد يُقال إنّ طبيعة الأنثى تختلف عن طبيعة الذكر من جهة، وإنّ طبيعة كلّ طفل تختلف عن طبيعة غيره من جهة ثانية، فالأطفال لهم خصائصهم ومميّزاتهم حسب الجنسيّة والمرحلة العمريّة واستعدادات الذكاء والسلوكات والمهارات و...، ومعنى العدالة هو إعطاء كلّ ذي حقٍّ حقّه، وإعطاء كلّ ذي استعداد ما هو مستعدّ له من الكمالات. وبناءً عليه، فإنّ العدالة التربويّة تقتضي أن يكون هناك تمايز في التعامل على ضوء التمايز
 
 

1- العيّاشي، محمّد بن مسعود، تفسير العيّاشي، ج2، ص166.
2- نهج البلاغة، ج2، ص44.
3- الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص411.
 
 
 
47

35

الدرس الثالث: العدالة التربويّة

 والفروق الفرديّة والمراحل العمريّة بين الأطفال، فكيف تجتمع الدعوة إلى المساواة بينهم مع أنّها خلاف العدالة التربويّة؟


في الجواب عن هذا السؤال، لا بدّ من التمييز بين نوعين من المساواة: النوع الأوّل: المساواة التي هي مقتضى العدالة وتجتمع معها، والثاني: المساواة التي تُغاير العدالة. فلا شكّ في أنّ كلّ طفل له نوع خاصّ من الاحتياجات والمتطلّبات في كلّ مرحلة عمريّة من مراحل حياته، فالطفل ابن سنة مثلاً يحتاج إلى أن يحمله أهله ويضعوه في سريره ويُطعموه بأيديهم ويغسلوا يديه... إلخ، في حين أنّ الطفل ابن سبع سنوات يذهب إلى سريره بنفسه وينام فيه، ويستطيع أن يأكل طعامه بنفسه، ويغسل يديه بنفسه... إلخ، كما أنّ الطفلة في عمر تسع سنوات تُلزم بالحجاب والصلاة والصوم، في حين أنّ أخاها الذكر لا يُلزم بذلك. كما أنّ الطفل الذي لديه استعدادات ضعيفة من الذكاء وصعوبات تعلّم، يحتاج إلى عناية خاصّة من خلال مركز أو أستاذ في المنزل، مقابل الطفل الذي لديه استعدادات ذكاء أفضل ولا يحتاج إلى ذلك... إلخ من ألوان التمايز الطبيعيّ حسب أسبابه.

وبناءً عليه، لا يكون معنى العدالة التربويّة هنا أن يسوّي المربّي بينهما، فيحمل ابن سبع سنوات ويضعه في سريره، ويُطعمه غذاءه، ثم تُغسل يداه من قِبَل المربّي، لأنّ هذا خلاف مقتضى التربية التي تُريد أن توصل الطفل إلى كماله اللائق بحاله، من الاعتماد على ذاته وإكسابه المهارات اللازمة لإدارة حياته... إلخ.

وبهذا يتبيّن أنّ المقايسة والمقارنة إنّما يُمكن أن تحصلا بين الطفل الأوّل والثاني فيما يُمكن الاشتراك فيه، لا فيما هو مورد للتمايز والاختلاف. بمعنى أن لا يُظهر الأب أو الأمّ مثلاً، أنّه يهتمّ ويرعى ويُميّز الطفل الأوّل أكثر من الطفل الثاني... وهكذا. أمّا كيفية عدم إظهار ذلك فلها تقنيّات مختلفة، كأن يجعل الطفل الثاني هو الوسيط بينه وبين الطفل الأوّل، بإعطائه حسّ المسؤوليّة تجاهه، وإشعاره بأنّه تحت ظلّه ولطفه ومحبّته، بأن يقول له مثلاً: اهتمّ بأخيك أو أختك، حدّثه وتكلّم معه ولاعبه، أطعمه طعامه... إلخ. والتقنيّات في كلّ منزل
 
 
 
 
 
 
48

36

الدرس الثالث: العدالة التربويّة

 تختلف من حالة إلى أخرى، والمهم أنّ الجامع المشترك هو عدم جعل طفل ما يشعر بميزة إيجابيّة أو سلبيّة له من قِبَل المربّي على طفل آخر، والكيفية تتنوّع وتختلف حسب الجنس والعمر والحاجات... إلخ.


وبعبارة أخرى، يوجد بين الأطفال جهة اشتراك، وجهة اختلاف وتمايز، والعدالة تقتضي أن يُعطى كلٌّ منهما حقّه فيما هو متمايز به عن الآخر، بمقتضى الجنس أو السنّ أو الاستعداد والاحتياجات... إلخ. ولذا بلحاظ العناصر المشتركة يكون هناك مساواة، وبلحاظ العناصر المختلفة يكون هناك عدالة. وهنا تحتاج المسألة إلى دقّة في تشخيص متى تبدأ مرحلة وتنتهي مرحلة في تطبيق العدالة التربويّة على الأطفال من جهة، وفي تطبيق العدالة بنحو لا يشعر فيها الطفل بتمايز إيجابيّ لمصلحته على الطفل الآخر، ولا يشعر فيه أخوه بتمايز سلبيّ تجاهه.

وبهذا يتّضح وجود فرق بين العدالة والمساواة، فإنّ المساواة ليست من الضروريّ أن تكون مرادفة للعدالة، بل قد تكون المساواة ظلماً بحقّ الأطفال. فالعدالة لا تعني التساوي في نظام الحقوق والواجبات، وإنّما تعني تفاوت الحقوق بتفاوت خصائص الأطفال، وهي تتقوّم بإعطاء كلّ ذي حقٍّ حقّه، وعدم إعطاء غير صاحب الحقّ ما لا يستحقّه.

فالعدالة تقتضي إعطاء كلّ ذي حقٍّ من الأبناء ما هو مستحقٌّ له على ضوء كمالاته الاختيارية التي يسعى لتحصيلها، من المعرفة والخلق الكريم، والمهارات الحسنة، والالتزام بالآداب العامّة، والسعي بنشاط وجهد لتنمية ذاته وتطوير شخصيّته1... والتي تجعله متميّزاً، فيستحقّ المعاملة المميّزة مكافأة له وثواباً وتشجيعاً وتحفيزاً للتسامي، مع التنبيه إلى جعل الطفل الآخر يعي أنّ مثار التميّز ليس لأخيه أو أخته من حيث ذاته، وإنّما بسبب سيره في خطّ التكامل. فمثلاً الطفل الذي يسعى جاهداً للدراسة والتعليم وتسجيل علامات مرتفعة للنجاح، في حين أنّ أخاه يتكاسل عمداً ولا يرغب في الدراسة ولا التعلّم ويُسجّل علامات منخفضة، فإنّه من الظلم المساواة بينهما في المعاملة من هذه الناحية،
 

1- وبهذا يتبيّن أيضاً الفرق بين التمييز بين الأطفال ابتداءً، فإنّه على خلاف مقتضى العدالة، وبين التمييز جزاءً، أي من ناحية الجزاء على العمل، فإنّه بسبب المكافأة على الجميل، وهو عين العدالة.
 
 
 
49

37

الدرس الثالث: العدالة التربويّة

 بل ينبغي تشجيع المتعلّم بنحو يظهر فيه للمتكاسل أنّ هذا التشجيع والثواب هو على أفعاله هذه، بنحو لو أتيت مثله وصدر عنك هذا الفعل المرغوب ستُجازى وتُكافأ وتُثاب بمثله بل أكثر، ليكون أيضاً تشجيعاً للمتكاسل على شقّ طريقه نحو النجاح لنيل ذلك الثواب، ولا يكون هذا بخلاف مقتضى العدالة، بل هو العدالة.


وعلى ضوء هذا التمييز بين العدالة والمساواة، نفهم العديد من الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام، منها:
عن سعد بن سعد الأشعريّ، قال: "سألتُ أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الرجل يكون بعض ولده أحبّ إليه من بعض ويُقدّم بعض ولده على بعض؟

فقال عليه السلام: "نعم، قد فعل ذلك أبو عبد الله عليه السلام، نَحَلَ محمّداً، وفعل ذلك أبو الحسن عليه السلام، نَحَلَ أحمد شيئاً، فقمت أنا به حتى حزته له1"2.
 
 

1- أي قمت وتصرفت فيما أعطى أبي لأخي من النحلة حتى جمعت له، وذلك لأنه كان طفلاً.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص51.
 
 
 
 
50

38

الدرس الثالث: العدالة التربويّة

 المفاهيم الرئيسة


- من أبرز المشكلات التربويّة التي تعيشها بعض العائلات المسلمة هي التمييز بين الأطفال في التعامل داخل الأسرة، حيث يجري التمييز الإيجابيّ لمصلحة طفل على حساب طفل آخر، أو لمصلحة الصبيّ مقابل البنت. وقد واجه المنهاج التربويّ الإسلاميّ هذه العادة من خلال ما نصطلح عليه اسم "المساواة التربويّة" أو "العدالة التربويّة"، فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "... اتّقوا الله واعدلوا بين أولادكم...".

- تتأكّد العدالة التربويّة في خطّ علاقة المربّي بأطفاله من حيث الجنسيّة (الذكورة والأنوثة)، بمعنى أن لا يوجد المربّي مناخاً متمايزاً إيجاباً لمصلحة الطفل وسلباً ضدّ الطفلة. فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "من كان له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها، أدخله الله الجنّة". وكذا العكس أيضاً.

- عندما نتحدّث عن العدالة التربويّة، ليس المقصود هو العدالة في الحبّ والعاطفة، بأن يُحبّ طفلاً أكثر من طفل آخر، لأنّها في الكثير من الأحيان خارجة عن إرادة الإنسان وقدرته. بل نقصد العدالة في الفعل والسلوك، أي عدم جعل ميزة خاصّة لطفل على آخر في المعاملة الفعليّة، فلا يجعل حبّه لبعضهم أكثر من بعض ظاهراً في سلوكه معهم، لأنّ إظهار مدى الحبّ بالتمايز من خلال السلوك يُثير الحساسيّة والتحاسد بين الإخوة من جهة، وقد يؤدّي إلى التباغض، أي بغض بعضهم بعضاً، فالنزاع والتصارع.

- لو صدر عن طفل ما أفعال عدّة غير مرغوب فيها، ينبغي أن لا تصل الحالة الشعوريّة للأب أو الأمّ تجاه الطفل إلى مرحلة كراهته أو بغضه، بل يُبغض عمل الطفل وفعله دون ذاته وشخصه.

- إنّ العدالة بين الأطفال لا تعني عدم ملاحظة الفروق العمريّة والفرديّة بينهم، فالطفل ابن سنة مثلاً يحتاج إلى أن يحمله أهله ويضعوه في سريره ويُطعموه بأيديهم ويغسلوا يديه... إلخ، في حين أنّ الطفل ابن سبع سنوات يذهب إلى سريره بنفسه وينام فيه، ويستطيع أن يأكل طعامه بنفسه ويغسل يديه بنفسه... إلخ. كما أنّ الطفل الذي لديه استعدادات ضعيفة من الذكاء وصعوبات تعلُّم، يحتاج إلى عناية خاصّة من خلال مركز أو أستاذ في المنزل، مقابل الطفل الآخر الذي لديه استعدادات ذكاء أفضل لا يحتاج إلى ذلك... إلخ من ألوان التمايز الطبيعيّ حسب أسبابه.
 
 
 
 
 
51

39

الدرس الثالث: العدالة التربويّة

 أسئلة الدرس


1- هل ترى أن بعض الأسر المسلمة تواجه مشكلة التمييز السلبيّ بين الأبناء في التعامل؟
2- ما هي الأطروحة التي قدّمتها الرؤية التربويّة الإسلاميّة لمعالجة مشكلة التمييز بين الأطفال؟
3- اذكر حديثين عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يحثّان على العدل بين الأبناء.
4- هل يُمكن أن يكون الإنسان عادلاً مع أبنائه في العاطفة القلبيّة والمشاعر الوجدانيّة؟ وإذا كان الجواب بالنفي، فأين يكمن سرّ العدالة بين الأبناء إذاً؟
5- هل العدالة بين الأطفال تعني عدم أخذ المراحل العمريّة والفروق الفرديّة بين الأبناء بعين الاعتبار، أم يمكن ملاحظة تلك الفروق بنحو لا يؤثّر في العدالة التربويّة؟
 
 
 
 
 
52

40

الدرس الرابع: النظرة الإسلاميّة إلى الطفلة

 الدرس الرابع

النظرة الإسلاميّة إلى الطفلة


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يحدّد طبيعة النظرة الجاهليّة إلى البنت.
2- يذكر معتقدات المجتمعات القديمة بالمرأة.
3- يعدّد الخطوات التي أسّسها الإسلام لمكافحة النظرة السلبيّة إلى البنت.
4- يعرض النصوص الدينيّة الدالة على سمو النظرة الإسلاميّة إلى البنت.
 
 
 
 
55

41

الدرس الرابع: النظرة الإسلاميّة إلى الطفلة

 تمهيد

نتوقّف في هذا الدرس عند نظرة الإسلام إلى الطفلة، لنرى مدى سمّو وتعالي هذه النظرة إنسانيّاً في ضوء تعاليم الوحي الإلهيّ، وكيف كافح الإسلام نزعة التمييز الجنسيّ ضد الطفلة.

التمييز ضدّ الطفلة عند عرب الجاهليّة
كان لدى عرب الجاهليّة العديد من العادات والتقاليد القبيحة، منها التمييز في النظرة إلى المولود بين الذكر والأنثى، فكان: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ﴾1, وقال تعالى: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ2.

ففي هاتين الآيتين، يرسم لنا القرآنُ تصويراً في غاية الروعة البلاغيّة في بيان كيفيّة استقبال المولود الأنثى من قِبَل العرب، فكان المولود له يستقبل الطفلة بكيفيّة يكون فيها وجهه في غاية السواد، لما يعتريه من مظاهر الحزن، بسبب قلبه المملوء بالكرب والهمّ
 
 

1- سورة النحل، الآيتان 58 - 59.
2- سورة الزخرف، الآية 17. في معنى البشر بالآية رأيان: الرأي الأوّل: أن البشر استعمل من باب التهكّم والاستهزاء بهم، كما في قوله تعالى:  (فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) سورة آل عمران، الآية 21.
الرأي الثاني: أنه استعمل بمعناه الحقيقيّ، أي السرور والفرح، لأن المخبِر الناقل لخبر المولود، إنما ينقل خبراً بطبيعته ووفق مقتضى الفطرة السليمة ينبغي أن يثير مشاعر الفرح والسرور، لأن ّكلّ فعل ينبغي أن يُقابل بردّ فعل مناسب له لا معاكس، ولكن المتلقّي للخبر لسوء سريرته وقبحه الفاعليّ، يتعامل مع الخبر بطريقة عكسيّة، فأراد القرآن أن يُنبّه إلى أنّ هذا الخبر هو في حقيقته بشرى سارّة، ولكن المتلقّي يتعامل معه على أساس نفسيّته أنّه خبر محزن كئيب مخجل.
 
 
 
 
57

42

الدرس الرابع: النظرة الإسلاميّة إلى الطفلة

 والغمّ والكآبة، وتجعله حالة الكآبة هذه يتوارى ويختفي ويختبئ من الناس خجلاً، ويعيش في وجدانه المظلم صراع الخيارات ويحتار في اتخاذ القرار، هل يدع الطفلة حيّة، مع ما في ذلك من عار وهوان ومذلّة له - من وجهة نظره - أم يدفنها حيّة في التراب؟! إنّه لمشهد يُفطر القلب من الألم، فما ذنب تلك الطفلة البريئة التي تفتح عينيها في هذه الدنيا فبدل أن تستقبلها ذراعا والدها بلمسات الحنان، يرفضها كأنّها شؤم له. وكان بعضهم يحسم خياره ويتّخذ القرار بوأد ابنته: ﴿وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ1, والبعض الآخر يتّخذ القرار بإبقائها حيّة، ولكن ممّا يشقّ الصدر حزناً أيضاً أنّه بعد أن يُربيّها حتى تُصبح أمام عينيه فتاة بالغة ترتسم البسمة على شفاهها، وتنظر ببراءة إلى وجه أبيها، يعود إليه صوت الجهالة الجهلاء والضلالة العمياء، فيُقرّر أن يدفن ابنته البالغة.


عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: إنّي قد ولدت بنتاً وربّيتها، حتىّ إذا بلغت فألبستها وحلّيتها، ثم جئت بها إلى قليب (أي بئر)، فدفعتها في جوفه، وكان آخر ما سمعت منها وهي تقول: يا أبتاه..."2.

وقد استمرّت هذه النظرة متجذّرة في حياة المسلمين والمؤمنين، حيث كان يُنظر إلى الفتاة نظرة سخط وكره وحقد. فقد "بُشّر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بابنة، فنظر في وجوه أصحابه، فرأى الكراهة فيهم..."3.

- وعن حمزة بن حمران، قال: "أتى رجل وهو عند النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فأُخبر بمولود أصابه، فتغيّر وجه الرجل.
فقال له النبيّ: ما لك؟
فقال: خير.
فقال: قل.
قال: خرجت والمرأة تمخض، فأُخبرتُ أنّها ولدت جارية (بنتاً)..."4.
 
 

1- سورة التكوير، الآيتان 8-9.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص163.
3- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص481، ح4693.
4- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص5.
 
 
 
58

43

الدرس الرابع: النظرة الإسلاميّة إلى الطفلة

 - وعن الجارود بن المنذر قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: "بلغني أنّه ولد لك ابنة، فتسخطها وما عليك منها..."1.


- ونقل إبراهيم الكرخيّ عن بعضهم، قال: "تزوّجت بالمدينة، فقال لي أبو عبد الله عليه السلام: كيف رأيت؟

قُلتُ: ما رأى رجل من خير في امرأة إلا وقد رأيته فيها، ولكن خانتني!
فقال عليه السلام: وما هو؟
قلت: ولدت جارية (بنتاً)..."2.

النظرة إلى المرأة في الحضارات السابقة
ويظهر من خلال الرصد التاريخيّ والإنثربولوجيّ للحضارات والثقافات، أنّ الشعوب على اختلافها كانت تُضفي على الذكورة قيمة ذاتيّة أكبر من التي تُعطيها للأنوثة. ومن الأفكار التي كانت سائدة، أنّه كان يُنظر إلى المرأة على أنّها رجس ونجس، وأنّها كائن لا نفس له، ومخلوق بلا روح، لذا لا ترث الحياة الأبديّة، وعليها أن لا تأكل الطيّبات، ولا تضحك، ولا تتكلّم. بل في بعض الأحيان كان يوضع على فمها قفل لمنعها من الكلام. وكان الرجل ينزل بها العقوبات الجسديّة لأنّها أداة غواية بيد الشيطان لإفساد القلوب. واعتُبرت رقيقاً تابعاً للرجل، ولا حقوق لها مطلقاً، وأنّها ترمز إلى الوباء والموت والجحيم، وأنّ حقّها بالحياة ينتهي بموت زوجها3، وعليها أنْ تُلقي نفسها في نيرانه، أو تُدفن مع زوجها الميت، ويطلب منها أن تنتحر لكي تقوم بخدمته في عالم ما بعد الموت. ولم يكن من حقّها أن تملك شيئاً، ولا أن تتّخذ قراراً. كما اعتُبرت أمرّ من الموت، والصلاح بالنجاة منها، وأنّها أداة من أجل تحقيق المصالح القوميّة العليا للجماعة. هذا بعض ممّا جاء من الأفكار عن المرأة، موزّعاً على الحضارات الرومانيّة والهنديّة واليهوديّة والعربيّة الجاهليّة وغيرها.
 
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ص6.
2- المصدر نفسه، ج6، ص5.
3- يراجع: ديورانت، ويل، قصّة الحضارة، ج1، مجلد1، ص62.
 
 
 
 
 
59

44

الدرس الرابع: النظرة الإسلاميّة إلى الطفلة

 وفي العقل الغربيّ كانت المرأة كائناً من الدرجة الثانية، فقد عُقد عام 586 م مؤتمر في فرنسا للبحث في أمر المرأة، كانت نتائجه أنّ المرأة مخلوقة لخدمة الرجل1. بل نستطيع القول إنّهم من بعض الوجوه ما زالوا كذلك حتى الآن، من خلال ما ذكرناه سابقاً، إذ بقيت المرأة في الفكر الأوروبيّ والغربيّ رمزاً للاستثمار الجنسيّ، ووسيلة لإشباع رغبات الرجل.


مكافحة الإسلام لظاهرة كراهة البنات
وهذه الظاهرة التي لم تنته آثارها ومفاعليها في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل في عصرنا الحاضر. وعلى الرغم من مرور مئات السنين على موقف الإسلام، ما زال البعض يعيش في داخله موروثات العادات والتقاليد الجاهليّة تجاه المولود الأنثى، ولو كان هذا البعض ينتمي إلى الإسلام عقيدة وقيماً وشريعة، لعلم وآمن وعمل بقيم الإسلام في هذا المجال، فقد حاربها وكافحها بأشدّ الصور والأشكال، من خلال العديد من الخطوات التي ترجع إلى سياستي الترهيب والترغيب، والتي ينبغي أن نُربّي أنفسنا وأبناءنا عليها، حتى نصل إلى مرحلة يُصبح فيها استقبال خبر ولادة الأنثى كخبر الذكر على حدٍّ سواء، ونتجرّد من التعامل مع بشارة المولود بذهنيّة السلطة الذكوريّة. وسنذكر بعض الخطوات التي توضح لنا كيف رفع الإسلام من شأن الأنثى، وكيف كافح الإسلام هذه الظاهرة، وتلهمنا وجوب عدم التمييز بين الأطفال، من حيث الجنسيّة (الذكورة الأنوثة)، في بناء خطّ العلاقة التربويّة معهم.

أولاً: في جانب النهي، نهى الإسلام عن العديد من الحالات الذهنيّة والنفسيّة والسلوكيّة السلبيّة تجاه البنت، مثل وأدها، وكراهتها، وتمنّي موتها، وتشدّد في ذلك.

ثانياً: حثّت بعض الروايات المسلمين على التخلّق بالأخلاق الإلهيّة والنبويّة في الرأفة والرحمة بالبنات.


ثالثاً: اعتبرت بعض النصوص أن البنات هم رحمة ورأفة وبركة وخير وحسنة في المنزل، فالبيت يتبارك بوجود البنات فيه.
 

1- أنظر: شلبي، أحمد، مقارنة الأديان الإسلام، ج3، ص204-206.
 
 
 
 
60

45

الدرس الرابع: النظرة الإسلاميّة إلى الطفلة

 رابعاً: ذكّرت بعض النصوص الإنسان بأنّه لا يعلم الغيب، ﴿وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾1, وبالتالي ما أدراه، فقد تكون البنت أكثر نفعاً له من الذكر في المستقبل، ﴿آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً﴾2, وما أكثر الشواهد على هذا الأمر في واقع حياتنا.


خامساً: اعتبرت النصوص أن إعالة البنات وإعانتهنّ يعتبر ستراً من النار، وبطاقة دخول الجنّة.

سادساً: ذكّرت صاحب البنات بأنه سيكون في عون الله وكنفه وظلّه ونصره.

... إلخ من النقاط التي تظهر باستقراء النصوص وتحليل مضمونها، وإليك بعض النصوص في ذلك:
النصوص الروائيّة الدالّة على طبيعة النظرة الإسلاميّة إلى البنات
1- تحريم وأد البنات:
- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "نهى - الله عزّ وجلّ - عن عقوق الأمّهات ووأد البنات"3.

- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "إنّ الله حرّم عليكم عقوق الأمّهات، ووأد البنات..."4.

2- النهي عن كراهة البنات:
- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تكرهوا البنات، فإنّهنّ المؤنسات الغاليات"5.

3- النهي عن تمنّي موت البنات:
- عن جارود قال: قُلتُ لأبي عبد الله عليه السلام: إنّ لي بنات، فقال عليه السلام: "لعلّك تتمنّى موتهنّ، أما إنّك إنْ تمنّيت موتهنّ فمتن لم تؤجر، ولقيت الله عزّ وجلّ يوم تلقاه وأنت عاص"6.
 
 

1- سورة الأعراف، الآية 188.
2- سورة النساء، الآية 11.
3- الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، معاني الأخبار، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1379 - 1338 ش، لا.ط،ص280.
4- البخاري، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1401ه - 1981م، لا.ط،ج3، ص87.
5- الطبراني، المعجم الكبير، تحقيق وتخريج: حمدي عبد المجيد السلفي، دار إحياء التراث العربي، لا.ت، ط2،ج17، ص310.
6- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص5.
 
 
 
61

46

الدرس الرابع: النظرة الإسلاميّة إلى الطفلة

 تقدّم في بعض الدروس أنّ حبّ الأطفال أمر فطريّ عند الإنسان، عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال: "قال موسى بن عمران: يا ربّ، أيّ الأعمال أفضل عندك؟ فقال عزّ وجلّ: حبُّ الأطفال "1. وقد حثّ الإسلام الوالدين على تنشيط هذه الغريزة الفطريّة التي جبلهما الله تعالى عليها في حبّ الأطفال، الصبيان والبنات، وحفّزهم على عدم التعمية على هذه الفطرة ودسّها في غياهب قسوة القلب، ونهاهم عن كراهة البنات، وعن تمنّي موت البنات، وأنّ الإنسان يلقى الله تعالى عاصياً بسبب ذلك. وعلى كلّ حال، كلّ عمل على خلاف مقتضى الفطرة يُناهضه الدين الإسلاميّ.


4- التخلّق بأخلاق الله بالرأفة بالبنات:
- عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله تبارك وتعالى على الإناث أرأف منه على الذكور..."2.

5- التأسّي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
- عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بنات"3.

- عن الجارود بن المنذر، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: "بلغني أنّه وُلد لك ابنة فتسخطها، وما عليك منها، ريحانة تشمّها وقد كُفيت رزقها. و(قد) كان رسول الله أبا بنات"4.

6- دعاء النبيّ إبراهيم أن يُرزق بنتاً:
- عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "إنّ أبي إبراهيم عليه السلام سأل ربّه أن يرزقه ابنة تبكيه وتندبه بعد موته"5.
 
 

1- أحمد بن محمد بن خالد البرقي، المحاسن، تصحيح وتعليق: السيد جلال الدين الحسيني (المحدث)، دار الكتب الإسلامية - طهران، 1370 - 1330 ش، لا.ط،ج1، ص200.
2- الشيخ الكليني، الكافي، ج6، ص6.
3- المصدر نفسه، ج6، ص6.
4- المصدر نفسه، ص6.
5- المصدر نفسه، ج6، ص6.
 
 
 
 
62

47

الدرس الرابع: النظرة الإسلاميّة إلى الطفلة

 7- بركة البيت الذي فيه بنات ورحمته:

- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من بيت فيه البنات إلّا نزلت كلّ يوم عليه اثنتا عشرة بركة ورحمة من السماء، ولا ينقطع زيارة الملائكة من ذلك البيت، يكتبون لأبيهم كلّ يوم وليلة عبادة سنة"1.

8- خير الأولاد البنات:
- عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "من كانت له ابنة واحدة، كانت خيراً له من ألف حجّة، وألف غزوة، وألف بدنة، وألف ضيافة"2.

- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "نعم الولد البنات، ملطّفات مجهّزات، مؤنسات مباركات مفلّيات3"4.

- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "خير أولادكم البنات"5.

- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: "نعم الولد البنات، ملطّفات مؤنسات، ممرّضات مبديات"6.

9- البنات مباركات مؤنسات:
تقدّم في الحديثين السابقين، ومنها: عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "رحم الله أبا البنات، البنات مباركات محبّبات...، وهنّ الباقيات الصالحات"7.

10- اعتبار البنات حسنات يُثاب عليهنّ:
- عن الإمام الصادق عليه السلام: "البنات حسنات، والبنون نعمة، فإنّما يُثاب على الحسنات، ويُسأل عن النعمة"8.
 

1- السيد البروجردي، آية الله العظمى الحاج آقا حسين الطباطبائي، جامع أحاديث الشيعة، قم، لا.ن، 1399ه، لا.ط،ج21، ص303.
2- المصدر نفسه، ص302.
3- مفليات: من الفلو، وهي كلمة تدل على التربية والتفتيش، ولذا يقال للبحث عن القمل في الشعر تفلية، والمراد بالمفليات هنا إما بمعنى أنهن باحثات عن القمل مثلاً كما فهمه الفيض الكاشاني في الوافي، وإما بمعنى التفتيش عن كل أمر غير مرغوب فيه لإزالته وتنقيته، أو كناية عن شدة الاهتمام بشؤون الأب أو الأخ أو الولد والزوج...
4- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ح5.
5- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص219.
6- السيد البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج21، ص301.
7- المصدر نفسه.
8- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص6.
 
 
 
63

48

الدرس الرابع: النظرة الإسلاميّة إلى الطفلة

 - عنه عليه السلام: "البنون نعيم، والبنات حسنات، والله يسأل عن النعيم، ويُثيب على الحسنات"1.


11- اعتبار الطفلة ريحانة:
- روى الشيخ الصدوق: بُشّر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بابنة، فنظر في وجوه أصحابه، فرأى الكراهة فيهم، فقال: "ما لكم! ريحانة أشمّها، ورزقها على اللَّه"2.

- وعن الإمام عليّ عليه السلام: "كان رسول الله إذا بُشّر بجارية، قال: ريحانة، ورزقها على الله عزّ وجلّ"3.

- عن حمزة بن حمران، قال: "أتى رجل وهو عند النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فأُخبر بمولود أصابه، فتغيّر وجه الرجل.

فقال له النبيّ: ما لك؟
فقال: خير.
فقال: قل.
قال: خرجت والمرأة تمخض، فأُخبرت أنّها ولدت جارية.
 

1- الشيخ الكليني، الكافي،ج6، ص6، ح12.
2- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص481.
3- العلامة المجلسي، بحار الانوار، ج101، ص98. فضل الله الراوندي، النوادر، سعيد رضا علي عسكري، مؤسسة دار الحديث الثقافية - قم، لا.ت، ط1،ص96.
 
 
 
 
64

49

الدرس الرابع: النظرة الإسلاميّة إلى الطفلة

 فقال له النبيّ: الأرض تقلّها، والسماء تظلّها، والله يرزقها، وهي ريحانة تشمّها"1.


12- الأنثى قد تكون أنفع للوالدين من الذكر:
- نقل إبراهيم الكرخيّ عن بعضهم قال: "تزوّجت بالمدينة، فقال لي أبو عبد الله عليه السلام: كيف رأيت؟
قُلتُ: ما رأى رجل من خير في امرأة إلا وقد رأيته فيها، ولكن خانتني!
فقال عليه السلام: وما هو؟
قُلتُ: ولدت جارية.
قال: لعلّك كرهتها، إنّ الله عزّ وجلّ يقول: ﴿آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً﴾2"3.

13- الإحسان إلى البنات يُدخل الجنّة:
- عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "من كان له أختان أو بنتان فأحسن إليهما، كُنتُ أنا وهو في الجنّة كهاتين، وأشار بإصبعيه: السبّابة والوسطى"4.

14- إعالة البنات تُدخل الجنّة:
- عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنّة. فقيل: يا رسول الله، واثنتين؟ فقال: واثنتين. فقيل: يا رسول الله، وواحدة؟ فقال: وواحدة"5.

- وعن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "من عال ابنتين أو أختين أو عمّتين أو خالتين، حجبتاه من النار"6

- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "من عال ابنتين أو ثلاثاً كان معي في الجنّة"7.

- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "من عال ثلاث بنات، يُعطى ثلاث روضات من رياض الجنّة، كلّ روضة أوسع من الدنيا وما فيها"8.

- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ومن عال واحدة أو اثنتين من البنات، جاء معي يوم القيامة كهاتين، وضمّ إصبعيه"9.
 
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص6.
2- سورة النساء، الآية 11.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص5.
4- ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللئالي، ج1، ص253.
5- الشيخ الكليني،الكافي، المصدر السابق، ح10.
6- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص483.
7- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج15، ص115.
8- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج15، ص115.
9- السيد البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج21، ص302.
 
 
 
 
65

50

الدرس الرابع: النظرة الإسلاميّة إلى الطفلة

 15- الله تعالى يُعين صاحب البنات:

- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "من كان له ابنة، فالله في عونه ونصرته وبركته ومغفرته"1.

- عن أحد الإمامين الباقر أو الصادق عليهما السلام، قال: "إذا أصاب الرجل ابنة، بعث الله إليها ملكاً، فأمرّ جناحه على رأسها وصدرها، وقال: ضعيفة خُلقت من ضعف، المنفق عليها معان إلى يوم القيامة"2.

- وعن الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ، عن آبائه، عن الصادق عليه السلام: "إنّ رجلاً شكا إليه غمّه ببناته، فقال عليه السلام: الذي ترجوه لتضعيف حسناتك ومحو سيّئاتك، فارجه لصلاح حال بناتك، أما علمت أنّ رسول الله قال: لمّا جاوزت سدرة المنتهى وبلغت قضبانها وأغصانها، رأيت بعض ثمار قضبانها أثداؤه معلّقة يقطر من بعضها اللبن، ومن بعضها العسل، ومن بعضها الدهن، ومن بعضها شبه دقيق السميد، ومن بعضها النبات، ومن بعضها كالنبق3، فيهوي ذلك كلّه نحو الأرض، فقُلتُ في نفسي: أين مقرّ هذه الخارجات؟... فناداني ربّي: يا محمّد، هذه أنبتّها من هذا المكان لأغذو منها بنات المؤمنين من أمّتك وبنيهم، فقل لآباء البنات: لا تضيقنّ صدوركم، عليّ فاقتهنّ، فإنّي كما خلقتهنّ أرزقهنّ"4.
 
 

1- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج15، ص115.
2- الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، ثواب الأعمال، تقديم: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضي - قم، 1368 ش، ط2،ص202.
3- النبق: حمل شجر السدر.
4- الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، عيون أخبار الرضا عليه السلام، تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، بيروت - لبنان، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1404 - 1984م، لا.ط،ج2، ص7.
 
 
 
 
66

51

الدرس الرابع: النظرة الإسلاميّة إلى الطفلة

 16- الرضا بما يختاره الله تعالى:

- قال تعالى: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ1.

- قال الإمام الصادق عليه السلام لرجل رآه متسخّطاً من جارية وُلدت له: "أرأيت لو أنّ الله تبارك وتعالى أوحى إليك: أن أختار لك أو تختار لنفسك؟ ما كُنتَ تقول؟
قال: كُنتُ أقول: يا ربِّ تختار لي.
قال عليه السلام: فإنّ الله قد اختار لك.

ثم قال عليه السلام: إنّ الغلام الذي قتله العالِمُ الذي كان مع موسى عليه السّلام، وهو قول اللَّه عزّ وجلّ: ﴿فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾2, أبدلهما اللَّه به جارية ولدت سبعين نبيّاً"3.

17- أول مولود بنت يمن لأمّها:
- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من يُمنِ المرأة أن يكون بكرها جارية، يعني أول ولدها ابنة"4.
 
 

1- سورة الشورى، الآية 49.
2- سورة الكهف، الآية 81.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص7.
4
 
 
 
67

52

الدرس الرابع: النظرة الإسلاميّة إلى الطفلة

 المفاهيم الرئيسية


- كان بعض عرب الجاهليّة يستقبل الطفلة بكيفيّة يكون فيها وجهه في غاية السواد، لما يعتريه من مظاهر الحزن، بسبب قلبه المملوء بالكرب والهمّ والغمّ والكآبة. وتجعله حالة الكآبة هذه يتوارى ويختفي ويختبئ من الناس خجلاً.

- وكان بعضهم يحسم خياره ويتّخذ القرار بوأد ابنته: ﴿وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ﴾.

- ويظهر من خلال الرصد التاريخيّ والإنثربولوجيّ للحضارات والثقافات، أنّ الشعوب على اختلافها كانت تُضفي على الذكورة قيمة ذاتيّة أكبر من التي تُعطيها للأنوثة. ومن الأفكار التي كانت سائدة، أنّه كان يُنظر إلى المرأة على أنّها رجس ونجس، وأنّها كائن لا نفس له، ومخلوق بلا روح، لذا لا ترث الحياة الأبديّة، وعليها أن لا تأكل الطيّبات.

- لم تنته آثارها ومفاعليها في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل في عصرنا الحاضر على الرغم من مرور مئات السنين على موقف الإسلام، ما زال البعض يعيش في داخله موروثات العادات والتقاليد الجاهليّة تجاه المولود الأنثى، ولو كان هذا البعض ينتمي إلى الإسلام عقيدة وقيماً وشريعة، لعلم وآمن وعمل بقيم الإسلام في هذا المجال، فقد حاربها وكافحها بأشدّ الصور والأشكال.

- ينبغي أن نُربّي أنفسنا وأبناءنا عليها، حتى نصل إلى مرحلة يُصبح فيها استقبال خبر ولادة الأنثى كخبر الذكر على حدٍّ سواء، ونتجرّد من التعامل مع بشارة المولود بذهنيّة السلطة الذكوريّة.

- رفع الإسلام من شأن الأنثى، وكافح النظرة السلبيّة إليها من خلال:
أولاً: في جانب النهي، نهى الإسلام عن العديد من الحالات الذهنيّة والنفسيّة والسلوكيّة السلبيّة تجاه البنت، مثل وأدها، وكراهتها، وتمنّي موتها.
ثانياً: حثّت بعض الروايات المسلمين على التخلّق بالأخلاق الإلهيّة والنبويّة في الرأفة والرحمة بالبنات.

ثالثاً: اعتبرت بعض النصوص أن البنات هم رحمة ورأفة وبركة وخير وحسنة في المنزل، فالبيت يتبارك بوجود البنات فيه.

رابعاً: ذكّرت بعض النصوص الإنسان بأنه لا يعلم الغيب، ﴿وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾، وبالتالي ما أدراه، فقد تكون البنت أكثر نفعاً له من الذكر في المستقبل، وما أكثر الشواهد على هذا الأمر في واقع حياتنا.

خامساً: اعتبرت النصوص أن إعالة البنات وإعانتهنّ يعتبر ستراً من النار، وبطاقة دخول الجنة.

سادساً: ذكّرت النصوص صاحب البنات بأنه سيكون في عون الله وكنفه وظلّه ونصره.
 
 
 
 
68

53

الدرس الرابع: النظرة الإسلاميّة إلى الطفلة

 أسئلة الدرس


1- ما هي نظرة العرب في الجاهليّة إلى الأنثى؟ اذكر الشواهد والأدلّة القرآنيّة على ذلك.

2- هل كانت المجتمعات السابقة على الإسلام تعيش حالة التمييز السلبيّ ضدّ الأنثى؟ اذكر بعض النماذج على ذلك.

3- كيف واجه الإسلام ظاهرة التمييز السلبيّ ضدّ الأنثى؟ اذكر 6 خطوات على ذلك.

4- عن الجارود بن المنذر، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: "بلغني أنّه وُلد لك ابنة فتسخطها، وما عليك منها، ريحانة تشمّها وقد كُفيت رزقها. و(قد) كان رسول الله أبا بنات"، حلّل مضمون هذه الرواية مستخرجاً منها 4 قيم إيجابيّة في النظرة إلى البنات.

5- عن الإمام الصادق عليه السلام، قال لرجل رآه متسخّطاً من جارية وُلدت له: "أرأيت لو أنّ الله تبارك وتعالى أوحى إليك: أن أختار لك أو تختار لنفسك؟ ما كُنتَ تقول؟ قال: كُنتُ أقول: يا ربِّ تختار لي. قال عليه السلام: فإنّ الله قد اختار لك". ما هو الدرس والعبرة التي يمكن استفادتهما من هذه الرواية؟
 
 
 
 
 
69

54

الدرس الخامس: التربية بالقدوة والنموذج السلوكيّ

 الدرس الخامس

التربية بالقدوة والنموذج السلوكيّ


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرف أنّ الطفل كائن حسّي أكثر منه عقليّ.
2- يعرض أهمّيّة تربية الطفل بالنموذج الحسّيّ والسلوكيّ.
3- يعتقد بأنّ تربية النفس هو مبدأ تربية الأطفال.
4- يُميّز بين الانضباط الذاتيّ والموضوعيّ في تربية الطفل.
 
 
 
 
 
 
71

55

الدرس الخامس: التربية بالقدوة والنموذج السلوكيّ

 تمهيد

ذكرنا في الجزء الأوّل1 أنّ طبيعة الطفل تتميّز بخصائص عديدة، منها:
أولاً: إنّ أوّل محطّة معرفيّة للطفل هي مرحلة الإدراك الحسّيّ، فإنّ الطفل يتعرّف إلى العالم المحيط به والأشياء من حوله بواسطة أدوات الحسّ. ومهما تطوّر الإدراك المعرفيّ عند الطفل، تبقى المعرفة الحسّيّة هي الأشدّ حضوراً في حياته. بل إنّ الإنسان بشكل عامّ، نتيجة نشأته في عالم الطبيعة والحسّ، يأنس بالمحسوس، ولهذا نُلاحظ أنّ الله سبحانه وتعالى عندما أراد تعليم الناس العقائد، قدّمها إليهم في القرآن الكريم بأسلوب التعليم بالتشبيه الحسّيّ والتمثيل. وهكذا كان منهج رسول الله وأهل البيت صلّى الله عليه وعليهم في التعليم. فمثلاً، نُلاحظ أنّ المعاد صُوّر في القرآن بتصويرات حسّيّة لتقريب الفكرة إلى أذهان الناس، إذ يتحدّث الله تعالى في العديد من الآيات القرآنيّة عن كيفيّة نزول الماء من السماء وإحياء الأرض ونباتها به بعد أن كانت ميتة، ويُعقّب ذلك بقوله: ﴿كَذَلِكَ الْخُرُوجُ2, أو: ﴿كَذَلِكَ النُّشُورُ3... إلخ.

وهذا يستلزم تعليم الطفل وتقديم القيم والمعاني المجرَّدة له باعتماد أسلوب التشبيه والتمثيل الحسّيّ، وهذا هو القسم الأول من أقسام التربية بالحس.

وثانياً: إنّ قلب الطفل كالأرض الخالية والصفحة البيضاء، ما أُلقي فيها من شيء قبلته. وإنّ نفس الطفل لديها قدرة عجيبة على التقليد والمحاكاة، بل الإنسان
 
 

1- الدرس السادس.
2- سورة ق، الآية 11. وراجع: سورة الروم، الآية 19.
3- سورة فاطر، الآية 9.
 
 
 
73

56

الدرس الخامس: التربية بالقدوة والنموذج السلوكيّ

 بشكل عامّ ينزع إلى محاكاة وتقليد الشخصيات التي يتأثّر بها وينفعل معها.


وفي هذا السياق أيضاً، نُلاحظ أنّه لا يُمكن للإنسان أن يعيش التفاعل مع القيم كمعانٍ مجرّدة، ما لم تتمثّل وتتجسّد في أرض الواقع. فالحقّ والصدق والشجاعة والكرم... إلخ، إذا لاحظها الإنسان بحواسّه متجسّدة ومتشخّصة في الواقع بإنسان محدّد يقدّمها في السلوك، يتفاعل معها بطريقة إيجابيّة أكثر ممّا لو عقلها كمعانٍ ومفاهيم مجرّدة، لذا يتعلّق الإنسان بالشخصيّات التي تُجسد القيم. ومن هنا كانت الدعوة إلى التأسّي بشخصيّة الرسول الاكرم والإمام عليّ بن أبي طالب عليهما السلام، لأنّهما نموذجان جسّدا تلك القيم وغيرها، عملاً بتمام معنى التجسّد، ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾1.

وهذا هو القسم الثاني من أقسام التربية بالحسّ، وهو ليس مجرد عملية نقل المفاهيم والقيم إلى الطفل بأسلوب التشبيه الحسي، بل جعل الطفل يشاهد القيم متجسدة في سلوك المربّي.

يقول السيّد محمّد باقر الصدر قدس سره بهذا الصدد: "الإنسان بحسب طبيعة جهازه المعرفيّ وتكوينه النظريّ خُلق حسّيّاً أكثر منه عقليّاً، خُلق متفاعلاً مع هذا المستوى الانخفاضيّ من المعرفة أكثر ممّا هو متفاعل مع المستوى النظريّ المجرّد من المعرفة. وهذا يعني أنّ الحسّ أقدر على تربية الإنسان من النظر العقليّ المجرّد، ويحتلّ من جوانب وجوده وشخصيّته وأبعاد مشاعره وعواطفه وانفعالاته، أكثر ممّا يحتلّ العقل "المفهوم النظريّ المجرّد". وبناءً على هذا كان لا بد للإنسان من حسّ مربّ"2.

معتبراً أنّ هذا الحسّ المربّي هو الرسول الأعظم والأئمّة المعصومون عليهم السلام.

ولذا كانت التربية النبويّة لعليٍّ عليه السلام تربية بالنموذج الحسّيّ والسلوكيّ، كما يصف لنا أمير المؤمنين عليه السلام ذلك بقوله: "وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره، ويكنفني
 
 

1- سورة الأحزاب، الآية 21.
2- الصدر، محمّد باقر، موجز في أصول الدين، ص224-225. ويراجع: ص224-240، فإنه بحث لطيف حول الموضوع.
 
 
 
 
74

57

الدرس الخامس: التربية بالقدوة والنموذج السلوكيّ

 إلى فراشه، ويمسّني جسده، ويشمّني عرفه1. وكان يمضغ الشيء ثم يُلقمنيه. وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل. ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله وسلم من لدن أن كان فطيماً، أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره.


ولقد كُنتُ أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به. ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري. ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخديجة وأنا ثالثهما. أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوّة. ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلى الله عليه وآله وسلم، فقُلتُ: يا رسول الله، ما هذه الرنّة؟ فقال: هذا الشيطان أيس من عبادته. إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى، إلا أنّك لست بنبيّ. ولكنّك وزير، وإنّك لعلى خير"2.

ومن هنا، نُلاحظ تركيز أئمّة أهل البيت عليهم السلام على أن تكون الدعوة إلى الدين والتبليغ لرسالة الله تعالى، معتمدة على الفعل والسلوك المتجسّد قبل الدعوة باللسان، لأنّها أشدّ تأثيراً في نفوس الناس.

عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، قال: "كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد، والصلاة والخير، فإنّ ذلك داعية"3.

ولنتأمل في كلمة "ليروا" التي تدل هنا على النظر إلى الشيء بالبصر، وهذا يعني أن العمل الصادر عن الإنسان يشكِّل نموذجاً سلوكيّاً حسيّاً يؤثر في المشاهد أكثر من تأثير الألفاظ والكلمات.

وعن أبي أسامة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "عليك بتقوى الله، والورع والاجتهاد، وصدق الحديث وأداء الأمانة، وحسن الخلق وحسن الجوار، وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم..."4.
 
 

1- عرفه: رائحته الذكية.
2- نهج البلاغة، ج2، ص175.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص77.
4- المصدر نفسه.
 
 
 
 
75

58

الدرس الخامس: التربية بالقدوة والنموذج السلوكيّ

 وانطلاقاً من النزعة الحسّيّة أولاً، وقدرة التقليد والمحاكاة في نفس الطفل ثانياً، و"مؤثّرية" تجسّد المعاني والقيم في النموذج الحسّيّ على المشاهد والمتلقّي ثالثاً، تُعتبر التربية بالقدوة والنموذج السلوكيّ من أفضل أساليب التربية للطفل، بمعنى أن يكون الأهل قدوة حسنة له، يُحاكيهم كنموذج في أقوالهم وأفعالهم وأخلاقهم وتصرّفاتهم، ويتّبعهم في جميع ذلك. وقد عرّف الراغب الأصفهانيّ القدوة بأنّها: "الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتّباع غيره، إن حسناً وإن قبيحاً"1، وهذا يقتضي منهم إظهار الفعل المرغوب صدوره من الطفل من قبلهم في جانب الإيجاب أولاً، وإخفاء الفعل غير المرغوب صدوره عنه من قبلهم في الجانب السلبيّ ثانياً.


فالطفل لا يُمكنه -بينه وبين نفسه- تمييز السبب الذي يدعو أهله إلى نهيه عن سلوكٍ وإتيان مثله بأنفسهم، كأن ينهى الأب أو الأم مثلاً الأبن عن التدخين أو السبّ والشتم لأخيه، أو الصراخ وارتفاع صوته على أخته، أو الاعتراض على طعام ما والرمي به في الأرض... إلخ، في الوقت الذي يُمارس فيه الأهل أنفسهم التدخين والشتم والسبّ والصراخ و... في المنزل.

ونِعَم ما قال أحد تلامذة الإمام عليّ عليه السلام، أبو الأسود الدؤليّ شعراً:
يا أيّها الرجل المعلِّم غيره                  هلّا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا       كيما يصحّ به وأنت سقيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيّها                 فإذا انتهت عنها فأنت حكيم
فهناك يُقبل ما تقول ويُقتدى                 بالقول منك ويحصل التسليم
لا تنهَ عن خلق وتأتي مثله                  عارٌ عليك إذا فعلت عظيم

فحتى لو كان سلوك الوالدين سيّئاً، ينبغي عليهما أن لا يُظهراه أمام الطفل
 
 

1- الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان عدنان داوودي، طليعة النور، 1427ه، ط2،ص76.
 
 
 
 
76

59

الدرس الخامس: التربية بالقدوة والنموذج السلوكيّ

 في المنزل، لأنّه سيُقلّده ويُحاكيه ويتمثّله في سلوكاته اليوميّة، ويجد مبرّراً له في ذلك بسلوك والديه أمامه. خصوصاً أنّ الطفل إضافةً إلى قدرة المحاكاة والتقليد في حدّ نفسها، لديه تعلّق شديد وارتباط قويّ بوالديه، ممّا يزيد من نسبة الاقتداء السلوكيّ بهما.


يقول الإمام روح الله الخمينيّ قدس سره في هذا السياق: "إنّ الأطفال هم دائماً أو غالباً مع الأبوين، فلا بدّ من أن تكون تربيتهما عملية، بمعنى أنّنا لو فرضنا أنّ الأبوين ليسا متّصفين بالأخلاق الحسنة والأعمال الصالحة، لكن لا بدّ من أن يُظهرا في نفسيهما الصلاح أمام الأطفال ليكونوا عمليّاً مهذّبين ومربّين، ولعلّ هذا بنفسه يكون مبدأ لإصلاح الأبوين، لأنّ المجاز قنطرة الحقيقة، والتطبّع طريق الطبع.

إنّ فساد الأبوين العمليّ يسري إلى الأطفال أسرع من أيّ شيء، فإذا تربّى الطفل عمليّاً عند الأبوين تربية سيّئة، فهي تبقى فيه إلى آخر العمر، فلا يعود قابلاً للإصلاح برغم جهود المربّين وتعبهم.

إنّ الأبوين الصالحين الحَسني التربية، هما من التوفيقات القدريّة والسعادات غير الاختياريّة التي تكون أحياناً من نصيب الطفل، كما أنّ فسادهما وسوء تربيتهما أيضاً، من الشقاوات والاتفاقات القدريّة التي تُلازم الإنسان من دون اختياره"1.

الانضباط الذاتيّ والموضوعيّ
وهذا النوع من التربية بالنموذج السلوكيّ، يساعد الطفل على الانضباط الذاتيّ، ولا على الانضباط الموضوعيّ الخارجيّ فحسب، ونقصد بالانضباط الذّاتيّ السلوك الذي ينبع من أعماق نفس الطفل، وينطلق من القوّة الداخليّة للفطرة السليمة، ويستمدّ قوّته ورصيده من المحتوى الأخلاقيّ والقيميّ والروحيّ. بمعنى أن يقوم الطفل بالسلوك الحسن ويمتنع عن السلوك السّيّئ بسبب القناعة الداخليّة المنطلقة من تلك القيم المتجسّدة في سلوك الوالدين. ويُطلق القرآن الكريم على عمليّة الانضباط الذاتيّ اسم "التزكية"، كما أشرنا إلى معناها في الدرس الأول من الجزء الأول.
 
 

1- الامام الخمينيّ، روح الله، جنود العقل والجهل، ص142.
 
 
 
77

60

الدرس الخامس: التربية بالقدوة والنموذج السلوكيّ

 فهذا التحديد الذاتيّ والانضباط الذاتيّ يتولّد في ظلّ التربية الإسلاميّة والتنشئة على القيم الرساليّة من خلال النموذج العمليّ، بحيث تزرع في روح الطفل قوّة معنويّة تؤثّر في سلوكه بشكل كبير، وتعمل على تحديد السلوك بشكل طبيعيّ، وتوجّهه توجيهاً مهذّباً صالحاً، من دون أن يشعر الطفل بسلب شيء من حرّيته، لأنّ هذا التحديد نابع من واقعه الروحيّ وأعماق ذاته، فلا يجد فيه حدّاً ومصادرة لحرّيّته.


في مقابل التحديد الموضوعيّ الذي يُعبِّر عن قوّة خارجيّة، تُحدّد السلوك وتضبطه في دائرة الحسن، وتتمثّل هذه القوّة الخارجيّة:
أولاً: بالأوامر والنواهي المباشرة.
وثانياً: بقانون العقاب على السلوك السيّئ1.

وعنصر الضبط الخارجيّ، وإنْ كان مهمّاً، لكنّه لا يؤدّي وظيفته المطلوبة من دون عنصر الضبط الداخليّ.

فالتربية الإسلاميّة تتميّز عن غيرها من ألوان التربية الأخرى، كالتربية التي تدعو إليها المدرسة السلوكيّة القائمة على ملاحظة السلوك وقياسه ورصده، أو المدرسة البراجماتيّة القائمة على أساس أنّ السلوك الحسن هو ما يُحقّق ثمرة عمليّة، بأنّها تُريد أن ينطلق السلوك من شحنة داخليّة قيميّة وروحيّة ووجدانيّة، لا أن يكون السلوك مجرّد حركة انضباط خارجيّ وحسب. فمثلاً لا تُريد للطفل أن يقف احتراماً للآخرين خوفاً أو طمعاً مع شتمه لهم في داخله، بل تُريد أن يقف احتراماً انطلاقاً من قيمة الاحترام التي يعيشها في داخله، كشحنة محرّكة ذاتياً للسلوك الخارجيّ، فينضبط إيقاع السلوك الخارجيّ على ضوء معزوفة القلب.
 
 

1- جرت الاستفادة في هذه الفقرة بما يتناسب مع موضوع بحثنا من كتاب: السيد محمد باقر الصدر، اقتصادنا، مكتب الإعلام الإسلامي - فرع خراسان، مؤسسة بوستان كتاب قم (مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي)، 1425 - 1382ش، ط2،ص282 – 284.
 
 
 
 
78

61

الدرس الخامس: التربية بالقدوة والنموذج السلوكيّ

 تربية الذات نقطة الانطلاق في تربية الطفل

ومن خلال ما تقدّم، يتّضح أنّ على الوالدين تربية أنفسهما قبل تأديب الطفل وتربيته، لأنّهما إن لم يكونا في أنفسهما مؤدّبين، فلا يُمكن أن يتأدّب الطفل منهما، لأنّ فاقد الشيء لا يُعطيه، عن الإمام عليّ عليه السلام، قال: "من نصّب نفسه للناس إماماً، فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليمه غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلّم نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلّم الناس ومؤدّبهم"1.

وعن الإمام عليّ عليه السلام: "أفضل الأدب ما بدأت به نفسك"2.

وعنه عليه السلام: "تولّوا من أنفسكم تأديبها..."3.

فعملية تربية الطفل لا تكون بمجرّد اللفظ والقول ولسان الأمر والنهي، بل تكون تربية عمليّة من خلال كون المؤدِّب نموذجاً وقدوة وأسوة للطفل، يُحاكيه في أفعاله وسلوكاته. لذا يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "أصلح المسيء بحُسن فعالك"4.

وعنه عليه السلام، قال: "لسان الحال أصدق من لسان المقال"5.

فمن الأصول التربويّة في الرؤية الإسلاميّة التربية بالنموذج والقدوة والأسوة، وهذا النوع من التربية غير مختصّ بالأب والأمّ، بل يشمل كلّ معلّم ومربّ، في المدرسة والكشّاف وغيرهما من المؤسّسات التربويّة. فعلى الأب والأمّ والمعلّم والمربّي والقائد الكشفيّ والمدرّب الرياضيّ... حتى يستطيعوا تربية الطفل والتلميذ تربية صالحة، أن يبدأوا بتربية أنفسهم أولاً، ليكون ذلك منطلقاً صحيحاً لتربية الأطفال والتلاميذ تالياً، وأن تكون تربيتهم بسيرتهم وفعلهم، لا بالأقوال والألفاظ.
 

1- نهج البلاغة، باب المختار من حكم أمير المؤمنين ومواعظه، ص640-641، ح73.
2- ميزان الحكمة، ج1، ص54.
3- نهج البلاغة، فصل في بيان كلمات غريبة جاءت في كلامه، ح359.
4- عيون الحكم والمواعظ، ص82.
5- المصدر نفسه، ص420.
 
 
 
 
79

62

الدرس الخامس: التربية بالقدوة والنموذج السلوكيّ

 يقول السيّد محمّد حسين الطباطبائيّ قدس سره: "إنّ من الواجب أن يكون المعلّم المربّي عاملاً بعلمه، فلا تأثير في العلم إذا لم يُقرن بالعمل، لأنّ للفعل دلالة كما أنّ للقول دلالة. فالفعل المخالف للقول يدلّ على ثبوت هيئة مخالفة في النفس، يُكذِّب القولَ، فيدلّ على أنّ القول مكيدة ونوع حيلة يحتال بها قائله.


ولذلك، نرى الناس لا تلين قلوبهم ولا تنقاد نفوسهم للعظة والنصيحة، إذا وجدوا الواعظ به أو الناصح بإبلاغه غير متلبّس بالعمل، متجافياً عن الصبر والثبات في طريقه، وربما قالوا: لو كان ما يقوله حقّاً لعمل به... فمن شرائط التربية الصالحة أن يكون المعلِّم المربِّي نفسُه متّصفاً بما يصفه للمتعلِّم، متلبّساً بما يُريد أن يلبسه، فمن المحال العاديّ أن يُربّي المربِّي الجبانُ شجاعاً باسلاً، أو يتخرّج عالمٌ حرٌّ في آرائه وأنظاره في مدرسة التعصّب واللّجاج، وهكذا1...

فلذلك كلّه، كان من الواجب أن يكون المعلِّم المربِّي ذا إيمان بموادّ تعليمه وتربيته.

... فالتربية المستعقبة للأثر الصالح هي ما كان المعلِّم المربِّي فيها ذا إيمان بما يُلقيه إلى تلامذته، مشفوعاً بالعمل الصالح الموافق لعلمه. وأمّا غير المؤمن بما يقوله، أو غير العامل على طبق علمه، فلا يُرجى منه خير. ولهذه الحقيقة مصاديق كثيرة وأمثلة غير محصاة في سلوكنا معاشر الشرقيّين والإسلاميّين، لا سيّما في التعليم والتربية في معاهدنا الرسميّة وغير الرسميّة، فلا يكاد تدبير ينفع ولا سعي ينجح"2.

وفي هذا السياق نتناول مقطعاً مهمّاً من كلمة للإمام الخامنئيّ دام ظله، يوضح فيها وظيفة المعلِّم تجاه الطفل، يقول: "إذا أخذنا التعليم بمعناه الواسع، فإنّه يشمل هذه الأمور الثلاثة:
1- الأوّل: تعليم العلم، أي تدريس محتويات الكتب والعلوم التي ينبغي لأولادنا - رجال ونساء بلادِنا في المستقبل - أن يتعلّموها.
 
 

1- قال تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ سورة البقرة، الآية 44. وقال حكاية عن قول شعيب لقومه: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ سورة هود، الآية 88.
2- السيد الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج6، ص259-260.
 
 
 
 
80

63

الدرس الخامس: التربية بالقدوة والنموذج السلوكيّ

 2- الثاني: وهو أهمّ من الأوّل، هو تعليم التفكير. يجب أن يتعلّم أطفالنا كيف يُفكّرون - الفكر الصحيح والمنطقيّ -، وينبغي أن تجري هدايتهم نحو التفكّر الصحيح... الاستفادة من العلم إنّما تُصبح ممكنة بواسطة التفكير.


3- الثالث: هو السلوك والأخلاق، أي تعليم السلوك والأخلاق... (و) تعليم الأخلاق والسلوك ليس من قبيل تعليم العلم، بحيث يقرأ الإنسان ويدرس من الكتب وحسب. درس الأخلاق لا يُمكن نقله بواسطة الكتب، السلوك مؤثّر أكثر من الكتاب والكلام. أي إنّكم في الصفّ وبين التلاميذ تُدرّسونهم بسلوككم. بالطبع يجب القول والبيان بالكلام أيضاً، ويجب إسداء النصيحة، لكنّ السلوك تأثيره أعمق وأشمل. سلوك الإنسان يُبيّن صدق الكلام"1.
 
 

1- من كلمة للإمام الخامنئيّ دام ظله في لقاء المعلمين والتربوييّن بمناسبة أسبوع المعلّم بتاريخ 07/05/2014م.
 
 
 
 
81

64

الدرس الخامس: التربية بالقدوة والنموذج السلوكيّ

 المفاهيم الرئيسة


- أوّل محطّة معرفيّة للطفل هي مرحلة الإدراك الحسّيّ، فإنّ الطفل يتعرّف إلى العالم المحيط به والأشياء من حوله بواسطة أدوات الحسّ. ومهما تطوّر الإدراك المعرفيّ عند الطفل، تبقى المعرفة الحسّيّة هي الأشدّ حضوراً في حياته، وهذا يستلزم تعليم الطفل وتقديم الأفكار والقيم و... له من خلال أسلوب التشبيه والتمثيل الحسّيّ.

- إنّ قلب الطفل كالأرض الخالية والصفحة البيضاء، ما أُلقي فيها من شيء قبلته. وإنّ نفس الطفل لديها قدرة عجيبة على التقليد والمحاكاة، والطفل لا يُمكنه العيش والتفاعل مع القيم كمعانٍ مجرّدة ما لم تتمثّل وتتجسّد في أرض الواقع. وهذا يعني أهمّيّة تربية الطفل من خلال النموذج السلوكيّ والقدوة والأسوة.

- تُعتبر التربية بالقدوة والنموذج السلوكيّ من أفضل أساليب التربية للطفل، بمعنى أن يكون الأهل قدوة حسنة له، يُحاكيهم كنموذج في أقوالهم وأفعالهم وأخلاقهم وتصرّفاتهم، ويتبعهم في جميع ذلك، وهذا يقتضي منهم إظهار الفعل المرغوب صدوره من الطفل من قِبَلهما في جانب الإيجاب أولاً، وإخفاء الفعل غير المرغوب صدوره عنه من قِبَلهما في الجانب السلبيّ ثانياً.

- استعمل القرآن الكريم الأسلوب الحسّيّ في التربية من خلال "التربية بالقصّة"، في تقديم المفاهيم والقيم... التي يُريد إيصالها إلى الناس.

- التربية بالنموذج السلوكيّ تُساعد الطفل على الانضباط الذاتيّ، وليس على الانضباط الموضوعيّ الخارجيّ وحسب، ونقصد بالانضباط الذاتيّ، الفعل والسلوك الذي ينبع من أعماق نفس الطفل، وينطلق من القوّة الداخليّة للفطرة السليمة، من دون أن يشعر الطفل بسلب شيء من حرّيّته. فالتربية الإسلاميّة تتميّز عن غيرها من ألوان التربية الأخرى، بأنّها تريد أن ينطلق السلوك من شحنة داخليّة قيميّة، لا أن يكون السلوك مجرّد حركة انضباط خارجيّ وحسب.

- على الوالدين تربية أنفسهما قبل تأديب الطفل وتربيته، لأنّهما إن لم يكونا في أنفسهما مؤدّبين، فلا يُمكن أن يتأدّب الطفل منهما، لأنّ فاقد الشيء لا يُعطيه. فعن الإمام عليّ عليه السلام: "أفضل الأدب ما بدأت به نفسك".

- وظيفة المعلِّم تجاه الطفل في رأي السيّد عليّ الخامنئيّ: تعليم العلم، أي تدريس محتويات الكتب والعلوم، وتعليم التفكير، أي أن يتعلّم أطفالنا كيف يُفكّرون. وتعليم الأخلاق والسلوك، أي تدريس الأطفال في الصفّ من خلال السلوك الحسن.
 
 
 
 
 
82

65

الدرس الخامس: التربية بالقدوة والنموذج السلوكيّ

 أسئلة الدرس


1- كيف تربط بين كون أوّل محطّة معرفيّة للطفل هي مرحلة الإدراك الحسّيّ، ولزوم تعليم الطفل للقيم والأفعال المرغوب فيها من خلال أسلوب التشبيه والتمثيل الحسّيّ؟
2- ما هي أهمّيّة تربية الطفل من خلال النموذج السلوكيّ والقدوة والأسوة؟ وما هي مميّزات هذا النوع من التربية وخصائصه؟
3- إنّ تربية الطفل من خلال النموذج السلوكيّ تضع الوالدين أمام تحدّيات تربويّة عديدة، ما هي؟
4- ما هي وظيفة المعلِّم تجاه الطفل في رأي الإمام الخامنئيّ دام ظله؟
 
 
 
 
 
83

66

الدرس السادس: التربية بالحبّ والرحمة (1) المفهوم - الأهداف - الأساليب

 الدرس السادس

التربية بالحبّ والرحمة (1)  المفهوم - الأهداف - الأساليب


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرّف التربية بالحبّ.
2- يحدّد أهداف التربية بالحبّ.
3- يميّز بين أنواع الحبّ في تربية الطفل.
4- يعرض بعض أساليب التربية بالحبّ في ضوء النصوص الدينيّة.
 
 
 
 
 
85

67

الدرس السادس: التربية بالحبّ والرحمة (1) المفهوم - الأهداف - الأساليب

 ما هي التربية بالحبّ؟

كلّ إنسان يدرك واقع الحبّ بالمعرفة الحضوريّة، لأنّه صفة نفسانيّة يعيشها بالوجدان. فالحبّ لا يحتاج إلى تعريف منطقيّ كي يتّضح معناه، وقد أقرّ العرفاء بالعجز عن تعريف الحبّ. يقول محيي الدين بن عربي: "اختلف الناس في حدّه (أي الحبّ)، فما رأيت أحداً حدّه بالحدّ الذاتيّ، بل لا يتصوّر ذلك، فما حَدَّه مَنْ حَدَّه إلا بنتائجه وآثاره ولوازمه"1.

ويمكن التعريف اللفظيّ للحبّ الإنسانيّ، بأنه الميل القلبيّ والانجذاب العاطفيّ نحو شيء ما، يعود باللذّة والبهجة على المُحِبّ.

والتربية بالحبّ تعني استثمار هذا الشعور الفطريّ بنحو إيجابيّ في تكوين هويّة الطفل بمختلف أبعادها، خصوصاً الجانب الوجدانيّ والعاطفيّ من شخصيّته.

أهداف التربية بالحبّ
تهدف عملية تربية الطفل بالحبّ إلى تحقيق أغراض عدّة، منها:
- النموّ السليم للبعد العقليّ والقيميّ والسلوكيّ.
- إشباع الحاجات العاطفيّة والوجدانيّة للطفل.
- التمتّع بالصحّة النفسيّة، بعيداً عن العقد والأمراض2.
- زيادة منسوب الذكاء العاطفيّ.
- تقوية الارتباط و"المؤثرية" بين المربّي والطفل المتربّي.
 

1- إبن عربي، الفتوحات المكية، بيروت - لبنان، دار صادر، لا.ت، لا.ط،ج2، ص325.
2- بانبيلة، حسن بن عبد الله، أصول التربية للطفولة في الإسلام، ص221.
 
 
 
87

68

الدرس السادس: التربية بالحبّ والرحمة (1) المفهوم - الأهداف - الأساليب

 العاطفة بين الجوع والإشباع

إنّ الطفل بأصل تكوينه كائن رقيق حسّاس عاطفيّ، يشعر بالحاجة إلى يد تمتدّ لتلبية نداء الوجدان لديه، وتروي ظمأه العاطفيّ. فـ"الطفل في حاجة إلى أن يشعر بحبّ الآخرين له ورضاهم عنه، خصوصاً أبويه ومعلّميه، فهو في حاجة إلى أن يكون مقبولاً مرغوباً فيه من قبل الوالدين والآخرين"1، وهو محتاج إلى الشعور بأنه موضع حبّ واهتمام وعناية ورعاية وتقدير واحترام...

ومحبّة الطفل عملة لها وجهان: إيجابيّ من حيث إنّها تمنحه طاقة إيجابيّة وتحقّق له الشعور بالسعادة، وتجعله يعيش البهجة واللّذة والسرور، وهي حاجات ضروريّة للنموّ السليم للطفل2. ووجه سالب، بمعنى أنّها تقلّص الطاقة السلبيّة عنده، وتساهم في التخفيف من حالات التوتّر والعصبيّة والعدوانيّة والأرق... في نفس الطفل.

والطفل الذي لا ينال كفايته من الحبّ والحنان من قبل والديه، سيعيش الحرمان العاطفيّ، وسيحرّكه دافع الحاجة في ذاته إلى البحث عمّا يسدّ جوعه العاطفيّ، ويرفع حرمانه خارج دائرة الوالدين. وهنا تكمن الخطورة، إذ قد يخطئ الطفل الطريق، فيرمي نفسه في أحضان شخص آخر يعوّض له عن حنان الأب والأمّ، أو يلجأ لأجل لفت نظر والديه إلى وسائل مضرّة به، فيؤذي نفسه، أو يصبح عدوانيّاً في سلوكه، أو يفشل...

لذا، على الوالدين التعامل بحبٍّ مع أطفالهم، والسعي لإشباع الحاجات العاطفيّة والوجدانيّة لهم بجميع الأساليب الممكنة، كي ينموا عقليّاً ووجدانيّاً وجسميّاً بشكل سليم.

حبّ الأطفال
أوّل خطوة على طريق التربية بالحبّ، هي أن يعيش الإنسان المربّي، سواء أكان أباً أم أمّاً أم معلّماً أم قائداً كشفياً أم مدرّباً رياضيّاً،... حالة الحبّ تجاه الأطفال المتربّين.
 
 

1- مرسي، محمد سعيد، فن تربية الأولاد في الإسلام، ص27.
2- مرسي، محمد سعيد، أحدث الأساليب التربويّة الفعالة للآباء والأمهات، ص27.
 
 
 
88

69

الدرس السادس: التربية بالحبّ والرحمة (1) المفهوم - الأهداف - الأساليب

 وإن كان حبّ الأطفال لرقّتهم وبراءتهم وطهارتهم وضعفهم من المشاعر التي جُبلت عليها النفس الإنسانيّة بأصل الخلقة والتكوين، إلا أنّه كباقي الميول الفطريّة، قابل للسير في اتجاهين، فهو إما أن يتفتّح ويتسامى باتجاه الكمال، وإما أن يذبل ويُدسّ في التراب، وكلّ ذلك بفعل الاختيار من جهة، وتأثير العوامل والظروف الخارجيّة من جهة ثانية. فاندراج شعور حبّ الأطفال شدّة وضعفاً تحت الإرادة الإنسانيّة الحرّة، يجعل إمكانيّة ضعف هذا الشعور الفطريّ بسبب بعض العوامل الذاتية أو الخارجية أمراً واقعياً. ولعلّنا في هذا السياق نلاحظ الحثّ في النصوص الدينيّة على حبّ الأطفال، وجعله من أفضل الأعمال.


عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، أنّه قال: "قال موسى بن عمران: يا ربّ، أيّ الأعمال أفضل عندك؟ فقال عزّ وجلّ: حبُّ الأطفال..."1.

وفي هذا السياق أيضاً، نفهم الأمر بحبّ الصبيان والنهي عن كراهة البنات في بعض النصوص الدينيّة.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أحبّوا الصبيان، وارحموهم..."2.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تكرهوا البنات، فإنّهنّ المؤنسات الغاليات"3.

فالحبّ صفة مشكّكة وليست متواطئة، أي قابلة للاشتداد والنقص بالاختيار، والمطلوب من المربّي أن يعمل على اشتداد الشعور بالحبّ تجاه المتربيّن في داخله، خصوصاً الآباء والأمّهات، وليعلم الإنسان أن حبّه لأطفاله وأبنائه مدعاة لنزول الرحمة الإلهيّة على العبد.

عن الإمام الصادق عليه السلام، أنه قال: "إنّ الله عزّ وجلّ ليرحم العبد لشدّة حبّه لولده"4.
 
 

1- البرقي، المحاسن، ج1، ص200.
2- الشيخ الكليني، الكافي، ج6،ص49.
3- الطبراني، المعجم الكبير، ج17، ص310.
4- الشيخ الكليني، الكافي، ج6، ص50.
 
 
 
 
89

70

الدرس السادس: التربية بالحبّ والرحمة (1) المفهوم - الأهداف - الأساليب

 وسطيّة الحبّ بين الإفراط والتفريط

إنّ الحبّ كباقي الكيفيّات النفسانيّة من ناحية ثلاثيّة الخطوط، بمعنى أنه يمكن أن يكون في نقطة الوسط، ويمكن أن يميل إلى جانب الإفراط أو التفريط. والمطلوب في حبّ الأطفال هو الوسطيّة والاعتدال، كي يكون حبّاً إيجابيّاً، والميل عن الوسطيّة إلى أحد الجانبين يجعل الحبّ سلبيّاً.

فالتفريط في الحبّ قد يؤدّي إلى الغفلة عن الله تعالى، والإفراط في الحبّ قد يؤدّي إلى الوقوع في فخّ معصية الله. فكم من شخص يعصي الله في وظيفته أو معاملاته التجاريّة مثلاً، فيرتشي أو يغشّ أو يزوّر... بحجّة أنه يريد أن يوسّع على أولاده تحت شعار حبّه لهم، وكم من إنسانٍ قد لا يشارك في التشكيلات الجهاديّة ويتخلّف عن الجهاد، ليبقى إلى جانب أطفاله، بذريعة شدّة ارتباطه العاطفيّ وحبّه لهم... إلخ من الحالات، كما يوحي بذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ1.

والخطورة في مثل هذا الحبّ السالب في التربية، هو أنه يؤدّي إلى ضرب فاعليّة بعض الأساليب التربويّة، كالتربية بالنموذج السلوكيّ، ويؤدّي إلى اعتماد أساليب خاطئة فيها، كأسلوب الإفراط في التدليل والتغنيج، أو الإفراط في الحماية، من خلال "التساهل مع الطفل وتشجيعه على إشباع رغباته، وممارسة مختلف أشكال السلوك من دون مراعاة الضوابط الدينيّة أو الخلقيّة أو الاجتماعيّة... فلهذا الأسلوب آثاره السلبيّة في شخصيّة الطفل، إذ ينشأ أنانيّاً غير آبه بأحد، حريصاً كلّ الحرص على تلبية رغباته والحصول على كلّ ما يريد"2.

وكذلك في جانب التفريط، يؤدّي نقص جرعة الحبّ للأطفال إلى استخدام أساليب سلبيّة عدّة، مثل: الأسلوب التسلّطيّ، أي التحكّم بأفعال الطفل وأقواله ورغباته بما يتوافق
 
 

1- سورة التوبة، الآية 24.
2- عجمي، سامر توفيق، عقوبة الطفل في التربية الإسلاميّة، ص199-200.
 
 
 
 
90

71

الدرس السادس: التربية بالحبّ والرحمة (1) المفهوم - الأهداف - الأساليب

 مع رغبات الأهل، بغضّ النظر عن حاجات الطفل ومتطلّباته، أو أسلوب الإهمال، بمعنى تجاهل الوالدين للطفل، وعدم الإشراف والتوجيه لأفعاله وأقواله، إيجاباً أو سلباً1.


الحبّ الحازم
وأفضل الطرائق في التربية بالحبّ، هو أن يستخدم المربّي أسلوب الحزم في لين، وقد ورد في روايات عدّة أن من صفات المؤمن وعلاماته أن يكون له حزم في لين2، بمعنى أن يضع الأمور في مواضعها من خلال الموازنة بينها من ناحية الآثار والنتائج، فيكون ليِّناً حينما يتطلّب الموقف ذلك، ويكون حازماً حينما تقتضي مصلحة الطفل ذلك، فلا حبّه يمنعه من الحزم، ولا حزمه يجعله قاسي القلب.

ومن الضروريّ التنبّه إلى التمييز بين الحزم والقسوة3، لأن الحزم يجتمع مع الحبّ والرحمة، أما القسوة فهي الغلظة القلبيّة التي تتنافى مع الحبّ والرحمة، وقد وقعت مورداً للذمّ في نصوص دينيّة عدّة.

يقول تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم﴾4.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: "إنّ أبعد الناس من الله القلب القاسي"5.

وعن حفيده الإمام الصادق عليه السلام، قال: "ومن قَسا قلبُه بَعُد من ربّه"6.

وفي هذا السياق، "أوضحت دراسة أعدّتها مؤسّسة ديموس البريطانيّة للأبحاث، أن الموازنة بين مشاعر الحبّ والحنان والانضباط والحزم تنمّي في الطفل العديد من مهارات التواصل الاجتماعيّ، مقارنة بالتربية الحازمة وحسب، أو تلك التي تتركه ينمو ويكبر دون انضباط.
 

1- يراجع: المصدر السابق، ص200.
2- عن أمير المؤمنين عليه السلام: "فمن علامة أحدهم (أي المتّقين) أنّك ترى له قوّة في دين، وحزماً في لين". نهج البلاغة، ج2، ص163. وعن الإمام الصادق عليه السلام: "المؤمن له قوّة في دين، وحزم في لين". الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص231.
3- يراجع حول قسوة القلب وأسبابها ونتائجها: عجمي، سامر توفيق، العبرة في البكاء على سيّد الشهداء، ص35 وما بعد.
4- سورة الزمر، الآية 22.
5- الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص3.
6- الشيخ الكليني،الكافي، ج3، ص199.
 
 
 
 
 
91

72

الدرس السادس: التربية بالحبّ والرحمة (1) المفهوم - الأهداف - الأساليب

 وقالت الدراسة إنّ الأطفال حتى حدود الخامسة من العمر، الذين يتربّون في بيئة عائليّة محبّة ومنضبطة، أو ما يعرف بـ "الحبّ الحازم"، ينمّون قدرات وصفات شخصيّة أفضل من أقرانهم ممّن تربّوا في بيئات مختلفة نسبيّاً.


وقال مؤلّف الدراسة جين لكسموند: إنّ المهمّ هنا هو تطوير الثقة والحبّ والحنان، المقرون بالضبط والحزم والصرامة"1.

التعبير عن الحبّ قولاً وعملاً
إنّ الحبّ كحالة نفسيّة داخليّة ليس عنصراً كافياً في عمليّة التربية بالحبّ، بل الأهمّ هو إبراز هذا الشعور الداخليّ ونقله من حيّز الوجدان إلى متن الوجود، في الأقوال والأفعال والحركات والسكنات، فكم من إنسان يحبّ أطفاله أو تلامذته أو الآخرين في قلبه، إلّا أنه لا يُظهِر حبّه لسبب أو آخر؟!

وإبراز أصل الحبّ والرحمة يحصل من خلال أساليب عدّة، نستوحي معظمها من النصوص الدينيّة.

أسلوب نظرة الحبّ
ينبغي على المربّي أن ينظر باستمرار إلى المتربّي بعين الحبّ، بنحو يُشعِر الطفل أنّه ينظر إليه بعطف ورحمة وحنان، لأن هذه النظرة تدخل الفرح والسرور في قلبه، وتجعله يحسّ أنه موضع عناية واهتمام وتقدير.

عن الإمام موسى الكاظم، عن آبائه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا نظر الوالد إلى ولده فسرّه، كان للوالد عتق نسمة2. قيل: يا رسول الله، وإن نظر ستين وثلاثمئة نظرة؟! قال: الله أكبر"3.
 
 

1- http://www.bbc.com/arabic/scienceandtech/2009/11/091108_hh_childupbringing_tc2.shtml
2- عن الإمام الصادق عليه السلام: "من أعتق نسمة صالحة لوجه اللَّه عزّ وجلّ، كفّر اللَّه عنه بها مكان كلّ عضو منه عضوا من النار". الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص180.
3- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج15، ص169.
 
 
 
 
92

73

الدرس السادس: التربية بالحبّ والرحمة (1) المفهوم - الأهداف - الأساليب

 ولأهمّيّة نظرة الحبّ، اعتبرها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عبادة، ونزّلها منزلتها.


عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "نظر الوالد إلى ولده حبّاً له عبادة"1.

أسلوب كلام الحبّ
يقول الشاعر:
إنّ الكلام لَفي الفؤاد وإنّما             جُعل اللسان على الفؤاد دليلاً

إنّ بعض الآباء يعيش الحبّ في داخله تجاه أطفاله، ولا يعبّر لهم عن ذلك الحبّ في كلامه، وإن كان يردّده في داخله. وقد يصدر عن أحدهم سلوك مرغوب فيه مثلاً، فيُحدِّث نفسه بأنه فعل جميل، ويقول في داخله: أحسنت، لكنّه لا ينطق به لسبب أو آخر. فعلى مثل هؤلاء الآباء أن ينتبهوا إلى أنّ التعبير عنّ الحبّ يزيد حرارة الشوق ودفء التواصل، ويزيد من العلاقة العاطفيّة بين الطفل وبينهم، ويشبع حاجاته في ساحات عدّة، ولا يكفي تبرير الموقف بالحبّ القلبيّ أو الحبّ العمليّ، فإنّ الحبّ اللفظيّ له منزلة خاصّة في القلب لا تذهب منه أبداً، فينبغي على المربّي أن يعبّر عن حبّه لطفله بلسان الكلام أيضاً، فيردّد على مسامع طفله يوميّاً: "إنّي أحبّك"، "اشتقت إليك"، "أنت طفلي الحبيب"،... إلخ من العبارات التي تُظِهر الحبّ..

وعلى المربّي أن يلتفت إلى عدم الربط بين التلفّظ بنفي الحبّ عن الطفل، وبين إرشاده وتوجيهه إلى سلوك مرغوب فيه، فلا يقول له مثلاً: أنا لا أحبّك لأنّك فعلت كذا، أو إذا فعلت كذا لن أحبّك، بل ينبغي استبدال هذه العبارات وأمثالها بعبارات أخرى، مثل: أنا غير مسرور، أو هذا السلوك يزعجني، أو يشعرني بالحزن...

ومن جملة كلام الحبّ، أن يطلب المربّي حاجته من الطفل بلطف، مثل: لو سمحت، من فضلك، ممكن... وإذا أخطأ بحقّه أن يبدي الاعتذار إليه مشافهة، مثل قوله: أنا آسف، أعتذر، عفواً... فإنّ لذلك دوراً في تربية الطفل على أدب الخطاب والاعتذار، فضلاً عن الارتباط العاطفيّ بالمربّي.
 

1- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج15، ص170.
 
 
 
93

 


74

الدرس السادس: التربية بالحبّ والرحمة (1) المفهوم - الأهداف - الأساليب

 أسلوب قُبلة الحبّ والرحمة

إنّ القُبلة على خدّ الطفل أو جبينه أو يده من أسمى أنواع التعبير عن الحبّ والرحمة، وقد ركّز المنهاج التربويّ النبويّ في هذا الأسلوب قولاً وعملاً، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يديم تقبيل طفليه الحسن والحسين عليهما السلام.

ففي يوم، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالساً مع أصحابه، إذ أقبل إليه الحسن والحسين عليهما السلام وهما صغيران...، فمرّة يضع لهما رأسه، ومرّة يأخذهما إليه، فقّبلهما، ورَجل من جلسائه ينظر إليه كالمتعجب من ذلك.

ثم قال: يا رسول الله، ما أعلم أنّي قبّلت ولداً لي قطّ.

فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتّى امتقع لونه. فقال للرجل: "... من لم يرحم صغيرنا، ويعزّرْ كبيرنا فليس منّا"1.

وفي يوم آخر، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبّل الحسن والحسين، فقال عيينة: إنّ لي عشرة ما قبّلت واحداً منهم قطّ. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من لا يَرحَم لا يُرحم"2.

ونلاحظ في هذه الروايات نكات مهمة:
- إنّ رحمة الطفل من أصول التربية في المنهاج النبويّ، إذ نفى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم النسبة بينه وبين الشخص الذي لا يستعمل أسلوب الرحمة مع الطفل، بقوله: "ليس منّا".

- اعتبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التقبيل من أساليب الرحمة، وربط بين عدم التقبيل ونزع الرحمة من قلب الأب أو الأمّ...

- بيّن لنا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أن تربية الطفل بالرحمة، سيكون لها أثر في نفس المربّي، إذ سيكون المتربّي رحيماً مع المربّي، كما يفيده قوله: "من لا يَرحم لا يُرحَم".
 

1- المغربيّ، النعمان بن محمّد، شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار، ج3، ص115.
2- ابن شهر آشوب، مشير الدين أبو عبد الله محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، تصحيح وشرح ومقابلة لجنة من أساتذة النجف الأشرف، النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية، 1376ه - 1956م، لا.ط،ج3، ص155. ومسند أحمد بن حنبل، ج2، ص228.
 
 
 
94

75

الدرس السادس: التربية بالحبّ والرحمة (1) المفهوم - الأهداف - الأساليب

 ومن النصوص الواردة عن الرسول في الحثّ على تقبيل الطفل:

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: "من قبّل ولده كتب الله عزّ وجلّ له حسنة، ومن فرّحه فرّحه الله يوم القيامة، ومن علّمه القرآن، دُعي بالأبوين فيُكسيان حلّتين يضيء من نورهما وجوه أهل الجنّة"1.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "قبّلوا أولادكم، فإنّ لكم بكل قبلة درجة في الجنّة، ما بين كلّ درجتين خمسمئة عام"2.

وعن الإمام عليّ عليه السلام، قال: "قُبلة الولد رحمة"3.

أسلوب ضمّ الطفل
من أساليب أصل الحبّ والرحمة أيضاً في تربية الطفل، ضمّه وشمّه واحتضانه وإجلاسه في الحجر، فينبغي على المربّي عدم البخل على الطفل بالضمّ والحضن، فإنّ حاجة الطفل إليهما على حدّ حاجته إلى الهواء والطعام والشراب.

فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقبّل الحسين عليه السلام، ويضمّه إليه، ويشمّه4.

وقد كان من أخلاق النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، أن يجلس الحسن والحسين عليهما السلام على فخذيه ويضمّهما إليه، تعبيراً عن حبّه وارتباطه العاطفيّ بهما.

أسلوب البسمة
من الأساليب المعبّرة عن الحبّ أيضاً، إدامة البسمة في وجه الطفل، حتى لو كان المربّي مثقلاً بالأعباء والهموم، إذ إن همومه ينبغي أن تبقى حبيسة صدره أمام طفله، فلا يشعره بالكآبة والهمّ والحزن.
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص49.
2- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص220.
3- المصدر نفسه.
4- الإربلي، علي بن أبي الفتح، كشف الغمة في معرفة الأئمة، بيروت - لبنان، دار الأضواء، 1405ه - 1985م، ط2،ج2، ص272.
 
 
 
95

76

الدرس السادس: التربية بالحبّ والرحمة (1) المفهوم - الأهداف - الأساليب

 وقد ركّز المنهاج النبويّ في عموم تبسّم المؤمن في وجه إخوانه، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "تبسّم المؤمن في وجه أخيه حسنة"1، فكيف الحال بالتبسّم في وجه الأطفال؟!


أسلوب المسح على رأس الطفل
فقد كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إذا أصبح مسح على رؤوس ولده وولد ولده2.

أسلوب المبادرة بإلقاء السلام على الطفل
من أساليب الحبّ، مبادرة الأب أو الأمّ إلى إلقاء التحيّة والسلام على الطفل، فإذا استيقظ مثلاً قالوا له: السلام عليكم، صباح الخير والنور. وإذا رجع الأب أو الأمّ إلى البيت بعد غيابهما عن المنزل. كذلك على الأهل أن يبادروا الطفل بالسلام... إلخ. فقد كان من أخلاق النبيّ أنه إذا مرّ على غلمان ألقى عليهم السلام3.

ويمكن أن نستوحي هذا المعنى أيضاً ممّا رُوي عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سمعت أبي يحدّث عن أبيه، عن جدّه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "خمس لا أدعهنّ حتى الممات:... والتسليم على الصبيان لتكون سنّة من بعدي"4.
 

1- علي الطبرسي، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، مهدي هوشمند، دار الحديث، 1418، ط1،ص316.
2- ابن فهد الحلي، عدة الداعي ونجاح الساعي، تصحيح: احمد الموحدي القمي، مكتبة وجداني - قم، لا.ت، لا.ط،ص87.
3- صحيح مسلم، ج7، ص5.
4- الشيخ الصدوق، الخصال، ص271.
 
 
 
 
96
 

77

الدرس السادس: التربية بالحبّ والرحمة (1) المفهوم - الأهداف - الأساليب

 المفاهيم الرئيسة


- الحبّ هو الميل القلبيّ والانجذاب العاطفيّ نحو شيء ما، يعود باللذّة والبهجة على المُحِبّ. والتربية بالحبّ تعني استثمار هذا الشعور الفطريّ بنحو إيجابيّ في تكوين هويّة الطفل بمختلف أبعادها، خصوصاً الجانب الوجدانيّ والعاطفيّ من شخصيّته.
- يحتاج الطفل إلى الشعور بحبّ أبويه له ورضاهما عنه، ومحبّة الطفل تمنحه طاقة إيجابيّة وتحقّق له الشعور بالسعادة، وترفع عنه الطاقة السلبيّة، وتساهم في التخفيف من حالات التوتّر والعصبيّة والعدوانيّة والأرق.
- عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، أنه قال: "قال موسى بن عمران: يا ربّ، أيّ الأعمال أفضل عندك؟ فقال عزّ وجلّ: حبُّ الأطفال...".
- إنّ الحبّ كباقي الكيفيّات النفسانيّة من حيث ثلاثيّة الخطوط، بمعنى أنه يمكن أن يكون في نقطة الوسط، ويمكن أن يميل إلى جانب الإفراط أو التفريط. والمطلوب في حبّ الأطفال هو الوسطيّة والاعتدال، كي يكون حبّاً إيجابيّاً، والميل عن الوسطيّة إلى أحد الجانبين يجعل الحبّ سلبيّاً.
- هناك عدّة أساليب في التربية بالحبّ، منها:
1- أسلوب نظرة الحبّ، فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "نظر الوالد إلى ولده حبّاً له عبادة".
2- أسلوب كلام الحبّ، فيردّد على مسامع طفله يوميّاً: "إنّي أحبّك"، "اشتقت لك"...
3- أسلوب قبلة الحبّ والرحمة، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنّه قال: "من قبّل ولده كتب الله عزّ وجلّ له حسنة". وعن الإمام عليّ عليه السلام، قال: "قبلة الولد رحمة".
4- أسلوب ضمّ الطفل، وشمّه واحتضانه، وإجلاسه في الحجر، وهذا هو سلوك الرسول مع الحسنين عليهما السلام، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبّلهما ويضمّهما إليه ويشمّهما...
5- أسلوب البسمة في وجه الطفل.
6- أسلوب المسح على رأس الطفل، فقد كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، إذا أصبح مسح على رؤوس ولده وولد ولده.
7- أسلوب المبادرة إلى إلقاء السلام على الطفل، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "خمس لا أدعهنّ حتّى الممات:... والتسليم على الصبيان، لتكون سنّة من بعدي".
 
 
 
 
 
97

78

الدرس السادس: التربية بالحبّ والرحمة (1) المفهوم - الأهداف - الأساليب

 أسئلة الدرس


- ما هي التربية بالحبّ؟ وما هي أهمّ أهدافها؟
- ما هو الدور الذي تؤدّيه التربية بالحبّ في البناء الوجدانيّ والعاطفيّ لهويّة الطفل؟ وهل لها انعكاسات على الأبعاد الأخرى، العقليّة والصحّيّة والجسميّة؟ علّل ذلك.
- هل يمكن أن يتحوّل الحبّ من عنصر إيجابيّ في التربية إلى عنصر سلبيّ؟ وكيف السبيل للحفاظ على إيجابيّة الحبّ في التربية؟
- يقول البعض: إذا كان حبّ الأطفال أمراً فطريّاً، فلماذا الحثّ على حبّهم؟ أليس هذا تحصيلاً للحاصل؟ كيف تجيب عن هذه الشبهة؟
- لقد نحت البعض مصطلح الحبّ الحازم، ما هو المقصود بالحبّ الحازم؟
- من ضمن أساليب التربية بالحبّ، أسلوب الكلام، اطرح خمسة نماذج على استعمال هذا الأسلوب في التربية.
- في يوم، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبّل الحسن والحسين، فقال عيينة: إنّ لي عشرة ما قبّلت واحداً منهم قطّ. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "من لا يَرحَم لا يُرحم"، ماذا تفهم من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟
- اسأل نفسك: هل تستخدم هذه الأساليب في تربية طفلك: نظرة الحبّ، البسمة، الضمّ، الحضن، المبادرة إلى إلقاء السلام، الاعتذار، الاعتراف بالحبّ، القُبلة... إلخ؟
 
 
 
 
 
98

79

الدرس السابع: التربية بالحبّ والرحمة (2) الأساليب والتقنيات

 الدرس السابع

التربية بالحبّ والرحمة (2) الأساليب والتقنيات


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يحدِّد معاني قيم التربية بالحبّ.
2- يعدّد أساليب التربية بالحبّ.
3- يستدلّ بالنصوص الدينيّة على أساليب التربية بالحبّ.
 
 
 
 
 
 
101

80

الدرس السابع: التربية بالحبّ والرحمة (2) الأساليب والتقنيات

 ذكرنا في الدرس السابق بعض أساليب التربية بالحبّ، وفي هذا الدرس نسلّط الضوء على بعض الأساليب والتقنيّات الأخرى.


أسلوب الرفق بالطفل
من الأساليب المهمّة في الحياة بشكل عامّ والمندرجة ضمن الشبكة المعنائيّة للتربية بالحبّ، هو أسلوب الرفق، والرفق من صفاته تعالى، فهو تعالى رفيق ويحبّ الرفق.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "إنّ الله يحبّ الرفق، ويعين عليه"1.

وعن الإمام محمّد الباقر عليه السلام، قال: "إنّ الله عزّ وجلّ رفيق يحبّ الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف"2.

واستعمال أسلوب الرفق في التربية يؤدّي إلى تحقيق الأهداف المرجوّة بيسر، ويوصل إلى الأغراض المنشودة بسهولة، وهذا ما أكّدته الروايات.

عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "من كان رفيقاً في أمره، نال ما يريد من الناس"3.

ويتأكّد أسلوب الرفق تربويّاً في خطّ علاقة المربّي بالمتربّي الصغير.

عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنّه قال: "وحقّ الصغير رحمته في تعليمه، والعفو عنه، والستر عليه، والرفق به، والمعونة له"4.

وهذه الرواية تتضمّن خمسة أساليب تُعتبر من مندرجات التربية بالحبّ:
 
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص120.
2- المصدر نفسه، ح 5.
3- المصدر نفسه، ح 16.
4- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص625.
 
 
 
 
103

81

الدرس السابع: التربية بالحبّ والرحمة (2) الأساليب والتقنيات

 - أسلوب الرحمة.

- أسلوب العفو.
- أسلوب الستر.
- أسلوب الرفق.
- أسلوب المعونة.

ما هو الرفق؟
يقول العلّامة المجلسيّ في تعريف الرفق، إنّه: "لين الجانب، والرأفة، وترك العنف والغلظة في الأفعال والأقوال على الخَلْق في جميع الأحوال، سواء صدر عنهم بالنسبة إليه خلاف الآداب أم لم يصدر"1.

ويوضح لنا الإمام الخمينيّ قدس سره أهمّيّة الرفق وتأثيره في القلوب وتحقيق الأهداف بقوله: "اعلم أن للرفق والمداراة دخلاً كاملاً في تحقّق الأمور،...لا يمكن للإنسان أن يتصرّف بالشدّة والعنف في قلوب الناس ويخضعهم ويلين جانبهم، ولا أن يوفّق بهما في أيّ أمر من الأمور. ولو فرض أنّ أحداً أطاع إنساناً عن طريق الشدّة والسلطة، فما لم يكن قلبه موافقاً فلا يأمن الإنسان من خيانته. ولكنّ الرفق والمحبّة يجعلان القلب خاضعاً، وبخضوعه تخضع جميع القوى الظاهرة والباطنة..."2.

أسلوب العفو عن الطفل
اتّضح في الرواية السابقة عن الإمام زين العابدين عليه السلام، أن العفو من جملة أساليب التعامل مع الطفل.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "رحم الله من أعان ولده على برّه، وهو أن يعفو عن سيّئته، ويدعو له فيما بينه وبين الله"3.
 
 

1- العلامة المجلسي، بحار الانوار، ج72، ص55. ويراجع: ابن منظور، العلامة أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري، لسان العرب، قم - إيران، نشر أدب الحوزة، 1405ه، لا.ط،ج10، ص118.
2- الإمام الخميني، جنود العقل والجهل،ص313-320. ويراجع: ملا محمد مهدي النراقي، جامع السعادات، تحقيق وتعليق: السيد محمد كلانتر / تقديم: الشيخ محمد رضا المظفر، دار النعمان للطباعة والنشر، لا.ت، لا.ط،ص230.
3- عدّة الداعي ونجاح الساعي، ص86.
 
 
 
 
104

82

الدرس السابع: التربية بالحبّ والرحمة (2) الأساليب والتقنيات

 ما هو العفو؟

العفو عبارة عن "ترك العقاب على الذنب"1، و "إسقاط الذمّ والعقاب عن المستحقّ لهما"2.

وقد أكّد القرآن الكريم والنبيّ في منهاجه، مبدأ العفو في خطّ علاقات البشر بعضهم ببعض بشكل عامّ، قال تعالى: ﴿فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ3, ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ﴾4, ﴿وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾5, ﴿إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾6. فالله تعالى برغم قدرته على العقاب، وصف نفسه بأنه عفوّ، ونحن مأمورون بأن نتأدّب بأدب الله تعالى، ونتخلّق بأخلاقه. ففيما ناجى الله تعالى به نبيّه عيسى عليه السلام: "طوبى لك إن أخذت بأدب إلهك"7.

وفي هذا السياق، يعتبر استعمال أسلوب العفو عن أخطاء الطفل والصفح عنه بعدم مباشرة معاقبته عليها، أمراً مرغوباً فيه، خصوصاً عند اعتذار الطفل عن الخطأ الصادر عنه، كما سيأتي، ولكن مع الموازنة من حيث الآثار والنتائج، فقد يكون استمرار العفو عن أخطاء الطفل عنصراً مشجّعاً له على الاستمرار في الخطأ، وهنا يأتي دور التربية بالعقوبة التي سيأتي الحديث عنها.

أسلوب الستر على أخطاء الطفل
ومن ضمن أساليب التربية بالحبّ، أسلوب الستر على أخطاء الطفل وزلّاته وهفواته، كما اتّضح من رواية الإمام زين العابدين عليه السلام أيضاً، خصوصاً أنّ الستر من الأخلاق
 
 

1- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق وتصحيح: أحمد حبيب قصير العاملي، مكتب الإعلام الإسلامي، رمضان المبارك 1409، ط1،ج2، ص169. أبو هلال العسكري، الفروق اللغوية، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، شوال المكرم 1412، ط1،ص363.
2- السيد المرتضى، أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي، رسائل الشريف المرتضى، تقديم السيد أحمد الحسيني، إعداد السيد مهدي الرجائي، قم، دار القرآن الكريم، 1405ه، لا.ط،ج2، ص278. ابن فارس، أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، قم، مكتبة الإعلام الإسلامي، 1404ه، لا.ط،ج4، ص56.
3- سورة البقرة، الآية 109.
4- سورة البقرة، الآية 219.
5- سورة البقرة، الآية 237.
6- سورة النساء، الآية 149.
7- الشيخ الكليني،الكافي، ج8، ص135.
 
 
 
 
105

83

الدرس السابع: التربية بالحبّ والرحمة (2) الأساليب والتقنيات

  الإلهيّة. فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله ستير يحبّ الستر"1.


فإذا ارتكب الطفل خطأً معيناً أو صدر عنه سلوك غير مرغوب فيه، ينبغي على أبيه أو أمّه أو معلّمه عدم التشهير به وفضيحته، لأن ذلك يؤدّي إلى جرح مشاعره وأذيّته، فضلاً عن أنّه يؤدّي إلى نفوره من المربّي. والأخطر من ذلك أنّه يفقد الثقة بالمربّي، فلا يظهر شيئاً أمامه، ولا يصرّح له بأخطائه، ويخفي عنه كلّ شيء، وحينها يصبح المربّي على جهل بنقاط ضعف وسلبيّات المتربّي، فيفقد أهمّ عنصر في تزكية نفس الطفل وتهذيبها.

وفي هذا السياق، نشير إلى نقطة في غاية الأهمّيّة، وهي أنّه ينبغي الالتفات إلى أنّ عيب الطفل المميّز يقع موضوعاً للحكم التكليفيّ بحرمة غيبته، بمعنى أن الطفل المميّز إذا صدر عنه عيب ستره الله تعالى عليه، يعتبر كشف عيبه غيبة، لشمول إطلاق جملة من النصوص الدالّة على حرمة اغتياب المؤمن للطفل المميّز2.

أسلوب التغافل
وفي السياق نفسه أيضاً، يعتبر أسلوب التغافل أو ما يصطلح عليه البعض الانطفاء التربويّ، بمعنى غضّ النظر عن بعض أخطاء الطفل وعدم التدقيق في كلّ صغيرة أو التفتيش عن جميع التفاصيل بدقّة، من أهمّ أساليب التربية بالحبّ، وقد ركّز علماء الأخلاق المسلمون فيه وفي سابقيه (الستر والعفو)، في خطّ علاقة المربّي بالطفل.

يقول الفيض الكاشانيّ: "إن خالف ذلك (أي خالف الطفل الخلق الجميل والفعل المحمود) في بعض الأحوال مرّة واحدة، فينبغي أن يُتغافل عنه، ولا يُهتك ستره، ولا يُكاشف به، ولا يظهر له أنّه يتصوّر أن يتجاسر أحد على مثله، لا سيّما إذا ستره الصبيّ واجتهد في إخفائه، فإنّ إظهار ذلك ربّما يفيده جسارة، حتّى لا يبالي بالمكاشفة بعد ذلك. فإن عاد ثانية، فينبغي أن يُعاتب سرّاً ويُعظّم الأمر فيه، ويُقال له: إيّاك أن يطَّلع عليك في مثل هذا أحد، فتفتضح بين يدي الناس"3.
 
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج5، ص555.
2- يراجع: السيد محمد صادق الروحاني، منهاج الفقاهة، لا.م، لا.ن، 1418 - 1376 ش، ط4،ج2، ص14-16.
3- انظر: الفيض الكاشاني، المولى محمد محسن، المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء، صححه وعلق عليه: علي أكبر الغفاري، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، لا.ت، ط2،ج5، ص125.
 
 
 
 
106

84

الدرس السابع: التربية بالحبّ والرحمة (2) الأساليب والتقنيات

 ولعلّنا نفهم هذا المعنى من بعض روايات أئمّة أهل البيت عليهم السلام، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "صلاح حال التعايش والتعاشر ملء مكيال، ثلثاه فطنة، وثلثه تغافل"1.


وعن الإمام زين العابدين عليه السلام، قال: "اعلم يا بنيّ، أن صلاح الدنيا بحذافيرها في كلمتين: إصلاح شأن المعايش ملء مكيال، ثلثاه فطنة وثلثه تغافل، لأنّ الإنسان لا يتغافل إلّا عن شيء قد عرفه، ففطن له"2.

أسلوب إكرام الطفل
من أساليب التربية بالحبّ أيضاً، إكرام الطفل. والإكرام عبارة عن تشريف الطفل ورفع منزلته في عين المربّي، وإشعاره أنه موضع تقدير واحترام وشأنيّة في قلب المربّي، وعدم تحقيره والاستخفاف به، والتعامل معه على أنّه وضيع.

عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم، يُغفر لكم"3.

ومن مصاديق إكرام الطفل، إثابته على حسن أفعاله التي تصدر عنه، وعلى إنجازاته التي يسجّلها في حياته اليوميّة.

يقول أبو حامد الغزاليّ: "... ثم مهما ظهر من الصبيّ خلق جميل، وفعل محمود، فينبغي أن يُكرم عليه، ويُجازى عليه بما يفرح به، ويُمدح بين أظهر الناس..."4.
 

1- ابن شعبة الحراني، تحف العقول ، ص393.
2- الخزاز القمي، كفاية الأثر، السيد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي، انتشارات بيدار، 1401هـ.، لا.ط،ص240.
3- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص222.
4- الغزالي، إحياء علوم الدين، ج8، ص131.
 
 
 
 
107

85

الدرس السابع: التربية بالحبّ والرحمة (2) الأساليب والتقنيات

 ويقول محمّد مهدي النراقيّ: "...إذا بلغ - الطفل - سنّ التمييز، يُؤمر بالطهارة والصلاة، وبالصوم في بعض الأيام من شهر رمضان، ويُعلّم أصول العقائد وكلّ ما يحتاج إليه من حدود الشرع. ومهما ظهر منه خلق جميل أو فعل محمود، فينبغي أن يُكرم عليه ويُجازى لأجله بما يفرح به، ويُمدح بين أظهر الناس"1.


أسلوب الهديّة
إنّ تقديم الهديّة للطفل بمناسبة أو من دونها، من أهمّ أساليب التربية بالحبّ. نعم يتأكّد الأمر في بعض المناسبات التي تقتضي ذلك، كنجاحه وإنجازه أمراً ما مرغوباً فيه، فإن الهديّة تحيي المودّة في القلب، وتشدّ روابط الحبّ، كما أنها تنزع السخيمة والبغض من القلب.

عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "تهادوا بالنبق2 تحي المودّة والموالاة"3.

وعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تهادوا تحابّوا، تهادوا فإنّها تذهب بالضغائن"4.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "تهادوا، فإنّ الهديّة تسلّ السخائم5، وتجلي ضغائن العداوة والأحقاد"6.

وفي هذا السياق أيضاً، من أساليب التربية بالحبّ، أن لا يدخل الأب بيت أطفاله فارغ اليدين، بل من المستحبّ أن يحمل لهم ما يفرّح قلوبهم به، كأن يشتري لهم الفواكه، أو العصير، أو الشوكولاتة، أو البسكويت...

عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله، كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور، فإنّ من فرّح ابنة فكأنّما أعتق رقبة من ولد إسماعيل، ومن أقرّ بعين ابن فكأنّما بكى من خشية الله عزّ وجلّ، ومن بكى من خشية الله عزّ وجلّ أدخله الله جنّات النعيم"7.
 
 

1- النراقي، جامع السعادات، ج1، ص244.
2- النبق: ثمرة السدر. أي تهادوا ولو بالنبق.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج5، ص144.
4- المصدر نفسه.
5- السخائم: جمع سخيمة، وهي الحقد في النفس والضغينة في الصدر.
6- الشيخ الكليني،الكافي، ج5، ص143.
7- الشيخ الصدوق، الأمالي ، ص673.
 
 
 
 
108

 


86

الدرس السابع: التربية بالحبّ والرحمة (2) الأساليب والتقنيات

 أسلوب إرضاء الطفل

ومن أساليب التربية بالحبّ إرضاء الطفل. فقد يعيش الطفل أحياناً حالة الغضب والحزن، ويبرز عدم السرور من والديه لسبب أو آخر، فمن المرغوب فيه أن يعمد الأب أو الأمّ إلى المبادرة لإرضاء الطفل وتفريحه وإدخال السرور على قلبه، خصوصاً قبل النوم، فمن الخطر على الصحّة النفسيّة للطفل جعله يذهب إلى فراش النوم وهو يعيش في داخله طاقة سلبيّة من الحزن والكآبة والغضب.

"خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً على عثمان بن مظعون، ومعه (مع عثمان) صبيّ له صغير يلثمه، فقال: ابنك هذا؟ قال: نعم، قال: أتحبّه يا عثمان؟ قال: إي والله يا رسول الله، إنّي أحبّه! قال: أفلا أزيدك له حبّاً؟ قال: بلى فداك أبي وأمي! قال: إنّه من يُرْضِ صبيّاً له صغيراً من نسله حتى يرضى، ترضّاه الله يوم القيامة حتّى يرضى"1.

أسلوب الوفاء بالوعد
عادة ما يعد الإنسان أطفاله بأن يشتري لهم شيئاً أو يخرج وإيّاهم في نزهة إلى مكان ما، كالنهر أو البحر، أو مدينة الملاهي، أو زيارة أقارب يهواهم الطفل... إلخ من الوعود، ثم يتراجع عن وعده. فعلى المربّي أن يلتفت إلى خطورة التراجع عن الوعد وعدم الوفاء به، من ناحية كسر صورة الصدق والثقة به في نفس الطفل.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أحبّوا الصبيان وارحموهم، وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم، فإنّهم لا يدرون إلّا أنّكم ترزقونهم"2.

وعن الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا واعد أحدكم صبيّه فلينجز"3.
 
 

1- ابن عساكر، تاريخ مدينة دمشق، علي شيري، بيروت - لبنان، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1415، لا.ط،ج52، ص363.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج6،ص49.
3- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج15، ص170.
 
 
 
109

87

الدرس السابع: التربية بالحبّ والرحمة (2) الأساليب والتقنيات

 وعنه عليه السلام، قال: "لا يصلح من الكذب جدٌّ ولا هزل، ولا أن يعد أحدكم صبيّه ثم لا يفي له، إنّ الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار..."1.


وعن أبي الحسن عليه السلام، قال: "إذا وعدتم الصبيان ففوا لهم، فإنّهم يرون أنّكم الذين ترزقونهم. إن الله عزّ وجلّ ليس يغضب لشيء كغضبه للنساء والصبيان"2.

أسلوب الدعاء للطفل لا عليه
من أساليب التربية بالحبّ أسلوب الدعاء للطفل، واستحضاره دائماً في أدعية الوالدين، وعدم الدعاء عليه عند الغضب منه لأيّ سلوك صدر عنه، بل ينبغي الدعاء له بالهداية والصلاح.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "رحم الله من أعان ولده على برّه، وهو أن يعفو عن سيّئته، ويدعو له فيما بينه وبين الله"3.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجيب لكم"4.

أسلوب حسن استقبال الطفل عند القدوم إلى المنزل
من الأساليب المهمّة في تربية الطفل بالحبّ، أسلوب توديع الطفل قبل خروجه أو خروج أبويه من المنزل، وأسلوب الترحيب بالطفل عند قدومه أو قدومهما إلى المنزل، خصوصاً عند قدوم الطفل من المدرسة، أو قدوم الوالدين من العمل أو السفر، لأنّ الساعات التي قد يشعر بها الأب أو الأمّ أنّها زمان قصير، هي بالنسبة إلى الطفل غيبة طويلة.

وبهذا الأسلوب كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يتعامل مع الأطفال من أهل بيته.
 
 

1- الشيخ الصدوق، الأمالي ، ص505، ح696.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص50.
3- عدّة الداعي ونجاح الساعي، ص86.
4- صحيح مسلم، ج8، ص223.
 
 
 
 
110

 


88

الدرس السابع: التربية بالحبّ والرحمة (2) الأساليب والتقنيات

 عن عبد الله بن جعفر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قدم من سفر تلقّى بصبيان أهل بيته، قال: وإنّه قدم من سفر فسبق بي إليه فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابني فاطمة فأردفه خلفه، قال: فأدخلنا المدينة ثلاثة على دابّة"1.


أسلوب برّ الولد وإعانته على البرّ
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "رحم الله والداً أعان ولده على البرّ"2.

وعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "قال رجل من الأنصار للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: من أبرّ؟ قال: والديك. قال: قد مضيا. قال: برّ ولدك"3.

