في رحاب سيرة أئمة أهل البيت


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2014-08

النسخة: 1


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدمة

 المقدمة
 
بسم الله الرحمن الرحيم
تعتبر معرفة أهل البيت عليهم السلام وولايتهم والإيمان بهم، وأنّهم آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المطهّرون، وولاة الأمر وخلفاؤه على العباد والبلاد أساس وركيزة البنية الإيمانية والعقائدية للإنسان المسلم. وقد حثّت الروايات على معرفتهم.
 
وقد ورد الحثّ على معرفة أهل البيت عليهم السلام : روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من منَّ الله عليه بمَعرِفةِ أهلِ بيتي وولايتهم فقد جمع الله له الخيرَ كُلّه"[1]. 
 
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم في جوابه لسلمان قال: "يا سَلمانُ، من عرَفَهم حقّ معرفتهم واقتدى بهم، فوالى وليَّهم وتبَرّأ من عدُوّهم فهُو والله مِنّا، يردُ حيثُ نرد، ويسكُن حيثُ نسكن"[2].
 
وورد ذمّ عدم معرفتهم عليهم السلام حيث روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من ماتّ لا يَعرِف إمامَهُ ماتَ ميتةً جاهلية"[3].
 ومن أهم خصائص أهل البيت عليهم السلام : أنّهم أفضل الخلق وأكملهم وأزكاهم وأطهرهم، وقد ذكرت أوصافهم في القرآن الكريم وفي عشرات الروايات، نذكر أهمها:
 
الطهارة والعصمة: قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ

 
 

[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص 561، ح 9.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 53، ص 142.
[3] الشيح الكليني، الكافي، ج 2، ص 20، 62.

1

المقدمة

الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾[1]. 
 
وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أنا وعلي والحسن والحسين وتسعةٌ من ولدِ الحسين مطهّرون معصومون"[2]. وعن الإمام علي عليه السلام قال: "إنّما أمَر الله عزّ وجل بطاعةِ الرسول لأنّه معصومٌ مطهر، لا يأمُر بمعصيته. وإنّما أمر بطاعة أولي الأمر لأنّهم معصومون مطّهرون، لا يأمُرون بمعصيته"[3].
 
وهم عدلُ القرآن: "عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتُم به لن تضلّوا بعدي، أحدُهما أعظمُ من الآخر: كتابُ الله حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الأرض، وعترتي أهلُ بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فانظروا كيف تخلُفوني فيهما"[4].
 
وخزنة علم الله وتراجمه وحيه: "عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "نحن خزّان علم الله، ونحنُ تراجمَةُ وحي الله"[5]. وفي عدّة روايات أنهم ورثة علم الأنبياء عليه السلام.
 
وهم أفضل الخلق: "أنا وأهل بيتي صفوةُ الله وخيرته من خلقه"[6]. ومعدن الرسالة: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "نحنُ أهلُ بيتِ شجرة النبوّة، ومعدن الرسالة، ليس أحدٌ من الخلائق يفضل أهل بيتي غيري"[7].
 
وأبواب الله: روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "نحنُ باب الله الذي يُؤتى منه، بنا يهتدي المهتدون"[8]. 
 
وأركان العالم وأمان أهل الأرض: وعنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم "النُجوم أمانٌ لأهل السماء، وأهلُ بيتي أمانٌ لأهل الأرض، فإذا ذَهبَ أهلُ بيتي جاء أهل الأرض

 
 

[1] سورة الأحزاب، الآية:33.
[2] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج1، ص 64، ح 30.
[3] الشيخ الصدوق، الخصال، ص 139، ح 158.
[4] الترمذي، سنن الترمذي، ج 5، ص 663، 3788.
[5] الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 192، ح3.
[6] الشهيد التستري، إحقاق الحق، ج 9، ص 483.
[7] م. ن، ص 378.
[8] الشيخ الصدوق، فضائل الشيعة، ج 50، ص 7.

2

المقدمة

 من الآيات ما كانوا يوعدون"[1].
 
ولقد تحدّثت الروايات الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعترته الطاهرة عن فضل حبهم، وأنه كحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحثّ الناس على حبهم، وأنهم خلفاء الله، وأوصياء نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، وفي مودتهم وولايتهم صراط النجاة وطريق الحق، روي عن الإمام الرضا عليه السلام "الأئمة خُلفاء الله عزّ وجلّ في أرضه"[2].
 
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أنا سيّدُ النبيين، وعليّ بن أبي طالب سيّدُ الوصيين، وإنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر، أوّلهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم"[3].
 
وورد الحثّ على تحبيبهم إلى الناس، فروي عن الإمام الصادق عليه السلام: "رحم الله عبداً حبّبنا إلى الناس ولم يُبغّضنا إليهم"[4].
 
وعن الإمام علي عليه السلام: "من أحبّ الله أحبّ النبي، ومن أحبّ النبي أحبّنا، ومن أحبّنا أحبّ شيعتنا"[5].
 
ويسرّ مركز نون أن يقدّم هذا الكتاب في سيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام، عسى أن يعزّز المعرفة بهم والولاء بالطاعة والولاية لهم.
مركز نون للتأليف والترجمة

 

[1] القندوزي، ينابيع المودة، ج 1، ص 71، ح 2.
[2] الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 193، ح1.
[3] الشيخ الصدوق، كمال الدين، ص 280، 292.
[4] الكافي، ج 68، ص 229، ح 293.
[5] الكوفي، فرات بن إبراهيم ، تفسير فرات الكوفي: ص 121، ح 146.

3

الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)

الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)

 

أهداف الدرس

1- أن يتبيّن الطالب مراحل حياة الإمام علي عليه السلام.

2- أن يميّز خصوصيّات مرحلة الإمام علي عليه السلام.

3- أن يتعرّف إلى إنجازات الإمام علي عليه السلام في عهد الخلفاء وأيّام حكمه.

  

  

 


4

الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)

 الإمام عليّ عليه السلام في سطور

الولادة: ولد بمكّة في البيت الحرام، يوم الجمعة، 13 من شهر رجب، بعد عام الفيل بثلاثين سنة.
 
الشهادة: استشهد ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان سنة 40هـ، وهو ابن ثلاث وستين سنة، قتله عبد الرحمن بن ملجم.
 
مدّة الإمامة: توفّي النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في 28 صفر سنة 11هـ، ومنذ تلك اللحظة صار عليّ عليه السلام إمام زمانه حتّى استشهد في 21 من شهر رمضان سنة 40هـ، فتكون مدّة إمامته 29 سنة ونصفاً، كانت سنين صعبة وحسّاسة جداً كان همّه الأساس فيها الحفاظ على هذا الدين كما نزل على الرسول الكريم مرّة بالموعظة وأخرى بالصبر وثالثة بالحرب.
 
ألقابه: سيّد الأوصياء، قائد الغرّ المحجّلين، الصدِّيق الأكبر، الفاروق الأعظم، قسيم الجنّة والنار، الوصيّ، أمير المؤمنين.
 
كنيته: أبو الحسن.
 
مدفنه: النجف الأشرف.
 

5

الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)

 تمهيد:

يمكن أن نقسّم حياة الإمام علي عليه السلام البالغة 63 عاماً إلى المراحل الخمس التالية:
1- من الولادة إلى بعثة نبي الإسلام.
2- ومن البعثة إلى هجرته صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة.
3- ومن هجرة الرسول إلى وفاته صلى الله عليه وآله وسلم.
4- من وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حتى بداية خلافته عليه السلام.
5- فترة خلافته عليه السلام.
 
1- من الولادة إلى بعثة نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم:
لم يكن عمره في هذه المرحلة يتجاوز العشرة أعوام، حيث لم يبلغ الرسول أكثر من ثلاثين عاماً حينما ولد الإمام، والرسول قد بُعث في الأربعين، إذن لم يكن لعلي عليه السلام عند البعثة أكثر من عشرة أعوام.
 
في أحضان النبي صلى الله عليه وآله وسلم: عاش علي عليه السلام خلال هذه المرحلة وهي الفترة الحساسة لتكوين شخصيته وتربيته روحياً ومعنوياً في بيت الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وفي ظل تربيته. وقد كتب المؤرّخون المسلمون حول ذلك: وفي إحدى السنوات أصابت قريشاً أزمة
  
 
 

6

الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)

 شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للعباس ـ وكان من أيسر بني هاشم: إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال فانطلق بنا فلنُخفّف عنه من عياله، آخذ منهم واحداً، وتأخذ واحداً فنكفيهما عنه، فوافق العباس, فانطلقا حتى أتيا أبا طالب، وفاتحاه بالأمر فوافق أبو طالب على هذا الاقتراح، فأخذ الرسول عليّاً فضمّه إليه، وأخذ العباس جعفراً، فلم يزل علي عليه السلام مع رسول الله في بيته حتى بعثه الله نبياً، فاتّبعه علي فأقرّ به وصدّقه[1].

 
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن أخذ عليّاً من أبيه: اخترت من اختار الله لي عليكم عليّاً[2] ـ وقد أشار علي عليه السلام في الخطبة القاصعة إلى هذه الفترة وقال: "وقد علمتم موضعي من رسول الله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة. وضعني في حجره وأنا ولد يضمّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه ويمسّني جسده، ويشمُّني عرفه. وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه...، ولقد كنت أتبعه اتّباع الفصيل أثر أُمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً، ويأمرني بالاقتداء به"[3].
 
الإمام علي عليه السلام في غار حراء[4]:
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يُبعث ـ يجاور في غار حراء من كلّ سنة شهراً...[5]. وقد دلّت الروايات على أنّ رسول الله كان يأخذ عليّاً معه إلى غار حراء. وحينما هبط ملك الوحي على النبي لأوّل مرّة وكرّمه بالرسالة كان علي بجانبه في ذلك الغار. وقد قال الإمام علي عليه السلام حول ذلك في الخطبة القاصعة: "ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري...ولقد سمعت رنّة الشيطان حين
  
 
 

 
 
[1] يراجع: ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 2، ص 58, ابن هشام السيرة النبوية، ج 1، ص 262, الطبري، تاريخ الطبري: ج 2، ص 213, ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج 13، ص 119.
[2] أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين: ص 15.
[3] صبحي الصالح نهج البلاغة، ، الخطبة: 192.
[4] حراء جبل يقع في شمال مكة، وغار حراء يقع في قمته.
[5] ابن هشام، السيرة النبوية، ج 1، ص252.
 

7

الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)

 نزل الوحي عليه صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنّة؟ فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلاّ أنّك لست بنبي ولكنّك لوزير وإنّك لعلى خير"[1].

 
2- من البعثة إلى هجرته صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة:
استغرقت هذه الفترة ثلاثة عشر عاماً. وتشتمل هذه الفترة الزمنية على مجموعة كبيرة من الأعمال العظيمة والبارزة التي قدّمها الإمام عليه السلام في سبيل ازدهار ورفعة الإسلام.
 
أوّل من أسلم: إنّ أُولى مفاخر الإمام علي عليه السلام في هذه المرحلة هي سبقه في الإسلام وتقدّمه، أو بعبارة أصحّ تجاهره بالإسلام القديم، لأنّه عليه السلام كان موحّداً منذ نعومة أظفاره ولم يتلوّث بالوثنية بتاتاً[2] حتى يكون إسلامه عبارة عن الرجوع عن عبادة الأصنام كما هو الحال عند بقية الناس. و قد صرّح نبي الإسلام وقبل الكل بتقدّم علي عليه السلام وسبقه، قال هو صلى الله عليه وآله وسلم بين أصحابه: "أوّلكم وروداً عليّ الحوض أوّلكم إسلاماً علي بن أبي طالب"[3]. ويقول الإمام عليه السلام: "ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة وأشمّ ريح النبوة"[4].
 
وحيّ رسول الله وخليفته: استمرّت الدعوة السريّة مدّة ثلاث سنوات، وكان الرسول يدعو فقط وفي لقاءات خاصة الشخصيات التي كان يشعر بأنّها مستعدّة للإسلام. وبعد تلك الثلاثة أعوام هبط ملك الوحي وأبلغ أمر الله تعالى بأن يبدأ
  
 
 
 

 
[1] نهج البلاغة، الخطبة: 192.
[2] الموفق الخوارزمي، المناقب، ص 18.
[3] يراجع: ابن عبد الله، الاستيعاب: ج 3، ص 28, ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 13، ص 119, الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص17.
[4] نهج البلاغة، الخطبة 192.
 

8

الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)

 لرسول دعوته العامة من خلال دعوته أهله وعشيرته، وهكذا كان أمر الله: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾[1].

 

فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام بأن يعدّ وليمة غداء ويدعو خمسة وأربعين وجيهاً من وجهاء بني هاشم إليها وأن يعد طعاماً من اللحم مع اللبن... وبعد حضورهم في الموعد المحدّد وتناول طعامهم افتتح النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلمته قائلاً: "إنّي واللّه ما أعلم أنّ شاباً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصييّ وخليفتي فيكم؟" قال هذه الكلمة ووقف قليلاً ليرى من يُجيب دعوته، وفي هذه الفترة ساد الحضور صمت عميق ممزوج بالحيرة والدهشة ناكسين رؤوسهم، وفجأة كسر علي عليه السلام ـ ولم يتعدّ عمره 14 عاماً[2] ـ ذلك الصمت ونهض ناظراً إلى الرسول، وقال: أنا يا رسول الله أكون وزيرك عليه، ثمّ مدّ يده للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليكون ذلك عهداً للتضحيات.

 

وفي هذه الأثناء أمر الرسول علياً بالجلوس وأعاد ما قاله صلى الله عليه وآله وسلم مرّة أُخرى، وأعاد علي عليه السلام إعلانه عن استعداده مرّة أُخرى، وأمره الرسول بالجلوس أيضاً، وفي المرّة الثالثة أيضاً لم يقم كما في السابق أحد سوى علي عليه السلام. فهو الوحيد الذي كان يقوم ويعلن عن حمايته عن هدف رسول الله المقدّس، وفي هذه اللحظات ضرب بيده على يد علي وقال في حقّه وبحضور وجهاء بني هاشم المقولة الشهيرة: "هذا عليٌّ أخي ووصيّي وخليفتي فيكم"[3].

 

 

 


 

[1] سورة الشعراء، الآيات: 214 - 216.

[2] يراجع: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج 13، ص 234و 235.

[3] الطبري، تاريخ الطبري، ج 2، ص 217, ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 2، ص 63, ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 13، ص 211.

 

 

 

9

الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)

 

التضحية الكبيرة:
اجتمع المشركون سنة أربع عشرة من البعثة في دار الندوة وقرّروا قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ولكن لم يكن قتل رسول الله بالأمر البسيط، ولهذ قرّروا أن يعدّوا من كلّ قبيلة رجلاً شابّاً حتى يهجموا على محمّد صلى الله عليه وآله وسلم هجمة رجل واحد ويقطّعوه إرباً إرباً في فراشه، وفي هذه الحالة لن يكون القاتل واحداً ولن يستطيع بنو هاشم الأخذ بثاره، لأنّهم يعجزون عن محاربة جميع القبائل ويرتضون لا محالة بقبول الفدية وتنتهي المسألة. اختارت قريش لتنفيذ خطّتها الليلة الأُولى من ربيع الأوّل. وقد ذكر الله تعالى فيما بعد جميع خططهم الثلاث وقال: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾[1].
 
وإثر قرار قريش هذا أطلع ملك الوحي رسول الله على خطّة المشركين المشؤومة، وأبلغه أمر الله بأن اترك مكة واتّجه نحو يثرب. وهنا كان على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يُضلّلهم ويُخفي أثره حتى يُمكنه الخروج من مكة، ولأجل ذلك كانت هناك حاجة إلى شخصية مضحّية تبيت في فراشه صلى الله عليه وآله وسلم ، كي يتصوّر المهاجمون أنّه صلى الله عليه وآله وسلم ما زال هناك، وبالتالي يركّزون على البيت ويغفلون عن الطرق ومراقبتها، ولم تكن هذه الشخصية سوى علي عليه السلام، ولهذا كشف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن خطّة قريش لعلي عليه السلام وقال: "امضِ إلى فراشي ونم في مضجعي والتف في بردي الحضرمي ليروا أنّي لم أخرج" فأطاع علي ما أمر به، وحاصر جلاوزة قريش ومرتزقتهم بيت رسول الله وداهموه بسيوف مسلولة، فنهض عليٌّ من الفراش[2].
 
وقد خلّد القرآن المجيد تضحية علي عليه السلام العظيمة هذه في التاريخ وقدمه
  
 
 
 

 
[1] سورة الأنفال، الآية: 30.
[2] ابن هشام، السيرة النبوية، ج 2، ص 124 - 128, ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 2، ص 102، 1399هـ. ق. بيروت، دار صادر, الشيخ المفيد الإرشاد، ص 30, الحاكم النيشابوري المستدرك على الصحيحين، اج 3، ص 4، بيروت، دار المعرفة, الطبري، تاريخ الأُمم والملوك، ج 2، ص 244، بيروت، دار القاموس الحديث.
 

10

الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)

 ضمن آية على أنّه من الذين يضحّون بأنفسهم في سبيل الله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾[1]. قال المفسّرون: قد نزلت هذه الآية حول التضحية العظيمة لعلي عليه السلام ليلة المبيت[2].

 
وقد احتج نفس الإمام عليه السلام في الشورى السداسية التي تشكّلت بأمر عمر لاختيار الخليفة بهذه الفضيلة الكبيرة على أصحاب الشورى وقال: "نشدتكم باللّه هل فيكم أحد اضطجع على فراش رسول حين أراد أن يسير إلى المدينة ووقاه بنفسه من المشركين حين أرادوا قتله غيري؟ قالوا: لا"[3].
 
3- من هجرة الرسول إلى وفاته صلى الله عليه وآله وسلم:
أ- علي عليه السلام أخو رسول الله: لمّا دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة قرّر أن يُبرم عقد الأُخوّة بين المهاجرين والأنصار من المسلمين، فقام يوماً في جموع المسلمين وقال: "تآخوا في الله أخوين أخوين" ثمّ تصافح المسلمون بعدها مصافحة الأخوّة. وبعد أن حصل كل واحد على أخيه من الحاضرين جاء علي عليه السلام وكان قد بقي وحده إلى رسول الله والدموع تفيض من عينيه وقال: "ما آخيت بيني وبين أحد" قال صلى الله عليه وآله وسلم: "أنت أخي في الدنيا والآخرة"[4]، ثمّ آخى بينه ـ صلى الله عليه وآله وسلم وبين علي عليه السلام[5].
 
ب- جهاد علي عليه السلام: تخلّلت حياة علي عليه السلام منذ هجرة الرسول وحتى وفاته صلى الله عليه وآله وسلم أحداث كثيرة والتي منها بشكل خاص تضحياته العظيمة في الغزوات وجبهات الحرب. وقد كان لنبي الإسلام بعد هجرته إلى المدينة سبعٌ وعشرون غزوة[6] مع المشركين
  
 
 
 

 
[1] سورة البقرة، الآية: 207.
[2] شرح نهج البلاغة، تحقيق أبو الفضل إبراهيم، ج 1، ص 262، 1378هـ.ق, حسن المظفر، دلائل الصدق، ج 2، ص 80.
[3] الشيخ الصدوق، الخصال، تحقيق الغفاري، ج 2، ص 560، 1403هـ.ق, الشيخ الطبرسي، الاحتجاج، ج 1، ص 75، المرتضوية، النجف، 1350هـ.ق.
[4] الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، ج 13، ص 14.
[5] ابن عبد الله، الاسيتعاب في معرفة الأصحاب، ج 3، ص 35.
[6] يصطلح مؤرّخو السيرة على إطلاق الغزوة على تلك الحروب التي خاضها الجيش الإسلامي، تحت إمرة الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم.
 

11

الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)

 واليهود والمتمرّدين، وقد شارك عليّ عليه السلام في ست وعشرين منها، ولم يشارك في غزوة تبوك للظروف الحرجة والحسّاسة التي كانت تُنذر بتدبير مؤامرة من قبل المنافقين عند غياب رسول الله عن مركز الحكومة الإسلامية، وبقي فيها بأمر من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وعلى سبيل المثال نعرض دور علي عليه السلام في ثلاث ساحات من ساحات الجهاد الكبيرة في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

 
ج - في غزوة بدر: كانت غزوة بدر أوّل حرب بين المسلمين والمشركين بكلّ ما تعنيه كلمة الحرب من معنى، ولهذا السبب كانت تعد أوّل اختبار عسكري بين الجيشين. ومن هذه الناحية كان الانتصار فيها هامّاً للغاية. وقد اندلعت هذه الحرب في العام الثاني من الهجرة. وكان قد علم رسول الله بأنّ هناك قافلة تجارية لقريش يترأسها أبو سفيان عدو الإسلام القديم آتية من الشام تريد مكة، وحيث إنّها تمر من طريق على مقربة من المدينة انطلق رسول الله ومعه 313 نفراً من المهاجرين والأنصار باتجاه بدر.
 
ولمّا علم أبو سفيان بالأمر أبعد القافلة بسرعة عن منطقة الخطر من خلال سلوكه طريقاً جانبياً يقع على ضفاف البحر الأحمر، وتزامناً مع ذلك طلب التعزيزات من قادة قريش في مكة. وعلى أثر استنجاده بقريش انطلق نحو 950 إلى 1000 نفر من محاربيها باتجاه المدينة، ووقعت الحرب في 17 رمضان كانت قوى الشرك ثلاث أضعاف قوى الإسلام، وانتهت الحرب بهزيمة ساحقة لجيش المشركين لدرجة انّه قد أُسر سبعون منهم، وكان قد هلك أكثر من نصف المقتولين بضربات سيف علي عليه السلام في هذه الحرب. وقد ذكر المرحوم الشيخ المفيد ثلاثة وثلاثين شخصاً من قتلى المشركين في غزوة بدر وكتب: "وقد أثبتت رواة العامّة والخاصّة معاً أسماء الذين تولّى أمير المؤمنين قتلهم ببدر من المشركين سوى من اختلف فيه وأشرك هو فيه غيره"[1].
  
 
 
 
 
[1] الشيخ المفيد، الإرشاد، ص 39.
 

12

الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)

 د- الشجاعة الفريدة في غزوة أُحد: أُصيبت قريش أثر هزيمتها في بدر بإحباط نفسي شديد، ولأجل تعويض هذه الخسارة والهزيمة الكبيرة والأخذ بثأر قتلاها قرّروا أن يهاجموا المدينة بقوّات مجهّزة كبيرة. ونقل رجال رسول الله وعيونه في قريش قرارها حول هذا الموضوع، فشكّل صلى الله عليه وآله وسلم لجنة عسكرية لمواجهة العدو، واقترح بعض من المسلمين أنّه من الأفضل للجيش الإسلامي أن يواجه العدو خارج المدينة. وانطلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برفقة ألف مقاتل تاركاً المدينة متجهاً نحو شمالها، وتخلّف عنهم خلال المسير ثلاثمائة رجل من أتباع عبد الله بن أبيّ المنافق الشهير أثر تثبيطه وتحريضه لهم فتنزّل عدد القوات الإسلامية إلى سبعمائة مقاتل، وفي صباح اليوم السابع من شوال من السنة الثالثة للهجرة اصطفّ الجيشان متقابلين في وادي جبل أُحد. وقبل اندلاع الحرب درس نبي الإسلام (وبإلقاء نظرة عسكرية) ساحة الحرب وتفحّصها، وقد أثار انتباهه منفذ كان من الممكن أن ينفذ منه العدو ويهاجم المسلمين من الخلف، ولذلك وجّه شخصاً يُدعى عبد الله بن جبير مع خمسين رامياً وأقرّهم على تل حتى يمنعوا الاختراق المحتمل من ذلك المنفذ، وأمر صلى الله عليه وآله وسلم بأن لا يُترك ذلك المنفذ الحسّاس بأي حال من الأحوال سواء انتصر المسلمون أم انهزموا.

 
وعلى أية حال هُزم جيش قريش وأراد مقاتل فرقة عبد الله بن جبير مغادرة موقعهم بمجرّد مشاهدتهم لهذا المشهد بدافع جمع الغنائم، فذكّرهم عبد الله بأمر الرسول فلم يعبأوا به، وانحدر منهم ما يزيد عن 40 من التل لجمع الغنائم، وبقي عبد الله بن جبير مع ما يقل عن عشرة مقاتلين هناك. وفي هذه الأثناء كان خالد بن الوليد مع مجموعة من الفرسان يترصّدون للمسلمين، وحيث قد رأى ما هم عليه هاجمهم، وبعد القضاء عليهم واصل هجومه على المسلمين من الخط الخلفي، فتغيّرت معادلة الحرب كلّية واختلّ تناسق وانسجام المسلمين العسكري والقتالي،
 
 

13

الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)

 وانهزم المسلمون، واستشهد حوالي سبعين مقاتلاً من بينهم: حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير، وكتب ابن الأثير في تاريخه: "... أبصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم جماعة من المشركين، فقال لعلي: احمل عليهم ففرّقهم وقتّل فيهم، ثمّ أبصر جماعة أُخرى فقال له: احمل عليهم، فحمل عليهم وفرّقهم وقتل فيهم، فقال جبرائيل: يا رسول الله هذه المواساة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "إنّه منّي وأنا منه" فقال جبرائيل: وأنا منكما، قال فسمعوا صوتاً يقول: "لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ علي"[1].

 
و- في غزوة الأحزاب (الخندق): كانت غزوة الأحزاب كما يبدو من اسمها حرباً اتّحدت فيها جميع القبائل والأحزاب المتعدّدة المعادية للإسلام للقضاء على الإسلام الفتي. وقد عدّ بعض المؤرّخين جيش الكفر في هذه الغزوة بأنّه تجاوز العشرة آلاف مقاتل في حين لم يتعدّ عدد المسلمين الثلاثة آلاف. وعندما أُعلم رسول الله بانطلاق قريش شكّل صلى الله عليه وآله وسلم لجنة عسكرية، وقد اقترح فيها سلمان بأن يُحفر خندق عند منافذ المدينة ليمنع نفوذ العدو إليها، فقبل الرسول هذا الاقتراح وحفر الخندق بجهود المسلمين خلال عدّة أيام، ذلك الخندق الذي بلغ عرضه حدّاً يعجز فرسان العدو عن العبور قفزاً من خلاله، وبلغ عمقه درجةً إذا دخله أحد لم يمكنه الخروج منه بسهولة.
 
وصل جيش الشرك بتعاون من اليهود وكانوا يتصوّرون أنّهم سيواجهون المسلمين في أطراف المدينة كما في السابق، ولكن لم يجدوا لهم أثراً خارج المدينة هذه المرة. وواصل الجيش تقدّمه فوصل إلى بوابة المدينة، وقد أثارت رؤية خندق عميق عريض حول منافذ المدينة دهشتهم، لأنّه لم يسبق للعرب ان استخدمته في حروبها، فاضطروا إلى محاصرة المدينة من وراء الخندق، ووفقاً لبعض الروايات استمرّ حصار المدينة حوالي الشهر، لذلك لم ير قادة الجيش بدّاً من إرسال محاربيهم
  
 
 
 

 
[1] ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 2، ص 154.
 

14

الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)

 الأقوياء والشجعان لاختراق الخندق وبشكل ينكسر فيه حاجز الحرب المعلّقة، ومن هنا حاول خمسة أبطال من جيش الأحزاب استعراض قوّتهم بخيولهم حول الخندق واخترقوه من خلال منفذ ضيّق وصاروا إلى جانبه الآخر وطلبوا المبارزة 

من أقرانهم. وبعد أن عبروا الخندق رفع "عمرو" صوته بنداء هل من مبارز؟ وحينما لم ينهض أحد من المسلمين لمواجهته، تجرّأ أكثر واستهزأ بعقائد المسلمين وقال: تقولون إنّ من يُقتل منكم في الجنة ومن يُقتل منّا في النار، فهل من أحد أُرسله إلى الجنة أو يُرسلني إلى النار؟ ثم ّ أنشد أشعاراً كان منها:
ولقد بُححت من النداء      لجمعكم هل من مبارز
 
وكان كلّما يرتفع نداء "عمرو" للمبارزة كان عليٌّ عليه السلام هو الوحيد الذي يقوم ويستأذن الرسول ليذهب إلى ساحة القتال، غير أنّه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يوافق. وقد تكرّرت هذه الحالة ثلاث مرّات، وفي المرّة الأخيرة التي استأذن علي عليه السلام فيها قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّه عمرو بن عبد ود" فقال علي: "وأنا علي"[1]. 
 
وفي النهاية وافق نبي الإسلام وأعطاه سيفه وألبسه عمامته، وما أن انطلق عليٌّ عليه السلام إلى ساحة القتال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "برز الإسلام كلّه إلى الشرك كله"[2].
 
انطلق عليّ عليه السلام راجلاً نحو عمرو، وقال حينما واجهه: "إنّك كنت تقول في الجاهلية لا يدعوني أحد إلى واحدة من ثلاث إلّا قبلتها" قال: أجل، قال عليه السلام: "فإنّي أدعوك أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله وتُسلم للّه ربّ العالمين". قال: يا ابن أخي أخّر هذا عنّي, قال: "فأُخرى ترجع إلى بلادك، فإن يكن محمد صادقاً كنت أسعد الناس، وإن غير ذلك كان الذي تريد" قال: هذا ما لا تتحدّث به نساء قريش أبداً، وقد نذرت ما نذرت وحرّمت الدهن, قال: فالثالثة، "البراز" فضحك عمرو وقال: إنّ هذه الخصلة ما كنت أظنّ انّ أحداً من العرب يرومني عليها، إنّي
  
 
 
 

 
[1] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 13، ص 284.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 20، ص 215.
 

 


15

الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)

 لأكره ان أقتل مثلك وكان أبوك لي نديماً، فارجع فأنت غلام حَدَث... قال علي عليه السلام: "فأنا أُحبّ أن أقتلك". 

 
غضب عمرو من قول علي، ونزل عن فرسه بكبرياء، وعقلها، وتقاتلا قتالاً شديداً، فأنزل عمرو ضربة قاصمة على رأس 
علي، فدفعها بترسه، فصار نصفين، وجرُح رأسه عليه السلام ثمّ استغلّ علي الفرصة وضربه ضربة قوية، فألقاه صريعاً، وكانت الغبرة المثارة تمنع من رؤية القتال فسُمع التكبير ودبّ الفرح في قلوب المسلمين[1].
 
عندها قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام في ذلك اليوم: "لو وزن اليوم عملك بعمل جميع أُمّة محمّد، لرجح عملك على عملهم، وذاك أنّه لم يبق بيت من المشركين إلّا وقد دخله ذل بقتل عمرو ولم يبق بيت من المسلمين إلّا وقد دخله عزّ بقتل عمرو"[2].
 
 
 

 
[1] الواقدي، المغازي، ج 2، ص 471. وقد ذكرت أحداث قتال علي عليه السلام المصيري مع عمرو بن عبد ود مضافاً إلى المصادر السابقة في الكتب التالية مع اختلاف يسير: العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 20، ص 203 ـ 206, الشيخ الصدوق، الخصال، ص 560, ابن هشام، السيرة النبوية، ج 3، ص 236, ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 2، ص 181, الشيخ المفيد، الإرشاد، ص 54, ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 19، ص 62 - 64.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 20، ص 216.
 

16

الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)

 خلاصة الدرس

- دامت إمامة الإمام علي عليه السلام 29 سنة ونصفاً.
 
- عاش عليه السلام في أحضان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فتربّى على يديه روحياً ومعنوياً.
 
- كان أوّل من أعلن إسلامه عليه السلام بين يدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وأوّل من صلّى خلفه.
 
- هو الوحيد الذي آزر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولبّى نداءه، حين دعا عشيرته الأقربين، ولم يكن يتجاوز عمره 14 سنة، وعندها أعلن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنّه عليه السلام خليفته ووصيّه من بعده.
 
- آخاه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولم يؤاخِ غيره.
 
- شارك عليه السلام خلال حياته مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغزوات ومعارك كثيرة، أبرزها غزوة بدر وأحد والأحزاب.
 
- الغزوة الوحيدة التي لم يشارك فيها عليه السلام في زحف النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي غزوة تبوك, لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم استخلفه على المدينة، وقال له: "ألا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟".
 
 

17

الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)

 أسئلة

1- ما هي المراحل الخمس التي عاشها الإمام علي عليه السلام؟
2- تحدث عن الموقف الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحق علي عليه السلام "هذا عليّ أخي ووصيي وخليفتي فيكم".
3- تحدث عن غزوة الأحزاب.
 
 
ضع علامة صحّ □  أو خطأ □ في المكان المناسب:
1- وُلد الإمام علي عليه السلام في 25 ربيع الأول □
2- دامت إمامة الإمام علي عليه السلام 29 سنة ونصف السنة □
3- دفن الإمام علي عليه السلام في النجف الأشرف □
4- الغزوة الوحيدة التي لم يشارك فيها الإمام علي عليه السلام في زمن الرسول هي غزوة "تبوك" □
5- الرجل الذي بارزه الإمام الإمام علي عليه السلام في يوم الخنق هو "عمرو بن العاص" □
 

18

الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)

 للمطالعة

 
الإمام عليّ عليه السلام في غزوة ذات السلاسل
من مقامات الإمام عليّ عليه السلام المشهورة في غزوة وادي الرمل، ويقال: إنّها تسمّى غزوة السلسلة، أنّه خرج ومعه لواء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن خرج غيره إليهم ورجع عنهم خائباً، ثمّ خرج صاحبه وعاد بما عاد به الأوّل، فمضى الإمام عليه السلام حتّى وافى القوم بسحَر، وصلّى بأصحابه صلاة الغداة وصفّهم صفوفاً واتّكأ على سيفه مقبلاً على العدوّ وقال: "يا هؤلاء أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تقولوا: لا إله إلّا الله محمّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلّا ضربتكم بالسيف".
 
فقالوا له: ارجع كما رجع صاحباك.
 
قال عليه السلام: "أنا أرجع! لا والله حتّى تسلموا أو لأضربنّكم بسيفي هذا أنا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب".
 
فاضطرب القوم وواقعهم فانهزموا وظفر المسلمون وحازوا الغنائم، فروت أمّ سلمة قالت: كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً في بيتي إذ انتبه فزعاً من منامه فقلت: الله جارك.
 
قال صلى الله عليه وآله وسلم: "صدقتِ الله جاري، ولكن هذا جبرئيل يخبرني أنّ عليّاً قادم".
 
ثمّ خرج إلى الناس فأمرهم أن يستقبلوا عليّاً، وقام المسلمون صفّين مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلمّا بصر به عليّ ترجّل عن فرسه وأهوى إلى قدميه يقبّلهما، فقال له النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "اركب، فإنّ الله ورسوله عنك راضيان".
 
فبكى عليه السلام فرحاً وانصرف إلى منزله[1]. وقد ذكر بعض أصحاب السير أنّ في هذه الغزوة نزل على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا﴾ إلى آخر الآيات[2].
 
 
 

 
[1]  الشيخ المفيد، كتاب الارشاد، ج1، ص113 - 116.
[2] القمي، علي بن إبراهيم ، تفسير القمي، ج2، ص434. والطبرسي، مجمع البيان، ج5، ص528.
 

19

الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)

الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)


أهداف الدرس:

1- أن يتعرّف الطالب إلى دور الإمام علي عليه السلام في مرحلة الخلفاء.

2- أن يتعرَّف الطالب إلى ظروف تسلّم الإمام علي عليه السلام للخلافة فعلياً.

3- أن يعرف الملامح العامة لدولة الإمام علي عليه السلام.

4- أن يحلِّل أسباب ونتائج معارك الإمام علي عليه السلام الثلاث.


