أخوة الإيمان

سلسلة الاجتماعيات الإسلامية

 


 

المقدمة
الفصل الأول : حقيقة الأخوة
الفصل الثاني : أصناف الأخوان
الفصل الثالث : إخوان الصدق
الفصل الرابع : أصدقاء السوء
الفصل الخامس : حقوق الإخوان
الفصل السادس : آداب الإخوان






المقدمة


بسم الله الرحمن الرحيم‏
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين‏

إن نجاح الإنسان المؤمن في علاقته مع إخوانه والمجتمع من حوله من حيث البناء والاستمرار وبلوغ الآمال المنشودة ليس أمراً سهلاً على الإطلاق، بل يحتاج إلى مقومات هامة، ومعرفة لمجموعة من الثوابت والسبل التي عليه أتباعها والسير على هديها إضافة إلى تجربة حياتية عملية تعينه في اختيار الأصدقاء وتحديد طبيعة التعامل معهم وهذا إن كان فهو من بركة اتباع تعاليم الإسلام وإرشاداته متمثلة بالكتاب الكريم والسنة المباركة.

فلأجل أن يسير الواحد منّا في النور مع بصيرته المشرقة ولا يتخبط في تيه الظلام ويضلّ طريقه في مستقبل أيامه.

لأجل أن يكون آمناً من المفاجآت الأليمة قدر الامكان في علاقته مع الإخوان.

كانت هذه الوريقات العابقة برحيق الوحي وأريج النبوة  وشذى الولاية.

لتكشف عن حقيقة الاخوّة وأصناف الاخوان وحقوقهم وآدابهم...


  وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
 

جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
 





 

الفصل الأول : حقيقة الأخوة

هل أنت أخ حقاً؟

أهمية الاخوة:

يعتبر التآخي في الإسلام أمراً هاماً وحاجة لا يمكن للإنسان المؤمن الاستغناء عنها، حيث يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله : «ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد فائدة الإسلام مثل أخ يستفيده في اللَّه» (1).

فإن كون الاخوة بهذه المكانة التي تجعلها أعظم فائدة بعد الإسلام ليكشف عن جوانب عظيمة وأبعاد مختلفة يراد للمؤمن أن يحيا بها كجزء من كل، مجسداً في علاقته مع الآخرين أسمى المعاني التي تسير به نحو الكمال الذي ينشده ليلاً ونهاراً، متشوقاً إلى أن يكون ذلك الرجل الخالص من العيوب الذي طالما قرأ عنه في أحاديث المعصومين عليهم السلام : «المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله لا يخونه ولا يظلمه ولا يغشه ولا يعده عدة فيخلفه» (2).

كما جاء عن الصادق  عليه السلام .

وليس اتخاذ الاخوان أمراً يمكن الزهد فيه أو الاقتصار على فردين أو ثلاثة، بل طالما أمكن ذلك وتيسّر فإن الواحد منايجدر به أن يبادر مع مراعاة موازين الإخاء وسلوك الطريق الصحيح في الاختيار إلى إضافة اسم جديد للائحة اخو انه في اللَّه رامياً إلى اكتساب ثمرتين أولاهما في الدنيا وثانيتهما في الآخرة ومما ورد في الحث على الاستكثار قول رسول اللَّه  صلى الله عليه وآله : «استكثروا من الاخوان فإن لكل مؤمن شفاعة يوم القيامة» (3).

ويبرز عنصر جميل في التآخي هو السكينة والاطمئنان، لأن المؤمن يشعر شعوراً صادقاً براحة نفسية مع أخيه المؤمن كأنه المبحر في أمواج هائجة وقد وصل إلى شاطئ الأمان، أو كأنه التائه في الصحراء مع حرّ الظمأ وقد انتهى إلى ريّ الماء، في الحديث: «إن المؤمن ليسكن إلى المؤمن كما يسكن الظمآن إلى الماء» (4).

وعن الصادق  عليه السلام : «لكل شي‏ء يستريح إليه وإن المؤمن ليستريح إلى أخيه المؤمن كما يستريح الطير إلى شكله» (5).

ومن منا لا يرغب بهذه الراحة التي لو لم يكن للإخوة فائدة غيرها لكفت وأغنت، فكيف إذا كان لها من الثمرات ما لا يمكن عدّه وإحصاؤه من قبيل ما جاء في الحديث: «من استفاد أخاً في اللَّه عزّ وجلّ استفاد بيتاً في الجنة» (6).

أو قوله  صلى الله عليه وآله : «النظر إلى الأخ توده في اللَّه عزّ وجلّ عبادة» (7).

دور التآخي في بناء الفرد:

إن للأخوة الدينية دوراً رائداً في بناء الشخصية المؤمنة، حيث تساعدها على الاتصاف بمجموعة من الفضائل وتشعرها بمسؤولية ولو على نطاق خاص انطلاقاً من معرفة ما لها من مدلول وعمق في الإسلام فيعرف الإنسان قدره من خلال معرفة قدر أخيه وما له من حق عليه، ويكون الالتزام بآداب العلاقة مع الآخرين باعثاً على إنتاج صورة متكاملة ومسلك مستقيم، أول المستفيدين منه صاحب هذا الدور مع ما يتركه من ذكر حسن وسمعة طيبة إن هو بقي على ما بدأ عليه في بداية الطريق، لذلك من وصف بأنه أخ حقاً وصدقاً، بحيث أنه أقام حدود الإخوة وراعى حقوقها والتزم آدابها فهو على الصعيد الفردي في سعادة وتقدم دائمين بيد أنه سيفتح له النجاح في هذه المدرسة الأخوية نجاحاً في مدارس ومجالات أخرى ربما اتسعت ميادينها إلى ساحة حياته جمعاء، وأما إذا لم يوفّق لاكتساب الأخوان وفشل في هذه المهمة التي تعتبر مفصلاً في دورة حياته، فإن ذلك ما سيترك عوامل سلبية ونتائج غير مرضية سرعان ما تظهر في كثير من قضاياه وربما حوّلتها إلى مشاكل مستعصية سيّما أن هذا العجز ليس بالشي‏ء الذي يمكن التغاضي عنه وقد اعتبره أمير المؤمنين  عليه السلام  خطيراً ووصف صاحبه بأعجز الناس يقول  عليه السلام :

«أعجز الناس من عجز عن اكتساب الاخوان، وأعجز منه من ضيّع من ظفر به منهم» (8).

وهنا أوضح  عليه السلام  أن هناك صنفاً من الناس تكون درجة العجز لديهم أكبر وأخطر من الصنف الآخر وهم الذين لا يحسنون الاستمرار مع الآخرين في العلاقة الاخوية بعدما أن كان بينهم في بداية أمرهم ترابط وتازر ولكن ضاعت المودة وعادت كأن لم يكن بينهما شي‏ء أو كأن الزمان لم يكن لأيامه ولياليه وجود ينبّههم إلى ما أنساهم الشيطان، وما هذه الظاهرة بعزيزة في الحياة، فكم نشاهد شخصين دامت العلاقة بينهما سنين عديدة ثم افترقا إلى غير رجعة حيث أخذت العداوة بينهما مأخذها وأبدت ثغرات، أحكم من خلالها غلق الباب الذي منه يسري نسيم المودة وتدوم ذكريات التعاون وهنا إذا قصرنا النظر على الجوانب السلبية في حدود ما تتركه هذه الأزمة من مشاكل على الصعيد الفردي بحيث لا يقر لشخصية الإنسان المؤمن قرار ولا يهدأ له بال حتى في علاقته مع اللَّه تعالى فيتخبط قائماً وقاعداً يستحضر ما لديه من الكم الهائل من سيرته مع أخيه سواء في محطاتها الجميلة التي يؤدي تذكرها إلى الرغبة والشوق لإعادة المياه إلى مجاريها وتجديد العلاقة معه، أو في المحطات السيئة وكان السوء صادراً من طرفه وليس من طرف أخيه فيؤدي ذلك إلى الندم والمؤاخذة ليظلّ معذباً وهو يقارن بين فترة المواصلة وفترة المقاطعة. فيتضح أن التخلي عن الأخ والزهد فيه هو عامل هدّام في حياة الفرد كما كان التآخي عاملاً بناءً على هذا الصعيد، فقد جاء عن مولانا الصادق عليه السلام  في الحث والتأكيد على طلب المؤاخاة قوله  عليه السلام : «واطلب مؤاخاة الأتقياء ولو في ظلمات الأرض وإن أفنيت عمرك في طلبهم، فإن اللَّه عزّ وجلّ لم يخلق على وجه الأرض أفضل منهم بعد النبيين، وما أنعم اللَّه على العبد بمثل ما أنعم به من التوفيق لصحبتهم» (9).

فنعمة مصادقة الاخوان هي نعمة إلهية لا مثيل لها على الإطلاق.

دور التآخي في بناء المجتمع:

إن اللَّه تعالى يحب لنا أن نعيش متماسكين، يساعد بعضنا بعضاً وليس أشتاتاً متفرقين قد ذهبت بنا المذاهب كل مذهب، فضاعت الأهداف ومعها فقدنا السبل والوسائل إليها، ولا يتصور مجتمع واحد يشترك أهله في تحمل شؤونه وشجونه، وهو لا تحكمه روح المؤاخاة، بل لو سادت روحية الاخوة فيه شكلاً لا مضموماً ومظهراً لا جوهراً كذلك لا يقدر لهذا المجتمع النجاح، فحتى يؤتي أكله ويتجه إلى حيث أراد اللَّه تعالى له لا بد أن تكون الأعمال ترجمان الأقوال، والمواقف معربة عما تحويه الضمائر وتكنّه السرائر  فترى من يتغنى بالصلة المميّزة مع فلان من الناس ويعتبره أخاه، هو لا يخذله في وقت الشدة ولا يتركه للدهر فيكون عوناً له على الدهر لا عوناً للدهر عليه وكذلك من يكثر الثناء والمديح أو ابداء الاعجاب بشخص ما لما يتحلى به من صفات، لا يترك زيارته إذا مرض ولا السؤال عن حاله فيؤلمه ما آلمه ويسعده ما أسعده.

وهنا يتجلّى الدور الفعّال للتآخي في الحياة الاجتماعية، إذا قام كل فرد بما توجبه عليه أخوته الإيمانية اتجاه الآخرين يقول الصادق  عليه السلام : «المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد، إن اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في سائر جسده، وأرواحهما من روح واحدة، وإن روح المؤمن أشد اتصالاً بروح اللَّه من اتصال شعاع الشمس بها» (10).

فالتآخي مما يكسب المجتمع قوة في جوانب عديدة منها:

1   القدرة العالية على تجاوز ما يعصف به من ملمّات صعبة وفتن ومحن.

2  الارتقاء إلى قمة البذل والعطاء والايثار.

3  توحيد المنطلق الإيماني في النظرية والتطبيق.

4  سيادة روحية الجماعة واضمحلال روحية الفرد والشخصانية.

5  الحصانة الأخلاقية في اتجاهاتها الثلاثة مع اللَّه تعالى ومع الناس ومع النفس.