أسلوب تكليف الطفل على قدر الوسع
وفي هذا السياق، من الأساليب المهمّة في التربية بالحبّ، هو أسلوب تكليف الطفل على قدر طاقته، وعدم تحميله مسؤوليّات فوق قدرته على التحمّل.

وعن يونس بن رباط، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "قال عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: رحم الله من أعان ولده على برّه. قال: قلت: كيف يعينه على برّه؟ قال: يقبل ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه، ولا يخرق به"4.

أسلوب التآلف مع الطفل
عن الإمام الصادق، قال: "رحم الله عبداً أعان ولده على برّه بالإحسان إليه، والتآلف له، وتعليمه وتأديبه"5.

والتآلف من ألف، وهي تدلّ على انضمام شيء إلى شيء6، والألفة الالتئام والاجتماع،
 
 

1- صحيح مسلم، ج7، ص132.
2- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج15، ص168، ح17885.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص49.
4- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص50. وتهذيب الأحكام، ج8، ص113. شرح مفردات الحديث: "لا يرهقه": أي لا يسفّه عليه، أو يحمل عليه ما لا يطيقه. و"الخُرق" بالضمّ: الحمق والجهل، أي لا ينسب إليه الحمق.
5- السيد البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج21، ص411.
6- ابن زكريّا، معجم مقاييس اللغة، ج1، ص131.
 
 
 
111

89

الدرس السابع: التربية بالحبّ والرحمة (2) الأساليب والتقنيات

 والألفة الأنس والمحبّة1، والأنس سكون القلب، وهو ضدّ الوحشة. فالتآلف مع الطفل، يعني أن يقوم المربّي بكلّ الأفعال التي من شأنها أن تشعر الطفل بالأنس في الأسرة، وأنّه جزء مهمّ فيها، مقابل التفكّك والانقسام والوحشة.


أسلوب الشفقة
عن الإمام عليّ عليه السلام قال: "يجب عليك أن تشفق على ولدك أكثر من إشفاقه عليك"2.

نكتفي بعرض هذا المقدار من الأساليب، مع الإشارة إلى وجود أساليب كثيرة أخرى، عرضناها في الدروس السابقة والآتية، لا تخفى على الأستاذ والطالب، مثل أسلوب العدل والمساواة بين الأطفال، فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "... اتّقوا الله واعدلوا بين أولادكم..."3، أو أسلوب اللّعب والتصابي مع الطفل، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان عنده صبيّ فليتصاب له"4.
 
 

1- أحمد بن محمد المقري الفيومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لا.ت، لا.ط،ج1، ص18.
2- ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله‏، شرح نهج البلاغة، تحقيق وتصحيح محمّد أبو الفضل إبراهيم، قم‏، نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي‏، 1404ه‏، ودار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاه، 1378ه - 1959م، ط1، الحكم المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام، ج20،ح152.
3- كنز العمّال، ج16، ص445.
4- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص483.
 
 
 
 
112

90

الدرس السابع: التربية بالحبّ والرحمة (2) الأساليب والتقنيات

 المفاهيم الرئيسة


- من الأساليب المهمّة في التربية بالحبّ أسلوب الرفق، أي اللين والمعاملة بلطف، لأنّه يوصل إلى الأهداف بطريقة سهلة ويسيرة. عن الإمام الصادق عليه السلام: "من كان رفيقاً في أمره نال ما يريد من الناس".

- العفو عن أخطاء الطفل، بمعنى ترك معاقبته على السلوك غير المرغوب فيه، يُعتبر من مندرجات التربية بالحبّ. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "رحم الله من أعان ولده على برّه، وهو أن يعفو عن سيّئته، ويدعو له فيما بينه وبين الله".

- يُعتبر الستر على أخطاء الطفل أمراً مهمّاً في العمليّة التربويّة. عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنّه قال: "وحقّ الصغير رحمته في تعليمه، والعفو عنه، والستر عليه، والرفق به، والمعونة له".

- التغافل عن بعض أخطاء الطفل وعدم المحاسبة على كلّ صغيرة ودقيقة، أو ما يصطلح عليه البعض الانطفاء التربويّ، من أهمّ أساليب التربية بالحبّ. عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "صلاح حال التعايش والتعاشر ملء مكيال، ثلثاه فطنة، وثلثه تغافل".

- من أساليب التربية بالحبّ أيضاً، إكرام الطفل وإشعاره أنّه موضع تقدير واحترام، وأنّ له شأنيّة وموقعيّة في قلب المربّي. عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم، يُغفر لكم".

- الهديّة للطفل تحيي المودّة في القلب، وتشدّ روابط الحبّ. كما أنّها تنزع السخيمة والبغض من القلب. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "تهادوا تحابّوا، تهادوا فإنّها تذهب بالضغائن".

- ينبغي للإنسان إذا وعد أطفاله أن يفي لهم، وعليه التنبّه إلى خطورة التراجع عن الوعد وعدم الوفاء به، من ناحية كسر صورة الصدق والثقة به في نفس الطفل. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أحبّوا الصبيان وارحموهم، وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم، فإنّهم لا يدرون إلّا أنّكم ترزقونهم".

- ينبغي للوالدين استحضار الطفل في أدعيتهما بشكل دائم، وتجنّب الدعاء عليه عند الغضب منه لأيّ سلوك يصدر عنه، بل ينبغي الدعاء له بالهداية والصلاح.

- ينبغي للوالدين توديع الطفل قبل خروجه أو خروجهما من المنزل، والترحيب به عند قدومه أو قدومهما إليه.

- ومن أساليب التربية بالحبّ: إعانة الولد على برّ والديه، وتكليف الطفل على قدر طاقته، وقبول عذره. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "رحم الله من أعان ولده على برّه. فقيل: كيف يعينه على برّه؟ قال: يقبل ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه، ولا يخرق به".
 
 
 
 
113

91

الدرس السابع: التربية بالحبّ والرحمة (2) الأساليب والتقنيات

 أسئلة الدرس


- عن الإمام زين العابدين عليه السلام، أنّه قال: "وحقّ الصغير رحمته في تعليمه، والعفو عنه، والستر عليه، والرفق به، والمعونة له". استخرج الأساليب التربويّة من هذه الرواية، واشرح كلّ أسلوب بشكل مختصر.
- من الأساليب التي ذكرنا ضرورة استخدامها في تربية الطفل، هي: الرفق واللطف والعفو والصفح، ولكن في الوقت نفسه مرّ وسيأتي أنّ التربية تحتاج أحياناً إلى الحزم والشدّة والعقوبة، كيف يمكن التوفيق بين الأسلوبين؟
- ما هي الآثار الإيجابيّة التي تترتّب على الستر على أخطاء الطفل والتغافل عنها؟ والآثار السلبيّة التي تترتّب على فضح عيوب الطفل أمام الآخرين؟
- عندما تهدي طفلك أيّ هدية أو تدخل البيت وفي يدك غرض قد اشتريته له، ما هو ردّ فعله؟ وهل حصل أن وعدت أطفالك بشيء ثم لم تفِ لهم به، كيف تداركت الموقف؟
- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "رحم الله من أعان ولده على برّه. قيل: كيف يعينه على برّه؟ قال: يقبل ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه، ولا يخرق به". استخرج الأساليب التربويّة التي تعين الولد على برّ الوالدين من هذه الرواية، واشرحها باختصار.
 
 
 
 
114

92

الدرس الثامن: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (1) المفهوم- الآثار - الألعاب الإلكترونيّة

 الدرس الثامن

التربية باللعب واللعب عند الأطفال (1) المفهوم- الآثار - الألعاب الإلكترونيّة


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يُعرِّف اللعب والتربية باللعب.
2- يعرض تاريخ تطوّر نظريّة اللعب.
3- يعدّد الآثار الذهنيّة والنفسيّة والجسميّة والاجتماعيّة واللغويّة للّعب.
4- يذكر إيجابيّات الألعاب الإلكترونيّة وسلبيّاتها.
5- يحدّد شروط سلامة الألعاب وأمانها.
 
 
 
 
 
117

93

الدرس الثامن: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (1) المفهوم- الآثار - الألعاب الإلكترونيّة

 فطرة اللعب عند الأطفال

أودع الله تعالى في ذات الطفل استعدادت وغرائز عدّة، تحرّكه فطريّاً للسير على طريق النموّ السليم، واحد من هذه الميول الفطريّة هو الرغبة الشديدة في اللعب واللهو. فمنذ نعومة أظفار الطفل، يقوم بالحركات والإيقاعات الجسميّة التي تنطلق من هذه الغريزة، حيث نراه يصوّت ويتنغنغ ويترقّص ويدور ويقفز ويجري ويقوم بحركات هزليّة ويلهو بطعامه...، وقد تبدو هذه الأفعال بالنظرة البدويّة ساذجة وعبثيّة لا يترتّب عليها أيّ فائدة، وهذا ما يجعلنا نوجِّه اللوم والذمّ إلى الإنسان الراشد الذي يقوم بحركات عبثيّة، واصفين إيّاها بأنّها أعمال صبيانيّة، تشبيهاً لها بحركات اللعب عند الأطفال. ولعلّ هذا ما يفيده المعنى اللغويّ للّعب، لأنّه ضدّ الجدّ1، إذ يقال: "لعب فلان، إذا كان فعله غير قاصد به مقصداً صحيحاً"2، كما "يقال لكلّ من عمل عملاً لا يجدي عليه نفعاً: إنّما أنت لاعب"3. فاللعب بمعنى اللهو والهزل والعبث، وقد استُخدم بهذا المعنى في آيات عديدة4، كقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا5، وكقوله تعالى حكايةً: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ﴾6.
 
 

1- ابن سيده، أبو الحسن علي بن إسماعيل النحوي اللغوي الأندلسي، المخصص، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي، لا.ت، لا.ط،ج4، ص16. وابن منظور، لسان العرب، ج1، ص739.
2- الراغب الأصفهانيّ، المفردات في غريب القرآن، ص450.
3- ابن منظور، لسان العرب، ج1، ص739.
4- سورة التوبة، الاية 65. سورة الأنعام، الاية 70. سورة الزخرف، الاية 83. وسورة محمّد، الاية 36. وسورة الدخان، الاية 38. وسورة العنكبوت، الاية 64.
5- سورة الأعراف، الآية 51.
6- سورة الأنبياء، الآية 55.
 
 
 
 
119

94

الدرس الثامن: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (1) المفهوم- الآثار - الألعاب الإلكترونيّة

 لكن عند التأمّل والتدبّر في لعب الأطفال، يظهر أن المسألة تنعكس مصداقاً، بمعنى أن لعب الأطفال وإن كان بمعنى اللهو والعبث مفهوماً، إلّا أنّ له أهدافاً وغايات في الحكمة الإلهيّة مصداقاً.


موضوعيّة اللعب للدراسة والتحليل
لا ريب في أنّ ظاهرة اللعب عند الأطفال قديمة قدم الحضارات البشريّة، وقد اعترف الفلاسفة منذ القدم كأفلاطون وأرسطو وغيرهما، بأهمّيّة اللّعب. وكذلك شدّد فلاسفة التربية المسلمون عليها، لكنّه لم يُتخذْ موضوعاً مستقلّاً للتفكير فيه ورصد آثاره في شخصيّة الطفل إلّا حديثاً نسبيّاً، خصوصاً بعد تأكيد فروبل Frobel انطلاقاً من خبرته العمليّة كمدرّس، أهمّيّة اللّعب في التعلّم، ودوره في تنمية قدرات الأطفال ومعارفهم. ثم تقدّم هذا الاتجاه إلى الأمام مع شالر Schaller ولازاراس Lazarus، اللذين ألّفا كتباً عن اللّعب. ثم تطوّر البحث حول لعب الأطفال بشكل ملحوظ عندما نشأ ما يُعرف بعلم نفس الطفل، بدءاً من بريير preyer، ولاحقاً ستانلي هول وغيرهما. وهكذا أخذت النظرة الإيجابيّة إلى اللّعب على أنّه أداة في التربية والتعليم والعلاج وتنمية الذكاء والمهارات الحركيّة... عند الطفل، تشقّ طريقها نحو النموّ والنضج شيئاً فشيئاً، وبدأت تصنيفات اللعب إلى فرديّ واجتماعيّ كما فعل شتيرن Stern، وإلى ألعاب وظيفيّة يستخدم فيها الطفل أجهزته الحسّيّة- الحركيّة، وألعاب تقوم على الإيهام والخداع، وألعاب سلبيّة مثل النظر إلى الكتب، وألعاب تركيبيّة، كما فعلت شارلوت بوهلر Charlotte Buhler.. إلخ.

وفسّر جان بياجيه اللعب بنحو يلتصق بنظريّته حول مراحل نموّ الذكاء عند الطفل1، إذ تعامل مع اللعب باعتباره مظهراً للنموّ العقليّ2، مميّزاً بين نوعين من أعمال الأطفال وأنشطتهم، الأوّل: القيام بعمل ما لمعرفة كنهه واستكشافه واكتساب مهارات جديدة، فتكون الوظيفة تعلّميّة. والثاني: تكرار الطفل العمل مراراً بعد أن يكون قد اكتسب مهارة
 
 

1- يراجع: الجزء الأول، الدرس الخامس، ص93.
2- يراجع: ميلر، سيكولوجيّة اللعب، ص12 وما بعد.
 
 
 
 
120

95

الدرس الثامن: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (1) المفهوم- الآثار - الألعاب الإلكترونيّة

 معيّنة، بنحو لا يكون أداؤه وفعله هادفاً لاكتساب مدركات ومهارات جديدة، بل لمجرّد الاستمتاع به، فيكون مثل هذا النشاط لعباً1.


وفي الحقيقة، من الصعوبة بمكان التمييز بين هذين النوعين من الأنشطة في سلوك الطفل أولاً، وثانياً: لا ضرورة لتصنيف أنشطة الطفل إلى نوعين متمايزين، فلماذا لا يُصنّف النشاط الصادر عن الطفل بأنّه لعب له وظيفة ثنائيّة الأبعاد، فمن جهة هو سلوك استكشافيّ يهدف إلى اكتساب مدرَك أو مهارة، ومن جهة ثانية للاستمتاع والتلذّذ، وبذلك نستطيع أن نقسّم اللعب نفسه إلى استكشافيّ واستمتاعيّ2.

ما هو اللعب اصطلاحاً؟
وعلى كلّ حال، عُرِّف اللعب في الاصطلاحين التربويّ والنفسيّ بتعريفات عدّة، نكتفي بذكر واحد منها، وهو أنه "نشاط موجّه يقوم به الأطفال لتنمية سلوكهم وقدراتهم العقليّة والجسميّة والوجدانيّة، ويحقِّق في الوقت نفسه المتعة والتسلية وأسلوب التعلّم، وهو استغلال للأنشطة في اكتساب المعرفة وتقريب مبادئ التعلّم للأطفال، وتوسيع آفاقهم المعرفيّة"3.

ما هي التربية باللعب؟
وفي ضوء ما تقدّم، نقصد بالتربية باللعب تهيئة المربّي البيئة الحاضنة للعب الطفل، وتحضير الألعاب المناسبة لمرحلته العمريّة وخصائصه النمائيّة، والسماح له باللعب دون تأفّف وضجر، ومشاركته في بعض الألعاب لتنمية قدراته العقليّة والنفسيّة والجسميّة، واستثمار غريزة اللعب في تعليم الطفل، وتأديبه على السلوكات المرغوب فيها، وعلاجه من بعض الاضطرابات النفسيّة أو الأمراض الجسميّة.
 

1- يراجع: ميلر، سيكولوجية اللعب، ص120.
2- يراجع: المصدر نفسه، ص121.
3- الحيلة، محمّد محمود، الألعاب التربويّة وتطبيقات إنتاجها سيكولوجيّاً وتعليميّاً وعمليّاً، ص225.
 
 
 
 
 
121

96

الدرس الثامن: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (1) المفهوم- الآثار - الألعاب الإلكترونيّة

 فالتربية باللعب تنطوي على أربعة أبعاد:

- الأوّل: تهيئة البيئة الحاضنة لحرّيّة ممارسة الطفل للأنشطة الممتعة، وتزويده بالأدوات اللازمة للعب.
- الثاني: استثمار أنشطة اللعب في تعليم الطفل بعض المفاهيم والمعطيات، وهو ما يُعرف باسم التعلّم باللعب.
- الثالث: توظيف اللعب في إكساب الطفل مجموعة من القيم، وتدريبه على بعض العادات والآداب الفاضلة.
- الرابع: توظيف اللعب في عمليّة معالجة الطفل من بعض الانفعالات النفسيّة السلبيّة والاضطرابات السلوكيّة، كالخوف والعدوانيّة، وهو ما يُعرف باسم العلاج باللعب. إذ يُعتبر اللعب ذا قيمة علاجيّة، يُستخدم لتعديل سلوك الطفل، أو لمساعدته في مشكلات تواجهه، كمولد أخ له، أو رسوبه في المدرسة، أو عدم القدرة على التغلّب على غيره من الأطفال1.

إذاً ينبغي للوالدين والمربّين أن ينظروا إلى اللعب كطريقة من طرائق التعلّم والتعليم، والتربية والعلاج، وترغيب الطفل في القيام بالسلوكات المرغوب فيها منذ الطفولة المبكرة2، مثل:
- الاستفادة من أسلوب اللعب في إقناعه بتناول الطعام، أو بالعلاج وأخذ الدواء... إلخ.
- توظيف اللعب لحفظ الدرس، بتحويله إلى سؤال وجواب، بنحو يوعد الطفل بأنّه كلّما أجاب عن سؤال فجزاؤه اللعب. كأن يقول الأب لطفله: تعالى لنلعب لعبة الجمل، إذا أجبت عن سؤال أحملك على ظهري وأركض بك في البيت... إلخ.
 
 

1- ميلر، سيكولوجيا اللعب، ص267.
2- يراجع: الببلاوي، فيولا، الأسس النفسيّة والاجتماعيّة لبناء المناهج في رياض الأطفال في الوطن العربيّ، ص128.
 
 
 
122

97

الدرس الثامن: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (1) المفهوم- الآثار - الألعاب الإلكترونيّة

 آثار اللعب في بناء هويّة الطفل

لقد تحدّث علماء النفس والتربية عن آثار عدّة للّعب، فهو يترك بصمته على هويّة الطفل في أبعاد مختلفة من شخصيّته، لا نستطيع أن نسلّط الضوء على جميعها، لذا نكتفي بذكر بعض الآثار1:
الآثار الجسميّة - الحركيّة:
يساهم اللعب في النموّ الجسميّ والحركيّ السليم للطفل، لأنّه يحقّق الخصائص التالية:
- تقوية عضلات الجسم.
- تعلّم المهارات الحركيّة، كالقفز والتسلّق والركض والتعلّق والزحف...
- القدرة على التحكّم والسيطرة على أعضاء الجسم، وتنسيق حركاته بشكل متوازن.
- تنمية التآزر بين العضلات والحواسّ، كما بين العين واليد...
- تطوّر الحركات الإيقاعيّة.
- تطوّر لغة البدن.

الآثار الذهنيّة والعقليّة:
- تنمية قوّة الملاحظة الحسّيّة.
- اكتشاف أشياء جديدة غير مألوفة ومعهودة عند الطفل، واكتساب المعرفة بخصائص الأشياء وطبيعتها لناحية الألوان والأشكال والأحجام...
- تنمية الذكاء، والتذكّر والانتباه والتركيز...
- تنمية القدرة على التصنيف والمقارنة بين الأشياء، وفهم الروابط والعلاقات.
- تنمية البحث عن حلول للمشكلات التي تواجه الطفل أثناء اللعب.
- إثراء ملكة الخيال.
- تنمية المرونة العقليّة من خلال مزج الأفكار بطريقة جديدة.
 
 

1- للتفصيل يراجع: العنّاني، حنان عبد الحميد، اللعب عند الأطفال، دار الفكر، عمان، ط9، 2014م.
 
 
 
 
123

98

الدرس الثامن: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (1) المفهوم- الآثار - الألعاب الإلكترونيّة

 - تنمية حسّ الابتكار والإبداع، من خلال عمل الطفل على صناعة ألعاب خاصّة به وتركيبها...


في هذا السياق، يقول الشيخ محمّد تقي فلسفي: "عندما يحفر الطفل في كومة من التراب بئراً، أو يبني غرفة صغيرة، فإنّ قواه العقليّة تعمل كما يعمل المهندس المعماريّ، فيتلذّذ لنجاحه. وعندما يلاقي بعض الموانع في عمله، فتنهدم البئر أو تنهار الغرفة، يحاول تدارك ذلك بالبحث عن علاج فوريّ... هذه النشاطات تساعد على الرشد الفكريّ وتكامل الشخصيّة عند الطفل"1.

الآثار النفسيّة والوجدانيّة:
- الشعور بالمتعة واللذّة والبهجة.
- الشعور بالكفاءة، وتقدير الذات.
- نفخ روح الحيويّة وطرد الكسل والبلادة.
- الاعتماد على النفس والثقة بها، وإدارة شؤونه بذاته.
- استثمار وقت فراغه من دون شعور بالملل والضجر والتأفّف.
- الاتّزان الانفعاليّ، وتخفيف الانفعال السلبيّ، كالتوتّر والاضطراب والقلق.
- ضبط الاضطرابات النفسيّة كالغضب والعدوانيّة.
- تفريغ شحنة الطاقة الكامنة وتصريفها في أمور إيجابيّة.
- تقبّل الهزيمة والفشل بروح رياضيّة.

الآثار الاجتماعيّة:
- تنمية مهارات التواصل الاجتماعيّ والتخلّص من العزلة والانطوائيّة.
- اكتساب القدرة على التعاون والانسجام المشترك، والتفاعل الإيجابيّ مع الأطفال الآخرين.
 

 1- الشيخ محمد تقي فلسفي (مترجم: الميلاني)، الطفل بين الوراثة والتربية، تعريب وتعليق: فاضل الحسيني الميلاني، مكتبة الأوحد، 1426 - 2005م، ط2،ج2، ص66.
 
 
 
 
 
124

99

الدرس الثامن: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (1) المفهوم- الآثار - الألعاب الإلكترونيّة

 - التنظيم والالتزام بالنظام والانضباط بالقواعد.

- المنافسة والسعي نحو النجاح.
- تنمية حسّ التملّك، وتعلّم كيفيّة الحفاظ على أغراضه وأملاكه.
- التكيّف مع المحيط الاجتماعيّ والبيئة الطبيعيّة.
- تعلّم الأدوار الخاصّة بالجنس، والأدوار الحياتيّة الأخرى (أب/ أمّ، موظّف، جنديّ، عامل، معلّم...).
- توطيد أواصر العلاقة مع الأصدقاء.

الآثار اللغويّة:
- تنمية قدرة التعبير عن التصوّرات والمشاعر.
- تنمية القدرة على تكوين الجمل المفيدة.
- إثراء القدرة على الحوار.
- المساهمة في التخلّص من عيوب النطق.
- تعلّم الخطّ والكتابة.

أدوات اللعب الخاصّة بالطفل
وفي سياق تهيئة البيئة الحاضنة للعب الطفل، ينبغي للوالدين السعي باستمرار لتأمين أدوات اللعب، أي الموادّ والوسائل التي يستخدمها أثناء نشاطه الحركيّ. وعلى الوالدين الالتفات في هذه المسألة إلى نقاط عديدة:
- إعطاء اللعبة للطفل بعنوان الهديّة وإشعاره بذلك، فإنّ الهديّة تزيد المودّة والحبّ والرابط العاطفيّ بين الأبوين والطفل2.
- إشراك الطفل في عمليّة شراء الألعاب الخاصّة به3.
 
 

 

1 يراجع درس: التربية بالحبّ والرحمة.
2- يراجع درس: التربية الاقتصاديّة.
 
 
 
 
125

100

الدرس الثامن: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (1) المفهوم- الآثار - الألعاب الإلكترونيّة

 - اختيار الألعاب الجاذبة لإثارة الدافعيّة، أي التي تشجّع الطفل وتحفّزه على النشاط والحركة، بأن تكون متوافقة مع ميوله ورغباته من ناحية الألوان والأصوات والأشكال...

- اختيار الألعاب التي تتوافر فيها شروط السلامة والأمان، بأن لا تحتوي على أجزاء تصيب الطفل بالخدوش والجروح، أو لا تتكوّن مثلاً من قطع صغيرة جدّاً قد يبتلعها الطفل، فتؤدّي إلى اختناقه...
- أن تكون اللعبة مناسبة لجنس الطفل، من ناحية الذكورة والأنوثة.
- أن تكون اللعبة مناسبة لسنّ الطفل، ومتناغمة مع مرحلته العمريّة، لناحية حجمها ووزنها وحاجاته واهتماماته...
- أن يعمد الوالدان إلى مراقبة ألعاب الطفل من ناحية نظافتها وغير ذلك، وأن يبادرا إلى إصلاح أيّ لعبة قد تكسّرت، حذراً من أن يؤذي الطفل نفسه بها. ومع عدم إمكانيّة إصلاحها فليرمياها في النفايات مباشرة.
- تجنيب الطفل الألعاب التي تتنافى مع القيم الإسلاميّة، مثل ألعاب القمار.

وفي هذا السياق، يفضّل مساهمة الأب أو الأمّ مع الطفل في صناعة ألعاب منزليّة خاصّة به.

الألعاب الإلكترونيّة للأطفال: إيجابيّاتها وسلبيّاتها
يفتح الطفل عينيه في عالمنا المعاصر على بيئة تكنولوجيّة تحتوي التلفزيون والحاسوب والهاتف واللوح التفاعليّ... إلخ، وتُوظّف هذه الأدوات في مجموعة كبيرة من الألعاب التي تشكّل عنصر جذب للأطفال. وقد وقع النقاش وما زال حول الآثار السلبيّة والإيجابيّة للألعاب الإلكترونيّة، وقد كثرت الدراسات بين مؤيّد ومعارض، وسنسلّط الضوء في هذه الفقرات على بعض الآثار السلبيّة والإيجابيّة لهذه الألعاب في حياة الطفل، ثم نختم بإرشادات وتوجيهات. ونبدأ من إيجابيّات الألعاب الإلكترونيّة، لأنّ الحديث عن السلبيّات يتصدّر عادة عند معالجة المسألة، وكأنّه أمر مفروغ منه.
 
 
 
 
 
126

101

الدرس الثامن: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (1) المفهوم- الآثار - الألعاب الإلكترونيّة

 1- إيجابيّات الألعاب الإلكترونيّة:

يذكر المؤيّدون لتشجيع الطفل على الألعاب الإلكترونيّة إيجابيّات عدّة، منها:
- أنّها تحقّق حسن التكيّف مع البيئة التكنولوجيّة، إذ لا يُعقل في عصر التكنولوجيا اتّباع سياسة عزل الطفل عن هذه الألعاب مطلقاً، فإنّها سياسة تربويّة غير واقعيّة، والأميّة التكنولوجيّة لم تعد تقلّ خطورة عن الأميّة بمعناها الكلاسيكيّ، فإنّ كلّ وظائف الحياة اليوم تتطلّب مهارات تكنولوجيّة عدّة.

- أنّها تعمل على توطيد العلاقة بين الآباء والأبناء، لأنّ الآباء الذين لا يلعبون مع أطفالهم عادة بأنماط ألعابهم الحركيّة، يأنسون بالألعاب الإلكترونيّة، فتشكّل هذه الألعاب عنصراً مشجّعاً للآباء لقضاء بعض الوقت مع أطفالهم باللعب فيها، ممّا يزيد الارتباط بينهم. وهذا ما كشف عنه البحث الذي أجرته جمعيّة برامج الكمبيوتر الترفيهيّة، إذ تبيّن أنّ 35 % من الذين شملهم البحث، أي واحداً من كلّ ثلاثة أولياء أمور، لا يتوانون عن الانغماس في تلك الألعاب، وأن 80 % منهم يشاطرون الأبناء اللعب1.

- أنّها تسهم في تحسين القدرات الحسّيّة، خصوصاً البصريّة، عند الطفل. فقد أظهرت دراسة أجراها بعض الباحثين الأميركيّين في جامعة روشيستر، أنّ الأطفال الذين مارسوا هذه الألعاب ساعات قليلة يومياً على مدار شهر كامل، برزت لديهم بوادر تحسّن في قدرتهم على الإبصار بنسبة 02%، لكونها أثّرت في الطريقة التي يتعامل بها الدماغ مع المعلومات البصريّة. كما أفادت أستاذة الدماغ والعلوم المعرفيّة دافين بافيلير (Daphne Bavelier)، أنّ الأطفال الذين أُجريت الدراسة عليهم، أظهروا زيادة كبيرة في القدرة التحليليّة لأعينهم بعد 30 ساعة متقطّعة من ممارسة هذه الألعاب، وتمكّنوا من تعريف الرموز والحروف...2.
 
 

1- يراجع: الشحروري، مها حسني، الألعاب الإلكترونيّة في عصر العولمة، دار المسيرة، عمّان، الأردن، ط1، 2008م. والزيودي، ماجد محمّد، الانعكاسات التربويّة لاستخدام الأطفال للألعاب الإلكترونيّة كما يراها معلّمو طلبة المدارس الابتدائية بالمدينة المنوّرة وأولياء أمورهم، مجلّة جامعة طيبة للعلوم التربويّة، المجلّد 10، العدد 1، 2015م، ص(15-31).
2- الشحروري، مصدر سابق.
 
 
 
 
127

102

الدرس الثامن: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (1) المفهوم- الآثار - الألعاب الإلكترونيّة

 - أنّها تساهم في تحسين المهارات المعرفيّة، كالقراءة1 والكتابة، ومعرفة الحروف والأرقام والأشكال والألوان والإيقاعات...، لأن الطفل يحتاج إلى هذه المهارات في فنّ اللعب، فيُضطرّ إلى اكتسابها وتعلّمها.


- أنّها تساهم في إثراء ملكة الخيال، وتنمية الحسّ الجماليّ، وتنمية الإبداع والابتكار، بسبب ما تحتويه من صور وأشكال وإيقاعات و... تصمّمها مئات العقول المتخصّصة في حقولها.

- أنّها تعطي فرصة تعلّميّة، إذ إنّ استخدام ألعاب الكمبيوتر التعليميّة تساعد على التعلّم أكثر، لأنّ الوسائل القديمة مملّة للطفل.

- تساهم في تنمية المهارات الحركيّة الدقيقة والتوافق بين حركات اليد والعين، لأنّ التحكّم بالكمبيوتر وتحريك الماوس ومسكة البلاي ستايشن... إلخ، يتطلّب استخدام عدد من المهارات.

... إلخ من الإيجابيّات التي تحدّثوا عنها. وفي المقابل عرض المعارضون أو المحذِّرون سلبيّات أكثر.

2- سلبيّات الألعاب الإلكترونيّة:
- تؤدّي الألعاب الإلكترونيّة إلى أضرار صحّيّة، على الجهاز العصبيّ للطفل الذي لا يزال في طور النموّ، وينجم عنها آلام في الظهر والرقبة... بسبب كثرة الجلوس وكيفيته غير السليمة. ويؤدّي تركيز نظره في الشاشة فترة طويلة مع الضوء الذي تبعثه، إلى إجهاد النظر وعضلات العين والصداع...

- تمنع الألعاب الإلكترونيّة بسبب جاذبيّتها، الطفل عن الاستفادة من الألعاب الحركيّة والأنشطة الأخرى المساهمة في بنائه البدنيّ والاجتماعيّ والعاطفيّ... إذ ينغمس فيها ويقضي ساعات من دون شعور بعامل الزمن.

- تضعف الألعاب الإلكترونيّة التركيز في الدروس بسبب انشغال الذهن بالرغبة في إتمام مراحل اللعبة، وهذه ميزة غير موجودة في الألعاب الحركيّة، التي تنتهي اللعبة فيها بالاختيار.
 
 

1- الهدلق، عبدالله عبدالعزيز، إيجابيّات الألعاب الإلكترونيّة وسلبيّاتها ودوافع ممارستها من وجهة نظر طلّاب التعليم العامّ بمدينة الرياض، مجلّة القراءة والمعرفة، جامعة عين شمس، مصر، 2012م.
 
 
 
128

103

الدرس الثامن: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (1) المفهوم- الآثار - الألعاب الإلكترونيّة

 - تضعف الألعاب الإلكترونيّة التفاعل المباشر بين الأهل والطفل، لأنه في الألعاب الأخرى يُشرك الطفل أهله بطريقة أو بأخرى ويلفت نظرهم، أما في الألعاب الإلكترونيّة فإنّ كلّ تركيزه يكون في اللعبة ويغفل عنهم.


- تغذّي النزعة الفرديّة والأنانيّة من جهة، والشعور بالانعزاليّة والانطوائيّة من جهة ثانية، لأنّ الطفل الذي يلعب بالألعاب الإلكترونيّة يجلس بمفرده ساعات طويلة، ولا يتفاعل مع الآخرين أو يتعاون معهم ويشاركهم، وبالتالي تضعف المهارات الاجتماعيّة لديه بسبب العزلة عن الواقع.

- تغذّي الألعاب الإلكترونيّة نزعة العنف والعدوانيّة والخصومة، بسبب ما تحتويه الألعاب من مشاهد العنف1.

- تخفّض مستوى التواصل اللغويّ.

- تحدّ من ممارسة النشاط البدنيّ2، فتؤدّي إلى السمنة والبدانة، وتورث الكسل والخمول... بسبب قلّة الحركة.

- تعلّم عادات وتقاليد وقيماً بعيدة عن ثقافة مجتمعاتنا.

3- إرشادات وتوجيهات:
لا نريد أن ندخل هنا في بحث مقارن بين الإيجابيّات والسلبيّات، ولكن ممّا لا شك فيه وجود آثار سلبيّة تترتّب على كيفيّة استخدام هذه الألعاب. فإذا استطعنا تحسين أسلوب استعمالها ببعض الإجراءات، يمكن تفادي الكثير من سلبيّاتها أو الحدّ منها.
 
 

1- القاسم، عبد الرزّاق بن إبراهيم، العلاقة بين ممارسة الألعاب الإلكترونيّة والسلوك العدوانيّ لدى طلّاب المرحلة الثانويّة بمدينة الرياض، العام الجامعيّ1432ه-2011م.
2- بشير، نمرود، ألعاب الفيديو وأثرها في الحدّ من ممارسة النشاط البدنيّ الرياضيّ الجماعيّ الترفيهيّ عند المراهقين المتمدرسين ذكور (12-15سنة)، معهد التربية البدنيّة والرياضيّة، الجزائر، 2008م.
 
 
 
 
 
129

104

الدرس الثامن: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (1) المفهوم- الآثار - الألعاب الإلكترونيّة

 ويمكن اللجوء إلى الخطوات التالية:

- تنظيم وقت اللعب بها، وتحديده بنحو لا يؤثر في باقي أنشطة الطفل.
- إيجاد عناصر جذب تشجّع الطفل على المشاركة في أنشطة أخرى، كالرياضيّة والألعاب التقليديّة.
- التوجيه الذكيّ من قبل الأهل لاختيار نوع اللعبة التي لا تحتوي على ما يُكسِب الطفل عادات وقيماً وسلوكات خاطئة.
- اختيار اللعبة المناسبة للمرحلة العمريّة للطفل، ولجنسه...
- مواكبة الطفل أثناء اللعب، وملاحظة مدى تغيّر سلوكه بسببها، وطرح بعض الأسئلة عنها بطريقة تجهيل الذات، من باب التعرّف ورصد جواب الطفل، وإرشاده إلى العادات السيّئة في اللعبة، وتفهيمه الفرق بين الخيال والواقع... إلخ.
- مشاركة الطفل في الألعاب الإلكترونيّة وقضاء وقت معه في ذلك.
- تشجيع الطفل على الألعاب الإلكترونيّة التفاعليّة، من خلال اللعب مع أصدقائه بهذه الألعاب، أو اختيار الألعاب التي تحتاج إلى فريق...
- السماح للطفل باللعب في المنزل كضمانة لدفع أضرار مقاهي الأنترنت ومحلّات الألعاب الإلكترونيّة.
- استخدام أسلوب التهديد بالحرمان من اللعبة مطلقاً أو الحرمان منها مؤقتّاً، حال تقصير الطفل بواجباته الأخرى، من طعام أو درس أو نوم أو مشاركة اجتماعيّة...
- مراعاة شروط السلامة الجسميّة في كيفيّة جلوس الطفل أثناء اللعب.
 
 
 
 
 
130

105

الدرس الثامن: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (1) المفهوم- الآثار - الألعاب الإلكترونيّة

 المفاهيم الرئيسة


- الرغبة في اللعب واللهو من الميول الفطريّة التي أودعها الله تعالى في ذات كلّ طفل، إذ نراه يصوّت ويتنغنغ ويترقّص ويدور ويقفز ويجري ويقوم بحركات هزليّة ويلهو بطعامه...
- اعترف الفلاسفة منذ القدم، كأفلاطون وأرسطو وغيرهما، بأهمّيّة اللعب، وكذلك شدّد فلاسفة التربية المسلمون كالغزاليّ والفيض الكاشانيّ وغيرهما عليه، لكنّه لم يُتّخذ موضوعاً مستقلّاً للتفكير فيه، ورصد آثاره الذهنيّة والوجدانيّة والنفسيّة والسلوكيّة والاجتماعيّة... في شخصيّة الطفل إلا حديثاً.
- كان لفروبل Frobel وشالر Schaller ولازاراس Lazarus، وبريير preyer وستانلي هول وشتيرن Stern، وشارلوت بوهلر Charlotte Buhler، وجان بياجيه وغيرهم، دور حيويّ في تطور البحث حول اللعب وآثاره في حياة الطفل.
- التربية باللعب عبارة عن قيام المربّي بتهيئة البيئة الحاضنة للعب الطفل، وتحضير الألعاب المناسبة لمرحلته العمريّة، لتنمية قدراته العقليّة والنفسيّة والجسميّة، واستثمار غريزة اللعب في تعليم الطفل، وتأديبه على القيم، وعلاجه من بعض الاضطرابات النفسيّة.
- للّعب آثار عدّة في هويّة الطفل: الآثار الجسميّة - الحركيّة: كتقوية عضلات الجسم، والمهارات الحركيّة. الآثار الذهنيّة والعقليّة: قوّة الملاحظة الحسّيّة، معرفة خصائص الأشياء، إثراء ملكة الخيال. الآثار النفسيّة والوجدانيّة: الشعور بالمتعة، الاعتماد على النفس، الاتّزان الانفعاليّ. الآثار الاجتماعيّة: تنمية مهارات التواصل الاجتماعيّ، الالتزام بالقواعد، المنافسة، تعلّم الأدوار الحياتيّة المختلفة. الآثار اللغويّة: تنمية قدرة التعبير، وتكوين الجمل المفيدة.
- ينبغي للوالدين تأمين أدوات اللعب، والالتفات إلى: إشراك الطفل في شراء اللعبة، جاذبيّة اللعبة، توافر شروط السلامة والأمان، التناسب مع جنس الطفل وعمره واحتياجاته.
- كثرت الدراسات بين مؤيّد ومعارض للألعاب الإلكترونيّة، ويقول المؤيّدون إنها تحقّق إيجابيّات عدّة، منها: التكيّف مع البيئة التكنولوجيّة، توطيد العلاقة بين الآباء والأبناء، تحسين القدرات الحسيّة والمهارات المعرفيّة، إثراء ملكة الخيال وتنمية الحسّ الجماليّ. وفي المقابل عرض المعارضون سلبيّات عدّة، منها: تؤدّي إلى أضرار صحّيّة، تمنع الاستفادة من الأنشطة الأخرى، ضعف التحصيل الدراسيّ، الانطواء والعزلة، نزعة العنف.
- يمكن تفادي سلبيّات الألعاب الإلكترونيّة من خلال: تنظيم وقت اللعب، الترغيب في الأنشطة الأخرى، التوجيه الذكيّ لاختيار نوع اللعبة، مشاركة الطفل في الألعاب الإلكترونيّة وقضاء وقت معه، تشجيع الطفل على الألعاب الإلكترونيّة التفاعليّة، مراعاة شروط السلامة الجسميّة في كيفيّة جلوس الطفل.
 
 
 
131

106

الدرس الثامن: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (1) المفهوم- الآثار - الألعاب الإلكترونيّة

 أسئلة الدرس


- ما هو اللعب لغة؟ واصطلاحاً؟ وما هي التربية باللعب؟
- كيف يمكن توظيف اللعب إيجاباً في عمليّة التربية والتعليم بساحاتهما المختلفة؟
- اعرض المسار التاريخيّ الذي مرّت به مسألة التربية باللعب.
- عدّد الآثار الجسميّة والذهنيّة والنفسيّة والاجتماعيّة واللغويّة الناتجة عن لعب الطفل؟ وأضف بعض الآثار الأخرى.
- ما هي الشروط التي ينبغي أن تتوافر في الألعاب وأدوات اللعب؟
- اختلف العلماء بين مؤيّد ومعارض للألعاب الإلكترونيّة للأطفال، اذكر أهمّ الإيجابيّات وأهمّ السلبيّات.
- هل تؤيّد الألعاب الإلكترونيّة للأطفال أم تعارضها؟ علّل ذلك.
- ما هي أهمّ الإجراءات التي يمكن اعتمادها لتفادي سلبيّات الألعاب الإلكترونيّة أو الحدّ منها؟
 
 
 
 
132

107

الدرس التاسع: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (2) قراءة في ضوء النصوص الدينيّة

الدرس التاسع
التربية باللعب واللعب عند الأطفال (2) قراءة في ضوء النصوص الدينيّة

أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يتعرّف إلى أهمّيّة اللعب في ضوء النصوص الدينيّة.
2- يعرض نماذج من سيرة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في لعبه مع الحسنين عليهما السلام.
3- يذكر إجراءات حرّيّة اللعب عند الطفل.
4- يحدّد أهداف المراقبة الذكيّة للعب الطفل.
 
 
 
 
 
 
135

108

الدرس التاسع: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (2) قراءة في ضوء النصوص الدينيّة

 دع ابنك يلعب

اتّضح ممّا تقدّم في الدرس السابق، أهمّيّة اللعب وآثاره الحيويّة المختلفة في حياة الطفل وبناء هويّته، وقد أكّدت روايات النبيّ وأهل البيت صلوات الله عليهم، ضرورة اللعب، وأمرت وليّ الطفل بأن يتركه يعيش السبع الأولى من حياته في دائرة اللعب واللهو والنشاط الحركيّ.

- عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: "دع ابنك يلعب سبع سنين، ويُؤدّب سبع سنين، وألزمه نفسك سبع سنين، فإن أفلح، وإلّا فإنّه ممّن لا خير فيه"1.

- وعنه عليه السلام، قال: "الغلام يلعب سبع سنين، ويتعلّم الكتاب سبع سنين، ويتعلّم الحلال والحرام سبع سنين"2.

خصوصيّة السبع الأولى من حياة الطفل
قد يظنّ بعض الناس أن منتهى مرحلة اللعب عند الطفل هي سنّ السابعة، لكن ليس هذا هو المراد في هذه الروايات، بل الظاهر أنّ المقصود، هو أنّ الخصوصيّة الغالبة على طبيعة السبع الأولى هي اللعب، فهو توصيف بلحاظ غلبة الأفراد. وهذا لا يعني منع الطفل بعد سنّ السابعة عن اللعب، وتوجيه العذل واللوم إليه إذا قام بأيّ نشاط حركيّ، بل يبقى اللعب حاجة للطفل، لكن كلّ ما في الأمر أنّ سنّ السابعة تُعتبر نقطة البدء بالتعلّم والجدّيّة في المدرسة، وهو يحتاج إلى بذل جهد في تعلّم القراءة والكتابة
 
 

1- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص492.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص47.
 
 
 
 
137

109

الدرس التاسع: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (2) قراءة في ضوء النصوص الدينيّة

 والحساب، وحفظ بعض المعلومات، ودراسة الدروس ومراجعتها... أولاً.


وثانياً: هي سنّ الدخول في مرحلة التمييز، فيكون هناك تشدّد أكثر معه في التربية بفعل وعيه وإدراكه.

وثالثاً: هي سنّ بدء تمرين الطفل على العبادات، كالصلاة والصوم والصدقة وغيرها. لذا لا يكون طابع هذه المرحلة هو اللعب وحسب، وهذا لا ينافي بقاء حاجة الطفل إلى اللعب، وتشجيعه عليه، وإعطاءه الوقت والفرصة الكافيين للعب.

مسؤوليّات الأهل بالنسبة إلى لعب الطفل
أوّل وظيفة يتحمّلها الوالدان والمربّون، هي فسح المجال أمام الطفل ليمارس أيّ نشاط بحرّيّة، وإعطاؤه هامشاً ليتحرك داخل مروحة واسعة من الخيارات في اللعب، من دون فرض قيود كثيرة أو لائحة طويلة من الممنوعات، وهذا ما تفيده عبارة: "دع ابنك يلعب..."، أو غيرها، كقول أمير المؤمنين عليه السلام: "يُرخى الصبيّ سبعاً..."1.

ومع كلّ ما تقدّم، ممّا يُؤسف له أسفاً شديداً، أنّ بعض الأهل يقيّدون حركة الطفل في المنزل، بفرض لائحة طويلة من الممنوعات، خوفاً على أثاث المنزل وألوانه وترتيبه وأناقته... أو لاعتبارات اجتماعيّة أو اقتصاديّة... إلخ قد تكون أحياناً من وجهة نظرهم محقّة، ومع ذلك، فإنّ من أهمّ وظائف المربّي تهيئة البيئة الحاضنة لحرّيّة لعب الطفل وممارسة نشاطه الحركيّ، خصوصاً طفل المدينة الذي لا يملك غالباً إلّا فضاء منزله ليلعب فيه. فينبغي والحال هذه، أن يقتنع الوالدان عمليّاً بأنّ من حقّ الطفل أن يلعب، ومن حقّ الطفل أن يكون له مكان مخصّص ليلعب فيه، إذ يغفل معظم الأهل عن تأمين غرفة خاصّة للطفل في المرحلة الأولى من حياته، ليعيش نشاطه الحركيّ بحرّيّة، مع أنّ هذا الأمر ضروريّ في كيفيّة هندسة المنزل وتقسيمه. فإنّ قضاء الطفل وقته في اللعب أهمّ من أيّ اعتبار جماليّ أو اجتماعيّ أو ماليّ عند الوالدين، لأن البناء الصحيح والنموّ السليم لشخصيّة الطفل، تستحقّ المرتبة الأولى عند المزاحمة بين الأولويّات. وإذا كانت
 
 

1- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص223.
 
 
 
 
138

110

الدرس التاسع: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (2) قراءة في ضوء النصوص الدينيّة

 غرف المنزل قليلة، فبإمكان الوالدين ترتيب غرفة الضيوف أو الجلوس بنحو خاصّ ليلعب الطفل، ثم يعاد ترتيبها بنحو آخر أثناء زيارة الضيوف، وإلّا فما فائدة غرفة تُعطَّل أسابيع أو أشهراً انتظاراً لاستقبال ضيف بين حين وآخر، في الوقت الذي تُحجز فيه بشكل يوميّ وكلّ ساعة، حرّيّة الطفل ويُمنع عن اللعب.


وينبغي للأهل أن لا يشعروا بالحرج والخجل من عدم ترتيب هذه الغرفة أو تلك، بل عليهم أن يفتخروا بفعلهم هذا أمام الناس، والتوضيح لهم بأن النموّ السليم لطفلنا وطفلكم هو العنصر الأساس المقدَّم على أيّ اعتبار آخر.

ونلاحظ أنّ بعض الأهل قد يمنع الطفل عن ممارسة نوع خاصّ من اللعب بسبب فرط خوفهم عليه، فعليهم التنبّه إلى تجنّب جعل فرط خوفهم على الطفل، حاجزاً لحرّيّته، وعائقاً أمام إطلاق العنان لنشاطه الحركيّ. نعم، إذا كانت طبيعة اللعبة التي يمارسها الطفل تؤدّي إلى أذيّته وإلحاق الضرر المعتدّ به بنحو فعليّ، فيجب عليهم الوقاية والحذر، وهو أمر آخر غير فرط الخوف، وإلّا، فإنّ أيّ نشاط حركيّ عند الطفل نتيجة مشاغباته وعرامته وشقاوته، من القفز والجري والتعارك والتعلّق والزحف وغيرها، من شأنه أن يؤلمه أو يجرحه أو غير ذلك، ممّا هو طبيعيّ في سياق لعب الطفل.

ونلاحظ أيضاً، أنّ بعض الأهل قد يمنع الطفل من اللعب حفاظاً على نظافة جسمه ولباسه من الاتّساخ، خصوصاً في القرية، حيث قد يلعب الطفل بالتراب أو يتسلّق الجدران والأشجار، فيكون الوالدان بذريعة الحفاظ على نظافة الطفل، قد عملوا على كبت مواهبه ومنع قابليّاته من التفتّح والازدهار. فإنّ من حقّ الطفل أن يلعب، وإذا اتّسخت ثيابه أثناء اللعب، فإنّ هذا بنظرة واقعيّة أمر طبيعيّ، وببساطة يعاد غسلها. فينبغي والحال هذه، أن لا يصرخ الوالدان على الطفل: ماذا تفعل؟ الآن تجعل ثيابك قذرة!! بل عليهم تشجيعه على اللعب، وتحفيزه ورفع الموانع وإزالة العوائق والحواجز النفسيّة، كالخوف والحياء...
 
 
 
 
 
 
139

111

الدرس التاسع: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (2) قراءة في ضوء النصوص الدينيّة

 استحباب عَرَامة الطفل

وليعلم المربّي أنّ تشجيع الطفل على الألعاب الشاقّة والشديدة التي فيها مشاكسة وشراسة، تكسبه قوّة البدن وشجاعة القلب، وتنمّي عقله وتزيد فيه، وهذا ما أشارت إليه الروايات بشكل واضح، حين أكّدت استحباب عَرَامة الصبيّ في صغره.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "عرامة الصبيّ في صغره زيادة في عقله في كبره"1.

وعن العبد الصالح (الإمام الكاظم) عليه السلام، قال: "يُستحبّ عَرَامة الغلام في صغره، ليكون حليماً في كبره"2.

والعرامة في اللغة: الشدّة والحدّة والقوّة والشراسة3. وتُستعمل أيضاً بمعنى المرح والبطر4.

فيكون معنى الحديثين أنّه يُستحبّ تشجيع الطفل، وتعويده القيام بالأمور الشاقّة والألعاب المليئة بالنشاط والحركة والتخشّن...

مراقبة اللعب وتنظيم أوقاته
إنّ إعطاء الطفل هامشاً من حرّيّة الحركة في اللعب لا يعني الغفلة عن نشاطه وحركته، لأنّ الطفل قد يخلّ في بعض الألعاب بالآداب العامّة، كما في لعبة العروس والعريس. أو قد يؤذي نفسه أو الآخرين من حيث لا يشعر، كما في الألعاب القتاليّة، كالعضّ والخمش بالمخالب. وقد يلحق الضرر المعتدّ به بأغراضه الشخصيّة وألعابه، أو بأثاث المنزل، أو بثيابه... لذا، ينبغي أن نُبقِي أعيننا مفتوحة في مراقبة ذكيّة للطفل بين حين وآخر، من دون إشعاره بذلك، حتى لا نقيّد حركته، وأن نعمل على توجيهه وإرشاده في أنماط الألعاب التي نشخّص أن لها أثراً سلبياً في بناء هويّته، أو إزالة أو تنحية أيّ غرض
 
 

1- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير، بيروت - لبنان، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1401ه - 1981م، ط1،ج2، ص151.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص51.
3- ابن زكريا، معجم مقاييس اللغة، ج4، ص292. وابن منظور، لسان العرب، ج12، ص395.
4- المخصّص، ج2، ص203. وابن منظور، لسان العرب، المصدر نفسه.
 
 
 
 
140
 

112

الدرس التاسع: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (2) قراءة في ضوء النصوص الدينيّة

 يشكّل عائقاً أمام حرّيّة حركته، أو يؤدّي إلى أذيّته، كالزجاج مثلاً.


كما أنّ إعطاء الطفل هامشاً من الحرّيّة في اللعب، ينبغي أن لا يكون على حساب الشؤون الأخرى التي يجب على الطفل أن يقوم بها. بل ينبغي أن يُنظّم اللعب بنحو لا ينعكس سلباً على الجوانب الأخرى في بناء شخصيّته، كالطعام مثلاً، فإنّ بعض الأطفال نتيجة استغراقهم في اللعب، قد يغفل عن الجوع، فلا يأكل، أو يأكل على عجل فلا يجوّد المضغ مثلاً. وكذلك النوم، فإنّ لجسد الطفل حقّاً، فقد يتعب الطفل، ولكن نتيجة رغبته في اللعب يقاوم النعاس والنوم، فعلى الوالدين أن يعطيا جسد الطفل حقّه في أخذ قسط من الراحة، وعليهما أن لا يعطيا الطفل هامش حرّيّة البقاء خارج المنزل من أجل اللعب، خصوصاً عندما يرخي الليل سدوله.

عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا غربت الشمس فُكفّوا صبيانكم، فإنّها ساعة يُنشر فيها الشياطين"1.

والكفّ هنا بمعنى توجيه أمر إرشاديّ للأهل، بأن يضمّوا الأطفال إليهم في حضن البيت، ويمنعوهم عن الخروج في مثل هذا الوقت.

بين اللعب والدراسة والتعلّم
كما ينبغي تنظيم وقت اللعب عند الطفل بما يتناسب مع أدائه لفروضه المدرسيّة في المنزل، بنحو لا يكون اللعب حجر عثرة في طريق دراسته. وفي الوقت نفسه ينبغي الالتفات إلى عدم حرمان الطفل من اللعب بإرهاقه بالدروس، فإنّ الطفل بعد عودته من المدرسة يحتاج إلى اللهو واللعب ليخرج من مناخ الجدّيّة والانضباط والتقيّد، كي لا يصل إلى مرحلة يكره فيها التعلّم، وينفر فيها من الدرس، لأنه سيراه حينها عائقاً أمام تحقيق رغبته الفطريّة في اللهو، وتحصيل المتعة والبهجة باللعب.

وقد التفت فلاسفة التربية المسلمون إلى أهمّيّة هذا العنصر. يقول أبو حامد الغزاليّ: "ينبغي أن يؤذن له (أي للطفل) بعد الانصراف من الكتّاب (المدرسة)، أن يلعب لعباً
 

1- السيوطي، الجامع الصغير، ج1، ص118.
 
 
 
 
141

113

الدرس التاسع: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (2) قراءة في ضوء النصوص الدينيّة

 جميلاً، يستريح إليه من تعب المكتب، بحيث لا يتعب في اللعب. فإنّ مَنعَ الصبيّ من اللعب، وإرهاقه إلى التعلّم دائماً، يميت قلبه، ويبطل ذكاءه، وينغّص عليه العيش، حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأساً"1.


التصابي للطفل واللعب معه
من المسائل المهمّة التي أكّدتها الروايات أيضاً في خطّ علاقة الأهل مع الطفل في التربية باللعب هي: أن يشاركوه اللعب، لا أن يدعوه يلعب وحسب، فإنّ لعب الوالدين مع طفلهما يشبع حاجاته العاطفيّة، ويؤنسه ويشعره بدفء العلاقة. وقد ذكرنا في درس التربية بالحبّ والرحمة، أنّه من مظاهر التربية بالحبّ اللعب مع الطفل. كما أنّه "حينما يشارك الكبار الطفل في لعبه وإيهامه به، فإنّما يؤكّدون له صلاحيّة ما يقوم به، وما ينطوي عليه من معنى"2.

وعلى الوالدين أن يُنزلا أنفسهما منزلة الطفل الصغير3 حين اللعب معه، فيعيشوا مع الطفل مشاعره الطفوليّة، ويشاركوه أحاسيسه، فيرجعوا أطفالاً في حركاتهم وأسلوب كلامهم ونظراتهم وطريقة لعبهم، ويدعوا جانباً الطبيعة الأبويّة التي تريد الحفاظ على الهيبة مثلاً، فيلعبوا مع الطفل كلعب الطفل نفسه. وقد أطلقت الروايات على هذه الحال مصطلح "التصابي".

عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "من كان عنده صبيّ فليتصابَ له"4

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "من كان له ولد صبا"5.

وصنّف الفقهاء هاتين الروايتين وغيرهما في موسوعاتهم الحديثيّة تحت عنوان:
 
 

1- الغزالي، إحياء علوم الدين، ج8، ص133. والمحجّة البيضاء في تهذيب الأحياء، ج5، ص127.
2- سيكولوجيا اللعب، ص267.
3- انظر: الشيخ فخر الدين الطريحي، مجمع البحرين، مرتضوي، شهريور ماه 1362 ش، ط2،ج1، ص260.
4- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص483.
5- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص49.
 
 
 
 
142

114

الدرس التاسع: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (2) قراءة في ضوء النصوص الدينيّة

 "استحباب التصابي مع الولد وملاعبته"1، ممّا يُظهر أنّ اللعب مع الطفل من الأمور المستحبّة في الشريعة الإسلاميّة، وإن كان من المحتمل أن تكون مثل هذه الأحاديث واردة في سياق الأوامر الإرشاديّة دون التكليفيّة.


اكتشاف شخصيّة الطفل أثناء اللعب معه
إنّ اللعب مع الطفل وسيلة تساعد الأهل على تكوين بنك معلومات عن طبيعة طفلهم، باعتماد أسلوب الملاحظة الحسّيّة، وفهم مكوّنات شخصيّته ومهاراته الذهنيّة، ونفسيّته ونقاط قوّته وضعفه، ومشكلاته وصراعاته، وانفعالاته واضطراباته، وأساليب تعبيره عن حاجاته ومخاوفه التي تظهر أثناء اللعب. ومن هنا، أعتمد ما اصطلح عليه اختبارات اللعب، لاكتشاف طبيعة شخصيّة الطفل.

كما أنّ مراقبتهم الذكيّة للطفل أثناء لعبه بين حين وآخر، تعطيهم نتائج أفضل عن طبيعة الطفل، لأنّ الطفل قد يخفي بعض عواطفه وانفعالاته وتعبيراته، خجلاً أو خوفاً أو احتراماً لوالديه.

ملاطفة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم للحسنين عليهما السلام
لقد كان النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يلاطف ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام، إظهاراً لحبّه لهما، وإبرازاً لعظيم فضلهما وكبير منزلتهما في عين الله تعالى أمام الأمّة. لذا نلاحظ أنّ الأحاديث التي تتحدّث عن ملاطفة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم للحسنين، تُعقّب بعبارات توضح هذا الأمر، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم للحسين عليه السلام: "حسين منّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسيناً"2.

وعن سعيد بن المسيّب أنّه قال: دخل رجل من الأنصار على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو مستلقٍ على ظهره، والحسن والحسين يلعبان على بطنه، فقال: أتحبّهما يا رسول الله؟
 
 

1- انظر: الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص203. والميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج15، ص172. والسيد البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج21، ص416.
2- ابن قولويه، أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي، كامل الزيارات، تحقيق الشيخ جواد القيومي، قم، مؤسسة نشر الفقاهة، 1417ه، ط1،ص116.
 
 
 
143

115

الدرس التاسع: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (2) قراءة في ضوء النصوص الدينيّة

 قال: "وكيف لا أحبّهما، وهما ريحانتاي في الدنيا والآخرة؟"1.


وعن جابر بن عبد الله الأنصاريّ قال: دخلت على النبيّ (...)، وعلى ظهره الحسن والحسين، وهو يقول: "نعم الجمل جملكما، ونعم العدلان أنتما"2.

وعن عمر بن الخطّاب، قال: رأيت الحسن والحسين على عاتقي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: نعم الفرس تحتكما. فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "ونعم الفارسان هما"3.

وعن ابن مسعود، قال: حمل رسول الله الحسن والحسين على ظهره، الحسن على أضلاعه اليمنى، والحسين على أضلاعه اليسرى، ثم مشى وقال: "نعم المطيّ مطيّكما، ونعم الراكبان أنتما، وأبوكما خير منكما"4.

وفي هذا السياق، نشير إلى ظاهرة غالباً ما يفعلها الأطفال بشكل متكرّر، وهي أنّهم يركبون ويمتطون ظهور والديهم أثناء تأدية الصلاة، فينبغي للوالدين عدم تعنيف الطفل ودفعه بقوّة عن ظهرهما، بل السماح له بذلك، فإنّه مع مرور الوقت يترك هذه العادة تدريجياً.

إشارة عقائديّة: الإمام لا يلهو ولا يلعب
والجدير ذكره في المقام، نقطة تتعلّق باعتقادنا بأئمّة أهل البيت عليهم السلام، وهي أنّ الإمام عليه السلام لا يلهو ولا يلعب كشأن سائر الأطفال.

عن صفوان الجمّال قال: سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام عن صاحب هذا الأمر؟ فقال عليه السلام: "إنّ صاحب هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب. وأقبل أبو الحسن موسى عليه السلام وهو صغير، ومعه عَناق5 مكّيّة، وهو يقول لها: اسجدي لربّك. فأخذه أبو عبد اللَّه عليه السلام وضمّه إليه وقال: بأبي وأميّ من لا يلهو ولا يلعب"6.
 
 

1- المغربيّ، شرح الأخبار، ج3، ص100.
2- الكوفيّ، مناقب الإمام أمير المؤمنين، ج2، ص247 و ص269. وابن المغازلي، مناقب عليّ بن أبي طالب، ص304.
3- تاريخ مدينة دمشق، ج14، ص162. وشرح الأخبار، ج3، ص107.
4- مناقب آل أبي طالب، ج3، ص158-159.
5- العناق: الأنثى من أولاد المعز التي لم تستكمل الحول، والجمع أعنق وعنوق.
6- الشيخ الكليني،الكافي، ج1، ص311.
 
 
 
144

116

الدرس التاسع: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (2) قراءة في ضوء النصوص الدينيّة

 وقد ورد في بعض الروايات أن الإمام العسكري عليه السلام عندما كان صبيّاً قال له رجل: أشتري لك ما تلعب به؟ فقال عليه السلام: "ما للعب خلقنا"1.


فالأفعال التي كان يلاطف فيها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الحسنين عليهما السلام، كان لها أهداف رساليّة ودعويّة كما ذكرنا، من باب إظهار فضل الحسن والحسين عليهما السلام، لترتبط الأمّة بهما عاطفيّاً ووجدانيّاً، وبالتالي تحبّهما وتناصرهما وتواليهما.

وفي ضوء هذه القاعدة من أنّ أئمة أهل البيت عليهم السلام لم يخلقوا للّعب نفهم كيف ينصّب الجواد والمهدي عليهما السلام أئمة على الأمة رغم صغر سنهما، وقد كان ذلك في الأنبياء عليهم السلام أيضاً، فقد ورد في بعض الروايات في قوله تعالى: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾2: "أنه عليه السلام كان صبياً، فقال له الصبيان: هلمّ نلعب. فقال عليه السلام: أوه والله ما للعب خلقنا ، وإنما خلقنا للجدّ لأمر عظيم"3.

وبغضّ النظر عن هذا البعد العقائديّ في ملاطفة النبيّ لابنيه الحسنين، يبقى التأسّي بفعل النبيّ من ناحية كيفيّة ملاعبة الوالدين لطفلهما واللعب معه، هو موضع الشاهد التربويّ، لكونها وقعت أمام ناظري المسلمين، ممّا يدعوهم إلى التأسّي بها.
 

1- الهيتمي، أحمد بن حجر، الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة، ص209.
2- سورة مريم، الآية 12.
3- التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام، ص661.
 
 
 
145

117

الدرس التاسع: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (2) قراءة في ضوء النصوص الدينيّة

 المفاهيم الرئيسة


- أكّدت الروايات ضرورة اللعب، وأمرت وليّ الطفل بأن يتركه يعيش السبع الأولى من حياته في دائرة اللعب واللهو والنشاط الحركيّ. فعن أبي عبد اللَّه عليه السّلام، قال: "دع ابنك يلعب سبع سنين"، وعنه عليه السلام، قال: "الغلام يلعب سبع سنين".
- حدّ اللعب بسبع سنوات يعني أنّ الخصوصيّة الغالبة على السبع الأولى هي اللعب، فهو توصيف بلحاظ غلبة الأفراد. وهذا لا يعني منع الطفل بعد السابعة عن اللعب، بل كلّ ما في الأمر أنّ سنّ السابعة هي مرحلة التمييز، فيصبح هناك أولويّات أخرى في حياة الطفل: التحصيل الدراسيّ، التمرّن على العبادات، اكتساب القيم...
- ينبغي للوالدين فسح المجال أمام الطفل ليمارس أنشطته الحركيّة بحرّيّة، وهذا ما تفيده عبارة "دع ابنك يلعب". فلا ينبغي أن تشكّل الاعتبارات الاجتماعيّة أو الاقتصاديّة أو الجماليّة، أو الخوف أو الحرص على النظافة،... حجر عثرة في طريق لعب الطفل، لأنّ البناء الصحيح والنموّ السليم لشخصيّة طفلهم يستحقّان المرتبة الأولى عند المزاحمة بين الأولويّات.
- إنّ إعطاء الطفل هامشاً من حرّيّة اللعب لا يعني الغفلة عن نشاطه، لأنّه قد يخلّ بالآداب العامّة، كما في لعبة العروس والعريس، أو قد يؤذي الآخرين، كما في الألعاب القتاليّة، كالعضّ والخمش بالمخالب.
- ينبغي أن لا تكون حرّيّة اللعب على حساب الشؤون الأخرى، كالطعام أو النوم، أو أداء الفروض المدرسيّة، أو الواجبات الاجتماعيّة...
- ينبغي تشجيع الطفل على الألعاب التي فيها مشاكسة، لأنّها تنمّي عقله، وتكسبه قوّة البدن وشجاعة القلب. فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "عرامة الصبيّ في صغره زيادة في عقله في كبره".
- أكّدت الروايات ضرورة مشاركة الوالدين الطفل في اللعب، فعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، أنّه قال: "من كان عنده صبيّ فليتصابَ له".
- اللعب مع الطفل وسيلة تساعد الأهل على تكوين بنك معلومات عن طبيعة طفلهم، باعتماد أسلوب الملاحظة الحسّيّة، وفهم مكوّنات شخصيّته، ومهاراته الذهنيّة ونفسيّته، ونقاط قوّته وضعفه، ومشكلاته وانفعالاته واضطراباته، وأساليب تعبيره عن حاجاته ومخاوفه التي تظهر أثناء اللعب.
- كان من سيرة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، أن يلاعب ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام.
 
 
 
 
 
 
146

118

الدرس التاسع: التربية باللعب واللعب عند الأطفال (2) قراءة في ضوء النصوص الدينيّة

 أسئلة الدرس


- عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: "دع ابنك يلعب سبع سنين"، وعنه عليه السلام، قال: "الغلام يلعب سبع سنين"، حلّل مضمون هاتين الروايتين.
- هل حدّ اللعب بسبع سنوات يعني منع الطفل بعد السابعة عن اللعب؟ علّل ذلك.
- لِمَ ينبغي للوالدين إعطاء الطفل هامشاً من حرّيّة الحركة واللعب داخل المنزل؟ وما هي الإجراءات التي يجب عليهم القيام بها، لتهيئة البيئة الحاضنة للّعب في المنزل؟
- هل يجب مراقبة ألعاب الطفل وأنشطته الحركيّة؟ لماذا؟ وكيف؟
- عن الإمام الكاظم عليه السلام، قال: "يُستحبّ عَرَامة الغلام في صغره، ليكون حليماً في كبره"، ما هي عرامة الصبيّ؟ وكيف تُساهم في نموّه العقليّ وقوّته البدنيّة؟
- عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "من كان له ولد صبا"، ما هو المقصود بالرواية؟ وما أهمّيّة هذا الفعل في خطّ علاقة الوالدين بالطفل؟
- هل يمكن توظيف اللعب في فهم طبيعة الطفل؟ كيف؟ وبماذا يساعد هذا الأمر الوالدين؟
 
 
 
 
 
 
147

119

الدرس العاشر: التربية بالأدب والفنّ

 الدرس العاشر

التربية بالأدب والفنّ


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يُعرِّف التربية الأدبيّة والفنيّة.
2- يعدّد أهداف التربية بالأدب والفنّ.
3- يحدّد معايير تقديم الأدب والفنِّ للأطفال وضوابطه.
4- يبيّن أهمّيّة تربية الطفل على الشعر.
5- يذكر خصائص التربية بأسلوب القصّة.
 
 
 
 
 
149

120

الدرس العاشر: التربية بالأدب والفنّ

 يتفرّع الحديث عن التربية الأدبيّة1 والفنيّة للطفل إلى ثلاثة مجالات:

- الأوّل: تربية الطفل بالأدب والفنّ.
- والثاني: تربية الطفل على الأدب والفنّ.
- والثالث: علاج المشكلات السلوكيّة والاضطرابات النفسيّة عند الطفل بالأدب والفنّ. فقد ينجح المربّي في تعديل سلوك الطفل من خلال الأدب والفنّ بمسرحيّة أو قصّة، بما لا يستطيع أن ينجح في ذلك بوسائل أخرى، كأسلوب الثواب أو العقاب...

وسنعالج في هذا الدرس البعدين الأوّلين، أما البعد الثالث فقد تقدّم الحديث عنه في درس التربية باللعب، ولا جديد نضيفه، إلا بتغيّر الميدان من اللعب إلى الأدب والفنّ.

يُعتبر الأدب والفنّ وما ينطويان عليه من القصّة والشعر، والنشيد والغناء، والرسم والمسرح، والرقص والموسيقى... إلخ، من الأصول والوسائل التي اعتمدت عليها المجتمعات البشريّة منذ قدم التاريخ في تربية الأطفال، فهما يساعدان على تنمية مواهبهم وتفتّح استعداداتهم، وزرع القيم وغرس العادات والتقاليد الاجتماعيّة، ونقل التراث الثقافيّ بمختلف أشكاله، خصوصاً أنّ الطفل فنّان بطبعه، ويتجاوب ويتفاعل بشكل إيجابيّ مع الأعمال الأدبيّة والفنيّة2.

وكذلك يشكِّل الأدب والفنّ حاجة رئيسة في الحياة العقليّة والخياليّة للطفل، فهو يتميّز في المراحل النمائيّة الأولى من حياته بملكة الخيال الإيهاميّ، التي تحاكيها وتثيريها الأعمال الأدبيّة والفنيّة. فالطفل يقفز بخياله فوق حدود الزمان والمكان، ويحلّق بطائر
 
 

1- يُعتبر الأدب جزءاً من منظومة الفنّ بالمعنى الأعمّ، كما سيتّضح من تعريف الأدب.
2- يراجع: الحديدي، علي، في أدب الأطفال، الفصل الأول، والرابع.
 
 
 
 
151

121

الدرس العاشر: التربية بالأدب والفنّ

 الخيال عالياً متجاوزاً الواقع، فيصوّر العصا حصاناً يمتطيه، والوسادة طفلاً صغيراً يلعب معه... إلخ. فالطفل يستخدم خياله ليستمتع، وليهرب من الظروف التي يفرضها عليه الواقع المخيّب لآماله، والمقيّد لحركته.


كما أنّ الأدب والفنّ يُعتبران حاجة ضروريّة في الحياة الوجدانيّة والعاطفيّة للطفل، بإمتاعه والترويح عنه، وملء حياته بالشعور بالأنس والإيجابيّة، إذ نلاحظ أنّ الطفل يأنس بأنشودة تردّدها أمّه على مسامعه، فتشعره بالدفء والحنان، وينام على نغمتها، أو بقصّة يرويها الأب له قبل النوم، فيشعر بالأمان...

ما هو أدب الأطفال؟
وقدّ عُرّف أدب الأطفال بتعريفات متعدّدة، منها:
- أنّه خبرة لغويّة في شكلّ فنّيّ، يبدعه الفنّان، ولا سيّما للأطفال فيما بين الثانية والثانية عشرة أو أكثر قليلاً، يعيشونه ويتفاعلون معه، فيمنحهم المتعة والتسلية، ويدخل على قلوبهم البهجة والمرح، وينمّي فيهم الإحساس بالجمال وتذوّقه، ويقوّي تقديرهم للخير ومحبّته، ويطلق العنان لخيالاتهم وطاقاتهم الإبداعيّة، ويبني فيهم الإنسا1.

- وعُرّف بأنّه "الفنّ الذي يُسعِد الطفل ويُمتِعه من خلال تصويره للعواطف الإنسانيّة وتعبيره عنها... فتحدث التأثير الوجدانيّ الذي يساعد على بناء شخصيّة الطفل وتعميق هويّته، وتثقيفه وتعليمه فنّ الحياة"2.

وقد فُعّل وُنشّط حضور الأدب والفنّ بطريقة علميّة في العصر الحديث في ميدان تربية الأطفال، وفي هذا السياق، ألّفت كتب عديدة حول أدب الأطفال وفنّ الأطفال، ودورهما في العمليّات التربويّة.
 
 

1- يحيى، رافع، تأثير ألف ليلة وليلة في أدب الأطفال العربيّ، ص18.
2- فناوى، هدى، الطفل وأدب الأطفال، ص10. ويراجع: أبو فنّة، محمود، القصّة الواقعيّة للأطفال في أدب سليم خوري، دار الهدى للطباعة والنشر، حيفا، 2001م.
 
 
 
 
152

122

الدرس العاشر: التربية بالأدب والفنّ

 أهداف التربية بالأدب والفنّ:

للتربية بالأدب والفنّ أهداف عديدة، من أهمّها:
- المؤانسة والإمتاع، وإدخال الفرح والسرور على قلبه.
- تنمية ذوقه الجماليّ والسموّ بإحساسه الأدبيّ والفنيّ.
- إثراء ملكة الخيال، وتغذية قدرة التصوير الذهنيّ.
- المساهمة في النضج الانفعاليّ والنموّ العاطفيّ.
- تقديم القيم والعادات والتقاليد بصورة جذّابة ومغناطيسيّة.
- المساهمة في نموّ المعجم اللغويّ، وطلاقة التعبير.

الأدب والفنّ ليسا مجرّد وسيلة ترفيه وتسلية
لا شكّ في أن الأدب والفنّ (وكذلك الرسوم المتحرِّكة التي هي في المحصّلة، تمزج الأدب بالقصّة، والفنّ في السيناريو بالصورة والألوان والأشكال والإخراج، وجميع المؤثّرات الصوتيّة والبصريّة...) يشكّلان وسيلتي ترفيه للطفل. ولكن ينبغي للمربّي أن لا ينظر إليهما كوسيلة للترفيه والتسلية وحسب، بل هما عبارة عن شكلين من أشكال التعبير الإنسانيّ، حيث يضع الأديب والفنّان عقيدته وقيمه واتجاهاته ومشاعره... في فنّه وأدبه، ويصوّر باللغة والصورة والإيقاع والحركات و... طبيعة الحياة وجميع ما يدور في نفسه ومجتمعه من مواقف وخبرات، إيجابيّة أو سلبيّة، وصراعات وتناقضات، والطفل سيتجاوب مع تلك التصوّرات والقيم والمواقف بإيجابيّاتها وسلبيّاتها بطريقة لاشعوريّة...

وفي هذا السياق، لا بدّ من تنبّه المربّي ويقظته، لما ينطويان عليه من قيم، ويحويانه من اتجاهات، قد يترجمها الطفل في حياته ويسير في ضوئها، لأنّه بفعل قدرة المحاكاة والتقليد، سيتمثّل ويتقمّص الشخصيّات الواردة في قصّة أو مسرح... في سلوكه العمليّ، فيتكلّم مثلها ويأكل بطريقتها، ويلبس ويمشي ويتصرّف...

فـ"الطفل حين يستمتع بأيّ عمل أدبيّ، يتقمّص لاشعورياً بعض القيم والعادات والاتجاهات، ونماذج السلوك التي تروق له في العمل الأدبيّ، ومع تكراره لها تصبح جزءاً
 
 
 
 
 
153

123

الدرس العاشر: التربية بالأدب والفنّ

 من كيانه. وهكذا ينمو الطفل من خلال تقمّصه، فالطفل يكرّر ما يعجبه، وهذا التكرار يكسب الطفل عادات ترسخ في سلوكه، وينمو من خلالها حتّى تصبح جزءاً من ذاته"1.


مسؤوليّات المتديّن: الفنّان المربّي
وهذا يضع الأديب والفنّان المتديّن أمام تحدٍّ واقعيّ للعمل، على أن يكون فناناً مربّياً، أي أن ينطلق في فنّه من منظور تربّوي، فيقدّم الأدب والفنّ وينتجهما بنحو التوأمة والمزاوجة بين جماليّة المظهر والجوهر والشكل والمضمون، فيقدّم أيّ لون من ألوان الأدب والفنّ بطريقة جذّابه وباهرة بجماليّة اللغة والصورة والإيقاع والصوت والحركات والألوان والأشكال... تشدّ انتباه الطفل وتجعله يشعر بالجذبة المغناطيسيّة إليها، وتمتّعه وتؤنسه ولا يشعر بالملل منها، في الوقت الذي تراعي فيه إدخال القيم والعواطف والاتجاهات والسلوكات والتصوّرات التي نريد غرسها في نفوس أطفالنا، بطريقة إيجابيّة تدفعه إلى حبّها والأنس بها، ليتفاعل الطفل معها وينسج على منوالها. وتقدّم له القيم السلبيّة منها بنحو يكرهها وينفر منها ويشمئزّ ليبتعد عنها. وهكذا يكون الأدب والفنّ مادّة للإمتاع والمؤانسة، وعنصراً مساهماً في تربية الطفل والنموّ السليم له.

فمثلاً قصّة ليلى والذئب، فإنّها تزرع حالة من الخوف والرهبة في نفس الطفل، فتقلقه وتؤرّقه، وتحرمه من النوم... إلخ.

وكذلك باقي الحكايات الشعبيّة أو القصص أو الرسوم المتحرّكة... قد تحتوي على العنف، أو الكذب، أو الغشّ، أو السرقة، أو المؤامرة، أو الإهانة والتحقير، أو... إلخ، من القيم السلبيّة التي يتمثّلها الطفل في مواقفه الحياتيّة. وذلك لأنّ الطفل عادة ما يتجاوب مع إحدى الشخصيّات الموجودة في القصّة أو المسرح أو الرسوم المتحرّكة أو غيرها، فيفرح لفرح تلك الشخصيّة، ويحزن لحزنها، ويتفاعل مع نجاحها وفشلها، ويتمثّل تلك الشخصيّة، فيتصوّر نفسه أنّه تلك الشخصيّة، فيعيش انفعالاتها ومشاعرها، ويحاول أن يفكّر مثلها، ويتصرّف مثلها، ويترجم سلوكاتها في حياته...
 
 

1- الطفل وأدب الأطفال، ص12.
 
 
 
 
 
154

124

الدرس العاشر: التربية بالأدب والفنّ

 كيفيّة تقديم الأدب والفنّ

وهذا يحيلنا إلى نقطة مهمّة، وهي كيفيّة تقديم المربّي للأدب والفنّ إلى الأطفال:
أولاً: مراعاة الشروط العلميّة والفنيّة، مثل:
1- استخدام الجمل والتراكيب اللغويّة البسيطة والواضحة، وتجنّب الألفاظ الغريبة وغير المألوفة.
2- استخدام الألفاظ التي تتناسب مع القدرات اللغويّة للطفل ومعجمه الذهنيّ، والخصائص النمائيّة لعمر الطفل، كي يستوعب معانيها.

لو أخذنا نموذجاً شعريّاً على سبيل المثال1:
أمّي أمّي         ما أغلاها
هي في عيني    ما أحلاها
هي في قلبي     لا أنساها
أنا أفديها         أنا أهواها

3- تنغيم الصوت والتغيير في النبرات والإيقاع الموسيقيّ له حسب الحالات: فرح، حزن، جرأة، خوف، حماسة، عطف...

4- تقليد أصوات الحيوانات والطيور والظواهر الطبيعيّة، كالرعد وخرير الماء وحفيف الشجر...


5- تفعيل لغة البدن في النظرة والبسمة وإشارة اليدين وحركة الجسم... إلخ.

ثانياً: مراعاة الضوابط الأخلاقيّة والفقهيّة في تقديمهما، خصوصاً في الأناشيد والموسيقى والرقص والرسم، وغيرها من الفنون التي تكثر ضوابطها الفقهيّة في التراث الدينيّ.

ثالثاً: مراعاة المراحل النمائيّة والخصائص الذهنيّة للطفل، التي تبدأ بإدراك المحسوسات من خلال الإكثار من الصور والأشكال والكلمات التي يتمكّن الطفل من إدراك معانيها بحواسّه، ثم التدرّج معه من المحسوس إلى المعقول.
 
 

1- من قصيدة للشاعر أحمد علي الخيّاط.
 
 
 
 
155

125

الدرس العاشر: التربية بالأدب والفنّ

 التربية على الأدب والفنّ

هذا بعض ما يتعلّق بالمجال الأوّل، أما بلحاظ المجال الثاني، وهو التربية على الأدب والفنّ، فقد قلنا إنّ الطفل فنّان بطبعه، وكذلك فإنّ كلّ طفل نتيجة تفاعله مع الأدب والفنّ واستئناسه بهما، يتكوّن لديه ميول خاصّة نحو مجال أدبيّ أو فنّيّ معيّن. وفي هذه الحال، على المربّي أن يكون مراقباً ذكيّاً لطبيعة الطفل، والعمل على اكتشاف مواهبه الأدبيّة والفنيّة، والسعي نحو تنمية الاستعدادات والميول الخاصّة، وعدم إغفالها أو قمعها، بذريعة أنّها تؤثّر في دروسه أو مستقبله المهنيّ، أو تجعله يشقّ طريقه في الحياة بنحو لا يرضاه الوالدان. فإنّ إطلاق رصاصة (الرحمة) على الإبداع، يترك بصمة خطيرة على شخصيّة الطفل. ولذا على الأهل في هذا السياق إرشاد الطفل أدبيّاً وفنيّاً، والإشراف على أعماله بما يتلاءم مع هدف تنمية هويّته. فالأدب أو الفنّ هو أداة بيد الطفل للتعبير عن تصوّره للحياة، وانفعالاته النفسيّة وعواطفه الوجدانيّة. كما أنّه آليّة للتنفيس عن مكبوتات الطفل الداخليّة المشحونة في صدره، وهو طريق للاتّصال بالعالم الخارجيّ المحيط به.

فعلى المربّي معاونة الأطفال على التعبير الأدبيّ والفنّيّ، كتأليف القصص ورواية الحكايات ونظم الشعر، وإعداد الأعمال المسرحيّة بنفسه، والتمثيل فيها وعزف الموسيقى والرسم...، لأنه من خلال ما يُظهره الطفل في صورة أدبيّة وفنيّة، يستطيع المربّي أن يتعرّف إلى طبيعة ثقافته، وما تنطوي عليه ذاته من ميول واتجاهات وقيم، وبالتالي يعمل على تأكيد وتصليب وتنمية ما هو إيجابيّ منها، وتغيير وتعديل ما هو سلبيّ. فالفنّ كما اللعب، وسيلة لاطّلاع المربّي على طبيعة شخصيّة الطفل، وما فيها من مكنونات إيجابيّة أو سلبيّة1.

تعليم الطفل الشعر النافع
وفي هذا السياق، نلاحظ أن أئمّة أهل البيت عليهم السلام حثّوا الأهل على تعليم الأبناء الشعر، وتحفيزهم عليه.
 
 

1- يراجع حول هذه النقطة: درس التربية باللعب.
 
 
 
 
156

126

الدرس العاشر: التربية بالأدب والفنّ

 عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال: "كان أمير المؤمنين عليه السلام يُعجبه أن يُروى شعر أبي طالب، وأن يُدوّن. وقال: تعلّموه وعلّموه أولادكم، فإنّه كان على دين الله، وفيه علم كثير".1


وعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "يا معشر الشيعة، علّموا أولادكم شعر العبديّ، فإنّه على دين الله"2.

والتعليل الوارد في الروايتين، يشهد أنّ أبا طالب عليه السلام والعبديّ من باب المصداق والمثال، وبالتالي فإنّ المدار هو أن يكون الشاعر على دين الله تعالى، أي يحتوي شعره على التصوّرات والقيم الدينيّة الأصيلة.

ونشارك الشيخ محمّد الريشهري في قوله تعليقاً على الحديثين السابقين: "... إنّ الواجب على الأدباء والشعراء الملتزمين والمسلمين، أن يخصّصوا لشعر الأطفال فصلاً خاصّاً في دواوينهم الشعريّة.

... ومن أجل أن يستطيع الجيل الجديد الانتفاع منه، أي الشعر، تربويّاً إلى الحدّ الأقصى، ينبغي أن يشتمل على العناصر التالية:
أولاً: أن يتمتّع ناظم الشعر بالالتزام الدينيّ...
ثانياً: أن يتضمّن الشعر المعلومات التي يحتاج إليها الطفل في المجالات العقيديّة والأخلاقيّة والعمليّة...
ثالثاً: نظراً إلى الدور المصيريّ للتعرّف إلى أهل البيت والأنس بهم بالنسبة إلى الطفل، فمن المناسب أن تتضمّن الأشعار والأناشيد معرفتهم ومحبّتهم..."3.

فالشعر له دور مهمّ بربط الطفل بأهل البيت عليهم السلام، خصوصاً الشعر الحسينيّ، الذي كان له دور بارز في حياة النهضة الحسينيّة وحفظها في تاريخ التشيّع4. فتعويد الطفل
 
 

1- الموسويّ، الحجّة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب، ص25. ويراجع: الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج17، ص231.
2- اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي)، ج2، ص704.
3- الريشهري، محمّد، بمساعدة عباس بسنديده، تربية الطفل في الإسلام، ص94-95.
4- يراجع: عجمي، العبرة في البكاء على سيّد الشهداء2012م.
 
 
 
 
157

127

الدرس العاشر: التربية بالأدب والفنّ

 نظم الشعر في مدح أهل البيت أو رثائهم واستماعه، له أثر مهمّ في تربيته على حبّهم. وكذلك الحال مع قضايا الدين والأمّة، كالشعر في المجاهدين و...


التربية بالقصّة
من أهمّ أساليب تربية الطفل قديماً وحديثاً، أسلوب التربية بالقصّة، وقد استخدم القرآن الكريم هذا الأسلوب في تربية الإنسان وتعليمه، يقول تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾1.

كما نلاحظ هذا الأسلوب أيضاً في المنهاج التربويّ للنبيّ وأئمّة أهل البيت عليهم السلام.

وقد اهتمّ علماؤنا بتدوين القصص، لما لها من دور في تربية الإنسان. ويشكّل كتاب (قصص الأبرار) للشيخ مرتضى مطهّري، نموذجاً واضحاً على التربية بالقصّة.

ويبدأ الطفل من عمر مبكر بحبّ الحكايات والقصص، ويفيد بعض الخبراء والمتخصّصين أنّ شغف الأطفال بالحكايات يبدأ في "سنّ العشرة أشهر، وربّما قبل ذلك، حتّى لو كانوا لا يفهمون كلّ شيء"2.

وتقول صوفي كاركان: "عندما نعود إلى المنزل في المساء، ونحن متعبون عصبيون ومعدمو الصبر، نتكلّم إليه بلغة "الواقع" : هل كتبت فروضك؟ هيّا إلى المائدة، الطعام جاهز! نظّف أسنانك! رتِّب غرفتك، هيّا بسرعة، فأنت ذاهب إلى المدرسة غداً، إلخ...، وإذا احتجّ الولد أو بكى، نواجهه بالقول: كفى، ألا ترى كم أنا تعب (ة)؟...

ماذا لو تكلّمنا معه لغة أخرى؟
... أما الحكاية فقد تكون لنا بمثابة استراحة المحارب، إذ نجلس معاً ونقرأ ونسرح في البعيد، فننسى كلّ شيء، بعض الوقت"3.

بالفعل، إنّ الطفل ينفر من لغة الواقع المباشرة المشحونة بالتوصيف والأوامر والنواهي والملاحظات وعبارات اللوم والعتب، فهو يحتاج إلى سماع لغة الخيال لأنّها تستهويه،
 
 

1- سورة يوسف، الآية 3.
2- كاركان، صوفي، 100 قصّة وقصّة لحلّ مشاكل الأولاد- التربية السهلة بواسطة قصّة...، ج1، ص15.
3- كاركان، صوفي، 100 قصة وقصة، ج1، ص18-19.
 
 
 
 
158

128

الدرس العاشر: التربية بالأدب والفنّ

 وهذا ما يفيده برونو باتلهايم في كتابه "التحليل النفسانيّ للأساطير"1.


فعلينا أن نساعد الطفل على التحليق في فضاء الخيال بالقصّة، ومن خلالها يمكن أن نوصل له الرسالة التي نريد بلغة يأنسها، مع عدم إلغاء حاجة المربّي إلى لغة الواقع، ولكن عليه أن لا يقتصر عليها، لأنّها تُشعر الطفل بالملل والتأفّف والنفور.

نصائح للمربّي:
ثمّة نصائح2 عديدة يمكن توجيهها إلى المربّي في ما يتعلّق بالتربية بالقصّة، منها:
- قيّم بنفسك القصّة جيداً، ولا تنخدع بما يعلنه الناشر، من أنّها مناسبة للأطفال.

- اختر القصّة القصيرة، وإذا اخترت قصّة طويلة فاسردها لطفلك على أيّام، ولكن عليك أن تترك عقدة مشوّقة للطفل تجعله يفكّر ما الذي يمكن أن يفعله البطل في القصّة، لينتظر سماعها المرّة القادمة.

- اختر لطفلك قصّة لا تثير فيه الخوف والقلق والفزع، كأشباح الليل، وخاطف الأطفال... وابتعد عن القصص التي تمجّد العنف كوسيلة لحلّ الخلافات والمشاكل، مثل: سوبر مان، سبايدر مان، بين تين... وتجنّب القصص القائمة على السخرية من الآخرين، وتدبير المقالب لهم وإيقاع الأذى بهم، مثل: توم وجيري.

- اختر لطفلك قصص الحيوانات والطيور والنباتات التي يعرفها، دون التي يجهلها.

- أحسِن تحضير القصّة قبل قراءتها على مسامع طفلك، ولا ترتجل، كي تجيد التمثيل وتتجنّب التلعثم.

- انفعل بحوادث القصّة فرحاً وحزناً وشجاعة، فحذارِ أن تحكي قصّة من دون انفعالات، فإنّها تصبح كلاماً متصحّراً جافّاً، بل نوّع الانفعال حسب الشخصيّات والمواقف والأحداث.
 
 

1- نقلاً عن المصدر نفسه، ص18.
2- انظر: المصريّ، رضا، وفاتن عمارة، زاد الآباء في تربية الأبناء، ص96.
 
 
159

129

الدرس العاشر: التربية بالأدب والفنّ

 - نوّع بين قراءة القصّة من الكتاب تشجيعاً له على المطالعة، ولتعويده القراءة، وقراءتها من دون كتاب تشجيعاً له على الحفظ.


- لا تقدّم القيم والعبر بصورة مباشرة، بل اسرد القصّة وأشركه في استخراج العبر والقيم... وافتح حواراً مع طفلك حول القصّة.

- اجعل القصّة وسيلة للكشف عن رغبات طفلك، والبوح عن مشاعره وآماله ومخاوفه... فإنّك مثلاً إذا وجّهت أسئلة مباشرة لطفلك عمّا حصل معه في المدرسة مع المعلّمة أو الزملاء في الصفّ، فإنه سيلوذ بالصمت، لكن لو سردت له حكاية عن أرنب صغير أمضى اليوم الأوّل في المدرسة بصعوبة أو... فإنّه سيبادر للقول: أنا أيضاً حصل معي كذا وكذا...

- لا تتّكل على الأنشطة المدرسيّة في رواية القصص، فإنّ الطفل يحبّ أن يسمع الحكاية والقصّة من والديه في المنزل، فإن أجواء المنزل وخصوصيّة العلاقة وطريقة الجلوس والاستماع... إلخ، تجعل رغبة الطفل عالية في الاستماع إلى القصّة.

- إذا طالبك طفلك ابن 11 سنة مثلاً بأن تروي له قصّة، فتجاوب معه واحضنه وقبّله، وخذ بيده واسرد له قصّة، واحذر أن تجيبه: لقد كبرت على سماع القصص منّي، إنّك تحسن القراءة، فاذهب واقرأ القصّة وحدك.

- إذا كان أحد الوالدين مرهقاً، عليه أن يجيب بالمداراة، كأن يقول له: حبيبي، كم كنت أرغب في أن أروي لك قصّة اليوم، ولكن أحبّ أن أسمع منك أنت قصّة هذه الليلة، فهل تروي لي قصّة؟ أموافق أنت؟ وأعدك أنّي سأحضّر قصّة جديدة لأرويها لك غداً.

- كرِّس كلّ كيانك للقصّة، ولا تُشعِر طفلك بأنّك تقرأ له على عجل لتأدية واجب والتخلّص منه لتنصرف إلى واجبات أخرى، فإنّه يدرك هذا الشعور ويجرحه من أعماق ذاته.

- اختر الوقت المناسب لقراءة القصّة، فلا تجبر الطفل على سماع قصّة يحبّها في وقت لا يحبّه. والأوقات المناسبة مثل: ساعة السهر، أو الذهاب للنوم، ووقت مرض
 
 
 
 
 
 
 
160

130

الدرس العاشر: التربية بالأدب والفنّ

 الطفل، حيث يحتاج إلى الشعور بالاهتمام.


- أشعر طفلك بأهمّيّة وقت القصّة، كأن تركض نحوه وتحتضنه وتقول له: هيّا، لقد حان وقت القصّة لطفلي الجميل.
 
 
 
 
 
 
161

131

الدرس العاشر: التربية بالأدب والفنّ

 أسئلة حول القصّة:

هناك أسئلة عديدة يمكن أن يطرحها المربّي على الطفل بعد رواية القصّة، مثل:
- هل أحببت القصّة؟ لماذا؟
- هل بإمكانك أن تعطي عنواناً للقصّة؟
- من هم الأخيار في القصّة؟ لماذا؟
- من هم الأشرار في القصّة؟ لماذا؟
- ما هي أبرز مشكلة واجهت البطل في القصّة؟
- كيف تساعد البطل على حلّ المشكلة؟
- ما هو شعور البطل؟
- ماذا تفعل لو كنت موجوداً في القصّة مكان فلان؟
- هل كانت خاتمة القصّة مناسبة؟ كيف تقترح تغييرها؟
- ما هو الدرس الذي تعلّمته من القصّة؟
- هل بإمكانك أن تعيد رواية القصّة لصديقك؟
 
 
 
 
162

132

الدرس العاشر: التربية بالأدب والفنّ

 المفاهيم الرئيسة


- إنّ الطفل فنّان بطبعه، ويتفاعل إيجاباً مع الأدب والفنّ، فهما يُعتبران مع ما ينطويان عليه من القصّة والشعر، والنشيد والغناء، والرسم والمسرح، والرقص والموسيقى... إلخ، من الأصول المهمّة في تربية الأطفال.

- يهدف الأدب والفنّ إلى: تنمية مواهب الأطفال، زرع القيم والعادات، نقل التراث الثقافيّ، إمتاعه ومؤانسته، إشباع حاجاته الوجدانيّة، إثراء ملكة خياله، نموّ المعجم اللغويّ، تنمية ذوقه الجماليّ.

- ينبغي للمربّي التنبّه إلى أنّ الطفل حين يستمتع بأيّ عمل أدبّي، يتقمّص لا شعورياً بعض القيم والعادات والاتجاهات، ونماذج السلوك التي تروق له، ومع تكراره لها تصبح جزءاً من كيانه.

- ينبغي تقديم الأدب والفنّ بنحو المزاوجة بين جماليّة المظهر والجوهر، أي بطريقة جذّابه بجماليّة اللغة والصورة والإيقاع والصوت والألوان والأشكال... في الوقت الذي ندخل فيه القيم والعواطف والاتجاهات والسلوكات التي نريد غرسها، في نفوس أطفالنا، على نحو تدفعهم إلى حبّها والنسج على منوالها.

- ينبغي مراعاة الضوابط الأخلاقيّة والفقهيّة في تقديم الأدب للطفل، وكذلك الشروط الفنيّة والعلميّة، مثل: استخدام التراكيب اللغويّة البسيطة والواضحة، وتنغيم الصوت حسب الحالات: فرح، حزن، جرأة، خوف، وتقليد أصوات الحيوانات والطيور، وتفعيل لغة البدن.

- كلّ طفل نتيجة تفاعله مع الأدب والفنّ واستئناسه بهما، يتكوّن لديه ميول خاصّة نحو مجال أدبيّ أو فنيّ معيّن، وعلى المربّي أن يكون مراقباً ذكيّاً للطفل لاكتشاف مواهبه، وتنمية استعداداته وميوله.

- حثّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام، الأهل على تعليم الأبناء الشعر، وتحفيزهم عليه.

- من أهمّ أساليب تربية الطفل أسلوب التربية بالقصّة، فبها نساعد الطفل على التحليق في فضاء الخيال، ونوصل له الرسالة التي نريد بلغة يأنسها.

- ينبغي للمربّي مراعاة النصائح التالية في التربية بالقصّة: قيّم القصّة جيداً ولا تنخدع بما يعلنه الناشر، من أنّها مناسبة للأطفال. اختر القصّة القصيرة، أشرك طفلك في اختيار القصّة، لا تكره الطفل على سماع قصّة لا يحبّها. أحسِن تحضير القصّة قبل قراءتها على طفلك، انفعل بحوادث القصّة فرحاً وحزناً وشجاعة، اختر الوقت المناسب لقراءة القصّة، لا تجبر الطفل على سماع قصّة عند الشعور بالجوع أو التعب، لا تقدّم القيم والعبر بصورة مباشرة، بل أشركه في استخراجها، اجعل القصّة وسيلة للكشف عن رغبات طفلك، والبوح بما يختلج في داخله من مشاعر وآمال ومخاوف، كرِّس كلّ كيانك للقصّة، ولا تُشعِر طفلك بأنّك تقرأ له على عجل للتخلّص منه.
 
 
 
 
 
163

133

الدرس العاشر: التربية بالأدب والفنّ

 أسئلة الدرس


- ما هو أدب الأطفال؟ وما هي أهداف التربية بالأدب والفنّ؟ صنِّف الأهداف المذكورة في الدرس.
- ما هي مسؤوليّات الأديب والفنّان المتديّن تجاه أطفالنا؟
- ما هي الشروط والضوابط الفنيّة والأخلاقيّة والفقهيّة التي يجب مراعاتها أثناء تقديم الفنّ للأطفال؟
- بعض الأطفال يكون لديه ميول نحو الأدب والفنّ، فيعتبر المربّي هذا الميل عنصراً ملهياً للطفل عن متابعة دروسه وبناء مستقبله العلميّ والمهنيّ، فيمنعه عن الرسم أو الشعر أو الموسيقى أو... برأيك، ما هو الموقف الذي ينبغي أن يتّخذه المربّي؟
- عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال: "كان أمير المؤمنين عليه السلام يُعجبه أن يُروى شعر أبي طالب، وأن يُدوّن. وقال: تعلّموه وعلّموه أولادكم، فإنّه كان على دين الله، وفيه علم كثير". حلّل مضمون هذه الرواية واستخرج منها العبر.
- ما هي أهمّيّة تربية الطفل بالقصّة؟ وما هي النصائح التي تقدّمها للمربّي في هذا المجال؟
 
 
 
 
 
 
164

134

الدرس الحادي عشر: التربية بالعقوبة (1) مفاهيم وآراء

الدرس الحادي عشر
التربية بالعقوبة (1) مفاهيم وآراء

أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن: 
1- يُعرِّف العقوبة البدنيّة والتربية بالعقوبة.
2- يميّز بين العقوبة والتعزيز.
3- يستدلّ على عالميّة ظاهرة العقوبة البدنيّة.
4- يستعرض آراء المؤيّدين والمعارضين للعقوبة ومبرّراتهما.
 
 
 
 
 
167

135

الدرس الحادي عشر: التربية بالعقوبة (1) مفاهيم وآراء

 التربية بالعقوبة عبارة عن استخدام المربّي أسلوب العقاب في عمليّة تربية الطفل، وتعويده فعل السلوكات المرغوب فيها، وترك السلوكات غير المرغوبة.


وقد تفنّن الخيال العربيّ بإنتاج أشعار وأمثال تمدح عقوبة الطفل بالضرب وتمجّده، ما يشير إلى ارتسام صورة نمطية إيجابيّة في ذهن الإنسان العربيّ عن ضرورة استعمال أسلوب العقاب والضرب في تربية الطفل وتعليمه.

يقول بعض الشعراء:
فاضرب وليدك وادللـه على رشد        ولا تقل هو طفل غير محتلم
وربّ شقّ برأس جرّ منفعة               وقس على نفع شقّ الرأس بالقلم

وقال آخر:
لا تأسفنّ على الصبيان إن ضُربوا      فالضرب يبرأ ويبقى العلم والأدب
الضرب ينفعهم والعلم يرفعهم          لولا الإخافة ما خطّوا ولا كتبوا

ويُروى أنّ ولداً لعبد الملك بن مروان دخل على أبيه باكياً من تأديب المعلّم له، فجعل عبد الملك يسكّنه، فقال رجل عنده: "دعه يبكي، فإنّه أنفع لعينيه، وأفتح لذهنه"1.
 

1- ابن الدجاجي، سعد الله بن نصر بن سعيد، سفط الملح وزوح الترح ويليه الأخبار في آداب النوم، ج1، ص70.
 
 
 
 
169

136

الدرس الحادي عشر: التربية بالعقوبة (1) مفاهيم وآراء

 وهناك أمثال كثيرة في هذا السياق، كقول الأهل للمعلّم: "لك اللحم ولنا العظم"1...إلخ.


وثمّة عشرات الدراسات2 تثبت وجود اتجاه عامّ عند الإنسان العربيّ، يؤكّد أهمّيّة الضرب ودوره الإيجابيّ في تربية الطفل في المنزل أو المدرسة.

وفي هذا السياق، يقول السيّد محسن الأمين العامليّ قدس سره عند حديثه عن سيرة حياته: "... بعد ما بلغت سنّ التمييز، وأظنّ أنّ سنّي لم تتجاوز يومئذ السبع، وذلك بين سنة 1291 و1292ه، وكنت وحيد أبويّ، ذهبت بي الوالدة إلى معلّم القرآن في القرية، فلمّا دخلت مكان التعليم ضاق صدري ضيقاً شديداً، وجزعت جزعاً مفرطاً، أوّلاً: لأنّ ذلك طبيعة الأطفال. ثانياً: لما كان في التعليم من القساوة، فالفلقة معلّقة في الحائط فوق رأس المعلّم، وهي خشبة بطول ثلاثة أشبار تقريباً، مثقوب طرفاها، وفيها حبل دقيق، يوضع فيها الساقان، وتُشدّ عليهما، وعنده عصوان طويلة وقصيرة، والأطفال جلوس إلى جانبه، فإذا غضب المعلّم على واحد لذنب هو من الصغائر وهو قريب منه، تناوله ضرباً على رجليه بالعصا القصيرة، فإن كان بعيداً عنه ضربه عليهما بالعصا الطويلة. وإذا غضب على الجميع تناولهم بالضرب على أرجلهم بالعصا الطويلة، وهم جلوس صابرون على هذا البلاء، خوفاً من الأشدّ منه، وهو الفلقة"3.

عالميّة ظاهرة العقوبة البدنيّة
واستخدام أسلوب العقوبة في التربية من أكثر الأساليب شيوعاً على المستوى العالميّ أيضاً، إذ "إنّ عدد البلدان التي تحظّر جميع أشكال العقاب الجسديّ والإهانة 15 بلداً فقط"4. مع الإشارة إلى أنّه حتّى في هذه الدول التي تحظّر العقاب الجسديّ وتعتبره "عملاً مخالفاً للقانون، من الصعب الجزم بعدم حدوثه"5. وتؤكّد ذلك عشرات
 

1- السيد محسن الأمين، أعيان الشيعة، تحقيق وتخريج: حسن الأمين، بيروت - لبنان، دار التعارف للمطبوعات، لا.ت، لا.ط،ج10، ص335. ويراجع: الأبشيهيّ، محمّد بن أحمد، المستطرف في كل فن مستظرف، دار ومكتبة الهلال، لا.ت، لا.ط،ج2، ص809 وما بعد.
2- يراجع حول هذه الدراسات: عجمي، عقوبة الطفل في التربية الإسلاميّة، ص177-178.
3- أعيان الشيعة، ج10، ص335.
4- رأي منظّمة رعاية الأطفال، ص2.
5- المصدر نفسه، ص2.
 
 
 
 
170

137

الدرس الحادي عشر: التربية بالعقوبة (1) مفاهيم وآراء

 الدراسات1 واستطلاعات الرأي2، وتعترف به عشرات الجمعيّات والمنظّمات المختصّة بحقوق الطفل3.


ورد في ورقة صادرة عن المنظّمة الدوليّة لرعاية الأطفال، أنّه "خلال المداولات التي جرت في شتّى أنحاء العالم، قدّم الفتيان والفتيات قرائن على أنّ العقاب الجسديّ والإهانة4، هما الشكل الأكثر شيوعاً، والأكثر انتشاراً للعنف الذي يواجهونه حاليّاً في العالم. ويُمارَس العقاب الجسديّ والإهانة في البيت، والمدارس، والمؤسّسات، والسجون، وأماكن العمل، والشوارع"5.

وهذا ما يصرّح به علماء التربية، يقول د. راي بيرك و رون هيرون ray Burke & ron Herron: "معظم الآباء كما أشارت إحدى الدراسات الحديثة الخاصّة بالتربية، يستخدمون أساليب عقابيّة بغيضة حين يصدر عن أطفالهم سلوك سيّئ، وهو ما يعني استخدام الصياح أو التوبيخ أو السباب، أو استخدام العقاب البدنيّ"6.

ما هي العقوبة؟
عرّف علماء التربية العقوبة بتعريفات مختلفة تعود إلى مضمون واحد، وهي أنّها عبارة عن إجراء مؤلم، يتبع سلوكاً غير مرغوب فيه، بهدف منع تكراره، أو تقليل احتمال حدوثه في المستقبل7.
 
 

1- http://www.unicef.org/violencestudy/arabic/. ودار الكتاب الجامعيّ، أساليب معالجة الاضطرابات السلوكيّة، ص34. وعبد الرحمن، علي إسماعيل، العنف الأسريّ الأسباب والعلاج، ص7.
2- انظر: وA developmental approach to educating the disturbed young child,p30, Wood, Mary M.; Swan, William W. Behavioral Disorders, Vol 3(3), May 1978, 197-209.
3- مثل: منظّمة إنقاذ الطفولة، الحركة العالميّة للدفاع عن الأطفال، شبكة معلومات حقوق الأطفال (CRIN)، المعهد الدوليّ لحقوق الطفل، موقع boes، الائتلاف الكنديّ لحقوق الأطفال، تحالف المملكة المتّحدة من أجل حقوق الأطفال، مركز معلومات وتوثيق حقوق الأطفال، صندوق الدفاع عن الأطفال، مركز منزل الأطفال، حركة حرّروا الأطفال، منظّمة قف مع الأطفال، وغيرها.
4- تشمل الإهانة: الإساءة الكلاميّة والشتم، أو إشعار الطفل بالأسى، أو السخرية منه، أو عزله،... إلخ.
5- رأي منظّمة رعاية الأطفال حول العقاب الجسديّ والإهانة، ص2.
6- راي بيرك، و رون هيرون، تربية الأطفال بالفطرة السليمة، ص8.
7- يراجع: الأشول، عادل أحمد عزّ الدين، موسوعة التربية الخاصّة، ص788. والخطيب، جمال، تعديل السلوك الإنسانيّ، ص237. وفضل الله، محمّد رضا، المعلّم والتربية، ص219. أبو حميدان، يوسف عبد الوهّاب، العلاج السلوكيّ لمشاكل الأسرة والمجتمع، ص206.
 
 
 
171

138

الدرس الحادي عشر: التربية بالعقوبة (1) مفاهيم وآراء

 فيعرّفها مالوت Malott في كتابه: principles of Behavior بأنّها: "تقديم مثير مؤلم، يؤدّي إلى تقليل احتمال حدوث الاستجابة في المستقبل، بشرط أن يقدّم هذا المثير المؤلم مباشرة بعد حدوث السلوك"1.


وكذا عرّفها كوبر Cooper في كتابه2: Applied Behavior Analysis.

ويقول سكينر Skinner في تعريفها، إنّها: "إجراء أو حدث غير سارّ، يتبع سلوكاً ما، بحيث يعمل على إضعاف احتماليّة حدوثه أو تكراره"3.

الطفل ?سلوك غير مرغوب فيه ?إجراء مؤلم ?منع تكرار الفعل أو إضعاف حدوثة.

العقاب الإيجابيّ والسلبيّ
وقد ميّز علماء التربية بين نوعين من العقاب الإيجابيّ والسلبيّ، فالعقاب الإيجابيّ 

(positive punishment)، هو إتباع السلوك غير المرغوب فيه بإجراء ما لمنعه.

أما العقاب السلبيّ (negative punishment)، فهو عبارة عن إتباع السلوك غير المرغوب فيه بإزالة معزّز مرغوب فيه، مثل حرمان الطفل من ممارسة لعبة يحبّها بسبب ضربه لأخيه، أو حرمان الطالب من المشاركة في رحلة مدرسيّة بسبب رسوبه المتكرّر4.

الفرق بين التعزيز السلبيّ والعقاب
كما ميّز علماء التربية بين العقاب والتعزيز reinforcement، فالعقاب كما اتّضح يهدف إلى إضعاف السلوك غير المرغوب فيه أو إزالته، أما التعزيز فيهدف إلى تقوية السلوك المرغوب فيه، وينقسم أيضاً إلى إيجابيّ وسلبيّ.

التعزيز الإيجابيّ عبارة عن إتباع السلوك المرغوب فيه بمثير أو إجراء محبوب وسارّ ومرغّب بهدف تقويته، كأن يقوم الأب أو الأمّ بإعطاء قبلة لطفلهما، أو معانقته عندما يُظهر سلوكاً حسناً. وهو بمعنى الثواب.
 

1- نقلاً عن: أبو حميدان، المصدر نفسه.
2- نقلاً عن: المصدر نفسه، ص206.
3- نقلاً عن: عبد المجيد الحكيم، شرين، العقاب عند ابن سينا، ص5.
4- يراجع: الزغول، عماد عبد الرحيم، مبادئ علم النفس التربويّ، ص116-117.
 
 
 
172

139

الدرس الحادي عشر: التربية بالعقوبة (1) مفاهيم وآراء

 أما التعزيز السلبيّ: فهو عبارة عن إتباع السلوك المرغوب فيه بإزالة شيء غير سارّ للطفل بهدف تقويته.


جدول يوضح الفروق بين التعزيز والعقاب1:

الإجراء  نوع السلوك توابع السلوك
إضافة مثير مرغوب فيه مرغوب فيه التعزيز الإيجابيّ
إزالة مثير غير مرغوب فيه مرغوب فيه التعزيز السلبيّ
إزالة مثير غير مرغوب فيه غير مرغوب فيه التعزيز الإيجابيّ
إزالة مثير مرغوب فيه غير مرغوب فيه التعزيز السلبيّ

 
تعدّد الآراء التربويّة حول العقوبة
تعدّدت الآراء التربويّة حول مشروعيّة وفاعليّة استخدام أسلوب العقوبة في التربية والتعليم، وهناك أربعة آراء رئيسة، هي:
1- مؤيّدو أسلوب العقاب في عرض الثواب:
تبنّى بعض التربويّين العرب ضرورة استخدام مبدأي الثواب والعقاب في تربية الطفل، أحدهما بعرض الآخر من دون ترتّب.

يقول محمّد منير مرسي: "يُعتبر أسلوب الثواب والعقاب من الأساليب الطبيعيّة التي تستند إليها التربية في كلّ زمان ومكان، فهذا الأسلوب يتماشى مع طبيعة الإنسان حيثما كان، وأيّاً كان جنسه أو لونه أو عقيدته"2.