20

الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)

وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقضية الخلافة:

كان الإمام علي عليه السلام من الشخصيات البارزة في التاريخ الإسلامي. ولم يكن في العالم الإسلامي شخص يبلغ مستوى الإمام علي عليه السلام في الفضل والتقوى والرؤية الفقهية والقضائية والجهاد في سبيل الله تعالى وفي كافة الصفات الإنسانية العالية غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وبسبب هذه الجدارة رُشِّح عليه السلام من قِبَل رسول الله وبأمره تعالى في مناسبات عديدة لقيادة المسلمين وخلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأهمّها هو ما حدث في الغدير. ومن هنا كان من المتوقّع أنّه سيتولّى الإمام علي عليه السلام الخلافة وقيادة المسلمين غير أنّه لم يحدث ذلك من الناحية العملية، بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأُقصي علي عليه السلام عن الساحة السياسية ومركز القرار في قيادة المجتمع الإسلامي.
وانطلاقاً من أنّ السلطة والمنصب ليسا هدفاً في القيادات الإلهية، فإنّ الإمام علياً عليه السلام قدّم حفظ أمور المسلمين على تسلم مقاليد الخلافة، مع تأكيده على حقّه. وقد أشار الإمام عليه السلام في كثير من المناسبات إلى صبره على انحراف الخلافة الإسلامية عن خطّها الصحيح بدافع الحفاظ على الإسلام، ومنها ما قاله في بداية تسلم عثمان السلطة: "لقد علمتم أنّي أحقّ الناس بها من غيري، وواللّه لأسلمن ما سلمت أُمور المسلمين، ولم يكن فيها جور إلّا عليّ خاصة"[1].
 

 
[1] نهج البلاغة، الخطبة: 74.

21

الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)

ويذكر الإمام علي عليه السلام في خطبة الشقشقية هذا المفترق الصعب والحسّاس والخيارين المصيريّين وسبب اختياره للخيار الثاني بهذا النحو: "فَسَدَلْتُ دُونَها ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْها كَشحاً، وطَفِقْتُ أرتَئي بَين أن أصولَ بيد جَذّاء، أو أصْبِرَ على طَخية عمياء، يَهْرَمُ فيها الكَبير وَيشيبُ فيها الصَغير، ويَكْدَحُ فيها مؤمِنٌ حَتّى يَلقى ربَّهُ، فَرَأيْتُ أنَّ الصَّبرَ على هاتا أحجى، فصبرتُ وفي العَيْنِ قَذى وَفي الحَلْقِ شَجى، أَرى تُراثي نَهباً"[1].

 

دور أمير المؤمنين عليه السلام في زمن الخلفاء

تركّزت نشاطات الإمام في هذه الفترة على الأُمور التالية:

1- الإجابة عن شبهات وتساؤلات علماء الأديان العالمية لا سيما اليهود والنصارى منهم الذين كانوا يتوافدون إلى المدينة للبحث والاستقصاء حول دين النبي بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم وما كانوا يجدون من يجيب عن تساؤلاتهم سوى الإمام علي عليه السلام الذي بدت معرفته بالتوراة والإنجيل واضحة من خلال كلامه معهم. ولولا أنّ علياً ملأ هذا الفراغ لكان المجتمع الإسلامي يغطّ في انتكاسة كبيرة. وعندما كان الإمام يُقدّم أجوبة مفحمة عن جميع الشبهات والتساؤلات كان الفرح والإعجاب الكبير يغمران الجالس خليفة في مكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - بيان الحكم الشرعي للمواضيع المستحدثة - والتي لم يكن لها سابقة في الإسلام - أو للقضايا المعقّدة والغامضة بحيث يعجز القضاة عن الحكم فيها. وتُشكّل هذه النقطة جانباً هامّاً من حياة الإمام، فلو لم تكن هناك شخصية كالإمام علي عليه السلام بين الصحابة، تلك الشخصية التي هي أعلم الأُمّة بشهادة واعتراف الرسول الكريم وأعرفها بأُصول القضاء والتحكيم لظلّت هناك قضايا كثيرة عالقة من صدر الإسلام بلا حلول.

  

 


 

[1] نهج البلاغة، الخطبة: 3.

 

22

الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)

- عندما كانت الخلافة تصل إلى طريق مسدود في القضايا السياسية وبعض القضايا والمشاكل الأُخرى كان الإمام عليه السلام المستشار الوحيد والمعتمد الذي يُعالج المشاكل بموضوعية وحلول واضحة، وقد جاء بعض الاستشارات في نهج البلاغة وكتب التاريخ. ويشهد التاريخ بأنّ أبا بكر وعمر كانا يراجعان الإمام في القضايا السياسية والدينية وتفسير القرآن والأحكام الفقهية للإسلام طيلة فترة خلافتهما وكانا يستفيدان من استشارته وإرشاداته وعلمه بأُصول الدين وفروعه، ونورد بعض الأمثلة من ذلك ممّا سجلته كتب التاريخ:

 

3- كان الإمام مستشاراً هاماً في معالجة كثير من المشاكل السياسية والعلمية والاجتماعية في زمن الخليفة الثاني. وسنشير إلى مثال واحد من مجموع المرّات العديدة التي استعان الخليفة الثاني فيها بفكر الإمام في القضايا السياسية. وقعت في السنة الرابعة عشرة من الهجرة حرب طاحنة بين جيش الإسلام وجيش الفرس في القادسية، وانتهت بانتصار المسلمين وقتل "رستم فرّخ زاد" القائد العام للقوات الفارسية مع مجموعة من المقاتلين، وانضمّ بهذا الانتصار جميع أرجاء العراق إلى لواء الإسلام واستولى المسلمون على المدائن التي كانت مركزاً للملوك الساسانيين وتراجع قادة الجيش الفارسي إلى داخل أراضيهم.

 

وخشي المستشارون والعسكريون الفرس من أن يزحف الجيش الإسلامي إلى داخل أراضيهم ويستولي على جميع أرجاء البلاد بالتدريج. ولأجل مواجهة هذا النوع من الهجوم الخطير أعدَّ "يزدجرد" ملك فارس جيشاً قوامه مائة وخمسون ألف مقاتل بقيادة "فيروزان" حتى يصدّ أي هجوم مفاجئ، وإذا ساعدت الظروف يبدأ هو بالهجوم. وكتب سعد بن أبي وقاص القائد العام للقوات الإسلامية رسالة إلى عمر يُطلعه فيها على احتشاد العدو واستعداده واقترح مباغتة العدو بالحرب لإرعابه.

 

دخل الخليفة المسجد واستدعى كبار الصحابة، وأطلعهم على ما ينويه من ترك

 

 

23

الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)

 المدينة والانطلاق نحو مكان بين البصرة والكوفة ليقود الجيش من هناك، فقام طلحة في هذه الأثناء وشجّع الخليفة على ذلك وقال كلاماً تفوح منه رائحة التملّق جيداً، ثمّ قام عثمان بعد ذلك ولم يكتف بحثّ الخليفة على الانطلاق فقط، بل أضاف أن اكتب إلى جيش الشام واليمن بأن ينطلقوا جميعاً ويلحقوا بك حتى يمكنك من مواجهة العدو بهذا الجيش الكبير. وحينئذ قام أمير المؤمنين عليه السلام وقال: "إنّ هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلّة وهو دين الله الذي أظهره وجنده الذي أعدّه وأمدّه حتى ما يبلغ وطلع حيثما طلع ونحن على موعود من الله واللّه منجز وعده وناصر جنده، ومكان القيّم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمّه، فإذا انقطع النظام تفرّق الخرز وذهب ثمّ لم يجتمع بحذافيره أبداً، والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالاجتماع، فكن قطباً واستدر الرحى بالعرب وأصلهم دونك نار الحرب، فإنّك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك ممّا بين يديك".

 
إنّ الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولوا: هذا أصل العرب، فإذا قطعتموه استرحتم، فيكون ذلك أشدّ لكلبهم عليك وطمعهم فيك. فأمّا ما ذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين، فإنّ الله سبحانه هو أكره لمسيرهم منك، وهو أقدر على تغيير ما يكره، وأمّا ما ذكرت من عددهم، فإنّا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة، وإنّما كنا نقاتل بالنصر والمعونة[1]. استجاب عمر لكلام الإمام بعد سماعه ولم يذهب[2]. ونظراً لهذه المعالجة والحلول قال عمر: أعوذ باللّه من مشكلة ليس لها أبو الحسن[3].
  
 
 
 

 
[1] نهج البلاغة، الخطبة: 146.
[2] ابن الأثير، الكامل في التاريخ:، ج3، ص 8. الطبري: تاريخ الأُمم والملوك، ج 4، ص 273؛ ابن كثير، البداية والنهاية:ج 7، ص107.
[3] راجع لمزيد من الاطلاع: ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، ج 2، ص 509؛ ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 3، ص 39.
 

24

الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)

من الخلافة إلى الشهادة

كيف بويع أمير المؤمنين عليه السلام؟: أثار عثمان غضب الناس جرّاء فساده المالي والإداري وتصرّفه غير الشرعي في أموال المسلمين، وهكذا تنصيب بني أُميّة وأقربائه غير المؤهّلين في مناصب عالية، وتسليطهم على مقدّرات الأُمة وبالتالي تنحية الشخصيات الجديرة والمؤهّلة من المهاجرين والأنصار. وحيث إنّه لم يستجب لاعتراضات ومطالب المسلمين المتكرّرة والمشروعة فيما يتعلق بتنحية عمّـاله وولاته الفاسدين، ثارت الثورة على حكومته وانتهت بقتله، ثمّ بايع الناس علياً خليفة للمسلمين.
 
إنّ أحد نماذج فساد حكومة عثمان هو إعادة الحكم بن أبي العاص وابنه مروان - الذي طرده النبي إلى الطائف - إلى المدينة، وهذا ممّا لم يجرأ حتى أبو بكر وعمر على فعله في خلافتهما، وزوّج مروان ابنته وولّاه مسؤولية ديوان الخلافة، ما 
أثار غضب الناس. وحوصر بيت عثمان مدة تسعة وأربعين يوماً من قبل الثوريين[1]. وكلّما حاول عثمان الخضوع واللين 
كان مروان يثير غضب الناس أكثر. وفي النهاية داهم بعض الثائرين بيت عثمان وأردوه قتيلاً. وقد اتّفق المؤرخون على أنّ عثمان قتل في سنة 35هجرية ولكنّهم اختلفوا في يوم ذلك[2]. 
 
وفي الوقت ذاته إنّ المتيقن به فصل أربعة أو خمسة أيّام بين مقتل عثمان وبيعة الناس للإمام علي عليه السلام[3].
 
وكان الناس في هذه المدة يعيشون حالة من الفوضى والضياع، وخلالها كان
  
 

 
[1] المسعودي، مروج الذهب، ج 2، ص 346.
[2] يرى اليعقوبي أن قتل عثمان تمّ في 18 ذي الحجة سنة 35(تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 165) غير أنّ المسعودي يقول انّه قتل لثلاثة أيام بقين من ذي الحجة(مروج الذهب، ج 2، ص 346).
[3] كتب اليعقوبي: استخلف علي يوم الثلاثاء لسبع ليال بقين من ذي الحجة سنة 35) وعليه تكون المدة الفاصلة خمسة أيام غير انّ المسعودي يقول: (بايع الناس علياً يوم قتل عثمان ثمّ يقول في صفحة أُخرى: "انّه بويع بعد أربعة أيام من قتل عثمان بيعة عامة" مروج الذهب، ج 2، ص 349 - 350. و يرى ابن الأثير انّ مقتل عثمان تمّ بتاريخ 18 ذي الحجّة وانّ البيعة لعلي تمت في 25 من ذلك الشهر (الكامل في التاريخ، ج3، ص179و194).ويصرح في الصفحة 192 بأنّ أهل المدينة قد عاشوا بعد مقتل عثمان خمسة أيام من الضياع وكانت المدينة تدار من قبل شخص يدعى غافقي بن حرب.
 

25

الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)

 أصحاب الثورة يراجعون الإمام غير أنّه كثيراً ما كان يُبعد نفسه عن الأنظار، وحيث إنّهم كانوا يطالبونه بقبول بيعتهم وهو ما يزال يرى الظروف غير مناسبة لقبول الخلافة وأنّ الحجّة لم تتم عليه بهذا الاقتراح قال: "دعوني والتمسوا غيري فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول، وإنّ الآفاق قد أغامت والحجّة قد تنكّرت، واعلموا أنّي وإن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمن ولّيتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خيرٌ لكم منّي أميراً"[1]. وحيث قد كثر توافد المسلمين على الإمام عليه السلام وازدحامهم عليه واكتظّت داره بهم وازداد إصرارهم عليه، تنفيساً عن عناء الاضطهاد السابق وشوقاً إلى العدالة، شعر بالمسؤولية ولم ير بدّاً من قبول البيعة. وقد ذكر الإمام عليه السلام شغف الناس وإقبالهم وإصرارهم على بيعته في عدّة مواضع من نهج البلاغة والتي منها: "فتداكّوا عليّ تداك الإبل الهيم يوم وردها، وقد أرسلها راعيها وخلعت مثانيها حتى ظننت أنّهم قاتلي أو بعضهم قاتل بعض ولدي"[2].

 
ويقول في موضع آخر: "وبسطتم يدي فكففتها، ومددتموها فقبضتها، ثم تداككتم عليّ تداك الإبل الهيم على حياضها يوم ورودها حتى انقطعت النعل، وسقط الرداء، ووُطئ الضعيف، وبلغ من سرور الناس ببيعتهم إيّاي أن ابتهج بها الصغير وهدج إليها الكبير، وتحامل نحوها العليل"[3].
 
وقد تحدّث الإمام في خطبة أخرى عن إقبال الناس عليه بحرارة وسرور وعن أسباب قبول الخلافة قائلاً: "... فما راعني إلّا والناس كعرف الضبع إليّ ينثالون
  
 
 
 

 
[1] نهج البلاغة، الخطبة: 92.
[2] م. ن، الخطبة: 54.
[3] م. ن، الخطبة: 229.
 

26

الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)

 عليّ من كلّ جانب حتى لقد وطئ الحسنان[1]، وشق عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم، فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أُخرى وقسط آخرون، كأنّهم لم يسمعوا كلام الله سبحانه يقول: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾. بلى واللّه لقد سمعوها ووعوها، ولكنّهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها، أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز"[2].

 
معالم حكومة الإمام علي عليه السلام
على الرغم من أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد واجه عقبات في أيّام خلافته إلاّ انّه استطاع بلا شك أن يطرح نموذجاً ناجحاً للحكومة وفق تعاليم الإسلام ومعاييره والتي نذكر بعضها بإيجاز:
1- أشار الإمام علي عليه السلام إلى أنّ فلسفة قبوله للخلافة هي لأجل إجراء العدالة الاجتماعية في المجتمع على كافة المستويات لا سيما الاقتصادية، والاستفادة من الإمكانات العامة، ومكافحة الفوارق الطبقية الكبيرة في المجتمع.
 
2- إنّ رؤية الإمام علي عليه السلام للحكم تتلخّص في أنّ الحكم والمنصب ليس إلّا وسيلة لخدمة الناس وإحقاق الحقّ ودحض الباطل، لا أنّه طعمة تدرّ الأرباح. وقد التزم الإمام بهذا المنهج إلى أبعد الحدود، حتّى تراه يجتنب عن إعطاء المهام الحسّاسة كالولاية وبيت المال إلى المتعطّشين للسلطة كطلحة والزبير وأمثالهما.
 
3- لقد عاش الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عند تصدّيه للخلافة غاية الزهد
  
 
 
 

 
[1] نص كلام الإمام هو (وطئ الحسنان) الذي قد يعني: الحسن والحسين، ولكن قد فسّر البعض الحسن بالابهام. راجع ، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة:،ج 1، ص 200.
[2] نهج البلاغة، الخطبة: 3.
 

27

الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)

 والبساطة في الحياة، كما كان يوصي عمّاله بالاعتدال والعزوف عن زخارف الدنيا وزبرجها. وهذه الخصوصية أي عزوفه عن زخارف الدنيا هي من أبرز خصائصه الذاتية وسيرة حكمه.

 
4- إنّ المعيار الذي أكّد عليه الإمام عليه السلام في انتخاب الولاة والعمّال، هو أن تكون لهم سوابق في الإسلام، وتقوى، وكفاءة في إدارة سدّة الحكم، والتزام بقيم الإسلام وغيرها من المعايير. والشيء الذي لم يخطر ببال الإمام أبداً هو القرابة والعشيرة، كما يتضح ذلك حينما نصب (51) شخصاً كولاة وممثّلين عنه في الولايات والإمارات المختلفة، فتجد فيهم من المهاجرين والأنصار، وأهل اليمن، والهاشمي وغير الهاشمي، والعراقي والحجازي، الشاب والكهل، ولا تجد في هذه القائمة أثراً لأسماء الحسن والحسين ومحمد ابن الحنفية وعبد الله بن جعفر (زوج زينب عليها السلام). وعلى الرغم من أنّ الإمام عليه السلام كان ينصب عمّالاً وولاة صالحين وكفوئين إلّا أنّه في الوقت نفسه كان يجعل عليهم عيوناً لمراقبة تحركاتهم، ومن أبرز تلك النماذج كتاب تقريع بعثه الإمام عليه السلام إلى عثمان بن حنيف الأنصاري عامله على البصرة وقد بلغه أنّه دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها[1].
 
5- لم يكن الإمام يعتقد - وخلافاً لمعظم الزعماء والرؤساء - بأنّ الغاية تُبرّر الوسيلة، ولم يتوصّل إلى أهدافه المقدّسة النبيلة بوسائل غير مشروعة قطّ، كما يظهر من جوابه لمّا عوتب على التسوية في العطاء وتصييره الناس أسوة فيه من غير تفضيل أصحاب السابقات والشرف: "أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن ولّيت عليه؟، والله لا أطور به ما سمر سمير، وما أمّ نجم في السماء نجماً! ولو كان المال لي لسوَّيت بينهم، فكيف وإنّما المال مال الله؟"[2].
  
 

 
[1] نهج البلاغة، الكتاب: 45.
[2] م. ن، 126.
 

28

الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)

 القتال في ثلاث جبهات

حمّلت خلافة الإمام عليه السلام وقيادته - التي ساد فيها العدل وإحياء المبادئ والقيم الإسلامية الأصيلة - جماعتها عبأ ثقيلاً ما أدّى إلى تشكيل خطٍّ معارض لحكومته، وانتهت هذه المعارضات إلى حدوث ثلاث حروب مع الناكثين والقاسطين والمارقين سنمرّ على كلٍّ منها مروراً سريعاً.
 
قتال الناكثين: وقد كان سبب هذه الحرب مع الناكثين (ناقضي العهد) هو أنّ طلحة والزبير اللّذين بايعا الإمام علياً قد طلبا منه أن يولّيهما أعمال البصرة والكوفة، ولكن الإمام رفض ذلك، فتركا المدينة سرّاً والتجآ إلى مكة وجيّشا جيشاً بأموال بيت المال المختلس من قبل بني أُمية وانطلقا نحو البصرة واستوليا عليها. فتحرّك الإمام علي عليه السلام تاركاً المدينة لمعالجة أمر الناكثين، فحدثت حرب طاحنة قرب البصرة انتهت بانتصار الإمام عليّ وهزيمة الناكثين، وهذه 
هي حرب الجمل التي لها مساحة كبيرة في التاريخ، والتي اندلعت سنة 36 هجرية.
 
قتال القاسطين: كان معاوية قد أعدّ ومنذ فترة سبقت خلافة الإمام علي عليه السلام مقدّمات الخلافة لنفسه في الشام، وما إن تسلم الإمام الخلافة عزله عن الشام ولم يرض أن يقرّه عليها لحظة واحدة. وكان حصيلة هذا النزاع أن تقاتل جيش العراق وجيش الشام في أرض تُدعى صفّين وكان الانتصار لجيش الإمام علي عليه السلام لولا خديعة معاوية برفع المصاحف التي أحدثت تمرّداً في جيش الإمام. وفي النتيجة وبعد الضغط الكبير على الإمام علي عليه السلام من قِبَل جيشه رضخ لتحكيم أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص لكي ينظرا في مصالح الإسلام والمسلمين. 
وقد كان الضغط على أمير المؤمنين لأجل قبوله بالتحكيم كبيراً إلى حد أنّه لو لم يقبل به لأودى ذلك إلى موته ولواجه المسلمون أزمة كبيرة. وبعد أن حان موعد إعلان رأي الحكمين خدع عمرو بن العاص أبا موسى وهو ما أدّى إلى إفشاء خطة معاوية الشنيعة 
  
 

29

الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)

بين الجميع، وبعد ذلك خرج بعض من المسلمين الذين كانوا في صف الإمام عليه وانتقدوه لقبوله التحكيم الذي فرضوههم أنفسهم عليه. وقد حدث قتال القاسطين عام 37 هجرية.

قتال المارقين: والمارقون هم أُولئك الذين أجبروا علياً على قبول التحكيم، وندموا بعد عدّة أيام على ذلك، وطلبوا منه أن ينقض العهد من جهته، غير أنّ الإمام عليه السلام لم يكن بذلك الشخص الذي ينقض عهده، ولهذا خرجوا على الإمام ووقفوا ضدّه وقاتلوه في النهروان وقد عُرفوا بالخوارج لذلك. وانتصر الإمام في هذه الحرب، غير أنّ الأحقاد ظلّت دفينة في النفوس. اندلعت هذه الحرب في سنة 38، وعلى رأي بعض المؤرّخين في سنة 39 هجرية.

الشهادة: وأخيراً تضرّج الإمام عليه السلام بدمه على يد أحد المارقين وهو عبد الرحمن بن ملجم المرادي في التاسع عشر من رمضان المبارك عام 40 للهجرة أي بعد أربع سنوات وبضعة أشهر من حكومته عليه السلام.

 


30

الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)

خلاصة الدرس

- قدّم الإمام علي عليه السلام حفظ أمور المسلمين على تسلّم مقاليد الخلافة مع تأكيده على حقه. وقد أشار في كثير من المناسبات إلى صبره على انحراف الخلافة الإسلامية كما يظهر من كلامه في الخطبة الشقشقيّة.
- تركّزت نشاطات الإمام عليه السلام في زمن الخلفاء على أمور منها:
1- الإجابة عن شبهات وتساؤلات علماء الأديان العالمية كاليهود والنصارى.
2- كان المستشار الوحيد والمعتمد الذي يعالج المشاكل السياسية وغيرها خاصة لدى أبي بكر وعمر ما أدى إلى حفظ الأمة من الضياع.
 
- بُويع عليه السلام من قبل الناس بعد أن أثار عثمان غضبهم جرّاء فساده المالي والإداري، وتصرّفه غير الشرعيّ في أموال المسلمين.
 
- أشار عليه السلام إلى أن فلسفة قبوله للخلافة هي لأجل إجراء العدالة الاجتماعية.
 
- تتلخص رؤيته عليه السلام للحكم في أن الحكم ليس إلا وسيلة لخدمة الناس.
- عاش عليه السلام عند تصدّيه للخلافة غاية الزهد والبساطة في الحياة.
 
- المعيار الذي اعتمده في تنصيب الولاة هو التقوى والكفاءة والالتزام.
- قاتل الناكثين (طلحة والزبير وعائشة) والقاسطين (معاوية...) والمارقين (الخوارج).

31

الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)

أسئلة

1- هل أظهر الإمام علي عليه السلام أحقيته في الخلافة؟ أعطِ شاهداً.
2- ما هي أهم اهتمامات الإمام عليه السلام في زمن الخلفاء؟
3- كيف بُويع الإمام عليه السلام؟ ومتى؟
ضع علامة صحّ أو خطأ في المكان المناسب:
1- لم يكن للإمام علي عليه السلام أي نشاط في زمن الخلفاء الثلاثة
2- قاتل الإمام عليه السلام القاسطين وهم الذين عرفوا بالخوارج
3- قتل الإمام عليه السلام على يد عمرو بن ود العامري
4- كان أبو بكر وعمر يراجعان الإمام عليه السلام في القضايا السياسية والدينية
5- الضربة التي أدّت إلى استشهاده كانت في التاسع عشر من رمضان

32

الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)

للمطالعة

مرّت الإمامة منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في صفر سنة 11 هجرية وإلى وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السلام في ربيع الأوّل سنة 260هـ بأربع مراحل تقريباً، وكانت كلّ مرحلة من هذه المراحل تمتاز من حيث مواقف الأئمّة تجاه السلطات الحاكمة بسمة معيّنة وهي:
أ- مرحلة الصبر والمداراة مع هذه السلطات، وتشتمل هذه المرحلة على جميع الخمس وعشرين سنة الممتدة من عام وفاة الرسول الكريم 11 هجرية إلى بداية خلافة أمير المؤمنين الظاهرية سنة 35 هجرية.
ب- مرحلة تسلم الإمام للسلطة وهي تشمل تلك الأربع سنوات والتسعة أشهر من خلافة أمير المؤمنين، وبعضاً من الشهور من خلافة الإمام الحسن عليه السلام. وهذه المرحلة بالرغم من قصر مدّتها، وحدوث الاضطرابات والأزمات التي كان يثيرها أعداء الإسلام لهذين العظيمين عليهما السلام فهي من أكثر سنيّ الحكومة الإسلامية ازدهاراً.
ج- مرحلة المحاولة البنّاءة القصيرة الأمد لتشكيل الحكومة الإسلامية، وتشمل فترة العشرين عاماً الممتدّة من عقد صلح الإمام الحسن عليه السلام في سنة 41هـ إلى شهادة الإمام الحسين سنة 61هـ. وبعد الصلح بدأت عملياً نشاطات الشيعة النصف سرية مع خطط ترمي إلى إعادة السلطة لأهل البيت عليهم السلام في الفرصة المناسبة. ولم تكن هذه الفرصة بعيدة وفقاً للحسابات المعتادة، وكان الأمل في تحقّقها موجوداً مع انتهاء حياة معاوية الشرّيرة.
د- المرحلة الرابعة هي متابعة هذا المنهاج في برامج طويلة الأمد. وقد استمرّت قرابة قرنين من الزمن توالت فيها الانتصارات والانتكاسات في

33

الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)

 فترات متعدّدة متواكبة مع النجاح الكاسح في المجال الأيديولوجي والعقيدي المندمج في مئات الأساليب المتناسقة المكلّلة بآلاف الأكاليل من الإخلاص والتضحية[1].


[1] الإمام السيد علي الخامنئي، الإمام الصادق عليه السلام، ص 21.


34

الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام

 الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام

 
أهداف الدرس:
1- أن يتبيّن الطالب أسباب الصلح بين الإمام الحسن عليه السلام ومعاوية.
2- أنّ يعدّد بنود الصلح وشروطه.
3- أن يحلِّل نتائج الصلح وآثاره.
 
 

35

الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام

 الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام في سطور

الولادة: ولد ليلة الثلاثاء، النصف من شهر رمضان المبارك، في السنة الثالثة للهجرة في المدينة المنوّرة[1].
الشهادة: استشهد عليه السلام في السابع من شهر صفر سنة 50هـ وقد مضى وهو ابن سبع وأربعين سنة.
استشهد مسموماً سمّته زوجته جعدة بنت الأشعث بدسيسة من معاوية بن أبي سفيان.
مدّة الإمامة: بويع بالخلافة في الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة 40هـ، مدّة إمامته 10 سنين.
وقع الصلح بينه وبين معاوية سنة إحدى وأربعين.
ألقابه: الحجّة، الكفيُّ، السّبط، الوليّ.
كنيته: أبو محمّد.
مدفنه: المدينة المنوّرة - البقيع.
 
 
 

 
[1] مناقب ابن شهر آشوب، ج 4، ص 28, المفيد، الإرشاد، ص 187, ابن الأثير، أُسد الغابة، ج 2، ص 10, ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، ج 1، ص 328.
 

36

الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام

 تمهيد:

إنَّ الظروف الصعبة الّتي أحاطت بحياة الإمام المجتبى عليه السلام جعلت من محطّات حياته ودراستها أمراً يحتاج إلى كثير من الدقّة والتمحيص والإنصاف, لأنّ الإمام عليه السلام قد عانى مظلوميّة من أهل زمانه، ومظلوميّة في صفحات التاريخ الإسلاميّ، سواء على مستوى فهم حركته السياسيّة المباركة وصولاً إلى الصلح مع معاوية، أم على مستوى بعض الاتّهامات التي لا تليق بالإمام عليه السلام كتعدّد الزوجات المفرط وغير ذلك ممّا نشتمّ منه رائحة البيت الأمويّ.
 
وقد عهد الإمام عليّ عليه السلام إليه قبل شهادته بيومين قائلاً: "يا بُنيّ! أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي، كما أوصى إليّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودفع إليَّ كتبه وسلاحه وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن توصي بها إلى أخيك الحسين عليه السلام"[1].
 
وبعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام، خطب الإمام الحسن عليه السلام خطبة قال فيها: "أيّها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا ابن البشير، أنا ابن النذير... الخ"[2]. وبعد ذلك قام ابن عبّاس 
 

 
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 297.
[2] أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص 33.
 

37

الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام

 ودعا الناس إلى بيعته فاستجابوا وبايعوه قائلين "ما أحبّه إلينا وأحقّه بالخلافة"[1]. وينقل ابن أبي الحديد أنه: "كان عدد المبايعين له أكثر من أربعين ألفاً"[2].

 
شخصية الإمام الحسن عليه السلام في سطور
كتب السيوطي في تاريخ الخلفاء: كان الحسن له مناقب كثيرة، سيداً حليماً، ذا سكينة ووقار وحشمة، جواداً ممدوحاً[3]. واشتهر بسخائه النادر فقد أنفق أموالاً طائلة في سبيل الله. وقد سجّل المؤرّخون والعلماء في حياته المفعمة بالفخر والاعتزاز سخاءه الفريد وعطاءه العظيم وهو ما لم يلحظ في سيرة أيّ من العظماء، ويدلّ ذلك أيضاً على عظمة نفسه وعلى عدم مبالاته بمظاهر الدنيا المخادعة، فقد كتبوا أنّه خرج من ماله للّه مرتين، وقاسم الله ماله ثلاث مرّات حتى كان يُعطي نعلاً ويمسك نعلاً.
 
جهاد الإمام الحسن عليه السلام قبل الإمامة
كان الإمام الحسن عليه السلام ـ كما يشهد التاريخ ـ شجاعاً مقداماً وشهماً، لا يعرف الخوف طريقه إليه، ولم يبخل يوماً في تقديم أي تضحية في سبيل تقدّم الإسلام وإعلاء كلمته، وكان دائم الاستعداد للجهاد في سبيل الله.
 
في حرب الجمل: كان الإمام الحسن عليه السلام يقاتل مع أبيه أمير المؤمنين عليه السلام جنباً إلى جنب وفي الخط الأمامي من ساحة القتال في حرب الجمل[4]. و قبل بدء الحرب دخل الكوفة وبأمر من أبيه برفقة عمار بن ياسر وعدّة من أصحاب أمير المؤمنين ودعا أهلها للمشاركة في القتال[5]. دخلها في الوقت الذي كان أبو موسى الأشعري أحد عمّال عثمان على الكوفة، وقد أبقاه الإمام لأسباب في منصبه وهو
 
 

 
[1] أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص 33.
[2] راجع: ابن عبد الله، الاستيعاب، ج 1، ص 385.
[3] السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص 189.
[4] ابن شهر آشوب، المناقب ، ج 4، ص 21.
[5] اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 170, والدينوري، الإمامة والسياسة، ج 1، ص 67.
 

 


38

الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام

 يعارض حكومة أمير المؤمنين العادلة ويثبط المسلمين عن الاصطفاف في جيش علي لمحاربة الناكثين، غير أنّه ورغم ذلك استطاع أن يعبّئ جيشاً تعدّى التسعة آلاف مقاتل وبعث بهم إلى ساحة القتال[1].

 
في حرب صفيّن: كان له دور فاعل في تعبئة القوات وإرسال الجيش إلى قتال معاوية في حرب صفين أيضاً، وكان يدعو أهل الكوفة إلى الجهاد إلى جانب أمير المؤمنين للقضاء على أعداء الإسلام وخونته[2]. وقد بلغ من استعداده للتضحية في سبيل الحقّ مبلغاً في حرب صفين جعل أمير المؤمنين عليه السلام يطلب من أصحابه أن يمنعوه هو وأخاه الحسين من مواصلة القتال لئلاّ ينقطع بهما نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم[3].
 
صلح الإمام الحسن عليه السلام
1- دوافع الصلح ونتائجه: ولأجل أن تتّضح دوافع صلحه عليه السلام ونتائجه جيداً يجب علينا أن نتصفّح التاريخ وندرس هذا الموضوع في ضوء الوثائق التاريخية الأصيلة. وينبغي القول عموماً إنّ الإمام الحسن عليه السلام لم يصالح في الواقع بل فُرض الصلح عليه، أي تعاونت الظروف المتردية مع العوامل الأُخرى بحيث أوجدت وضعاً جعل الصلح أمراً ضرورياً مفروضاً على الإمام ولم ير حلاً غير ذلك، ذلك أنّ الأوضاع والظروف خارج العالم الإسلامي والوضع الداخلي في العراق ومعسكره هو عليه السلام، كلّ ذلك كان يدعو إلى عدم استمرارية الحرب.
 
2- من ناحية السياسة الخارجية: فمن ناحية السياسة الخارجية لتلك الفترة لم تكن الحرب الأهلية الداخلية في صالح العالم الإسلامي، لأنّ الروم الشرقية التي كانت قد تلقّت ضربات قوية من الإسلام كانت تتحيّن الفرصة المناسبة دائماً 
 
 

 
[1] ابن قتيبة الدينوري، الأخبار الطوال، ص 144- و 145, ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 3، ص 231.
[2] نصر بن مزاحم، وقعة صفين، ص 113
[3] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 11، ص 25، الخطبة 200.
 

39

الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام

 لضرب الإسلام ضربة انتقامية كبيرة كي تأمن سطوته وسلطته. وعندما وصل نبأ اصطفاف جيشي الإمام الحسن ومعاوية أحدهما في وجه الآخر إلى قادة الروم، راحوا يعتقدون أنّهم حصلوا على أفضل فرصة ممكنة لتحقيق أهدافهم، ولذلك انطلقوا بجيش جرّار للهجوم على العالم الإسلامي لينتقموا من المسلمين. وكتب اليعقوبي المؤرّخ المعروف: ورجع معاوية إلى الشام سنة 41 وبلغه أنّ طاغية الروم قد زحف في جموع كثيرة وخلق عظيم، فخاف أن يشغله عمّا يحتاج إلى تدبيره وأحكامه، فوجه إليه فصالحه على مائة ألف دينار[1].

 
3- من ناحية السياسة الداخلية: لقد كانت حروب الجمل وصفين والنهروان والحروب الخاطفة التي نشبت بين قوات معاوية وبين مراكز الحدود في العراق والحجاز واليمن بعد التحكيم قد ولّدت عند أصحاب الإمام علي حنيناً إلى السلم والموادعة، فقد مرت عليهم خمس سنين وهم لا يضعون سلاحهم من حرب إلاّ ليشهروه في حرب أُخرى، وكانوا لا يقاتلون جماعات غريبة عنهم وإنّما يحاربون عشائرهم وإخوانهم بالأمس ومن عرفهم وعرفوه الذين أصبحوا الآن في معسكر معاوية[2]. وقد عبّر الناس عن رغبتهم في الدعة وكراهيتهم للقتال بتثاقلهم عن حرب الفرق الشامية التي كانت تغير على الحجاز واليمن وحدود العراق، وتثاقلهم عن الاستجابة للإمام عليّ حين دعاهم للخروج ثانية إلى صفين[3].
 
