المحور الأول: العقيدة
المحور الأوّل:
العقيدة
موضوعات المحور:
- العقيدة ودورها في حياة الإنسان.
- التوحيد ومراتبه.
- العدل الإلهيّ.
- نبوّة الأنبياء.
- نبوّة نبيّ الإسلام.
- الإمامة امتداد للنبوة.
- المعاد والأدلّة عليه.
- رحلة الآخرة.
- شموليّة الإسلام وعالميّته.
1
الدرس الاول: العقيدة ودورها في حياة الإنسان
الدرس الاول: العقيدة ودورها في حياة الإنسان
أهداف الدرس
على الطّالب مع نهاية هذا الدَّرس أن:
1- أن يتعرّف إلى معنى العقيدة.
2- أن يتبيّن دورالعقيدة في حياة الإنسان.
3- أن يحدّد الطرق إلى معرفة الله.
2
الدرس الاول: العقيدة ودورها في حياة الإنسان
معنى العقيدة
يعيش كلّ إنسان في هذه الدنيا وهو يحمل مجموعةً من الأفكار والآراء والنظريّات الّتي يؤمن بها ويعتقد أنّها صحيحة لا تقبل الشكّ، هذه الأفكار والآراء هي الّتي نسميّها العقيدة، لأنّها تُحكم سيطرتها على هذا الإنسان فتوثقه وتربطه وتشدّه إليها، في أفعاله وفي شعوره. وتتمثّل في الأصول الخمسة وهي: التوحيد، العدل، النبوّة، الإمامة، المعاد.
ارتباط العقيدة بالإنسان
ترتبط العقيدة بالإنسان من ناحيتين:
الأولى: عقل الإنسان: إنّ ما يعتقد به الإنسان يتحكّم بمجمل رؤيته للكون وللحياة، ولكلّ ما يفكّر به، حيث تكون العقيدة حاضرةً لدى الإنسان في كلّ فعل يقوم به أو قرار يتّخذه.
الثانية: قلب الإنسان: يمتاز الإنسان بأنّه يملك الشعور بالحبّ والبغض والإعجاب وغير ذلك، وأنواع الشعور هذه ترتبط أيضاً بما يحمله من عقيدة.
قال تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾[1], فصاحب العقيدة الراسخة لا يخاف بل يزداد إيماناً وصبراً عند الشدائد.
ارتباط العمل بالعقيدة
يَرِدُ السؤال الآتي: هل العمل أهمّ أو العقيدة؟ وما دور العقيدة إذا كان العمل الّذي يؤدّيه الإنسان صالحاً وصحيحاً؟
3
الدرس الاول: العقيدة ودورها في حياة الإنسان
ينظر الإسلام إلى العقيدة على أساس أنّها المعيار في كون العمل مقبولاً، فلا يكفي لكي ينال الإنسان الآثار المطلوبة من العمل أن يأتي به صحيحاً، بل لا بدّ وأن يصدر منه على أساس العقيدة الصحيحة.
ورد في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "لا يَنْفَعُ مَعَ الشَّكِّ وَالجُحودِ عَمَلٌ"[1].
ونجد أنّ القرآن الكريم دائماً يقرن العمل الصالح بالإيمان: ﴿الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾[2].
إنّ فائدة العمل الّذي يقوم به الإنسان تكون بمدى ما له من تأثير على تكامل هذا الإنسان، ولا يكون العمل مؤثّراً في تكامل الإنسان، من دون عقيدة تحرّكه. فالإنسان الجاحد للحقّ والمنكر له أو الشاكّ فيه، كيف يمكن أن يكون عمله هذا مقبولاً عند الله ويترتّب عليه الثواب وهو لا يؤمن من الأساس بوجود الله عزّ وجلّ؟!.
والإنسان الّذي يملك إيماناً حقيقيّاً ينعكس ذلك في حياته كلّها فيجعلها في طاعة الله.
لذا فإنّ أوّل سؤال يُسأل عنه هذا الإنسان بعد موته، وعند حضور الملكين إليه هو: من ربّك؟ وما هو دينك؟ ومن هو نبيّك؟
أي، ما هي عقيدتك، وما هي الأفكار الّتي كانت تدفعك لكلّ عمل قمت به في هذه الدنيا؟
طرق المعرفة
لم يطلب الله عزّ وجلّ من الإنسان المعرفة إلا وقد سهّل له طرق الوصول إليها، وهي متعدّدة، سهلة، وفي متناول الجميع، ولذلك وهبه الله سبحانه الأدوات الّتي من طريقها يصل إلى المعرفة الصحيحة، ومنها:
4
الدرس الاول: العقيدة ودورها في حياة الإنسان
1- الحواسّ:
إنّ أوّل طريق يتعرّف الإنسان من خلاله على هذا الكون هو طريق الحواسّ الخمس (السمع ـ البصر ـ الشمّ ـ الذوق ـ اللمس). ويؤدّي فقدان حاسّة من هذه الحواسّ إلى فقدان الإنسان مجموعة من المعارف والعلوم.
2- العقل:
وهي الأداة الّتي وهبها الله عزّ وجلّ لهذا الإنسان، وخصّه بها دون غيره من المخلوقات. وامتلاك الإنسان لهذه الأداة جعله يدرك الأشياء الّتي لا تتمكّن سائر المخلوقات من إدراكها.
ومثال ذلك يدور حول التساؤل التالي: هل رأيت الكهرباء؟ كيف تؤمن بوجودها وأنت لا تعرف حقيقتها؟
الجواب: العقل هو إحدى الطرق الّتي أوصلتك إليها، فمتى رأيت الضوء، علمت أنّ هناك طاقة ما جعلته يبعث النور.
وهذا إيمان بالعقل لا بالحسّ، لأنّك وصلت إلى يقين واطمئنان بوجود شيءٍ لم تدركه بواحدة من الحواسّ الخمس.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذين الطريقين، قال تعالى: ﴿وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[1].