2- مؤيّدو أسلوب العقاب في طول الثواب والتعزيز:
في حين أنّ بعض علماء التربية يؤيّد فاعليّة أسلوب العقاب في طول الثواب والتعزيز، ولا في عرضهما.
 

1- يراجع: المصدر السابق، ص118.
2- مرسي، محمّد منير، أصول التربية، ص134. ويراجع: الحازمي، خالد، أصول التربية الإسلاميّة، م.س، ص401.
 
 
 
 
173

 


140

الدرس الحادي عشر: التربية بالعقوبة (1) مفاهيم وآراء

 يقول جلفاند وهارتمان1: "إنّ العقاب إجراء نلجأ إليه كآخر حلٍّ بعد أن نستنفد الأساليب الأخرى"2.


ويقول راي بيرك ورون هيرون: "إنّ استخدام العقاب شيء مألوف، ونحن لا نحاول إقناعك بأنّ العقاب أمر غير مجدٍ، لأنّه كذلك، ولكنّ هذا لا يعني أنّه من الضروريّ أن يستخدمه الآباء، فالعقاب ليس أفضل الطرائق لتربية الأطفال"3.

3- مبرّرات مؤيّدي العقاب التربويّ للطفل:
قد استند مؤيّدو العقاب التربويّ للطفل إلى مبرّرات عديدة، منها:
- "أنّه شكل من أشكال إدانة تصرّفات الطفل السلبيّة، يثير لديه مشاعر الخجل والندم والحرج وعدم الرضا عن النفس، ثمّ تأنيب الضمير. وهذا ما يجعل العقاب مؤثّراً للغاية، ويحفّز الطفل على إيقاف بعض التصرّفات وتنشيط بعضها الآخر. فالعقاب وسيلة من وسائل الضبط الاجتماعيّ، يُقصد به إحداث ألم مقصود مفيد"4.

- يساعد الطفل على التمييز بسرعة بين القيم والأنماط السلوكيّة المرغوبة، والأنماط السلوكيّة غير المقبولة.

- يمنع العقاب تكرار السلوك غير المرغوب فيه من قبل الطفل، لأنّه ذو كفاءة عالية في حذف السلوك غير السويّ5.

- يؤدّي إلى تأدّب الأطفال والتلاميذ الآخرين وتعلّمهم، لأنّه يقلّل من احتمال تقليد أعضاء الفصل الآخرين للأنماط السلوكيّة المعاقَبة6.

- الأطفال في المنازل وطلّاب المدارس التي لا يُسمح فيها بالضرب، يميلون إلى التسيّب والفوضى، وعدم الجدّيّة في تعاملهم مع إخوتهم وزملائهم ومعلّميهم... إلخ.
 
 

1- في كتابهما: Child Behavior Analysis and Therapy
2- نقلاً عن: أبو حميدان، العلاج السلوكيّ، ص208.
3- تربية الأطفال بالفطرة السليمة، ص8-9.
4- جامعة حلب، العقاب وعلاقته بالتحصيل الدراسيّ، ص8.
5- الخطيب، تعديل السلوك الإنسانيّ، ص243.
6- يراجع: السيّد، فؤاد البهي، الأسس النفسيّة للنموّ. دار الفكر العربيّ، القاهرة، مصر، 1990، ص310.
 
 
 
174

141

الدرس الحادي عشر: التربية بالعقوبة (1) مفاهيم وآراء

 4- معارضو أسلوب العقاب مطلقاً:

وهناك رأي ثالث يرفض استخدام أسلوب العقاب في تربية الطفل رأساً،1 حيث ساد ميدانَ علم النفس التربويّ في العقود الماضية من القرن العشرين اتّجاه يقلّل من قيمة العقاب، ويرى أنّ "من أهداف التربية أن تجعل العقاب ذاتيّاً من داخل الأفراد، أي عقاباً نفسيّاً، بحيث يكون الرادع عن الفعل غير الأخلاقيّ بوازع من الضمير أو الأنا الأعلى، ولا الخوف من العقاب الرسميّ أو البدنيّ أو العقاب الاجتماعيّ"2، وهو ما يُطلق عليه اسم: "الانضباط الذاتيّ".

ويرى أوزوبل Ausubel أنّ الأسباب الجوهريّة لهذا الاتّجاه ممكن إيجازها فيما يلي:
- رفض العقاب لأنّه أسلوب تسلّطّي ورجعيّ، وينبغي أن يُعتمد في التربية أسلوب بديل يقوم على التعزيز الإيجابيّ.

- بحوث العالمين ثورنديك وسكينر التي قدّمت الأساس السيكولوجيّ لعدم استخدام العقاب في تربية الطفل، وأنّ التعزيز الإيجابيّ هو الحلّ3. فسكينر يرى أنّ استخدام أسلوب التعزيز أكثر فاعليّة من العقاب، فالعقاب عنده لا يؤدّي إلى منع تكرار السلوك غير المرغوب فيه، أو التقليل منه في المستقبل، بالطريقة التي يؤدّي بها التعزيز تقوية السلوك المرغوب فيه، فينبغي بدل العمل على إضعاف السلوك غير المرغوب فيه باستعمال العقاب، العمل على تقوية السلوك المرغوب فيه من خلال التعزيز الإيجابيّ والسلبيّ.

5- معارضة العقوبة البدنيّة:
ويميّز بعض التربويّين بين العقوبة البدنيّة وغيرها، فيركّز معارضته في العقوبة البدنيّة، ويؤيّد أنواع العقوبات الأخرى أو يسكت عنها. فمثلاً سكوزكي Socoski في بحث بعنوان: دعوة إلى إنهاء عمليّة العقاب البدنيّ في المدارس، يعتبر "أنّه يجب التخلّص من جميع مظاهر العقاب
 

1- يراجع: أساليب معالجة الاضطرابات السلوكيّة، ص35.
2- الحفني، عبد المنعم، الموسوعة النفسيّة – علم النفس والطبّ النفسيّ، ص179.
3- يراجع: أبو حطب، فؤاد، وآمال صادق، علم النفس التربويّ، ص469.
 
 
 
 
175

142

الدرس الحادي عشر: التربية بالعقوبة (1) مفاهيم وآراء

 البدنيّ في المواقف التعليميّة، وذلك لأنّ العقاب البدنيّ يناقض المبادئ الديموقراطيّة..."1.


ويقول محمّد عطية الإبراشي: "يجب أن لا يعاقب الطفل عقاباً بدنيّاً..."2.

مبرّرات معارضي العقاب البدنيّ3:
أما بالنسبة إلى مبرّرات معارضي العقوبة البدنيّة، فيمكن عرضها على الشكل التالي:
1- إنّ أثر العقاب في إنهاء السلوك غير المرغوب فيه مؤقّت، لذا لا يكون فعّالاً، لأنّ النتيجة تنتهي بانتهاء المثير وزوال المنفّر، كما أثبتت دراسات سكنر، وأزرين وهولمز.

2- إنّ العقاب البدنيّ يشكّل خطراً جسديّاً على الطفل، من الجروح والكسور والكدمات4. ويؤدّي إلى الاضطرابات النفسيّة والسلوكيّة، كالقلق والكآبة والخوف الدائم، وضعف الثقة بالنفس، والكذب...5.

3- يوجد فجوة في العلاقة بين المعاقِب والمعاقَب، ويفقد الروابط العاطفيّة والحبّ بينهما، ويتسبّب بكراهة الطفل للأب أو المدرسة أو المعلّم أو المادّة التدريسيّة المعاقب بسببها، وربما يؤدّي إلى التسرّب أو الجنوح.

4- يعتمد على إزالة سلوك سيّئ، ولكنّه لا يعلِّم السلوك الجيّد.

5- تقليد الطفل المعاقَب للمعاقِب في هذا النموذج ومحاكاته، فيعتدي على الآخرين بالضرب.

رأي منظمة الأمم المتّحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو):
ورد في دليل المعلّم الصادر عن المنظّمة: "للعقوبة البدنيّة أو الجسديّة عواقب خطيرة على الصحّة العقليّة والبدنيّة للطالب. وجرى ربطها بـ: بطء نموّ المهارات الاجتماعيّة، والاكتئاب، والقلق، والتصرّف العدوانيّ، وعدم التعاطف مع الآخرين أو الاهتمام بهم.
 
 

1- site.iugaza.edu.ps/melhelou/files/2010/02/Dr.-Moh.5.doc
2- الإبراشي، محمّد عطيّة، الاتجاهات الحديثة في التربية، ص311.
3- يراجع: أبو حميدان، مصدر سابق. وطافش، الكفايات الأساسيّة للمعلّم الناجح.
4- إبراهيم، مجدي عزيز، موسوعة المعارف التربويّة، حرف الضاد، مادّة ضرب.
5- تعديل السلوك الإنسانيّ، ص241-242.
 
 
 
 
176

143

الدرس الحادي عشر: التربية بالعقوبة (1) مفاهيم وآراء

 لذا، فإنّ العقوبة الجسديّة لا تضرّ بالطالب أو الطفل الموجّهة ضدّه فحسب، وإنّما تضرّ أيضاً بالمعلّمين والمشرفين والطلّاب والأطفال الآخرين، لأنها تؤدّي إلى صعوبات أكبر من أن يتسنى التغلّب عليها. وتولّد العقوبة الجسديّة أيضاً الإحساس بالاستياء والعداوة، وتجعل من العسير المحافظة في غرفة الدراسة على العلاقة الطيّبة بين المعلّمين والطلّاب من ناحية، وبين الطلّاب من ناحية أخرى..."1.


انسجام مبدأ العقاب مع مقتضى الطبيعة البشريّة:
ونشير في هذا الدرس إلى نقطة مهمّة، ونترك تفصيل الموقف إلى الدرس اللاحق، وهي أنّه قد ذكرنا في الجزء الأوّل أنّ الله تعالى قد أودع في طبيعة الطفل غريزتين: الأولى قوّة جذب اللذّة والمنفعة، والثانية قوّة دفع الألم والضرر. ويعتبر أسلوب الثواب والترغيب، تحفيزاً إيجابيّاً للقوّة الجالبة للمنفعة، للقيام بالسلوك المرغوب فيه، كما يعتبر أسلوب العقاب تحذيراً سلبيّاً للقوّة الدافعة للألم، لترك السلوك غير المرغوب فيه. فالثواب والعقاب أسلوبان منسجمان مع طبيعة القوى النفسيّة للطفل.

وبهذا، يظهر أنّ المعارضة المطلقة لاستخدام أسلوب العقاب في تربية الطفل ليست في محلّها، وتجعلنا نخسر وسيلة مهمّة في التربية، وقد صرّح بذلك بعض التربويّين الغربيّين. يقول كوبر2: "إنّ استعمال العقاب أظهر فعّاليّة، وعدم استعماله يعني حجب طريقةفعّالة، قد يؤدّي إلى خلق وضع خطير للفرد"3.

وبهذا، يظهر أنّ الرأي الأوّل الذي تبنّاه بعض التربويّين الإسلاميّين من عرضيّة أسلوبي الثواب والعقاب، هو في محلّه في الجملة، أما كونه في الجملة، فلأنّه ليس كلّ أشكال العقاب هي في عرض الثواب، بل بعضها في طوله، وبعضها في طول البعض الآخر، كما سيتّضح.
 
 

1- منظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلم والثقافة، وقف العنف في المدارس دليل المعلّم، ص10.
2- في كتابه: Applied Behavior Analysis
3- نقلاً عن: أبو حميدان، العلاج السلوكيّ، ص207.
 
 
 
 
177

144

الدرس الحادي عشر: التربية بالعقوبة (1) مفاهيم وآراء

 ولا شكّ في أنّ بعض الدراسات نقدت مبرّرات معارضي العقاب، وأثبتت فعّاليّة العقاب في تحقيق الأهداف التربويّة. فجثري Guthrie مثلاً، خالف رأي سكينر، واعتبر أن نتائج دراساته ليست مطلقة، فيمكن كفّ بعض الاستجابات على نحو نهائيّ أو مطلق ضمن شروط عقابيّة معيّنة1. كما سبق ذلك في رأي كوبر.

 


1- نشواتي، عبد المجيد، علم النفس التربويّ، ص333.

 

 

178


145

الدرس الحادي عشر: التربية بالعقوبة (1) مفاهيم وآراء

 المفاهيم الرئيسة


- التربية بالعقوبة عبارة عن استخدام المربّي أسلوب العقاب في عمليّة تربية الطفل، وتعويده فعل السلوكات المرغوب فيها، وترك السلوكات غير المرغوبة.
- تفنّن الخيال العربيّ بإنتاج أشعار وأمثال تمدح عقوبة الطفل بالضرب وتمجّده. ممّا يشير إلى ارتسام صورة نمطيّة إيجابيّة في ذهن الإنسان العربيّ عن ضرورة استعمال أسلوب العقاب والضرب في تربية الطفل وتعليمه.
- يعتبر استخدام أسلوب العقوبة في التربية من أكثر الأساليب شيوعاً على المستوى العالميّ أيضاً، إذ إنّ عدد البلدان التي تحظّر جميع أشكال العقاب الجسديّ والإهانة، 15 بلداً فقط.
- عرّف علماء التربية العقوبة بتعريفات مختلفة تعود إلى مضمون واحد، وهي أنّها عبارة عن إجراء مؤلم، يتبع سلوكاً غير مرغوب فيه، بهدف منع تكراره أو تقليل احتمال حدوثه في المستقبل.
- ميّز علماء التربية بين نوعين من العقاب: العقاب الإيجابيّ: وهو إتباع السلوك غير المرغوب فيه بإجراء ما لمنعه، كضرب الطفل. والعقاب السلبيّ: وهو إتباع السلوك غير المرغوب فيه بإزالة معزّز مرغوب فيه، مثل حرمان الطفل من ممارسة لعبة يحبّها بسبب ضربه لأخيه.
- ميّز علماء التربية بين العقاب والتعزيز، فالعقاب يهدف إلى إضعاف السلوك غير المرغوب فيه أو إزالته، أما التعزيز فيهدف إلى تقوية السلوك المرغوب فيه، وهو أيضاً ينقسم إلى إيجابيّ وسلبيّ.
- تعدّدت الآراء حول مشروعيّة وفعاليّة أسلوب العقوبة في التربية، فتبنّى بعض التربويّين العرب ضرورة استخدام مبدأي الثواب والعقاب في تربية الطفل، أحدهما بعرض الآخر من دون ترتّب. في حين أنّ بعض علماء التربية يؤيّد فعّاليّة أسلوب العقاب في طول الثواب والتعزيز، ولا في عرضهما. وهناك رأي ثالث يرفض استخدام أسلوب العقاب في تربية الطفل رأساً، ويميّز بعض التربويّين بين العقوبة البدنيّة وغيرها، فيركّز معارضته في العقوبة البدنيّة، ويؤيّد أنواع العقوبات الأخرى أو يسكت عنها.
- ذكر معارضو العقاب عدّة مبرّرات لرأيهم، منها: أنّه يشكّل خطراً جسديّاً على الطفل، من الجروح والكسور، ويؤدّي إلى الاضطرابات النفسيّة، كالقلق والكآبة والخوف وضعف الثقة بالنفس، ويوجد فجوة عاطفيّة في العلاقة بين المعاقِب والمعاقَب.
- أودع الله تعالى في طبيعة الطفل غريزتين: الأولى قوّة جذب اللذّة والمنفعة. والثانية قوّة دفع الألم والضرر. ويُعتبر أسلوب الثواب تحفيزاً إيجابيّاً للقوّة الأولى نحو السلوك المرغوب فيه، كما يعتبر أسلوب العقاب تحذيراً سلبيّاً للقوّة الثانية لترك السلوك غير المرغوب فيه. فالثواب والعقاب أسلوبان منسجمان مع طبيعة القوى النفسيّة للطفل. وبهذا يظهر أن المعارضة المطلقة لاستخدام أسلوب العقاب في تربية الطفل ليست في محلّها، وتجعلنا نخسر وسيلة مهمّة في التربية.
 
 
 
 
 
 
179

146

الدرس الحادي عشر: التربية بالعقوبة (1) مفاهيم وآراء

 أسئلة الدرس


- عرّف العقوبة؟ وبيّن أقسامها، واذكر الفرق بين العقوبة والتعزيز؟

- يقول بعض الشعراء:
فاضرب وليدك وادللـه على رشد      ولا تقل هو طفل غير محتلم
وربّ شقّ برأس جرّ منفعة            وقس على نفع شقّ الرأس بالقلم

حلّل هذا الشعر مستخرجاً الصورة النمطيّة في الذهن العربيّ عن عقوبة الطفل من هذا الشعر، واذكر شواهد أخرى من الأشعار والأمثال العربيّة.

- هل ظاهرة العقوبة في التربية تختصّ بالعرب، أم هي ظاهرة عالميّة شائعة حتّى في الغرب؟ ما هي أدلّتك على ذلك؟

- اذكر أربعة آراء حول استخدام أسلوب العقوبة في تربية الأطفال وتعليمهم؟

- عرض مؤيّدو العقاب بعض المبرّرات لرأيهم، اعرض ثلاثة منها، وأضف إليها ثلاثة من عندك.

- هاجم معارضو العقاب هذا الأسلوب بقسوة، واصفين إيّاه بأنّه أسلوب تسلّطي ورجعيّ وتخلّفيّ، ما هو رأيك بهذا التوصيف لأسلوب العقاب؟ وكيف تناقش هذا التوصيف؟

- ذكرنا في الجزء الأوّل أنّ الله تعالى قد أودع في طبيعة الطفل غريزتين: الأولى قوّة جذب اللذّة والمنفعة، والثانية قوّة دفع الألم والضرر. كيف يمكن أن يؤدّي هذا المبنى دوراً في تحديد أساليب التربية، ومنها الثواب والعقاب؟
 
 
 
 
180

147

الدرس الثاني عشر: التربية بالعقوبة (2)

 الدرس الثاني عشر

التربية بالعقوبة (2) المشروعيّة والضوابط في ضوء الرؤية الإسلاميّة


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرض أدلّة مشروعيّة العقوبة البدنيّة في تربية الطفل.
2- يعدّد أساليب العقوبة.
3- يحدّد ضوابط شروط العقوبة من جهة المؤدِّب والمؤدَّب، وكيفيّة التأديب.
 
 
 
 
183

148

الدرس الثاني عشر: التربية بالعقوبة (2)

 تمهيد

تقدّم أنّ استخدام أسلوب العقاب في تربية الطفل هو ظاهرة منتشرة عالميّاً من جهة، وقد تعدّدت الآراء حولها من جهة ثانية، وهذا يستدعي وقفة تأمّل من المربّي المتديّن بالإسلام، لطرح جملة أسئلة: هل شرّع المقنّن الإسلاميّ استخدام أسلوب العقوبة في تربية الطفل وتعليمه؟ وأيّ أسلوب من أساليب العقاب يشرّع استخدامه؟ وهل استخدام العقاب ينبغي أن يكون في عرض الثواب أم في طوله؟ وما هي الدواعي المسوّغة لعقوبة الطفل؟ وما هي الضوابط التي تحكم عمليّة استعمال أسلوب العقوبة في التربية؟

ويتوقّف الجواب عن جملة هذه الأسئلة، على بيان بعض المبادئ التصوّريّة والتصديقيّة، يتّضح بها الرأي الذي نتبنّاه في ضوء المذهب التربويّ الإسلاميّ. وبما أنّ المصدر الأساس الذي يحدّد القضايا المعياريّة في هذا المذهب هو النصّ الدينيّ - القرآن والسنّة - ولا الانطباعات الشخصيّة والأمزجة1، نستطلع النصوص الدينيّة لنحدّد الموقف، وسنكتفي في هذا الدرس بمعالجة مسألتين2:
- تربية الطفل بالعقوبة البدنيّة لتعويده الأخلاق الإنسانيّة والدينيّة الكريمة، والآداب الاجتماعيّة العامّة، وترك المستقبح صدوره عنه شرعاً وعرفاً وعقلائيّاً3.
- العقوبة في التربية العباديّة.
 
 

1- يراجع: عجمي، سامر توفيق، نحو بناء المذهب التربويّ، قراءة في معالم المنهج بين المشروعيّة المعرفيّة والمشروعيّة الأصوليّة، مجلّة أبحاث ودراسات تربويّة، العدد الثاني، السنة الأولى، شتاء 1437ه-2016م، (ص 11-71).
2- للتفصيل يراجع: عجمي، عقوبة الطفل في التربية الإسلاميّة، مصدر سابق.
3- يراجع: الجهرميّ، الدرّ المنضود في أحكام الحدود، ج2، ص282. واللنكراني، فاضل، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (الحدود)، ص424. والمنتظري، حسين علي، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلاميّة، ج2، ص358.
 
 
 
185

149

الدرس الثاني عشر: التربية بالعقوبة (2)

 أدلّة مشروعيّة العقوبة البدنيّة في التربية على القيم والآداب...

استدلّ الفقهاء على مشروعيّة تأديب الطفل بالعقوبة البدنيّة عند مخالفته القيم والأخلاق والآداب المرغوب فيها، بنصوص روائيّة عديدة وردت عن النبيّ وأئمّة أهل البيت عليهم السلام، نعرض بعضها:
- عن جابر بن عبد الله قال، قلت: يا رسول الله، ممَّ أضرب يتيمي؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "ممّا كنت ضارباً منه ولدك..."1.
- سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أضرب يتيمي؟ قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "اضربه ممّا كنت ضارباً منه ولدك"2.
- وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "أدِّب اليتيمَ بما تؤدّب3 منه ولدك، واضربه ممّا تضرب منه ولدك"4.
- قال حمّاد بن عثمان: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: في أدب الصبيّ؟ فقال عليه السلام: "خمسة أو ستّة، وارفق، ولا تعدّ حدود الله"5.

مشروعيّة الضرب التأديبيّ للطفل في التمرين على عبادة الصلاة
استدلّ الفقهاء على مشروعيّة ضرب الطفل للعبادة على ترك الصلاة - برغم عدم وجوبها عليه - بروايات عديدة، منها:
- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر..."6.
 

1- المعجم الصغير، ج1، ص89. ومجمع الزوائد، ج8، ص163.
2- ابن أبي شيبة الكوفي، المصنف، تحقيق وتعليق: سعيد اللحام، بيروت - لبنان، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، جماد الآخرة 1409 - 1989م، ط1،ج5، ص161.
3- في بعض النسخ: مما تؤدب.
4- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص47.
5- المصدر نفسه، ج7، ص268.
6- أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني، سنن أبي داود، تحقيق وتعليق سعيد محمد اللحام، بيروت- لبنان، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1410ه - 1990م، ط1،ج1، ص119.
 
 
 
186

150

الدرس الثاني عشر: التربية بالعقوبة (2)

 - وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، قال: "...إذا تم له سبع سنين قيل له: اغسل وجهك وكفّيك، فإذا غسلهما قيل له: صلِّ. ثمّ يترك حتى يتمّ له تسع سنين، (فإذا تمّت له) عُلِّم الوضوء، وضُرب عليه، وأُمر بالصلاة، وضُرب عليها، فإذا تعلّم الوضوء والصلاة، غفر الله لوالديه (إن شاء الله)"1.


ومن الملاحظ في هذه الروايات، أن الفترة الزمنيّة المتخلّلة بين أمر الطفل بالصلاة وتأديبه بالضرب عليها، هي ثلاث سنوات، وهي فترة كافية لتعليم الطفل وتمرينه على أداء الصلاة وتعويده إيّاها، من خلال استخدام أساليب أخرى غير العقاب البدنيّ والضرب، كأسلوب الترغيب والثواب، وأسلوب القدوة...

وانطلاقاً من الروايات السابقة، أفتى فقهاء الإماميّة بحرمة ضرب الطفل قبل سنّ العاشرة في التربية العباديّة2.

وهذا التأديب يشمل الفتاة قبل بلوغها أيضاً، وبما أنّ سنّ بلوغ الفتاة هو تسع سنواته، فتختصّ مشروعيّة عقابها البدنيّ دون سنّ التاسعة كما سيتّضح3.

شروط عقوبة الطفل البدنيّة وضوابطها
إذاً، النصوص الدينيّة السابقة تفيد مشروعيّة استعمال أسلوب العقوبة البدنيّة في تربية الطفل في الجملة، مع وجوب مراعاة شروط وضوابط مشدّدة، نقسّمها إلى ثلاث جهات:
1- من جهة الطفل المؤدَّب.
2- من جهة الوليّ المؤدِّب.
3- من جهة كيفيّة التأديب ومقداره.
 
 

1- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص281.
2- يراجع: الطوسيّ، الخلاف، ج1، ص305. الحلّيّ، تذكرة الفقهاء، ج4، ص335-336. النجفي، الشيخ محمد حسن، جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام، تحقيق وتعليق الشيخ عباس القوچاني، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1365ش، ط2،ج16، ص349.
3- السيد الخوئي، صراط النجاة (تعليق الميرزا التبريزي)، إيران، دفتر نشر برگزيده، 1416ه، ط1،ج6، ص64.
 
 
 
 
187

151

الدرس الثاني عشر: التربية بالعقوبة (2)

 من جهة المؤدَّب:

- أوّلاً: تنحصر مشروعيّة أسلوب العقاب بالطفل المميّز: (7 - 9 سنوات هـ في الأنثى/ و7 - 15 سنة هـ في الذكر)، وهو القادر على التمييز بين الحَسَن والقبيح، فلا يجوز قبل ذلك (0 - 6 سنوات)، ولا بعد ذلك، أي حين البلوغ، لأنّه إذا لم يكن الطفل مدرِكاً للحَسَن والقبيح فكيف يُعاقَب على ترك الأوّل وفعل الثاني؟! فيكون العقاب لغواً لا يترتّب عليه أثر تربويّ إيجابيّ1. أمّا بعد البلوغ، فالإنسان هو وليّ نفسه، ولا ولاية لأحد على التصرّف في بدنه بضربه أو غير ذلك.

- ثانياً: معرفة الطفل بكون هذا السلوك غير مرغوب فيه، وإطلاعه على السلوك البديل.

- ثالثاً: قدرة الطفل على القيام بالفعل المرغوب، فلا يصحّ معاقبته على ما هو خارج عن قدرته وطاقته2، كأن يكون حفظ درس معيّن فوق طاقة استيعابه، لوجود صعوبات تعلّميّة عنده.

- رابعاً: أن يكون الفعل قابلاً للملاحظة الحسّيّة3. أي أن يكون إجراء العقوبة البدنيّة بحقّ الطفل بسبب ذنب سلوكيّ، لا لذنب يفكّر فيه أو يعيشه في داخله كحالة وجدانيّة.

- خامساً: ارتكاب الطفل السلوك غير المرغوب فيه فعلاً، لا الأخذ على التهمة والشبهة المجرّدة4، أو المعاقبة على ذنب متوقّع الحدوث منه في المستقبل.

وسائل إثبات صدور الفعل السيّئ عن الطفل:
- أوّلاً: المعاينة والمشاهدة الحسّيّة المباشرة من قبل المؤدِّب.

- ثانياً: قيام البيّنة الصادقة على كون الطفل (أ) هو الذي قام بالفعل (ب).
 

1- الدرّ المنضود، ج2، ص26.
2- السيد الخوانساري، جامع المدارك في شرح المختصر النافع، تعليق: علي أكبر الغفاري، مكتبة الصدوق - طهران، 1405 - 1364 ش، ط2، ج7، ص119- 120.
3- الحكيم، عبد الصاحب، تقرير بحث السد محمد الروحاني ، منتقى الأصول، لا.م، لا.ن، 1416، ط2،ج4، ص50.
4- الدرّ المنضود، مصدر سابق، ص281.
 
 
 
188

152

الدرس الثاني عشر: التربية بالعقوبة (2)

 - ثالثاً: إقرار الطفل المميّز على نفسه في ما فعله، في ضوء بعض الآراء الفقهيّة1. وهناك رأي مقابل لا يرضى بكون إقرار الطفل على نفسه حجّة2.


من جهة المؤدِّب:
أوّلاً: انحصار العقوبة بيد وليّ الطفل، أي الأب، أمّا غير الأب، كالأمّ والمعلّم وغيرهما، فلا يحقّ له ذلك ابتداءً، بل يحتاج إلى إذن خاصّ من الأب3.

ثانياً: فشل المربّي في تحقيق الأهداف التربويّة بالأساليب الأخرى، وانحصار الوسيلة التي يتوقّف عليها التأديب بالعقوبة البدنيّة4. بمعنى أنّ العقاب البدنيّ يقع آخر لائحة الإجراءات، ويُلجأ إليه بعد استنفاد جميع المحاولات الأخرى.

أساليب العقاب:
وهذه النقطة تحتاج إلى بعض البيان، فقد اهتمّ الباحثون في العلوم التربويّة والنفسيّة والسلوكيّة بأساليب العقاب وأنواعه5، وذكروا أساليب عدّة، منها:
1- التأنيب، أي توجيه اللوم والعتاب.
2- التوبيخ.
3- إبداء عدم الرضا عن السلوك، كالعبوس.
4- الحرمان من الامتيازات.
5- الإنذار أو التهديد: أي الترهيب بالعقاب، بهدف توليد الخوف.
 

1- الدرّ المنضود، ج1، ص120-121. والنووي، المجموع، ج20، ص292 و342.
2- يراجع: الحلّيّ، قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام، ج3، ص565. والسبزواري، محمّد باقر، كفاية الفقه (المعروف بكفاية الأحكام)، ج2، ص503.
3- فقه التربية والتعليم، مركز نون للتأليف والترجمة، (وفق الرأي الفقهيّ للإمام عليّ الخامنئيّ)، ص59 و ص67.
4- السيد الگلپايگاني، إرشاد السائل، بيروت - لبنان، دار الصفوة، 1413ه - 1993م، ط1،ص179. المدني الكاشاني، كتاب الديات، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1408، ط1،ص46.
5- يراجع: الصيّادي، محمّد، نظرة حول العقاب المدرسيّ، مجلّة المعلّم العربيّ، دمشق، العدد 4، 1999. ويراجع: العالم، عثمان محمّد حامد، العقاب في التربية والتعليم، مجلّة كلّية المعلّمين، العدد 8، ص94-95.
 
 
 
 
189

153

الدرس الثاني عشر: التربية بالعقوبة (2)

 6- العزل والإقصاء عن الأنشطة المعزّزة، كوضع الطفل في غرفة منعزلة بسبب سلوكه العدوانيّ تجاه إخوته مثلاً.

7- تكلفة الاستجابة response cost: كالغرامات الماليّة من مصروف الطفل، وحسم علامات له في المنزل، إذا كان أسلوب جمع العلامات مستخدماً في التعزيز داخل المنزل.
8- الهجر أو الإهمال أو التجاهل.
9- العقاب البدنيّ.

فالعقوبة البدنيّة هي آخر إجراء مؤلم يقوم به المربّي بعد استنفاد جميع أشكال العقاب الأخرى.

وفي هذا السياق ننبّه إلى أنّ عدم مشروعيّة العقوبة البدنيّة بضرب الطفل ما قبل مرحلة التمييز، لا يعني ممانعة استخدام أساليب العقوبة الأخرى، مثل النظرة العابسة، أو عدم إبداء الاهتمام به لمخالفته الأدب، أو الامتناع عن تحقيق مطالبه المادّية وقتاً معيّناً.

وهذا ما نلاحظه في بعض الروايات، فقد رُوي أنّه شكى بعض الأشخاص إلى الإمام موسى الكاظم ابناً له، فقال الكاظم عليه السلام: "لا تضربه، واهجره، ولا تطل"1.

وعليه، فلا بدّ من التمييز بين أصل قانون العقاب، وهو مشروع بحقّ الطفل غير المميّز أيضاً، وأسلوب العقوبة البدنيّة بالضرب، التي تنحصر مشروعيّتها بالطفل المميّز.

ثالثاً: أن يُطلِع المؤدِّبُ الطفل المعاقَب على سبب معاقبته له، ويفهمه أن العقاب ليس لشخصه، بل لسلوكه.

رابعاً: أن يحتمل المربّي تأثير العقاب في تغيير سلوك الطفل2، لأنّ فيه مصلحة الطفل3. أمّا إذا احتمل المربّي عدم فعاليّة العقوبة البدنيّة، لمعرفته بخصائص شخصيّة الطفل، فلا يشرّع العقاب، لعدم حصول الغرض به.
 
 

1- عدّة الداعي ونجاح الساعي، ص87.
2- صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات، ج1، ص456.
3- مرسي، فنّ تربية الأولاد في الإسلام، ص114.
 
 
 
190

154

الدرس الثاني عشر: التربية بالعقوبة (2)

 ارتباط مشروعيّة العقوبة بالفعّاليّة التربويّة:

وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى نقطة مهمّة، وهي التمييز بين مشروعيّة التربية بالعقوبة البدنيّة وفعّاليّتها، إذ المشروعيّة عبارة عن جواز الضرب في نظر المقنّن الإسلاميّ على نحو لا يترتّب عليه إثم وعصيان المؤدِّب، أما الفعّاليّة، فهي عبارة عن ترتّب الأثر المطلوب من التربية بالعقوبة عند الطفل، أي تعديل سلوكه، أو منع تكراره، أو إضعاف احتمال حدوثه في المستقبل، ومع اختلافهما مفهوماً، إلّا أنّهما متّحدان مصداقاً، بمعنى أن المشروعيّة مرتبطة ومنوطة بالفعّاليّة، فما لم تكن العقوبة فعّالة يترتّب عليها الأثر المطلوب، فلا يشرع التأديب بالضرب، فالعقوبة فرع الفعّاليّة...

لا أدب عند الغضب:
خامساً: من أهمّ الضوابط أيضاً، أن يكون المؤدِّب بحالة هدوء نفسيّ، ولا غضباناً، ليكون التأديب بداعي إصلاح سلوك الطفل وتعديله، لا بداعي الانتقام والتَّشَفِّي1.

وقد "نهى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن الأدب عند الغضب"2.

وتشدّد فقهاء مدرسة أهل البيت في تحريم التأديب الغضبيّ.

يقول الشيخ الجواهريّ: "ينبغي أن يُعلم أن مفروض الكلام في التأديب الراجع إلى مصلحة الصبيّ مثلاً، لا ما يثيره الغضب النفسانيّ، فإنّ المؤدِّب حينئذ قد يؤدَّب"3.

وقال المحقّق الأردبيليّ: "... إن ضَرَبَه، فليضربه للتأديب وإصلاحه، أو فعله حراماً وتركه الواجب، لا لغضبه وإطفاء غيظه والانتقام منه"4.

وقال السيّد الكلبايكانيّ: "لا يجوز ضرب الصبيّ المميّز للغضب وتشفِّي القلب"5. وأضاف رحمه الله: "لا بدّ من أن يكون المقصود والهدف في مقام الضرب، هو التأديب الراجع إلى مصلحة الصبيّ، لا ما يثيره الغضب النفسانيّ، وإلّا فربّما يؤول الأمر إلى أن
 

1- التشفّي: إدخال السرور على القلب بأخذ الثأر من الشخص المقابل.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج7، ص260.
3- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ج41، ص446.
4- الأردبيليّ، أحمد، مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، ج13، ص180.
5- الدرّ المنضود، ج2، ص281.
 
 
191

155

الدرس الثاني عشر: التربية بالعقوبة (2)

 يؤدَّب المؤدِّب، لأنّ ضربه لم يكن لله تبارك وتعالى. وعلى هذا، فلا بدّ من أن يكون ضربه في الحال الطبيعيّة العاديّة، لا حال الغضب. وإذا كان مغضباً فليكن غضبه لله تعالى لا لنفسه، حتّى يسوغ ضربه. وهذه الحالة قلّما توجد إلّا في النفوس الزكيّة الطاهرة... والإقدام على الضرب لله تعالى محضاً وخالصاً لوجهه الكريم، إلّا أنه لو حصل للإنسان هذا المقام فله الأثر الخاصّ في كمال النفس وتهذيبه، وهو منشأ سعادته في الدنيا والآخرة"1.


تحديد لائحة بالسلوك غير المرغوب فيه
سادساً: تحديد لائحة بالسلوكات التي تحتاج إلى تعديل، جواباً عن السؤال التالي: ما هي السلوكيّات السيّئة التي تحتاج إلى تغيير وتعديل عند الطفل؟

فلا ينبغي أن يكون العقاب إجراءً يتبع كلّ سلوك صادر عن الطفل، من دون تحديد مسبق للسلوك غير المرغوب فيه من غيره، ومن دون تحديد نوع السلوك الذي يحتاج إلى استخدام هذا الأسلوب التربويّ أو ذاك، فحتماً سيكون العقاب عمليّة غير عقلائيّة.

وفي هذا السياق، يعتبر د. لاري جيه كوينج2 في كتابه "التربية الذكيّة"، أنّ الخطوة الأولى في عمليّة التربية الذكيّة هي تحديد السلوكيّات السيّئة التي تحتاج إلى تغيير وفق قائمة محدّدة، مع عدم الإكثار من البنود، والبدء بتغيير سلوك واحد أو اثنين بالتدريج3، فلا يتصوّر أحد الآباء والمربّين أنّه يريد بين ليلة وضحاها أن يغيّر ويعدّل جميع سلوكيّات طفله.

كما يطرح كوينج أنّه قبل البدء بعمليّة التأديب بالعقاب، على الأهل أن يجيبوا عن رزمة أسئلة تكون نتيجة الإجابة عنها بـ: "نعم" أو "لا"، مبيّنةً لفاعليّة استخدام أسلوب العقاب في تربية الطفل أم لا، منها: هل تشعر أنّ كلّ ما تفعله هو لتصحيح أطفالك وتقويمهم؟ هل تجد أنّ طفلك يتمادى في سلوكه السيّئ كلّما عاقبته؟... - تراجع في الكتاب
 

1- الدر المنضود، ج2، ص291.
2- هو مؤسّس أكثر الندوات عن التربية ورعاية الأبناء شهرة في الولايات المتحدة.
3- كوينج، لاري جيه، التربية الذكيّة، ص11.
 
 
 
192

156

الدرس الثاني عشر: التربية بالعقوبة (2)

 المذكور -، وما لم يجب الأهل عن مجموعة الأسئلة تلك، فلا يستطيعون تحديد ما إذا كان العقاب فعّالاً أم غير مناسب.


من جهة كيفيّة التأديب ومقداره:
أوّلاً: يجب أن يكون العقاب برفق لا بغلظة1، كما جاء في حديث الإمام الصادق عليه السلام: "وارفق".

ثانياً: مراعاة مبدأ المكافأة، أي التناسب والتعادل بين طبيعة العقاب ونوع السلوك2.

ثالثاً: يجب أن يكون العقاب غير ضرريّ ولا مؤذٍ، بحيث لا يؤدّي إلى احمرار البشرة3، فضلاً عن حرمة الإدماء والجرح والكسر...

رابعاً: التدرّج في العقاب من الأضعف إلى الأقوى4، فلا يجوز تجاوز حدّ الكفاية في الضرب مثلاً، بمعنى أنّه لو كانت ضربة واحدة كافية في التأديب، لا تجوز الضربة الثانية5، وهكذا.

خامساً: ينبغي أن تكون أداة الضرب بطبيعتها لا تلحق الأذى والضرر بالطفل، لأنّ ضربه مشروط بسلامته من الأذى والضرر6.

سادساً: ينبغي تجنّب ضرب الأماكن الحسّاسة في جسم الطفل، كالرأس والوجه وغيرهما.

لأنّهم خلطوا بين العنف والعقاب
وبناءً عليه، يتبيّن عدم جواز الضرب الضرريّ، فالضرب المشرّع بحقّ الطفل مقيّد بما لا يعود بالضرر عليه وإلّا فلا يجوز. لذا، عارض بعض الباحثين التربويّين والنفسيّين
 

1- تفصيل الشريعة، مصدر سابق، ص426.
2- يراجع: الحفني، الموسوعة النفسيّة، ص176.
3- فقه التربية والتعليم، مصدر سابق، ص67. الحكيم، عبد الهادي، فقه للمغتربين وفق فتاوى السيّد عليّ الحسينيّ السيستانيّ، ص202.
4- علوان، عبد الله ناصح، تربية الأولاد في الإسلام، ج2، ص725.
5- صراط النجاة، ج2، ص415.
6- الدرّ المنضود، ج2، ص287. صراط النجاة، ج1، ص456.1- يراجع: عجمي، سامر توفيق، نحو بناء المذهب التربويّ، قراءة في معالم المنهج بين المشروعيّة المعرفيّة والمشروعيّة الأصوليّة، مجلّة أبحاث ودراسات تربويّة، العدد الثاني، السنة الأولى، شتاء 1437ه-2016م، (ص 11-71).
 
 
 
193

157

الدرس الثاني عشر: التربية بالعقوبة (2)

 تأديب الطفل بالعقوبة البدنيّة، لما يؤدّي إليه من أضرار بدنيّة ونفسيّة. وقد سبقهم لمعارضته المشرّع الإسلاميّ، فالجائز هو ضرب الطفل التأديبيّ الذي لا يؤدّي إلى الضرر البدنيّ أو النفسيّ المعتدّ به. وعليه، فما هو الدليل العقلائيّ والعلميّ على كون مثل هذا الضرب انتهاكاً لحقوق الطفل، وتعدّياً على كرامته الإنسانيّة، فما ينفونه هم ينفيه المشرّع الإسلاميّ، ولكنّ الفرق بين الاثنين أنّهم عمّموا النفي على النوع غير الضرريّ من الضرب التأديبيّ، في حين حصر المشرّع الإسلاميّ المنع بالنوع الضرريّ من الضرب التأديبيّ.


وفي الحقيقة، إنّ ما ذكروه من مبرّرات، إنّما يصحّ في العنف والتعدّي والتجاوز، دون العقوبة البدنيّة المقيّدة بالضوابط الشرعيّة والأخلاقيّة المذكورة. وهذا يوضح لنا أنّهم خلطوا بين مفهومي العنف والعقاب، ولم يميّزوا بينهما، وأعتقد أن التمييز بينهما يعالج المشكلة.
 
 
 
 
 
194

158

الدرس الثاني عشر: التربية بالعقوبة (2)

 المفاهيم الرئيسة


- يحتاج الباحث التربويّ إلى الإجابة عن جملة الأسئلة التالية: هل شرّع المقنّن الإسلاميّ استخدام أسلوب العقوبة في تربية الطفل وتعليمه؟ وأيّ أسلوب من أساليب العقاب يشرع استخدامه؟ وما هي الدواعي المسوّغة لعقوبة الطفل؟ وما هي الضوابط التي تحكم عمليّة استعمال أسلوب العقوبة في التربية؟

- استدلّ الفقهاء على مشروعيّة العقوبة البدنيّة في التربية والتعليم، على القيم والآداب بأدلّة روائيّة عدّة، منها: سُئل الإمام الصادق عليه السلام في أدب الصبيّ، فقال عليه السلام: "خمسة أو ستّة، وارفق، ولا تعدّ حدود الله".

- واستدلّوا على مشروعيّة ضرب الطفل للعبادة على ترك الصلاة، برغم عدم وجوبها بروايات عدّة، منها: عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، قال: "... ثم يترك حتى يتمّ له تسع سنين، (فإذا تمّت له) عُلِّم الوضوء، وضُرب عليه، وأُمر بالصلاة، وضُرب عليها".

- وضعت الشريعة شروطاً وضوابط مشدّدة للعقوبة البدنيّة للطفل، نقسّهما إلى ثلاث جهات: من جهة الطِّفل المؤدَّب، ومن جهة الوليّ المؤدِّب، ومن جهة كيفيّة التأديب ومقداره.

- من جهة المؤدَّب: أوّلاً: تنحصر مشروعيّة العقاب بالطفل المميّز. ثانياً: معرفة الطفل بكون هذا السلوك غير مرغوب فيه. ثالثاً: قدرة الطفل على القيام بالفعل المرغوب. رابعاً: أن يكون الفعل قابلاً للملاحظة الحسّيّة. خامساً: ارتكاب الطفل للسلوك غير المرغوب فيه فعلاً.

- من جهة المؤدِّب: أوّلاً: انحصار العقوبة بيد وليّ الطفل، أي الأب، أمّا غير الأب كالأمّ والمعلّم وغيرهما، فلا يحقّ له ذلك ابتداءً، بل يحتاج إلى إذن خاصّ من الأب. ثانياً: فشل المربيّ في تحقيق الأهداف التربويّة بالأساليب الأخرى. ثالثاً: إطلاع الطفل على سبب معاقبته. رابعاً: احتمال تأثير العقاب في تغيير سلوك الطفل. خامساً: أن يكون المؤدِّب بحالة هدوء نفسيّ، ولا غضباناً، ليكون التأديب بداعي إصلاح سلوك الطفل وتعديله، لا بداعي الانتقام والتَّشَفِّي. سادساً: تحديد لائحة بالسلوكات التي تحتاج إلى تعديل.

- من جهة كيفيّة التأديب ومقداره: أوّلاً: يجب أن يكون العقاب برفق لا بغلظة. ثانياً: مراعاة مبدأ التناسب بين طبيعة العقاب ونوع السلوك. ثالثاً: أن يكون العقاب غير ضرريّ. رابعاً: التدرّج في العقاب. خامساً: تحقّق شرط السلامة في أداة الضرب. سادساً: تجنّب ضرب الأماكن الحسّاسة من الجسم.
 
 
 
 
 
195

159

الدرس الثاني عشر: التربية بالعقوبة (2)

 أسئلة الدرس


- هل شرّع المقنّن الإسلاميّ استخدام أسلوب العقوبة في تربية الطفل وتعليمه؟
- عن حمّاد بن عثمان قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: في أدب الصبيّ؟ فقال عليه السلام: "خمسة أو ستّة، وارفق، ولا تعدّ حدود الله". حلّل مضمون هذه الرواية.
- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر..."، ماذا يمكن للباحث أن يستفيد من هذا الحديث النبويّ؟
- لماذا تنحصر مشروعيّة العقوبة بالطفل المميّز، ولا تشمل من دونه بالسنّ؟
- ما هي وسائل إثبات صدور الفعل غير المرغوب فيه عن الطفل؟
- ما هو الهدف من حصر العقوبة البدنيّة بيد الأب، دون الأمّ أو المعلّم أو غيرهما؟
- عدّد أساليب العقاب، واذكر في أيّ مرتبة تقع العقوبة البدنيّة، ولماذا؟
- يعتبر د. لاري جيه كوينج أنّ الخطوة الأولى في عمليّة التربية الذكيّة، هي تحديد السلوكيّات السيّئة التي تحتاج إلى تغيير وفق قائمة محدّدة، ما هي أهمّيّة هذا الأسلوب قبل عقوبة الطفل؟
 
 
 
 
 
196

160

الدرس الثالث عشر: تربية العقل وتنمية مهارات التفكير

 الدرس الثالث عشر

تربية العقل وتنمية مهارات التفكير


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يُعرِّف تربية العقل والتفكير.
2- يحدّد أهداف تنمية مهارات التفكير.
3- يعرض أهمّ أساليب تنمية التفكير.
4- يبيّن دور التربية الأخلاقيّة والتغذية الصحّيّة في تنمية التفكير.
 
 
 
 
 
199

161

الدرس الثالث عشر: تربية العقل وتنمية مهارات التفكير

 ما هو العقل؟

العقل هو قوّة التفكير وإدراك المعقولات الكلّيّة على مستوى المفاهيم والتصوّرات، أو القضايا والتصديقات، وقد اعتبره المناطقة العنصر الخاصّ المقوِّم لحقيقة الإنسان، أي الفصل الذي يتميّز به عن باقي الكائنات المشتركة معه في وحدة الحياة والإحساس والحركة، بنحو تدور إنسانيّة الإنسان مداره وجوداً وعدماً1.

وثمّة نصوص دينيّة عدّة يستفاد منها أهمّيّة العقل في هرم الوجود الإنسانيّ.

عن أبي جعفر عليه السلام قال: "لمّا خلق الله العقل، قال له: أقبل، فأقبل. ثم قال له: أدبر، فأدبر. فقال: وعزّتي وجلالي، ما خلقت خلقا أحسن منك، إيّاك آمر، وإيّاك أنهى، وإيّاك أثيب، وإيّاك أعاقب"2.

وعن الإمام عليّ عليه السلام: "الإنسان بعقله"3.

فالعقل هو خير عطيّة وهبها الله تعالى للإنسان، فعن الإمام عليّ عليه السلام: "خير المواهب العقل"4.

ما هي تربية العقل والتفكير؟
نقصد بتربية العقل والتفكير، عملية إيصال الطفل إلى مرحلة يقتدر معها على حسن توظيف القوّة العاقلة في الكشف عن الحقيقة، والتمييز بين الكمال والنقص والحسن
 

1- انظر: الجزء الأول، الدرس السادس، ص104.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج1، ص10.
3- الليثي الواعظي، عيون الحكم والمواعظ، ص61.
4- المصدر نفسه، ص237.
 
 
 
201

162

الدرس الثالث عشر: تربية العقل وتنمية مهارات التفكير

 والقبح، والاستثمار فيها إيجاباً للقيام بدورها ضمن سلسلة من النشاطات الذهنيّة: الإدراك واكتساب المعرفة، حفظ المعلومات وتخزينها، تذكّرها واسترجاعها، ومعالجة المدخلات تحليلاً وتركيباً، وتجريداً وتعميماً، والمقارنة بينها وتصنيفها وتقسميها...


إضافةً إلى تمكين العقل من التحكّم بقوى النفس المختلفة: (الوهميّة والغضبيّة والشهويّة)، والسيطرة عليها وقيادتها نحو الهدف الذي خُلِقت لأجله.

ما هي أهداف تربية العقل والتفكير؟
تهدف عملية تربية العقل وتنمية التفكير عند الطفل إلى تحقيق ملكات عدّة، منها:
- دقّة الملاحظة الحسّيّة، والتأمّل في الظواهر والكائنات والمواقف والخبرات.
- القدرة الذهنيّة على التلقّي والاستيعاب والفهم، والتذكّر واسترجاع المعلومات.
- المقارنة والمقايسة بين الأشياء لاكتشاف أوجه العلاقات والنسب والروابط بينها، كالتماثل والتشابه والتقابل والسببيّة والتلازم والاقتران والتداخل والاتّحاد...
- معالجة المعلومات والمدخلات تحليلاً وتركيباً، وتصنيفها وتنظيمها وترتيبها بنحو خاصّ لتوليد الأفكار وإنتاج معارف جديدة.
- استخدام المخزون المعرفيّ في إدارة الحياة وحلّ المشكلات ومواجهة الصعوبات، بمهارات مختلفة، مثل: التخطيط والتنظيم الذهنيّ، الإحساس والوعي بالمشكلة، ترتيب الأولويّات، وطرح البدائل المتنوّعة...

الإمام الخامنئيّ دام ظله: ضرورة تعليم التفكير والفلسفة للطفل
وقد بدأت بعض الدول، (كالأرجنتين، والبرازيل، وأميركا، وبريطانيا، وأستراليا، واليابان...) تستشعر أهمّيّة تعليم الفلسفة للأطفال، بمعنى تنمية العقل وتطوير ملكة النقد في التفكير وإدارة المعرفة... إلخ.

وفي هذا السياق، أبدى الإمام السيّد عليّ الخامنئيّ دام ظله في مواقف عدّة، اهتمامه بضرورة تعليم الفلسفة للأطفال، إذ يقول: "إنّ الكثيرين في مجتمعنا لا يخطر ببالهم من الأساس، أنّ الفلسفة هي أمرٌ مهمٌّ للطفل. فبعض الأشخاص يتصوّرون أنّ الفلسفة هي
 
 
 
 
202

163

الدرس الثالث عشر: تربية العقل وتنمية مهارات التفكير

 نوع من الهذر، وبعضهم يلتفت إليها في آخر عمره، لكنّ الأمر ليس كذلك. إنّ الفلسفة عبارة عن تشكيل الفكر وتعليم الفهم، وتعويد الذهن التفكّر والتفهّم، وهذا الأمر ينبغي أن يكون منذ بداية الطفولة. والقالب والشكل مهمٌّ في فلسفة الأطفال، وكذلك المحتوى والمضمون، لكنّ الأساس هوالأسلوب، أي أن يعتاد الطفل منذ بداية طفولته التفكّر، والتعقُّل"1.


علاقة تربية العقل بتحقيق هدف التربية
ويبقى أهمّ أهداف تربية العقل عند الطفل، أنّها تساهم في تحقيق الهدف النهائيّ من وجوده، بمعنى معرفة الله تعالى وعبادته، من خلال القيام بعمليّة ربط مهارات التفكير عند الطفل باكتشاف الله تعالى وصفاته في الطبيعة والكون، والارتباط به والخضوع لعظمته.

يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله: "إنّ تربية قدرة التفكير والعقل في المجتمع هي مفتاح تسوية المشاكل، ولجم النفس، وتمهيد "الأرضيّة" أمام الإنسان لعبادة الله"2.

وذلك لأنّ الإنسان بالعقل يصل إلى كمال النفس في جانب الحكمة النظريّة، فيعرف الحقيقة كما هي، ويميّز بين الحقّ والباطل.

عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، أنّه قال: "العقل نور في القلب، يفرّق به بين الحقّ والباطل"3.

وبالعقل يحقّق الإنسان كمال النفس في جانب الحكمة العمليّة، بالتحكّم بقوى النفس الشهويّة والغضبيّة والوهميّة والسيطرة عليها، وقيادة النفس نحو التجلية بالتمسّك بظاهر الشريعة، والتحلية بالفضائل الأخلاقيّة والتخلية عن الرذائل.

وبتنمية هاتين القوّتين وتزكيتهما يصل الإنسان إلى معرفة الله تعالى، والارتباط به وعبادته.
 
 

1- مركز نون، خطاب الوليّ 2012، كلمة الإمام الخامنئيّ دام ظله في لقاء المعلّمين وأساتذة جامعات خراسان الشماليّة،11/10/2012م، إصدار جمعيّة المعارف الإسلاميّة الثقافيّة- مركز نون للتأليف والترجمة، ط1، 2013م، ص456.
2- http://www.leadep.ir/ar/content/5677
3- الديلمي، الشيخ أبو محمد الحسن بن محمد، إرشاد القلوب، قم - إيران، انتشارات الشريف الرضي، 1415ه - 1374ش، ط2،ج1، ص198.
 
 
 
 
203

 


164

الدرس الثالث عشر: تربية العقل وتنمية مهارات التفكير

 عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، أنّه قال: "إنّ أول الأمور ومبدأها وقوّتها وعمارتها التي لا ينتفع شيء إلا به العقل، الذي جعله الله زينة لخلقه ونوراً لهم. فبالعقل عرف العباد خالقهم، وأنّهم مخلوقون، وأنّه المدبّر لهم وأنّهم المدَبَّرون، وأنّه الباقي وهم الفانون. واستدلّوا بعقولهم على ما رأوا من خلقه، من سمائه وأرضه، وشمسه وقمره، وليله ونهاره، وبأنّ له ولهم خالقاً ومدبّراً، لم يزل ولا يزول. وعرفوا به الحسن من القبيح، وأنّ الظلمة في الجهل، وأنّ النور في العلم، فهذا ما دلّهم عليه العقل..."1.


ونستظهر هذا الهدف بشكل واضح من القرآن الكريم، الذي حثّ وحفّز في عشرات الآيات على التفكّر، والتدبّر، والنظر، والتعقّل، والتبصّر... إلخ، من المفردات التي تدخل في الشبكة المعنائيّة لتربية العقل، رابطاً بين التفكّر والوصول إلى الله تعالى، وصفاته وأفعاله من النبوّة والمعاد...

وهذا الفهم لتربية العقل والتفكير، ينسف محاولات فكّ الارتباط بين العقلانيّة والإيمان على نحو مانعة الجمع، كما في قول أبي العلاء المعرّي:
اثنان أهل الأرض: ذو عقل بلا
دين وآخر ديّنٌ لا عقل له2

فالعقلانيّة والتديّن أمران متلازمان، كما رسم لنا ذلك الإمام عليّ عليه السلام بقوله: "لا دين لمن لا عقل له"3. وعن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال: "من كان عاقلاً كان له دين، ومن كان له دين دخل الجنّة"4.

أسئلة لا بدّ منها في تربية عقل الطفل
أوّل خطوة ينبغي للمربّي أن يخطوها في عملية تربية العقل والتفكير عند الطفل، هي طرح جملة من الأسئلة حول طبيعة الطفل المتربّي، من خلال رصد عادات الطفل الذهنيّة
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج1، ص29.
2- أبو العلاء المعرّي، لزوم ما لا يلزم، ج2، ص174.
3- عيون الحكم والمواعظ، ص539.
4- الشيخ الكليني،الكافي، ج1، ص11.
 
 
 
204

165

الدرس الثالث عشر: تربية العقل وتنمية مهارات التفكير

 مع الأشياء، ثم يقوم بالبحث عن أجوبتها، ليشخّص مواطن القوّة والضعف، ويسعى لمعالجة المشكلة.


مثل:
- هل يطرح طفلي الأسئلة ويكثر من إثارة الاستفهامات؟
- هل يسأل عن الأمور التي لا يفهمها؟ أم يسكت؟
- هل يقتنع بالجواب بسهولة؟ أم يناقش وينقد؟
- هل يحفظ المعلومات بسرعة، أم يحتاج إلى تكرارها عدّة مرّات؟
- هل يسترجع المعلومات بسرعة؟ أم يغرق في التفكير لاسترجاعها؟
- هل يتمتّع بدقّة الملاحظة الحسّيّة ويهتمّ بالتفاصيل؟ أم يغفل عنها؟
- هل يتأمّل في المواقف التي تحصل أمامه؟ أم لا يبدي اهتماماً؟
- هل يبحث عن العلل والأسباب الكامنة وراء الأشياء؟ أم يكتفي بالمشاهدات السطحيّة؟
- هل يتّخذ القرارات بنفسه؟ أم يعتمد دائماً أو غالباً على الآخرين؟
- هل يستسلم للمشكلات التي تواجهه؟ أم يضع الحلول والبدائل المتنوّعة؟
- هل لديه قدرة على المقارنة بين الأشياء؟
- هل يقيم علاقات (تماثل أو تشابه أو تضاد...) بينها؟
- هل يدعم آراءه بالشواهد والأدلّة؟
- هل يتأثر بآراء الآخرين وينساق لها؟
- هل يحوّل الأفكار إلى سلوك؟
- هل يتعلّم من أخطائه ولا يكرّرها؟
- هل يفكّر في النتيجة التي تقود إليها المقدّمات؟

أساليب تنمية التفكير الصحيح
من أهمّ النقاط أيضاً في عمليّة تربية التفكير، هي أن يمتلك المربّي خارطة طريق
 
 
 
 
205

166

الدرس الثالث عشر: تربية العقل وتنمية مهارات التفكير

 من الأصول والأساليب يؤدّي تعليمها للطفل وتعويده إيّاها إلى تحقيق جملة الأهداف المذكورة أعلاه.


وهناك عدّة أساليب يمكن اعتمادها في هذا المجال، نذكر بعضاً منها باختصار:
تعزيز الجرأة الأدبيّة على طرح الأسئلة
يولد الطفل خالي الذهن من جميع ألوان المعرفة التي تشكّل موادّ التفكير، وكي تتراكم المعارف في الذهن، لا بدّ من تفعيل وتنشيط غريزة حبّ الاستطلاع لديه، "ومؤشّر" نشاطها وفعّاليّتها هو السؤال، لأنّ السؤال مفتاح المعرفة.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنّه قال: "العلم خزائن، ومفتاحها السؤال"1.

وعن الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ مفاتيح العلم السؤال. وأنشأ يقول:
شفاء العمى طول السؤال وإنّما  تمام العمى طول السكوت على الجهل"2.

وعمليّة التدريب على السؤال المفضي إلى تحصيل المعرفة يبدأ من الصغر.
عن الإمام عليّ عليه السلام، قال: "من سأل في صغره أجاب في كبره"3.

لذا، على المربّي تعزيز الجرأة لدى الطفل على طرح الأسئلة وإثارة الاستفهامات حول كلّ ما يحيط به في الحياة، والعمل على تخفيف جرعة الحياء من السؤال، لأنّه من موانع التعلّم.

عن الإمام الباقر عليه السلام: "سَلْ ولا تستنكف ولا تستَحْي، فإنّ هذا العلم لا يتعلّمه مستكبر ولا مستَحْيٍ"4.

وعلى المربّي التفاعل الإيجابيّ مع كلّ سؤال يطرحه الطفل، وإشعاره بأهمّيّة سؤاله
 
 

1- السيد الرضي، المجازات النبوية، تحقيق وشرح: طه محمد الزيتي، منشورات مكتبة بصيرتي - قم، لا.ت، لا.ط،ص209.
2- كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر، ص253.
3- عيون الحكم والمواعظ، ص447.
4- الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، علل الشرائع، تقديم السيد محمد صادق بحر العلوم، النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية، 1385 - 1966م، لا.ط،ج2، ص606.
 
 
 
 
206

167

الدرس الثالث عشر: تربية العقل وتنمية مهارات التفكير

 وإعجابه به، وتجنّب إشعار الطفل ببساطة سؤاله، وعدم التعامل مع أسئلته بسخرية واستهزاء، لأنّ الهدف، خصوصاً في الطفولة المبكرة، ليس اكتشاف مهارات الطفل في كيفيّة طرح الأسئلة، بل تنمية حسّ المبادرة إلى السؤال، بغضّ النظر عن طبيعته.


نعم، في مرحلة لاحقة، ينبغي للمربّي السعي لتطوير مهارات حسن طرح السؤال عند الطفل، لأنّ "حسن السؤال نصف العلم"1، كما رُوي عن رسول الله صلى اله عليه وآله. ويمكن للوصول إلى هذا الهدف، اعتماد المربّي على أسلوب إعادة صياغة سؤال الطفل على مسامعه بشكل أفضل من دون أن يهينه، أو طرح عدّة أسئلة أمام الطفل، ثمّ جعله يختار نوع السؤال الذي يناسب الموقف.

وكلّما تقدّمت المرحلة العمريّة للطفل، ينبغي السير التطوّرّي معه بتعليمه آداب السؤال، بأن يكون هدفه الأساس من السؤال هو تحصيل المعرفة، ولا إحراج المعلّم أو الوالدين أو الصديق... وتغليطهم.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "شرار الناس الذين يسألون عن شرار المسائل، كي يغلّطوا بها العلماء"2. وعن الإمام الصادق عليه السلام: "فاسأل العلماء ما جهلت، وإيّاك أن تسألهم تعنّتاً وتجربة..."3.

وعلى المربّي أن لا يترك أسئلة الطفل عالقة دون أجوبة، كما عليه أن لا يجيب بمعلومات خاطئة تشوّه فهم الطفل. بل عليه تحرير عقل الطفل من المعلومات والأفكار الخاطئة. لذا، إذا لم يكن الجواب حاضراً في ذهن المربّي، فعليه أن لا يصدّ الطفل عن السؤال، بل يأخذ بيده إلى البحث المشترك عن الإجابة، أو يستشير أهل الخبرة والاختصاص والمعرفة بموضوع السؤال أمام الطفل، ليسمع الطفل الجواب منهم، ويدرّبه بالمحاكاة والنموذج السلوكيّ على أنّ سؤال الآخرين أمر طبيعيّ.
 
 

1- الكراجكي، الامام العلامة أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان، كنز الفوائد، قم، مكتبة المصطفوي، 1369ش، ط2،ص287.
2- ابن الأثير، جامع الأصول في أحاديث الرسول، لأبي السعادات ج5، ص58.
3- مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، ص564.
 
 
 
207

168

الدرس الثالث عشر: تربية العقل وتنمية مهارات التفكير

 تقوية الملاحظة الحسّيّة عند الطفل

من الأساليب المهمّة في عمليّة تنمية التفكير، تقوية الملاحظة الحسّيّة عند الطفل؛ لأنّ رأس مال العلوم يبدأ من الحواسّ. والإنسان عموماً، والطفل خصوصاً، كائن حسّيّ أكثر ممّا هو كائن عقليّ1. وينبغي تعويده الالتفات إلى جميع التفاصيل والتدقيق فيها، وعدم الغفلة عن أيّ منها، مهما بدا صغيراً. كأن يعمد المربّي إلى وضع لوحة معيّنة أمام الطفل، أو يجلس معه في الطبيعة، أو حتى في غرفة المنزل، ويسأله أن يصف له مشاهداته، ويعرض له ما هو موجود في الغرفة، ويدوّن ذلك على ورقة، ليرى دقّة ملاحظته وسرده للتفاصيل.

ونلاحظ أن القرآن الكريم ركّز في تنمية الملاحظة الحسّيّة عند الإنسان، فحثّه وحفّزه على النظر إلى الإبل والرياح وحركة الكواكب والنجوم والليل والنهار والنبات... رابطاً بينها وبين الدلالة على معرفة الله تعالى كآيات آفاقيّة، وبالدلالة على هدفيّة الخلق ولزوم المعاد، كما سيأتي في درس التربية العقائديّة.

تنشيط مهارة العصف الذهنيّ
إنّ تعويد الطفل العصف الذهنيّ وتبادل الآراء والخبرات ضمن مجموعة من الأطفال، في الصفّ أو المنزل أو الجمعيّة الكشفيّة... يؤدّي إلى انفتاح ذهنه على معلومات جديدة، ومراكمة المعرفة وزيادة منسوبها، ويرشده إلى الرأي الصائب ويعرّفه مواطن الخطأ، ويعلّمه احترام آراء الآخرين، ويشجّعه على إبداء رأيه، وتطوير قدرة الإقناع والدفاع عن الفكرة بالأدلّة والشواهد، ويعزّز نزعة اختياره لأفضل فكرة ضمن أفكار الآخرين، أو كيفيّة التوفيق بين الآراء المختلفة.

عن الإمام عليّ عليه السلام، أنّه قال: "اضربوا بعض الرأي ببعض يتولّد منه الصواب"2.

كما أنّ تدريب الطفل على مهارة العصف الذهنيّ يضعف من نزعة الاستبداد بالرأي،
 

1- الصدر، السيد محمد باقر، موجز في أصول الدين، ص224-225.
2- الليثي، عيون الحكم والمواعظ، ص91.
 
 
 
208

169

الدرس الثالث عشر: تربية العقل وتنمية مهارات التفكير

 والتعنّت والتعصّب لفكرته، وينمّي حسّ تقبّل النقد، والاستعداد لتغيير رأيه عند ثبوت خطئه.


عن الإمام عليّ عليه السلام: "من استبدّ برأيه هلك"1.

تنمية حسّ التعامل مع المعلومات
- تعويد الطفل الاعتراف بالجهل. عن الإمام عليّ عليه السلام: "غاية العقل الاعتراف بالجهل"2.

- تعويد الطفل فهم المعلومات ولا مجرّد حفظها. عن الإمام عليّ عليه السلام: "ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم"3.

- تعويده التحقّق من مصداقيّة المعلومات التي يتلقّاها.

- توجيهه نحو المصادر والمراجع التي ينبغي أن يستقي منها المعلومات، وتعليمه كيفيّة التعامل معها.

عن زيد الشحّام، عن أبي جعفر عليه السلام، في قول الله عزّ وجلّ: ﴿فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾4 قال: قلت: ما طعامه؟ قال عليه السلام: "علمه الذي يأخذه، عمّن يأخذه"5.

- تعويد الطفل معرفة الرجال بالحقّ، لا معرفة الحقّ بالرجال، أي النظر إلى الآراء بحدّ ذاتها، بغضّ النظر عن قائلها، في تقويم صوابها وخطئها.
عن الإمام عليّ عليه السلام: "خذ الحكمة ممّن أتاك بها، وانظر إلى ما قال، ولا تنظر إلى من قال"6.

- تدريبه على اكتشاف التناقضات في المعلومات والآراء والمواقف، ومعرفة مواطن الخلل ونقاط الضعف فيها، حتى لا يغترّ بالخدع والأخطاء.
 
 

1- نهج البلاغة، ج4، باب المختار من حكم أمير المؤمنين عليه السلام، حكمة 161.
2- عيون الحكم والمواعظ، ص241.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج1، ص36.
4- سورة عبس، الآية 24.
5- الشيخ الكليني،الكافي، ج1، ص50.
6- عيون الحكم والمواعظ، ص241.
 
 
 
209

170

الدرس الثالث عشر: تربية العقل وتنمية مهارات التفكير

 عن الإمام عليّ عليه السلام: "فساد العقل الاغترار بالخدع"1


- تشجيع الطفل على خوض التجارب الذاتية في اكتشاف المسائل وبناء الخبرات والاتّعاظ بها.
عن الإمام عليّ عليه السلام: "العقل غريزة تربّيها التجارب"2.

- تعليمه كيفيّة ترتيب الأولويّات في ضوء الأهمّ والمهمّ من جهة، والسيّئ والأسوأ من جهة ثانية، والتخطيط في ضوئها.
عن الإمام عليّ عليه السلام: "ليس العاقل من يعرف الخير من الشرّ، ولكنّ العاقل من يعرف خير الشرّين"3.

الربط بين الأدب والأخلاق وتنمية العقل والتفكير
من الأصول الإسلاميّة المهمّة المميّزة في تربية العقل والتفكير عند الطفل والإنسان، تدريب الطفل على التحلّي بالفضائل والتخلّي عن الرذائل، لارتباطها بشكل وثيق بعمليّة تنمية التفكير الإيجابيّ، وإقصاء التفكير السلبيّ.

عن الإمام عليّ عليه السلام: "غير منتفع بالحكمة عقل معلول بالغضب والشهوة"4.

وعنه عليه السلام: "طاعة الهوى تفسد العقل"5.

وعن الإمام الباقر عليه السلام: "ما دخل قلب امرئ شيء من الكبر، إلّا نقص من عقله مثل ما دخله من ذلك، قلّ أو كثر"6.

وعن الإمام عليّ عليه السلام: "الغضب يفسد الألباب، ويبعد من الصواب"7.
 

1- عيون الحكم والمواعظ، ص357.
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج20، ص341.
3- محمد بن طلحة الشافعي، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ماجد ابن أحمد العطية، لا.م، لا.ن، لا.ت، لا.ط، ص 250.
4- المصدر نفسه، ح6397.
5- عيون الحكم والمواعظ، ص317.
6- كشف الغمة في معرفة الأئمة عليهم السلام، ج2، ص344.
7- عيون الحكم والمواعظ، ص28.
 
 
 
210

171

الدرس الثالث عشر: تربية العقل وتنمية مهارات التفكير

 وعنه عليه السلام: "إنّ الإعجاب ضدّ الصواب وآفة الألباب"1.


لذا، يقول العلّامة الطباطبائيّ قدس سره: "الإنسان إذا فسد دينه الفطريّ، ولم يتزوّد من التقوى الدينيّ، لم تعتدل قواه الداخليّة المحسّة، من شهوة أو غضب، أو محبّة أو كراهة وغيرها. ومع اختلال أمر هذه القوى، لا تعمل قوّة الإدراك النظريّة عملاً مرضيّاً"2.

دور تغذية الطفل في تنمية التفكير
من المسائل المهمّة التي ينبغي للمربّي الالتفات إليها في تربية العقل والتفكير، هي طبيعة غذاء الطفل، فهناك العديد من الأطعمة والأشربة التي تؤدّي دوراً مهمّاً في تفعيل النشاط العقليّ عند الطفل، ويمكن استشارة أهل الاختصاص في الطبّ والتغذية عنها. وقد عرض بعض الأحاديث والروايات أنواعاً من تلك الأطعمة والأشربة، كالقرع، والسفرجل، والكرفس، واللبان، والعسل، والرمّان، والخلّ، والفرفخ، والسذاب3،... إلخ، نقتصر على ذكر بعضها:
- عن أبي الحسن موسى الكاظم عليه السلام، قال: "كان فيما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّاً عليه السلام، أنّه قال له: يا عليّ، عليك بالدباء (القرع)، فكُلْه، فإنه يزيد في الدماغ والعقل"4.

- وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "عليكم بالكرفس، فإنّه إن كان شيء يزيد في العقل، فهو هو"5.

- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "عليكم باللبان، فإنّه... يزيد في العقل، ويذكي الذهن، ويجلو البصر، ويذهب النسيان"6.
 
 

1- نهج البلاغة، ج3، ص46.
2- السيد الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج5، ص311.
3- السذاب: نوع من النبات.
4- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص371.
5- ابو العباس مستغفري، طب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، انتشارات رضي، 1362 ش، ط1،ص31.
6- العلامة المجلسي، بحار الانوار، ج59، ص300.
 
 
 
 
211

172

الدرس الثالث عشر: تربية العقل وتنمية مهارات التفكير

 - وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "عليكم بالفرفخ، فهي المكيّسة1، فإنّه إن كان شيء يزيد في العقل، فهي"2.


- وعن الإمام الرضا عليه السلام: "عليكم بالسفرجل، فإنّه يزيد في العقل"3.
 

1- المكيّسة: من الكياسة، أي الفطنة والذكاء.
2- البرقي، المحاسن، ج2، ص517.
3- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص172.
 
 
 
212

173

الدرس الثالث عشر: تربية العقل وتنمية مهارات التفكير

 المفاهيم الرئيسة


- العقل هو قوّة التفكير وإدراك الكلّيّات تصوّراً وتصديقاً، وبه يتميّز الإنسان عن باقي الكائنات الحيّة. عن الإمام عليّ عليه السلام: "الإنسان بعقله".

- تربية العقل والتفكير هي عمليّة إيصال الطفل إلى مرحلة يقتدر معها على حسن توظيف القوّة العاقلة في سلسلة من النشاطات الذهنيّة: اكتساب المعرفة، وحفظ المعلومات، وتذكّرها، ومعالجة المدخلات تحليلاً وتركيباً، والمقارنة بينها، وتصنيفها وتقسميها...

- تهدف عمليّة تربية العقل وتنمية التفكير عند الطفل إلى تحقيق عدّة ملكات، منها: دقّة الملاحظة الحسّيّة، زيادة القدرة الذهنيّة على الفهم، ملكة استخدام المخزون المعرفيّ في إدارة الحياة وحلّ المشكلات، ربط مهارات التفكير باكتشاف الله تعالى وصفاته في الطبيعة والكون.

- ينبغي للمربّي رصد عادات الطفل الذهنيّة مع الأشياء، بطرح جملة أسئلة، مثل: هل يُكثر طفلي من إثارة الاستفهامات؟ هل يحفظ المعلومات بسرعة؟ هل يتمتّع بدقّة الملاحظة الحسّيّة ويهتمّ بالتفاصيل؟ هل يدعم آراءه بالشواهد والأدلّة؟ هل يتعلّم من أخطائه ولا يكرّرها؟

- من أهمّ أساليب تنمية التفكير عند الطفل هو تعزيز الجرأة الأدبيّة على السؤال، والتفاعل الإيجابيّ مع أسئلة الطفل، وتجنّب إشعاره بسذاجة أسئلته والسخرية منها.

- ينبغي تعويد الطفل العصف الذهنيّ، وتبادل الآراء والخبرات ضمن مجموعة من الأطفال، في الصفّ أو المنزل أو الجمعيّة الكشفيّة... فذلك يؤدّي إلى انفتاح ذهنه على معلومات جديدة، ويشجّعه على إبداء رأيه، ويضعف من نزعة الاستبداد بالرأي، وينمّي حسّ تقبّل النقد.

- ينبغي تنمية حسّ تعامل الطفل مع المعلومات، من خلال تعويده فهمها، ولا مجرّد حفظها، والتحقّق من مصداقيّتها.

- من الأصول المهمّة في تربية العقل، تدريب الطفل على التحلّي بالفضائل والتخلّي عن الرذائل، لارتباطها بشكل وثيق بعمليّة تنمية التفكير الإيجابيّ، وإقصاء التفكير السلبيّ.

- من المسائل التي ينبغي الالتفات إليها في تربية العقل والتفكير، طبيعة غذاء الطفل، وقد عرضت بعض الأحاديث والروايات أنواعاً من تلك الأطعمة والأشربة، كالقرع، والسفرجل، والعسل، والرّمان.
 
 
 
213

174

الدرس الثالث عشر: تربية العقل وتنمية مهارات التفكير

 أسئلة الدرس


- لماذا تتمتّع تربية العقل وتنمية مهارات التفكير بأهمّيّة خاصّة في بناء شخصيّة الطفل؟ اذكر ثلاثة مبرّرات.
- هل توافق على أنّ تربية التفكير تؤدّي دوراً مهمّاً في التعرّف إلى الله تعالى والارتباط به؟ علّل ذلك.
- ما هي أهمّيّة تنمية نزعة السؤال والاستفهام عند الطفل؟ وأيّ آثار سلبيّة تنتج من قمع روحيّة السؤال عند الطفل، أو الاستخفاف بأسئلته والاستهزاء بها، أو إجابته بشكل خاطئ عنها؟
- عن الإمام عليّ عليه السلام، أنّه قال: "غير منتفع بالحكمة عقل معلول بالغضب والشهوة"، اذكر من خلال تحليل مضمون هذا الحديث، دور الأخلاق في تربية التفكير؟ مدعِّماً رأيك بالشواهد والقرائن.
- ما هو الدور الذي تؤدّيه التغذية السليمة للطفل في تنمية طاقة العقل على الفهم والذكاء والتذكّر...؟ اذكر نموذجاً من آراء أهل الاختصاص في الطبّ والتغذية في هذا المجال.
- اطرح نموذجاً على لعبة تنمّي مهارات التفكير عند الطفل.
 
 
 
 
 
214

175

الدرس الرابع عشر: التربية العقائديّة (1) منهج الفطرة التوحيديّة

 الدرس الرابع عشر

التربية العقائديّة (1) منهج الفطرة التوحيديّة


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يُعرِّف التربية العقائديّة وأبعادها.
2- يبيّن أهمّيّة التربية العقائديّة في بناء شخصيّة الطفل.
3- يستدلّ على فطريّة الإحساس الدينيّ عند الطفل.
4- يحدّد معالم منهج التربية بالفطرة التوحيديّة.
 
 
 
 
 
 
217

176

الدرس الرابع عشر: التربية العقائديّة (1) منهج الفطرة التوحيديّة

 ضرورة التربية الدينيّة للطفل

أهمّ حقوق الطفل على والديه تربيته على الدين الحقّ عقيدة وقيماً وشريعة، أو كما أطلقت عليها بعض الروايات اسم: تبصير الطفل بدين الإسلام.

ففي التفسير المرويّ عن الإمام الحسن العسكريّ، أنّ الله عزّ وجلّ يوم القيامة يقول1: "... واكسوا والديه حلّة لا تقوم لها الدنيا بما فيها. فينظر إليهما الخلائق فيعظّمونهما2، وينظران إلى أنفسهما فيعجبان منها، ويقولان: يا ربّنا، أنّى لنا هذه ولم تبلغها أعمالنا؟ فيقول الله تعالى: ومع هذا تاج الكرامة، لم يرَ مثله الراؤون، ولم يسمع بمثله السامعون، ولا يتفكّر في مثله المتفكّرون. فيقال: هذا بتعليمكما ولدكما القرآن، وبتبصيركما إيّاه بدين الإسلام، ورياضتكما إيّاه على حبّ محمّد رسول الله، وعليّ ولي الله (صلوات الله عليهما)، وتفقيهكما إيّاه بفقههما، لأنّهما اللّذان لا يقبل الله لأحد عملاً إلّا بولايتهما، ومعاداة أعدائهما، وإن كان ملء ما بين الثرى إلى العرش ذهباً تصدّق به في سبيل الله..."3.

لكن، مع شديد الأسف، نلاحظ بعض أولياء الأطفال يعطون التربية الرياضيّة أو الغذائيّة أو الفنيّة أو التجمّليّة... إلخ، قسطاً من الأهمّيّة يزيد على التربية الدينيّة للطفل،
 
 

1- بداية الرواية: "(وبشرى للمؤمنين) يعني بشارة لهم في الآخرة، وذلك أنّ القرآن يأتي يوم القيامة بالرجل الشاحب يقول لربّه عزّ وجلّ: [يا ربّ] هذا أظمأت نهاره، وأسهرت ليله، وقويت في رحمتك طمعه، وفسحت في مغفرتك أمله، فكن عند ظنّي [فيك] وظنّه. يقول الله تعالى: أعطوه الملك بيمينه، والخلد بشماله، وأقرنوه بأزواجه من الحور العين...". وتتمة الرواية في متن الدرس.
2- في نسخة أخرى: فيغبطونهما.
3- العلامة المجلسي، بحار الانوار، ج7، ص306.
 
 
 
219

177

الدرس الرابع عشر: التربية العقائديّة (1) منهج الفطرة التوحيديّة

 بل بعضهم لا يهتمّ بها رأساً، مع أنّها من أهمّ المسؤوليّات التي ينبغي لوليّ الطفل أداؤها والقيام بها تجاهه.


وتشمل التربية الدينيّة كما ذكرنا ثلاثة أبعاد: التربية العقائديّة، والتربية الأخلاقيّة، والتربية الفقهيّة. ورأس هرمها التربية العقائديّة. 

معنى التربية العقائديّة
تنطوي التربية العقائديّة للطفل على بعدين: الأول موجِب أي القيام بكلّ ما من شأنه إعداد نفسه وتهيئتها لقبول أصول العقائد الدينيّة الحقّة والإيمان بها: (التوحيد، النبوّة، الإمامة، المعاد، وتنمية حسّ ارتباط الطفل بوجود قوّة عظمى خلقت هذا الكون، وتدبّر شؤونه.

عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام، قال: "وأمّا حقّ ولدك، فأن تعلم أنّه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وأنّك مسؤول عمّا وُلّيته من حسن الأدب والدلالة على ربّه عزّ وجلّ"1.

والثاني سالب، أي إبعاد الطفل عن البيئة التي تشتمل على عقائد باطلة أو منحرفة، وتنبيهه إليها وتحذيره منها، خصوصاً في مجتمع متعدّد الأديان، أو تكثر فيه الشبهات.

أهمّيّة التربية العقائديّة في حياة الطفل
تؤدّي التربية العقائديّة السليمة دوراً حيويّاً في بناء هويّة الطفل، من خلال تحقيق الأمور التالية:
- تشبع حسّ فضول الاستفهام والمعرفة عند الطفل، عن الأسئلة الكونيّة والحياتيّة التي لها صبغة ما ورائيّة، خصوصاً في مرحلة السبع الثانية من حياته، عندما يسأل عن الخالق وشكله ومكانه...، أو ما يبدو شرّاً في العالم، كالموت والأمراض والزلازل والفيضانات...

- تعزّز الصحّة النفسيّة بما تمنحه من شعور بالأمان والطمأنينة وسكون النفس،
 

1- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص622.
 
 
 
 
220

178

الدرس الرابع عشر: التربية العقائديّة (1) منهج الفطرة التوحيديّة

 فيزول عنه الاضطراب والقلق من المستقبل، لأنّ الدين الحقّ يعطي للحياة تفسيراً ذا هدف ومغزى ومعنى، فلا يؤدّي ذلك إلى تولّد النزعة العدميّة والشعور بالضياع في نفس الطفل.


يُنقل عن كارل يونج - مؤسّس علم النفس التحليليّ - أنّه يقول: "إنّ انعدام الشعور الدينيّ يسبّب كثيراً من مشاعر القلق والخوف من المستقبل، والشعور بعدم الأمان والنزوع نحو النزعات المادّية البحتة، كما يؤدّي إلى فقدان الشعور بمعنى هذه الحياة ومغزاها، ويؤدّي ذلك إلى الشعور بالضياع"1.

- تكسبه القوّة في الحياة، والشجاعة والثقة بالنفس، نتيجة شعوره بالمعيّة الإلهيّة، وهذا ما نلمسه في حياة الأنبياء عليهم السلام. فيوسف عليه السلام، ذلك الطفل الذي كان في التاسعة من عمره، حين ألقاه إخوته في غيابت الجُبّ، والتقطه بعض السيّارة وأُخرج عليه السلام من البئر، قال لهم قائل: استوصوا بهذا الغريب خيراً، فقال لهم يوسف: "من كان مع الله فليس عليه غربة"2.

أسئلة حول التربية العقائديّة للطفل
إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ بعض الباحثين يعتقد أن التربية العقائديّة للطفل تتجاوز قدراته الذهنيّة وتفوق استيعابه، فقد يقال إنّها تؤدّي إلى انعكاسات سلبيّة على بناء شخصيّته، أو قد يقال إنّ بعض علماء مدرسة الإماميّة يعتقدون بأنّ المطلوب في الإيمان العقائديّ تحصيل اليقين عن دليل لا عن تقليد، وبالتالي فالتربية العقائديّة للطفل تصادر حرّيّته مستقبلاً في اختيار العقيدة التي يريد عن بحث وتنقيب؛ يصبح من حقّ الباحث التربويّ أن يطرح بعض الأسئلة حول التربية العقائديّة للطفل، مثل: هل يستوعب الجهاز الإدراكيّ للطفل المسائل العقائديّة حتّى نربّيه عليها؟ وفي أيّ مرحلة عمريّة ننطلق بعمليّة التربية العقائديّة للطفل؟ وما هي طبيعة القضايا العقائديّة التي نبدأ بتعريفه بها؟ وما
 
 

1- نقلاً عن: العيسويّ، عبد الرحمن، دراسات في تفسير السلوك الإنسانيّ، ص193.
2- الزمخشري، ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، عبد الأمير مهنا، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1412 - 1992م، ط1،ج3، ص5.
 
 
 
 
221

179

الدرس الرابع عشر: التربية العقائديّة (1) منهج الفطرة التوحيديّة

 هو الأسلوب الذي نعتمده في تقديم المسائل العقائديّة للطفل؟...إلخ.


وفي الحقيقة، إنّ الجواب عن هذه الأسئلة، لا يمكن أن يتّضح إلّا بالعودة إلى تحديد النظرة إلى طبيعة الطفل، وموقع الشعور الدينيّ منها. لذا، سنبدأ من مقدّمات مبنائيّة ترسم لنا معالم منهج التربية العقائديّة المطلوبة للطفل.

مناهج التربية العقائديّة
إنّ رأس هرم المعارف العقائديّة والإيمان الدينيّ هو الاعتقاد بوجود الله تعالى وتوحيده، ويمكن الانطلاق في التعامل مع مسألة وجود الله تعالى من خلال مناهج عدّة، لأنّ الطرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق، ومن أهمّها منهجان:
الأوّل: يعتبر أنّ الإيمان بالله تعالى وتحصيل المعرفة به مسألة نظريّة، تحتاج إلى بذل جهد عقليّ وإجراء عمليّة استدلاليّة فكريّة معمّقة، وهو المنهج الذي يسلكه الفلاسفة والمتكلّمون في كتبهم، إذ يقيمون الأدلّة المعقّدة لإثبات وجود الله تعالى، فنسمع على ألسنتهم: برهان الصدّيقين، دليل الإمكان، دليل الحدوث...، ومصطلحات مثل: بطلان الدور، واستحالة التسلسل... إلخ.

وهذه الطريقة في التعريف بالله تعالى، تقوم على مخاطبة العقل الخالص، وهي بعيدة عن أفهام عامّة الناس، فضلاً عن أذهان الأطفال.

الثاني: يعتبر أنّ الإيمان بالله تعالى مسألة فطريّة قد جُبلت عليها كلّ نفس إنسانيّة بأصل الخلقة والتكوين، ويلتفت إليها الإنسان بأدنى تأمّل. فكلّ إنسان يشعر في داخله بحسّ الانجذاب إلى قوّة عظمى في هذا الكون، لكن قد يغفل عن هذه الفطرة نتيجة بعض العوامل الخارجيّة التي تَعرض عليه، وعمليّة إيقاظ الإنسان من سباته وغفلته تحتاج إلى منبّهات وجدانيّة تثير دفائن فطرته، من دون الدخول في عمليّة استدلاليّة تعقّد الإيمان بالله تعالى.

فهذا المنهج يعتمد على محاكاة الوجدان البشريّ والفطرة الداخليّة، وقد سلكه عامّة الناس في حياتهم الإيمانيّة في خطّ علاقتهم بالله تعالى. فمثلاً لمّا أراد المحقّق الدوّانيّ كتابة
 
 
 
 
 
222

180

الدرس الرابع عشر: التربية العقائديّة (1) منهج الفطرة التوحيديّة

 رسالة في إثبات الواجب تعالى، قالت له أمّه: ما تكتب؟ فقال لها: رسالة في إثبات الله. فقالت له: أفي الله شكّ خالق السماوات والأرض1؟


كما سلكه أئمّة أهل البيت عليهم السلام في التربية العقائديّة، فقد قال رجل للإمام جعفر الصادق عليه السلام: "يا بن رسول الله، دلّني على الله ما هو؟ فقد أكثر عليّ المجادلون وحيّروني.

فقال (الإمام الصادق) له: يا عبد الله، هل ركبت سفينة قطّ؟
قال: نعم.
قال عليه السلام: فهل كُسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟
قال: نعم.
قال عليه السلام: فهل تعلّق قلبك هنالك أنّ شيئاً من الأشياء قادر على أن يخلّصك من ورطتك؟
فقال: نعم.
قال عليه السلام: فذلك الشيء هو الله القادر على الإنجاء حيث لا منجي، وعلى الإغاثة حيث لا مغيث"2.

وعلى كلّ حال، الذي يظهر من خلال رصد نصوص القرآن الكريم ومنهج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام واستقرائها، أنّهم يؤكّدون فعّاليّة المنهجين معاً، بمعنى أنّه لا تعارض بين المنهجين، وأنّ الإنسان يحتاج إليهما كليهما، إذ كلٌّ منهما يوصل إلى الله تعالى، ولكنّ كلّ منهج يناسب أهله، لأنّه لكلّ مقام مقال، ومعاشر الأنبياء مأمورون بمخاطبة الناس على قدر عقولهم، وهذا يستلزم أن ينظر المربّي أثناء تعليم العقيدة والتربية على مضامينها إلى أمرين: المرحلة العمريّة للمخاطَب أولاً، وطبيعة جهازه الإدراكيّ ومدارك أفهامه ثانياً.

والأسلوب الأصلح لتربية الطفل عقائديّاً ينبغي أن يبدأ من منهج الفطرة التوحيديّة،
 

1- الجزائريّ، نعمة الله الموسويّ، الأنوار النعمانيّة، ج1، ص4.
2- الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، التوحيد، تصحيح وتعليق: السيد هاشم الحسيني الطهراني، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، لا.ت، لا.ط،ص231.
 
 
 
 
223

181

الدرس الرابع عشر: التربية العقائديّة (1) منهج الفطرة التوحيديّة

 أي العمل على تفتّح فطرة الطفل ودفعها بالاتجاه الإيمانيّ الصحيح، ثم يُتدرَّج معه خطوة خطوة باتجاه تنشيط حركة العقل لاكتشاف الحقّ.


الفطرة التوحيديّة في نفس الطفل
عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "قال موسى بن عمران عليه السلام: يا ربّ، أيّ الأعمال أفضل عندك؟ فقال عزّ وجلّ: حبّ الأطفال، فإنّي فطرتهم على توحيدي، فإن أمّتهم أدخلتهم برحمتي الجنّة"1.

وقد أكّد القرآن الكريم وأحاديث النبيّ وأهل البيت عليهم السلام فطريّة معرفة الله تعالى في النفس البشريّة.

عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: "سألته عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ2, قال عليه السلام: الحنيفيّة من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، لا تبديل لخلق الله. قال: فطرهم على المعرفة به.

قال زرارة: وسألته عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى﴾3.

قال عليه السلام: أخرج من ظهر آدم ذرّيّته إلى يوم القيامة، فخرجوا كالذرّ، فعرّفهم وأراهم نفسه، ولولا ذلك لم يعرف أحدٌ ربَّه.

وقال عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كلّ مولود يولد على الفطرة، يعني المعرفة بأنّ الله عزّ وجلّ خالقه، كذلك قوله: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ4"5

فهذه الرواية التي جمعت في طيّاتها بعض الآيات، خير شاهد على كون معرفة الله
 

1- البرقي، المحاسن، ج1، ص293.
2- سورة الحج، الآية31.
3- سورة الأعراف، الآية 172.
4- سورة لقمان، الآية 25.
5- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص13.
 
 
 
224

182

الدرس الرابع عشر: التربية العقائديّة (1) منهج الفطرة التوحيديّة

 تعالى مجبولة في داخل كلّ نفس بشريّة بأصل الخلقة والتكوين. وقد ثبت في مباحث الحكمة المتعالية، أنّ المعلول المجرّد كالنفس الإنسانيّة، له علم حضوريّ بعلّته على قدر سعته الوجوديّة، والله تعالى هو علّة جميع الموجودات.


ويقول تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ1. وقد أطلقت بعض الآيات على هذه الفطرة اسم: "صبغة الله"، قال تعالى: ﴿صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ2. فالصبغة تعبير قرآنيّ عن أنّ الإنسان مخلوق بلون خاصّ من الميول والمعارف الممزوجة في جوهر ذاته، وليس كائناً بلا لون وبلا صبغة، ومن أهمّ الميول الفطريّة التي تلوّنت وصُبغت بها نفس الطفل بأصل التكوين، هي المعرفة بالله تعالى وتوحيده3.

عن زرارة، قال: "سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ قال عليه السلام: فطرهم على معرفة أنّه ربّهم، ولولا ذلك لم يعلموا إذا سُئلوا، من ربّهم، ولا من رازقهم"4.

وفي تفسير هذه الآية روايات عدّة تتضمّن المعنى ذاته، مثل: "فُطروا على التوحيد"، "فطر الله الخلق على معرفته"5...

ومنها: عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ﴾6 قال عليه السلام: "كان ذلك معاينة لله، فأنساهم المعاينة، وأثبت الإقرار في صدورهم، ولولا ذلك ما عرف أحدٌ خالقه ولا رازقه، وهو قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾7"8.
 
 

1- سورة الروم، الآية30.
2- سورة البقرة، الآية 138.
3- يراجع حول روايات صبغة الله: الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص14.
4- البرقي، المحاسن، ج1، ص241.
5- يراجع: المصدر نفسه.
6- سورة الأعراف، الآية 172.
7- سورة لقمان، الآية 25.
8- المصدر نفسه، ج1، ص281.
 
 
 
225

183

الدرس الرابع عشر: التربية العقائديّة (1) منهج الفطرة التوحيديّة

 إلخ من الروايات التفسيريّة التي تفيد هذا المعنى من القرآن الكريم.


بل يظهر من بعض النصوص الدينيّة، أنّ الله تعالى قد زيّن الإيمان الدينيّ عامّة بشكل فطريّ في قلب الإنسان، منها: عن الحسن بن زياد قال: "سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾1, هل للعباد بما حبّب صنع؟ قال عليه السلام: لا، ولا كرامة"2.

وهذه المعرفة العيانيّة والفطريّة بالله تعالى، قابلة للتحرّك إما صعوداً باتجاه التفتّح والتكامل والتسامي، وإما هبوطاً، بأن تُطوى في صفحات الغفلة وتُدفن في غيابت جُبّ النسيان، وتؤدّي أنماط تربية الطفل وأساليبها دوراً مهمّاً في هذا المجال.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنّه قال: "ما من مولود إلّا يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه..."3.

وعن حفيده الإمام الصادق عليه السلام: "ما من مولود إلّا يولد على الفطرة، فأبواه اللّذان يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه"4.

وبعبارة أخرى: إنّ الله تعالى جهّز وجدان الطفل بشكل فطريّ في الاهتداء والوصول إلى معرفة الله تعالى والإيمان به، لكنّ الفطرة بحدّ نفسها ليست عنصراً مستقلّاً وكافياً في ذلك. ولذا، يبقى الطفل في وصوله إلى معرفة الله يحتاج إلى معين خارجيّ، وهو هداية المربّي الذي يعمل على إنضاج تلك الفطرة كطاقة داخليّة في نفس الطفل، في ضوء ما تقضي به طبيعته وتستدعيه ذاته. وبناءً عليه، ينبغي للمربّي اعتماد منهج الفطرة التوحيديّة، باستثارة هذه المعرفة الكامنة في نفس الطفل عن الله تعالى.

إبعاد الطفل عن البيئة العقائديّة المنحرفة
قلنا إنّ تربية الطفل عقائديّاً تستلزم تعريفه بالعقيدة الحقّة من جهة، وتستلزم من
 

1- سورة الحجرات، الآية 7.
2- البرقي، المحاسن، ج1، ص199.
3- صحيح البخاريّ، ج2، ص97.
4- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص49، ح1668.
 
 
 
 
226

184

الدرس الرابع عشر: التربية العقائديّة (1) منهج الفطرة التوحيديّة

 جهة ثانية إبعاده عن أجواء الفساد العقائديّ، وتحصينه من أفكار البيئة المنحرفة.


عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة"1.

وعن الإمام عليّ عليه السلام، قال: "علّموا صبيانكم (من علمنا) ما ينفعهم الله به، لا تغلب عليهم المرجئة"2.

قال الفيض الكاشانيّ تعليقاً على هذه الرواية: "يعني علّموهم في شرخ شبابهم، بل في أوائل إدراكهم وبلوغهم التمييز، من الحديث ما يهتدون به إلى معرفة الأئمّة عليهم والتشيع، قبل أن يغويهم المخالفون ويدخلوهم في ضلالتهم، فيتعسّر بعد ذلك صرفهم عن ذلك"3.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدونهم، فإنّ الغلاة شرّ خلق الله، يصغّرون عظمة الله، ويدّعون الربوبيّة لعباد الله. والله إنّ الغلاة شرّ من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا"4.

والرواية، وإن كانت واردة في الشباب، إلّا أنّ فهم عدم الخصوصيّة قريب جدّاً بالأولويّة القطعيّة، لأنّ نفس الطفل أسرع إلى الانفعال. كما أنّ الطفل سرعان ما يصبح شابّاً. وعلى كلّ حال، موضع الشاهد في الرواية، هو الحثّ على لزوم الحذر على الأبناء من البيئة المنحرفة عقائديّاً.

فعلى الوالدين أن يبعدا الطفل عن البيئة المنحرفة عقائديّاً، ويحسنا اختيار البيئة الصالحة للنموّ العقائديّ السليم للطفل، سواء البيئة السكنيّة أو المدرسيّة أم الكشفيّة أو الرياضيّة... إلخ.
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص47.
2- ابن شعبة الحراني، تحف العقول ، ص104.
3- الفيض الكاشاني، المولى محمد محسن، الوافي، عني بالتحقيق والتصحيح والتعليق عليه والمقابلة مع الأصل ضياء الدين الحسيني "العلامة" الأصفهاني، مكتبة الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام العامة - أصفهان، 1406ه، ط1،ج23، ص1381.
4- الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص650.
 
 
 
227

185

الدرس الرابع عشر: التربية العقائديّة (1) منهج الفطرة التوحيديّة

 وذكرنا في الجزء الأوّل1، أنّ هذا أحد وجوه ما نفهمه من أحاديث النبيّ، المتضمّنة أنّه من جملة حقوق الأولاد على آبائهم وضعهم موضعاً حسناً.


منها: عن أبي الحسن موسى عليه السلام، قال: "جاء رجل إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول اللَّه، ما حقّ ابني هذا؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: تحسن اسمه وأدبه، وضعه موضعاً حسناً"2.

وينبغي أن يكون الأكثر حذراً في هذا المجال، العائلات والأسر المسلمة التي تعيش في محيط غير مسلم، وتحديداً التي تعيش في الغرب، حيث ينمو الطفل ويتربّى في مدارس غربيّة، فينشأ على مفاهيم وتصوّرات تحرفه عن عقيدته، وهذا يضع الأهل أمام مسؤوليّات إضافيّة في التحصين العقائديّ للطفل من جهة، ومحاولة إبعاده عن البيئة المنحرفة عقائديّاً مهما أمكن من جهة ثانية.

وفي حال عدم التمكّن من تحصين الأطفال عقائديّاً بسبب الوجود في الغرب أو البيئة المنحرفة، يفتح هذا التحدّي البيئويّ من عدم القدرة على القيام بالواجبات الدينيّة العقائديّة، باب ضرورة تطبيق مفهوم الهجرة أمام الأسرة المسلمة في الغرب، بالانتقال إلى بلد تستطيع فيه أداء مسؤوليّة تربية الطفل على الدين الحقّ.

يقول السيّد عليّ السيستانيّ حفظه الله: "يجب على المهاجر المسلم المتوطّن في البلاد غير الإسلاميّة، العودة إلى البلدان الإسلاميّة إذا علم أن بقاءه بها يؤدّي إلى نقصان دينه، أو دين أولاده الصغار"3.

والبحث حول هذه النقطة يحتاج إلى تفصيل خارج عن سياق الكتاب.
 

1- انظر: الجزء الأوّل، الدرس السابع عشر: تأثير البيئة البشريّة والطبيعيّة في هويّة الطفل.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص48.
3- فقه للمغتربين، ص55.
 
 
 
228

186

الدرس الرابع عشر: التربية العقائديّة (1) منهج الفطرة التوحيديّة

 المفاهيم الرئيسة


- أهمّ حقوق الطفل على والديه تربيته على الدين الحقّ عقيدة وقيماً وشريعة، وقد ورد في الروايات أنّ الوالدين اللّذين يفعلان ذلك، يُكسيان من حلّة لا تقوم لها الدنيا بما فيها، فينظر إليهما الخلائق فيعظّمونهما.

- من حقّ الباحث التربويّ أن يسأل: هل يستوعب الجهاز الإدراكيّ للطفل المسائل العقائديّة حتّى نربّيه عليها؟ وفي أيّ مرحلة عمريّة يكون ذلك؟ وما هي طبيعة القضايا العقائديّة؟ والأسلوب الذي ينبغي اعتماده في تقديمها للطفل؟

- تنطوي التربية العقائديّة للطفل على بعدين: الأول موجِب: أي القيام بكلّ ما من شأنه إعداد نفسه وتهيئتها لقبول أصول العقائد الدينيّة الحقّة. والثاني سالب، أي إبعاد الطفل عن البيئة التي تشتمل على عقائد باطلة أو منحرفة.

- تؤدّي التربية العقائديّة السليمة دوراً حيويّاً في بناء هويّة الطفل، إذ تشبع حسّ المعرفة عن الأسئلة الكونيّة والحياتيّة التي لها صبغة ما ورائيّة، كالسؤال عن الخالق والموت، وتعزّز الصحّة النفسيّة، لأنّ الإيمان الدينيّ يعطي للحياة تفسيراً ذا هدف، ويدفع النزعة العدميّة.

- أهمّ منهجين في التربية العقائديّة: الأول يعتبر أن الإيمان بالله تعالى وتحصيل المعرفة به مسألة استدلاليّة فكريّة معمّقة، وهذه الطريقة بعيدة عن أذهان الأطفال. والثاني يعتبر أنّ الإيمان بالله جذبة داخليّة يشعر بها كلّ إنسان، ويُطلق عليها اسم الفطرة التوحيديّة. فعن النبيّ موسى بن عمران عليه السلام، قال: "يا ربّ، أيّ الأعمال أفضل عندك؟ فقال عزّ وجلّ: حبّ الأطفال، فإنّي فطرتهم على توحيدي، فإن أمّتهم أدخلتهم برحمتي الجنّة". وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كلّ مولود يولد على الفطرة، يعني المعرفة بأنّ الله عزّ وجلّ خالقه".

- إنّ الله تعالى جهّز وجدان الطفل بشكل فطريّ في الاهتداء والوصول إلى معرفته تعالى والإيمان به، لكنّ الفطرة بحدّ نفسها ليست عنصراً مستقلّاً وكافياً في ذلك. ولذا، يبقى الطفل في وصوله إلى معرفة الله يحتاج إلى معين خارجيّ، وهو هداية المربّي الذي يعمل على إنضاج تلك الفطرة كطاقة داخليّة في نفس الطفل.

- عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة". هذه الرواية وأشباهها تحثّ الآباء على ضرورة إبعاد الطفل عن البيئة المنحرفة عقائديّاً، ووجوب اختيار البيئة الحاضنة للنموّ العقائديّ السليم للطفل، سواء البيئة السكنيّة أو المدرسيّة أو الكشفيّة أو الرياضيّة... إلخ.

- ينبغي للعائلات المسلمة التي تعيش في محيط غير مسلم، وتحديداً في الغرب، العمل على التحصين العقائديّ للطفل، وفي حال عدم التمكّن من ذلك، يفتح هذا التحديّ البيئويّ، باب ضرورة تطبيق مبدأ الهجرة إلى بلد يمكن فيه أداء مسؤوليّة تربية الطفل على الدين الحقّ.
 
 
 
 
229

187

الدرس الرابع عشر: التربية العقائديّة (1) منهج الفطرة التوحيديّة

 أسئلة الدرس


- هل تعتبر أنّ التربية العقائديّة أهمّ من ساحات التربية المضافة الأخرى؟ لماذا؟ اذكر ثلاثة أسباب.
- ما هي التربية العقائديّة؟ وإلى كم قسماً تنقسم؟
- عدِّد بعض الآثار الإيجابيّة التي تتركها التربية العقائديّة على الصحّة النفسيّة للطفل؟
- اذكر ثلاث آيات يمكن الاستدلال بها على أنّ انجذاب الطفل نحو الله تعالى، أمر فطريّ مجبول في داخله؟
- إذا كان الإحساس بالله تعالى أمراً فطريّاً، فلماذا نربّي الطفل على معرفة الله؟
- ما هو الدور الذي تؤدّيه البيئة المنحرفة عقائديّاً في هويّة الطفل؟ اذكر نموذجين على ذلك من الروايات.
- ما هي مسؤوليّات الأسرة المسلمة في الغرب تجاه التربية العقائديّة للأطفال؟
 
 
 
 
230

188

الدرس الخامس عشر: التربية العقائديّة (2) الأصول والميادين

 الدرس الخامس عشر

التربية العقائديّة (2)  الأصول والميادين


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يذكر المسؤوليّات العقائديّة للأسرة المسلمة تجاه الطفل.
2- يحدِّد بداية المرحلة العمريّة للتربية العقائديّة للطفل.
3- يعرض أصول التربية العقائديّة وأساليبها.
4- يبيّن ميادين التربية العقائديّة.
 
 
 
 
 
233

189

الدرس الخامس عشر: التربية العقائديّة (2) الأصول والميادين

 تمهيد

تقدّم في الدرس السابق أنّه ينبغي اعتماد المنهج الفطريّ التوحيديّ في التربية العقائديّة للطفل، وتبقى مجموعة أسئلة لا بدّ من الإجابة عنها، مثل: من أيّ مرحلة عمريّة تبدأ هذه العمليّة؟ 

وكيف يستثير المربّي الفطرة التوحيديّة في نفس الطفل؟ وما هي الأصول والأساليب المعتمدة في التربية العقائديّة؟

الطفولة المبكرة 3 سنوات، بداية مرحلة التربية العقائديّة
يظهر من بعض الروايات أنّ الطفولة المبكرة، 3 سنوات، هي مبتدأ المرحلة العمريّة لاعتماد التربية العقائديّة للطفل.

روى عبد الله بن فضالة، عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما السلام، قال: سمعته يقول: "إذا بلغ الغلام ثلاث سنين، يقال له: قل: لا إله إلا الله سبع مرّات. ثم يُترك حتّى يتمّ له ثلاث سنين وسبعة أشهر وعشرون يوماً، فيقال له: قل: محمّد رسول الله سبع مرّات. ويُترك حتّى يتمّ له أربع سنين، ثم يقال له: قل سبع مرات: صلّى الله على محمّد وآله..."1.

وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أفصح أولادكم، فعلّموهم لا إله إلا الله..."2.

وأفصح الطفل في منطقه إفصاحاً، إذا فَهِمْتَ ما يقول في أوّل ما يتكلّم3، وهو عادة ما يحصل في سنّ الثالثة.
 

1- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص281، ح863.
2- كنز العمّال، ج16، ص440.
3- ابن منظور، لسان العرب، ج2، ص544.
 
 
235

190

الدرس الخامس عشر: التربية العقائديّة (2) الأصول والميادين

 أصول التربية العقائديّة للطفل وأساليبها

يمكن طرح أصول وأساليب عدّة يستفيد المربّي منها في التربية العقائديّة للطفل:
1- أسلوب التلقين اللفظيّ:
عبارة عن تعويد الطفل أن يكرّر بعض الجمل العقائديّة على المستوى اللفظيّ، حتّى لو لم يدرك مضامينها ومدلولاتها، مثل تكرار قول: لا إله إلا الله، أو محمّد رسول الله أو عليّ وليّ الله...، حتى ترسخ هذه المقولة أو تلك في نفس الطفل ويحفظها عن ظهر قلب، فإنّ تلقين الطفل وتعويده تكرار قول لا إله إلا الله وحفظه، له دور مؤثّر في تفتّح الحسّ الإيمانيّ بالله تعالى.

وهذا الأسلوب واضح الاعتماد في رواية عبد الله بن فضالة السابقة.

وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "من ربّى صغيراً حتّى يقول: لا إله إلا الله، لم يحاسبه الله"1.

وفي هذا السياق، يأتي أسلوب تعويد الطفل المميّز وتدريبه على قراءة آيات القرآن والأحاديث والأدعية التي تشتمل على مضامين عقائديّة تربط الطفل بقوّة عظمى في هذا الكون وحفظها، كما في دعاء الجوشن الكبير المرويّ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا مَن فِي السَّماءِ عَظَمَتُهُ، يا مَن فِي الأَرضِ آياتُهُ، يا مَن في كُلِّ شَيء دَلائِلُهُ، يا مَن فِي البِحارِ عَجائِبُهُ، يا مَن فِي الجِبالِ خَزائِنُهُ، يا مَن يَبدَأُ الخَلقَ ثُمَّ يُعيدُهُ، يا مَن إِلَيهِ يَرجِعُ الأَمرُ كُلُّهُ، يا مَن أَظهَرَ في كُلِّ شَيءٍ لُطفَهُ، يا مَن أَحسَنَ كُلَّ شَيءٍ خَلقَه، يا مَن تَصَرَّفَ فِي الخَلائِقِ قُدرَتُهُ"2.

2- أسلوب تنمية الشعور بقانون السببيّة العامّ:
يهتدي الحيوان بغريزته التي أودعها الله تعالى فيه إلى وجود ارتباط بين الأشياء، فيهرب من النار لشعوره بأنّها محرقة، ويلتفت إلى الصوت إذا صدر من مكان ما، لشعوره بوجود ذي الصوت في ذلك المكان... إلخ، فميكانيكا ذهن الحيوان تعمل في ضوء قانون السببيّة، وإن لم يدرك ذلك بصورة واعية، وهكذا هو حال الطفل. وهذا دليل واضح على فطريّة الشعور بقانون
 

1- مجمع الزوائد، ج8، ص159. والطبرانيّ، المعجم الأوسط، ج5، ص130.
2- الشيخ إبراهيم الكفعمي، المصباح (جنة الأمان الواقية وجنة الايمان الباقية)، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1403ه - 1983م، ط3،ص254.
 
 
 
 
236

191

الدرس الخامس عشر: التربية العقائديّة (2) الأصول والميادين

 السببيّة العامّ، وإن لم يكن هذا الشعور ملتفَتاً إليه بنحو تفصيليّ واعٍ، وعلى المربّي أن يعمل على تنمية هذا الإحساس الغريزيّ في نفس الطفل، وتحويله شيئاً فشيئاً إلى شعور واعٍ بالعلم الحصوليّ.


ويحصل ذلك بتنشيط حسّ المعرفة والاكتشاف لدى الطفل، بأنّ وراء كلّ ظاهرة يكمن سبب ما، ترتبط تلك الظاهرة به، فالدخان أو الإحراق سببه النار، وصوت النباح سببه الكلب، وحركة أوراق الشجرة سببها الهواء، وأثر الأقدام يدلّ على عبور إنسان من المكان... إلخ، بحيث ينمّي لديه حسّ الربط بين الأشياء، وأنّ كلّ شيء له سبب هو المؤثّر في وجوده.