فلما استشهد الإمام علي عليه السلام وبويع الإمام الحسن عليه السلام بالخلافة برزت هذه الظاهرة على أشدّها وبخاصة حين دعاهم الإمام الحسن للتجهّز لحرب الشام حيث كانت الاستجابة بطيئة جداً. وعندما وصل خبر تحرّك جيش معاوية باتجاه الكوفة، 
 
 

 
[1] تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 206.
[2] قد قتل في حرب الجمل أكثر من ثلاثين ألفاً , تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 172 وقتل في النهروان أربعة آلاف من الخوارج, م. ن، ج 2، ص 182، وكانت خسائر الطرفين في صفين قد بلغت المائة وعشرة آلاف قتيل, المسعودي، مروج الذهب، ج 2، ص 393.
[3] شمس الدين، محمد مهدي ، ثورة الحسين، ص 138 - 141.
 

40

الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام

أمر الإمام الحسن أن يجتمع الناس في مسجدها، ثمّ خطب خطبة وبعد أن أنهى خطبته المثيرة الجهادية، لزم الجميع الصمت ولم يستجب له أحد منهم ولا أيّدوه بكلمة. ويدلّ هذا الأمر على مدى الخذلان والتثاقل الذي وصل إليه أهالي العراق آنذاك حيث خمدت في نفوسهم نار الحماس والجهاد ولم يكونوا على استعداد لخوض القتال.

 

وأخيراً، وبعد خطب بعض أصحاب الإمام الحسن عليه السلام الكبار ومحاولاتهم لتعبئة القوات وحثّ الناس على القتال، انطلق الحسن مع نفر قليل من الكوفيين متّجهاً نحو مكان يدعى "النُّخيلة" وعسكر هناك، وبعد انتظار لتعزيز القوات طال عشرة أيام اجتمع في معسكره أربعة آلاف مقاتل. ولأجل ذلك اضطر الإمام للعودة إلى الكوفة للمحاولة مرة أُخرى لتعبئة قوات أكثر[1].

 

4- المجتمع المتناقض: مضافاً إلى ذلك لم يكن المجتمع العراقي في تلك الفترة مجتمعاً مترابطاً ومتّحداً يسوده الانسجام، بل كان مؤلّفاً من شرائح وتيارات عديدة متناقضة بينها لا يجمعها أي تفاهم وتنسيق، فقد كان هناك أنصار الحزب الأموي الخطير، والخوارج الذين يوجبون محاربة الفريقين، والمسلمون الموالي الذين وفدوا إلى العراق من مناطق أُخرى حيث قد بلغ عددهم العشرين ألفاً، وأخيراً جماعة شكّاكون بلا عقيدة ثابتة يتأرجحون بين تأييد هذا التيار وذاك. هؤلاء جميعاً شكّلوا المجتمع العراقي في تلك الفترة، هذا مضافاً إلى تلك الشريحة التي تشايع خط أمير المؤمنين وأهل البيت[2].

 

5- جيش متفكّك: وقد انعكست طبعاً ظاهرة التعدّدية العقائدية والتباين الفكري والتفكّك على جيش الإمام الحسن عليه السلام أيضاً وجعلت منه جيشاً لا يتمتع

 


 

[1] آل ياسين، صلح الحسن، ص 102.

[2] م. ن، ص 68 - 74.

 

41

الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام

 بالانسجام والتماسك، ولذلك كان من غير الممكن الاعتماد على هذا الجيش في مواجهة العدو الخارجي. وهكذا كان جيش الإمام الحسن يفتقد الوحدة والانسجام الضروريين في مواجهة عدو قوي كمعاوية.

 
وقد خطب الإمام نفسه عليه السلام خطبة جامعة حماسية في المدائن أي النقطة الأخيرة التي وصلها أعطى فيها صورة شاملة وواضحة عن طبيعة المجتمع العراقي وتخاذله في الحرب: "والله ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا ندم، وإنّما كنّا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر، فسلبت السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم في منتدبكم إلى صفين ودينكم أمام دنياكم، فأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم، ألا وإنّا لكم كما كنّا ولستم لنا كما كنتم، ألا وقد أصبحتم بين قتيلين: قتيل بصفين تبكون له وقتيل بالنهروان تطلبون بثأره، فأمّا الباقي فثائر، ألا وإنّ معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عزّ ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله عزّ وجلّ بظباء السيوف، وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضا"[1]. وما إن بلغ الإمام هذا الموضع من خطبته ناداه القوم من كلّ جانب: البقية البقية.
 
إذن كيف يمكن للإمام أن يواجه عدوّاً قوياً مثل معاوية بالاعتماد على مثل هذا الجيش الفاقد لروح الجهاد؟!
ومع هذا فقد أجمع المؤرّخون على أنّه عليه السلام جهّز جيشاً واستعد للقتال، غير أنّ انعدام الانسجام ووجود التحزّب في جيشه من ناحية، وتفكّكه قبل بدء الحرب ونشوب النزاع أثر مؤامرات معاوية الغادرة وخذلان الناس له من ناحية أُخرى، دفعاه إلى أن يوقف الحرب ويخضع للصلح والسلم، وعليه بدأ عمل الإمام بالتحرّك وإعلان الحرب وإعداد الجيش، وانتهى إلى الصلح والهدنة، وهو يدرك بعمق طبيعة المجتمع
 

 
[1] ابن الأثير، أُسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 2، ص 13و14, ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 3، ص 406, العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 44، ص 21, ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص 199.
 

42

الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام

الإسلامي وظروفه ويهمه مصالح الأُمّة[1].

 

6- شراء الضمائر والمؤامرات الغادرة: لقد قام معاوية بشراء ضمائر ضعاف النفوس من جيش الإمام عليه السلام كما حصل مع عبيد الله بن عباس حيث انشق مع ثمانية آلاف مقاتل من جيش الإمام عليه السلام، وراح معاوية وبدافع اختراق جيش الإمام الحسن وبث روح الفرقة والأراجيف من خلال جواسيسه ومرتزقته يشيع بين جيش الإمام أنّ قيس بن سعد قد صالح معاوية، ويشيع في جيش قيس أيضاً أنّ الحسن بن علي صالح معاوية هو الآخر. وقد وصل بهم الأمر إلى أن أرسل معاوية عدّة ممن عُرفوا بحسن الظاهر لدى الناس للقاء الإمام الحسن فالتقوا به في معسكر المدائن، وبعد أن خرجوا من خيمته راحوا ينادون بصوت عال: إنّ الله قد حقن بابن رسول الله الدماء وسكن الفتنة وأجاب إلى الصلح. فصدّقهم الناس وكانوا يثقون بهم ولم يحاولوا استقصاء الحقيقة، فتمرّدوا على الإمام، وهاجموا خيمته وسلبوا ما فيها، ثمّ تفرّقوا بعد أن حاولوا قتله.

 

رأي الإمام حول دوافع الصلح:

وردّاً على اعتراض أحدهم على صلحه وضع الإمام يده على هذه الحقائق المريرة، ووضّح دوافع مبادرته هذه بالنحو التالي: "والله ما سلمت الأمر إليه، إلاّ أنّي لم أجد أنصاراً، ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه، ولكنّي عرفت أهل الكوفة وبلوتهم، ولا يصلح لي منهم من كان فاسداً، إنهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا في فعل، إنّهم لمختلفون يقولون لنا إنّ قلوبهم معنا وإنّ سيوفهم لمشهورة علينا"[2].

 


 

[1] ولهذا السبب ألف عدّة من المؤرّخين المسلمين القدماء كتباً تحت عنوان ـ قيام الحسن ـ ومنها الكتابان التاليان:

أ: قيام الحسن عليه السلام، تأليف هشام بن السائب الكلبي (المتوفّى 205هـ).

ب: قيام الحسن عليه السلام، تأليف إبراهيم بن محمد الثقفي (المتوفّى عام 283هـ). (امام در عينيّت جامعه، محمد رضا الحكيمي، ص 171).

[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 44، ص 147, الطبرسي، الاحتجاج، ص 157.

 

43

الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام

وقد خطب الإمام ـ و كان مستاء ومتأثّراً من تثاقل أصحابه وتخاذلهم ـ خطبة قال فيها: "يا عجباً من أُناس لا دين لهم ولا حياء، ويلكم والله انّ معاوية لا يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي، وإنّي إن وضعت يدي في يده فأُسالمه لم يتركني أدين لدين جدي صلى الله عليه وآله وسلم ، وإنّي أقدر أن أعبد الله عزّ وجلّ وحدي، وأيم الله لا رأيتم فرجاً ولا عدلاً أبداً مع ابن آكلة الأكباد وبني أُميّة وليسومنّكم سوء العذاب، وكأنّي أنظر إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم يستسقونهم ويستطعمونهم بما جعله الله لهم فلا يسقون ولا يطعمون، ولو وجدت أنصاراً في قتال أعداء الله لما سلّمت الخلافة لمعاوية، لأنّها تحرم على بني أُميّة"[1].

 

معاهدة الصلح وأهداف الإمام عليه السلام

عندما ارتأى الإمام الحسن أنّ الحرب تتعارض مع المصالح العليا للمجتمع الإسلامي والحفاظ على كيان الإسلام ودخل في السلم اضطراراً للظروف العصيبة التي أُشير إليها تفصيلاً مسبقاً، بذل قصارى جهده لضمان تحقيق أهدافه العليا والمقدّسة بأقصى ما يمكن من خلال هذا الصلح بطريقة سلمية.

 

ومن ناحية أُخرى ولأنّ معاوية كان مستعدّاً لأن يُقدّم أي نوع من الامتيازات والتنازلات للدخول في السلم وتسلم السلطة، لدرجة أنّه أرسل صحيفة بيضاء مختومة إلى الإمام كتب فيها: أن اشترط في هذه الصحيفة ما شئت فهي لك[2]، استغل الإمام هذه الفرصة فكتب في معاهدة الصلح جميع القضايا الهامة والحسّاسة ذات الأولوية التي تمثّل مبادئه الكبيرة، وطلب من معاوية الالتزام بما جاء فيها.

 

ويمكننا حصر نص المعاهدة في خمسة بنود:

 


 

[1] العلامة المجلسي، جلاء العيون، ج 1، ص 345 - 346.

[2]  ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 3، ص 405, ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب ـ في هامش ابن حجر، الإصابة، ج 1، ص 371 , تاريخ الطبري، ج 6، ص 93.

 

44

الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام

البند الأوّل: تسليم الأمر ـ الخلافة ـ إلى معاوية على أن يعمل بكتاب الله وسنّة رسوله.

 

البند الثاني: أن تكون للحسن الخلافة من بعده، فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين، وليس لمعاوية أن يعهد بها إلى أحد.

 

البند الثالث: أن يترك سبّ أمير المؤمنين والقنوت عليه في الصلاة، وأن لا يذكر علياً إلاّ بخير.

 

البند الرابع: استثناء ما في بيت مال الكوفة وهو خمسة ملايين درهم وتكون بحوزة الإمام الحسن، وأن يفضّل بني هاشم في العطاء والصلات على بني أُمية، وأن يفرّق في أولاد من قتل مع أمير المؤمنين يوم الجمل وصفين مليون درهم، وأن يجعل ذلك من خراج دار أبجرد[1].

 

البند الخامس: الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وأن يؤمن الأسود والأحمر، وأن يحتمل معاوية ما صدر من هفواتهم، وأن لا يتبع أحداً بما مضى، وأن لا يأخذ أهل العراق بأحنة وحقد، وعلى أمان أصحاب علي حيث كانوا، وأن لا ينال أحداً من شيعة علي بمكروه، وأنّ أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وأن لا يتعقّب عليهم شيئاً ولا يتعرّض لأحد منهم بسوء، ويوصل إلى كلّ ذي حقّ حقّه، وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت الرسول غائلة سراً ولا جهراً، 

ولا يخيف أحداً منهم في أُفق من الآفاق.

 

فكتب معاوية جميع ذلك بخطّه وختمه بخاتمه، وبذل عليه العهود المؤكّدة 

 


 

[1]  دار ابجرد هي إحدى المدن الخمس في ولاية فارس قديماً (لغتنامه دهخدا، كلمة دار أبجرد). ولعلّ اختيار خراج دار ابجرد كان بسبب ـ ووفقاً للوثائق التاريخية ـ انّ أهلها استسلموا طوعاً بلا قتال للجيش الإسلامي وصالحوه ويختص خراجها كما أمر الإسلام بالرسول وأهل بيته واليتامى والمساكين وابن السبيل، لذلك شرط الإمام أن يدفع إلى عوائل شهداء الجمل وصفين من خراج هذه المدينة، لأنّ دخلها يختص بالإمام، مضافاً إلى ذلك انّ الفقراء من عوائل الشهداء كانوا المستحقين لهذا الخراج، العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 44، ص 10.

 

45

الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام

والأيمان المغلّظة، وأشهد على ذلك جميع رؤساء أهل الشام[1].

 

وهكذا تتحقّق نبوءة نبي الإسلام التي أطلقها عندما شاهد الحسن بن علي وهو لم يزل طفلاً من على منبره وقال: "هذا ابني سيد، ولعلّ الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"[2].

 

الاجتماع في الكوفة: دخل الجانبان الكوفة بقواتهما بعد إبرام معاهدة الصلح، واجتمعوا في مسجدها الكبير. والناس كانوا ينتظرون أن يتم التأكيد على بنود المعاهدة من خلال خطب قائدي الفريقين بمرأى ومسمع منهم حتى لا يبقى مجال للشك والترديد في تطبيقها. ولم يكن هذا التوقّع في غير محلّه فإنّ إيراد الخطبة كان جزءاً من الصلح، ولذلك ارتقى معاوية المنبر وخطب خطبة غير أنّه ليس فقط لم يؤكد على بنود المعاهدة، بل قال مستخفّاً ومستهتزئاً: أتروني قاتلتكم 

على الصلاة والزكاة والحج وقد علمت أنّكم تصلّون وتزكّون وتحجّون! ولكنّي قاتلتكم لأتأمّر عليكم وألي رقابكم. ثمّ 

قال: ألا وإنّ كلّ شرط وشيء أعطيت الحسن بن علي تحت قدمي هاتين[3]. وهكذا داس معاوية كلّ ما تعهد به وشرطه ونقض معاهدة الصلح علانية.

 

جرائم معاوية: وتبعاً لهذه السياسة لم يكتف معاوية بعدم إجراء تعديل على طريقته هذه في التعامل فقط، بل ازداد طغياناً وإجراماً أكثر من السابق، فقد أشاع بدعة سب أمير المؤمنين وهتك حرمة ساحته المقدّسة أكثر ممّا مضى، وضيّق الخناق على الشيعة وأصحاب علي الكبار الأوفياء لدرجة كبيرة، وقتل شخصية بارزة كحجر بن عدي وجماعة آخرين من الشخصيات الإسلامية الكبيرة، وتصاعد

 

 

 


 

[1] يراجع تفصيل معاهدة الصلح في: الشيخ راضي آل ياسين، صلح الحسن عليه السلام، ص 259 - 261.

[2] وقد روى هذا الخبر باختلاف يسير عن النبي في الكتب التالية: سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص 194, ابن الأثير، أُسد الغابة، ج 2، ص 12, الشبلنجي الشافعي، نور الأبصار، ص 121, ابن الصباغ، الفصول المهمة، ص 158, ابن حجر، الإصابة، ج 1، ص 330, ابن حجر، تهذيب التهذيب، ج 2، ص 298, ابن حجر العسقلاني، الصواعق المحرقة، ص 82, ابن كثير، البداية والنهاية: ج 8، ص 36

[3]  ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 16، ص 15, أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص 45, الشيخ المفيد، الإرشاد، ص 191. قال أبو الفرج: خطب هذه الخطبة قبل دخول الكوفة.

 

46

الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام

القتل والتنكيل والاضطهاد لشيعة علي حتى أصبح الشيعة بشكل عام إمّا سجناء أو مفقودين أو مشرّدين بعيداً يعيشون في أجواء يسودها الرعب والخوف.

 

أسباب الصلح في الروايات

إنّ الروايات التي تعرّضت لصلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية قد نستفيد من أكثرها أنّ هذه الخطوة الدقيقة والخطيرة التي قام بها الإمام عليه السلام لم تكن واضحة لدى أذهان أكثر الناس ما شكلّ ضبابيّة في فهم موقفه عليه السلام. وهذه الروايات يمكن تقسيمها إلى قسمين:

الأوّل: روايات تؤكّد على أنّ الصلح له مصلحة عظيمة ومهمّة من دون ذكر الأسباب أو الدّواعي لهذا الصُّلح.

منها: الرِّواية عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "يا سدير اذكر لنا أمرك الذي أنت عليه فإنّ كان فيه إغراق كففناك 

عنه، وإن كان مقصّراً أرشدناك".

 

إلى أن قال عليه السلام: "أمسك حتّى أكفيك، إنّ العلم، الذي وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند عليّ عليه السلام، من عرفه كان مؤمناً ومن جحده كان كافراً ثمّ كان من بعده الحسن عليه السلام قلت: كيف يكون بتلك المنزلة، وقد كان منه ما كان دفعها إلى معاوية؟ فقال: اسكت فإنّه أعلم بما صنع، لولا ما صنع لكان أمر عظيم"[1].

 

الثاني: روايات تؤكّد على أهمّية الصلح وتذكر الأسباب الداعية إليه.

منها: الرواية المرويّة عن نفس الإمام المجتبى عليه السلام عن أبي سعيد قال: قلت للحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام: يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمَ داهنت معاوية وصالحته، وقد علمت أنّ الحقّ لك دونه وأن معاوية ضالّ باغٍ؟

 

فقال عليه السلام: "سخطتم عليّ بجهلكم بوجه الحكمة فيه ولولا ما أتيت لما تُرك من شيعتنا على وجه الأرض أحدٌ إلا قُتل"[2].

 


 

[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 44، ص 1.

[2] م. ن.

 

47

الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام

خلاصة الدرس

- إنّ الظروف الصعبة التي أحاطت بالإمام المجتبى عليه السلام جعلت من محطّات حياته ودراستها أمراً يحتاج إلى كثير من الدقة.

 

- كان الإمام عليه السلام كما يقول السيوطي له مناقب كثيرة رشيداً حليماً، ذا سكينة ووقار وحشمة، جواداً ممدوحاً واشتهر بسخائه النادر...

 

- شارك عليه السلام في حرب الجمل وحرب صفين.

 

- من دوافع الصلح الذي عقده بينه وبين معاوية:

1- الوضع السياسي الخارجي، حيث كان الروم يتحيّنون الفرصة لضرب الإسلام، وتأزم الوضع الداخلي وإشعال حرب داخلية كان من الممكن أن تساعدهم على ذلك.

 

2- الشعور بضرورة تهدئة الوضع الداخلي، بعد أن أنهك المسلمون بحروب الجمل وصفين والنهروان، فكان لا بدّ من المهادنة نوعاً ما.

 

3- عدم ترابط وتكاتف المجتمع العراقي آنذاك.

 

4- التباين الفكري والعقائدي بين أفراد جيش الإمام عليه السلام.

 

5- ضعف النفوس التي استطاع معاوية استغلال أصحابها وثنيهم عن الاستمرار خلف الإمام عليه السلام.

 

أهم بنود الصلح:

الأول: تسليم الأمر لمعاوية على شرط العمل بكتاب الله وسنة رسوله.

الثاني: أن تكون الخلافة للحسن من بعده.

الثالث: أن يترك سب الأمير عليه السلام.

الرابع: إعطاء الأمان للموالين والعلويين.

 

 

48

الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام

أسئلة

1- إشرح بإيجاز الظروف التي كانت محيطة بتسلم الإمام الحسن عليه السلام للخلافة.

2- ما هي أهمّ الأسباب التي دعت الإمام عليه السلام لإجراء الصلح؟

3- ما هي أهمّ بنود الصلح؟

 

ضع علامة صحّ □ أو خطأ  □ في المكان المناسب:

1- ولد الإمام الحسن عليه السلام في النصف من شهر رمضان المبارك □. 

2- لم يشارك الإمام الحسن عليه السلام في أي حرب من الحروب □. 

3- أظهر الإمام الحسن عليه السلام استياءه من أصحابه وجيشه □. 

4- الصلح لا يعني البيعة □. 

5- موضع قبره الشريف في الكوفة □. 

 

 

49

الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام

للمطالعة

 

ظروف الصلح مع معاوية

قال اليعقوبيّ المؤرِّخ في تاريخه: أقام الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام بعد أبيه شهرين، وقيل أربعة أشهر، ووجّه بعبيد الله بن العبّاس في اثني عشر ألفاً لقتال معاوية، ومعه قيس بن سعد بن عبّادة الأنصاريّ، وأمر عبيد الله أن يعمل بأمر قيس بن سعد ورأيه، فسار إلى ناحية الجزيرة، وأقبل معاوية لمّا انتهى إليه الخبر بقتل عليّ، فسار إلى الموصل بعد قتل عليّ بثمانية عشر يوماً، والتقى العسكران، فوجّه معاوية إلى قيس بن سعد يبذل له ألف ألف درهم على أن يصير معه أو ينصرف عنه، فأرسل إليه بالمال، وقال له: تخدعني عن ديني! فيقال: إنّه أرسل إلى عبيد الله بن عبّاس وجعل له ألف ألف درهم، فصار إليه في ثمانية آلاف من أصحابه، وأقام قيس على محاربته. وكان معاوية يدسّ إلى عسكر الحسن من يتحدّث أنّ قيس بن سعد قد صالح معاوية وصار معه، ويوجّه إلى عسكر قيس من يتحدّث أنّ الحسن قد صالح معاوية، وأجابه. ووجّه معاوية إلى الحسن المغيرة بن شعبة، وعبد الله بن عامر بن كريز، وعبد الرحمن بن أم الحكم، وأتوه، وهو بالمدائن نازل في مضاربه، ثمّ خرجوا من عنده، وهم يقولون ويسمعون الناس: إنّ الله قد حقن بابن رسول الله الدماء، وسكّن به الفتنة وأجاب إلى الصلح، فاضطرب المعسكر ولم يشكّك الناس في صدقهم، فوثبوا بالحسن فانتهبوا مضاربه وما فيها، فركب الحسن فرساً له ومضى في مظلم ساباط، وقد كمن الجرّاح بن سنان الأسديّ، فجرحه بمعول في فخذه، وقبض على لحية الجرّاح ثمّ لواها فدقّ عنقه. وحُمل الحسن إلى المدائن وقد نزف نزفاً شديداً، واشتدّت به العلّة، فافترق عنه الناس، وقدم معاوية العراق، فغلب على الأمر، والحسن عليل شديد العلّة، فلمّا رأى الحسن أنّ لا قوّة به، وأنّ أصحابه قد افترقوا عنه فلم يقوموا له، صالح معاوية، وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أيّها الناس! إنّ الله هداكم بأوّلنا وحقن دماءكم بآخرنا، وقد سالمت معاوية، وإن أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين[1].

 


 

[1] تاريخ اليعقوبي، ج2، ص214.

 

50

الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام

الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام

 

 

أهداف الدرس:

1- أنّ يتعرّف الطالب إلى الخصائص القياديّة للإمام الحسين عليه السلام.

2- أنّ يستذكر ملامح عصر الإمام عليه السلام.

3- أنّ يتبيّن ضرورة النهضة الحسينيّة في كربلاء.

 



51

الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام

الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام في سطور

الولادة: وُلد في الثالث من شهر شعبان بالمدينة، سنة أربع من الهجرة.

الشهادة: استشهد في يوم السبت العاشر من المحرّم، سنة إحدى وستّين من الهجرة بعد صلاة الظهر، قتيلاً مظلوماً ظمآن صابراً محتسباً، وله يومئذ ثمان وخمسون سنة.

مدّة الإمامة: إحدى عشرة سنة.

ألقابه: السيّد، الطيّب، الوفيّ، المبارك، النافع، الدليل على ذات الله، السبط، التابع لمرضاة الله.

كنيته: أبو عبد الله.

مدفنه: كربلاء المقدّسة.

  

 

52

الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام

تمهيد:

لقد نهض الإمام الحسين عليه السلام وضحّى بدمه ودماء أهله الطيّبين من ذرّيته وأصحابه، فكانت نهضته المباركة حياة 

للإسلام ليستلهم المسلمون من حركته التي بقيت حيّة نابضة في مختلف المجتمعات. 

 

ولذلك حاول المستكبرون في كافّة العصور إخماد نورها ونارها المحرقة للظالمين، ولكنَّ المشيئة الإلهيّة تغلّبت على هؤلاء الظالمين، لتبقى نهضة الإمام الحسين عليه السلام خالدة على مرّ العصور.

 

مراحل حياة الإمام عليه السلام

يهمنا في هذا الدّرس أن نبحث في فترة تسلّم الامام الحسين عليه السلام للقيادة والإمامة بعد شهادة أخيه الإمام الحسن عليه السلام والّتي استمرّت ما يقارب عشر سنوات كان الإمام يقارع فيها الحكم الأمويّ. هذه المرحلة يمكن تقسيمها إلى قسمين:

أ- مرحلة ما قبل النهضة في عاشوراء (كربلاء).

ب- مرحلة نهضة الإمام عليه السلام في عاشوراء.

 

وما سنتعرّض له في هذا البحث هو مرحلة عاشوراء التي تجلّى فيها الجهاد المسلّح ضد الحاكم المنحرف.

  

 

 

53

الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام

الخصائص القياديّة للإمام الحسين عليه السلام

قبل الكلام عن هذه الحركة التغييرية، وعن ملامح عصر الإمام عليه السلام وعن الأسباب والنتائج لعاشوراء من الجيّد أن نلفت النظر إلى شخصيّة الإمام الحسين عليه السلام وصفاته وبعض الملامح العامّة لهذه الشخصيّة.

 

1- قوّة الإرادة: ويكفي أن نرى قوّة الإرادة عنده من إصراره على إنهاء المسيرة حتّى النهاية مع عائلته وأولاده رغم سماعه نبأ استشهاد مسلم بن عقيل رضوان الله عليه، في جوّ لا يطمئن بأيّ حسم عسكريّ لصالحه، بل في ظروف يعلم أنّه ملاقٍ فيها الشهادة، وهو القائل: "لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برماً"[1].

 

2- إباء الضيم: لقب "أبيّ الضيم" من أهمّ ألقابه المباركة، وقد قال عنه ابن أبي الحديد المعتزليّ: "سيّد أهل الإباء الّذي علّم الناس الحميّة والموت تحت ظلال السيوف اختياراً على الدّنيّة أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن أبي طالب عُرض عليه الأمان هو وأصحابه فأنف من الذلّ، وخاف ابن زياد أن يناله بنوع من الهوان مع أنّه أبى الموت على ذلك"[2].

 

وهو الذي خلّد لنا التاريخ كلمته المشهورة الّتي تنبض بالعزّة والكرامة: "ألا إنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة، ونفوس أبيّة، من أن نؤثر طاعة اللِّئام على مصارع الكرام"[3].

 

3- الشجاعة: ومواقف عاشوراء كلّها دليل على هذه الشجاعة اللافتة للإمام عليه السلام وهو الّذي قال لأصحابه حينما أمطرتهم سهام الأعداء: "قوموا رحمكم الله 

  

 


 

[1] الذهبي، سيرة أعلام النبلاء، ج3، ص310، والحديث في كتاب الطبري، والطبراني "إلا برما".

[2] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج1، ص302.

[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج45، ص8.

 

54

الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام

إلى الموت الّذي لا بدّ منه، فإنّ هذه السهام رسل القوم إليكم"[1].

 

4- الصراحة والوضوح: توّجت كلّ هذه الصفات بصفة مهمّة جداً وهي الوضوح والصراحة، وهو القائل: "يا أمير إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، بنا فتح الله وبنا يختم ويزيد فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله"[2].

 

5- الصلابة في الحقّ: وقد قال عليه السلام: "ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمَل به، وإلى الباطل لا يُتناهَى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله"[3].

 

6- الصبر: قال الأربليّ: "شجاعة الحسين عليه السلام يُضرَب بها المثل، وصبره في الحرب أعجز الأوائل والأواخر"[4].

 

إلى غيرها من الصفات الّتي اجتمعت في الإمام عليه السلام.

 

ملامح عصر الإمام الحسين عليه السلام

نستطيع أن نلخّص ملامح عصر الإمام عليه السلام بكلمة واحدة وهي: أنّ معاوية بن أبي سفيان أراد إعادة الجاهليّة الأولى إلى المجتمع الإسلاميّ باسم الإسلام وإمرة المؤمنين. وقد اعتمد من أجل الوصول إلى هذا الهدف عدّة خطوات منها:

1- إشاعة الإرهاب والتصفية الجسدية لكلّ قوّة معارضة للحكم. وقد صوّر الإمام الباقر عليه السلام هذه الحالة بقوله: "فقُتِلت شيعتنا بكلّ بلدة، وقُطعت الأيدي والأرجل على الظنّة، وكان من يُذكَر بحبنّا والانقطاع إلينا سُجن، أو نُهب ماله أو هُدّمت داره، ثمّ لم يزل البلاء يشتدّ ويزداد إلى زمان عبيد الله بن

  

 


 

[1]  ابن طاووس، اللهوف على قتلى الطفوف، ص65.

[2] البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر ، أنساب الأشراف، ج1، ص1.

[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج44، ص381.

[4] الأربليّ، كشف الغمّة، ج2، ص20.


55

الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام

 زياد قاتل الحسين عليه السلام"[1].

 
2- إغداق الأموال لشراء ضمائر الناس، وقد تمّ فعلاً شراء بعض الوعّاظ والمحدّثين، وهكذا شراء ضمائر الوجوه الاجتماعيّة.
 
3- المضايقة الاقتصاديّة وأسلوب التجويع. وقد قال معاوية في هذا الصدد: "انظروا من قامت عليه البيّنة أنّه يحبُّ عليّاً وأهل بيته فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه"[2].
 
4- العمل على تمزيق أواصر الأمّة الإسلاميّة بإثارة الروح القوميّة والقبليّة والإقليميّة بين قطاعاتها المختلفة.
 
5- اغتيال الإمام الحسن المجتبى عليه السلام.
 
6- فرض البيعة لولده يزيد المعلن بفسقه وتحكُّمه في رقاب المسلمين.
 
وقد انتهج الإمام الحسين عليه السلام في مواجهة هذه الخطوات منهاجاً يقوّض هذا البناء من أساسه:
1- مواجهة معاوية ورفض البيعة ليزيد:
وقد أرسل الإمام عليه السلام لمعاوية رسالة طويلة جاء في بعض مقاطعها: "تريد أن توهم الناس في يزيد كأنّك تصف محجوباً أو تنعت غائباً،... ودع عنك ما تحاول، فما أغناك أن تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه، فوالله ما برحت تقدح باطلاً في جورٍ وحنقاً في ظلم حتّى ملأت الأسقية، وما بينك وبين الموت إلّا غمضة فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود، ولات حين مناص"[3].
  

 
[1]  ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج11، ص43.
[2] م.ن، ج11، ص45.
[3] الدينوري، ابن قتيبة، الإمامة والسياسة، ج1، ص195- 196.
 

56

الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام

2- جمع الأمّة الإسلامية على الحقّ:

فقد لبّى الإمام الحسين عليه السلام الدعاوي والوفود الكثيرة التي تطلب منه مواجهة الظلم والطغيان المتمثّل بالحاكم الأمويّ معاوية. وقد بدأت ظاهرة التجمّع مع الإمام تظهر أمام أعين السلطة الحاكمة ما اضطرّ معاوية إلى أن يرسل له رسالة فيها تهديد وتحذير من مواقفه.

 

3- فضح جرائم معاوية:

أرسل الإمام الحسين عليه السلام رسالة جاءت كردّ على الرسالة السابقة فضحت الحاكم الأمويّ معاوية. وجاء في هذه الرسالة مجموعة أمور منها:

أ- وصف حزب معاوية بحزب الظلمة.

ب- تذكيره بجرائمه المختلفة التي أدّت إلى إراقة دماء الأبرياء والعظماء من الصالحين الأصحاب كحجر بن عدّي، وعمرو بن الحمق الخزاعيّ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهما. 

ج- وصف خلافة معاوية بأنّها أعظم فتنة تمرّ بالأمّة الإسلاميّة.

د- تذكيره بنقض العهد وبنود الصلح الّذي أبرمه مع الإمام الحسن عليه السلام. 

هـ- تهديده لمعاوية حسبما جاء في نصّ الرسالة:

"فأبشر يا معاوية بالقصاص، واستيقن بالحساب، واعلم أنّ لله تعالى كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها، وليس الله بناس لأخذك بالظنّة، وقتلك أولياءه على التهم، ونفيك إيّاهم من دورهم إلى دار الغربة"[1].

 

و- تذكيره بنقضه العهد بتولية ابنه يزيد الغلام الحدث، شارب الخمر، ملاعب الكلاب. فبهذا الشكلّ واجه الإمام عليه السلام السياسة الأمويّة الظالمة الّتي

  

 


 

 

[1] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج4، ص327.

 


57

الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام

أطاحت بكلّ مَعْلَم إسلاميّ لتحويل الحضارة الإسلاميّة إلى حضارة قيصريّة وكسرويّة...

 

عاشوراء مرحلة الجهاد والشهادة

الّذي يدرس الملامح العامّة لعصر الإمام عليه السلام الّتي تحدّثنا عن بعضها، يخرج بنتيجة منطقيّة وهي ضرورة النهضة الحسينيّة باعتبار أنّ الأمّة الإسلاميّة في زمن الحكم الأمويّ عانت من مرض خطير وهو فقدان الإرادة مع وضوح الحقّ، وقد لخّص ذلك الفرزدق بقوله للإمام عليه السلام: "قلوبهم معك وسيوفهم عليك"[1].

 

وهذه الهزيمة النفسيّة قد تجلّت في مواقف كثيرة منها:

أ- أجمعت كلمة عقلاء المسلمين على تخويفه من رفض بيعة يزيد.

 

ب- عدم استجابة زعماء البصرة الموالين للإمام عليّ عليه السلام لنداء الإمام الحسين عليه السلام.

 

ج- عدم نصرة عشيرة بني أسد بعد أن ذهب حبيب بن مظاهر رضوان الله عليه إليهم.

 

د- استطاع ابن زياد خلال أسبوعين تجنيد الألوف ممّن كان بعضهم مع الإمام عليّ عليه السلام. وغير ذلك من المواقف التي نستطيع أن نفهم منها هذه الهزيمة النفسيّة. وكان أمام الإمام عليه السلام عدّة مواقف:

الأوّل: أن يبايع يزيد.

الثاني: أن يرفض البيعة ويبقى في مكّة أو المدينة.

الثالث: أن يرفض ويذهب إلى بلد من بلاد العالم الإسلاميّ كاليمن.

الرابع: أن يرفض ويلبّي نداء الرسائل الموجهة إليه ويستشهد في كربلاء.

 

وكان اختيار الموقف الرابع مبنيّاً على إدراك طبيعة الظروف الموضوعيّة 

  


 

[1] الطبري، محمّد بن جرير، دلائل الإمامة، ص182.


58

الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام

المحيطة بالأمّة، ومن خلاله استطاع أن يعالج هذا المرض الّذي دبّ في جسدها وكاد أن يقضي عليها. فاستطاع أن يهزّ ضمير الأمّة من ناحية، ويشعرها بأهميّة الإسلام وكرامة هذا الدين من ناحية ثانية، ويعيد لها إرادة المواجهة من ناحية ثالثة، وأن يوضح لكلّ المسلمين أنّ مفهوم الصلح عند الإمام الحسن عليه السلام لم يكن موقفاً إمضائياً وإنّما كان أسلوباً تمهيديّاً لموقف الإمام الحسين عليه السلام.

  

 

59

الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام

خلاصة الدرس

1- عاش الإمام الحسين عليه السلام ما يقارب عشر سنوات بعد شهادة الحسن عليه السلام وذلك ضمن مرحلتين:

الأولى: مرحلة ما قبل النهضة.