ويمكننا قراءة هذه الجوانب بأجمعها عبر التاريخ الممتد من زمن الرسول الأكرم  صلى الله عليه وآله  مع صفوة أصحابه ومع أمير المؤمنين  عليه السلام من خيرة من وقف معه في حربه وسلمه، وكذلك في حياة أصحاب الإمامين الحسن والحسين عليهم السلام خصوصاً في كربلاء حيث اجتمعت كل معاني الأخوة الجليلة والجميلة في تلك المواقف العظيمة المشهودة التي جعلت أصحاب السبط الشهيد  عليه السلام  في مقام خاص لا يبلغه غيرهم، وقلّدتهم وسام العطاء الأبدي.

 

لماذا سمّوا اخواناً ؟

ليس خفياً على أحد من الناس ما معنى أن يكون المؤمن أخ المؤمن، لكن هذا الوضوح ظاهري، ما لم تنكشف حقيقة الاخوة كما يراها الإسلام في بعدها الجوهري كما حدّد معناها وأسس مبناها وكشف عن عمق الارتباط بين الاسم والمسمى حيث يقول الصادق عليه السلام : «إنما سموا اخواناً لنزاهتهم عن الخيانة وسمّوا أصدقاء لأنهم تصادقوا حقوق المودة» (11) .

فمن يكون خائناً لا يُؤتمن هو ليس أخاً حقيقةً ولا يصح تسميته بذلك ومن لا يراعي حقوق المودة التي تدوم معها الاخوة وتستمر بحيث يكذب على الآخر ولا يصادقه فإن اطلاق اسم الصديق عليه ليس صحيحاً. وعليه لا تتحقق الاخوة بمجرد أن يقول الإنسان للآخر أنت أخي بل بالقيام بما يمليه هذا الرابط الديني المبارك عليه من التزامات لا يسوغ له تجاهلها وإلا خرج عن عهد الاخوة إلى نقضه وسمّي أخاً بالتجوّز لا الحقيقة.

 

لماذا تؤاخي؟

من الصواب أن نسأل أنفسنا لماذا نؤاخي فلان من الناس ونزهد بغيره، وربما كان الجواب أن يحمل مؤهلات أخلاقية عالية وقد تم اختباره قبل اختياره، بينما الآخر لا رغبة بإقامة علاقة معه لما هو المعروف عنه من سوء السمعة، وربما كان الجواب أيضاً أن لنا مصلحة مالية معه ولذلك قدّمنا العلاقة معه على غيره واثرناه بما يحقق لنا من نفع وكسب رغم ما تنطوي عليه شخصيته من رذائل الأخلاق بحيث يصعب أن يكمل الإنسان طريق الاخوة معه وسرعان ما يتعرض للتزلزل أو الشقاق وربما كان الجواب غير ذلك حيث أن تصور الأسباب الداعية للعلاقة مع الناس لا تكاد تحصى وتختلف وتتخلف من شخص إلى اخر. والذي نريد تسليط الضوء عليه هنا ليس إلا ميزان اتخاذ الاخوان كما أرشدتنا إليه الأحاديث الشريفة الواردة عن أئمتنا عليهم السلام  والتي صنّفت نوعين من الاخوة أحدهما مذموم والآخر مطلوب، والمستفاد هو طالما كان الدافع إلهياً ولوجهه تعالى فالأخوة مرغوب بها وإلا إذا كان دنيوياً فهي مرغوب عنها.

ولذا حريّ بنا أن نقف موقف السؤال لأنفسنا ونقول لماذا نؤاخي فلان دون فلان.

والحقيقة أن الاخوة النفعية الدنيوية هي عداوة لأنها تستبطن خيانة للطرف الاخر حيث لا تقوم على الصدق في بذل المودة له لقاء ما حثّ عليه الدين الحنيف أو رجاء ثواب الاخرة، بل لأجل المكاسب التجارية والمصالح الزائلة وليس غريباً في حالة كهذه أن ينتهي الأمر بالفراق أو القطيعة حينما تنقضي المصالح أو يوجد بديل عنه يمكن الاستفاة منه أكثر من سابقه فقد جاء عن أمير المؤمنين  عليه السلام  أنه قال: «كل مودة مبنية على غير ذات اللَّه ضلال والاعتماد عليها محال» (12).

وعنه  عليه السلام : «الناس اخوان فمن كانت اخوته في غير ذات اللَّه فهي عداوة».

وذلك قوله عزّ وجلّ: «الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين» (13).

وليس بالامكان أن يزان نجاح الاخوة وفشلها بالغنم والغرم الدنيويين بل ما دامت لمحض المصلحة الدنيوية فهي فاشلة يبوء صاحبها بالحرمان في الحديث: «من آخى في اللَّه غنم ومن آخى في الدنيا حرم» (14).

ومن يوقن أن الآخر إنما يزعم بأنه أخوه لكن ليس في اللَّه فإن عليه الحذر منه والانتباه الدائم، صيانة لنفسه وحفاظاً على دينه جاء في الخبر عنه  عليه السلام : «من لم تكن مودته في اللَّه فاحذره، فإن مودته لئيمة وصحبته مشؤومة» (15).

وينشأ الشؤم في هذه الصحبة بلحاظ أهدافها والبواعث عليها باعتبارها غير منزهة عن اظهار شي‏ء واضمار شي‏ء آخر، إضافة إلى أنها في غير السبيل الذي أراده اللَّه لها حيث أراد أن تكون اخوة في ذاته لكن الإنسان إذا أرادها في غير اللَّه فما عساها تكون؟!

 

كيف تختار أخاً لك؟

في كثير من الأحيان يسارع الإنسان إلى إقامة علاقة ويتواصل مع غيره من دون أن تكون خطوته مدروسة وبتأنٍ، فيسارع إلى مدّ جسوره بشكل اعتباطي أو فوضوي دون حسبان لما يترتب على هذا التسرّع من نتائج إذ كثيراً ما يبدو في وجهة جمالية ملؤها الرغبة بالاستمرار والمكاشفة بالأسرار خصوصاً في فترة التعارف الأولى بسبب ابداء المناقب واخفاء المثالب وهذا النمط العجول يعتبر مغامرة ومخاطرة مع الاخر طالما لم تعرفه حق المعرفة ولم تختبره الاختبار الذي يؤدي إلى الاختيار، وهذا يشابه تماماً ما يحصل من فشل بين زوجين كان اختيار كل منهما لشريكه باستعجال، بل السبب عينه هو ما يؤدي إلى فشل علاقة بين أخوين مؤمنين أو وقوعهما بما لا يرغبان، من هنا كان للإسلام دوره في هذا الشأن إذ دلّنا كيف ينبغي أن نختار الاخوان وعرّفنا السبيل إلى هذا الأمر محذّراً من الوقوع في صحبة من لا ينبغي أن نصحبه أو معاشرة من لا يسوغ أن نعاشره فبيّن أن الاختبار هو ميزان على وفقه يتم الاختيار وإلا كان الواحد عرضة لما لا يحب أن يلقاه، أو مشى إلى حيث لا يريد الوصول. يقول أمير المؤمنين عليه السلام : «قدّم الاختبار في اتخاذ الاخوان فإن الاختبار معيار يفرّق بين الأخيار والأشرار» (16).

فالواجب عدم إخاء الأشرار والانتباه منهم وهذا ما لا يتم  إلا بعد معرفتهم ومعرفتهم تكون بالتفريق بينهم وبين الأخيار بحيث لا يختلط الأمر علينا من هو الخيّر ومن هو الشرير ونساوي بينهما والسبيل إلى ذلك هو الاختبار الذي ينتج من نؤاخي ومن لا نؤاخي. وإلا وقعنا في سوء الاختيار بمقارنتهم كما جاء في الحديث: «قدّم الاختبار وأجد الاستظهار في اختيار الاخوان وإلا ألجأك الاضطرار إلى مقارنة الأشرار» (17).

ولا أظنني منصفاً إذا عدت باللائمة على غيري عندما لم يحفظ حق الاخوة وضيّعه، فيما إذا كنت لم اعتمد الطريق القويم في حسن اختياره، بل إن الجزء الأكبر الذي قدّم لهذه المشكلة ومهّد لهذا الفشل هو الانتقاء دون التعرف عليه حق المعرفة، والسير في الظلام الذي ربما أودى إلى الهلكة، أو المفاجات غير المحبّذة. وهنا تتجدد أسئلة عديدة وهي: بماذا اختبر الاخوان وفي أي ميدان وما هي عناصر الاختبار الذي يعتبر الخطوة الأولى؟ وكم هي المدة؟ وهل يشمل ذلك علاقته مع نفسه إضافة إلى علاقته مع الغير؟ وما شاكل ذلك.

إن هذا ما يتضح الجواب عنه فيما يأتي ضمن عنوان (لا تؤاخِ هؤلاء). ولنأخذ نموذجاً واحدً ينظر إلى جنبتين: الأولى ترتبط بالبعد العبادي الفردي والثانية بالبعد الحياتي الاجتماعي وقد جمعهما حديث مولانا الصادق عليه السلام  حينما يرشدنا إلى هذين الموردين الهامين للاختبار للكشف عن مدى اهتمام هذا الإنسان بالصلة الإلهية كميدان خاص وبالصلة البشرية كميدان عام قائلاً: «اختبروا اخوانكم بخصلتين فإن كانتا فيهم وإلا فاعزب ثم اعزب ثم اعزب محافظة على الصلوات في مواقيتها، والبرّ بالاخوان في العسر واليسر» (18).






 

الفصل الثاني : أصناف الأخون

هل تعرف إخوانك؟

إخوان الثقة وإخوان المكاشرة:

قبل أن نتحدث عن حقوق الاخوان ونتعرف على ما ينبغي القيام به أو الاجتناب عنه في تعاملنا معهم، نتعرض لتصنيفهم حيث ليسوا هم برتبة واحدة بل بعضهم أفضل من بعض لأن منهم من لا يمكن الاستغناء عنه بحال من الأحوال لأنه كالغذاء اليومي ومنهم من ليس كذلك وبالامكان الابتعاد عنه ولو لفترات محددة، أو طويلة ولنأخذ بيان أمير المؤمنين  عليه السلام  في هذا المجال مع شي‏ء من التفصيل.

في الحديث عن أمير المؤمنين  عليه السلام  أنه قال: «الاخوان صنفان: اخوان الثقة واخوان المكاشرة (19) فأما اخوان الثقة، فهم الكف والجناح والأهل والمال، فإذا كنت من أخيك على حدّ الثقة، فابذل له مالك وبدنك، وصاف من صافاه وعاد من عاداه، واكتم سرّه وعيبه، واظهر منه الحسن، واعلم أيها السائل أنهم أقلّ من الكبريت الأحمر، وأما اخوان المكاشرة، فإنك تصيب لذتك منهم، فلا تقطعنّ ذلك منهم، ولا تطلبنّ ما وراء ذلك من ضميرهم وابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه وحلاوة اللسان» (20).