ثم يتدرّج في تنمية هذا الحسّ للطفل مع كلّ مرحلة عمريّة، وذلك بأن ينتقل معه من مجرّد عمليّة الربط بين الأشياء إلى عملية الربط بين خصوصيّات الأشياء وسببها، بمعنى أن يجعله يدرك بأنّ طبيعة الشيء وخصوصيّاته وصفاته ومميّزاته، تشير إلى طبيعة السبب والفاعل والمؤثّر في وجود ذلك الشيء. فإذا رأينا خطّاً سيّئاً نعرف أنّ الكاتب ليس محترفاً، وإذا رأينا رسماً عاديّاً نعرف أنّ الذي رسمه ليس فنّاناً ماهراً، وإذا رأينا مجموعة أحجار مصفوفة بطريقة عشوائيّة غير منظَّمة، نعرف أنّ طفلاً غير مميِّز قد رصفها... إلخ. وفي المقابل، إذا شاهدنا لوحة فنّيّة جميلة، نعرف أنّ الرسام ماهر ومحترف، وإذا نظرنا إلى شكل هندسيّ معماريّ منظّم نعرف أنّ الذي قام بهذا العمل مهندس بارع... إلخ، فيعرف حينها الطفل أن خصوصيّات الأثر تدلّ على خصوصيّات المؤثِّر.

وهكذا يمهّد الاعتقاد بقانون السببيّة العامّ، الطريق بشكل قويّ للإيمان بالله تعالى. وكنّا ذكرنا في درس تربية العقل، أنّ من جملة أهداف تنمية مهارات التفكير، ربط الطفل بالله تعالى، وذلك بتحقيق ملكة المقارنة والربط بين الأشياء بعلاقات خاصّة كالسببيّة، بنحو تؤدّي دوراً في تنمية الإحساس بالله تعالى والارتباط به.

والقصّة المشهورة للأعرابيّ الذي سُئِل عن الدليل على وجود الصانع، اعتمدت على
 
 
 
 
237

192

الدرس الخامس عشر: التربية العقائديّة (2) الأصول والميادين

 عنصر الإيمان القبليّ بقانون السببيّة العامّ، إذ قال: البعرة تدلّ على البعير، وآثار الأقدام تدلّ على المسير، أفسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج1، لا تدلّ على وجود اللطيف الخبير؟!


وهذا ما نلمسه في منهج أهل البيت عليهم السلام، فعندما سُئل أمير المؤمنين عليّ عليه السلام عن إثبات الصانع؟ أجاب: "البعرة تدلّ على البعير، والروثة تدلّ على الحمير، وآثار الأقدام تدلّ على المسير، فهيكل علويّ بهذه اللطافة، ومركز سفليّ بهذه الكثافة، كيف لا يدلّان على اللطيف الخبير؟!"2.

وفي هذا السياق، نلاحظ أنّ معظم أدلّة المتكلّمين على معرفة الله تعالى وصفاته، تعتمد على الإيمان القبليّ بقانون السببيّة العامّ، لأنّها براهين إنّيّة ينتقل فيها الذهن البشريّ من العلم بالمعلول وخصوصيّاته، إلى العلم بالعلّة وخصوصيّاتها.

أسلوب تنمية النزعة الحسّيّة التجريبيّة في التعرّف إلى الكائنات الطبيعيّة
تقدّم الحديث في بعض الدروس السابقة3، أنّ الإنسان بشكل عامّ كائن حسّيّ أكثر ممّا هو عقليّ، فكيف بالطفل؟ "وهذا يعني - على حدّ تعبير الشهيد الصدر - أنّ الحسّ أقدر على تربية الإنسان من النظر العقليّ المجرّد، ويحتلّ من جوانب وجوده وشخصيّته وأبعاد مشاعره وعواطفه وانفعالاته، أكثر ممّا يحتلّ العقل"4. وتنمية النزعة الحسّيّة الاستقرائيّة عند الطفل، تعني تعريف الطفل بالكائنات والظواهر التي تحيط به في عالم الطبيعة، والعناصر التي تتكوّن منها، والنظم التي تحكمها وتربط بين عناصرها وأجزائها، بنحو هادف لا أعمى... ثم التدرّج معه بتنمية حسّ التفكر والتأمّل في عجائب المخلوقات ودقائق صنعها، على نحو ينتقل ذهنه رياضيّاً في ضوء حساب الاحتمالات ومنطق الاستقراء إلى النتيجة المطلوبة، وهو مقدِّمة لأسلوب قانون السببيّة العامّ.
 
 

1- فجاج: الطريق الواسع الواضح بين جبلين.
2- العلامة المجلسي، بحار الانوار، ج3، ص55.
3- درس التربية بالقدوة والنموذج السلوكيّ، ودرس تربية العقل وتنمية مهارات التفكير.
4- موجز في أصول الدين، ص224-225.
 
 
 
238

193

الدرس الخامس عشر: التربية العقائديّة (2) الأصول والميادين

 وقد اعتمد القرآن الكريم والنبيّ وأهل البيت هذا المنهج، أي الملاحظة الحسّيّة والمشاهدة، ومن ثم التأمّل والتدبّر والنظر في عجائب صنع الله تعالى، كالنمل والطاووس والإبل والرياح والسحاب واختلاف الليل والنهار والنجوم وإحياء النبات... للتعرف إلى الله تعالى وصفاته والارتباط به. ويعبّر عن ذلك أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له، حيث يقول: "كفى بإتقان الصنع لها (أي للأشياء والمخلوقات) آية"1.


ويمكن أن نصطلح عليه اسم منهج المعرفة الآياتيّة الآفاقيّة.
يقول تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾2. وقال تعالى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾3، وسنعرض نموذجاً روائيّاً على ذلك، ومن أحبّ التفصيل فليراجع الكتب المفصّلة4.

عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: "... أَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى صَغِيرِ مَا خَلَقَ، كَيْفَ أَحْكَمَ خَلْقَه وأَتْقَنَ تَرْكِيبَه وفَلَقَ لَه السَّمْعَ والْبَصَرَ وسَوَّى لَه الْعَظْمَ والْبَشَرَ، انْظُرُوا إِلَى النَّمْلَةِ فِي صِغَرِ جُثَّتِهَا، ولَطَافَةِ هَيْئَتِهَا، لَا تَكَادُ تُنَالُ بِلَحْظِ الْبَصَرِ، ولَا بِمُسْتَدْرَكِ الْفِكَرِ،كَيْفَ دَبَّتْ عَلَى أَرْضِهَا، وصُبَّتْ عَلَى رِزْقِهَا، تَنْقُلُ الْحَبَّةَ إِلَى جُحْرِهَا، وتُعِدُّهَا فِي مُسْتَقَرِّهَا، تَجْمَعُ فِي حَرِّهَا لِبَرْدِهَا، وفِي وِرْدِهَا لِصَدَرِهَا، مَكْفُولٌ بِرِزْقِهَا مَرْزُوقَةٌ بِوِفْقِهَا، لَا يُغْفِلُهَا الْمَنَّانُ ولَا يَحْرِمُهَا الدَّيَّانُ، ولَوْ فِي الصَّفَا الْيَابِسِ والْحَجَرِ الْجَامِسِ، ولَوْ فَكَّرْتَ فِي مَجَارِي أَكْلِهَا فِي عُلْوِهَا وسُفْلِهَا، ومَا فِي الْجَوْفِ مِنْ شَرَاسِيفِ بَطْنِهَا، ومَا فِي الرَّأْسِ مِنْ عَيْنِهَا وأُذُنِهَا، لَقَضَيْتَ مِنْ خَلْقِهَا عَجَباً، ولَقِيتَ مِنْ وَصْفِهَا تَعَباً، فَتَعَالَى الَّذِي أَقَامَهَا عَلَى قَوَائِمِهَا، وبَنَاهَا عَلَى دَعَائِمِهَا، لَمْ يَشْرَكْه فِي فِطْرَتِهَا فَاطِرٌ، ولَمْ يُعِنْه عَلَى خَلْقِهَا قَادِرٌ، ولَوْ ضَرَبْتَ فِي مَذَاهِبِ فِكْرِكَ لِتَبْلُغَ غَايَاتِه مَا دَلَّتْكَ الدَّلَالَةُ إِلَّا عَلَى أَنَّ فَاطِرَ النَّمْلَةِ هُوَ فَاطِرُ
 

1- الشيخ الصدوق، التوحيد، ص71.
2- سورة فصّلت، الآية 53.
3- سورة الذاريات، الآيتان 20 21.
4- يراجع: الريشهري، موسوعة العقائد الإسلاميّة، ج3، ص117.
 
 
 
 
239

194

الدرس الخامس عشر: التربية العقائديّة (2) الأصول والميادين

 النَّخْلَةِ، لِدَقِيقِ تَفْصِيلِ كُلِّ شَيْءٍ، وغَامِضِ اخْتِلَافِ كُلِّ حَيٍّ، ومَا الْجَلِيلُ واللَّطِيفُ والثَّقِيلُ والْخَفِيفُ والْقَوِيُّ والضَّعِيفُ فِي خَلْقِه إِلَّا سَوَاءٌ.


وكَذَلِكَ السَّمَاءُ والْهَوَاءُ والرِّيَاحُ والْمَاءُ، فَانْظُرْ إِلَى الشَّمْسِ والْقَمَرِ، والنَّبَاتِ والشَّجَرِ، والْمَاءِ والْحَجَرِ، واخْتِلَافِ هَذَا اللَّيْلِ والنَّهَارِ، وتَفَجُّرِ هَذِه الْبِحَارِ، وكَثْرَةِ هَذِه الْجِبَالِ، وطُولِ هَذِه الْقِلَالِ، وتَفَرُّقِ هَذِه اللُّغَاتِ والأَلْسُنِ الْمُخْتَلِفَاتِ، فَالْوَيْلُ لِمَنْ أَنْكَرَ الْمُقَدِّرَ وجَحَدَ الْمُدَبِّرَ، زَعَمُوا أَنَّهُمْ كَالنَّبَاتِ مَا لَهُمْ زَارِعٌ، ولَا لِاخْتِلَافِ صُوَرِهِمْ صَانِعٌ، ولَمْ يَلْجَأوا إِلَى حُجَّةٍ فِيمَا ادَّعَوْا، ولَا تَحْقِيقٍ لِمَا أَوْعَوْا، وهَلْ يَكُونُ بِنَاءٌ مِنْ غَيْرِ بَانٍ؟!..."1.

فتنمية الحسّ التجريبيّ لدى الطفل في تعريفه بدقائق الأشياء وعجائبها ونظمها وهندستها... يؤدّي إلى ربطه بوجود قوى عظمى في هذا الكون، ويعزّز في نفسه الإيمان بالله تعالى وقدرته وعلمه...، وليس كما يظنّ البعض من أنّ تعزيز هذا الاتجاه يؤدّي إلى تغذية نزعة الإلحاد وإنكار وجود الله تعالى. وقد أتت محاولة السيّد محمّد باقر الصدر في كتابه "الأسس المنطقيّة للاستقراء"، لتؤكّد هذا المعنى، كما يظهر من العنوان الفرعيّ للكتاب: "دراسة جديدة للاستقراء، تستهدف اكتشاف الأساس المنطقيّ المشترك للعلوم الطبيعيّة والإيمان بالله"، أي على الارتباط بين تنشيط منهج الملاحظة الحسّيّة والاستقراء والتجربة، وبين ضرورة الإيمان بالله تعالى2، وقد استخدم في كتابه "المُرسِل الرسول الرسالة"، ما أسماه الدليل العلميّ القائم على منهج الاستقراء وحساب الاحتمالات، لما في الظواهر الطبيعيّة من عجائب الصنع ودقّة النظم، لإثبات وجود الله تعالى3.

أسلوب تنمية التأمّل في الذات
من ضمن أساليب تربية الطفل عقائديّاً توجيه اهتمامه إلى بدنه ثم نفسه، بالتأمّل فيهما والتدبّر في عجيب صنعهما، وهو ما أسّس له القرآن في الآيتين اللتين ذكرناهما سابقاً: (وفي أنفسهم)، (وفي أنفسكم)، ويمكن أن نصطلح عليه اسم منهج المعرفة الآياتيّة
 

1- نهج البلاغة، ص270-271، الخطبة: 185..
2- يراجع: الصدر، محمّد باقر، الأسس المنطقيّة للاستقراء، ص469-470.
3- يراجع: الصدر، محمّد باقر، المرسل الرسول الرسالة، ص20 وما بعد.
 
 
 
240

195

الدرس الخامس عشر: التربية العقائديّة (2) الأصول والميادين

 الأنفسيّة. ولذا، ركّزت الروايات في أنّ "من عرف نفسه عرف ربّه"1، كما رُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام.


فمعرفة الطفل ببدنه ونفسه وخصائصهما وعناصرهما وقواهما ودقّة صنعهما، تساهم في ارتباطه بربّه. بل من عرف ذاته، عرف ربّه بضدّ ما عرفها به. فمن عرف ذاته بالعجز والجهل والموت والفقر، عرف ربّه بالقدرة والعلم والحياة والغنى...2، وقد استخدم أهل البيت3 هذه المنهج في التعليم والتربية العقائديّة، وكذلك تلامذة مدرستهم.

عن هشام بن الحكم قال: "إِن سَأَلَ سائِلٌ فَقالَ: بِمَ عَرَفتَ رَبَّكَ؟ قُلتَ: عَرَفتُ اللهَ – جَلَّ جَلالُهُ – بِنَفسي، لأَنَّها أَقرَبُ الأَشياءِ إِلَيَّ، وذلِكَ أنّي أَجِدُها أبعاضاً مُجتَمِعَةً وأَجزاءً مُؤتَلِفَةً، ظاهِرَةَ التَّركيبِ، مُتَبَيَّنَةَ الصَّنعَةِ، مَبْنِيَّةً عَلى ضُروب مِنَ التَّخطيطِ وَالتَّصويرِ، زائِدَةً مِن بَعدِ نُقصان، وناقِصَةً مِن بَعدِ زِيادَة، قَد أُنشِئَ لَها حَواسُّ مُختَلِفَةٌ وجَوارِحُ مُتَبايِنَةٌ ؛ مِن بَصَر وَسمع وشَامٍّ وذائِق ولامِس، مَجبولَةً عَلَى الضَّعفِ وَالنَّقصِ وَالمَهانَةِ، لا تُدرِكُ واحِدَةٌ مِنها مُدرَكَ صاحِبَتِها ولا تَقوى عَلى ذلك، عاجِزَةً عِندَ اجتِلابِ المَنافِعِ إِلَيها ودَفعِ المَضارِّ عَنها، وَاستَحالَ فِي العُقولِ وجودُ تَأليف لا مُؤَلِّفَ لَهُ، وثَباتُ صورَة لا مُصَوِّرَ لَها، فَعَلِمتُ أنَّ لَها خالِقاً خَلَقَها، ومُصَوِّراً صَوَّرَها، مُخالِفاً لَها عَلى جَميعِ جِهاتِها، قالَ اللهُ عزّ وجلّ: ﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾"4.

ونشير في نهاية الفقرة إلى وجود معنى عرفانيّ وفلسفيّ أعمق لمعرفة النفس، لا يتناسب مع الجهاز الإدراكيّ للطفل.

أسلوب التمرين على العبادات
من أساليب تربية الطفل على الارتباط بالله تعالى وتنمية حسّ الإيمان الدينيّ لديه،
 

1- عيون الحكم والمواعظ، ص430.
2- يراجع: محمد صالح المازندراني، شرح أصول الكافي، تعليقات الميرزا أبو الحسن الشعراني، ضبط وتصحيح السيد علي عاشور، بيروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، 1421ه - 2000م، ط1،ج3،ص18.
3- يراجع حوار الإمام الصادق مع ابن أبي العوجاء: الشيخ الكليني،الكافي، ج 1، ص55.
4- الشيخ الصدوق، التوحيد، ص289.
 
 
 
241

196

الدرس الخامس عشر: التربية العقائديّة (2) الأصول والميادين

 جعله في سنّ التمييز، 7 سنوات، وما بعدها، يقوم بالأفعال العباديّة، كالصلاة والصوم والصدقة وغيرها، وسيأتي البحث عن ذلك في درس التربية العباديّة للطفل.


يقول الشيخ محمد تقي فلسفي: "قد لا يفهم الطفل العبارات التي يؤدّيها في أثناء الصلاة، ولكنّه يفهم معنى التوجّه نحو الله، ومناجاته، والاستمداد منه، بكلّ جلاء، إنّه ينشأ مطمئنّ البال، مستنداً إلى رحمة الله الواسعة وقدرته العظيمة"1.

فالصلاة والصوم والدعاء وغيرها من ألوان العبادات، تجعل الطفل يعيش حالة الخضوع لقوّة عظمى في هذا الكون، ويرتبط بها، ويستمدّ منها القوّة والصلابة والشجاعة في الحياة.

التربية على حبّ النبي وأهل البيت عليهم السلام
تقدّم أنّه على وليّ الطفل تلقينه شهادة "محمد رسول الله" من عمر 4 سنوات، وعليه أن يتدرّج مع مدارك أفهامه بالتربية على الاعتقاد بنبوّة النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وحبّه وربط الطفل به، وكذلك الاعتقاد بإمامة أئمّة أهل البيت وحبّهم والارتباط العاطفيّ بهم، وحفظ أسماء الأئمّة الاثني عشر عليهم السلام.

عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيّكم، وحبّ أهل بيته، وقراءة القرآن..."2.

وهذا صحابيّ النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، جابر بن عبد الله الأنصاريّ، كان يدور في سكك الأنصار ومجالسهم، ويقول: "أدّبوا أولادكم على حبّ عليّ"3.

ومن أنفع أساليب هذا النوع من التربية العقائديّة للطفل، قراءة قصص سيرتهم عليهم السلام المناسبة للأطفال، كتحبيب النبيّ إلى قلب الطفل، بإبراز كيفيّة تعامله العطوف الرؤوف الرحيم مع ابنيه وحفيديه الحسن والحسين عليهما السلام... إلخ.
 
 

1- الطفل بين الوراثة والتربية، ج2، ص150.
2- السيوطي، الجامع الصغير، ج1، ص51.
3- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ص136.
 
 
 
242

197

الدرس الخامس عشر: التربية العقائديّة (2) الأصول والميادين

 التربية على المعاد وحياة ما بعد الموت

يكثر أن يسأل الطفل في المرحلة الثانية من طفولته، أي منذ سنّ السادسة وما فوق، عن الموت، وأين يكون الميّت؟ وهل سيعود؟ وكيف نراه؟

ومن المهمّ أن نقدّم للطفل فكرة الموت بنحو وجوديّ يرتبط باستمرار مسيرة الحياة، وأن نصوّر له الموت كغروب الشمس في نشأة، لتشرق هذه الشمس في نشأة أخرى فيها حياة أجمل، وأنّ الميّت حيّ يرانا ويسمعنا، وبإمكاننا أن نحدِّثه.

ويمكن الاستعانة على تقديم فكرة الحياة بعد الموت، باستخدام أسلوب التمثيل الحسّيّ والتشبيه القائم على تقديم صور من الحياة والموت في عالم الطبيعة، كما عرض القرآن الكريم صورة المعاد والبعث والحشر بأسلوب حسّيّ لتقريبها إلى أفهام الناس. فقد تحدّث الله تعالى في العديد من الآيات القرآنيّة عن كيفيّة نزول الماء من السماء، وإحياء الأرض ونباتها به بعد أن كانت ميتة، ويُعقّب ذلك بقوله: كذلك الخروج، أو: كذلك النشور... إلخ، قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ * رِزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ﴾1, وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ2. وغيرها من الآيات الكثيرة.

ومن المهمّ أيضاً تقديم يوم المعاد وعالم ما بعد الموت من خلال تصوير الدنيا على أنّها مدرسة يقدّم فيها الإنسان الامتحان، وأنّ عالم ما بعد الموت هو يوم حصاد نتائج الامتحانات، والمحاسبة للنجاح والرسوب والثواب والعقاب.

لا لاستعمال التخويف بعقاب الله في تربية الطفل3
وينبغي لفت نظر المربّي إلى ضرورة التمييز بين تربية الطفل على المعاد كواقع قائم بعد الموت، وهو أمر مطلوب، وبين تهديد الطفل بالعقاب الأخرويّ. فما أكثر ما تُستعمل
 
 

1- سورة ق، الآيات 9 – 11.
2- سورة فاطر، الآية 9.
3- يراجع: عقوبة الطفل في التربية الإسلاميّة، ص216.
 
 
 
 
243

198

الدرس الخامس عشر: التربية العقائديّة (2) الأصول والميادين

 عبارة: "إذا فعلت كذا الله يخنقك"، "الله سوف يحرقك بالنار"...إلخ من العبارات، وهو أسلوب يخيف الطفل من الله تعالى، ويجعله ينفر منه بدل الارتباط به، فضلاً عن كونه كذباً غير جائز بحقّ الطفل1، لأنّ مبدأ العقاب الأخرويّ غير متوجّه إليه، فيكون تهديد الطفل بذلك إخباراً عمّا هو مخالف للواقع، والغاية النبيلة لا تمنح الوسيلة غير المشروعةِ الحلّيّةَ والجواز.


عن الإمام عليّ عليه السلام، قال: "لا يصلح من الكذب جدٌّ ولا هزل، ولا أن يعد أحدكم صبيّه ثم لا يفي له. إن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار..."2.
 

1- صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات، ج3، ص298، س920.
2- الشيخ الصدوق، الأمالي ، ص505.
 
 
 
244

199

الدرس الخامس عشر: التربية العقائديّة (2) الأصول والميادين

 المفاهيم الرئيسة


- تبدأ التربية العقائديّة للطفل من الطفولة المبكرة، 3 سنوات وصاعداً، كما يظهر ذلك من بعض الروايات، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "إذا بلغ الغلام ثلاث سنين، يقال له: قل: لا إله إلا الله سبع مرّات...".

- من أساليب التربية العقائديّة هو أسلوب التلقين اللفظيّ، أي تعويد الطفل تكرار قول: لا إله إلا الله، أو محمّد رسول الله... إلخ، حتى ترسخ في نفسه ويحفظها عن ظهر قلب، فتؤثّر في تفتّح الحسّ الإيمانيّ بالله تعالى.

- من أساليب التربية العقائديّة، تنمية الشعور بقانون السببيّة العامّ، بأنّ وراء كلّ ظاهرة يكمن سبب خاصّ ترتبط تلك الظاهرة به. فالدخان مثلاً سببه النار، ثمّ الانتقال إلى عمليّة الربط بين خصوصيّات الأشياء وسببها، فإذا رأينا خطّاً سيّئاً نعرف أن الكاتب ليس محترفاً... وهكذا يمهّد الاعتقاد بقانون السببيّة الطريق للإيمان بالله تعالى.

- تؤدّي تنمية النزعة الحسّيّة عند الطفل بتعريفه إلى الكائنات والظواهر التي تحيط به في عالم الطبيعة، والعناصر التي تتكوّن منها، والنظم التي تحكمها، والدقّة التي تربط بعضها ببعض... دوراً مهماً في التعرّف إلى الله تعالى وصفاته والارتباط به، ويعبّر عن ذلك أمير المؤمنين عليه السلام: "كفى بإتقان الصنع لها آية"1.

- من ضمن أساليب تربية الطفل عقائديّاً، توجيه اهتمامه إلى ذاته، بالتأمّل فيها والتدبّر في عجيب صنعها. فعن الإمام عليّ عليه السلام: "من عرف نفسه عرف ربّه"2، فمعرفة الطفل بنفسه وخصائصها وعناصر ذاته ودقّة صنع خلقته، يساهم في ارتباطه بربّه.

- من أساليب تربية الطفل على الارتباط بالله تعالى وتنمية حسّ الإيمان الدينيّ لديه، هو جعله في سنّ التمييز، 7 سنوات، وما بعدها، يقوم بالأفعال العباديّة، كالصلاة والصوم والصدقة وغيرها، لأنها تجعل الطفل يعيش حالة الخضوع لقوّة عظمى في هذا الكون.

- ينبغي تربية الطفل على الإيمان بنبوّة النبيّ محمد وإمامة الأئمّة من بعده، والارتباط العاطفيّ والوجدانيّ بهم صلوات الله عليهم. عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيّكم، وحبّ أهل بيته، وقراءة القرآن...".

- ينبغي أن نقدّم فكرة الموت للطفل بنحو يرتبط باستمرار مسيرة الحياة، وأن نصوّر له الموت كغروب الشمس في نشأة، لتشرق هذه الشمس في نشأة أخرى فيها حياة أجمل.
 
 

1- الشيخ الصدوق، التوحيد، ص71.
2- عيون الحكم والمواعظ، ص430.
 
 
 
 
245

200

الدرس الخامس عشر: التربية العقائديّة (2) الأصول والميادين

 أسئلة الدرس


- كيف تجيب عن إشكال أنّ اعتماد مرحلة الطفولة المبكرة، 3 سنوات، مبتدأ التربية العقائديّة للطفل، لا يتناسب مع إدراكه للقضايا العقائديّة؟
- هل حصل معك أن سألك الطفل عن الله تعالى؟ بماذا أجبته؟
- هل تعتقد أنّ لأسلوب التشبيه الحسّيّ دوراً مهمّاً في التربية العقائديّة للطفل؟ ولماذا؟
- هل ترى أنّ هناك رابطاً بين التربية العباديّة والتربية العقائديّة؟ ما هو؟ وكيف يمكن أن يؤدّي تمرين الطفل على العبادات إلى تنمية حسّ الارتباط بالله تعالى عنده؟
- إذا طرح الطفل سؤالاً عن طبيعة الموت وعن مكان الميت، بماذا تجيبه؟
- اذكر ثلاثة أساليب يمكن اعتمادها في ربط الطفل بنبوّة النبيّ محمّد والأئمّة صلوات الله عليهم.
 
 
 
 
 
246

201

الدرس السادس عشر: التربية الأخلاقيّة (1) المباني والأصول

 الدرس السادس عشر

التربية الأخلاقيّة (1) المباني والأصول


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرِّف التربية الأخلاقيّة وعلم الأخلاق.
2- يبيّن أهمّيّة التربية الأخلاقيّة للطفل.
3- يعرض أدلّة بطلان المذهب الطبيعيّ في الأخلاق.
4- يعدّد أمّهات الفضائل والرذائل الأخلاقيّة وفروعها.
 
 
 
 
249

202

الدرس السادس عشر: التربية الأخلاقيّة (1) المباني والأصول

 تمهيد

تحتلّ التربية الأخلاقيّة والصحّة الروحيّة1 مرتبة رئيسة في الرؤية التربويّة الدينيّة، لأنّ تزكية النفوس من أهمّ أهداف البعثة النبويّة. يقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾2.

وعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق"3. وفي بعضها "حسن الأخلاق"4. وفي أخرى: "صالح الأخلاق"5.

ونشير في البداية إلى أنّ التربية الأخلاقيّة ليست في عرض بعض أنواع التربيات المضافة الأخرى، كالتربية الاجتماعيّة والاقتصاديّة والجنسيّة...، بل هي متضمّنة في داخلها وسارية فيها، فكثير من القضايا المعياريّة التي توجِّه ساحات التربية المضافة الأخرى هي قضايا أخلاقيّة6.

أزمة أخلاقيّة عالميّة
وتتأكّد أهمّيّة تربية الطفل أخلاقيّاً في عصرنا، بسبب الأزمة الأخلاقيّة العالميّة، والحرب
 

 1- يراجع: النراقي، جامع السعادات، ص41.
2- سورة الجمعة، الآية 2.
3- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص8.
4- الإمام مالك، الموطأ، تصحيح وتعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي، 1406 - 1985م، لا.ط،ج2، ص904.
5- مسند أحمد، ج2، ص381.
6- يراجع: الجزء الأوّل، الدرس الثالث، ص63.
 
 
 
 
251

203

الدرس السادس عشر: التربية الأخلاقيّة (1) المباني والأصول

 الناعمة على القيم، إذ تحصد الولايات المتّحدة الأميركيّة الكمّ الأكبر من الميداليّات في حربها على القيم1. كما أُغفلت التربية الأخلاقيّة في المؤسّسات التعليميّة سنوات، بعد إقصاء الدين عن الحضور في عمليّات التربية والتعليم في الغرب. ومن شديد أسف أنّ مناهجنا منفعلة بما يدور في الغرب على مستوى المناهج التعليميّة، فكانت النتيجة الفصل بين التعليم والأخلاق، وهذا التهديد جعل الإمام الخامنئيّ دام ظله ينبّه إلى ضرورة أن يكون من أهمّ الأهداف الاستراتيجيّة للمؤسّسات التعليميّة، تعليم الأطفال الأخلاق. والمقصود بتعليم الأخلاق، ليس اعتمادها مادّة كباقي الموادّ وعرضها فقط، بل صيرورة التلميذ أخلاقيّاً من خلال مضمون المتون، وأساليب التدريس، وأنماط سلوك الأستاذ مع الطلّاب، وطبيعة الإجراءات الإداريّة2...


وبدأنا نشهد اليوم شبه صحوة حول أهمّيّة التربية الأخلاقيّة3. فمثلاً، يعتبر فيلبس كوبس في كتابه "الأزمة التربويّة العالميّة": "أنّ الاضطراب الثقافيّ الذي نجم عن الثورات العلميّة والتقنيّة الأخيرة، جعل من التربية الأخلاقيّة موضوع اهتمام ودراسة. ففي القرنالتاسع عشر كانت هذه التربية تشكّل قاعدة البرامج التعليميّة في بلاد أوروبا وأمريكا الشماليّة، ثمّ إنّ الطابع القرويّ كان لا يزال سائداً، كما أنّ الحركة العمرانيّة الحديثة لم تكن قد انطلقت بعد، وكانت العلاقات الأسريّة متينة، والاعتقادات والمؤثّرات الدينيّة قويّة... لكنّهابتداءً من العقد الرابع للقرن العشرين، أي منذ 1930م، حصل تغيير جذريّ في المناخ الاقتصاديّ والسياسيّ والتربويّ، كان من نتائجه أن اعتبرت التربية الأخلاقيّة أمراً بائداً ومنطوياً على مغالطة تاريخيّة. وهكذا أُهملت هذه التربية من قِبَل المدرّسين والمشرفين على التعليم، وظلّت على هذا النهج حتّى نهاية السبعينيّات، وقتئذ حصل الاضطراب الثقافيّ المشار إليه آنفاً، محدثاً أنواعاً من الأزمات الاجتماعيّة التي أقلقت بال السياسيّين والمشرّعين والمشرفين على المدارس وأولياء الأمور"4.
 
 

1- انظر: التقرير السنويّ لمنظّمة العفو الدوليّة لعام 2004م.
2- يراجع: مركز الأبحاث والدراسات التربويّة، التربية والتعليم وفق رؤية الإمام الخامنئيّ، ترجمة ونشر مركز الأبحاث والدراسات التربويّة ودار البلاغة، بيروت، 2016م.
3- يراجع: عبد الرحمن، طه، سؤال الأخلاق، مساهمة في النقد الأخلاقيّ للحداثة الغربيّة، المركز الثقافيّ العربيّ، 2000م.
4- نقلاً عن: سلّوم، طاهر عبد الكريم، وجمل، محمّد جهاد، التربية الأخلاقيّة القيم مناهجها وطرائق تدريسها، ص19.
 
 
 
 
252

204

الدرس السادس عشر: التربية الأخلاقيّة (1) المباني والأصول

 التربية الأخلاقيّة المنزليّة

أمام هذا المشهد السلبيّ، تتأكّد المسؤوليّة الفرديّة للوالدين في زيادة جرعة التربية الأخلاقيّة المنزليّة، آملين أن تحظى الصحّة الروحيّة للطفل بالاهتمام ذاته الذي يعطيه الوالدان للصحّة الجسميّة للطفل، ونسجِّل عجبنا مع المحقّق النراقيّ قدر سره في قوله: "عجباً لأقوام يبالغون في إعادة الصحّة الجسمانيّة الفانية، ولا يجتهدون في تحصيل الصحّة الروحانيّة الباقية"1.

مفهوم علم الأخلاق
الأخلاق جمع خلق، والخلق اصطلاحاً: ملكة نفسانيّة راسخة، تقتضي صدور الفعل الاختياريّ (الحسن أو القبيح) عن الإنسان بسهولة ويسر وانسيابيّة، من دون احتياج إلى فكر ورويّة2.

وعلم الأخلاق هو العلم الباحث عن كيفيّة تصيير النفس الإنسانيّة قادرة بالإرادة الحرّة، على الوصول إلى الكمال الأخلاقيّ، بالتحلّي بالفضائل، والتخلّي عن الرذائل والقبائح3. ويعبّر علماء العرفان العمليّ عن علم الأخلاق بعلم الطريقة4.

وعلم الأخلاق بهذا المعنى هو أهمّ المصادر التي ترفد التربية الأخلاقيّة بالقيم الموجبة أو السالبة.

ما هي التربية الأخلاقيّة؟
عُرّفت التربية الأخلاقيّة بتعريفات متعدّدة، منها أنّ "التربية الأخلاقيّة هي العمليّة التي تُقنع الأفراد، من الصغار والكبار، بالالتزام بالسلوك الأخلاقيّ الذي يعطى دون
 

1- النراقي، جامع السعادات، ص41.
2- يراجع: تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، ص51. والغزالي، إحياء علوم الدين، ج8، ص96. والمحجّة البيضاء في تهذيب الأحياء، ج5، ص95. والنراقي، جامع السعادات، ص41.
3- يراجع: الطوسيّ، نصير الدين، أخلاق ناصري، ص102. السبحاني، الشيخ جعفر، رسالة في التحسين والتقبيح، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام - قم، 1420، ط1،ص143.
4- الكاشاني، عبد الرزاق، اصطلاحات الصوفيّة، ص.
 
 
 
 
253

205

الدرس السادس عشر: التربية الأخلاقيّة (1) المباني والأصول

 مقابل، أو على الأقلّ الالتزام بالأخذ والعطاء بحسب القوانين المعمول بها"1.


ويمكن لنا تعريفها بأنّها عمليّة بناء المحتوى الداخليّ للطفل، والحفاظ على صحّته الروحيّة، بالعمل على إنضاج ضميره الأخلاقيّ الفطريّ المجبول في ذاته بأصل الخلقة، وتعريفه إلى الفضائل وما يقابلها من الرذائل والأمراض الأخلاقيّة، وتدريبه على التحلّي بالأولى والتخلّي عن الثانية والوقاية منها وعلاجها، وتهيئة البيئة الحاضنة للنموّ الأخلاقيّ السليم، وإضعاف تأثير الظروف البيئيّة والعوامل الخارجيّة فيه، كي يصل الطفل إلى مرحلة يقتدر معها على مجاهدة نفسه بإرادته الحرّة بنحو مستقلّ.

الأخلاق بين الفطرة والكسب
تخرج نفس الطفل من رحم الأمّ بنحو تكون فيه بأصل الخلقة خالية من جميع الملكات الحميدة أو الرذيلة2، فلا يوجد ما يمكن تسميته بالأخلاق الفطريّة بمعنى الملكات، بل كلّ الأخلاق - بالمعنى المذكور في التعريف - اكتسابيّة3.

نعم، هناك أخلاق فطريّة، بمعنى أنّ الله تعالى خلق فطرة الطفل بكيفيّة خاصّة تكون معها أكثر استعداداً إلى عشق الكمال والحقّ والخير والجمال4، وأكثر نفوراً من النقص والشرّ والقبح والباطل. بل خلق في داخل النفس البشريّة حسّاً يُصطلح عليه في علم الأخلاق المعاصرة بـ "الضمير الأخلاقيّ"، يميّز به فطريّاً بين الحسن والقبيح، وهو ما أطلق عليه القرآن مصطلح "النفس الملهمة"، قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾5, بنحو يستشعر فيه الطفل بالوجدان أنّ العدل أفضل من الظلم، وأنّ الصدق النافع أفضل من الكذب، وأنّ الأمانة أفضل من الخيانة، وأنّ الشجاعة أفضل من الجبن، وأنّ الكرم أفضل من البخل... إلخ. فهذه المسائل تقضي بها الفطرة الإنسانيّة
 
 

1- سلّوم، التربية الأخلاقيّة، ص35.
2- يراجع: الدرس:18، من الجزء الأوّل، ص290-291.
3- النراقي، جامع السعادات، ص37-39.
4- يراجع: الجزء الأوّل، الدرس السادس، ص110.
5- سورة الشمس، الآيتان 7-8.
 
 
 
 
254

206

الدرس السادس عشر: التربية الأخلاقيّة (1) المباني والأصول

 السليمة، ولذا، نرى أنّ الجبان أو البخيل أو الكاذب يدرك بينه وبين ذاته - ﴿بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾1 - حسن الشجاعة أو الكرم أو الصدق، ويتمنّاها لنفسه، لذا يؤنّبه ضميره بين الحين والآخر على فعل الأولى وترك الثانية، ويمدح فاعل ما ينبغي فعله، ويذمّ فاعل ما ينبغي تركه2.


وتمثّل بعض العوامل عنصراً مساهماً في زيادة منسوب الاستعداد نحو الخير أو الشرّ، مثل: الوراثة، وطبيعة الوالدين وصفاتهما، وأفعالهما تجاه الطفل قبل الزواج وحين المعاشرة الزوجيّة وحين الحمل... إلخ، فمثلاً النطفة التي تنشأ في صلب الرجل من مال حلال وطعام طيّب، لها تأثير إيجابيّ، كما أنّ الغذاء الطاهر الذي يتغذّى به الجنين له تأثير إيجابيّ... إلخ من العوامل التي ذكرناها في دروس الجزء الأوّل.

التدريب والمواظبة على فعل ما لتحويل الأحوال إلى ملكات
إذاً، ميل الطفل واستعداد نفسه للسير نحو خُلق ما، لا يعني تحرّك الطفل تلقائيّاً باتّجاه هذا الخلق أو ذاك، فإنّ التربية تغلب المزاج. لذا، يمكن تبدّل مسار ذلك الاستعداد وتحويل طريقه. فجعل الطفل يتلبّس بأيّ حال أخلاقيّة إيجابيّة حتّى يصحّ أن يقال إنّه متحلٍّ بفضيلة، أو جعله يتجنّب أيّ حال سلبيّة بنحو يصحّ وصفه بأنه متخلٍّ عن رذيلة، يحتاج إلى تدريب الطفل على المواظبة على فعل ما، وتكراره بنحو مستمرّ3، حتّى يؤدّي ذلك التكرار إلى استقرار هيئته وثبات صفته في باطن نفس الطفل، فتتحوّل الحال نتيجة التراكم الكمّيّ والكيفيّ للفعل إلى ملكة، وتقطع حركتها الكيفيّة أو الجوهريّة من التطبّع لتكون طبيعة ثانية للطفل4.
 

1- سورة القيامة، الآيتان 14-15.
2- الشيخ محمد رضا المظفر، المنطق، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، لا.ت، لا.ط،ص345-346.
3- النراقي، جامع السعادات، ص37.
4- يراجع: الدرس السابع، من الجزء الأول، ص121.
 
 
 
 
255

 


207

الدرس السادس عشر: التربية الأخلاقيّة (1) المباني والأصول

 فأيّ حال نفسيّة للطفل إيجابيّة أو سلبيّة، إنّما يصحّ وصفها بأنّها خلق فيما لو أصبحت صورة راسخة في محتواه الداخليّ، بنحو يصعب زوالها بشكل سريع، وهذا معنى "الملكة". أمّا إذا كانت الهيئة النفسيّة غير راسخة في نفس الطفل، بل حالة متزلزلة قابلة للزوال بنحو سريع، فلا تسمّى خلقاً، ويُصطلح عليه باسم "الحال".


فقضاء الفطرة بخلق ما لا يعني الإصغاء القهريّ للإنسان إلى صوتها، على نحو يَحُول هذا النداء الفطريّ بينه وبين شهواته وأهوائه، ولا يجعلها ملكات راسخة في النفس البشريّة بأصل الخلقة1.

بطلان نظريّة المذهب الطبيعيّ في الأخلاق
وبهذا يتبيّن بطلان نظريّة المذهب الطبيعيّ في الأخلاق، التي ترى أنّ الطفل يولد مزوَّداً ببعض الأخلاق التي يمتنع إزالتها عنه، مهما بالغ المربّي في تهذيب نفسه وتربيتها. وهذه النظريّة لها انعكاسات خطيرة على التربية الأخلاقيّة، إذ تصيب المربّي بالإحباط واليأس من تعديل أو تغيير السلوك غير المرغوب فيه الصادر عن الطفل، لأنّه سيقول حينها: إنّني مهما بذلت من جهد وأنفقت من طاقة في سبيل تغيير سلوك طفلي، فلن أستطيع، لأنّه مجبول عليه بأصل الفطرة.

وقد ناقش حكماؤنا هذه النظريّة ورفضوها، معتبرين أن التجربة النبويّة وتعاليم الدين من جهة، وتجربة التدريب الأخلاقيّ المؤدّي إلى تحوّلات عجيبة في نفوس البشر من جهة ثانية، تؤكّدان أنّ كلّ خلق قابل للإزالة والتغيير.

نعم، كون الخلق قابلاً للتغيير، متوقّف على تحقّق جملة شرائط وارتفاع موانع، منها طبيعة الأساليب المستخدمة في عمليّة التربية والتأديب2.

تنمية الرغبة بالأخلاق الحسنة
ومن العوامل الأساس، الرغبة الذاتيّة لهذا التحوّل، فمن الضروريّ أن يعمد المربّي إلى
 
 

1- الشيخ المظفر، المنطق، ص345-346.
2- النراقي، جامع السعادات، ص44.
 
 
 
 
256

208

الدرس السادس عشر: التربية الأخلاقيّة (1) المباني والأصول

 زرع الرغبة الذاتيّة في نفس المتربّي للتحلّي بخلق أو التخلّي عن آخر. فالعوامل الخارجيّة هي عناصر مساعدة في التحوّل، ومساهمة في التغيير، أمّا نفس عمليّة بناء المحتوى الداخليّ، فتحتاج إلى إرادة المتربّي نفسه.


وإلى هذا المعنى يشير أرسطو طاليس بقوله: "يمكن صيرورة الأشرار أخياراً بالتأديب، إلّا أنّ هذا ليس كلّيّاً، فإنّه ربّما أثّر في بعضهم بالزوال، وفي بعضهم بالتقليل، وربّما لم يؤثّر أصلاً"1.

والخلاصة: لا يوجد خلق غير قابل للإزالة. نعم، هناك فرق بين الصعوبة والإمكانيّة، فقد يكون إزالة خلق ما أمراً صعباً، لكنّه ليس مهمّة مستحيلة، بل هو أمر ممكن من خلال المعالجات المقرّرة في علم الأخلاق2.

وجوب مبادرة الأهل للتربية الأخلاقيّة للطفل
وبناءً عليه، نؤكّد ما تقدّم في صدر الدرس، من ضرورة مبادرة الوالدين إلى التربية الأخلاقيّة للطفل، وتهذيب نفسه منذ صغره ونعومة أظفاره3، حتى لا يستقرّ خلق سلبيّ ما في باطنه، ثمّ عندما يريدان تغييره، يجدان صعوبة في ذلك، ويكون لهما الدور الأساس فيه.

يقول المحقّق النراقيّ قدس سره: "النفوس الإنسانيّة في أوائل الفطرة كصحائف خالية من النقوش والصور، تقبل كلّ خلق بسهولة، وإذا استحكمت فيها الأخلاق تعسّر قبولها لأضدادها، ولذلك سهل تعليم الأطفال وتأديبهم وتنقيش أنفسهم بكلّ صورة وصفة، ويتعسّر أو يتعذّر تعليم الرجال البالغين، وردّهم عن الصفات الحاصلة لهم لاستحكامها ورسوخها"4.
 
 

1- النراقي، جامع السعادات، ص43.
2- المصدر نفسه، ص40-41.
3- يراجع: الغزالي، إحياء علوم الدين، ج8، ص130. والمحجّة البيضاء في تهذيب الأحياء، ج5، ص124.
4- النراقي، جامع السعادات، ص40-41.
 
 
 
 
257

209

الدرس السادس عشر: التربية الأخلاقيّة (1) المباني والأصول

أمّهات الفضائل والرذائل الأخلاقيّة

يتبنّى الحكماء المسلمون كالفارابي ومسكويه وابن سينا والغزاليّ والطوسيّ والفيض الكاشانيّ والمحقّق النراقيّ والإمام الخمينيّ قدس سره، منهجاً يقوم على تقسيم قوى الإنسان إلى أربع، هي: العاقلة، الواهمة، الغضبيّة، والشهويّة1. "والميزان في قياس أجناس الفضائل والرذائل هو هذه القوى، وكلّ طرف من الإفراط والتفريط رذيلة، وحدّ الاعتدال في كلّ منها فضيلة من الفضائل النفسانيّة"2.

وبناءً عليه، تكون أمّهات الفضائل الأخلاقيّة ثلاثاً، (وأربعاً بإضافة العدالة3)، وأمهات الرذائل الأخلاقيّة ستّاً، (أو سبعاً بإضافة الجور).

التشبيه والهدف التفريط  الوسط الإفراط القوّة العدد
الحكيم (قوّة ملكيّة) وظيفتها الإدراك، ولذّتها في العلم والمعرفة. الجهل والبله والحمق الحكمة الجربزة العاقلة 1
الكلب (قوّة سبعيّة) وظيفتها دفع الألم والضرر، ولذّتها بالغلبة والانتقام والتشفّي... الجبن الشجاعة التهوّر الغضبيّة 2
الخمود أو الرهبنة الخنزير (قوّة بهيميّة) وظيفتها جذب اللذّة، ولذّتها في تحقيق الشهوات الحسّيّة، كالأكل والشرب والجماع... الخمود أو الرهبنة العفّة الشره أو الفجور الشهويّة 3
الشيطان (قوّة شيطانيّة) تؤدّي إلى الخداع والإيهام والإيقاع في اللوابس والشبهات.


الواهمة 4


 





 



1- العاقلة والشهويّة والغضبيّة مرّ شرحهما في الجزء الأوّل، أمّا الواهمة، ويُطلق عليها اسم القوّة الشيطانيّة، فهي القوّة التي من شأنها استنباط وجوه المكر والحيل، والتوصّل إلى المراد وتحقيق الأهداف بالتلبيس والخدع. وهي قوّة ليست لها فضيلة مستقلّة لتقع وسطاً بين الإفراط والتفريط، بل هي قوّة تساعد القوّتين الغضبيّة والشهويّة للحصول على مقتضياتهما عن طريق المكر والخداع، فهي أشبه بخادم القوّتين السابقتين، كما أنّها تلبس على القوّة العقليّة كي ينخرط الإنسان في مذهب السفسطة أو اللادريّة... إلخ.
2- جنود العقل والجهل، ص273-275. والنراقي، جامع السعادات، ص
46.3- اختلف علماء الأخلاق في تفسير العدالة، والأغلب أنّها عبارة عن اعتدال وتوازن القوى الأربع وتسالمها وارتفاع التخالف والتجاذب فيما بينها، على نحو تحصل لكلّ قوّة فضيلتها الخاصّة بها، تحت إشارة العقل والشرع الذي يحكم العقل بوجوب طاعته. وننبّه إلى أنّ هذه العدالة هي غير العدالة التي يكون طرفاها هما الظلم، بمعنى التصرّف في أبدان الناس وأموالهم بدون وجه حقّ، والانظلام، بمعنى تمكين الإنسان الظالم من ظلمه والانقياد له فيما يريده، من الجبر والتعدّي على سبيل المذلّة.

 

258


210

الدرس السادس عشر: التربية الأخلاقيّة (1) المباني والأصول

 ونلاحظ ذكر هذا التقسيم المذكور لقوى النفس، والمتداول في كلمات حكماء اليونان والإسلام، في بعض الروايات الدينيّة.

عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، قال: "الفضائل أربعة: أوّلها الحكمة، وقوامها في الفكر. وثانيها العفّة، وقوامها في الشهوة. وثالثها القوّة، وقوامها في الغضب. ورابعها العدل، وقوامها في الاعتدال"1.

وعن حفيده الإمام محمّد الجواد عليه السلام، قال: "الفضائل أربعة أجناس: أوّلها الحكمة، وقوامها في الفكر. وثانيها العفة، وقوامها في الشهوة. وثالثها القوّة، وقوامها في الغضب. والرابع العدل، وقوامه في اعتدال قوى النفس"2.

جدول الرذائل الأخلاقيّة
نعرض أبرز الرذائل الأخلاقيّة التي ينبغي تعريف الطفل بها وتمرينه على التخلّي عنها:
- رذائل القوّة العاقلة: السفسطة، الشكّ، الجهل البسيط، الجهل المركّب، قصور الذهن، الخواطر الشيطانيّة...

- رذائل القوّة الغضبيّة: التهوّر، الجبن، فرط الخوف، صغر النفس3، دناءة الهمّة4، عدم الغيرة والحميّة5، العجلة6، عدم الوقار7، سوء الظنّ، الغضب8، العنف،
 

1- الكراجكي، الامام العلامة أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان، معدن الجواهر ورياضة الخواطر، ، السيد أحمد الحسيني، لا.م، لا.ن، 1394، ط2، ص40.
2- كشف الغمّة في معرفة الأئمّة، ج3، ص138.
3- صغر النفس: ملكة العجز عن تحمّل الوارادات والمصائب. وضدّه: كبر النفس (وليس التكبّر)، أي ملكة تحمّل لما يرد على الإنسان كائناً ما كان.
4- دناءة الهمّة: هو القصور عن طلب معالي الأمور. وضدّه علوّ الهمّة، وهو السعي في تحصيل الأمور العالية الموجبة للسعادة والكمال.
5- أي الإهمال في حفظ ما يلزم حفظه من العرض والمال...
6- أي الإقدام على الأمور بأوّل خاطر من دون توقّف وتأمّل. وضدّه التأنّي.
7- الوقار: هو اطمئنان النفس وسكونها عند الحركات والأفعال في الابتداء.
8- الغضب: حركة الإنسان نحو الغلبة والانتقام، وضدّه العفو.
 
 
 
 
259

211

الدرس السادس عشر: التربية الأخلاقيّة (1) المباني والأصول

 الحقد1، العداوة، الضرب، الفحش، الطعن، العجب2، التكبّر3، الافتخار4، البغي، العصبيّة5، كتمان الحقّ، القساوة...


- رذائل القوّة الشهويّة: الشره، الخمود، حبّ الدنيا، حبّ المال، وضدّهما الزهد، الحرص وضدّه القناعة، البخل وضدّه السخاء، الغدر والخيانة، وضدّهما الأمانة.
- رذائل تشمل القوّتين: (الشهويّة والغضبيّة) معاً: الحسد، وضدّه النصيحة، المداهنة، وضدّها السعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إفشاء السرّ، عقوق الوالدين، المراء والجدال، الغيبة، الرياء، الغرور، النفاق، الكذب، السخرية والاستهزاء، طول الأمل، السخط، الكراهة... إلخ.

لا إفراط ولا تفريط، بل أمر بين أمرين (الاعتدال والتوازن)
الهدف الأساس في التربية الأخلاقيّة هو إيجاد ملكة الاعتدال والتوازن في الملكات الفاضلة، وبين متطلّبات القوى المختلفة عند الطفل، من دون الذهاب ذات اليمين إلى طرف الإفراط، ولا ذات الشمال إلى طرف التفريط، بل أن يبقى على الطريق الوسط، كي يكون قادراً على قيادة قوى النفس تجاه الكمال الواقعيّ، والتحكّم بها والسيطرة عليها.

فكلُّ ما انحرف عن حدّه ينقلب إلى ضدّه، وهذا ما نلاحظه في بعض الروايات، فعن الإمام العسكريّ عليه السلام: "إنّ للسخاء مقداراً، فإن زاد عليه فهو سرف، وللحزم مقداراً، فإن زاد عليه فهو جبن، وللاقتصاد مقداراً، فإن زاد عليه فهو بخل، وللشجاعة مقداراً، فإن زاد عليه فهوتهوّر"6.

وفي رواية أخرى: "اعلم أنّ للحياء مقداراً، فإن زاد عليه فهو حصر..."7.
 

1- الحقد: العداوة الكامنة مع إرادة الشرّ وقصد زوال الخير عن المؤمن. وضدّه النصيحة، أي إرادة الخير والصلاح ودفع الشرّ والفساد عن المؤمن.
2- العجب: استعظام النفس ورؤيتها أكبر ممّا هي عليه واقعاً، بغضّ النظر عن مقايستها مع الغير.
3- التكبّر: وهو التعظيم الموجب لرؤية النفس فوق الغير، نتيجة المقايسة معه. وضدّه التواضع.
4- الافتخار: هو المباهاة بما يظنّه كمالاً.
5- العصبيّة: هي الحماية والدفاع عن النفس ومن ينتسب إليها بالخروج عن الحقّ.
6- العلامة المجلسي، بحار الانوار، ج66، ص407.
7- ابن حمدون، التذكرة الحمدونية، تحقيق: احسان عبّاس و بكر عبّاس، دار صادر للطباعة والنشر، 1996م، ط1،ص277.
 
 
 
260

212

الدرس السادس عشر: التربية الأخلاقيّة (1) المباني والأصول

 المفاهيم الرئيسة


- تحتلّ التربية الأخلاقيّة مرتبة رئيسة في الرؤية التربويّة الدينيّة، لأنّ تزكية نفوس الناس وتهذيبها، وتتميم أخلاقهم وتحسينها وإصلاحها، من أهمّ أهداف البعثة النبويّة، ووظائف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

- تتأكّد أهمّيّة تربية الطفل أخلاقيّاً في عصرنا، وخصوصاً التربية الأخلاقيّة المنزليّة، بسبب الأزمة الأخلاقيّة العالميّة، والحرب الناعمة على القيم. ويزيد المشكلة تفاقماً، أنّ التربية الأخلاقيّة قد أُغفلت في المؤسّسات التعليميّة لسنوات، بعد إقصاء الدين عن الحضور في عمليّات التربية والتعليم.

- الخلق ملكة نفسانيّة راسخة تقتضي صدور الفعل بسهولة. وعلم الأخلاق يبحث عن كيفيّة تصيير النفس الإنسانيّة قادرة على الوصول إلى الكمال الأخلاقيّ، بالتحلّي بالفضائل والتخلّي عن الرذائل.

- التربية الأخلاقيّة هي عمليّة بناء المحتوى الداخليّ للطفل، وتفتّح ضميره الأخلاقيّ الفطريّ، وتعريفه بالفضائل وما يقابلها من الرذائل، وتدريبه على التحلّي بالأولى، والتخلّي عن الثانية والوقاية منها وعلاجها، وتهيئة البيئة الحاضنة للنموّ الأخلاقيّ السليم، وإضعاف تأثير الظروف البيئيّة والعوامل الخارجيّة عليه، كي يصل إلى مرحلة يقتدر معها على مجاهدة نفسه بإرادته الحرّة.

- تخرج نفس الطفل من رحم الأمّ بنحو تكون فيه خالية من جميع الملكات الحميدة أو الرذيلة. فلا يوجد ما يمكن تسميته بالأخلاق الفطريّة، بمعنى الملكات. وبهذا يتبيّن بطلان نظريّة المذهب الطبيعيّ في الأخلاق، بل كلّ الأخلاق - بالمعنى المذكور في التعريف - اكتسابيّة. نعم، هناك أخلاق فطريّة، بمعنى أنّ الله تعالى خلق فطرة الطفل بكيفيّة خاصّة تكون معها أكثر استعداداً إلى عشق الكمال، وأكثر نفوراً من النقص.

- لا يوجد خلق فطريّ عند الطفل أو مكتسب غير قابل للإزالة. نعم، هناك فرق بين الصعوبة والإمكانيّة، فقد تكون إزالة خلق ما أمراً صعباً، لكنّه ليس مهمّة مستحيلة، بل هو أمر ممكن من خلال المعالجات المقرّرة في علم الأخلاق.

- إنّ ميل الطفل للسير نحو خُلق ما، لا يعني تحرّك الطفل تلقائيّاً باتجاه هذا الخلق أو ذاك، فإنّ التربية تغلب المزاج. لذا، يمكن تبدّل مسار ذلك الاستعداد وتحويل طريقه، من خلال تدريب الطفل على المواظبة على فعل ما، وتكراره بنحو مستمرّ، حتّى يؤدّي إلى استقرار هيئته في باطن نفس الطفل.

- من العوامل الأساس في التربية الأخلاقيّة، تنمية الرغبة الذاتيّة في نفس المتربّي للتحلّي بخلق أو التخلّي عن آخر، فالعوامل الخارجيّة هي عناصر مساعدة في التحوّل، ومساهمة في التغيير، أمّا عمليّة بناء المحتوى الداخليّ نفسها، فتحتاج إلى إرادة المتربّي نفسه.

- يتبنّى الحكماء المسلمون منهجاً يقوم على تقسيم قوى الإنسان إلى أربعة أقسام، هي: العاقلة، الواهمة، الغضبيّة، والشهويّة، والميزان في قياس أجناس الفضائل والرذائل هو هذه القوى، وكلّ طرف من الإفراط والتفريط رذيلة، وحدّ الاعتدال في كلّ منها فضيلة من الفضائل النفسانيّة.
 
 
 
 
261

213

الدرس السادس عشر: التربية الأخلاقيّة (1) المباني والأصول

 أسئلة الدرس

 


- عرِّف المصطلحات التالية: الخلق، علم الأخلاق، التربية الأخلاقيّة، الضمير الأخلاقيّ.
- ما هي علاقة التربية الأخلاقيّة بساحات التربية المضافة الأخرى، كالتربية الجنسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة...؟
- ما هي أهمّيّة التربية الأخلاقيّة للطفل؟ ولماذا تتأكّد أهمّيّة التربية الأخلاقيّة المنزليّة في العصر الحاضر؟
- هل يخرج الطفل من رحم أمّه مزوّداً ببعض الملكات الأخلاقيّة، أم كلّ الأخلاق يكتسبها الطفل بالتربية والتعليم؟
- إذا كان ثمّة أخلاق فطريّة، فما هو المعنى المقصود بها؟ وهل الأخلاق الفطريّة تتفتّح بطريقة ذاتيّة أم يحول نداؤها بين الطفل والرذائل تلقائيّاً، أم يحتاج إلى التربية والتدريب؟
- ما هي نظريّة المذهب الطبيعيّ في الأخلاق؟ وما هو النقد الذي توجّهه إلى هذه النظريّة؟
- ما هو معيار تصنيف الفضائل والرذائل الأخلاقيّة؟ اعرض أمّهات الرذائل وفروعها.
 
 
 
 
262

214

الدرس السابع عشر: التربية الأخلاقيّة (2) الأصول والأساليب

 الدرس السابع عشر

التربية الأخلاقيّة (2) الأصول والأساليب


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يشرح أصل تأثير الظاهر على الباطن.
2- يعرض أهمّ أساليب وتقنيّات التربية الأخلاقيّة.
3- يحدّد آليات إيصال الطفل إلى التهذيب الذاتيّ للنفس.
 
 
 
 
265

215

الدرس السابع عشر: التربية الأخلاقيّة (2) الأصول والأساليب

 الفعل الأخلاقيّ بين الظاهر والباطن

أهمّ مرتكز في التربية الأخلاقيّة للطفل، أن يكون الفعل الموصوف بأنّه أخلاقيّ، كذلك في الظاهر والباطن معاً، لا في الظاهر فقط، فمن الأزمات التربويّة التي تواجه البعض في عمليّة التربية الأخلاقيّة للطفل، أنّه يؤدّبه على سلوك ما جوارحيّاً، من دون أن ينطلق هذا الفعل الجوارحيّ من شحنة قلبيّة جوانحيّة، مع أنّ الفعل إنّما يكون أخلاقيّاً فيما لو كان منطلقاً من هيئة نفسانيّة راسخة تقتضي صدور ذلك الفعل، أمّا لو لم يصدر الفعل عن ملكة نفسيّة، فلا يُسمَّى خلقاً، كما لو صدر عن الطفل سلوك يظهر منه الاحترام للآخرين، كالقيام للأستاذ وتقبيل يده، مع كون الطفل يعيش حالة النفور والاشمئزاز من ذلك الشخص في داخله، فلا يسمّى هذا الفعل خلقاً، بل يكون نوعاً من الخداع.

ولكنّ هذا لا يعني أنّ التربية على هذا النوع من السلوك أمر غير مطلوب في بادئ الأمر، بل عمليّة بناء المحتوى الداخليّ للطفل ينبغي أن تبدأ من تهذيب الظاهر، لأنّ تعويد الطفل فعلاً ما ظاهراً، يؤدّي بالمواظبة والتكرار إلى تبدّله من حال إلى ملكة.

وينبغي للمربّي رصد مؤشّرات هذا التحوّل الباطنيّ في شخصيّة الطفل، ليحصّل الاطمئنان والوثوق بالتطابق بين الظاهر والباطن. وأحد مؤشّرات كون الفعل ملكة راسخة، هو استمراريّة صدوره في ظروف مختلفة وثباته، أمّا إذا كان السلوك يصدر في حالات نادرة وظروف طارئة، فهذا يشير إلى كونه مجرّد فعل جوارحيّ. ومن المؤشّرات أيضاً، سهولة صدور الفعل من دون رويّة وانسيابيّة، لأنّ الفعل الذي يصدر بصعوبة وتكلّف وتأفّف وضجر، لا يكون وليد الملكة الداخليّة، كمن يجهد ويشقّ على نفسه
 
 
 
 
267

216

الدرس السابع عشر: التربية الأخلاقيّة (2) الأصول والأساليب

 بالسكوت عند الغضب، فلا يقال عنه: إنّه حليم، بل الحليم من يملك نفسه عند الغضب بطريقة انسيابيّة.


أصل تأثير الظاهر في الباطن في التربية الأخلاقيّة
ويعتبر أصل تأثير الظاهر في الباطن من أهمّ أصول التربية الأخلاقيّة، والمقصود به أنّ عمليّة إيجاد التحوّل في السلوك الخارجيّ بشكل متكرّر، يؤدّي إلى إيجاد التحوّل في باطن الطفل ومحتواه الداخليّ1. ونضرب نموذجاً من الروايات التي تتحدّث عن التلازم التوليديّ العاديّ بين التحلّم (السلوك الظاهريّ) والحلم (التحوّل الباطنيّ)، عن الإمام عليّ عليه السلام، قال: "من تحلّم حلم"2. ويقول: "من لا يتحلّم لا يحلم"3.

وهذا يفيد أنّه ينبغي للمربّي تعويد المتربّي وتدريبه على تغيير سلوكه الخارجيّ، من خلال التشبّه بالمتحلّمين، حتّى يتحوّل هذا التطبّع إلى طبع أو طبيعة ثانية في الطفل.

أمّا لماذا يؤدّي التحلّم بالتلازم إلى الحلم في نفس الإنسان؟ فهذا ما يبيّنه الإمام عليّ في رواية أخرى، إذ يقول عليه السلام: "إن لم تكن حليماً فتحلَّم، فإنه قلَّ من تشبّه بقوم إلّا أوشك أن يكون منهم"4.

فالتشبّه بقوم ما ظاهريّاً وسلوكيّاً يؤدّي في النتيجة بفعل المواظبة والتكرار، إلى الدخول الحقيقيّ ضمن أولئك القوم. فالسلوك الخارجيّ للإنسان حتّى لو كان تصنّعياً في البدايات، يترك في داخل النفس تأثيراً متناسباً مع نوع السلوك في المحصّلة والنهايات، "لأنّ المجاز قنطرة الحقيقة، والتطبّع طريق الطبع"5.

ونلاحظ أنّ بعض الروايات قد أعطتنا بعض تقنيّات التظاهر بالحلم، كالجلوس عند الغضب، أو مسّ الرحم.
 

1- يراجع: باقري، فلسفة التربية والتعليم الإسلاميّة، ص234- 333.
2- مواعظ الحكم، ص423.
3- ميزان الحكمة، ج1، ص687.
4- نهج البلاغة، باب المختار من حكم أمير المؤمنين، ح207. واللافت في هذه الرواية أنّه عليه السلام يذكر الأسلوب التربويّ (تحلَّم)، أمر بالتحلم، ويذكر الأصل الذي اشتقّ منه الأسلوب التربويّ.
5- جنود العقل والجهل، ص142.
 
 
 
268

217

الدرس السابع عشر: التربية الأخلاقيّة (2) الأصول والأساليب

 عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "أيّما رجل غضب على قوم وهو قائم، فليجلس من فوره ذلك، فإنّه سيذهب عنه رجز الشيطان. وأيّما رجل غضب على ذي رحم، فليدن منه فليمسّه، فإنّ الرحم إذا مسّت سكنت"1.


أساليب وتقنيّات مختلفة للتربية الأخلاقيّة
هناك أساليب وتقنيّات عديدة يمكن أن يستخدمها المربّي في عمليّة التربية الأخلاقيّة للطفل، منها:
- الرقابة الذكيّة الدائمة على سلوك الطفل، ومدى استقباله واستجابته للقيم الأخلاقيّة، لتشخيص الآفات الأخلاقيّة وتدوينها، من أجل مساعدته على الوقاية منها وعلاجها. ونشير إلى أنّ اكتشاف الملكات النفسيّة وإن كان أمراً معقّداً لاستبطانها، لكنّ عمليّة رصد تراكم الأمارات الحسّيّة حول محور واحد، يجعلنا نضع اليد على الملكة السالبة، وبالتالي العمل على تعديلها.
عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، قال: "ما أضمر أحد شيئاً إلّا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه"2.

- التعليم بأسلوب الاختيار الحرّ والمقارنة، بتدريب الطفل على حسن اختيار قيمه، بأن يوضع الشيء وضدّه أمام الطفل، ثمّ نجعله يقرّر بنفسه3، كأن يقال له: أيّهما السلوك الجميل وأيّهما القبيح برأيك؟ لو فعلنا هذا السلوك أفضل أم ذاك؟ فإذا اختار على مقتضى فطرته السليمة السلوك الإيجابيّ فبها ونعمت، وإن اختار السلوك الآخر، فنعيد التوجيه بطريقة السؤال: هل ترضى أن يقوم شخص بهذا السلوك معك؟ بأن يكذب عليك؟ بأن يعتدي عليك؟... إلخ، فإن كان جوابه: لا، فقد
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص302.
2- نهج البلاغة، ص472، حكمة: 26.
3- وقد كان أئمّة أهل البيت عليهم السلام يستعملون هذا الأسلوب التربويّ. عن يونس قال: "سألت الخراسانيّ (الإمام الرضا) عليه السلام وقلت: إنّ العبّاسيّ (رجل من العباسيّين) ذكر أنّك ترخّص في الغناء! فقال عليه السلام: كذب الزنديق، ما هكذا قلت له، سألني عن الغناء فقلت له: إنّ رجلاً أتى أبا جعفر عليه السلام فسأله: عن الغناء، فقال: يا فلان، إذا ميّز الله بين الحقّ والباطل فأنّى يكون الغناء فقال: مع الباطل. فقال: قد حكمت"، الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص435.
 
 
 
269

218

الدرس السابع عشر: التربية الأخلاقيّة (2) الأصول والأساليب

 حصل المطلوب1؟ وإذا كان جوابه: نعم، يُسأل ثانية: إذا قام طفل بهذا الفعل، هل تكون سعيداً أم تغضب؟ وهل تمدحه أم تذمّه وتعتب عليه؟... وهكذا.


وهذا الأسلوب يشابه ما يُعرف باستراتيجيّة النموّ الأخلاقيّ أو التفكير الأخلاقيّ2 التي تعتمد على نظريّة كولمبرج، وهي عبارة عن استثارة التفكير الأخلاقيّ عبر تعريض الطفل لمناقشة معضلة أخلاقيّة، وتعني المعضلة موقفاً يتضمّن مشكلة يتصارع فيها قيمتان، ويُطلب من الطفل اختيار إحدى القيمتين مع ذكر أسباب هذا الاختيار، فهذا يساعد الطفل على التوصّل إلى قرار تفضيليّ لقيمة أخلاقيّة على أخرى، مع فهم المبرّرات الكامنة وراء اتّخاذ ذلك القرار الأخلاقيّ.

- التعليم بأسلوب المدح، من خلال مدح الطفل على أفعاله الحسنة. وتعويد الطفل مدح كلّ طفل آخر يقوم بسلوك مرغوب فيه.

- التعليم بأسلوب الذمّ، بل العقاب، كما سيأتي في درس التربية بالعقوبة.

- وفي هذا السياق، نشير إلى ضرورة استخدام أسلوب التدرّج في المدح والذمّ، للتحفيز على الأفعال الأخلاقيّة، أي البدء من الطمع في الثواب، إلى الخوف من العقاب، إلى فعل الأخلاق من أجل الواجب، وهو الهدف الأسمى، حيث ينبغي تعويد الطفل أن يأتي بالعمل لأنّه حسن في ذاته، لا بسبب انتظار مكافأة أو شكر من أحد، ولا بسبب الخوف من العقاب، وهذا لا يلغي استخدام المكافأة والثواب للتحفيز على الفعل، لكن على أن لا يتحوّل إلى هدف بذاته يطلبه الطفل للقيام بالفعل الأخلاقيّ.

عن الإمام عليّ عليه السلام: "لو كنّا لا نرجو جنّة، ولا نخشى ناراً، ولا ثواباً ولا عقاباً، لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق، فإنّها ممّا تدلّ على سبيل النجاح"3.
 
 

1- عن أمير المؤمنين عليه السلام: "... إنّ الله يحب المرء المسلم الذي يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه". البرقي، المحاسن، ج1، ص10.
2- سلوم، التربية الأخلاقيّة، م.س، ص301.
3- السيد البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج14، ص210.
 
 
 
 
270

219

الدرس السابع عشر: التربية الأخلاقيّة (2) الأصول والأساليب

 وعنه عليه السلام: "عجبت لرجل يأتيه أخوه المسلم في حاجة، فيمتنع من قضائها ولا يرى نفسه للخير أهلاً، فهب أنّه لا ثواب يُرجى ولا عقاب يُتّقى، أفتزهدون في مكارم الأخلاق"1.


- التعليم بأسلوب النقد، من خلال سؤال الطفل بين الحين والآخر عن رأيه بسلوك غير مرغوب فيه يصدر عن شخص ما: برأيك هل هذا السلوك صحيح أم خاطئ؟ مع الانتباه إلى أن لا يتحوّل هذا الأسلوب إلى إيجاد ملكة التتبّع لعثرات الآخرين وإحصاء عيوبهم.

- استخدام طريقة المعالجة بالضدّ، أي إلزام الطفل بالمواظبة على فعل ضدّ الرذيلة وتكراره، من أجل إحداث التحوّل الباطنيّ.

- التعليم بالأسلوب الارتباطيّ ورصد الآثار، من خلال إطلاع الطفل على مدى ارتباط الفعل الأخلاقيّ بالجوانب الأخرى البيئيّة والصحّيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة... وإتاحة الفرصة أمام المتربّي للاطّلاع على آثار المشكلات الأخلاقيّة من خلال الملاحظة الحسّيّة، وتعريفه عاقبة الفضيلة والرذيلة، والنتائج والآثار التي تترتّب على كلّ من حسن الخلق وسوء الخلق، وتعويده التدبّر فيهما2، ككثرة الأصدقاء، ومحبّة الناس، وكسب قلوبهم وتعاطفهم ومدحهم مع حسن الخلق... ورصد الآثار السلبيّة للأخلاق السيّئة، ككسب عداوة الناس ونفورهم...3.

- تقوية أسباب الفضيلة، وإزالة الأسباب التي تؤدّي إلى تلبّس الطفل بالرذيلة. فمثلاً،
 

1- عيون الحكم والمواعظ، ص330.
2- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لرجل: "فإنّي أوصيك إذا أنت هممت بأمر فتدبّر عاقبته، فإن يك رشداً فامضه، وإن يك غيّاً فانته عنه". الشيخ الكليني، الكافي، ج8، ص150.
3- نماذج: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "حسن الخلق يثبت المودّة". ابن شعبة الحراني، تحف العقول ، ص46. عن الإمام عليّ عليه السلام: "حسن الأخلاق يدرّ الأرزاق ويؤنس الرفاق". غرر الحكم، ح4856. وعن الإمام الصادق عليه السلام: "البر وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار". الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص100. وعن الإمام عليّ عليه السلام: "من حسن خلقه كثر محبّوه وأنست النفوس به". غرر الحكم، ح4281، 9131.
وعن الإمام عليّ عليه السلام: "سوء الخلق نكد العيش وعذاب النفس". عيون الحكم والمواعظ، ص285. وعنه عليه السلام: "سوء الخلق يوحش القريب وينفّر البعيد" عيون الحكم، ص283. وعن الإمام عليّ عليه السلام: "من ساء خلقه، ملّه أهله". ابن شعبة الحراني، تحف العقول ، ص214.
 
 
271

220

الدرس السابع عشر: التربية الأخلاقيّة (2) الأصول والأساليب

 إنّ قضاء جميع رغبات الطفل والنزول عند طلباته دائماً في كلّ ما جلّ ودقّ، تعوّده أخلاقاً سلبيّة، مثل: الإصرار على رأيه، عدم القدرة على التمييز بين الحاجات الضروريّة والكماليّة، أو بين الحاجات والرغبات، قلّة الصبر وعدم القدرة على تحمّل الضغوط... إلخ، وهذا يستلزم من الأهل التدخّل وإزالة الأسباب، مثل خفض نسبة تجاوبهم مع طلبات الطفل بالتدّرّج... إلخ.


- أسلوب التحفيز بالتنافس مع الآخرين من أقرانه، مع التنبّه إلى أنّ المقصود ليس التعيير بالغير. فمن المشكلات التربويّة تعيير الطفل بغيره من الأطفال، فإنّه يؤدّي به إلى بغضهم وحسدهم والعناد والتثبّت بفعله.

عن أمير المؤمنين عليه السلام: "تنافسوا في الأخلاق الرغيبة، والأحلام العظيمة، والأخطار الجليلة، يعظم لكم الجزاء"1.

وعنه عليه السلام: "إن كنتم لا محالة متنافسين، فتنافسوا في الخصال الرغيبة، وخلال المجد"2.

- العمل على تهيئة البيئة الحاضنة للفضيلة، ووضع الطفل موضعاً حسناً، وتجنيبه البيئة التي تسودها المفاسد الأخلاقيّة، وخصوصاً البيئة المدرسيّة.

- التربية بالنموذج السلوكيّ - كما تقدّم -، أي تقديم المربّي نفسه قدوةً وأسوة حسنة، وإن لم يكن كذلك في الواقع. مع الإشارة إلى أنّ الأوجب هو أن يعمل المربّي على التحلّي بما يأمر الطفل به من القيم الموجِبة، والتخلّي عمّا ينهاه عنه من القيم السالبة. فينبغي للمربّي التنبّه إلى أنماط سلوكه أمام الطفل إيجاباً وسلباً، وتجنّب الأفعال التي تخالف أقواله. فالطفل إذا شاهد أباه يكذب، كأن يقول الأب للطفل: إذا طرق أحد ما باب المنزل أو اتصل على الهاتف، فقل له: إنّ أبي غير موجود. أو قد يسمع الطفل أباه يقول لفلان: إنّي اشتريت هذا القميص ب20 دولاراً، في حين أنّ الطفل كان حاضراً مع أبيه ورآه يدفع 10 دولارات. أو يتكرّر من أبيه أن يعده
 

1- عيون الحكم والمواعظ، ص200.
2- المصدر نفسه، ص163.
 
 
 
272

221

الدرس السابع عشر: التربية الأخلاقيّة (2) الأصول والأساليب

 فيخلف معه وعده... إلخ، فبطبيعة الحال سينشأ الطفل على الكذب والتزوير والخداع... تقليداً ومحاكاة له.


- حكاية قصص أخلاقيّة من حياة الأنبياء والأئمّة والأبرار والصالحين، حول كيفيّة تعاملهم أخلاقيّاً مع المواقف المختلفة التي واجهتهم في الحياة، وربط الطفل بهم وحثّه على السير بسيرتهم في كلّ موقف حياتيّ مشابه.

- استعمال أسلوب النصيحة والموعظة، من خلال توجيه الموعظة إلى الطفل، أو حثّه على استماع المواعظ من أهل التقوى والخير والصلاح.

- حثّ الطفل على "اختيار مصاحبة الأخيار، ومعاشرة أولي الفضائل الخلقيّة، واستماع كيفيّة سلوكهم مع الخالق والخليقة، واجتناب عن مجالسة الأشرار وذوي الأخلاق السيّئة، والاحتراز عن استماع قصصهم وحكاياتهم وما صدر عنهم من الأفعال ومزخرفاتهم"1. وقد أكّد فلاسفة الأخلاق المسلمون أنّ أصل تأديب الأطفال هو بحفظهم عن قرناء السوء2.

- تدريب الطفل بطريقة توصله إلى مرحلة يكون فيها طبيب نفسه أخلاقيّاً، وقد حثّت الروايات على هذا الجانب. فعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "إنّك قد جُعلت طبيب نفسِك، وبُيّن لك الداء، وعُرّفت آية الصحّة، ودللت على الدواء، فانظر كيف قيامك على نفسك"3.

وذلك من خلال الأساليب التالية:
1- تنمية قدرات العقلين النظريّ والعمليّ في الوصول إلى الحقائق كما هي، والتمييز بين الحقّ والباطل من وجوه الآراء، وإدراك الحسن والقبح والتمييز بينهما في الأفعال الاختياريّة.
 

1- النراقي، جامع السعادات، ص90.
2- يراجع: الغزالي، إحياء علوم الدين، ج8، ص133. المحجّة البيضاء في تهذيب الأحياء، ج5، ص127.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص454.
 
 
 
273

222

الدرس السابع عشر: التربية الأخلاقيّة (2) الأصول والأساليب

 2- التعرّف إلى الأمراض الأخلاقيّة، وغرس ملكة تشخيصها وتحديدها من خلال معايير تقدّم ذكرها1.

3- التعرّف إلى الفضائل الأخلاقيّة كأضداد بديلة للأمراض الأخلاقيّة.
4- التعرّف إلى الدواء المناسب لكلّ مرض من تلك الأمراض الأخلاقيّة.
5- تنمية حسّ حبّ الله تعالى في ذات الطفل، والارتباط به عزّ وجلّ2.
6- تنمية حسّ الحياء عند الطفل3، وخصوصاً الاستحياء من الله تعالى.
7- تعويد الطفل الشعور الدائم بالرقابة الإلهيّة، لأنّ الله حاضر في كلّ مكان يرى ويسمع4. وإشعار النفس بالرقابة الكونيّة من حوله: الملائكة، الأنبياء، الأئمّة...
8- اليقظة والمراقبة المستمرّة للنفس5، والنظر الدائم في أفعالها وملكاتها، لاكتشاف عيوبها وعدم الغفلة عنها، وإحصائها.
9- النقد الذاتيّ للنفس ومحاسبتها6، وإشعارها بالندم وتأنيب الضمير7.
10- الاعتراف الذاتيّ بالخطأ والإقرار بالخطيئة8.
 
 

1- درس معايير تحديد القيم والأفعال المرغوب فيها.
2- عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: "ما أحبّ الله عزّ وجلّ من عصاه، ثم تمثّل فقال:
تعصي الإله وأنت تظهر        حبّه هذا محال في الفعال بديع 
لو كان حبّك صادقاً لأطعته     إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع".
الشيخ الصدوق، الأمالي ، ص578.
3- عن الإمام عليّ عليه السلام: "الحياء سبب كلّ جميل". ابن شعبة الحراني، تحف العقول ، ص84. وعنه عليه السلام: "من كساه الحياء ثوبه خفي على الناس عيبه". الشيخ الكليني،الكافي، ج8، ص23.
4- عن الإمام الصادق عليه السلام لإسحاق بن عمّار، قال: "يا إسحاق، خف اللَّه كأنّك تراه، وإن كنت لا تراه فإنّه يراك، وإن كنت ترى أنّه لا يراك فقد كفرت، وإن كنت تعلم أنّه يراك ثمّ برزت بالمعصية، فقد جعلته من أهون الناظرين إليك". الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص67.
5- عن الإمام عليّ عليه السلام: "اجعل من نفسك على نفسك رقيباً". عيون الحكم والمواعظ، ص85.
6- عن الإمام عليّ عليه السلام، قال: "من حاسب نفسه ربح، ومن غفل عنها خسر". نهج البلاغة، ص506، ح208.
7- عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنينعليه السلام: "إنّ الندم على الشرّ يدعو إلى تركه". الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص427.
8- عن أبي جعفر عليه السلام: "والله ما ينجو من الذنب إلّا من أقرّ به". الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص426.
 
 
 
274

223

الدرس السابع عشر: التربية الأخلاقيّة (2) الأصول والأساليب

 11- الوعظ الدائم للنفس1، وتنزيلها منزلة الآخر المخطئ، وتوجيه السؤال إلى النفس: هل ترضىى أن يصدر هذا الفعل من فلان؟ وما هو موقفها منه؟ وليكن الجواب هو موقفها من ذاتها2.

12- الوقاية والاحتراز عن كلّ ما يؤدّي إلى تنشيط القوّة الغضبيّة والشهويّة، وسدّ أبواب ما يفتح شهيّتهما3، كتجنّب حديث النفس بالرذيلة وإبعاد التخيّلات والخواطر النفسانيّة والوساوس الشيطانيّة.
13- تعويده الالتزام بظاهر الشريعة وتعاليم الوحي الإلهيّ.
14- تقوية الإرادة وتصليبها، لأنّها تشكّل عنصراً محوريّاً في التربية الأخلاقيّة، فينبغي للمربّي تعويد الطفل الأعمال التي من شأنها تقوية الإرادة، وتجنيبه الأعمال التي من شأنها إضعاف الإرادة، كي يصبح صاحب إرادة قادرة على التحكّم والسيطرة على صوت القوّة الشهويّة والغضبيّة، ومتمكّناً من التغلّب على الظروف المحيطة. مثل:
- تلقين النفس بشكل متكرّر عبارة: أنا قادر، أنا مستطيع...
- تعويد الطفل تجنّب تبرير الذنب، أو التمسّك بأي ذريعة لذلك.
- تدريبه على توجيه إصبع الاتّهام إلى الذات، وتحميلها مسؤوليّة أيّ تقصير، وتجنّب إلقاء تبعات أفعاله واللوم على الظروف والمؤثّرات الخارجيّة، أو على عاتق الآخرين، كالصديق أو الأستاذ أو الجار...
 

1- عن الإمام زين العابدين عليه السلام: "ابن آدم، إنّك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة من همّك، وما كان الخوف لك شعاراً، والحذر لك دثاراً". ابن شعبة الحراني، تحف العقول ، ص280. عن الإمام الصادق عليه السلام: "من لم يكن له واعظ من قلبه، وزاجر من نفسه، ولم يكن له قرين مرشد، استمكن عدوّه من عنقه". الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج5، ص575.
2- عن الإمام عليّ عليه السلام: "من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره، ومن نظر في عيوب الناس فأنكرها، ثم رضيها لنفسه فذاك الأحمق بعينه". النيسابوريّ، روضة الواعظين، ص470.
3- النراقي، جامع السعادات، ص92.
 
 
 
 
275

224

الدرس السابع عشر: التربية الأخلاقيّة (2) الأصول والأساليب

 المفاهيم الرئيسة


- إحدى الأزمات التربويّة الموجودة في عمليّة التربية الأخلاقيّة للطفل، هي أنّ بعض المربّين يؤدّبه على سلوك ما جوارحيّاً، من دون أن ينطلق هذا الفعل الجوارحيّ من شحنة قلبيّة جوانحيّة، مع أنّ الفعل إنّما يكون أخلاقيّاً فيما لو كان منطلقاً من هيئة نفسانيّة راسخة، تقتضي صدور ذلك الفعل.

- إنّ عملية بناء المحتوى الداخليّ للطفل، ينبغي أن تبدأ من أسلوب تأثير الظاهر في الباطن، والمقصود به أنّ عمليّة إيجاد التحوّل في السلوك الخارجيّ بشكل متكرّر تؤدي إلى إيجاد التحوّل في باطن الطفل ومحتواه الداخليّ. وينبغي على المربّي رصد مؤشّرات هذا التحوّل الباطنيّ في شخصيّة الطفل، ليحصّل الاطمئنان والوثوق بالتطابق بين الظاهر والباطن.

- تنبغي الرقابة الذكيّة الدائمة على سلوك الطفل، لتشخيص الآفات الأخلاقيّة، من أجل مساعدته على الوقاية منها وعلاجها.

- على المربّي تعويد الطفل اختيار قيمه باقتناع عقليّ حرّ، بأن نضع الشيء وضدّه أمامه، ثمّ نجعله يقرّر بنفسه، كأن نسأله: أيّهما السلوك الجميل وأيّهما السلوك القبيح؟ لو فعلنا هذا السلوك أفضل أم ذاك؟ هل ترضى أن يقوم شخص ما بهذا السلوك معك؟

- التعليم بأسلوبي المدح والذمّ، من خلال مدح الطفل على أفعاله الحسنة، وذمّه على القبيحة. وتعويد الطفل مدح كلّ طفل آخر يقوم بسلوك مرغوب فيه.

- التعليم بأسلوب النقد، من خلال سؤال الطفل بين الحين والآخر، عن رأيه في سلوك غير مرغوب فيه يصدر عن شخص ما: برأيك، هل هذا السلوك صحيح أم خاطئ؟

- استخدام طريقة المعالجة بالضدّ، بالمواظبة على فعل ضدّ الرذيلة، لإحداث التحوّل الباطنيّ.

- التعليم بالأسلوب الارتباطيّ ورصد الآثار، من خلال إطلاع الطفل على مدى ارتباط الفعل الأخلاقيّ بالجوانب الأخرى البيئيّة والصحّيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة...

- تهيئة البيئة الحاضنة للفضيلة، ووضع الطفل موضعاً حسناً، وتجنيبه البيئة التي تسودها المفاسد الأخلاقيّة، وخصوصاً البيئة المدرسيّة.

- التربية بالنموذج السلوكيّ، وأسلوب القصص الأخلاقيّة من حياة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام.

- التربية بأسلوب التحفيز بالتنافس مع الآخرين من أقرانه، وحثّ الطفل على مصاحبة الأخيار.

- تدريب الطفل بطريقة توصله إلى مرحلة يكون فيها طبيب نفسه أخلاقيّاً، من خلال الأساليب التالية: تنمية حسّ التمييز بين الحسن والقبيح، والتعرّف إلى الفضائل والرذائل، تنمية حسّ حبّ الله تعالى والحياء منه، الشعور الدائم بالرقابة الإلهيّة، النظر في عيوب النفس، النقد الذاتيّ، الشعور بالندم، الاعتراف بالخطأ والخطيئة، وعظ النفس...
 
 
 
 
 
 
276

225

الدرس السابع عشر: التربية الأخلاقيّة (2) الأصول والأساليب

 أسئلة الدرس


- عن الإمام عليّ عليه السلام، قال: "إن لم تكن حليماً فتحلَّم، فإنّه قلَّ من تشبّه بقوم إلّا أوشك أن يكون منهم". استخرج من هذه الرواية دور أسلوب تربية الظاهر لإيجاد التحوّل الباطنيّ أخلاقيّاً.
- تحدّثت نظريّة كولمبرج عمّا يُعرف باستراتيجيّة النموّ الأخلاقيّ أو التفكير الأخلاقيّ، اعرض هذه النظريّة، شارحاً كيفيّة الاستفادة منها في التربية الأخلاقيّة للطفل.
- عن الإمام عليّ عليه السلام: "لو كنّا لا نرجو جنّة، ولا نخشى ناراً، ولا ثواباً ولا عقاباً، لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق، فإنّها ممّا تدلّ على سبيل النجاح". حلّل مضمون هذه الرواية، مستخرجاً منها هدف التربية الأخلاقيّة.
- اشرح الأساليب التالية في التربية الأخلاقيّة: التعليم بأسلوب النقد، المعالجة بطريقة الضدّ، التعليم بالأسلوب الارتباطيّ، التعليم بأسلوب التحفيز بالتنافس.
- ما هو الدور الذي يقوم به كلٌّ من: النموذج السلوكيّ، أسلوب القصّة، وأسلوب الصداقة في التربية الأخلاقيّة للطفل؟
 
 
 
 
 
277

226

الدرس السابع عشر: التربية الأخلاقيّة (2) الأصول والأساليب

 أسئلة الدرس


- عن الإمام عليّ عليه السلام، قال: "إن لم تكن حليماً فتحلَّم، فإنّه قلَّ من تشبّه بقوم إلّا أوشك أن يكون منهم". استخرج من هذه الرواية دور أسلوب تربية الظاهر لإيجاد التحوّل الباطنيّ أخلاقيّاً.
- تحدّثت نظريّة كولمبرج عمّا يُعرف باستراتيجيّة النموّ الأخلاقيّ أو التفكير الأخلاقيّ، اعرض هذه النظريّة، شارحاً كيفيّة الاستفادة منها في التربية الأخلاقيّة للطفل.
- عن الإمام عليّ عليه السلام: "لو كنّا لا نرجو جنّة، ولا نخشى ناراً، ولا ثواباً ولا عقاباً، لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق، فإنّها ممّا تدلّ على سبيل النجاح". حلّل مضمون هذه الرواية، مستخرجاً منها هدف التربية الأخلاقيّة.
- اشرح الأساليب التالية في التربية الأخلاقيّة: التعليم بأسلوب النقد، المعالجة بطريقة الضدّ، التعليم بالأسلوب الارتباطيّ، التعليم بأسلوب التحفيز بالتنافس.
- ما هو الدور الذي يقوم به كلٌّ من: النموذج السلوكيّ، أسلوب القصّة، وأسلوب الصداقة في التربية الأخلاقيّة للطفل؟
 
 
 
 
 
277

227

الدرس الثامن عشر: التربية العباديّة للطفل (أدلّتها - أساليبها - ميادينها)

 الدرس الثامن عشر

التربية العباديّة للطفل (أدلّتها - أساليبها - ميادينها)


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرّف التربية الفقهيّة والتربية العباديّة.
2- يعدّد ميادين التربية العباديّة.
3- يعرض أدلّة استحباب التربية العباديّة للطفل.
4- يذكر المبادئ التربويّة العامّة للتربية العباديّة.
5- يحدّد أساليب التربية العباديّة.
 
 
 
 
 
279

228

الدرس الثامن عشر: التربية العباديّة للطفل (أدلّتها - أساليبها - ميادينها)

 التربية الفقهيّة

نقصد بالتربية الفقهيّة تعليم الطفل، خصوصاً المميّز، الأحكام الدينيّة والتشريعات التكليفيّة والوضعيّة المتناسبة مع مرحلته العمريّة، وتعويده ما ينبغي إتيانه من العبادات، وتجنيبه ما لا ينبغي.

وذكرنا سابقاً رواية واردة في التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام، أنّ الله عزّ وجلّ يقول: "... واكسوا والديه حلّة لا تقوم لها الدنيا بما فيها... فيقال: هذا بتعليمكما ولدكما القرآن، وبتبصيركما إيّاه بدين الإسلام، ورياضتكما إيّاه على حبّ محمّد رسول الله، وعليّ وليّ الله، وتفقيهكما إيّاه بفقههما..."1.

فتفقيه الطفل على أحكام دينه، كالحلال والحرام، والطهارات والنجاسات، والصحّة والفساد... إلخ، يعتبر أمراً مهمّاً، فضلاً عن أنّ تكليف الطفل بالعبادات يستلزم بطبيعة الحال تفقيهه على أحكامها، وتعليمه كيفيّتها وأجزاءها وشرائطها وعناصرها، بشكل تدريجيّ.

وهناك تقصير في مجتمعاتنا الإسلاميّة من قبل أولياء الأمور بالاهتمام بالثقافة الفقهيّة للأطفال، بل بعض الأهل قد يمنع طفله أو لا يرغّبه في تعلّم أحكام دينه وفرائضه. وهؤلاء في الحقيقة هم مصداق لما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، من "أنّه نظر إلى بعض الأطفال، فقال: ويل لأطفال آخر الزمان من آبائهم. فقيل: يا رسول الله، من آبائهم المشركين؟ فقال: لا، من آبائهم المؤمنين، لا يعلِّمونهم شيئاً من الفرائض، وإذا تعلّموا - أولادهم -
 

1- العلامة المجلسي، بحار الانوار، ج7، ص306.
 
 
 
 
281

229

الدرس الثامن عشر: التربية العباديّة للطفل (أدلّتها - أساليبها - ميادينها)

 منعوهم، ورضوا عنهم بعرض يسير من الدنيا، فأنا منهم بريء، وهم مني براء"1.


ولم نخصّص درساً مستقلّاً للتربية الفقهيّة للأطفال، لأنّنا سنذكر في كلّ ساحة من ساحات التربية المضافة، ما يتعلّق بالتربية الفقهيّة، من أحكام وتشريعات ينبغي تعويد الطفل إيّاها أو تجنيبه إياها. لذا، سنقتصر في هذا الدرس على التربية العباديّة، كساحة من جملة ساحات التربية الفقهيّة.

ما هي التربية العباديّة؟
نقصد بالتربية العباديّة تعويد الطفل العبادات التي من شأنها تنمية الشعور الفطريّ عنده، بوجود قوّة عظمى في هذا الكون، وتهيئته لطاعة الله تعالى والارتباط السلوكيّ به.

عن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام، أنّه قال: "وأمّا حقّ ولدك، فأن تعلم أنّه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وأنّك مسؤول عمّا وُلّيته من حسن الأدب، والدلالة على ربّه عزّ وجلّ، والمعونة على طاعته..."2.

فمن أهمّ حقوق الطفل على والديه إعانته على طاعة الله سبحانه وتعالى والخضوع له.

وهنا تُطرح أمام المربّي مجموعة أسئلة: أليست مدارك أفهام الطفل غير قادرة على استيعاب مغزى العبادة ومعناها؟ فكيف نأمره بالقيام بها؟ وفي أيّ عمر نبدأ بتعويد الطفل العبادة؟ وما هي العبادات التي نعوّد الطفل القيام بها؟

والجواب عن هذه الأسئلة سيتّضح من خلال طرح عدّة نقاط:
تمرين الطفل على العبادة
إنّ الإنسان بشكل عامّ كائن يتحرّك جوهريّاً من حال إلى حال بالتدريج، فهو يتغيّر بشكل تراكميّ - لا دفعي - في مختلف أبعاد شخصيّته وميادين حياته. فعمليّة التغيير للنفس البشريّة لا تحصل بين ليلة وضحاها، وإنّما تحتاج إلى توافر عناصر التراكم الكمّيّ
 

1- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج15، ص164. السيد البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج21، ص408.
2- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص622.
 
 
 
 
282

 


230

الدرس الثامن عشر: التربية العباديّة للطفل (أدلّتها - أساليبها - ميادينها)

 والنوعيّ والكيفيّ ليحدث التغيير الذهنيّ والنفسيّ والوجدانيّ والسلوكيّ المطلوب. وبما أنّ التكاليف الإلزاميّة والعبادات الشرعيّة كثيرة جدّاً ومتعدّدة، وتتعلّق بموضوعات مركّبة، وسنّ الإلزام بها وإيجابها متأخّر نسبيّاً، فإنّ بدء التعلّم والتعليم لها بحكم العقلاء لا بدّ من أن يسبق سنّ البلوغ الشرعيّ، حتّى لا يدخل الطفل دائرة الإلزام بنحو فجائيّ من دون أيّ عمليّة تهيئة وتمهيد، كي لا يستقبل مرحلة التكليف بصدمة وإحساس بالغربة، وشعور بالضيق والمشقّة، على الأقلّ في ما هو موضع ابتلاء يوميّ في حياته مستقبلاً. وقد ذكرنا مرّات عدّة أنّ التطبّع بالشيء من خلال تكراره وتعوّده، يحوّله إلى طبيعة ثانية في شخصيّة الطفل والإنسان، كما أنّ تعوّد فعل ما يجعله مأنوساً، في حين أنّ عدم تعوّده أو تعوّد خلافه، يجعله صعباً مستصعباً، فيصدر عن الفاعل له بتثاقل وضجر. فدفعاً للتأفّف والمشقّة والوحشة، وغيرها من القيم السالبة في خطّ الارتباط بالله تعالى1، حثّ المنهاج التربويّ الإسلاميّ على العناية بالطفل من ناحية تمرينه وتعويده وتدريبه على العبادات، كالصلاة والصوم والصدقة والحجّ... كي ينتفع بها عند بلوغه السنّ الشرعيّة.


عن لقمان الحكيم في وصيّته لابنه، قال: "يا بنيّ، إن تأدّبت صغيراً انتفعت به كبيراً"2.

فعدم توجّه التكليف الإلزاميّ للطفل، لا يلازمه ضرورة عدم تعويده التكاليف وتمرينها عليها، بل هناك ملازمة عرفيّة وعقلائيّة على عكس ذلك.

يقول القاضي النعمان: "الأطفال غير مكلّفين، وإنّما أمر الأئمّة صلوات الله عليهم بما أمروا به من ذلك أمر تأديب لتجري به العادة وينشأ عليه الصغير، ليصل إلى حين افتراضه عليه وقد تدرّب فيه وأنس به واعتاده، فيكون ذلك أجدر له أن لا يضيع شيئاً منه"3.

استحباب تعويد الطفل وتدريبه على الأفعال العباديّة
وفي هذا السياق، أفتى الفقهاء باستحباب تمرين الطفل على العبادة.

قال الميرزا القمّيّ: "يُستحبّ تمرين الصبيّ والصبيّة على العبادات. والمراد حمله على
 

1- يراجع: ترحيني، محمد حسن، الزبدة الفقهيّة في شرح الروضة البهيّة، ج2، ص133.
2- تفسير القميّ، ج2، ص164.
3- المغربي، دعائم الإسلام، ج1، ص194.
 
 
 
 
283

231

الدرس الثامن عشر: التربية العباديّة للطفل (أدلّتها - أساليبها - ميادينها)

 العبادات قبل البلوغ ليعتادها ويقوى عليها، حتّى يسهل عليه الأمر بعد البلوغ، ويصلب عليها"1.


وهذا التدريب للطفل على العبادة ممّا التفت إليه بعض فلاسفة الغرب أيضاً، يقول جون لوك: "بعد أن تغرس أسس الفضيلة في نفس الطفل من خلال أفكار صحيحة عن الله الحكيم، الخالق الأسمى، والمبدع القدير، وتدريبه على عبادة الله قدر ما تتحمّله سنّه، فإنّ الشيء التالي غرس حبّ الحقيقة في نفسه..."2.

لا عبادة قبل سنّ التمييز
قسمنا في الدرس الخامس من الجزء الأوّل المراحل العمريّة الأولى للإنسان إلى ثلاث سبعات، وقلنا إنّ السبع الأولى مرحلة ما قبل التمييز، أمّا السبع الثانية فهي المرحلة التي تتشكّل فيها ملكة التمييز بين الحسن والقبيح عند الطفل، وقد أجمع الفقهاء انطلاقاً من النصّ الدينيّ على أنّ الطفل لا يُعوّد ويُمرّن على العبادات قبل دخول سنّ التمييز، وإنّما يبدأ تعويده وتدريبه على العبادة بعد دخوله سنّ التمييز، أي منذ سنّ السابعة.

وبذلك يتّضح الجواب عن الإشكال الذي يُطرَح حول مدى قدرة الجهاز الإدراكيّ للطفل على استيعاب مغزى العبادة وأهدافها، بأن يقال: إنّ مرحلة التمييز بين الحسن والقبيح هي نقطة انطلاق تمرين الطفل وتدريبه على العبادات، وهو في هذه السنّ يملك استعداداً يجعله قابلاً بالتدريج على تلمّس مغزى العبادة، والشعور بقيمتها الوجدانيّة والنفسيّة في حياته، بنحو يتلاءم مع مرحلته العمريّة، والتجارب العمليّة في حياة الأطفال المتديّنين تدلّ على ذلك.

عن الإمام محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام، أنّه قال: "يُؤمر الصبيان بالصلاة إذا عقلوها، وبالصوم إذا أطاقوه. فقيل له: ومتى يكون ذلك؟ فقال: إذا كانوا أبناء ستّ سنين"3.

والمقصود بالعقل هنا هو القدرة على التمييز بين الحسن والقبيح، كما هو واضح.
 

1- الميرزا القمي، غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام، المحقق: عباس تبريزيان، المساعدان: عبد الحليم الحلّي، السيّد جواد الحسيني، الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، 1417ه - 1375ش، ط1،ج5، ص282.
2- نقلاً عن: الفكر التربويّ المعاصر وجذوره الفلسفيّة، ص121.
3- المغربي، دعائم الإسلام، ج1، ص194. 
 
 
 
 
284

232

الدرس الثامن عشر: التربية العباديّة للطفل (أدلّتها - أساليبها - ميادينها)

 يقول العلّامة الحلّيّ قدس سره: "إذا بلغ الطفل سبع سنين، كان على أبيه أن يعلّمه الطهارة والصلاة، ويعلّمه الجماعة وحضورها ليعتادها، لأنّ هذه السنّ يحصل فيها التمييز من الصبيّ في العبادة..."1.


تمرينيّة أو شرعيّة عبادات الطفل
وقع النقاش بين الفقهاء حول تمرينيّة أو شرعيّة عبادات الطفل، ويوجد قولان في المسألة2:
- الأوّل (العبادة الصوريّة - التمرينيّة): يعتبر أنّ تعويد الطفل العبادة هو مجرّد عمليّة تمرين لاستقبال مرحلة البلوغ متطبّعاً بالسلوك العباديّ، كي لا يشقّ عليه، من دون أن يُكتَب الثواب للطفل على الفعل الصادر عنه، انطلاقاً من وجهة نظرهم بأنّ الخطاب الإلهيّ لم يتوجّه إلى الطفل أصلاً، لا الإلزاميّ ولا الترخيصيّ. إنّما غاية الأمر أنّ الخطاب متوجّه إلى أولياء الطفل، بأمر الطفل بالصلاة والصوم قبل أن يصير بالغاً، وبما أنّ المشرِّع أمر الأولياء بتمرين أطفالهم، فيكون الثواب وجزاء التمرين للأهل، لأنّه فعل مستحبّ.

- القول الثاني (العبادة الحقيقيّة - الشرعيّة): يرى أنّ عبادة الطفل المميّز شرعيّة، بمعنى أنّ الفعل الصادر عن الطفل إضافةً إلى كونه تمريناً وتدريباً له لاستقبال مرحلة البلوغ، فهو يتّسم بالعباديّة، بمعنى أنّه يقع منه على وجه الطاعة بنحو يستحقّ الثواب على إتيانه بها3، لأنّ الأمر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيء، كما ثبت عندهم في علم أصول الفقه. فأمر وليّ الطفل بأمر الطفل بالعبادة، هو أمر بالعبادة للطفل. فالعبادة نفسها الصادرة عن الطفل هي متعلّق لأمر الشارع،
 
 

1- العلامة الحلي، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي، تذكرة الفقهاء (ط.ج)، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم، محرم 1414ه، ط1،ج4، ص335. والعامليّ، محمّد بن جمال الدين مكّي، البيان، ص153.
2- يراجع: البجنوردي، القواعد الفقهيّة، ج4، ص109 وما بعد.
3- العلامة الحلي، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي، تحرير الأحكام، الشيخ إبراهيم البهادري / إشراف جعفر السبحاني، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، 1420ه، ط1،ج1، ص485.
 
 
 
285

233

الدرس الثامن عشر: التربية العباديّة للطفل (أدلّتها - أساليبها - ميادينها)

 فالخطاب الإلهيّ يشمل الطفل المميّز. غاية الأمر أنّ رفع قلم التكليف أسقط الإلزام عنه، فيكون المرفوع عن الطفل هو قلم الإلزام دون قلم أصل التشريع1، فتكون الواجبات في حقّ الطفل مستحبّات، والمحرّمات مكروهات، أي إن الأحكام التكليفيّة في حقّ الطفل ثلاثة: المستحبّ والمكروه والمباح. وعليه، ينوي الطفل بالعبادة الاستحباب، ويصحّ منه ذلك، ويترتّب على ذلك أن يُكتب له أجر الصلاة أو الصوم أو غيرهما وثواب ذلك.


النصوص الروائيّة في تعويد الطفل عبادة الصلاة والصوم
وعلى كلّ حال، وردت روايات عدّة يُستفاد منها ضرورة تمرين الطفل وتدريبه على العبادة، نذكر منها:
- عن أبي عبد الله عليه السلام، عن أبيه الباقر عليه السلام، قال: "إنّا نأمر صبياننا بالصلاة إذا كانوا بني خمس سنين، فمروا صبيانكم بالصلاة إذا كانوا بني سبع سنين. ونحن نأمر صبياننا بالصوم إذا كانوا بني سبع سنين، بما أطاقوا من صيام اليوم، إن كان إلى نصف النهار أو أكثر من ذلكأو أقلّ، فإذا غلبهم العطش والغرث2 أفطروا، حتى يتعوّدوا الصوم ويطيقوه، فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصوم ما استطاعوا من صيام اليوم، فإذا غلبهم العطش أفطروا"3.

- وعن الحسن بن قارن، قال: "سألت الرضا عليه السلام، أو سُئل وأنا أسمع، عن الرجل يجبر ولده وهو لا يصلّي اليوم واليومين؟ فقال عليه السلام: وكم أتى على الغلام؟ فقلت: ثماني سنين. فقال: سبحان الله، يترك الصلاة؟! قال: قلت: يصيبه الوجع. قال عليه السلام: يصلّي على نحو ما يقدر"4.
 

1- يراجع: الغروي، التنقيح في شرح العروة الوثقى، كتاب الطهارة، ج2، ص153.
2- الغرث: الجوع.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج3، ص409.
4- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص281، ح862.
 
 
 
286

234

الدرس الثامن عشر: التربية العباديّة للطفل (أدلّتها - أساليبها - ميادينها)

 - وعن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الصبيان إذا صفّوا في الصلاة المكتوبة؟ قال عليه السلام: "لا تؤخّروهم عن الصلاة، وفرّقوا بينهم"1.


وقد علّق الفيض الكاشانيّ قدس سره على الرواية بقوله: "يعني لا تمنعوهم عن الجماعة، ولكن فرّقوا بينهم في الصفّ لكيلا يتلاعبوا"2.

هل الصلاة والصيام من باب المثال أم الحصر؟
ذكر بعض الفقهاء - كما اتّضح من كلمات الميرزا القمّيّ - أنّه لا خصوصيّة للصلاة والصوم، بل ينبغي تمرين الطفل على سائر العبادات أيضاً، وذلك انطلاقاً من مراعاة مبدأ إلغاء خصوصيّة المورد وتعميمه على باقي الموارد. أي إنّه عند عرض هذه الروايات على الذهن العرفيّ اللغويّ العامّ، يسبق إليه منها عدم خصوصيّة الصلاة والصوم حتّى تنحصر المسألة بهما، بل هما من باب أبرز النماذج والأمثلة دون الحصر، وعليه يجري تعميم التمرين والتدريب على العبادات كافة3.

تربية الطفل على التصدّق
ومن الشواهد على عدم خصوصيّة الصلاة والصوم، ما ورد في الروايات من تربية الطفل على التصدّق بنيّة القربة إلى الله تعالى.

عن محمّد بن عمر بن يزيد، عن الإمام الرضا عليه السلام، أنّه قال: "... مُرِ الصبيّ فليتصدّق بيده بالكسرة والقبضة والشيء وإن قلّ، فإنّ كلّ شيء يراد به الله وإن قلّ، بعد أن تصدق النيّة فيه، عظيم"4.

سُئل الإمام الصادق عليه السلام عن صدقة الغلام ما لم يحتلم قال: "نعم إذا وضعها في موضع الصدقة"5.
 
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج3، ص409.
2- الفيض الكاشاني، الوافي، ج7، ص196، ذيل حديث:5759.
3- يراجع: البروجردي، مرتضى، المستند في شرح العروة الوثقى، كتاب الإجارة، ج1، ص455.
4- الشيخ الكليني،الكافي، ج4، ص4. وسيأتي سياق الرواية في درس التربية الصحّيّة.
5- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، تحقيق وتعليق السيد حسن الموسوي الخرسان، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1364ش، ط3،ج9، ص182.
 
 
 
 
287

235

الدرس الثامن عشر: التربية العباديّة للطفل (أدلّتها - أساليبها - ميادينها)

 التربية القرآنيّة

من جملة مصاديق التربية العباديّة، هو عمليّة ربط الطفل بالقرآن الكريم، قراءة وحفظاً وتعلّماً وتخلّقاً وسلوكاً، وقد ورد الحثّ في روايات عدّة على تعليم القرآن الكريم للطفل. فإضافةً إلى الأبعاد العقائديّة والقيميّة في عمليّة ربط الطفل بالقرآن الكريم، هناك بعد أدبيّ ولغويّ وبلاغيّ يتعلّق بتنمية المهارات اللغويّة عند الطفل، وكذلك تنمية الذاكرة والحفظ...

عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيّكم، وحبّ أهل بيته، وقراءة القرآن"1.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "حقّ الولد على والده إذا كان ذكراً، أن يستفره أمّه، ويستحسن اسمه، ويعلّمه كتاب الله ويطهّره،... وإذا كانت أنثى أن يستفره أمّها، ويستحسن اسمها، ويعلّمها سورة النور، ولا يعلّمها سورة يوسف..."2.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ المعلّم إذا قال للصبيّ: بسم الله، كتب الله له وللصبيّ ولوالديه براءة من النار"3.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من قرأ القرآن قبل أن يحتلم، فقد أوتي الحكم صبيّاً"4.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من علّم ولده القرآن، فكأنّما حجّ البيت عشرة آلاف حجّة، واعتمر عشرة آلاف عمرة، وأعتق عشرة آلاف رقبة من ولد إسماعيل، وغزا عشرة آلاف غزوة، وأطعم عشرة آلاف مسكين مسلم جائع، وكأنّما كسا عشرة آلاف عار مسلم، ويُكتب له بكلّ حرف عشر حسنات، ويمحو الله عنه عشر سيّئات، ويكون معه في قبره حتّى يُبعث ويثقل ميزانه، ويجاوز به على الصراط كالبرق الخاطف، ولم يفارقه القرآن حتى ينزل به من الكرامة أفضل ما يتمنّى"5.
 
 

1- السيوطي، الجامع الصغير، ج1، ص51.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص49.
3- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج15، ص166.
4- أحمد بن الحسين البيهقي، شعب الإيمان، أبو هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول / تقديم: دكتور عبد الغفار سليمان البنداري، بيروت - لبنان، دار الكتب العلمية، 1410 - 1990م، ط1،ص330.
5- السيد البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج15، ص45.
 
 
 
 
288

236

الدرس الثامن عشر: التربية العباديّة للطفل (أدلّتها - أساليبها - ميادينها)

 مبادئ تربويّة عامّة في التربية العباديّة

هناك مبادئ تربويّة عامّة عدّة ينبغي مراعاتها في التربية العباديّة، يمكن استظهارها من الروايات:
- أوّلاً: مراعاة مبدأ التدرّج في تعويد الطفل العبادة، فهو ابن سبع سنوات يُعوّد الصلاة، ثم ابن تسع سنوات يُعوّد الصوم. هذا في الطفل الذكر، أمّا الأنثى فلكون سنّ البلوغ عندها هي تسع سنوات، فإنّه يصبح واجباً عليها.

- مراعاة مبدأ الوسع والطاقة، أي تكليف الطفل بأداء العبادة على قدر وسعه، وبما ينسجم مع حدود استطاعته المناسبة لعمره في القيام بالعمل، ولا يرهقه ويحمّله فوق طاقته.

وهذا واضح من الرواية الأولى بالنسبة إلى صوم الطفل. وعن سماعة قال: سألته عن الصبيّ متى يصوم؟ قال الإمام الصادق عليه السلام: "إذا قوى على الصيام"1.

- مراعاة مبدأ اليسر والسهولة، وهو ما تفيده رواية الجمع بين الصلاتين مثلاً.

عن الإمام جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السلام، قال: "كان عليّ بن الحسين عليهما السلام يأمر الصبيان أن يصلّوا المغرب والعشاء جميعاً، والظهر والعصر جميعاً، فيقال له: يصلّون الصلاة في غير وقتها، فيقول: هو خير من أن يناموا عنها"2.

وهناك روايات عدّة تفيد هذا المعنى، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنّه قال: "يسّروا ولا تعسّروا، وبشّروا ولا تنفّروا"3.

- مراعاة مبدأ الرفق واللطف حتّى لا ينفر الطفل من الدين ويكره العبادة ويبغضها، خصوصاً أنّ طبيعة الطفل تميل نحو اللعب واللهو والدّعة والراحة.

