المقدمة

مقدّمة الجمعيّة
خلق الله عزّوجلّ الإنسان وشرع له سبيل الكمال، وأضاء له الصراط بمصابيح لذكره، وأجلى مصداقٍ لمصابيح الذكر هو إقامة الصلاة، قال تعالى:
﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي، فالإنسان السالك في هذه الدار الدنيا قد يغفل عن مبدئه ومعاده فيتجاوز ويظلم ويشتغل بما لا ينبغي له، فيكون حاجزاًً عن التوجّه إلى خالقه الغنيّ المطلق، وبالتالي الوصول إلى كماله. فعبادة الصلاة هي الذكر الأكمل الرافع للغفلة المحقِّق للتوجّه إليه سبحانه وتعالى.

لكنّ فاعليّة هذه العبادة مرتبطة بأدائها بحضور القلب، والطريق لتحقيق ذلك هو فهم معاني الصلاة وترسيخها في العقل والقلب لتنعكس سلوكاً في الحياة.

وقد دأب علماؤنا الأعلام على تأليف مصنّفات وكتب لبيان معاني الصلاة وحقائقها، لكن قد يصعب على الكثير إدراك معانيها بالنحو التامّ.

لذا، كان هذا الكتاب خطّته الأنامل المباركة لسماحة الإمام الخامنئي دام ظله، حيث يتميّز بالشّرح السّلس والمبسّط لأجزاء الصلاة من أفعال وأقوال، كما يحمل هذا الكتاب بين طيّاته معاني دقيقة وعميقة، تبيّن الأبعاد الحقيقيّة لماهيّة الصلاة والغرض من إقامتها على مستوى الفرد والمجتمع.

وإذ يختصّ هذا الكتاب بالأسلوب الفريد الذي اتبعه سماحته دام ظلّه في تقديم معاني أذكار الصلاة وأفعالها لم نعثر على نظيره في أي كتاب يتناول موضوع الصلاة. وقد صدر بعدة طبعات (أكثر من 27 طبعة باللغة الفارسيّة) في إيران، وقامت جمعيّة المعراج بترجمته وتحريره ليظهر بهذه الحلّة الجديدة.

ملاحظة
: تمّ وضع ملحق في نهاية الكتاب نظراً للأهميّة البارزة لكلمات القائد ورسائله إلى مؤتمرات الصّلاة التي تقام بشكل دوريّ، حيث تضمّنت الكثير من المعاني والوصايا اللّافتة.

مقدِّمة المؤلّف

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ

(الأعراف، 170)

الصلاة والمناجاة هي الارتباط القلبيّ الصادق بين الإنسان والربّ، بين المخلوق والخالق. الصلاة هي سلوى القلوب المضطربة والمتعبة والمغمومة، والمطمئنة لها، وأساسٌ لصفاء الباطن وجلاء الروح. وهي الميثاق والباعث على التحرّك والاستعداد والتعبئة، في حال من الصفاء والصدق، بعيداً عن التلوّن والخداع، للتخلّص من كلّ ما هو سيّئ وقبيح وتحصيل كلّ ما هو صالح وجميل.

وهي برنامج لمعرفة النفس، ومن ثَمّ صناعتها وتهذيبها.

وبكلمة موجزة: هي استفاضة ورابطة دائمة مع منبع كلّ الخيرات وموجدها، أي الله تعالى.

- لماذا عدَّت الصلاة أفضل وأهمّ من جميع الواجبات؟
- لماذا اعتبرت أساس الدين وعموده؟
- لماذا لا تقبل سائر الأعمال من دونها؟
- ما هو الشيء الاستثنائيّ الكامن فيها؟

بوسعنا ملاحظة الصلاة من أبعاد مختلفة:

في البداية: لا بدّ من الإشارة، ولو قليل، إلى الهدف من خلق الإنسان، الذي يُعدّ من الخطوط الأساسية في الرؤية الكونيّة للإسلام. فكون الإنسان مخلوقاً والاعتقاد بأنّ هناك قدرة حكيمة أوجدته، يستلزم أن يكون لخلقه وإيجاده هدف ومقصد.