معرفة الله عزّ وجلّ
تتحدّث الآية الكريمة ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾[2] عن وجود طريقين لمعرفة الله
5
الدرس الاول: العقيدة ودورها في حياة الإنسان
عزّ وجلّ، يصل الإنسان من خلالهما إلى الإيمان بوجود الله، من خلال استخدام أداتي المعرفة لديه أي الحسّ والعقل.
الطّريق الأوّل: التأمـّل في الآفاق
إذا تأمّلت فيما يحيط بك من مخلوقات صغيرة وكبيرة، من شمس وكواكب ونجوم وليل ونهار وسحاب ومطر، فإنّك سوف تجد أنّها قد نُظّمت بشكل دقيق للغاية. بحيث لا تستطيع إلّا أن تعتقد بوجود قوّة عالمة قادرة قاهرة قامت بفعل ذلك كلّه. وهذا هو الله عزّ وجلّ.
وقد وردت آيات أخرى في كتاب الله عزّ وجلّ تفصّل هذا الطريق وتشرحه لنا منها قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾[1].
الطريق الثَّاني: التأمـّل في الأنفس
لو نظر الإنسان إلى نفسه، فإنّه سوف يدرك تماماً أنّه لا بدّ له من خالق أوجده، لأنّه يعلم يقيناً أنّه لم يكن موجوداً ثمّ وجد فهو:
أ - إمّا أن يكون قد وجد من دون علّة ودون سبب، وهذا أمر لا يصدّقه عاقل.
ب - أن يكون هو الّذي أوجد نفسه، فهذا يعني أنّه لا بدّ وأن يكون موجوداً قبل أن يوجد لكي يخلِق نفسه، وهو مستحيل.
ج - أن يكون مخلوقاً لخالقٍ أعظم منه منزّه عن كلّ صفات المخلوقين، حيّ، عليم، قدير، وهو الله عزّ وجلّ، وهو الاحتمال الصحيح.
6
الدرس الاول: العقيدة ودورها في حياة الإنسان
للمطالعة
إنـّما يخشى اللّهَ من عباده العلماءُ[1]
ينقل العالم الهندي الدكتور عناية الله المشرقي حادثة حصلت معه فيقول: في يوم أحد من أيَّام سنة 1909م، كانت السماء تمطر بغزارة وخرجت من بيتي لحاجة ما، وإذا بي أرى الفلكيّ المشهور (السيّد جيمس جينز) الأستاذ بجامعة كامبردج، ذاهباً إلى الكنيسة، متأبّطاً الإنجيل والمظلّة، فدنوت منه وسلّمت عليه، فلم يردَّ عليَّ، فسلّمت مرّة أخرى، فسألني "ماذا تريد منّي؟" فقلت له: أمرين يا سيّدي.
الأوّل: هو أنّ مظلّتك تحت إبطك على الرغم من شدّة المطر!! فابتسم السيّد جيمس وفتح مظلّته فوراً.
فقلت له: والآخر هو استفهامي عن الّذي يدفع رجلاً ـ مثلك ـ ذائع الصيت في العالم أن يتوجّه إلى الكنيسة؟
وأمام هذا السؤال توقّف السيّد جيمس لحظة، ثم قال: "عليك اليوم أن ترتشف شاي المساء عندي".
وعندما وصلت إلى داره في المساء، خَرَجَت (السيّدة جيمس) عند الساعة الرابعة تماماً، وأخبرتني أنّ السيد جيمس ينتظرني.
وعندما دخَلْتُ عليه غرفته، وجدت أمامه منضدة صغيرة موضوعاً عليها عدّة الشاي، وكان السيّد شارداً يتفكّر، وعندما شعر بوجودي سألني: "ماذا كان سؤالك؟" ودون أن ينتظر ردّي بدأ يشرح عن تكوين الأجرام السماويّة، ونظامها المدهش، وأبعادها وفواصلها غير المحدودة، وطرقها، ومداراتها وجاذبيّتها، وطوفان أنوارها المذهلة، حتّى أنّني شعرت أنّ قلبي يهتزُّ بهيبة الله وجلاله، وأمّا السيّد جيمس فوجدت
7
الدرس الاول: العقيدة ودورها في حياة الإنسان
شعر رأسه مقشعِرّاً، والدموع تنهمل من عينيه، ويديه ترتعدان من خشية الله، وصَمَتَ فجأةً، ثم بدأ يقول: "يا عناية الله! عندما ألُقي نظرة على روائع خلق الله يبدأ وجودي يرتعش من الجلال الإلهيّ، وعندما أركع أمام الله وأقول له: "إنّك عظيم" أجد أنّ كلّ جزء من كياني يستجيب لهذا الدعاء، وأشعر بسكون وسعادة عظيمين. وأحسُّ بسعادة تفوق سعادة الآخرين ألف مرّة، أفهمت، يا عناية الله خان لماذا أذهب إلى الكنيسة؟".
ويضيف الدكتور عناية الله قائلاً: لقد أحدَثَتْ هذه التفاصيل ثورة في أعماقي، فقلت له: "يا سيّدي لقد تأثّرت جدّاً بالتفاصيل العلميّة الّتي ذكرتموها، وذكّرْتني بشيء من آيات كتابي المقدّس - القرآن - فلو سمحتم لي قرأتها عليكم".
فهزّ رأسه قائلاً: بكلّ سرور.
فقرأت عليه: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾[1].
فصرخ السيّد جيمس قائلاً: ماذا قلت؟! إنّما يخشى الله من عباده العلماء!؟ مدهش! غريب، وعجيب جدّاً! إنّ هذا الأمر كشفَت عنه دراسةٌ ومشاهدةٌ استمرّت خمسين سنة! من أنبأ محمّداً به؟! هل ما قرأت عليّ في القرآن حقّاً؟! لو كان الأمر كذلك، فاكتب شهادة منّي أن القرآن كتاب موحىً من عند الله.