عن أبي جعفر عليه السلام، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ هذا الدين متين، فأوغلوا فيه
 
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج4، ص125.
2- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج3، ص19.
3- ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللئالي، ج1، ص381.
 
 
 
 
289

237

الدرس الثامن عشر: التربية العباديّة للطفل (أدلّتها - أساليبها - ميادينها)

 برفق، ولا تكرّهوا عبادة الله إلى عباد الله، فتكونوا كالراكب المنبتّ، الذي لا سفراً قطع، ولا ظهراً أبقى"1.


- مراعاة مبدأ عدم التساهل واللامبالاة، بمعنى أنّه على وليّ الطفل أن يدرّبه على عدم ترك الصلاة حتّى لو كان مريضاً، فيأتيها بمقدار ما يستطيع، كما تفيده الرواية الثانية.

أساليب التربية على العبادة
هناك أساليب عدّة يمكن أن يعتمدها المربّي في تمرين الطفل وتدريبه على العبادة، منها:
- أوّلاً: أسلوب النموذج السلوكيّ، بأن يقوم المربّي بالصلاة والصوم والدعاء أمام الطفل، من أجل أن يرغب الطفل بذلك الفعل، فيقلّده فيه، بسبب قدرة المحاكاة في نفسه.
ونلاحظ أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد استعمل هذا الأسلوب، أي التعليم بالنموذج التطبيقيّ، مع الحسين عليه السلام2.

- ثانياً: أسلوب التعليم بالمشاركة التفاعليّة، بمعنى أن يقول المربّي للطفل: إنّنا اليوم سنتعلّم الصلاة معاً، ثم يقومان بذلك الفعل معاً... إلخ.

- ثالثاً: أسلوب التشجيع من خلال الأقران، بأن يجعل المربّي الطفلَ يرى أقرانه يؤدّون العبادات، فيتشجّع ويتحفّز على القيام بها، من باب المحاكاة أو الغبطة أو التنافس معهم. وهذا يمكن أن يحصل من خلال وضع الطفل في بيئة تهتمّ بالعبادات، في المدارس أو الجمعيّات الكشفيّة...

- رابعاً: اصطحاب الطفل المميّز إلى المسجد للمشاركة في الجماعة أو الدعاء...، حيث يتشجّع على الصلاة أمام الحشد، ويتعلّم الصلاة بالمحاكاة، ويتعلّم أيضاً بعض
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص86.
2- التهذيب، ج2، ص67.
 
 
 
290

238

الدرس الثامن عشر: التربية العباديّة للطفل (أدلّتها - أساليبها - ميادينها)

 القيم والتشريعات، كأحكام الجماعة، والانضباط في العبادات، والارتباط بالمسجد، وحسن الاستماع إلى الإمام...


- خامساً: اعتماد أسلوب الهديّة، والوعد بشراء لعبة، أو إعطاء امتيازات معيّنة للطفل...

- سادساً: اعتماد أسلوب الترغيب بالثواب الأخرويّ، كما اتّضح.

- سادساً: استعمال أسلوب التهديد بالعقاب أو العقاب1.
 

1- يراجع: درس التربية بالعقوبة.
 
 
 
 
291

239

الدرس الثامن عشر: التربية العباديّة للطفل (أدلّتها - أساليبها - ميادينها)

 المفاهيم الرئيسة


- التربية الفقهيّة عبارة عن تعليم الطفل، خصوصاً المميّز، أحكام دينه وتشريعاته التكليفيّة والوضعيّة، وتعويده ما ينبغي إتيانه منها، أو تجنيبه ما لا ينبغي، خصوصاً الكبائر.

- هناك نقص كبير في مجتمعاتنا الإسلاميّة من قبل أولياء الأمور، بالاهتمام بالثقافة الفقهيّة للأطفال، وقد حذّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ترك تعليم الأطفال الفرائض.

- التربية العباديّة ساحة من ساحات التربية الفقهيّة. ونقصد بالتربية العباديّة تعويد الطفل العبادات التي من شأنها تنمية الشعور الفطريّ عنده، بوجود قوّة عظمى في هذا الكون وخضوعه لها، وتهيئته لطاعة الله تعالى والارتباط السلوكيّ به، كالصلاة والصوم والصدقة والدعاء.

- إنّ التكاليف الإلزاميّة والعبادات الشرعيّة متعدّدة، والإلزام بها وإيجابها مرتبطان بالبلوغ الشرعيّ، أي الخروج من مرحلة الطفولة، وهذا يقتضي بحكم العقلاء تهيئة الطفل بتمرينه عليها، كي يستقبل مرحلة التكليف بنحو إيجابيّ، لا يرافقها إحساس بالغربة وشعور بالضيق والمشقّة.

- أجمع الفقهاء على أنّ بدء تعويد الطفل وتدريبه على العبادة هو سنّ التمييز، حيث تكون لديه ملكة معرفة الحسن من القبيح.

- يلاحظ في الروايات عدّة مبادئ تربويّة عامّة في التربية العباديّة: مراعاة مبدأ التدرّج في تعويد الطفل العبادة، مراعاة مبدأ تكليف الطفل على قدر الوسع والطاقة، مراعاة مبدأ اليسر والسهولة، مراعاة مبدأ الرفق واللطف، مراعاة مبدأ عدم التساهل واللامبالاة.

- هناك أساليب عدّة يمكن أن يعتمدها المربّي في تعويد الطفل وتمرينه على العبادة، منها: أسلوب النموذج السلوكيّ، بأن يؤدّي المربّي الصلاة والصوم والدعاء أمام الطفل، أسلوب التعليم بالمشاركة والتفاعل، أسلوب التشجيع من خلال الأقران، أسلوب الهديّة، أسلوب الترغيب في الثواب الأخرويّ، أسلوب التهديد بالعقاب أو العقاب.
 
 
 
 
 
 
292

240

الدرس الثامن عشر: التربية العباديّة للطفل (أدلّتها - أساليبها - ميادينها)

 أسئلة الدرس


- هل تهتمّ بتعليم طفلك الفرائض والعبادات، وأحكام الحلال والحرام، والطهارة والنجاسة... إلخ؟
- لماذا ينبغي تمرين الطفل على العبادات مع أنّها غير واجبة عليه؟ ألا يستلزم هذا نفور الطفل منها؟
- رُوي عن الإمام الباقر عليه السلام: "يُؤمر الصبيان بالصلاة إذا عقلوها، وبالصوم إذا أطاقوه. فقيل له: ومتى يكون ذلك؟ فقال: إذا كانوا أبناء ستّ سنين"، حلّل مضمون هذا الحديث، وما هي النقاط التي تستخرجها منه؟
- ما الفرق بين القول بتمرينيّة عبادات الطفل والقول بشرعيّتها؟ وما هي القيمة المضافة التي تترتّب على القول الثاني في عمليّة تربية الطفل على العبادات؟
- ما أهمّيّة ربط الطفل بالقرآن الكريم؟ وأيّ أجر للأهل الذين يعلّمون أولادهم القرآن الكريم؟
- اذكر ثلاثة أساليب يمكن أن يعتمدها المربّي في عمليّة تربية الطفل وتحفيزه على العبادة؟ وأضف أسلوبين غير ما ذكرناه في الدرس.
 
 
 
 
 
 
 
 
293

241

الدرس التاسع عشر: التربية الاجتماعيّة (1) المفهوم، الأهداف، الأصول العامّة

 الدرس التاسع عشر

التربية الاجتماعيّة (1) المفهوم، الأهداف، الأصول العامّة


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يُعرِّف التربية الاجتماعيّة.
2- يحدِّد أهداف التربية الاجتماعيّة.
3- يعرض الأصول العامّة للتربية الاجتماعيّة في القرآن الكريم.
4- يذكر قيم التربية الاجتماعيّة وآدابها.
 
 
 
 
 
295

242

الدرس التاسع عشر: التربية الاجتماعيّة (1) المفهوم، الأهداف، الأصول العامّة

 الإنسان كائن اجتماعيّ

ينجذب الإنسان إلى العيش مع الأفراد الآخرين من بني نوعه، ويميل إلى التشكّل داخل وحدات اجتماعيّة، إمّا بالطبع أو بالنفع. بمعنى أنّه إما مجبول على غريزة حبّ الاجتماع بأصل الفطرة، كما هي نظريّة أرسطو، وإمّا أنّه محتاج إلى الآخرين لتأمين متطلّباته الحياتيّة المختلفة، كما هو رأي أفلاطون.

وبغضّ النظر عن النقاش العلميّ في تبنّي أحد الرأيين السابقين، فإنّ النتيجة المتّفق عليها، هي أنّه لا يمكن للإنسان الاستغناء عن العيش مع الآخرين، ونسج علاقات مختلفة معهم.

عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، أنّه قال: "إنّ أحداً لا يستغني عن الناس حياته، والناس لا بدّ لبعضهم من بعض"1.

حاجة الاجتماع البشريّ إلى منظومة تشريعيّة قيميّة نبويّة
إنّ الطبيعة البشريّة بفعل حبّ الأنا - وما يلازمها من قوّتي جذب اللذّة ودفع الألم - تحرّك الإنسان نحو كسب ما يلائمه وطرد ما ينافره، ممّا يؤدّي إلى تزاحم مصالح الفرد مع مصالح الآخرين، وتعارض رغباته مع رغباتهم، فتنشأ بسبب ذلك المشاحنات والنزاعات، فتكون المحصّلة الفوضى وانعدام النظام. ويستدعي الحفاظ على الاجتماع البشريّ الخاصّ والعامّ وجود النظام، أي منظومة من القوانين والتشريعات والقيم والآداب والأعراف والعادات والتقاليد، المتواضع عليها عند أبناء المجتمع، لضبط خطوط العلاقات بين الأفراد
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص635.
 
 
 
 
 
297

243

الدرس التاسع عشر: التربية الاجتماعيّة (1) المفهوم، الأهداف، الأصول العامّة

 في المجتمع، بنحو يجعل العيش المشترك بينهم ممكناً.


يقول العلّامة الطباطبائيّ قدس سره: "إنّ الانسان، وهو نوع وجوديّ، له غاية وجوديّة لا ينالها إلا بالاجتماع المدنيّ. كما يشهد تجهيز وجوده بما لا يستغني به عن سائر أمثاله، كالذكورة والأنوثة، والعواطف والإحساسات، وكثرة الحوائج وتراكمها.

وإنّ تحقّق هذا الاجتماع وانعقاد المجتمع الإنسانيّ، يحوج أفراد المجتمع إلى أحكام وقوانين ينتظم باحترامها والعمل بها شتات أمورهم، ويرتفع بها اختلافاتهم الضروريّة، ويقف بها كلّ منهم في موقفه الذي ينبغي له، ويحوز بها سعادته وكماله الوجوديّ"1.

وانطلاقاً من اعتقادنا بأنّ الإنسان قاصر بذاته عن وضع مثل هذه المنظومة، لوجوب توافر جملة صفات في الواضع حتّى يليق به تشكيل تلك المنظومة القيميّة والتشريعيّة، منها الإحاطة العلميّة بالطبيعة البشريّة وخصائصها، وما يوصلها إلى أهدافها الواقعيّة من الكمالات والمصالح2، ومنها التجرّد عن الانتفاع الشخصيّ من القيم والقوانين الموضوعة3... إلخ من الخصائص، فيحتاج الإنسان إلى الوحي الإلهيّ لاستفادة تلك المنظومة بواسطة الأنبياء عليهم السلام.

وهذا الدليل هو الذي اعتمده الفلاسفة المسلمون لإثبات وجوب النبوّة عن الله تعالى4، فهناك ارتباط لزوميّ بين النظام الاجتماعيّ الصالح وبين الوحي وظاهرة النبوّة، وهذا الذي دفع الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر قدس سره ليصدِّر كتابه فلسفتنا بتمهيد تحت عنوان: المسألة الاجتماعيّة، قال في مقدّمتها: "مشكلة العالم التي تملأ فكر الإنسانيّة اليوم، وتمسّ واقعها بالصميم، هي مشكلة النظام الاجتماعيّ التي تتلخّص في محاولة إعطاء إجابة صادقة عن السؤال الآتي: ما هو النظام الذي يصلح للإنسانيّة، وتسعد به
 

1- السيد الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج12، ص200.
2- يراجع: الشيرازيّ، ناصر مكارم، أنوار الفقاهة، ج1، ص413-514.
3- يراجع: مكّي، حسن، الإلهيّات، محاضرات الشيخ جعفر السبحاني، ج2، ص248.
4- يراجع: أبو علي سينا، الشفاء - الإلهيات، راجعه وقدم له: الدكتور ابراهيم مدكور / تحقيق الأستاذين: الأب قنواتي و سعيد زايد، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، 1404، لا.ط،الفصل الثاني: فصل في إثبات النبوّة، ص441-443. والحلّي، الحسن بن يوسف، الأسرار الخفيّة في العلوم العقليّة، ص574.
 
 
 
 
298

244

الدرس التاسع عشر: التربية الاجتماعيّة (1) المفهوم، الأهداف، الأصول العامّة

 حياتها الاجتماعيّة؟"1.


وبعد تحليل مساوئ النظامين الاشتراكيّ والرأسماليّ كفلسفتين اجتماعيّتين، أجاب بأنّ الإسلام هو المنظومة الصالحة لقيادة الحياة الاجتماعيّة للإنسان بجميع أبعادها، مستفيداً من دليل الفلاسفة، لكن مع عرض وتحليل بأسلوب عصريّ بديع2.

ما هو المجتمع؟
نقصد بالمجتمع مجموعة الأفراد الذين يعيشون في حيّز جغرافيّ واحد، ويرتبطون في ما بينهم بعلاقات خاصّة في ضوء قوانين وقيم وأعراف وعادات وتقاليد متّفق عليها، ويشكّلون بتعاونهم وتقاسم الأدوار والوظائف بينهم، وحدةً منظَّمة متفاعلة، تمكّنهم من الوصول إلى أهدافهم، وإشباع حاجاتهم، وتأمين متطلّباتهم بدرجة كبيرة.

وتختلف صور المجتمعات بساطة وتعقيداً وسعة وضيقاً في ما بينها، منذ فجر تاريخ البشريّة حتّى اليوم، وتمتاز المجتمعات الحديثة بأنّها معقّدة التركيب ومتداخلة البُنى، بسبب التغيّرات والتحوّلات التي عصفت بالمجتمع البشريّ بشكل عامّ، إلى درجة أنّه أصبح هناك تصنيفات كثيرة لتشكيلات الوحدات الاجتماعيّة. فهناك المجتمع الافتراضيّ المتمثّل بعالم الأنترنت ووسائل التواصل الاجتماعيّ، والمجتمع الواقعيّ المتمثّل بأشكال متعدّدة، من المجتمع العالميّ أو ما يُصطلح عليه بالقرية الكونيّة الواحدة، والأسرة، والقرية، والمدينة، والحيّ، والمدارس، والجمعيّات الكشفيّة، والأحزاب، والأندية الرياضيّة... إلخ من منظّمات المجتمع الأهليّ والمدنيّ ومؤسّساته المختلفة.

وينشأ الطفل في حضن هذه البيئة المجتمعيّة العامّة بألوانها المختلفة وبناها المتنوّعة، ويعايش كلّ قيمها وقوانينها وعاداتها...، ويعاين تعقيداتها ومشكلاتها وما تحتويه من اختلافات، بل تناقضات في الأفكار والمفاهيم والمشاعر والممارسات.... وهذه الشراكة الفوضويّة بين تلك الجماعات النوويّة والممتّدة عموديّاً وأفقيّاً في المجتمع، والدور الذي
 
 

1- الصدر، محمد باقر، فلسفتنا، ص11.
2- يراجع: المصدر نفسه، ص40 وما بعد.
 
 
 
 
299

245

الدرس التاسع عشر: التربية الاجتماعيّة (1) المفهوم، الأهداف، الأصول العامّة

 يؤدّيه كلّ منها سلباً أو إيجاباً في بناء شخصيّة الطفل والتأثير فيها - كما تقدّم في الجزء الأول1 - تُجعل عمليّة بناء هويّة الطفل في البعد الاجتماعيّ من أهمّ ألوان التربيات المضافة حساسيّة وخطورة.


ما هي التربية الاجتماعيّة؟
نقصد بالتربية الاجتماعيّة عمليّة الانتقال التدريجيّ بالطفل من مجرّد موجود بيولوجيّ إلى كائن اجتماعيّ، في ضوء النظام الاجتماعيّ الدينيّ الذي ينتمي إليه (الإسلام)، من خلال إكسابه مفاهيمه وقيمه وتشريعاته وآدابه وأعرافه المرغوب فيها، وتعويده إيّاها، ليحظى باعتراف الجماعة به كعضو فيها، ويتمكّن من التفاعل الإيجابيّ مع الآخرين والاندماج الحيويّ داخل الوحدات الاجتماعيّة المختلفة، والمساهمة في بنائها وإصلاحها وحركة تقدّمها وازدهارها.

وبهذا يظهر التقارب والتداخل بين مصطلحي التربية الاجتماعيّة والتنشئة الاجتماعيّة2 Socialization، أي "العمليّة التي تتشكّل من خلالها معايير الفرد ومهاراته ودوافعه واتجاهاته وسلوكه... لكي تتوافق وتتّفق مع تلك التي يعتبرها المجتمع مرغوبة ومستحسنة"3.

أهداف التربية الاجتماعيّة
تسعى التربية الاجتماعيّة إلى تحقيق أهداف عديدة في حياة الطفل، أهمّها:
- تعزيز الميل الفطريّ أو الاستخداميّ عند الطفل إلى التشكّل داخل الوحدات الاجتماعيّة المختلفة، ونقله من التمركز حول الذات إلى الإحساس بهموم المجتمع الذي يعيش فيه والوعي بقضاياه.
 

1- الدرس17، ص270.
2- أبدينا ملاحظة على مفهوم التنشئة الاجتماعيّة في الجزء الأوّل، يراجع: الدرس الثاني، ص45.
3- العيسوي، عبد الرحمن، سيكولوجية التنشئة الاجتماعيّة، ص207.
 
 
 
 
300

246

الدرس التاسع عشر: التربية الاجتماعيّة (1) المفهوم، الأهداف، الأصول العامّة

 - تعريف الطفل بالتراث الاجتماعيّ (المفاهيم، القيم، الآداب، التشريعات، العادات، والتقاليد) للبيئة الاجتماعيّة التي يعيش فيها.


- تعويد الطفل الالتزام بالقيم والآداب والسلوكات والعادات الاجتماعيّة الإيجابيّة والفاضلة، وتجنّب السلبيّ منها، في ضوء معياريّة تعاليم الوحي السماويّ.

- التفاعل الإيجابيّ مع المجتمع والمشاركة الفعّالة في بنائه، وتحمّل المسؤوليّة الاجتماعيّة، والمساهمة في عمليّات التغيير الاجتماعيّ لإصلاح المجتمع، ومعالجة المشكلات التي تواجهه.

- تعليم الطفل فنّ التعامل مع الآخرين، أفراداً ومؤسسات، وإكسابه المهارات والخبرات اللازمة التي تسهّل عمليّة التوفيق بين دوافعه ورغباته الشخصيّة "الأنا الفرديّة"، واهتمامات الآخرين في المجتمع الذي يعيش فيه "الأنا الاجتماعيّة".

- جعل الطفل قادراً على التكيّف الإيجابيّ مع تطوّرات وتغيّرات البيئة الاجتماعيّة التي يعيش فيها، وتطبيع سلوكه مع الظروف المختلفة التي تعصف بالمجتمع في أوقات السلم والحرب، والاستقرار والفوضى...

- تعزيز القدرة على التحرّر من العادات والتقاليد الاجتماعيّة السلبيّة، خصوصاً أنّ التقليد والمحاكاة1 "من أهمّ العمليّات التي تعتمد عليها التنشئة الاجتماعيّة في إكساب الطفل قيمه المختلفة"2.

ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، هناك أصول وأساليب عدّة لا بدّ من أن يستحضرها المربّي في عمليّات التربية الاجتماعيّة، ومن أهمّ الأصول:
أولاً: التربية على مبدأ الأخوّة الإيمانيّة
يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ3.
 
 

1- يراجع: الجزء الأوّل، الدرس السابع عشر، وهذا الجزء الثاني، درس التربية بالقدوة والنموذج السلوكيّ.
2- السيّد، فؤاد البهي، علم النفس الاجتماعيّ، ص159.
3- سورة الحجرات، الآية 10.
 
 
 
301

247

الدرس التاسع عشر: التربية الاجتماعيّة (1) المفهوم، الأهداف، الأصول العامّة

 ركّز المنهج القرآنيّ والنبويّ في أهمّيّة مبدأ الأخوّة الإيمانيّة، معتبراً المؤمنين أخوة، وأنّهم بمنزلة الجسد الواحد، ولا يوجد أيّ مذهب اجتماعيّ قد رفع من شأن العلاقة بين أبناء المجتمع إلى منزلة الأخوّة إلّا الإسلام.


عن الإمام الصادق عليه السلام: "المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة، وإن روح المؤمن لأشدّ اتصالاً بروح اللَّه من اتصال شعاع الشمس بها"1.

وعنه عليه السلام: "المؤمنون في تبارّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى تداعى له سائره بالسهر والحمّى"2.

وتترتّب على هذا المبدأ أساليب تربويّة اجتماعيّة عدّة، كالتعاطف، والتبارّ، والتراحم، وإصلاح ذات البين، وعدم الظلم أو الخيانة أو الغشّ...

عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ المؤمن أخو المؤمن، عينه ودليله، لا يخونه، ولا يظلمه، ولا يغشّه، ولا يعده عدة فيخلفه"3.

وعليه، ينبغي تربية الطفل على أنّ كلّ إنسان مؤمن يعيش معه في المحيط الاجتماعيّ ذاته هو أخ له واقعاً، وليس بمنزلة الأخ وحسب، وتكفي تربية الطفل على هذه الروحيّة الأخويّة بين أبناء المجتمع، حتّى يصلح المجتمع ويتآلف ويتراحم، ويشقّ طريقه نحو الحياة الطيّبة.

ثانياً: التربية على مبدأ النظائريّة في الإنسانيّة
يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ4.

أكّد القرآن الكريم مبدأ وحدة النوع الإنسانيّ من حيث الخلقة، فالناس متساوون في البشريّة، إذ كلّ الناس من آدم وحواء عليهما السلام، وهذا يعني أنّهم أخوة في الإنسانيّة. وفي هذين
 
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص166. يراجع حول معنى هذه الأحاديث درس التربية الجهاديّة.
2- الكوفي، حسين بن سعيد، المؤمن، ص39.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص166.
4- سورة النساء، الآية 1.
 
 
 
 
302

248

الدرس التاسع عشر: التربية الاجتماعيّة (1) المفهوم، الأهداف، الأصول العامّة

 السياقين نلاحظ أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد قسم الناس إلى صنفين على أساس الدين والإنسانيّة، إذ قال: "فإنّهم (أي الناس) صنفان: إمّا أخ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق"1 وعليه، ينبغي تربية الطفل على النظر إلى:

- أنّ الاختلاف بين البشر سنّة طبيعيّة، قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ2.

- وأنّ هذا الاختلاف يعطي لوحة الوجود الاجتماعيّ جماليّة خاصّة تعتبر من آيات الله تعالى، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ3.

- وأنّ هذه الاختلافات التكوينيّة ليست بحدّ ذاتها معياراً للتفاضل، ولا تشكّل الفروق بين البشر في اللون والعرق واللغة والجنسيّة... إلخ، مصدراً للاختيارية الإلهيّة، فلا فضل لأحد على أحد بأصل الخلقة.

- وأنّ لهذا الاختلاف والتنوّع في المجتمع البشريّ وظيفة اجتماعيّة مهمّة، وهي التعارف4، كما علّلت الآية الكريمة في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ5.

تقوى الله معيار التفاضل
نعم، يبقى التفاضل بين الناس في ضوء مبدأ أخلاقيّ تظلّله التقوى، فمعيار تفاضل إنسان على إنسان وجماعة على جماعة هو في مدى القرب من الله تعالى.
 
 

1- نهج البلاغة، ص427.
2- سورة هود، الآية 118.
3- سورة الروم، الآية 22.
4- السيد الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج18، ص326.
5- سورة الحجرات، الآية 13.
 
 
 
303

249

الدرس التاسع عشر: التربية الاجتماعيّة (1) المفهوم، الأهداف، الأصول العامّة

 عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، قال: "خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أوسط أيّام التشريق خطبة الوداع، فقال: يا أيّها الناس، إنّ ربّكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربيّ على عجميّ ولا لعجميّ على عربيّ، ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر، إلا بالتقوى، إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم"1.


ويمكن استخدام أسلوب القصّة في تربية الطفل على هذا المبدأ الاجتماعيّ الإسلاميّ، مثل قصّة سلمان الفارسيّ وبلال الحبشي، وغيرهما من النماذج السلوكيّة2.

ثالثاً: التربية على مبدأ التآلف الاجتماعيّ
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "خير المؤمنين من كان مألفة للمؤمنين، ولا خير فيمن لا يألف ولا يُؤلف"3.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: "المؤمن مألوف، ولا خير فيمن لَا يَأْلَفُ ولَا يُؤْلَف"4.

ومفردة "ألف" في اللغة العربيّة تدلّ على انضمام شيء إلى شيء5، والألفة من الائتلاف، وهو الالتئام والاجتماع، وتألَّف القوم: اجتمعوا وتحابّوا. والألفة الأنس والمحبّة6، والأنس سكون القلب، وهو ضدّ الوحشة.

فالتآلف الاجتماعيّ من أهمّ الأصول الاجتماعيّة في حياة الإنسان المسلم، لذا، ينبغي تربية الطفل بنحو يأنس فيه بأبناء المجتمع، ويشعر بأنّه جزء منضمّ إليهم، ويتواءم معهم ويحبّهم، فيتمنّى لهم ما يتمنّى لنفسه، ويكره لهم ما يكره لها.

ويقع مقابل التآلف الاجتماعيّ، التفرّق والانقسام والشرذمة، والنفور من الناس، والوحشة منهم، والتكبّر عليهم، والتباغض والتحاسد... وهذه الملكات من إغواءات الشيطان.
 

1- عبد العظيم المنذري، الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، ضبط أحاديثه وعلق عليه: مصطفى محمد عماره، بيروت - لبنان، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1408 - 1988م، لا.ط،ج3، ص613.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج8، ص181.
3- الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص462.
4- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص102.
5- ابن زكريا، معجم مقاييس اللغة، ج1، ص131.
6- أحمد بن محمد المقري الفيومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لا.ت، لا.ط،ج1، ص18.
 
 
 
304

250

الدرس التاسع عشر: التربية الاجتماعيّة (1) المفهوم، الأهداف، الأصول العامّة

 يقول تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا1.


وعن الإمام الباقر عليه السلام: "واعلم أن الإِلْفَ مِن اللَّه، والفِرْكَ2 من الشيطان"3.

قيم وآداب وسلوكات اجتماعيّة عامّة
نكتفي بذكر هذه الأصول العامّة الثلاثة، وننتقل لذكر بعض القيم والآداب التي ينبغي تربية الطفل اجتماعيّاً عليها:
- تشجيع الطفل على المشاركة في الاحتفالات والأنشطة الاجتماعيّة العامّة، والانتساب إلى الأندية والفرق الرياضيّة، أو الجمعيّات الكشفيّة الملتزمة.
- تعويد الطفل احترام النظام العامّ والأعراف المتعارف عليها في المدرسة والحيّ والقرية والمدينة...
- تنمية روح التعاون الاجتماعيّ، وتعويد الطفل إعانة من يطلب الإعانة مع قدرته على ذلك، كالمسارعة إلى حمل الأغراض عن امرأة كبيرة يثقل عليها حملها...

- تشجيع الطفل على التطوّع في الخدمة الاجتماعيّة. عن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أيّما مسلم خدم قوماً من المسلمين، إلّا أعطاه الله مثل عددهم خدّاماً في الجنّة"4.

- تنمية روح دفع الأذى عن أبناء المجتمع، كتعويد الطفل إماطة الأذى عن طريق الناس، كما لو وجد قنّينة زجاج في الشارع أن ينحّيها جانباً...

- تدريب الطفل على التفاعل الإيجابيّ مع المعارف وتفقّد أحوالهم، باصطحاب الطفل في الزيارات الاجتماعيّة بين الحين والآخر، أو إلى عيادة المريض وزيارته، أو إلى تعزية أو زيارة قبور الأقارب والمؤمنين...
 

1- سورة آل عمران، الآية 103.
2- الفرك: البغضة.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج3، ص481.
4- المصدر نفسه، ج2، ص207.
 
 
 
305

251

الدرس التاسع عشر: التربية الاجتماعيّة (1) المفهوم، الأهداف، الأصول العامّة

 - تعويد الطفل آداب لقاء الناس، مثل: المبادرة إلى إلقاء التحيّة والسلام، والردّ عليها، التبسّم في وجوههم، فإنه صدقة، وطلاقة الوجه وحسن البشر. وقد علّلت الروايات بأنّ حسن البشر يكسب المحبّة والمودّة، ويذهب السخيمة والبغضاء، وأنّ العبوس يبعد من الله تعالى1.


- تدريب الطفل على الإحساس بالآخرين في ضوء مبدأي التكافل والتضامن الاجتماعيّين، مثل:
1- الصدقة على الفقراء والأيتام.
2- التبرّع بالطعام.
3- تشجيع الطفل على فرز ملابسه وهبتها لمن يستحقّها وعدم رميها.

- تعويد الطفل احترام الآخرين، خصوصاً الكبار، مثل:
1- الوقوف لهم.
2- البدء بالسلام قبل الكلام.
3- التوسيع لهم في المجلس.
4- تكنيتهم وعدم مناداتهم بأسمائهم.
5- عدم اعتراض حديثهم.
6- الاستئذان عند إرادة دخول المنازل على أهلها.
7- والاستئذان عند إرادة الخروج من المجلس.

عن أبي عبد الله عليه السلام: "ليس منّا من لم يوقّر كبيرنا ويرحم صغيرنا"2. وعنه عليه السلام: "عظّموا كباركم"3.
 
 

1- يراجع: الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص103.
2- المصدر نفسه، ص165.
3- المصدر نفسه.
 
 
 
306

252

الدرس التاسع عشر: التربية الاجتماعيّة (1) المفهوم، الأهداف، الأصول العامّة

 - تعويد الطفل آداب اللسان، مثل:

1- تسميت العاطس.
2- حفظ اللسان عن إباحة السرّ والغيبة والبهتان والنميمة واللغو والكذب... ففي وصيّة الإمام أبي الحسن عليه السلام، قال: "احفظ لسانك تُعزّ، ولا تمكّن الناس من قيادك، فتذلّ رقبتك"1.
3- طيب الكلام، فعن الإمام الصادق عليه السلام عندما سُئل: ما حدّ حسن الخلق؟ قال: "تلين جناحك، وتطيب كلامك، وتلقى أخاك ببشر حسن"2.
4- تدريب الطفل على توجيه كلمة الشكر لكلّ من يفعل معروفاً معه.
5- تعويد الطفل الاعتذار إلى كلّ من يخطئ بحقّه.
6- أن لا يشتم ويسبّ ويكون فحّاشاً بذيء الكلام. فمن شديد أسف، أنّ بعض الناس يدرّب ولده على السبّ والشتم والبذاءة، ويفتخر بذلك. عن أبي جعفر عليه السلام، قال: "إنّ رجلاً من بني تميم أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له: أوصني. فكان ممّا أوصاه أن قال: لا تسبّوا الناس فتكسبوا العداوة منهم"3.

وننبّه في الختام، إلى وجود آداب اجتماعيّة كثيرة جداً تتجاوز المئات، تتعلّق بكل السلوكات الاجتماعيّة للإنسان، من المشي، واللباس، والطعام، والجلوس، وكلّ أشكال الحركة في المجتمع، وأنواع العلاقات مع فئات المجتمع المختلفة، سلّطنا الضوء على بعضها في الدروس المختلفة، ولم نذكر بعضها الآخر لأنّ المقام لا يفسح مجالاً للتوسعة في الآداب الاجتماعيّة، ويمكن مراجعتها في كتب الروايات والآداب والأخلاق، وفي ما ذكرناه كفاية في توضيح نمط التربية الاجتماعيّة الإسلاميّة.
 
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص113.
2- المصدر نفسه، ص103.
3- المصدر نفسه، ج2، ص360.
 
 
 
 
307

253

الدرس التاسع عشر: التربية الاجتماعيّة (1) المفهوم، الأهداف، الأصول العامّة

 المفاهيم الرئيسة


- الإنسان كائن اجتماعيّ، ينجذب إلى العيش مع الأفراد الآخرين من بني نوعه. عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "إنّ أحداً لا يستغني عن الناس حياته، والناس لا بدّ لبعضهم من بعض".
- يستدعي الحفاظ على الاجتماع البشريّ وجود منظومة من القوانين والقيم، بنحو يجعل العيش المشترك بينهم ممكناً. والإسلام هو الدين الصالح لقيادة الحياة الاجتماعيّة للإنسان بجميع أبعادها.
- التربية الاجتماعيّة هي عمليّة الانتقال التدريجيّ بالطفل من مجرّد موجود بيولوجيّ إلى كائن اجتماعيّ، يحظى باعتراف الجماعة به كعضو فيها، ويتمكّن من التفاعل الإيجابيّ مع الآخرين.
- تسعى التربية الاجتماعيّة إلى تحقيق أهداف عدّة في حياة الطفل، أهمّها: تعزيز الميل الفطريّ إلى التشكّل الاجتماعيّ، نقل التراث الاجتماعيّ، الالتزام بالقيم والآداب الاجتماعيّة الفاضلة، المشاركة الفعّالة في بناء المجتمع، فنّ التعامل مع الآخرين، التكيّف الإيجابيّ مع تغيّرات البيئة الاجتماعيّة، التحرّر من العادات والتقاليد الاجتماعيّة السلبيّة.
- ينبغي تربية الطفل على أنّ كلّ إنسان مؤمن يعيش معه في المحيط الاجتماعيّ هو أخ له واقعاً.
- ينبغي تربية الطفل على النظر إلى الاختلاف بين البشر كسنّة طبيعيّة، تعطي لوحة الوجود الاجتماعيّ جماليّة خاصّة تُعتبر من آيات الله تعالى، وأنّ هذه الاختلافات ليست معياراً للتفاضل بين البشر في اللون والعرق واللغة والجنسيّة...، بل معيار التفاضل هو التقوى، وهدف الاختلاف هو التعارف.
- ينبغي تربية الطفل على التآلف الاجتماعيّ والأنس بأبناء المجتمع، والشعور بأنّه جزء منضمّ إليهم، وتجنيبه القيم السالبة، كالتفرّق والنفور من الناس، والوحشة منهم، والتكبّر عليهم، والتباغض والتحاسد...
- ينبغي تشجيع الطفل وتعويده المشاركة في الأنشطة الاجتماعيّة العامّة، احترام النظام العامّ، التعاون الاجتماعيّ، التطوّع في الخدمة الاجتماعيّة، إماطة الأذى من المجتمع، تفقّد المعارف.
- ينبغي تعويد الطفل آداب لقاء الناس، مثل: التبسّم، وطلاقة الوجه وحسن البشر، والمبادرة إلى إلقاء التحيّة والسلام، والردّ عليها.
- ينبغي تعويد الطفل الإحساس بالآخرين في ضوء مبدأي التكافل والتضامن الاجتماعيّين، كالصدقة والتبرّع بالطعام واللباس...
- ينبغي تعويد الطفل احترام الآخرين، خصوصاً الكبار، كالوقوف لهم، والتوسيع في المجلس، وتكنيتهم، وعدم قطع حديثهم...
- ينبغي تعويد الطفل آداب اللسان وطيب الكلام، كتسميت العاطس، وتوجيه الشكر، والاعتذار، وتجنّب الشتم والإهانة، وإباحة السرّ والغيبة والبهتان والنميمة واللغو والكذب...
 
 
 
 
 
308

254

الدرس التاسع عشر: التربية الاجتماعيّة (1) المفهوم، الأهداف، الأصول العامّة

 أسئلة الدرس


- يقول الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "إنّ أحداً لا يستغني عن الناس حياته، والناس لا بدّ لبعضهم من بعض"، حلّل مضمون هذه الرواية.
- يحتاج المجتمع البشريّ إلى منظومة من القيم والتشريعات والآداب، وهناك فلسفات اجتماعيّة دينيّة ووضعيّة مختلفة في هذا المجال، عدّد ثلاث فلسفات رئيسة، واذكر الفلسفة الاجتماعيّة الأصلح لقيادة الحياة الاجتماعيّة للإنسان. ولماذا؟
- ما هي التربية الاجتماعيّة؟ واذكر أربعة أهداف تسعى لتحقيقها في حياة الطفل.
- يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، اذكر ثلاثة آثار مهمّة للتربية الاجتماعيّة للطفل على هذا المبدأ القرآنيّ.
- عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّهم (أي الناس) صنفان: إمّا أخ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق". اشرح هذا الحديث العلويّ، مستخرجاً منه ثلاثة مبادئ تربويّة اجتماعيّة.
- يقول تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾. ما هي أهمّيّة التآلف الاجتماعيّ في تربية الطفل؟
- ضع جدولاً بأهمّ القيم الاجتماعيّة العامّة التي ينبغي تربية الطفل عليها.
 
 
 
 
 
 
 
309

255

الدرس العشرون: التربية الاجتماعيّة (2) التربية الأسريّة النوويّة والممتدّة

 الدرس العشرون

 

التربية الاجتماعيّة (2) التربية الأسريّة النوويّة والممتدّة


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرض أهمّيّة التربية الأسريّة في حياة الطفل.
2- يحدّد الأصول والآداب العامّة لعلاقة الطفل بوالديه.
3- يذكر أساليب التربية الأخويّة.
4- يحدّد قيم التربية على صلة الرحم وحسن الجوار وأساليبها.
 
 
 
 
 
311

256

الدرس العشرون: التربية الاجتماعيّة (2) التربية الأسريّة النوويّة والممتدّة

 الأسرة هي النواة الأولى للتربية الاجتماعيّة

أوّل وحدة اجتماعيّة يفتح الطفل عينيه على العيش في ظلّها هي الأسرة النوويّة، وهي المجتمع الأشدّ تأثيراً في حياته، والأكثر أهمّيّة في عمليّة تربيته اجتماعيّاً، لأنّ نشوء الطفل في حضنها، يُكسبه في مرحلة مبكرة أنماط العلاقات المختلفة مع الآخرين، وأساليب التفاعل الإيجابيّ أو السلبيّ معهم، إلى درجة أنّ صورة الأسرة كمجتمع صغير، وطبيعة شبكة العلاقات فيها، ترسم معالم المجتمع الكبير في ذهن الطفل وهويّته، من باب الإسقاط. كما يؤكّد ذلك علماء الاجتماع. فمثلاً يعتبر تشارلز كولي Charles Cooley أنّه كما يتشكّل الوجود البيولوجيّ للإنسان في رحم الأمّ، يتشكّل الوجود الاجتماعيّ للطفل في رحم الأسرة وحضنها1.

والتربية الأسريّة تمكّن الطفل من العيش الإيجابيّ في المجتمع الأكبر، من خلال تقديم المجتمع الأسريّ كنموذج مصغّر عن طبيعة القيم والعادات والآداب والسلوكات التي ينبغي أن يصطحبها الطفل معه إلى مجتمعه.

إعانة الوالدين الطفل على برّهما
أوّل محطّة في التربية الأسريّة هي تربية الطفل على العلاقة الطيّبة مع أعضاء المجتمع الأسريّ الصغير، وخصوصاً والديه، وأهمّ أصل تربويّ في الوصول إلى هذا الهدف، هو قيام الوالدين بإعانة ولدهما على برّهما، بأداء وظيفتهمها في التربية الحسنة، ممّا يشعر الطفل بأنّه موضع حبّ واهتمام وعناية وإحسان من قبل الوالدين، فيبادلهما العلاقة ذاتها
 
 

1- يراجع: أحمد، سهير كامل، أساليب تربية الطفل بين النظريّة والتطبيق، ص13.
 
 
 
 
313

257

الدرس العشرون: التربية الاجتماعيّة (2) التربية الأسريّة النوويّة والممتدّة

 بطريقة تلقائيّة، لفطريّة مبدأ ﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ1. ولعلّ عبارة "كما ربيّاني صغيراً" توحي بذلك في قوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا2.


وفي هذا السياق أيضاً، نفهم ما ورد من الترحّم الإلهيّ على من أعان ولده على برّه، واللعن الإلهيّ على من حمل ولده على عقوقه.

في ما أوصى به رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم أميرَ المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: "يا عليّ، لعن اللَّه والدين حملا ولدهما على عقوقهما. يا عليّ، يلزم الوالدين من عقوق ولدهما ما يلزم الولد لهما من عقوقهما. يا عليّ، رحم اللَّه والدين حملا ولدهما على برّهما"3.

وعن يونس بن رباط، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "رحم الله من أعان ولده على برّه. قال: قلت: كيف يعينه على برّه؟ قال: يقبل ميسوره، ويتجاوز عن معسوره، ولا يرهقه ولا يخرق به..."4.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "رحم الله من أعان ولده على برّه، وهو أن يعفو عن سيّئته، ويدعو له في ما بينه وبين الله"5.

معاينة الطفل العلاقة الحسنة بين والديه
من الأساليب المهمّة في التربية الأسريّة، أن يجعل الوالدان الطفل يعاين العلاقة الحسنة بين أبويه من جهة، وبينهم وبين إخوته من جهة ثانية، وبين أبويه وأبويهما من جهة ثالثة، وبينهم وبين الناس من جهة رابعة، فإنه نحو من التربية الاجتماعيّة للطفل بالنموذج السلوكيّ والمحاكاة، فإنّ الطفل سيقلّد سلوك والديه، ويقتدي بهما، في حبّ أبيه
 
 

1- سورة الرحمن، الآية 60.
2- سورة الإسراء، الآيتان 23-24.
3- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص372.
4- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص49.
5- المصدر نفسه، ج5، ص554.
 
 
 
 
314

258

الدرس العشرون: التربية الاجتماعيّة (2) التربية الأسريّة النوويّة والممتدّة

 أو أمّه وإخوته وأجداده وأعمامه وأخواله...، واحترامهما وبرّهما والإحسان إليهما... إلخ.


وفي هذا السياق، يمكن تفسير - أحد وجوه معاني الروايات - ما ورد عن أئمّة أهل البيت، من أن برّ أب الطفل أو أمّه بوالديهما يكون حاصله وناتجه برّ الولد بأبيه وأمّه.

فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام، قال: "بَرُّوا آباءكم يبرّكم أبْنَاؤُكم"1.

تعويد الطفل طاعة والديه واحترامهما
تعويد الطفل طاعة إرشادات والديه وتوجيهاتهما وأوامرهما، وأن لا يرضيا منه تكرّر رفض ما يطلبانه.

عن الإمام عليّ عليه السلام، قال: "إنّ للولد على الوالد حقّاً، وإن للوالد على الولد حقّاً، فحقّ الوالد على الولد أن يطيعه في كلّ شيء، إلّا في معصية الله سبحانه..."2.

- تعويد الطفل أن لا يصدر عنه أيّ تأفّف أو ضجر لفظاً وعملاً من والديه، عند أيّ فعل أو طلب يصدر عنهما.
عن الإمام الصادق عليه السلام: "لو علم الله شيئاً أدنى من أفّ، لنهى عنه، وهو من أدنى العقوق..."3.

- الخشوع بين يدي والديه، وأن يعيش حالة الخضوع، لا التمرّد عند غضبهما منه.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من حقّ الوالد على ولده أن يخشع له عند الغضب، ويؤثره عند الشكاية والوصب4"5.

- الوفاء بشروطه وتعهّداته ووعوده التي يقطعها على نفسه أمام والديه، بفعل أمر ما أو تركه.

- التشاور مع والديه واستنصاحهما وسؤالهما عن أيّ فعل يريد أن يقدم عليه.
 
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج5، ص554.
2- نهج البلاغة، ص546.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص349.
4- الوصب: التعب والفتور في البدن.
5- ميزان الحكمة، ج4، ص3678. وكنز العمّال، ج16، ص473.
 
 
 
315

259

الدرس العشرون: التربية الاجتماعيّة (2) التربية الأسريّة النوويّة والممتدّة

 - احترام والديه وتقديرهما، واستشعار الهيبة بين أيديهما، وأن لا يتجرّأ عليهما بأيّ قول أو فعل من الأفعال. ومعنى الجرأة أن يصبح الولد متسلّطاً وغير هائب لهما.

عن الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام: "جرأة الولد على والده في صغره تدعو إلى العقوق في كبره"1.

تعويد الطفل تجنّب إحزان والديه
- تعويد الطفل أن لا يصدر عنه أيّ فعل يحزن والديه.
في وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعليّ عليه السلام: "يا عليّ، من أحزن والديه فقد عقّهما"2.

تعويد الطفل تجنيب والديه الإهانة والشتم
- تعويد الطفل أن لا يفعل ما يؤدّي إلى سبّ الناس لوالديه، وأن لا يسبّ الآخرين حتّى لا يسبّوا والديه3.

عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "إنّ من حقّ الوالدين على ولدهما، أن يقضي ديونهما ويوفي نذورهما ولا يستسبّ لهما، فإذا فعل ذلك كان بارّاً، وإن كان عاقّاً لهما في حياتهما، وإن لم يقض ديونهما ولم يوف نذورهما واستسبّ لهما، كان عاقّاً وإن كان بارّاً في حياتهما"4.

تعويد الطفل شكر والديه
تعويد الولد شكر والديه بشكل مستمرّ على كلّ ما يحيطونه به من عناية واهتمام ورعاية...

عن الإمام الصادق عليه السلام: "يجب للوالدين على الولد ثلاثة أشياء: شكرهما على كلّ
 
 

1- ابن شعبة الحراني، تحف العقول، ص489.
2- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص372.
3- انظر: محمد تقي المجلسي (الأول)، روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، نمقه وعلّق عليه وأشرف على طبعه "السيد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي پناه الإشتهاردي"، بنياد فرهنك اسلامي حاج محمد حسين كوشانپور، لا.ت، لا.ط،ج9، ص419.
4- الشيخ الطبرسي، مشكاة الأنوار، ص283.
 
 
 
316

260

الدرس العشرون: التربية الاجتماعيّة (2) التربية الأسريّة النوويّة والممتدّة

 حال، وطاعتهما في ما يأمرانه وينهيانه عنه، في غير معصية الله، ونصيحتهما في السرّ والعلانية"1.


تعويد الطفل خدمة والديه
تعويد الطفل المبادرة إلى خدمة والديه بمجرّد استشعاره بحاجتهما إلى أيّ غرض أو خدمة، قبل أن يطلبا ذلك منه، بل حتّى لو لم يطلبا ذلك، كأن يبادر إلى جلب الماء لهما عند استشعاره عطشهما...

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل الكسب كسب الوالدين، وأفضل الخدمة خدمتهما، وأفضل الصدقة عليهما، وأفضل النوم بجنبهما"2.

وعن أبي ولاد الحنّاط، قال: "سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً﴾3, ما هذا الإحسان؟ فقال عليه السلام: الإحسان أن تحسن صحبتهما، وأن لا تكلّفهما أن يسألاك شيئاً ممّا يحتاجان إليه، وإن كانا مستغنيين..."4.

وهذه العادة ستستمرّ بنحو تصبح فيه خدمة الوالدين عند الكبر ملكة يصدر عنها الفعل بسهولة.

عن إبراهيم بن شعيب، قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنّ أبي قد كبر جدّاً وضعف، فنحن نحمله إذا أراد الحاجة. فقال عليه السلام: إن استطعت أن تلي ذلك منه فافعل، ولقمّه بيدك، فإنّه جنّة لك غداً"5.

آداب الكلام مع الوالدين
- تعويد الطفل التكلّم بأدب مع والديه، وأن يطلب منهما مراده بأسلوب أدبيّ، كأن يقول: أبي لو سمحت أريد كذا، أمّي من بعد إذنك، هل يمكن أن تشتري لي كذا.
 

1- ابن شعبة الحراني، تحف العقول ، ص322.
2- المصدر نفسه.
3- سورة الإسراء، الآية 23.
4- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص157.
5- المصدر نفسه، ص162.
 
 
 
 
317

261

الدرس العشرون: التربية الاجتماعيّة (2) التربية الأسريّة النوويّة والممتدّة

 - التكلّم معهما بصوت منخفض، وأن لا يرضى الوالدان منذ الطفولة المبكرة، بأن يرفع الطفل صوته فوق صوتهما، أو يصرخ في وجهيهما.

- أن لا يسمّي والديه باسميهما، بل أن يناديهما بـ: يا أمّي، يا أبّي مثلاً.
- أن لا يناديهما من بعيد إذا أراد طلباً معيّناً، بل عليه أن يقترب منهما ويُسمعهما ما يريد.
- المبادرة إلى إلقاء التحيّة والسلام على والديه عندما يستيقظ صباحاً، أو عندما يعود من خارج المنزل.
- الاعتذار إلى والديه عند أيّ خطأ يصدر عنه.
- كتمان أسرار المنزل وما يدور فيه من أحاديث وخلافات، وعدم البوح بها أمام أيّ أحد.
- عدم التهاون مع الطفل حال الإساءة الكلاميّة بحقّ أبويه، كشتمهما وسبّهما، ولو من باب المداعبة والمزاح.

آداب لغة البدن مع الوالدين
- تعويد الطفل أن لا يمدّ يده على والديه، أو أن يضربهما ولو من باب المزاح.

- تعويد الطفل (في الجانب السلبيّ)، أن لا يعبس في وجه والديه، وأن لا يرضى الوالدان منه النظر إليهما بعين السخط والغضب والمقت، كي لا ينشأ على ذلك كبيراً.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من ولد بارّ ينظر إلى والديه نظر رحمة، إلّا كان له بكلّ نظرة حجّة مبرورة. قالوا: يا رسول الله، وإن نظر كلّ يوم مئة مرّة ! قال: نعم، الله أكبر وأطيب"1.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "... ومن العقوق أن ينظر الرجل إلى والديه، فيحدّ النظر إليهما"2
 
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، 282.
2- المصدر نفسه، ج2، ص349.
 
 
 
 
318

262

الدرس العشرون: التربية الاجتماعيّة (2) التربية الأسريّة النوويّة والممتدّة

 وعنه عليه السلام، قال: "من نظر إلى والديه نظر ماقت وهما ظالمان له، لم تُقبل له صلاة"1.


- تعويد الطفل (في الجانب الإيجابيّ)، أن ينظر إليهما بعين الحبّ والرحمة والحنان، وأن يستقبلهما بالبشاشة وطلاقة الوجه.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "نظر الولد إلى والديه حبّاً لهما عبادة"2.

وعن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾3 قال: "لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلا برحمة ورقّة، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما، ولا يدك فوق أيديهما، ولا تقدّم قدّامهما"4.

آداب المشي والجلوس والطعام مع الوالدين
- تعويد الطفل أن لا يجلس قبل والديه، وأن لا يجلس أمام والديه، وأن يوسّع لهما في المجلس.
- أن لا يسبق والديه بالمشي، بل أن يمشي إلى جنبهما إن كان صغيراً خوفاً عليه، أو خلفهما إن كان مميّزاً.
- أن لا يبدأ بتناول الطعام قبل والديه، بل ينتظر حضورهما.

عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: "سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ما حقّ الوالد على ولده؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: لا يسمّيه باسمه، ولا يمشي بين يديه، ولا يجلس قبله، ولا يستسبّ له"5.

وفي وصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم للإمام عليّ عليه السلام، قال له: "وحقّ الوالد على ولده: أن لا يسمّيه باسمه، ولا يمشي بين يديه، ولا يجلس أمامه، ولا يدخل معه في الحمّام"6.
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص349.
2- ابن شعبة الحراني، تحف العقول ، ص46.
3- سورة الإسراء، الآية 24.
4- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص158.
5- المصدر نفسه، ص158.
6- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص372.
 
 
 
 
319

263

الدرس العشرون: التربية الاجتماعيّة (2) التربية الأسريّة النوويّة والممتدّة

 تعويد الطفل استحضار والديه في عباداته

- تعويد الطفل أن يستحضر والديه في أفعاله العباديّة، فيهديهم ثواب الصلاة والصوم والصدقة وقراءة القرآن... حتى يشبّ على ذلك.

- الدعاء لوالديه بالخير، كما أدّبنا القرآن في مواضع عدّة على لسان أنبيائه: نوح وإبراهيم وسليمان عليهم السلام1.

وعن معمّر بن خلّاد قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: "أدعو للوالدين إذا كانا لا يعرفان الحقّ؟ فقال: ادع لهما وتصدّق عنهما، وإن كانا حيّين لا يعرفان الحقّ فدارهما، فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إنّ الله بعثني بالرحمة لا بالعقوق"2.

- حفظ ما ورد في القرآن الكريم وأحاديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّة أهل البيت عن حقوق الوالدين، كما في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام، أو مقاطع أدعية في الصحيفة السجّاديّة3.

تعويد الأطفال إقامة علاقة الاحترام والتراحم بينهم
ومن مصاديق التربية الأسريّة الملقاة على عاتق الوالدين، تعويد أطفالهم الآداب العامّة في خطّ علاقة بعضهم ببعض في المنزل:
- تعويد الطفل احترام الأخ الأكبر وتوقيره.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الأكبر من الأخوة بمنزلة الأب"4.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "حقّ كبير الأخوة على صغيرهم، حقّ الوالد على ولده"5.

- تعويد الأخ الأكبر أن يكون عطوفاً ورحيماً مع أخيه الأصغر.
عن الإمام الصادق عليه السلام: "ليس منّا من لم يوقّر كبيرنا ولم يرحم صغيرنا"6.
 
 

1- سورة إبراهيم، الاية 40-41. وسورة نوح، الاية 28. وسورة النمل، الاية 19. وسورة الأحقاف، الاية 15.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص159.
3- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص622.
4- شعب الإيمان، ج6، ص210.
5- المصدر نفسه.
6- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص165.
 
 
 
 
320

264

الدرس العشرون: التربية الاجتماعيّة (2) التربية الأسريّة النوويّة والممتدّة

 - تعويد الأخوة أن يحدّث ويؤانس ويتواضع ويخدم وينصح ويستشير بعضهم بعضاً، ويتعاونوا على البرّ والتقوى، ويستمدّ بعضهم القوة من البعض في الخير، وغيرها من القيم التي وردت في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام1.


- تعويد الأخوة الذكور التعامل بالحبّ والرحمة والعطف بشكل خاصّ مع أخواتهم البنات.
عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أتته أخت له من الرضاعة، فلمّا نظر إليها سرّ بها، وبسط ملحفته لها، فأجلسها عليها، ثم أقبل يحدّثها ويضحك في وجهها..."2.

تعويد الطفل احترام من له صلة بوالديه
ينبغي تعويد الطفل إكرام أرحام والديه وأصدقائهما وضيوفهما، فقد حفّزت الروايات على إكرام أصدقاء الوالدين وأرحامهما حتّى بعد وفاتهما، فكيف حال حياتهما؟
سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا رسول الله، جئتك أبايعك على الهجرة، وتركت أبويّ يبكيان. فقال: ارجع إليهما وأضحكهما. وقال آخر: يا رسول الله، هل بقي من البرّ بعد موت الأبوين شيء؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، والوفاء بعهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة رحمهما"3.

التربية على صلة الرحم
ينبغي تربية الطفل على بناء علاقة طيّبة مع الأسرة الممتدّة، كجدّه وجدّته وأعمامه وأخواله وأبنائهم... وتنمية الإحساس لديه بأهمّيّة الارتباط العاطفيّ والاجتماعيّ بالأرحام وضرورته، وتعريف الطفل إلى جميع أرحامه، وتعليمه وإشعاره بآثار صلة الرحم وبركاتها، وأنّها: تزيد في العمر، وتنفي الفقر، وتنمّي الأموال، وتدفع البلاء، وتعمر الديار، وتطيّب النفس، وتزكّي العمل، وتزيد في الرزق... إلخ.
 
 

1- ابن شعبة الحراني، تحف العقول ، ص264.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص161.
3- السيد البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج21، ص426.
 
 
 
 
321

265

الدرس العشرون: التربية الاجتماعيّة (2) التربية الأسريّة النوويّة والممتدّة

 عن الإمام الباقر عليه السلام: "صلة الأرحام تزكّي الأعمال، وتدفع البلوى، وتنمّي الأموال، وتنسئ له في عمره، وتوسّع في رزقه، وتحبّب في أهل بيته، فليتقِّ الله وليصل رحمه"1.


وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "صل رحمك ولو بشربة ماء، وأفضل ما توصل به الرحم كفّ الأذى عنها، وصلة الرحم منسأة في الأجل، محبّة في الأهل"2.

وتحصل صلة الرحم من خلال أساليب عديدة، مثل:
- التواصل المباشر مع الأرحام، من خلال اصطحاب الطفل لزيارتهم وعيادتهم.
- التواصل المستمّر معهم عبر الهاتف، وتفقّد أحوالهم والسؤال عنهم.
- تعويد الطفل تجنّب قطيعة الرحم عند قطع الطرف الآخر للعلاقة، بل استمرار التواصل مع الأرحام، حتّى لو لم يبادر الأرحام الآخرون إلى الاتّصال والتواصل.

عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تقطع رحمك وإن قطعتك"3.

وعن الإمام عليّ عليه السلام: "صلوا أرحامكم وإن قطعوكم"4.
- اختيار أصدقاء الطفل من بين أبناء عمومته وأخواله، واللعب معهم.
- تجنّب نقل الخلافات بين كبار الأرحام إلى الأطفال.
- كفّ الأذى عن الأرحام، والصبر على أذاهم.

التربية على حسن الجوار
يقول تعالى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا5.
 
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص152.
2- المصدر نفسه، ص151.
3- المصدر نفسه، ص347.
4- الشيخ الصدوق، الأمالي ، ص208.
5- سورة النساء، الآية 36.
 
 
 
322

266

الدرس العشرون: التربية الاجتماعيّة (2) التربية الأسريّة النوويّة والممتدّة

 وقد أكّدت الروايات بشدّة حقّ الجار، حتّى جعلت حرمة الجار كحرمة الأمّ.


عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "حرمة الجار على الإنسان كحرمة أمّه"1.

ويكفي مطالعة ما ورد من حقوق للجار في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام2.

لذا، ينبغي تربية الطفل على قيم حسن الجوار، مثل:
- تعريف الطفل إلى حقوق الجيران، وتعويده المعاشرة الجميلة لهم وحسن التعامل معهم: كزيارتهم، وتفقّد أحوالهم، وخدمتهم، وإيصال الطعام إليهم، ومعاونتهم في حمل أغراضهم...

- تعويد الطفل كفّ الأذى عن الجار أو إلحاق الضرر به، وإشعار الطفل بذلك. فإذا أراد الطفل مثلاً أن يلعب في المنزل بوقت باكر أو متأخّر، يقال له: إنّ الجيران ينزعجون، وهم نائمون، ليعيش الإحساس بالآخرين، ويشعر بضرورة احترام وجودهم من حوله.

- الصبر على أذى الجار، فلو ألقى التحيّة مثلاً على جاره ولم يردّ السلام، فعليه أن لا يتعامل معه بطريقة سلبيّة، بل يصبر على ذلك. عن الإمام الكاظم عليه السلام. قال: "ليس حسن الجوار كفّ الأذى، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى"3.

- عدم تتبّع عثرات الجيران، "والتلصّص" عليهم، واستراق السمع عمّا يدور في منازلهم.

- أن يقيل عثرة الجار، ويقبل اعتذاره، ويغفر زلّته.
 

1- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص126.
2- ابن شعبة الحراني، تحف العقول ، ص 266.
3- المصدر نفسه، ص406.
 
 
 
323

267

الدرس العشرون: التربية الاجتماعيّة (2) التربية الأسريّة النوويّة والممتدّة

 المفاهيم الرئيسة


- أوّل وحدة اجتماعيّة مؤثّرة في حياة الطفل هي الأسرة النوويّة، وأوّل محطّة في التربية الأسريّة إعانة الوالدين ولدهما على برّهما، بأداء وظيفتهمها في التربية الحسنة له.
- ينبغي للوالدين أن يجعلا الطفل يعاين العلاقة الحسنة بين أعضاء الأسرة، فإنّه سيقلّد سلوك والديه ويقتدي بهما.
- ينبغي تعويد الطفل:
1- طاعة توجيهات والديه وأوامرهما، وأن لا يتأفّف أو يضجر منهما، وأن يخشع بين يديهما ولا يتمرّد عليهما، ويفي بتعهّداته ووعوده معهما، ويستنصحهما.
2- شكر والديه على كلّ ما يحيطونه به من عناية واهتمام، واستشعار الهيبة بين أيديهما، وأن لا يتجرّأ عليهما.
3- المبادرة إلى خدمة والديه.
4- التكلّم بأدب مع والديه، وبصوت منخفض، وأن لا يسمّي والديه باسميهما، وأن لا يناديهما من بعيد.
5- أن لا يمازح والديه بضربهما، وأن لا يعبس في وجهيهما، بل ينظر إليهما بعين الحبّ والرحمة والحنان، وأن يستقبلهما بالبشاشة وطلاقة الوجه.
6- أن لا يجلس قبل والديه، وأن يوسّع لهما في المجلس. ولا يسبقهما بالمشي، ولا يبدأ بتناول الطعام قبلهما.
7- أن يستحضر والديه في أفعاله العباديّة، والدعاء لهما بالخير.
8- أن لا يفعل ما يؤدّي إلى سبّ الناس لوالديه، وأن لا يسبّ الآخرين حتّى لا يسبّوا والديه.
- ينبغي تعويد الأخوة أن يحترم، ويرحم، ويؤانس، ويخدم، وينصح، ويستشير بعضهم بعضاً.
- ينبغي تعويد الطفل أن يكرم أصدقاء والديه وضيوفهما.
- ينبغي تنمية الإحساس لديه بأهمّيّة الارتباط العاطفيّ والاجتماعيّ بالأرحام وضرورته، من خلال: الزيارة، الاتّصال الهاتفيّ...
- ينبغي تربية الطفل على قيم حسن الجوار، كزيارة الجيران، وتفقّد أحوالهم، وخدمتهم، وإيصال الطعام إليهم، ومعاونتهم في حمل أغراضهم، وكفّ الأذى عنهم، والصبر على أذاهم...
 
 
 
 
324

268

الدرس العشرون: التربية الاجتماعيّة (2) التربية الأسريّة النوويّة والممتدّة

 أسئلة الدرس


- يعتبر عالم الاجتماع تشارلز كولي أنّه كما يتشكّل الوجود البيولوجيّ للإنسان في رحم الأمّ، يتشكّل الوجود الاجتماعيّ للطفل في رحم الأسرة وحضنها، حلّل مضمون هذا القول.
- عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "رحم اللَّه والدين أعانا ولدهما على برّهما"، اربط بين هذا الحديث وعملية التربية الاجتماعيّة للطفل، معلّلاً ذلك.
- عن الإمام عليّ عليه السلام، قال: "... حقّ الوالد على الولد أن يطيعه في كلّ شيء، إلّا في معصية الله سبحانه..."، ما أهمّيّة تربية الطفل على طاعة الوالدين؟ اذكر نماذج على ذلك.
- ضع جدولاً بأهمّ آداب الكلام والطعام والجلوس والمشي والنظر، التي ينبغي تربية الطفل عليها.
- عن الإمام الصادق عليه السلام: "ليس منّا من لم يوقّر كبيرنا، ولم يرحم صغيرنا"، اشرح مبادئ التربية الأخويّة في الأسرة في ضوء هذين الحديثين.
- ما هو دور صلة الرحم في التربية الاجتماعيّة للطفل؟ واذكر أربعة أساليب في التربية على صلة الرحم.
 
 
 
 
325

269

الدرس الحادي والعشرون: التربية الاجتماعيّة (3) التربية على الصداقة

 الدرس الحادي والعشرون

التربية الاجتماعيّة (3) التربية على الصداقة


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يذكر مسؤوليّات الوالدين في تربية الطفل على الصداقة.
2- يحدّد معايير اختيار الأصدقاء.
3- يعدّد الصفات الإيجابيّة والسلبيّة في الأصدقاء.
4- يعرض منظومة قيم الصداقة.
 
 
 
 
 
327

270

الدرس الحادي والعشرون: التربية الاجتماعيّة (3) التربية على الصداقة

 الصديق حاجة للطفل

من أبرز تجلّيات التربية الاجتماعيّة تربية الطفل على الصداقة، لأنّها مرحلة مهمّة في حياته، وفي ضوئها تتشكّل مجموعة من التصوّرات والقيم والآداب الاجتماعيّة، وكيفيّة التعاون والتفاعل والمشاركة مع الآخرين... إلخ.

ذكرنا سابقاً أنّ الطفل مفطور منذ بدء خلقه على غريزة اللعب واللهو، وتدفعه هذه الغريزة - إضافة إلى غريزة الميل الاجتماعيّ - نحو بناء علاقات مع الأطفال الآخرين من أجل التفاعل اللهويّ معهم، وعادة ما يصبح واحد أو أكثر من أعضاء الفريق في مجموعة اللعب أصدقاء للطفل. كما أنّ الطفل في مجتمعاتنا يدخل غالباً في سنّ مبكرة (3 سنوات) إلى المدرسة - بغضّ النظر عن عدم تأييدنا لذلك1 -، حيث يعاشر أقرانه ويتّخذ بعضهم أصدقاء له، وقد يصبح بعض أصدقائه أقرب إليه من أعضاء أسرته.

عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الصديق أقرب الأقارب"2.

وعنه عليه السلام: "الأصدقاء نفس واحدة في جسوم متفرّقة"3.

ومن حقّ الطفل أن يستكشف الحياة ويستطلعها بخبرات شعوريّة ذاتيّة، كي يتعلّم ويراكم التجربة، إلّا أنّ المسؤوليّة التربويّة تفرض على الأهل ممارسة الرقابة الذكيّة على تصرّفات الطفل، وإرشاد سلوكاته وتوجيهها، بل التدخّل السلطويّ بالمنع لبعضها، وفرض
 
 

1- يراجع: درس الحثّ على تربية وتعليم وتأديب الأطفال، فقرة حقّ الطفل في التعليم.
2- الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص50.
3- المصدر نفسه، ص63.
 
 
 
 
329

271

الدرس الحادي والعشرون: التربية الاجتماعيّة (3) التربية على الصداقة

 الحظر عليها من أجل وضع الأمور في نصابها. وتشمل هذه المسؤوليّة نمط علاقة الطفل بأصدقائه، خصوصاً أنّه لا يملك المعارف والخبرات والمهارات اللازمة لتقويم أصدقائه.


وظيفة الوالدين
وفي هذا السياق ينبغي للوالدين أن يربّيا الطفل على بعض الأساليب والمهارات والقيم والآداب في خطّ علاقته مع الأصدقاء، وهي:
- (في الجانب الإيجابيّ): تعليم الطفل وتدريبه على حسن اختيار الأصدقاء، وكيفيّة التعامل والتفاعل معهم، في ضوء معايير محدّدة وواضحة، وضمن لائحة من المواصفات والسمات الحسنة، وسيأتي بيانها.

- (في الجانب السلبيّ): تعويده وتدريبه على تجنّب أقرناء السوء في ضوء معايير محدّدة أيضاً.

- الإشراف والرقابة والإرشاد والتوجيه بنحو مستمرّ على اختياره لأصدقائه ولطبيعة علاقته بهم.

وذلك لأنّ طبيعة الصديق وأخلاقه وسلوكاته ومشاعره الإيجابيّة والسلبيّة، ستترك بصمتها على شخصيّة من يقترن به من الأصدقاء، إذ النفوس المتصادقة ستتشاكل وتتشابه. ولذا، يُعرَف الصديق بصديقه ويُنسب إليه، كما ورد في بعض الروايات1، لأنّه ما لم يكن ثمّة مشابهة وتشاكل بينهما، فإنّ الصداقة لن تدوم، بل ستنقطع أوصالها، لأنّ كلّ إنسان يحنّ إلى شبيهه ويميل إلى مثله، وينفر من ضدّه.

عن الإمام عليّ عليه السلام: "كلّ امْرِئٍ يميل إلى مثله"2.

وعنه عليه السلام: "كلّ طير يأوي إلى شكله"3.
 
 

1- رُوي عن النبيّ سليمان عليه السلام، أنّه قال: "لا تحكموا على رجل بشيء حتّى تنظروا إلى من يصاحب، فإنّما يُعرف الرجل بأشكاله وأقرانه، ويُنسب إلى أصحابه وأخدانه". الحسن بن محمد الديلمي، أعلام الدين في صفات المؤمنين، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث -قم، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث . قم، لا.ت، لا.ط،ص183.
2- الليثي الواسطي، عيون المواعظ والحكم، ص376.
3- المصدر نفسه.
 
 
 
330

272

الدرس الحادي والعشرون: التربية الاجتماعيّة (3) التربية على الصداقة

 حسن اختيار الصديق

لذا ورد في الروايات الحثّ على حسن اختيار الخليل والصديق.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"1.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "اصحب من تتزيّن به"2.

وورد في الروايات أيضاً التحذير من قرين السوء وضرورة تجنّبه.

عن الإمام عليّ عليه السلام: "احذر مجالسة قرين السوء، فإنّه يهلك مقارنه، ويردي مصاحبه"3.

وعن الإمام عليّ عليه السلام: "صحبة الأشرار تكسب الشرّ، كالريح إذا مرّت بالنتن حملت نتناً "4.

الاختيار فرع الاختبار
وأهمّ مسألة ينبغي تعويد الطفل إيّاها في الاختيار، هي الاختبار، أي تعويد الطفل اختبار الأصدقاء ووضعهم على محكّ التجربة في الواقع، ثمّ البناء على نتائج الاختبار في الاختيار.

عن الإمام عليّ عليه السلام: "لا تثق بالصديق قبل الخبرة"5.

وعنه عليه السلام: "لا ترغبنّ في مودّة من لم تكشفه"6.

وعن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، قال لبعض ولده: "يا بنيّ، لا تواخِ أحداً حتّى تعرف موارده ومصادره، فإذا استنبطت الخبرة ورضيت العشرة، فآخه على إقالة العثرة والمواساة في العسرة"7.
 
 

1- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج8، ص327.
2- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص278.
3- الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص103.
4- المصدر نفسه، ص304.
5- المصدر نفسه، ص522.
6- غرر الحكم، 2463، 10167.
7- ابن شعبة الحراني، تحف العقول ، ص233.
 
 
 
331

273

الدرس الحادي والعشرون: التربية الاجتماعيّة (3) التربية على الصداقة

 آليّات اختبار الأصدقاء

وقد أفصحت الروايات عن أهمّ آليّات اختبار الأصدقاء، وهي:
- الصديق من يقف إلى جانب صديقه في جميع المواقف، الحلوة والمرّة، فيجده كلّما احتاج إليه، وعند أيّ مصيبة يقع فيها أو مكروه يحل به...
عن الإمام الصادق عليه السلام: "يُمتحن الصديق بثلاث خصال، فإن كان مؤاتياً فيها فهو الصديق المصافي، وإلّا كان صديق رخاء لا صديق شدّة: تبتغي منه مالاً، أو تأمنه على مال، أو تشاركه في مكروه"1.

وعن الإمام عليّ عليه السلام، قال: "لا يُعرف الناس إلا بالاختبار، فاختبر أهلك وولدك في غيبتك، وصديقك في مصيبتك، وذا القرابة عند فاقتك، وذا التودّد والملق عند عطلتك، لتعلم بذلك منزلتك عندهم"2.

وعن الإمام عليّ عليه السلام: "في الشدّة يُختبر الصديق، في الضيق يتبيّن حسن مواساة الرفيق"3.

- فالصديق لا يلازم صديقه لاستغلاله ماليّاً في تأمين منافعه الخاصّة، فيعاشره عند اليسر مثلاً، ويتركه إلى غيره عند العسر. والصديق هو من يعطي ويأخذ، لا من يأخذ فقط، من دون أن يعطي.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "لا تسم الرجل صديقاً سمة معرفة حتى تختبره بثلاث: تغضبه، فتنظر يخرجه من الحقّ إلى الباطل، وعند الدينار والدرهم، وحتّى تسافر معه"4.

- الصديق هو من لا يخرجه غضبه عن المودّة والاحترام لصديقه.

- والصديق لا يتحدّث عن صديقه بالسوء حتّى في لحظات الغضب.
 
 

1- الحراني، تحف العقول، ص321.
2- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، ص275.
3- عيون الحكم والمواعظ، ص354.
4- الشيخ الصدوق، الأمالي ، ص646.
 
 
 
 
332

274

الدرس الحادي والعشرون: التربية الاجتماعيّة (3) التربية على الصداقة

 عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا أردت أن تعلم صحّة ما عند أخيك فأغضبه، فإن ثبت لك على المودّة فهو أخوك، وإلّا فلا"1.


وعنه عليه السلام: "من غضب عليك من إخوانك ثلاث مرّات فلم يقل فيك شرّاً، فاتّخذه لنفسك صديقاً"2.

الصفات الإيجابيّة والسلبيّة في الصديق
هناك مجموعة من الروايات تسلّط الضوء على المواصفات الجميلة والحسنة التي ينبغي توافرها في الصديق، والمواصفات السلبيّة والقبيحة التي توجب الابتعاد عن صاحبها. ويمكن للطالب/ة وضعها في جدول كمعايير لاتّخاذ إنسان ما صديقاً أو تجنّبه.

- عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام، قال: قال لي عليّ بن الحسين عليهما السلام: "يا بنيّ، انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق.
فقلت: يا أبه، من هم؟
قال: إيّاك ومصاحبة الكذّاب، فإنّه بمنزلة السراب، يقرّب لك البعيد ويباعد لك القريب.
وإيّاك ومصاحبة الفاسق، فإنّه بائعك بأكلة أو أقلّ من ذلك.
وإيّاك ومصاحبة البخيل، فإنّه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه.
وإيّاك ومصاحبة الأحمق، فإنّه يريد أن ينفعك فيضرّك.
وإيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه، فإنّي وجدته ملعوناً في كتاب الله عزّ وجلّ"3.

- وعن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال: "لا تكون الصداقة إلّا بحدودها، فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها، فانسبه إلى الصداقة، ومن لم يكن فيه شيء منها فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة، فأوّلها: أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة. والثانية: أن يرى زينك زينه، وشينك شينه. والثالثة: أن لا تغيّره عليك ولاية ولا مال. والرابعة: لا يمنعك شيئاً تناله مقدرته. والخامسة، وهي تجمع هذه
 
 

1- ابن شعبة الحراني، تحف العقول ، ص357.
2- الشيخ الصدوق، الأمالي ، ص767.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص377.
 
 
 
333

275

الدرس الحادي والعشرون: التربية الاجتماعيّة (3) التربية على الصداقة

 الخصال: أن لا يسلمك عند النكبات"1.


- وعن الإمام عليّ عليه السلام: "إيّاك ومعاشرة متتبّعي عيوب الناس، فإنّه لم يسلم مصاحبهم منهم"2.

- وعنه عليه السلام: "إيّاك وصحبة من ألهاك وأغراك، فإنّه يخذلك ويوبقك"3.

- وعن الإمام الحسن عليه السلام: "إذا سمعت أحداً يتناول أعراض الناس، فاجتهد أن لا يعرفك، فإنّ أشقى الأعراض به معارفه"4.

- وعن الإمام الصادق عليه السلام: "احذر من الناس ثلاثة: الخائن، والظلوم، والنمّام، لأنّ من خان لك خانك، ومن ظلم لك سيظلمك، ومن نمّ إليك سينمّ عليك"5.

- وعنه عليه السلام، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "لا عليك أن تصحب ذا العقل، وإن لم تحمد كرمه، ولكن انتفع بعقله واحترس من سيّئ أخلاقه، ولا تدعنّ صحبة الكريم، فإن لم تنتفع بعقله، ولكن انتفع بكرمه بعقلك، وافرر كلّ الفرار من اللئيم الأحمق"6.

خارطة الطريق في علاقة الطفل مع أصدقائه
ما تقدّم من أحاديث، يعطي صورة واضحة عمّن ينبغي اختياره صديقاً ومن ينبغي تركه، كما أنّ هناك قيماً للعلاقة بين الأصدقاء، تعطي صورة أيضاً عن الصفات التي ينبغي أن تتوافر فيهم، ويجب على الوالدين تربية الطفل على قيم الصداقة هذه وتدريبه عليها. وهي:
- تعويد الطفل التعرف إلى بعض تفاصيل حياة صديقه، كي لا تكون معرفة حمق، بأن يسأله عن اسم أبيه وعشيرته وبلدته ومحلّ إقامته وهواياته...
 
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص639.
2- عيون الحكم والمواعظ، ص97.
3- المصدر نفسه، ص98.
4- أعلام الدين في صفات المؤمنين، ص297.
5- ابن شعبة الحراني، تحف العقول ، ص316.
6- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص638.
 
 
 
334

276

الدرس الحادي والعشرون: التربية الاجتماعيّة (3) التربية على الصداقة

 عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أحبّ أحدكم أخاه المسلم، فليسأله عن اسمه واسم أبيه واسم قبيلته وعشيرته، فإنّ من حقّه الواجب وصدق الإخاء أن يسأله عن ذلك، وإلّا فإنّها معرفة حمق"1.


- تعويده إذا استشعر الحبّ في قلبه لأحد أصدقائه أو إخوانه، أن يخبره بذلك، فإنّه يجعل رابطة الصداقة أو الأخوّة أقوى بينهما، أو كما عبّرت بعض الروايات: "فإنّه أثبت للمودّة بينكما"، أو "فإنّه أبقى للمودّة وخير في الألفة"2.

عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا أحبّ أحدُكم صاحبَه أو أخاه، فليُعلمْه"3.

- تشجيع الطفل على أن لا يشتم صديقه أو يغتابه أو يقول فيه قولاً سيّئاً عند غضبه منه، بل عليه أن يحدّد الموقف بعد أن يهدأ من ثورة غضبه.

- تشجيع الطفل على أن يكون سخيّاً كريم النفس مع الأصدقاء، ولا يكون استغلاليّاً في علاقته معهم. فالكرم والبذل والعطاء سبب للمحبّة بين الأصدقاء.

عن الإمام عليّ عليه السلام في وصيّته لابنه محمّد بن الحنفيّة: "... وابذل لصديقك نفسك ومالك..."4.

وعنه عليه السلام: "سبب المحبّة السخاء"5.

- تشجيع الطفل على زيارة أصدقائه في حالتي الصحّة والمرض.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الزيارة تنبت المودّة"6.

- تشجيعه على عدم هجر أصدقائه وقطيعتهم، خصوصاً أثناء التعطيل الدراسيّ وفي العطلة الصيفيّة، وحثّه على استمرار التواصل والزيارات واللعب المشترك.
 
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص671.
2- البرقي، المحاسن، ج1، ص266.
3- المصدر نفسه، ص266.
4- الشيخ الصدوق، الخصال، ص147.
5- الليثي الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، ص282.
6- العلامة المجلسي، بحار الانوار، ج71، ص355.
 
 
 
 
335

277

الدرس الحادي والعشرون: التربية الاجتماعيّة (3) التربية على الصداقة

 - تحفيزه على إخبار أصدقائه عن مكانه عند إرادته الغياب فترة زمنيّة معيّنة، كأن يذهب الطفل مثلاً إلى قريته أثناء العطلة الصيفيّة.


- تدريبه على تفقّد أصدقائه والسؤال عن شؤونهم عند غيابهم عن المدرسة مثلاً.

- تشجيعه على السماح لأصدقائه بزيارته في المنزل، للمذاكرة والدرس واللعب معه.

- تشجيع الطفل على الوقوف إلى جانب صديقه عند أيّ مصيبة تنزل به.
عن الإمام عليّ عليه السلام: "لا يكون الصديق صديقاً حتّى يحفظ أخاه في ثلاث: في نكبته، وغيبته، ووفاته"1.

- تشجيع الطفل على أن لا يحسد صديقه، بل يغبطه.
عن الإمام عليّ عليه السلام: "حَسَدُ الصَّدِيقِ مِنْ سُقْمِ الْمَوَدَّة"2.

- تعويده العفو عن صديقه عندما يصدر عنه خطأ ما بحقّه.

- تشجيعه على الاعتذار إلى الصديق عند الخطأ بحقّه.

- تعويده إلى حسن الظنّ بصديقه، وحمل أفعاله على محامل حسنة. عن الإمام عليّ عليه السلام: "لا يغلبنّ عليك سوء الظنّ، فإنّه لا يدع بينك وبين صديق صفحاً"3.

- تدريبه على التوأمة بين الثقة وحسن الظنّ بالأصدقاء من جهة، وبين عدم الاسترسال في الثقة بهم، والحذر منهم وعدم بذل كلّ الطمأنينة لهم من جهة ثانية.
عن الإمام عليّ عليه السلام، قال: "ابذل لصديقك كلّ المودّة، ولا تبذل له كلّ الطمأنينة، وأعطه كلّ المواساة، ولا تُفضِ إليه بكلّ الأسرار"4.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "... وكن على حذر من أوثق الناس في نفسك، فإنّ الناس أعداء النعم"5.
 
 

1- نهج البلاغة، ص494.
2- المصدر نفسه، ص507.
3- ابن طاووس، رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد الحسني الحسيني، كشف المحجة لثمرة المهجة، النجف الأشرف، المطبعة الحيدرية، 1370ه - 1950م، لا.ط، ص167.
4- كنز الفوائد، ص34.
5- الشيخ الكليني،الكافي، ج8، ص249.
 
 
 
 
336

278

الدرس الحادي والعشرون: التربية الاجتماعيّة (3) التربية على الصداقة

 وعن الإمام الصادق عليه السلام: "لا تثقنّ بأخيك كلّ الثقة، فإنّ سرعة الاسترسال لا تُستقال"1.


- تشجيعه على كتمان سرّ أصدقائه وعدم البوح بها.

- تشجيعه على عدم البوح بكلّ أسراره الشخصيّة إلى أصدقائه.

- تشجيعه على عدم البوح بأسرار ائتمنه عليها أشخاص آخرون، من أهله أو أقاربه أو رفاقه، إلى أصدقائه، حتّى لو كان يثق بهم.

عن الإمام زين العابدين عليه السلام في صفات المؤمن: "لا يحدّث أمانته الأصدقاء"2، أي لا يبوح بسرّ ائتُمن عليه إلى الأصدقاء.

- تشجيعه على الإصلاح بين أصدقائه وتقريب القلوب.

- تعويده تجنّب الفتنة بين الأصدقاء، وعدم زرع الشحناء والبغضاء بينهم.

- تعويده نصرة أصدقائه حال الحقّ، وتجنّب نصرتهم والدفاع عنهم حال الباطل، والتحامل لهم ولأجلهم.

عن الإمام الصادق عليه السلام: "ينبغي للمؤمن أن يكون فيه ثماني خصال:... ولا يتحامل للأصدقاء..."3.

وفُسّر التحامل للأصدقاء بمعانٍ عدةّ تصلح جميعها كأصول للعلاقة بهم ومعهم، منها: لا يحتمل الوزر لأجلهم، كما إذا كان عنده شهادة على صديقه في حقّ لغيره، فيمتنع عن أداء الشهادة بحجّة رعاية الصداقة4.

ومنها: لا يتكلّف لهم، يقال: تحامل الأمر وبه: تكلّفه على مشقّة. وبعبارة أخرى، عليه أن لا يتحامل عنهم ما لا يطيق الإتيان به من الأمور الشاقّة، فيعجز عنها.

ومنها: لا يتحامل على الناس ولا يجور عليهم لأجل الأصدقاء وطلب مرضاتهم5.
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص672.
2- الشيخ الصدوق، الأمالي ، ص582.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص47.
4- شرح أصول الكافي، ج8، ص143.
5- مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج7، ص292.
 
 
 
 
337

279

الدرس الحادي والعشرون: التربية الاجتماعيّة (3) التربية على الصداقة

 - تعويده تجنّب تتبّع عثرات صديقه وإحصائها عليه.

عن الإمام عليّ عليه السلام: "من استقصى على صديقه انقطعت مودّته"1.

- تجنّب الجدال والمراء مع أصدقائه.
عن الإمام الهادي عليه السلام: "المراء يفسد الصداقة القديمة، ويحلّ العقدة الوثيقة، وأقلّ ما فيه أن تكون فيه المغالبة، والمغالبة أُسّ أسباب القطيعة"2.

- التواضع للأصدقاء، وتجنّب الغرور والنرجسيّة والحديث الدائم عن الأنا معهم وأمامهم.
عن الإمام عليّ عليه السلام - في وصيّته لابنه محمّد بن الحنفيّة -: "إيّاك والعجب وسوء الخلق وقلّة الصبر، فإنّه لا يستقيم لك على هذه الخصال الثلاث صاحب، ولا يزال لك عليها من الناس مجانب"3.

- أن يكون حليماً مع أصدقائه.
عن الإمام العسكريّ عليه السلام: "من كان الورع سجيّته، والكرم طبيعته، والحلم خلّته، كثر صديقه والثناء عليه، وانتصر من أعدائه بحسن الثناء عليه"4.

- تعويده أن يكون وفيّاً مع أصدقائه، لأنّه سبب للوئام والائتلاف وتقارب القلوب.
عن الإمام عليّ عليه السلام: "سبب الائتلاف الوفاء"5.

- أن يبادر إلى فعل الخير مع أصدقائه، ولا ينتظر أن يبادروا ليبادل.

- أن يكافئ أصدقاءه على أيّ فعل حسن يصدر عنهم تجاهه.

- أن يعين أصدقاءه على فعل البرّ والإحسان، وينهاهم عن فعل القبائح والظلم والعدوان.
 

1- عيون الحكم والمواعظ، ص459.
2- العلامة المجلسي، بحار الانوار، ج75، ص369.
3- الخصال، ص147.
4- أعلام الدين في صفات المؤمنين، ص314.
5- عيون الحكم والمواعظ، ص282.
 
 
 
 
338

280

الدرس الحادي والعشرون: التربية الاجتماعيّة (3) التربية على الصداقة

 عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الصديق من كان ناهياً عن الظلم والعدوان، معيناً على البرّ والإحسان"1.

وعنه عليه السلام: "المعين على الطاعة خير الأصحاب"2.

- أن يرشد صديقه إلى معايبه ونقاط ضعفه، من دون سخرية أو استهزاء.
عن الإمام عليّ عليه السلام: "إنّما سُمّي الصديق صديقاً، لأنّه يصدقك في نفسك ومعايبك، فمن فعل ذلك فاستنم إليه، فإنّه الصديق"3.

- أن يكون ناصحاً لأصدقائه، بنحو يشعرهم بإرادة الخير والصلاح لهم.
عن الإمام عليّ عليه السلام: "ابذل لصديقك نصحك"4.

وعنه عليه السلام: "الصديق الصدوق، من نصحك في عيبك، وحفظك في غيبك، وآثرك على نفسه"5.

وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "وأمّا حقّ الصاحب: فأن تصحبه بالتفضّل والإنصاف، وتكرمه كما يكرمك، ولا تدعه يسبق إلى مكرمة، فإن سبق كافأته، وتودّه كما يودّك، وتزجره عمّا يهمّ به من معصية، وكن عليه رحمة، ولا تكن عليه عذاباً"6.
 
 

1- عيون الحكم والمواعظ، ص20.
2- المصدر نفسه، ص45.
3- المصدر نفسه، ص178.
4- غرر الحكم، ح2466.
5- المصدر نفسه، ح1904.
6- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص623.
 
 
 
 
339

281

الدرس الحادي والعشرون: التربية الاجتماعيّة (3) التربية على الصداقة

 المفاهيم الرئيسة


- من أبرز تجلّيات التربية الاجتماعيّة، تربية الطفل على الصداقة، لأنّها مرحلة مهمّة في حياته، وفي ضوئها تتشكّل مجموعة من التصوّرات والقيم والآداب الاجتماعيّة، خصوصاً أنّ بعض أصدقاء الطفل يصبحون أقرب إليه من أعضاء أسرته.
- إنّ طبيعة الصديق وأخلاقه وسلوكاته ومشاعره الإيجابيّة والسلبيّة، ستترك بصمتها على شخصيّة من يقترن به من الأصدقاء، إذ النفوس المتصادقة ستتشاكل وتتشابه. ولذا، يُعرَف الصديق بصديقه ويُنسب إليه، كما ورد في بعض الروايات.
- ينبغي للوالدين أن يربّيا الطفل على حسن اختيار الأصدقاء، وكيفيّة التعامل معهم في ضوء معايير محدّدة وواضحة، وتدريبه على تجنّب أقرناء السوء، والإشراف والرقابة والإرشاد والتوجيه لطبيعة علاقته بهم.
- ينبغي تعويد الطفل أنّ الاختيار فرع الاختبار. وقد أفصحت الروايات عن أهمّ آليّات اختبار الأصدقاء، منها: الصديق من يقف إلى جانب صديقه في جميع المواقف، الحلوة والمرّة، لا يخرجه غضبه عن المودّة والاحترام لصديقه، لا يتحدّث عن صديقه بالسوء حتّى في لحظات الغضب، لا يلازم صديقه لاستغلاله ماليّاً.
- ينبغي للوالدين تعويد الطفل حسن العلاقة مع أصدقائه، ضمن الخطوات التالية:
1- التعرّف إلى بعض تفاصيل حياة صديقه، كي لا تكون معرفة حمق.
2- إذا استشعر الحبّ في قلبه لأحد أصدقائه، فعليه أن يخبره بذلك.
3- أن لا يشتم صديقه أو يغتابه.
4- أن يزور أصدقاءه في حالتي الصحّة والمرض، ولا يهجرهم، ويخبرهم عن مكانه عند إرادته الغياب فترة زمنية معيّنة، وأن يسمح لأصدقائه بزيارته في المنزل للمذاكرة واللعب.
5- العفو عن صديقه أو الاعتذار إليه عند الخطأ.
6- التوأمة بين الثقة وحسن الظنّ بالأصدقاء من جهة، والحذر منهم وعدم بذل كلّ الطمأنينة لهم من جهة ثانية.
7- كتمان سرّ أصدقائه وعدم البوح بها، وعدم البوح بكلّ أسراره الشخصيّة إلى أصدقائه.
8- الإصلاح بين أصدقائه وتقريب قلوبهم، وتجنّب الفتنة وزرع الشحناء والبغضاء بينهم.
9- أن يكون كريماً، متواضعاً، أميناً، وفيّاً، حليماً، مبادراً للخير، معيناً على الطاعة، وناصحاً.
- ينبغي تدريب الطفل أن يتجنّب مصادقة: الكذّاب، الأحمق، البخيل، القاطع لرحمه، المتتبّع عثرات الناس، الخائن، الظلوم، النمّام...
 
 
 
 
 
340

282

الدرس الحادي والعشرون: التربية الاجتماعيّة (3) التربية على الصداقة

 أسئلة الدرس


- هل يؤثّر الأصدقاء في رسم بعضهم معالم هويّة البعض الآخر؟
- ما هو دور الوالدين في تربية الطفل على الصداقة، في الجانبين السلبيّ والإيجابيّ؟
- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"، حلّل مضمون هذه الرواية، مبيّناً أهمّيّة قاعدة أنّ الاختيار فرع الاختبار.
- اذكر خمس آليّات يمكن تعويد الطفل اعتمادها في عمليّة اختيار أصدقاء المعاشرة.
- ضع جدولاً متقابلاً بالصفات الإيجابيّة والسلبيّة، التي ينبغي أن تكون معايير لاختيار الأصدقاء في ضوئها، مستخرجاً ذلك من الروايات المذكورة في الدرس.
- هل تمارس عمليّة الرقابة الذكيّة على اختيار طفلك لأصدقائه، وتعمد إلى إرشاده وتوجيهه في ذلك؟ ما هي الأساليب التي تعتمدها في ذلك؟
- ما هي القيم التي تشجّع طفلك على التحلّي بها في خطّ علاقته مع أصدقائه، اذكر 20 قيمة.
 
 
 
 
 
341

283

الدرس الثاني والعشرون: التربية الجهاديّة

 الدرس الثاني والعشرون

التربية الجهاديّة


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يُعرِّف التربية الجهاديّة.
2- يذكر أهمّيّة التربية الجهاديّة وأهدافها.
3- يضع جدولاً بأهمّ القيم التربويّة الجهاديّة.
4- يحدّد أساليب التربية الجهاديّة للطفل.
 
 
 
 
 
343

284

الدرس الثاني والعشرون: التربية الجهاديّة

 تمهيد

يشهد عالمنا العربيّ والإسلاميّ منذ عقود احتلالات وانقلابات متكرّرة، وتعصف به حروب وصراعات متنوّعة، فينشأ الطفل في بيئة مضطربة أمنيّاً وغير مستقرّة عسكريّاً، ويفتح عينيه على مشاهد القتل والتهجير، وتلتقط أذنه اهتزازات أزيز الرصاص وهدير الطائرات وأصوات المدافع، ويشمّ رائحة الدم والبارود، وتلتقط مسامعه أنّ أباه أو أخاه أو أحد أقاربه ومعارفه في أرض الجهاد والدفاع المقدّس، يقاتل العدوّ الصهيونيّ أو الإرهاب التكفيريّ أو غيرهما، وأنّ فلاناً منهم قد استُشهد، أو جُرح أو أُسر، أو وقع في الحصار...، ويشاهد في مدنه وقراه نعوش قوافل الشهداء تُحمَل على أكفّ الناس، ويعاين اتّشاح النسوة بالسواد، ويسمع بكاء أهله وأقربائه وأصدقائه وآهاتهم... بل لطالما تصدّر الطفل العربيّ والمسلم قائمة المستهدَفين أثناء الحروب والصراعات.

وفي ظلّ هذا الواقع الذي تعيشه البيئة العربيّة، كسوريا وفلسطين واليمن ولبنان والعراق...، وأمام حضور مشهد الحرب والاحتلال والإرهاب في أذهان أطفالنا، لا يمكن تربية الطفل على تصوّرات وقيم ومشاعر واتّجاهات وسلوكات منعزلة عن واقع مجتمعه، ومتناسبة مع طبيعة الحياة في الدول الاسكندنافيّة، كالسويد والدانمارك والنرويج مثلاً. بل تقتضي الحكمة أخذ طبيعة هذه البيئة وظروفها بعين الاعتبار، في عمليّة إعداد الطفل للحياة وتشكيل هويّته، باعتماد نمط تربويّ قائم على مجموعة من الأساليب والأنشطة التي تهدف إلى:
- الدفاع عن الدين والقيم الدينية والتضحية لأجلها.
 
 
 
 
345

285

الدرس الثاني والعشرون: التربية الجهاديّة

 - غرس قيمة حبّ الوطن في وجدان الطفل.

- كراهة العدوّ والنفور منه في قلبه.
- تعزيز ثقافة المقاومة في شخصيّته، بنحو يصبح الطفل عنصراً مساهماً في حركة الجهاد والمقاومة، بحسب مرحلته العمريّة وخصائصه النمائيّة، وبما يتلاءم مع قابليّاته وقدراته الشخصيّة.
- القدرة على التكيّف مع البيئة العامّة بظروفها السياسيّة والأمنيّة والعسكريّة غير المستقرّة، والتأقلم مع طبيعة هذه المشكلات والاضطرابات التي تعصف بشكل متكرّر بمجتمعه، والتي تعرّض الطفل للإصابات والصراعات النفسيّة.

فالتربية الجهاديّة بهذا المعنى، قضيّة ضروريّة، تتحمّل مسؤوليّتها جميع مؤسّسات التنشئة الاجتماعيّة في بيئتنا المقاوِمة، وينبغي شراكة الجميع فيها. وتبقى المسؤوليّة الأهمّ على عاتق الأبوين المعنيّين أوّلاً وأخيراً بتربية الطفل وإعداده للحياة.

تقديم الجهاد والمقاومة بأمثلة تحاكي وعي الطفل
إنّ خصائص الطفل الذهنيّة والنفسيّة والوجدانيّة... تميل به إلى حياة اللهو واللعب والبحث عن البهجة والسرور، ولكن قد كُتب على أطفالنا بين حين وآخر أن تُسلَب شفاههم البسمة، لتُرسم مكانها دمعة الحزن في عيونهم، وحرصاً على براءة نفوسهم وطهارة مشاعرهم وسلامة وجدانهم، ينبغي للمربّي في المرحلة الأولى من حياة الطفل، تقديم فكرة الجهاد وثقافة المقاومة بصورة تتناسب مع جهازه الإدراكيّ الخياليّ، وخصائصه الفطريّة الطيّبة، من خلال طرح أمثلة يعايشها في واقع حياته اليوميّة، من دون أن تحمل مضامين تشعره بالخوف والرعب، وتغذّي في داخله نزعة العنف والعدوانيّة السلبيّة. كأّن يُشبّه له الجهاد بحالتي الصحّة والمرض اللتين يواجههما جسم الطفل، - كما في مسلسل الرسوم المتحرّكة التعليمي: "كان يا ما كان الحياة" - بأن يقال له: إنّ الجسم حال الصحّة والخلوّ من الأمراض يعيش القوّة والنشاط والسعادة، ولكن قد يتعرّض هذا الجسم للمرض بسبب بعض العوامل الخارجيّة، فقد يصاب بالزكام بسبب البرد وانخفاض
 
 
 
 
346

286

الدرس الثاني والعشرون: التربية الجهاديّة

 درجة حرارة المُناخ، ويصاب بضربة الحرّ عند التعرّض لحرارة الشمس المرتفعة في الصيف، ويصاب بالإسهال عند تناول بعض الأطعمة أو الأشربة الملوّثة...


وهناك طريقان أمام الطفل للحفاظ على صحّته وسلامته الجسميّة:
الأوّل: الوقاية من كلّ العوامل التي تساهم في إصابة جسمه بالمرض أو الضعف أو العجز. فعليه أن يلبس الثياب التي تشعره بالدفء في فصل الشتاء، وأن لا يخرج من البيت أيام ارتفاع درجة الحرارة في الصيف... وعليه أن يذهب إلى الطبيب ليعطيه اللّقاحات لينمو جسمه بشكل سليم.

والثاني: معالجة الجسم من الأمراض، وتحمّل مرارة الدواء والصبر عليه، كي يزول الداء ويشفى جسمه ويعود إلى طبيعته، أو النوم في الفراش وعدم اللعب والحركة، مع رغبة الطفل الشديدة فيهما، كي يصحّ الجسم ويتعافى ليعاود نشاطه.

وهكذا يُقدّم الوطن أو المجتمع الإنساني أو الرابطة الإيمانية على أنّها بمنزلة جسم يتعرّض للهجوم من قبل الأعداء، كالصهاينة والتكفيريّين وغيرهم، ويحتاج هذا الوطن إلى التحصين وزيادة منسوب المناعة والوقاية من جهة، وإلى العلاج من مرض الاحتلال والاعتداء عليه من جهة ثانية.

وهذا التشبيه للمجتمع والوطن بالجسد الواحد وتداعي الجميع للدفاع عنه، مستفاد ممّا رُوي عن رسول الله وحفيده الإمام الصادق صلوات الله عليهما: "المؤمنون في تبارّهم وتراحمهم وتعاطفهم، كمثل الجسد إذا اشتكى تداعى له سائره بالسهر والحمّى"1.

يشرح بعض الأطبّاء هذ الحديث بأنّه إذا أصيب أيّ عضو من أعضاء جسم الإنسان بمرض أو جرح... فإنّه يصدر شكوى عصبيّة حسّيّة على هيئة استغاثة إلى الدماغ، فيصدر الدماغ أمراً لباقي الأعضاء المتحكّمة في عمليّات الجسد بإسعاف العضو المصاب وإغاثته، فيدعو بعضها بعضاً.. فمراكز الإحساس تدعو مراكز اليقظة والتحكم في المخّ،‏ وهذه تدعو بدورها الغدّة النخاميّة لإفراز الهرمونات، التي تدعو باقي الغدد الصمّاء لإفراز هرموناتها،
 
 

1- الكوفي، المؤمن، ص40. وراجع صحيح البخاريّ، ج7، ص78.
 
 
 
347

287

الدرس الثاني والعشرون: التربية الجهاديّة

 التي تدعو وتحفّز جميع أعضاء الجسم لنجدة العضو المشتكي‏. ومعنى التداعي هنا أن يتوجّه كلّ جزء في الجسد بأعلى قدر من طاقته لنجدة المشتكي وإسعافه‏. فالقلب يسرع بالنبض لسرعة تدوير الدم وإيصاله للجزء المصاب‏، في الوقت الذي تتّسع فيه الأوعية الدمويّة المحيطة بهذا العضو المصاب وتنقبض في بقيّة الجسم‏،‏ لتوصل إلى منطقة الإصابة ما تحتاج إليه من طاقة‏، وأوكسجين‏،‏ وأجسام مضادّة وهرمونات‏،‏ وأحماض أمينيّة بنّاءة لمقاومة الإصابة، والعمل على سرعة التئامها‏،‏ وهي صورة من صور التعاون الجماعيّ، لا يمكن أن توصف بكلمة أبلغ من التداعي‏1‏.‏


والجهاد الأصغر على هذه الصورة، فهو تداعي جميع أبناء المجتمع لحمايته والدفاع عنه من كلّ الأخطار والأمراض، والاعتداءات والهجمات التي يتعرّض لها. ويستلزم الجهاد تحمّل بعض المرارة والمشقّات والصعوبات، كما هي حال الدواء المرّ أو الألم الذي يصيب الجسم من أجل أن يتعافى ويسارع إلى الشفاء.

فيجب تفهيم الطفل وتعويده تدريجياً أن قوّة المجتمع وعزّته ومنعته واقتداره، إنّما تكون بالجهاد والعطاء وبذل التضحيات.

وهذا ما أوضحه لنا الرسول الأكرم وأئمّة أهل البيت صلوات الله عليهم، من أنّ قوّة المجتمع وعزّته بالجهاد، وأنّ المجتمع الذي يترك الجهاد يعيش حياة الذلّ والصَّغار والفقر...

عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "اغزوا تورثوا أبناءكم مجداً"2.

وعنه عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "... فمن ترك الجهاد ألبسه الله ذلّاً في نفسه، وفقراً في معيشته، ومحقاً في دينه. إنّ الله تبارك وتعالى أعزّ أمّتي بسنابك خيلها، ومراكز رماحها"3.
 

1- انظر: عبده، محمود يوسف، فوائد الحمّى وعلاجها معجزة نبويّة، المؤتمر العالميّ السابع للإعجاز العلميّ في القرآن والسنّة، ص4-5.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج5، ص8.
3- المصدر نفسه، ص2.
 
 
 
 
348

288

الدرس الثاني والعشرون: التربية الجهاديّة

 استعمال أسلوب اللعب والأنشطة الترفيهيّة في التربية الجهاديّة

بما أنّ طبيعة الطفل تميل إلى اللعب واللهو، ويحتاج إلى الترفيه والتسلية، يمكن الاستفادة من هذه الطبيعة واستثمارها إيجاباً في عملية التربية الجهاديّة، من خلال الخطوات التالية:
1- تشجيع الطفل على الانتساب إلى الجمعيّات الكشفيّة - كجمعيّة كشّافة الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف -، ليتعوّد الحياة الكشفيّة، كونها أقرب أنماط الحياة إلى الطابع الجهاديّ، حيث يُزوَّد بقيم ومهارات وسلوكات عدّة، مثل: الاعتماد على النفس، حسّ المسؤوليّة، مساعدة الآخرين، روح العمل كفريق، الطاعة، الانضباط، الشجاعة والإقدام، القدرة على تحمّل المشقّات والصعوبات،... كما تربط الطفل بالطبيعة، وتجعله على احتكاك مباشر بالبيئة الجغرافيّة...

2- تنظيم رحلات سياحيّة جهاديّة للطفل، واصطحابه إلى المعالم الجهاديّة وتعريفه بها، مثل "معلم مليتا السياحيّ".

3- تشجيع الطفل على مشاهدة الأعمال التلفزيونيّة والسينمائيّة ذات الطابع الجهاديّ، مثل مسلسل الرسوم المتحرّكة: "الطفل والمحتلّ"، الذي تبثّه قناة طه للأطفال.

4- تشجيع الطفل على الحضور والمشاركة في الأعمال المسرحيّة ذات الطابع الجهاديّ والمقاوم.

وفي هذا السياق، نؤكّد أهمّيّة استثمار الفنّ من سينما وأفلام كرتونيّة ومسرح وموسيقى وأناشيد... في تعزيز ثقافة المقاومة عند الأطفال. وقد أبرز العدوّ الصهيونيّ خشيته مرّات عدّة من بعض هذه الأعمال، بسبب ما لهذه الأنشطة من دور في بناء مجاهد المستقبل، الذي يشكّل خطراً على الأمن القوميّ الصهيونيّ، وليس ذلك منه حرصاً على الحالة النفسيّة لأطفالنا كما يدّعي. وفي هذا السياق، يأتي تعليق الناطق باسم حكومة العدوّ الإسرائيليّ أوفير جندلمان على فيديو مسرحيّة لأطفال فلسطينيّين، تحاكي عمليّة اقتحام موقع عسكريّ إسرائيليّ...، إذ اعتبره عملاً محرِّضاً على الإرهاب والعنف.
 
 
 
 
 
349

289

الدرس الثاني والعشرون: التربية الجهاديّة

 5- اصطحاب الطفل إلى الأنشطة والمهرجانات والاحتفالات المتعلّقة بالمقاومة والنصر والتحرير...


6- اصطحاب الطفل في مرحلة متأخّرة إلى رحلات الصيد، ليتعوّد المشي والتسلّق والاستتار والتمويه والتخفّي والكمائن والرماية.

7- تحفيز الطفل وتدريبه على الرياضات البدنيّة التي تتضمّن الفنون القتاليّة والمبارزة...

8- تعويد الطفل الألعاب الحربيّة.

ونؤكّد في هذا السياق حاجة أطفالنا إلى تصميم ألعاب إلكترونيّة تساهم في تعزيز فكرة المقاومة. وثمّة تجربة متواضعة جدّاً لوحدة الإعلام الإلكترونيّ في حزب الله انطلقت من هواجس مشروعة، وتتحمّل الدول الإسلاميّة والمستثمرون الكبار مسؤوليّة كبرى في العمل على إنتاج مثل هذه الألعاب، وبناء مشروعات وتهيئة أماكن مخصّصة للألعاب الحربيّة الهادفة للأطفال.

الأنشطة التربويّة الجهاديّة وخشية الأهل
نعاين بعض الأهل الذين يشعرون بالخشية من التأثير السلبيّ للأنشطة المذكورة في تعزيز نزعة العنف عند الطفل. وتجدر الإشارة إلى أنّنا برغم تفهّم دوافعهم، ننبّههم إلى أنّه لا ينبغي لهم الإفراط في هذا الشعور، وحرمان الطفل من المشاركة في تلك الأنشطة، لأنّ العدائيّة السلبيّة عند الطفل لا تنشأ من تأثير الألعاب الحربيّة، أو تعلّم مهارات الفنون القتاليّة، أو المشاركة في مسرحيّة جهاديّة، أو التدرّب على الرماية، بل هي وليدة جملة عوامل أسريّة واقتصاديّة واجتماعيّة وسياسيّة وأمنيّة...، قد تعتبر العدوانيّة السلبيّة في الألعاب الحربيّة أو الفنون القتاليّة... إلخ أحد عوامل اكتشافها، لا أنّها هي التي تزرع ملكة العدوانيّة وتولّد العنف في نفس الطفل.

وبمعنى آخر: إنّ المحيط العائليّ والاجتماعيّ والتعليميّ والأمنيّ والسياسيّ... الذي يعيش فيه الطفل، هو المسؤول عن زرع نزعة العنف في نفسه. فمثلاً، إنّ التربية بالحبّ والإحاطة العاطفيّة للطفل، وإشعاره بأنّه محبوب وغير منبوذ من جهة، وابتعاد الوالدين
 
 
 
 
 
 
 
350

290

الدرس الثاني والعشرون: التربية الجهاديّة

 أو المعلّمين عن أيّ تصرّف عدوانيّ أمام ناظري الطفل من جهة ثانية، يهذّبان القوّة الغضبيّة عنده. أمّا عكس ذلك، كتعنيف الطفل ونبذه والصراخ في وجهه وحرمانه... فينشّطها ويفعّلها، ويدفع الطفل نحو العنف والاعتداء. وبالتالي فإنّ ما يظهر من سلوكات عدوانيّة أثناء هذه الأنشطة، لا يكون من نتاجها، بل هي مُبرِز لتلك النزعة المتولِّدة من جملة عوامل وأسباب أخرى كامنة وراءها.


تدريب الطفل على القيم والملكات والآداب الجهاديّة
هناك قيم وملكات عدّة مرتبطة بالروح الجهاديّة، ينبغي تربية الطفل عليها، مثل:
- تنمية ملكة الحرّيّة في شخصيّة الطفل، وعدم الرضا بالذلّ والإهانة والاستعباد.
- تعويد الطفل الدفاع عن نفسه وماله وعرضه، وتجنّب الانظلام.
- تعويده عدم ظلم أحد أو الاعتداء عليه.
- تعويده إعانة الضعيف، ونصرة المظلوم، والاهتمام بأمور أبناء مجتمعه، والمبادرة إلى الدفاع والرّد عنهم.
- تعويده اقتحام الصعوبات وعدم الخوف من المواجهة.
- تعويده التفاعل الإيجابيّ مع كلّ التدابير الأمنيّة والإجراءات الوقائيّة، وعدم الاستخفاف بها أو التأفّف منها.
- تشجيعه على تحديث نفسه وتوطينها على الانخراط في صفوف التحضيريّ والتعبئة والتشكيلات الجهاديّة.
- تشجيعه على تجنّب التشبّه بأعداء الله تعالى في اللباس والطعام... إلخ، حتى يشعر بمعاداتهم وتمايزه عنهم.

ربط الطفل بالمجاهدين
من الأساليب المهمّة في التربية الجهاديّة، العمل على ربط الطفل عاطفيّاً ووجدانيّاً واجتماعيّاً... بالمجاهدين والأسرى والجرحى، من خلال اعتماد الأساليب والإجراءات التالية:
 
 
 
 
 
 
 
351

291

الدرس الثاني والعشرون: التربية الجهاديّة

 - أن يستشعر الطفل ويلاحظ في والديه حبّ المجاهدين وذكرهم بالخير، والدعاء لهم والدفاع عنهم.

- اصطحاب الطفل إلى منازل المجاهدين أو الجرحى أو الأسرى لزيارتهم.
- تعويد الطفل الجهاد بالقلب، بالتعاطف الوجدانيّ والنفسيّ مع المجاهدين1.
- تعويد الطفل احترام المجاهدين وإجلالهم قولاً وعملاً.
- تعويد الطفل الجهاد بالمال، كدعم صناديق هيئة دعم المقاومة الإسلاميّة.
- تعويد الطفل الجهاد باللسان، كالدعاء للمجاهدين بالنصر، وللجرحى بالشفاء، وللأسرى بالفرج. وتعويده الدعاء على العدوّ بالهزيمة والذلّ...
- تعويده أن يكون لسان المجاهدين الناطق، بالدفاع عنهم إذا سمع تهجّماً عليهم أو إهانة لهم، وإيصال رسالتهم إلى الناس، خصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ.
- تحفيظه بعض الآيات والروايات التي تبيّن أهمّيّة الجهاد وفضل المجاهدين.

ربط الطفل بالشهداء
- تشجيع الطفل على المشاركة في تشييع جنائز الشهداء.
- تعويد الطفل زيارة قبور الشهداء.
- المساهمة في كفالة أيتام الشهداء، والرحمة بهم والتحنّن عليهم.
- تشجيعه على حفظ الآيات والروايات التي تتضمّن أهمّيّة الشهادة والشهداء في سبيل الله.
- تشجيعه على سماع وصايا الشهداء الشباب.