يمكن أن نعدّ هذا الهدف بأنه "سلوك طريق للوصول إلى محطّة"، المسير في طريق بناءً لمخطّط دقيق وبوسائل محدّدة للوصول - في النهاية - إلى تلك المحطّة وذلك المنزل، وفي هذه الصورة لا بدّ لنا من معرفة الطريق المنتهي إلى تلك الغاية، وتحديد المسير وجعل الهدف دوماً نصب أعيننا، لنتمكن من بلوغ تلك النتيجة المنشودة. إنّ الذي يضع قدمه على الطريق، عليه أن يتحرّك بنحو مستقيم، ملتفتاً دائماً إلى الهدف، لا تشغله الطرق المنحرفة والتحرّكات العبثيّة. ولأجل الاستمرار في الحركة والحفاظ على الاتجاه الصحيح، عليه أن لا يعصي أوامر القائد والمرشد (الرسول) الذي عُيّن له.

وذلك الهدف هو رفعة الإنسان وتكامله اللّامتناهي، والعودة إلى الله، وظهور الخصال الحسنة فيه، وطاقاته وقابليّاته النهائيّة، وتوظيفها بأجمعها في طريق الخير وإصلاح النفس والعالم والناس.

على الإنسان، إذاً، أن يعرف الله، وأن يسلك الطريق الذي حدّده الله لتساميه، بدون أي تردّد أو تباطؤ أو ضعف.

إنّ القيام بالأعمال التي تقرّبه من هدفه، واجتناب الأعمال العبثيّة والباطلة أو المضرّة هو ما يعطي لحياة الإنسان معنىً (وقيمة) ويقوده إلى الطريق الذي يعدّ المسير فيه بمثابة فلسفة وجوده، وفي غير هذه الحالة لا معنى للحياة ولا نتيجة لها.

وبعبارة أخرى: إنّ الحياة مدرسة ومختبر لا بدّ أن نطبّق فيها جميع القوانين والقواعد والسُّنن التي أوجدها خالق العالم والحياة، للوصول إلى نتيجة عالية ومرضية. هذه القوانين التي هي سُنن الله وقوانين الخلق، يجب معرفتها وصياغة حياتنا وفقاً لها، ولا بدّ أيضاً من معرفة النفس واستكشاف ذخائرها واحتياجاتها. هذا هو تكليف الإنسان وواجبه العظيم. هذا التكليف الذي بمجرد أدائه يكون الإنسان قادراً على التحرّك الواعي والناجح. وبدونه، فهو إمّا عديم الحركة (خامل) أو متحرّك بدون وعي ، وقهراً، لن يحالفه التوفيق.

والدين الذي يحدّد الهدف والاتجاه والطريق والوسيلة، يمنح الإنسان أيضاً القدرة والزاد الضروريّ لقطع الطريق. وإنّ أهمّ زاد يحمله سالكو هذا الطريق في متاعهم هو ذكر الله، وإنّ روحيّة الطلب والرجاء والاطمئنان - وهي الأجنحة المقتدرة في هذا التحليق - إنّما تتفرّع وتتولّد من ذكر الله.

فذكر الله من جهة، يجعل الهدف وهو الاتصال به تعالى -أي بالكمال اللّامتناهي والخير المطلق - نصب العين دوماً، ويَحوْل دون فقدان الاتجاه، ويجعل السالك حسّاساً وحذراً إزاء الطريق والوسيلة، ومن جهة أخرى، يمنحه قوّة القلب والاطمئنان والنشاط، ويحفظه من الانزلاق والانخداع بالمظاهر الخلاّبة، أو الخوف من المكروهات و المنغّصات.

إنّ المجتمع الإسلاميّ وكلّ مجموعة مسلمة أو فرد مسلم، يمكنه أن يخطو في الطريق الذي حدده الإسلام ودعا إليه جميع الأنبياء، باستقامة ودون توقّف أو تراجع إذا لم ينس الله. ومن هنا، يسعى الدين إلى إحياء ذكر الله في قلوب المتديّنين بشكل دائم بطرق ووسائل مختلفة.

ومن الأعمال المفعمة بالدوافع لذكر الله، والتي يمكن أن تجعل الإنسان مستغرقاً بذكره تعالى وتكون موقظة له، وتكون شاخصاً وعلامة ترشد السائرين في طريق الله إلى الصراط المستقيم، وتحفظهم من الضياع والانحراف، وتمنع من وقوع لحظة الغفلة في حياة الإنسان، هي الصلاة.

