عاشوراء


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-08

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


الفهرس

 

المقدّمة

9

تمهيد

11

الفصل الأول: العمق العقائديّ لعاشوراء

13

الأنبياء وتربية الإنسان

15

الطريق إلى الهدف النهائيّ

16

المهمّة الإصلاحيّة للقادة الإلهيّين

18

الحرب والجهاد في حركة الإصلاح

18

الإصلاح ورفض الظلم عند الأئمة

20

عاشوراء والأهداف العظمى

21

حقيقة عاشوراءوأهداف الثورة الحسينيّة

23

الفصل الثاني: حقيقة عاشوراء

23

أسباب النهضة الحسينيّة

27

1- عداء الحكّام للإسلام

27

2- التآمر على الإسلام

27

 

 

 

 

5


1

الفهرس

 

3 ـ العمل على محو الإسلام وإضاعة جهود النبيّ

27

4 ـ القضاء على الإسلام وطمس معالمه

28

5 ـ تشويه الإسلام وقلب حقيقته

28

6 ـ تحويل الحكم الإسلاميّ إلى ملَكيّة

28

7 ـ الإساءة إلى سمعة الإسلام والحكم

29

8 ـ الإنغماس في المعاصي ومخالفة سنّة الرسول

30

أهداف النهضة الحسينيّة

30

1 ـ إحياء الإسلام واستنقاذه

30

2 ـ صون مستقبل الإسلام والمسلمين

31

3 ـ كسر عقدة الخوف

32

4 ـ مقاومة الظلم والفساد (روح المقاومة)

32

5 ـ الثورة والنهي عن المنكر

33

6 ـ إصلاح الأمّة وتدمير حكومة الجور

34

الفصل الثالث: نتائج الثورة الحسينيّة

35

نتائج وآثار

37

1 ـ صون الإسلام بالنهضة الحسينيّة

37

2 ـ إحياء الإسلام بمحرّم

38

3 ـ منع الإرتداد إلى الجاهليّة

39

4 ـ بثّ روح التضحية وعدم الخوف

40

5 ـ حفظ القرآن وجهود النبيّ

40

6 ـ بيان التكليف وأساليب المواجهة

41

7 ـ انتصار الدم على السيف

42

8 ـ انتصار النهج

44

 

 

 

 

 

6


2

الفهرس

 

الفصل الرابع: عاشوراء حيّة

45

ديمومة وبقاء عاشوراء

47

المحافظة على إحياء عاشوراء

48

مراسم إحياء عاشوراء

49

إحياء عاشوراء بصورتها التقليديّة

50

المجالس تبقي عاشوراء حيّة ومؤثِّرة

50

المجالس والبعد السياسيّ

50

تنظيم حركة الأمّة

51

مجالس تربية المجاهدين والشهداء

52

المجالس وصنع الثورة

53

المجالس وحفظ معالم الدِّين

53

المجالس لصون مظلوميّة آل البيت وحفظ النهج الحسينيّ

54

المجالس لبثِّ الوعي والتعبئة الثوريّة

55

مواكب اللطم وحفظ الإسلام

56

وجوب المحافظة على هذه المواكب

57

المواكب تنظيم جماهيريّ

57

المواكب تحفظ الأمّة وتُحييها

59

لماذا البكاء؟

59

1 ـ البكاء السياسيّ

60

2 ـ البكاء الفعّال

60

3 ـ البكاء الموحِّد

61

4 ـ البكاء التعبويّ

61

5 ـ البكاء يصون الدِّين ويحفظه

62

 

 

 

 

 

7


3

الفهرس

 

وصايا للخطباء والمعزِّين

65

الفصل الخامس

65

وصايا للخطباء وقرّاء العزاء

67

وصايا لجموع المعزِّين

69

 

 

 

 

 

 

 

8


4

المقدمة

 المقدمة

 
 
"إنّ كلّ ما لدينا هو من عاشوراء"
الإمام الخمينيّ قدس سره

هكذا وبرؤية لا ضبابيّة فيها وبوضوح تامّ وبنظرة واقعيّة يرى الإمام الخمينيّ قدس سره أنّ الّذي صان الإسلام وأبقاه حيّاً حتّى وصل إلينا هو ثورة الإمام الحسين عليه السلام في عاشوراء، ولكي تبقى هذه الإنجازات الّتي وصلت إلينا عبر تضحيات ثلّة مؤمنة قليلة مستمرّة ومتواصلة، علينا أن نفهم المعاني والعبر الحيّة من هذا النهوض الحسينيّ المحمّديّ الأصيل.

فإنّ ما حفظ هذه الأمّة وصانها هو إقامة هذه المآتم والمحافظة عليها مشتعلةً متّقدة، وجميع الإنجازات والإنتصارات ما هي إلّا من بركات هذه المجالس والمآتم وحرقة ذلك البكاء الّذي ساهم ويُساهم في صيانة نهضة الإمام الحسين سلام الله عليه كما عبّر عن ذلك الإمام الخميني قدس سره.

وما كانت المعارضة لهذه المجالس عبر الزمن من قبل الحكّام والطواغيت الّذين كانوا يعدّون الدراسات ويرصدون الأموال الطائلة
 
 
 
 
 
 
 
9

5

المقدمة

 لإخفات هذه الشعلة وإطفائها، فنجدهم استعملوا شتّى الأساليب والإمكانيّات ليبعدوا الناس عن مجالس ومآتم الإمام الحسين عليه السلام فمنعوا المسيرات والمآتم، وضيّقوا عليها الخناق، شنّوا حرباً إعلاميّة موجّهة.. قتلوا.. شرّدوا.. ولكنّ جميع هذه الأمور زادت الناس حبّاً لهذه المآتم والمراثي حتّى صار البكاء فقط، مرعباً لهؤلاء الطغاة، فنرى الإمام ومن خلال خطبه وبياناته يؤكّد على حضور هذه المجالس الثوريّة والّتي أضحت مرعبة للظالمين وأعوانهم في كلّ مكان ويُخاطب الشباب في كلّ زمان ومكان بأنّهم سيقدّمون خدمة كبيرة للطواغيت بتركهم هذه المآتم والمجالس وعدم المشاركة فيها. ونرى بحمد الله تعالى أنّ مجالس عاشوراء المتجدِّدة منتشرة وتزداد انتشاراً كلّ سنة وما ذلك إلّا ببركة الحسين عليه السلام ووعي الناس وتمسّكهم بهذه الشعيرة المباركة.


أخي الكريم نُقدِّم إليك بعضاً من أفكار الإمام الخميني قدس سره ورؤيته حول عاشوراء ومفاهيمها، مساهمةً منّا بالتأكيد على ما جاء به الثائر الحسينيّ الّذي أشعل أهمّ ثورة في هذا العصر.
 

مركز نون للتأليف والترجمة
 
 
 
 
 
 
 
10

6

المقدمة

 تمهيد


معنى عاشوراء

إنّ المعنى المراد لكلمة عاشوراء كان يُطلق ـ وحسب ابن منظور في لسان العرب ـ على خصوص اليوم العاشر من المحرّم لخصوص ما حصل فيه من قتل سيّد الشهداء عليه السلام وأصبحت فيما بعد تسمية تُطلق خصوصاً في أيّامنا الحاضرة على العشر الأوائل من شهر محرّم الحرام حيث تُقام فيها مآتم ومجالس العزاء الحسينيّ لسيّد الشهداء الإمام الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام.

والإمام الخمينيّ قدس سره وامتثالاً للأمر الصادر عن أهل البيت عليهم السلام بجعل كلِّ يوم عاشوراء وكلِّ أرض كربلاء، رأى أنّ عاشوراء في الحقيقة منهج وأسلوب عمل سياسيّ يفترض أن لا تقف دونها الحدود والأزمنة. وحيث يكون الظلم والجور يُفترض أن يتحوّل المكان كربلاء. وفي الزمان الّذي تُرتكب فيه الجرائم ويضطّهد الناس يكون الزمن عاشوراء.

على حدِّ قول الشاعر:

كأنّ كلّ مكان كربلاء لدى عيني وكـلّ زمـان يـوم عـاشـورا
 
 
 
 
 
 
 
 
11

7

الفصل الأول: العمق العقائديّ لعاشوراء

 الأنبياء عليهم السلام وتربية الإنسان

 
قبل البحث في نظرة وخطاب الإمام الخميني قدس سره حول عاشوراء لا بُدّ من فهم خلفيّات هذه النظرة وهذا الخطاب من حيث التفسير العقائديّ لفهم حركة الإمام الحسين عليه السلام باعتباره حاملاً لإرث النبوّات جميعاً.1
 
يقول الإمام قدس سره: "... فالإنسان لا يُمكنه أن يُدرك سوى عالمَ الطبيعة وكلّما ينظر بالمكبّر والمجهر، فإنّ عالمَ ما وراء الطبيعة لا يُشاهد بها، بل إنّه بحاجة إلى معاني أخرى في العمل، وبما أنّ هذه العلاقات خافية على البشر، ولا يعلم بها إلّا الباري جلّ وعلا، الّذي خلق كلّ شيء، لذا فإنّ الوحي الإلهيّ ينزل على أشخاص وصلوا مرحلة الكمال ونالوا الكمالات المعنويّة وفهموا، وتتحقّق علاقة بينهم وبين عالَم الوحي ويوحى إليهم، ويُبعثوا لتربية الجانب الآخر من الإنسان فيأتون إلى الناس ليربّوهم"2.
 
 
 

1- راجع زيارة وارث وغيرها من الزيارات الخاصّة بالإمام الحسين عليه السلام في مفاتيح الجنان وأمثاله من الكتب المختصّة.
2- منهجية الثورة الإسلامية، ص 45.
 
 
 
 
 
 
 
15

8

الفصل الأول: العمق العقائديّ لعاشوراء

 وعن الهدف من بعثة الأنبياء يقول الإمام الخميني قدس سره: "إنّ الهدف الّذي بُعث من أجله الأنبياء عليهم السلام وجميع الأعمال الأخرى هي مقدّمة له ألا وهو نشر التوحيد، ومعرفة الناس بالعالَم ورؤيته كما هو لا بالشكل الّذي ندركه وبذلوا جهودهم ليكون كلّ التهذيب والتعليم، وتنصبّ جميع الجهود لإنقاذ الناس من هذه الظلمة الّتي تُسيطر على العالمَ إلى النور..."1.

 
إذن بحسب الإمام الخميني قدس سره إنّ الهدف النهائي لجميع النبوّات هو معرفة الله وإخراج الناس من ظلمات الجهل والجاهليّة إلى النور نور المعرفة والعبوديّة لله وعن ذلك يقول قدس سره: "إنّ جميع أهداف الأنبياء عليهم السلام تعود إلى كلمة واحدة هي معرفة الله وكلّ شيء مقدّمة لهذا الهدف".
 