لقد بيّن  عليه السلام  في هذا التصنيف مرحلتين أو شكلين من العلاقة الأخوية يمكن أن نطلق على المرحلة الأولى المعبّر عنها ب(اخوان الثقة) العلاقة العميقة المتينة في أبعادها الرسالية ومحاكاة داخل كل واحد منهما بما يكنّه للاخر من مودة ووفاء واحترام، بما هما عليه من وحدة في المنطلق والهدف، وصدق في الكلمة والموقف ضرورة أن الأفعال بينهما معربة دائماً عن الأقوال، فلا زيف ولا مداهنة ولا مجاراة ولذلك من الطبيعي أن يكون حالهم ما ذكر في الحديث الشريف، فهم أهل الصلاح والصدق والأمانة الذين يوثق بهم في الدين وموافقة ظاهرهم لباطنهم والثقة بهم هي سبب البذل لهم واعانتهم ومصافاتهم ومعاداة أعدائهم وكتمان أسرارهم، واظهار محاسنهم، واخفاء مساوئهم وهم الكف والجناح أي هم قوة يمكن الاعتماد عليها في كف الأذى ورفع الباطل والاستعانة بها في الموارد التي يحتاج فيها إلى عون.

وأما المرحلة الثانية أو الشكل الثاني من العلاقة المعبّر عنها ب(اخوان المكاشرة) يمكن وصفها بالعلاقة السطحية التي لا تتعدى الظاهر والمجاملة والمقابلة بمعنى أنها مقتصرة على دلالات الوجه واللسان دون البناء على ما وراء ذلك من داخل الاخر، فلذا لا يمكن أن يكون هذا الصنف بمثابة الصنف الأول بالتعويل عليه ومكاشفته بالشؤون الخاصة وايداع الأسرار لديه، بل يندرج نمط الارتباط هذا في حدود الشكل لا المضمون.

ولا يوجد واحد منا إلا وله اخوان أو أصدقاء من الصنفين المذكورين سواء في مكان عمله أو سكناه أو جامعته أو مدرسته والخطأ الذي طالما نقع فيه أننا نعكس النوع المطلوب من التعاطي مع كل صنف منهما فربما نختصر على طلاقة الوجه وحلاوة اللسان واللياقات المتبعة في الأماكن العامة مع الصنف الذي ينبغي لنا مصافاته وبذل ما يمكن بذله مع حاجته في بعض الأحيان إليها أو نغوص مع الصنف الاخر الذي ينبغي الاحتراز منه، في ابداء الخصوصيات وايداع كل شي‏ء لديه مع أننا لم نثق بعد في أمانته ثم بعد ذلك تقع المشكلة، حيث نصطدم ونتفاجأ بحصول ما لا ينبغي حصوله من نقض عهد أو عدم وفاء بوعد، أو خيانة مالية أو معنوية والخلل إذا كان بهذه الصورة أو غيرها فإن سببه الأول هو نحن حيث لم نقم باختيار الوظيفة المطلوبة مع كل صنف بحسبه ولذلك في بعض تعابير المعصومين عليهم السلام  تصريح ودلالة على مكان المشكلة كما في قول الصادق  عليه السلام : «لم يخنك الأمين ولكن ائتمنت الخائن» (21).

بمعنى أن الخلل نشأ من عندك حينما أوليت ثقتك ووضعتها في غير محلها في ائتمان الخائن وإلا لم يكن خلل وهذا معنى انعكاس التعامل بين الصنفين الذي يجلب الكثير من الأزمات في أوساط الناس.

فالمطلوب أولاً هو التعرف على كل من اخوانك إنه إلى أي صنفٍ ينتمي ثم بعد ذلك إقامة العلاقة معه على أساس معرفته، إما بشكل عميق أو بشكل سطحي.

ويرشدنا الإمام الصادق  عليه السلام  إلى حقيقة أصناف الاخوان في بيان يعتبر تفصيلاً لما ذكره أمير المؤمنين عليه السلام  لا أنه يغايره، وعلى ضوئه يمكن تحديد طبيعة العلاقة حيث يقول  عليه السلام : «الإخوان ثلاثة، فواحد كالغذاء الذي يحتاج إليه كل وقت فهو العاقل، والثاني في معنى الداء وهو الأحمق والثالث في معنى الدواء فهو اللبيب»(22) (23).

أما الأول: فإنه يمثّل حاجة دائمة ومستمرة في الحياة الفكرية والدينية والعلمية والعملية لأخيه كما الطعام والشراب بالنسبة للبدن ولذلك قال  عليه السلام : يحتاج إليه كل وقت.

وأما الثاني: أي الأحمق فهو من فسد عقله فبات مصدراً للانحراف والاضلال عن الطريق القويم والكل في غنى عنه ومأمور بالاحتراز منه.

وأما الثالث: أي اللبيب فهو ضرورة في دوام العافية الاجتماعية ودواء عند حلول المشاكل أو الوقوع في الأزمات سواء كانت خاصة أم عامة فهو الأهم الذي يصونه ويحفظه ومعه يشعر بالراحة والأمان.

فيكون العاقل واللبيب من اخوان الثقة والأحمق من اخوان المكاشرة ويدخل في الصنف الأول المواسي بنفسه أو ماله كما يدخل في الصنف الثاني صاحب الغاية التي متى ما تحققت فارق أخاه جاء في الحديث: «الاخوان ثلاثة: مواسٍ بنفسه واخر مواسٍ بماله واخر يأخذ منك البلغة (24) ويريدك لبعض اللذة فلا تعدّه من أهل الثقة»(25).

ومن هذا الأخير يحذرنا الإمام الصادق  عليه السلام  قائلاً: «واحذر أن تؤاخي من أرادك لطمع أو خوف أو ميل أو مال أو أكل أو شرب واطلب مؤاخاة الأتقياء» (26).

خصلتان هامتان:

يمكننا أن نعرّف اخوان الثقة بخصلتين هامتين، من خلالهما نرى من هو الأخ حقاً.

الأولى: الاصلاح وهو أن يلتزم الأخ سبيلاً بناءً في علاقته مع أخيه من خلال مكاشفته بعيوبه وعدم مداهنته وكثرة الاطراء عليه مع ما يراه من أعماله غير المرضية، ومعاونته على التغيير ليكون على أحسن ما يرام، فيحب له أن تجتمع الأوصاف الحميدة فيه بأجمعها.

والثانية: الإخلاص بمعنى أن يكون صادقاً معه مخلصاً له في باطنه وسريرته فلا يظهر له خلاف ما يضمره ولسانه ترجمان قلبه على الدوام. فإذا توفرت هاتان الخصلتان في رجل كان لا محيص عن معاشرته، هذا ما أوصانا به مولانا الكاظم  عليه السلام  وهو يعرّفنا على اخوان الثقة من خلال الركيزتين المتقدمتين قائلاً: «اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة اللَّه، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الاخوان والثقات الذين يعرّفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم» (27).

أعظم الاخوان:

عرفنا مما تقدم أنه يوجد تفاوت في درجات الاخوان بحسب ما يمتلكون من خصال جميلة، لكن لم نشر إلى الدرجة العظمى والرتبة العليا من درجات الاخوة إلى حد أن يكون ذلك الرجل هو أعظم اخوانه على الاطلاق فبماذا يا ترى يبلغ هذه المنزلة؟

نسأل مولانا الحسن بن علي  عليه السلام  ليكون الجواب التالي، في الحديث: «خطب الناس الحسن بن علي  عليه السلام  فقال: أيّها الناس، أنا أُخبركم عن أخ لي كان من أعظم الناس في عيني وكان رأس ما عظم به في عيني صغر الدنيا في عينه، كان خارجاً من سلطان بطنه فلا يشتهي ما لا يجد ولا يُكثر إذا وجد، كان خارجاً من سلطان فرجه، فلا يستخفّ له عقله ولا رأيه، كان خارجاً من سلطان الجهالة فلا يمدّ يده إلاّ على ثقة لمنفعة، كان لا يتشهّى ولا يتسخّط ولا يتبرّم، كان أكثر دهره صماتاً فإذا قال، بذّ القائلين، كان لا يدخل في مراء ولا يشارك في دعوى ولا يُدلي بحجّة حتّى يرى قاضياً وكان لا يغفل عن إخوانه ولا يخصّ نفسه بشي‏ء دونهم.

كان ضعيفاً مستضعفاً، فإذا جاء الجدّ كان ليثاً عادياً، كان لا يلوم أحداً فيما يقع العذر في مثله حتّى يرى اعتذاراً كان يفعل ما يقول ويفعل ما لا يقول، كان إذا ابتزّه أمران لا يدري أيّهما أفضل، نظر إلى أقربهما إلى الهوى فخالفه، كان لا يشكو وجعاً إلاّ عند من يرجو عنده البرء، ولا يستشير إلاّ من يرجو عنده النصيحة، كان لا يتبرّم ولا يتسخّط ولا يتشكّى ولا يتشهّى ولا ينتقم ولا يغفل عن العدوّ.

فعليكم بمثل هذه الأخلاق الكريمة إن أطقتموها، فإن لم تطيقوها كلّها فأخذ القليل خير من ترك الكثير، ولا حول ولا قوّة إلاّ باللَّه»(28).






 

الفصل الثالث : إخوان الصدق

من تؤاخي؟

إن الباحث عن معالم الاخوة في الإسلام بما يتفق مع تعاليمه السامية التي لا يجدر بالإنسان الحياد عنها سوف يجدها جليّة بيّنة تأخذ بيده إلى علياء الكرامة والفضيلة، وتنقله نقلة نوعية يشبع برفدها روحه ويروي من نميرها فؤاده الصادي إلى ذاك التكامل المنشود والمنتهى الخالد خلود الحق طالما لم يعكس الاتجاه، وظلّ يتوق ويتشوق إلى التزود من خيار اخوته في اللَّه تعالى ثم بلغ هذه الغاية فغدت حقيقة وحدثاً بعد أن كانت أمنية وحلماً فتجمعت جداول الخير في بحر واحد.

فمن هم هؤلاء يا ترى؟

انهم اخوان الصدق الذين أوصانا أمير المؤمنين  عليه السلام  بمعاشرتهم مؤكداً ذلك في قوله: «وعليك باخوان الصدق فأكثر من اكتسابهم فإنهم عدة عند الرخاء وجنة عند البلاء» (29).

1  العالم الرباني:

لقد أكدت الروايات المباركة على الاستفادة من العلماء الربانيين ومصاحبتهم ومجالستهم لأنهم قادة الركب المقدس الذين يأخذون بيد المرء إلى عالم العلياء ويصلون به إلى حيث أراد اللَّه سبحانه من خلال نشر معارفهم والقيام بدورهم في تبليغ رسالة اللَّه وهداية الناس والدفاع عن مبادى‏ء الدين الحنيف وصيانة الشريعة من أن تدخلها البدع والانحرافات وهم صمّام الأمان الذي لا غنى لأحد عنه.