ويستطرد السيّد جيمس قائلاً: لقد كان محمّدٌ أميّاً، ولا يمكنه أن يكشف عن هذا السرّ بنفسه، ولكن الله هو الّذي أخبره بهذا السرّ... مدهش...! وغريب، وعجيب جدّاً!.
8
الدرس الثاني: التوحيد ومراتبه
الدرس الثاني: التوحيد ومراتبه
أهداف الدَّرس
على الطّالب مع نهاية هذا الدَّرس أن:
1- أن يتعرّف إلى معنى التوحيد.
2- أن يسمّي مراتب التوحيد.
3- أن يتبيّن أدلّة التوحيد.
9
الدرس الثاني: التوحيد ومراتبه
التوحيد أوّل الأصول
الأصل الأوّل من أصول الدين هو التوحيد، أي الإيمان بأنّ الله عزّ وجلّ واحد لا شريك له.
وهذا هو أصل كافّة الأصول، والشهادة بتوحيد الله هي المدخل إلى الإسلام.
إنّنا ننطق في كلّ يوم، بكلمة التوحيد، فنقول: لا إله إلّا الله. وهذه الكلمة تشكّل جزءاً أساساً من معتقدنا الّذي نؤمن به بقلوبنا وعقولنا، إنّه نفي لأيّ شريكٍ لله عزّ وجلّ في الألوهيّة، فلا إله غيره وهذا إقرار بألوهيته عزّ وجلّ وحده.
قال تعالى: ﴿إنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً﴾[1].
ولكن، ما هو معنى التوحيد؟ وهل للتوحيد جهة واحدة؟ أو أنّه يشمل جهات متعدّدة؟ ويرتبط بمعانٍ متعدّدة يجب علينا أن نستحضرها؟
معنى التوحيد
التوحيد هو الاعتقاد بأن الله تعالى واحدٌ، لا شريك له، ولا شبيه ولا مثيل، ﴿َلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾[2]، وهذا المعنى يقابل الشرك والاعتقاد بإلهين أو آلهة متعدّدة.
مراتب التوحيد
حتّى نصل إلى تمام التوحيد، ونتيقّن بأنّنا قد أخلصنا عقيدتنا لله عزّ وجلّ، لا بدّ وأن نتعرّف إلى مراتب التوحيد:
10
الدرس الثاني: التوحيد ومراتبه
أوّلاً: التوحيد في الذات:
قد أصف شيئاً ما بأنّه واحد، فأقول: الشّمس واحدة، ولكن لا مانع إطلاقاً، من أن أفترض وجود شمسين أو ثلاثة، ولكنْ في الخارج، لا أجدُ إلّا شمساً واحدة.
وقد أصفُ موجوداً ما بأنّه واحد، فأقول: الله واحدٌ، ومُرادي بذلك أنّه لا يمكن أن افترض وجوداً آخر مثله، فالأمر مستحيلٌ حتّى فرضاً، وهذا هو معنى التوحيد في الذات.
فالله عزّ وجلّ واحدٌ في ذاته، لا يمكن أن تفترض شبيهاً له، ولا نظيراً، ولا عديلاً ولا مثيلاً.
وتختصر الآية الكريمة، التوحيد الذاتيّ، حيث تقول:﴿َلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾، فلا يمكن، أن تفترض لله عزّ وجلّ شبيهاً في ذاته وألوهيته.
الدليل على التوحيد الذاتيّ:
من الوسائل الّتي تتمكّن من خلالها نفي وجود شيء، أن تنفي وجود أيّ أثر له، متى كان ذلك الأثر ملازماً له، لا ينفكّ عنه. أي استدلّ بعدم وجود الأثر، على عدم وجود المؤثّر.
وهذه الطريقة، هي الّتي نستخدمها لإثبات التوحيد الذاتيّ، فلو كان هناك إله غير الله عزّ وجلّ، فلا بدّ وأن يكون له أثر ملازم، وهو بعثة أنبياء ورسل من عنده، لدعوة الناس إلى طاعته وعبادته، ولكن لا نجد أنّ هناك أنبياء دعوا إلى عبادة غير الإله الواحد الأحد، فعدم وجود أنبياء لغير الله، دليل على عدم وجود إله آخر.
وبتعبير آخر: لو كان لله عزّ وجلّ شريك للزم أن يكون الأنبياء فريقين، كلُّ فريق يدعو إلى أحد هذين الإلهين، ولكنّنا نجد أنّ الأنبياء كلّهم يدعون إلى إله واحد، فلو كان هناك إله آخر، فأين هم أنبياؤه الّذين يدعون النّاس إليه؟!
هذا الدليل، جاء ذكره في السيّد الرضي، نهج البلاغة، في وصية الإمام علي عليه السلام لابنه
11
الدرس الثاني: التوحيد ومراتبه
الحسن عليه السلام حيث يقول: "وَاعْلَمْ يا بُنَيَّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَبِّكَ شَريكٌ لأَتَتْكَ رُسُلُهُ، وَلَرَأَيْتَ آثارَ مُلكِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَلَعَرَفْتَ أَفْعَالَهُ وَصِفَاتَهُ، وَلَكِنَّهُ إَلهٌ واحِدٌ، كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ"[1].
ثانياً: التوحيد في الخالقيـّـة:
الخلق هو فعل من الأفعال مختصّ بالله عزّ وجلّ على نحو الاستقلال، فالله هو وحده الخالق للسّموات والأرض، قال تعالى: ﴿قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾[2].