الطريق إلى الهدف النهائيّ
 
صحيح أنّ هدف النبوّات والرجال الإلهيّين والأئمة عليهم السلام هو بناء الإنسان والإنسانيّة العارفة بالله والموحّدة له والعاملة بطاعته ولكن في الطريق إلى الوصول لهذه الأهداف هناك وظيفتان يراها الإمام الخميني قدس سره للأنبياء عليهم السلام:
 
1 ـ وظيفة معنويّة: وهي دعوة الناس إلى التوحيد.
 
2 ـ وظيفة عمليّة: وهي إنقاذ المستضعفين من الظلم.
 
 
 

1- منهجية الثورة الإسلامية، ص 48ـ 49.
 
 
 
 
 
 
16

9

الفصل الأول: العمق العقائديّ لعاشوراء

 وعن ذلك يقول قدس سره: "لقد بُعث الأنبياء عليهم السلام من أجل تنمية معنويّات الناس واستعداداتهم حتّى يفهموا ـ من خلال تلك الاستعدادات ـ بأنّنا لا شيء، وإضافة إلى ذلك إنقاذ الناس، وإنقاذ الضعفاء من نير الاستكبار، وكانت للأنبياء عليهم السلام منذ البداية هاتان الوظيفتان، وظيفة معنويّة لإنقاذ الناس من أسر النفس وأسر ذاتها (لأنّ الذات شيطان كبير) وإنقاذ الناس والضعفاء من سلطة الظالمين، هاتان الوظيفتان هما وظيفة الأنبياء عليهم السلام وعندما يُلاحظ الإنسان النبيّ موسى والنبيّ إبراهيم عليهما السلام، وما نُقل عنهما في القرآن يُظهر بأنّهما قاما بهاتين الوظيفتين: دعوة الناس إلى التوحيد وإنقاذ المستضعفين من الظلم...

 
إنّ هذين الأمرين نراهما بالعيان في القرآن والسنّة ونراهما في نفس عمل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فالقرآن دعا إلى المعنويّات إلى ذلك الحدِّ الّذي يتمكّن فيه الإنسان من الوصول إليه وفوق ذلك وأيضاً دعا إلى إقامة العدل"1.
 
ولعلّ الإمام قدس سره يُشير بذلك إلى قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاس﴾ِ2.
 
وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا 
 
 
 

1- منهجية الثورة الإسلامية، ص 51.
2- سورة الحديد، الآية: 25.
 
 
 
 
 
 
17

10

الفصل الأول: العمق العقائديّ لعاشوراء

 إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾1

 
المهمّة الإصلاحيّة للقادة الإلهيّين
 
يرى الإمام الخميني قدس سره أنّ هناك وظيفتين أساسيّتين هما نشر عقيدة التوحيد والعدل وقيام الناس بالقسط. وهذا يقتضي إزالة الموانع والمعوّقات المادّيّة والمعنويّة، وبمعنى آخر القيام بعمليّة إصلاح البشريّة وعن ذلك يقول الإمام قدس سره: "إنّ جميع الأنبياء عليهم السلام منذ بداية البشر والبشريّة، ومنذ مجيء آدم عليه السلام وحتّى خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم إنّما استهدفوا إصلاح المجتمع وجعلوا الفرد فداءً للمجتمع، إنّنا لا نملك شخصاً أسمى من الأنبياء عليهم السلام أو من هو أسمى من الأئمة عليهم السلام، فهؤلاء ضحّوا بأنفسهم في سبيل المجتمع، ويقول الباري جلّ وعلا أنّه بعث الأنبياء عليهم السلام وأعطاهم البيّنات والآيات والميزان (ليقوم الناس بالقسط) فالغاية قيام الناس بالقسط. وأن تتحقّق العدالة الاجتماعيّة بين الناس ويزول الظلم ويحلّ الاهتمام بالضعفاء والقيام بالقسط"2.
 
الحرب والجهاد في حركة الإصلاح
 
يعتمد الأنبياء عليهم السلام طريقين لتحقيق أهدافهم، الأوّل: العلم، والثاني: الشدّة. يقول تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا
 
 
 
 

1- سورة الأنبياء، الآية: 73.
2- منهجية الثورة الإسلامية، ص 51ـ 52.
 
 
 
 
 
 
18

11

الفصل الأول: العمق العقائديّ لعاشوراء

  مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاس ﴾1 يقول الإمام الخميني قدس سره: "الأنبياء العظام السابقون عليهم السلام والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في الوقت الّذي يحملون فيه الكتب السماويّة في يد من أجل هداية الناس، كانوا يحملون السلاح في اليد الأخرى، فإبراهيم عليه السلام كان يحمل الصحف في يد، والفأس في يد أخرى للقضاء على الأصنام، وكان كليم الله موسى عليه السلام يحمل التوراة في يد والعصا في يد أخرى، تلك العصا الّتي أذلّت الفراعنة، وتحوّلت إلى أفعى وابتلعت الخائنين، وكان النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يحمل القرآن في يد والسيف في الأخرى، فالسيف للقضاء على الخائنين والقرآن للهداية..."2.

 
ويقول أيضاً: "إنّ نهضة الأنبياء عليهم السلام كانت دوماً هكذا، وهو أن يبرز شخص من بين المؤمنين من الطبقة المستضعَفة ويُنتَخب للدعوة، وأحد أعماله جمع الناس المستضعَفين، ودعوتهم ليقفوا مقابل المستكبرين، ويُهيّأهم لذلك العمل"3.
 
فمن مهامّ الأنبياء عليهم السلام بناء الأجيال المجاهدة والمقاومة للاستكبار. وذلك لأنّ من صلب مهامّ الأنبياء عليهم السلام تدمير ودكّ عروش ومعاقل الظالمين من جهة ومن جهة أخرى تحطيم وتدمير معاقل الوثنيّة، والعبوديّة لغير الله 
 
 

1- سورة الحديد، الآية: 25.
2- منهجية الثورة الإسلامية، ص 56ـ 57.
3- م. ن، ص 57.
 
 
 
 
 
 
 
19

12

الفصل الأول: العمق العقائديّ لعاشوراء

 وعن ذلك يقول قدس سره: "لقد جاءت النبوّة وبُعث النبيّ من أجل تحطيم معاقل الظالمين الّذين يظلمون الناس، وإنّ معاقل الظلم هذه قد قامت أسسها على كدح هؤلاء الضعفاء وعلى دمائهم واستثماراتهم، حتّى أصبحت قصوراً عالية، كان مجيء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لتحطيم هذه المعاقل وقلع جذور الظلم هذه. ومن جانب آخر فلأنّ الهدف أيضاً بسط التوحيد فقد قام صلى الله عليه وآله وسلم بهدم مراكز عبادة غير الخالق جلّ وعلا ومراكز عبدة النار وأطفأ نيرانهم"1.

 
الإصلاح ورفض الظلم عند الأئمة عليهم السلام
 
ينظر الإمام قدس سره إلى أنّ موقع الإمام المعصوم هو حراسة القوانين والأحكام الّتي أراد الله ورسوله تطبيقها بلا أخطاء2. وهذا يفترض صيانة الشرع عن التحريف، والعمل على إصلاح الأمّة وتطبيق أحكام الله فيها، لأنّ التشويه والتحريف قد يكون بالتطبيق، ولقد سبق أن مرّت عبارة للإمام في ما مرّ من الفقرات حول هدف الدِّين الّذي هو إقامة العدل في المجتمع، وتقدّم أيضاً إشارته قدس سره إلى أنّ المجتمع مقدّم على الفرد ولذلك قال: "إن جميع الأنبياء عليهم السلام وحتى خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم إنّما استهدفوا إصلاح المجتمع وجعلوا الفرد فداءً للمجتمع، إنّنا لا نملك شخصاً أسمى من الأنبياء عليهم السلام أو من هو أسمى من الأئمّة عليهم السلام
 
 
 

1- منهجية الثورة الإسلامية، ص 11.
2- م. ن، ص 52.
 
 
 
 
 
 
20

13

الفصل الأول: العمق العقائديّ لعاشوراء

 فهؤلاء ضحّوا بأنفسهم في سبيل المجتمع"1.

 
ولعلها إشارة منه قدس سره إلى مقولة الإمام الحسين عليه السلام: "إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر".
 
ويقول قدس سره عن الأئمّة جميعاً: "إنّنا نفخر لأنّ الأئمّة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم سُجنوا ونُفوا من أجل تعالي الدِّين الإسلاميّ ومن أجل تطبيق القرآن الكريم الّذي يعتبر أنّ تشكيل حكومة العدل أحد أبعاده، واستشهدوا في النهاية في طريق الإطاحة بالحكومات الجائرة وطواغيت زمانهم"2.
 
ومن كان إمامه كعليّ والحسين عليه السلام فلا بُدّ أن يتبعهما في رفض الظلم ومقاومته، فإنّ الإمام الخميني قدس سره يقول: "إنّ واحدة من خصائص التشيُّع الذاتيّة منذ البداية وحتّى اليوم هي المقاومة والانتفاض بوجه الدكتاتوريّة والظلم، حيث يُشاهد ذلك على طول تاريخ الشيعة..."3.
 
عاشوراء والأهداف العظمى
 
فعاشوراء بالنسبة للإمام الخميني قدس سره هي حركة نابعة من دور الأديان والنبوّات والإمامة، الّتي تتلخّص في القيام 
 
 

1- منهجية الثورة الإسلامية، ص 52.
2- م. ن، ص 470.
3- م. ن، ص 127.
 
 
 
 
 
 
21

14

الفصل الأول: العمق العقائديّ لعاشوراء

 بمهمّتّي نشر عقيدة التوحيد وإقامة حكومة العدل الإلهيّ.

 
وعاشوراء قيام لله من أجل إصلاح الأمّة وتقويم سلوكها في سبيل تلك الأهداف العظمى الّتي قُدِّم تحقيقها وحفظها على حفظ نفس المعصوم.
 
وعن ذلك يقول قدس سره: "لقد بُعث الأنبياء عليهم السلام لإصلاح المجتمع وكلّهم كانوا يؤكِّدون أنَّه ينبغي التضحية بالفرد من أجل المجتمع مهما كان الفرد عظيماً، وحتّى لو كان الفرد أعظم من في الأرض فإذا اقتضت مصلحة المجتمع التضحية بهذا الفرد فعليه أن يضحّي... وعلى هذا الأساس نهض سيّد الشهداء عليه السلام وضحّى بنفسه وأصحابه وأنصاره، فالفرد يفدي في سبيل المجتمع فإذا توقّفت مصلحة المجتمع على تضحيته وجب التضحية، إنّ العدالة ينبغي أن تتحقّق بين الناس ﴿ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ 1".
 