الثانية: مرحلة ما بعد النهضة.

 

من صفات الإمام عليه السلام:

قوة الإرادة - إباء الضيم - الشجاعة - الصراحة والوضوح - الصلابة في الحق - الصبر.

 

الخطوات التي قام بها معاوية في عصر الإمام الحسين عليه السلام:

1- إشاعة الإرهاب والتصفية الجسدية لكل من يعارضه.

2- إغداق الأموال لشراء ضمائر الناس.

3- التضييق الاقتصادي وسياسة التجويع.

4- اغتيال الإمام الحسن عليه السلام.

5- فرض البيعة لولده يزيد.

 

الخطوات التي اتبعها الإمام الحسين عليه السلام في مواجهة معاوية:

1- رفض البيعة ليزيد.

2- جمع الأمة على الحق من خلال تلبية دعوات أهل الكوفة.

3- فضح جرائم معاوية.

4- كان الموقف النهائي للإمام عليه السلام تجاه يزيد هو الثورة العسكرية ضده.

 

 

 

 

60

الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام

أسئلة

1- ما هي أهم الخصائص القيادية الموجودة في شخصية الإمام الحسين عليه السلام؟

2- لماذا اختار الإمام عليه السلام موقف الشهادة دون المواقف الأخرى؟

3- ما هو المنهج الذي اتبعه الإمام في مواجهة معاوية؟

 

ضع علامة صحّ □ أو خطأ □  في المكان المناسب:

1- ولد الإمام عليه السلام في الثالث من شهر شعبان □

2- كانت مدة إقامة الإمام الحسين عليه السلام سنة واحدة فقط □

3- بعث الإمام الحسين عليه السلام رسالة لمعاوية فضحه فيها على جرائمه □

4- كان خيار المواجهة العسكرية مع يزيد هو الخيار الأنسب حسب رأي الإمام عليه السلام □

5- استشهد الإمام الحسين عليه السلام في الثالث عشر من المحرّم □

 

 


61

الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام

للمطالعة

 

كراهة صوم عاشوراء

عن محمد بن سنان عن أبان عن عبد الملك، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صوم يوم تاسوعاء من شهر المحرّم فقال عليه السلام:

"تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين عليه السلام وأصحابه (رضي الله عنهم) بكربلاء، واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها واستضعفوا فيه الحسين عليه السلام وأصحابه كرّم الله وجوههم، وأيقنوا أن لا يأتي الحسين عليه السلام ناصر ولا يمدّه أهل العراق، بأبي المستضعف الغريب".

 

ثمّ قال: "وأمّا يوم عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين عليه السلام صريعاً بين أصحابه، وأصحابه صرعى حوله، أفصوم يكون في ذلك اليوم؟ كلّا وربّ البيت الحرام ما هو يوم صوم وما هو إلّا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين، ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام غضب الله عليهم وعلى ذرّياتهم، وذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام، فمن صام أو تبرّك به حشره الله تعالى مع آل زياد ممسوخ القلب ومسخوطاً عليه ومن ادّخر فيه إلى منزله ذخيرة أعقبه الله نفاقاً في قلبه إلى يوم يلقاه، وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته وولده، وشاركه الشيطان في جميع ذلك"[1].

 


 

[1] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 10، ص 460.

 

 


62

الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام

الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام

 

أهداف الدرس:

1- أن يتعرّف الطالب إلى حياة الإمام السجّاد عليه السلام وملامح عصره.

2- أن يستذكر أهداف الإمام السجّاد عليه السلام.

3- أن يتبيّن أسلوب مواجهة الإمام عليه السلام للإنحراف.

  

 

63

الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام

الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام في سطور

الولادة: ولد يوم الخميس الخامس من شعبان سنة 38هـ.

الشهادة: المشهور أنّه استشهد في أحد الأيّام الثلاثة: إمّا الثاني عشر من محرّم، أو الثامن عشر، أو الخامس والعشرين منه، في سنة خمس وتسعين للهجرة، وقيل في سنة وفاته (سنة الفقهاء) لكثرة موت الفقهاء والعلماء آنذاك. وكان عمره ستّاً وخمسين سنة.

ألقابه: زين العابدين، سيّد الساجدين، سيّد العابدين، ذو الثفنات.

كنيته: أبو الحسن وأبو محمّد وقال بعضهم: أبو الحسين.

مدفنه: المدينة المنوّرة - البقيع.

 

64

الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام

 تمهيد

برز الإمام السجاد عليه السلام على الصعيد العلمي والديني، إماماً في الدين ومناراً في العلم، ومرجعاً ومثلاً أعلى في الورع والعبادة والتقوى حتى سلّم المسلمون جميعاً في عصره بأنّه أفقه أهل زمانه وأورعهم وأتقاهم... فقال الزهري، وهو 
من معاصريه: "ما رأيتُ قرشياً أفضل منه"، وقال سعيد بن المسيّب وهو من معاصريه أيضاً: "ما رأيت قط أفضل من علي بن الحسين"، وقال الإمام مالك: "سُمّي زين العابدين لكثرة عبادته"، وقال سفيان بن عيينة "ما رأيت هاشمياً أفضل من زين العابدين ولا أفقه منه"، وعدّه الشافعي أنّه: "أفقه أهل المدينة".
 
 
وقد اعترف بهذه الحقيقة حكّام عصره من بني أمية أنفسهم، رغم ما بينه وبينهم من عداوة وخصومة، فقال له عبد الملك بن مروان يوماً: "لقد أوتيت من العلم والدين والورع ما لم يؤته أحد مثلك قبلك إلاّ من مضى من سلفك.."، ووصفه عمر بن عبد العزيز بأنّه: "سراج الدنيا وجمال الإسلام"[1].
 
ومع هذا اعتبر بعض المؤلّفين أنّ شهادة الإمام الحسين عليه السلام أفقدت الفكر الشيعيّ المحور الأساس، وهو الزعيم السياسيّ الّذي كان محور الحركة القيادية، وأنّ الإمام زين العابدين عليه السلام انصرف عن السياسة إلى الدين وأصبح زعيماً روحياً لا علاقة له بما يجري من أحداث على أرض الواقع، بل غاية ما قام به هو
  

 
 
[1]  تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 303 - 305.
 

 


65

الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام

تخريج ثلّة من العلماء والفقهاء الكبار الذين أصبحوا فيما بعد مراجع في الأحكام الفقهيّة والقضايا الإسلاميّة.

 

وحاول بعضهم أن يعطي بعض الترجيحات لتثبيت أنّ الإمام عليه السلام أخذ قراراً بالابتعاد عن السياسة، فيذكر ثورة المختار الثقفيّ ورفض الإمام لهذه الثورة، ما يؤكّد عدم خروجه من مرحلة التعبّد إلى مرحلة العمل السياسيّ، بل يمكن اعتبار فاجعة كربلاء كافية لانعزال الإمام عليه السلام عن الحياة السياسيّة وعدم وثوقه بالناس.

 

والحقيقة أنّ هذا التصوّر هو ما أراد أن يوحي به الإمام عليه السلام للسلطة الأمويّة الحاكمة للحفاظ على التشيّع ولنشر الإسلام الأصيل بشكل هادئ وليحصل التغيير من الأرض وبشكل تدريجيّ. وهو ما نفهمه عندما ندرس مراحل حياة الإمام عليه السلام.

 

المحطات الرئيسة في حياة الإمام السجاد عليه السلام

يمكن اعتبار حضوره الإمام السجاد عليه السلام في كربلاء ومواقفه في الشام، وتخطيطه في المدينة بعد عودته إليها هي المحطات الثلاث التي تؤشّر إلى الأبعاد الحقيقية التي بلورت شخصيته الجهادية في قابل الأيام والسنين، فضلاً عن محطته الرئيسة في بيت العصمة والطهارة الذي نشأ وعاش وترعرع فيه وخاصة مع جدّه الإمام علي وأبيه الحسين وعمّيه الحسن والعباس عليهم السلام.

 

المحطة الأولى: في كربلاء:

تؤكّد المصادر التاريخية أنّ الإمام السجاد عليه السلامكان حاضراً في كربلاء إذ شهد واقعة الطفّ بجزئياتها وتفاصيلها وجميع مشاهدها المروّعة، وكان شاهداً عليها ومؤرّخاً لها. ولعلّه يُعتبر أصدق وأهم مراجعها على الإطلاق... وورد في معظم المصادر التاريخية، أو المتفق عليه فيها، أنّه عليه السلام كان يوم كربلاء مريضاً أو موعوكاً[1] وللحدّ الذي لا يستطيع الوقوف على قدميه، أو لا تحمله 

  

 


 

[1] المفيد، الارشاد، 231. القاضي النعمان المغربي، شرح الأخبار، 3، ص 250. الذهبي سير أعلام النبلاء، ج 4، ص 486.

 

 


66

الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام

قدماه، كما تقول الروايات[1]. فقد جاء في تاريخ اليعقوبي ما نصّه: روي عن علي بن الحسين عليه السلام أنّه قال: "إنّي لجالسٌ في العشية التي قُتل فيها أبي الحسين بن علي، في صبيحتها وعمّتي زينب تمرّضني، إذ دخل أبي وهو يقول:

يـا دهرُ أفٍّ لك مـن خليلِ     كم لك في الإشراق والأصيلِ

مـن طالبٍ وصـاحبٍ قتيلِ      والدهـر لا يقنـع بـالبديلِ

وإنّمـا الأمـر إلـى الجليلِ        وكـلّ حـيٍّ سـالكُ السبيلِ

 

ففهمتُ ما قال وعرفتُ ما أراد، وخنقتني عبرتي، ورددتُ دمعتي، وعرفتُ أنّ البلاء قد نزل بنا. فأمّا عمّتي زينب فإنّها لمّا 

سمعت ما سمعت، والنساء من شأنهنّ الرقّة والجزع، لم تملك أن وثبت تجرّ ثوبها حاسرة وهي تقول: واثكلاه، ليت الموت 

أعدمني الحياة... فقال لها الحسين: يا أختي اتّقي الله، فإنّ الموت نازل لا محالة... فتقدّم إليها وصبّ على وجهها الماء وقال: يا أختاه: تعزّي بعزاء الله، فإنّ لي ولكلِّ مسلم ومسلمة أسوة برسول الله... ثمّ قال: "إنّي أُقسم عليك، فأبرّي قسمي، لا تشقّي عليَّ جيباً، ولا تخمشي عليَّ وجهاً، ولا تدعي عليَّ بالويل والثبور. ثمّ جاء حتى أجلسها عندي، فإنّي لمريض مدنف، وخرج إلى أصحابه..."[2].

 

كلّ ذلك وغيره كثير يختزنه الإمام السجاد عليه السلام ويطوي عليه قلبه وضلوعه، إذ لم يتسنَّ له أن يبذل مهجته، لجرحٍ أصابه، فأخرجه من المعركة، أو مرضٍ شديد أقعده عن المساهمة فيها، فيحمل تلك المشاهد والكلمات ليصبح بعد ذلك ناطقاً رسمياً بما شاهده واطّلع عليه، ويكون المرجع الرئيس المنتدب لإتمام المهمّة التي استشهد من أجلها أبوه الإمام الحسين عليه السلام، والتي لم تنته باستشهاده، بل إنّها بدأت بعد ذلك مباشرة فعلاً.

  

 

 

 


 

[1] وورد ما يشير إلى أنه قد حضر بعض القتال: "وكان علي بن الحسين عليلاً، وارتُثَّ يومئذٍ، وقد حضر بعض القتال، فدفع الله عنه وأُخِذ مع النساء" ومع وضوح هذا النص، فإنّ كلمة (ارتُثَّ) هذه تدلُّ على اشتراكه في القتال، لأنها تُقال لمن حُمل من المعركة بعد أن قاتل وأُثخن بالجراح، فأُخرج من أرضها وبه رمق، كما يقول اللغويون، أو أصحاب فقه اللغة.

[2] تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 243 ـ 244، دار صادر ـ بيروت.

 

67

الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام

المحطة الثانية: في الكوفة والشام:

يستحضر الإمام السجاد عليه السلام مصارع إخوته وأبناء عمومته، فيقف شامخاً في قصر الإمارة بالكوفة مع عمّته زينب وهما يحملان بلاغة علي وعنفوان الحسين وعزّة العباس، ليقولا بكلام عربي فصيح ومواجهة كلامية حادّة بينهما وبين الطاغية عبيد الله بن زياد، قولاً لا يمكن أن يقوله ثائر مغلوب منكسر في مثل موقعهما وموقفهما وأمام هذا الطاغية الذي ما زال يقطر سيفه من دماء المجزّرين في رمضاء كربلاء من أهل بيت النبوة.

 

ثمّ يلتفت ابن زياد إلى عليّ بن الحسين ويقول: "ما اسمك؟" قال "علي بن الحسين" قال: "ألم يقتل الله علي بن الحسين؟" فسكت، فقال: "مالك لا تتكلم؟" قال: "كان لي أخ يُقال له علي قتله الناس"!! فقال ابن زياد: "إنّ الله قتله" فسكت الإمام عليه السلام. قال: "مالك لا تتكلّم؟" فقال الإمام علي بن الحسين عليه السلام: "الله يتوفى الأنفس حين موتها.. وما كان لنفسٍ أن تموت إلاّ بإذن الله...". ثم غضب ابن زياد فأراد قتله على جرأته وتجاسره على الطاغية بتلك الأجوبة، فتشبّثت به عمّته زينب وتعلّقت به، وقالت لابن زياد: "يا ابن زياد، حسبُك منّا ما أخذت، أما رويتَ من دمائنا؟ وهل أبقيت مِنّا أحداً؟ أسألك الله ـ إن كنت مؤمناً ـ إن قتلته لمّا تقتلني معه.."[1].

 

أمّا في الشام وحيث الدور الإعلامي أكثر تأثيراً من قعقعة السيوف وطعن الرماح مع ما يستبطن من فضح وكشف واحتمال تصفية وقتل، يقف الإمام السجاد عليه السلام في مجلس يزيد، فينبري بعد أن يحمد الله ويثني عليه مسفّهاً الدعاوى الأموية التي حاولت تشويه نهضة أبيه، وتزييف أهداف ثورته، قائلاً: "يا معشر الناس: فمن عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أُعرّفه نفسي، أنا ابن مكّة ومِنى، أنا ابن 

  


 

[1] ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 3، ص 435.

 

68

الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام

مروة والصفا، أنا ابن محمد المصطفى... أنا ابن من علا فاستعلى، فجاز سدرة المنتهى، وكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء مثنى مثنى، أنا ابن من أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أنا ابن علي المرتضى، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن خديجة الكبرى، أنا ابن المقتول ظلماً، أنا ابن المجزور الرأس من القفا، أنا ابن العطشان حتى قضى، أنا ابن صريع كربلاء، أنا ابن مسلوب العمامة والرداء، أنا ابن من بكت عليه ملائكة السماء، أنا ابن من ناحت عليه الجنّ في الأرض والطير في الهواء، أنا ابن من رأسه على السنان يُهدى، أنا ابن من حرمه من العراق إلى الشام تُسبى... أيُّها الناس إنّ الله تعالى ـ وله الحمد ـ ابتلانا أهل البيت ببلاء حسن، حيث جعل راية الهدى والتُقى فينا، وجعل راية الضلالة والردى في غيرنا..."[1].

 

وهكذا حتى عمّ المجلس النحيب والبكاء ـ كما تقول الروايات التأريخية ـ فكشف مالم يكشف وفضح ما تمّ التكتّم عليه أو يُراد له ذلك.

 

وبهذه الخطبة الموجزة أصبح الرمز الذي يقود مسيرة الإحياء ـ إحياء هذا الدين المضيّع ـ الذي شوّهته السلطة الأموية وحكمت أو تحكّمت باسمه... فتراه عليه السلام حين أراد يزيد أن يقطع حديثه بالأذان للصلاة، يُعلِّق على صوت المؤذّن الذي يقول: "أشهد أنّ محمداً رسول الله" بقوله: "يا يزيد! هذا جدّي أم جدّك؟ فإن قلت جدّك فقد كذبت! وإن قلت جدّي، فلمَ قتلتَ أبي وسبيت حرمه وسبيتني؟!"، ثمّ قال مخاطباً الناس: "أيُّها الناس، هل فيكم من أبوه وجدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟" فعلت الأصوات بالبكاء.

 

وقام إليه رجل من شيعته يُقال له المنهال بن عمرو الطائي، وفي رواية مكحول صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأله: "كيف أمسيتَ يا ابن رسول الله؟".

  


 

 

[1] ابن شهر آشوب المازندراني، مناقب آل أبي طالب، ج 4، ص 182.

 

69

الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام

فيستثمر الإمام السجاد عليه السلام هذا السؤال فيروح مندّداً بالعصابة التي حرّفت دين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويضع أُولى العناوين العريضة في هذه المسيرة التبليغية الإعلامية التي قادت وتقود مسيرة الإحياء العظيمة هذه، 

برائدها الوحيد الحيّ الباقي، مؤكّداً على الفرعونية الجديدة التي تتحكّم باسم الدين مستنهضاً همم الرجال، مقرّعاً ضمائرهم، مناشداً غيرتهم على دين عظيم ضيّعوه بالتواطؤ مع هذه العصابة الضالّة المضلّة، فيجيب سائله بقولٍ موجز بليغ: "أمسينا فيكم كهيئة بني إسرائيل في آل فرعون، يذبّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، وأمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمداً منها، وأمسى آل محمد مقهورين مخذولين، فإلى الله نشكو كثرة عدّونا، وتفرّق 

ذات بيننا، وتظاهر الأعداء علينا..."[1].

 

وهكذا يتجلّى دور الإمام السجاد عليه السلام في قيادة مشروع الإحياء وثورة التصحيح. ومن هذه المحطة تبدأ رحلة الألف ميل مسافة وعمقاً من الشام إلى المدينة، ليستأنف الإمام عليه السلام مهمته الرسالية في استكمال هذا المشروع وريادة هذه الثورة.

 

المحطة الثالثة: في المدينة المنوّرة:

أ- دوره العلمي:

ليس الحديث عن الدور العلمي للإمام السجاد عليه السلام مما تجمعه السطور، أو تفي بالتعبير عنه, ولكن حسبها أنّها تأتي بمعالم تفصح بعض إفصاح عن ذلك الدور وما كان يتمتّع به صاحبه من منزلة.

 

فلقد عاش الإمام زين العابدين عليه السلام في المدينة المنورة، حاضرة الإسلام الأولى، ومهد العلوم والعلماء، في وقت كانت تحتضن فيه ثلّة من علماء الصحابة، 

  


 

[1] ابن شهر آشوب، المناقب ج 4، ص 182.

 

70

الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام

مع كبار علماء التابعين، فكان بشهادة أكابر أبناء طبقته والتابعين لهم، الأعلم والأفقه والأوثق، بلا ترديد. فقد كان الزهري يقول: "ما كان أكثر مجالستي مع علي بن الحسين، وما رأيت أحداً كان أفقه منه". وممن عرف هذا الأمر وحدّث به الفقيه الشهير سفيان بن عيينة[1]. وبمثل هذا كان يقول الشافعي محتجّاً بعلي ابن الحسين عليه السلام على أنّه كان (أفقه أهل المدينة)[2].

 

هذا، وقد كانت مدرسته تعجّ بكبار أهل العلم من حاضرة العلم الأولى في بلاد الإسلام، يحملون عنه العلم والأدب، وينقلون عنه الحديث، ومن بين هؤلاء، كما أحصاهم الذهبي: أولاده أبو جعفر محمد (الباقر عليه السلام) وعمر، وزيد، وعبد الله، والزهري، وعمرو بن دينار، وخلق سواهم.. وقد حدّث عنه غير هؤلاء رجال من خاصة شيعته من كبار أهل العلم، منهم: أبان بن تغلب، وأبو حمزة الثمالي، وغيرهما كثير[3].

 

هذا الجمع الغفير وغيرهم ممن وصف بالخلق الكثير أخذوا عنه عليه السلام علوم الشريعة من تفسير القرآن الكريم والعلم بمحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وأحكامه وآدابه، والسُنّة النبوية الشريفة روايةً وتدويناً في عصر كانت ما تزال كتابة الحديث فيه تتأثّر بما سلف من سياسة المنع من التدوين، السياسة التي اخترقها أئمة أهل البيت عليهم السلام فكتب عنهم تلامذتهم والرواة عنهم الشيء الكثير، إلى أحكام الشريعة، حلالها وحرامها وآدابها، إلى فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في عهد عمدت فيه السياسة على تعطيل الكثير من الأحكام وتبديل بعض السنن وإحياء بعض البدع، إلى الجهر في نصرة المظلوم وضرورة الردّ على الظالم وكشف أساليبه الظالمة للناس.

  


 

[1] الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 4، ص 389. وابن عساكر، مختصر تاريخ دمشق، ج 17، ص 240.

[2] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 15، ص 274.

[3] راجع: رجال الشيخ الطوسي ـ باب أصحاب علي بن الحسين عليه السلام.

 

71

الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام

ب- دوره في بلورة المعارضة السياسية.

المؤسف في قراءات ودراسات الكثير من المؤرّخين والمحلّلين السياسيين هو ارتباكهم وعدم دقّتهم في تحديد أدوار أئمة أهل البيت عليهم السلام وتفكيك مدرستهم الفكرية والسياسية في تعاملهم مع السلطات، وكذلك عدم قدرة هؤلاء المحلّلين على إدراك حكمة تنوّع تلك الأدوار وفلسفتها وعدم استيعاب حرص الأئمة إلى الاحتفاظ بوحدة هدفهم في المحافظة على الإسلام عقيدةً وشريعةً، نظريةً ومنهاجاً.

 

وعلى هذا الأساس كان موقف الإمام السجاد ـ بنظرهم ـ من الثورة والجهاد عُرضة لهذا التحليل الشاطح الذي وضع أُسسه صنفان من الناس:

- صنف يحب الدعة والاسترخاء فيروح يُفسِّر موقفه عليه السلام دعةً واسترخاءً للتغطية على فشله هو وهزيمته ونكوصه.

 

- وصنفٌ يهوى الثورة والتمرّد فيتحامل على الإمام جسارة أو تجرؤاً فيتّهمه أنّه اعتزل السياسة والتصدّي بعد فجيعته بوالده وإخوته، وغدر الغادرين من أهل زمانه، فاكتفى بالتضرّع والدعاء[1].

 

وبعضهم يحلّل إأّه آثر الدعاء والبكاء على غيرهما, لأنهما أيسر مؤونةً وأقلُّ كلفةً من المواجهة والنزال وحزِّ الرؤوس وجزِّ الرقاب...[2].

 

ويشطح صنف آخر أكثر من هؤلاء جميعاً فيزعم أنّه صالح وساوم السلطة ونأى بنفسه بعيداً عن الثورات الشيعية التي تفجّرت في زمانه, بل تبرّأ منها في السرِّ والعلن[3]. فلنتوقّف قليلاً أمام هذه المزاعم وندرسها بموضوعية وتأنٍّ وباختصار شديد...

  


 

[1]  الدكتورة الليثي، جهاد الشيعة، ص 29.

[2] كاظم جواد السبتي، حياة علي بن الحسين عليه السلام، ص 320. صبحي الصالح، ونظرية الإمامة، ص 349.

[3] ناجي الحسن، ثورة زيد، ص 30 و 31

 

72

الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام

 المرحلة المنعطف

إنّ مرحلة الإمام السجاد عليه السلام يمكن أن تسجّل منعطفاً مهماً بين مرحلتين فاصلتين في عمل أئمة أهل البيت عليهم السلام:
الأولى: مرحلة التصدّي والصراع السياسي والمواجهة العسكرية ضدّ المنحرفين والمحرّفين من الفاسقين والمارقين والناكثين، وقبلهم الكفرة والمنافقين وأعداء الدين الواضحين...
 
الثانية: مرحلة المعارضة السياسية الصامتة، أو الرفض المسؤول الواضح للانحراف، أمام الضبابية والزيف الملفّع بالدين، وبعد ذلك بناء القاعدة الشعبية والجماعة الواعية التي تتحمّل عبء الرسالة لمواجهة الانحراف والتحريف اللذين أُغرقت أو استُغرقت فيهما الحالة الدينية تحت شعارات الإسلام نفسها ويافطات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
 
تأسيساً على ذلك، كان على الإمام زين العابدين عليه السلام أن يجذّر في عقول وضمائر الجماعة المؤمنة التي يُراد لها أن تحفظ الإسلام عقيدةً ونظاماً، شريعةً ومنهاجاً، عدّة أمور منها:
1- تركيز ثورة الإمام الحسين عليه السلام في ضمائر الناس باعتباره خرج لطلب الإصلاح في أُمّة جدّه فعلاً، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، داعياً لتحكيم دين الله، ولم يخرج (أشراً ولا بطراً)، بل لم يخرج على إمرة (أمير المؤمنين يزيد!!) ولم ينوِ تمزيق الصف المسلم أو تفريق جماعة المسلمين، وبالتالي فإنّه قُتل بسيف أعداء الدين، وليس (بسيف جدّه) كما كان يروّج الإعلام الرسمي آنذاك، وبعض المؤرّخين المتخلّفين اليوم[1].
 
2- بناء الجماعة الواعية، أو كما تُسمى القاعدة الجماهيرية الشعبية، المؤهّلة
  

 
 
[1] صائب عبد الحميد، ابن تيمية حياته عقائده، ص 390، الطبعة الثانية.
 

73

الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام

 لحفظ الرسالة وحدودها بعيداً عن الزيف والتزييف وسياسة تسطيح الوعي التي غطّت مساحات عريضة من الجمهور المسلم بحيث أضحت تلك الجماهير لا تفرّق بين المفاهيم ومصاديقها، أو بين الشعارات المرفوعة وضرورة تبنّيها، أو بين الأصيل والطارىء، الأمر الذي يُسبّب الفتنة فعلاً أو يُشعلها، ويحجب الرؤية الواضحة عن النفوس البريئة التي تتأثّر بالشعار ولا تغوص في أعماق الأمور.

 
3- تعميق مفهوم الإمامة والولاية في الجماعة الخاصة بعد أن اهتزّت لدى العامّة تحت ضغط الإعلام المزّيف وأبواقه 
المأجورة، ومن ثمّ توضيح الخرق الفاضح الذي تمَّ خلاله فصل المرجعية الفكرية عن المرجعية السياسية أو الاجتماعية، وبالأحرى فصل الدين عن السياسة، وإبقاء مقاليد الأمور بيد الصبيان والغلمان، يعبثون بمقدّرات البلاد والعباد.
 
4- العمل بدقّة في مقطع زمني بالغ الحساسية، يحسب على الإمام حركاته وسكناته، ويعدّ عليه أنفاسه وكلماته من جهة، وموازنة ذلك مع عمل إعلامي وتبليغي بالغ الصعوبة والتعقيد لكشف المعالم الحقيقية للدين، بعيداً عن عيون السلطة ورقابتها وأزلامها وجواسيسها المنتشرين في كل زاوية وزقاق، من جهة أخرى.
 
وبهذا استطاع الإمام السجاد عليه السلام أن يقود الأمة ويكمل الثورة ويحقّق بقية أهدافها، لكن بما ينسجم مع طبيعة المرحلة وتعقيداتها، حتى لو لم يتسلم سلطة أو حكماً.
  
 
 

74

الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام

 خلاصة الدرس

- برز الإمام السجاد عليه السلام على الصعيد العلمي والديني، إماماً في الدين ومناراً في العلم.

 

- يمكن تقسيم مراحل حياة الإمام إلى قسمين:

1- مرحلة ما قبل الطف.

2- مرحلة ما بعد الطف.

 

- من أبرز مواقفه عليه السلام بوجه يزيد وأعوانه، ما خطب به في مجلسه أمام جموع من الناس، حتى عم المجلس النحيب والبكاء، وكشف ما لم يكشف وفضح ما تمّ التكتّم عليه.

 

- عاش الإمام عليه السلام بعد ثورة كربلاء في المدينة المنورة وكانت مدرسته فيها تعجّ بكبار العلم، يحملون عنه العلم والأدب، وينقلون عنه الحديث.

 

- قام الإمام بخطوات هامّة لحفظ الإسلام عقيدة ونظاماً منها:

1- تركيز ثورة الإمام الحسين عليه السلام في ضمائر الناس.

2- بناء الجماعة الصالحة والواعية.

3- تعميق مفهوم الإمامة.

 

 

 

 

75

الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام

 أسئلة

1- إلى كم مرحلة تنقسم حياة الإمام زين العابدين عليه السلام؟

2- ما هو النتاج الثقافي والأخلاقي الذي تركته الصحيفة السجادية على المجتمع الإسلامي؟

3- ما هي أهم الإصلاحات التي قام بها الإمام في مواجهة الانحراف السائد في عصره؟

 

ضع علامة صحّ □  أو خطأ □ في المكان المناسب:

1- ولد الإمام زين العابدين يوم الخميس السابع عشر من ربيع الأوّل □

2- موضع قبره الشريف في البقيع □

3- كان للإمام عليه السلام خطبة في الكوفة وخطبة في الشام □

4- عاش الإمام عليه السلام أواخر حياته في المدينة المنورة □

5- لم يكن للإمام عليه السلام أي دور بعد ثورة الطف □

 

 

 

76

الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام

 للمطالعة

 
سعيد بن جبير صاحب الإمام السجّاد عليه السلام
ذكر الشيخ الطوسيّ رضوان الله عليه في رجاله اثنين وسبعين رجلاً من أصحاب الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام أو ممّن يروي عنه بأسمائهم[1]، سعيد بن المسيّب: قال عنه الإمام عليه السلام: "سعيد بن المسيّب أعلم الناس بما تقدّمه من الآثار وأفهمهم في زمانه"[2].
 
أبو حمزة الثماليّ: قال عنه الإمام الرضا عليه السلام: "أبو حمزة سلمان زمانه"[3].
سعيد بن جبير: كان كثير العلم حتّى قيل عنه: "ليس على وجه الأرض من هو مستغنٍ عن علم ابن جبير"[4]، ونحن نورد عنه هذه القصّة الّتي رواها صاحب روضات الجنّات لنبيّن من خلالها عظمة هذه الشخصيّة.
 
اعتقله رجال الحجّاج يوماً، وجاءوا به عنده، فقال الحجّاج: أنت شقيّ بن كسير لا سعيد بن جبير.
 
فقال سعيد: إنّ أمّي أعلم حينما سمّتني سعيداً.
الحجّاج: لم لا تضحك؟
 
سعيد: كيف يضحك من خُلق من تراب وقد تحرقه النار؟.
الحجّاج: فلماذا نضحك نحن؟
 
فقال سعيد: قلوب الناس ليست سواء.
فأمر الحجّاج ليؤتى بالمجوهرات فتوضع أمام سعيد.
 
 

 
[1]  الشيخ الطوسي، محمّد بن الحسن، رجال الشيخ، ص81.
[2] الشيخ الطوسي، رجال الكشي (اختيار معرفة الرجال)، ص119.
[3] م.ن، ص485.
[4] ابن شهر آشوب، المناقب، ج3، ص311.
 

77

الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام

 فقال سعيد: إنِ ادّخرت هذه لتنجو بها من عذاب القيامة فلا بأس عليك وإلّا فاعلم أنّها تذهل كلّ مرضعة عما أرضعت، فلا خير في ادّخار الثروة إلّا ما كان زكيّاً خالصاً.

فأمر الحجّاج ليؤتى بآلات اللهو والطرب فبكى سعيد.
فقال الحجّاج: كيف تريد أن تُقتل؟
 
قال سعيد: كما تحبّ. والله ما قتلتني قتلة إلّا قتلك الله مثلها يوم القيامة.
قال سعيد: إن كان هناك عفو فهو من عند الله ولن أطلب صفحاً منك أبداً.
 
فأمر الحجّاج ليمدّ بساط القتل فقال سعيد: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾[1].
 
فقال الحجّاج: حوّلوا وجهه عن القبلة.
 
قال سعيد: ﴿وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾[2].
قال الحجّاج: اجعلوا وجهه إلى الأرض.
 
قال سعيد: ﴿مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾[3].
فقال الحجّاج: افصلوا رأسه.
 
قال سعيد: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
 
ثمّ دعا فقال "اللهم لا تسلّطه على أحد من بعدي".
 
ولم تمضِ سوى لحظات قليلة حتّى كان دم سعيد الطاهر يجري بأمر من الحجّاج[4].
 

 
 
[1] سورة الأنعام، الآية: 79.
[2] سورة البقرة، الآية: 115.
[3] سورة طه، الآية: 55.
[4] الخنساري، روضات الجنات، ص310.
 

78

الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام

الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام

 

أهداف الدرس

1- أن يتعرّف الطالب إلى خصائص مرحلة الإمام الباقر عليه السلام.

2- أن يتعرّف إلى الظروف السياسية في عصر الإمام عليه السلام.

3- أن يتبيّن أسلوب تعامل الإمام عليه السلام مع الظروف المحيطة

 

79

الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام

 الإمام محمد بن عليّ الباقر عليه السلام في سطور

الولادة: يوم الاثنين في الثالث من صفر، أو غرّة رجب سنة 57 بالمدينة المنوّرة، وكان حاضراً في وقعة الطفّ مع جدّه الحسين عليه السلام وعمره أربع سنين.
الشهادة: يوم الاثنين السابع من ذي الحجّة، سنة 114هـ وهو ابن ستّ وخمسين سنة.
ألقابه: الباقر، الشاكر، الهادي، الأمين.
كنيته: أبو جعفر.
مدفنه: المدينة المنوّرة، البقيع.
 
 

80

الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام

 الظروف السياسية المحيطة

عاش الإمام الخامس من أئمّة أهل البيت عليهم السلام, أبو جعفر الباقر عليه السلام، في فترة زمنية مفصلية في تاريخ الأمة الإسلامية، وفي أوج الصراع على السلطة فترة حكم بني أميّة بمرحلتي بني سفيان وبني مروان، هذه الفترة التي تميّزت بتعبئة العالم الإسلاميّ في مواجهة أهل البيت عليهم السلام, بكلّ أساليب الدعاية والإغراء الماديّ والمعنويّ، فكان على المسلم أن يعلن عداءه لنهج أهل البيت عليهم السلام وإلّا لم يكن له إلّا الاضطهاد والظلم والقمع وفي كثير من الأحيان حدّ السيف.
 
ولكن رغم كلّ الأجواء الضاغطة كان هناك فسحة من الراحة نتيجة انشغال الأمويّين بنزاعاتهم الخاصّة للاستيلاء على الحكم بالإضافة إلى الكثير من الثورات التي انطلقت تباعاً بعد واقعة كربلاء والتي أضعفت الحكم الأمويّ...
 
استفاد منها الإمام الباقر عليه السلام ورسم لنفسه مساراً واضحاً على هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, في تبليغ الرسالة، وبيان أحكام الشريعة الإسلامية، ومعالجة كل الانحرافات العلمية والفكرية التي أُدخلت في ذلك الزمان على الشريعة الإسلامية، ووضع المنهج العلمي الصحيح الذي يفهم الدين الإسلامي من خلاله، كما أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم, وهذا ما تطلّب تربية جيل من العلماء والفقهاء والمتخصّصين، حتى تمكّن مع ابنه الإمام الصادق عليه السلام من إعادة إحياء أصول الشريعة الإسلامية وفروعها.
 