ومما ورد في حقهم ما قاله أمير المؤمنين  عليه السلام : «عجبت لمن يرغب في التكثر من الأصحاب كيف لا يصحب العلماء الألبّاء الأتقياء الذين يغتنم فضائلهم وتهديه علومهم وتزينه صحبتهم» (30).

فهنا ثلاث فوائد:

الأولى: اغتنام فضائلهم ومعناه التحلي بمحاسن الأخلاق التي هم عليها.

الثانية: الاهتداء بعلومهم ومعناه التنوّر بمعرفة أحكام الدين وردّ شبهات الملحدين.

الثالثة: التزيّن بصحبتهم حيث هم زين لمن وفّق للقيام بخدمتهم والتشرّف بمحضرهم.

وعنه  عليه السلام : «جالس العلماء يزدد علمك ويحسن أدبك» (31).

وفي وصية لقمان لابنه: «يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن اللَّه عزّ وجلّ يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل السماء» (32).

وفي مقابل ذلك إن التخلي عنهم وترك مجالستهم موجب للخذلان من اللَّه تعالى لأن الابتعاد عنهم معناه الابتعاد عن المدرسة الإلهية التي أمر المولى سبحانه بالتربي في كنفها وتحت ظلالها وهذا ما جاء صريحاً في دعاء السجّاد  عليه السلام : «أو لعلك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني».

2  الحكيم الإلهي:

إن مصاحبة الحكماء ومجالسة الحلماء، فيهما من اثار الخير ما لا يمكن عدّه واحصاؤه لما في هذين الصنفين من مواصفات عالية تترك بصماتها وثمارها في الجنبة العلمية وكذلك العملية بما يساعد الإنسان في طريقه نحو الكمال.

عن أمير المؤمنين  عليه السلام : «صاحب الحكماء وجالس الحلماء واعرض عن الدنيا تسكن جنة المأوى» (33).

وفي رواية أخرى: «أكثر الصلاح والصواب في صحبة أولي النهى والصواب» (34).

3  المحب في اللَّه:

عن أمير المؤمنين  عليه السلام : «خير الاخوان من كانت في اللَّه مودّته» (35).

وعنه  عليه السلام : «خير الإخوان من لم تكن على الدنيا أخوّته» (36).

4  المواسي لك:

عن أمير المؤمنين  عليه السلام : «خير إخوانك من واساك وخير منه من كفاك وإذا احتاج إليك أعفاك» (37).

وفي حديث اخر: «خير أخوانك من واساك بخيره وخير منه من أغناك عن غيره» (38).

5  الداعي إلى اللَّه تعالى:

والمراد منه من كانت دعوته بالعمل إضافة إلى القول كما عبّرت عن ذلك النصوص الشريفة حيث ورد عن أمير المؤمنين  عليه السلام : «خير إخوانك من دعاك إلى صدق المقال بصدق مقاله، وندبك إلى أفضل الأعمال بحسن أعماله» (39).

و«خير إخوانك من سارع إلى الخير وجذبك إليه وأمرك بالبرّ وأعانك عليه» (40).

6  المعين على الطاعة:

عن أمير المؤمنين  عليه السلام : «المعين على الطاعة خير الأصحاب» (41).

وعنه أيضاً: «إذا أراد اللَّه بعبدٍ خيراً جعل له وزيراً صالحاً إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه» (42).

وفيما ورد عن رسول اللَّه  صلى الله عليه وآله  لما سئل من أفضل الأصحاب:«من إذا ذكرت أعانك وإذا نسيت ذكّرك» (43).

حيث تكون الوظيفة الأولى في حالة الذكر بأن اللَّه تعالى حاضر وناظر هي المعاونة ( وتعانوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وتكون الوظيفة الثانية في حالة النسيان والغفلة هي التذكير والتوعية اتجاه المسؤولية الإلهية الملقاة على عاتقه.

 

خير الجلساء:

عن النبي  صلى الله عليه وآله  حينما سئل أي الجلساء خير؟ فقال: «من ذكّركم باللَّه رؤيته وزادكم في علمكم منطقه. وذكّركم بالاخرة عمله» (44).

يعني أن الأمور المذكورة تساهم مساهمة حقيقية في بناء الشخصية الإيمانية ومصدرها الخير الذي هو عليه في الحال والمنطق والعمل حيث تكون الثمرة من هذه المجالسة مكسباً معنوياً سواء في ذكر اللَّه أو زيادة العلم أو تذكر الاخرة، وليس غريباً أن المؤمن إذا فقد أخاه وجليسه الذي يمتاز بهذه المواصفات أن لا يحب البقاء بعده (45) وهذا دليل أنه من الخيرة والصفوة ويشعر أن الذي فقده هو بعضه كما يقول أحد الشعراء:

 

ومن محن الدنيا بقاؤك بعد مَنْ

إذا رحلوا أبقوك دون مشابهِ

 

 

فوجهٌ إذا ما غاب تبكيه ساعةً

ووجهٌ تملّ العمر عند غيابهِ

 

 

وتدفن فيه بالثرى إن دفنتهُ

وجودك إن المرء بعض صِحابهِ

 

 

وصية جامعة:

لقد جمع الإمام الحسن  عليه السلام  أوصاف اخوان الصدق وخلاّن الوفاء في وصيته لجنادة في مرضه الذي توفي فيه حيث قال  عليه السلام : «اصحب من إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونة أعانك، وإن قلت صدّق قولك، وإن صلت شدّ حولك وإن مددت يدك بفضل مدّها، وإن بدت عنك ثلمة سدّها، وإن رأى منك حسنة عدّها وإن سألته أعطاك، وإن سكتّ عنه ابتداك وإن نزلت إحدى الملمات به ساءك» (46).

وهذه الخصال بأجمعها سوف يأتي أنها من جملة الحقوق الأخوية التي علينا مراعاتها والانتباه لها. وأن يبقى حاضراً في ذاكرتنا ومنقوشاً في صفحات قلوبنا إن دوام المودة مرهون باخوة الدين لا الدنيا، إن الاخوان الصادقين في اخوتهم أفضل عدة وذخر وعون في الشدائد والمصاعب مدى الحياة كما جاء في الحديث: «اخوان الدين أبقى مودة، اخوان الصدق أفضل عدة» (47).






 

الفصل الرابع : أصدقاء السوء

لا تُؤاخِ هؤلاء:

بعد أن اتضح من هم اخوان الصدق الذين ينبغي مؤاخاتهم ومعاشرتهم، نتعرض لتعداد أصدقاء السوء الذين ينبغي الابتعاد عنهم وعدم إقامة علاقات معهم لأنهم لا يجرّون إلى الخير والصلاح بل إلى الشر والفساد وهذا الصنف أشير إليه في الكتاب الكريم بقوله تعالى: «يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً لقد أضلني عن الذكر...» (48).

وهم بحسب ما استفدناه من الروايات الشريفة كالتالي:

1  الأحمق الكذّاب:

فقد جاء في الحديث عنه  عليه السلام : «إياك وصحبة الأحمق الكذّاب، فإنه يريد نفعك فيضرّك، ويقرّب منك البعيد، ويبعّد منك القريب، إن ائتمنته خانك، وإن ائتمنك أهانك، وإن حدّثك كذّبك، وإن حدّثته كذّبك وأنت منه بمنزلة السراب الذي يحسبه الظمان ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً» (49).

إن هذه الأخطار الأخلاقية والعواقب السيئة التي عدّدها الحديث من قبيل الإضرار والخيانة والإهانة والتكذيب هي كافية للردع عن معاشرته ومعرفة أن مصير العلاقة معه هو الفشل لأنها تكون هدّامة لا بنّاءة ومؤدية إلى الانحطاط لا الإرتقاء من خلال الاثار الملموسة لهذا النوع الفتّاك بل القاتل من الناحية المعنوية إضافة إلى المادية.

2  صاحب الغاية الدنيوية:

والمراد به الذي يصحبك ليستفيد منك مالاً أو جاهاً أو غير ذلك من الأطماع التي لا تجعل تلك الصحبة قائمة على أساس التقوى وليس فيها الصدق والإخلاص. وهو الذي سرعان ما يتخلى عن تلك العلاقة حينما يصل إلى هدفه منك.

فقد ورد عن الإمام الصادق  عليه السلام : «إحذر أن تواخي من أرادك لطمعٍ أو خوفٍ أو ميلٍ أو للأكل والشرب، واطلب مواخاة الأتقياء، ولو في ظلمات الأرض، وإن أفنيت عمرك في طلبهم» (50).

وقد صوّر أحد الشعراء ذلك حينما قال:

 

إذا قلَّ مالي فما خِلٌّ يصادقني

وفي الزيادة كلّ الناس خِلاّني

 

 

كم من عدوٍّ لأجل المال صادقني

وكم صديقٍ لفقد المالِ عاداني

 

 

وقال اخر:

 

المرء في زمن الإقبال كالشَّجَره

والناس من حولها ما دامت الثَّمَره

 

 

حتى إذا راح عنها حملها انصرفوا

وخلّفوها تعاني الحرّ والغَبَره

 

 

3  الضَّال المُضلّ:

لقوله تعالى: «يا ويلتي ليتني لم اتخذ فلاناً خليلاً لقد أضلَّني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً» (51).

وقد تقدم ذكر الاية في البداية.

4  الفاجر:

فقد ورد عن الإمام الصادق  عليه السلام : «لا تصحب الفاجر فيعلّمك من فجوره».

ثمَّ قال  عليه السلام : «أمرني والدي بثلاث ونهاني عن ثلاث، فكان فيما قال لي: يا بنيَّ من يصحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يدخل مداخل السوء يتّهم، ومن لا يملك لسانه يندم» (52).

5  البخيل:

فإنه قد جاء عنهم عليهم السلام  التحذير من صحبته وربما كان لأجل أن المرء يأخذ من أخلاق أصحابه ويتأثر بهم كما عن النبي  صلى الله عليه وآله : «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» (53).

وعن الصادق  عليه السلام : «وإيّاك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه» (54).

6  الفاسق:

فقد ورد عن الإمام زين العابدين  عليه السلام  أنه قال لولده الباقر  عليه السلام : «يا بني انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق...».

إلى أن قال  عليه السلام : «وإيّاك ومصاحبة الفاسق فإنه بايعك بأكلة أو أقلّ من ذلك» (55).

7  القاطع لرحمه:

وذلك لما روي عنهم  عليه السلام : «وإيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعوناً في كتاب اللَّه عزّ وجلّ في ثلاثة مواضع: قال اللَّه عزّ وجلّ: «فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم...».

وقال عزّ وجلّ: «الذين ينقضون عهد اللَّه من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر اللَّه به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الداء» (56)... الحديث.

8  الكافر:

عن النبي  صلى الله عليه وآله : «من كان يؤمن باللَّه واليوم الاخر فلا يواخينَّ كافراً» (57).

9  الشرّير:

قال الجواد  عليه السلام : «إيّاك ومصاحبة الشرّير فإنه كالسيف المسلول يحسن منظره ويقبح أثره» (58).