ويقول كذلك: "إنّ حياة سيّد الشهداء عليه السلام وحياة الإمام المهدي صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وجميع الأنبياء من آدم عليه السلام حتّى الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم كانت تدور حول محور إرساء وإقامة حكومة العدل في مقابل الظلم"2.
 
 


1- نهضة عاشوراء، ص 46.
2- م. ن، ص 47.
 
 
 
 
 
 
 
 
22

15

الفصل الثاني: حقيقة عاشوراء وأهداف الثورة الحسينيّة

 حقيقة عاشوراء

 
حقيقة عاشوراء بحسب ما ورد من أقوال الإمام الخميني قدس سره باعتبارها حدثاً يتخطّى حدود الزمان والمكان حيث إنّ مؤثّريّة شهادة الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه وتضحياتهم لا زالت تفعل فعلها بكلّ أرض وكلّ زمان مهما اختلفت الألسن والألوان والأعراق وحتّى الأديان. لذا فإنّ النهضة الحسينيّة في عاشوراء إلهيّة بكلّ تفاصيلها، وإنسانيّة بمحض شمول مفاعيلها وتأثيراتها لكلّ حرّ. وعن ذلك يقول الإمام قدس سره: "ينبغي لنا أن نُدرك أبعاد هذه الشهادة ونعي عمقها وتأثيرها في العالَم ونلتفت إلى أنّ تأثيرها ما زال مشهوداً اليوم أيضاً"1.
 
وبحسب قول الإمام الخميني قدس سره فبالإضافة إلى كون النهضة الحسينيّة قياماً لله ـ وأداءً للتكليف الإلهيّ ـ هي أيضاً حركة سياسيّة كبرى بكلّ تفاصيلها من أوّل خطوة فيها حتّى الشهادة وعن ذلك تحدّث قدس سره: "إنّ مجيء سيّد الشهداء عليه السلام إلى مكّة وخروجه
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 27.
 
 
 
 
 
 
 
25

16

الفصل الثاني: حقيقة عاشوراء وأهداف الثورة الحسينيّة

 منها بتلك الحال يعدّ حركة سياسيّة كبيرة، ففي الوقت الّذي كان فيه الحجيج يدخلون مكّة كان الحسين عليه السلام يُغادرها وهي حركة سياسيّة، فكلّ سلوكات الحسين عليه السلام وأعماله كانت سياسيّة إسلاميّة وهي الّتي قضت على بني أميّة ولولا ذلك الدم لكان سُحِق الإسلام وانتهى"1.

 
ويقول عن كون نهضة سيّد الشهداء قياماً للَّه: ليست أكثر من موعظة واحدة هي ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّه﴾ِ2 قوموا لله عندما تشاهدون الخطر يحدق بدين الله.
 
قام أمير المؤمنين عليه السلام لله عندما شاهد دين الله في خطر وأنّ معاوية يُحرِّف دين الله ونفس الشيء بالنسبة لسيّد الشهداء فقد قام لله وهذا أمر لا يختص بزمن معيّن إنّ موعظة الله دائميّة..."3.
 
وهي تكليف إلهيّ يقول قدس سره: "عندما يرى سيّد الشهداء عليه السلام أنّ حاكماً ظالماً جائراً يحكم الناس فإنّه يُصرِّح ويقول إنّ من يُشاهد حاكماً جائراً يحكم بين الناس ويظلمهم فيجب عليه أن يقف بوجهه ويمنعه بقدر استطاعته. إنّ بضعة أنفار لم يكونوا شيئاً يُذكر أمام ذلك الجيش، ولكنّها المسؤوليّة والتكليف إذ كان يجب عليه أن ينتفض، ويُقدِّم دمه حتّى يُصلح هذه الأمّة وحتّى يقضي على راية يزيد، وهذا ما
 
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 64.
2- سورة سبأ، الآية: 46.
3- منهجية الثورة الإسلامية، ص 469.
 
 
 
 
 
 
 
26

17

الفصل الثاني: حقيقة عاشوراء وأهداف الثورة الحسينيّة

 قام به فعلاً فقد قدّم دمه ودم أولاده، وكلّ ما يملك من أجل الإسلام"1.

 
أسباب النهضة الحسينيّة
 
بعد هذا العرض دعنا نتلمّس رؤية الإمام الخميني قدس سره لأسباب هذه النهضة بحسب الوارد في كلماته وخطاباته.
 
1 ـ عداء الحكّام للإسلام
 
يقول قدس سره عن يزيد وبني أميّة: "... فهم لم يكونوا يؤمنون بالإسلام منذ البداية وكانوا يكنّون الحسد والحقد لأولياء الإسلام"2.
 
2 ـ التآمر على الإسلام
 
يقول الإمام قدس سره: "وأنقذ (أي الإسلام) من تآمر العناصر الفاسدة وحكم بني أميّة الّذين أوصلوا الإسلام إلى حافّة الهاوية"3.
 
3 ـ العمل على محو الإسلام وإضاعة جهود النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
 
"لقد أوشكت حكومة يزيد الجائرة أن تمحو الإسلام وتضيّع جهود النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم المضنية وجهود مسلمي صدر الإسلام ودماء الشهداء وتلقي بها في زاوية النسيان، وتعمل ما من شأنه أن يُضيّع كلّ ذلك سدى"4.
 
 
 

1- منهجية الثورة الإسلامية، ص 468.
2- نهضة عاشوراء، ص 22.
3- م.ن، ص 31.
4- م. ن، ص 37.
 
 
 
 
 
 
27

18

الفصل الثاني: حقيقة عاشوراء وأهداف الثورة الحسينيّة

 4 ـ القضاء على الإسلام وطمس معالمه

 
"لقد هدف بنو أميّة للقضاء على الإسلام"1.
 
"لقد رأى سيّد الشهداء عليه السلام أنّ معاوية وابنه لعنة الله عليهما يعملان على هدم الدِّين وتقويض أركانه وتشويه الإسلام وطمس معالمه..."2.
 
5 ـ تشويه الإسلام وقلب حقيقته
 
"لقد أوشك حكم بني أميّة المنحطّ أن يُظهر الإسلام بمظهر الحكم الطاغوتيّ ويشوِّه سمعة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وقد فعل معاوية وابنه الظالمَين الأفاعيل ضدّ الإسلام وارتكبا ما لم يرتكبه جنكيز خان فقد بدّلا أساس عقيدة الوحي ومعالمها إلى نظام شيطانيّ"3.
 
"فقد حاولا (أي معاوية ويزيد) قلب حقيقة الإسلام، فقد امتلأت مجالسهم بشرب الخمر ولعب القمار"4.
 
6 ـ تحويل الحكم الإسلاميّ إلى ملَكيّة
 
"إنّ الخطر الّذي كان يُمثِّله معاوية ويزيد ضدّ الإسلام لم ينحصر في كونهما غاصبَين للخلافة فهو أهون من الخطر الأكبر الآخر وهو أنّهما حاولا جعل الإسلام عبارة عن سلطنة
 
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 38.
2- م. ن، ص 39.
3- م. ن، ص 38.
4- م. ن، ص 41.
 
 
 
 
 
 
 
28

19

الفصل الثاني: حقيقة عاشوراء وأهداف الثورة الحسينيّة

 وملكيّة وأرادا أن يُحوِّلا الأمور المعنويّة إلى طاغوت"1.

 
"لم تكن القضيّة غصب الخلافة فحسب، لقد كان قيام سيّد الشهداء عليه السلام وثورته قياماً ضدّ السلطة الطاغوتيّة"2.
 
7 ـ الإساءة إلى سمعة الإسلام والحكم
 
يقول قدس سره: "عندما رأى سيّد الشهداء عليه السلام أنّ هؤلاء يُسيؤون بأعمالهم إلى سمعة الإسلام ويُشوِّهون صورته باسم خلافة الرسول ويرتكبون المعاصي ويحكمون بالظلم والجور وأن انعكاس ذلك على الصعيد العالميّ هو أنّ خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُمارس هذه الأعمال، فرأى من واجبه أن ينهض ويثور حتّى لو أدّى الأمر إلى مقتله، المهمّ هو إزالة ما تركه معاوية وابنه من آثار على الإسلام"3.
 
ويقول قدس سره كذلك: "عندما يرى سيّد الشهداء عليه السلام أنّ حاكماً ظالماً يحكم في الناس بالجور والعدوان فإنّه يقول: من رأى حاكماً جائراً يحكم في الناس بالظلم والجور فعليه أن يقوم بوجهه ويمنعه من الظلم بمقدار ما يستطيع ولو كان معه بضعة أنصار فقط يقفون معه بوجه ذلك الحاكم ذي الجيش العظيم الجرّار"4.
 
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 41.
2- م. ن، ص 41.
3- م. ن، ص 43.
4- إشارة إلى قول الإمام الحسين عليه السلام نقلاً عن جدّه صلى الله عليه وآله وسلم: "من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثمّ لم يُغيّر بقول ولا فعل، كان حقيقاً على الله أن يُدخله مدخله". بحار الأنوار، ج44، ص 382.
 
 
 
 
 
 
29

20

الفصل الثاني: حقيقة عاشوراء وأهداف الثورة الحسينيّة

 8 ـ الإنغماس في المعاصي ومخالفة سنّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم

 
يقول قدس سره: "... إنّه (أي يزيد) يقترف المعاصي ويُخالف سنّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... فهو يسفك الدماء ويهدر الأموال ويُبذّرها وهي ذات الأفعال الّتي كان يقوم بها أبوه معاوية..."1.
 
أهداف النهضة الحسينيّة
 
من خلال ما تقدّم يُمكن القول بإجمال أنّ أسباب النهضة الحسينيّة بحسب رؤية الإمام الخميني قدس سره تتلخّص بوجود حكومة طاغوتيّة آثمة جائرة وغاشمة تستغلّ الحرمات وتشوّه الدِّين ومفاهيمه وتلحق أذية كبرى بصورة الإسلام وسمعته وسمعة النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لذلك فإنّ حركة الإمام الحسين بحسب ما يراه الإمام قدس سره هي لإزالة كلّ هذا الواقع وقلعه واستنقاذ الإسلام وصورة نبيّه من التشوّه والتلوّث الّذي ألحقته بهما ممارسات بني أميّة. ولنعد إلى تلمّس أهداف الثورة الحسينيّة من أقوال الإمام الخميني قدس سره.
 