81

الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام

المقام العلمي للإمام الباقر عليه السلام

قال ابن حجر في ترجمة الإمام محمد الباقر عليه السلام: سُمي بذلك لأنه من بقر الأرض، أي شقّها، وإثارة مخبآتها ومكامنها، فكذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف وحقائق الأحكام، والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة أو فاسد الطوية والسريرة، ومن ثم قيل هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه[1]. والذي يدلّ على سعة علومه أنه مع كثرة ما انتهل العلماء من نمير علومه، فإنه كان يجد في نفسه ضيقاً وحرجاً لكثرة ما عنده من العلوم التي لم يجد لبثها ونشرها سبيلاً، فكان عليه السلام يقول: "لو وجدت حمَلَة لعلمي الذي أتاني الله عز وجلّ، لنشرت التوحيد والإسلام والدين والشرايع..، وكيف لي بذلك، ولم يجد جدّي أمير المؤمنين عليه السلام حملة لعلمه حتى كان يتنفَّس الصعداء ويقول على المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني فإن بين الجوانح علماً جماً... "[2].

 

وكان عليه السلام مقصد العلماء من كل البلاد الإسلامية، وما زار أحدٌ المدينة إلا عرّج على بيت محمد الباقر عليه السلام يأخذ منه..، وكان يقصده من أئمة الفقه كثيرون[3]، فلقد حاز الإمام عليه السلام على شهرة علمية عالمية في زمانه، فكان مجلسه يغصُّ دوماً بالوافدين من مختلف أرجاء وأصقاع الأرض الإسلامية، وكانت مكانته العلمية تستهوي الكثيرين للاستعانة به لحل المعضلات العلمية والفقهية التي تواجههم. وقد فتن بشخصيته في ذلك الوقت أهل العراق.. وكان الوافدون عليه عليه السلام يبدون خضوعاً وأملاً كبيرين بشخصيته العلمية بحيث كان عبد الله بن عطاء المكّي يقول: "ما رأيت العلماء عند أحدٍ قط أصغر منهم عند أبي جعفر. ولقد رأيت الحكم بن عُيينة مع جلالته في القوم بين يديه كأنّه صبيٌّ بين يدي معلّمه"[4]. وذكر ابن

 


 

[1] ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص 201.

[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 3، ص 225.

[3] أبو زهرة، الإمام الصادق عليه السلام، ص 22.

[4] الشيخ المفيد، الإرشاد، ص280- 282.

 

82

الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام

شهر آشوب في المناقب: "إنّ أبا جعفر أكبر العلماء"[1]، وقد أخذ عنه أهل الفقه ظاهر الحلال والحرام[2]. وكان عليه السلام واسع العلم ووافر الحلم[3]، حتى وصفه هشام بن عبد الملك بأنه "نبي الكوفة" حين سأله الأبرش الكلبي: "من هذا الذي احتوشته أهل العراق يسألونه؟ قال: هذا نبي الكوفة وهو يزعم أنّه ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وباقر العلم ومفسِّر القرآن"[4].

 

العوامل المؤثّرة في المرحلة

يمكن اختصار العوامل المؤثّرة التي ميّزت هذه المرحلة بالآتي:

أ- انتشار الخوف في كافّة المناطق الإسلاميّة خصوصاً بعد واقعة الحرّة.

ب- الانحطاط الفكريّ الّذي كان يعمّ أكثر الناس في العالم الإسلاميّ، وهذا كان نتيجة للابتعاد عن التعاليم الدينيّة خلال سنوات طويلة.

ج- الفساد السياسيّ المتفشّي بين الحكّام سواء في المستوى النظريّ أم العمليّ.

 

في ظلّ هذه العوامل بدأ الإمام السجّاد عليه السلام بالعمل المتواصل والدؤوب كما مرّ معنا، وأكمل ابنه الإمام الباقر عليه السلام من بعده هذا العمل، وفي زمنه كان الوضع قد تحسّن عمّا كان عليه وذلك بفضل جهود الإمام زين العابدين عليه السلام.

 

إضافة إلى ما ذكر وصل الانحراف في عصر الإمام الباقر عليه السلام إلى ذروته، سواء على مستوى الحكم والسلطة أم على المستوى العقائديّ والدينيّ والثقافيّ، فالحكم صار كتلة ظلم وجور، والعقائد والمفاهيم صارت تتضاربها الأهواء، فكثرت المدارس، وتعدّدت المناهج، وتعمّقت الخلافات.

 

ويمكن أن نشير، في هذا الإطار، إلى بعض التيّارات الّتي واجهها الإمام عليه السلام:

 

 


 

[1] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج 3.

[2]  الشيخ باقر شريف القرشي، حياة الإمام الباقر، ج 1، ص 139.

[3] ابن عتبة، عمدة الطلب، ص 195، ج 4، ص 402.

[4] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 46، ص 350.

 

 


83

الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام

 كالغلاة، وقد نشطوا بقيادة المغيرة بن سعيد الّذي قال في حقّه الإمام الصادق عليه السلام: "لعن الله المغيرة بن سعيد إنّه كان يكذب على أبي"[1] والمجبّرة، وهم القائلون بالجبر الملتزم بإبطال النبوات والتكاليف، وقد ذكرهم أغلب من ذكر المجسمة، ولم يصرّح بكفرهم إلا القليل[2]، والمفوّضة، وهم الذين يقابلون المجبّرة ويقولون بتفويض أمر العباد إليهم، وحال هؤلاء حال المجبّرة أيضاً[3]. وروي عن الإمام الباقر عليه السلام: "إيّاك أن تقول بالتفويض فإنّ الله عزّ وجلّ لم يفوّض الأمر إلى خلقه وهناً منه وضعفاً ولا أجبرهم على معاصيه ظلماً[4]".

 
والمرجئة، وهي من الإرجاء، أرجأت الأمر أي أخرته، وهم فرقة من فرق الذين يزعمون أنّ أهل القبلة كلهم مؤمنون ويعتقدون أنّ الله تعالى أرجأ تعذيبهم عن المعاصي، أي أخره عنهم[5]. وقال عليه السلام محذّراً منهم: "اللهمّ العن المرجئة فإنّهم أعداؤنا في الدنيا والآخرة"[6].
 
المواجهة والمنهج الإصلاحي
لقد حرص الإمام عليه السلام على المعالجة العلمية الشاملة، لكل ما يرتبط بفهم الدين الإسلامي، وممارسته وتطبيقه في الحياة، ولهذا كان منهجه العلمي الإصلاحي شاملاً للجانب العقائدي الذي يستند عليه فكر الإنسان وعقيدته وإيمانه، والجانب الفقهي الذي ينظّم حياة الإنسان وسلوكه الفردي والعام, باعتباره القانون الذي شرّعه الدين الإسلامي لحماية الحقوق وحفظ الواجبات، إضافة للجانب 
 
 

 
 
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 25، ص 297.
[2] محمد علي الأنصاري, الموسوعة الفقهية لميسّرة, ج2, ص21.
[3] م. ن.
[4] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، م. س، ج5، ص 17.
[5] الشيخ فخر الدين الطريحي، مجمع البحرين، ج1، ص 177. الفيروز أبادي، القاموس المحيط، ج1، ص 16.
[6] م. ن، ج50، ص 292.
 

84

الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام

السلوكي والأخلاقي الذي يكفل تطبيقاً صحيحاً لهذا النظام، ويضفي عليه جنبة روحية خاصة.

 

ولهذا نجد أن منهج الإمام عليه السلام يستوعب كل حقول المعرفة، ويمتاز بسلامة المصدر ووضوح الارتباط بمصادر المعرفة الربّانية المتمثّلة بكتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم, فقد عمل على تثبيت موقع القرآن الكريم، والسنة الشريفة، وكيفية الاستفادة منهما كمصدرين رئيسين للاستنباط وفهم الدين، وعمل على المعالجة المباشرة للشبهات الفكرية، ووضع أسس النظام الأخلاقي والتربوي عند أهل البيت عليهم السلام, ويمكن إيجاز معالم هذا المشروع بالآتي:

 

أ- العلم والتعلّم أصلان لا غنى عنهما: حثّ الإمام عليه السلام على طلب العلم، وخصوصاً علم الفقه فقال: "الكمال كل الكمال: التفقه في الدين، والصبر على النائبة وتقدير المعيشة"[1].

 

وحرص عليه السلام على نشر العلم وتعليمه للناس بقوله عليه السلام: "من علّم باب هدى فله أجر من عمل به، ولا ينقص أولئك من أجورهم شيئاً..."،[2] وجعل على العلم زكاة فقال: "زكاة العلم أن تعلّمه عباد الله"[3].

 

ب- تربية الفقهاء والمحدّتين: لم يكتفِ الإمام عليه السلام بحفظ الدين بما فيه من تفسير وتفصيلٍ في الأحاديث ووضع القواعد المساعدة على الفهم، بل نجده اهتمّ بتربية ثلّة من الأصحاب وحملة الحديث جعلهم يتفرّغون لذلك، وعهد إلى ابنه الإمام الصادق عليه السلام أن يتولّى القيام بنفقاتهم حتّى تخرّجت على يديه كوكبة من عيون الفقهاء والعلماء.

 


 

[1] الشيخ الكليني، الكافي،ج1،ص32.

[2] م.ن.ص35

[3] م.ن.ص41

 

85

الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام

ويذكرهم الإمام الصادق عليه السلام بقوله: "كان أصحاب أبي والله خيراً منكم، كان أصحاب أبي ورقاً لا شوك فيه"[1].

 

وقد ذكرت كتب التراجم ترجمة أربعمائة واثنين وثمانين شخصاً من تلامذته وأصحابه، منهم العظماء أمثال أبان بن تغلب الّذي قال له الإمام عليه السلام: "اجلس في مسجد المدينة وأفتِ الناس فإنّي أحبّ أن يُرى في شيعتي مثلك"[2].

 

ج- القرآن الكريم دستور العقيدة والهداية: فنجد أن الإمام الباقر عليه السلام قد حثَّ المؤمنين على تلاوة كتاب الله العزيز، لأنه المنبع الأصيل والدستور الدائم لهداية الناس، فالقرآن يحيي القلوب بنوره. روى أبو بصير قال: قلت لأبي جعفر إذا قرأت القرآن فرفعت صوتي جاءني الشيطان فقال: إنما ترائي بهذا أهلك والناس، فقال عليه السلام: "يا أبا محمد اقرأ قراءة ما بين القراءتين تسمع أهلك، ورجِّع بالقرآن صوتك فإن الله يحب الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعاً"[3].

 

وذمَّ الإمام الباقر المحرِّفين لكتاب الله، وهم الذين يؤوِّلون آياته حسب أهوائهم، فقد كتب عليه السلام في رسالته إلى سعد الخير: "وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه، وحرفوا حدوده، فهم يرونه ولا يرعونه والجهّال يعجبهم حفظهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية"[4].

 

وأعلن رفضه لمنهج تفسير القرآن الذي يعتمد على الآراء الشخصية والاستحسان، فقد دخل عليه الفقيه المعروف قتادة فقال له الإمام عليه السلام: أنت فقيه أهل البصرة؟ "نعم هكذا يزعمون"، بلغني أنك تفسّر القرآن. "نعم"، فأنكر الإمام عليه ذلك وقال له:

 

 

 


 

[1] الشيخ الطوسي، رجال الكشي (اختيار معرفة الرجال)، ج2، ص 639.

[2] م. ن، ج1، ص 131.

[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 616.

[4] م. ن، ج 8، ص 53.

 

86

الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام

 "يا قتادة إن كنت قد فسَّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت، وإن كنت قد فسّرته من الرجال فقد هلكت وأهلكت، يا قتادة، ويحك، إنما يعرف القرآن من خوطب به"[1]، بإشارة صريحة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام. وقد أثر للإمام عليه السلام كتاب في التفسير نصَّ عليه ابن النديم في (الفهرست) عند عرضه للكتب المؤلفة في تفسير القرآن الكريم، فقال: "كتاب الباقر محمد بن علي بن الحسين رواه عنه أبو الجارود زياد بن المنذر رئيس الجارودية" وقال السيد حسن الصدر: رواه عنه جماعة من ثقات الشيعة منهم أبو بصير يحيى بن القاسم الأسدي، وأخرجه علي بن إبراهيم القمي في تفسيره[2].

 
د- موقع السنة الشريفة وأهميتها في فهم الدين: يعدُّ الحديث المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، وله أهميته البالغة ودوره الكبير في بناء الصرح الفقهي والتشريع العملي للحياة الإنسانية. وقد زاد من اهتمام أهل البيت عليهم السلام بنشر سنّة رسول الله وتبليغها ما واجهه الحديث النبوي الشريف من مآسي الدس والتزوير والوضع والتضييع، خلال فترة منع الخلفاء من تدوينه وكتابته بل التحديث به في بعض الأحيان.
 
واعتنى الإمام الباقر عليه السلام بشكل خاص بحديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حتى روى عنه جابر بن يزيد الجعفي سبعين ألف حديث[3]، كما روى عنه أبان بن تغلب وغيره من تلامذته وأصحابه مجموعة كبيرة من هذا التراث الضخم. ولم يكتفِ الإمام بنقل الحديث ونشره بل دعا إلى الاهتمام بفهم الحديث والوقوف على معطياته، حتى جعل المقياس في فضل الراوي هو فهم الحديث ودرايته بمعانيه وأسراره. روى يزيد الرزّاز عن أبيه عن أبي عبد الله الصادق عن أبيه الباقر عليه السلام أنه قال له: "اعرف
 
 

 
 
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج8، ص 311.
[2] السيد حسن الصدر، راجع تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ص327، الفهرس للشيخ الطوسي ص98.
[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 140، وراجع مقدمة صحيح مسلم.
 

87

الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام

منازل الشيعة على قدر رواياتهم ومعرفتهم, فإن المعرفة هي الدراية للرواية، وبالدراية للرواية يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان"[1].

 

هـ- علم الكلام: وبحث الإمام أبو جعفر في كثير من دروسه المسائل الكلامية، وسئل عن أعقد المسائل وأدقّها في بحوث هذا العلم فأجاب عنها، سأله رجل فقال له: أخبرني عن ربك متى كان؟ فأجابه الإمام عليه السلام: "ويلك! إنما يقال لشيء لم يكن، متى كان؟ إن ربي تبارك وتعالى كان ولم يزل حياً بلا كيف، ولم يكن له كان، ولا كان لكونه كون. كيف! ولا كان له أين، ولا كان في شيء، ولا كان على شيء، ولا ابتدع لمكانه مكاناً، ولا قوي بعدما كوّن الأشياء، ولا كان ضعيفاً قبل أن يكوّن شيئاً... كان حياً بلا حياة حادثة، ولا كون موصوف ولا كيف محدود، ولا أين موقوف عليه، ولا مكان جاور شيئاً، بل حي يعرف، وملك لم يزل له القدرة والملك، أنشأ ما شاء حين شاء بمشيئته، لا يحد ولا يبعض، ولا يفنى، كان أولاً بلا كيف، ويكون آخراً بلا أين، وكل شيء هالك إلاّ وجهه، له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين...."[2].

 

و- الجانب الأخلاقي والتربوي: وضع الإمام أسس النظام الأخلاقي العام للفرد والمجتمع. ونشير إلى بعض جنباته في هذه العجالة:

1- الحث على الخصال الحميدة: حثَّ عليه السلام على التمرّن على الأخلاق الفاضلة والخصائص الحميدة، فقال عليه السلام: "عليكم بالورع والاجتهاد، وصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم عليها براً كان أو فاجراً، فلو أن قاتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام ائتمنني على أمانة لأديتها"[3].

 

2- حسن الخلق: وحبّب إلى النفوس حسن الخلق والرفق، فقال: "من أعطي الخلق 

 


 

[1] باقر شريف القرشي، حياة الإمام محمد الباقر عليه السلام، ص 140 و 141 عن محمد المازندراني، ناسخ التواريخ، ج 2، ص 219.

[2] الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 88 ـ 89.

[3] الحرّاني، تحف العقول، ص299.

 

 


88

الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام

 والرفق فقد أعطي الخير كلّه، والراحة، وحسن حاله في دنياه وآخرته. ومن حُرم الرفق والخلق كان ذلك له سبيلاً إلى كل شرّ وبليّة إلاّ من عصمه الله تعالى"[1].

 
3- العلاقة بالآخر على أساس العلاقة بالله: كما حثّ عليه السلام على جعل الروابط والعلاقات الاجتماعية على أساس القرب والبعد من الله تعالى، فقد أورد أحاديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تؤكد على ذلك ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "ودّ المؤمن للمؤمن في الله من أعظم شعب الإيمان، ومن أحبّ في الله، وأبغض في الله، وأعطى في الله، ومنع في الله, فهو من أصفياء الله"[2].
 
4- عدم إكرام الشرير: روى عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: "ألا إن شرار أمتي الذين يكرمون مخافة شرّهم، إلا وإنّ من أكرمه النّاس اتقاء شرّه فليس منّي"[3].
 
5- الترغيب بالأدب الحسن: وحبّب إلى نفوس أصحابه الأدب وحسن السيرة، فقال: "ما استوى رجلان في حسب ودين قط إلاّ كان أفضلهما عند الله آدبهما"[4].
 
6- الزهد: وروى عليه السلام عن الإمام عليّ عليه السلام قوله: "إن من أعون الأخلاق على الدين الزهد في الدنيا"[5].
 
فقد حبّب الإمام عليه السلام إلى أصحابه السلوك الصالح، بربطه بالعبادة وطلب العون من الله تعالى، فقال: "ما من عبادة أفضل من عفّة بطن وفرج، وما من شيء أحبُّ إلى الله من أن يُسأل، وما يدفع القضاء إلاّ الدعاء، وإن أسرع الخير ثواباً البرّ..."[6].
 
 

 
 
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج75، ص 186.
[2] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج16،ص166.
[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار،ج72،ص272.
[4] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج6،ص221.
[5] الشيخ الكليني، الكافي،ج2،ص128.
[6] م. ن، ص460.
 

89

الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام

7- الارتباط الدائم بالله تعالى: الارتباط بالله تعالى والاستسلام له والعزم على طاعته من شأنه أن يمحّص القلوب، ويطهّر النفوس، قال عليه السلام: "ما عرف الله من عصاه"،[1]. فإنّ المعرفة تنتج الحبّ والحبّ الصادق يحول بين الإنسان وبين مخالفة محبوبه.

 

8- الإقرار بالذنب والتوبة: إن منهج أهل البيت عليه السلام يهدف إلى علاج النفوس البشرية، واستجاشة عناصر الخير فيها، والى مطاردة عوامل الشر والضعف والغفلة. قال عليه السلام: "والله ما ينجو من الذنب إلاّ من أقرّ به"[2]. والتوبة تمحو الذنب فيعود الإنسان من خلالها إلى الاستقامة ثانية، قال عليه السلام: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزئ"[3].

 

9- تعميق الحياء الداخلي: ولا بد أن يتسلّح الإنسان بالواعز الذاتي الذي يصدّه عن فعل القبيح، ولذا أكّد الإمام عليه السلام على الحياء لأنه حصن حصين يردع الأهواء والشهوات من الانطلاق اللا محدود. قال عليه السلام: "الحياء والإيمان مقرونان في قرن، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه"[4].

 

 

 


 

[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار،ج75، ص 174.

[2] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص426.

[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج6، ص41.

[4] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص106.

 

90

الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام

خلاصة الدرس

- عاش الإمام الباقر عليه السلام في فترة زمنية مفصلية في تاريخ الأمة في أوج الصراع بين بني أمية وبني مروان على السلطة، ما فسح له المجال لمعالجة كل الانحرافات العلمية والفكرية.

 

- عُرف عليه السلام بالعلم الوافر، وكان مقصد العلماء من كل البلاد الإسلامية.

 

- العوامل المؤثرة في المرحلة التي عاشها عليه السلام:

1- انتشار الخوف في كافة المناطق الإسلامية.

2- الانحطاط الفكري الذي عمّ أكثر الناس في العالم الإسلامي.

3- الفساد السياسي المتفشي بين الحكام على المستوى النظري أو العملي.

 

وضع عليه السلام أسس النظام الأخلاقي والتربوي، ويمكن إيجاز معالمه بالآتي:

أ- العلم والتعلّم.

ب- تربية الفقهاء، والمحدثين.

ج- الاهتمام بالقرآن.

د- فهم الدين من خلال السنة الشريفة.

هـ- علم الكلام.

 


91

الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام

أسئلة

1- كيف كان وضع السلطة في فترة حياة الإمام الباقر عليه السلام؟

2- ما هي الطريقة التي اعتمدها الإمام عليه السلام للإصلاح؟

3- بماذا اهتمّ الإمام بالإضافة إلى الجانب العلميّ؟


ضع علامة صحّ □ أو خطأ □ في المكان المناسب:

1- موضع قبره الشريف في الكاظمية □

2- عاصر الإمام عليه السلام حكم بني العباس □

3- اهتم الإمام عليه السلام بالجانب العلمي والأخلاقي □

4- واجه الإمام عليه السلام تيار الغلو □

5- كنية الإمام عليه السلام هي "أبو عبد الله" □

 

 

92

الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام

للمطالعة

علم الإمام الباقر عليه السلام مع شيعته

ينقل أبو بصير أنّ الإمام الباقر عليه السلام سأل رجلاً من أهل أفريقيا عن رجل من شيعته اسمه (راشد) فأجاب: إنّه بخير ويبلّغك سلامه.

 

فقال الإمام عليه السلام: يرحمه الله؟

قال الرجل متعجّباً: أهو قد مات؟

 

فقال: نعم.

فسأل: متى حدث ذلك؟

 

قال: بعد مغادرتك بيومين.

فقال الرجل: إنّه والله لم يكن مريضاً.

 

فأجاب: وهل كلّ من يموت فهو عن مرض؟

 

وعندئذٍ سأل أبو بصير الإمام عليه السلام عن ذلك الشخص المتوفّى.

 

فقال الإمام عليه السلام:

"إنّه كان من شيعتنا ومحبّينا، أتظنّ أنّه ليس لنا عيون بصيرة وآذان سميعة معكم؟ بئس الظنّ! والله ما من شي‏ء من أفعالكم يخفى علينا، فاعلموا أنّنا معكم وعوّدوا أنفسكم على فعل الخير، وكونوا من أهله حتّى تُعرفوا به ويصبح علامة عليكم، وإنّني لآمر أبنائي وشيعتي بهذا المنهج"[1].

 


 

 

[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار،ج 46، ص 243.

 

93

الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

 الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

 
أهداف الدرس:
1- أن يتبيّن الطالب الظروف السياسيّة المحيطة بعصر الإمام الصادق عليه السلام.
2- أن يتعرّف إلى جامعة الإمام الصادق عليه السلام ونهضته العلمية.
3- أن يتعرّف إلى معالم منهج الإمام الصادق عليه السلام الإصلاحي.
 
 

94

الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

 الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام في سطور

الولادة: ولد يوم الاثنين في السابع عشر من شهر ربيع الأوّل في المدينة المنوّرة سنة 83هـ.
الشهادة: استشهد في شهر شوّال سنة 148هـ مسموماً على يد المنصور، وهو ابن خمسٍ وستين سنة.
مدّة الإمامة: أربع وثلاثون سنة.
ألقابه: الفاضل، الطاهر، الصادق.
كنيته: أبو عبد الله وأبو إسماعيل.
مدفنه: المدينة المنوّرة، البقيع.
 

95

الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

الظروف المحيطة

يُعتبر عهد الإمام الصادق عليه السلام عهد الانفراج الفكريّ لمدرسة أهل البيت عليهم السلام ، طبعاً قياساً بالعهود السابقة التي مرّت بها الأمّة الإسلاميّة. وأسباب هذا الانفراج كثيرة أهمّها ضعف الحكم الأمويّ وانهياره سنة 132هـ. والبداية الضعيفة لدولة بني العبّاس. ومن الطبيعيّ أن ينشغل الحكّام عن رموز أهل البيت عليهم السلام. لذلك كان الإمام عليه السلام بعيداً عن المواجهة السياسيّة العلنيّة. ولذا سُمّي هذا العصر بعصر انتشار علوم آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.

 

"وكان فضلاء الشيعة ورواتهم في تلك السنين آمنين على أنفسهم مطمئنّين متجاهرين بولاء أهل البيت عليهم السلام معروفين بذلك بين الناس، ولم يكن للأئمّة عليهم السلام مزاحم لنشر الأحكام، فكان يحضر شيعتهم مجالسهم العامّة والخاصّة للاستفادة من علومهم"[1].

 

ولقد بلغ الازدهار العلمي والفكري غايته في عهد الإمام الصادق عليه السلام فازدهرت المدينة المنوّرة وزخرت بطلاب العلوم ووفود الأقطار الإسلامية، وانتظمت فيها حلقات الدرس، وكان بيته كجامعة إسلامية يزدحم فيه رجال العلم وحملة الحديث من مختلف الطبقات ينتهلون من معين علمه. ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان[2].

 

 

 


 

[1] الطهراني، آغابزرك، الذريعة، ج2، ص 132.

[2] ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص 199.

 

96

الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

وإلى هذا أشار الجاحظ - وهو من شاهد علماء القرن الثالث "جعفر بن محمد الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه"[1].

 

قبس من علمه ومناقبه

"أمّا مناقبه وصفاته فتكاد تفوق عدد الحاصر ويحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر، حتّى إنّ من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى صارت الأحكام التي لا تُدرَك عللها والعلوم التي تقصر الأفهام عن الإحاطة بحكمها تُضاف إليه وتُروى عنه"[2].

 

وقال كمال الدين محمّد بن طلحة: هو - "أيّ الإمام الصادق عليه السلام - من عظماء أهل البيت عليهم السلام وساداتهم ذو علوم جمّة وعبادة موفورة وأوراد متواصلة وزهادة بيّنة وتلاوة كثيرة يتتبع معاني القرآن الكريم ويستخرج من بحره جواهره ويستنتج عجائبه ويقسّم أوقاته على أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليها نفسه. رؤيته تذكّر بالآخرة واستماع كلامه يزهّد في الدنيا والاقتداء بهداه يورث الجنة، نور قسماته شاهد أنّه من سلالة النبوّة، وطهارة أفعاله تصدع بأنّه من ذريّة الرسالة، نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من أعيان الأئمّة وأعلامهم مثل: يحيى بن سعيد الأنصاريّ وابن جريح ومالك بن أسد والثوريّ وابن عيينة وأبي حنيفة وأيوب وغيرهم، وعدّوا أخذهم منه منقبة شُرّفوا بها وفضيلة اكتسبوها"[3].

 

إذاً، قد شهد القاصي والداني والمؤالف والمخالف أنّ الإمام صاحب المقام العلميّ الرفيع الّذي لا ينازعه أحد. حتّى توافدت كلمات الثناء والإكبار والإعجاب 

 

 


 

[1] الجاحظ، رسائل الجاحظ، ص 106، عن مجلة تراثنا، ج 47.

[2] الأربلي، أبو الفتح، كشف الغمة، ج2، ص 368.

[3] م. ن، ص368.

 

97

الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

عليه من قبل الحكّام، وأئمّة المذاهب، والمؤرّخين وأصحاب السير... وقد أجمع العلماء مثل: المفيد، والطبرسيّ، والفتّال النيسابوريّ، والشهيد الثاني، وابن شهر آشوب، وغيرهم أنّه نُقل عن الإمام من الروايات ما لم يُنقل عن أحد غيره.

 

وهناك شواهد كثيرة على عظمة الإمام الصادق عليه السلام العلمية، وهو أمر متفق عليه من قبل علماء الشيعة والسنّة، 

فالفقهاء والعلماء الكبار يتواضعون أمام عظمته العلمية ويمدحون تفوقّه العلمي، فأبو حنيفة إمام المذهب الحنفي الشهير كان يقول: "ما رأيت أعلم من جعفر بن محمد"[1].

 

ويقول أيضاً: لما أقدمه (جعفر بن محمد) المنصور بعث إليّ فقال: "يا أبا حنيفة إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيّئ له من مسائلك الشداد فهيّأت له أربعين مسألة، ثمّ بعث إليّ أبو جعفر وهو بالحيرة فأتيته، فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه، فلمّا بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر المنصور، فسلّمت عليه، فأومأ إليّ فجلست.

 

ثمّ التفت إليه فقال: يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة.

قال عليه السلام: نعم أعرفه.

ثمّ التفت إليّ فقال: يا أبا حنيفة ألق على أبي عبد الله من مسائلك.

 

فجعلت أُلقي عليه فيجيبني، فيقول أنتم تقولون كذا وأهل المدينة يقولون كذا ونحن نقول كذا، فربما تابعنا وربما تابعهم 

وربما خالفنا جميعاً، حتى أتيت على الأربعين مسألة فما أخل منها بشيء.

 

ثمّ قال أبو حنيفة وبعد ما بلغ إلى هذا الوضع: "أليس أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس؟"[2].

 


 

 

 

 

[1] الذهبي، تذكرة الحفاظ، ج1، ص166.

[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج47، ص217؛ الشيخ أسد حيدر، الإمام الصادق عليه السلام والمذاهب الأربعة، ج4، ص335.

 

98

الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

 وقال مالك إمام المذهب المالكي: "اختلفت إلى جعفر بن محمد زماناً، فما كنت أراه إلاّ على إحدى ثلاث خصال: إمّا مصلياً، وإمّا صائماً، وإمّا يقرأ القرآن، وما رأيته قط يحدّث عن رسول الله إلاّ على طهارة[1]. ولا يتكلم بما لا يعنيه. وكان من العلماء العبّاد والزهّاد الذين يخشون الله، وما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً"[2].

 
وكتب الشيخ المفيد: "ونقل الناس عنه -الصادق عليه السلام- من العلوم ما سارت به الركبان، وانتشر صيته في جميع البلدان، ولم ينقل عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه من العلوم"[3].
 
الجامعة الجعفرية الكبرى
نظراً لتوفر الفرصة السياسية المناسبة وحاجة المجتمع الماسّة واستعداد الأرضية الاجتماعية، واصل الإمام الصادق جهوده في النهضة العلمية والثقافية التي ابتدأها أبوه الإمام محمد الباقر وأسّس مدرسة وجامعة علمية كبيرة علّم وربى فيها تلامذة كباراً وبارزين، أمثال: هشـام بن الحكـم، محمـد بن مسلـم، أبـان بن تغلب، هشام بن سالم، مؤمن الطاق، المفضل بن عمر، وجابر بن حيان و... في مختلف المجالات العقلية والنقلية، وقد ناهز عدد تلامـذته الأربعة آلاف طالب[4] كما قالوا.
 
وكان كلّ واحد من هؤلاء الطلاب شخصية علمية كبيرة متألّقة، وقد قدّموا خدمات كبيرة، وكان لبعض منهم مؤلفات علمية وتلامذة كثيرون، فمثلاً كان لهشام بن الحكم واحد وثلاثون كتاباً[5]. وألّف جابر بن حيان أكثر من مائتي كتاب[6] في 
 
 

 
 
[1] ابن حجر، تهذيب التهذيب، ج1، ص88.
[2] الشيخ أسد حيدر، الإمام الصادق عليه السلام والمذاهب الأربعة، ج1، ص53.
[3] الشيخ المفيد، الإرشاد، ص270.
[4] م. ن، ص271. الشيخ أسد حيدر الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، ج1، ص69.
[5] الفتال، روضة الواعظين، ص229، الشيخ الطبرسي، أعلام الورى، ص284.
[6] ابن النديم، الفهرست، ص512- 517.
 

99

الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

مواضيع علمية مختلفة لا سيما العلوم العقلية والطبيعية والكيميائية وقد اشتهر لذلك بأبي علم الكيمياء وقد ترجمت كتبه في القرون الوسطى إلى لغات أُوروبية عديدة، وقد أطراه مؤرّخو العلوم جميعهم.

 

تصحيح منهج الاجتهاد

لقد حرص الإمام الصادق عليه السلام على المعالجة العلمية الجديّة والشاملة، للواقع العلمي بشكل عام والفقهي بشكل خاص، نظراً لما يشكّل الفقه من نظام للحياة الفردية والاجتماعية وينظّم علاقة الإنسان بربّه وبباقي بني جنسه. 

 

وتكوّن المنهج الإصلاحي من مجموعة من الخطوات أهمها:

الأولى: رفض منهج الاجتهاد السائد

لقد عمل الإمامان عليهما السلام على تصحيح منهج الاجتهاد الفقهي إلى جانب التفقّه في الدين بشكل عام. وإلى هذا أشار الصادق عليه السلام وبقية الأئمة عليهم السلام في العديد من المناسبات:

روى الكليني... قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنّ أصحاب المقائيس طلبوا العلم بالمقائيس، فلم تزدهم المقائيس من الحقّ إلا بعداً، وإنّ دين الله لا يصاب بالمقائيس[1].

 

وروى الكليني أيضاً... عن أبي الحسن موسى عليه السلام في حديث: ما لكم وللقياس؟ إنّما هلك من هلك من قبلكم بالقياس، ثمّ قال: إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به، وإذا جاءكم ما لا تعلمون فها - وأهوى بيده إلى فيه -[2].

 

قال الصادق عليه السلام: "دع القياس والرأي وما قال قوم في دين الله ليس له برهان"[3].

 





[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 56، ح7.

[2] م. ن، ج 1، ص 57، ح13

[3] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج 1، ص 88، الباب 81، باب علّة المرارة في الاُذنين..، ح 4.

 
 

100

الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

الثانية: منهج التعامل مع الشريعة والفقه

وذلك من خلال تأصيل منهج الاجتهاد الفقهي واستنباط أحكام الشريعة، وقد تمثّل ذلك في الرسائل العلميّة التي دوّنها أصحابه في أصول الفقه، والفقه، والحديث التي تميّزت بالاعتماد على مدرسة أهل بيت الوحي اتّخاذها أساساً للفقه والإفتاء دون الرأي والاستحسان، وذلك من خلال:

1- تحديد مرجعية النص: ربط كل ما يصدر عنهما من روايات وأخبار بمرجعيّة النص الأساسية المتمثّلة برسول الله، فلا حجية لجميع أنواع النصوص الواردة بطرق أخرى، أو لا تنتسب إلى رسول الله من هذا الطريق: فقال عليه السلام: "حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين وحديث الحسين حديث الحسن وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحديث رسول الله قول الله عزّ وجلّ"[1].

 

2- تحديد مصادر الفتاوى: ونفى صدور الفتاوى عنهم عليه السلام مع ما لهم من الشأن والموقع العلمي الذي لا يضاهيهم فيه أحد، وفي هذا إشارة واضحة إلى بطلان وعدم حجية جميع الفتاوى التي يصدرها المجتهدون بالإعتماد على القياس ونحوه، فقال عليه السلام: "إنا لو كنّا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين ولكنّا نفتيهم بآثار من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصول علم عندنا نتوارثها كابراً عن كابر، نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم"[2].

 

فما يميّز هذه المدرسة هو أنها تتّصل اتصالاً مباشراً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبالوحي،

 


 

 

[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 53 - 58.

[2] محمد بن الحسن بن فروخ الصفار، بصائر الدرجات، ص 300.

 

101

الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

وقال عليه السلام: "لو انّا حَدَّثنا برأينا ضَلَلْنا، كما ضَلَّ من كان قبلنا، ولكِنَّا حَدَّثنا بِبَيِّنَة من رَبِّنا بَيَّنها لنبِيِّه صلى الله عليه وآله وسلم ، فَبَيَّنَها لَنا"[1].

 

3- وضع منهج التفقّه في الدين: وقد تكفّلت كتب اُصول الفقه ببيان قواعد استنباط الأحكام وكيفة التعامل مع الأحاديث والأخبار المدوّنة في الحديث واُصوله. وعلّم طلاّبه كيفية استنباط الأحكام من مصادر التشريع كما علّمهم كيفية التعامل مع الأحاديث المتعارضة، ويمكن بيان مكوّنات هذا المنهج بالأمور التالية:

 

أ- رفض ما يخالف الكتاب: فصرّح عليه السلام بوجوب رفض الأحاديث التي تعارض القرآن فقال عليه السلام: "ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف"[2]. وقال أيضاً: "إنّ على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نوراً فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه"[3].

 

ب- بيان كيفية معالجة الأحاديث المتعارضة: وفي حالة تعارض الأحاديث فيما بينها قال عليه السلام: "اذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلاّ فالّذي جاءكم به أولى به"[4].