10  صاحب اللهو:

عن الإمام علي  عليه السلام : «إيّاك وصحبة من ألهاك وأغراك فإنه يخذلك ويوبقك» (59).

11  الجبان:

عن الباقر  عليه السلام : «لا تصادق ولا تواخِ أربعة: الأحمق والبخيل والجبان والكذاب...».

إلى أن يقول  عليه السلام : «وأما الجبان فإنه يهرب عنك وعن والديه...» (60).

12  ناشر المثالب(61):

في الحديث عن علي  عليه السلام : «لا تواخِ من يستر مناقبك وينشر مثالبك»(62) .

أي من يخفي حسناتك ويذيع سيئاتك.

13  رهين المداراة:

وهو الذي لا يمكن استمرار الصداقة معه على قواعدها السليمة دون الخضوع إلى كثير من التكلّف والتجمّل وذلك ما يكون مع الأشخاص الذين هم سريعو الغضب والانفعال وإذا ما غضبوا هم لا يغفرون.

قال أمير المؤمنين  عليه السلام : «ليس لك بأخٍ من احتجت إلى مداراته» (63).

14  مجهول الموارد والمصادر:

يقول الحسن  عليه السلام : «لا تواخ أحداً حتى تعرف موارده ومصادره، فإذا استنبطت الخبرة ورضيت العشرة فاخه على إقالة العثرة والمواساة في العُسرة»(64).

15  الزاهد بأخيه:

ورد عن النبي  صلى الله عليه وآله : «لا ترغبَّن فيمن زهد فيك ولا تزهدنّ فيمن رغب فيك»(65).

16  صاحب البدعة:

جاء عن الإمام الصادق  عليه السلام : «لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم، فتصيروا عند الناس كواحدٍ منهم قال رسول اللَّه  صلى الله عليه وآله : المرء على دين خليله وقرينه»(66).

17  النمّام / 18  الخائن / 19  الظلوم:

قال الإمام الصادق  عليه السلام : «إحذر من الناس ثلاثة: الخائن والظلوم والنمّام لأن من خان لك خانك، ومن ظلم لك سيظلمك، ومن نمَّ إليك سينمُّ عليك»(67).

20  متتبع العيوب:

عن أمير المؤمنين  عليه السلام : «إيّاك ومعاشرة متتّبعي عيوب الناس، فإنه لم يسلم مصاحبهم منهم» (68).

21  المائق:

وهو الحاقد الذي لا يريد لك الخير ويلبس الأمور عليك. عن أمير المؤمنين  عليه السلام : «لا تصحب المائق فيزيّن لك فعله ويودّ أنك مثله» (69).

 

22  المرتاب:

في الحديث: «شر الأتراب الكثير الارتياب» (70).

23  سريع الانقلاب:

في الحديث:«شر الأصحاب السريع الانقلاب» (71).

24  المثبّط عن الخير:

عن علي  عليه السلام : «شر اخوانك من تثبط عن الخير وثبّطك معه» (72).

25  المداهن:

يقول أمير المؤمنين  عليه السلام : «شرّ اخوانك انعاش المداهن» (73).

26  السبّاب:

في الحديث: «من كان يؤمن باللَّه واليوم الاخر فلا يجلس مجلساً ينتقص فيه إمام أو يعاب فيه مؤمن» (74).

وعن الصادق  عليه السلام : «من قعد عند سبّاب لأولياء اللَّه فقد عصى اللَّه» (75).

وعليه فإذا كان القعود عنده معصية فكيف بالمؤاخاة والمصافاة؟!

27  مزيّن المعصية:

سئل أمير المؤمنين  عليه السلام : أي صاحب شر؟ قال: «المزيّن لك معصية اللَّه» (76).

28  الخاذل:

في الحديث: «شر الاخوان الخاذل»(77).

وقريب منه قوله  عليه السلام : «شر الاخوان المواصل عند الرخاء والمفاصل عند البلاء» (78).






 

الفصل الخامس : حقوق الإخوان

كيف تؤدي حق أخيك؟

عظمة حق الأخ:

عن مولانا الصادق  عليه السلام : «ما عُبد اللَّه بشي أفضل من أداء حق المؤمن، إن المؤمن أفضل حقاً من الكعبة» (79).

إن للأخ المؤمن حقوقاً عظيمة في الإسلام، بما له من مكانة وحرمة هي أعظم وأكبر من حرمة الكعبة المشرّفة، توجب علينا أن نتعامل معه على أساسها من خلال معرفتها ومراعاتها مع كل ما تحمله من أبعاد إيمانية لإستقامة مسيرة الحياة الفاضلة، سواء من الناحية الفردية أو الاجتماعية لذلك لم يكن بالإمكان التجاوز عن معرفة العوامل الإيجابية التي هي مصدر التواصل والتعارف، ولا عن معرف العوامل السلبية التي هي مصدر الافتراق والاختلاف، لأن الاقدام على شي‏ء أو الاحجام عنه، إنما يكونان بعد الإطلاع على الموجب لذلك في كليهما، وعلى ضوء ما ذكر يعطينا الإمام زين العابدين عليه السلام  درساً من دروس الإسلام شارحاً الوظيفة في كلا الإتجاهين ضمن رسالة الحقوق، فلنفتح اذان قلوبنا لما سيقوله  عليه السلام  في الفقرة الاتية.

مع رسالة الحقوق:

يقول  عليه السلام : «وحق أخيك، أن تعلم أنه يدك التي تبسطها، وظهرك الذي تلتجى‏ء إليه، وعزك الذي تعتمد عليه، وقوتك التي تصول بها، فلا تتخذه سلاحاً على معصية اللَّه، ولا عدة للظلم لخلق اللَّه، ولا تدع نصرته على نفسه ومعونته على عدوّه، والحؤول بينه وبين شياطينه، وتأدية النصيحة إليه، والإقبال عليه في اللَّه، فإن انقاد لربه وأحسن الإجابة له، وإلا فليكن اللَّه اثر عندك وأكرم عليك منه» (80).

ومعنى ذلك أن الأخ يجسّد القوة التي تستطيع أن تقهر بها الأعداء وتذل بها الباطل وهو مورد عزك الذي تستطيع أن تعلي هامتك به وظهرك الذي تستند إليه ويدك التي تبطش بها وإذا كان الأخ بهذه المثابة والمنزلة فلا يجوز استغلاله في معصية اللَّه وقهر عباده بمعنى أن يتحول إلى أداة فساد وعنصر ضلال، كما أنه إذا كان على الحق يجب عليك أن تنصره وتعينه على حل مشاكله وتنصحه في شؤونه فإذا كان مطيعاً للَّه عاملاً بأمره منقاداً لحكمه، فهذه غاية أمنيتك، وإذا انحرف عن ذلك وابتعد عنه فليكن اللَّه تعالى أكرم عليك منه واثر لديك.

أداء الحقوق:

إن أكثر ما تكون المشكلة في مرحلة العمل والأداء، لا في مرحلة العلم فقط. لأن المهم أن أعمل بما علمت لا أن أقرأ الحقوق وأتعرف عليها وأحسن تعدادها ثم لا أراعيها، فإن المطلوب هو أن أتعاطى معها بالأحقية التي هي عليها حيث رتبها الإسلام العزيز وجعل بعضها متقدماً على الاخر، وإلا لو كان السلوك العملي في الحياة لا يبرهن على صدق الموقف فهذا يعني أننا لم نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام في العلاقة مع الاخر، بل من خلال معرفتنا بالحقوق أصبحت الحجة علينا أكبر، والحساب أعظم.

ولذلك لو تفحصنا مليّاً في أساليب التعامل والتعاطي بين كثير من الأخوة ووقفنا في بعض شوارع المسلمين أو مدارسهم أو أسواقهم لوجدنا ما يعاكس الاتجاه الذي تدعو إليه المدرسة القرانية وتحث عليه السيرة المباركة لأهل البيت عليهم السلام  وما ذلك إلا لإنتهاك الحقوق والتعدي والقيام بما لا يسوغ القيام به ولأجل عدم الالتزام العملي بأيسر حق من الحقوق التي عدّدها الصادق  عليه السلام  ألا وهو أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك فهل ترى أن هذا الحق الأيسر مراعى حينما يعمل أحدنا على الإضرار بالاخر أو مضايقته في مسكنه أو متجره أو موقف سيارته أو يتمنى زوال النعمة عنه ويسعى في تشويه سمعته، وكيف إذا كان ذلك على مستوى الجماعة فيما إذا قطع طريقهم وحال بينهم وبين مقاصدهم وهو يكره ذلك لنفسه فهل يكرهه لغيره؟!

من هنا كان الواجب أن نقرأ هذه الحقوق في حياتنا اليومية من خلال الأعمال لأنه ربما تخوننا الذاكرة فننسى ما مرّ بنا وتعود المشكلة كما كانت عليه.

إنتهاك الحقوق:

كثيراً ما تكون المودة قائمة بأجمل معانيها وصورها بين أخوين وبعد ذلك تزول لتنقلب إلى كراهية وفي بعض الحالات إلى عداوة بعد صداقة قديمة وأخوة حميمة، فما هو السبب يا ترى؟

إن السبب هو إنتهاك الإنسان لحق أخيه وقيامه بالأسباب التي توجب زوال المودة والتي من الواجب اجتنابها لا إرتكابها.

وهي:

أسباب زوال المودة:

1  السبب الأول: المراء

وهو في اللغة: أن يطعن الرجل في قول الاخر تزييفاً للقول وتصغيراً للقائل على نحو الاعتراض.

فإن أقل ما يمثله هذا التعامل السي‏ء هو التكذيب والاهانة وتقزيم الاخر مع أنه من حقّه أن يُحترم ويوقّر ويصدّق، فكيف تدوم الأخوة والمودة دون احترام وكرامة؟!

ومما جاء في ذلك عن الإمام الهادي  عليه السلام : المراء يفسد الصداقة القديمة ويحلّل العقدة الوثيقة، وأقل ما فيه أن تكون فيه المغالبة والمغالبة أسُّ (81) أسباب القطيعة» (82).

2  السبب الثاني: إطاعة الواشي (83)

عن علي  عليه السلام : «من أطاع الواشي ضيّع الصديق» (84).

حيث من الطبيعي جداً أن تؤدي الوشاية التي هي عبارة عن عملية إفساد للمودة بين طرفين، وزرع الاضغان في صدر كل واحد منهما من خلال افتراء كاذب لا واقع له يتصور معه أن أحدهما لا يكنّ للاخر أي تقدير وإنما يتربص به الدوائر، وهذا إنما يحصل فيما إذا استجاب الإنسان واصغى للنمّام الكاذب الذي أراد الوقيعة به أما إذا تابع موازين الشرع المبين وكذّب سمعه، وردّ مقالة هذا المبطل فإن المودة والاخاء يدومان بأمن وسلامة.