1 ـ إحياء الإسلام واستنقاذه
 
يقول قدس سره: "وقد قُتل سيّد الشهداء عليه السلام ولم يكن طامعاً في الثواب، فهو عليه السلام لم يعر هذا الأمر كثير الاهتمام، لقد كانت نهضته لإنقاذ الدِّين ولإحياء الإسلام ودفع عجلته إلى الأمام"2.
 
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 44.
2- م. ن، ص 52.
 
 
 
 
 
 
 
30

21

الفصل الثاني: حقيقة عاشوراء وأهداف الثورة الحسينيّة

 "محرَّم هو الشهر الّذي أُحيي فيه الإسلام على يد سيّد المجاهدين والمظلومين عليه السلام وأُنقذ من تآمر العناصر الفاسدة وحكم بني أميّة، الّذين أوصلوا الإسلام إلى حافّة الهاوية"1.

 
ويقول قدس سره: "... فسيّد الشهداء عليه السلام قُتل وأولئك الشبّان والأنصار في سبيل الإسلام، ضحّوا بأرواحهم وأحيوا الإسلام"2.
 
ويقول كذلك: "في صدر الإسلام وبعد رحلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ مُرسي أُسس العدالة والحرّيّة ـ أوشك الإسلام أن ينمحي ويتلاشى بسبب انحرافات بني أميّة وكاد يُسحق تحت أقدام الظالمين ويُبتلع من قبل الجبابرة، فهبّ سيّد الشهداء عليه السلام لتفجير نهضة عاشوراء العظيمة"3.
 
2 ـ صون مستقبل الإسلام والمسلمين
 
عن ذلك يقول الإمام قدس سره: "لقد كان الحسين عليه السلام يُفكِّر بمستقبل الإسلام والمسلمين باعتبار أنّ الإسلام سينتشر بين الناس نتيجة لتضحياته ولجهاده المقدّس "4.
 
ويقول كذلك: "إنّ سيّد الشهداء عليه السلام لبّى صرخة الإسلام واستجاب لاستغاثته وإنقاذه"5.
 
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 31.
2- م. ن، ص 60-61.
3- م. ن، ص 37.
4- م. ن، ص 50.
5- م. ن، ص 115.
 
 
 
 
 
 
31

22

الفصل الثاني: حقيقة عاشوراء وأهداف الثورة الحسينيّة

 3 ـ كسر عقدة الخوف

 
لقد كان المجتمع غارقاً في حالة من الرعب مستسلماً للطاغية نتيجة ممارساته الجائرة وكان على أحد أن يواجهه ليبثّ الشجاعة والإقدام وعن ذلك يتحدّث الإمام قدس سره: "لقد علّم عليه السلام الناس أن لا يخشوا قلّة العدد فالعدد ليس هو الأساس بل الأصل والمهمّ هو النوعيّة، والمهمّ هو كيفيّة التصدّي للأعداء والنضال ضدّهم والمقاومة بوجههم فهذا هو الموصل إلى الهدف"1.
 
ويقول قدس سره: "لقد أفهمونا أنّه لا ينبغي للنساء ولا للرجال أن يخافوا في مقابل حكومة الجور"2.
 
"فسيّد الشهداء قد حدّد تكليفنا فلا تخشوا من قلّة العدد ولا من الاستشهاد في ميدان الحرب"3.
 
4 ـ مقاومة الظلم والفساد (روح المقاومة)
 
"لقد ضحّى سيّد الشهداء عليه السلام بجميع أصحابه وشبابه وبكلّ ما يملكه في سبيل الله ولتقوية الإسلام ومكافحة الظلم، ومعارضة الإمبراطوريّة الّتي كانت قائمة آنذاك..."4.
 
"وكان الواحد منهم يزعم أنّه خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويشرب الخمر في مجلسه ويلعب القمار! ثمّ يبقى خليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
 
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 22.
2- م. ن، ص 68.
3- م. ن، ص 24.
4- م. ن، ص 52.


 
 
 
 
 
32

23

الفصل الثاني: حقيقة عاشوراء وأهداف الثورة الحسينيّة

 ويتوجّه إلى الصلاة ويؤمّ صلاة الجماعة. إنّ هذا خطر كبير واجه الإسلام ممّا دفع سيّد الشهداء عليه السلام للقيام لرفضه"1.

 
"... هنا اقتضى التكليف أن ينهض عظماء الإسلام بمهمّة المعارضة والمعاهدة وإزالة التشويه الّذي يوشك أن يلحقه هؤلاء بسمعة ومكانة الإسلام..."2.
 
5 ـ الثورة والنهي عن المنكر
 
"لقد تحرّك سيّد الشهداء عليه السلام مع عدد قليل من الأنصار وثار بوجه يزيد الّذي كان حاكماً متجبّراً يرأس حكومة غاشمة جائرة ويتظاهر بالإسلام ويستغلّ قرابته وصلته العائليّة3 بالإمام عليه السلام قد كان رغم تظاهره بالإسلام وزعمه أنّ حكومته حكومة إسلاميّة وأنّه خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان امرءاً ظالماً يُهيمن على مقدّرات بلدٍ دون حقّ لذا فإنّ الإمام أبا عبد الله الحسين عليه السلام ثار بوجهه مع قلّة الأنصار لأنّه رأى أنّ واجبه وتكليفه يقتضي ذلك، وأنّ عليه أن يستنكر ما يحدث وأن ينهى عن المنكر"4.

 
ويقول قدس سره: "لقد أعلن سيّد الشهداء عليه السلام بصراحة أنّ هدفه من قيامه هو إقامة العدل، فالمعروف لا يُعمل به والمنكر لا 
 
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 41.
2- م. ن، ص 45ـ 46.
3- حيث إنّ بني هاشم وبني أمية هما من فروع عبد مناف من قبيلة قريش.
4- نهضة عاشوراء، ص 43.
 
 
 
 
 
 
 
33

24

الفصل الثاني: حقيقة عاشوراء وأهداف الثورة الحسينيّة

 يُتناهى عنه1 لذا فهو يريد إقامة المعروف ومحو المنكر فجميع الإنحرافات منشؤها المنكر وما عدا خطّ التوحيد المستقيم فكلّ ما في العالَم منكرات ويجب أن تزول"2.

 
"لقد ضحّى سيّد الشهداء بكلّ حياته من أجل إزالة المنكر ومحوه ومكافحة حكومة الظلم والحيلولة دون المفاسد الّتي أوجدتها الحكومات المنحرفة في العالَم"3.
 
6 ـ إصلاح الأمّة وتدمير حكومة الجور
 
"ونحن الموالون لسيّد الشهداء عليه السلام السائرون على نهجه ينبغي أن ننظر في حياته وفي قيامه الّذي كان الدافع إليه النهي عن المنكر ومحوه، ومن المنكر حكومة الجور وهي يجب أن تزول"4.
 
"كان التكليف يوجب على سيّد الشهداء عليه السلام أن يقوم ويثور ويضحّي بدمه كي يُصلح هذه الأمّة ويهزم راية يزيد"5.
 
 
 

1- إشارة إلى قول الإمام الحسين عليه السلام "... ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله...".
2- نهضة عاشوراء، ص 47.
3- م. ن، ص 48.
4- م. ن، ص 48.
5- م. ن، ص 51.
 
 
 
 
 
 
34

25

الفصل الثالث: نتائج الثورة الحسينيّة

 نتائج وآثار

 
بعد هذا الاستعراض الموجز لأسباب وأهداف النهضة الحسينيّة من وجهة نظر الإمام الخميني قدس سره لا بُدّ من عرض نتائج وآثار هذه النهضة المباركة كما رآها الإمام الخميني قدس سره وبثّها في كلماته إلى الناس.
 
ونقرأ من النتائج في كلمات الإمام ما يلي:
 
1 ـ صون الإسلام بالنهضة الحسينيّة
 
"إنّ الّذي صان الإسلام وأبقاه حيّاً حتّى وصل إلينا نحن المجتمعين هنا هو الإمام الحسين عليه السلام "1.
 
"ولولا نهضة الحسين عليه السلام تلك لتمكّن يزيد وأتباعه من عرض الإسلام مقلوباً للناس"2.
 
"لولا تضحيات حرّاس الإسلام العظماء واستشهاد أنصار أبي عبد الله عليه السلام البطوليّ لشوّهت صورة الإسلام..."3.
 
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 7.
2- م. ن، ص 22.
3- م. ن، ص 59.
 
 
 
 
 
 
 
37

26

الفصل الثالث: نتائج الثورة الحسينيّة

 "إنّ سيّد الشهداء عليه السلام قد أنقذ الإسلام ووفّر له الوفاء والحماية على مدى الزمن"1.

 
2 ـ إحياء الإسلام بمحرّم
 
هو أمر طالما عبّر عنه الإمام قدس سره حتّى جعل محرّم شهر إحياء الإسلام وجعله أثراً مهمّاً من آثار النهضة الحسينيّة فهو يقول قدس سره: "... فسيّد الشهداء عليه السلام قُتل وأولئك الشبّان والأنصار في سبيل الإسلام، فضحّوا بأرواحهم وأحيوا الإسلام"2.
 
 
"إنّ شهادة سيّد الشهداء عليه السلام أحيت الدِّين، لقد استشهد هو وأحيا الإسلام ودفن النظام الطاغوتيّ لمعاوية وابنه يزيد فشهادة سيّد الشهداء عليه السلام لم تكن شيئاً مضرّاً بالإسلام، وإنّما كانت لمصلحة الإسلام، فهي الّتي أحيته"3.
 
 
وعن إحياء الدِّين يقول قدس سره: "لقد ورد في الرواية أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: "حسين منّي وأنا من حسين، ومعنى ذلك أنّ الحسين عليه السلام سيكون إمتداداً لي ويحيا الدِّين الّذي أُرسلت به على يديه، كلّ هذا من بركات شهادته"4.
 
"لقد ضحّى الإمام الحسين عليه السلام بنفسه وبجميع أبنائه وأقربائه
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 62.
2- م. ن، ص 60ـ 61.
3- م. ن، ص 61ـ 62.
4- م. ن، ص 63.
 
 
 
 
 
 
 
38

27

الفصل الثالث: نتائج الثورة الحسينيّة

 فقوّى الإسلام بشهادته"1.

 
ويقول قدس سره: "... لكن إرادة الله تبارك وتعالى شاءت ـ وما تزال ـ أن يخلد الإسلام المنقذ للشعوب والقرآن الهادي لها وأن تحييه دماء شهداء من أمثال أبناء الوحي وتصونه من أذى الدهر، منذ بعث الحسين بن عليّ عليه السلام ـ عصارة النبوّة وتذكار الولاية ـ كي يُضحّي بنفسه وبأرواح أعزّته فداء لعقيدته ومن أجل أمّة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم العظيمة كي تبقى دماؤه الطاهرة تغلي على امتداد التاريخ وتجري دفّاقة لتروي شجرة دين الله وتصون الوحي وتحفظ معالم الدِّين. لقد أثمرت شهادة سيّد المظلومين وأتباع القرآن في عاشوراء خلود الإسلام وكتبت الحياة الأبديّة للقرآن الكريم"2.
 