 

عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فقال: "ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنّما استخفّ بحكم الله وعلينا ردّ، والرادّ علينا الرادّ على الله وهو على حدّ الشرك بالله..."[5].


 

 

[1] البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج 1، ص 129.

[2] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج 18، ص 78.

[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 69.

[4] م. ن.

[5] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج 3، ص 8، القضايا والأحكام، باب الاتفاق على عدلين في الحكومة، ح 3233.

 

102

الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

ج- التفريع عن الأصول: عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "إنّما علينا أن نلقي إليكم الاُصول وعليكم التفريع"[1].

 

و عن ابن مسكان، عن حبيب قال: قال لنا أبو عبدالله عليه السلام: "ما أحد أحبّ إليَّ منكم، إن الناس سلكوا سبلاً شتّى[2] منهم من أخذ بهواه، ومنهم من أخذ برأيه وإنّكم أخذتم بأمر له أصل".

 

د- تأسيس القواعد الفقهيّة الكلية: يلاحظ في مجموعة كبيرة من الروايات الواردة عن الأئمة عليهم السلام أنها قد تحدّثت عن قواعد كلية للفقه والأصول والحديث. كان الأئمة عليهم السلام يأمرون أكابر صحابتهم وتلامذتهم أن يجلسوا في المسجد ويفتوا الناس. وقد شكّلت هذه القواعد الكلية في عصر الغيبة جزأً هاماً من منهج وأدوات الاجتهاد عند الإمامية. ونسوق فيما يلي بعض الروايات والحوادث في هذا المجال:

عن موسى بن بكر، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام، الرجل يغمى عليه يوماً أو يومين أو الثلاثة أو الأربعة أو أكثر من ذلك، كم يقضي من صلاته؟ قال: "ألا أخبرك بما يجمع لك هذه الأشياء كلّها؟ كلّما غلب الله عليه من أمر فالله أعذر لعبده"[3].

 

هـ- حث الأصحاب من الفقهاء على الإفتاء:

1- قال الإمام الصادق عليه السلام لأبان بن تغلب: اجلس في مسجد المدينة وأفتِ الناس، فإنّي أحبّ أن يُرى في شيعتي مثلك[4].

 

2- ما رواه عبد العزيز بن المهتدي عن الإمام الرضا عليه السلام قال: سألته فقلت: إنّي

 


 

[1] ابن إدريس الحلي، السرائر، ج 3، ص 575، ما استطرفه من جامع البزنطي.

[2] شتّى: أي متفرقاً.

[3] الشيخ الصدوق، الخصال، ج 2، ص 644، أبواب ما بعد الألف، ح 24.

[4] محمد علي الأردبيلي، جامع الرواة، ج 1، ص 9.

 

103

الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

لا أقدر على لقائك في كلّ وقت، فعمّن آخذ معالم ديني؟ فقال عليه السلام: خذ عن يونس بن عبد الرحمن[1].

 

الثالثة: التدوين

وتميّزت أيضاً مدرسة الإمام عليه السلام بالاهتمام بالتدوين بشكل عام بل ومدارسة العلم لإنمائه وإثرائه.

 

فكان عليه السلام يأمر طلاّبه بالكتابة ويؤكِّد لهم ضرورة التدوين والكتابة كما تجد ذلك في قوله عليه السلام: "إحتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون اليها"[2].

 

وكان يشيد بنشاط زرارة الحديثي إذ كان يقول: "رحم الله زرارة بن أعين لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي"[3].

 

وقال فيه وفي جماعة من أصحابه منهم أبو بصير، ومحمد بن مسلم، وبريد العجلي: "لولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا الفقه، هؤلاء حفّاظ الدين واُمناء أبي عليه السلام على حلاله وحرامه وهم السابقون الينا في الدنيا والآخرة"[4].

 

الرابعة: مرجعيّة الكتاب والسنة

أ- جامعيّة الكتاب والسنة للشريعة: - عن حمّاد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: "ما من شيء إلاّ وفيه كتاب أو سنّة"[5].

 

- وعن مُرازم عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "إنّ الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء، حتى والله ما ترك الله شيئاً يحتاج إليه العباد، حتى لا 

 


 

 

[1] الشيخ النجاشي، رجال النجاشي، ص311، مع العلم بأن يونس مع المصنفين في أصول الفقه راجع تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام، 310- 311.

[2]الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 52.

[3] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة ج 27، ص 144، والشيخ المفيد، الاختصاص، ص 66.

[4] م. ن، ج 8، ص 57 - 59.

[5] الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 59، كتاب فضل العلم، الباب 20، باب الرد الى الكتاب، ح 4.

 

 


104

الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

يستطيع عبد أن يقول: لو كان هذا أنزل في القرآن، إلاّ وقد أنزل الله فيه"[1].

 

ـ وعن المعلى بن خنيس قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "ما من أمر يختلف فيه اثنان، إلاّ وله أصل في كتاب الله ولكن لا تبلغه عقول الرجال"[2].

 

1- وجوب الردّ إلى الكتاب والسنة وأخذ الأحكام منهما:

- روى الكليني... قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنة.."[3].

- وفي حديث آخر عنه عليه السلام: "من خالف كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد كفر"[4].

 

سعة جامعة الإمام الصادق عليه السلام

قارع الإمام الصادق عليه السلام جميع التيارات الفكرية والدينية السائدة في تلك الفترة وأوضح موقف الإسلام حيالها جميعاً، وأثبت أفضلية العقيدة الإسلامية. ولم تقتصر جامعة الإمام الصادق على الطلاب الشيعة، وقد زخرت بطلاب العلم من مختلف المذاهب السنّية أيضاً، وكان أئمّة المذاهب السنّية المشهورين ـ بشكل مباشر وغير مباشر ـ تلامذة لديه يفيدون منه، وكان على رأسهم أبو حنيفة الذي لازم الإمام سنتين وجعل هاتين السنتين مصدر علمه ومعرفته وكان يقول: لولا السنتان لهلك النعمان[5].

 

وقد كان تلامذة الإمام من الأقطار المختلفة مثل الكوفة والبصرة وواسط، والحجاز وغيرها، ومن مختلف القبائل مثل بني أسد، المخارق، طي، سليم، غطفان،

 

 


 

 

[1] الكافي، ج 1، ص 59، كتاب فضل العلم، الباب 20، باب الرد الى الكتاب، ح 1.

[2] م. ن، ج1، ص 60، ح 6.

[3] م. ن، ص 70، ح 3.

[4] م. ن، ح 6.

[5] الشيخ أسد حيدر، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، ج1، ص70، كان اسم أبي حنيفة النعمان بن ثابت.

 

105

الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

 الأزد، خزاعة، خثعم، بني ضبة، وقريش لا سيما بنو الحارث بن عبد المطلب وبنو الحسن الذين اتصلوا بتلك الجامعة[1].

 
وكفى بما قاله "الحسن بن علي بن زياد الوشّاء" الذي كان من تلامذة الإمام الرضا عليه السلام والمحدّثين الكبار في سعة جامعة الإمام ورحابتها: أدركت في هذا المسجد ـ الكوفة ـ تسعمائة شيخ كلّ يقول حدّثني جعفر بن محمد[2].
 
وكان الإمام الصادق عليه السلام يشجع ويعلّم ويرغب تلاميذه في العلم الذي يتناسب مع ذوقهم وطبيعتهم، وفي النهاية كان كلّ واحد منهم يتخصّص في مجال علمي واحد أو مجالين مثل الحديث، التفسير، علم الكلام وغيرها.
 
وكان عليه السلام يرشد بعض العلماء الذين يراجعونه للبحث والمناظرة إلى المناظرة مع أحد الطلاب الذي تخصص في ذلك العلم.
 
قال هشام بن سالم: كنّا عند أبي عبد الله عليه السلام جماعة من أصحابه، فورد رجل من أهل الشام فاستأذن، فأذن له، فلمّا دخل سلّم، فأمره أبو عبد الله عليه السلام بالجلوس، ثمّ قال له: "حاجتك أيّها الرجل؟" قال: بلغني أنّك عالم بكلّ ما تسأل عنه، فصرت إليك لأُناظرك.
 
فقال أبو عبد الله عليه السلام: في ماذا؟
قال: في القرآن، وإسكانه وخفضه ونصبه ورفعه.
 
فقال أبو عبد الله عليه السلام: "يا حمران دونك الرجل!".
فقال الرجل: إنّما أُريدك أنت لا حمران.
 
فقال أبو عبد الله عليه السلام: "إن غلبت حمران فقد غلبتني".
فأقبل الشامي يسأل حمران حتى غرض وحمران يجيبه.
 
 

 
 
[1] الشيخ أسد حيدر، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، ج1، ص38.
[2] النجاشي، فهرست مصنفي الشيعة، ص 39 - 40.
 

106

الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

فقال أبو عبد الله عليه السلام: "كيف رأيت يا شامي؟".

قال: رأيته حاذقاً ما سألته عن شيء إلاّ أجابني فيه.

 

فقال أبو عبد الله عليه السلام: "يا حمران سل الشامي" فما تركه يكشر.

فقال الشامي: أُريد يا أبا عبد الله أُناظرك في العربية!

 

فالتفت أبو عبد الله عليه السلام فقال: "يا أبان بن تغلب ناظره"، فناظره فما ترك الشامي يكشر.

فقال: أُريد أن أُناظرك في الفقه!

 

فقال أبو عبد الله عليه السلام: "يا زرارة! ناظره!" فناظره فما ترك الشاميّ يكشر.

ثمّ قال: أُريد أن أُناظرك في الكلام!

 

قال: "يا مؤمن الطاق ناظره"، فناظره فسجل الكلام بينهما، ثمّ تكلم مؤمن الطاق بكلامه فغلبه به.

وهكذا عندما أراد الشامي أن يناظر في الاستطاعة - قدرة الإنسان على فعل الشر والخير- والتوحيد والإمامة أمر الإمام وبالترتيب كلاً من حمزة الطيار وهشام بن سالم وهشام بن الحكم بمناظرته، فغلبوه بأدلّة قاطعة ومنطق مفحم.

 

وبمشاهدة ذلك المشهد المثير ارتسمت ابتسامة جميلة على شفتي الإمام فرحاً[1].

 

الإمام الصادق والمنصور

كان أبو جعفر المنصور قلقاً جداً من نشاطات وتحركات الإمام الصادق السياسية، وممّا جعله يزداد قلقاً محبوبية الإمام الصادق عليه السلام ومنزلته العلمية الكبيرة، لذلك كان يُحضر الإمام إلى العراق بين الحين والآخر بذريعة وأُخرى، ويخطّط لقتله وفي كلّ مرة كان الخطر يزول عن الإمام بنحو أو بآخر[2].

 

 


 

[1] الشيخ الطوسي، اختيار معرفة الرجال، ج2،ص555.

[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج47، ص162-212، وقد عقد المجلسي فصلاً خاصاً للمواجهات التي كانت بين الإمام والمنصور.

 

107

الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

كان المنصور يراقب تحركات الشيعة في المدينة بدقة، وكان له جواسيس ينظرون من ثبتت شيعيته فيضربون عنقه[1].

 

وكان الإمام الصادق عليه السلام يمنع أصحابه من التعاون والتعامل مع الجهاز الحاكم.

وقد سأله أحد أصحابه يوماً: جعلت فداك -أصلحك الله- إنّه ربما أصاب الرجل منّا الضيق والشدة، فيدعى إلى بناء يبنيه أو نهر يكريه أو المسناة يصلحه، فما تقول في ذلك؟

فقال عليه السلام: "ما أحب أن اعقد لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء - يعني بني العباس -  وأنّ لي ما بين لابتيها ولا مدة بقلم، إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد"[2].

 

وكان الإمام يمنع الشيعة من الترافع إلى قضاة الجهاز العباسي، وينهاهم ولا يعتبر الأحكام التي يصدرونها واجبة التنفيذ شرعاً.

 

وكان يحذّر الفقهاء والمحدّثين من الانتماء إلى الحكومة ويقول: "الفقهاء أُمناء الرسل، فإذا رأيتم الفقهاء قد ركبوا إلى السلاطين فاتهموهم"[3].

 

وكتب أبو جعفر المنصور إلى الإمام يوماً: لولا تغشانا كما تغشانا سائر الناس.

فأجابه الإمام: "ما عندنا من الدنيا ما نخافك عليه، ولا عندك من الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنّيك عليها، ولا تعدها نقمة فنعزيك بها، فلم نغشاك؟!"، فكتب المنصور: تصحبنا لتنصحنا، فأجابه الإمام: "من أراد الدنيا فلا ينصحك، ومن أراد الآخرة فلا يصحبك"[4].

 

 


 

 

[1] الكشي، اختيار معرفة الرجال، ص282.

[2] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج12، ص129.

[3] الشيخ أسد حيدر، الإمام الصادق عليه السلام والمذاهب الأربعة، ج3، ص21، نقلاً عن حلية الأولياء.

[4] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج47، ص184.

 

 


108

الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

 خلاصة الدرس

- يعتبر عهد الإمام الصادق عليه السلام عهد الانفراج الفكري لمدرسة أهل البيت عليهم السلام. وقد بلغ الازدهار العلمي والفكري غايته، وزخرت بطلاب العلوم ووفود الاقطار الإسلامية.
 
- شهد القاصي والداني والمؤالف والمخالف أن الإمام عليه السلام صاحب مقام علمي رفيع لا ينازعه أحد.
 
- أهم الخطوات التي قام بها عليه السلام في منهجه الاصلاحي:
الأولى: رفض منهج الاجتهاد الذي كان سائداً.
 
الثانية: تأجيل منهج الاجتهاد الفقهي من خلال:
1- تحديد مرجعية النصف.
2- تحديد مصادر الفتاوى.
3- وضع منهج التفقه في الدين.
 
الثالثة: التدوين.
 
الرابعة: اعتبار المرجعية الأساس هي الكتاب والسنّة.
- كان المنصور العباسي قلقاً جداً من تحركات الإمام لذلك حاول قتله عدّة مرّات.
- كان الإمام عليه السلام يمنع أصحابه من التعاون والتعامل مع الجهاز الحاكم.
- كان عليه السلام يمنع الشيعة من الترافع إلى قضاة الجهاز العباسي.
 
 

109

الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

أسئلة

1- في أيّ سنة انهار الحكم الأمويّ؟

2- كيف كان موقف الإمام الصادق عليه السلام من ثورة عمّه زيد بن عليّ؟

3- تحدث عن خصائص جامعة الامام عليه السلام ونهضته العلمية.

 

ضع علامة صحّ أو خطأ   في المكان المناسب:

1- لم يعاصر الإمام عليه السلام أحداً من الحكام العباسيين .

2- موضع قبره الشريف في المدينة المنورة .

3- أبو حنيفة النعمان درس على يدي الإمام عليه السلام .

4- قام عليه السلام بتصحيح منهج الاجتهاد .

5- عاصر الإمام عليه السلام أبا جعفر المنصور.



110

الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

 للمطالعة

 

الحالة السياسيّة وثورة زيد

زيد بن عليّ عليه السلام أحد الثوّار الكبار في عصره. وهو عمّ الإمام الصادق عليه السلام. وحينما صمّم على الثورة جاء إليه جابر بن يزيد الجعفيّ يسأله عن سبب تصميمه على الثورة ويخبره بأنّه لو خرج يُقتل.

 

فقال زيد لجابر: "يا جابر لم يسعني أن أسكت وقد خُولف كتاب الله وتُحوكم بالجبت والطاغوت، وذلك أنّي شاهدت هشاماً ورجل عنده يسبّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت للسابّ: ويلك يا كافر، أما أنّي لو تمكنّت منك لاختطفت روحك وعجّلتك إلى النار.

 

فقال لي هشام: مَه جليسنا يا زيد.

 

قال زيد لجابر: "فوالله لو لم يكن إلّا أنا ويحيى ابني لخرجت عليه وجاهدته حتّى أفنى"[1].

 

ومن هنا فجّر زيد ثورته المباركة. وبعد شهادته أمر هشام بصلب جثمانه الطاهر في الكناسة في الكوفة.

أمّا موقف الإمام عليه السلام من عمّه زيد فقد كان الإمام عليه السلام في مواقف عديدة يتبنّى الدفاع عن عمّه ويترحّم عليه ويوضح منطلقاته وأهدافه ويرسّخ في النفوس مفهوماً إسلاميّاً عن ثورته حيث يعتبر هذه الثورة جزءاً من حركته المباركة.

 

عن الفضيل بن يسار يقول: ذهبت إلى المدينة بعد قتل زيد لألتقي بالإمام الصادق عليه السلام وأخبره بنتائج الثورة، 

وبعد أن التقيته وسمع منيّ ما دار في المعركة قال عليه السلام:

يا فضيل شهدت مع عمّي قتال أهل الشام؟

 


 

 

[1] القرشي، باقر شريف، حياة الإمام محمّد الباقر عليه السلام، ج1، ص72.

 

 

 

111

الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام

قلت: نعم.

 

قال عليه السلام: كم قتلت منهم؟

قلت: ستة.

 

قال عليه السلام: فلعلّك شاكٌّ في دمائهم؟

قال: فقلت: لو كنت شاكّاً ما قتلتهم.

 

ثمّ قال: سمعته وهو يقول:

أشركني الله في تلك الدماء. مضى والله زيد عمّي وأصحابه شهداء، مثل ما مضى عليه عليّ بن أبي طالب وأصحابه[1].

 

 


 

 

[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، ج13، ص275.

 

112

الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

 الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

 
أهداف الدرس
1- أن يعرف الطالب الظروف العامّة الّتي رافقت تصدّي الإمام الكاظم عليه السلام للإمامة.
2- أن يستذكر أولويّات المواجهة لدى الإمام عليه السلام.
3- أن يستذكر أسباب سجن الإمام عليه السلام واستشهاده.
 

113

الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام في سطور

الولادة: ولد عليه السلام يوم الأحد السابع من شهر صفر سنة (128هـ) في مدينة الأبواء بين مكّة والمدينة.

الشهادة: استشهد الإمام موسى بن جعفر عليه السلام مسموماً ببغداد في حبس السنديّ بن شاهك في الخامس والعشرين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة (183هـ). وهو ابن أربع وخمسين سنة.

ألقابه: العبد الصالح، الكاظم، الصابر، الأمين، باب الحوائج، ذو النفس الزكية، زين المجتهدين، الوفيّ، المأمون، الطيّب.

كنيته: أبو إبراهيم، أبو عليّ، أبو إسماعيل وأبو الحسن الأوّل.

مدفنه: بغداد في مقابر قريش.

 

 

114

الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

 الظروف العامّة

طارد العبّاسيّون ذريّة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأتباعهم، ولاحقوهم على امتداد العالم الإسلاميّ، وحاولوا استئصالهم خوفاً من ثوراتهم ومكانتهم ومدى تأثيرهم في قلوب الناس. وقد أُحصي الكثير من الشهداء الذين قُتلوا ابتداءً من تسلّم أبي العبّاس السفّاح السلطة حتى شهادة الإمام موسى بن جعفر عليه السلام، وكان أشهرهم الشهيد محمّد بن عبد الله بن الحسن النفس الزكيّة المقتول سنة 145هـ والشهيد الحسين بن عليّ بن الحسن شهيد فخّ الّذي استشهد سنة 169هـ، بالإضافة إلى استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام نفسه على يد هارون الرشيد سنة 183هـ بعد سنين قضاها يتنقّل في سجون هذا الطاغية.
 
وفي هذه الفترة انتشر الفسق وشرب الخمر والمجون الّذي غصّت به قصور الخلفاء، وكانت أموال بيت المال تُصرف على المغنّين والجواري وأمثالهم. وينقل أبو الفرَج الأصفهاني: "أُهديت إلى الرشيد جارية... وأخرج كلّ قينة في داره واصطبح فكان جميع من حضره من جواريه المغنّيات والخدمة في الشراب زهاء ألفي جارية في أحسن زيّ من كلّ نوع من أنواع الثياب والجواهر...
 
فلمّا جاء وقت صلاة العصر لم يشعر الرشيد إلّا وعليّة قد خرجت من حجرتها وأمّ جعفر من حجرتها معها زهاء ألفي جارية من جواريها...
 
 
 

115

الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

فطرب الرشيد وقام على رجليه حتّى استقبل أمّ جعفر وعليّة وهو على غاية السرور وقال: "لم أر كاليوم قطّ، يا مسرور لا تبقينّ في بيت المال درهماً إلّا نثرته، فكان مبلغ ما نثره يومئذٍ ستّة آلاف ألف درهم"[1].

 

هذا نموذج يحكي عن الاستهتار الفاحش بأموال المسلمين، والخروج عن أحكام الدين، في الوقت الذي كانت الأكثريّة الساحقة في البلاد الإسلاميّة تعاني الفقر والحرمان. ومن شعر قاله الشاعر أبو العتاهية:

 

إنّي أرى الأسعار أسعار الرعيّة غالية             وأرى المكاسب نزرة وأرى الضرورة فاشية

وأرى غموم الدهر رائحة تمرّ وغادية            وأرى اليتامى والأيامى في البيوت الخالية

من بين راجٍ لم يزل يسمو إليك وراجية         يرجون رفدك كي يروا ممّا لقوه العافية       

مَن للبطون الجائعات وللجسوم العارية         يشكون مجهدة بأصوات ضعاف عالية

من مصيبات جُوّعٍ تمسي وتصبح طاوية

 

 

وأمّا على المستوى العلميّ فقد كثرت الشبهات على الناس ونشأ الكثير من الفرق والمذاهب والتيّارات المنحرفة، حتّى وصل بعضها إلى الإلحاد[2].

 

أولويّات المواجهة

لقد أظهر الإمامان الباقر والصادق عليهما السلام العلوم والمعارف الإسلاميّة الأصيلة

 

 


 

 

[1] أبي الفرج الأصفهاني، الأغاني، ج10، ص 360.

[2] الشيخ القرشي، حياة الإمام الرضا عليه السلام، ص 193.

 

116

الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

وحدّدا المناهج والأصول والمعالم. وبدأ الإمام الكاظم عليه السلام بدور آخر تجلى في المواجهة السياسيّة، وبدأ بخطوات عمليّة عديدة في هذا الإطار. وأمّا الجهاد العسكريّ فلم تكن الأمّة جاهزة لمثل هذا الخيار وهذا ما نجده في كلمته لشهيد فخّ الحسين بن عليّ عندما رآه عازماً على الخروج: "إنّك مقتول فأجدّ الضراب، فإنّ القوم فسّاق يظهرون إيماناً ويضمرون نفاقاً وشركاً فإنّا لله وإنّا إليه راجعون وعند الله أحتسبكم من عصبة"[1].

 

وقد ارتسم هذا العمل السياسيّ غير المسلّح في العديد من الأمور:

1- بيان حقّ الإمام عليه السلام بالخلافة:

هذا البيان الّذي انتقل من إطاره العلميّ إلى إطار التحدّي وصناعة الجوّ السياسيّ. وممّا ينقل أنّه لمّا زار هارون قبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وقد احتفى به الأشراف والوجوه والوزراء وكبار رجال الدولة، أقبل على الضريح المقدّس ووجّه للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم التحيّة قائلاً: السلام عليك يا بن العمّ، قاصداً الافتخار على من سواه برحمه الماسّة من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم داعماً خلافته من خلال ذلك، وكان الإمام عليه السلام موجوداً فسلّم على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: السلام عليك يا أبتِ.

 

ففقد الرشيد صوابه وانتفخت أوداجه وقال: لِمَ قلت إنّك أقرب إلى رسول الله منّا؟

فقال عليه السلام: "لو بُعث رسول الله حيّاً وخطب منك كريمتك هل كنت تجيبه إلى ذلك؟".

 

فقال هارون: سبحان الله! وإنّي لأفتخر بذلك على العرب والعجم.

 

 


 

 

[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص 366.

 

117

الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

فقال عليه السلام: "ولكنّه لا يخطب منّي، ولا أزوّجه، لأنّه والدنا لا والدكم فلذلك نحن أقرب إليه منكم"[1].
 
2- النفوذ إلى السلطة والتأثير من داخلها:
لقد استطاع الإمام أن ينفذ من خلال بعض شيعته إلى مركز القرار واضعاً عيوناً له تنقل التوجّهات للاتّقاء منها من جهة ولمحاولة التأثير في تلك القرارات من جهة أخرى، أو على الأقلّ لخدمة المؤمنين ورفع الظلم عنهم بالقدر الممكن. ومن تلك الشخصيّات عليّ بن يقطين، الّذي كان وزيراً لهارون الرشيد، وقد قال له الإمام الكاظم عليه السلام: "يا عليّ إنّ لله تعالى أولياءَ مع أولياء الظلمة ليدفع بهم عن أوليائه وأنت منهم يا عليّ"[2].
 
وكان الإمام عليه السلام حريصاً على أمن عليّ بن يقطين وعدم كشفه من قبل هارون وأعوانه. ومرّة أهدى الرشيد إلى ابن يقطين ثياباً فاخرة فيها درّاعة فاخرة فقام من فوره وأهداها إلى الإمام عليه السلام فردّها الإمام عليه السلام وكتب إليه: "احتفظ بها ولا تخرجها عن يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج إليها معه"[3].
 
وبعدها جاء ساعٍ إلى هارون يقول له إنّ عليّ بن يقطين يقول بإمامة موسى الكاظم، وإنّه قد حمل إليه في هذه السنة تلك الدرّاعة السوداء التي أكرمته بها، فاستدعى هارون عليّ بن يقطين وقال له:
ما فعلت بالدرّاعة السوداء الّتي كسوتك بها وخصصتك بها من بين سائر خواصّي؟
 
فقال ابن يقطين: "هي عندي يا أمير المؤمنين، في سفط من طِيْبِ مختومٌ 
 
 

 
 
[1] القرشي، حياة الإمام الرضا عليه السلام، ج1، ص 78.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج72، ص 349.
[3] م. ن، ج 48، ص 137.
 
 

118

الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

عليها، فطلب إحضارها، فأرسل من يحضرها من مكانها. وعندما رآها هارون قال: ردّها إلى مكانها وخذها وانصرف راشداً فلن نصدّق بعدها عليك ساعياً"[1].

 

3- مواجهة السلطة وفضح ظلمها:

كان الإمام عليه السلام يُظهر عدم شرعيّة هذه السلطة. ومما يُنقل أنّ هارون قال لأبي الحسن الكاظم عليه السلام حين أُدخل عليه: ما هذه الدار؟

فقال عليه السلام: هذه دار الفاسقين.

فقال له هارون: فدار من هي؟

 

قال: هي لشيعتنا فترة ولغيرهم فتنة.

قال: فما بال صاحب الدار لا يأخذها؟

 

فقال عليه السلام: أُخذت منه عامرة ولا يأخذها إلّا معمورة.

قال: فأين شيعتك؟

 

فقرأ أبو الحسن عليه السلام: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾[2].

فقال له: فنحن كفّار؟

 

قال عليه السلام: لا، ولكن كما قال الله ﴿الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ﴾[3].

فغضب عند ذلك وغلظ عليه[4].

 

 


 

 

[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 48، ص 138.

[2] سورة البيّنة، الآية: 1.

[3] سورة ابراهيم، الآية: 28.

[4] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 48، ص 156.

 

119

الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

 أسباب سجن الإمام عليه السلام

1- حقد هارون على كلّ شخصيّة بارزة:
لم يرق لهارون أن يسمع الناس يتحدّثون عن أيّ شخص يتمتّع بمكانة عليا. ويكفي دليلاً على ذلك ما فعله بالبرامكة حيث محا وجودهم رغم كونهم حاشيته ورجاله، بعد أن ذاع اسمهم بين الناس وصار لهم عزّ وجاه.
 
2- بغضه للعلويّين:
فقد كان هارون حاقداً على العلويّين وكان يتفنّن في تقتيلهم والبطش بهم، فلم يكن مرتاحاً لوجود سيّدهم الكاظم عليه السلام في دعة واطمئنان وأمان.
 
3- الوشاية به عليه السلام:
وهذا هو السبب الأساس، فقد وشى بعض المتزلّفين لهارون بالإمام الكاظم عليه السلام، وتناولت الوشاية أموراً عديدة، منها:
1- أ- جباية الأموال له: ففي الوقت الذي كان يقوم هارون الرشيد بحصار العلويّين اقتصاديّاً لتجويعهم وإفقارهم وصلت إليه وشاية تخبره أنّ الأموال تصل إلى الإمام عليه السلام من جميع أقطار العالم الإسلاميّ وأنه اشترى ضيعة تسمّى البسريّة بثلاثين ألف دينار.
 
2- ب- طلب الخلافة: ويذكر المؤرّخون من الواشين عليّ بن اسماعيل بن جعفر حيث خرج إلى بغداد فدخل على الرشيد وقال له: ما ظننت أنّ في الأرض خليفتين حتّى رأيت عمّي موسى بن جعفر يُسلَّم عليه بالخلافة. فلمّا سمع ذلك هارون فَقَدَ صوابه.
 
ومن الأمور التي ملأت قلب هارون غيظاً، أنّه كان يقول لموسى بن جعفر عليه السلام: خذ فدكاً حتّى أردّها إليك، فيأبى حتّى ألحّ عليه.
 
 

120

الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

فقال عليه السلام: لا آخذها إلّا بحدودها.

قال: وما حدودها؟

 

قال عليه السلام: إن حددتها لم تردّها.

قال: بحقّ جدّك إلّا فعلت.

 

قال عليه السلام: أمّا الحدّ الأوّل فعدن، فتغيّر وجه الرشيد وقال: إيهاً.

قال عليه السلام: والحدّ الثاني سمرقند، فاربدّ وجهه.

 

قال عليه السلام: والحدّ الثالث أفريقية، فاسودّ وجهه وقال: هيه.

قال عليه السلام: والرابع سيف البحر ممّا يلي الجزر وأرمينية.

 

قال الرشيد: فلم يبق لنا شي‏ء، فتحوّل إلى مجلسي.

قال الإمام موسى بن جعفر عليه السلام: قد أعلمتك أنّني إن حددتها لم تردّها. فعند ذلك عزم على قتله[1].

 

وهكذا فقد كان اعتقال الإمام عليه السلام سنة 179هـ في شهر شوال، وبقي يتنقّل في السجون يلاقي أنواع التضييق والتنكيل إلى أن عمد الرشيد إلى رُطبٍ فوضع فيه سمّاً فاتكاً وأمر السنديّ أن يقدّمه إلى الإمام عليه السلام ويحتّم عليه أن يتناول منه ففعل ومضى شهيداً سنة183هـ.

 

 


 

 

[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج29، ص 201.

 

121

الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

خلاصة الدرس

- طارد العباسيون ذريّة الإمام عليه السلام وأتباعهم، ولاحقوهم على امتداد العالم الإسلامي.

 

- أحصي الكثير من الشهداء، الذين قتلوا ابتداء من تسلّم السفاح السلطة حتى شهادة الإمام الكاظم عليه السلام، وكان أشهرهم الشهيد محمد بن عبد الله بن الحسن، والشهيد الحسين بن علي بن الحسن شهيد الفخ.

 

- انتشر في هذه المرحلة الفسق وشرب الخمر والمجون...

 

- رسم الإمام الكاظم عليه السلام عمله السياسي ضمن الأمور التالية:

1- بيان حق الإمام عليه السلام بالخلافة.

2- النفوذ إلى السلطة والتأثير من داخلها.

3- مواجهة السلطة وفضح ظلمها.

 

أسباب سجن هارون للإمام عليه السلام:

1- حقد هارون على كل شخصية بارزة.

2- بغضه للعلويين.

3- الوشاية بالإمام من قبل بعض المتزلفين.

 

 

122

الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

أسئلة

1- ما هي الطريقة التي انتهجها الإمام عليه السلام في المواجهة؟

 

2- ما هو الهدف الذي توخّاه الإمام عليه السلام من وجود أمثال علي بن يقطين في السلطة؟

 

3- ما هي أهم الأسباب التي دعت هارون لسجن الإمام عليه السلام؟

 

ضع علامة صحّ □ أو خطأ □ في المكان المناسب:

1- كُنّي الإمام الكاظم بـ "أبي إبراهيم" و"أبي الحسن الأول" □

2- موضع قبره الشريف في الكاظمية □

3- ثار بعضهم بوجه العباسيين في فترة حياة الإمام عليه السلام □

4- السفاح أحد الخلفاء العباسيين الذين عاصرهم الإمام الكاظم عليه السلام □

5- النفس الزكية هو محمد بن عبد الله بن الحسن □

 

 

123

الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

 للمطالعة

 
خُلّص الشيعة يعرفون الإمام عليه السلام
رغم حالة التكتّم وشدّة التقيّة في ظروف البطش والتنكيل العبّاسيّ، فإنّ خاصّة الشيعة كانوا يعرفون الإمام عليه السلام من علامات وأمارات شاهدوها في آبائه عليهم السلام ، بل وفسّروا أيضاً المغزى من وصيّة الصادق عليه السلام لخمسة أشخاص أو لثلاثة كما في بعض الروايات، هذا فضلاً عن أنّهم يسألون ويمتحنون ولا يسلّمون أو يقطعون إلّا بعد التحرّي والبحث الشديدين.
 
ففي حديث أبي جعفر النيسابوريّ، قال: وسرت إلى المدينة، وجعلت رحلي في بعض الخانات، وقصدت مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزرته وصلّيت، ثمّ خرجت وسألت أهل المدينة: إلى من أوصى جعفر بن محمّد؟ فقالوا: إلى ابنه الأفطح عبد الله. فقلت: هل يفتي؟ قالوا: نعم. فقصدته وجئت إلى باب داره، فوجدت عليها من الغلمان ما لم يوجد على باب دار أمير البلد، فأنكرت، ثمّ قلت: الإمام لا يقال له: لمَ وكيف؟ فاستأذنت، فدخل الغلام وخرج، وقال: من أين أنت؟ فأنكرت وقلت: والله ما هذا بصاحبي، ثمّ قلت: لعلّه من التقيّة. فقلت: قل: فلان الخراسانيّ. فدخل وأذن لي، فدخلت فإذا به جالس في الدست[1] على منصّة عظيمة، وبين يديه غلمان قيام، فقلت في نفسي: ذا أعظم، الإمام يقعد في الدست؟! ثمّ قلت: هذا أيضاً من الفضول الذي لا يُحتاج إليه، يفعل الإمام ما يشاء، فسلّمت عليه، فأدناني وصافحني وأجلسني بالقرب منه، وسألني فأحفى[2].
 
ثمّ قال: في أيّ شي‏ء جئت؟ قلت: في مسائل أسأل عنها، وأريد الحجّ. فقال لي: اسأل عمّا تريد. فقلت: كم في المائتين من الزكاة؟ قال: خمسة دراهم. قلت: كم 
 
 

 
 
[1] الدست: صدر المجلس، والوسادة.
[2] أيّ ألحّ في السؤال وبالغ.
 

124

الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام

في المائة؟ قال: درهمان ونصف. فقلت: حسن يا مولاي، أعيذك بالله، ما تقول في رجل قال لامرأته: أنت طالق عدد نجوم السماء؟ قال: يكفيه من رأس الجوزاء ثلاثة. فقلت: الرجل لا يحسن شيئاً، فقمت وقلت: أنا أعود إلى سيّدنا غداً. فقال: إن كان لك حاجة فإنا لا نقصّر[1]. وهذا الحديث يدلّ على تشخيص خلّص أصحاب الأئمّة للإمام عليه السلام ودقّة تحرّيهم في هذا الأمر الخطير. وقد عرفوا المغزى الحقيقيّ وراء وصيّة الإمام الصادق عليه السلام لغير واحد بعده، والإمام عليه السلام لا يوصي إلّا إلى واحد، فقد روى داود بن كثير الرقّيّ قال: أتى أعرابيّ إلى أبي حمزة (وكان جالساً في لمّة من أصحابه)، فسأله خبراً، فقال: توفّي جعفر الصادق عليه السلام، فشهق شهقة وأغمي عليه، فلمّا أفاق قال: هل أوصى إلى أحد؟ قال: نعم، أوصى إلى ابنه عبد الله وموسى وأبي جعفر المنصور، فضحك أبو حمزة وقال: الحمد لله الّذي هدانا ولم يضلّنا، بيّن لنا عن الكبير، ودلّنا على الصغير، وأخفى عن أمر عظيم، فسئل عن قوله فقال: بيّن عيوب الكبير، ودلّ على الصغير بأن أدخل يده مع الكبير، وستر الأمر الخطير بالمنصور، لأنه لو سأل المنصور عن الوصيّ لقيل: أنت[2].