الأدب الجهاديّ للأطفال
من الأساليب المهمّة في التربية الجهاديّة، استعمال أسلوب القصّة في رواية قصص المجاهدين للأطفال، ورسم صورة عن عدوّهم في أذهانهم. وهذا يؤكّد أهمّيّة العمل على
 

1- عن الإمام عليّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "جاهدوا في سبيل الله بأيديكم، فإن لم تقدروا فجاهدوا بألسنتكم. فإن لم تقدروا فجاهدوا بقلوبكم". المغربي، دعائم الإسلام، ج1، ص343.
 
 
 
352

292

الدرس الثاني والعشرون: التربية الجهاديّة

 تأليف روايات وقصص وأشعار جهاديّة متناسبة مع عمر الطفل ولغته وخياله.


وعلى كلّ حال، يمكن للمربّي الاستفادة في هذا المجال من سلسلة قصص الأحرار للشيخ كاظم ياسين، مع سرد تلك القصص بأسلوب فنّيّ يتناسب مع المرحلة العمريّة للطفل.

وعلينا أن نتذكّر دائماً أنّ عدوّنا الصهيونيّ يدرك أهمّيّة توظيف عنصر الأدب العبريّ في الإعداد الحربيّ للطفل الإسرائيليّ، من خلال تعمّد تقديم الإنسان العربيّ على أنّه محتلّ جاء لغزو أرض آباء اليهود وأجدادهم، والاستيلاء على منازلهم وحدائقهم، وتصويره جباناً في ساحة القتال، مضطرباً نفسيّاً، إرهابيّاً يخطف الأطفال. لذا، يجب إبادة العربيّ الذي يهدّد مستقبل إسرائيل، وهذا ما يصرّح به مسؤولون صهاينة وأدباء ومؤلّفون عديدون، فمثلاً، جيئولا كوهين زعيمة حركة هتحِيَّا المتطرّفة في إحدى قصصها، أو أوين شريج الذي كان عضواً في منظّمة ليحي الإرهابيّة في سلسلة من قصص الأطفال المعروفة باسم عوز يعوز1.

استخدام أسلوب القصّة لربط الطفل بالحياة الجهاديّة للأنبياء والأئمّة
عطفاً على ما تقدّم، ينبغي للمربّي الاستفادة من السيرة الجهاديّة للنبيّ وأئمّة أهل البيت عليهم السلام، وتقديمها للطفل في قالب قصصيّ تشويقيّ يتلاءم مع مرحلته العمريّة وخصائصه النمائيّة، وإشراك الطفل في استنتاج العبر والدروس التي يمكن أن تستفاد منها، مثل:
- حصار شعب أبي طالب.
- قصص وعبر من معارك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (أحد، بدر، الأحزاب، خيبر، فتح مكّة...)، ومعارك أمير المؤمنين عليه السلام (الجمل، النهروان، صفّين).
- تقديم القصص القرآنيّ بصورة تتناسب مع وعي الطفل وإدراكه، كقصّة النبيّ داود (طالوت وجالوت)...2.
 

1- عبد الوهّاب، رجب، صورة العربّي في أدب الأطفال الصهيونيّ، مقالة على الرابط التالي:
http://www.alukah.net/publications_competitions/0/5353/.
والصوّاف، محمّد توفيق، صورة الآخر في الأدب الصهيونيّ، على الرابط التالي:
http://damascus.icro.ir/index.aspx?siteid=141&pageid=4838&p=1&showitem=23516
2- تهذيب الأحكام، ج6، ص170.
 
 
 
353

 


293

الدرس الثاني والعشرون: التربية الجهاديّة

 ربط الطفل بنهضة الإمام الحسين عليه السلام

من أساليب التربية الجهاديّة أيضاً، ربط الطفل بنهضة الإمام الحسين وأحداث كربلاء، من خلال النقاط التالية:
- عرض أحداث كربلاء ويوم العاشر من المحرّم بأسلوب قصصيّ.
- تشجيع الطفل على المشاركة في الأنشطة العاشورائيّة المختلفة: مجالس العزاء الحسينيّ للأطفال، ومجالس اللطم، والمسيرات العاشورائيّة...
- تعويد الطفل حفظ شعارات حسينيّة، مثل: "هيهات منّا الذلّة"1. "لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد"2. "موت في عزّ خير من حياة في ذلّ"3. "هل من ذابّ يذبُّ عن حُرَم رسول الله"4.
- تعويد الطفل حفظ أبيات أو قصائد من الشعر الحسينيّ، التي تتضمّن مواقف جهاديّة، مثل قول الإمام الحسين عليه السلام:
سأمضي وما بالموت عار على الفتى      إذا ما نـوى حـقّاً وجـاهـد مسـلماً5
الموت أولى من ركوب العار              والعار أولى من دخول النـار6

توظيف مادّتي التاريخ والجغرافية لتعريف الطفل بالعدو والذات
إنّ تعريف الطفل بعدوّه وأهدافه وتاريخه، يعطيه بصيرة به، ويحصّنه من الوقوع في فخّ الشبهات التي تبثّها إمبراطوريّة الإعلام الجديد. وهذا ما نلاحظه في تأكيد النبيّ وأئمّة
 
 

1- الطبرسيّ، أحمد بن عليّ، الاحتجاج، ج2، ص24.
2- المفيد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج2، ص98.
3- مناقب آل أبي طالب، ج3، ص224.
4- أحمد بن أعثم الكوفي، الفتوح، علي شيري، دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع، 1411، ط1،ج5، ص101.
5- كامل الزيارات، ص194.
6- مناقب آل أبي طالب، ج3، ص224. وابن طاووس، اللهوف في قتلى الطفوف، ص70.
 
 
 
354

294

الدرس الثاني والعشرون: التربية الجهاديّة

 أهل البيت عليهم السلام، لضرورة التبصّر بمقتضيات الزمان.


عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "على العاقل أن يكون بصيراً بزمانه"1.

وعن حفيده الإمام الصادق عليه السلام: "العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس"2.

فمن الأساليب المهمّة في التربية الجهاديّة، توظيف مادّتي التاريخ والجغرافية لتعريف الطفل إلى تاريخ عدوّه، وأهدافه، وأطماعه في مختلف الساحات، سواء العدوّ الصهيونيّ، بدءاً من علاقة اليهود السلبيّة بالأنبياء وقتلهم لهم... أو الإرهاب التكفيريّ، انطلاقاً من معركة النهروان مع الخوارج، وصولاً إلى عصرنا الحاضر، فضلاً عن الأعداء الآخرين: (أمريكا، بريطانيا، فرنسا)، وما فعلوه بحقّ الأمّة.

اعرف نفسك
هذا في ما يتعلّق بـ"اعرف عدوّك"، وهناك ما يتعلّق بـ"اعرف نفسك":
- تعريف الطفل إلى تاريخ المنطقة العربيّة والإسلاميّة وجغرافيّتها، وثرواتها وخيراتها، ونقاط قوّتها واقتدارها.
- تعريفه إلى تاريخ حركات المقاومة العربيّة والإسلاميّة.
- تعريف الطفل إلى مقدّساته الإسلاميّة، وربطه عاطفيّاً بها، خصوصاً مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة والقدس الشريف، ومقامات أئمّة أهل البيت عليهم السلام.
 
 

1- الشيخ الصدوق، الخصال، ص525.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج1، ص26.
 
 
 
 
355

295

الدرس الثاني والعشرون: التربية الجهاديّة

 المفاهيم الرئيسة


- يفتح الطفل في مجتمعنا عينيه على مشاهد القتل والتهجير، وتلتقط مسامعه أنّ أباه أو أخاه أو أحد أقاربه يقاتل العدوّ الصهيونيّ أو الإرهاب التكفيريّ، ويشاهد في مدنه وقراه نعوش قوافل الشهداء. وأمام هذا المشهد، لا يمكن تربية الطفل على قيم ومشاعر وسلوكات منعزلة عن واقع مجتمعه، ومتناسبة مع طبيعة الحياة في الدول الاسكندنافيّة مثلاً.

- التربية الجهاديّة عبارة عن استخدام مجموعة من الأساليب التي تزرع حبّ الوطن وكراهة العدوّ في وجدان الطفل، وتعزّز ثقافة المقاومة لديه، وتكسبه مجموعة من القيم والاتّجاهات والسلوكات التي تجعله عنصراً مساهماً في حركة الجهاد والمقاومة، بحسب مرحلته العمريّة وخصائصه النمائيّة، وقادراً على التكيّف مع البيئة العامّة بظروفها السياسيّة والأمنيّة والعسكريّة غير المستقرّة.

- ينبغي تربية الطفل على مجموعة من القيم الجهاديّة، مثل: تنمية ملكة الحرّيّة، وعدم الرضا بالذلّ والإهانة، وتعويد الطفل الدفاع عن نفسه، وتجنّب الانظلام، وإعانة الضعيف، ونصرة المظلوم، واقتحام الصعوبات وعدم الخوف من المواجهة، والتفاعل الإيجابيّ مع جميع التدابير الأمنيّة والإجراءات الوقائيّة، وعدم الاستخفاف بها أو التأفّف منها.

- من الأساليب المهمّة في التربية الجهاديّة، العمل على ربط الطفل بالمجاهدين والأسرى والجرحى، من خلال زيارتهم، واحترامهم، ودعمهم بالمال، ونصرتهم باللسان، والدعاء لهم. وكذلك ربط الطفل بالشهداء، من خلال المشاركة في تشييع جنائزهم، وزيارة قبورهم، وتكفّل أيتامهم.

- ينبغي الاهتمام بالأدب الجهاديّ للأطفال، والالتفات إلى أنّ العدوّ الصهيونيّ قد أدرك أهمّيّة الأدب العبريّ في الإعداد الحربيّ للطفل الإسرائيليّ، فتَعمَّد تقديم الإنسان العربيّ على أنّه جبان مضطرب نفسيّاً، غازٍ لأرض آباء اليهود وأجدادهم، إرهابيّ يخطف الأطفال، لذا، يجب قتاله وإبادته.

- ينبغي للمربّي الاستفادة من السيرة الجهاديّة للنبيّ وأئمّة أهل البيت عليهم السلام، وتقديمها للطفل في قالب قصصيّ تشويقيّ يتلاءم مع مرحلته العمريّة وخصائصه النمائيّة، وإشراك الطفل في استنتاج العبر والدروس التي يمكن أن تستفاد منها.

- من أساليب التربية الجهاديّة أيضاً، ربط الطفل بنهضة الإمام الحسين وأحداث كربلاء، من خلال عرضها بأسلوب قصصيّ، وتشجيعه على المشاركة في الأنشطة العاشورائيّة المخصّصة للأطفال، وتعويده حفظ شعارات وأشعار حسينيّة.

- الاستفادة من مادّتي التاريخ والجغرافية لتعريف الطفل بذاته ومصادر قوّتها، وتعريفه بعدوّه وأهدافه وتاريخه يعطيه بصيرة به، ويحصّنه من الوقوع في فخّ الشبهات التي تبثّها إمبراطوريّة الإعلام الجديد.
 
 
 
 
 
356

296

الدرس الثاني والعشرون: التربية الجهاديّة

 أسئلة الدرس


- يطرح البعض إشكاليّة مفادها: أنّ التربية الجهاديّة للطفل تغذّي نزعة العنف في وجدانه، وتلفت نظره إلى قضايا لا تتناسب مع براءة الطفولة، كيف تناقشها؟
- عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "المؤمنون في تبارّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى تداعى له سائره بالسهر والحمّى". كيف يمكن الاستفادة من هذه الرواية في التربية الجهاديّة للطفل؟
- هل تربّي طفلك جهاديّاً؟ وما هي الأساليب التي تعتمدها في هذا المجال؟ اذكر ثلاثة أساليب.
- ضع جدولاً بالقيم الجهاديّة التي ينبغي تربية الطفل عليها.
- ما هو الدور الذي تؤدّيه عمليّة ربط الطفل عاطفيّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً بالمجاهدين، في تعزيز ثقافة المقاومة لديه؟
- اذكر لائحة من 10 شعارات جهاديّة من سيرة النبيّ وأئمّة أهل البيت عليهم السلام، يمكن الاستفادة منها في التربية الجهاديّة للطفل.
- كيف يمكن الاستفادة من مادّتي التاريخ والجغرافية في التربية الجهاديّة للطفل؟
 
 
 
 
 
 
357

297

الدرس الثالث والعشرون: التربية الاقتصاديّة للطفل (1) واجبات الأب ومسؤوليّاته الاقتصاديّة

 الدرس الثالث والعشرون

التربية الاقتصاديّة للطفل (1) واجبات الأب ومسؤوليّاته الاقتصاديّة


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعرِّف التربية الاقتصاديّة، ويشرح أهدافها.
2- يميِّز بين التوسعة والإسراف، وحسن التدبير والبخل.
3- يذكر أهمّ واجبات الأب ومسؤوليّاته الاقتصاديّة.
4- يستدلّ بالروايات على أهمّ حقوق الطفل الاقتصاديّة.
 
 
 
359

298

الدرس الثالث والعشرون: التربية الاقتصاديّة للطفل (1) واجبات الأب ومسؤوليّاته الاقتصاديّة

 تمهيد

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في قوله: "اللهمّ بارك لنا في الخبز، ولا تفرّق بيننا وبينه، فلولا الخبز ما صمنا ولا صلّينا، ولا أدّينا فرائض ربّنا"1.

لا تخفى أهمّيّة العامل الاقتصاديّ في حياة الإنسان، خصوصاً في عالمنا المعاصر، حيث تحضر العولمة الاقتصاديّة بقوّة، ويغلب الطابع الرأسماليّ على الأنشطة والمعاملات الاقتصاديّة العالميّة، بنحو أصبح فيه المسلم يعيش حالة الانفصام بين القيم الدينيّة والواقع الاقتصاديّ العمليّ، ممّا يؤكّد الحاجة إلى التربية الاقتصاديّة للطفل.

ما هي التربية الاقتصاديّة؟
نقصد بالتربية الاقتصاديّة، بذل وليّ الطفل أقصى الجهد والطاقة في توفير الأموال الحلال، لتلبية حاجات الطفل وتأمين متطلّباته الحياتيّة في مختلف المجالات، وأداءه دوره في إكساب الطفل مجموعة من المعارف والاتّجاهات، وتعويده السلوكات وتدريبه على المهارات التي تجعل أنشطته الاقتصاديّة ومعاملاته مطابقة لمنظومة القيم الدينيّة والتشريعات الإلهيّة من جهة، وتمكّنه من استثمار الأعيان والأموال وكسبها، واستهلاكها، وتوزيعها وإنفاقها، وادّخارها، بطريقة متوازنة، موصلة إلى الحياة الطيّبة والقرب من الله تعالى.

وبهذا يتبيّن، أنّ البحث في التربية الاقتصاديّة يدور حول محورين:
- الأوّل: البحث عن المسؤوليّات والإجراءات التي ينبغي للوليّ والمربّي القيام بها تجاه الطفل في المجال الاقتصاديّ.
 

1- البرقي، المحاسن، ج2، ص586.
 
 
 
361

299

الدرس الثالث والعشرون: التربية الاقتصاديّة للطفل (1) واجبات الأب ومسؤوليّاته الاقتصاديّة

 - الثاني: عن القيم والآداب والتشريعات والمهارات الاقتصاديّة التي ينبغي أن نربّي الطفل عليها.


أهداف التربية الاقتصاديّة
تهدف التربية الاقتصاديّة للطفل إلى تحقيق مجموعة من الغايات التربويّة، أهمّها:
- عمارة الأرض، وربط التنمية الاقتصاديّة بعبادة الله تعالى.
يقول تعالى: ﴿اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾1.

- انطلاق الأنشطة الاقتصاديّة من منظومة القيم الدينيّة، وتطابقها مع أحكام الشريعة الإسلاميّة.

- الرشد الاقتصاديّ والتصرّف الرشيد في الموارد الماليّة والاقتصاديّة، على طرف النقيض من السفه الاقتصاديّ والماليّ.
يقول تعالى: ﴿وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا﴾2.

المسؤوليّات الاقتصاديّة على وليّ الطفل
نبدأ تسليط الضوء على الجانب الأوّل، حيث يوجد مسؤوليّات عدّة يتحمّلها وليّ أمر الطفل في المجال الاقتصاديّ، نذكر أهمّها:
أولاً: النفقة على الطفل
من أهمّ حقوق الطفل الاقتصاديّة التي شدّدت عليها الرؤية الإسلاميّة وأوّلها، هو لزوم نفقة وليّ الأمر على الطفل، والمقصود بها أن يتكفّل الوليّ بتأمين كلّ ما يحتاج إليه الطفل في حياته ويتطلّبه واقعه، من سكن وطعام وشراب ولباس وطبابة وتعليم وترفيه وألعاب...، ليعيش حياة طيّبة في الجانب الإيجابيّ، وخالية من المنع والحرمان في الجانب السلبيّ.
 

1- سورة هود، الآية 61.
2- سورة النساء، الآية 5.
 
 
 
362

300

الدرس الثالث والعشرون: التربية الاقتصاديّة للطفل (1) واجبات الأب ومسؤوليّاته الاقتصاديّة

 عن حريز، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: "قلت له: من ذا الذي أجبر عليه ويلزمني نفقته؟ فقال عليه السلام: الوالدان والولد والزوجة"1.


ولم تحدّد الشريعة الإسلاميّة معياراً معيّناً ثابتاً في المقدار الواجب من النفقة على الطفل، بل أوكلت النظر فيه إلى العرف الاجتماعيّ العامّ للبيئة التي يعيش الطفل في وسطها. ولذا تتغيّر النفقة وفق ما يقتضيه الشأن الشخصيّ للطفل، وطبيعته ومراحله العمريّة من جهة، وفي ضوء ما تفرضه ظروف العصر والزمان والمكان والبيئة الاجتماعيّة العامّة.

ومن علامات تشدّد الرؤية الإسلاميّة في الحقّ الاقتصاديّ للطفل بالنفقة، أنّها جعلت الاستطاعة المأخوذة مقدّمة للوجوب بالنسبة إلى الحجّ، مرتبطة بأن يكون لدى الأب إذا أراد الحجّ، مقدار من المال يسع نفقة أطفاله مدّة غيبته في الحجّ، وإلّا فإنّه "لو كان له مال يكفيه لذهابه وعوده دون نفقة عياله، سقط عنه فرض الحجّ... فكان الإنفاق على العيال أولى من الحجّ"2.

استحباب التوسعة على الأطفال
ولم تكتفِ الرؤية التربويّة الإسلاميّة في دفع وليّ الطفل للتحرّك داخل دائرة تأمين مقدار الحاجة الضروريّة للنفقة بما يسقط عنه الواجب، بل حثّته على السعي للتوسعة على أطفاله وعياله أيضاً، بمعنى أنّه إذا كان وليّ الطفل ينتج من خلال قيامه بعمل معين مقدار 700$ شهرياً، فعليه أن لا يكتفي بهذا المبلغ في الإنفاق على أطفاله، بل إذا كان بمقدرته العملية توفير مبلغ أكبر من خلال بذل مجهود إضافيّ، فعليه بالسعي الزائد.

وبعبارة أخرى، إنّ الإنفاق على الأطفال ينبغي أن يكون على قدر الوسع، والوسع هو بذل الإنسان أقصى طاقته في تحصيل شيء ما. فإذا بذل الإنسان أقصى طاقته، وبرغم ذلك "ضاق عليه رزقه وكان فقيراً لا يتمكّن من التوسّع في الإنفاق، فلينفق على قدر ما أعطاه الله من المال، أي فلينفق على قدر تمكّنه"3.
 
 

1- تهذيب الأحكام، ج6، 293.
2- تذكرة الفقهاء، ج7، ص60.
3- السيد الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج19، ص318.
 
 
 
363

301

الدرس الثالث والعشرون: التربية الاقتصاديّة للطفل (1) واجبات الأب ومسؤوليّاته الاقتصاديّة

 فإذا كان الوليّ يبذل أقصى الجهد، ويحصّل مبلغاً معيّناً من المال لا يقدر على غيره سبيلاً، فهو معذور أمام الله تعالى وأطفاله، لأنّ الله لا يكلّف الله نفساً إلا وسعها.


قال تعالى: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾1.

النصوص الروائيّة في التوسعة على العيال
وهناك نصوص روائيّة كثيرة دالّة على استحباب التوسعة في الإنفاق على العيال، لإشباع حاجاتهم وتأمين متطلّباتهم.

عن الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام، قال: "أرضاكم عند اللَّه أسبغكم2 على عياله"3.

وعن الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام، قال: "ينبغي للرجل أن يوسّع على عياله، لئلّا يتمنّوا موته"4.

وينبغي التأمّل في التعليل الوارد في هذه الرواية، فإنّ حرمان الطفل يجعله يعيش شعوراً يتمنّى فيه موت أبيه، وهي مرحلة بلوغ قمّة انقطاع الارتباط العاطفيّ مع الأب، نسأل الله تعالى أن لا يوصل أحدٌ نفسَه إليها.

الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله5
وفي السياق ذاته، نزّلت الروايات الكدّ في سبيل تأمين حاجات الأطفال بمنزلة الجهاد في سبيل الله تعالى، ومعنى الكدّ: "الشدّة في العمل وطلب الكسب، والإلحاح في الطلب"6.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أنه مرّ في غزوة تبوك بشابّ جلد7 يسوق أبعرة سماناً، فقال
 
 

1- سورة الطلاق، الآية 7.
2- أسبغكم: أوسعكم. من السَّبْغ: التامّ الواسع وإتيان الشيء بنحو تامّ وافٍ.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج4، ص11.
4- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص68.
5- نصّ رواية عن الإمام الصادق عليه السلام. الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص168.
6- الخليل الفراهيدي، أبو عبد الرحمن بن أحمد، العين، تحقيق الدكتور مهدي المخزومي والدكتور إبراهيم السامرائي، إيران - قم، مؤسسة دار الهجرة، 1409ه، ط2،ج5، ص273. و ابن زكريا، معجم مقاييس اللغة، ج5، ص125.
7- جلد: قوي.
 
 
 
364

302

الدرس الثالث والعشرون: التربية الاقتصاديّة للطفل (1) واجبات الأب ومسؤوليّاته الاقتصاديّة

 له أصحابه: يا رسول الله، لو كانت قوّة هذا وجلده وسمن أبعرته في سبيل الله لكان أحسن؟!


فدعاه رسول الله، فقال: أرأيت أبعرتك هذه، أيّ شيء تعالج عليها؟
فقال: يا رسول الله، لي زوجة وعيال، فأنا أكسب عليها ما أنفقه على عيالي، وأكفّهم عن مسألة الناس وأقضي ديناً عليّ.
قال: لعلّ غير ذلك.
قال: لا.

فلمّا انصرف، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لئن كان صادقاً، فإنّ له لأجراً مثل أجر الغازي وأجر الحاجّ وأجر المعتمر"1.

وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: "الذي يطلب من فضل اللَّه عزّ وجلّ ما يكفّ به عياله، أعظم أجراً من المجاهد في سبيل اللَّه"2.

التوسعة لا الإسراف
من المسائل التي قد يقع بها وليّ الطفل، هي الخلط بين التوسعة عليه والإسراف، فإن الممدوح في الرؤية التربويّة الإسلاميّة هو التوسعة التي لا تصل إلى حدّ الإسراف والتبذير، لأنّ من القيم الاقتصاديّة العليا التي ينبغي تدريب الطفل عليها، الاعتدال في الإنفاق والاستهلاك، وعدم الإسراف والتبذير.

قال تعالى في صفات عباد الرحمن: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾3.

وقال تعالى: ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا4.
 

1- المغربي، دعائم الإسلام، ج2، ص14.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج5، ص88.
3- سورة الفرقان، الآية 67.
4- سورة الإسراء، الآية 29.
 
 
 
365

303

الدرس الثالث والعشرون: التربية الاقتصاديّة للطفل (1) واجبات الأب ومسؤوليّاته الاقتصاديّة

 فكما أنّه لا يجوز البخل والتقتير على العيال، كذلك لا يجوز الإسراف والتبذير عليهم، فلا إفراط ولا تفريط، بل خير الأمور الوسط.


عن عبد الله بن سنان قال: "سألت أبا الحسن الأوّل عليه السلام عن النفقة على العيال؟ فقال عليه السلام: ما بين المكروهين: الإسراف والتقتير"1.

لا صدقة مع حاجة العيال
وقد اعتبر الفقهاء أنّ التوسعة على العيال من أعظم الصدقات2، وأنها "أفضل من الصدقة على غيرهم"3. وهذا يفيد بأنّ الأولويّة في الرؤية الإسلاميّة هي تقديم الأطفال والعيال على غيرهم، وهذا ما صرّحت به الروايات.

سأل رجلٌ أبا عبد اللَّه عليه السلام عن قول اللَّه تعالى: ﴿وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾4 فقال عليه السلام: "كان فلان بن فلان الأنصاريّ – سماه - وكان له حرث، فكان إذا أخذ يتصدّق به، ويبقى هو وعياله بغير شيء، فجعل اللَّه ذلك سرفاً"5.

فعطاء الغير مع حاجة الأطفال، يعتبر في الرؤية الإسلاميّة من مصاديق السرف، ولا الصدقة، وهذه نقطة خطيرة ومهمّة.

وفي ما أوصى رسولُ الله به أميرَ المؤمنين عليه السلام، قال: "يا عليّ، لا صدقة وذو رحم محتاج"6. وأطفال الرجل أدنى من غيرهم من الأرحام، فإذا كانوا محتاجين فلا صدقة.

عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كلّ معروف صدقة، وأفضل الصدقة صدقة عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول"7.
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج4، ص55.
2- الشهيد الأول، الدروس الشرعية في فقه الإمامية، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1417ه، ط2،ج1، ص255.
3- السيد محسن الحكيم، منهاج الصالحين، دار التعارف للمطبوعات، 1410 - 1990م، لا.ط،ج2، ص272.
4- سورة الأنعام، الآية 141.
5- الشيخ الكليني،الكافي، ج4، ص55.
6- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص270.
7- الشيخ الكليني،الكافي، ج4، ص11.
 
 
366

304

الدرس الثالث والعشرون: التربية الاقتصاديّة للطفل (1) واجبات الأب ومسؤوليّاته الاقتصاديّة

 وقد علّق الفيض الكاشانيّ قدس سره على عبارة: "ابدأ بمن تعول"، بقوله: "إن أدب الإعطاء أن يبدأ بالعيال، فإن فضل منهم شيء أعطي غيرهم"1.


وفي السياق ذاته، وجّه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم اللوم والذمّ بلغة مشدّدة لمن يتبرّع بماله عند وفاته وله أطفال محتاجون.

عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للأنصاريّ حين أعتق عند موته خمسة أو ستة من الرقيق، ولم يكن يملك غيرهم، وله أولاد صغار: لو أعلمتموني أمره ما تركتكم تدفنونه مع المسلمين، يترك صبية صغاراً يتكفّفون الناس؟!"2.

وفي هذا السياق أيضاً، عن الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام، قال: "لأن أدخل السوق ومعي دراهم أبتاع لعيالي لحماً وقد قرموا إليه3، أحبّ إليّ من أن أعتق نسمة"4.

حسن التدبير لا التقتير
وفي السياق ذاته، لا بدّ من التمييز أيضاً بين حسن التدبير وإدارة الموارد الماليّة من خلال الإنفاق على الحاجات، بترتيب الأولويّات في ضوء ما يملكه الإنسان بالفعل، وبين البخل والتقتير، فإنّ الإنفاق على قدر ما يملكه الإنسان ليس بخلاً، بل هو "عين الاقتصاد". كما أنّ الامتناع عن الإنفاق على بعض الأمور لتزاحمه وتعارضه مع الإنفاق على أخرى بسبب عدم القدرة على الجمع بين الإنفاقين، ليس بخلاً، بل هو حسن تدبير. فلو منع الأب أطفاله من أمور لأجل أن ينفق عليهم في أمور أخرى، كأن يحرمهم من زيادة المصروف اليوميّ من أجل أن يدفع للطفل أجرة التنقّل إلى المدرسة مثلاً، كان ذلك حسن تدبير وقد أشارت الروايات إلى هذا المعنى، أي الإنفاق في ضوء تحديد الأولويّات حسب الظروف الزمانيّة والمكانيّة وغيرها.
 

1- الفيض الكاشاني، الوافي، ج10، ص416.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج5، ص67.
3- قرموا إليه: القرم: شدة شهوة اللحم.
4- الشيخ الكليني،الكافي، ج4، ص12.
 
 
 
367
 

305

الدرس الثالث والعشرون: التربية الاقتصاديّة للطفل (1) واجبات الأب ومسؤوليّاته الاقتصاديّة

 عن الإمام الرضا عليه السلام، قال: "ينبغي للمؤمن أن ينقص من قوت عياله في الشتاء، ويزيد في وقودهم"1.


خصوصاً أن حسن التدبير في الإنفاق يؤدّي إلى حفظ النعمة وزيادتها، وإلى عدم تراكم القروض من جهة ثانية.

عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال عليّ بن الحسين عليه السلام: "لينفق الرجل بالقصد وبلغة الكفاف، ويقدّم منه الفضل لآخرته، فإنّ ذلك أبقى للنعمة وأقرب إلى المزيد من اللَّه تعالى: وأنفع في العاقبة"2.

وعن الإمام أبي الحسن موسى عليه السلام، قال: "الرفق نصف العيش، وما عال امرؤ في اقتصاد"3.

والخلاصة، أنّ البسط والقبض في النفقة يكونان بحسب الوسع والإمساك طرداً وعكساً.

عن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ المؤمن يأخذ بأدب اللَّه، إذا وسّع عليه اتّسع، وإذا أمسك عليه أمسك"4.

وعن أبي عبد اللَّه عليه السلام، قال: "إذا جاد اللَّه تعالى عليكم فجودوا، وإذا أمسك عنكم فأمسكوا، ولا تجاودوا اللَّه، فهو الأجود"5.

زوال النعمة بسبب التقتير على العيال
وليعلم الأب أنّه إذا أوسع الله تعالى عليه من رزقه، وبخل على عياله وقتّر عليهم، فإنّ الله تعالى يجازيه في الدنيا بسلبه النعمة.

عن الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام، قال: "إنّ عيال الرجل أسراؤه، فمن أنعم اللَّه عليه نعمة، فليوسع على أسرائه (عياله وأطفاله)، فإن لم يفعل أوشك أن تزول تلك النعمة"6.
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، ص13.
2- المصدر نفسه، ص52.
3- المصدر نفسه، ص55.
4- المصدر نفسه، ج4، ص12.
5- المصدر نفسه، ص54.
6- الشيخ الكليني، الكافي، ج3، ص556.
 
 
 
 
368

306

الدرس الثالث والعشرون: التربية الاقتصاديّة للطفل (1) واجبات الأب ومسؤوليّاته الاقتصاديّة

 وعن ولده الإمام الرضا عليه السلام، قال: "... ينبغي للرجل إذا زيد في النعمة أن يزيد أسراءه (أي عياله) في السعة عليهم. ثم قال عليه السلام: إنّ فلاناً أنعم اللَّه عليه بنعمة فمنعها أسراءه وجعلها عند فلان، فذهب اللَّه بها"1.


إشعار الأطفال باقتدار الأب اقتصاديّاً
وعلى الأب أن يجعل أطفاله يشعرون أنّه هو الكنف والظلّ والقيِّم عليهم، فإنّ هذا يمنحهم الثقة باقتدار الأب وقوّته، فيثقون به، ويشعرون بالراحة والأمان والطمأنينة، بل الأب نفسه يعيش الشعور بالسعادة حال قيمومته على أسرته.

عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "من سعادة المرء أن يكون القيّم على عياله"2.

وعلى الأب أن لا يُشعر أطفاله أنّ يده قاصرة.

عن الإمام الصادق عليه السلام: "اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول"3.

وعليه أن لا يُلجئ أطفاله وعياله إلى غيره، فإنّ شرّ الآباء من ألجأ عياله إلى غيره.
 
 

1- المصدر نفسه، ج4، ص11.
2- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص168.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج4، ص11.
 
 
 
 
369

307

الدرس الثالث والعشرون: التربية الاقتصاديّة للطفل (1) واجبات الأب ومسؤوليّاته الاقتصاديّة

 عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أخبركم بخير رجالكم؟ قلنا: بلى يا رسول اللَّه. قال: إنّ من خير رجالكم التقيّ النقيّ السمح الكفّين، النقيّ الطرفين، البرّ بوالديه، ولا يلجئ عياله إلى غيره"1.


وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أخبركم بشرار رجالكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله. فقال: إنّ من شرار رجالكم البهّات الجريء الفحّاش، الآكل وحده، والمانع رفده، والضارب عبده، والملجئ عياله إلى غيره"2.

وليعلم الأب أنّ اللعنة الإلهيّة تحلّ على الأب الذي يترك قوت عياله ونفقتهم على غيره.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "ملعون ملعون من ألقى كلّه3 على الناس، ملعون ملعون من ضيّع من يعول"4.

النفقة من الحلال
ومن مميّزات الرؤية التربويّة الإسلاميّة، أنّها أخذت أمرين آخرين بعين الاعتبار في التربية الاقتصاديّة للطفل:
الأول: أن يكون المال الذي ينفق منه على الطفل مالاً طيّباً، روعي حق الله تعالى فيه، أي قد أُخرج خمسه وزكاته، وليس مال رشوة، أو سرقة، أو غصب...

والثاني: أن تكون طبيعة العمل الذي يختاره الأب حلالاً، ويبتعد عن الأعمال المحرّمة، ووسائل الكسب غير المشروعة، كبيع الخمور "وأشرطة" الغناء المحرّم وتزيين النساء... وغيرها ممّا ذُكر في كتاب المكاسب المحرّمة.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "من طلب الدنيا حلالاً، استعفافاً عن المسألة، وسعياً على عياله، وتعطفاً على جاره، لقي الله ووجهه كالقمر ليلة البدر"5.

فلهذين الأمرين أثر تربويّ مهمّ في شخصيّة المربّي والمتربّي إيجاباً أو سلباً، كما أكّدت ذلك النصوص الدينيّة.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "مَن أكَلَ مِنَ الحَلالِ القوت صَفا قَلبُهُ ورَقَّ..."6.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "مَن أكَلَ الحَلالَ أربَعينَ يَوماً، نَوَّرَ اللهُ قَلبَهُ"7.

وكما أنّ طلب الحلال شرط للتربية السليمة، فإنّ الحرام مانع عنها، فقد يربّي الأب طفله على الصلاة أو الصوم، كما تقدّم في التربية العباديّة، إلّا أنّه بإطعامه له الحرام يكون
 

1- المصدر نفسه، ج2، ص57.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ص292.
3- الكلّ: الثقل، والمقصود به أي ترك قوت عياله إلى الناس.
4- الشيخ الكليني،الكافي، ج4، ص12.
5- السيد البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج17، ص95.
6- الطريحي، مجمع البحرين، ج5، ص353.
7- عدّة الداعي ونجاح الساعي، ص140.
 
 
 
 
370

308

الدرس الثالث والعشرون: التربية الاقتصاديّة للطفل (1) واجبات الأب ومسؤوليّاته الاقتصاديّة

 كمن يبني على الرمل، فلا أساس متيناً يقف عليه الطفل، فينهار مجهود التربية بسبب اللقمة الحرام.


عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "العبادة مع أكل الحرام، كالبناء على الرمل"1.

إدارة الشؤون الاقتصاديّة للطفل
من جملة الحقوق الاقتصاديّة التي يقع على عاتق وليّ الطفل تولّي أمرها، حقّه في الإدارة الأصلح لشؤونه الماليّة والاقتصاديّة.

فإنّ الطفل قد يحصل على المال عبر طريق ما، كأن يرث مالاً نتيجة موت أحد أقربائه، كأمّه مثلاً، أو قد يُهدى مالاً... إلخ من الحالات، وبما أنّ الطفل لا ولاية له على نفسه وماله، ويكون محجوراً عن التصرّف بأمواله بحكم صغره، كما تقدّم في الجزء الأوّل2، فإنّ الأب أو من ينوب مكانه، له حقّ الولاية على الطفل، ومن حقوق الطفل على الأب أن يحسن التصرّف في إدارة أمواله بنحو يكون فيه مصلحة للطفل، أو لا يؤدّي إلى إلحاق الضرر والفساد بأمواله.

وفي هذا السياق، على الوليّ أن يراعي حقوق الله تعالى في أموال الطفل، بمعنى أن يخرج ما تعلّق بمال الطفل من الزكاة مثلاً، إلخ من الحقوق الماليّة التي تتعلّق بذمّة الطفل.
 

1- المصدر نفسه، ص141.
2- يراجع: الدرس الثالث عشر، والدرس الرابع عشر.
 
 
 
371

309

الدرس الثالث والعشرون: التربية الاقتصاديّة للطفل (1) واجبات الأب ومسؤوليّاته الاقتصاديّة

 المفاهيم الرئيسة


- التربية الاقتصاديّة عبارة عن قيام وليّ الطفل ببذل أقصى الجهد والطاقة في توفير الأموال الحلال، لتلبية حاجات الطفل وتأمين متطلّباته الحياتيّة في مختلف المجالات، وتدريبه على جعل سلوكاته الاقتصاديّة مطابقة لمنظومة القيم الدينيّة والتشريعات الإلهيّة.
- من أهمّ حقوق الطفل الاقتصاديّة، لزوم نفقة وليّ الأمر عليه، بتأمين كلّ ما يحتاج إليه من سكن وطعام وشراب ولباس وطبابة وتعليم وترفيه وألعاب.
- حثّت الرؤية الإسلاميّة الأب على السعي للتوسعة على أطفاله وعياله. عن الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام قال: "ينبغي للرجل أن يوسع على عياله؛ لئلّا يتمنّوا موته".
- ليعلم الأب أنّه إذا أوسع الله تعالى عليه من رزقه، وبخل على عياله وقتّر عليهم، فإنّ الله تعالى يجازيه في الدنيا بسلبه النعمة.
- على الأب أن يجعل أطفاله يشعرون أنّه هو الكنف والظلّ والقيّم عليهم، ولا يلجئهم إلى غيره. عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "من سعادة المرء أن يكون القيّم على عياله".
- نزّلت الروايات الكدّ في سبيل تأمين حاجات الأطفال بمنزلة الجهاد في سبيل الله تعالى. عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل اللَّه".
- الأولويّة في الرؤية الإسلاميّة هي تقديم الأطفال والعيال على غيرهم، فعطاء الغير مع حاجة الأطفال من مصاديق السرف ولا الصدقة.
- الممدوح في الرؤية التربويّة الإسلاميّة هو التوسعة التي تتناسب مع الاعتدال والتوازن في الإنفاق، دون التوسعة التي تجتمع مع الإسراف والتبذير، ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾.
- إنّ إدارة الموارد الاقتصاديّة في ضوء الأولويّات ليس بخلاً، بل هو "عين الاقتصاد"، كما لو منع الأب أطفاله من أمور لأجل أن ينفق عليهم في أمور أخرى.
- من مميّزات الرؤية التربويّة الإسلاميّة، أنّها أوجبت أن يكون المال الذي يُنفق منه على الطفل مالاً طيّباً، وأن تكون طبيعة العمل الذي يختاره الأب حلالاً، ويبتعد عن الأعمال المحرّمة.
 
 
 
 
372

310

الدرس الثالث والعشرون: التربية الاقتصاديّة للطفل (1) واجبات الأب ومسؤوليّاته الاقتصاديّة

 أسئلة الدرس


- ما هو الدور الذي تؤدّيه التربية الاقتصاديّة في صناعة هويّة الطفل؟ وكيف تنعكس على الساحات الأخرى للطفل في عالمنا المعاصر؟
- هل اكتفت الرؤية التربويّة الإسلاميّة بلزوم الإنفاق على الطفل على قدر الواقع القائم، أم شجّعت على الإنفاق بقدر الوسع، بمعنى بذل الجهد الإضافيّ؟ ولماذا؟ وكيف؟
- البعض يخلط بين التوسعة والإسراف، والبعض الآخر يخلط بين حسن التدبير والبخل، ما هي المعايير التي يمكن اعتمادها في التمييز بين هذه المفاهيم الاقتصاديّة؟
- عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "من سعادة المرء أن يكون القيّم على عياله". ما هو الدور الإيجابيّ الذي يؤدّيه رسم صورة الأب المقتدر في ذهن الطفل؟
- عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل اللَّه". حلّل مضمون هذه الرواية.
- أوصى رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم أميرَ المؤمنين عليه السلام، قال: "يا عليّ، لا صدقة وذو رحم محتاج". حلّل مضمون هذا الحديث، واستخرج منه بعض معالم التربية الاقتصاديّة المطلوبة؟
 
 
 
 
 
373

311

الدرس الرابع والعشرون: التربية الاقتصاديّة (2) القيم والأساليب

 الدرس الرابع والعشرون

التربية الاقتصاديّة (2) القيم والأساليب


أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يُعرِّف التربية الماليّة ويبيّن أركانها.
2- يربط التربية الاقتصاديّة للطفل بالرؤية الكونيّة والقيم الدينيّة.
3- يحدّد القيم والسلوكات الاقتصاديّة التي ينبغي تربية الطفل عليها.
4- يعرض أهمّ أساليب التربية الاقتصاديّة للطفل.
5- يستدلّ بالنصوص الدينيّة على القيم التربويّة الاقتصاديّة.
 
 
 
 
 
375

312

الدرس الرابع والعشرون: التربية الاقتصاديّة (2) القيم والأساليب

 تمهيد

تحدّثنا في الدرس السابق عن مفهوم التربية الاقتصاديّة وأهدافها، وعرضنا بالتفصيل المسؤوليّات الاقتصاديّة التي ينبغي للوليّ أن يتحمّلها تجاه الطفل. وفي هذا الدرس، سنتحدّث عن قيم التربية الاقتصاديّة وأساليبها، والسلوكات الاقتصاديّة التي ينبغي تربية الطفل عليها في الحياة.

الربط بين التربية الاقتصاديّة والتربية العقائديّة
ينبغي للمربّي العمل على ربط التربية الاقتصاديّة1 بالتربية العقائديّة2، فيُشعِر الطفلَ باستمرار أنّ كلّ ما يملكه من أطعمة وأشربة وألبسة وألعاب وهدايا... هو ملك لله تعالى، ومن نعمه عزّ وجلّ، كي يزداد الطفل ارتباطاً عاطفيّاً بالله تعالى وحبّاً له، ويصل إلى مرحلة يصبح فيها ربطُ التصرّف في الخيرات والنعم برضا الله تعالى وإذنه، أمراً مرغوباً للطفل.

وكذلك على الوليّ أن يحذر من إشعار الطفل بأنّ الفقر وقلّة الموارد الماليّة، وألم الحرمان هو من الله تعالى، كي لا يحمّل الطفل مسؤوليّة آلامه وحرمانه لله تعالى، فيؤدّي ذلك إلى النفور منه عزّ وجلّ.

ويمكن تقديم فكرة أنّ التصرّف في ملك الله تعالى يحتاج إلى إذنه ورضاه، إلى ذهن الطفل، وشرحها له من خلال مثال يتعلّق بأملاك الطفل نفسه، بأن يقال له مثلاً: إنّك تملك هذه اللعبة، وأنت مسؤول عنها، فإذا أراد طفل آخر أن يلعب بها، ألا تشعر أنّه ينبغي له أن يأخذ الإذن منك؟ وأنّك لا بدّ من أن تسمح له بذلك؟ وإذا سمحت له باللعب بها، ألا تظنّ أنّه ينبغي
 
 

1- وهذه النقطة أيضاً توّظّف في التربية البيئيّة.
2- يراجع حول هذا الموضوع: الصدر، محمّد باقر، اقتصادنا، ص296 وما بعد، تحت عنوان: أوجه الارتباط بين الاقتصاد الإسلاميّ وسائر عناصر الإسلام.
 
 
 
 
377

313

الدرس الرابع والعشرون: التربية الاقتصاديّة (2) القيم والأساليب

 للطفل أن يلعب بلعبتك بنحو ترضاه ولا يثير غضبك؟ بحيث لا يلوّنها بألوان لا تحبّها أنت، ولا يكسر رجلها مثلاً، ولا يمزّق الثوب الذي عليها، ولا يوسّخها.... والله تعالى أيضاً خالق هذا الكون ومالكه، فإذا أردنا وأردت أن تتصرّف في خيرات الأرض وثرواتها، فينبغي أن يكون ذلك بإذن منه ورضاه سبحانه وتعالى.


رُوي أنّه عندما سُئل الإمام الصادق عليه السلام: ما حقيقة العبوديّة؟ أجاب: "ثلاثة أشياء: أن لا يرى العبد لنفسه في ما خوّله الله إليه ملكاً، لأنّ العبيد لا يكون لهم ملك، يرون المال مال الله، يضعونه حيث أمرهم الله تعالى به"1.

تعزيز نظرة الدين الإيجابيّة إلى التنمية الاقتصاديّة
يحاول العَلمانيّون تصوير الالتزام بالقيم والتشريعات الدينيّة كعامل سلبيّ وعائق أمام التنمية الاقتصاديّة، لأنّه يمجّد الفقر ويذمّ الدنيا، ويحرّم الربا ويفرض قيوداً كثيرة على المعاملات... إلخ. وعليه، فمن أهمّ التحدّيات التي تواجه المربّي، هو تعزيز الوعي لدى الطفل تدريجيّاً بأنّ الإسلام يحثّ على عمارة الأرض والتنمية الاقتصاديّة، ويؤكّد قيم العمل والكدّ وبذل الجهد، ويذمّ الكسل والخمول، ويذمّ التواكل والعيش على موائد الآخرين، ويشجّع على جمع المال من حلالٍ وطرائقِ كسبٍ مشروعة.

ويمكن الاستفادة لتحقيق هذا الهدف، من أسلوب التربية بالقصّة، بتقديم نماذج من القرآن والحديث والسيرة عن عمل الأنبياء والأئمّة عليهم السلام، في الرعي والسقاء والحدادة والأعمال التجاريّة المختلفة...2.

وكذلك من خلال أسلوب الحفظ والتلقين، بتشجيع الطفل على حفظ بعض الأحاديث والروايات التي يظهر فيها النبيّ وأئمّة أهل البيت كيف يربّون الناس على القيم والآداب الاقتصاديّة3.

مثل ما رُوي عن الإمام الصادق عليه السلام: "أربعة لا تستجاب لهم دعوة: رجل جالس
 

1- الشيخ الطبرسي، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، ص563.
2- يراجع من باب المثال: الشيخ الكليني،الكافي، ج5، ص74.
3- يستفاد من الأحاديث الواردة في هذا الدرس وسابقه.
 
 
 
378

314

الدرس الرابع والعشرون: التربية الاقتصاديّة (2) القيم والأساليب

 في بيته يقول: اللهمّ ارزقني، فيقال له: ألم آمرك بالطلب؟!... ورجل كان له مال فأفسده، فيقول: اللهمّ ارزقني، فيقال له: ألم آمرك بالاقتصاد، ألم آمرك بالإصلاح؟! ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾1 ورجل كان له مال فأدانه بغير بيّنة، فيقال له: ألم آمرك بالشهادة"2.


وكذلك يستفاد من أسلوب التربية بالقدوة، إذ يمكن للأب المتديّن أن يستفيد من سعيه وكدّه الشخصيّ نحو تحصيل الرزق، أمام ناظري طفله، لتربيته على وعي الربط بين الإيمان والتنمية الاقتصاديّة.

وفي هذا السياق، على المربّي توضيح الآثار الاقتصاديّة والماليّة للتقوى والالتزام بالقيم الأخلاقيّة، كالصدق والأمانة والوفاء بالعهود والمواثيق والقناعة والصبر والتبسّم وطلاقة الوجه3، ودور هذه القيم في زيادة الرزق وفتح أبواب النماء الاقتصاديّ والبركة، كما أوضحته آيات عدّة4.

مثلاً، عن الإمام عليّ عليه السلام قال: "حسن الخلق من الدين، وهو يزيد في الرزق"5.

تعزيز النظرة إلى المال على أنّه وسيلة للعيش الكريم وخدمة الناس
تساهم التربية الماليّة الصحيحة في تعزيز أهداف التربية الاقتصاديّة، ونعني بالتربية الماليّة تكوين نظرة خاصّة عند الطفل إلى طبيعة المال في الحياة، وكيفيّة التعامل معه، والاستثمار فيه، وإنفاقه.

ونعرض طبيعة هذه النظرة الإسلاميّة إلى المال في عدّة نقاط:
1- المال مال الله عزّ وجلّ.
2- التصرّف في المال بإذن الله تعالى ورضاه.
 
 

1- سورة الفرقان، الآية 67.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص511.
3- يستفاد من الروايات التي عرضناها في الجزء الأوّل، الدرس الحادي عشر، ص180.
4- انظر: سورة الأعراف، الآية 96. وسورة هود، الآية 52.
5- ابن شعبة الحراني، تحف العقول ، ص373.
 
 
 
379

315

الدرس الرابع والعشرون: التربية الاقتصاديّة (2) القيم والأساليب

 3- تعزيز النظرة إلى المال على أنّه ليس هدفاً بحدّ ذاته، بل هو وسيلة للحياة الطيّبة والكريمة، وتأمين الحاجات وتلبية المتطلّبات والاستغناء عن الناس أولاً. وثانياً: أنّ المال يكون إيجابيّاً أو سلبيّاً بلحاظ كيفيّة توظيفه، فإن وُظِّف في تأمين الحاجات وكفّ اليد عن الناس، وخدمة الخلق ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وأُنفق في سبيل تحقيق القيم الإسلاميّة السامية، يكون زاد الإنسان إلى السعادة في الدنيا والآخرة.


لذا، نلاحظ أن الإسلام شجّع على جمع المال الحلال لتحقيق هذه الأغراض1.

عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "لا خير فيمن لا يحبّ جمع المال من حلال، يكفّ به وجهه، ويقضي به دَيْنه، ويصل به رحمه"2.

4- ربط جمع المال في الدنيا بالآخرة، بمعنى تجنّب إيجاد حالة من الثنائيّة المتعارضة بينهما، بل اعتبار الأوّل طريقاً موصِلاً إلى الثانية ودار السعادة، وبذلك يُنظَر إلى المال على أنّه خير عون للآخرة.

قال رجل لأبي عبد الله عليه السلام: "والله إنّا لنطلب الدنيا ونحبّ أن نؤتاها. فقال عليه السلام: تحبّ أن تصنع بها ماذا؟ قال: أعود بها على نفسي وعيالي، وأصل بها، وأتصدّق بها، وأحجّ وأعتمر. فقال عليه السلام: ليس هذا طلب الدنيا، هذا طلب الآخرة"3.

5- تعزيز النظرة إلى ضرورة الاستثمار الإيجابيّ في المال بعد تحصيله.

عن الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام قال: "استثمار المال تمام المروّة"4.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "عليك بإصلاح المال، فإنّ فيه منبهة للكريم5، واستغناءً عن اللئيم"6.
 

1- يراجع: شرح أصول الكافي، ج1، ص194.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج5، ص72.
3- المصدر نفسه، ص73.
4- المصدر نفسه، ج1، ص20.
5- منبهة: من النباهة، وهي العلو والشرف.
6- الشيخ الكليني،الكافي، ج5، ص88.
 
 
 
380

316

الدرس الرابع والعشرون: التربية الاقتصاديّة (2) القيم والأساليب

 6- الحفاظ على المال والاهتمام به وعدم تضييعه.

سأل رجلٌ الإمامَ الصادق عليه السلام: "الرجل يكون له مال فيضيّعه فيذهب؟ فقال عليه السلام: احتفظ بمالك، فإنّه قوام دينك"1.

7- وضع المال في مواضعه من وجوه الصلاح دون الفساد.
عن الإمام عليّ عليه السلام: "من كان فيكم له مال فإيّاه والفساد..."2.
 
8- تكوين مفاهيم اقتصاديّة سليمة وتصحيح المفاهيم الاقتصاديّة الخاطئة، حول معياريّة الغنى والفقر، وأنّ الوضع الماليّ ليس هو معيار التفاضل بين الناس، وإنّما الإنسان ينبغي أن يُحترَم ويَحترِم للعلم والأخلاق والتقوى وغنى النفس...

عن أبي ذرّ رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبا ذرّ، أترى كثرة المال هي الغنى؟ قلت (أبو ذرّ): نعم يا رسول الله. قال صلى الله عليه وآله وسلم: فترى قلَّة المال هي الفقر؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال صلى الله عليه وآله وسلم: إنّما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب"3.

القيم والسلوكات الاقتصاديّة التي ينبغي تربية الطفل عليها
هناك سلوكات اقتصاديّة عدّة ينبغي استحضارها في عملية التربية الاقتصاديّة للطفل، منها:
أ- تعويد الطفل الإنفاق في ضوء ميزان الاحتياجات الفعليّة:
أهمّ مسألة في التربية الاقتصاديّة، هي تربية الطفل على الإنفاق في ضوء ميزان الاحتياجات الفعليّة، وترتيب الأولويّات بتوازن واعتدال. وهذا هو معنى الاقتصاد في اللغة العربيّة، لأنّ الاقتصاد من القصد، و"القصد استقامة الطريقة"4، و"القصد في المعيشة ألّا تسرف ولا تقتر"5.
 
 

1- الشيخ الطوسيّ، الأمالي، 679.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج4، ص32.
3- ابن حبان، صحيح ابن حبان، تحقيق شعيب الأرنؤوط، لا.م، مؤسسة الرسالة، 1414ه - 1993م، ط2،ج2، ص461.
4- العين، ج5، ص54.
5- المصدر نفسه.
 
 
 
381

317

الدرس الرابع والعشرون: التربية الاقتصاديّة (2) القيم والأساليب

 عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "المال مال الله، جعله ودائع عند خلقه، وأمرهم أن يأكلوا منه قصداً، ويشربوا منه قصداً، ويلبسوا منه قصداً، وينكحوا منه قصداً، ويركبوا منه قصداً، ويعودوا بما سوى ذلك على فقراء المؤمنين"1.


ب- تعويد الطفل أن الأوضاع الاقتصاديّة تضيق وتتّسع:
ينبغي تعويد الطفل أنّ الأموال والأوضاع الاقتصاديّة تتّسع وتضيق، ولا ينبغي أن يؤدّي الضيق إلى البخل والتقتير، بل إلى الحرص وحسن التدبير. ولا ينبغي أن تؤدّي السعة إلى السرف والتبذير، بل القصد والادّخار.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنّه قال: "إنّ المؤمن أخذ من الله أدباً، إذا وسّع عليه اقتصد، وإذا أقتر عليه اقتصر"2.

فينبغي تربية الطفل على أنّ الاقتصاد ليس مختصّاً بحال الفقر والضيق وحسب، بل بحال الغنى والرخاء أيضاً، لتأديب نفسه على كيفيّة إدارة موارده الاقتصاديّة، والاستعداد لنوائب الدهر، وما قد يصيب له الإنسان من ابتلاءات وضغوط في الحياة.

عن الإمام عليّ عليه السلام قال: "من اقتصد في الغنى والفقر، فقد استعدّ لنوائب الدهر"3.

وفي هذين السياقين، تأتي أساليب وإجراءات عدّة:
1- جعل الطفل يعيش ضمن المستوى العامّ لمعيشة أبناء مجتمعه، حتى لو كان الأب غنيّاً، لأنّ الإنفاق على الطفل بكثرة قد يجعله مدلّلاً لا يعي قيمة المال، ويؤدّي إلى الإلهاء.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ما قلّ وكفى خير ممّا كثر وألهى"4.

2- تحديد القيمة الشرائيّة للاحتياجات اليوميّة للطفل بثمن خاصّ، وعدم السماح له
 

1- السيد البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج17، ص108.
2- المصدر نفسه، ص106.
3- عيون الحكم والمواعظ، ص426.
4- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص376.
 
 
 
382

 


318

الدرس الرابع والعشرون: التربية الاقتصاديّة (2) القيم والأساليب

 بشراء أمر معيّن يزيد ثمنه عن فائض القيمة الشرائيّة المحدّدة له يوميّاً.


3- تعيين لائحة المشتريات اليوميّة للطفل، وإشعاره أنّه ليس كلّ ما يطلبه ينبغي أن يُوفَّر ويُؤمَّن، لتعزيز مبدأ أنّه ليس بالإمكان الحصول على كلّ ما كان في ذهنه ووجدانه.

4- تعويده ترتيب النفقات والموازنة بينها في ضوء الأولويّات، والتدرّج من الحاجات الأكثر أهمّيّة إلى الأقلّ. فعندما يريد الطفل شراء غرض معيّن، مع حاجته إلى غرض آخر في الوقت نفسه، يناقش معه تشخيص الأولويّات وترتيبها ليختار بين شيئين، فيقال له: اليوم إمّا أن نشتري كذا، الذي يقرّ الطفل بحاجته إليه بشدّة، وإمّا كذا الذي أنت أقلّ حاجة إليه، ولكن إذا اشتريت الثاني فستخسر شراء الأوّل، أمّا إذا اشتريت الأوّل فستربح شراء الثاني، لأنّي أعدك أن نشتريه معاً بعد أيّام عدّة مثلاً، فماذا تختار؟

5- اصطحاب الطفل إلى السوق والمتاجر، وإتاحة الفرصة له للتسوّق وممارسة عمليّة الشراء بنفسه، تحت رقابة الأهل وإشرافهم، وتوجيهه نحو شراء الأغراض التي يحتاج إليها فعلاً، وتجنّب شراء شيء مع عدم حاجته إليه. ويمكن أن يجري ذلك من خلال كتابة قائمة المشتريات مسبقاً، وذلك بهدف تنمية الرشد الاقتصاديّ عنده، وحسّ حسن الاختيار، والتعرّف إلى الثمن والمثمن، واختلاف الأسعار باختلاف السلع... إلخ.

6- تجنّب إعطاء الطفل مبالغ ماليّة لا تتناسب مع مرحلته العمريّة.

7- تجنّب الانسياق وراء رغبات الأطفال واحتياجاتهم، التي تؤدّي إلى الإسراف.

8- عدم التحرّج من الطفل داخل السوق بسبب تصرّفاته بطريقة ملحّة، أو تشدّده في الطلب من خلال البكاء والصراخ... ممّا يجعل الأهل يدفعون مبالغ معيّنة في تلبية رغبة الطفل، أو شراء أمور هو غير محتاج لها.

9- تعويد الطفل ادّخار المال لوقت الحاجة، ولاستثماره لاحقاً في شراء أغراض معيّنة من ماله الخاصّ الذي ادّخره.
 
 
 
 
383

319

الدرس الرابع والعشرون: التربية الاقتصاديّة (2) القيم والأساليب

 10- اختبار الطفل بإعطائه مبلغاً معيّناً من المال، فإذا أنفقه في وجوه الصلاح، يكافأ ويُمدَح.


ج- تعويد الطفل تقدير قيمة الأشياء:
من خلال توجيهه إلى كيفيّة استعمال الموارد بمقدار الحاجة والضرورة، أي الاستفادة من الموارد بأقلّ كمّيّة وأرخص التكاليف الممكنة، ويمكن القيام ببعض الإجراءات في هذا المجال:
- إسناد موازنة أعمال صغيرة في المنزل إلى الطفل، لإكسابه مهارة الموازنة بين الموارد المتوافرة والإنفاق، وتنمية حسّ إدارة الأموال في حياته.

- تعويد الطفل رعاية الممتلكات الخاصّة به، وأغراضه وألعابه، وتحمّل مسؤوليّتها ورعايتها والاهتمام بها بشكل خاصّ.

- تعويده عدم التعامل باستخفاف وإهمال مع الأعيان والأموال الموجودة في المنزل، كأن يمسح يديه بعد الطعام بأثاث المنزل، أو يكسر الأشياء ويخرّبها... وعدم التساهل والتهاون معه في ذلك.

- تعريفه بأنّ إهدار المال لا يحصل بالطريقة المباشرة فقط، بل له طرائق أخرى، كسوء الحفاظ على الأغراض المدرسيّة.

د- تعويد الطفل احترام أموال الآخرين وممتلكاتهم وحقوقهم الاقتصاديّة:
يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾1, فاحترام الحقوق الماليّة للآخرين من القيم المهمّة في التربية الاقتصاديّة، ويمكن اتّباع الخطوات التالية:
1- تعويد الطفل على أنّ حقيقة الشحّ والبخل، بالامتناع عن أداء حقوق الناس في مال الله تعالى.
عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّما الشحيح من منع حقّ اللَّه، وأنفق في غير حقّ اللَّه عزّ وجلّ"2.
 

1- سورة البقرة، الآية 188.
2- الصدوق، معاني الأخبار، ص246.
 
 
384

 


320

الدرس الرابع والعشرون: التربية الاقتصاديّة (2) القيم والأساليب

 2- تجنّب التصرّف في أموال الأطفال الآخرين من دون إذنهم، وعدم التعديّ عليها.


3- احترام ممتلكات المؤسسات العامّة وأموالها، كالمدارس والملاعب والحدائق والشوارع و...

4- تعويد الطفل احترام حقّ الآخرين في الممتلكات المشتركة بينه وبين إخوته، أو عموم أعضاء الأسرة في المنزل، مع إثارة روح المودّة في داخله، وتعويده عدم الاستحواذ على القدر الأكبر من استخدامها بسبب شراسة طبعه.

5- تجنيب الطفل الدخول في أنشطة ماليّة ومعاملات اقتصاديّة تحتوي على الغشّ والاحتيال، أو تشجيعه على ذلك بمدحه أنّه ماهر وحاذق...

6- تعويده ردّ مال صاحب الدكّان إليه إذا أعطاه قيمة زائدة على ما يستحقّه... إلخ.

هـ- تعويد الطفل القيام بالأنشطة الاقتصاديّة ذات الطابع التكافليّ:
1- إشعار قلب الطفل الرقّة والرحمة على الفقراء والمحتاجين والأيتام وأصحاب الإعاقة... من خلال تصوّر نفسه في موقعهم، وتقديم النظرة إليهم على أنّهم يلعبون دوراً إيجابيّاً في الرحمة الإلهيّة بالمجتمعات.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "... إنّما تُرْزَقون وتُنْصَرون بضُعَفائِكم"1.

2- تعويده إنفاق المال في صلة الرحم والمعروف، وحسن الضيافة والصدقة، والقيام بالفرائض العباديّة الماليّة، كالزكاة والخمس.
عن الإمام عليّ عليه السلام: "من آتاه الله مالاً فليصل به القرابة، وليحسن منه الضيافة، وليفكّ به الأسير والعاني، وليعط منه الفقير والغارم، وليصبر نفسه على الحقوق والنوائب ابتغاء الثواب، فإنّ فوزاً بهذه الخصال شرف مكارم الدنيا، ودرك فضائل الآخرة إن شاء الله"2.
 

1- الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة، الجامع الصحيح (سنن الترمذي)، تحقيق وتصحيح عبد الوهاب عبد اللطيف، بيروت - لبنان، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1403ه - 1983م، ط2،ج3، ص123.
2- نهج البلاغة، ص198.
 
 
385

321

الدرس الرابع والعشرون: التربية الاقتصاديّة (2) القيم والأساليب

 و- تعويد الطفل تقدير قيمة العمل الحلال:

1- ذمّ الكسل وتبغيضه إلى نفس الطفل.
عن أبي جعفر عليه السلام قال: "... من كسل عن أمر دنياه، فهو عن أمر آخرته أكسل"1.

وعن مسعدة بن صدقة قال: "كتب أبو عبد الله عليه السلام إلى رجل من أصحابه:... ولا تكسل عن معيشتك، فتكون كلّاً على غيرك"2.

ويمكن تقديم ذلك للأطفال من خلال أسلوب القصص الواقعيّة عن الحيوانات، كالنحل والنمل وغيرهما، وهذا ما يمكن أن يُستوحى من رواية عن الإمام الصادق عليه السلام، أنه قال: "أيعجز أحدكم أن يكون مثل النملة، فإنّ النملة تجرّ إلى جحرها"3.

2- إبعاد الطفل عن الألعاب الربحيّة التي فيها روح القمار.

3- اصطحابه أحياناً إلى العمل، وتعريفه إلى أجوائه وطبيعته وظروفه.

4- تعويد الطفل مهنة معيّنة تناسب عمره وقدراته البدنيّة والذهنيّة... وتشجيعه على العمل بها في أوقات العطلة الصيفيّة دون إرهاقه، ليشعر بمعنى التعب والعناء في تأمين الحاجات، وليتعلّم مهنة تكون قوّة احتياطيّة لديه في الحياة.

5- إشعاره بخطأ سلوك المتسوّلين في الشوارع، من دون أن يلازمه النظرة الدونيّة والاحتقار.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. أنّه قال: "اليد العليا خيرٌ من اليد السُّفلى، واليد العليا المنفقة والسفلى السائلة"4.

6- تعريفه أنواع الكسب غير المشروع، كالربا والاحتكار والغشّ والسرقة والاحتيال...، وشرح آثارها الضارّة في حياة الإنسان في الدنيا والآخرة.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ومن كسب مالاً من غير حلّه، أفقره الله عزّ وجلّ"5.
 
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج5، ص85.
2- المصدر نفسه، ص86.
3- المصدر نفسه، ص79.
4- سنن أبي داود، ج1، ص372.
5- الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص182.
 
 
 
386

322

الدرس الرابع والعشرون: التربية الاقتصاديّة (2) القيم والأساليب

 المفاهيم الرئيسة


- ينبغي للمربّي ربط التربية الاقتصاديّة بالتربية العقائديّة، فيُشعِر الطفلَ باستمرار أنّ كلّ ما يملكه من أطعمة وأشربة وألبسة وألعاب وهدايا... هو من نعم الله عزّ وجلّ، كي يزداد الطفل ارتباطاً عاطفيّاً بالله تعالى وحبّاً له، فيكون ربط التصرّف في الخيرات والنعم برضا الله تعالى وإذنه أمراً مرغوباً للطفل.
- تعزيز الوعي لدى الطفل بأنّ القيم الدينيّة ليست من معوّقات عمليّة التنمية الاقتصاديّة، بل الإسلام يحثّ على عمارة الأرض والتنمية الاقتصاديّة، ويؤكّد قيم العمل والكدّ وبذل الجهد، ويذمّ الكسل والخمول، ويذمّ التواكل والعيش على موائد الآخرين، ويشجّع على جمع المال من حلال وطرائق كسب مشروعة.
- التربية الماليّة عبارة عن تكوين نظرة خاصّة عند الطفل إلى طبيعة المال في الحياة، وكيفيّة التعامل معه، والاستثمار فيه وإنفاقه، مثل: تعزيز النظرة إلى المال على أنّه ليس هدفاً بحدّ ذاته، بل هو وسيلة للحياة الطيّبة، تعزيز النظرة إلى ضرورة الاستثمار الإيجابيّ في المال بعد تحصيله، والحفاظ على المال والاهتمام به وعدم تضييعه، ووضع المال في مواضعه من وجوه الصلاح دون الفساد، وأنّ الوضع الماليّ ليس هو معيار التفاضل بين الناس.
- هناك سلوكات اقتصاديّة ينبغي استحضارها في عمليّة التربية الاقتصاديّة للطفل، منها:
1- تربية الطفل على الإنفاق في ضوء ميزان الاحتياجات الفعليّة بتوازن واعتدال.
2- تعويد الطفل أنّ الأموال والأوضاع الاقتصاديّة تتّسع وتضيق، ولا ينبغي أن يؤدّي الضيق إلى البخل والتقتير، بل إلى الحرص وحسن التدبير، ولا ينبغي أن تؤدّي السعة إلى السرف والتبذير، بل القصد.
3- تعويد الطفل تقدير قيمة الأشياء، وعدم التهاون مع الأعيان والأموال في المنزل، كأن يمسح يديه بعد الطعام بأثاث المنزل، أو يكسر الأشياء، والمحافظة على أغراضه وألعابه وممتلكاته.
4- تعويد الطفل احترام أموال الآخرين وممتلكاتهم وحقوقهم الاقتصاديّة، كتجنّب التصرّف في أموال الأطفال الآخرين من دون إذنهم، واحترام أموال المؤسّسات العامّة كالمدارس، واحترام حقّ الآخرين في الممتلكات المشتركة.
5- تعويد الطفل القيام بالأنشطة الاقتصاديّة ذات الطابع التكافليّ، كإشعار قلب الطفل الرقّة والرحمة على الفقراء والأيتام، وتعويده إنفاق المال في صلة الرحم وحسن الضيافة والصدقة.
6- تعويد الطفل تقدير قيمة العمل الحلال، كتمجيد العمل والكدّ والسعي، وذمّ الكسل وتبغيضه إلى نفس الطفل، وإبعاد الطفل عن الألعاب الربحيّة التي فيها روح القمار، وتعويده بعض الأعمال التي تناسب عمره، ولا ترهقه.
 
 
 
 
 
387

323

الدرس الرابع والعشرون: التربية الاقتصاديّة (2) القيم والأساليب

 أسئلة الدرس


- هل تعتبر أنّ ربط التربية الاقتصاديّة للطفل بالتربية العقائديّة أمر مهمّ؟ ولماذا؟
- ما هو الدور الذي تؤدّيه عملية ربط التنمية الاقتصاديّة بالقيم الدينيّة؟ وما هي الأساليب التي يمكن أن يعتمدها المربّي لتحقيق هذا الهدف؟
- عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "أربعة لا تستجاب لهم دعوة..." من هم هؤلاء الأربعة؟
- ما هي التربية الماليّة؟ وكيف تساهم في تحقيق أهداف التربية الاقتصاديّة للطفل؟
- ضع جدولاً بالقيم والسلوكات الاقتصاديّة التي ينبغي تربية الطفل عليها.
- هل حصل أن بدأ طفلك بالبكاء أو الصراخ في السوق، طالباً شراء بعض الحاجات التي لا يحتاج إليها، أو التي تقدّر أنّك لا تملك مالاً كافياً لشرائها؟ كيف كان ردّ فعلك؟ وكيف يمكن أن يكون إذا تكرّر حصول ذلك؟
- هل تعوّد طفلك حفظ ممتلكاته الخاصّة؟ وهل تدرّبه على احترام ممتلكات الآخرين؟ وكيف؟
 
 
 
 
 
388

324

الدرس الخامس والعشرون: التربية البيئيّة

الدرس الخامس والعشرون
التربية البيئيّة

أهداف الدرس
على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يُعرِّف التربية البيئيّة.
2- يعرض المباني القرآنيّة للتربية البيئيّة.
3- يحدِّد أساليب التربية البيئيّة وتقنيّاتها.
4- يقيس الوعي البيئيّ عند الطفل بعبارات سلوكيّة.
 
 
 
 
 
391

325

الدرس الخامس والعشرون: التربية البيئيّة

 أرجوك ارحمني

يأتي البحث عن التربية البيئيّة 1Environmental Education وما يقاربها من مصطلحات، مثل التعليم البيئيّ والتوعية البيئيّة...، في لحظة حرجة من تاريخ علاقة الإنسان بالطبيعة، إذ لم تشهد الحضارة البشريّة سوء ارتباط بين الإنسان ومحيطه العامّ كما هو الأمر اليوم، بحيث لو جمعنا كلّ الآثار السلبيّة التي أنتجتها يد الإنسان بحقّ الطبيعة خلال آلاف السنين2، لما أمكنت مقارنتها مئوياً بتأثيرات عقد واحد من الاعتداءات التي يمارسها الإنسان المعاصر يوميّاً على البيئة، باستخدام ما أحرزه من تقدّم تكنولوجيّ وصناعيّ وتجاريّ. ويكفي بعض النماذج، مثل: ثقب طبقة الأوزون، الاحتباس الحراريّ، التصحّر، التغيّر المناخيّ، استنزاف الموارد، تلوث التربة والمياه والهواء، تهديد التنوّع البيولوجيّ، انقراض بعض الكائنات الحيّة، ذوبان الجليد في القطبين، قطع الأشجار، وحرق الغابات... إلخ3.

وهذه المشكلات البيئيّة وغيرها تهدّد أمن الإنسان في مختلف الأبعاد الحياتيّة: الصحّيّة والغذائيّة والتنمويّة والاقتصاديّة والسياسيّة والعسكريّة...، بل تشمل جميع الكائنات الحيّة وغير الحيّة على الكوكب الأخضر، بحيث لو قُدِّر لها أن تنطق، لمجّدت الموت إذا خلّصها من ألدّ أعدائها، أي الإنسان، قبل أن يقضي عليها، وكأنّ لسان حال البيئة للإنسان: أرجوك ارحمني.
 

1- ذكرنا تعريف البيئة في الجزء الأوّل، الدرس17، ص269.
2- راجع: سيمونز، إيان، البيئة والإنسان عبر العصور، ترجمة السيّد محمّد عثمان، عالم المعرفة، عدد222، 1997م.
3- يراجع: الحمد، رشيد، صباريني، محمّد سعيد، البيئة ومشكلاتها، سلسلة عالم المعرفة، العدد: 22، ص23.
 
 
 
393

326

الدرس الخامس والعشرون: التربية البيئيّة

 فنحن أمام أزمة تضعنا على مقربة من خطّ نهاية العالم الذي نعرفه، وهذا ما دفع العلماء إلى الاعتكاف على دراسة الأمراض التي يعانيها كوكبنا، وما يحتاج إليه من إسعافات أوليّة يتعيّن تطبيقها للحدّ من الكارثة. وعُقدت المؤتمرات العالميّة، وأُسست المنظمّات والجمعيّات، ووُضعت الأنظمة والقوانين... من أجل عودة الوفاق بين الإنسان والطبيعة1.


وقد شكل التقرير الذي نشرته اللجنة العالميّة للبيئة والتنمية عام 1987 تحت عنوان "مستقبلنا المشترك"2، محطّة مفصليّة في التفات الدول والحكومات إلى أهمّيّة التربية البيئيّة، حتّى أصبحت من القضايا الساخنة التي فرضت نفسها على الجميع، لا على المتخصّصين بقضايا البيئة وحسب.

ما هي التربية البيئيّة؟
عُرِّفت التربية البيئيّة بتعريفات متعدّدة، منها:
- إنّها عمليّة تربويّة تهدف إلى تكوين القيم والاتجاهات والمهارات والمدرَكات اللازمة، لفهم العلاقات المعقّدة التي تربط الإنسان وحضارته بمحيطه الحيويّ الفيزيائيّ وتقديرها، وتوضح حتميّة المحافظة على مصادر البيئة الطبيعيّة، وضرورة استغلالها استغلالاً رشيدًا لمصلحة الإنسان، حفاظًا على حياته الكريمة ورفع مستويات معيشته3.

- جهد تعليميّ موجّه أو مقصود نحو تكوين المدرَكات اللازمة، لفهم العلاقة المعقّدة بين الإنسان وبيئته، بأبعادها الاجتماعيّة والثقافيّة والاقتصاديّة والبيولوجيّة والطبيعيّة، حتى يكون واعيًا بمشكلاتها، وقادرًا على اتّخاذ القرار نحو صيانتها، والإسهام في حلّ مشكلاتها، من أجل تحسين نوعيّة الحياة لنفسه وأسرته ومجتمعه والعالم4.
 

1- يراجع: بيلت، جان ماري، عودة الوفاق بين الإنسان والطبيعة، ترجمة السيّد محمّد عثمان، عالم المعرفة، عدد189، 1994م.
2- اللجنة العالميّة للبيئة والتنمية، مستقبلنا المشترك، ترجمة محمّد كامل عارف ومراجعة علي حسين حجاج، عالم المعرفة، العدد142، عام1989م.
3- انظر: الشراح، يعقوب أحمد، التربية البيئيّة، ص25.
4- انظر: قمر، عصام توفيق، ومبروك، سحر فتحي، نحو دور فعّال للخدمة الاجتماعيّة في تحقيق التربية البيئيّة، المكتب الجامعيّ الحديث، الإسكندريّة - مصر، 2004م.
 
 
 
 
394

327

الدرس الخامس والعشرون: التربية البيئيّة

 - عملية تهدف إلى توعية سكّان العالم بالبيئة، وزيادة اهتمامهم بها، وبالمشكلات المتّصلة بها، وتزويدهم بالمعلومات والاتجاهات والدوافع والمهارات التي تساعدهم فرادى وجماعات، على حلّ المشكلات البيئيّة الحاليّة، ومنع ظهور مشكلات جديدة1.


إنّ الله جميل يحبّ الجمال
ذكرنا مرّات عدّة أنّ سلوك الإنسان في الحياة وليد عقيدته الكونيّة، ونتاج منظومة القيم التي ينتمي إليها، وبالتالي فإنّ علاقة المربّي والمتربّي مع الطبيعة والبيئة ينبغي أن تنطلق من تصوّرهما الدينيّ عن الكون، ويقوم التصوّر الإسلاميّ على أنّ الله تعالى جميل يحبّ الجمال. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله جميل يحبّ الجمال"2.

الإتقان والتقدير
فالطبيعة في غاية الإحكام والتناسق والإتقان، يقول تعالى: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾3. ويقول تعالى: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾4. ويقول تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ  * وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ5.

وكما ختمت الآيات، لقد زيّن الله تعالى الطبيعة بصورة تدهش لها عقول الفلاسفة والعلماء، لما يرونه من جمال ممتدّ في الآفاق، كآيات دالّة على الحقّ تعالى وجماله وكماله. يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ﴾6. ويقول عزّ وجلّ: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾7.
 

1- انظر: الجعفريّ، ماهر إسماعيل، نحو فلسفة إيمانيّة للتربية البيئيّة، دار الشروق، عمّان- الأردن، 2008م.
2- صحيح مسلم، ج1، ص65. وهذا النصّ مرويّ عن أمير المؤمنين وحفيده الإمام الصادق عليهما السلام. الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص438
3- سورة السجدة، الآية 7.
4- سورة النمل، الآية 88.
5- سورة الملك، الآيات 3-5.
6- سورة الحجر، الآية 16.
7- سورة الصافات، الآية 6.
 
 
 
 
395

328

الدرس الخامس والعشرون: التربية البيئيّة

 وقد خلق الله تعالى كلّ شيء في عالم الطبيعة في ضوء ميزان ومقدار خاصّ، يقول تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾1. ويقول عزّ وجلّ: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ﴾2.


وقد أكّدت الأبحاث الإيكولوجيّة وجود علاقات تناسق عجيبة بين الكائنات والظواهر الطبيعيّة بنحو لا يخطر على البال، وجرى الكشف عن أن كلّ تصرّف بيئيّ له أثر كوكبيّ، ولم يعد هناك موضع لشيء اسمه عمل بيئيّ محلّيّ. فمثلاً، اكتشف العالم السويديّ سفانت أودين عام 1967م، أنّ الغازات المنبعثة من مداخن مصانع أمريكا الشماليّة التي تقع على الجانب الآخر من المحيط الأطلسيّ، هي سبب الأمطار الحمضيّة التي سمَّمت مصادر المياه العذبة والتربة في السويد3، الواقعة في أقصى شمال أوروبا.

وفي ضوء الأصول الموضوعة التي اكتشفتها العلوم الطبيعيّة والبيئيّة، نفهم النهي الإلهيّ عن التلاعب في الميزان الطبيعيّ الذي وضعه تعالى لحفظ الأرض وما فيها وما عليها، يقول تعالى: ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ * وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ *  فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ *  وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ * فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾4.

سنّة التسخير والاستخلاف
وقد سخّر الله تعالى الطبيعة بما فيها للإنسان، كما أوضحت آيات عدّة، منها: ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً
 

1- سورة القمر، الآية49.
2- سورة الرعد، الآية 8.
3- يراجع: الخوليّ، أسامة، البيئة وقضايا التنمية والتصنيع، دراسات حول الواقع البيئيّ في الوطن العربيّ والدول النامية، تقديم مصطفى طلبة، عالم المعرفة، عدد285، 2002م، ص11.
4- سورة الرحمن، الآيات 5 - 13.
 
 
 
396

329

الدرس الخامس والعشرون: التربية البيئيّة

 وَبَاطِنَةً﴾1, ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾2.


ومكّنه من التصرّف فيها: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ﴾3.

وكلّ ذلك في ضوء قانون الاستخلاف: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ﴾4. ويقتضي هذا القانون العمل في ضوء إرادة المُستخلِف، من عمارة الأرض وإصلاحها: ﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾5. وعدم الإفساد فيها: ﴿كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾6, ﴿وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾7.

ومن شديد أسف، أنّ الإنسان بسبب حبّ الأنا، والانجذاب إلى عرض الحياة الدنيا، والاندفاع وراء شهوة المال وحبّ التملّك والسلطة، والشعور بالاستغناء... طغى في الأرض، وأفسد في الطبيعة: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى* أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾8, وتلطّخت يداه بتلويث البيئة: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ﴾9, وبالتالي: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾10.
 
 

1- سورة لقمان، الآية 20.
2- سورة النحل، الآية 12.
3- سورة الأعراف، الآية 10.
4- سورة فاطر، الآية 39.
5- سورة هود، الآية 61.
6- سورة البقرة، الآية 60.
7- سورة القصص، الآية 77.
8- سورة العلق، الآيتان 6-7.
9- سورة البقرة، الآية 205.
10- سورة الروم، الآية 41.
 
 
 
 
397

330

الدرس الخامس والعشرون: التربية البيئيّة

 تعميق الشعور بخالقيّة الله ومالكيّته للطبيعة

انطلاقاً ممّا تقدّم، تعتبر أوّل خطوة في التربية البيئيّة هي العمل على تعميق الشعور بأنّ الله تعالى هو خالق البيئة ومالكها، ومن حقّه علينا عدم التصرّف في البيئة إلّا من منظار إذنه، بعمارتها والحفاظ على جماليّتها، كما وهبنا إيّاها.

وعليه، نحتاج إلى إعادة استنهاض القيم الدينيّة في التربية البيئيّة، لما لها من دور في الحفاظ على ميزان الطبيعة، وقد أخذ العالم يتنبّه إلى أهمّيّة حضور القيم والأخلاق الدينيّة في الحفاظ على البيئة، وهذا ما نلاحظه في تقرير التنمية البشريّة الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائيّ لعام 2007-2008 تحت عنوان: محاربة تغيّر المناخ، التضامن الإنسانيّ في عالم منقسم1.

حماية البيئة في القانون الحربيّ النبويّ
فينبغي تربية المؤمن على أن يقدِّم الإسلام بنحو يظهر فيه أكثر حرصاً على الطبيعة والبيئة من كلّ المعاهدات والقوانين الدوليّة، وأنظمة المنظّمات البيئيّة ولوائحها، وكدليل على ذلك، أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، كان يؤكّد من موقعه كقائد أعلى للجيش الإسلاميّ، ضرورة حماية البيئة في القانون الحربيّ.

عن أبي عبد اللَّه عليه السلام أنّه قال: "إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، كان إذا بعث أميراً له على سريّة، أمره بتقوى اللَّه تعالى في خاصّة نفسه، ثم في أصحابه عامّة. ثم قال له: اغزوا بسم اللَّه وفي سبيل اللَّه،... ولا تحرقوا النخل، ولا تغرقوه بالماء، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تحرقوا زرعاً، لأنّكم لا تدرون لعلّكم تحتاجون إليه، ولا تعقروا من البهائم ممّا يؤكل لحمه إلّا ما لا بدّ لكم من أكله..."2.

أساليب التربية البيئيّة وتقنيّاتها
ولتحقيق أهداف التربية البيئيّة المذكورة والمتضمّنة في التعريفات السابقة، يمكن
 

1- انظر: ص53 من التقرير المذكور.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج5، ص29.
 
 
 
398

331

الدرس الخامس والعشرون: التربية البيئيّة

 اعتماد أساليب وتقنيات عدّة، أهمّها:

1- تعريف الطفل إلى المفاهيم البيئيّة1، مثل: (النظام البيئيّ2، التوازن البيئيّ3، تنوّع حيويّ4، طبقة الأوزون5، محميّة طبيعيّة6، استنزاف الموارد7، إعادة تدوير8... إلخ).

2- توعية الطفل على طبيعة المشكلات البيئيّة، وشرح آثارها ونتائجها، مثل: (الكوارث البيئيّة9، التلوّث10، الاحتباس الحراريّ11، التصحّر12، ثقب طبقة الأوزون، الحروب(13...).
 

1- يراجع حول هذه المفاهيم البيئيّة: http://dr-salahagag.blogspot.com/2014/11/57.html
2- أيّة مساحة من الطبيعة، وما تحتويه من كائنات حيّة وموادّ غير حيّة يتفاعل بعضها مع بعض ومع الظروف البيئيّة، وهي نظام متكامل يعيش فيه كلّ المساهمين في توازن، بحيث يعتمد كلّ منهم على الآخر في جزء من حياته واحتياجاته.
3- قدرة النظام البيئيّ على العودة إلى وضعه الأوّل بعد أيّ تغيير يطرأ عليه، بشرط عدم حدوث تغيير أساسيّ في عناصره، ممّا يؤدّي إلى التعادل بين مكوّنات البيئة وعناصره.
4- تعدّد أنواع الكائنات الحيّة الموجودة في النظام الحيوي، ويرتبط ثبات التوازن الحيوي في أي نظام بيئي بتعدد الأنواع المتعايشة معًا.
5- طبقة رقيقة من الغلاف الجّويّ للأرض تحيط بالكرة الأرضيّة وتحميها من نفاذ الجانب الأكبر من الأشعّة الشمسيّة فوق البنفسجيّة الضارّة بجميع الكائنات الحيّة.
6- مساحة من الأرض أو المياه تتميّز بوجود كائنات حيّة نباتيّة أو حيوانيّة ذات قيمة ثقافيّة أو علميّة أو سياحيّة أو جماليّة، وتستهدف الحفاظ على التنوّع الحيويّ في النظام البيئيّ.
7- الإكثار من استهلاك بعض الموارد أو تلفها بفعل الإنسان أو بعض العوامل البيولوجيّة، كالآفات أو إنقاص الموارد غير المتجدّدة، ممّا يهدّدها بالنفاد أو قلّة توليدها أو انقراضها.
8- العمليّات التي تجري على النفايات بهدف استخلاص الموادّ أو إعادة استخدامها، مثل الاستخدام كوقود أو استخلاص المعادن و الموادّ العضويّة أو معالجة التربة.
9- الحوادث الناتجة عن ظروف طبيعيّة أو من فعل الإنسان، وينتج منها ضرر بالغ بالبيئة، وعلى ذلك يمكن تقسيمها إلى كوارث بيئيّة طبيعيّة، وكوارث بيئيّة صناعيّة.
10- وجود مواد في أحد الموارد الطبيعيّة الفيزيائيّة كالهواء أو الماء أو الغذاء بدرجة تؤثّر تأثيراً سيّئاً في الكائنات التي تستخدمه.
11- زيادة درجات حرارة الغلاف الجّويّ نتيجة زيادة انبعاث غازات البيت الزجاجيّ، وهي الغازات التي تنبعث عن حرق الوقود في المصانع ومحطّات توليد الطاقة ووسائل النقل.
12- أحد أشكال التدهّور في منطقة ما بفعل مجموعة العوامل المناخيّة للأراضي الزراعيّة، نتيجة سوء استخدام الأرض والمياه وإلحاق الأذى بالغطاء النباتيّ والاستخدام غير المتوازن للأسمدة وتلوّث مياه الريّ.
13- كالتجارب العسكريّة _ النوويّة، وأثر الحروب التي خاضتها وتخوضها أمريكا في تلوّث البيئة في فيتنام واليابان والعراق و...، فمثلاً كان من أبرز نتائج المؤتمر الذي انعقد في فيتنام 13-20 يناير 1983: هو أن البيئة قد منيت في فيتنام بخسائر جوهريّة بسبب استخدام الولايات المتّحدة لمادّة "لاجان أورانج" وهي خليط من المبيدات النباتيّة التي تحتوي على مادّة "الديوكسين"، حيث ألقت منها 44 مليون لتر على الأراضي الفيتناميّة خلال عشر سنوات (1961-1971) ممّا أدّى إلى تغيير عميق في تكوين التربة في المناطق التي استُخدمت فيها، وقد أظهرت نتائج بعض الدراسات التي أُجريت على الأفراد الذين تعرّضوا لخطرها، فكانت الأضرار الوراثيّة عبارة عن تشوّهات خلقيّة.
 
 
 
 
399

332

الدرس الخامس والعشرون: التربية البيئيّة

 3- تعريف الطفل بطبيعة الجهود التي تبذلها المنظّمات والجمعيّات المحلّيّة والإقليميّة والدوليّة لحماية البيئة والمحافظة عليها.


4- تنمية الذائقة الجماليّة البيئيّة لمظاهر التناسق والإتقان والترابط بين الكائنات في عالم الطبيعة، والتي تحسّن طبيعة علاقة الطفل بالبيئة المحيطة به.

5- تعزيز الضمير البيئيّ، بتعويد الطفل التعامل مع بيئته بدافع من ضميره الأخلاقيّ الفطريّ.

6- تعويده الشعور بالذنب إذا أخطأ بحقّ بيئته التي يعيش فيها، وتجاه جميع الكائنات الحيّة التي تضرّرت.

7- تنمية حسّ المواطنة البيئيّة، أي شعور الطفل بالانتماء إلى البيئة، وأنّها وطنه، وأنّه جزء لا يتجزّأ من النظام البيئيّ العامّ المحيط به، وأنّ كلّ ما يفعله من نفع أو ضرر ينعكس على هذا النظام، ويؤدّي دوراً في تغييره وتبدّله نحو الإيجاب أو السلب.

8- تعويد الطفل تقويم سلوكاته من منظور بيئيّ، بمعنى الحكم على تصرّفاته في ضوء أثرها وانعكاسها على البيئة تناسباً وعكساً، والمفاضلة بين أنشطته المختلفة من حيث آثارها في البيئة.

9- تنمية الإحساس بالآخر، وأنّه من حقّ الآخرين الاستمتاع بالبيئة، ومن حقّ أجيال المستقبل من أبنائه وأحفاده أن يعيشوا في بيئة خضراء نظيفة1.

10- التصرّف مع البيئة بطريقة إيجابيّة بغضّ النظر عن سلوك الآخرين، فلا ينبغي أن يؤدّي سوء سلوك الآخرين مع البيئة إلى ترك السلوك الحسن تجاهها2.

11. تنمية التكيّف Adaptation البيئيّ، أي تفاعل المتربّي وتوافقه مع بيئته التي يعيش فيها، فيحدث علاقة تآلف وحبّ مع البيئة التي يعيش فيها، ويتعايش مع الظروف
 
 

1- أصدرت مجموعة من خبراء الأمم المتّحدة في عام 1978 تقريراً تحت عنوان: (OurCommon future) أي "مستقبلنا المشترك"، عن جماعة بورتلاند Brudtland، وقد جاء في هذا التقرير: أن التنمية هي التي تلبي الاحتياجات الحاليّة الراهنة دون المساومة على قدرة الأجيال المقبلة في تلبية حاجاتهم".
2- يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ سورة المائدة، الاية 105.
 
 
 
400

333

الدرس الخامس والعشرون: التربية البيئيّة

 البيئيّة والمناخيّة التي تواجه محيطه، ويحسن التصرّف أثناء حدوث الكوارث البيئيّة الطبيعيّة والصناعيّة. وقد حثّ الإسلام على التكيّف الإيجابيّ مع البيئة، إلى درجة أن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مثلاً، قد نهى عن سبّ الرياح، فالله تعالى يرسلها لتقلّ السحاب1 وجعلها لواقح2.


عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تسبّوا الريح، فإنّها بُشْر، وإنّها نذر، وإنّها لواقح، فاسألوا الله من خيرها، وتعوّذوا به من شرِّها"3.

12- تنمية التعاون البيئيّ، والتضامن، والمسؤوليّة الجماعيّة، والقدرة على الشراكة مع الآخرين في الأنشطة التي تهدف إلى حماية البيئة والحفاظ عليها، كالاندفاع للمشاركة الإيجابيّة في الأنشطة المدرسيّة والكشفيّة...

13- تحفيز الطفل على التطوّع في الفعاليّات البيئيّة المختلفة، والمشاركة في الحملات البيئيّة المحلّيّة والوطنيّة، كالأنشطة التي تنظّمها البلديّات مثلاً.

14- تعويد الطفل المهارات التي تساهم في الحدّ من الآثار السلبيّة لإدخال التكنولوجيا على البيئة، مثل:
أ- تجنّب الوالدين استخدام السيّارة أو الموتور مع إمكانيّة الذهاب مشياً إلى أماكن قريبة، مع بيان السبب البيئيّ.
ب- تحفيز الطفل على التنقّل بواسطة الدرّاجة الهوائيّة، أو السير على الأقدام.
ج- تعويده تجنّب تشغيل المكيّف المنزليّ مع عدم حاجته إليه.
د- متابعة الاكتشافات التكنولوجيّة والأجهزة الحديثة الصديقة للبيئة.
هـ- تدوير بعض النفايات المنزليّة وإعادة استخدامها، كالعلب المعدنيّة والأوراق وغيرها، وعمل مجسّمات وأشكال فنّيّة منها، تدريباً له على كيفيّة الاستغلال الأمثل للموارد.
 
 

1- ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ سورة الأعراف، الاية 57.
2- ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾ سورة الحجر، الاية 22.
3- تفسير العيّاشي، ج2، ص239.
 
 
 
 
401

334

الدرس الخامس والعشرون: التربية البيئيّة

 15- تعويد الطفل اتّباع الاحتياطات وقواعد الأمان والسلامة البيئيّة في أنشطته اليوميّة:

أ- الالتزام بالقوانين البيئيّة المرعيّة الإجراء في بلده.
ب- اتّباع إرشادات استخدام المنتجات التكنولوجيّة.
ج- غسل يديه بالماء والصابون السائل.
د- إحكام ربط أكياس النفايات.
هـ- وضع النفايات خارج المنزل وعدم تبييتها فيه.

16- تعويد الطفل احترام حقّ الكائنات في الحياة، والتعامل معها برفق، مثل:
أ- تشجيع الطفل على غرس النباتات والأشجار، وتعويده تحمّل مسؤوليّة رعايتها والحفاظ عليها، وإكسابه التدريبات اللازمة لذلك.
وقد حثّ أهل البيت عليهم السلام كثيراً على الحرث والغرس والزراعة، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "ازرعوا واغرسوا"1.
وعقد الفقهاء باباً خاصّاً في موسوعاتهم الحديثيّة تحت عنوان استحباب الزراعة والغرس، أو فضل الزراعة2، جمعوا فيه الأحاديث التي تحثّ على ذلك.
ب- تجنّب القطع العبثيّ للأشجار.
ج- تجنّب قتل العصافير لأجل اللهو والعبث3.
عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "من قتل عصفوراً عبثاً عجّ إلى الله يوم القيامة، يقول: يا ربِّ، إنّ فلاناً قتلني عبثاً ولم يقتلني منفعة"4.
د- تجنّب قتل الحشرات، إلّا حال الضرر والأذيّة.
 

1- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص250.
2- يراجع: الشيخ الكليني،الكافي، ج5، ص260. الفيض الكاشاني، الوافي، ج17، ص130. والعلامة المجلسي، بحار الانوار، ج100، ص63. الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج19، ص32. والميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج13، ص460. والسيد البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج18، ص434.
3- ويراجع: مرتضى، جعفر، حقوق الحيوان في الإسلام، المركز الإسلاميّ للدراسات، بيروت، الطبعة الأولى، 1425-2004م.
4- صحيح ابن حبّان، ص214. ويراجع: المغربي، دعائم الإسلام، ج2، ص175.
 
 
 
402

335

الدرس الخامس والعشرون: التربية البيئيّة

 17- تعويد الطفل الحفاظ على نظافة البيئة العامّة، البشريّة والطبيعيّة:

أ- الحفاظ على نظافة محيط المنزل، وحديقته وسطحه...
ب- رمي النفايات في سلّة المهملات والأماكن المخصّصة لها.
ج- تجنّب رمي الأوساخ والنفايات في الشوارع1.
د- تجنّب التبوّل والتغوّط2 في الأماكن العامّة، أو الأنهار أو البحار3....
هـ- تجنّب رمي النفايات على شاطئ البحر، أو ضفاف النهر، أو الغابات أثناء التنزّه.
و- تنظيف مكان الجلوس عند الارتحال عنه.
ز- إماطة الأذى عن طريق الناس4 ومن الشوارع.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "دخل عبد الجنّة بغصن من شوك كان على طريق المسلمين، فأماطه عنه"5.

18- تعويد الطفل الاستغلال الأمثل للموارد البيئيّة، وحسن استخدامها6:
أ- استخدام الماء بمقدار الحاجة، وتجنّب ترك الحنفيّة أو الصنبورة مفتوحة أثناء غسل يديه...
ب- استخدام الكهرباء بقدر الحاجة، وعدم ترك التلفاز مشغّلاً، أو مصابيح المنزل، أو أيّ جهاز إلكترونيّ أو كهربائيّ عند عدم حاجته الفعليّة.
... إلخ.
 

1- عن السيّدة عائشة: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كان يأمر بدفن سبعة أشياء من الإنسان: الشعر، والظفر، والدم، والحيض، والمشيمة، والسنّ، والعلقة". الخصال، ص340.
2- سأل أبو حنيفة الإمامَ الكاظمَ عليه السلام: أين يقضي الغريب حاجته؟ فقال عليه السلام: "اجتنب أفنية المساجد وشطوط الأنهار ومساقط الثمار ومنازل النزال...". الشيخ الكليني،الكافي، ج3، ص16.
وهناك روايات عدّة بهذا المعنى، يراجع: الشيخ الكليني،الكافي، باب الموضع الذي يكره أن يتغوّط فيه أو يبال، ج3، ص15.
3- عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أنّه قال: "لا يبولنّ أحدكم في الماء الراكد ثم يغتسل فيه". سنن النسائيّ، ج1، ص125.
4- سُأل أحدهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: يا رسول الله، دلّني على عمل أنتفع به؟ فقال: "نَحِّ الأذى عن طريق المسلمين". مسند أبي يعلى الموصليّ، ج13، ص422. وهناك أحاديث عدّة بهذا المعنى.
5- الخصال، ص32.
6- مرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسعد وهو يتوضّأ، "فقال: ما هذا السرف؟ فقال: أفي الوضوء إسراف؟! قال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم، وإن كنت على نهر جار". سنن ابن ماجة، ج1، ص147.
 
 
 
403

336

الدرس الخامس والعشرون: التربية البيئيّة

 قياس القيم البيئيّة بعبارات سلوكيّة

هناك محاولات عدّة لوضع مقاييس لاختبار وعي الطفل وقيمه واتجاهاته في خطّ علاقته مع البيئة، واحدة منها أعدّها صلاح عبد المحسن محمّد عبد العال، ننصح الوالدين والمعلّمين باختبار الأطفال والتلامذة بها، وقد استفدنا منها في هذه الفقرة1، وهي عبارات يشير الجواب عنها بالإيجاب إلى القيم الموجبة في شخصيّة الطفل.
 
1- يفرحني عدم مضايقة الحيوانات.
2- أنزعج عندما أرى شخصاً يضرب حيواناً ويعذّبه.
3- يزعجني رمي النفايات في غير أماكنها المخصّصة.
4- يزعجني رمي النفايات في الشوارع.
5- يفرحني عدم رمي المخلّفات في البحر والنهر.
6- لا أهدّد حياة النباتات أثناء لعبي في الحياة البرّيّة.
7- أحبّ أن أشارك في زراعة الأشجار في قريتي ومدينتي.
8- لا أؤيّد تنظيم الزحف العمرانيّ على الأراضي الزراعيّة.
9- أؤيّد وضع حاويات رمي القمامة بعيداً عن أماكن سكن الناس.
10- أؤيّد وضع صناديق للنفايات كالمحارم والأوراق في الأماكن العامّة.
11- أتمنّى وضع سلّة مهملات خاصّة بالأوراق، وأخرى بالنفايات الصلبة.
12- أتمنّى وضع لافتات لتوعية الزائرين بعدم رمي النفايات في الحديقة العامّة.
13- أتمنى تطبيق قانون منع التدخين في الأماكن العامّة.
14- تزعجني رائحة الغازات المنبعثة من عوادم السيّارات.
15- يقلقني كثرة استخدام المعطّرات والمنظّفات المنزليّة من قبل أمّي.
16- يسعدني أن أرى الحيّ السكنيّ الذي أعيش فيه نظيفاً.
17- أعارض أن تكون نظافة الشوارع هي من مسؤوليّة عمّال النظافة فقط.
 

1- يراجع الرابط التالي: http://dr-salahagag.blogspot.com/2014/11/62.html
 
 
 
404

337

الدرس الخامس والعشرون: التربية البيئيّة

 18- يزعجني اصطياد الأسماك بواسطة الصعق الكهربائيّ والديناميت.

19- أتمنّى تجنّب ريّ النباتات من المياه الملوّثة.
20- أؤيّد استصلاح الأراضي بزيادة الرقعة الزراعيّة.
21- أفضّل استفادة الإنسان من الموارد الطبيعيّة على قدر حاجاته.
22- أتجاوب مع القوانين البيئيّة.
23- أحبّ أن أشارك في الأنشطة البيئيّة.
 
 
 
 
 
 
405

338

الدرس الخامس والعشرون: التربية البيئيّة

 المفاهيم الرئيسة


- يأتي البحث عن التربية البيئيّة في لحظة حرجة من تاريخ علاقة الإنسان بالطبيعة، إذ لو جمعنا كلّ الآثار السلبيّة التي أنتجتها يد الإنسان بحقّ الطبيعة خلال آلاف السنين، لما أمكنت مقارنتها مئويّاً بتأثيرات عقد واحد من الاعتداءات التي يمارسها الإنسان المعاصر.
- تهدف التربية البيئيّة إلى تكوين القيم والاتجاهات والمهارات اللازمة، لتقدير العلاقات المعقّدة التي تربط الإنسان بمحيطه الحيويّ، وللمحافظة على مصادر البيئة الطبيعيّة، والاستثمار الرشيد لها، والوعي بمشكلاتها، والمساهمة في حلّها، من أجل تحسين نوعيّة الحياة لنفسه وأسرته ومجتمعه والعالم.
- يجب أن تنطلق علاقة المربّي والمتربّي مع الطبيعة من تصوّرهما الدينيّ عن الكون. ويقوم التصوّر الإسلاميّ على أنّ الله تعالى خلق العالم جميلاً، فالطبيعة في غاية التناسق والإتقان، خلقها الله في ضوء ميزان ومقدار خاصّين، وقد أكّدت الأبحاث الإيكولوجيّة ذلك.
- سخّر الله تعالى الطبيعة بما فيها للإنسان، ومكّنه من التصرّف فيها، في ضوء قانون الاستخلاف الذي يقتضي العمل في ضوء إرادة المُستخلِف، من عمارة الأرض وإصلاحها، وعدم الإفساد فيها، وعدم التلاعب في الميزان الطبيعيّ الذي وضعه تعالى لحفظ الأرض وما فيها وعليها.
- أوّل خطوة في التربية البيئيّة تعميق الشعور بأنّ الله تعالى هو خالق البيئة ومالكها، ومن حقّه علينا عدم التصرّف في البيئة إلّا من منظار إذنه. كما ينبغي استنهاض القيم الدينيّة في التربية البيئيّة، لما لها من دور في الحفاظ على ميزان الطبيعة.
- ينبغي تعريف الطفل إلى المفاهيم البيئيّة، وطبيعة المشكلات البيئيّة وآثارها.
- ينبغي تنمية الذائقة الجماليّة البيئيّة، وحسّ المواطنة البيئيّة، والتكيّف البيئيّ، وتعزيز الضمير البيئيّ، وتعويد الطفل تقويم سلوكاته من منظور بيئيّ، وتنمية الإحساس بحقّ الآخرين والأجيال المستقبليّة بالاستمتاع بالبيئة، والتصرّف مع البيئة بطريقة إيجابيّة بغضّ النظر عن سلوك الآخرين، والتعاون البيئيّ، والتطوّع في الفعاليّات البيئيّة المختلفة.
- ينبغي تدريب الطفل على المهارات التي تُساهم في الحدّ من الآثار السلبيّة لإدخال التكنولوجيا على البيئة، وتعويده اتّباع الاحتياطات وقواعد الأمان والسلامة البيئيّة.
- تعويد الطفل احترام حقّ الكائنات في الحياة، والتعامل معها برفق، مثل: غرس النباتات والأشجار، تجنّب قطع الأشجار، أو قتل الحيوانات.
- يمكن للمربّي العمل على قياس الوعي البيئيّ وقيمه واتّجاهاته عند الطفل، من خلال العبارات السلوكيّة التالية: يفرحني عدم مضايقة الحيوانات، يزعجني رمي النفايات في الشوارع، أحبّ المشاركة في زراعة الأشجار، أعارض أن تكون نظافة الشوارع هي من مسؤوليّة عمّال النظافة فقط.
 
 
 
 
 
 
 
406

339

الدرس الخامس والعشرون: التربية البيئيّة

 أسئلة الدرس


- ضع جدولاً بأبرز المشكلات البيئيّة التي تهدّد الكوكب الأخضر، واذكر آثارها السلبيّة في حياة الإنسان.
- ما هي العوامل النفسيّة التي أدّت إلى توليد المشكلات البيئيّة؟ وهل يمكن الربط بين المشكلات البيئيّة والمشكلة الأخلاقيّة للإنسان المعاصر؟ كيف؟
- عرّف المصطلحات التالية: النظام البيئيّ، التنوّع الحيويّ، الاحتباس الحراريّ، التصحّر، ثقب طبقة الأوزون، الضمير البيئيّ، المواطنة البيئيّة، التكيّف البيئيّ.
- ما هي التربية البيئيّة؟ وما هي الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها في حياة الطفل؟
- ما هو الدور الذي تقوم به المباني القرآنيّة في تشكيل وعي بيئي خاصّ؟ اذكر نماذج من الآيات على ذلك.
- اذكر خمسة أحاديث عن النبيّ وأئمّة أهل البيت، يستفاد منها في التربية البيئيّة.
- ضع اختباراً من سبعة أسئلة لقياس الوعي البيئيّ عند الطفل.
 
 
 
 
 
 
407

340

الدرس السادس والعشرون: التربية التجمّليّة (1) المفهوم - المباني- الأصول

 الدرس السادس والعشرون

التربية التجمّليّة (1) المفهوم - المباني- الأصول


أهداف الدرس:
على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يُعرِّف التربية الجماليّة والتجمّليّة ويبين الفرق بينهما.
2- يذكر بعض مباني التربية التجمّليّة في الإسلام.
3- يعرض نماذج اهتمام المنهاج النبويّ بالتربية التجمّليّة.
4- يعدّد بعض أصول التربية التجمّليّة وضوابطها.
 
 
 
 
 
 
409

341

الدرس السادس والعشرون: التربية التجمّليّة (1) المفهوم - المباني- الأصول

 تمهيد

ذكرنا في الجزء الأوّل1، وجود ثلاثة أبعاد لتربية الطفل، منها: التربية الجسميّة، ونقصد بها قيام المربّي بكلّ الأفعال التي تكفل إيصال جسم الطفل إلى كمال طبيعته، ظاهراً وباطناً، ومساعدته على الاستقلال بالاهتمام بجسمه في جميع الأبعاد والساحات، أهمّها: التربية الصحّيّة، التربية الغذائيّة، التربية الرياضيّة، تنمية المهارات الحركيّة، التربية التجمّليّة... حيث ترتبط هذه الساحات في ما بينها عضويّاً للمساهمة بمجموعها المركّب في جماليّة الجسم وسلامة نموّه، وتحتوي التربية الجسميّة على مجالين:
1- تربية الجسم بذاته كجسم، كما في التربية الغذائيّة أو التربية الرياضيّة.
2- تربية الجسم بلحاظ ما يتعلّق به، ولا يدخل في ذاته، كالثياب والطيب والزينة والأدهان...

فمن الأصول المهمّة في الرؤية التربويّة الإسلاميّة، ضرورة الاهتمام بالجسم وعنايته، وحسن رعايته وعدم إهماله."

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنّ لجسدك حقّاً"2.

وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم، يبدي تشدّداً خاصّاً تجاه أيّ حالة تظهر إهمالاً للبعد الجسمانيّ في حياة الإنسان - كما ستأتي بعض النماذج على ذلك -، كي لا يظهر الإسلام على أنّه دين بناء الفكر والروح فقط، بل هو دين الموازنة بين الجسم والروح، كمرتبتين للوجود الإنسانيّ الواحد.

ومن باب المثال، ورد في بعض الروايات أنّه عندما سمع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من بعض زوجات
 

1- الدرس الثالث، ص63.
2- مسند أبي يعلى الموصلى، ج13، ص216، ح7242.
 
 
 
411

342

الدرس السادس والعشرون: التربية التجمّليّة (1) المفهوم - المباني- الأصول

 المؤمنين، أنّ أزواجهنّ لا يأكلون اللحم ولا يشمّون الطيب ولا يقاربون النساء، ... خرج رسول الله يجرّ رداءه، حتّى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال: "ما بال أقوام من أصحابي لا يأكلون اللحم، ولا يشمّون الطيب، ولا يأتون النساء!! أما إنّي آكل اللحم، وأشمّ الطيب، وآتي النساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي"1.


وفي هذه الدروس سنسلّط الضوء على أربع ساحات من التربية الجسميّة، ونبدأ بالتربية التجمّليّة.

بين التربية التجمّليّة والتربية الجماليّة
هناك مصطلح كثير الاستخدام في العلوم التربويّة، وهو التربية الجماليّة، وكي لا يقع الخلط بين التربية التجمّليّة والتربية الجماليّة، نوضح الفرق بينهما بشكل مختصر.

تارة تطلق التربية الجماليّة ويراد بها جميع العمليّات التي تهدف إلى تنمية الحسّ الجماليّ عند الطفل في جميع المجالات، وبهذا المعنى العامّ تتداخل التربية الجماليّة مع ساحات تربويّة مضافة عديدة، مثل التربية الجسميّة بالمعنى الأعمّ، والتربية البيئيّة والتربية الأدبيّة والفنيّة... إلخ. ولا ريب في أنّ التربية الجماليّة بهذا المعنى الشامل تحاكي فطرة الطفل، لأنّ الطفل كائن جماليّ، أيّ يحبّ الجمال، وينجذب إليه مغناطيسيّاً بأصل الخلقة، لذا يقول أبو حامد الغزاليّ: "كل حسن وجمال فلا يخلو إدراكه عن لذّة، ولا أحد ينكر كون الجمال محبوباً بالطبع"2.

ومعنى الجمال، وإن كان واضحاً، لكن يظهر من تتبّع آراء الفلاسفة أنّ مرجع مفهوم الجمال إلى التناسق والتناسب بين الشيء وأجزائه، وبين الأجزاء بعضها مع البعض الآخر. وقد نُسب إلى أفلاطون قوله في تعريف الجمال بأنّه: "وجود التناسق والانسجام بين الأجزاء والكلّ". ونجد هذا المفهوم عند الغزاليّ3.
 
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج5، ص496.
2- الغزالي، إحياء علوم الدين، ج8، ص12..
3- المصدر نفسه.
 
 
 
412

343

الدرس السادس والعشرون: التربية التجمّليّة (1) المفهوم - المباني- الأصول

 وأخرى تطلق التربية الجماليّة، ويراد بها خصوص الطرائق والوسائل التي تعتمد لتنمية الحسّ الجماليّ لدى الطفل، من خلال العمل الفنّيّ1.


أما التربية التجمّليّة، فهي دائرة أخصّ داخلة ضمن دائرة التربية الجماليّة بالمعنى الأعمّ، ونقصد بها اهتمام المربّي بجمال ظاهر جسم الطفل ونظافته، وما يتعلّق بذلك من ثياب وزينة وطيب وأدهان...، وتعليم الطفل بناء علاقة مع جسمه من منظور جماليّ، وتعويده العناية بجميع ما تقدّم.

ونشير في بداية الدرس إلى بعض المباني التأسيسيّة التي تساهم في اتّضاح معالم التربية التجمّليّة، في ضوء فلسفة التربية الإسلاميّة.