في غمرة انشغالات الإنسان الذهنيّة، يندر أن يلتفت إلى نفسه، وإلى هدفه في الحياة، أو أن يفكّر بمضيّ اللّحظات والساعات والأيّام. وما أكثر الأيام التي تترك مكانها للّيل وللأيّام الأخرى التي تسرع من جديد! وما أكثر الأسابيع والأشهر التي تمضي دون أن يلتفت الإنسان إلى بدايتها ونهايتها، ولا يشعر بمضيّ الحياة ومعناها أو فراغها!

الصلاة جرس منبّه، ومنذر في مختلف ساعات اللَّيل والنهار. فهي تزوّد الإنسان ببرنامجٍ وتطلب منه التزاماً، وتعطي لليله ولنهاره معنىً، وتُشعِره بقيمة الوقت. فالصلاة تدعوه عندما يكون منشغلاً وغير ملتفت إلى مضيّ الزمن وانقضاء العمر، فترشده إلى انقضاء يومٍ وشروع آخر، وأنّ عليه أن يجدّ ويتحمَّل مسؤوليّة أكبر وأن يفعل ما هو أهمّ. ولأنّه انقضى جزءٌ من العمر، من فرصة العمل، فينبغي أن يكون أكثر سعياً وعطاءً، فالهدف عظيمْ، حتّى لا تذهب الفرص من اليد التي عثرت عليها.

ومن جهة أخرى:

إنّ نسيان الهدف تحت وطأة المشاغل الماديّة أمر واضح وطبيعيّ. إنّ إمكانيّة الوفاء بجميع الالتزامات الواقعة في طريق الهدف، والملقاة على عاتق الإنسان في كلّ يوم أمرٌ شبهُ مستحيلٍ، والاستماع لشخص هذه حرفته وعمله هو أيضا أكثر محالاً. إضافة إلى أنه لا يتوفّر أبداً الزمن الكافي لدراسة جميع متطلّبات هذه الرسالة وتعاليمها - الرسالة الإسلاميّة التي تصنع حياة الإنسان وسعادته - في الليل والنهار، وهكذا فرصة لا تتوفّر للإنسان.

الصلاة عصارة وخلاصة أصول هذا الدين. وهي مظهر الإسلام في أذكارها وأفعالها المنظّمة بعناية.

بوسعنا تشبيه الصلاة بالنشيد الوطنيّ للدول، مع فارق في المعنى والتوجّهات، فلأجل أن ترسّخ الدولة أصولها ومبانيها الفكريّة في ذهن الشعب، وتجعله يَنشأ على هذا النمط الفكريّ، تطلب تكرار قراءة النشيد الوطنيّ (في المناسبات والمحطّات والاحتفالات) الذي يمثّل خلاصة الشكل المقبول لنمط الحياة في هذه الدولة وأهدافها وعقيدتها. وإنّ تكرار النشيد الوطنيّ سببٌ لتثبيت الناس على هذا النحو من الفكر، وتلقينهم: أنّهم أتباع هذا الوطن والسائرون نحو تلك الأهداف؛ فنسيان أصول الدولة وأهدافها معناه تغيير مسار أتباعها وعدم كونهم من تابعيّتها. وهذا التكرار يجعلهم مستعدّين للخدمة في هذه الجبهة، ويعلّمهم المخطّطات والسبل، ويرشدهم إلى المسؤوليات والواجبات ويحيي في أذهانهم أسس الدولة، ويعيّن لهم الوظيفة، ويزوّدهم - حينها - بالشجاعة والجرأة والإقدام، ويهيّئهم للعمل.

الصلاة خلاصة أصول العقيدة الإسلاميّة، والمنيرة لطريق المسلمين، والمرشدة إلى المسؤوليّات والتكاليف والطرق والنتائج.

الصلاة تستدعي المسلمين مع بداية النهار، وعند انتصافه، ومع الليل، وتعلّمهم بلسانها أسس العقيدة والطريق والهدف والنتيجة وتدفعهم إلى العمل بقوى معنويّة؛ هذه هي الصلاة، التي تأخذ بيد الإنسان وتقرّبه خطوة خطوة ودرجة درجة لتصل به إلى قمّة الإيمان، والعمل الكامل، وتجعل منه عنصراً ذا قيمة ومسلماً سويّاً. نعم، "الصلاة هي معراج المؤمن"1.