 

 

 


 

 

[1] ابن حمزة الطوسي، الثاقب في المناقب، ص 441.

[2] الشيخ عباس القمي، الأنوار البهية، ص 149.

 

125

الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام

 الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام

 
 
أهداف الدرس:
1- أن يتعرّف الطالب إلى الظروف المحيطة بعصر الإمام الرضا عليه السلام.
2- أن يتبيّن الأهداف الحقيقيّة لولاية العهد.
3- أن يستذكر كيفيّة مواجهة الإمام عليه السلام لمكيدة ولاية العهد.
 
 
 

126

الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام

الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام في سطور

الولادة: ولد في الحادي عشر من شهر ذي القعدة سنة (148هـ) في المدينة المنوّرة.

الشهادة: استشهد بالسمّ في شهر صفر، سنة ثلاث ومائتين من يوم الجمعة، وهو يومئذٍ ابن خمس وخمسين سنة، ودفن في دار حميد بن قحطبة في بقعة هارون الرشيد في قرية يقال لها سناباد.

ألقابه: الرضا، الصابر، الفاضل، الرضيّ، الوفيّ، قرّة أعين المؤمنين، غيظ الملحدين.

كنيته: أبو الحسن الثاني.

مدفنه: طوس.

 

127

الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام

تمهيد:

عاصر الإمام الرضا عليه السلام خلال فترة إمامته المباركة الّتي استمرّت عشرين سنة عدداً من خلفاء بني العبّاس وهم هارون الرشيد لمدّة عشر سنوات (183 ـ 193هـ) ومن بعده ولداه الأمين والمأمون.

 

الإمام عليه السلام في عصر هارون الرشيد

بعد استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام سنة 183هـ وتسلّم الإمام الرّضا عليه السلام الإمامة عانى الكثير من ظلم هارون، ولكن لم يظهر منه أيّ تصدٍّ علنيّ لمنصب الإمامة، ولم يسجّل له أيّ حضور في المجالس والمحافل العامّة، وذلك لأسباب متعدّدة منها الوصيّة الّتي ركّز فيها الإمام الكاظم عليه السلام على أنّ إظهار ابنه الإمام عليه السلام للإمامة سيكون بعد أربع سنوات من استشهاده أي سنة 178هـ. وذلك لإدراك الإمام الظروف القاسية التي ستمرّ بها الأمّة في ذلك الوقت.

 

وبالفعل في سنة 187هـ تصدّى الإمام لمنصب الإمامة علناً، ولذلك قال له محمّد بن سنان: لقد شهرت بهذا الأمر - الإمامة - وجلست في مكان أبيك بينما سيف هارون يقطر دماً. فقال الإمام عليه السلام: "إنّ الّذي جرّأني على هذا الفعل قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: لو استطاع أبو جهل أن ينقص شعرة من رأسي فاشهدوا بأنّي لست نبيّاً وأنا أقول: لو استطاع هارون أن

 

128

الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام

 ينقص شعرة من رأسي فاشهدوا بأنّي لست إماماً"[1].

 
وبالفعل توفّي هارون سنة 193هـ. ودُفن في مدينة طوس.
 
الإمام عليه السلام في عصر الأمين
إنّ شخصيّة الأمين كما تصفها بعض الكتب كانت شخصيّة مستهترة، يقول بعض الكُتّاب "قد كان قبيح السيرة ضعيف الرأي، سفّاكاً للدماء يركب هواه، ويهمل أمره، ويتّكل في جليلات الأمور على غيره"[2].
 
وقد احتدم الصراع بين الأمين والمأمون والّذي أدّى في نهاية المطاف إلى الإطاحة بحكم الأمين وقتله.
وقد استغلّ الإمام عليه السلام هذه الأوضاع، وصبّ جهوده على بناء الجماعة الصالحة ونشر المفاهيم الإسلاميّة الصحيحة في المجتمع الّذي عانى الكثير من المجون والفساد والانحراف الفكريّ.
 
الإمام عليه السلام في عصر المأمون
المأمون رجل ذكيّ، وهذا ما يمكن أن نفهمه من إسناد ولاية العهد إلى الإمام عليه السلام. وحقّاً يجب القول إنّ سياسة المأمون كانت تتمتّع بتجربة وعمق لا نظير له، لكن الطرف الآخر الّذي كان في ساحة الصراع كان الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام وهو نفسه الّذي كان يحوّل أعمال المأمون وخططه الذكيّة والممزوجة بالشيطنة إلى أعمال بدون فائدة ولا تأثير لها، وإلى حركات صبيانيّة كما سنرى في الكلام عن ولاية العهد. وهناك عدّة شواهد على هذه الشيطنة، ففي عصره كان يتمّ ترويج العلم والمعرفة بحسب الظاهر، وكان العلماء يُدعَون إلى مركز الخلافة، ويبذل المأمون الهبات والمشجّعات للباحثين،
 
 

 
 
 
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج8، ص257.
[2] المسعودي، التنبيه والإشراف، ص 302.
 

129

الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام

 وذلك لإعداد الأرضيّة لانجذابهم نحوه، وعلاوة على هذا فقد حاول جذب الشيعة وأتباع الإمام عليه السلام إليه من خلال القيام ببعض الأعمال، فمثلاً كان يتحدّث عن عدّة أمور منها:

أ- أنّ الإمام علياً عليه السلام أكثر أهليّة وأولى بالخلافة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
ب- جعل لعن معاوية وسبّه أمراً رسميّاً.
ج- أعاد للعلويّين ما غُصب من حقّ السيّدة الزهراء عليها السلام في فدك.
 
وبالنتيجة كان يبذل قصارى جهده لإرضاء الناس حتّى يستطيع بسهولة الاستقرار على مركب الخلافة.
 
ولاية العهد: أهدافها، أسبابها ونتائجها
بعد مقتل الأمين تسلّم المأمون الخلافة سنة 198هـ، وأسند ولاية العهد إلى الإمام عليه السلام سنة 201 للهجرة، وكان وراء هذا العمل عدّة أهداف منها:
 
1- التهدئة للأوضاع الداخليّة:
بعد تسلّم المأمون الخلافة بسنة واحدة أي 199هـ، اندلعت ثورات عظيمة وحركات تمرّد واسعة قادها العلويّون، حيث خرج أبو السرايا السريّ بن منصور الشيبانيّ بالعراق ومعه محمّد بن إبراهيم بن إسماعيل الحسنيّ، فضرب الدارهم بالكوفة بغير سكّة العبّاسيين، وسيّر جيوشه إلى البصرة. وقد توزّعت الثورة على عدّة جبهات:
أ- جبهة البصرة بقيادة العبّاس بن محمّد بن عيسى الجعفريّ.
ب- وجبهة مكّة بقيادة الحسين بن الحسن الأفطس.
ج- وجبهة اليمن بقيادة إبراهيم بن موسى بن جعفر عليه السلام.
د- وجبهة فارس بقيادة إسماعيل بن موسى بن جعفر عليه السلام.
 
 
 

130

الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام

هـ- وجبهة الأهواز بقيادة زيد بن موسى.

و- وجبهة المدائن بقيادة محمّد بن سليمان[1].

 

ولذلك كان الهدف الأوّل من دعوة الإمام عليه السلام إلى خراسان تحويل ساحة المواجهة العنيفة والملتهبة إلى ساحة مواجهة سياسيّة هادئة.

 

2- سلب القداسة والمظلومية عن الثورة:

الشيعة لم يكونوا يعرفون التعب أو الملل في المواجهة ولم تكن ثورتهم لتقف عند حدّ. وهذه المواجهات كان لها خاصّيّتان:

الأوّلى: المظلوميّة.

الثانية: القداسة[2].

 

المظلوميّة: الّتي كانت تتمثّل بانتزاع الخلافة والاضطهاد والقتل الّذي تعرّض له أئمّة أهل البيت عليهم السلام من عهد مولانا الإمام عليّ عليه السلام إلى عهد مولانا الرضا عليه السلام وما بعده.

 

أمّا القداسة: فهي الّتي يمثّلها الإمام المعصوم من خلال ابتعاده عن أجهزة الحكم، وقيادة الناس وفقاً لمنهج الإسلام المحمديّ الأصيل.

 

إنّ المأمون العباسيّ حاول من خلال ولاية العهد أن يسلب هذه القداسة والمظلوميّة اللّتَيْن تشكّلان عامل النفوذ الثوريّ في المجتمع الإسلاميّ, لأنّ الإمام عندما يصبح وليّ عهد سينضمّ، حسب تصوّر المأمون، إلى أجهزة الحكم وينفذ أوامر الملك في التصرّف بالبلاد إذاً فهو لم يعد لا مظلوماً ولا مقدّساً.

 

3- إضفاء المشروعيّة على الخلافة العباسيّة:

 

 


 

 

 

[1] المنظمة العالمية للحوزات، تاريخ الإسلام، ج3، ص160-161.

[2] الإمام السيد علي الخامنئي، الدروس العظيمة من سيرة أهل البيت عليهم السلام ، ص 190-191(بتصرّف).

 

131

الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام

 إنَّ مبايعة الإمام عليه السلام للمأمون تعني حصول المأمون على اعتراف من العلويّين، على أعلى مستوى، بشرعيّة الخلافة العباسيّة. وقد صرّح هو بذلك "فأردنا أن نجعله وليّ عهدنا، ليكون دعاؤه لنا، وليعترف بالملك والخلافة لنا"[1].

 
لأنّ هذه البيعة تعني بالنسبة إلى المأمون: أنّ الإمام يكون قد أقرّ بأنّ الخلافة ليست له دون غيره، ولا في العلويّين دون غيرهم. ولذلك إنّ حصول المأمون على هذا الاعتراف ومن الإمام عليه السلام خاصّة، يُعتبر أخطر على العلويّين من الأسلوب الّذي انتهجه أسلافه من أمويّين وعباسيّين ضدّهم، من قتلهم وتشريدهم، وسلب أموالهم[2].
 
وهناك أهداف كثيرة ذُكرت في الكتب للبيعة كأن يكسب المأمون سمعة معنويّة وصيتاً بالوقار والتقوى، وأن يتحوّل الإمام إلى حامٍ ومرشد للنظام، إلى غير ذلك من الأهداف الّتي سنذكر بعضها. ولكنّ السؤال المهمّ هو ما هي الإجراءات التي قام بها الإمام عليه السلام في سبيل مواجهة هذه الخطوة السياسيّة الدقيقة؟
 
ولكن قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بدّ لنا من معرفة الأسباب لقبول هذه البيعة، وإن كانت هناك أسباب متعدّدة ولكنّنا نقتصر على أهمّ سبب في هذا المجال وهو:
 
الإكراه على البيعة
أوّل أمر قام به الإمام أنّه رفض البيعة بولاية العهد. وانتشر هذا الرفض في كلّ مكان حتّى إنّ الفضل بن سهل صرّح في جمع من العاملين بهذا الأمر. وبيّن الإمام في كلّ فرصة أُتيحت له أنّه مجبر على القيام بهذا الأمر. وهذا يُعتبر أيضاً إجراء من قبل الإمام في مواجهة ولاية العهد من قبل المأمون. قال الريّان بن الصلت: "دخلت على عليّ بن موسى الرضا عليه السلام، فقلت له: يا بن رسول الله الناس يقولون: إنّك
 
 
 
 

 
[1] الشيخ الصدوق، عيون اخبار الرضا، ج2، ص 181.
[2] العلامة السيّد جعفر مرتضى، الحياة السياسيّة للإمام الرضا عليه السلام، ص 238-239.
 

132

الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام

قبلت ولاية العهد مع إظهارك الزهد في الدنيا، فقال عليه السلام: قد علم الله كراهتي لذلك، فلمّا خُيّرت بين قبول ذلك وبين القتل اخترت القبول على القتل، ويحهم أما علموا أنّ يوسف عليه السلام كان نبيّاً ورسولاً فلمّا دفعته الضرورة إلى تولّي خزائن العزيز ?قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ?؟ ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك على إكراه وإجبار بعد الإشراف على الهلاك على أنّي ما دخلت في هذا الأمر إلّا دخول خارج منه فإلى الله المشتكى وهو المستعان"[1].

 

طبعاً هذا لا يعني أنّ الإمام عليه السلام لأنّه هُدّد بالقتل قبِل بولاية العهد من دون النظر إلى النتائج المترتّبة على ذلك. ومن النصوص الّتي يظهر فيها التهديد للإمام عليه السلام هو قول المأمون له: "إنّ عمر بن الخطّاب جعل الشورى في ستّة أحدهم جدّك أمير المؤمنين عليّ عليه السلاموشرط فيمن خالف منهم أن يُضرب عنقه ولا بدّ من قبولك ما أريده منك فإنني لا أجد محيصاً عنه"[2].

 

وأمّا الإجراءات الّتي قام بها الإمام عليه السلام فهي متعدّدة منها:

1- إعلان التهديد:

وهذا الإجراء تقدّم الكلام عنه، وقد ساعد أعوان السلطة لعدم تدبيرهم ودرايتهم بالسياسة على نشر هذا الخبر.

 

2- عدم التدخّل في الشؤون السياسيّة:

رغم كلّ التهديدات الّتي مورست على الإمام عليه السلام قَبِلَ ولاية العهد بشرط الموافقة على عدم تدخّله في أيّ شأن من شؤون الحكومة من حرب أو سلم، ومن عزل أو نصب الخ...

 






[1] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج2، ص139.

[2] الشيخ المفيد، الإرشاد، ص290.

 
 

 


133

الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام

فقد قال عليه السلام عندما هدّده المأمون: "فإنّي أجيبك إلى ما تريد من ولاية العهد على أنّني لا آمر ولا أنهى ولا أفتي ولا أقضي ولا أولّي ولا أعزل ولا أغيّر شيئاً ممّا هو قائم، فأجابه المأمون إلى ذلك كلّه"[1].

 

إلى غيرها من الإجراءات التي قام بها الإمام الرضا عليه السلام في مواجهة هذه السياسة الّتي قام بها المأمون والّتي لا يستوعبها هذا البحث.

 

نتائج ولاية العهد

يقول الإمام الخامنئيّ في هذا المجال:

"إنّ السنة التي تسلّم فيها الإمام عليه السلام ولاية العهد كانت واحدة من أعظم البركات التاريخية على التشيّع حتّى إنّها نفخت روحاً جديدة في نضال العلويّين وكفاحهم، وهذا كان من بركات التدبير الإلهيّ للإمام الثامن عليه السلام وأسلوبه الحكيم"[2].

 

لذلك سنشير إلى بعض من نتائج ولاية العهد.

1- اعتراف المأمون بأحقيّة أهل البيت عليهم السلام:

ويكفي للتدليل على هذه الفكرة أن نطّلع على بعض الكلمات التي صدرت عن الإمام عليه السلام في مراسم التعيين. فعندما طلب المأمون منه أن يخطب أمام الناس خطب موضّحاً حقّه: "أيّها الناس إنّ لنا عليكم حقّاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكم علينا حقّاً به، فإذا أدّيتم إلينا ذلك وجب لكم علينا الحكم والسلام"[3].

 

 

 


 

[1] الشيخ المفيد، الإرشاد، ص290.

[2] الإمام الخامنئي، الدروس العظيمة من السيرة أهل البيت عليهم السلام ، ص190.

[3] ابن الصباغ المالكي، الفصول المهمّة، ص255- 256.

 

134

الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام

خطب المأمون فقال: "أيّها الناس جاءتكم بيعة عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام والله لو قرأت هذه الأسماء على الصمّ البكم لبرئوا بإذن الله عزّ وجلّ"[1].

 

2- توظيف الإعلام لصالح الإمام عليه السلام:

وقد تمّ ذلك من خلال عدّة خطوات:

أصبح أئمّة الجمعة يدعون للإمام الرضا عليه السلام في كلّ جمعة وعند كلّ مناسبة.

 

ضربت النقود باسم الإمام الرضا عليه السلام في جميع الأمصار.

 

كثرت الخطب والأشعار المادحة للإمام وأهل البيت عليهم السلام.

 

حتى إنّ المأمون نفسه قال:

لا تُقبل التوبة من تائب                    إلّا بحبِّ ابن أبي طالب

أخي رسول الله حلف الهدى[2]           والأخ فوق الخِلّ والصاحب[3]

 

3- حريّة الإمام عليه السلام في المناظرة:

ويكفي أن نعرف أنّ مناظرات الإمام كثيرة جدّاً مع كلّ المذاهب والأديان حتّى لُقّب عليه السلام بـ "غيظ الملحدين".

فقد جمع المأمون للإمام عليه السلام الجاثليق وهو رئيس الأساقفة، ورأس الجالوت عالم اليهود، ورؤساء الصابئين، وعظماء الهنود من أبناء المجوس، وأصحاب زرادشت، وعلماء الروم، والمتكلّمين، فناظرهم بأجمعهم في مناظرات مشهورة، وغلب عليهم بالحجة البينة والبراهين التامة، وأذعنوا لتمام فضله في العلم.

 

 

 

 


 

[1] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج2، ص147.

[2]  القرشي، حياة الإمام الرضا عليه السلام، ج2، ص 249.

[3] الأمين، أعيان الشيعة، ج 2، ص 16.

 

135

الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام

4- نشر فضائل أهل البيت عليهم السلام ومقاماتهم:

فقد نشر الإمام عليه السلام فضائل الإمام عليّ عليه السلام وكراماته، ويكفي أن نعرف أنّ نفس المأمون في سنة 211 قد أمر أن ينادى: "برئت الذمّة ممّن يذكر معاوية بخير، وإنّ أفضل الخلائق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّ بن أبي طالب"[1].

 

5- حقن دماء المسلمين:

من مكتسبات هذه الولاية حقن الدماء، فقد أصدر المأمون العفو العامّ عن قادة الثورات: كزيد وإبراهيم أخي الإمام عليه السلام، ومحمّد بن جعفر.

 


 

[1] السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص247.

 

136

الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام

 خلاصة الدرس

- بعد استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام تسلم الإمام الرضا عليه السلام الإمامة. وقد عانى الكثير من ظلم هارون ولكن لم يظهر أيّ تصدٍّ علني لمنصب الإمامة.
 
- عاصر الإمام عليه السلام عدداً من خلفاء بني العبّاس وهم هارون، والأمين، والمأمون.
 
- في عهد المأمون تسلّم الإمام عليه السلام ولاية العهد.
 
- كانت هناك عدّة أهداف وراء ولاية العهد منها: التهدئة للأوضاع الداخليّة، سلب القداسة والمظلوميّة عن الثورات، إضفاء المشروعيّة على الخلافة العباسيّة.
 
- إنّ الإمام عليه السلام كان مكرهاً على البيعة، وعند عرضها عليه وقبوله بها قام بعدّة إجراءات منها إعلان أنّه قبل ذلك تحت التهديد، وعدم تدخّله في الشؤون السياسيّة.
 
- هناك عدّة نتائج مترتّبة على ولاية العهد، منها:
1- اعتراف المأمون بأحقيّة أهل البيت عليهم السلام.
2- توظيف الإعلام لصالح الإمام عليه السلام.
3- حرّية الإمام في المناظرة.
4- حقن دماء المسلمين.
 
 

137

الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام

 أسئلة

1- كيف تصف العصر الّذي عاش فيه الإمام عليه السلام مع خلفاء بني العبّاس؟
 
2- ما هي الأسباب الّتي دفعت المأمون إلى عرض ولاية العهد على الإمام عليه السلام؟
 
3- ما هو الدليل على أنّ الإمام عليه السلام كان مكرهاً على بيعة المأمون؟
 
ضع علامة صحّ □ أو خطأ □ في المكان المناسب:
1- موضع قبر الإمام الرضا عليه السلام في طوس □.
2- قبول الإمام الرضا عليه السلام ولاية العهد يعني الاعتراف منه بشرعية خلافة المأمون □.
3- اندلعت بعد تسلم المأمون الحكم عدة ثورات □.
4- أبدى الإمام الرضا عليه السلام في بادئ الأمر رفضه لولاية العهد □.
5- ضربت النقود باسم الإمام الرضا عليه السلام بعد توليه ولاية العهد □.
 
 

138

الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام

للمطالعة

 

أخلاق الإمام الرضا عليه السلام

عن إبراهيم بن العبّاس أنّه قال: ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا، وشاهدت منه ما لم أشاهده من أحد، وما رأيته جفا أحداً بكلامه قطّ، ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه، وما ردّ أحداً عن حاجة يقدر عليها، ولا مد رجليه بين يدي جليس له قطّ، ولا اتَّكأ بين يدي جليس له قطّ، ولا رأيته يشتم أحداً من مواليه ومماليكه، وما رأيته تفل قطّ، ولا رأيته يقهقه في ضحكه بل كان ضحكه التبسُّم، وكان إذا خلا ونصبت مائدته أجلس على مائدته مماليكه ومواليه حتى البواب والسائس، وكان قليل النوم بالليل، كثير السهر، يحيي أكثر لياليه من أوّلها إلى الصبح، وكان كثير الصوم، ولا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر، ويقول: "ذلك صوم الدهر" وكان كثير المعروف والصدقة في السرّ، وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة، فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدّقوه.

 

وعن محمد بن أبي عباد قال: كان جلوس الرضا عليه السلام على حصير في الصيف وعلى مسح في الشتاء، ولبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزين لهم.

 

وعن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال: ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا عليه السلام، ولا رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجالس له ذوات عدد علماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقي أحد منهم إلّا أقرّ له بالفضل وأقرّ على نفسه بالقصور. ولقد سمعت عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام يقول: "كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون، فإذا أعيا الواحد منهم من مسألة أشاروا إليّ بأجمعهم وبعثوا إليّ بالمسائل فأجيب عنها"[1].

 

 

 

 

 

[1] الشيخ الطبرسي، إعلام الورى، ج2، ص64.

 

139

الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام

 الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام

 
أهداف الدرس:
1- أن يتبيّن الطالب أنّ السنّ ليست بعائقٍ أمام الخلافة الإلهيّة.
2- أن يتعرّف إلى خطّة المأمون الهادفة للقضاء على عقيدة التشيّع.
3- أن يستذكر كيفيّة مواجهة الإمام عليه السلام لمكائد المأمون.
 

140

الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام

الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام في سطور

الولادة: ولد في التاسع عشر أو الخامس عشر من شهر رمضان سنة (195هـ) في المدينة المنوّرة.

الشهادة: استشهد في آخر ذي القعدة سنة (220 هـ) بوساطة زوجته أمّ الفضل بنت المأمون التي سمّته بعد تحريض عمّها المعتصم.

ألقابه: التقيّ، الجواد، المختار، المنتجب، المرتضى، القانع، العالم.

كنيته: أبو جعفر الثاني تمييزاً من جدّه محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام.

مدفنه: بغداد في مقابر قريش في ظهر جدّه الإمام موسى بن جعفر عليه السلام.

 

 

141

الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام

تمهيد:

كان الشيعة ينتظرون بفارغ الصبر ولادة الإمام الجواد من أبيه الإمام الرضا عليه السلام، وذلك لعلمهم بهذا الأمر. ولكنّ الإمام الرضا عليه السلام كان قد مرّ على عمره الشريف أكثر من أربعين سنة ولم يرزق ولداً بعد، وعندما كان يُسأل عن ذلك كان يجيب: "إنّ الله سوف يرزقني ولداً يكون الوارث لي والإمام من بعدي"[1].

 

وأخيراً ولد الإمام سنة (195هـ). وقال الإمام الرضا عليه السلام عند ولادته: "قد وُلد لي شبيه موسى بن عمران فالق البحار وشبيه عيسى ابن مريم، قدّست أم ولدته، قد خُلقت طاهرة مطهّرة". ثمّ قال عليه السلام: "يُقتل غصباً فيبكي له وعليه أهل السماء ويغضب الله على عدوّه وظالمه فلا يلبث إلّا يسيراً حتّى يعجل الله به إلى عذابه"[2].

 

وولادة الإمام عليه السلام أزالت القلق من قلوب الشيعة حيث كان يحزنهم أن لا يكون للإمام الرضا عليه السلام خليفة.

 

 


 

[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج50، ص15.

[2] م. ن.

 

142

الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام

ولكنّ المسألة الجديرة بالاهتمام هي تولّي الإمام عليه السلام منصب الإمامة في سنّ السابعة أو الثامنة من عمره الشريف ما شكلّ سابقة في الفكر الإماميّ. ولكنّ هذا الأمر ليس بغريب في حياة الأولياء الّتي فيها الكثير من المعجزات والكرامات التي اخترقت نواميس الطبيعة.

 

إنّ الزمان الّذي عايشه الإمام الجواد عليه السلام تميّز بوجود شخصيّة متميّزة على سدّة الحكم ذات دهاء وعلم واسع وأسلوب في العمل تميّزت بها من غيرها من الشخصيّات الّتي توالت على الحكم وتصدّت لمواجهة الأئمّة عليهم السلام هي المأمون الذي شهد له التاريخ بأنّه أدهى بني العبّاس[1] كما كان معاوية أدهى بني أميّة.

 

فإنّ الذين سبقوا المأمون في الحكم كانوا يواجهون الأئمّة عليهم السلام وأتباعهم بشكل مباشر وبالحديد والنار، وقد رأى بعينه كيف كان أبوه هارون الرشيد يتعامل مع الشيعة بكلّ قسوة، لكنّه علم أنّ هذا الأسلوب من التعامل مع الشيعة وأئمّتهم لن يزيدهم إلّا قوّة وتمسّكاً بخطّهم، بل إنّه سيزلزل حكم بني العبّاس أيضاً كما زلزل من قبلهم حكم بني أميّة واقتلعه من جذوره.

 

خطّة المأمون

لقد اتّبع المأمون سياسة أخرى مع الشيعة تتركّز على محاولة تضعيف الفكر الشيعيّ والطعن به من الداخل بشكل يحدث زلزالاً في وجدانهم وعقائدهم فيقضي عليهم بشكل لا تقوم لهم قائمة بعده. وقد لاحظ أنّ الإمامة هي الحصن الأساس لهذا الفكر. من هنا كان سعيه بهذا الاتّجاه من جهات عدّة:

1- محاولة تحطيم عقيدة الشيعة بعصمة الإمام عليه السلام من خلال استدعائه إلى دار الخلافة ليعيش في بذخ القصور بشكل يُسقط مفهوم العصمة.

 

 

 

 


 

[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج45، ص131.

 

143

الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام

2- محاولة تحطيم عقيدتهم بعلم الإمام عليه السلام من خلال تشكيل المناظرات مع أبرز العلماء الذين تصل يده إليهم بحضور رؤساء القوم وأشرافهم، علّه يحصل اشتباه أو توقّف فيحصل مراد المأمون.

 

3- إذا لم ينجح في تحطيم فكرة الإمامة فهو على الأقلّ سيضمن الإمام إلى جانبه كشخص تابعٍ للسلطان فيتحوّل الشيعة من معارضين إلى أتباع لسلطان بني العبّاس وحكمهم.

 

بالإضافة إلى أنّ عمل الشيعة بالتقيّة والخفاء يشكّل مشكلة حقيقيّة بالنسبة إلى الدولة، وقرب الإمام من المأمون ووقوعه تحت نظره في جميع الأوقات يسمح للمأمون برصد جميع تحرّكات الإمام عليه السلام واتّصالاته وبالتالي كشف وجهاء الشيعة.

 

وقد واجه المأمون الإمام الرضا عليه السلام بهذا الأسلوب وبهذه السياسة ولكنّ سياسته باءت بالفشل الذريع ولم يستطع أن يسجّل موقفاً واحداً على الإمام يستطيع أن يستفيد منه في خطّته هذه إلى أن فقد الأمل ووجد أنّ الدّفة تميل لغير صالحه وأنّ الإمام الرضا عليه السلاموبسبب هذه المناظرات والمواقف وجد شهرة في البلاد وحبّاً شديداً بين العباد، وشيعته تزداد يوماً بعد يوم، فلم يبقَ أمامه إلا حلّ واحد وهو دسّ السّم والتخلّص من وجوده الشريف المبارك.

 

وفي هذه الظروف والأجواء انتقلت المواجهة إلى الإمام الجواد عليه السلام وكان له من العمر ما يقارب الثماني السنوات، وعندها وجد المأمون نفسه أمام إنسان في عمرٍ صغير، فتجدّد أمله بتحقيق مخطّطه وعبر أسلوبه القديم، فإنّ الذي يواجهه الآن ليس الإمام الرضا عليه السلامبل هو صبيّ لم يبلغ الحلم، ومن كان في عمره عادة لن يستطيع أن يناظر كبار العلماء أو يصمد أمام مغريات السلطان ودار الخلافة بكلّ ما فيها.

 

من هنا نراه يستدعي الإمام الجواد عليه السلام إلى بغداد.

 

 

 

 

144

الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام

مواجهة الإمام الجواد عليه السلام

لقد واجه الإمام الجواد عليه السلام هذه السياسة من اللحظة الأولى التي وطئت قدماه فيها بغداد، وأسقطها تباعاً:

1- على المستوى العلميّ: هيّأ المأمون للمناظرات بين الإمام عليه السلام وبين قاضي الزمان يحيى بن أكثم بحضور جمع من الأشراف ورؤساء القوم، وقد صرّح المأمون بغرضه من تلك المناظرات حيث قال ليحيى "اطرح على أبي جعفر محمّد ابن الرضا عليه السلام مسألة تقطعه فيها". ولكنّ المناظرات كانت دائماً تسير لصالح الإمام عليه السلام وكان يتوقّف خصمه ويدهش لشدّة ما يراه من إحاطة وسعة في علم الإمام عليه السلام.

 

ومن هذه المناظرات: قال يحيى: ما تقول جعلت فداك في محرمٍ قتل صيداً؟


فقال أبو جعفر عليه السلام:

"قتله في حلّ أو حرم؟ عالماً كان المحرم أو جاهلاً؟ قتله عمداً أو خطأً؟ حرّاً كان المحرم أو عبداً؟ صغيراً كان أو كبيراً؟ مبتدئاً بالقتل أو معيداً؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد أم من كبارها؟ مصرّاً على ما فعل أو نادماً؟ في الليل كان قتله للصيد أم بالنهار؟ محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرماً؟"

 

فتحيّر يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع ولجلج حتّى عرف جماعة أهل المجلس أمره.

 

ثم شرح الإمام عليه السلام بعد ذلك تفصيل هذه المسائل قائلاً:

إنّ المحرم إذا قتل صيداً في الحلّ وكان الصيد من ذوات الطير، وكان من كبارها، فعليه شاة، فإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً، وإذا قتل فرخاً في

 

 

 

145

الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام

الحلّ فعليه حَمَل قد فُطم من اللبن، وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ، فإذا كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة، و إن كان نعامة فعليه بدنة، وإن كان ظبياً فعليه شاة، وإن كان قتل شيئاً من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة. وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه، وكان إحرامه بالحجّ نحره بمنى، وإن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكّة، وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء وفي العمد عليه المأثم وهو موضوع عنه في الخطأ، والكفّارة على الحرّ في نفسه، وعلى السيّد في عبده، والصغير لا كفّارة عليه، وهي على الكبير واجبة والنادم يسقط ندمه عنه عقاب الآخرة، والمصرّ يجب عليه العقاب في الآخرة[1].

 

وكان من آثار هذه المناظرات أن انتشر الفكر الشيعيّ وشاع وبانت قوّته ومتانته وعلوّه، فانقلب السحر على الساحر.

 

1- وأمّا من جهة العصمة فقد حاول المأمون الطعن بها وتسجيل ولو خطأ واحد على الإمام عليه السلام، وبذل لذلك كلّ ما أمكنه، فعن محمّد بن الريّان قال: "احتال المأمون على أبي جعفر عليه السلام بكلّ حيلة فلم يمكنه فيه شي‏ء فلمّا أراد أن يبني عليه ابنته دفع إلى مائة وصيفة من أجمل ما يكنّ إلى كلّ واحدة منهنّ جاماً فيها جوهر يستقبلون أبا جعفر عليه السلام إذا قعد في موضع الختان، فلم يلتفت إليهنّ، وكان رجل يُقال له مخارق صاحب صوت وعود وضرب، طويل اللحية فدعاه المأمون فقال: يا أمير المؤمنين إن كان في شي‏ء من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره، فقعد بين يدي أبي جعفر عليه السلام لا يلتفت إليه لا يميناً ولا شمالاً، ثمّ رفع إليه رأسه، وقال عليه السلام: "اتّقِ الله يا ذا العثنون"[2] قال: فسقط المضراب من يده والعود فلم ينتفع بيده إلى أن مات"[3].

 

 

 

 


 

[1] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج 13، ص 14.

[2] اللحية الطويلة.

[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص 495.

 

146

الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام

ورغم الحقيقة الراسخة في عصمة الإمام عليه السلام إلا أنّ المأمون كان قادراً على الاستفادة من وجود الإمام في قصر الخلافة من الجهة الإعلاميّة ليعكسها بشكل سلبيّ على الشارع الشيعيّ، وقد واجه الإمام عليه السلام ذلك أيضاً وأسقطه، فقد رُوي عن الحسين المكاريّ قال: دخلت على أبي جعفر ببغداد وهو على ما كان من أمره، فقلت في نفسي: هذا رجل لا يرجع إلى موطنه أبداً وما أعرف مطعمه[1]، قال: فأطرق رأسه ثمّ رفعه وقد اصفرّ لونه.

 

فقال عليه السلام: "يا حسين خبز شعير وملح جريش في حرم رسول الله أحبّ إليّ ممّا تراني فيه"[2].

ولم يستطع المأمون أن يحوّل الشيعة إلى المشروع العبّاسيّ ويستفيد منهم كأتباع لهذا المشروع، بل على العكس فقد استفاد الإمام عليه السلام من هذه السياسة في تقوية المشروع الإسلاميّ الأصيل.

 

﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾[3].

 

وعلى أيّ حال فإنّ المأمون استمرّ بسياسته هذه يحصد الفشل تلو الآخر إلى أن توفّي وحكم بعده أخوه المعتصم، فسار مدّة بسيرة المأمون، ولكنه سرعان ما فقد الأمل من تحقيق أهدافه، وفهم الآثار التي تحصل بسبب هذه السياسة التي لم تزد مشروعه إلّا ضعفاً ووهناً والشيعة إلّا علواً ومتانة، وأحسّ بالاحباط والفشل فتخلّى عن سياسته هذه وتوسّل بالحديد والنار شأن كلّ ضعيف لا يقدر على مواجهة الكلمة والفكر، فدسّ السمّ له واستشهد عليه السلام عن عمر لم يتجاوز الخامسة والعشرين.

 

 

 

 


 

[1]  أي ما أكثر طيب مطعمه وخيره وحسنه، بمعنى أنّه لا يرجع إلى وطنه والحال أنّ مطعمه بالطيب والدعة والسعة التي أراها.

[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج50، ص 49.

[3] سورة التوبة، الآية: 33.

 

147

الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام

 خلاصة الدرس

- كان المأمون أدهى بني العبّاس وكان خطّط لمحاربة الشيعة والطعن بركنهم الأساس المتمثّل بالإمامة.
 