وعليه ما يفسد العلاقة هنا ليس الواشي لوحده فهو جزء السبب والجزء الاخر هو المطيع لوشايته، إذ لو لم يطعه لن تحل العرى الوثيقة بينه وبين أخيه وسيبقى الأمر على ما يرام، وهنا يكون المورد محلاً للامتحان من جراءه يعرف مدى الوعي لدى الإنسان هل هو متسرع يعير أذنه لأي شخص ويحكم على أساس الكلام الواهن أو أنه متأنٍ غير عجول يسلك سبيل الاحتياط الذي فيه النجاة.

3  السبب الثالث: ذهاب الحشمة

فقد جاء عن الصادق  عليه السلام : «لا تذهب الحشمة بينك وبين أخيك وأبق منها، فإن ذهاب الحشمة ذهاب الحياء، وبقاء الحشمة بقاء المودة» (85).

لا شك أن الابتذال والتصرف أمام الاخر كأنه غير موجود، ولجوء الأخ إلى القيام ببعض الأعمال بداعي أنه لا كلفة بين الاخوان مع أنها غير لائقة ولا مناسبة، يؤدي إلى هوان الإنسان على أخيه ويسقطه من عينه، فلا يقيم له وزناً ولا تدوم بينهما مودة لأنها قائمة على تقدير كل منهما للاخر واحترامه، فإذا أهان الواحد نفسه من خلال عدم حيائه كيف يطلب من الاخرين تكريمه بعدما لم يترك ما يساعده على الاحتفاظ بكيانه الجميل من حشمته.

4  السبب الرابع: عدم التناصف والتراحم

في الحديث عن مولانا الصادق  عليه السلام : تحتاج الاخوة بينهم إلى ثلاثة أشياء، فإن استعملوها وإلا تباينوا وتباغضوا وهي: التناصف والتراحم ونفي الحسد» (86).

5  السبب الخامس: الحسد

حيث لا تجتمع الاخوة الصادقة مع الحسد وتمنّي زوال النعمة عن أخيه وهذا ما أشير إليه في الحديث السابق.

6  السبب السادس: المخاصمة

وهي الجدل ابتداءً، وعدم التوافق والاجتماع في الموقف والرأي أو العمل والسيرة.

7  السبب السابع: الملاعبة

وهي عبارة عن التزييف وابهام الأمور وإلباسها غير لباسها الحقيقي والواقعي بغية الوصول إلى مارب لا تتفق مع التعامل في القضايا بحسب ما هي عليه.

8  السبب الثامن: المجاراة

ويراد بها عدم الصدق في الموقف وعدم المصارحة.

9  السبب التاسع: الممازحة

التي هي الهزل في الخطاب وعدم الجدية وربما تعدت إلى جملة من الأعمال مما يؤذي ويسبب حرجاً أو ضرراً للطرف الاخر.

أما الملاطفة والتراحم فهما على العكس تماماً فإن الذي يلاطف أخاه بغية ادخال السرور على قلبه يكون مأجوراً وهو أمر مطلوب ورد الحث عليه في اخبار المعصومين عليهم السلام .

10  السبب العاشر: المواضعة

ويعنى بها وضع شأن الاخر وتصغيره وخفضه وكثيراً ما يقع في هذه الافة القرناء والزملاء إذا كانوا في صف واحد في مدرستهم أو جامعتهم أو مكان عملهم، فأثنى بعض الناس على أحدهم بما فيه من مميزات ومؤهلات، سرعان ما تثور ثائرة قرينه ليسارع إلى تصغيره ووضعه، نتيجة شعوره بنقصٍ في نفسه ودنو في درجته فيسوّل له الشيطان اختيار أحد أمرين إما الاستعلاء الكاذب وادعاء الرفعة لكي يصل إلى درجة صاحبه وإما انزال الاخر إلى مستواه وفي الحالتين سيكون السبيل مذموماً ومنهياً عنه لأن من أقبح الأخلاق أن يدّعي الإنسان صفة ليست فيه ومميزة لا يمتلكها وكذلك أن يسلب الاخر محاسنه ومميزاته بإنكارها أو من خلال إخفاء المناقب واظهار المثالب.

11  السبب الحادي عشر: المرافعة

وهي رفع شأن الاخر بما هو ليس فيه من خلال الاطراء والمديح وإبرازه في صورة لامعة لا مثيل لها مع أنه ليس كذلك وهذا ما يكثر حينما تتقاطع المصالح بين الناس أو مع أصحاب المال وذوي النفوذ من الرؤساء والوزراء والمسؤولين في شتى ميادين الحياة إذا لم يكن الإنسان الذي يعمل معهم حراً وكريماً.

وقد جاء التحذير من هذه الأمور الستة الأخيرة على لسان أمير المؤمنين  عليه السلام  حيث قال له الحارث يا أمير المؤمنين أنا واللَّه أحبك فقال له يا حارث: «أما إذا أحببتني فلا تخاصمني ولا تلاعبني، ولا تجاريني، ولا تمازحني، ولا تواضعني ولا ترافعني»(87).

12  السبب الثاني عشر: التكلّف

وهو أن يجعل الحواجز بينه وبين أخيه ويختلق الرسميات والبروتوكولات، والأساليب التي يصعب معها التعامل والسهولة في المواصلة وحينئذ يشعر بثقل العلاقة معه وعدم الراحة في الاستمرار ما دام ذلك بينهما.

يقول الصادق  عليه السلام : «اثقل اخواني من يتكلّف لي واتحفظ منه واخفهم على قلبي من أكون معه كما أكون وحدي» (88).

13  السبب الثالث عشر: التأفّف

فقد جاء في الحديث: «إذا قال المؤمن لأخيه أف خرج من ولايته» (89).

14  السبب الرابع عشر: الإهانة

فيما روي أنه نزل جبرائيل على النبي  صلى الله عليه وآله  وقال له: «يا محمد إن ربك يقول: من أهان عبدي المؤمن فقد استقبلني بالمحاربة» (90).

15  السبب الخامس عشر: تتبّع العثرات

فيما قاله الصادق  عليه السلام : «أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يكون الرجل مواخياً للرجل على الدين ثم يحفظ زلاته وعثراته ليضعه بها يوماً ما» (91).

وفي حديث اخر: «لا ترموا المؤمنين ولا تتبعوا عثراتهم فإن من يتبع عثرة مؤمن يتبع اللَّه عزّ وجلّ عثرته ومن يتبع اللَّه عزّ وجلّ عثرته فضحه في بيته» (92).

ثلاثون حقاً لأخيك عليك:

بعد معرفة أسباب القطيعة وزوال المودة بين الأخوة، نتعرف معاً على الحقوق الأخوية وإن كان بعضها أصبح واضحاً حيث تقدم الحديث عن أضدادها، لكن فلنسمعها مباشرة من فم رسول اللَّه  صلى الله عليه وآله  حيث يقول: «للمسلم على أخيه ثلاثون حقاً، لا براءة له إلا الأداء أو العفو: يغفر زلته، ويرحم عبرته، ويستر عورته، ويقيل عثرته، ويقبل معذرته، ويرد غيبته، ويديم نصيحته، ويحفظ خلته، ويرعى ذمته، ويعود مرضته، ويشهد ميتته، ويجيب دعوته، ويقبل هديته، ويكافى‏ء صلته، ويشكر نعمته، ويحسن نصرته، ويحفظ خليلته، ويقضي حاجته، ويشفع مسألته، ويسمت عطسته، ويرشد ضالته، ويرد سلامه، ويطيب كلامه، ويبر أنعامه، ويصدق أقسامه، ويوالي وليه ويعادي عدوه، وينصره ظالماً أو مظلوماً  فأما نصرته ظالماً فيرده عن ظلمه، وأما نصرته مظلوماً فيعينه على أخذ حقه  ولا يسلمه، ولا يخذله، ويحب له من الخير ما يحب لنفسه... ويكره له ما الشر ما يكره لنفسه، ولا يبرأ المسلم يوم القيامة من هذه الحقوق إلا إذا أدّاها أو نال من صاحبه العفو» (93).

 

وقفة خاطفة:

إن إفراد كل حق على حدى أكثر إعانة لمحاسبة النفس على مراعاته أو انتهاكه، لذا لا بد لنا من وقفة تأمل في هذه العجالة نستعرض ضمنها هذه الحقوق عارضين أنفسنا عليها عملياً في مقارنة لو نجحت لساهمت في سعادتنا الأبدية.

1  العفو عن الزلات

إن أخاك ليس ملكاً من الملائكة ولا نبياً من الأنبياء بل هو بشر مثلك يصدر منه الزلل ويخطى‏ء في بعض الأحيان ومن حقه عليك أن تغفر له زلته وتتجاوز عن خطيئته.

يقول أمير المؤمنين  عليه السلام : «شر الناس من لا يعفو عن الهفوة ولا يستر العورة» (94).

وقيل لأحدهم أي الأخوان أحب إليك؟ فقال: «الذي يغفر زللي ويسد خللي» (95).

2  المواساة في المصائب:

في الحديث عنه  صلى الله عليه وآله : «من أكرم أخاه المسلم بكلمة يلطّفه بها وفرّج عنه كربته لم يزل في ظلّ اللَّه الممدود عليه الرحمة ما كان في ذلك» (96).

3  ستر العورة:

فإنه من واجب الأخ إذ رأى بادرة سيئة من أخيه أن يسترها لأن اللَّه سبحانه يحذّر من نشر الفواحش يقول تعالى: «إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين امنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والاخرة» (97).

4  إقالة العثرة:

حيث من أخلاق المؤمن أن يمتلك قلباً كبيراً وروحاً سامية يستوعب بهما عثرات اخوانه ولا يعطي الأمور أكثر من ما هي عليه بل يتسامح ويقبل عذر الاخر والأفضل أن يتغاضى دون الحاجة إلى الاعتذار.

في الحديث: «شر اخوانك من أحوجك إلى مدارة وألجأك إلى اعتذار» (98).

5  ردّ الغيبة:

إن الغيبة انتهاك فاضح لحقوق الاخرين ويحرم استماعها ويجب ردّها وإلا فقد ورد: «السامع للغيبة كالمغتاب (99) السامع للغيبة أحد المغتابين» (100).

6  قبول المعذرة:

ليس من الصواب ألا يعترف إليك أخوك بخطئه إذا كان ولكن الأسوء أن لا تقبل معذرته حينما يأتيك نادماً.

يقول أمير المؤمنين  عليه السلام : «واقبل عذر أخيك فإن لم يكن له عذر فالتمس له عذراً، ولا تكثرن العتاب فإنه يورث الضغينة» (101).

7  تقديم النصيحة:

عن الرسول الأكرم  صلى الله عليه وآله : «لينصح الرجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه» (102).

8  حفظ الأخوّة:

الأخ الصالح جوهرة ثمينة لا تقدر بشي‏ء، لا بد من الحفاظ عليه.

9  رعاية الذمة:

فالمؤمن له كرامة عند اللَّه لا بد من رعايتها وصيانتها ومنها رعاية ذمته في الحرب والسلم وفي السراء والضرّاء.