إنّ أمام الإنسان طريقاً طويلاً وشاقّاً يؤدّي به إلى الفوز والسعادة الواقعيّة، ويوصله إلى ذلك الهدف الذي وُجد من أجله. ولكن هذا الطريق ليس هو الوحيد الذي وُضع أمام البشر. فقد وُضعت في مسيره الأصليّ الكثير من الطرق الملتوية والمنحرفة والخطرة، وأحياناً تكون هذه الطرق مغرية وخدّاعة بحيث توقع المسافر وسالك الطريق الأصيل في التردّد والاشتباه.

إنّ من لوازم التخلّص من مثل هذه الشكوك، الحفاظ على الجهة الصحيحة والتوجّه المستمرّ نحو الهدف والمقصد النّهائيّ، أي نحو الله، وامتلاك خطّة واضحة مرسومة للطريق والمسير. فالصلاة، ليست سوى التوجّه الدائم إلى الله، وهي أيضاً المشروع والخارطة الإجماليّة للطريق الأساسيّ، لأنّها الضامن لارتباط المؤمن الدائم واتصاله بالله وبخلاصة الفكر الإسلاميّ المندرج في طيّات مقولات الصلاة وكلماتها.

وبذلك، تتّضح علّة توزيع الصلاة على الأوقات الخمسة ومدى أهميّتها، كتوزيع وجبات الطعام على أوقات الليل والنهار المختلفة.

إضافة إلى أنّ الصلاة تكتنف في ذاتها خلاصة أهداف الإسلام وغاياته، وأنّ تلاوة القرآن أيضاً - التي هي من الأعمال الواجبة في الصلاة - تعرّف المصلّي على مضامين قسمٍ من القرآن وتعوّده على التفكّر في مفاهيم القرآن والارتباط الفكريّ به2، هي في الأصل - أي الصلاة - بمجموع الحركات التي فيه، تعدّ مظهراً ومثالاً للإسلام، في صورة مصغرة.

الإسلام في عمق المجتمع، هو محرّك أجساد الناس وأفكارهم وأرواحهم. ومن خلال هذه الأمور الثلاثة، يقودهم إلى السعادة.

الجسد: بحركات اليدين والرجلين واللسان والانحناء والجلوس والسجود.

الفكر: بالتفكّر في مضامين ألفاظ الصلاة، الذي يشير عموماً إلى الأهداف والوسائل، ومراجعة مرحلة من التأمّل والتفهيم والعلم والمعرفة الإسلاميّة، بشكل مجمل.

الروح: بذكر الله والتحليق في جوّ من المعنويّات الروحيّة، ومنع القلب من التشتّت والفراغ، وغرس بذار الخشوع وخشية الله في الروح.

قالوا: إنّ الصلاة في كلّ دين هي خلاصة ذلك الدين، وصلاة الإسلام هي كذلك تماماً. فالجمع بين الروح والجسم، بين المادّة والمعنى، بين الدنيا والآخرة - سواءً في اللّفظ أو في المحتوى أو في الحركات - هو من خصوصيّات الصلاة الإسلاميّة.

كذلك المسلم في الصلاة، عندما يقيمها بشكل كامل، فإنّه يفعّل جميع طاقاته في طريق تكامله، أي أنّه يستعمل، في آن واحد، جميع إمكانيّاتها الجسميّة والفكريّة والروحيّة.

إنّ مقيم الصلاة، مثلما أنه يوظّف جميع قواه سالكاً طريق الله، يميت جميع بواعث الشرّ والفساد والانحطاط في ذاته. وعُدَّت إقامة الصلاة في آيات عديدة من القرآن، من علامات التديّن. وفي آيات كثيرة، هناك اعتماد خاصّ على إقامة الصلاة.

يظهر أنّ إقامة الصلاة شيءٌ أبعدُ من مجرّد أدائها، أي أنّها ليست فقط أن يقوم الشخص بأداء الصلاة، بل هي أيضاً السير في الجهة والاتجاه (نحو الشيء) الذي تدعو إليه الصلاة، وبعث الآخرين نحوه. فكأنّ إقامة الصلاة، أن يجعل الإنسان، بالسعي المطلوب، فضاءَ حياته وحياة من حوله فضاءَ المصلّين الباحثين عن الله وعبادته ويحيا الجميع في خطّ الصلاة وجهتها.