3 ـ منع الإرتداد إلى الجاهليّة
 
يقول قدس سره: "لولا سيّد الشهداء عليه السلام لاستطاع هؤلاء تقوية وتدعيم نظامهم الطاغوتيّ ولأعادوا الوضع إلى ما كان عليه في الجاهليّة، لولا هذه الثورة المباركة لكنّا أنا وأنتم الآن مسلحين من النوع الطاغوتيّ لا على النهج الحسينيّ... لقد أنقذ الإمام الحسين عليه السلام الإسلام"3.
 
ويقول قدس سره: "... ولولا عاشوراء لسيطر المنطق الجاهليّ لأمثال أبي سفيان... الخ"4.
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 64.
2- م. ن، ص 56ـ 57.
3- م. ن، ص 62.
4- م. ن، ص 56.
 
 
 
 
 
 
 
 
39

28

الفصل الثالث: نتائج الثورة الحسينيّة

 4 ـ بثّ روح التضحية وعدم الخوف

 
يقول قدس سره: "لقد أفهمنا سيّد الشهداء عليه السلام وأهل بيته وأصحابه أنّ على النساء والرجال ألّا يخافوا في مواجهة حكومة الجور، فقد وقفت زينب عليها السلامفي مقابل يزيد ـ وفي مجلسه ـ وصرخت بوجهه وأهانته وأشبعته تحقيراً لم يتعرّض له جميع بني أميّة في حياتهم؛ كما أنّها عليها السلام والسجاد عليه السلام تحدّثا وخطبا في الناس أثناء الطريق وفي الكوفة والشام، فقد ارتقى الإمام السجّاد عليه السلام المنبر وأوضح حقيقة القضيّة وأكّد أنّ الأمر ليس قياماً لأتباع الباطل بوجه الحقّ، وأشار إلى أنّ الأعداء قد شوّهوا سمعتهم وحاولوا أن يتّهموا الحسين عليه السلام بالخروج على الحكومة القائمة وعلى خليفة رسول الله!! لقد أعلن الإمام السجّاد الحقيقة بصراحة على رؤوس الأشهاد وهكذا فعلت زينب عليها السلام أيضاً"1.
 
ويقول قدس سره: "لقد علّم عليه السلام الناس أن لا يخشوا قلّة العدد..."2.
 
5 ـ حفظ القرآن وجهود النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم
 
يقول قدس سره: "لو لم تكن عاشوراء ولولا تضحيات آل الرسول لتمكّن طواغيت ذلك العصر من تضييع آثار بعثة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وجهوده الشاقّة، ولولا عاشوراء لسيطر المنطق الجاهليّ لأمثال أبي سفيان
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 24.
2- م. ن، ص 22.
 
 
 
 
 
 
40

29

الفصل الثالث: نتائج الثورة الحسينيّة

 الّذين أرادوا القضاء على الوصيّ والكتاب، فقد هدف يزيد ـ حثالة عصر الوثنيّة والجاهليّة المظلم ـ إلى استئصال جذور الحكومة الإلهيّة ظنّاً منه أنّه يستطيع بواسطة تعريض أبناء الوصيّ للقتل والشهادة أن يضرب أساس الإسلام، فقد كان يُعلن صراحة: "لا خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل" ولا ندري لو لم تكن عاشوراء ما الّذي كان حصل للقرآن الكريم والإسلام، لكن إرادة الله تبارك وتعالى شاءت ـ وما تزال ـ أن يخلّد الإسلام المنقذ للشعوب والقرآن الهادي لها..."1.

 
ويقول قدس سره: "لقد أثمرت شهادة سيّد المظلومين وأتباع القرآن في عاشوراء خلود الإسلام وكتبت الحياة الأبديّة للقرآن الكريم"2.
 
"ولولا تضحيات حرّاس الإسلام العظماء واستشهاد أنصار أبي عبد الله عليه السلام البطوليّ لشوّهت صورة الإسلام على يد بني أميّة من جرّاء تعسُّفهم وبطشهم ولذهبت جهود النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه المضحّين أدراج الرياح"3.
 
6 ـ بيان التكليف وأساليب المواجهة
 
وذلك لأنّ هناك شبهات منعت الناس من معرفة تكليفهم بوجه يزيد.
 
  

1- نهضة عاشوراء، ص 56ـ 57.
2- م. ن، ص 57.
3- ح. ن، ص 59.
 
 
 
 
 
 
41

30

الفصل الثالث: نتائج الثورة الحسينيّة

 يقول قدس سره: "لقد علّم سيّد الشهداء عليه السلام الجميع ماذا ينبغي عليهم عمله في مقابل الظلم والحكومات الجائرة..."1.

 
"... لقد حدّد سيّد الشهداء عليه السلام وأنصاره وأهل بيته تكليفنا وهو التضحية في الميدان والتبليغ في خارجه"2.
 
"... فسيّد الشهداء عليه السلام قد حدّد تكليفنا فلا تخشوا قلّة العدد ولا من الاستشهاد في ميدان الحرب، فكلّما عظم هدف الإنسان وسمت غايته كان عليه أن يتحمّل المشاق أكثر بنفس النيّة..."3.
 
يقول قدس سره: "ولمّا كان من غير المناسب مسّ السلطان، فلماذا ثار ضدّ سلطان عصره؟ ألم يكن سلطان عصره ينطق بالشهادتين ويقول إنّي خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقد ثار الحسين عليه السلام بوجهه لأنّه كان شخصاً سيّئاً، يريد أن يستغلّ الشعب ويأتي على ثرواته وينهب خيراته، ويستولي عليها هو وجلاوزته"4.
 
7 ـ انتصار الدم على السيف
 
بنظر الإمام الخميني قدس سره إنّ الإمام الحسين انتصر وعن ذلك يقول قدس سره: "... فسيّد الشهداء عليه السلام قتل أيضاً ولكن هل هُزم؟ كلّا فلواؤه اليوم مرفرف خفّاق في حين لم يبق ليزيد أثر يذكر"5.
 
 

1- نهضة عاشوراء ص 21.
2- م. ن، ص 23.
3- م. ن، ص 24.
4- م. ن، ص 40.
5- م. ن، ص 65.
 
 
 
 
 
 
 
42

31

الفصل الثالث: نتائج الثورة الحسينيّة

 "... إنّ الشهادة المأساويّة والأسر الّذي تعرّض له آل الله عرّضت عروش اليزيديّين وسلطتهم ـ الّتي أرادت محو أساس الوصيّ باسم الإسلام ـ إلى الفناء وأزاحت السفيانيّين عن مسرح التاريخ إلى الأبد"1.

 
"إنّ ما أوصل سيّد الشهداء عليه السلام إلى ذلك المصير هو الدِّين والعقيدة وقد ضحّى عليه السلام بكلّ شيء من أجل العقيدة والإيمان وكانت النتيجة أن قُتل وهزم عدّوه بدمه"2
 
ويقول: "لقد فجّر سيّد الشهداء عليه السلام نهضة عاشوراء العظيمة فأنقذ ـ من خلال تضحيته العظيمة بدمه ودماء أعزّته ـ الإسلام والعدالة وقوّض أركان حكم بني أميّة"3.
 
بماذا انتصر الإمام الحسين عليه السلام يُجيب الإمام قدس سره: "صحيح أنّ سيّد الشهداء لكنّه لم يُهزم ولم يندحر، بل إنّه ألحق الهزيمة النكراء ببني أميّة بحيث إنّه سلبهم القدرة على فعل أيّ شيء حتّى النهاية.
 
لقد انتصر الدم على السيف، ترون آثاره باقية حتّى اليوم حيث ظلّ النصر حليفاً لسيّد الشهداء عليه السلام, بينما الهزيمة ليزيد وأتباعه"4.
 
وعلى وفق نظريّة الإمام فإنّ القتل ليس هزيمة طالما أنّ الأهداف
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 57.
2- م. ن، ص 49.
3- م. ن، ص 58.
4- م. ن، ص 64.
 
 
 
 
 
 
43

32

الفصل الثالث: نتائج الثورة الحسينيّة

 تحقّقت في أغلبها والحسين الرمز انتصر وهُزم يزيد الشخص، والرمز وعلامة انتصار الحسين عليه السلام تظهر في عبارة الإمام قدس سره "لقد تعرّض الإمام الحسين عليه السلام للهزيمة عسكريّاً إلّا أنّ النصر النهائيّ كان من نصيبه فخطّه ونهجه لم يُهزما بمقتله بل إنّ عدوّه هو الّذي ذاق الهزيمة وكان نصيبه الفناء... فنهض سيّد الشهداء وأفشل مساعيه ودفن يزيد وأتباعه وظلّت لعائن الناس تُلاحقهم إلى الأبد كما انصبّت عليهم اللعنة الإلهيّة أيضاً"1.

 
8 ـ انتصار النهج
 
"فسيّد الشهداء قُتل لكنّ نهجه ومدرسته ظلّت خالدة..."2.
 
وعن السلاح الّذي انتصر فيه الحسين عليه السلام يقول قدس سره: "يُعدّ شهر محرّم ـ بالنسبة لمدرسة التشيُّع ـ الشهر الّذي تحقّق فيه النصر اعتماداً على التضحية والدماء"3.
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 62.
2- م. ن، ص 59.
3- م. ن، ص 32.
 
 
 
 
 
 
 
44

33

الفصل الرابع: عاشوراء حيّة

 ديمومة وبقاء عاشوراء

 
إنّ الشواهد التاريخيّة والحاليّة تُثبت بما لا يقبل أدنى جدل أنّ عاشوراء عصية على أن يطويها الزمن فهي حيّة دائماً والإمام الحسين عليه السلام باق مشرقاً في هذا العالَم رمزاً لكلِّ ثائر حرّ ومعلِّماً لكلِّ طالب حقٍّ.
 
يقول الإمام الخميني قدس سره: "وعندما نهض الحسين عليه السلام واستشهد مظلوماً أطلق عليه البعض صفة (الخارجيّ) واتّهموه بالمروق عن طاعة "حكومة الحقّ القائمة آنذاك" لكنّ نور الله ساطع وسيبقى ساطعاً وسيمتلىء العالَم بنوره"1.
 
ويقول عن مؤثّريّة شهادة الإمام الحسين عليه السلام الدائمة: "ينبغي لنا أن نُدرك أبعاد هذه الشهادة وفي عمقها وتأثيرها في العالَم ونلتفت إلى أنّ تأثيرها ما زال مشهوداً اليوم أيضاً"2.
 