10  عيادة المريض:

عن الباقر  عليه السلام : «كان فيما ناجى به موسى بن عمران ربه عزّ وجلّ أن قال له: يا رب ما بلغ من عيادة المريض من الأجر؟ فقال تعالى: أوكل به ملكاً يعوده في قبره إلى محشره» (103).

11  حضور الجنازة:

إن من حق الأخ على اخوانه أن يحضروا جنازته ويشيّعوه إذا مات.

في الحديث: «من حمل أخاه الميت بجوانب السرير الأربع محى اللَّه عنه أربعين كبيرة من الذنوب الكبائر» (104).

12  إجابة الدعوة:

قد يقول بعضنا: إن كثيرين يدعونني إلى بيوتهم ومادبهم لكنني عادة لا أجيب دعوة أحد، إن ذلك ليس من أخلاق الإسلام طالما أن عدم الاستجابة لم يكن لعذر واضح كمرض ونحوه.

يقول الصادق  عليه السلام : «من الحقوق الواجبات للمؤمن على المؤمن أن يجيب دعوته» (105).

13  قبول الهدية:

إذا قدم لك أخوك هدية فمن حقه عليك أن تقبلها منه.

في الحديث: «من تكرمة الرجل لأخيه المسلم أن يقبل تحفته وأن يتحفه بما عنده ولا يتكلف له شيئاً» (106).

وعنه  صلى الله عليه وآله : «لو أهدي إلى ذراع لقبلت» (107).

14  مكافأة الصلة:

من الحقوق المتبادلة المكافأة بالمثل فإذا قدم لك أخوك خدمة عليك أن لا تنساها وبادر إلى تقديم خدمة مماثلة لها.

15  الشكر على النعمة:

والمراد أن يشكر اللَّه تعالى أنه قد أنعم على أخيه وقضى حاجته فلا ينافسه ولا يحسده بل يفرح كما لو أن النعمة كانت له تماماً وليس من غل في قلبه على الاطلاق كما في الوصف القراني: «ونزعنا ما في صدورهم من غل اخواناً» (108).

16  الانتصار لأخيه:

عن النبي الأكرم  صلى الله عليه وآله : «من ردّ عن عرض أخيه بالغيب كان حقاً على اللَّه أن يرد عن عرضه يوم القيامة» .

وعن الصادق  عليه السلام : «ما من مؤمن يعين مؤمناً مظلوماً إلا كان أفضل من صيام شهر رمضان واعتكافه في المسجد الحرام» (109).

17  رعاية عائلته:

ويكون ذلك فيما إذا كان أخوك مسافراً فمن حقه أن تتفقد عائلته وترعى أولاده وتسألهم عن احتياجاتهم.

18  قضاء حوائجه:

عن الصادق  عليه السلام : «قضاء حاجة المؤمن خير من عتق ألف رقبة وخير من حملان ألف فرس في سبيل اللَّه» (110).

19  الشفاعة في مسألته:

والمراد بها أن يقوم الأخ بدور الوسيط لأجل أن يبلغ الاخر مسألته التي يطلبها، والوساطة مع القدرة عليها حق له عليك.

20  تسميت العطسة:

فإنه ليست الحقوق الكبرى وحدها أولاها النبي  صلى الله عليه وآله  اهتمامه في تعدادها بل الأمور الصغيرة التي تعبر عن احترام المؤمن لأخيه كما تقدم في الحديث النبوي الحقوقي الجامع.

ومما ورد: كنا جلوساً عند أبي عبد اللَّه  عليه السلام  إذ عطس رجل فما رد عليه أحد من القوم شيئاً حتى ابتدأ هو فقال: «سبحان اللَّه ألا سمّتم! إن من حق المسلم على المسلم أن يعوده إذا اشتكا وأن يجيبه إذا دعاه وأن يشهده إذا مات وأن يسمته إذا عطس» (111).

21  ارشاد ضالته:

والمراد بذلك أن ترشده إلى السبيل وتساعده في العثور على طفله إن ضاع منه أو على ماله إن فقده.

22  ردّ التحية:

يقول النبي  صلى الله عليه وآله : «السلام تطوع والردّ فريضة» (112).

وعنه  صلى الله عليه وآله : «إذا سلم المسلم على المسلم فرد عليه صلت عليه الملائكة سبعين مرة» (113).

23  تحسين كلامه:

أي أن يقول له: أحسنت أو طيّب اللَّه أنفاسكم لأن في ذلك تشجيعاً له على قول الحق وكلمة الخير.

24  موالاة صديقه:

أي من حق أخيك عليك أن تصادق أصدقاءه يقول أمير المؤمنين  عليه السلام : «أصدقاؤك ثلاثة: صديقك وصديق صديقك وعدو عدوك» (114).

25  الامتناع عن معاداته:

وذلك بأن لا تقف في جبهة من يعادونه ويكيدون له، في الخبر: «لا تتخذن عدو صديقك صديقاً فتعادي صديقك ولا تعمل بالخديعة فإنها خلق اللئيم» (115).

26  نصرته ظالماً ومظلوماً:

في الحديث الشريف: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، فأما نصرته ظالماً فيردّه عن ظلمه وأما نصرته مظلوماً فيعينه على أخذ حقه» (116).

27  الامتناع عن تسليمه للعدو:

فمن حقوق المؤمن على أخيه أن لا يتركه فريسة للعدو ولقمة سائغة وحينما يشتد النزال يتجاهله ويتناساه.

في الحديث: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه» (117)

28  ترك خذلانه:

حيث يجب أن يكون ظهره الذي يستند عليه ويلتجى‏ء إليه وقوّته التي يصول بها ويجول.

فيما جاء عن الصادق  عليه السلام : «ما من مؤمن يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته إلا خذله اللَّه في الدنيا والاخرة» (118).

29  أن تحب له ما تحبه لنفسك:

ورد في الخبر عن محمد بن مسلم أنه قال: أتاني رجل من أهل الجبل فدخلت معه على أبي عبد اللَّه  عليه السلام  فقال له عند الوداع: أوصني فقال  عليه السلام : «أوصيك بتقوى اللَّه وبرّ أخيك المسلم وأحبّ له ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لنفسك» (119).

30  أن تكره له ما تكرهه لنفسك:

مما جاء في وصية مولانا أمير المؤمنين  عليه السلام  لولده الحسن  عليه السلام : «أي بني تفهّم وصيتي واجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لنفسك، ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك»(120).






 

الفصل السادس : آداب الإخوان

كيف تنجح مع إخوانك؟

عن الرسول الأعظم  صلى الله عليه وآله : «ألا وإن ودّ المؤمن من أعظم سبب الإيمان» (121).

بعد أن تحدثنا عن العوامل السلبية في العلاقة بين الأخوة وما تؤدي إليه من التباعد والافتراق، سوف نتكلم عن العوامل الايجابية التي تؤدي إلى نموها وتوطيدها، وما تقتضيه من اداب رتّب اللَّه سبحانه عليها الجزيل من الثواب.

عوامل بقاء المودة:

1  الشفقة على الاخوان:

فقد جاء عن الصادق  عليه السلام : «إن للَّه في خلقه نيّة وأحبها إليه أصلبها وأرقّها على إخوانه وأصفاها من الذنوب» (122).

2  زيارة الاخوان:

عن الصادق  عليه السلام : «من زار أخاه للَّه لا غير التماس موعد اللَّه  وتنجز ما عند اللَّه وكّل اللَّه به سبعين ألف ملك ينادونه ألا طبت وطابت لك الجنة» (123)

3  مصافحة الإخوان:

عن رسول اللَّه  صلى الله عليه وآله : «إذا لقي أحدكم أخاه فليصافحه وليسلم عليه فإن اللَّه أكرم بذلك الملائكة فاصنعوا بصنع الملائكة» (124).

4  التبسّم في وجوه الإخوان:

عن الرضا  عليه السلام : «.. ومن تبسّم في وجه أخيه المؤمن كتب اللَّه حسنةً ومن كتب اللَّه له حسنةً لم يعذّبه» (125).

5  تلقيم الإخوان:

عن الصادق  عليه السلام : «من لقّم مؤمناً لقمة حلاوة صرف اللَّه عنه مرارة يوم القيامة» (126).

ولقد كان  عليه السلام  يقوم بذلك مع أصحابه.

ومن أبرز الذين كانوا يحرصون على هذه السنة المباركة في زماننا ممن عاشرناهم هو سيّد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي رحمهم الله حيث دأب على ذلك مع إخوانه المجاهدين في ثغور الإسلام.

6  الدعاء للإخوان:

عن الباقر  عليه السلام : «عليك بالدعاء لإخوانك بظهر الغيب، فإنه يهب الرزق...» (127).

وفي بعض الأحاديث ورد أنه كذلك سبب لدفع البلاء عن الداعي إضافة إلى إهالة الرزق عليه كما عن علي عليه السلام :

«دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب يسوق إلى الداعي الرزق ويصرف عنه البلاء ويقول له اللَّه: لك مثلاه» (128).

7  تزويج الإخوان

عن الكاظم  عليه السلام : «ثلاثة يستظلون بظل عرش اللَّه يوم لا ظل إلا ظلّه: رجلٌ زوّج أخاه المسلم أو أخدمه أو كتم له سراً» (129).

8  إطعام الاخوان

ويتأكد ذلك أكثر فيما لو كان أخوك مسكيناً أو يتيماً أو أسيراً.

قال اللَّه تعالى: «ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً إنما نطعمكم لوجه اللَّه لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً» (130).

وعن رسول اللَّه  صلى الله عليه وآله : «من أطعم مؤمناً من جوعٍ أطعمه اللَّه من ثمار الجنة، ومن سقاه من ظمأ سقاه اللَّه من الرحيق المختوم، ومن كساه ثوباً لم يزل في ضمان اللَّه ما دام على ذلك المؤمن من ذلك الثوب سلك واللَّه لقضاء حاجة المؤمن أفضل من صيام شهر واعتكافه» (131).

9  كتمان أسرار الإخوان:

ولا يمكن اعتباره من جملة الاداب فحسب إنما هو من أعظم الواجبات على المؤمن وقد يؤدي التهاون في ذلك إلى سفك الدماء المحترمة وازهاق الأرواح بمجرد إفشاء سرّ من أسرار العمل الإسلامي أو أسداء خدمة للأعداء مجانية لمجرد التهاون بالمعلومات التي نحن مأمورون بحفظها والتكتم عليها ولذلك لا تنحصر الاثار السيئة لترك هذا الواجب في المستوى الفردي بل تتعداه لتطال المجتمع أو المسيرة ولذلك عبّرت طائفة كبيرة من الروايات عن مدى انزعاج أئمتنا عليهم السلام  من قلّة الكتمان مثل ما قاله الإمام زين العابدين  عليه السلام : «وددت واللَّه أني افتديت خصلتين في الشيعة لنا ببعض  لحم ساعدي: النزق (132) وقلّة الكتمان» (133).

وعن أمير المؤمنين  عليه السلام : «.. والمذيع لما أراد اللَّه ستره مارق في الدين» (134).