إذا آمن أحد من الناس، بأنّ الله عزّ وجلّ واحدٌ ذاتاً، ولكنّه آمن بأنّ الخلق يصدر من غير الله، مستقلاً ومن دون أن يرجع هذا الفعل إلى إذن الله تعالى وإرادته فهو مشركٌ في الخالقيّة.
الدليل على التوحيد في الخالقيـّة:
إنّ التأمّل في المخلوقات، يكفي للشهادة على أنّ خالقها واحد، لما بينها من ارتباط وتنسيق وانسجام، ولو كان هناك إله آخر، لكان ينبغي لنا، أن نشهد وجود مخلوقات أخرى ذات نظام مستقلّ.
إنّ وجدان أيّ إنسان يشهد بأنّ الخالق، لا يمكن أن يكون متعدّداً لأن نظام الكون والوجود واحد وغير متعدّد. وهذا لسان المشركين أنفسهم، يجيب صراحة إذا ما سُئِلُوا عن الخالق جلّ وعلا بالقول: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾[3].
ثالثاً: التوحيد في الربوبيـّة:
إنّ "الربّ" هو المدبّر، الَّذي يكون بيده تدبير الأمور مباشرة أو بواسطة، فالأب هو ربّ الأسرة، لأنّه المدبّر لشؤونها، مباشرة، أو بواسطة.
12
الدرس الثاني: التوحيد ومراتبه
لم ينكر المشركون في زمن الرسالة، التوحيد في الذّات أو التوحيد في الخالقيّة، ولكنّهم أنكروا التوحيد في الربوبيّة، حيث اعتقد هؤلاء بأنَّ مدبّراً آخرَ غير الله عزّ وجلّ كالأصنام الّتي كانوا يعبدونها، هي الّتي تقوم بتدبير أمور السموات والأرض، من الرزق، إلى النَّصر في الحرب، والموت وغير ذلك. ومثال ذلك ما ذكره القرآن الكريم في قصّة النبيّ يوسف عليه السلام الّذي ينكر على صاحبيه في السجن إيمانهم بوجود أكثر من ربّ: ﴿أأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ﴾[1].
الدليل على التوحيد في الربوبيـّة:
إنّ أهمّ دليل على توحيد الله في الرّبوبيّة، هو دليل وحدة النظام أيضاً وهو على النحو التالي:
أولاً: يتحرّك النظام الكونيُّ بدقّة متناهية لا خلل فيه. بل كلّما ازدَدْنا تأمّلاً في هذا الكون، ازدَدْنا يقينا بمدى الدقّة، الّتي يسير عليها هذا الكون.
ثانياً: لو كان للعالم أكثر من مدبّر، لاختلف تدبيرهم، ولحصل الاختلاف بينهم، ولظهرت آثار ذلك في هذا النظام.
- وفي النتيجة يمكننا القول: إنّ وحدة النظام الكونيّ دليل على وحدة المنظّم لهذا الكون. قال تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا﴾[2].
رابعاً: التوحيد في العبادة:
يكرّر المسلم، في كلّ مرّة يقرأ فيها سورة الفاتحة، القولَ مخاطباً الله عزّ وجلّ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾، فما هو المراد من ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾؟ العبادة تعني الخضوع والطاعة لأوامر المعبود وأنّ من يستحقّ أن نتوجّه إليه بالعبادة (من الصّلاة والصوم وغيرهما)، ومن ينبغي علينا أن نطيعه ولا نطيع أحداً غيره, هو الله عزّ وجلّ.
إنّ معنى توحيده في العبادة، هو أن لا تأتي بأيّ عمل وأنت تريد بذلك الخضوع
13
الدرس الثاني: التوحيد ومراتبه
والعبادة لغير الله، بل يكون خضوعك وعبادتك لله وحده فقط.
الدليل على التوحيد في العبادة:
إذا كنت مؤمناً بمراتب التوحيد السابقة، أي كنت ممّن يعتقد بأنّ الله عزّ وجلّ واحد لا شريك له، ولا خالق غيره، ولا مدبّر إلّا هو، وأنّ بيده أمورك كلّها، فكيف تعبد غيره؟
إنّ النتيجة الطبيعيّة للتوحيد في المراتب السابقة، هي أن يكون الإنسان موحّداً لله عزّ وجلّ في العبادة.
قال تعالى: ﴿اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُون﴾[1].
ويفسّر الإمام الصّادق عليه السلام الآية الكريمة بقوله: "أَمَا وَاللهِ ما دَعَوْهُم إِلى عِبَادةِ أنْفُسِهِمْ، وَلَوْ دَعَوْهُمْ ما أَجابوهُمْ، وَلَكِنْ أَحَلّوا لَهُمْ حَرامَاً، وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ حَلالاً فَعَبَدُوهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرونَ"[2].
14
الدرس الثاني: التوحيد ومراتبه
للمطالعة
العَالَمُ بيتٌ منظَّمٌ
ورد في كتاب توحيد المفضّـل أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال له:
"يا مفضّـل: أوّل العِبَر والدلالة على الباري جلّ قدسه، تَهْيِئة هذا العَالَم، وتأليف أجزائه ونَظْمُها على ما هي عليه، فإنّك إذا تأمّلت العالم بفكرك، وخَبِرْتَه بعقلك، وجَدّته كالبيت المبنيّ المعدّ فيه ما يحتاج إليه عباده، فالسماء مرفوعة كالسقف، والأرض ممدودة كالبساط، والنجوم مضيئة كالمصابيح، والجواهر مخزونة كالذخائر، وكلّ شيء فيه لشأنه معدّ، والإنسان كالمالك لذلك البيت، والمخوّل جميع ما فيه، وضروب النبات مهيّأة لمأربه، وصنوف الحيوان مصروفة في مصالحه ومنافعه.