ولذا فمن الطبيعيّ أنّ انتصار الثورة الإسلاميّة كان من بركات تلك النهضة: "لولا نهضة سيّد الشهداء عليه السلام لما استطعنا تحقيق
 
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 23.
2- م. ن، ص 27.
 
 
 
 
 
 
47

34

الفصل الرابع: عاشوراء حيّة

 النصر في ثورتنا هذه"1.

 
"... إنّ هذه الصيحة (صيحة المظلوم بوجه الظالم) يجب أن تبقى حيّة مستمرّة"2.
 
المحافظة على إحياء عاشوراء
 
عاشوراء شعيرة من الشعائر الدينيّة الّتي سعى الإمام الخميني قدس سره دائماً لإحيائها بكلِّ مراسيمها فيقول: "أحيوا ذكرى نهضة كربلاء والاسم المبارك للحسين بن عليّ عليه السلام فبإحياء ذكراه يحيا الإسلام"3.
 
"علينا أن نُحافظ على هذه السنن الإسلاميّة وينبغي لنا أن نُحافظ على هذه المواكب الإسلاميّة المباركة الّتي تنطلق في عاشوراء في محرّم وفي صفر وفي المناسبات ونؤكّد على الإلتزام بها أكثر فأكثر فتضحية سيّد الشهداء عليه السلام هي الّتي حفظت الإسلام"4.
 
"ينبغي لكم أن تُحافظوا على مجالس عزاء الأئمّة الأطهار عليهم السلام فهذه المجالس هي شعائرنا الدينيّة الّتي يجب أن نُحافظ عليها، وهذه المجالس هي شعائر سياسيّة أيضاً ينبغي المحافظة عليها"5.
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 65.
2- م. ن، ص 89.
3- م. ن، ص 112.
4- م. ن، ص 106.
5- م. ن، ص 104.
 
 
 
 
 
 
 
48

35

الفصل الرابع: عاشوراء حيّة

 "ينبغي أن تستمرّ المجالس بإقامة العزاء، ينبغي أن نذكر المظالم كي يفهم الناس ماذا جرى بل إنّ هذا يجب أن يُقام كلّ يوم، فإنّ لذلك أبعاداً سياسيّة واجتماعيّة غاية في الأهميّة"1.

 
"إنّ ثورتنا هي امتداد لنهضة الحسين عليه السلام وإنّها تبع لتلك النهضة وشعاع من أشعّتها"2.
 
مراسم إحياء عاشوراء
 
لا بُدّ قبل كلّ شيء أن يعرف الإنسان أهمّيّة وقيمة عاشوراء وكيفيّة إحيائها فهو الّذي يقول قدس سره: "إنّ كلّ ما لدينا من محرّم وعاشوراء" ويقول: "أجل إنّ الحقّ منتصر لكن للنصر مفاتيح ورموزاً ينبغي لنا العثور عليها ومعرفتها... علينا أن نعرف رمز بقاء الشيعة طوال الزمن الماضي منذ عصر أمير المؤمنين عليه السلام حتّى الآن... إنّ أحد هذه الرموز الكبرى ـ وهو أكبرهاـ قضيّة سيّد الشهداء عليه السلام وإذا أردنا أن يكون بلدنا مستقلّاً وحرّاً ينبغي أن نحفظ هذا الرمز"3.
 
إقامة المجالس توفيق إلهيّ:
 
"ندعو الله أن يوفّق شعبنا لإقامة مراسم العزاء في ذكرى واقعة عاشوراء..."4. 
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 12.
2- م. ن، ص 10.
3- م. ن، ص 100ـ 101.
4- م. ن، ص 108.
 
 
 
 
 
 
 
49

36

الفصل الرابع: عاشوراء حيّة

 إحياء عاشوراء بصورتها التقليديّة

 
ويؤكِّد الإمام قدس سره على إقامة مراسم عاشوراء "وفق الأساليب والسنن التقليديّة"1.
 
"لتقم المآتم والمجالس الحسينيّة في أنحاء البلاد وليُلقِ الخطباء مراثيهم وليبكِ الناس"2.
 
ويقول قدس سره: "لا يُمكن إدراك عظمة الثواب المترتّب على إقامة مجالس العزاء"3
 
المجالس تبقي عاشوراء حيّة ومؤثِّرة
 
يقول قدس سره: "ونحن وخطباؤنا إنّما سعينا لإبقاء قضيّة كربلاء حيّة، قضيّة مواجهة الثلّة المؤمنة القليلة لنظام طاغوتيّ، ونهوضها بوجهه مستقرّة متواصلة"4.
 
"... لقد حفظت هذه المآتم شعبنا وصانته"5.
 
المجالس والبعد السياسيّ
 
"إنّ هذا الثواب المخصّص للبكاء ومجالس العزاء، إنّما تضيء ـ علاوة على الناحية العباديّة والمعنويّة ـ على
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 108.
2- م. ن، ص 107ـ 108.
3- م. ن، ص 16.
4- م. ن، ص 8.
5- م. ن، ص 8.
 
 
 
 
 
50

37

الفصل الرابع: عاشوراء حيّة

 الأبعاد السياسيّة فهناك مغزى سياسيّ لهذه المجالس"1.

 
"طوال التاريخ كانت مجالس العزاء ـ هذه الوسائل التنظيميّة ـ منتشرة في أرجاء البلدان الإسلاميّة وفي إيران صارت مهداً للإسلام والتشيّع. أخذت هذه المجالس تتحوّل إلى وسيلة لمواجهة الحكومات الّتي توالت على سدّة الحكم ساعية لاستئصال الإسلام وقلعه من جذوره والقضاء على العلماء. فهذه المجالس والمواكب هي الّتي تُمكِّننا من الوقوف بوجهها وإخافتها"2.
 
يقول قدس سره: "إنّ المهمّ هو البعد السياسيّ لهذه الأدعية وهذه الشعائر"3.
 
تنظيم حركة الأمّة
 
يرى الإمام قدس سره "أنّ أوامر أهل البيت عليهم السلام بإحياء مجالس العزاء إضافة إلى الأجر والثواب الكبيرين الّذي ندبوا إليه يهدفون إلى ترابط حركة الجماهير ووحدتها لتنظيم هذه الحركة بشكل متجانس وموحّد والاستفادة من ذلك لبناء هويّة المجتمع السياسيّة".
 
يقول قدس سره: "ولكنّكم ترون كيف أنّ هذه المجالس والمواكب الّتي ربطت الجماهير ببعضهم، هذه المآتم الّتي حرّكت الجماهير يلتئم شملها من جميع الشرائح الاجتماعية المعزّية بمجرّد أن يحصل
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 12.
2- م. ن، ص 14.
3- م. ن، ص 16.

 
 
 
 
 
51

38

الفصل الرابع: عاشوراء حيّة

  أمر يستدعي التجمّع وليس في مدينة واحدة بل في كلّ أنحاء البلاد ودون الحاجة إلى بذل أو إعلام واسع النطاق.

 
إنّ الناس يجتمعون على كلمة واحدة لمجرّد أنّهم يعتقدون أنّها خرجت من فم الحسين سيّد الشهداء عليه السلام"1.
 
وكذلك يقول: "الأهمّ من ذلك هو البعد السياسيّ الّذي خطّط له أئمّتنا عليهم السلام في صدر الإسلام كي يدوم حتّى النهاية وهو الاجتماع تحت لواء واحد وبهدف واحد، ولا يُمكن لأيّ شيء آخر أن يُحقّق ذلك بالقدر الّذي يفعله عزاء سيّد الشهداء عليه السلام"2.
 
"لو أنّ كلّ المتحزّبين والمثقّفين وجميع ذوي القدرة والقوّة اجتمعوا لما تمكّنوا أن يفجّروا انتفاضة كتلك الّتي حصلت في 15 خرداد (5 حزيران 1963م) وإنّ من يمتلك هذه القدرة على صنع حدث كهذا هو من اجتمع الجميع تحت لوائه"3.
 
مجالس تربية المجاهدين والشهداء
 
يقول قدس سره: "إنّ هذه المجالس الّتي تُذكر فيها مصائب سيّد المظلومين عليه السلام وتظهر مظلوميّة ذلك المؤمن الّذي ضحّى بنفسه وبأولاده وأنصاره في سبيل الله هي الّتي خرّجت أولئك الشبّان الّذين يتحرّقون شوقاً للذهاب إلى الجبهات ويطلبون الشهادة ويفخرون
  
 

1- نهضة عاشوراء، ص 13.
2- م. ن، ص 15.
3- م. ن، ص 16.
 
 
 
 
 
 
52

39

الفصل الرابع: عاشوراء حيّة

 بها، وتراهم يحزنون إذا هم لم يحصلوا عليها"1.

 
وعن النساء يقول قدس سره: "هذه المجالس هي الّتي خرّجت أمّهات يفقدن أبناءهنّ ثمّ يقُلن بأنّ لديهنّ غيرهم وأنّهنّ مستعدّات للتضحية بهم أيضاً، إنّها مجالس سيّد الشهداء ومجالس الأدعية من دعاء كميل وغيره هي الّتي تصنع مثل هذه النماذج وتبنيها"2.
 
المجالس وصنع الثورة
 
"... كان النظام السابق قد عمل على سلبه (الشعب) كلّ شيء وتقديمه للأجانب حتّى أفقد البلد شرفه الإنساني، ثمّ فجأة حصل الإنفجار الشعبيّ الّذي تمّ ببركة هذه المجالس الّتي عمّت البلد من أقصاه إلى أدناه، تجمّع الناس وتوجّهت أنظارهم إلى هدف واحد"3.
 
"ينبغي أن نبكي على شهيدنا ونُعبّىء الناس بالوعي واليقظة"4.
 
المجالس وحفظ معالم الدِّين
 
"فذكر المصيبة والمراثي هو الّذي صان المحراب وحفظ المنبر ولولاهما لما تسنّ للخطيب أن يطرح ما يُريده 
  
 

1- نهضة سيد الشهداء، ص 21.
2- م. ن، ص 18.
3- م. ن، ص 19.
4- م. ن، ص 86.

 
 
 
 
 
 
53

40

الفصل الرابع: عاشوراء حيّة

 من المواضيع، ولولاها لما بقي للمنبر وجود يُذكر"1.

 
وفي كلامه للخطباء الحسينيّين يقول قدس سره: "وأنتم أيضاً عندما تقرأون المراثي وتطرحون المواضيع وتذكرون المصائب وتدفعون الناس للبكاء اجعلوا هدفكم صيانة الإسلام والدفاع عن هيبته ومجده، إنّنا نُريد أن نحافظ على الإسلام بهذه المراثي وبهذا البكاء وتلاوة الشعر والنثر نُريد أن نصونه كما حفظه لنا الآخرون حتّى الآن"2.
 