أولاً: إنّ الله جميل يحبّ التجمّل:
ورد في أحاديث عديدة عن رسول الله وأئمّة أهل البيت صلوات الله عليهم قولهم: "إنّ الله جميل يحبّ الجمال"2. فمن صفات الله وخلقه3 تعالى أنه جميل، والتخلّق بأخلاق الله "هو التحقّق والاتّصاف بحقيقة ذلك الخلُق، لا العلم المفهوميّ بمعناه، كما يحصل بالرجوع إلى المعاجم"4. ولا ريب في أنّ تجمّل كلّ موجود بحسبه5، فتجمّل الإنسان لا يعني أن يكون باطنه جميلاً وحسب، بل أن يكون كذلك ظاهراً كما باطناً. وهذا ما نلمسه بوضوح في بعض الروايات التي تذكر بعض مصاديق التجمّل، منها:
- عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إنّ الله يحبّ الجمال والتجمّل، ويكره البؤس والتباؤس، فإنّ الله إذا أنعم على عبده بنعمة أحبّ أن يرى أثرها. قيل: وكيف ذلك؟ فقال عليه السلام: ينظّف ثوبه ويطيب ريحه..."6.
 
 

1- الشامي، صالح أحمد، التربية الجماليّة في الإسلام، المكتب الإسلاميّ، بيروت، الطبعة الأولى، 1408ه-1988م، ص19.
2- الشيخ الكليني، الكافي، ج6، ص442.
3- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ لله تسعة وتسعين خُلُقاً، من تخلّق بها دخل الجنّة". رواه عين القضاة الهمدانيّ، عبد الله بن محمّد الميانجي (ت 525 ه ) في كتابه التمهيدات، ص345.
4- محمد بن إبراهيم الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة، تصحيح وتعليق حسن حسن زاده آملي، ج1، ص30-31.
5- لدفع دخل مقدّر من أنّ الله تعالى ليس جسمانيّاً، فكيف يكون التجمّل الجسمانيّ تخلقاً بأخلاق الله تعالى؟!
6- الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص275.
 
 
 
413

344

الدرس السادس والعشرون: التربية التجمّليّة (1) المفهوم - المباني- الأصول

 - وعنه عليه السلام قال: "البس وتجمّل، فإنّ الله جميل يحبّ الجمال، وليكن من حلال"1.


وفي المقابل، إنّ الله تعالى يبغض القذارة والوساخة وعدم النظافة.

- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "بئس العبد القاذورة"2.

- وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "إنّ الله يبغض من عباده القاذورة"3.

ثانياً: نماذج اهتمام النبيّ بالتربية التجمّليّة:
أشرنا إلى اهتمامه صلى الله عليه وآله وسلم وتشدّده تجاه التربية الجسميّة عموماً، ومن ضمنها التجمّليّة، ونذكر بعض النماذج على ذلك4:
- عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: "أبصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلاً شعثاً شعر رأسه، وسخة ثيابه، سيّـئة حاله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من الدين المُتعة"5.

فاعتبر صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الاهتمام بالبعد الجسمانيّ متعة، والمتعة هي كلّ منفعة توجب الالتذاذ6. فالتلذّذ بالحياة جزء من الدين. وهذا خير ردّ على من يحاول إيجاد حالة من الثنائيّة بين الدين وحبّ الحياة، وتصوير الدين حجر عثرة في طريق لذّة الإنسان. بل الدين هو المنهاج الذي يجعل الإنسان يعيش فنّ متعة الحياة.

- وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "احتبس الوحي على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقيل له: احتبس عنك الوحي يا رسول الله؟!

فقال صلى الله عليه وآله وسلم: وكيف لا يحتبس عنّي الوحي، وأنتم لا تقلِّمون أظفاركم، ولا تنقّون رواجبكم7؟!"8.
 
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج 6،ص442.
2- المصدر نفسه، ح 6.
3- الشيخ الصدوق، الخصال،ص619.
4- يراجع حول تحليل هذه النماذج وغيرها: عجمي، سامر توفيق، حياتنا الجنسيّة كيف نعيشها؟ ص103، وجميع فصول الباب الخامس.
5- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص439.
6- الفروق اللغويّة، ص518.
7- رواجبكم: جمع راجبة، وهي ما بين عقد الأصابع من داخل، أي داخل الأظفار. وتقلّمون أظفاركم: تقليم الأظفار هو قصّ الأظفار.
8- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص492.
 
 
 
414

345

الدرس السادس والعشرون: التربية التجمّليّة (1) المفهوم - المباني- الأصول

 فانظر كيف أنّ الإسلام يبرز عناية خاصّة بالبعد الجسمانيّ، إلى درجة أنّ الوحي احتبس بسبب إهمال النظافة البدنيّة من قبل أبناء المجتمع الإسلاميّ. وهل بعد هذه العناية عناية؟!


ثالثاً: اشتراك التربية التجمّليّة بين الذكر والأنثى:
ممّا تقدّم، يظهر بوضوح أنّ الإسلام يعتبر التجمّل قيمة مشتركة بين الأنثى والذكر، وغير مختصّة بالأنثى. فما يبديه بعض الناس في مجتمعاتنا من غرابة من اهتمام الذكر بجماله الجسمانيّ، بل سخرية أحياناً، ونعته بصفات أنثويّة ويشبّهونه بالمرأة، هو دليل نقص في منسوب معدّلات الوعي عن المنهاج النبويّ في التربية التجمّليّة. لذا، على المربّي أن يهتمّ بالبعد الجماليّ للطفل كما الطفلة، وعلى المربّي الذكر أن يبدي اهتماماً بجماله، ولا يضعفنّ رأي أحد من الناس من عنايته هذه، لأنّ اهتمامه بجماله هو نوع من التربية التجمّليّة بالنموذج السلوكيّ للطفل، فيحاكيه في نمط حياته.

بين التجمّل والتأنّث
نعم، من شديد أسف، أنّ بعض الذكور، كما نشاهد في مجتمعاتنا المعاصرة، يشطح في التجمّل إلى درجة الإفراط، فيسلك سلوك المرأة، بحيث يصبح في ذلك مثله مثل الأنثى، وفي الحقيقة هذا ليس تجمّلا، بل تأنّث، فكما أنّ النظرة الأولى تخلط بين التجمّل والتأنّث في جانب التفريط، هذه النظرة تخلط بين التجمّل والتأنّث في جانب الإفراط. فالتجمل في الإسلام للذكر لا يعني التأنّث والتشبّـه بالنساء، بل يتجمّل بما يليق بحال الذكور من أساليب الجمال وأشكال الزينة وحسن المظهر. فعلى المربّي الحذر في التربية التجمّليّة للطفل الذكر بهذا الشأن.

عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام أنّه رأى رجلاً به تأنيث في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له: "اخرج من مسجد رسول الله يا من لعنه رسول الله".

ثم قال عليّ عليه السلام: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لعن الله المتشبّهين من الرجال بالنساء، والمتشبّهات من النساء بالرجال"1.
 
 

1- الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ص602. وانظر: علل الشرائع، ح65. الشيخ الكليني،الكافي، ج8، ص69. الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص118.
 
 
 
415

346

الدرس السادس والعشرون: التربية التجمّليّة (1) المفهوم - المباني- الأصول

 أصول التربية التجمّليّة في النصوص الدينيّة وأساليبها

العناية والاهتمام بنظافة الطفل بالماء:
ينبغي للمربّي الحفاظ على النظافة الجسميّة للطفل، فإنّ التنظّف من أخلاق الأنبياء، كما ورد في بعض الروايات.
عن الإمام الرضا عليه السلام قال: "من أخلاق الأنبياء التنظّف..."1.

وأهمّ أنواع التنظّف، هو غسل الجسم وأعضائه بالماء من الأوساخ والقاذورات.

عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "كفى بالماء طيباً"2.

عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام قال: "تَنَظَّفُوا بالماء من نَتْنِ الريحِ الذي يُتَأذّى به، تَعَهَّدُوا أنفُسَكم3، فإنّ الله عزّ وجلّ يبغض من عبده القاذورة4 الذي يَتَأَنّف به5 من جَلَسَ إليه"6.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "اتّخذوا الماء طيباً"7.

ومن ضمن الأمور المحبّبة غسل وجه الطفل بماء الورد.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنّ ماء الورد يزيد في ماء الوجه، وينفي الفقر"8.

وينبغي العناية بشكل متكرّر بنظافة الطفل، وعدم إهمالها بأيّ حال من الأحوال. فمثلاً، بعض الأمّهات قد تهمل نظافة طفلها بذريعة أنّها ستحمّمه بعد بضع ساعات.

كما ينبغي تعويده التنظّف والاعتناء بنظافته الشخصيّة. فمثلاً، بعض الأمّهات ترى الطفل ابن 5 سنوات يأكل بطريقة تتّسخ فيها يداه وثيابه، ومع ذلك تهمله بحجّة أنّه طفل صغير. لكنّ هذا خطأ تربويّ، وهكذا في سائر المصاديق والمواقف.
 
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج5، ص567.
2- الحميري القمي، قرب الاسناد، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - قم، 1413، ط1،ص67.
3- تعهّدوا أنفسكم: تعهّد النفس هو رعايتها والمحافظة عليها.
4- القاذورة: هنا بمعنى: الذي لا يهتمّ بنظافته.
5- يتأنّف به: أي يترفّع ويتنزّه عن مجالسته الناس، ويَشْكون من رائحته وعدم نظافته.
6- الشيخ الصدوق، الخصال، ص620.
7- المصدر نفسه.
8- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص44.
 
 
 
 
416

347

الدرس السادس والعشرون: التربية التجمّليّة (1) المفهوم - المباني- الأصول

 وتشمل النظافة نظافة الوجه واليدين وسائر أعضاء الجسد، والشعر والأظفار إلخ، فينبغي أن لا يُرى الطفل وسخاً بأيّ شكل من الأشكال، ويجب أن تبقى رائحة جسم الطفل طيّبة غير كريهة ولا منفّرة، إلّا إذا كان يلعب بألعاب تقتضي ذلك، كاللعب بالرمل والتراب، أو ما أشبه ذلك من حالات تقتضي اتّساخ البدن أو الثياب.


ينبغي أيضاً تعويد الطفل كيفيّة الطهارة من النجاسات الشرعيّة، إضافةً إلى النظافة من الأوساخ العرفية، كي يتعرّف الطفل إلى تلك النجاسات ويحسن إزالتها شرعاً، خصوصاً في سنّ التمييز، عندما يؤدّي العبادات كالصلاة.

العناية والاهتمام بلباس الطفل:
ينبغي للمربّي أن يلبس الطفل أحسن الثياب وأجملها، من حيث اللون والنوعيّة والشكل...
- عن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "فالبس وتجمّل، فإنّ الله جميل يحبّ الجمال، وليكن من حلال"1.
وعطفاً على ما تقدّم عن نظافة الطفل، ينبغي الاهتمام أيضاً بنظافة ثوبه وطيب رائحته.

- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من اتخذ ثوباً فليُنظِّفه"2.

- وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "غسل الثياب يذهب بالهمّ والحزن"3.

- وعن الإمام الصادق عليه السلام عندما سُئل: كيف التجمّل؟ قال: "ينظّف ثوبه"4.

وفي هذا السياق، ينبغي الالتفات إلى:
- تجنيب الطفل طريقة لباس الأعداء، وكذلك الأمر في باقي ما يشاكل الأعداء، من طريقة حلق الشعر أو غيرها، كي لا يقع في فخّ التغريب الثقافيّ، ويكون فريسة
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص442.
2- المصدر نفسه.
3- الشيخ الصدوق، الخصال، ص612.
4- الشيخ الطوسي، الأمالي، ص275.
 
 
 
417

348

الدرس السادس والعشرون: التربية التجمّليّة (1) المفهوم - المباني- الأصول

 سهلة للحرب الناعمة على القيم التجمّليّة الدينيّة.


عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "أوحى الله عزّ وجلّ إلى نبيّ من الأنبياء أن قل لقومك: لا تلبسوا لباس أعدائي، ولا تطعموا مطاعم أعدائي، ولا تشاكلوا بما شاكل أعدائي، فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي"1.

- تجنيب الطفل لبس الحرير الخالص، كي لا يأنس به ويعتاده، فيرتكب حين البلوغ ما هو محرّم.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا تلبس الحرير، فيحرق الله جلدك يوم تلقاه"2.

كما ينبغي الالتفات إلى ضرورة الاهتمام بتربية الطفلة المميّزة على أنّها قريباً ستدخل مرحلة التكليف، بحيث يصبح الستر واجباً عليها، فتتمرّن على أن يكون اللباس ساتراً. وعليها أن تعي أنّها عند البلوغ "لا يجوز لها لبس ما يكون من حيث لونه أو شكله أو كيفيّة لبسه، ممّا يجلب نظر الأجنبيّ، ويوجب الفتنة والفساد"3. وأن تعي أنّ "أحد أهمّ واجباتها هو الاحتفاظ بالحجاب الإسلاميّ وترويجه، والتحرّز من الملابس التي تُعدّ تقليداً للثقافة المعادية"4.

الاهتمام بزينة الطفل:
ينبغي أيضاً إبداء الاهتمام بزينة الطفل، خصوصاً الأنثى، فالطفلة كائن رقيق لطيف ينبغي أن يُنشّأ ويُربّى في مناخ الحلية والزينة، كما أشار تعالى إلى ذلك بقوله: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ...﴾5.

وقد أكّدت الروايات ضرورة اهتمام الأنثى بزينة نفسها. وعليه، ينبغي تربية الطفلة بنحو تكون فيه مستعدّة للاهتمام بزينة نفسها، لأنّ أنوثتها بزينتها.

عن أبي جعفر عليه السلام قال: "لا ينبغي لامرأةٍ أن تعطِّل نفسها من الحُليّ، ولو أن تعلّق
 
 

1- الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، ج6، ص172.
2- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص253.
3- الإمام الخامنئي، أجوبة الاستفتاءات، ج2، ص99.
4- المصدر نفسه، ص103.
5- سورة الزخرف، الآيتان 17-18.
 
 
 
 
418

349

الدرس السادس والعشرون: التربية التجمّليّة (1) المفهوم - المباني- الأصول

 في رقبتها قلادة"1.


والحُلِيّ (جمع) على ما ذكر علماء اللغة، هو كلّ حلْيَة حَلِيَت بها امرأة، أي لبستها، وهو اسم لكلّ ما يُتزيّن به من الذهب أو الفضّة2. وذكر القلادة والعنق من باب المصداق دون الحصر، وإلّا فإنّ الأسورة في المعصم والخاتم في الأصبع والخلخال في القدم والحلق في الأذنين، كلّها من مصاديق الزينة والتجمّل، ولا ينبغي تعطيل الطفلة عن التزيّن في هذه المواضع.

نعم، ينبغي الالتفات إلى تربية الطفلة المميّزة على التزيّن بنحو يجتمع مع القيم الدينيّة3، وتدخل مرحلة البلوغ وهي على وعي بمفهوم حرمة الزينة أمام الأجنبيّ، فتلبس أجمل الحليّ وتتزيّن أمام مثيلاتها من الإناث، أو محارمها فقط. فمن شديد أسف في مجتمعاتنا اليوم، انتشار التساهل والتهاون في مسألة زينة الفتاة حديثة العهد بالبلوغ، ومن أسباب ذلك عدم التعويد والتمرين قبل البلوغ.

فعلى الفتاة أن تعي أنّه ينبغي لها أن تستر زينتها عن الأجانب، فلا يجوز لها أن تكتحل، أو تضع أحمر الشفاه، أو تلبس الأسورة والقلادة، أو تضع طلاء الأظفار، بنحو تظهر به أمام الأجانب.

واتّضح ممّا تقدّم، أنّه ينبغي تجنيب الطفل الذكر لبس الذهب والتزيّن به، حتّى لا يعتاده، فيقع في الحرام عند البلوغ.

عن أبي جعفر عليه السلام: "أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال لعليّ عليه السلام:... لا تتختّم بالذهب، فإنّه زينتك في الآخرة"4.

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا تختموا بغير الفضّة"5.
 

1- المغربي، دعائم الإسلام، ج2، ص163.
2- الطريحي، مجمع البحرين، ج1، ص568.
3- ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ...﴾ إلخ الآية. سورة النور، الاية31.
4- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص253.
5- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص468.
 
 
 
419

350

الدرس السادس والعشرون: التربية التجمّليّة (1) المفهوم - المباني- الأصول

 المفاهيم الرئيسة


- من الأصول المهمّة في الرؤية التربويّة الإسلاميّة، ضرورة الاهتمام بالجسم وعنايته، وحسن رعايته وعدم إهماله. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنّ لجسدك حقّاً".
- تارة تطلق التربية الجماليّة، ويراد بها جميع العمليّات التي تهدف إلى تنمية الحسّ الجماليّ عند الطفل في جميع المجالات، وأخرى يراد بها الوسائل التي تُعتمد لتنمية الحسّ الجماليّ لدى الطفل، من خلال العمل الفّنّي. أمّا التربية التجمّليّة، فهي عبارة عن اهتمام المربّي بجمال ظاهر جسم الطفل ونظافته، وما يتعلّق به من ثياب وزينة وطيب وأدهان، وتعليمه النظر إلى جسمه من منظور جماليّ.
- ورد في أحاديث عديدة عن رسول الله وأئمّة أهل البيت صلوات الله عليهم قولهم: "إنّ الله يحبّ الجمال والتجمّل، ويكره البؤس والتباؤس". وقد كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يبدي اهتماماً خاصّاً بالبعد الجماليّ للجسم، إذ اعتبر أنّ المتعة والتلذّذ بجماليّة الجسم ونظافته، جزءً من الدين، وكان يظهر تشدّداً خاصّاً تجاه أيّ حالة تظهر إهمالاً للبعد الجسمانيّ في حياة الإنسان.
- على المربّي أن يهتمّ بالبعد الجماليّ للطفل كما الطفلة، بنحو لا يشطح في تجمّله نحو التشبّـه بالنساء، بل يتجمّل بما يليق بحال الذكور من أساليب الجمال وأشكال الزينة وحسن المظهر.
- ينبغي للمربّي الحفاظ على النظافة الجسميّة للطفل، فإنّ التنظّف من أخلاق الأنبياء، كما ورد في بعض الروايات. وأهمّ أنواع التنظّف هو غسل الجسم وأعضائه بالماء من الأوساخ والقاذورات.
- وينبغي العناية بشكل متكرّر بنظافة الطفل، وعدم إهمالها بأيّ حال من الأحوال. وينبغي تعويده التنظّف والاعتناء بنظافته الشخصيّة، وكيفيّة الطهارة من النجاسات الشرعيّة، إضافةً إلى النظافة من الأوساخ العرفيّة.
- ينبغي للمربّي أن يلبس الطفل أحسن الثياب وأجملها، من حيث اللون والنوعيّة والشكل... مع الالتفات إلى تجنيب الطفل طريقة لباس الأعداء، أو لبس الحرير الخالص، وضرورة الاهتمام بتربية الطفلة المميّزة على اللباس الساتر ومفهوم الستر.
- ينبغي الاهتمام بزينة الأنثى، فالطفلة كائن رقيق لطيف، ينبغي أن يُنشّأ ويُربّى في مناخ الحلية والزينة. كما ينبغي تربيتها بنحو تكون مستعدّة للاهتمام بزينة نفسها، لأنّ أنوثتها بزينتها، مع الالتفات إلى تربية الطفلة المميّزة على التزيّن بنحو يجتمع مع القيم الدينيّة. وينبغي أيضاً إبداء الاهتمام بزينة الطفل مع تجنيبه لبس الذهب.
 
 
 
 
 
 
 
420

351

الدرس السادس والعشرون: التربية التجمّليّة (1) المفهوم - المباني- الأصول

 أسئلة الدرس


- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنّ لجسدك حقّاً". ما الذي يمكن استفادته من هذا الحديث على مستوى التربية الجسميّة؟
- إلى أيّ حدٍّ كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، يبدي اهتماماً بالتربية الجسميّة والجماليّة؟ أعطِ بعض النماذج على ذلك.
- ما هي التربية الجماليّة؟ وما الفرق بينها وبين التربية التجمّليّة؟
- عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إنّ الله يحبّ الجمال والتجمّل، ويكره البؤس والتباؤس، فإنّ الله إذا أنعم على عبده بنعمة أحبّ أن يرى أثرها. قيل: وكيف ذلك؟ فقال عليه السلام: ينظّف ثوبه ويطيب ريحه..."، حلّل مضمون هذه الرواية، مستخرجاً منها بعض المباني الجماليّة.
- هل التربية التجمّليّة في الإسلام مختصّة بالأنثى؟ أم تشمل الذكر أيضاً؟ وما الفرق بين التربية التجمّليّة للأنثى وللذكر؟ وما الفرق بين التجمّل والتأنّث؟
- عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "البس وتجمّل، فإنّ الله جميل يحبّ الجمال، وليكن من حلال". ما هي أهمّيّة اللباس والزينة في التربية الجماليّة؟ وما هي شروطهما وضوابطهما؟
 
 
 
 
421

352

الدرس السابع والعشرون: التربية التجمّليّة (2) الأصول والأساليب

 الدرس السابع والعشرون

التربية التجمّليّة (2) الأصول والأساليب


أهداف الدرس:
على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يعدّد أصول التربية التجمّليّة وأساليبها.
2- يذكر فوارق التربية التجمّليّة بين الطفل والطفلة.
3- يستخرج خطوات التربية التجمّليّة من النصوص الدينيّة.
 
 
 
 
423

353

الدرس السابع والعشرون: التربية التجمّليّة (2) الأصول والأساليب

 تقدّم الحديث في الدرس السابق عن بعض أصول التربية التجمّليّة، ونتمّم الحديث عن بعضها الآخر في هذا الدرس.


الاهتمام بالعطر والطيب
ينبغي للمربي أيضاً الاهتمام بطيب رائحة جسم الطفل وثيابه كما أشرنا، من خلال استخدام العطور، فإنّ الطيب والعطر من أخلاق الأنبياء عليهم السلام وسننهم، وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ينفق في الطيب أكثر من الطعام.

- وعن الإمام الرضا عليه السلام قال: "الطيب من أخلاق الأنبياء عليهم السلام"1.

- وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ينفق في الطيب أكثر ممّا ينفق في الطعام"2.

وليس العطر في المناسبات وحسب، بل ينبغي أن يكون العطر حالة يوميّة، كي يعتادها الطفل عندما يصبح بالغاً راشداً. عن أبي الحسن عليه السلام قال: "لا ينبغي للرجل أن يدع الطيب في كلّ يوم"3.

ولا شكّ في أنّ الطيب والعطر غير مختصّين بالطفل، بل يشملان الطفلة أيضاً، ولكن كما تقدّم في اللباس والزينة، ينبغي إفهام الطفلة المميّزة أنّ الطيب والعطر، ينبغي أن لا يكونا بارزين أمام الأجانب.
 
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص510.
2- المصدر نفسه، ص512.
3- المصدر نفسه، ص510.
 
 
 
 
425

354

الدرس السابع والعشرون: التربية التجمّليّة (2) الأصول والأساليب

 عن أبي عبد الله عليه السلام، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه، وطيب الرجال ما خفي لونه وظهر ريحه"1.


وعلى الطفلة المميّزة أن تعي أن التعطّر خارج المنزل، للتنظّف وإزالة الروائح التي تحدث نتيجة التعرّق، أمر محبّب، لكن مع الحذر من أن يتحوّل إلى وسيلة شعوريّة أو لا شعوريّة، لاستمالة قلوب الذكور وإغوائهم.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أيّ امرأة تطيّبت ثمّ خرجت من بيتها، فهي تُلعن حتى ترجع إلى بيتها متى ما رجعت"2.

دهن جسم الطفل بالطيب والأدهان
وفي هذا السياق أيضاً، ينبغي اهتمام المربّي بدهن جسم الطفل بالطيب والكريمات والأدهان الخاصّة.
- عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "الدهن يلين البشرة، ويزيد في الدماغ قوّة، ويسهّل مجاري الماء، وهو يذهب بالقشف3، ويحسّن اللون"4.

- وعن أبي جعفر عليه السلام قال: "دهن الليل يجري في العروق، ويروي البشرة، ويبيّض الوجه"5.

نعم، ينبغي الالتفات إلى تجنّب دهن الطفل الذكر كلّ يوم، كي لا تصبح بشرته كبشرة الأنثى.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "لا يدهن الرجل كلّ يوم، يُرى الرجل شعثاً لا يُرى مُتزلِّقاً، كأنه امرأة"6.
 
 

1- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص44.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج5، ص518.
3- القشف: قذر الجلد ورثاثة الهيئة وسوء الحال.
4- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص519.
5- المصدر نفسه.
6- المصدر نفسه، ص520.
 
 
 
426

355

الدرس السابع والعشرون: التربية التجمّليّة (2) الأصول والأساليب

 وتَزَلَّق الإنسان إِذا تزيّن وتنعّم حتّى يكون للونه بَرِيقٌ وبَصِيص، والتزلُّق صبْغةُ البدن بالأَدهان ونحوها1.


الأصل في الإنسان الذكر أن يكون نظيفاً متجمّلاً، ولكن من دون التأنّث كما ذكرنا. فهذه الرواية ليست في مقام الحثّ على التشعّث، بل دفع الذكر عن أن يصبح سلوكه التجمّليّ مسلك المرأة، فهي من باب اختيار أهون الشرّين، لتقول إنّ التأنّث مرفوض للرجل، إلى درجة يكون فيها التشعّث أهون.

قال العلّامة المجلسيّ في الحديث المذكور: "المعنى: أنّه أن يُرى الرجل شعثاً مغبّراً خير من أن يُرى متزلّقاً، وليس المعنى أنّ كونه شعثاً مستحبّ"2.

وقد ذكرت الروايات أصناف الدهان المحبّبة من باب المصداق أيضاً.

- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنّه ليس شيء خيراً للجسد من دهن الزنبق"3.

- وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "نِعمَ الدهن دهن البان4، هو حرز، وهو ذكر، وأمان من كلّ بلاء، فادّهنوا به، فإنّ الأنبياء كانوا يستعملونه"5.

- وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "البنفسج سيّد أدهانكم"6.

غسل شعر الرأس وتمشيطه وحلقه
غسل شعر رأس الطفل:
شعر الرأس له أهمّيّة خاصّة في الحياة الجماليّة، وتتأكّد أهمّيّته كقيمة جماليّة بالنسبة إلى الأنثى، لأنّه أحد الجمالين.

عن النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إذا أراد أحدكم أن يتزوّج، فليسأل عن شعرها كما يسأل
 
 

1- ابن منظور، لسان العرب، ج6، مادة زلق.
2- المجلسيّ، محمّد باقر، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج22، ص428.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص523.
4- البان: نوع من الشجر طيّب الزهر، له حبّ حارّ يؤخذ منه الدهن، واحده بانة. وقد يُطلق البان على الدهن نفسه توسّعاً.
5- عبد الله وحسين بن سابور الزيات (ابني بسطام النيسابوري)، طب الأئمة عليهم السلام، انتشارات الشريف الرضي - قم، 1411 - 1370 ش، ط2،ص93.
6- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص521.
 
 
 
 
427

356

الدرس السابع والعشرون: التربية التجمّليّة (2) الأصول والأساليب

 عن وجهها، فإنّ الشعر أحد الجمالين"1.


لذا، ينبغي الاهتمام بنظافته وغسله، وتسريحه ودهنه، وتمشيطه وحلقه، وغيرها من الأمور التي تحافظ على جماله وزينته.

عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "غسل الرأس يذهب الدَّرَن2 وينقّي القَذَى3"4.

- وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "الشعر الحَسن من كسوة الله تعالى، فأكرموه"5.

وقد ورد عنهم عليهم السلام ذكر ما يصلح لغسل الرأس به، لإزالة القشرة والقمل والأقذاء، وهو من باب المصداق والفرد، فيمكن استعمال السوائل والمستحضرات التي تُستعمل في زماننا هذا.

عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "غسل الرأس بالخِطْمِيّ6 يذهب بالدرن وينقّي الأقذاء"7.

وفي رواية أخرى: "وينقّي الدوابّ8"9.

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "غسل الرأس بالخطميّ... وطهور للرأس من الحَزَاز10"11.

فعلى المربّي الاهتمام بنظافة رأس الطفل من الوسخ والقمل والقشرة وغيرها، ويقوم بكلّ الخطوات الوقائيّة التي من شأنها منع إصابة رأس الطفل بهذه الأمور. كأن يعوّده تجنّب وضع يديه إذا كانت متّسخة أو حال الأكل بها، على رأسه، أو حكّه بها... وعليه حلّ
 
 

1- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3،ص388.
2- الدرن: الوسخ.
3- القذى: جمعها: الأقذاء بمعنى مطلق الوسخ.
4- الشيخ الصدوق، الخصال، ص611.
5- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1،ص129.
6- الخِطْمِيّ أو الخَطمي: نوع من النبات يُغسل الرأس بورقه.
7- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص504. وفي ابن شعبة الحراني، تحف العقول ، ص101: "وينقّي الأقذار".
8- الدوابّ: كالقمل وغيره.
9- العلامة المجلسي، بحار الانوار، ج73، ص88.
10- الحزاز: واحده حزازة، ما يكون في الشعر مثل النخالة. أي القشرة.
11- الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال،ص19.
 
 
 
 
428

357

الدرس السابع والعشرون: التربية التجمّليّة (2) الأصول والأساليب

 إصابة الطفل بها، بالمسارعة إلى تنظيف رأس الطفل من هذه الدوابّ والأقذاء، واعتماد الأدوية والسوائل المناسبة.


تمشيط شعر رأس الطفل:
قد يكون الشعر نظيفاً وله رائحة كالفلّ والمسك والعنبر، ولكن في الوقت نفسه أشعث غير ممشّط ولا مسرّح، فيُذهب ذلك بجماله. لذلك يُعتبر تمشيط الشعر أمراً رئيسياً في التجمّل والتزيّن بأحسن الهيئة. وفي هذا العصر يوجد الكثير من التسريحات، وأصبح هناك أهل اختصاص في تسريح الشعر، وما يناسب الوجه والشخصيّة من التسريحة. فعلى المربّي أن يهتمّ بتمشيط شعر الطفل والطفلة، وتسريحه بأجمل أنواع التسريحات التي تناسبهما، من دون أن تصل إلى حدّ تتعارض مع قيمنا الدينيّة.

- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "تسريح الرأس يذهب بالوباء، ويجلب الرزق"1.

- وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "...إنّ المشط يجلب الرزق، ويحسّن الشعر، وينجز الحاجة... ويقطع البلغم"2.

حلق شعر رأس الطفل:
يعتقد بعض الناس أنّ النبيّ وأهل بيته صلوات الله عليهم كانوا يطوّلون شعورهم، وهذا اشتباه في أذهان الناس، فلا يُعقل أنّهم عليهم السلام ينهون عن خلق ويأتون مثله.

عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "استأصل شعرك، يقلّ درنه ودوابّه ووسخه"3.

وعن الإمام الكاظم عليه السلام قال: "إنّ شعر الرأس إذا طال، ضعف البصر، وذهب بضوء نوره. وطمّ4 الشعر يجلو البصر، ويزيد في ضوء نوره"5.

فهل يُعقل أنّهم عليهم السلام يأمرون باستئصال الشعر ويبيِّنون الآثار السلبيّة لإطالة الشعر،
 
 

1- الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، ص22.
2- الشيخ الصدوق، الخصال، ص268.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص484.
4- طمّ الشعر: جزّ الشعر أو قصّه.
5- ابن إدريس الحلي، مستطرفات السرائر، ص575.
 
 
 
 
429

 


358

الدرس السابع والعشرون: التربية التجمّليّة (2) الأصول والأساليب

 ثم يفعلون هم ذلك؟! فضلاً عن أنّ الروايات تفيد بأنّ الرسول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا طال شعره، فإنّه يطول إلى شحمة أذنه فقط.


عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "كان شعر رسول الله وفرة لم يبلغ الفرق"1.

يعني كان شعره صلى الله عليه وآله وسلم، يبلغ إلى شحمة الأذن، ولم يكن طويلاً حتى يمكن فرقه.

وعنه عليه السلام قال: "إنّ رسول الله كان إذا طال شعره كان إلى شحمة أذنه"2.

ويُفهم من الأخبار والروايات أنّه صلى الله عليه وآله وسلم لم يطل شعر رأسه قطّ، بل لم يفعل هذا غيره من الأنبياء عليهم السلام أيضاً.

عن الإمام الصادق عليه السلام: "ما كانت الأنبياء تمسك الشعر"3.

وعلى كلّ حال، فقد حثّ أهل البيت عليهم السلام على جزّ الشعر وحلقه، واعتبروا ذلك ممّا يزيد في جمال الإنسان.

عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "احلق، فإنّه يزيد في جمالك"4.

تكحيل العيون والرموش:
من زينة الفتاة أيضاً تعويدها تكحيل عيونها ورموشها.

- عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "عليكم بالكحل، فإنّه يطيب الفم"5.

- وعن الإمام الرضا عليه السلام قال: "عليك بالإثمد6، فإنّه يجلو البصر، وينبت الأشفار، ويطيب النكهة"7.
 
 

1- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه،ج1، ص129.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، باب اتخاذ الشعر والفرق، ح3. وقوله عليه السلام: "إذا" التي تفيد الشرطيّة، بأنّه لم يكن من عادته صلى الله عليه وآله وسلم أن يطيل شعره إلى شحمة أذنه، بل كان أقصر من ذلك، وإلّا فلا معنى لتعليق الإطالة للشعر على الشرط.
3- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص71.
4- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص124. نعم، يمكن استظهار أنّ المقصود بإمساك الشعر هو شعر البدن، لكنّ المفهوم واسع، فيشمل إمساك شعر الرأس وإرساله أيضاً.
5- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص47.
6- الإثمد: حجر يُتّخذ منه الكحل، وقيل: ضرب من الكحل، وقيل: هو الكحل نفسه. ابن منظور، لسان العرب، ج3، ص105، مادّة ثمد، وفي تاج العروس للزبيدي،ج 4،ص375، مادّة ثمد، الإثمد: بالكسر، حجر الكحل، وهو أسود إلى حمرة، ومعدنه بأصبهان وهو أجوده، وبالمغرب وهو أصلب.
7- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص46.
 
 
 
 
430

359

الدرس السابع والعشرون: التربية التجمّليّة (2) الأصول والأساليب

 كما نشير إلى أنّ الكحل والتكحّل غير مختصّ بالأنثى في منطق الروايات، بل ينبغي القيام بهذه الزينة مع الطفل الذكر، لأنّه من أخلاق النبوّة، ولكنّ كحل الطفل يكون في منبت الأشفار من داخل، لا في الرموش وحول العيون كما عند المرأة.


عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكتحل بالإثمد"1.

وعن الحسن بن الجهم قال: أراني أبو الحسن الرضا - عليه السلام - ميلاً من حديد ومكحلة من عظام، فقال عليه السلام: "هذا كان لأبي الحسن _ الكاظم _ فاكتحل به، فاكتحلت"2.

الاهتمام بالأظفار:
ينبغي الاهتمام بأظفار الطفل من خلال قصّها وتنظيف رواجبها... فإنّ تقليم الأظفار من السنّة، وفي تقليم الأظفار طهارة من الجمعة إلى الجمعة.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "من السنّة تقليم الأظفار"3.

عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قصّوا أظافيركم، فإنّه أزين لكم"4.

هذا بالنسبة إلى الذكر، أما الأنثى، فالأزين والأجمل لها أن تطوّل أظفارها مع الاهتمام والعناية بها.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للرجال: "قصّوا أظافيركم".

وقال للنساء: "اتركن من أظفاركنّ، فإنّه أزين لكنّ"5.

وفي رواية أخرى: "وقال للنساء: طوّلن أظافيركنّ، فإنّه أزين لكنّ"6.
 
 
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص493.
2- المصدر نفسه، ح2.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص490.
4- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج 1،ص413.
5- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص128.
6- المغربي، دعائم الإسلام، ج1، ص125.
 
 
 
431

360

الدرس السابع والعشرون: التربية التجمّليّة (2) الأصول والأساليب

 تقليم الأظفار بالأسنان من الوسواس:

وينبغي للمربّي مراقبة الطفل إذا كان يقلّم أظفاره بأسنانه، وتعويده تجنّب هذه العادة، فإنّ هذا الفعل من الوسواس، على ما ذكرت الروايات.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ثلاثة من الوسواس: أكل الطين، وتقليم الأظفار بالأسنان، وأكل اللحية"1.

وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن تقليم الأظفار بالأسنان2.

طلي أظافر الطفلة:
عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "... ولا يجوز - للمرأة - أن ترى أظافيرها بيضاء، ولو أن تمسحها بالحنّاء مسحاً"3.

الظفر يتجمّل من خلال تغيير لونه إلى لون أجمل، وفي هذا العصر يمكن تزيين أظفار الفتاة بطلاء الأظافر بالألوان المختلفة. نعم ينبغي إرشاد الطفلة المميّزة وتوجيهها إلى أنّها عندما تبلغ، ليس لها التزيّن به أمام الأجانب من الرجال. وعليها أيضاً أن تلتفت إلى أنّه حاجب للطهارة الحدثية في الوضوء أو الغسل.

تنظيف الأسنان:
تعطي الأسنان النظيفة جمالاً خاصّاً لمبسم الإنسان، وينعكس الاهتمام بها على صحّة الطفل. وينبغي عدم التهاون بنظافة أسنان الطفل بذريعة أنّه صغير، أو أنّ أسنانه ستتبدّل لاحقاً كما نسمع من البعض. مع أنّ الحفاظ على صحّة الأسنان اللبنية للطفل هو مفتاح صحة الأسنان الدائمة، لأنّها تحفظ مكانها، وإلّا فقد يؤدّي تسوّس أسنان الطفل إلى ظهور الأسنان الدائمة بشكل منحرف الزاوية، فيؤثّر في طريقة المضغ والنطق واستخدام اللسان عند الأطفال، بل في جمال الأسنان أيضاً. لذا، ينصح الأطبّاء وخبراء الصحّة بالعناية المبكرة بصحّة فم الطفل وتنظيف أسنانه من حين ظهور السنّ الأولى في الشهر السادس
 
 

1- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص372.
2- المصدر نفسه.
3- الشيخ الصدوق، الخصال، ص587.
 
 
 
 
432

361

الدرس السابع والعشرون: التربية التجمّليّة (2) الأصول والأساليب

 من العمر أو ما يقاربه، ويعتبرون أنّه يجب التحلّي بالحزم والصرامة في هذا الخصوص، ثمّ تعويد الطفل تنظيف أسنانه بنفسه في عمر 3 سنوات تقريباً1.


في هذا السياق، حثّت الروايات على الاستياك وتنظيف الأسنان، وبيّنت الآثار الجماليّة والصحّيّة لها.

- عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "في السواك اثنتا عشرة خصلة: هو من السنّة، ومطهرة للفم، ومجلاة للبصر، ويرضي الربّ، ويذهب بالبلغم، ويزيد في الحفظ، ويبيّض الأسنان، ويضاعف الحسنات، ويذهب بالحفر2، ويشدّ اللثة، ويشهّي الطعام، وتفرح به الملائكة"3.

- وعنه عليه السلام قال: "السواك من سنن المرسلين"4.

- وعنه عليه السلام قال: "من أخلاق الأنبياء السواك"5.

الفم طريق القرآن
وقد بيّنت بعض الروايات أنّ نظافة الأسنان والفم مهمّة في مقام العبادة أيضاً، وقد تقدّم في درس التربية العباديّة أهمّيّة تعليم الطفل قراءة القرآن، وتنظيف الفم والأسنان هو تنظيف لطريق القرآن، كما جاء في بعض الروايات.

- عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "نظّفوا طريق القرآن.

قيل: يا رسول الله: وما طريق القرآن؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: أفواهكم.
قيل: بماذا؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: بالسواك"6.
 
 

1- يراجع: http://arabia.babycenter.com/x3200086/
2- الحفر: داء في الأسنان.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص496.
4- المصدر نفسه،ص495.
5- المصدر نفسه.
6- البرقي، المحاسن،ص388.
 
 
 
 
433

362

الدرس السابع والعشرون: التربية التجمّليّة (2) الأصول والأساليب

 - وعن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام قال: "إنّ أفواهكم طرق القرآن، فطهّروها بالسواك"1.


وإذا نظرنا إلى هذا الأسلوب النبويّ في الحثّ على تنظيف الفم والأسنان، "نظّفوا طريق القرآن"، يمكننا الاستفادة منه في مخاطبة الطفل وتربيته مطلقاً، خصوصاً المميّز، فنحسن اختيار العبارات التي نحثّه فيها على القيام بسلوك مرغوب فيه كتنظيف الأسنان، فلا نخاطبه: ينبعث من فمك رائحة كريهة، نظّف أسنانك الوسخة... لأنّ هذه العبارات وأخواتها تجرح المشاعر وتؤذي الإحساس، وبالتالي تؤثّر سلباً في خطوط العلاقات والروابط الوجدانيّة بين الطرفين. بل قد يكون لها انعكاس سلبيّ على القيام بالفعل المرغوب فيه، فينفر الطفل منه.

ومن الأساليب المحفّزة أيضاً في هذا السياق، ما ورد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنّي أحبّ للرجل إذا قام بالليل أن يستاك، وأن يشمّ الطيب، فإنّ الملك يأتي الرجل إذا قام بالليل حتى يضع فاه على فيه، فما خرج من القرآن من شيء دخل جوف ذلك الملك"2.

التمضمض بالماء:
عن أبي عبد الله عليه السلام: "من استاك فليتمضمض"3.

من الأمور المرغوبة بعد تنظيف الأسنان هو التمضمض بالماء، أي تحريك الماء وإدارته في الفم، لأنّ ذلك آكد في تنظيف الأسنان والفم. ويمكن التمضمض أيضاً في هذا الزمان بالسوائل المخصّصة للتمضمض، والتي تزيد في نظافة الأسنان وإزالة الرائحة الكريهة من الفم.

تعويد الطفل الدعاء عند التجمّل
وفي الختام، نشير إلى نقطة مهمّة، وهي ضرورة تعويد الطفل الدعاء في جميع الحالات التجمّليّة، عند التنظّف ولبس ثيابه أو حذائه، وتمشيط شعره والنظر في المرآة، أو لبس
 
 

1- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ح112.
2- البرقي، المحاسن، ص388.
3- المصدر نفسه، ص563.
 
 
 
434

363

الدرس السابع والعشرون: التربية التجمّليّة (2) الأصول والأساليب

 الخاتم أو قصّ الأظفار... إلخ، وكلّ سلوك تجمّليّ له دعاء خاصّ به، يُراجع في الكتب المتخصّصة. مثلاً:

- عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "إذا نظرت في مرآة فكبّر ثلاثاً، وقل: اللهمّ كما حسّنت خَلقي فحسّن خُلقي"1.

- وعن الإمام الصادق عليه السلام، قال: "إذا أراد أحدكم الامتشاط، فليأخذ المشط بيده اليمنى... ويقول: اللهمّ حسّن شعري وبشري وطيّبهما، واصرف عنّي الوباء..."2.

- عن أبي الحسن موسى الكاظم عليه السلام أنّه قال: "قد ينبغي لأحدكم إذا لبس الثوب الجديد، أن يمرّ يده عليه ويقول: الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي، وأتجمّل به في الناس، وأتزيّن به بينهم"3.
 

1- ابن شعبة الحراني، تحف العقول ، ص11.
2- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص71.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص459.
 
 
 
435

364

الدرس السابع والعشرون: التربية التجمّليّة (2) الأصول والأساليب

 المفاهيم الرئيسة


- ينبغي للمربّي الاهتمام بطيب رائحة جسم الطفل والطفلة وثيابهما، من خلال استخدام العطور، فإنّ العطر من أخلاق الأنبياء. ولكن ينبغي تعليم الطفلة المميّزة أن الطيب والعطر ينبغي أن لا يكونا بارزين أمام الأجانب. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه".
- ينبغي اهتمام المربّي بدهن جسم الطفل بالكريمات والأدهان الخاصّة. عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الدهن يلين البشرة، ويزيد في الدماغ قوّة، ويسهّل مجاري الماء، وهو يذهب بالقشف، ويحسّن اللون". مع الالتفات إلى تجنّب دهن الطفل كلّ يوم، كي لا تصبح بشرته كبشرة الأنثى.
- إنّ شعر الرأس يعطي الجمال للإنسان، وخصوصاً للأنثى، لأنّه أحد الجمالين كما ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. لذا، ينبغي الاهتمام بجمال الشعر وغسله وتمشيطه ودهنه وحلقه وتسريحه... عن الإمام الصادق عليه السلام: "الشعر الحَسن من كسوة الله تعالى، فأكرموه".
- على المربّي الاهتمام بنظافة رأس الطفل من الوسخ والقمل والقشرة وغيرها، ويقوم بكلّ الخطوات الوقائيّة التي من شأنها منع إصابة رأس الطفل بهذه الأمور.
- على المربّي أن يهتمّ بتمشيط شعر الطفل والطفلة وتسريحه بأجمل أنواع التسريحات التي تناسبهما، من دون أن تصل إلى حدّ تتعارض مع قيمنا الدينيّة.
- يعتقد بعض الناس أن النبيّ وأهل بيته عليهم السلام كانوا يطوّلون شعورهم، وهذا غير صحيح. عن الصادق عليه السلام قال: "استأصل شعرك، يقلّ درنه ودوابّه ووسخه".
- من زينة الفتاة تعويدها تكحيل عيونها ورموشها. عن الإمام الرضا عليه السلام قال: "عليك بالإثمد، فإنّه يجلو البصر، وينبت الأشفار، ويطيّب النكهة".
- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للرجال: "قصّوا أظافيركم. وقال للنساء: اتركن من أظفاركنّ، فإنّه أزين لكنّ".
- ينبغي عدم التهاون بنظافة أسنان الطفل بذريعة أنّه صغير، أو أنّ أسنانه ستتبدّل لاحقاً، كما نسمع من البعض. وعمليّة تنظيف أسنان الطفل تبدأ من ظهور السنّ الأولى في الشهر السادس من العمر، أو ما يقاربه.
- ينبغي تعويد الطفل الدعاء في جميع الحالات التجمّليّة، عند التنظّف ولبس ثيابه أو حذائه، وتمشيط شعره والنظر في المرآة، أو لبس الخاتم أو قصّ الأظفار... إلخ، وكلّ سلوك تجمّليّ له دعاء خاصّ به، يُراجع في الكتب المتخصّصة.
 
 
 
 
436

365

الدرس السابع والعشرون: التربية التجمّليّة (2) الأصول والأساليب

 أسئلة الدرس


- ما أهمّيّة العطر والطيب في التربية التجمّليّة للطفل؟ وما الفرق بين تربية الطفل والطفلة على التعطّر والتطيّب؟ استشهد على ذلك من خلال النصوص الدينيّة.
- عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الدهن يلين البشرة، ويزيد في الدماغ قوّة، ويسهّل مجاري الماء، وهو يذهب بالقشف، ويحسّن اللون"، ماذا تستفيد من هذه الرواية؟
- هل كان النبيّ وأهل البيت يمسكون شعرهم أم يحلقونه؟ واذكر 7 خطوات لاهتمام المربّي بشعر الطفل، مستشهداً عليها بالنصوص الدينيّة.
- عن الصادق عليه السلام: "الكحل بالليل ينفع البدن، وهو في النهار زينة". هل الكحل مختصّ بالطفلة أم يشمل الطفل أيضاً؟ وما الفرق بينهما في التكحّل؟
- اذكر أهمّيّة الاهتمام بأظفار الطفل، وعدّد 4 خطوات لذلك، مستشهداً بالنصوص الدينيّة.
- هل هناك علاقة بين تنظيف أسنان الطفل والتربية التجمّليّة؟ ومن أيّ سنّ ينبغي البدء بتنظيف أسنان الطفل؟ ولماذا؟
- ما أهمّيّة التربية التجمّليّة بالدعاء؟ واذكر ثلاثة نماذج لأدعية السلوك التجمّليّ، غير ما ذُكر في الدرس.
 
 
 
 
437

366

الدرس الثامن والعشرون: التربية الصحّيّة والغذائيّة

 الدرس الثامن والعشرون

التربية الصحّيّة والغذائيّة


أهداف الدرس:
على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يُعرِّف التربية الصحّيّة والغذائيّة.
2- يعدّد أهداف التربية الصحّيّة والغذائيّة.
3- يذكر أهمّ أصول التربية الصحّيّة والغذائيّة وأساليبها.
4- يستخرج بعض الإجراءات الصحّيّة من النصوص الدينيّة.
5- يحدّد دور الآداب الإسلاميّة للطعام والشراب في التربية الصحّيّة.
 
 
 
 
439

367

الدرس الثامن والعشرون: التربية الصحّيّة والغذائيّة

 تمهيد

تحتل الصحّة الجسميّة منزلة مهمّة في حياة الإنسان، فهي النعمة الإلهيّة المجهولة التي لا يعرف قيمتها إلّا من فقدها عند المرض. وقد أكّدت النصوص الدينيّة أهمّيّة الصحّة الجسميّة، لأنّ الإسلام دين التوازن بين الجسم والروح، وإعطاء كلٍّ منهما حقّه.

عن أمير المؤمنين عليه السلام: "... ألا وإنّ من النعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحّة البدن..."1.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "النعيم في الدنيا: الأمن، وصحّة الجسم. وتمام النعمة في الآخرة دخول الجنّة"2.

ما هي الصحّة؟
الصحّة في اللغة مقابل المرض، قال ابن فارس: "الصحّة ذهاب السقم والبراءة من كلّ عيب"3.

ويلاحظ في شرح معنى الصحّة لغة، أنّها عُرّفت بطريقة سلبيّة فقط، وهي البراءة من المرض.

ويقول ابن فارس في تعريف المرض: "ما يخرج به الإنسان عن حدّ الصحّة في أيّ شيء كان"4.
 
 

1- نهج البلاغة، ج4، ص93، حكمة 387. وابن شعبة الحراني، تحف العقول ، ص203.
2- الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص408.
3- ابن زكريا، معجم مقاييس اللغة، ج3، ص281.
4- المصدر نفسه، ج5، ص311.
 
 
 
441

368

الدرس الثامن والعشرون: التربية الصحّيّة والغذائيّة

 والمرض اصطلاحاً: حدوث انحراف عن الحالة الطبيعيّة في جسم الإنسان، مصحوب بعلامات وأعراض خاصّة تميّزه.


أما الصحّة اصطلاحاً إضافةً إلى المعنى السالب، وهو الخلوّ من المرض، فتنطوي على معنى موجِب أيضاً، وهو جودة الحياة الجسميّة والتكامل الجسمانيّ والكفاية البدنيّة.

فقد عرّفتها منظّمة الصحّة العالميّة بأنّها "حالة من اكتمال السلامة بدنيّاً وعقليّاً واجتماعيّاً، لا مجرّد انعدام المرض أو العجز"1.

ومن خلال التعريفين - اللغويّ والاصطلاحيّ - يظهر أنّ الصحّة مفهوم عامّ يشمل الصحّة البدنيّة والعقليّة والنفسيّة... إلخ، ونقصر البحث في هذا الدرس على الصحّة البدنيّة.

ما هي التربية الصحّيّة؟
عُرِّفت التربية الصحّيّة2 بتعريفات متعدّدة ترجع إلى مضمون مشترك، فهي عبارة عن تعليم الأفراد كيفيّة حماية أنفسهم من الأمراض والمشاكل الصحّيّة، وتغيير أفكارهم وأحاسيسهم في ما يتعلّق بصحتهم، وتزويدهم بالمعلومات والخبرات اللازمة، وتعويدهم وتدريبهم على ترجمة الحقائق الصحّيّة إلى أنماط سلوكيّة سليمة لإحداث تأثير إيجابيّ في حياتهم الجسميّة.

ما هي أهداف التربية الصحّيّة؟
تهدف التربية الصحّيّة إلى تحقيق أغراض عديدة في حياة المتربّي، منها:
- المراقبة المستمرّة للصحّة الجسميّة للطفل ومتابعتها.
 
 

1- http://www.who.int/suggestions/faq/ar/
2- يراجع حول الدرس: سلامة، بهاء الدين إبراهيم، الصحّة الشخصيّة والتربية الصحّيّة، دار الفكر العربيّ، 2011م. ويراجع أيضاً للمؤلّف نفسه: الصحّة العامّة والتربية الصحّيّة، دار الفكر العربيّ، 2011م. ويراجع: عامر، محمد رشاد، علم الصحّة العامّة والتربية الصحّيّة، دار القلم، الكويت، 1974م. ويراجع: صبحي، عفاف حسين، التربية الغذائيّة والصحّيّة، مجموعة النيل والعربيّة، الطبعة الأولى، 2004م. ومطالقة، أحلام محمود، التربية الصحّيّة والغذائيّة في الإسلام، دار اليازوري العلميّة، 2012م. ومزاهرة، أيمن سليمان، التربية الصحّيّة للطفل، الأهليّة للنشر والتوزيع، 2006م. والطيبي، عبد المنان، التربية الصحّيّة للطفل، دار الجيل، الطبعة الأولى. والحريري، رافدة، التغذية والتربية الغذائيّة، دار اليازوري العلميّة، 2016م. والمدني، خالد بن علي، التغذية خلال مراحل الحياة، دار المدني، جدّة- المملكة العربيّة السعوديّة، الطبعة الثانية،1427ه.
 
 
 
442

369

الدرس الثامن والعشرون: التربية الصحّيّة والغذائيّة

 - وعي الطفل بضرورة العمل على تحسين أحواله الصحّيّة، وتزويده بأساليب ذلك.

- تبسيط المعلومات المتعلّقة بصحّة جسم الطفل وغذائه.
- تعريف الطفل بالمفاهيم الجديدة حول الصحّة والمرض.
- إكساب الطفل الاتّجاهات الإيجابيّة لتعديل عاداته وسلوكاته إلى السلوك الصحّيّ السليم.
- نشر طرائق الوقاية العامّة من الأمراض.
- الحفاظ على سلامة أجهزة جسم الطفل: (الجهاز الهضميّ، الجهاز التنفّسيّ، الجهاز البوليّ، الجهاز العصبيّ...).
- تحسين نوعيّة حياة الطفل.

ما هي التربية الغذائيّة وأهدافها؟
التربية الغذائيّة عبارة عن مدّ جسم الطفل بالغذاء الصحّيّ الذي يحتوي كلّ العناصر اللازمة لسدّ حاجاته المطلوبة بنحو متوازن، في ضوء مرحلته العمريّة وخصائصه النمائيّة، وجنسه ونشاطه البدنيّ وحالته الصحّيّة.

ومقابلها سوء تغذية الطفل، وحرمانه من بعض العناصر الغذائيّة الذي يؤدّي إلى إصابة جسمه بأمراض خطيرة تختلف حسب طبيعة الأغذية الناقصة في الوجبات الغذائيّة. فمثلاً، فقر الدم ينتج من قلّة تناول الطفل للأغذية الغنيّة بعنصر الحديد، مثل الكبد والحبوب والخضراوات الورقية، وهكذا. ويطلق اصطلاحاً على هذه الأمراض اسم: الفاقة الغذائيّة، وهي مرض ناتج من نقص أو غياب نوع من أنواع الأغذية البسيطة. ويمكن تجنّبها بتوفير أغذية متنوّعة ومتوازنة تسدّ حاجات الجسم المطلوبة، من الفيتامينات والحديد والفسفور والكالسيوم والسكّريّات والدهنيّات والبروتينات...

فالتربية الغذائيّة تهدف إلى تحقيق الأغراض التالية:
- بناء جسم الطفل ونموّه بشكل سليم.
- ترميم ما يتلف من أنسجة الجسم وخلاياه وتعويضه.
 
 
 
443

370

الدرس الثامن والعشرون: التربية الصحّيّة والغذائيّة

 - إمداد الجسم بالطاقة التي تمكّن الطفل من القيام بالأنشطة والحركات اللازمة.

- وقاية الجسم وحمايته من الأمراض، خصوصاً التي قد تحدث بسبب سوء التغذية.

ضرورة حضور مبدأ التوحيد الأفعاليّ في التربية الصحّيّة
من القواعد العقائديّة الرئيسة في التوحيد، هي أنّه لا فاعل حقيقةً في الوجود إلّا الله تعالى، ومن أسمائه الفعليّة المعافي والشافي. ورد في بعض الأدعية: "يا شافي يا معافي"1... وعليه، لا فاعل للعافية والشفاء حقيقة إلّا الله، ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾2.

ويقتضي التلبّس بالتوحيد، أن تتوجّه نفس المربّي إلى الله أولاً وبالذات، فيستحضره تعالى في التربية الصحّيّة والغذائيّة للطفل. وهذه الروحيّة الإيمانيّة لا تلغي التمسّك بالأسباب التي جعلها الله تعالى وسائط بين اسمه المعافي والشافي وبين عافية وصحّة الجسم..

النصوص الدينيّة الدالّة على هذه الحقيقة:
- عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنّ نبيّاً من الأنبياء عليهم السلام مرض، فقال: لا أتداوى حتّى يكون الذي أمرضني هو الذي يشفيني، فأوحى الله تعالى إليه: لا أشفيك حتّى تتداوى، فإنّ الشفاء منّي والدواء منّي، فجعل يتداوى فأوتي الشفاء"3.

- وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "أنزل الله الداء، وأنزل الشفاء، وما خلق الله داءً لم يجعل له دواءً"4.

وقد جاء في روايات عديدة وصفات طبّيّة عن الأئمّة عليهم السلام للمداواة من الأمراض5، وهذا دليل على أهمّيّة تناول الدواء، وأنّه لا يتنافى مع التوحيد الأفعاليّ. وهذه الوصفات من الأئمّة عليهم السلام ليست اعتباريّة، بل إخبار يكشف عن حقائق تكوينيّة وخصائص قائمة
 
 

1- الطوسيّ، مصباح المتهجد، ص810.
2- سورة الشعراء، الآية 80.
3- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص362.
4- طبّ الأئمّة، ص63.
5- يراجع مثلاً: طبّ الأئمّة، ص89.
 
 
 
444

371

الدرس الثامن والعشرون: التربية الصحّيّة والغذائيّة

 في عالم الطبيعة بين شيئين يكون أحدهما سبباً لتوليد الآخر. فالدواء (أ) سبب معدّ للشفاء من مرض (ب)، وما كان عطاء الله تعالى محظوراً على كلّ من اكتشف تلك السنن الطبيعيّة، حتى لو كان من أهل الكفر والإلحاد.


كما أكّدت الروايات ضرورة الحمية والوقاية، من العالم عليه السلام: "الحمية رأس الدواء"1.

- وقد صرّح القرآن الكريم بأنّ العسل فيه الدواء والشفاء للناس أيضاً2. وهكذا، فقد وردت في روايات عديدة بعض الخصائص الوقائيّة والشفائيّة للأطعمة والأشربة، من الخُضر والفواكه واللحوم والألبان و...

- وقال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا﴾3. وقد يقال إنّ الشفاء بالقرآن هو من الأمراض العقائديّة والأخلاقيّة، ولا علاقة لذلك بالأمراض البدنيّة، إلّا أنّ الروايات بيّنت مصاديق كثيرة للشفاء البدنيّ بالقرآن. مثلاً: عن أبي عبد الله، عن آبائهعليهم السلام، قال: "شكا رجل إلى النبيّ وجعاً في صدره. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: استشفِ بالقرآن..."4.

وعن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: "إذا اشتكى أحدكم عينه، فليقرأ آية الكرسيّ، وليضمر في نفسه أنّها تبرأ، فإنّه يعافى إن شاء الله"5.

- وفي الصدقة، عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: "إنّ رجلاً شكا إليه أنّني في عشرة نفر من العيال كلّهم مرضى، فقال له الإمام موسى عليه السلام: داووهم بالصدقة، فليس شيء أسرع إجابة من الصدقة، ولا أجدى منفعة على المريض من الصدقة"6.

- والدعاء وسيلة للشفاء. مثلاً: عن علاء بن كامل قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام:
 
 

1- الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص362.
2- سورة النحل، الآية 69.
3- سورة الإسراء، الآية 82.
4- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص600.
5- ابن شعبة الحراني، تحف العقول ، ص106.
6- طب الأئمة، ص123.
 
 
 
 
445

372

الدرس الثامن والعشرون: التربية الصحّيّة والغذائيّة

 "عليك بالدعاء، فإنّه شفاء من كلّ داء"1. وكذلك الرقى والأحراز والتعويذات المقروءة والمكتوبة هي من سنخ الدعاء.


والدعاء منه خاصّ بكلّ مرض، ومنه عامّ، كما رُوي عن الإمام الرضا عليه السلام: "قل على جميع العلل: يا منزل الشفاء، ومذهب الداء، أنزل على وجعي الشفاء. فإنّك تُعافى بإذن الله تعالى"2.

- وفي طين قبر الحسين، عن أبي الحسن عليه السلام: "... طين قبر الحسين عليه السلام، فإنّ فيه شفاءً من كلّ داء"3.

إجراءات التربية الصحّيّة وأساليبها
لا ريب في وجود إجراءات كثيرة جداً في مجال التربية الصحّيّة توصل إلى الأهداف المذكورة، نكتفي بذكر بعضها، مثل:
- بذل المربّي جهداً خاصّاً لتأهيل نفسه وتثقيفها، من أجل الإحاطة ببعض القواعد الصحّيّة والغذائيّة الضروريّة في المنزل، وذلك من خلال: المشاركة في دورة إسعافات أوّليّة، الحضور في البرامج والورش والندوات الصحّيّة، مطالعة كتب التربية الصحّيّة والغذائيّة، دخول المواقع الإلكترونيّة المتخصّصة والموثوق بها، الاستشارة المتكرّرة لأهل الاختصاص وخبراء التغذية...

- التزام المربّي بالعادات والسلوكات الصحّيّة والغذائيّة السليمة، وتجنّبه السيّئة منها، لغرس الثقافة الصحّيّة والغذائيّة في نفس الطفل بطريقة المحاكاة والنمذجة السلوكيّة، فلا يُعقل أن يكون المربّي مدخّناً ويريد أن يمنع طفله عن تجربة التدخين مثلاً، أو يمتنع المربّي عن أنواع من الأطعمة والأشربة، ويريد من الطفل تناولها...

- اتّخاذ طبيب خاصّ للطفل وعرضه عليه بشكل دوريّ، وحفظ رقم هاتفه الشخصيّ، وكذلك حفظ أرقام المنظّمات الخاصّة، كالهيئة الصحّيّة الإسلاميّة أو الدفاع المدنيّ
 
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص470.
2- طب الأئمة، ص37.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص266.
 
 
 
446

373

الدرس الثامن والعشرون: التربية الصحّيّة والغذائيّة

 أو الصليب الأحمر... لأيّ طارئ. والمراقبة الدائمة لمراحل نموّ الطفل ومعدّلاتها الطبيعيّة، من حيث الطول والوزن...إلخ، ومراجعة الطبيب وسؤاله عن أيّ حالة انحراف في صحّة الطفل، وعدم التعامل معها باستخفاف أو إهمال، أو العمل على ضوء الوصفات (الطبّيّة؟!) الشعبيّة والشفهيّة من هنا وهناك، لأنّ صحّة الطفل ليست رخيصة، إذ إنّ أيّ إجراء قد يؤدّي إلى نتائج لا يمكن معالجتها.


- التنسيق مع الطبيب المختصّ بالطفل - إجراء الكشوفات الطبّيّة اللازمة بشكل دوريّ للاطمئنان إلى صحّة الطفل، والكشف المبكر عن الأمراض والمشكلات البدنيّة، كضعف البصر أو السمع أو تسوّس الأسنان...

- الاحتفاظ بسجلّ صحّيّ للطفل، والاهتمام بالبطاقة الصحّيّة له، وتدوين كلّ الملاحظات عليها.

- المتابعة الدقيقة للّقاحات المطلوبة للطفل، بحسب مراحله العمريّة.

- رصد السلوكات والعادات السيّئة ومراقبتها والعمل على تعديلها، مثل عادة أكل الأظفار بالأسنان مثلاً. عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "نهى – رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - عن تقليم الأظفار بالأسنان"1.

- الحذر من استعمال الدواء من دون وصفة طبّيّة من الطبيب المختصّ. واجتناب الدواء إلّا في حالة تستلزمه.

عن أبي الحسن عليه السلام: "ليس من دواء إلا ويهيّج داءً، وليس شيء في البدن أنفع من إمساك البدن إلّا عمّا يحتاج إليه"2.

- ضرورة وجود حقيبة إسعافات أوّليّة في المنزل، تحتوي على الأدوية الضروريّة والمطهّرات، وميزان الحرارة والشاش المعقّم...

- استثمار حبّ الطفل للحركة واللعب لإكسابه الثقافة الصحّيّة والغذائيّة بطريقة سهلة وبسيطة.
 
 

1- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص3.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج8، ص273.
 
 
 
447

374

الدرس الثامن والعشرون: التربية الصحّيّة والغذائيّة

 - اتّباع الإجراءات الصحّيّة الوقائيّة المختلفة، في حال ظهور مرض معدٍ عند الطفل، كالزكام أو غيره.


- الاهتمام بالنظافة الجسميّة للطفل، وتطهير أغراضه وألعابه وملابسه وتعقيمها...، للقضاء على الجراثيم والميكروبات. عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اغسلوا صبيانكم من الغَمَر2، فإنّ الشيطان يشمّ الغمر، فيفزع الصبيّ في رقاده، ويتأذّى به الكاتبان"1.

- تحفيز الطفل على الاهتمام بنظافته الشخصيّة، كغسل يديه قبل الطعام وبعده، وبعد الخروج من قضاء حاجته، والاهتمام بنظافة أعضائه الجنسيّة... وتجنّب مبيته على قذارة.

- تجنّب الإفراط في النظافة والوسوسة، لأنّها قد تؤدّي إلى ضعف جهاز مناعة الطفل.

- تجنيب الطفل ملاعبة الحيوانات قبل الاطمئنان إلى سلامتها، والرعاية الصحّيّة للحيوانات والطيور الموجودة في المنزل، لأنّها تعتبر مصادر لعدوى بعض الأمراض.

- تجنيب الطفل ظاهرة التدخين السلبيّ.

- الحفاظ على درجة حرارة معتدلة في المنزل، من حيث التبريد والتدفئة المناسبان.

- ضرورة تعريض جسم الطفل لأشعّة الشمس المفيدة، خصوصاً طفل المدينة الذي تحجب الشمس عنه الأبنية والعمارات.

- تعويد الطفل قضاء حاجته كلّما شعر بذلك، وأن يقضي حاجته قبل النوم كلّ ليلة.

- تنظيم أوقات الوجبات الغذائيّة للطفل، بنحو لا تؤثر أنشطته الأخرى في الفترة المحدّدة لتناول الطعام. فلا ينبغي تأجيل وجبة الطعام بذريعة الدرس، ولا بسبب اللعب. وفي السياق ذاته، ينبغي التشدّد في تناول وجبة الإفطار، وعدم ترك الطفل ينام من دون طعام في الليل.
 

1- الغمر: الظاهر أن المقصود به ريح اللحم والدسم. وهو من باب المصداق، والمقصود مطلق الروائح الكريهة والقاذورات والأوساخ.
2- الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج2، ص74.
 
 
448

375

الدرس الثامن والعشرون: التربية الصحّيّة والغذائيّة

 - إتاحة الوقت الكافي لتناول الطعام من دون الإلحاح عليه بإنهاء وجبته سريعاً لأجل أن يقوم بأمور أخرى.


- تحضير الأجواء للإقبال على تناول الطعام برغبة وشهيّة، وتجنيب الطفل أيّ انفعال سلبيّ أو توتّر قبل الطعام.

- تجنّب حرمان الطفل من وجباته الغذائيّة، كوسيلة لمعاقبته أو التخلّص من بعض عاداته السيّئة.

- التنبّه إلى الأطعمة التي تؤدّي إلى زيادة الوزن والإفراط في السمنة، ووضع حمية غذائيّة مناسبة للتخلّص من الوزن الزائد.

- تجنيب الطفل أطعمة المطاعم والباعة الجوّالين، والمشروبات الغازيّة، والمعلّبات، والشيبسي...، وعند الضرورة يُقتصر على حدّ الاعتدال.

- الانتباه إلى نظافة الأواني والأدوات وتعقيمها.

- غسل الخضر والفواكه جيداً... قبل وأثناء تحضيرها. وكذلك الانتباه إلى طريقة تقديم الوجبات وتناولها، كتجنّب إطعام الطفل الطعام إلّا بعد طهيه جيّداً، خصوصاً اللحوم والأسماك.

- تخزين الطعام بطريقة فنّيّة وعلميّة لا تؤثر في فساده، والحذر من تناول الأطعمة الفاسدة في الثلّاجة أو غيرها.

- التدقيق في تاريخ صلاحيّة الأغذية عند شرائها.

- تهيئة المياه الصالحة للشرب والطبخ، سواء الجاهزة أو من خلال تحضيرها المنزليّ.

التربية الصحّيّة والغذائيّة في النصوص الدينيّة
عند استقراء النصوص الدينيّة، نجد نماذج كثيرة جدّاً تحتوي على التوجيهات الصحّيّة، تقدّم بعضها، ونكتفي بذكر نموذجين منها:
الحفاظ على بيئة منزليّة صحّيّة: "نظّفوا بيوتكم":
أكّدت الروايات أهمّيّة الحفاظ على بيئة منزليّة صحّيّة ونظيفة بشكل عامّ، وقد ذكرت
 
 
 
 
449

376

الدرس الثامن والعشرون: التربية الصحّيّة والغذائيّة

 بعض النماذج على ذلك، مثل: كنس البيت وفنائه وتنظيفهما من القاذورات والأوساخ، حتى التراب وبيت العنكبوت، تجنّب تبييت القمامة داخل المنزل، دفن الشعر والظفر وغيرهما من الأشياء التي ينظّفها الإنسان عادة، غسل الأواني... إلخ.


- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تبيّتوا القمامة في بيوتكم، وأخرجوها نهاراً، فإنّها مقعد الشيطان. وقال: لا يبيتنّ أحدكم ويده غمرة، فإن فعله فأصابه لمم الشيطان فلا يلومنّ إلّا نفسه"1.

- عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: "كنس البيت ينفي الفقر"2.

- وعن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "غسل الإناء وكسح الفناء مجلبة للرزق"3.

- عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "لا تؤووا التراب خلف الباب، فإنّه مأوى الشياطين"4.

- وعن الإمام عليّ عليه السلام أنّه قال: "نظّفوا بيوتكم من حوك العنكبوت، فإنّ تركه في البيت يورث الفقر"5.

- وعن الإمام عليّ عليه السلام قال: "أمرنا رسول الله بدفن أربعة: الشعر، والسنّ، والظفر، والدم"6.

آداب الطعام والشراب في النصوص الدينيّة7:
عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال لابنه الحسن عليه السلام: "يا بنيّ، ألّا أعلّمك أربع خصال تستغني بها عن الطبّ؟ فقال: بلى يا أمير المؤمنين. قال: لا تجلس على الطعام إلّا وأنت جائع، ولا تقم عن الطعام إلا وأنت تشتهيه، وجوّد المضغ، وإذا نمت فاعرض نفسك على الخلاء. فإذا استعملت هذا استغنيت عن الطبّ".8
 
 

1- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص5.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص532.
3- الشيخ الصدوق، الخصال، ص54.
4- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص531.
5- الحميري، قرب الأسناد، ص52. والرواندي، سلوة الحزين (المعروف بالدعوات)، ص116.
6- الشيخ الصدوق، الخصال، ص251.
7- الآداب المذكورة مستخرجة من النصوص مباشرة، وأعرضنا عن ذكر النصوص حذراً من الإطالة.
8- الشيخ الصدوق، الخصال، ص229.
 
 
 
450

377

الدرس الثامن والعشرون: التربية الصحّيّة والغذائيّة

 أ- آداب ما قبل الطعام:

1- أن يكون الطعام حلالاً، وتجنّب المأكولات المحرّمة، كالنجاسات والميتة: (المرتديلا واللحوم غير المذبوحة على الطريقة الشرعيّة)...
2- أن يكون الطعام أو الإناء الذي يوضع فيه طاهراً نظيفاً.
3- أن لا يقدم على تناول طعام إلّا عن جوع.
4- تجنّب التبذير في أصل تحضير الطعام، والتحضير بقدر الكفاية والحاجة دون الزائد.
5- أن لا يخرج الطفل من بيته حتّى يأكل، فإنّه أعزّ له.
6- الوضوء وغسل اليدين قبل الطعام.
7- خلع النعال عند الطعام.

ب- آداب أثناء الطعام:
1- البدء بالبسملة وذكر الله والدعاء بالمأثور.
2- أن لا يأكل متّكئاً، ولا منبطحاً على بطنه.
3- أن لا يردّ طعاماً يُقدّم إليه، وعدم بغض أيّ نوع من أنواع الطعام.
4- أن لا ينفخ في الطعام أو الشراب، خصوصاً مع وجود أحد يعاف الطعام ويمتنع عنه بسبب ذلك.
5- أن يصغّر اللقمة.
6- أن يمضغ الطعام بشكل جيّد.
7- تحديد كمّيّات الطعام والشراب المطلوب تناولها بمعدّل القصد وعدم الإسراف، لحفظ توازن الجسم واعتداله، وبالتالي: أن لا يأكل حتّى التخمة.
عن أبي عبد الله عليه السلام: "ليس لابن آدم بدّ من أكلة يقيم بها صلبه، فإذا أكل أحدكم طعاماً فليجعل ثلث بطنه للطعام، وثلث بطنه للشراب، وثلث بطنه للنفس، ولا تسمّنوا تسمّن الخنازير للذبح"1.
 
 

1- الشيخ الكليني، الكافي، ج 6، ص270.
 
 
 
451

378

الدرس الثامن والعشرون: التربية الصحّيّة والغذائيّة

 8- أن لا يدع العشاء ولو بكعكة.

9- أن يأكل كلّ ما يسقط من المائدة ولو كان مثل السمسمة، فإنّه شفاء من كلّ داء بإذن الله لمن أراد أن يستشفي به.

ج- آداب ما بعد الطعام:
1- أن يحمد الله في آخر الطعام.
2- أن يمسح على بطنه ويقول: "اللهمّ هنّئنيه، اللهمّ سوّغنيه، اللهمّ أمرئنيه". وهذا صالح لمن يشكو ألماً في معدته.
3- اختتام الطعام وافتتاحه بالملح، يدفع عنه سبعين داءً.
4- أن لا يمسح يده بالمنديل وفيها شيء من الطعام.
5- أن يغسل يديه، وبعد الغسل يمسح بهما وجهه ويقول: "الحمد لله الذي هدانا وأطعمنا وسقانا، وكلّ بلاء صالح أولانا".
6- أن ينظّف أسنانه، ونؤكّد ضرورة الاهتمام بنظافة أسنان الطفل، وتعويده ذلك.

د- آداب الشراب:
1- البدء بالبسملة، والدعاء بالمأثور.
2- البكاء عند شرب الماء، وتذكّر الحسين ولعن قاتله.
3- شرب الماء قياماً في النهار وجلوساً في الليل، فإنّه أقوى وأصحّ للبدن.
4- أن لا يشرب بالنفَس الواحد، بل بثلاثة أنفاس.

تعليم الطفل تكرار بعض العبارات السلوكيّة:
وفي الختام، نشير إلى أنّ جميع ما تقدّم ذكره من الإجراءات والأساليب، يمكن تحويله بشكل عبارات سلوكيّة، وتعويد الطفل تكرارها كي تستقرّ في ثقافته ووعيه وأنماطه السلوكيّة الصحّيّة، مثل:
- أحبّ غسل يديّ قبل الطعام.
- أحبّ تناول طعام الإفطار في الصباح الباكر.
 
 
 
 
 
452

379

الدرس الثامن والعشرون: التربية الصحّيّة والغذائيّة

 - أحبّ أن أنظّف أسناني بعد الطعام.

- أحبّ شرب اللبن.
- أحبّ غسل الفواكه والخضر قبل تناولها.
- أفضّل تجنّب شرب المشروبات الغازيّة.
- أفضّل تجنّب الطعام المعدّ في المطاعم خارج المنزل.
- أفضّل أن لا ألعب أثناء تناولي للطعام.
- أحبّ أن أبدأ بذكر اسم الله تعالى على الطعام.
- أحبّ أن أمضغ الطعام جيّداً قبل بلعه.
 
 
 
 
453

380

الدرس الثامن والعشرون: التربية الصحّيّة والغذائيّة

 المفاهيم الرئيسة


- عُرّفت الصحّة لغة بمعنى سالب يدلّ على البراءة من المرض، لكنّها اصطلاحاً تنطوي على معنى موجِب، وهو جودة الحياة الجسميّة والكفاية البدنيّة. وتهدف التربية الصحّيّة إلى: المراقبة المستمرّة للصحّة الجسميّة للطفل، وتحفيزه على تحسين أحواله الصحّيّة، وتزويده بأساليب الحفاظ على صحّته، وتعريفه بالمفاهيم الجديدة حول الصحّة والمرض، وإكسابه الاتّجاهات الإيجابيّة لتعديل عاداته إلى السلوك الصحّيّ السليم.
- التربية الغذائيّة عبارة عن مدّ جسم الطفل بالغذاء الصحّيّ اللازم الذي يسدّ حاجاته المطلوبة لنموّ جسمه وترميم ما يتلف من أنسجته، ومدّه بالطاقة ووقايته من الأمراض.
- المربّي الموحّد هو الذي يعتقد أنّه لا شافي ولا معافي إلّا الله تعالى، فتتوجّه نفسه في التربية الصحّيّة والغذائيّة إليه عزّ وجلّ. وهذه الروحيّة الإيمانيّة لا تلغي التمسّك بالأسباب التي جعلها الله تعالى وسائط بين اسمه المعافي والشافي وبين عافية الجسم وصحّته. وقد صرّحت النصوص الدينيّة بوسائط الشفاء، وهي: الطبيب، الدواء، الغذاء، القرآن، الصدقة، الدعاء، طين قبر الحسين.
- يجب على المربّي تأهيل نفسه ببعض القواعد الصحّيّة الضروريّة في المنزل، كأن يشارك في دورة إسعافات أوّليّة...، وعليه أن يلتزم بالسلوكات الصحّيّة السليمة ويتجنّب السيّئة، كي يقلّده الطفل في الأولى، ولا يحاكيه في الثانية.
- ينبغي اتّخاذ طبيب خاصّ للطفل، ومراجعته عند أيّ حالة انحراف، والحذر من استعمال الدواء من دون وصفة طبّيّة، وإجراء الكشوفات الطبّيّة اللازمة، والاحتفاظ بسجلّ صحّيّ للطفل، والمتابعة الدقيقة للّقاحات المطلوبة.
- يجب الاهتمام بالنظافة الجسميّة للطفل وأغراضه وملابسه...، وتجنّب الوسوسة في النظافة، لأنّها قد تؤدّي إلى ضعف جهاز مناعة الطفل، وتجنيبه ملاعبة الحيوانات قبل الاطمئنان إلى سلامتها، وتجنيبه ظاهرة التدخين السلبيّ.
- ينبغي تنظيم أوقات الوجبات الغذائيّة للطفل، والتشدّد في تناوله وجبة الإفطار والعشاء، وإتاحة الوقت الكافي لتناول طعامه من دون استعجال، وتحضير أجواء تثير شهيّته، وتجنّب حرمانه من وجباته الغذائيّة كوسيلة لمعاقبته.
- تجنيب الطفل أطعمة المطاعم والباعة الجوّالين، والانتباه إلى نظافة الأواني والأدوات، وغسل الخُضر والفواكه جيداً، وتخزين الطعام بطريقة فنّيّة، والتدقيق في تاريخ صلاحيّة الأغذية، وتهيئة المياه الصالحة للشرب والطبخ.
- اهتمّت النصوص الدينيّة بنظافة البيئة المنزليّة وبآداب الطعام والشراب، مثل: حلّيّة الطعام وطهارته، تجنّب التبذير في تحضيره، غسل اليدين قبل الطعام، أن لا يأكل متّكئاً أو منبطحاً، تجنّب ردّ أيّ نوع من الطعام، تصغير اللقمة، جودة المضع، القصد في الأكل وتجنّب التخمة، غسل اليدين بعد الطعام، تنظيف الأسنان.
 
 
 
 
454

381

الدرس الثامن والعشرون: التربية الصحّيّة والغذائيّة

 أسئلة الدرس


- عن الإمام الصادق عليه السلام: "النعيم في الدنيا: الأمن، وصحّة الجسم"، ما هي الصحّة الجسميّة ببعديها السالب والموجِب؟
- ما هي التربية الصحّيّة؟ وما هي العلاقة بينها وبين التربية الغذائيّة؟ وما هي أهداف كلّ منهما؟
- يقول تعالى على لسان النبيّ إبراهيم عليه السلام: ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾. كيف يجمع الإنسان بين الإيمان بأنّه لا شافي ولا معافي حقيقة إلّا الله تعالى، وبين أخذ طفله إلى الطبيب وإعطائه الدواء؟
- اذكر بعض أساليب التربية الصحّيّة والغذائيّة. وعدّد بعض الإجراءات الصحّيّة الوقائيّة.
- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "لا تبيّتوا القمامة في بيوتكم، وأخرجوها نهاراً، فإنّها مقعد الشيطان". وقال: لا يبيتنّ أحدكم ويده غمرة، فإن فعله فأصابه لمم الشيطان، فلا يلومنّ إلّا نفسه". استخرج بعض التوجيهات الصحّيّة من هذا الحديث.
- عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "لا تجلس على الطعام إلّا وأنت جائع، ولا تقم عن الطعام إلّا وأنت تشتهيه، وجوّد المضغ، وإذا نمت فاعرض نفسك على الخلاء، فإذا استعملت هذا استغنيت عن الطبّ". استخرج التوجيهات الصحّيّة من هذه الرواية، وما هو دور آداب الطعام في التربية الصحّيّة للطفل؟
 
 
 
 
455

382

الدرس التاسع والعشرون: التربية الرياضيّة والحركيّة

 الدرس التاسع والعشرون

التربية الرياضيّة والحركيّة


أهداف الدرس:
على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يُعرِّف التربية البدنيّة والرياضيّة والحركيّة.
2- يبيّن أهمّ آثار التربية الرياضيّة والحركيّة ونتائجها.
3- يحدّد موقف الإسلام والمنهاج النبويّ من التربية الرياضيّة والحركيّة.
4- يعرض أهمّ أساليب التربية الرياضيّة والحركيّة وقيمها.
 
 
 
 
457

383

الدرس التاسع والعشرون: التربية الرياضيّة والحركيّة

 أهمّيّة التربية البدنيّة والرياضيّة في المنهاج النبويّ

تُعتبر التربية الرياضيّة والحركيّة من أقسام التربية البدنيّة والجسميّة بالمعنى الأعمّ، لأنّ موضوعهما المباشر هو الجسم. ولا شكّ في أنّ بناء الجسم القويّ السليم الذي يتمتّع بالصحّة والعافية واللياقة البدنيّة والمهارات الحركيّة، أمر حسن ومطلوب في الشريعة الإسلاميّة1، لأنّ إعداد القوّة، ومنها القوّة الجسميّة، يُعتبر من أهمّ أهداف التربية الإسلاميّة، يقول تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾2, خصوصاً في هذه المرحلة الجهاديّة التي تمرّ بها الأمّة الإسلاميّة، والتي نتوقّع أن تستمرّ لسنوات قادمة، ما دام الاحتلال الصهيونيّ والاستكبار العالميّ والإرهاب التكفيريّ متربّصاً بها. ونلاحظ أيضاً، أنّ القرآن الكريم قد مدح الملك الجهاديّ طالوت بالقوّة والقدرة الجسمانيّة3، يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾4. فالمؤمن القويّ البنية الصحيح الجسم، خير من المؤمن الضعيف العاجز باختياره. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. أنه قال: "المؤمن القويّ خير وأفضل وأحبّ إلى الله عزّ وجلّ من المؤمن الضعيف"5.

وقد كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، قويّ البنية والبدن6، رياضيّاً، نشيطاً حركيّاً، من حيث المشي والتنقّل على الأقدام، وركوب الخيل والسبق، والرمي، والمصارعة...
 

1- راجع: الروحاني، فقه الصادق، ج19، ص232.
2- سورة الأنفال، الآية 60.
3- يراجع: السيد الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج2، ص287.
4- سورة البقرة، الآية 247.
5- أحمد بن حنبل، مسند أحمد، ج2، ص366.
6- يراجع: القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى، مذيّلاً بالحاشية المسمّاة مزيل الخفاء عن ألفاظ الشفاء لأحمد بن محمد الشمني، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، 1409هـ - 1988م، ج1، ص60.
 
 
 
 
459

384

الدرس التاسع والعشرون: التربية الرياضيّة والحركيّة

 وكان صلى الله عليه وآله وسلم، يحرص على استعراض القوّة البدنيّة لأصحابه أمام الأعداء. فلمّا قدم وأصحابه مكّة وظنّ المشركون أنّهم قد وهنتهم حمى يثرب، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "رحم الله من أراهم من نفسه قوّة"1.


وفي هذا السياق، ورد الحثّ في المنهاج النبويّ على التربية البدنيّة والرياضيّة للأبناء.

عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "علّموا بنيكم الرمي، فإنّه نكاية العدوّ"2.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "علِّموا أولادكم السباحة والرماية"3.

وعن العبد الصالح - الإمام الكاظم عليه السلام - أنّه قال: "يُستحبّ عرامة الغلام في صغره، ليكون حليماً في كبره"4. وتقدّم معنى العرامة5.

وقد كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يهتمّ شخصيّاً اهتماماً بالغاً باللياقة البدنيّة للشباب والأطفال، فكان صلى الله عليه وآله وسلم يشجّع الحسنين على ممارسة الفنون القتاليّة. فعن الإمام جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، قال: "بينا الحسن والحسين يصطرعان عند النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: هئ6 يا حسن. فقالت فاطمة: يا رسول الله، تعين الكبير على الصغير! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: جبرئيل يقول: هئ يا حسين، وأنا أقول: هئ يا حسن"7.

وكان أيضاً يحفّز أطفال عمّه العبّاس على التسابق، فقد "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصف عبد الله وعبيد الله وكثير أبناء العبّاس ثم يقول: من سبق إليّ فله كذا وكذا، فيسبقون
 

1- الصالحي الشامي، محمّد بن يوسف، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمّد معوض، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الأولى، 1414هـ - 1993م، ج5، ص192. والحلبي، السيرة الحلبية، ج2، ص781.
2- السيوطي، الجامع الصغير، ج2، ص161.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص47.
4- المصدر نفسه، ج6، ص51.
5- يراجع: درس التربية باللعب.
6- هئ: أي تهيّأ. وقيل (هئ) أي أسرع في ما أنت فيه. (أو إيه) وهي كلمة استزادة، تقال للإنسان إذا استزدته من عمل أو حديث...
7- قرب الأسناد، ص101.
 
 
 
460

385

الدرس التاسع والعشرون: التربية الرياضيّة والحركيّة

 إليه، فيقعون على ظهره وصدره..."1.


وفي غزوة أحد، ردّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعض الغلمان ممّن استصغر سنّهم عندما عُرضوا عليه، ثم أجاز رافع بن خديج لأنه رامٍ. فشكا سمرة بن جندب لزوج أمّه: يا أبه، أجاز رسول الله رافع بن خديج وأنا أصرع رافع بن خديج، فقال رسول الله: تصارعا، فصرع سمرة رافعاً، فأجازه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم2.

وتتأكّد أهمّيّة التربية الرياضيّة للطفل في وقتنا الحاضر، لأنّه يفتح عينيه في مجتمعاتنا المعاصرة على نمط حياة يوفّر له كلّ وسائل الراحة والدّعة. فمثلاً، فيما كان الأطفال سابقاً يقصدون المدرسة مشيّاً على الأقدام، أصبح "الباص" ينقل التلميذ من أمام باب منزله إلى باب المدرسة مباشرة، وعندما يدخل إلى المدرسة يقضي معظم وقته على مقاعد الدراسة. وفيما كان الأطفال يقضون معظم أوقات لعبهم في الطبيعة والبرّيّة، أصبح الأطفال - خصوصاً في المدينة - يقضون معظم أوقاتهم على شاشات التلفزيون والكمبيوتر والألعاب الإلكترونيّة، أو بين أربعة جدران... إلخ، حتّى أصبحنا نشاهد في مجتمعاتنا شباباً بربيع العمر (15-18) مثلاً، ليس له همّة على الحركة، فإذا أراد أحدهم أن يقصد منزل صديقه الذي يبعد عنه عشرات الأمتار يذهب إليه بالدرّاجة الناريّة. وباختصار، هيّأت المدنيّة الحديثة بيئة أضعفت من النشاط البدنيّ والحركيّ للطفل.

ما هي التربية الرياضيّة والحركيّة3؟
تعتبر التربية الرياضيّة والتربية الحركيّة مجالين متداخلين من مجالات التربية البدنيّة، وقد عرّفت تشارلز بوتشير Bucher التربية البدنيّة بأنّها جزء متكامل من التربية العامّة،
 
 

1- مجمع الزوائد، ج9، ص17.
2- الطبريّ، محمّد بن جرير، تاريخ الطبريّ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ج2، ص191. والواقدي، محمّد بن عمر، المغازي، تحقيق مارسدن جونس، نشر دانش إسلامي، 1405ه،ج1، ص216.
3- يراجع: طلبة، ابتهاج محمود، التعبير الحركيّ لطفل الروضة، مطبعة العمرانيّة، القاهرة، 1996. والخولي، أمين أنور، التربية الحركيّة للطفل، دار الفكر العربيّ، القاهرة، ط5، 1998. وأبو عبده، حسن السيّد، أساسيّات تدريس التربية الحركيّة والبدنيّة، ملتقى الفكر، الإسكندريّة، 2001. وشرف، عبد الحميد، التربية الرياضيّة للطفل، مركز الكتاب للنشر، القاهرة، 1995م. ومصطفى، عبد العزيز عبد الكريم، التطوّر الحركيّ للطفل، مكتب التربية العربيّ لدول الخليج، الرياض، 1992م.
 
 
 
 
461

386

الدرس التاسع والعشرون: التربية الرياضيّة والحركيّة

 التي تهدف إلى تكوين الفرد اللائق في الجوانب البدنيّة والعقليّة والاجتماعيّة والانفعاليّة، عن طريق ألوان الأنشطة البدنيّة المختارة1.


وعرّفتها لو ميكين بأنّها العمليّة التي يكتسب الفرد من خلالها أفضل المهارات البدنيّة والعقليّة والاجتماعيّة واللياقة من خلال النشاط البدنيّ2.

أما التربية الرياضيّة، فعُرّفت بأنّها: "التربية الشاملة المتّزنة للفرد في جميع الجوانب البدنيّة والنفسيّة والحركيّة والاجتماعيّة، كما تساعد على الارتفاع بالمستوى المعرفيّ والثقافيّ باختلاف ألوان الأنشطة الرياضيّة وتعدّدها"3.

أما التربية الحركيّة، فقد عرّفها كيفارت(kiphart) بأنّها الجانب في التربية الأساسيّة الذي يتعامل مع النموّ والتدريب لأنماط الحركة الأساسيّة، باعتبارها تختلف عن المهارات الحركيّة الخاصّة بالأنشطة الرياضيّة.

وعرّفها فاروق السيّد عثمان بأنّها "تربية الأطفال عن طريق ممارسة النشاط الحركيّ الذي يتناسب وقدراتهم الحركيّة والبدنيّة والعقليّة، وما ينتج عنه من اكتسابهم لبعض الاتّجاهات السلوكيّة"4.

ومن خلال هذه التعريفات للتربية البدنيّة والرياضيّة والحركيّة، يظهر أنّ المتخصّصين في ميادين التربية البدنيّة لا ينظرون إليها من منظار جسمانيّ فقط، بل يأخذون بعين الاعتبار دور التربية البدنيّة في التربية العامّة للطفل، وانعكاسات التربية البدنيّة على الجوانب الأخرى، من بناء هويّة الطفل ذهنيّاً ووجدانيّاً ونفسيّاً واجتماعيّاً... إلخ، والواقع أنّهم على حقّ في ذلك، لأنّ العلاقة بين الجسم والذهن والنفس - بنظرة
 
 

1- فاتح، بو سنان، دور التربية البدنيّة في التقليل من الشعور بالقلق لدى تلاميذ الطور الثانويّ دراسة وصفية، رسالة ماجستير في نظريّة ومنهجيّة التربية البدنيّة والرياضيّة، وزارة التعليم العالي والبحث العلميّ، جامعة الجزائر -3-، معهد التربية البدنيّة والرياضيّة، السنة الجامعيّة 2011-2012م، ص18. وعودة، محمّد، تعريف التربية البدنيّة، مقال على الرابط التالي: http://www.bdnia.com/?p=2689.
2- انظر: الخولي، أمين أنور، أصول التربية البدنيّة والرياضيّة، دار الفكر، القاهرة، ط2، 1998م، ص36.
3- إبراهيم، حلمي، وليلى السيّد فرحات، التربية الرياضيّة والترويح للمعاقين، دار الكتاب العربيّ، 1998م، ص45. ويراجع: عزمي، محمّد سعيد، أساليب تطوير وتنفيذ درس التربية الرياضيّة، دار الوفاء، الإسكندريّة، 2004م، ص14.
4- عثمان، فاروق السيّد، سيكولوجيّة اللعب والتعلّم، دار المعارف، الإسكندريّة، 1995.
 
 
 
462

387

الدرس التاسع والعشرون: التربية الرياضيّة والحركيّة

 فلسفيّة - ليست علاقة ترسيم حدود، بل كلّ من أبعاد هويّة الإنسان يترك بصمته مباشرة أو بالواسطة على الأبعاد الأخرى، لأنّه وجود واحد له أبعاد متعدّدة، كما ظهر من مجموع دروس الكتاب.


الآثار السلبيّة لعدم ممارسة الرياضة والحركة
لا ريب في أنّ قلّة النشاط والحركة والرياضة للطفل، خصوصاً بسبب الجلوس فترات طويلة على مقاعد الدراسة أو أمام شاشة التلفزيون أو الكمبيوتر... ستنعكس سلباً على صحّته الجسميّة، بل النفسيّة والذهنيّة والوجدانيّة أيضاً، وينشأ عنها زيادة في نسبة الأمراض. نذكر نماذج منها: زيادة الوزن والسمنة، أمراض القلب وتصلّب الشرايين، ارتفاع ضغط الدم، مرض السكّري من النوع 2، آلام الظهر، هشاشة العظام وترقّقها، ضعف جهاز المناعة، انسداد الشعب الهوائيّة وتعرّض الرئة للاحتقان... إلخ.

الآثار الإيجابيّة للرياضة والحركة1
هناك آثار عديدة للرياضة والحركة على بناء هويّة الطفل2، منها:
1- الآثار الجسميّة للتربية الرياضيّة والحركيّة:
- النموّ السليم للجسم والعضلات والأوتار العضليّة والجهاز العصبيّ وشبكة الخلايا.
- تحسين وظائف أعضاء الجسم، ويُطلق عليها اسم التنمية العضويّة.
- اللياقة البدنيّة3 وسماتها الإيجابيّة: القوّة العضليّة والتحمّل والسرعة والمرونة والرشاقة.
- التناسق بين حركات الجسم في المشي والركض والوثب والقفز والرمي...
 
 

1- يراجع: برغ، لين غولد، ودايان إبليوت، أثر التمارين الرياضية في الشفاء، تعريب محمد سمير القحطاني. ونديم المصري، الرياضة والغذاء قبل الطبيب والدواء، دار الفكر المعاصر.
2- يراجع: أمين أنور الخولي، أسامة كامل راتب، نظريّات وبرامج التربية الحركيّة للأطفال، دار الفكر العربيّ، 2009. وانشراح إبراهيم المشرفي، التربية الحركيّة لطفل الروضة، مكتبة إحياء التراث الإسلاميّ، مكّة المكرّمة، 2009م. وحسن السيّد أبو عبده، أساسيّات تدريس التربية الحركيّة والبدنيّة، ملتقى الفكر العربيّ، الإسكندريّة، 2001م.
3- هي حالة من الإعداد البدنيّ تمكّن الفرد من التكيّف مع الواجبات البدنيّة المطلوبة بكفاية بدون تعب لا داعي له، مع بقاء فائض من الطاقة البدنيّة ليستخدمها الفرد في وقت الفراغ.
 
 
 
463

388

الدرس التاسع والعشرون: التربية الرياضيّة والحركيّة

 - جمال الجسم وتناسق شكله.

- الاحتفاظ بجسم خالٍ من الدهون والشحوم الزائدة، ممّا يجنّب السمنة والزيادة في الوزن.
- تنشيط حركة الجهاز الهضميّ وزيادة إفراز العصائر الهضميّة.
- صلابة العظام وتقوية الهيكل العظميّ، ووقاية الطفل من الإصابة بترقّق العظام.
- زيادة الكفاءة الإنتاجيّة.
- القدرة على الدفاع عن النفس في الفنون القتاليّة.

2- لائحة بأهمّ الخصائص الذهنيّة والنفسيّة والاجتماعيّة للتربية الرياضيّة والحركيّة:
- أن يعيش الطفل حياته اليوميّة بحيويّة، وبنحو يتغلّب على الخمول والكسل. وقد تنبّه فلاسفة التربية المسلمون إلى أهمّيّة الرياضة في التغلّب على الكسل. يقول أبو حامد الغزاليّ: "ويعوّد – الطفل - في بعض النهار المشي والحركة والرياضة حتى لا يغلب عليه الكسل"1. كما تثبت الرياضة للطفل أنّ الموهبة الفطريّة وحدها غير كافية في الإيصال إلى الهدف، بل لا بدّ من النشاط والحركة وبذل الجهد البدنيّ والتعب.

- تحسين الحالة المزاجيّة للطفل، وانخفاض التوتّر والاكتئاب، فالتربية البدنيّة تؤدّي دوراً مهمّاً في التقليل من الشعور بالقلق2، إذ تساهم الرياضة في إنتاج الإندروفين، وهو هرمون الشعور بالراحة والسعادة، وتساعد الجسم على التخلّص من هرمونات الإجهاد Stress كالنورادرينالين في الدم.

- بناء قوّة الشخصيّة، والثقة بالنفس، والاعتماد على الذات، والصبر، والقدرة على تحمّل الصعوبات، والشجاعة والجرأة وقوّة العزم.
- الاستثمار الإيجابيّ لأوقات الفراغ.
- تنمية القيم الاجتماعيّة، كالتعاون والانضباط، والالتزام بالقواعد والأنظمة، واحترام
 
 

1- الغزالي، إحياء علوم الدين، ج8، ص132. المحجّة البيضاء في تهذيب الإحياء، ج5، ص126.
2- يراجع: فاتح، بو سنان، دور التربية البدنيّة في التقليل من الشعور بالقلق، مصدر سابق.
 
 
 
464

389

الدرس التاسع والعشرون: التربية الرياضيّة والحركيّة

 القانون، والتكيّف الاجتماعيّ، وتوطيد العلاقات مع الآخرين...

- تحسين وظائف المخّ والنشاط الذهنيّ، والقدرة على التركيز وتنمية الذاكرة.
- التوافق الحسّيّ الحركيّ، وتنمية القدرات الإدراكيّة الحسيّة.

فقد أكّدت دراسات عديدة وجود علاقة وثيقة بين الإدراك والحركة عند الأطفال، فالأنشطة البدنيّة تستحث ملكة التفكير عند الطفل، وحرمان الطفل من المهارات والخبرات الحركيّة يشكّل عائقاً أمام نموّ قدراته الإدراكيّة، ويؤدّي إلى النقص في الكفايات الإدراكية - الحركيّة. والمقصود بها عمليّة إدارة المعلومات التي ترد إلى الطفل من خلال الحواسّ، وطبيعة معالجة تلك المعلومات، وردّ الفعل في ضوء السلوك الحركيّ، وتتكوّن الكفاية الإدراكيّة الحركيّة من عناصر متعدّدة، مثل: تآزر اليد والعين أو القدم والعين، التمييز اللمسيّ، التمييز السمعيّ... إلخ.

وتعزّز الرياضة والتربية الحركيّة أيضاً، الطلاقة الحركيّة عند الطفل، والمقصود بها قدرة الطفل على إدارة جسمه بطرائق فعّالة، بالتكيّف المستمرّ مع المواقف الجديدة.

كما تعزّز التربية الحركيّة الوعي بمفاهيم عديدة عند الطفل، نتيجة الخبرة الشعوريّة، مثل: الوعي بالجسم وأفعاله وأشكاله، كالامتداد والالتواء والاستقامة والانحناء...، والوعي بالاتّجاهات، نحو: الأمام والخلف واليمين واليسار، والمسارات والمستويات، مثل الانخفاض والعلوّ، والوعي بالجهد، والوعي بالزمن، مثل السرعة والبطء... إلخ.

موقف اليونسكو (منظّمة الأمم المتّحدة للتربية والعلم والثقافة) من الرياضة
هذه الآثار الإيجابيّة للرياضة هي التي دفعت منظّمة اليونسكو إلى اعتبار التربية البدنيّة والرياضة وتهيئة البيئة الحاضنة لممارستها، من جملة حقوق الطفل عالميّاً. فقد جاء في الميثاق الدوليّ للتربية البدنيّة والرياضة (1978): "إنّ لكل إنسان حقّاً أساسيّاً في ممارسة التربية البدنيّة والرياضيّة اللتين لا غنى عنهما لتفتّح شخصيّته، وينبغي أن يكون
 
 
 
 
465

390

الدرس التاسع والعشرون: التربية الرياضيّة والحركيّة

 الحقّ في تنمية القدرات البدنيّة والذهنيّة والمعنويّة من خلال التربية البدنيّة والرياضة، مكفولاً في إطار النظام التعليميّ، وفي المجالات الأخرى للحياة الاجتماعيّة...


ينبغي توفير ظروف خاصّة للنشء، بمن فيهم الأطفال في سنّ ما قبل المدرسة، والمتقدّمين في السنّ والمعوَّقين، لتمكينهم من تنمية شخصيّاتهم تنمية متكاملة، بفضل برامج للتربية البدنيّة والرياضة تتلاءم واحتياجاتهم".1

كما أنّ العديد من الجمعيّات والمراكز الصحّيّة تؤكّد أهمّيّة الرياضة للأطفال. فمثلاً، "جمعيّة طبّ القلب الأميركيّة والمركز الوطنيّ الأمريكيّ لمراقبة الأمراض والوقاية منها، والأكاديميّة الأمريكيّة لطبّ الأطفال، والكلّيّة الأمريكيّة للطبّ الرياضيّ، توصي بوجوب منح الأطفال بدءاً من مرحلة الروضة إلى نهاية المرحلة الثانويّة، دروساً يوميّة في التربية البدنيّة".2

الرياضة وتنمية المهارات الحركيّة
إنّ التطوّر الحركيّ للطفل منذ الطفولة المبكرة يقع على رأس هرم النموّ السليم لجسمه، وتكشف المهارات الحركيّة الدقيقة عن مدى ذلك التطوّر لديه، وتؤدّي الرياضة دوراً مهمّاً في تنمية المهارات الحركيّة لدى الطفل، وفي هذا السياق سنعرض المهارات الحركيّة الأساسيّة، ليلاحظ المربّي مدى ارتباطها بالتربية البدنيّة والرياضة، وهي3:
1- المهارات الحركيّة العامّة أو الكبرى Gross Motor Skills، وهي التي تتطلّب حركة العضلات الكبرى في جسم الطفل، وتتطلب سلامة الجهاز العصبيّ والعضليّ والتوافق والاتّزان. وتنقسم هذه المهارات إلى ثلاثة أقسام: الأوّل: المهارات الحركيّة
 
 

1- منظّمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، سجلّات المؤتمر العامّ، الدورة العشرون، باريس 24 أكتوبر-28نوفمبر 1978، المجلّد الأوّل - قرارات، ص29.
2- الهزاع، هزاع بن محمد، النشاط الحركيّ في مرحلة الطفولة المبكرة أهميته لصحّة الطفل ونموّه وتطوّره الحركيّ، إصدار الجمعيّة السعوديّة للعلوم التربويّة والنفسيّة، الرياض، 1425ه، ص7.
3- يراجع: المشرفي، انشراح إبراهيم، التربية الحركيّة لطفل الروضة، مكتبة إحياء التراث الإسلاميّ، مكّة المكرّمة، 2009م. والهزاع، هزاع بن محمّد، فسيولوجيا الجهد البدنيّ لدى الأطفال والناشئين- الأسس الفسيولوجيّة لاستجابة الأطفال والناشئين وتكيّفهم للجهد البدنيّ، الاتحاد السعوديّ للطب الرياضيّ، المملكة العربيّة السعوديّة، ط1، 1997م.
 
 
 
466

 


391

الدرس التاسع والعشرون: التربية الرياضيّة والحركيّة

 الانتقاليّة التي تستلزم تحريك الجسم من مكان إلى آخر، مثل: المشي، الجري، القفز، الوثب، الدحرجة، الزحف، التسلّق... والثاني: المهارات الحركيّة غير الانتقالية، مثل: التمدّد والالتواء والتعلّق والالتفاف... والثالث: مهارات المناولة، وهي مهارات يجري فيها قذف جسم أو تمريره أو ضربه أو استقباله، مثل: المسك والقذف والركل والضرب و...


2- المهارات الحركيّة الدقيقة أو الصغرى Fine Motor Skills، وتتعلّق بالتعامل مع الأشياء الصغيرة، كمسك الشيء بالقبضة أو تركه، وفكّ الألعاب الصغيرة وتركيبها...

مؤشّرات المهارات الحركيّة عند الطفل وتقنيّاتها
هناك مجموعة من المؤشّرات التي تعطي صورة واضحة عن مدى وجود التطوّر الحركيّ والمهارات الحركيّة عند الطفل، وتُعتبر هذه المؤشّرات من جهة أخرى تقنيّات ينبغي أن يعتمدها المربّي في تطوير المهارات الحركيّة عند الطفل.

الطفل 3 سنوات:
1- المهارات الحركيّة العامّة: يجري من دون الوقوع على الأرض. ويصعد على الدرج مستخدماً قدماً تلو أخرى. ويمشي إلى الخلف. ويرمي بيده من فوق الكتف. ويرمي كرة صغيرة مسافة قصيرة... إلخ.

2- المهارات الحركيّة الدقيقة: يفتح غطاء العلبة. ويقلب صفحات الكتاب واحدة تلو أخرى... إلخ.

الطفل 4 سنوات:
1- المهارات الحركيّة العامّة: يضبط اتّزانه على قدم واحدة فترة قصيرة. ويمسك بكرة كبيرة تتّجه نحوه...

2- المهارات الحركيّة الدقيقة: يمسك القلم كالكبار تقريباً...
 
 
 
 
 
 
467

392

الدرس التاسع والعشرون: التربية الرياضيّة والحركيّة

 الطفل 5-6 سنوات:

1- المهارات الحركيّة العامّة: "ينطّط" الكرة ويمسكها. يرمي الكرة للأعلى ويمسك بها. يركل كرة متحرّكة. يركب الدرّاجة الهوائيّة. يمشي على خطّ مستقيم واضعاً قدماً أمام أخرى... إلخ.

2- المهارات الحركيّة الدقيقة: يقدر على استخدام المقصّ والقطع به مستقيماً. يضع عشرة مربّعات خشبيّة صغيرة بعضها فوق بعض. يربط شريط حذائه... إلخ.

أساليب وقيم التربية الرياضيّة:
- تعريف الطفل بأهمّيّة النشاط الحركيّ والرياضيّ على صحّته العامّة، وخلوّ جسمه من الأمراض والانحرافات.

- تشجيع الطفل وتحفيزه على المشاركة اليوميّة في الأنشطة الحركيّة والرياضيّة، من خلال المدح والثناء عليه، أو بأيّ وسيلة أخرى.

- السماح للطفل بممارسة الأنشطة الحركيّة في المنزل ومشاركته فيها.

- توفير فرص وخيارات متعددة للأنشطة الرياضيّة، وعدم حصرها في نوع واحد.

- تجنّب دفع الطفل إلى ممارسة نشاط رياضيّ لا يتناسب مع مرحلته العمريّة وخصائصه الجسميّة والنمائيّة.

- تجنّب إكراه الطفل على ممارسة نوع معيّن بذاته من الرياضة، بل جعل الطفل يختار نوع الرياضة التي يرغب في ممارستها، أو إشراكه في اختيار رياضة معيّنة من ضمن مجموعة خيارات.

- تجنّب حرمان الطفل من ممارسة الرياضة بذريعة تأثيرها في دروسه أو واجباته الأخرى، أو خوفاً على مستقبله من ترك المدرسة نتيجة التعلّق برياضة معيّنة، بل ينبغي الكشف عن مواهب الطفل في الألعاب الرياضيّة والعمل على تنميتها.

- وفي هذا السياق، ينبغي تنظيم وقت ممارسة الرياضة بنحو لا ينعكس على واجبات الطفل الأخرى. نلاحظ مثلاً أنّ بعض الأطفال بفعل تعلّقهم برياضة معيّنة، ككرة
 
 
 
 
468

393

الدرس التاسع والعشرون: التربية الرياضيّة والحركيّة

 القدم مثلاً، قد يكذبون على أهلهم فيقولون لهم: لا يوجد عندنا فروض مدرسيّة، من أجل الذهاب إلى الملعب.


- مساندة الطفل ودعمه عند إحجامه عن المشاركة في الأنشطة الرياضيّة، والبحث عن أسبابه ومعالجتها، فقد يمتنع الطفل عن ممارسة الرياضة بسبب الخوف من الفشل، أو من ضحك أصدقائه عليه... إلخ.

- تعويد الطفل مراعاة قواعد الأمانة والسلامة عند ممارسة الرياضة، وعدم التهوّر، منعاً لحدوث الإصابات المحتملة، مثل القبّعة الواقية للرأس عند ركوب الدرّاجة، أو لبادات القدمين عند لعب كرة القدم...

- تحفيز الطفل على ضرورة اتّباع التعليمات والانضباط بقواعد اللعبة، والالتزام بأداء دوره الخاصّ الموكل به.

- التربية على ثقافة المنافسة الشريفة، أي أن لا يؤدّي التنافس بين فريق الطفل وفريق آخر إلى التعصّب والحقد والكراهية والشحناء وسوء الخلق.

- تحذير الطفل من المشاركة في عمليّات التخريب والاستفزاز والتنابذ بالألقاب والشتم، وغيرها من الأمور السلبيّة التي ترافق التشجيع الرياضيّ.
- تعويد الطفل النزاهة الرياضيّة وتجنّب الغشّ والاحتيال والكذب في ممارسة الألعاب الرياضيّة.


- تجنيب الأطفال المميّزين الاختلاط بين الإناث والذكور في الرياضة نفسها.

- تحذير الطفل ممّا يقترن بالألعاب الرياضيّة من روح الرهان والقمار، خصوصاً أنّ بعض الأطفال قد يراهنون أثناء لعب رياضة معيّنة. فالرهان وإن لم يكن من ناحية الحكم الفقهيّ محرّماً بحقّ الطفل، لرفع قلم التكليف عنه، إلّا أنّه من ناحية الحكم الأخلاقيّ والتربويّ ينبغي منع الطفل عنه، لأنّه يؤهّل الطفل كي يتقبّل القمار، فضلاً عن أنّ الحكم الوضعيّ هو عدم تملّك الطفل للمال المأخوذ بعنوان
 
 
 
 
 
469

394

الدرس التاسع والعشرون: التربية الرياضيّة والحركيّة

 كهذا.


يقول السيّد القائد الإمام عليّ الخامنئيّ دام ظله: "إذا كانت اللعبة بعنوان القمار والمراهنة، فهي محرّمة شرعاً، والفائز لا يملك ما يفوز به وما يأخذه من الطرف الآخر. أما إذا كان اللاعبون غير بالغين، فهم غير مكلّفين شرعاً، ولا شيء عليهم تكليفاً، وإن لم تکن لهم ملکيّة ما يفوزون به"1.