ففي هذا دلالة واضحة على أنّ العالم مخلوق بتقدير وحكمة وملاءمة، وأنّ الخالق له واحد، وهو الّذي ألّفه ونظّمه بعضاً إلى بعض، جلّ قدسه وتعالى جَدّه وكَرُم وجهُه، ولا إله غيره تعالى عمّا يقول الجاحدون، وجلّ وعظم عمّا ينتحِله الملحدون"[1].
15
الدرس الثالث: العدل الالهي
الدرس الثالث:العدل الإلهيّ
أهداف الدَّرس
على الطّالب مع نهاية هذا الدَّرس أن:
1- أن يحدّد معنى العدل ومعنى الظلم وأسبابه.
2- أن يتبيّن عدالة الله وتنزيهه عن الظلم.
3- أن يميّز بين العدل والمساواة.
16
الدرس الثالث: العدل الالهي
معنى العدل
نستخدم كلمة العدل في معنيين هما:
أ- العدل بمعنى وضع الأمور في مواضعها، فالعادل هو الّذي يضع كلّ شيء في مكانه وزمانه المناسِبَين له، فالظلم هنا بمعنى وضع الشيء في غير موضعه.
ورد في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "بِالْعَدْلِ قامَتِ السّماواتُ وَالأَرْضُ"[1].
ب- العدل بمعنى إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه: وذلك لأنّنا نؤمن بأنّ الله تعالى جعل لكلّ مخلوق في هذا الكون حقوقاً، لا يحقّ لأحد من الناس أن يَسلب عنه تلك الحقوق، أو أن يمنعه من الوصول إليها. والعادل هو الّذي يعطي الحقّ لصاحبه، ويقابله الظالم، وهو الّذي يمنع غيره من الوصول إلى حقّه أو يَسلبه منه.
لو تأمّلنا شيئاً ما في تعريف العدل بالمعنى الأوّل، لتوصّلنا إلى أنّ العدل هنا، يرجع إلى معنى الحكمة، وذلك لأنّ الحكيم هو الّذي يضع الأمور في مواضعها.
الفرق بين العدل والمساواة
يتصوّر الكثير من الناس، أنّ العدل هو أن أُعطي كلّ واحد كما أعطي غيره، فتكون الحصص متساوية للجميع، لا أُفضّل أحداً على أحدٍ، ولا أُعطي أحداً أكثر من أحدٍ.
ولكنّ هذه صورة خاطئة، لأنّ هذا ما يُطلق عليه المساواة، ولا يُطلق عليه العدل.
ويكفي لكي نُدرك الفارق بينهما، أن نلاحظ أنّ الناس تختلف من حيث الاستِحْقَاقات،
17
الدرس الثالث: العدل الالهي
فما يستحقّونه ليس دائماً بنحو التساوي، فالذي يَكدّ ويَتعب ويَبذل الجهد في دراسته، يستحقّ ما لا يستحقّه الّذي يكون كسولاً مسوِّفاً مقصِّراً.
ولو أنّ المعلِّم أعطى هذين علامة واحدة، وكافأهما بنحو واحد، فلن يكون هذا عدلاً، ولكنّه مساواة، لأنّه ساوى بينهما، ولم يعدل بينهما، لأنّ ما يستحقّه المُجِدّ، أكثر مما يستحقّه المُقَصِّر.
ولذا، يمكننا القول إنّ العدل والمساواة قد يجتمعان في مورد واحد، كما لو أُعْطِيَ شخص ما يستحقّه، وكان ما يستحقّه، مساوياً لما يستحقّه الآخر.
وقد يكون هناك عدل ولا مساواة، كما لو أُعطيَ كلُّ شخصٍ ما يستحقّه، وكانت الاستحقاقاتُ مختلفة، فبعضهم يستحقّ ما هو أكثر مما يستحقه الآخر.
وقد يكون هناك مساواة ولا عدل، كما لو أَعْطَيتَ الجميع حِصصاً واحدة، مع أنّ بعضهم يستحقّ ولأسباب متعدِّدة، نصيباً أكثر.
الله عدل بكافـّة المعاني
عندما نصفُ الله عزّ وجلّ بأنـّه عادل، فهو عادلٌ بكلا المعنيين أي:
- أنّ الله عزّ وجلّ عادل، يضع كلّ أمر في موضعه, لأنّه حكيم خبير، والحكيم لا يضع شيئاً في غير موضعه.
- والله عزّ وجلّ عادل، أي يعطي كلّ ذي حقّ حقّه، فهو لا يعطي الجميع بالتساوي, لأنّه قد يكون ظلماً، بل يعطي بحسب الاستحقاق.
قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّة﴾[1], وقال عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً﴾[2].
الدليل على العدل ال
18
الدرس الثالث: العدل الالهي
الدليل على العدل الإلهيّ
عندما نريد إثبات العدل الإلهيّ، فذلك بمعنى نفي الظلم عن الله عزّ وجلّ، والطريق الواضح لإثبات العدل الإلهيّ، هو أن نبحث عن الأسباب الّتي تدعو إلى الظلم، فإذا كانت هذه الأسباب منتفية، بل غير متصوَّرة في حقّ الله عزّ وجلّ، فهذا يعني أنّه لا يصدر منه الظلم.
ويعود السـَّبب في ممارسة الظّلم ومخالفة العدل إلى واحد من الأمور التالية:
1- الجهل: أي إذا كان الشخص لا يعرف كيف يكون عادلاً فإنّه سوف يقع في الظلم، فالقاضي إذا كان جاهلاً فإنّه سوف يَظلم الناس بسبب جهله.
2- الحاجة إلى ممارسة الظلم: قد يرغب الإنسان بشيء ويحتاج إليه، ولكنّه لا يملك وسيلة مشروعة للوصول إليه، فيلجأ إلى أن يظلم في سبيل تحقيق ذلك.
3- عدم الحكمة: أي إنّه يفعل الظلم ولا يبالي بأنّ ما يفعله هل هو من الظلم أم لا.