وردّاً على المعترضين على إقامة هذه المجالس والبكاء فيها يقول قدس سره: "... لم يفهموا ما هي التعزية وكيف أنّها ساهمت في إبقاء هذا الأساس وهذا الكيان قائماً حتّى الآن..."3.
 
المجالس لصون مظلوميّة آل البيت وحفظ النهج الحسينيّ
 
يقول قدس سره: "لقـد وردت تـأكيدات كثـيرة من قِبَـل الأئمّة عليهم السلام على إقامة عزاء سيّد المظلومين عليه السلام باستمرار والإبقاء على صون مظلوميّة آل بيت رسول الله عليه السلام، والاستمرار بفضح ظلم بني أميّة (عليهم لعنة الله) مع أنّهم قد انقرضوا، وإدامة صرخة المظلوم بوجه الظالم"4.
 
"من الضروريّ أن يتمّ التمسُّك بمراسم التعزية... لكي
 
 
 

1- نهضة سيد الشهداء، ص 86.
2- م. ن، ص 86ـ 87.
3- م. ن، ص 88.
4- م. ن، ص 88 ـ 89.
 
 
 
 
 
 
54

41

الفصل الرابع: عاشوراء حيّة

 يلتزم الناس بها برغم كلّ الضغوط والمصاعب ولا يدعونها وإلّا فإنّ جهود الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام ستُسحق بسرعة البرق، الأمر الّذي يؤدّي إلى تلاشي واندثار جهود ومساعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الّتي بُذلت لوضع أسس ودعائم التشيُّع"1.

 
المجالس لبثِّ الوعي والتعبئة الثوريّة
 
وإليك ما يقوله قدس سره: "... شاء الله تعالى أن ينهض الحسين بن عليّ عليه السلام ويوقظ الأمّة بتضحياته وجعل للمشاركين في مراسم عزائه عليه السلام ثواباً جزيلاً من أجل إبقاء حالة الوعي لدى الناس ولكي يُصان أساس كربلاء من الاندثار والزوال فكربلاء تقوم على أساس قلع قواعد الظلم والجور وحثّ الناس على التوحيد ودفعهم نحو العدل والقسط"2.
 
ويردّ على الحملات على المجالس مخاطباً الشباب: "بعض هؤلاء الشبّان ليسوا ملتفتين إلى الحقيقة هم يتعرّضون إلى الإيحاء من قبل أشخاص لا يريدون للشعائر الحسينيّة أن تبقى أساساً، فالخطابة تقوم بتهييج عواطف الناس وتحملهم على تسجيل حضورهم الفعّال في كلِّ الميادين. فعندما يرى الناس سيّد الشهداء عليه السلام يُقدِّم شبّانه في ساحة الحرب فيُقطّعون إرباً إرباً عليهم أن يُقدِّموا أبناءهم"3.
 
 

1- نهضة سيد الشهداء، ص 89.
2- م. ن، ص 89.
3- م. ن، ص 91.
 
 
 
 
 
 
 
55

42

الفصل الرابع: عاشوراء حيّة

 ويقول قدس سره: "فالإمام الحسين عليه السلام ثار ومعه فئة قليلة العدد من الأنصار ووقف بوجه إمبراطوريّة كبرى وقال بصوت عال: لا. فيجب أن تستمرّ حالة الرفض هذه وأن تبقى، وهذه المآتم والمجالس هدفها أن تدوم هذه الـ "لا" كرمز لرفض الظلم"1.

 
"... مجالس العزاء وذكر مصائب المظلوم وجرائم الظالم تتصدّى للظالمين وتواجههم في كلّ عصر ومصر"2
 
"فوحدة الكلمة الّتي كانت السبب في انتصار ثورتنا تعود إلى مجالس العزاء، ففيها تمّ التبليغ للإسلام والترويج له"3.
 
مواكب اللطم وحفظ الإسلام
 
إضافة إلى اشتراك اللطم في الكثير ممّا ذكر للمجالس باعتباره جزءاً من المراسم العاشورائية فإنّه قدس سره أفرده أحياناً بالذكر ملفتاً إلى أهمّيّته وأثره.
 
"إنّ هذه المنابر وهذه المجالس والتعازي ومواكب اللطم هي الّتي حفظت لنا الإسلام"4.
 
"كلّ مذهب وكلّ مدرسة بحاجة إلى اهتمام شعبيّ واحتضان والتفاف بأمثال هذه المراسم: مراسم اللطم والبكاء ولو لم تكن
  
 

1- نهضة سيد الشهداء، ص 95.
2- م. ن، ص 97.
3- نهضة عاشوراء، ص 25.
4- م. ن،، ص 92.
 
 
 
 
 
 
 
56

43

الفصل الرابع: عاشوراء حيّة

 موجودة لما أمكن أن يحفظ هذا المذهب ويُصان"1.
 
وجوب المحافظة على هذه المواكب
 
"تكليف الناس يقتضي أن يخرجوا في المواكب الرائعة ومواكب اللطم وطبعاً ينبغي أن يجتنبوا الأعمال غير الصحيحة والمخالفات ولكن لتخرج المواكب ولتلطم الصدور..."2.
 
وفي ردّه على من قال بالاكتفاء بالتظاهرات وترك المواكب: "لا تدعوا التظاهر والمسيرات تحلّ محلّ مواكب العزاء والمآتم لا تسمحوا لهم أن يسلبوكم العزاء الحسينيّ، أقيموا المواكب الحسينيّة ثمّ سيروا في تظاهرات حسينيّة واعقدوا التجمُّعات للمآتم"3.
 
"... واستعينوا بالله على المحافظة على المواكب وأقيموها بالشكل المناسب"4.
 
المواكب تنظيم جماهيريّ
 
"... فهذه المواكب والمآتم هي الّتي تجمع الناس"5.
 
"ولكنّكم ترون كيف أنّ هذه المجالس
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 92.
2- م. ن، ص 107.
3- م. ن، ص 104.
4- م. ن، ص 105.
5- م. ن، ص 64.
 
 
 
 
 
 
 
57

44

الفصل الرابع: عاشوراء حيّة

 والمواكب ربطت الجماهير ببعضهم"1.

 
"ولكن انظروا إلى هذه المجالس والمواكب الّتي تجمع الناس إلى بعضهم بعضاً بمجرّد أن يحصل أمر يستدعي التجمُّع والتجمهر..."2.
 
والإمام يُذكِّر الأمّة بفضل هذه المواكب والشعائر قائلاً: "كونوا على يقين من أنه لو لم تكن مواكب العزاء هذه موجودة ولو لم تكن المواكب والمراثي موجودة لما انطلقت انتفاضة 15 خرداد (5 حزيران 1963)"3.
 
بل في نظر الإمام هذه المواكب تصنع الملاطم فيقول عنها: "ولو كان هؤلاء يعلمون حقيقة الأمر ويدركون أهمّيّة هذه المجالس والمواكب وقيمة هذا البكاء على الحسين عليه السلام والأجر المعدّ له عند الله لما قالوا عن الشعب البكّاء بل لقالوا: شعب الملاطم"4.
 
هذه المواكب هي مواجهة وتحدٍّ للظالمين، ويلفت الإمام إلى هذا الدور للمواكب والعزاء قائلاً: "... وهذه المواكب الّتي تجوب الشوارع للعزاء إنّما تواجه الظلم وتتحدّى الظالمين وهو ما ينبغي المحافظة عليه"5.
 
  

1- نهضة عاشوراء، ص 15.
2- م. ن، ص 99.
3- م. ن، ص 17.
4- م. ن، ص 87.
5- م. ن، ص 10.
 
 
 
 
 
 
 
58

45

الفصل الرابع: عاشوراء حيّة

 "... وهذه المواكب الّتي تُقام وتخرج للعزاء تواجه الظلم وتتحدّى الظالمين"1.

 
"إنّ مواكب اللطم هذه هي الّتي تُمثِّل رمزاً لانتصارنا..."2.
 
المواكب تحفظ الأمّة وتُحييها
 
"... واعلموا أنّ حياة هذا الشعب رهينة بهذه المراسم والمراثي والتجمُّعات والمواكب"3.
 
"... ولكن لتخرج المواكب ولتلطم الصدور... فهذه الاجتماعات هي الّتي حفظتنا وهذا الانسجام والتلاحم هو الّذي صاننا"4.
 
لماذا البكاء؟
 
إنّ مسألة البكاء على مصاب سيّد الشهداء من السنن المؤكِّدة ومن أبرز مصاديق إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام لكنّه وعلى مدى العصور تعرّضت هذه الشعيرة للانتقاد والاعتراض وفُهمت بطريقة مغلوطة واتّهم الشيعة بأنّهم بكاؤون وشعب البكاء وذلك لأنّ هؤلاء لم يفهموا فلسفة البكاء ودوره على الصعيدين المعنويّ والعمليّ والإمام الخميني قدس سره لحظ وعايش هذه الشبهات وفي مقام الردّ عليها ومواجهتها بيّن ما يُشير إلى حقيقة وآثار هذا البكاء.
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 95.
2- م. ن، ص 107.
3- م. ن، ص 108.
4- م. ن، ص 107.
 
 
 
 
 
 
59

46

الفصل الرابع: عاشوراء حيّة

 1 ـ البكاء السياسيّ

 
إنّ الإمام قدس سره أكّد على هذه الجنبة من الشعائر الحسينيّة ولا سيّما البكاء ولا نستطيع نقل كلّ أقواله إنما نورد بعضها: "القضيّة ليست قضيّة بكاء فحسب، ليست قضيّة تباكي فحسب، إنّما هي قضيّة سياسيّة فأئمّتنا عليهم السلام يُريدون ـ وعبر بصيرتهم وعمق رؤيتهم الإلهيّة ـ أن يوحِّدوا صفوف الشعب ويعبِّئوه بالطرق المختلفة لكي يُصان من الأذى"1.
 
"... ولا تظنّوا أنّ الأمر مجرّد بكاء وحسب أبداً فالقضيّة سياسيّة اجتماعيّة ولو كان الأمر مجرّد بكاء فقط فلِمَ التباكي؟"2.
 
2 ـ البكاء الفعّال
 
قد يظنُّ البعض أنّ البكاء عمل سلبيّ لا أثر له على الصعيد العمليّ ولكن الإمام قدس سره يراه بكاءً فاعلاً وذا آثار عمليّة: "... لا يظنّوا أنّنا مجرّد "شعب بكّاء" فإنّنا شعب تمكّن بواسطة هذا البكاء والعزاء من الإطاحة بنظام عمّر ألفين وخمسمائة عام"3.
 