- ضرورة التنبّه إلى كيفيّة وقاية الطفل عن التأثّر بسلوكات نجوم الرياضة ومظهرهم، حتّى لا يحاكيهم ويقلّدهم في لباسهم أو تسريحتهم أو قصّة شعرهم....

- تسجيل الطفل في نادٍ رياضيّ يحافظ على الضوابط الأخلاقيّة والشرعيّة (حيث إنّ بعض الأندية مثلاً تسمح بوضع الأغاني الصاخبة مع التدريب، أو يكون فيها اختلاط بين الذكور والإناث...)، والذهاب معه إلى النادي، والإشراف عليه، والتنبّه من ترك الطفل يقصد النادي بمفرده، كي لا يتهرّب من الرياضة ويتسرّب إلى أماكن أخرى.

- التغذية السليمة للطفل الرياضيّ لتعويض ما يصرفه جسمه من الطاقة بسبب المجهود الرياضيّ.
 

1- الإمام الخامنئي، أجوبة الاستفتاءات، ج2، ص19.
 
 
 
470

395

الدرس التاسع والعشرون: التربية الرياضيّة والحركيّة

 المفاهيم الرئيسة


- إنّ بناء الجسم القويّ السليم، الذي يتمتّع بالصحّة والعافية، واللياقة البدنيّة والمهارات الحركيّة، أمر حسن ومطلوب في الشريعة الإسلاميّة. عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "المؤمن القويّ خير وأفضل وأحبّ إلى الله عزّ وجلّ من المؤمن الضعيف".
- ورد الحثّ في المنهاج النبويّ على التربية البدنيّة والرياضيّة للأبناء. عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "علِّموا أولادكم السباحة والرماية".
- كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قويّ البنية والبدن، رياضيّاً، نشيطاً حركيّاً، من حيث المشي والتنقّل على الأقدام، وركوب الخيل والسبق، والرمي، والمصارعة... وكان صلى الله عليه وآله وسلم يهتمّ شخصيّاً اهتماماً بالغاً باللياقة البدنيّة للشباب والأطفال.
- تتأكّد أهمّيّة التربية الرياضيّة للطفل في وقتنا الحاضر، لأنّه يفتح عينيه في مجتمعاتنا المعاصرة على نمط حياة يوفّر له كلّ وسائل الراحة والدّعة.
- عُرّفت التربية البدنيّة بأنّها جزء متكامل من التربية العامّة، التي تهدف إلى تكوين الفرد اللائق في الجوانب البدنيّة والعقليّة والاجتماعيّة والانفعاليّة، عن طريق ألوان الأنشطة البدنيّة المختارة. وعُرّفت التربية الرياضيّة بأنّها التربية الشاملة المتّزنة للفرد في جميع الجوانب البدنيّة والنفسيّة والحركيّة والاجتماعيّة. كما تساعد على الارتفاع بالمستوى المعرفيّ والثقافيّ، باختلاف ألوان الأنشطة الرياضيّة وتعدّدها. وعُرّفت التربية الحركيّة بأنّها تربية الأطفال عن طريق ممارسة النشاط الحركيّ الذي يتناسب وقدراتهم الحركيّة والبدنيّة والعقليّة، وما ينتج عنه من اكتسابهم لبعض الاتّجاهات السلوكيّة.
- لا ريب في أنّ قلة النشاط والحركة والرياضة للطفل، خصوصاً بسبب الجلوس فترات طويلة على مقاعد الدراسة أو أمام شاشة التلفزيون أو الكمبيوتر... ستنعكس سلباً على صحّته الجسميّة، بل النفسيّة والذهنيّة والوجدانيّة أيضاً.
- هناك آثار عديدة للرياضة والحركة على بناء هويّة الطفل، منها: النموّ السليم للجسم، اللياقة البدنيّة، التناسق بين حركات الجسم، جمال الجسم، صلابة العظام، النشاط والتغلّب على الكسل، تحسين الحالة المزاجيّة، بناء الثقة بالنفس والقدرة على تحمّل الصعوبات، تنمية قيم التعاون والانضباط واحترام القوانين، تحسين وظائف المخّ...
- هناك أساليب وقيم عديدة للتربية الرياضيّة، منها: تعريف الطفل بأهمّيّة النشاط الحركيّ والرياضيّ لصحّته العامّة، السماح للطفل بممارسة الأنشطة الحركيّة في المنزل ومشاركته فيها، تجنّب دفع الطفل إلى ممارسة نشاط رياضيّ لا يتناسب مع مرحلته العمريّة وخصائصه الجسميّة والنمائيّة، تنظيم وقت ممارسة الرياضة، مساندة الطفل ودعمه عند إحجامه عن المشاركة في الأنشطة الرياضيّة، تعويد الطفل مراعاة قواعد الأمانة والسلامة، التربية على ثقافة المنافسة الشريفة، والنزاهة الرياضيّة، وتجنّب الاختلاط، وتجنّب الرهان والقمار في الألعاب الرياضيّة.
 
 
 
 
 
471

396

الدرس التاسع والعشرون: التربية الرياضيّة والحركيّة

 أسئلة الدرس


- ما هو الموقف النبويّ من التربية البدنيّة والرياضيّة والحركيّة؟ اذكر الشواهد والأدلّة على ذلك.
- برأيك، هل تتمتّع التربية الرياضيّة والحركيّة في وقتنا الحاضر بضرورة وأهمّيّة خاصّة عن الأزمنة الماضية؟ ولماذا؟
- عرّف المصطلحات التالية: التربية البدنيّة، التربية الرياضيّة، التربية الحركيّة، الطلاقة الحركيّة، الكفاية الإدراكيّة الحركيّة.
- ما هي الآثار السلبيّة لعدم ممارسة الرياضة في جسم الطفل؟
- كيف تساهم التربية الرياضيّة والحركيّة في بناء هويّة الطفل في مختلف الجوانب؟
- اذكر أقسام المهارات الحركيّة، واضرب أمثلة على كلّ قسم.
- عدّد أهمّ أساليب التربية الرياضيّة والحركيّة للطفل وقيمها، وما هي الأمور التي ينبغي تحذيره منها وتجنيبه إيّاها؟
 
 
 
 
472

397

الدرس الثلاثون: التربية الجنسيّة للطفل (1) - الأسس والمرتكزات

 الدرس الثلاثون

التربية الجنسيّة للطفل (1) - الأسس والمرتكزات


أهداف الدرس:
على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يُعرِّف التربية الجنسيّة.
2- يبيّن أهمّ أهداف التربية الجنسيّة.
3- يحدِّد بداية المرحلة العمريّة المناسبة للتربية الجنسيّة للطفل.
4- يذكر الفرق بين التربية الجنسيّة الإسلاميّة والغربيّة.
 
 
 
 
475

398

الدرس الثلاثون: التربية الجنسيّة للطفل (1) - الأسس والمرتكزات

 تمهيد

تُعتبر التربية الجنسيّة للطفل، من أكثر أنواع التربيات المضافة إشكالية وأصعبها، بسبب النظرة الشائعة في مجتمعاتنا العربيّة والإسلاميّة إلى تابويّة1 الحياة الجنسيّة، وفرط التحسّس منها2، بنحو يجعل الكلام عن الجنس ضمن دائرة الممنوع التفكير فيه، ومدرجاً على رأس لائحة القضايا التي يتحرّج الناس من معالجتها، بل يتهرّبون من تسليط الضوء عليها... وبطبيعة الحال، ستنعكس هذه الصورة النمطيّة عن الجنس على ميدان التربية فيه.

ويضاف إلى أسباب تعقيد التربية الجنسيّة في مجتمعاتنا، أنّ حالة الحذر والحظر التي يبديها البعض تجاه التثقيف الجنسيّ، ناشئة من انطباع خاطئ في أذهانهم عن مفهوم التربية الجنسيّة، إذ يتبادر إلى ذهن فئة واسعة، معنى الجنس في دائرته الضيّقة المتعلّقة بعمليّة المعاشرة والجماع وما يرتبط بهما مباشرة3.

والخطوة الأولى على طريق الجرأة الأدبيّة في ميدان التربية الجنسيّة والاقتناع بها، هي إعادة بناء تصوّر صحيح عنها.
 

1- taboo
2- Hypersensitivity
3- يراجع: كيركندال، ليترا، الطفل والأمور الجنسيّة، ترجمة إبراهيم حافظ، تقديم عبد العزيز القوصى، مكتبة النهضة المصريّة، القاهرة، 1952.
 
 
 
 
477

399

الدرس الثلاثون: التربية الجنسيّة للطفل (1) - الأسس والمرتكزات

 ما هي التربية الجنسيّة؟

ذكر علماء التربية تعريفات عدّة للتربية الجنسيّة1، أهمّها: أنّ التربية الجنسيّة هي نوع من التنشئة الاجتماعيّة التي تمدّ الفرد بالمعلومات العلميّة، والخبرات الصالحة، والاتّجاهات السليمة إزاء المسائل الجنسيّة، بقدر ما يسمح به نموّه الجسميّ والفيزيولوجي والعقليّ والانفعاليّ والاجتماعيّ، وفي إطار التعاليم الدينيّة، والمعايير الاجتماعيّة، والقيم الأخلاقيّة السائدة في المجتمع، ممّا يؤهّله للتوافق في المواقف الجنسيّة ومواجهة مشكلاته الجنسيّة في الحاضر والمستقبل، مواجهة واقعيّة تؤدّي إلى الصحّة النفسيّة2.

فالتربية الجنسيّة ذات دائرة واسعة، تتضمّن التعليم الجنسيّ ورفد المتربّي بالمعلومات الصحيحة عن المسائل الجنسيّة المتناسبة مع مرحلته العمريّة3، وإكساب الطفل القيم والآداب الجنسيّة في ضوء تعاليم الدين الإسلاميّ... إلخ.

كما تشمل قيام وليّ الطفل بالإجراءات التي تكفل حماية الطفل من التعرّض لأيّ شكل من أشكال الإساءة الجنسيّة4، وتدريبه على المهارات التي تمكِّنه من حماية نفسه منها، وتشمل الرعاية الصحّيّة للنموّ الجنسيّ السليم، وتدريب الطفل على بعض السلوكات التي تجعله قادراً على حسن التكيّف مع المواقف الجنسيّة المختلفة التي يواجهها في مراحله العمريّة المتنوّعة.

وننبِّه إلى أنّ إهمال التربية الجنسيّة هو بعينه تربية جنسيّة سالبة للطفل، لأنّ ما يقوم به الوالدان أو المعلّمون... تجاه الطفل فعلاً أو تركاً، إيجاباً أو سلباً، هو نوع من التربية. فترك التربية الجنسيّة والتهرّب منها هما وقوع في تربية جنسيّة خاطئة وغير سليمة.
 

1- سيرل، حاتم، التربية الجنسيّة في المجتمع، ترجمة ندى جابر حاتم، مؤسّسة دار الكتاب الحديث، بيروت، 1994. والخمّاش، أميّة، سيكولوجيّة التربية الجنسيّة عند الأطفال، جمعيّة الدراسات العربيّة، القدس، الطبعة الأولى، 1962م.
2- يراجع: والزعبي، أحمد محمّد، سيكولوجيّة المراهقة النظريّات- جوانب النموّ- المشكلات وسبل علاجها، ص123. وهرمز، صباح حنّا، إبراهيم، يوسف حنّا، علم النفس التكوينيّ (الطفولة والمراهقة)، جامعة الموصل، دار الكتب للطباعة والنشر، 1988. ومعدي، الحسينّي الحسنيّ، التربية الجنسيّة للمراهقين والشباب من منظور إسلاميّ، دار العلم والإيمان للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 2004.
3- يراجع: القوصي، عبد العزيز، أسس الصحّة النفسيّة، ص480.
4- Child sexual abuse
 
 
 
 
478

 


400

الدرس الثلاثون: التربية الجنسيّة للطفل (1) - الأسس والمرتكزات

 أهداف التربية الجنسيّة

يظهر ممّا تقدّم، أنّ التربية الجنسيّة تسعى إلى تحقيق أهداف عدّة، أهمّها:
- حماية الطفل من مختلف أشكال الإساءة الجنسيّة.
- حسن تكيّف الطفل مع المواقف الجنسيّة المتنوّعة.
- الرعاية الصحّيّة للنموّ الجنسيّ السليم.
- اكتساب المعلومات الجنسيّة الصحيحة.
- تكوّن ملكة العفّة الجنسيّة وتفتّحها.
- التأدّب بالسلوكات الجنسيّة الدينيّة.

متى تبدأ التربية الجنسيّة للطفل؟
ذكرنا مراراً أنّ الله تعالى أودع في ذات الإنسان منذ الطفولة غرائز عدّة تحرّكه للسير باتّجاه تأمين حاجاته الحيويّة، وهي غرائز جبريّة لا يملك الإنسان من أمره شيئاً في توليدها أو رفعها1، وإنّما أقصى ما يمكنه فعله، هو دفع جموح تلك الغرائز والتحكّم بها، والسيطرة عليها وقيادتها بالإرادة الحرّة نحو الهدف الذي خُلِق لأجله. وواحدة من هذه الغرائز الفطريّة هي الإحساس الجنسيّ الذي يعتبر من مندرجات القوّة الشهويّة، وهذا الإحساس وإن كان ضامراً وبحالة كمون في المرحلة الأولى من حياة الطفل، إلّا أنّه يبرز ببعض الصور الضعيفة، كميل الطفل مبكراً نحو الجنس الآخر، وما يرافق ذلك من مشاعر الحبّ والغيرة... إلخ.

فأوّل منصّة ينبغي أن تقلع منها التربية الجنسيّة للأطفال، هي اقتناع المربّين، سواء أكانوا الأهل أم المعلّمين أم القادة الكشفيّين... إلخ، بأنّ الطفل منذ المرحلة المبكرة يملك إحساساً جنسيّاً خاصّاً متناسباً مع مرحلته العمريّة وخصائصه النمائيّة على المستوى البيولوجيّ والفيزيولوجيّ والذهنيّ والنفسيّ والوجدانيّ، ولو بشكل ضعيف أو ضامر. وهذه الحياة الجنسيّة الخاصّة للطفل تحتاج منذ البداية إلى تربية وإرشاد وتوجيه، ولا تصلح معها سياسة الهروب ودفن الرأس في الرمال2.
 

1- الطوسيّ، التبيان في تفسير القرآن، ج2،ص411.
2- يراجع: عبلة مرجان، التربية الجنسيّة للأطفال حقّ لهم واجب علينا، مطبوعات جائزة خليفة التربويّة، أبو ظبي- دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، 2010-2011.
 
 
 
 
479

401

الدرس الثلاثون: التربية الجنسيّة للطفل (1) - الأسس والمرتكزات

 بداية التربية الجنسيّة للطفل في النصوص الدينيّة

لذا، نلاحظ أنّ بداية التربية الجنسيّة للطفل في الرؤية الإسلاميّة، تنطلق من مرحلة الطفولة المبكرة، وتحديداً في الأشهر الأولى لولادته، وهذا ما يظهر بوضوح في الأحاديث الصادرة عن النبيّ وأئمّة أهل البيت عليهم السلام أجمعين.

- عن الإمام جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ أمير المؤمنين عليه السلام، قال: "نهى رسول الله أن يجامع الرجل امرأته والصبيّ في المهد ينظر إليهما"1.

- وعن جابر قال: قال أبو جعفر الباقر عليه السلام: "إيّاك والجماع حيث يراك صبيّ يحسن أن يصف حالك".

قلت: يا بن رسول الله، كراهة الشنعة؟
قال عليه السلام: "لا، فإنّك إن رُزقت ولداً كان شهرة علماً في الفسق والفجور"2.

- وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبيّ، فإنّ ذلك ممّا يورث الزنا"3.

- وعنه عليه السلام أنّه قال: "نهى أن توطأ المرأة والصبيّ في المهد ينظر إليهما"4.

- وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "إيّاك أن تجامع أهلك وصبيّ ينظر إليك، فإنّ رسول الله كان يكره ذلك أشدّ الكراهة"5.

- وعنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "والذي نَفْسِي بِيَدِهِ6، لو أنّ رجلاً غَشِيَ امرأته وفي البيت صبيّ مستيقظ يراهما ويسمع كلامهما ونَفَسَهما، ما أفلح أبداً،
 

1- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج14، ص228.
2- ابنا بسطام النيسابوريّان، طبّ الأئمّة، ص133. ويراجع: الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج20، ص134.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج5، ص499.
4- المغربي، دعائم الإسلام، ج2، ص213.
5- طبّ الأئمّة، ص133.
6- والذي نفسي بيده: الواو في قوله: "والذي" واو القسم، والضمير، أي الهاء، في قوله: "بيده" يعود إلى الله تعالى، فهذه الجملة هي عبارة عن قسم بالله تعالى.
 
 
 
480

402

الدرس الثلاثون: التربية الجنسيّة للطفل (1) - الأسس والمرتكزات

 إذا كان غلاماً كان زانياً، أو جارية كانت زانية"1.


تُظهِر هذه الروايات بالدلالة الالتزاميّة، أنّ الطفل يملك استعداداً خاصّاً لبدء غرس بذور القيم والاتّجاهات والآداب والسلوكات الجنسيّة في هويّته منذ الطفولة المبكرة، وإلّا لما وجّهت النهي إلى الوالدين عن إتيان الفعل الجنسيّ أمام ناظري الطفل، أو ضرورة تجنّب إظهار أيّ كلام أو أنفاس جنسيّة تصل إلى أسماع الطفل، حتّى لو كان في المهد. وهذا النهي من أبرز مصاديق التربية الجنسيّة للطفل، حفظاً لكمال أخلاقه الإنسانيّة الفاضلة.

بداية الحياة الجنسيّة عند الطفل في الدراسات العلميّة
وأثبتت بعض الدراسات العلميّة حقيقة أنّ الإحساس الجنسيّ يرافق الطفل منذ ما قبل الولادة، فقد ورد في موسوعة الحياة الجنسيّة: "يشعر الطفل منذ الولادة، بل حتّى قبل ذلك، بالأحاسيس الجنسيّة، فالصورة الصوتيّة لجنين عمره 29 أسبوعاً يمكن أن تشير إلى وجود انتصاب في عضوه الذكريّ2، كذلك يحدث الانتصاب لدى الأطفال والأولاد أثناء النوم.

وفي وقت لاحق، ما بين 18 شهراً و3 سنوات، يدرك الطفل وجود فارق بين الجنسين، ويميّز أجزاء جسمه المختلفة، وهذا الإدراك يحصل أثناء اكتسابه اللغة، وتعلّمه كيفيّة التحكّم بعمليّتي التغوّط والتبوّل.

ما بين 3 و 5 سنوات، يطرح الطفل بدافع من فضوله، أسئلة عن الأعضاء التناسليّة...

ما بين 5 و 11 سنة، أي في المرحلة الدراسيّة الابتدائيّة، يميل الطفل إلى الألعاب المألوفة لدى الأطفال، مثل لعبة الطبيب والممرّضة، أو لعبة الأب والأمّ في البيت. وبعض الأطفال في هذه المرحلة يعرف مشاعر الحبّ الصادقة والعميقة، بما في ذلك الغيرة والرغبة الجنسيّة..."3.
 
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج5، ص499.
2- تجدر الإشارة إلى أن الإحساس الجنسي على نحوين: الإحساس بمعنى الحالة الفيزيولوجية لوظائف أعضاء الطفل أو الجنين كالانتصاب للعضو الذكري، وهو أمر تتكفل بإثباته الأبحاث الطبيّة المذكورة، والإحساس بمعنى الحالة السيكولوجية أي الشعور والميل الجنسي نحو الجنس الآخر وهو مما لا دليل عليه عند الأطفال إلا في مرحلة عمرية متأخرة.
3- جان كهن- جاكلين كان ناثان – كريستيان فيردو، موسوعة الحياة الجنسيّة، ص78-79.
 
 
 
481

403

الدرس الثلاثون: التربية الجنسيّة للطفل (1) - الأسس والمرتكزات

 التفاعل الإيجابيّ مع أسئلة الطفل الجنسيّة

يشاهد الطفل منذ نعومة أظفاره الاختلاف والتمايز بين أبيه وأمّه، ويتحرّك لاستكشاف جسده وتحسّس أعضائه التناسليّة والعبث بها، ويباشر النظر إلى أعضاء الآخرين، بل يدفعه الفضول "للتلصّص" على عوراتهم أو استراق النظر إليها... من المواقف التي يعايشها والخبرات اللاشعوريّة التي يمرّ بها. ويدفعه ذلك وغيره لطرح جملة أسئلة ذات طابع جنسيّ، مثل: لماذا تمتاز أمّي في شكل جسدها عن أبي؟ ولماذا أمتاز عن أختي/ أخي مثلاً؟ ولماذا أملك عضواً ذكريّاً في حين تفقده أختي؟ وكيف وُجدت في بطن أمّي؟ وكيف خرجْتُ منها؟ ولماذا تحمل أمّي دون أبي؟ ولماذا خالتي أو عمّتي أو... ليست حاملاً؟ وماذا يفعل أبي وأمّي في غرفة النوم؟ لماذا يغلقون الأبواب على أنفسهم؟... إلخ من الأسئلة الكثيرة التي قد يصرّح بها أو يضمرها1.

ولا داعي لخوف الوالدين من هذه الأسئلة أو الشعور بالإحراج والاضطراب والحيرة، لأنّها تأتي في سياق طبيعيّ لنموّ الطفل وتعلّمه فنّ الحياة واستكشافها. وينبغي عليهما تجنّب منع الطفل من إثارة الأسئلة ذات الطبيعة الجنسيّة، بل عليهم أن يتحمّلوا مسؤوليّتهم التربويّة بتحضير أنفسهم للإجابة عن أسئلة الطفل الجنسيّة بهدوء ومن دون تزمّت، وعدم التهرّب من الجواب، والإكثار من المطالعة واستشارة أهل الاختصاص، خصوصاً منهم الذين لا يملكون المعارف والمهارات اللازمة لمناقشة مثل هذه الأسئلة والأفكار وتداولها، وعليهم أن لا يلجأوا إلى أسلوب صدّ الطفل وزجره، وعدم التصرّف بطريقة تفاقم المشكلة وترفع منسوبها، لأنّه إذا لم يلقَ الجواب منهما فسيدفعه فضوله وميله الفطريّ للاستطلاع إلى البحث عنه خارج دائرة البيت، فيقصد دوائر غير مأمونة، كالأقران والجيران والخادمات والأنترنت والمجلّات. وفي هذه الحال قد يقع الطفل فريسة الاستغلال الجنسيّ. وعليهم أن يعلموا أيضاً، أنّ الأشدّ خطورة من التهرّب من الجواب، هو الجواب الخاطئ أو الغامض والمبهم.
 

1- مجموعة من الأطبّاء، كيف تتجاوبين مع أسئلة طفلك الحرجة، الطبعة الأولى، بيروت، دار العودة، 1989م.
 
 
 
482

404

الدرس الثلاثون: التربية الجنسيّة للطفل (1) - الأسس والمرتكزات

 تهذيب الغريزة الجنسيّة وتوجيهها نحو العفّة

من أهمّ الأصول العامّة في التربية الجنسيّة، تعويد المربّي الطفل تكرار السلوكات والآداب التي تساهم في تشكيل ملكة في داخله، تجعله قادراً على أن يعيش حالة الاعتدال والتوازن الذهنيّ والنفسيّ والوجدانيّ والسلوكيّ تجاه المواقف الجنسيّة التي يواجهها في حياته، في ضوء منظومة القيم الدينيّة والآداب الاجتماعيّة العامّة1، ويُطلق على هذه الملكة مصطلح العفّة الجنسيّة.

ولذا، نلاحظ أنّ النصوص الدينيّة قد ركّزت في مدح العفّة الجنسيّة والاستعفاف.

يقول تعالى: ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾2.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "عليكم بالعفاف وترك الفجور"3.

وعن الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين وسيّد الساجدين عليه السلام قال: "ما من شيء أحبّ إلى الله بعد معرفته، من عِفّة بطن وفرج"4.

وعن ولده الإمام الباقر عليه السلام قال: "ما عُبِد الله بشيء أفضل من عفّة بطن وفرج"5.

وعن ولده الإمام الصادق عليه السلام قال: "إنّما شيعة جعفر، من عفّ بطنه وفرجه"6.

فالعفّة الجنسيّة هي المفهوم التربويّ الجامع لكلّ اللاءات الجنسيّة المحرّمة والمخالفة للضوابط الأخلاقيّة والآداب العامّة: لا للتلصّص، لا لمشاهدة الأفلام الخلاعيّة، لا للتعرّي، لا للفحش في الكلام، لا للتحرّش، لا للاستمناء، لا للزنا، لا للسحاق، لا للّواط...

أمّا أساليب الوصول إلى العفّة الجنسيّة وجدانيّاً ونفسيّاً وسلوكيّاً، فسنعرضها في الدرس التالي.
 
 

1- يراجع حول العفّة: عجمي، سامر توفيق، حياتنا الجنسيّة كيف نعيشها؟.
2- سورة النور، الآية 33.
3- الشيخ الكليني،الكافي، ج5، ص554.
4- ابن شعبة الحراني، تحف العقول ، ص282.
5- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص79.
6- المصدر نفسه،ص233.
 
 
 
483

405

الدرس الثلاثون: التربية الجنسيّة للطفل (1) - الأسس والمرتكزات

 ما بين التربية الجنسيّة الإسلاميّة والغربيّة

يشكّل هذا البعد القيميّ الأخلاقيّ في التربية الجنسيّة للطفل في ضوء الرؤية الإسلاميّة، أحد وجوه الاختلاف والتمايز مع التربية الجنسيّة من وجهة نظر بعض الفلاسفة وعلماء النفس في الغرب، الذين يريدون تربية جنسيّة تُهمل وتُغفِل حضور القيم الأخلاقيّة الإنسانيّة في الحياة الجنسيّة للطفل، بذريعة أنّ ذلك يضرّ بسلامة نموّ الطفل جنسيّاً.

يقول برتراند رسل: "إنّ التربية الأخلاقيّة المبكرة تصبح مضرّة بصورة خاصّة في ميدان الجنس... لا تعلّموا الولد أيّ آداب جنسيّة قبل أن يبلغ سنّ الرشد، وتجنّبوا بدقّة أن تسرّبوا إليه فكرة أنّ ثمّة شيئاً كريهاً أو منفّراً في وظائف الجسم الطبيعيّة"2.

كما يريد هؤلاء تقديم التربية الجنسيّة الدينيّة خاصّة، بصورة تبدو فيه متزمّته ومتطرّفة ورجعيّة، تفسد البناء السويّ لشخصيّة الطفل، وتشوّه المفاهيم الجنسيّة الصحيحة في ذهنه. بل هم لا يشجّعون الأهل على ترك الطفل ينمو تلقائيّاً في الميدان الجنسيّ وحسب، إنّما على ترغيب أبنائهم في الأنشطة الجنسيّة المنحرفة، والابتهاج بها.

يقول لارسن أولرستام: "... تنظيم التثقيف والتعليم - الجنسيّين - تنظيماً يقضي تدريجيّاً وفي مدّة طويلة على التّزمُت ومظاهر التقوى المتطرّفة والجهل والرجعيّة. فعلى الآباء والأمّهات أن يشجّعوا رغبة أبنائهم في الاطّلاع على الشؤون الجنسيّة، وأن يبتهجوا بنشاطهم الجنسيّ، فلا يُبدوا لهم القرف أو التبرّم كلّما تناول البحث العلاقات الجنسيّة، فالمعرفة أمضى سلاح لمحاربة التعصّب.

ويجب أن يشتمل التعليم الجنسيّ في المدارس على الانحرافات الجنسيّة، فلا يصفها بأنّها أمراض أو نقائص، بل يعتبرها مخارج شرعيّة لإشباع الغريزة الجنسيّة، ولها قيمة الجِماع الطبيعيّ بين الرجل والمرأة.

إنّ الذين يتلقّون تنشئة كهذه يربّون أبناءهم تربية حسنة، ولا يُفسدون مفهوماتهم الجنسيّة، فينمو الأولاد نموّاً طبيعيّاً، ولا خوف عليهم إلّا من الوقوع بين يدي رجل دين متعصّب"2.
 

1- راسل، غزو السعادة، ص79-80.
2- أولرستام، لارسن، الشاذّون الجنسيّون، ص166.
 
 
 
484

406

الدرس الثلاثون: التربية الجنسيّة للطفل (1) - الأسس والمرتكزات

 ولا نغفل عن أنّ كلّ طالب وطالبة في المدارس والثانويّات يدرس بطريقة مباشرة أو مبطّنة نظريّات فرويد، الذي يصدق عليه قول الشاعر: طبيب يداوي الناس وهو عليل، وطبيب يداوي والطبيب مريض. ففي ردِّه قبل وفاته بأربع سنوات على سيّدة أميركيّة أرسلت إليه تستفتيه في أمر ابنها اللوطيّ، قال لها: "فهمْتُ من خطابك أنّ ابنك لوطيّ، وتأثرت لأنّك لم تذكري ذلك صراحة، إذ تجنّبت استخدام هذا المصطلح "لوطي"، وربّما سأسألك: لماذا تجنّبت أن تصفيه صراحة بهذا الوصف؟ إنّ اللواطة ليست شيئاً يمكن أن يفاخر به أحد، ولكنّها أيضاً ليست شيئاً يمكن أن نستشعر منه الخزي، وليست رذيلة، ولا هي بالشيء الذي يجلب العار على صاحبه، ولا يمكن أن ندرجها ضمن الأمراض، وإنّما نحن نعتبرها اختلافاً في الوظيفة الجنسيّة يترتّب على تعطيل النموّ الجنسيّ، والكثيرون من العصور القديمة والعصر الحاليّ كانوا يمارسون اللواط، ولم يقلّل ذلك من احترام الناس لهم،... ومن الظلم الفادح أن نقول عن اللواط إنّه جريمة، ومن القسوة أن نَسِمه بهذه السِّمة..."1.


فرويد الذي ينظر في كتاباته: "مستقبل وهم" الذي ألّفه عام 1927، و"قلق في الحضارة" الذي ألّفه عام 1929، و"موسى والتوحيد" الذي ألّفه عام 1939، وغيرها، إلى الدين على أنّه مجرّد أفكار ولّدتها حاجة الإنسان إلى الدفاع عن النفس ضدّ تفوّق الطبيعة الساحق، ثم صوّرها لنفسه كأنّها وحي منزل2، وأنّ الظاهرة النبويّة ما هي إلا أسطورة وليست حقيقة تاريخيّة، و"أن الدين ما هو إلا عصاب تشكو منه الإنسانيّة"3، وأنّ تفسير الدين يقوم على أساليب ممارسة التحليل النفسيّ على النحو نفسه الذي يُفسّر فيه الوسواس العصابيّ عند المرضى النفسانيّين.
 

1- الحفني، عبد المنعم، الموسوعة النفسيّة الجنسيّة، ص734.
2- انظر: فرويد، مستقبل وهم،ص25-29.
3- فرويد، موسى والتوحيد،ص78-79. هذه المقولة الفرويديّة كانت في زمن رُفعت فيه شعارات عدّة ضدّ الدين ما زال البعض يردّدها لا على لسانه، بل في آليات تفكيره ونظم معرفته عن الدين، كمقولة كارل ماركس: "إنّ الدين أفيون الشعوب". كونستانتينوف، دور الأفكار التقدميّة في تطوير المجتمع، ص4. في حين أنّ الدين في قلق الحضارة المعاصرة هذه يثبت يوماً بعد يوم، أنّه دواء الشعوب لتطمئنّ قلوبهم من داء مفكّرين أمثالهم.
 
 
 
 
485

407

الدرس الثلاثون: التربية الجنسيّة للطفل (1) - الأسس والمرتكزات

 وللأسف، يجري كلامه وكلام غيره من أمثاله تحت اسم التطوّر العلميّ والعقلانيّة والحداثة، كما يعبّر الشهيد مطهّري1، ويتأثّر به بعض التربويّين والأطبّاء النفسيّين المنتسبين إلى الدين الإسلاميّ.


فبين إفراط هؤلاء وتفريط الرافضين للتربية الجنسيّة، ينبغي أن تبصر النور نظريّة الوسطيّة والاعتدال التي ترى التربية الجنسيّة للطفل في ضوء منظومة القيم الدينيّة، أمراً ضروريّاً وحيويّاً في بناء هويّة الطفل الصحّيّة والقيميّة والجسميّة والسلوكيّة...
 

1- انظر: مطهريّ، مرتضى، الضوابط الخلقيّة للسلوك الجنسيّ، ص12.
 
 
 
486

408

الدرس الثلاثون: التربية الجنسيّة للطفل (1) - الأسس والمرتكزات

 المفاهيم الرئيسة


- التربية الجنسيّة للطفل، من أصعب أنواع التربيات المضافة وأكثرها إشكاليّة، بسبب الانطباع الخاطئ عن مفهوم الجنس، والنظرة التابويّة إلى الحياة الجنسيّة، وفرط التحسّس منها. لذا، يُعتبر بناء تصوّر صحيح عن الجنس الخطوة الأولى على طريق الجرأة الأدبيّة في ميدان التربية الجنسيّة.
- التربية الجنسيّة لا تُختزل بالتعليم الجنسيّ للطفل، بل تشمل الإجراءات التي تكفل حمايته من الإساءة الجنسيّة، وتمكّنة من حسن التكيّف مع المواقف الجنسيّة المختلفة في ضوء القيم الدينيّة.
- يطرح الطفل جملة أسئلة ذات طابع جنسيّ: لماذا تمتاز أمّي في شكل جسدها عن أبي؟ ولماذا أملك عضواً ذكريّاً دون أختي؟ ولماذا تحمل أمّي دون أبي؟ وماذا يفعل أبي وأمّي في غرفة النوم؟
- ينبغي للأهل تجنّب منع الطفل من إثارة الأسئلة ذات الطبيعة الجنسيّة، وعدم الإصابة بالاضطراب والقلق، أو زجر الطفل وصدّه، بل عليهم تحضير أنفسهم للإجابة عن أسئلة الطفل الجنسيّة بهدوء.
- يملك الطفل منذ المرحلة المبكرة، إحساساً جنسيّاً خاصّاً متناسباً مع مرحلته العمريّة وخصائصه النمائيّة، ولو بشكل ضعيف أو ضامر. لذا، تحتاج الحياة الجنسيّة الخاصّة للطفل منذ البداية، إلى تربية وإرشاد وتوجيه، ولا تصلح معها سياسة الهروب ودفن الرأس في الرمال.
- نلاحظ أنّ بداية التربية الجنسيّة للطفل في الرؤية الإسلاميّة تنطلق من مرحلة الطفولة المبكرة، ويؤكّد ذلك أحاديث عدّة واردة في النهي عن المعاشرة الزوجيّة أمام ناظري الطفل.
- من أهمّ الأصول العامّة في التربية الجنسيّة، تدريب المربّي الطفل على السلوكات التي تساهم في تشكيل ملكة العفّة الجنسيّة في داخله، بنحو يكون قادراً على أن يعيش حالة التوازن الذهنيّ والنفسيّ والوجدانيّ والسلوكيّ تجاه المواقف الجنسيّة التي يواجهها في حياته.
- يشكّل البعد الأخلاقيّ في التربية الجنسيّة المبكرة للطفل، أحد وجوه الاختلاف والتمايز مع التربية الجنسيّة في ضوء رؤية بعض الفلاسفة وعلماء النفس في الغرب. فمثلاً، يقول لارسن أولرستام: "على الآباء والأمّهات أن يشجّعوا رغبة أبنائهم في الاطّلاع على الشؤون الجنسيّة، وأن يبتهجوا بنشاطهم الجنسيّ، فلا يُبدوا لهم القرف أو التبرّم كلّما تناول البحث العلاقات الجنسيّة".
 
 
 
487

409

الدرس الثلاثون: التربية الجنسيّة للطفل (1) - الأسس والمرتكزات

 أسئلة الدرس


- ما هي الأسباب والعوامل التي تجعل التربية الجنسيّة من أعقد أنواع التربية المضافة وأكثرها إشكالاً؟ وكيف نرفع الحظر عن التربية الجنسيّة؟
- يطرح الطفل أسئلة عدّة ذات طابع جنسيّ، برأيك ما هو الأسلوب الأفضل للتعامل مع أسئلة الطفل، هل هو التهرّب منها؟ أم اللجوء إلى أجوبة خاطئة؟ أم الإجابة عنها بما يتناسب مع مرحلته العمريّة وخصائصه النمائيّة؟ اطرح نماذج عمليّة على ذلك.
- عن الإمام الباقر عليه السلام: "إيّاك والجماع حيث يراك صبيّ يحسن أن يصف حالك... فإنّك إن رُزقت ولداً كان شهرة علماً في الفسق والفجور". حلّل مضمون هذه الرواية، مستخرجاً منها ثلاث قواعد في التربية الجنسيّة.
- يقول الفيلسوف البريطانيّ برتراند رسل: "إنّ التربية الأخلاقيّة المبكرة تصبح مضرّة بصورة خاصّة في ميدان الجنس... لا تعلّموا الولد أيّ آداب جنسيّة"، كيف تناقش هذا القول؟
- اطرح أبرز نقاط التفاوت والاختلاف بين التربية الجنسيّة الإسلاميّة والغربيّة؟
 
 
 
 
488

410

الدرس الحادي والثلاثون: التربية الجنسيّة (2) القيم والأساليب

 الدرس الحادي والثلاثون

التربية الجنسيّة (2) القيم والأساليب


أهداف الدرس:
على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:
1- يحدّد أهمّ الأساليب والقيم التربويّة الجنسيّة.
2- يذكر إجراءات حماية الطفل جنسيّاً.
3- يبيّن الأحكام والآداب العامّة لتربية الطفلة جنسيّاً.
 
 
 
491

411

الدرس الحادي والثلاثون: التربية الجنسيّة (2) القيم والأساليب

 تمهيد

ذكرنا في الدرس السابق مفهوم التربية الجنسيّة، وبيّنا أهمّ أهدافه، ومن أجل تحقيق تلك الأهداف، لا بدّ من اعتماد المربّي على جملة أساليب وقيم نسلّط الضوء عليها في هذا الدرس.

تجنيب ناظري الطفل العلاقة الحميمة بين الوالدين:
ينبغي للوالدين:
- تجنّب الممارسة الجنسيّة أمام مرأى الأطفال ومسمعهم، وإحكام إغلاق الباب على أنفسهما أثناء المعاشرة الزوجيّة، وسدّ كلّ المنافذ (كثقوب الأبواب) التي تسمح للطفل باستراق النظر إليهم أو التلصّص عليهم.
- تجنّب اتّخاذ وضعيّات حميمة فيها إيحاءات جنسيّة أمام ناظري الأطفال، في غرفة الجلوس أو أيّ مكان آخر.
- تدريب الأطفال على الاستئذان وطرق الباب كلّما أرادوا الدخول على خلوة الأب والأمّ، أو أيّ فرد آخر من أفراد الأسرة.

في الاستحمام والتنظّف
ينبغي للوالدين تعويد الطفل:
- إغلاق باب الحمّام أو بيت الخلاء عند دخوله، وعدم إبقائه مفتوحاً.
- دخول بيت الخلاء بنفسه لقضاء حاجته.
- الاهتمام بنظافة أعضائه التناسليّة وطهارتها.
 
 
 
 
 
493

412

الدرس الحادي والثلاثون: التربية الجنسيّة (2) القيم والأساليب

 - التمكّن من الاستحمام بنفسه.

- غسل الجمعة كي يعتاد غسل الجنابة لاحقاً.
- وضع الكريمات أو البودرة بنفسه على المناطق الحسّاسة من جسمه.

التفريق بين الأطفال في المضاجع
يبنغي للوالدين:
- عدم السماح للطفل بأن يبيت معهما في فراشهما.
- الفصل بين الذكور والإناث في فراش النوم منذ الطفولة المبكرة: سنتين.
- الفصل بين الذكور والذكور، والإناث والإناث، عند بلوغ سنّ التمييز، وإن أمكن الفصل في الغرف فهو أفضل.
- تعويد الطفل عدم الاضطجاع إلى جانب طفل مثله، حذراً من انجذابه إلى الجنس المماثل، فيؤدّي إلى اللواط أو السحاق.
- الفصل بين الذكور والإناث عند الاستحمام.

عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "فرّقوا بين أولادكم في المضاجع إذا بلغوا سبع سنين".

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً: "الصبيّ والصبيّ، والصبيّ والصبيّة، والصبيّة والصبيّة، يفرّق بينهم في المضاجع لعشر سنين"1.

عن الإمام الباقر عليه السلام: "يفرّق بين الغلمان والنساء في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين"2.

في الملامسة الجسديّة:
- تعريف الطفل بوجود مناطق حسّاسة في جسمه خاصّة به، لا يحقّ لأحد الاقتراب منها، وعليه إبداء قمّة الانزعاج والرفض حال حصول ذلك.
 

1- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص436.
2- الشيخ الكليني،الكافي، ج6، ص47.
 
 
 
494

413

الدرس الحادي والثلاثون: التربية الجنسيّة (2) القيم والأساليب

 - تجنّب تحسّس الأعضاء الجنسيّة للأطفال أو مداعبتها، حتّى من باب المزاح أو لإضحاك الطفل.

عن الإمام عليّ عليه السلام قال: "مباشرة المرأة ابنتها إذا بلغت ستّ سنين، شعبة من الزنا"1.

وحمل بعض الفقهاء معنى المباشرة على مسّ الفرج2.

- تعويد الطفل تجنّب مداعبة أعضائه الجنسيّة والعبث فيها، حتّى لا ينزلق لاحقاً إلى الاستمناء.

- تجنيب الفتاة المميّزة ابتداءً من عمر 6 سنوات، كلّ ملامسة جسديّة من أيّ نوع كان مع الأجنبيّ، كالمصافحة والتقبيل والجلوس في الحضن، بحجّة أنّه قريب أو ابن عمّها أو صديق أبيها...

سأل أحمد بن النعمان أبا عبد اللَّه عليه السلام، فقال له: عندي جويرية3 ليس بيني وبينها رحم، ولها ستّ سنين؟ قال عليه السلام: "لا تضعها في حجرك"4.

وعنه عليه السلام أنّه قال: "إذا بلغت الجارية الحرّة ستّ سنين، فلا ينبغي لك أن تقبّلها"5.

وعنه عليه السلام قال: "إذا بلغت الجارية ستّ سنين، فلا يقبّلها الغلام. والغلام لا يقبّل المرأة إذا جاز سبع سنين"6.

وعن الإمام الكاظم عليه السلام: "إذا أتت على الجارية ستّ سنين لم يجز أن يقبّلها رجل ليس (هي) بمحرم (له)، ولا يضمّها إليه"7.
 
 

1- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص436.
2- روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، ج8، ص344.
3- جويرية: تصغير جارية، أي فتاة صغيرة.
4- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص436.
5- الشيخ الكليني،الكافي، ج5، ص533.
6- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص437.
7- الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، ج7، ص461.
 
 
 
495

414

الدرس الحادي والثلاثون: التربية الجنسيّة (2) القيم والأساليب

 في النظر والمشاهدة:

- تعويد الطفل التمييز بين الأعضاء التي لا ينبغي لأحد النظر إليها والاطّلاع عليها، كأعضائه التناسليّة، وبين الأعضاء التي لا يحقّ لأحد ملامستها، كفخذيه ورقبته مثلاً، حتّى وإن سُمح له بالنظر إليها. وتدريبه على أنّه: متى؟ وأين؟ وكيف؟ ومن؟ يحقّ له تقبيله واحتضانه ولمسه...

- تجنيب الطفل النظر إلى عورات الآخرين والتلصّص عليها، وقد أفتى بعض الفقهاء بحرمة ذلك في الطفل المميّز1، ومعياره: "بلوغ الإنسان حدّاً يستنكف بجبلّته عن النظر إلى سوأته"2.

- تعويد الطفل غضّ البصر عن عورات الآخرين.

- تجنيب الطفل مشاهدة البرامج التلفزيونيّة والمسلسلات والأفلام التي تحتوي على مشاهد جنسيّة.

- تنمية الرقابة الذاتيّة لديه، عن طريق تدريبه على تغيير محطّات التلفزيون، إذا أظهرت لقطات مخلّة بالآداب، حتّى يتعوّد ذلك إذا كان وحده.

في الستر واللباس:
ينبغي للوالدين تعويد الطفل:
- ارتداء ملابسه الداخليّة بنفسه.
- ستر نفسه، وعدم التعرّي وخلع ملابسه أمام أحد.
- إغلاق الباب على نفسه عندما يريد خلع ملابسه أو تغييرها.
- عدم السماح لأيّ شخص كان بتجريده من ثيابه...
- وينبغي تنبيه الطفل إلى إغلاق "سحّاب" البنطلون أو أزراره.
 
 

1- النراقيّ، أحمد بن محمّد، مستند الشيعة ج16، ص35. وقال في دليله على ذلك: "للأمر باستئذان الذين لم يبلغوا الحلم في الآية عند العورات الثلاث التي كانوا يضعون فيها الساتر للعورة، وتؤيّده الروايتان: إحداهما: "والغلام لا يُقبِّل المرأةَ إذا جاز سبع سنين"، الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ح4512_، والأخرى: في الصبيّ يحجم المرأة، قال: "إن كان يحسن أن يصف فلا". الشيخ الكليني،الكافي، ج5، ص534.
2- الأنصاريّ، مرتضى، كتاب الطهارة، ج1، ص426.
 
 
 
496

415

الدرس الحادي والثلاثون: التربية الجنسيّة (2) القيم والأساليب

 - وينبغي للوالدين ستر عورتهما عن الطفل، خصوصاً في مرحلة التمييز.


قال الإمام الخمينيّ قدس سره: "يجب في حال التخلّي، كسائر الأحوال، ستر العورة عن الناظر المحترم، رجلاً كان أو امرأة، حتى عن المجنون والطفل المميّزين"1.

- على الأمّ أو الأخت أو غيرهما، ارتداء اللباس الذي يراعي الحشمة، خصوصاً في مرحلة التمييز للطفل الناظر، وكذلك الحال بالنسبة إلى الأب في خطّ علاقته مع بناته.

- ينبغي تعليم الطفل من خلال المحاكاة والملاحظة، التمييز بين مصاديق المحرّم وغير المحرّم في الستر والكشف، كأن يرى والدته تخلع حجابها أمام أخيها أو أبيها أو خالها أو عمّها، وترتديه أمام الجيران وأمام زوج خالته أو عمّته...

في الكلام والحديث
ينبغي للوالدين:
- التنبه إلى اللغة المستخدمة في عملية التربية الجنسية والابتعاد عن اللغة والألفاظ التي تثير تساؤلات نحو الجنس بنحو يؤدي إلى نقض الغرض وتوليد مفعول عكسي من التربية الجنسية.

- تجنّب إسماع الطفل الأنفاس والتأوّهات الجنسيّة عند اختلاء الزوجين للمعاشرة الزوجيّة.

- تجنّب الحديث أمام الأطفال عمّا يجري بينهما في الحياة الجنسيّة عامّة، أو في فراش الزوجيّة خاصّة.

قال الشهيد الثاني: "ويستحبّ مؤكّداً إضافة الستر المكانيّ والقوليّ إلى الستر الزمانيّ2"3.
 

1- الامام الخميني، تحرير الوسيلة، دار الكتب العلمية، 1390، ط2، ج1، ص17. العروة الوثقى، ج1،ص319، في أحكام التخلّي، مسألة 1. منهاج الصالحين، ج1، ص21.
2- المقصود بالستر الزمانيّ هو استحباب أن يكون الدخول ليلاً، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "زفّوا عرائسكم ليلاً". تهذيب الأحكام، ج7، ص418، ح1676.
3- مسالك الأفهام، ج 7، ص24. وجواهر الكلام، ج29، ص45. كفاية الأحكام، ج2، ص81.
 
 
 
497

416

الدرس الحادي والثلاثون: التربية الجنسيّة (2) القيم والأساليب

 - مراعاة الأدب في الألفاظ والكلمات للتعبير عن الشؤون الجنسيّة أمام الأطفال، وتجنّب استخدام الألفاظ الفاحشة.


- تجنّب رواية النكت والطرائف والقصص المتعلّقة بالأمور الجنسيّة أمام الأطفال.

- تجنّب إخبار الطفل بالأسماء التي يقبح التصريح بها عرفاً لأعضائه الجنسيّة، وتكنية أسماء أعضائهم وترميزها.

- تجنّب تشجيع الطفل على التلفّظ بكلمات مخلّة بالآداب العامّة.

إعطاء خصوصيّة للطفلة في التربية الجنسيّة
من النقاط المهمّة في التربية الجنسيّة، ملاحظة الخصوصيّة من ناحية جنس الطفل، ذكراً أو أنثى، فصحيح أنّ هناك إجراءات مشتركة بينهما، إلّا أنّه يبقى هناك مساحة واسعة أيضاً للخصوصيّة، فثمّة إجراءات خاصّة بالذكر وأخرى بالأنثى. فالأنثى قبل الذكر تبلغ شرعاً وتصل إلى مرحلة النضوج الجنسيّ بيولوجيّاً، ولطبيعة ما تفرضه تلك المرحلة من أحكام شرعيّة تحتاج إلى توعية جنسيّة، مثل:
- تأهيل الفتاة المميّزة وتعريفها بالحيض وأحكامه، وشرحها لها بأسلوب يجعلها مُهيَّأة لاستقبال العادة الشهريّة من دون خوف، من خلال تفهيمها أن خروج الدم ليس مرضاً أو نزيفاً، بل هو علامة نضوجها ورشدها، وينبغي أن تشعر بالفخر، فكم من فتاة تُصدم بخروج الدم مباشرة من دون تهيئة وتحضير مسبق من قبل الأمّ.

- تعويد الفتاة المميّزة الستر والحجاب.

- تعويدها حرمة المصافحة واللمس للأجنبيّ...

- تعويدها عدم تليين صوتها عند الحديث مع الأجنبيّ.

- تعويدها عدم التزيّن والتجمّل وإبداء أنوثتها أمام الأجنبيّ.

- تعويد الطفلة وتعليمها آداب الجلوس الصحيح، على نحو لا تباعد بين ساقيها، ولا تكون ثيابها وملابسها منزلقة إلى الأعلى...

- الحذر من لعب الطفلة وحدها مع أبناء عمومتها أو أخوالها الذكور.
 
 
 
 
 
498

417

الدرس الحادي والثلاثون: التربية الجنسيّة (2) القيم والأساليب

 - تفهيمها أهمّيّة ابتعادها عن الفتيات اللاتي يوزّعن أفلاماً جنسيّة، أو أرقام هواتف للشباب، وبيان أهمّيّة مصاحبه ذوات الأخلاق الحسنة فقط.


- تنبيهها إلى تجنّب التحدّث مع أيّ فتى أو شابّ يحاول التعرّف إليها.

تنمية عنصر الحياء عند الفتاة
إنّ الله تعالى قد أودع صفة الحياء في ذات كلّ فتاة بأصل الخلقة والتكوين.

ولكنّ وجود عنصر الحياء في التكوين الروحيّ للفتاة، لا يعني أنّها لا تقدر على الخروج إلى حالة ضعف الحياء وخمودها، لذا، ينبغي لأمّها تعويدها الآداب والسلوكات التي تنمّي الحياء كملكة في شخصيّتها، لأنّ بقاء عنصر الحياء مرهون بالعفّة.

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "الحياء عشرة أجزاء، تسعة في النساء، وواحد في الرجال، فإذا حاضت ذهب جزء من حيائها، وإذا تزوّجت ذهب جزء، وإذا افترعت ذهب جزء، وإذا ولدت ذهب جزء، وبقي لها خمسة أجزاء، فإن فجرت ذهب حياؤها كلّه، وإن عفّت بقي لها خمسة أجزاء"1.

فمن أهمّ خصائص التربية الجنسيّة للفتاة، هو تنمية حسّ الحياء عندها، ولكن بنحو لا يمنعها حسّ الحياة عن طرح الموضوعات بجرأة أدبيّة مع أمّها. فإنّ للأم الدور الأهمّ في التربية الجنسيّة لابنتها، من خلال مصادقة ابنتها وبناء الثقة معها، لتكون صندوق سرّها، فتطلعها على أسرارها وآمالها وتصوّراتها، وما تمرّ به من تجارب وخبرات، وما يحدث معها من مواقف، فتستطيع الأمّ أن توجّه ابنتها وترشدها نحو ما فيه كمال شخصيّتها وصلاحها. وعلى الأمّ أن تتعامل مع الطفلة بذكاء، وتوسِّع من دائرة معارفها وخبراتها حول كيفيّة التعامل مع الطفلة، حتى تكون موضع تقدير في عينها، فتلجأ إليها بالاختيار، وكي لا يتحوّل الإفراط في الحياء عن حدّه العقلائيّ والشرعيّ إلى حجر عثرة في البناء السليم لشخصيّة الفتاة، فتضطرّ الفتاة حينها إلى اللجوء إلى غير الأمّ، خصوصاً زميلاتها أو أقاربها، الذين هم من أعمارها أو أنضج قليلاً.
 

1- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص468.
 
 
 
499

418

الدرس الحادي والثلاثون: التربية الجنسيّة (2) القيم والأساليب

 التربية الجنسيّة الوقائيّة

وهي عبارة عن قيام الوالدين بمجموعة من الإجراءت التي تحمي الطفل من عمليّات الاستغلال الجنسيّ من قبل أقرانه أو البالغين، وتضمن سلامة الطفل من التعرّض لأيّ إساءة أو تحرّش أو اعتداء جنسيّ، وتعويده وتدريبه على الإجراءات الوقائيّة التي تكفل حمايته لنفسه جنسيّاً، خصوصّاً أن هذه التعدّيات الجنسيّة ضدّ الطفل تترك بصمة سلبيّة على شخصيّته، من حيث النظرة المشوّهة والشاذّة إلى الجنس، أو سوء تكيّفه مع المحيط الاجتماعيّ والخوف والقلق والدائمَين، وتدنّي مستوى تقدير الذات واحترامها... إلخ.

وهذه الإجراءات هي:
1- زرع الثقة لتشجيع الطفل على مكاشفة والديه ومصارحتهما:
ينبغي بناء جسور الثقة مع الطفل وتعويده رواية الأحداث اليوميّة التي يمرّ بها بانتظام، وحسن الاستماع إليه والتفاعل الإيجابيّ معه، وتخصيص أوقات محدّدة للاستماع إلى الطفل وهو يتحدّث عن ميوله ورغباته وآماله ومخاوفه ومشاكله من دون خجل أو حواجز، ليكون ذلك دافعاً له للتعبير لوالديه عمّا يحدث معه من مواقف محرجة جنسيّاً، وإخبارهما ومصارحتهما عند تعرّضه لأيّ إساءة جنسيّة أو تحرّش أو ملامسة أعضائه أو الاحتكاك به أو الضعط عليه لخلع ملابسه... إلخ، من خلال عدم اتّخاذ أيّ موقف سلبيّ منه أو إلقاء اللوم عليه وتهديده، لأنّه حينها سيخاف من العواقب ويتمنّع عن مصارحة أهله بما يتعرّض له، فيقع فريسة التحرّش والاستغلال الجنسيّ من قبل الآخرين. لذا، ينبغي للآباء إحاطة الطفل بالمحبّة والحنان وطمأنته وإشعاره بقوّتهم واقتدراهم، وأنهم إلى جانبه ومعه.

وإشعار الطفل بقوّة والده وافتخاره بذلك، واستثمار هذا الشعور بتحويل أيّ تهديد يتعرّض له من حالة الدفاع، بأن يكون ضحيّة، إلى حالة الهجوم ضدّ المعتدي، بتوجيه التهديد إليه بأنّه سيخبر والده إن فعل كذا أو كذا.
 
 
 
 
500

419

الدرس الحادي والثلاثون: التربية الجنسيّة (2) القيم والأساليب

 2- المراقبة الذكيّة لعلاقات الأطفال داخل الأسرة النوويّة أو الممتدّة:

يجب على الأهل مراقبة أنماط لعب الأطفال بعضهم مع بعض في خلواتهم، فقد يقومون - عن براءة - بفعل أشياء جنسيّة، كالتقبيل والتعرّي والمداعبة... تقليداً للكبار ومحاكاة لمشاهدة تلفزيونيّة...

فالطفل قد يقدم بدافع الفضول أو التقليد أو اللعب أو أيّ سبب آخر، على إتيان بعض الأفعال والعلاقات المشبوهة التي فيها إيحاءات جنسيّة، حتى لو لم يدرك ذلك، كأن يقبّل أخته في فمها، أو يتحسّس أعضاء أخيه الجنسيّة، أو يتلصّص على غرفة نوم أهله، أو على أحد أثناء استحمامه... لذا، ينبغي أن تخضع علاقات الأطفال لمراقبة ذكيّة من قبل الوالدين، خصوصاً في سنّ التمييز، فإنّ علاقة المحرميّة أو الأخوّة بين الأطفال وإن كانت تحدّ من منسوب الميل الجنسيّ وتدفعه، إلّا أنّها لا ترفعه وتلغيه، لذا، ينبغي عدم جعل هذا الاعتبار مانعاً عن المراقبة الذكيّة للأطفال والاطّلاع على أحوالهم، خصوصاً مع وجود تجارب مؤذية ومرّة في هذا الميدان، تكون وليدة إهمال أو غفلة الأهل.

فعلى الأهل أن لا يعتبروا أن براءة أطفالهم تجعلهم مبرّئين عن مثل هذه العلاقات، بل عليهم أن يضعوا في الحسبان أنّ طفلهم يمكن أن ينجرّ إلى إتيان هذا النمط من العلاقات الجنسيّة المشبوهة.

وفي هذا السياق، ينبغي مراقبة سلوك الآخرين مع الطفل نفسه، فقد يقوم الطفل الأكبر سنّاً أو الراشد باستغلال الطفل جنسيّاً من دون أن يشعر أهله بذلك نتيجة ثقتهم. لذا، ينبغي أن يكون مبدؤهم في هذا المجال هو الثقة الممزوجة بالحذر، كما تقدّم في الروايات التي ذكرناها في درس التربية الاجتماعيّة، منها: عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا تثقنّ بأخيك كلّ الثقة، فإن سرعة الاسترسال لا تُستقال"1.

وعليه، ينبغي عدم ترك الطفل مع أشخاص غير موثوق بهم، والحذر من تركه مع أشخاص موثوق بهم، لأنّه على الوالدين عدم تصور أن التحرّش الجنسيّ بالأطفال مختصّ
 

1- الشيخ الكليني،الكافي، ج2، ص672.
 
 
 
501

420

الدرس الحادي والثلاثون: التربية الجنسيّة (2) القيم والأساليب

 بالغرباء، بل أكّدت دراسات عدّة أنّ نسبة 75% من التحرّشات الجنسيّة والإساءات التي يتعرّض لها الطفل، تصدر عن أشخاص معروفين للضحيّة ومألوفين عنده، وتربطه بهم علاقة قربى أو معرفة1. فضلاً عن أنّ الأشخاص الموثوق بهم وإن لم يتعرّضوا للطفل جنسيّاً، لكنّهم قد يمارسون سلوكات جنسيّة خاطئة أمام الطفل، كالفحش من القول، ومشاهدة الأفلام الجنسيّة، أو العبث بأعضائهم التناسليّة وممارسة العادة السرّيّة، أو إجبار طفل آخر على خلع ملابسه...

 


1- يراجع: زكي، عماد، الطفل العربيّ والمستقبل، دار المعرفة، الكويت، 1989م.

 

 

 

502


421

الدرس الحادي والثلاثون: التربية الجنسيّة (2) القيم والأساليب

 المفاهيم الرئيسة


- يجب على الوالدين تجنّب كلّ الوضعيّات الحميمة التي فيها إيحاءات جنسيّة أمام الطفل، وكذلك تجنّب المعاشرة الزوجيّة أمام ناظري الطفل، وإحكام إغلاق الباب على أنفسهما، وسدّ كلّ المنافذ (كثقوب الأبواب) التي تسمح للطفل باستراق النظر إليهم أو التلصّص عليهم.
- ينبغي تعويد الطفل إغلاق باب الحمّام أو بيت الخلاء عند دخوله وعدم إبقائه مفتوحاً، ثم الدخول بنفسه للاستحمام أو قضاء حاجته، والاهتمام بتنظيف أعضائه.
- ينبغي الفصل بين الذكور والإناث في فراش النوم. عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "الصبيّ والصبيّ، والصبيّ والصبيّة، والصبيّة والصبيّة، يُفرّق بينهم في المضاجع لعشر سنين".
- ينبغي تعريف الطفل أنّ هناك مناطق حسّاسة في جسمه خاصّة به، لا يحقّ لأحد الاقتراب منها، وعليه إبداء قمّة الانزعاج حال حصول ذلك. وتجنيب الفتاة خصوصاً المميّزة، كلّ ملامسة جسديّة من أيّ نوع كان مع الأجنبيّ، كالمصافحة والتقبيل والجلوس في الحضن بحجّة أنّه قريب. عن الإمام الكاظم عليه السلام: "إذا أتت على الجارية ستّ سنين، لم يجز أن يقبّلها رجل ليس (هي) بمحرم (له)، ولا يضمّها إليه".
- ينبغي تجنيب الطفل مشاهدة البرامج التلفزيونيّة والمسلسلات والأفلام التي تحتوي على مشاهد جنسيّة، وتعويده غضّ البصر عن عورات الآخرين.
- ينبغي للوالدين ستر عورتهما عن الطفل، وتعويده عدم التعرّي، وارتداء ملابسه الداخليّة بنفسه. وعلى الأمّ أو الأخت ارتداء اللباس الذي يراعي الحشمة.
- ينبغي تجنّب إسماع الطفل الأنفاس الجنسيّة أثناء المعاشرة الزوجيّة، أو الحديث عمّا يجري بينهما في الحياة الجنسيّة، وتجنّب استخدام الألفاظ الفاحشة والطرائف المتعلّقة بالأمور الجنسيّة أمام الأطفال.
- ينبغي تنمية ملكة الحياء عند الفتاة، وتعريف الفتاة المميّزة بالحيض وأحكامه، وتعويدها الستر والحجاب، وتجنّب تليين الصوت، وتعليمها آداب الجلوس، وتجنّب إظهار التزيّن والتجمّل أمام الأجنبيّ، والحذر من لعب الطفلة وحدها مع أبناء عمومتها أو أخوالها الذكور، وتجنّب محادثة شابّ يريد التعرّف إليها.
- ينبغي للوالدين القيام بالإجراءت التي تحمي الطفل من الاستغلال الجنسيّ، مثل: بناء جسور الثقة معه وتعويده رواية الأحداث اليوميّة التي يمرّ بها بانتظام، وتخصيص أوقات محدّدة للاستماع إلى آماله ومخاوفه، ليكون ذلك دافعاً له لمصارحة والديه عمّا يحدث معه من مواقف محرجة جنسيّاً. وعليهم مراقبة أنماط لعب الأطفال بعضهم مع بعض في خلواتهم، فقد يقومون - عن براءة - بفعل أشياء جنسيّة، كالتقبيل والتعرّي والمداعبة... تقليداً للكبار ومحاكاة لمشاهدة تلفزيونيّة...
 
 
 
 
503

422

الدرس الحادي والثلاثون: التربية الجنسيّة (2) القيم والأساليب

 أسئلة الدرس


- بعض الأهل قد لا يراعي وجود الأطفال في البيت أثناء المعاشرة الزوجيّة، بحجّة كونهم صغاراً لا يفهمون، كيف تقنعهم بضرورة تجنيب الطفل ملاحظة أيّ شكل من أشكال العلاقة الجنسيّة وسماع ذلك؟
- ما هي الخطوات التي بنبغي اتّباعها لتعويد الطفل الاستحمام والتنظّف الذاتيين؟ وما علاقة هذين الموضوعين بالتربية الجنسيّة؟
- عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "فرّقوا بين أولادكم في المضاجع إذا بلغوا سبع سنين". حلّل مضمون هذا الحديث، شارحاً أهمّيّة التفريق بين الأطفال في المضاجع؟
- سأل أحمد بن النعمان أبا عبد اللَّه عليه السلام، فقال له: عندي جويرية ليس بيني وبينها رحم، ولها ستّ سنين؟ قال عليه السلام: "لا تضعها في حجرك". حلّل مضمون هذه الرواية.
- ما هو الدور السلبيّ الذي تؤدّيه مشاهدة الوالدين للأفلام والمسلسلات التي تحتوي صوراً خلاعيّة على هويّة الطفل؟ ولماذا؟
- ما هي الآداب العامّة للّباس داخل المنزل من قبل أعضاء الأسرة؟ وكيف تربط بين آداب اللباس والتربية الجنسيّة؟
- ما هي القيم الجنسيّة التي ينبغي للوالدين إعطاؤها أهمّيّة خاصّة في تربية الفتاة؟
- ما هي أبرز الخطوات الوقائيّة التي ينبغي للأهل القيام بها لتجنيب الطفل الإساءة الجنسيّة؟
 
 
 
 
504

423

فهرس المصادر والمراجع

 1- القرآن الكريم.

2- نهج البلاغة.
3- الصحيفة السجادية.

(أ)

4- الإمام العسكري، التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي، قم المقدسة، الطبعة الأولى، 1409ه.
5- الإبراشي، محمد عطية، الاتجاهات الحديثة في التربية، دار الفكر العربي، القاهرة، 1994م.
6- إبراهيم، حلمي، وليلى السيد فرحات، التربية الرياضية والترويح للمعاقين، دار الكتاب العربي، 1998م.
7- إبراهيم، مجدي عزيز، موسوعة المعارف التربويّة، الحرف التاء، عالم الكتب، القاهرة، ط1، 2007م.
8- الأبشيهي، محمد بن أحمد، المستطرف في كل فن مستظرف، ج2، ص809 وما بعد. ضبط وشرح صلاح الدين الهواري، دار ومكتبة الهلال، بيروت، ط1، 2000م.
9- ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله المدائني، شرح نهج البلاغة، تعليق حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط1، 1415ه-1995م.
10- ابن أبي شيبة، عبد الله بن محمد، المصنف، تحقيق وتعليق سعيد اللحام، دار الفكر، بيروت، ط1، 1409ه-1989م.
11- ابن الأثير، المبارك بن محمد الجزري، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، مؤسسة إسماعيليان، قم، ط4، 1364ه.ش.
12- ابن إدريس الحلي،، محمد بن منصور، مستطرفات السرائر، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط2، 1411ه.
13- ابن أنس، مالك، الموطأ، تصحيح وتعليق محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1406ه-1985م.
14- ابنا بسطام النيسابوريين، أبو عتاب عبد الله بن سابور الزيات والحسين، طب الأئمة، تقديم محمد مهدى السيد حسن الخراسان، منشورات المكتبة الحيدرية، النجف، ط2، 1385 ه‍ - 1965 م.
 
 
 
 
 
507

424

فهرس المصادر والمراجع

 15- ابن حمدون، محمد بن الحسن، التذكرة الحمدونية، تحقيق احسان وبكر عباس، دار صادر، بيروت، الطبعة الأولى، 1996م.

16- ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد، دار صادر، بيروت.
17- ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد بن حنبل، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، 1420ه -1999م.
18- ابن الدجاجي، سعد الله بن نصر بن سعيد، سفط الملح وزوح الترح ويليه الأخبار في آداب النوم، تحقيق خالد أحمد الملا السويدي، دار سعد الدين، دار كنان للطباعة والنشر، ط1، 2005م.
19- ابن سيده، علي بن إسماعيل، المخصص، تحقيق لجنة إحياء التراث العربي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
20- ابن سينا، الشفاء _المنطق، البرهان، تصدير ومراجعة إبراهيم مدكور، تحقيق أبو العلا عفيفي، نشر وزارة التربية والتعليم الإدارة العامة للثقافة بمناسبة الذكرى الألفية للشيخ الرئيس، المطبعة الأميرية، القاهرة، 1375ه_1956م.
21- ابن زكريا، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمد هارون، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، (لا،ط)، 1404 ه‍.
22- ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، تحقيق لجنة من أساتذة النجف الأشرف، مطبعة الحيدرية، 1376ه-1956م.
23- ابن طاووس، علي بن موسى، الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف، مطبعة الخيام، قم، ط1، 1399ه.
24- ابن طاووس، علي بن موسى، كشف المحجة لثمرة المهجة، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1950م.
25- ابن طاووس، علي بن موسى، مقتل الحسين (اللهوف في قتلى الطفوف)، علي بن موسى، ط1، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1414هـ- 1993م‍.
26- ابن عربي، محمد بن علي، الفتوحات المكية، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
27- ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق، دراسة وتحقيق علي شيري، دار الفكر، بيروت، 1415ه،
28- ابن قولويه، جعفر بن محمد، كامل الزيارات، ط1، بيروت، دار المرتضى، 1429هـ - 2008 م.
 
 
 
 
508

425

فهرس المصادر والمراجع

 29- ابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجة، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر للطباعة.

30- ابن المغازلي، علي بن محمد، مناقب علي بن أبي طالب، انتشارات سبط النبي، ط1، 1426ه.
31- ابن منظور، محمد بن مكرَّم، لسان العرب، تصحيح أمين محمد عبد الوهاب ومحمد الصادق العبيدي، دار إحياء التراث العربي ومؤسسة التاريخ العربي، بيروت، ط2، 1417 ه‍_1997 م.
32- أبو حميدان، يوسف عبد الوهاب، العلاج السلوكيّ لمشاكل الأسرة والمجتمع، دار الكتاب الجامعي، الأمارات العربية المتحدة، ط1، 2001م.
33- أبو عبده، حسن السيد، أساسيات تدريس التربية الحركيّة والبدنيّة، ملتقى الفكر العربي، الإسكندرية، 2001.
34- أبو فنة، محمود، القصة الواقعيّة للأطفال في أدب سليم خوري، دار الهدى للطباعة والنشر، حيفا، 2001م.
35- اتفاقية الطفل، المعتمدة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 25/44 المؤرخ في 20 تشرين الثاني/1989_.
36- الأحسائي، محمد بن علي بن إبراهيم، عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينيّة، تحقيق مجتبى العراقي، مطبعة سيد الشهداء، قم، ط1، 1403ه-1983م.
37- أحمد، سهير كامل، أساليب تربية الطفل بين النظرية والتطبيق، مركز الإسكندرية للكتاب، مصر، 1999م.
38- الأربلي، علي بن عيسى، كشف الغمة في معرفة الأئمة، دار الأضواء، بيروت، ط2، 1405ه- 1985م.
39- الأردبيلي، أحمد، مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، تحقيق مجتبى العراقي وعلي بناه الاشتهاري وحسين اليزدي الأصفهاني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط1، 1416ه.
40- الأشول، عادل أحمد عز الدين، موسوعة التربية الخاصة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1987م.
41- الإعلان العالمي لحقوق الطفل، المنشور بموجب قرار الجمعية العامة 1386(د-14) المؤرخ في 20 تشرين الثاني 1959.
42- أبو حطب، فؤاد، وآمال صادق، علم النفس التربوي، مكتبة الأنجلو المصرية، ط6، 2009م.
43- أبو دف، محمود خليل، مشكلة العقاب البدنيّ في التعليم المدرسي وعلاجها في ضوء التوجيه التربوي الإسلامي، مجلة الجامعة الإسلاميّة، المجلد السابع، العدد الأول، يناير 1999. (نسخة إلكترونية)
 
 
 
 
509

426

فهرس المصادر والمراجع

 44- أبو العلاء المعري، أحمد بن عبد الله، لزوم ما لا يلزم،

45- الأمين، محسن، أعيان الشيعة، تحقيق حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1403ه- 1983م.
46- الأنصاري، مرتضى، فرائد الأصول، تحقيق وتقديم عبد الله النوراني، مؤسسة النعمان، بيروت، 1411ه-1991م.
47- الأنصاري، مرتضى، كتاب الطهارة، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، مجمع الفكر الإسلامي، قم، ط3، 1428ه.
48- أولرستام، لارسن، الشاذون الجنسيون، تعليق جورج مصروعة، دار المكشوف، بيروت، ط1، 1968م.

(ب)

49- باقري، خسرو، فلسفة التربية والتعليم الإسلاميّة، ترجمة ونشر مركز الأبحاث والدراسات التربويّة، دار البلاغة، بيروت، ط1، 1435ه-2014م.
50- باقري، خسرو، نظرة متجددة في التربية الإسلاميّة، ترجمة ونشر مركز الأبحاث والدراسات التربويّة، دار البلاغة، بيروت، ط1، 1436ه-2015م.
51- بانبيلة، حسن بن عبد الله، أصول التربية للطفولة في الإسلام، مكتبة الرشد ناشرون، الرياض، 2009م.
52- الببلاوي، فيولا، الأسس النفسيّة والاجتماعيّة لبناء المناهج في رياض الأطفال في الوطن العربي، المنظمة العربية للتربية والثقافة، تونس، 1986م.
53- البجنوردي، حسن، القواعد الفقهيّة، تحقيق مهدي المهريزي ومحمد حسين الدرايتي، مطبعة الهادي، قم، ط1، 1419ه.
54- البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، دار الفكر، 1401ه-1981م
55- برغ، لين غولد، ودايان إبليوت، أثر التمارين الرياضية في الشفاء، تعريب محمد سمير القحطاني.
56- البرقي، أحمد بن محمد بن خالد، المحاسن (الأخلاق والآداب)، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط1، 1429ه-2008م.
57- البروجردي، حسين، جامع أحاديث الشيعة، المطبعة العلميّة، قم، 1399ه.
58- البروجردي، مرتضى، المستند في شرح العروة الوثقى، تقرير بحث السيد الخوئي، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، قم، ط1، 2005م.
 
 
 
 
 
510

427

فهرس المصادر والمراجع

 59- بشير، نمرود، ألعاب الفيديو وأثرها في الحد من ممارسة النشاط البدنيّ الرياضي الجماعي الترفيهي عند المراهقين المتمدرسين ذكور (12-15سنة) –القطاع العام- دراسة حالة على متوسطة البساتين الجديدة ببئر مراد رايس- الجزائر، إشراف لزعر سامية، جامعة الجزائر –بن يوسف بن خدة- معهد التربية البدنيّة والرياضاية، الجزائر، 2008م.

60- بيلت، جان ماري، عودة الوفاق بين الإنسان والطبيعة، ترجمة السيد محمد عثمان، عالم المعرفة، عدد189، 1994م.
61- البيهقي، أحمد بن الحسين، شعب الإيمان، تحقيق محمد السعيد بن بسيوني، تقديم عبد الغفار سليمان البنداري، دار الكتب العلميّة، بيروت، ط1، 1990م.

(ت)

62- ترحيني، محمد حسن، الزبدة الفقهيّة في شرح الروضة البهية، دار الهادي، بيروت، ط1، 1415ه-1995م.
63- الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي، تحقيق وتصحيح عبد الرحمن محمد عثمان، دار الفكر، بيروت، ط2، 1403ه-1983م.

(ج)

64- جامعة حلب، العقاب وعلاقته بالتحصيل الدراسي، حلقة بحثية صادرة عن جامعة حلب، كلية التربية، قسم تربية الطفل، 2009-2010م.
65- جان كهن- جاكلين كان ناثان – كريستيان فيردو، موسوعة الحياة الجنسيّة، ترجمة محمد حسين شمس الدين، دار الفراشة، بيروت، 2005م.
66- الجزائري، نعمة الله الموسوي، الأنوار النعمانية، مطبعة شركة جاب، تبريز-إيران.
67- الجعفري، ماهر إسماعيل، نحو فلسفة إيمانية للتربية البيئيّة، دار الشروق، عمان- الأردن، 2008م.
68- الجهرمي، علي الكرمي، الدر المنضود في أحكام الحدود، تقريرات أبحاث السيد محمد رضا الكلبايكاني، دار القرآن الكريم، قم، ط1، 1414ه.
69- الجواهري، محمد حسن، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، تحقيق وتعليق القوجاني، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، ط2، 1365ه.

(ح)

70- الحازمي، خالد بن حامد، أصول التربية الإسلاميّة، دار عالم الكتب، المدينة المنورة، ط1، 1420ه-2000م.
 
 
 
 
511

428

فهرس المصادر والمراجع

 71- الحديدي، علي، في أدب الأطفال، مكتبة الأنجلو المصرية، 2010م.

72- الحر العاملي، محمد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، ط2، 1414ه.
73- الحراني، ابن شعبة الحسن بن علي، تحف العقول، تعليق على أكبر الغفاري، بنيد القار _ الكويت، مكتبة الأمين، ط1، 1425هـ _ 2004 م.
74- الحفني، عبد المنعم، الموسوعة النفسيّة – علم النفس والطب النفسي، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط2، 2003م.
75- الحفنى، عبد المنعم، الموسوعة النفسيّة الجنسيّة، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط3، 2000م.
76- الحلي، أحمد بن فهد، عدة الداعي ونجاح الساعي، مؤسسة الرسول الأعظم، العراق، ط1، 2010م.
77- الحلي، الحسن بن يوسف، الأسرار الخفية في العلوم العقليّة، تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة، قم، ط1، 1421ه.
78- الحلي، الحسن بن يوسف، تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإمامية، تحقيق إبراهيم البهادري، إشراف جعفر السبحاني، مؤسسة الإمام الصادق، ط1، 1420ه.
79- الحلي، الحسن بن يوسف، تذكرة الفقهاء، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، ط1، 1414ه.
80- الحلي، الحسن بن يوسف، قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ط1، ربيع 1413ه.
81- الحكيم، عبد الهادي، فقه للمغتربين وفق فتاوى السيد علي الحسيني السيستاني.
82- الحكيم، عبد الصاحب، منتقى الأصول، تقرير بحث السيد محمد الروحاني، مطبعة الهادي، ط2، 1416ه.
83- الحكيم، محسن، منهاج الصالحين، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1980م.
84- الحمد، رشيد، صباريني، محمد سعيد، البيئة ومشكلاتها، سلسلة عالم المعرفة، العدد: 22.
85- الحميري القمي، عبد الله بن جعفر، قرب الإسناد، تحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، ط1، 1413 هـ.
86- الحيلة، محمد محمود، الألعاب التربويّة وتطبيقات إنتاجها سيكولوجياً وتعليمياً وعملياً، دار المسيرة، عمان، ط2، 2003م.
 
 
 
 
512

429

فهرس المصادر والمراجع

 (خ)


87- الخامنئي، علي بن جواد الحسيني، أجوبة الاستفتاءات، دار المصطفى العالميّة، بيروت، ط10، 1431ه- 2010م.
88- الخامنئي، علي بن جواد الحسيني، أجوبة الاستفتاءات، دار النبأ للنشر والتوزيع، ط1، 1415ه‍ - 1995.
89- الخزاز القمي، علي بن محمد، كفاية الأثر في النص على الأئمة الإثني عشر، تحقيق عبد اللطيف الحسيني، انتشارات بيدار، مطبعة الخيام، قم، 1401ه.
90- والخطيب، جمال، تعديل السلوك الإنساني، مكتبة الفلاح، الكويت، 2003م.
91- الخمّاش، أمية، سيكولوجية التربية الجنسيّة عند الأطفال، جمعية الدراسات العربية، القدس، الطبعة الأولى، 1962م.
92- الخميني، روح الله، تحرير الوسيلة، مطبعة الآداب، النجف الأشرف، ط2، 1390ه.
93- الخميني، روح الله، جنود العقل والجهل، تعريب أحمد الفهري، مؤسسة الأعملي للمطبوعات، بيروت، (لا.ط)،1422 ه- 2001 م.
94- الخوانساري، أحمد، جامع المدارك في شرح المختصر النافع، تحقيق وتعليق على أكبر غفاري، مكتبة الصدوق، طهران، ط2، 1405ه.
95- الخوئي، أبو القاسم، منهاج الصالحين، دار البلاغة، بيروت، ط1، 1412ه-1992م.
96- الخوئي، أبو القاسم، والتبريزي، جواد، صراط النجاة في أجوبة الاستفتاءات، جمع موسى مفيد الدين عاصي، دار المحجة البيضاء، دار الرسول الأكرم، ط1، 1418ه-1997م.
97- الخولي، أسامة، البيئة وقضايا التنمية والتصنيع، دراسات حول الواقع البيئيّ في الوطن العربي والدول النامية، تقديم مصطفى طلبة، عالم المعرفة، عدد285، 2002م.
98- الخولي، أمين أنور، أصول التربية البدنيّة والرياضية، دار الفكر، القاهرة، ط2، 1998م.
99- الخولي، أمين أنور، التربية الحركيّة للطفل، دار الفكر العربي، القاهرة، ط5، 1998.
100-الخولي، أمين أنور، أسامة كامل راتب، نظريات وبرامج التربية الحركيّة للأطفال، دار الفكر العربي، 2009.

(د)

101-دار الكتاب الجامعي، أساليب معالجة الاضطرابات السلوكيّة، إعداد لجنة الترجمة والتعريب، دار الكتاب الجامعي، غزة-فلسطين، ط1، 2007م.
102- الديلمي، الحسن بن محمد، إرشاد القلوب، انتشارات الشريف الرضي، قم، ط2، 1415ه.
 
 
 
 
513

430

فهرس المصادر والمراجع

 103- الديلمي، الحسن بن محمد، أعلام الدين في صفات المؤمنين، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم.

104- ديورانت، ويل، قصة الحضارة، ترجمة زكي نجيب محمود، صادر عن جامعة الدول العربية، (لا.م)، (لا.ت).
105- ديورانت، ويل وايريل، قصة الحضارة، حياة اليونان، مجلد2/ ج2، الباب13، الفصل الأول: الطفولة، ترجمة محمد بدران، دار الجيل، بيروت، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، تونس.

(ر)

106- رسل، براتراند، غزو السعادة، كيف تصبح سعيداً في الحياة الزوجية – العمل – المجتمع، تعريب سمير شيخاني، دار الأمير، بيروت، ط1، 1415ه – 1995م.
107- الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن، الأميرة للطباعة والنشر، بيروت، ط1، 1431ه – 2010م.
108- راي بيرك و رون هيرون، تربية الأطفال بالفطرة السليمة، مكتبة جرير، المملكة العربية السعودية، ط1، 2006م.
109- الرشتي، حبيب الله، بدائع الأفكار، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث.
110- الرضي، محمد بن حسين، المجازات النبوية، تحقيق طه محمد الزيني، منشورات مكتبة بصيرتي، قم.
111- الرضي، محمد بن حسين، نهج البلاغة، مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، شرح محمد عبده، تخريج المصادر حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط1، 1413ه-1993م.
112- الرواندي، فضل الله بن علي، النوادر، تحقيق سعيد رضا علي عسكري، دار الحديث، قم، ط1، 1377ه.
113- الرواندي، سعيد بن هبة الله، الدعوات (سلوة الحزين)، منشورات مدرسة الإمام المهدي، قم المقدسة، ط1، 1497ه.
114- الروحاني، محمد صادق، فقه الصادق، مؤسسة دار الكتاب، قم، ط3، 1412ه.
115- الروحاني، محمد صادق، منهاج الفقاهة التعليق على مكاسب الشيخ الأعظم، كلبه شروق، قم، ط4، 1418ه.
 
 
 
 
514

431

فهرس المصادر والمراجع

 116- المنظمة الدولية لرعاية الأطفال، رأي منظمة رعاية الأطفال حول العقاب الجسدي والإهانة. (نسخة إلكترونية)

117- منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، وقف العنف في المدارس- دليل المعلم.
118- الريشهري، محمد، بمساعدة عباس بسنديده، تربية الطفل في الإسلام، مؤسسة دار الحديث، قم، ط2، 1428ه.
119- الريشهري، محمد، موسوعة العقائد الإسلاميّة، تحقيق مركز بحوث دار الحديث، دار الحديث، ط1، 1425ه.
120- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث، ط1، 1416ه.

(ز)

121- الزعبي، أحمد محمد، سيكولوجية المراهقة النظريات- جوانب النمو- المشكلات وسبل علاجها، دار زهران للنشر والتوزيع، عمان- الأردن، الطبعة الأولى، 1431ه-2010م.
122- الزغول، عماد عبد الرحيم، مقدمة في علم النفس التربوي، دار الشروق، عمان، ط1، 2012م.
123- الزغول، عماد عبد الرحيم، مبادئ علم النفس التربوي، دار الكتاب الجامعي، الإمارات العربية المتحدة، 2003م.
124- زكي، عماد، الطفل العربي والمستقبل، دار المعرفة، الكويت، 1989م.
125- الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، 1385ه-1966م.
126- والزيودي، ماجد محمد، الانعكاسات التربويّة لاستخدام الأطفال للألعاب الإلكترونيّة كما يراها معلمو وأولياء أمور طلبة المدارس الابتدائية بالمدينة المنورة، مجلة جامعة طيبة للعلوم التربويّة، المجلد 10، العدد 1، 2015م.

(س)

127- السبحاني، جعفر، رسالة في التحسين والتقبيح، مؤسسة الإمام الصادق، قم، ط1، 1420.
128- السبزواري، محمد باقر، كفاية الفقه (المعروف بكفاية الأحكام)، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط1، 1423ه.
129- السجستاني، أبي داود، سنن أبي داود، تحقيق سعيد محمد اللحام، دار الفكر، بيروت، ط1، 1410ه-1990م.
130- سلامة، بهاء الدين إبراهيم، الصحّة الشخصية والتربية الصحّيّة، دار الفكري العربي، 2011م.
131- سلامة، بهاء الدين إبراهيم، الصحّة العامة والتربية الصحّيّة، دار الفكر العربي، 2011م.
 
 
 
 
515

432

فهرس المصادر والمراجع

 132- سلوم، طاهر عبد الكريم، وجمل، محمد جهاد، التربية الأخلاقيّة القيم مناهجها وطرائق تدريسها، دار الكتاب الجامعي، الإمارات، 2009م.

133- السيد، فؤاد البهي، الأسس النفسيّة للنمو، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، 1990.
134- السيد، فؤاد البهي، علم النفس الاجتماعي، دار الكتاب الحديث، الكويت، ط2.
135- سيرل، حاتم، التربية الجنسيّة في المجتمع، ترجمة ندى جابر حاتم، مؤسسة دار الكتاب الحديث، بيروت، 1994.
136- السيستاني، علي، منهاج الصالحين، دار المؤرخ العربي، بيروت، ط14، 1429هـ - 2008م.
137- سيمونز، إيان، البيئة والإنسان عبر العصور، ترجمة السيد محمد عثمان، عالم المعرفة، عدد222، 1997م.
138- السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير، دار الفكر، بيروت، ط1، 1401ه-1981م.

(ش)

139- الشافعي، محمد بن طلحة، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، تحقيق ماجد أحمد العطية.
140- الشامي، صالح أحمد، التربية الجماليّة في الإسلام، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1408ه-1988م.
141- الشحروري، مها حسني، الألعاب الإلكترونيّة في عصر العولمة، دار المسيرة، عمان، الأردن، ط1، 2008م.
142- الشراح، يعقوب أحمد، التربية البيئيّة، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، الطبعة الأولى، 1986م.
143- شرف، عبد الحميد، التربية الرياضية للطفل، مركز الكتاب للنشر، القاهرة، 1995م.
144- شلبي، أحمد، مقارنة الأديان _الإسلام، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ط12، 1997م.
145- الشيرازي، محمد، الحكمة المتعالية في الأسفار العقليّة الأربعة، تصحيح وتعليق حسن حسن زاده آملي، مؤسسة الطباعة والنشر – وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، طهران، ط2، 1416ه.
146- الشيرازي، محمد الحسيني، الفقه البيئة، مؤسسة الوعي الإسلامي، بيروت، 1420ه-2000م.
147- الشيرازي، ناصر مكارم، أنوار الفقاهة، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، قم، ط1، 1425ه.

(ص)

148- الصالحي الشامي، محمد بن يوسف، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، تحقيق
 
 
 
 
516

433

فهرس المصادر والمراجع

 عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، دار الكتب العلميّة، بيروت، الطبعة الأولى، 1414ه-1993م.

149- صبحي، عفاف حسين، التربية الغذائيّة والصحّيّة، مجموعة النيل والعربية، الطبعة الأولى، 2004م.
150- الصدر، محمد باقر، الأسس المنطقية للاستقراء، دار التعارف، بيروت، ط5، 1406ه-1986م.
151- الصدر، محمد باقر، اقتصادنا، دار التعارف، بيروت، 1411ه-1991م.
152- الصدر، محمد باقر، فلسفتنا، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، ط10، 1400ه-1980م.
153- الصدر، محمد باقر، المدرسة القرآنيّة، ملحق بكتاب المجتمع والتاريخ، مطهري، مرتضى، دار المرتضى، بيروت، 1413ه-1993م.
154- الصدر، محمد باقر، المرسل الرسول الرسالة، دار التعارف، بيروت، 1412ه-1992م.
155- الصدر، محمد باقر، موجز في أصول الدين، تحقيق ودراسة عبد الجبار الرفاعي، مطبعة شريعت، 1422ه-2001م.
156- الصدر، محمد صادق، ما وراء الفقه، المحبين للطباعة والنشر، ط3، 1427ه-2007م.
157- الصدوق، محمد بن علي، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة-مؤسسة البعثة، طهران، ط1، 1417ه.
158- الصدوق، محمد بن علي، التوحيد، تحقيق علي أكبر غفاري، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط1، 1427ه-2006م.
159- الصدوق، محمد بن علي، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، تصحيح وتعليق حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط6، 1431ه-2010م.
160- الصدوق، محمد بن علي، الخصال، تصحيح علي أكبر الغفاري، جماعة المدرسين في الحوزة العلميّة في قم المقدسة، 1403ه.
161- الصدوق، محمد بن علي، علل الشرائع، تقديم محمد صادق بحر العلوم، دار البلاغة، (لا،ط)، (لا،م)، (لا،ت).
162- الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا، تعليق حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط1، 1404ه-1984م.
163- الصدوق، محمد بن علي، كمال الدين وتمام النعمة، تصحيح وتعليق على أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1405ه.
 
 
 
 
 
 
 
517

434

فهرس المصادر والمراجع

 164- الصدوق، محمد بن علي، معاني الأخبار، تعليق علي أكبر الغفاري، تقديم حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط1، 1410هـ - 1990م.

165- الصدوق، محمد بن علي، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق على أكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرسين بقم المقدسة، ط2.
166- الصيادي، محمد، نظرة حول العقاب المدرسي، مجلة المعلم العربي، دمشق، العدد 4، 1999. (نسخة إلكترونية).

(ط)

167- الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، 1372ه.
168- الطبراني، المعجم الأوسط، دار العلمين، 1415ه-1995م.
169- الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، دار إحياء التراث العربي، ط2، 1404ه-1984م.
170- الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الصغير، دار الكتب العلميّة، بيروت.
171- الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج، تعليق محمد باقر الخرسان، دار النعمان، النجف الأشرف، 1966م.
172- الطبرسي، علي، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، تحقيق مهدي هوشمند، ط1، دار الحديث، 1418ه.
173- الطبرسي، الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق، منشورات الشريف الرضي، ط6، 1392ه-1972م.
174- الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.
175- الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، أعاد بناءه على الحرف الأول من الكلمة محمود عادل، تحقيق أحمد الحسيني، مكتب نشر الثقافة الإسلاميّة، ط2، 1408ه.
176- طلبة، ابتهاج محمود، التعبير الحركي لطفل الروضة، مطبعة العمرانية، القاهرة، 1996.
177- طه، حسن جميل، الفكر التربوي المعاصر وجذوره الفلسفية، دار المسيرة، عمان، ط1، 1428ه-2007م.
178- الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة، مؤسسة البعثة، قم، ط1، 1414ه‍.
179- الطوسي، محمد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال، المعروف برجال الكشي، تصحيح وتعليق ميرداماد الأسترآبادي، تحقيق مهدي الرجائي، مؤسسة آل البيت، قم، 1404ه.
 
 
 
 
518

435

فهرس المصادر والمراجع

 180- الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق وتصحيح أحمد حبيب قصير، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، ط1، 1409ه.

181- الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، تحقيق حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، ط4، 1365ه.ش.
182- الطوسي، محمد بن الحسن، الخلاف، تحقيق جماعة من المحققين، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1407ه.
183- الطوسي، محمد بن الحسن، مصباح المتهجد، تصحيح حسين الأعلمي، ط2، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات،1425 ه‍_ 2004 م.
184- الطوسي، نصير الدين محمد بن محمد، أخلاق ناصري، ترجمة وتقديم محمد صادق فضل الله، دار الهادي، بيروت، ط1، 2008م.
185- الطيبي، عبد المنان، التربية الصحّيّة للطفل، دار الجيل، الطبعة الأولى. والحريري، رافدة، التغذية والتربية الغذائيّة، دار اليازوري العلميّة، 2016م.

(ع)

186- العالم، عثمان محمد حامد، العقاب في التربية والتعليم، مجلة كلية المعلمين، العدد الثامن،1427ه.
187- 
188- عامر، محمد رشاد، علم الصحّة العامة والتربية الصحّيّة، دار القلم، الكويت، 1974م.
189- العاملي، زين الدين بن علي، مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، مؤسسة المعارف الإسلاميّة، إيران، ط1، 1414ه.
190- العاملي، محمد بن جمال الدين مكي، البيان، مجمع الذخائر الإسلاميّة، قم، طبعة حجرية.
191- العاملي، محمد بن مكي، الدروس الشرعيّة في فقه الإمامية، تحقيق ونشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط2، 1417ه.
192- عبد الرحمن، علي إسماعيل، العنف الأسري الأسباب والعلاج، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ط1، 2006م.
193- عبد الرحمن، طه، سؤال الأخلاق مساهمة في النقد الأخلاقيّ للحداثة الغربية، المركز الثقافي العربي، 2000م.
194- عبد المجيد الحكيم، شرين، العقاب عند ابن سينا، جامعة أم القرى، كلية التربية، المملكة العربية السعودية.
 
 
 
 
519

436

فهرس المصادر والمراجع

 195- عبده، محمود يوسف، فوائد الحمى وعلاجها معجزة نبوية، المؤتمر العالمي السابع للإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

196- عبلة مرجان، التربية الجنسيّة للأطفال حق لهم واجب علينا، مطبوعات جائزة خليفة التربويّة، أبو ظبي- دولة الإمارات العربية المتحدة، 2010-2011.
197- عثمان، فاروق السيد، سيكولوجية اللعب والتعلم، دار المعارف، الإسكندرية، 1995.
198- عجمي، سامر توفيق، الإنسان الكامل في الرؤية العرفانية الإسلاميّة، مجلة الحياة الطيبة، تصدر عن جامعة المصطفى العالميّة- فرع لبنان، السنة التاسعة عشرة، العدد الثاني والثلاثون، خريف 2015م-1436ه.
199- عجمي، سامر توفيق، التربية مفهومها غايتها موضوعها، بيروت، ط1، 1437ه- 2016م.
200- عجمي، سامر توفيق، حجية الظن دراسة في المباني الأصولية لتشريع الأمارات في ضوء أبحاث العلامة السيد علي حجازي، دار الولاء، بيروت، ط1، 1436ه-2015م.
201- عجمي، سامر توفيق، حجية العلم قراءة على ضوء النظرية التعليقية_ قراءة في المباني الأصولية للسيد علي حجازي، دار الولاء، بيروت، ط1، 1434ه-2013م.
202- عجمي، سامر توفيق، حياتنا الجنسيّة كيف نعيشها؟ على هدى الكتاب ومنهاج النبي وأهل البيت، دار الولاء، بيروت، ط1، 1435ه- 2014م.
203- عجمي، سامر، عقوبة الطفل في التربية الإسلاميّة، مركز الأبحاث والدراسات التربويّة، دار البلاغة، بيروت، 1435ه-2014م.
204- عجمي، سامر توفيق، نحو بناء المذهب التربوي قراءة في معالم المنهج، مجلة أبحاث ودراسات تربويّة، تصدر عن مركز الأبحاث والدراسات التربويّة، العدد الثاني، السنة الأولى، شتاء 1437ه-2016م.
205- عزمي، محمد سعيد، أساليب تطوير وتنفيذ درس التربية الرياضية، دار الوفاء، الإسكندرية، 2004م.
206- العسكري، أبو هلال، معجم الفروق اللغوية، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة، تنظيم الشيخ بيت الله بيات، ط1، 1412ه.
207- عطية، ممدوح حامد، إنهم يقتلون البيئة، الهيئة المصرية العامة، القاهرية، 1997م.
208- علوان، عبد الله ناصح، تربية الأولاد في الإسلام، دار السلام.
209- العناني، حنان عبد الحميد، اللعب عند الأطفال، دار الفكر، عمان، ط9، 2014م.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
520

437

فهرس المصادر والمراجع

 210- العياشي، محمد بن مسعود بن عياش، تفسير العياشي، تحقيق هاشم الرسولي المحلاتي، ط1، طهران، المكتبة العلميّة الإسلاميّة، 1380هـ.

211- العيسوي، عبد الرحمن، دراسات في تفسير السلوك الإنساني، دار الراتب الجامعية، بيروت، 1419ه، ص193.
212- العيسوي، عبد الرحمن، سيكولوجية التنشئة الاجتماعيّة، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 1985م.

(غ)

213- الغروي، علي، التنقيح في شرح العروة الوثقى، تقرير بحث السيد الخوئي، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، قم، ط1، 2005م.
214- الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد، إحياء علوم الدين، دار الكتاب العربي، بيروت.

(ف)

215- فاتح، بو سنان، دور التربية البدنيّة في التقليل من الشعور بالقلق بدى تلاميذ الطور الثانوي دراسة وصفية، رسالة ماجستير في نظرية ومنهجية التربية البدنيّة والرياضية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جامعة الجزائر -3-، معهد التربية البدنيّة والرياضية، السنة الجامعية 2011-2012م.
216- الفارسي، علي بن بلبان، صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، تحقيق شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط2، 1414ه- 1993م.
217- الفراهيدي، الخليل بن أحمد، العين، تحقيق مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، مؤسسة دار الهجرة، إيران، ط2، 1409ه.
218- فرويد، سيغموند، مستقبل وهم، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، ط4، 1998م.
219- فرويد، سيغموند، موسى والتوحيد، ترجمة جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت، ط4، 1986م.
220- فضل الله، محمد رضا، المعلم والتربية، دار أجيال المصطفى، حارة حريك (بيروت)، ط1، 1995م.
221- فلسفي، محمد تقي، الطفل بين الوراثة والتربية، تعريب فاضل الحسيني الميلاني، مكتبة الأوحد، ط1، 1426ه-2005م.
222- فناوى، هدى، الطفل وأدب الأطفال، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 2009م.
223- الفيض الكاشاني، محمد بن المرتضى، المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء، تصحيح وتعليق علي
 
 
 
 
 
 
521

438

فهرس المصادر والمراجع

 أكبر الغفاري، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت،، ط2، 1403 هـ - 1983 م.

224- الفيض الكاشاني، محمد بن المرتضى، الوافي، تحقيق مركز التحقيقات الدينيّة والعلميّة في مكتبة الإمام علي، ط1، 1416ه.
225- الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1398ه.

(ق)

226- القاسم، عبد الرزاق بن إبراهيم، العلاقة بين ممارسة الألعاب الإلكترونيّة والسلوك العدواني لدى طلاب المرحلة الثانوية بمدينة الرياض، بحث تكميلي مقدم لنيل درجة الماجستير في التوجيه والإرشاد الطلابي، إشراف صالح بن علي الغامدي، جامعة محمد بن سعودالإسلاميّة، المملكة العربية السعودية، كلية العلوم الاجتماعيّة، قسم علم النفس، العام الجامعي1432ه-2011م.
227- القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى، مذيلاً بالحاشية المسماة مزيل الخفاء عن ألفاظ الشفاء لأحمد بن محمد الشمني، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت، 1409ه-1988م.
228- قمر، عصام توفيق، ومبروك، سحر فتحي، نحو دور فعال للخدمة الاجتماعيّة في تحقيق التربية البيئيّة، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية-مصر، 2004م.
229- القمي، أبو القاسم، غنائم الأيام في مسائل الحلال والحرام، تحقيق مكتب الإعلام الإسلامي، ط1، 1417ه.
230- القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، تصحيح طيب الموسوي الجزائري، دار الكتاب، قم، ط3، 1404ه.
231- القوصي، عبد العزيز، أسس الصحّة النفسيّة، مكتبة النهضة المصرية، الطبعة الرابعة، 1952م.

(ك)

232- كاركان، صوفي، 100 قصة وقصة لحلّ مشاكل الأولاد- التربية السهلة بواسطة قصة حكايات تعالج مشاكل الأولاد ومخاوفهم، ترجمة إيزابيل منير وآخرين، شركة دار الفراشة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 2010م.
233- الكاشاني، عبد الرزاق، اصطلاحات الصوفية، تحقيق وتقديم وتعليق عبد العال شاهين، دار المنار، القاهرة، ط1، 1413ه-1992م.
234- الكراجكي، محمد بن علي، كنز الفوائد، تحقيق عبد الله نعمة، دار الأضواء، بيروت، ط1، 1985م.
 
 
 
 
522

439

فهرس المصادر والمراجع

 235- الكراجكي، محمد بن علي، معدن الجواهر ورياضة الخواطر، تحقيق أحمد الحسيني، مطبعة مهر استوار، قم، ط2، 1394ه.

236- الكفعمي، إبراهيم بن علي، جنة الأمان الواقية وجنة الايمان الباقية المعروف بالمصباح، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط3، 1403ه-1983م.
237- الكلبايكاني، محمد رضا، إرشاد السائل، دار الصفوة، بيروت، ط1، 1413ه-1993م.
238- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، تعليق علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، ط4، 1365ه.ش.
239- الكوفي، أحمد بن أعثم، الفتوح، تحقيق علي شيري، دار الأضواء، بيروت، ط1، 1991م.
240- الكوفي، حسين بن سعيد، المؤمن، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهدي، قم، ط1، 1404ه.
241- الكوفي، محمد بن سليمان، مناقب الإمام أمير المؤمنين، تحقيق محمد باقر المحمودي، مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة، قم المقدسة، ط1، 1412ه.
242- كونستانتينوف، دور الأفكار التقدمية في تطوير المجتمع، ترجمة عبد المعين الملوحي، دار الفارابي، بيروت، 1955م.
243- كوينج،لاري جيه، التربية الذكية، مكتبة جرير، ط5، 2008م.
244- كيركندال، ليترا، الطفل والأمور الجنسيّة، ترجمة إبراهيم حافظ، تقديم عبد العزيز القوصى، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1952.

(ل)

245- اللجنة العالميّة للبيئة والتنمية، مستقبلنا المشترك، ترجمة محمد كامل عارف ومراجعة علي حسين حجاج، عالم المعرفة، العدد142، عام1989م.
246- اللنكراني، فاضل، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (كتاب النكاح)، تحقيق ونشر مركز فقه الأئمة الأطهار، قم، 1422ه.

(م)

247- المازندراني، محمد صالح، شرح الكافي الجامع (المعروف بشرح أصول الكافي)، مع تعليق أبو الحسن الشعراني، تصحيح علي عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1421ه-2000م.
248- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، تحقيق ابراهيم الميانجي ومحمد باقر البهبودي، مؤسسة الوفاء، بيروت، ط2، 1403ه-1983م.
249- المجلسي، محمد باقر، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، دار الكتب الإسلاميّة، طهران، ط2، 1404ه.
 
 
 
 
523

440

فهرس المصادر والمراجع

 250- المجلسي، محمد تقي، روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، تعليق حسين الموسوي الكرماني، المطبعة العلميّة، قم، 1398ه.

251- مجموعة من الأطباء، كيف تتجاوبين مع أسئلة طفلك الحرجة، الطبعة الأولى، بيروت، دار العودة، 1989م.
252- المدني الكاشاني، رضا، كتاب الديات، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط1، 1408ه.
253- والمدني، خالد بن علي، التغذية خلال مراحل الحياة، دار المدني، جدة- المملكة العربية السعودية، الطبعة الثانية،1427ه.
254- مرتضى، جعفر، حقوق الحيوان في الإسلام، المركز الإسلامي للدراسات، بيروت، الطبعة الأولى، 1425-2004م.
255- المرتضى، محمد بن علي، رسائل الشريف المرتضى، إعداد مهدي الرجائي، دار القرآن الكريم، قم، 1405ه.
256- مرسي، محمد سعيد، فن تربية الأولاد في الإسلام، دار التوزيع والنشر، القاهرة، 1998م.
257- مرسي، محمد سعيد، أحدث الأساليب التربويّة الفعالة للآباء والأمهات، دار التوزيع والنشر، القاهرة، 2012.
258- مرسي، محمد منير، أصول التربية، عالم الكتب، القاهرة، 2009م.
259- مركز الأبحاث والدراسات التربويّة، التربية والتعليم وفق رؤية الإمام الخامنئي، ترجمة ونشر مركز الأبحاث والدراسات التربويّة ودار البلاغة، بيروت، 2016م.
260- مركز نون للتأليف والترجمة، فقه التربية والتعليم [وفق الرأي الفقهي للإمام علي الخامنئي]، مركز نون للتأليف والترجمة، ط1، 2012م.
261- مركز نون، خطاب الولي، سلسلة خطاب الولي 2013م، إعداد مركز نون للتأليف والترجمة، نشر جميعة المعارف الإسلاميّة الثقافية، ط1، 1435ه-2014م.
262- مركز نون، خطاب الولي 2012، كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقاء المعلّمين وأساتذة جامعات خراسان الشمالية،11/10/2012م، إصدار جمعية المعارف الإسلاميّة الثقافية- مركز نون للتأليف والترجمة، ط1، 2013م.
263- مزاهرة، أيمن سليمان، التربية الصحّيّة للطفل، الأهلية للنشر والتوزيع، 2006م.
264- مستغفري، أبو العباس، طب النبي، انتشارات رضي، ط1، 1362ه.ش.
 
 
 
 
524

441

فهرس المصادر والمراجع

 265- مسكويه، أحمد بن محمد، تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، منشورات مكتبة الحياة، تقديم حسن تميم، بيروت، ط2.

266- المشرفي، انشراح إبراهيم، التربية الحركيّة لطفل الروضة، مكتبة إحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، 2009م.
267- المصري، رضا، وفاتن عمارة، زاد الآباء في تربية الأبناء، دار الأندلس الجديدة، مصر، ط2008م.
268- المصري، نديم، الرياضة والغذاء قبل الطبيب والدواء، دار الفكر المعاصر.
269- مصطفى، عبد العزيز عبد الكريم، التطور الحركي للطفل، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، 1992م
270- مطالقة، أحلام محمود، التربية الصحّيّة والغذائيّة في الإسلام، دار اليازوري العلميّة، 2012م.
271- مطهري، مرتضى، الضوابط الخلقية للسلوك الجنسي، دار الرسول الأكرم، بيروت، ط1، 1408ه-1988م.
272- المظفر، محمد رضا، المنطق، دار التعارف للمطبوعات، بيروت-لبنان، ط3، 1410ه-1990م.
273- معدي، الحسيني الحسني،التربية الجنسيّة للمراهقين والشباب من منظور إسلامي، دار العلم والإيمان للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 2004.
274- المغربي، النعمان بن محمد، دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام عن أهل البيت عليهم السلام، تحقيق آصف بن علي أصغر فيضي، دار المعارف، القاهرة، 1383ه-1963م.
275- المغربي، النعمان بن محمد، شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، تحقيق محمد الحسيني الجلالي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
276- المفيد، محمد بن محمد بن النعمان، الإرشاد، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط3، 1410هـ - 1989 م.
277- المكي، حسن محمد، الإلهيّات على ضوء الكتاب والسنة العقل (محاضرات الشيخ جعفر السبحاني)، الدار الإسلاميّة، بيروت، ط1، 1410ه-1990م.
278- المنتظري، حسين علي، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلاميّة، المركز العالمي للدراسات الإسلاميّة، مكتب الإعلام الإسلامي، قم، 1409ه.
279- المنذري، عبد العظيم بن عبد القوي، الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، تعليق وضبط مصطفى محمد عماره، دار الفكر، بيروت، 1408ه-1988م.
280- منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، سجلات المؤتمر العام، الدورة العشرون، باريس 24 أكتوبر-28نوفمبر 1978، المجلد الأول - قرارات.
 
 
 
 
 
 
525

442

فهرس المصادر والمراجع

 281- الموسوي، فخار بن معد، الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب، تحقيق السيد محمد بحر العلوم، انتشارات سيد الشهداء، قم المقدسة، ا لطبعة الأولى، 1410ه.

282- الموصلي، إسماعيل بن محمد، مسند أبي يعلى الموصلي، دار المأمون للتراث، ط1، 1988م.
283- ميلر، سوزانا، سيكولوجية اللعب، ترجمة حسن عيسى، مراجعة محمد عماد الدين إسماعيل، عالم المعرفة، الكويت، العدد 120.

(ن)

284- النراقي، أحمد بن محمد مهدي، مستند الشيعة في أحكام الشريعة، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، ط1، 1415ه.
285- النراقي، محمد مهدي بن أبي ذر، جامع السعادات، دار المرتضى، بيروت، 1431ه- 2010م.
286- النسائي، أحمد بن شعيب، سنن النسائي بشرح جلال الدين السيوطي، دار الفكر، بيروت، ط1، 1348ه-1930م.
287- نشواتي، عبد المجيد، علم النفس التربوي، دار الفرقان، عمان، ط4، 1423ه-2003م.
288- النوري، حسين، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، ط1، 1408ه-1987م.
289- النووي، يحيى بن شرف، المجموع شرح المهذب، دار الفكر.
290- النيسابوري، محمد بن الفتال، روضة الواعظين، منشورات الشريف الرضي، قم.
291- النيسابوري، مسلم بن الحجاج، الجامع الصحيح (المعروف بصحيح مسلم)، دار الفكر، بيروت.

(هـ)

292- الهدلق، عبدالله عبدالعزيز، إيجابيّات وسلبيّات الألعاب الإلكترونيّة ودوافع ممارستها من وجهة نظر طلاب التعليم العام بمدينة الرياض، مجلة القراءة والمعرفة، (2)، جامعة عين شمس، مصر، 2012م.
293- هرمز، صباح حنا، إبراهيم، يوسف حنا،علم النفس التكويني (الطفولة والمراهقة)، جامعة الموصل، دار الكتب للطباعة والنشر، 1988.
294- الهزاع، هزاع بن محمد، فسيولوجيا الجهد البدنيّ لدى الأطفال والناشئين- الأسس الفسيولوجية لاستجابة الأطفال والناشئين وتكيفهم للجهد البدنيّ، الاتحاد السعودي للطب الرياضي، المملكة العربية السعودية، ط1، 1997م.
295- الهزاع، هزاع بن محمد، النشاط الحركي في مرحلة الطفولة المبكرة أهميته لصحة الطفل
 
 
 
 
526

443

فهرس المصادر والمراجع

 ونموه وتطوره الحركي، إصدار الجمعية السعودية للعلوم التربويّة والنفسيّة، الرياض، 1425ه.

296- الهندي، علي المتقي، كنز العمال، ضبط وتفسير بكري حياني، تصحيح صفوة السقا، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1409ه-1989م.
297- الهيثمي، علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1408ه- 1988م.

(و)

298- الواسطي، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق حسين الحسيني البيرجندي، دار الحديث، ط1.
299- الواعظ الحسيني البهسودي، محمد سرور، مصباح الأصول، تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، مكتبة الدواري، قم-إيران، ط6، 1420ه.
300- الواقدي، محمد بن عمر، المغازي، تحقيق مارسدن جونس، نشر دانش إسلامي، 1405ه.

(ي)

301- يحيى، رافع، تأثير ألف ليلة وليلة على أدب الأطفال العربي، دار الهدى للطباعة والنشر، حيفا، 2001م.
302- اليزدي، محمد كاظم، حاشية المكاسب، ج1، ص8. (ط.ح)، مؤسسة اسماعيليان، قم، 1378ه.
303- اليزدي، محمد كاظم، العروة الوثقى، مع تعليقات عدة من الفقهاء العظام، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، ط1، 1417ه.
 
 
 
 
 
 
527

444
تربية الطفل – الرؤية الإسلامية للأصول والأساليب