هذه الأسباب الثلاثة لا نتصوّرها في حقّ الله عزّ وجلّ:
أمـّا الأوّل أي الجهل، فلأنّ الله عزّ وجلّ بكلّ شيء عليم، ودليل ثبوت هذا العلم لله عزّ وجلّ, التّأمل في نظام الكون، فإنّ من خلق خلقاً بهذه الدِقّة المتناهية لا بدّ وأن يكون عليماً بكلّ شيء.
ترشدنا الآية الكريمة إلى هذا الدليل، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾[1].
والله عزّ وجلّ لا يغيبُ عنه شيء فهو حاضر في كلّ مكان وفي كلّ زمان، قال تعالى: ﴿وَلِلهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾[2].
أمـّا الثّاني، أي الحاجة، فهو أيضاً غير متصوّر في حقّ الله عزّ وجلّ, لأنّ هذه الحاجة، إمّا أن تكون إلى خالق مثله أو إلى المخلوق.
19
الدرس الثالث: العدل الالهي
والأوّل غير ممكن، لما أثبتناه في باب التوحيد، من أنّ فرض وجود شريك له هو فرض للمحال.
والثاني غير ممكن، لأنّ الخالق غنيّ عن المخلوقين، فإنّ كلّ ما لدى المخلوق هو من خالقه فكيف يحتاج المخلوق إلى خالقه؟
أمـّا الثالث، أي عدم الحكمة، فالله عزّ وجلّ حكيم، يشهد لذلك التأمّل في خلق السّمواتِ والأرض، فإنّها كلّها أفعال صادرة من الله عزّ وجلّ، وهي في غاية الدّقّة، وتدلّ بوضوح على مدى حكمة فاعلها، وقد تكرّر في القرآن الكريم وصف الله عزّ وجلّ بأنّه حكيم عليم، قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيم﴾[1].
20
الدرس الثالث: العدل الالهي
للمطالعة
الرِّضا بالقضاء
كان على عهد رسول الله رجل يقال له "ذو النمرة" وكان من أقبح الناس، وإنّما سمّي "ذا النمرة" من قبحه، فأتى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله أخبرني ما فرض الله عزّ وجل عليّ: فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "فَرَضَ اللهُ عَلَيْكَ سَبْعَ عَشَرَةَ ركعةً في اليومِ والليلةِ، وصومَ شهر رمضانٍ إذا أدركْتَهُ والحجَّ إذا استطْعَت إِليهِ سبيلاً والزكاةَ" وفسَّرها له، فقال: "والَّذي بعثك بالحقّ نبيّاً ما أزيد على ما فرض عليّ شَيئاً"، فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "ولِمَ يا ذا النّمرة؟"، فقالَ كما خلقَني قبيحاً، قال: فهبط جبرائيل عليه السلام على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "يا رسول الله إنّ ربّك يأمرك أن تبلّغ ذا النمرة ـ عنه السلام ـ وتقول له: يقول لك ربّك تبارك وتعالى: "أما ترضى أن أَحْشُرَكَ على جمال جبرائيل يوم القيامة"، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، "يا ذا النمرة هذا جبرائيل يأمرني أن أبلّغك السلام ويقول لك ربّك أما ترضى أن أحشرك على جمال جبرائيل"، فقال ذو النمرة: "فإنّي قد رضيت يا ربّ فوعزتك لأزيدَنّك حتّى ترضى"[1].
21
الدرس الرابع: النبوة ودور الأنبياء
الدرس الرابع: النبوّة ودور الأنبياء عليهم السلام
أهداف الدَّرس
على الطّالب مع نهاية هذا الدَّرس أن:
1- أن يتبيّن معنى النبوّة ودور الأنبياء عليهم السلام في المجتمعات.
2- أن يستدلّ على ضرورة النبوّة.
3- أن يسمّي مواصفات النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وشروط النبوّة.
22
الدرس الرابع: النبوة ودور الأنبياء
معنى النبوّة
نستعمل اليوم كلمة أنباء، ونريد بذلك الأخبار، فنشرة الأنباء، هي نشرة الأخبار، الّتي يطّلع من خلالها الإنسان على الأحداث المحيطة به، فالنبأ هو الخبر.
ومُفْرَدة النبيّ هي أيضاً تُستعمل بهذا المعنى، ولكنّ الخبر الّذي يُخبر به النبيّ مُختلِف، لأنّه إخبار عن السماء أو قل هو إخبار عن الله العظيم المتعال.
وذلك انّ الإنسان لمّا كان بحاجة إلى من يُظهر له الطريق ليَسلُكَها إلى ربّه وكان عاجزاً عن معرفة الطريق بنفسه، وكان عاجزاً عن الاتصال بالله عزّ وجلّ، كان لا بدّ له من واسطة تؤمِّن له هذا الاتصال، وهذه الواسطة هي النبيّ.
ووظيفة النبيّ، هي أن يخبر الناس بما يريده الله عزّ وجلّ منهم، من أوامر ونواهي، ويحثّهم على معرفة الله.
دور الأنبياء عليهم السلام
إذا أردنا أن نختصر دور الأنبياء، فيمكن القول بأنّ دورهم هداية الناس إلى السعادة الحقيقيّة، والكمال الإنسانيّ.
وهذه السعادة، ترتبط بالدنيا والآخرة، ولذا كان إرشاد الناس إلى ما فيه كمالهم الروحيّ والمعنويّ هدفاً من الأهداف، وكذلك إرشادهم إلى القوانين المنظِّمة لحياتهم الدنيويّة.
23
الدرس الرابع: النبوة ودور الأنبياء
وهذا الدور يقوم به الأنبياء عليهم السلام من خلال:
1- الدّعوة إلى توحيد الله:
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوت﴾[1].