إنّ هذا البكاء إحياء وإدامة للنهضة الحسينيّة وعن ذلك يقول قدس سره: "إنّ البكاء على الشهيد يعدّ إحياءً للنهضة وإدامة لها، والرواية الواردة "من بكى أو أبكى واحداً فله الجنّة ومن تباكى فله الجنّة"4 إنّما تُشير
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 82.
2- م. ن، ص 83.
3- م. ن، ص 21.
4- بحار الأنوار، ج 44، ص 288 (عن النهضة).
 
 
 
 
 
 
60

47

الفصل الرابع: عاشوراء حيّة

 إلى أنّ حتّى المتباكي يعمل عملاً من شأنه إدامة النهضة وحفظها، وهذا يصون نهضة الإمام الحسين عليه السلام ويُديمها"1.

 
3 ـ البكاء الموحِّد
 
يقول الإمام قدس سره: "لو بكينا على الإمام الحسين عليه السلام إلى الأبد فإنّ ذلك لن ينفعه شيئاً، بل ينفعنا نحن، وفضلاً عن نفعه لنا في الآخرة فإنّ له في الدنيا من المنافع ما ترون، فلا يخفى عنكم ما له من الأهمّيّة من الناحية النفسيّة والدور في تأليف القلوب وانسجامها"2.
 
4 ـ البكاء التعبويّ
 
وهذا أثر غير خفي للبكاء على مصاب سيّد الشهداء وعنه يقول قدس سره: "ينبغي لنا أن نبكي على شهيدنا ونصرخ ونُعبّىء الناس بالوعي واليقظة..."3.
 
وعن علّة وصيّة الإمام الباقر عليه السلام لابنه الإمام الصادق عليه السلام باستئجار من يندبه في منى في موسم الحج لعشر مواسم يقول: "... فحين يجتمع المسلمون في موسم الحجّ من كلّ أنحاء العالَم في منى ويجلس شخص ليرثي الإمام الباقر عليه السلام ويوضّح جرائم مخالفيه وأعدائه وقاتليه لمدّة عشرة أعوام ويستمع له 
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 81.
2- م. ن، ص 82.
3- م. ن، ص 86.
 
 
 
 
 
 
 
61

48

الفصل الرابع: عاشوراء حيّة

 الناس، فإنّ ذلك يؤدّي إلى توجيه اهتمام الناس نحو هذا المنهج وتقويته وإثارة موجة من السخط والنقمة ضدّ الظالم..."1.

 
5 ـ البكاء يصون الدِّين ويحفظه
 
يقول قدس سره: "... وإنّما البكاء وسيلة حفظ بها الدِّين، بل حتّى التباكي يُثاب المرء عليه، لماذا؟ لأنّه هو الآخر يُساعد على صون الدِّين"2.
 
وفي موضع آخر في مقام إجابته على تساؤلات حول قيمة المجالس والبكاء يخلص إلى النتيجة التالية: "... وأخذت تتحول (أي الشعائر الحسينيّة) تدريجيّاً إلى وسائل لتحقيق الوقوف بوجه الحكومات الّتي كانت تجيء آنذاك هادفة للقضاء على الإسلام وعلى أسسه الروحانيّة، وقد أخافت هذه المجالس والمواكب تلك الحكومات وأرعبتها"3.
 
"... إنّ ثورتنا هي امتداد لنهضة الحسين عليه السلام وإنّها تبع لتلك وشعاع من أشعّتها"4.
 
"... إنّهم يخافون من هذا البكاء بالذّات لأنّه بكاء على المظلوم وصرخة بوجه الظالم"5.
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 83.
2- م. ن، ص 87.
3- م. ن، ص 85.
4- م. ن، ص 10.
5- م. ن، ص 10
 
 
 
 
 
 
62

49

الفصل الرابع: عاشوراء حيّة

 "... هؤلاء الّذين يوحون إليكم بأنّكم "شعب بكّاء" فأسيادهم وكبراؤهم يخشون هذا البكاء..."1.

 
"إنّ البكاء على الشهيد يُعدّ إبقاءً على اتّقاد جذوة الثورة وتأجُّجها"2.
 
 
 

1- نهضة عاشوراء, ص11.
2- م. ن، ص 8.
 
 
 
 
 
 
 
 
63

50

الفصل الخامس: وصايا للخطباء والمعزِّين

 وصايا للخطباء وقرّاء العزاء

 
يوصي الإمام الخميني قدس سره خطباء المنبر الحسينيّ ـ أيّدهم الله تعالى ـ بعدّة وصايا من شأنها المحافظة على استمراريّة حرارة كربلاء متدفِّقة في صدور المؤمنين ومن جملة هذه الوصايا:
1-التذكير بالمصائب والمظالم الّتي يرتكبها الظلمة عندما يقول قدس سره: "يجب التذكير بالمصائب والمظالم الّتي يرتكبها الظالمون في كلِّ عصر ومصر... وفي هذا العصر الّذي هو عصر مظلوميّة العالَم الإسلاميّ على يد أمريكا..."1.
 
2-اهتمام الخطباء بتذكير الناس وتوجيههم إلى القضايا الإسلاميّة، السياسيّة منها والاجتماعيّة لتبقى في ذاكرتهم وليتابعوا الحكّام ويُحاسبوهم فيما لو تصرّفوا بشكل يُسيء للإسلام والأمّة، يقول الإمام قدس سره: "ليهتمّ خطباء المنابر ـ أيّدهم الله ـ ويسعوا إلى دفع الناس إلى القضايا الإسلامية وإعطائهم التوجيهات اللازمة في الشؤون
 
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 109.
 
 
 
 
 
 
 
67

51

الفصل الخامس: وصايا للخطباء والمعزِّين

 السياسيّة والاجتماعيّة... فنحن أحياء بهذه المراثي"1.

 
3-التأكيد على قرّاء العزّاء بعدم الاختصار في قراءة المراثي الحسينيّة يقول الإمام قدس سره "إنّ على الخطباء أن يقرأوا المراثي حتّى آخر الخطبة ولا يختصروها بكلمتين.. بل ليتحدَّثوا كثيراً عن مصائب أهل البيت... كي يُصبح الناس على أهبة الاستعداد، وليكونوا حاضرين في ميادين الأحداث، وليعلموا بأنّ أئمّتنا قد أنفقوا كلّ أعمارهم لنشر الإسلام وترويجه"2.
 
4-المحافظة على استمراريّة تلاوة المراثي كما هي وكما كانت تُتلى في السابق مع الالتفات والتنبيه إلى الممارسات المنحرفة والخاطئة والّتي تُعطي صورة غير صحيحة عن هذه الشعائر العظيمة ويُشير الإمام إلى ذلك عندما يقول قدس سره: "على الخطباء أن يتلوا المراثي كما كانوا يفعلون في السابق... ينبغي أن تعلموا إذا أردتم الحفاظ على نهضتكم فيجب أن تُحافظوا على هذه الشعائر والسنن، وطبعاً فإنّه إذا كانت هناك أعمال وممارسات منحرفة وخاطئة يرتكبها أشخاص غير مطّلعين على المسائل الإسلامية فيجب أن تتمّ تصفيتها، لكن المآتم ينبغي أن تبقى على قوّتها"3.
 
 

1- نهضة عاشوراء، ص 109ـ 110.
2- م. ن، ص 110.
3- م. ن، ص 111- 112.
 
 
 
 
 
 
68

52

الفصل الخامس: وصايا للخطباء والمعزِّين

 وصايا لجموع المعزِّين


1- "أحيوا عاشوراء فبإحيائها يُصان بلدكم من كلّ سوء".

2- "إنّ البكاء عليه (الإمام الحسين عليه السلام) هو الّذي حفظنا".

3- "عليكم أن لا تنخدعوا بمزاعم وأحابيل الشياطين الّذين يُريدون أن يُجرِّدوكم من هذا السلاح.. ليحذر شبابنا من الانخداع بذلك، فهذه الشعائر الحسينيّة هي الّتي حفظتنا وصانت البلد".

4- "علينا أن نعرف رمز بقاء الشيعة طوال الزمن الماضي، منذ عصر أمير المؤمنين عليه السلام وحتّى الآن...".

5- "لقد أُقيمت هذه المجالس على مرِّ التأريخ بأمر الأئمّة عليهم السلام فلا يُظنّن بعض هؤلاء الشبّان بأنّ المجالس الحسينيّة ليست إلّا مجالس للبكاء! وأنّ علينا الآن أن نكفّ عن البكاء فهذا خطأ فادح يقعون فيه".

6- "ليعلم شعبنا قيمة وأهمّيّة هذه المجالس، فهي الّتي أبقت الشعوب حيّة، وينبغي أن تزداد هذه المجالس في أيّام عاشوراء، وتنمو وتنتشر، بل إنّها ينبغي أن تُكثّف حتّى في باقي أيّام السنة".

7- "عليكم أن تُدركوا بأنّه لو لم تكن هذه المواكب موجودة ولو لم تكن هذه المجالس والمراثي مقامة فإنّ انتفاضة 15خرداد 
 
 
 
 
 
 
 
 
69

53

الفصل الخامس: وصايا للخطباء والمعزِّين

 (5حزيران1963م) ما كان يُمكن لها أن تحصل".


8- "لا تدعوا التظاهرات والمسيرات تحلّ محلّ مواكب العزاء والمآتم، لا تسمحوا لهم أن يسلبوكم العزاء الحسينيّ، أقيموا المواكب الحسينيّة، ثمّ سيروا في تظاهرات حسينيّة واعقدوا التجمُّعات للمآتم".

وممّا تقدّم فإنّ أهمّ الوصايا الّتي وجّهها الإمام المقدّس لجموع المعزِّين بسيّد الشهداء عليه السلام هي:

أوّلاً: التأكيد على إحياء عاشوراء والمشاركة الفعّالة بهذه المجالس.

ثانياً: التأكيد على البكاء وأنّه بسببه حُفظ التشيُّع وعدم الكفّ عن ذلك.

ثالثاً: الاستماع والإنصات جيّداً لما يُتحدّث عنه في هذه المجالس.

رابعاً: إنّ هذه المجالس أُقيمت بأمر الأئمّةعليهم السلام فيجب أن تُفعّل وتزداد وتنتشر حتّى في غير أيّام محرّم.

خامساً: المشاركة بمواكب العزاء واللطم على الصدور وأهمّيّة ذلك أكثر من التظاهرات.

سادساً: إنّ حضور هذه المجالس تُبقي حرارة التواصل مع أهل البيت عليهم السلام.

والحمد لله ربِّ العالمين
 
 
 
 
 
 
70

 


54
عاشوراء