ويكشف الإمام الصادق  عليه السلام  الواقع الأليم الذي عليه الناس قائلاً: «أمر الناس بخصلتين فضيّعوهما فصاروا منهما على غير شي‏ء: الصبر والكتمان» (135).

10  مجالسة الإخوان ومحادثتهم:

فعن أبي جعفر الثاني  عليه السلام  أنه قال: «أتخلون وتحدّثون وتقولون ما شئتم؟ فقلت أي واللَّه لنخلو ونتحدث ونقول ما شئنا، فقال أما واللَّه لوددت أني معكم في بعض تلك المواطن  أما واللَّه إني لأحبّ ريحكم وأرواحكم وإنكم على دين اللَّه ودين ملائكته فاعينونا بورع واجتهاد» (136).

11  خدمة الاخوان

عن الصادق  عليه السلام : «المؤمنون خدم بعضهم لبعض، قلت وكيف يكون خدماً بعضهم لبعض؟ قال: يفيد بعضهم بعضاً» (137).

12  إقالة الإخوان

وهذا الأمر يعتبر امتحاناً للأخوة الذين يغرقون في المصالح المادية وعالم التجارة فهل أنهم سيحافظون على هذه الاداب أو أن المال سيجرّهم إلى ضرب المثُلُ بعرض الحائط رغم ما رتَّبه الإسلام من ثواب على الإقالة.

فعن الصادق  عليه السلام : «أيّما مسلم أقال مسلماً ندامة في بيع أقاله اللَّه عثرته يوم القيامة» (138).

13  إدخال السرور على الإخوان:

ويكفيك في ذلك أنه من أحب الأعمال إلى اللَّه تعالى (139) وأن فيه سرور النبي  صلى الله عليه وآله  وأهل بيته عليهم السلام  يقول الصادق  عليه السلام : «لا يرى أحدكم إذا أدخل السرور على أخيه أنه أدخله عليه فقط، بل واللَّه علينا، بل واللَّه على رسول اللَّه  صلى الله عليه وآله « (140).

14  الثقة بالأخوان:

عن الصادق  عليه السلام : «من كان الرهن عنده أوثق من أخيه فاللَّه منه بري‏ء» (141).

فإذا كان الأخ من أهل الثقة لا المكاشرة عدّ هذا العامل من الحقوق.

15  إيثار الإخوان وبرّهم:

فقد جاء عن الصادق  عليه السلام : «مما خصّ اللَّه به المؤمن أن يعرّفه برّ إخوانه، وإن قلّ، فليس البرّ بالكثرة وذلك أن اللَّه يقول في كتابه: «ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة (142).

ثم قال: ««ومن يوق شحّ نفسه فأولئك هم المفلحون» (143) ومن عرّفه اللَّه ذلك فقد أحبّه اللَّه، ومن أحبّه اللَّه أوفاه أجره يوم القيامة بغير حساب».

ثم قال: «يا جميل ارو هذا الحديث لإخوانك فإن فيه ترغيباً للبرّ» (144).

16  إهداء الإخوان:

حيث إن تقديم الهدية للأخ تعبيراً عن المودة له مما يترك الأثر الكبير في نفسه ويكون ذكرى دائمة للعلاقة القائمة بينهما على أساس الإيمان والتراحم.

يقول النبي  صلى الله عليه وآله : «تهادوا تحابّوا» (145).

بينما قبول الهدية من أخيك هو من الحقوق كما تقدم وإن كان الاهداء من الاداب نسأل اللَّه تعالى أن يوفّقنا لأداء حقوق الإخوان والتحلّي بادابهم إنه سميع مجيب والحمد للَّه رب العالمين.






هامش

[1]  تنبيه الخواطر، ج2، ص179.

[2]  الكافي، ج2، ص166.

[3]  كنز العمال، 26442.

[4]  النوادر للراوندي، ص8.

[5]  البحار، ج74، ص274.

[6]  ثواب الأعمال، ج1، ص182.

[7]  بحار الأنوار، ج74، ص279.

[8]  نهج البلاغة، ص1093، ح11.

[9]  مصباح الشريعة، ص36، ب55.

[10]  الكافي، ج2، ص133، ح4.

[11]   البحار، ج71، ص180.

[12]  غرر الحكم، ح6915.

[13]  كنز الفوائد، ص34.

[14]  غرر الحكم، ح77740.

[15]  م.ن. ح8978.

[16]  ميزان الحكمة، حديث 283.

[17]  م.ن. حديث 284.

[18]  م.ن. حديث 286

[19]  المكاشرة في اللغة: من الكَشْر وهو ظهور الأسنان للضحك وكاشره إذا ضحك في وجهه وباسطه.

[20]  الكافي، ج2، ص193.

[21]  البحار، ج78.

[22]  تحف العقول، ص323. 

[23] في اللغة: اللبيب: اللبّ: العقل الخالص من الشوائب وسمي بذلك لكونه خالص ما في الإنسان من معانيه كاللب واللباب من الشي‏ء وقيل: هو ما زكى من العقل فكل لبّ عقل وليس كل عقل لباً ولهذا علّق اللَّه تعالى الاحكام التي لا يدركها إلا العقول الزكية بأولي الألباب نحو قوله تعالى: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكّر إلا أولوا الألباب.

[24]  مصباح الشريعة، ص36.

[25]  البلغة: أي ما يبلغه ويكفيه من العيش.

[26]  تحف العقول، ص324

[27]  تحف العقول، ص302

[28]  الكافي، ج2، ص186، باب المؤمن وعلاماته، ح26.

[29]  بحار الأنوار، ج71، ص187.

[30]  ميزان الحكمة، حديث 10248.

[31]  م.ن. ج1، ص55.

[32]  م.ن. ج1، ص402.

[33]  م.ن. حديث 10245.

[34]  م.ن. حديث 10244.

[35]  م.ن. حديث 264.

[36]  م.ن. ح265..

[37]  ميزان الحكمة، ح2624.

[38]  م.ن. ح2634.

[39]  م.ن. ح2685..

[40]  م.ن. ح2674.

[41]  م.ن. ح13301.

[42]  م.ن. ح1033.

[43]  م.ن. ح10330.

[44]  بحار الأنوار، ج71، ص186.

[45]  عن أمير المؤمنين  عليه السلام : «خير الاخوان من إذا فقدته لم تحب البقاء بعده»  الغرر، ج1، ص391، ح69.

[46]  ميزان الحكمة، حديث 10243.

[47]  م.ن. حديث 188.

[48]  الفرقان، الاية: 28.

[49]  ميزان الحكمة، ح10280.

[50]  ميزان الحكمة، ح230.

[51]  الفرقان، الايتان: 29  28.

[52]  الخصال، ج1، ص80.

[53]  البحار، ج71، ص192، ح12.

[54]  م.ن. ج71، ص196، ح29.

[55]  بحار الأنوار، ج71، ص196، ح29.

[56]  سورة الرعد، الاية: 24.

[57]  بحار الأنوار، ج71، ص197، ح31.

[58]  م.ن. ح34.

[59]  ميزان الحكمة، ح10276.

[60]  مصادقة الأخوان، ص80، ح3.

[61]  المثالب: العيوب.

[62]  ميزان الحكمة، ح235.

[63]  م.ن. ح231.

[64]  ميزان الحكمة، ح229.

[65]  م.ن. ح227.

[66]  الكافي، ج2، ص375.

[67]  ميزان الحكمة، ح10262.

[68]  ميزان الحكمة، ح10265.

[69]  بحار الأنوار، ج71، ص199.

[70]  عيون الحكم والمواعظ للواسطي، ص194.

[71]  م.ن. ص293.

[72]  م.ن. ص294.

[73]  م.ن.

[74]  بحار الأنوار، ج71، ص213.

[75]  الكافي، ج2، ص379.

[76]  الأمالي للصدوق، ص472.

[77]  عيون الحكم والمواعظ للواسطي، ص294.

[78]  م.ن. ص295.

[79]  البحار، ج74، ص243.

 رسالة الحقوق، حق الأخ.[80]

[81]  أُسُّ الشي‏ء يعني أصله.

[82]  ميزان الحكمة، ح10293.

[83]  الواشي والوشاء: النمّام.

[84]  البحار ج17160  73.

[85]  ميزان الحكمة، حديث 169.

[86]  تحف العقول، ص322.

[87]  الخصال، ص334.

[88]  المحجة البيضاء، ج3.

[89]  المؤمن للأهوازي، حديث 198.

[90]  م.ن. حديث 186.

[91]  م.ن. حديث 171.

[92]  م.ن. حديث 188.

[93]  (1) كنز الفوائد، ج1، ص2)         .306) تحف العقول، ص63.

[94]  كنز الفوائد، ج1، ص100.

[95]  الكافي، ج2، ص260.

[96]  سورة النور، الاية: 19.

[97]  غرر الحكم ودرر الكلم، 28  403  1.

[98]  م.ن. 1215  56  1.

[99]  م.ن. 1639  10  1.

[100]  تحف العقول، ص79.

[101]  الكافي، ج2، ص208.

[102]  المحجة البيضاء، ج3، ص410.

[103]  المحجة البيضاء، ج3، ص415.

[104]  المحاسن، ص411، ح141.

[105]  جامع السعادات، ج2، ص152.

[106]  م.ن.

[107]  الحجر، الاية: 47.

[108]  المحجة البيضاء، ج3، ص261.

[109]  ثواب الأعمال، ص147.

[110]  مصادقة الاخوان، ص54، ح3.

[111]  الكافي، ج2، ص653، حديث 3.

[112]  حلية المتقين، ص540.

[113]  المحجة البيضاء، ج3، ص382.

[114]  نهج البلاغة، 71  4.

[115]  تحف العقول، ص60.

[116]  دار السلام، ج3، ص451.

[117]  المحجة البيضاء، ج3، ص332.

[118]   أمالي الصدوق، ص393.

[119]  أمالي الطوسي، ص94.

[120]  تحف العقول، ص56.

[121]  ميزان الحكمة، ح165.

[122]  المحجة البيضاء، ص56، ح4.

[123]  المحجة البيضاء، ص58، ح2.

[124]  م.ن. ص52، ح2.

[125]  م.ن. ص52، ح1.

[126]  م.ن. ص46، ح1.

[127]  ميزان الحكمة، ح5737.

[128]  م.ن. ح5735.

[129]  البحار، ج71، ص356، ح2.

[130]  الدهر، الايتان: 9  8.

[131]  مصادقة الأخوان، ص42، ح1.

[132]  النزق: الطيش.

[133]  ميزان الحكمة، ح17345.

[134]  م.ن. ح17356.

[135]  م.ن. 17346.

[136]  مصادقة الأخوان، ص32.

[137]  م.ن. ص48.

[138]  م.ن. ص72.

[139]  م.ن. ص60.

[140]  م.ن.

[141]  مصادقة الأخوان، ص73.

[142]  سورة الحشر، الاية: 9.

[143]  سورة التغابن، الاية: 16.

[144]  مصادقة الأخوان، ص66.

[145]  المحجة البيضاء، ج3.