وفي الرّواية عن أمير المؤمنين عليه السلام: "لِيَعْلَمِ الْعِبادُ رَبَّهُمْ إِذْ جَهِلوهُ، وَلْيُقِرُّوا بِهِ بَعْدَ إِذْ جَحَدوهُ، ولْيُثْبِتوهُ بَعْدَ إِذْ أَنْكَروهُ"[2].
2 - تعليم الناس المعارف الإلهيـّة وتزكية النفوس وتربيتها:
قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾[3].
3 - إقامة القسط في المجتمع والحكم بين الناس:
قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾[4].
وإقامة العدل بين الناس كما تَتوقّف على معرفة العدل، تَتوّقف أيضاً، على تحقيق ذلك بين الناس، ووظيفة الأنبياء عليهم السلام هي القيام بكلا الأمرين، فكما أنّه عليهم إرشاد الناس إلى العدل، فإنّ عليهم أيضاً إقامة حكومة العدل.
وقال تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ﴾[5].
فللنبيّ الكلمة الفصل فيما يختلف فيه الناس، سواء كان ذلك في الأمور الخاصّة، أم في الأمور العامّة من سياسيّة واجتماعيّة وغيرها...
4- إتمام الحجـّة على العباد:
24
الدرس الرابع: النبوة ودور الأنبياء
4- إتمام الحجـّة على العباد:
قال تعالى: ﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً﴾[1].
وذلك لأنَّ الإنسان سيُحاسَب في يوم القيامة، على كلّ فعلٍ قام به، ولا يمكن محاسبة الجاهل الّذي لم يطّلع على شيء من أحكام الله، أمّا بعد إرسال الرسل، فإنّ الحجّة تتمّ على العباد, لأنّ الحساب الإلهيّ لا يكون إلّا بعد بيان الحقّ لهم. يقول تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾[2].
الدليل على النبوّة
لكي نُثبت الدليل على ضرورة بعثة الأنبياء لا بدَّ وأن نعتمد الخطوات التالية:
أ - إنّ من صفات الله عزّ وجلّ، أنّه حكيم، والحكيم هو الّذي لا يفعل فعلاً عبثاً، وبلا غاية، فكلّ فعل يَصدُر منه يكون لغاية، ومن ذلك خلق الإنسان.
ب- إنّ الهدف من خلق الإنسان هو وصول الإنسان إلى كماله المنشود.
ج- الإنسان عاجز بمفرده عن الوصول إلى طريق كماله، لأنّه لا يملك الأدوات الكافية لذلك، ولذا كان الاختلاف الشديد بين الناس في تحديد ذلك الطريق.
د - لا بدّ للإنسان، من هداية تأتيه من السماء وترشده إلى ما فيه صلاحه وهداه، وطريق كماله.
صفات لا بد للنبـيّ أن يتحلـّى بها
لا يمكن لكلّ إنسان أن يصل إلى مقام النبوّة, لأنّ هذا المقام لا يصل إليه إلّا من تتوفّر فيه بعض الشروط والصفات الخاصّة، منها:
25
الدرس الرابع: النبوة ودور الأنبياء
1- الكمال العقليّ، فلا بدّ وأن يكون النبيّ أكمل قومه عقلاً.
2- الصفات اللازمة للتبليغ وهداية الناس وإرشادهم، كحسن التدبير والإدارة، والشجاعة والصبر.
3- العصمة عن ارتكاب المعاصي، وذلك لأنّ الناس لا تثق بشخص يرتكب المعصية، فإنّ من يرتكب الذنب قد يكذب في بيان المعارف الإلهيـّة فيُضلّ الناس ولا تتحقّق الهداية الّتي هي الغرض من بعثة النبي، كما أنّه لا يصلح أن يكون قدوةً لهم.
4- العصمة عن الخطأ والنسيان، لأنّ الإنسان الّذي يخطئ وينسى، يُحتمل أن يقع ذلك منه في بيان المعارف الإلهيـّة فلا يثق به الناس.
ولذا وصف الله عزّ وجلّ الأنبياء بأنّهم مصطفون: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[1].
للمطالعة
إعجاز القران
عن هشام بن الحكم قال: اجتمع ابن أبي العوجاء وأبو شاكر الدّيْصاني الزنديق وعبد الملك البصيري وابن المُقَفَّع عند بيت الله الحرام، يستهزؤون بالحاجّ ويطعنون بالقرآن.
فقال ابن أبي العوجاء: تعالَوا ننقض كلّ واحد منا ربع القرآن وميعادنا من قابل في هذا الموضع نجتمع فيه وقد نقضنا القرآن كلّه، فإنّ في نقض القرآن إبطال نبوّة محمّد، وفي إبطال نبوّة محمّد إبطال الإسلام وإثبات ما نحن فيه، فاتّفقوا على ذلك وافترقوا، فلمّا كان من قابل اجتمعوا عند بيت الله الحرام، فقال ابن أبي العوجاء: أمّا
26
الدرس الرابع: النبوة ودور الأنبياء
أنا فمفكّر منذ افترقنا في هذه الآية: ﴿فلَمَّا اسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً﴾.
فما أقدِر أن أضمّ إليها في فصاحتها وجميع معانيها شيئاً، فشغلتني الآية عن التفكّر في ما سواها.
فقال عبد الملك: وأنا منذ فارقتكم مفكّر في هذه الآية: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾، ولم أقدر على الإتيان بمثلها.
فقال أبو شاكر: وأنا منذ فارقتكم مفكّر في هذه الآية: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا﴾، ولم أقدر على الإتيان بمثلها.
فقال ابن المقفع: يا قوم إنّ هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر، وأنا منذ فارقتكم مفكّر في هذه الآية: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾، لم أبلغ غاية المعرفة بها، ولم أقدر على الإتيان بمثلها.