فالمؤمن، إذاً، أو الأمّة المؤمنة بإقامتها للصلاة تحرق جذور الفساد والمعاصي والرذيلة في النفس وفي المحيط الاجتماعيّ، وتميت روحيّة الذنب والنزوع إلى ارتكاب المعاصي وبواعثها الداخليّة والخارجيّة (أي العوامل النفسيّة والبيئيّة)، حقّاً إنّ الصلاة تردع الفرد والمجتمع عن ممارسة الأعمال الطالحة والقبيحة: "إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر"3.

في ساحة النزاع وصراع الحياة، هناك حيث استعدّت جميع قوى الشرّ بجميع ما لديها من مكائد، لكي تعدم بواعث الخير والإحسان في كلّ مكان وفي كلّ شخص، فإنّ أوّل سدّ يقومُ بصدّ الهجوم وتدميره هو قوَّة العزم وقوّة النفس لدى الإنسان، فعند تحطيم هذا الواقي المنيع يسهل احتلال قلعة شخصيّة الإنسان ونهب كنوزها التي فيها أصالة الإنسان الذاتيّة ومُدّخراته من القيم والمعارف والعلوم. وأولئك الذين يحملون رسالة جديدة ومخطّطات بديعة للزمان وللتاريخ، هم أكثر من غيرهم، عرضة لهجوم قوى الشرّ، وهم بحاجة أكثر من غيرهم إلى حفظ هذا الحصن الفولاذي، حصن العزم والإرادة التي لا تقهر.

إنّ صلاة الإسلام، بما فيها من تلقين وتكرار لذكر الله، تربط الإنسان الضعيف والمقيَّد بالله المطلق المسيطر، وتجعله مستعيناً به. وعن طريق ربط الإنسان بمدبِّر العالم، تصنع منه قدرةً غير محدودةٍ لا تقبل الزوال، ويجب عدّها أفضلَ علاجٍ لضعف الإنسان، وأنفعَ دواءٍ للعزم والإرادة.

إنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، الذي كان في طور النهضة العظيمة للإسلام، في مواجهة الجاهليّة المستشرية، يتحسّس ثقل المسؤولية كالجبال الثقال، قد أُمر بالصلاة في منتصف الليل:
﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا4.

ندخل الآن في بيان محتوى الصلاة، ودون الذَّهاب بعيداً في مجال الشرح الموسَّع، نسعى للاقتراب من هدف الصلاة من الناحية التعليميّة.

تبدأ الصلاة باسم الله، وذكر عظمته وسعة ذاته، وأنّها أسمى من كلّ ما يتصوّره الإنسان.

الله أكبر

يفتتح المصلي مناجاته بهذه الجملة، ولأجل عمل عظيم، يصنع بدايةً تفيضُ بالعظمة.

- الله أكبر- أكبر من أن يوصف، أكبر من أن يقاس بالأرباب المتخذّة على مرّ العصور، أكبر من جميع القوى والمظاهر التي يمكن أن يخشاها الإنسان أو يطمع فيها، وأكبر من أن يتمكّن شخص من نقضِ قوانينه وسننه التكوينيّة.

إذا أدرك العبد هذه السنن، واختار في ضوئها طريق سعيه وجِدّه، فإنّه بذكر "الله أكبر" ينال قوّةً عظيمةً ويجد أملاً فائضاً. فهو يشعر بقوّة أنّ سعيه موفّقٌ وناجحٌ وعاقبةَ أمره إلى خير، وسوف ينظر إلى مستقبله وطريقه بالتفاؤل والأمل.

إذ، بعد أن يتلفّظ المصلّي بهذه الجملة يكون عمليّاً في حالة صلاة، وعليه أن يقرأ سورة الحمد ثمّ سورة كاملة من القرآن وهو في حال الوقوف.

هوامش
1- الصلاة معراج المؤمن. حديث نبوي، بحار الأنوار ، ج82، ص303.
2- إنّما أمر الناس بالصلاة وأن يقرأوا بالقرآن فيها لئلا يكون القرآن مهجوراً مضيّعاً، وليكون مدروساً فلا يضمحل ولا يجهل، حديث الفضل بن شاذان عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام، ج6، ص38.
3- العنكبوت، 45.
4- سورة المزمل، الآيات:1- 5.