قال هشام بن الحكم:... مَرَّ بهم جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام فقال: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾، فنظر القوم بعضهم إلى بعض وقالوا: لئن كان للإسلام حقيقة لما انتهت أمر وصيّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم إلّا إلى جعفر بن محمّد عليه السلام ، والله ما رأيناه قطّ إلّا هبناه واقشعرّت جلودنا لهيبته، ثمّ تفرّقوا مقرِّين بالعجز[1].
27
الدرس الخامس: نبوّة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم
الدرس الخامس: نبوّة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم
أهداف الدرس
على الطّالب مع نهاية هذا الدَّرس أن:
1- أن يتثبّت من نبوّة نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم ويستدلّ عليها.
2- أن يحدّد وجوه الإعجاز القرآنيّ.
3- أن يفسّر خلود المعجزة القرآنيّة.
28
الدرس الخامس: نبوّة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم
تمهيد
لقد كانت الحاجة إلى إرسال الأنبياء على الدوام، وذلك لِمَا كانت تتعرّض له رسالات الأنبياء عليهم السلام من التحريف والتبديل، ولذا كان لا بدّ من أن يبعث الله عزّ وجلّ في جزيرة العرب نبيّاً، هادياً، بشيراً ونذيراً وهو النبيُّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.
قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾[1].
الدّليل على نبوّة رسول الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم
يمكن إثبات نبوّة النبيّ بطريقين:
أحدهما: إخبار النبيّ السابق، وقد أخبر عيسى عليه السلام بنبيّ يأتي من بعده اسمه أحمد، كما ورد التعرّض لذلك في القرآن الكريم.
﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾[2].
ثانيهما: المعجزة الّتي كانت مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ومعجزة نبيّ الإسلام تختلف عن معاجز سائر الأنبياء, فهي معجزة خالدة، ما تزال إلى اليوم تشهد على نبوّة هذا النبيّ، وهي القرآن الكريم.
وقد تحدّى الله عزّ وجلّ الناس، أن يأتوا بمثل هذا القرآن، قال تعالى: ﴿قُل لَّئِنِ
29
الدرس الخامس: نبوّة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم
اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾[1].
بل تحدّاهم بالإتيان بعشر سور مثله، قال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِين﴾[2].
وَكذلِكَ، تحدّاهم بالإتيان بسورة من مثله، قال تعالى: ﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾[3].
وجوه إعجاز القرآن
في القرآن وجوهٌ كثيرة من الإعجاز، وكلّما تقدَّم الزمن اكتشف الإنسان وجوهاً من إعجازه ومن هذه الوجوه:
1- البلاغة والفصاحة، فقد اعترف العربُ، وأقرّوا بعجزهم عن الوصول إلى فصاحة القرآن وبلاغته.
2- الأخبار المتعلّقة بأقوام سابقين، كأصحاب الكهف، وقصّة سبأ، وذي القرنين، والعبد الصالح (الخضر) عليه السلام.
3- الأخبار الغيبيّة المتعلّقة بالمستقبل، كقصّة الروم: ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾[4].
4- هناك آيات كثيرة تشير إلى اكتشافات علميّة متقدِّمة.
5- عدم وجود التهافت والاختلاف بين آياته: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾[5].
30
الدرس الخامس: نبوّة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم
النبوّة الخاتمة
لماذا ختمت النبوة بنبوّة النبي الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم؟
الجواب واضحٌ لأنّ الإسلام الدين الخالد إلى يوم القيامة، ونبيّ الإسلام خاتم الأنبياء فلا نبيّ بعده.
أوّلاً: خطاب القرآن كان خطاباً عامـّاً، يشمل البشر إلى يوم القيامة فنجد فيه قوله: ﴿يَا بَنِي آدَمَ﴾، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾[1].
ثانياً: إنّ القرآن وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنّه خاتم النبيّين، يقول تعالى: ﴿وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ﴾ ولذا ورد عنه قوله مخاطباً أمير المؤمنين عليه السلام: "أَنْتَ مِنّيِ بِمَنْزِلَةِ هارونَ مِنْ موسى إَلا أَنَّهُ لا نَبْيَّ بَعْدي"[2].
ثالثاً: لشموليـّة الإسلام وكماله، فأحكامه شاملة لكلّ ما يحتاجه البشر ولا حاجة لأحكام جديدة.
31
الدرس الخامس: نبوّة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم
للمطالعة
مخافة اللّه
نقل الشيخ الصّدوق عليه الرحمة:
بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مستظلٌّ بظلِّ شجرة في يوم شديد الحرِّ، إذ برجلٍ جاء فنزع ثيابه ثمَّ جعل يتمرّغ في الرَّمضاء، يكوي ظهره مرّة وبطنه مرّة، وجبهته مرّة، فيقول: يا نفسُ ذوقي.. فما عند الله عزّ وجلّ أعظم ممّا صَنَعْتُ بك. ورسول الله ينظر إلى ما يصنع.
ثمّ إنّ الرجل لبس ثيابه ثم أقبل، فأومأ إليه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلمبيده، ودعاه، فقال له:
يا عبد الله لقد رأيْتُك صَنَعْت شيئاً ما رأيت أحداً من الناس صنعه، فما حَمَلك على ما صنعت؟
فقال: حَمَلني على ذلك مخافة الله عزّ وجلّ، وقلت لنفسي: يا نفسي ذوقي فما عند الله أعظم ممّا صَنَعْتُ بك.
فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لقد خِفْتَ ربّك حقّ مخافته، فإنّ ربَّك لَيُباهي بك أهل السماء".
ثمّ قال لأصحابه:
"يا معاشر من حضر، أدنُوا من صاحبكم حتّى يدعو لكم".
فدنَوا منه، فدعا لهم، وقال:
"اللّهمّ اجمع أمرنا على الهدى واجعلِ التقوى زادنا والجنّة مآبنا"[1].