- حاول المأمون تحطيم مفهوم العصمة وعلم الإمام عليه السلام ونقل الشيعة من موقع مواجهة العبّاسيين إلى موقع التابع.
 
- المناظرات التي أعدّها المأمون لمواجهة الإمام عليه السلام كانت نتائجها عكسيّة وصارت سبباً في نشر التشيّع وإظهار قوّته. كما وسقطت رهاناته في تسجيل خطأ (ولو على المستوى الإعلاميّ) على الإمام عليه السلام بسبب وجوده في قصر الخلافة.
 
- بعد فشل سياساتهم كلّها لم يبقَ أمام العبّاسيين سوى اغتيال شخص الإمام عليه السلام.
 
- كان الشيعة ينتظرون بفارغ الصبر ولادة الإمام الجواد، وذلك لعلمهم بهذا الأمر، وكان قد مرّ على عمر الإمام الرضا عليه السلام أكثر من أربعين سنة ولم يرزق ولداً.
 
- تولّى الإمام الجواد الإمامة في سن السابعة أو الثامنة من عمره الشريف.
 
- إنَّ الزمان الذي عايشه الإمام الجواد عليه السلام تميّز بوجود شخصية متميّزة على سدّة الحكم ذات دهاء وعلم واسع.
 
 
 

148

الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام

 أسئلة

1- ما هي الخطّة التي وضعها المأمون للتخلّص من خطر الشيعة؟
 
2- ماذا كانت نتيجة المواجهة العلميّة وآثارها؟
 
3- كيف واجه الإمام عليه السلام مظاهر الفساد والبذخ في قصر الخلافة؟
 
ضع علامة صحّ □ أو خطأ □ في المكان المناسب:
1- الإمام الجواد هو ثامن الأئمة الاثني عشر □.
2- استشهد الإمام الجواد عليه السلام بوساطة زوجته أم الفضل بنت المأمون □.
3- لم يعاصر الإمام الجواد المأمون العباسي □.
4- دفن الإمام الجواد عليه السلام في سامراء □.
5- كنية الإمام الجواد عليه السلام هي "أبو جعفر الثاني" □.
 
 

149

الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام

 للمطالعة

 
محاورة الإمام مع يحيى بن أكثم
قال يحيى بن أكثم للمأمون: يأذن لي أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر عن مسألة؟
فقال له المأمون: استأذنه في ذلك.
 
فأقبل عليه يحيى بن أكثم، فقال: أتأذن لي، جعلت فداك، في مسألة؟
فقال أبو جعفر عليه السلام: سل إن شئت.
 
قال يحيى: ما تقول، جعلت فداك، في محرم قتل صيداً؟
فقال أبو جعفر عليه السلام:
"قتله في حلّ أو في حرم؟ عالماً كان المحرم أو جاهلاً؟ قتله عمداً أو خطأ؟ حرّاً كان المحرم أو عبداً؟ صغيراً كان أو كبيراً؟ مبتدئاً بالقتل أو معيداً؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد أم من كبارها؟ مصرّاً على ما فعل أو نادماً؟ في الليل كان قتله للصيد أم في النهار؟ محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرماً؟"
 
فتحيّر يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع.
 
فقال المأمون: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟
فقال أبو جعفر عليه السلام ليحيى: أسألك؟
 
قال: ذلك إليك، جعلت فداك، فإنْ عرفت جواب ما تسألني وإلا استفدته منك.
 
فقال أبو جعفر عليه السلام:
أخبرني عن رجل نظر إلى إمرأة في أوّل النهار فكان نظره إليها حراماً عليه، فلمّا ارتفع النهار حلّت له، فلمّا زالت الشمس حرمت عليه، فلمّا كان وقت العصر حلّت
 
 

150

الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام

له، فلمّا غربت الشمس حرمت عليه، فلمّا دخل وقت العشاء الآخرة حلّت له، فلمّا كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه، فلمّا طلع الفجر حلّت له، ما حال هذه المرأة؟ وبماذا حلّت له وحرمت عليه؟

 

فقال له: لا والله لا أهتدي إلى جواب هذ السؤال ولا أعرف الوجه فيه، فإنْ رأيت أن تفيدنا.

 

فقال عليه السلام: "هذه أَمَة لرجل من الناس، نظر إليها أجنبيّ في أوّل النهار فكان نظره إليها حراماً عليه، فلمّا ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلّت له، فلمّا كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه، فلمّا كان وقت العصر تزوّجها فحلّت له، فلمّا كان وقت المغرب ظاهرَ منها فحرمت عليه، فلمّا كان وقت العشاء الآخرة كفّر عن الظهار فحلّت له، فلمّا كان نصف الليل طلّقها واحدة، فحرمت عليه، فلمّا كان عند الفجر راجعها فحلّت له" .


 

[1] علي بن أبي الفتح الإربلي،كشف الغمة، ج2، ص353-359.

 

 

 

151

الدرس الثاني عشر: الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام

 الدرس الثاني عشر: الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام

 
 
أهداف الدرس:
1- أن يتعرّف الطالب إلى الظروف المحيطة بتسلّم الإمام العسكريّ عليه السلام للإمامة.
2- أن يعرف الأسلوب الّذي اتّبعه الإمام عليه السلام في التمهيد للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.
3- أن يتعرّف إلى ظروف شهادة الإمام عليه السلام العسكري.
 

152

الدرس الثاني عشر: الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام

الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام في سطور

الولادة: ولد في المدينة في الثامن من ربيع الآخر سنة  [1]232.

الشهادة: استشهد يوم الجمعة الثامن من ربيع الأوّل سنة 260 وعمره 28 عاماً.

ألقابه: التقيّ، المرضيّ، النقيّ، الرفيق، الزكيّ، الصامت، الهادي، السراج، العسكريّ[2]، الخالص.

كنيته: أبو محمّد.

مدفنه: دفن مع أبيه الهادي عليه السلام في سامرّاء.

 

 


 

[1] قال الحرّ العاملي في منظومته:

مولده شهر ربيع الآخر            وذاك في اليوم العاشر

في يوم الاثنين وقيل الرابع          وقيل الثامن وهو الشائع

                                                           الأنوار البهية، ص250.

[2] قال الشيخ الصدوق رضوان الله عليه: سمعت مشايخنا رضي الله عنهم يقولون: إنّ المحلة التي يسكنها الإمامان عليّ بن محمّد والحسن بن عليّ عليهما السلام بسر من رأى كانت تسمّى العسكر، فلذلك قيل لكلّ واحد منهما العسكري: علل الشرائع، ج1، ص230.

 

153

الدرس الثاني عشر: الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام

 تمهيد:

واصل الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام مهامّ الإمامة بعد والده الإمام الهادي عليه السلام. وعاصر في فترة إمامته القصيرة (ست سنوات) حكومة ثلاثة حكّام من العباسيين هم المعتزّ والمهتدي والمعتمد. وكانت المعاناة مع الدولة العبّاسية ما زالت شديدة؛ ففي غضون حكم المعتزّ قُتل الكثير من الأبرياء وسُجن من العلويّين أكثر من سبعين شخصاً من آل جعفر وآل عقيل. وبعد المعتز تسلَّم المهتدي الخلافة، وسجن الإمام عليه السلام، بل وحتّى اتّخذ قراراً بقتله إلّا أنّ الأجل لم يمهله فمات المهتدي.
 
وحدّث عليّ بن جعفر عن الحلبيّ: "اجتمعنا في العسكر وترصدنا لأبي محمّد عليه السلام يوم ركوبه، فخرج توقيعه: "ألا لا يسلّمنّ عليّ أحد، ولا يشير إليّ بيده، ولا يومئ، فإنّكم لا تؤمنون على أنفسكم"[1].
 
يقول أحمد بن محمّد: "كتبت إلى أبي محمّد (الإمام العسكريّ) حين أخذ المهتدي في قتل الموالي: يا سيّدي الحمد لله الذي شغله عنّا، فقد بلغني أنّه يتهدّدك، ويقول والله لأجلينّهم عن جديد الأرض، فوقّع أبو محمّد عليه السلام بخطّه: "ذلك أقصر لعمره، عدّ من يومك هذا خمسة أيام ويُقتل في اليوم السادس بعد
 
 

 
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 50، ص 269.
 

154

الدرس الثاني عشر: الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام

هوان واستخفاف يمرّ به"، فكان كما قال عليه السلام"[1].

 

وبعد المهتدي تسلَّم المعتزّ زمام السلطة، وفي عهده استشهد الإمام العسكريّ عليه السلام وقُتلت معه مجموعة من العلويّين. ويذكر بعض المصادر التاريخيّة أنّه قد تمّ قتل بعضهم بأفجع صورة وحتّى بعد القتل مثّلوا بأجسادهم[2].

 

الإمام العسكريّ عليه السلام والتمهيد للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف 

إنّ المهمّة المميّزة في إمامته عليه السلام كانت التمهيد لولادة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وغيبته الصغرى والكبرى، والارتباط الصحيح به وضرورة الانتقال بالشيعة من نقطة اتّصال مباشرة بالمعصوم إلى نقطة اتّصال غير مباشرة. وتعتبر هذه المرحلة من أدقّ المراحل على الفكر الشيعيّ منذ النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم إلى عهد الإمام العسكريّ، لذلك كان على الإمام أن يكثّف أحاديثه وأن يقوم عمليّاً، كما سيتّضح، بالتمهيد للغيبة.

 

ويمكن تلخيص دور الإمام عليه السلام في هذا الاتّجاه بما يلي:

1- النصّ على الإمام وتعريف شيعته به:

عن محمّد بن عبد الجبّار قال: قلت لسيّدي الحسن بن عليّ عليه السلام: يا بن رسول الله، جعلني الله فداك، أحبّ أن أعلم من الإمام وحجّة الله على عباده من بعدك.

قال عليه السلام: "إنّ الإمام من بعدي ابني، سَميّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكنيُّه، الّذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه".

 

قال: ممّن هو يا بن رسول الله؟ قال عليه السلام:

"من ابنة قيصر ملك الروم، ألا إنّه سيولد ويغيب عن الناس غيبة طويلة ثمّ يظهر"[3].

 

عن يعقوب بن منقوش قال: "دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السلام وهو 

 

 

 


 

[1] الإرشاد، المفيد، ص324.

[2] أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص 685- 690.

[3] الميرزا حسين النوري الطبرسي، النجم الثاقب، ج1، ص 136.

 

 


155

الدرس الثاني عشر: الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام

جالس على دكّان في الدار وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل، فقلت: سيّدي، من صاحب هذا الأمر؟ فقال: ارفع الستر، فرفعته فخرج إلينا غلام خماسيّ له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه، درّيّ المقلتين، شثن الكفّين، معطوف الركبتين، في خدّه الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة، فجلس على فخذ أبي محمّد عليه السلام ثمّ قال لي: هذا صاحبكم، ثمّ وثب فقال له: يا بُنيّ ادخل إلى الوقت المعلوم، فدخل البيت وأنا أنظر إليه، ثمّ قال لي: يا يعقوب، انظر من في البيت، فدخلت فما رأيت أحداً"[1].

 

2- التأكيد على الصبر وانتظار الفرج:

إنّ انتظار فرج الإمام عليه السلام من العبادات بل من أفضل الأعمال كما في الأحاديث المباركة. فإنّ أوّل ما يتوجّب على الإنسان هو الصبر عند طول الغيبة. وما يؤكّد على ذلك الرسالة التي أرسلها الإمام عليه السلام إلى عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي، الّتي جاء فيها: "عليك بالصبر وانتظار الفرج".

 

روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج"[2].

 

3- التحذير من الشكّ والضعف:

فروي عنه عليه السلام: "إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة المتمسّك فيها بدينه كالخارط شوك القتاد بيده"[3].

 

4- التمهيد العمليّ للغيبة:

والمقصود بذلك أنّ الإمام عليه السلام عيّن وكلاء وسفراء من خاصّة أصحابه لتبليغ تعليماته وأحكامه إلى شيعته، وذلك بأسلوب التوقيعات والمكاتبات، وهذا يعتبر

 

 

 

 


 

[1] الشيخ الطبرسي، إعلام الورى، ص413.

[2] الشيخ عزيز الله العطاردي، مسند الإمام العسكري عليه السلام، ص19.

[3] ابن أبي زينب النعماني، الغيبة، ص122.

 

156

الدرس الثاني عشر: الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام

 تمهيداً عمليّاً لما سيحصل في زمن الغيبة الصغرى.

 
5- مدرسة الفقهاء:
اتّسم عصر الإمام العسكريّ عليه السلام ومن قبله عصر الإمامين الهادي والرضا عليهما السلام باتساع رقعة التشيّع، واتضاح معالم المدرسة الشيعيّة، ولذلك دعوا إلى اتّباع مدرسة الفقهاء الّتي تميّزت ما سواها بعدّة أمور منها:
1- اعتماد الكتاب والسنّة مصدراً للتشريع الإسلاميّ.
2- الرجوع في تعلّم الأحكام إلى المعصوم إن أمكن.
3- الرجوع إلى الفقهاء الثقات حيث لا يمكن أو يتعسّر الرجوع إلى الإمام المعصوم.
 
وقد أيّد الإمام العسكريّ عليه السلام جملة من الكتب الفقهية والأصول في عصره أو قبل عصره. وقد أُحصيت أسماء أصحاب الإمام عليه السلام ورواة حديثه فبلغوا 213 شخصاً، منهم:
أحمد بن إسحاق الأشعريّ القمّي: وهو من الأصحاب المقرّبين للإمام عليه السلام، ويعدّ كبير القمّيين وكان يحمل مسائل أهل قمّ إليه عليه السلام.
 
أبو هاشم داود بن القاسم الجعفريّ: وهو من أحفاد جعفر الطيّار ومن أعظم رجال أهل بيته وأهل بغداد، وكانت له منزلة رفيعة ومقام محمود عند الأئمّة عليهم السلام.
 
عبد الله بن جعفر الحميريّ: من أبرز رجال قمّ المقدّسة، له كتاب (قرب الإسناد).
 
أبو عمرو عثمان بن سعيد العمريّ: وهو النائب الأوّل للإمام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف. وكان من كبار وكلاء الإمام الهادي عليه السلام والعسكريّ عليه السلام.
 
 
 

157

الدرس الثاني عشر: الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام

شهادة الإمام العسكريّ عليه السلام

قال أبو الأديان: "كنت أخدم الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام وأحمل كتبه إلى الأمصار فدخلت عليه في علّته التي توفّي فيها صلوات الله عليه فكتب معي كتباً وقال: امض بها إلى المدائن فإنّك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل إلى سُرَّ مَنْ رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل، قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي فإذا كان ذلك فمن؟ قال: من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي. فقلت: زدني، فقال: من يصلّي عليَّ فهو القائم بعدي".

 

فقلت: زدني، فقال: "من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي".

 

ثم منعتني هيبته أن أسأله عمّا في الهميان.

 

وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها ودخلت سُرّ مَنْ رأى يوم الخامس عشر كما ذكر لي عليه السلام فإذا أنا بالواعية في داره وإذا به على المغتسل وإذا أنا بجعفر بن عليّ أخيه بباب الدار والشيعة من حوله يعزّونه ويهنّئونه فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة،... تقدّم جعفر ليصلّي على أخيه فلمّا همّ بالتكبير خرج صبيّ بوجهه سمرة بشعره قطط بأسنانه تفليج فجذب برداء جعفر بن عليّ وقال: "تأخّر يا عمّ أنا أحقّ بالصلاة على أبي فتأخّر جعفر وقد اربدّ وجهه واصفرّ. فتقدّم الصبيّ وصلّى عليه ودُفن إلى جانب قبر أبيه، ثمّ قال: يا بصري هات جوابات الكتب التي معك فدفعتها إليه، فقلت في نفسي: هذه بيّنتان،... الخ"[1].

 

 

 


 

 

[1] الشيخ الصدوق،كمال الدين وتمام النعمة، ج2، ص475.

 

158

الدرس الثاني عشر: الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام

 خلاصة الدرس

- تسلّم الإمام العسكري الإمامة بعد استشهاد والده الإمام الهادي عليه السلام، والتي دامت ست سنوات.
- عاصر خلال ولايته ثلاثة من الحكام العباسيين هم: المعتزّ، المهتدي والمعتصم.
- كانت المهمة المميزة في إمامته التمهيد لولادة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وغيبته الصغرى والكبرى.

ويمكن تلخيص دور الإمام عليه السلام هذا الاتجاه بما يلي:
1- النص على إمامة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وتعريف شيعته به.
2- التأكيد على الصبر وانتظار الفرج.
3- التحذير من الشك والضعف.
4- التمهيد العملي للغيبة.
5- الدعوة إلى اتباع مدرسة الفقهاء.
 
 

159

الدرس الثاني عشر: الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام

 أسئلة

1- ما هي أهمّ الأمور الّتي قام بها الإمام عليه السلام من أجل التمهيد للغيبة؟
2- ما هي مدرسة الفقهاء الّتي كانت في عصر الإمامين الهادي والعسكريّ عليهما السلام؟
3- ماذا تعرف عن ظروف شهادة الإمام العسكريّ عليه السلام؟
 
ضع علامة صحّ □ أو خطأ □ في المكان المناسب:
1- سجن الإمام العسكري عليه السلام في عهد المهتدي العباسي □.
2- عين الإمام العسكري عليه السلام وكلاء وسفراء لتبليغ تعليماته □.
3- كُنيى الإمام عليه السلام بـ"أبي محمّد" □.
4- استشهد الإمام العسكري عليه السلام على يد هارون الرشيد □.
5- قال الإمام العسكري "أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج" □.
 
 

160

الدرس الثاني عشر: الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام

 للمطالعة

 
رسالة الإمام عليه السلام إلى أحد من كبار علماء الشيعة في قمّ، الشيخ الجليل عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي وهو من أكبر فقهاء الشيعة، وهذا نصّها:
"بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربّ العالمين، والعاقبة للمتّقين، والجنّة للموحّدين، والنار للملحدين، ولا عدوان إلّا على الظالمين، ولا إله إلّا الله أحسن الخالقين، والصلاة على خير خلقه محمّد وعترته الطاهرين".
 
أمّا بعد، أوصيك يا شيخي ومعتمدي وفقيهي أبا الحسن عليّ بن الحسين القمّي وفّقك الله لمرضاته وجعل من صلبك أولاداً صالحين برحمته بتقوى الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة فإنّه لا تقبل الصلاة من مانع الزكاة، وأوصيك بمغفرة الذنب وكظم الغيظ وصلة الرحم ومواساة الإخوان والسعي في حوائجهم في العسر واليسر والحلم عند الجهل والتفقّه في الدين والتثبّت في الأمور والتعاهد للقرآن وحسن الخلق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى: ﴿لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ﴾ واجتناب الفواحش كلّها وعليك بصلاة الليل، ومن استخفّ بصلاة الليل فليس منّا فاعمل بوصيّتي وأمر جميع شيعتي بما أمرتك به حتّى يعملوا عليه وعليك بالصبر وانتظار الفرج فإنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج، ولا تزال شيعتنا في حزن حتّى يظهر ولدي الذي بشّر به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وهو الإمام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف فاصبر يا شيخي ومعتمدي أبا الحسن وأمر جميع شيعتي بالصبر فإنّ الأرض لله يورثها من عباده من يشاء والعاقبة للمتّقين والسلام عليك وعلى جميع شيعتنا ورحمة الله وبركاته وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير"[1].
 
 
 

 
[1] المحدّث القمي، الأنوار البهية، ص161.
 

161

الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية

 الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية

 
أهداف الدرس
1- أن يتبيّن الطالب حقيقة الاعتقاد بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.
2- أن يميّز بين الغيبة الصغرى والغيبة الكبرى.
3- أن يتبيّن آداب العلاقة بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.
 
 
 

162

الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية

الإمام محمد بن الحسن المهديّ عليه السلام في سطور

الولادة: وُلد الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف الجمعة منتصف شهر شعبان سنة (255هـ) في مدينة سامرّاء.

ألقابه: بقيّة الله، الحجّة، الخلف الصالح، القائم، المهديّ، المنتظر.

كنيته: أبو القاسم.

عمره الشريف: لا يزال حيّاً إلى أن يشاء الله. وسوف يظهر بإذن الله في يوم من الأيام ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً.

 

 

163

الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية

الإيمان بالمهدي عليه السلام تجسيد لحاجة فطرية
إنّ ظهور الإيمان بفكرة حتمية ظهور المنقذ العالمي في الفكر الإنساني عموماً يكشف عن وجود أسس متينة قوية تستند إليها تنطلق من الفطرة الإنسانية. يقول الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره: "ليس المهدي عليه السلام تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوانٌ لطموح اتجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها، وصياغة لإلهام فطري أدرك الناس من خلاله ـ على تنوع عقائدهم ووسائلهم إلى الغيب ـ أن للإنسانية يوماً موعوداً على الأرض تحقق فيه رسالات السماء مغزاها الكبير وهدفها النهائي، وتجد فيه المسيرة المكدودة للإنسان على مرِّ التأريخ استقرارها وطمأنينتها بعد عناء طويل...."[1].
 
حتمية الإيمان بالمنقذ بين الديانات السماوية
يعتبر الإيمان بحتمية ظهور المصلح الديني العالمي وإقامة الدولة الإلهية العادلة في كل الأرض من نقاط الاشتراك البارزة بين جميع الأديان[2]، والاختلاف فيما بينها إنّما هو في تحديد هوية هذا المصلح الديني العالمي الذي يحقق جميع أهداف الأنبياء عليهم السلام.
 
 
 

 
[1] الصدر، السيد محمد باقر، بحث حول المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، ص 7 - 8.
[2] زين الدين، الشيخ محمد أمين، حديث المهدي والمهدوية، ص 13.
 
 

164

الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية

والملاحظ أن هذه العقيدة تمثّل أصلاً مشتركاً في دعوات الأنبياء عليهم السلام, حيث إن كل دعوة نبوية ـ وعلى الأقل الدعوات الرئيسة والكبرى ـ تُمثل خطوة على طريق التمهيد لظهور المصلح الديني العالمي الذي يحقق أهداف هذه الدعوات كافة[1].

 

- اليهود: الإيمان بفكرة ظهور المصلح ثابت عند اليهود مدوّن في التوراة والمصادر الدينية المعتبرة عندهم. وقد فصّل الحديث عن هذه العقيدة عند اليهود كثير من الباحثين المعاصرين خاصةً في العالم الغربي مثل جورج رذرفورد في كتابه: "ملايين من الذين هم أحياء اليوم لن يموتوا أبداً"، والسناتور الأميركي بول منزلي في كتابه: "من يجرؤ على الكلام"، وغيرهما كثير[2].

 

وبغض النظر عن مناقشة صحة ما ورد من تفصيلات في هذه العقيدة عند اليهود، إلاّ أن المقدار الثابت هو أنها فكرة متأصلة في تراثهم الديني وبقوة بالغة مكّنت اليهودية ـ من خلال تحريف تفصيلاتها ومصاديقها ـ أن تقيم على أساسها تحركاً استراتيجياً طويل المدى وطويل النفس، استقطبت له الطاقات اليهودية المتباينة الأفكار والاتجاهات، ونجحت في تجميع جهودها وتحريكها باتجاه تحقيق ما صوّره قادة اليهودية لأتباعهم على أنه مصداق التمهيد لظهور المنقذ الموعود.

 

- النصارى: كما آمن النصارى بأصل هذه الفكرة استناداً إلى مجموعة من الآيات والبشارات الموجودة في الإنجيل والتوراة. ويصرح علماء الإنجيل بالإيمان بحتمية عودة عيسى المسيح في آخر الزمان ليقود البشرية في ثورة عالمية كبرى يعم بعدها الأمن والسلام كل الأرض كما يقول القس الألماني فندر في كتابه "ميزان الحق"[3]، وأنه يلجأ إلى القوة والسيف لإقامة الدولة العالمية العادلة. وهذا هو الاعتقاد السائد لدى مختلف فرق النصارى.

 


 

 

[1] الصدر، الشهيد محمد صادق، تأريخ الغيبة الكبرى 251 وما بعدها.

[2] احمد الواسطي، أهل البيت في الكتاب المقدّس، ص 121 - 123.

[3] بشارت عهدين، ص 261، نقلاً عن كتاب ميزان الحق للقس الألماني فندر، ص 271.

 

165

الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية

حتمية ظهور المصلح في المدارس الفكرية المختلفة

الملاحظ أن الإيمان بحتمية ظهور المصلح العالمي ودولته العادلة لا يختص بالأديان السماوية بل يشمل المدارس الفكرية والفلسفية غير الدينية أيضاً. فنجد في التراث الفكري الإنساني الكثير من التصريحات بهذه الحتمية، فمثلاً يقول المفكر البريطاني برتراند رسل: "إن العالم في انتظار مصلح يُوحّده تحت لواء واحد وشعار واحد"[1] ويقول ألبرت اينشتاين

صاحب النظرية النسبية: "إن اليوم الذي يسود العالمَ كله فيه السلام والصفاء ويكونُ الناس متحابين متآخين ليس ببعيد"[2].

 

وبشّر المفكر الايرلندي المشهور برنارد شو، بصراحة، بحتمية ظهور المصلح وبلزوم أن يكون عمره طويلاً يسبق ظهوره؛ بما يقترب من عقيدة الإمامية في طول عمر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ ويرى ذلك ضرورياً لإقامة الدولة الموعودة، في وصف المصلح بأنه: "إنسانٌ حيٌّ ذو بنية جسدية صحيحة وطاقة عقلية خارقة، إنسانٌ أعلى يترقى إليه هذا الإنسان الأدنى بعد جهد طويل، وأنه يطول عمُرهُ حتى ينيف على ثلاثمائة سنة ويستطيع أن ينتفع بما استجمعه من أطوار العصور وما استجمعه من أطوار حياته الطويلة"[3].

 

عقيدة الإمامية بالمهدي

لقد تواترت الأخبار والروايات الصادرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام التي تبشِّر بالمهدي، وبظهوره في آخر الزمان لينشر العدل، وينصر المستضعفين في العالم. ويعتقد المسلمون بأن قضية المهدوية والإمام المهدي ضرورة من ضروريات

 


 

[1] الشهرستاني، السيد عبد الرضا، المهدي الموعود ودفع الشبهات عنه، ص 6.

[2] م. ن، ص 7

 

[3] آل ياسين، الشيخ محمد حسن، المهدي المنتظر بين التصوّر والتصديق، ص 81.

 

166

الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية

الإسلام على مستوى كون إمامته امتداداً لنبوّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقيادة البشرية، وعالمية دولته، وكونه الإمام المفروض الطاعة، وذلك على قاعدة أن الإمامة رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا، ووظائفها مستمدّة من النبوّة، لناحية قيادة المجتمع وإدارة شؤون الأمة والدولة، ومرجعية دينية، وولاية أمر عامة للمسلمين كافة. وإن ما يعزّز عقيدة المسلمين بالمهدي مجموعة الأخبار التي أكّدت أن الأرض لا تخلو من حجة لله على الأرض.

 

روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن علياً إمام أمتي من بعدي، ومن وُلده القائم المنتظر الذي إذا ظهر يملأ الأرض عدلاً وقسطاً"[1].

 

وذكر الشيخ الكليني في الكافي ثلاث عشرة رواية تتحدّث عن أن الأرض لا تخلو من حجة، قال الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله أجلُّ وأعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل"[2].

 

وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: "والله ما ترك الله أرضاً منذ قبض آدم عليه السلام إلا وفيها إمام يهتدى به إلى الله وهو حجته على عباده، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجّة لله على عباده"، وعنه أيضاً قال: "لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها، كما يموج البحر بأهله"[3].

 

وقد حدّدت الروايات المقصود بالحجّة وأنه الإمام المهدي، فعن الإمام الكاظم عليه السلام قال: "إن

 




[1] السيد المرعشي، شرح إحقاق الحق، ج 29، ص 238.

[2] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص 178.

[3] م. ن، ص 179.

 
 
 

167

الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية

الحجّة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام حتى يعرف" وورد روايتان بنفس المضمون عن الرضا الإمامين والصادق عليه السلام، وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام"[1] وقال: "إن آخر من يموت الإمام لئلا يحتجّ أحدٌ على الله عزّ وجل أنه تركه بغير حجّة لله عليه"[2]. وتؤكّد الأخبار على أن انتظار الفرج أفضل العبادة، وهو في توأمة مع الجهاد، فقد سأل شخص الإمام الصادق عليه السلام: ماذا تقول فيمن مات وهو على ولاية الأئمة بانتظار ظهور حكومة الحق؟

 

فقال عليه السلام: هو بمنزلة من كان مع القائم في فسطاطه - ثم سكت هنيئة - ثم قال: هو كمن كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

 

ونقل هذا المضمون في روايات كثيرة منها: أنه بمنزلة المجاهد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وأنه بمنزلة من استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وأنه بمنزلة من كان قاعداً تحت لواء القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف[3].

 

آداب العلاقة بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف

بالإضافة للواجبات الإسلامية العامة التي تقع على المكلّفين من المسلمين في جميع العصور والأزمنة كواجب الدعوة الإسلامية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الفساد وغير ذلك من الواجبات الشرعية، هناك واجبات وآداب عديدة تختصّ بعصر الغيبة لا بد من مراعاتها في علاقتنا بالإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

أ- معرفة الإمام المهدي عليه السلام:

قال رسول الله: "من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية"[4]. يستفاد من الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام أن لمعرفة الإمام المعصوم أهمية عظيمة وأنها أساس لمعرفة الله، وأن طريق الهداية للحق والثبات على الصراط المستقيم لا يتم إلا بمعرفة الإمام المعصوم واقتفاء أثره والسير على خطاه والاستضاءة بنوره 

 


 

[1] م. ن، ص 180.

[2] الشيخ الكليني، الكافي، ج1،ص 180.

[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار،ج52، ص125.

[4] غيبة النعماني، ص 130، الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 21.

 

168

الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية

 والثبات على ولايته. فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: "إنما يعرف الله عز وجل ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منا أهل البيت، ومن لا يعرف الله عز وجل ولا يعرف الإمام منا أهل البيت فإنما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله ضلالاً.!"[1]. وما دام لمعرفة الإمام كل هذه الأهمية الكبرى فليس المراد منها هو معرفة اسمه ونسبه فقط …! بل يتحتم أن يكون المقصود بالمعرفة شيئاً آخر أكبر وهذا ما يجيب عنه الإمام الصادق عليه السلام حيث يقول: ".. وأدنى معرفة الإمام أنه عدل النبي إلا درجة النبوة ووارثه، وأن طاعته طاعة الله وطاعة رسول الله والتسليم له في كل أمر والرد إليه والأخذ بقوله، ويعلم أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم أنا ثم من بعدي موسى ابني ثم من بعده ولده علي وبعد علي محمد ابنه وبعد محمد علي ابنه وبعد علي الحسن ابنه والحجة من ولد الحسن"[2]. 

 
وعن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾[3]. فقال: "يا فضيل اعرف إمامك فإنك إذا عرفت إمامك لم يضرك تقدم هذا الأمر أو تأخر، ومن عرف إمامه ثم مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر كان بمنزلة من كان قاعداً في عسكره.. لا بل بمنزلة من قعد تحت لوائه"[4].
 
ب- الثبات على الدين والولاية لأهل البيت عليهم السلام:
من أهم تكاليفنا الشرعية في عصر الغيبة هو الثبات على موالاة أهل البيت عليهم السلام والثبات على العقيدة الصحيحة بإمامة الأئمة الاثني عشر وخصوصاً خاتمهم وقائمهم المهدي محمد بن الحسن عليه السلام. كما يتوجّب علينا عدم التأثّر بموجات التشكيك 
 
 
 
 

 
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 181، ح 4.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 2، ص 120.
[3] سورة الإسراء، الآية:71.
[4] الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 371، غيبة النعماني، ص 329، غيبة الطوسي، ص 276.
 

169

الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية

وتأثيرات المنحرفين مهما طال زمان الغيبة أو كثرت ضروب المشكّكين. فعن رسول الله قال: "والذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني حتى يقول أكثر الناس ما لله في آل محمد حاجة ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه ولا يجعل للشيطان إليه سبيلاً يشكّكه فيزيله عن ملّتي ويخرجه من ديني"[1]. 

 

وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "للقائم منا غيبة أمدها طويل، كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقس قلبه لطول أمد غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة"[2].

 

ت- ذكر فضائل الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف وموالاته في غيبته:

من جملة مصاديق الثبات على الولاية ذكر فضائل الإمام المهدي عليه السلام وإشاعتها بين الناس والبراءة من أعدائه. كما جاء عن رسول الله أنه قال: "طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو يأتم به في غيبته قبل قيامه ويتولّى أولياءه ويعادي أعداءه، ذلك من رفقائي وذوي مودّتي وأكرم أمتي علي يوم القيامة"[3]. ولقد جاء في الروايات الحث على تجديد العهد والبيعة مع الإمام المهدي عليه السلام في كل يوم كما جاء في دعاء العهد الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام: "اللهم إنّي أُجدّد له في صبيحة يومي هذا وما عشت من أيامي عهداً وعقداً وبيعةً له في عنقي لا أحول عنها ولا أزول أبداً …"[4].

 

ث- مراعاة الأدب عند ذكره عليه السلام، بأن لا يذكره إلاّ بألقابه الشريفة:

كالحجّة والقائم، والمهدي، وصاحب الزمان، وصاحب الأمر، وتكملة ذكره عليه السلام بقول: عليه السلام، أو عجل الله تعالى فرجه الشريف، والقيام عند ذكر لقبه "القائم".

 

 

 

 


 

[1] الشيخ الصدوق، كمال الدين، ج 1، ص 51، العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 68، ح 10.

[2] م. ن، ص 303، ح 14، الطبرسي، إعلام الورى، ص 400.

[3] غيبة الطوسي، ص 275، الشيخ الصدوق، كمال الدين، ج 1، ص 286.

[4] السيد ابن طاووس، مصباح الزائر، ص 169، الشيخ إبراهيم الكفعمي، البلد الأمين، ص 82، الشيخ الكفعمي، المصباح، ص 550.

 

170

الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية

 ج- الصبر على المحن والبلاء:

حيث إنّ عصر الغيبة الكبرى يتميز بتعاظم الجور والظلم والفساد بشكل ملحوظ. لذلك جاء الكثير من الأحاديث التي تؤكد على مبدأ الصبر وتحثّ عليه وخصوصاً في زمن الغيبة وتتحدّث عن عظم أجر الصابرين كما في الأحاديث التالية: عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنّ من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهنّ مثل القبض على الجمر، للعامل فيهنّ مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم"[1]. وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "وانتظار الفرج بالصبر"[2]. وعن الإمام الرضا عليه السلام قال: "ما أحسن الصبر وانتظار الفرج، أما سمعت قول الله عز وجل: ﴿وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ﴾ وقوله: ﴿فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾ فعليكم بالصبر فإنّما يجيء الفرج على اليأس"[3]. ولذلك حينما سمع الإمام الصادق عليه السلام بعض أصحابه يتذاكرون جماعة منهم وقد ماتوا ولم يدركوا زمان القائم وهم يتحسّرون على ذلك قال لهم: "من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كان كمن هو مع القائم في فسطاطه، ثم قال: لا بل كان كالضارب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف. وفي رواية أخرى كمن استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم"[4].
 
ح- الدعاء للإمام المهدي عليه السلام والدعاء بتعجيل الفرج:
الدعاء له عجل الله تعالى فرجه الشريف بتعجيل فرجه، فقد ورد من الناحية المقدّسة على يد محمّد بن عثمان في آخر توقيعاته عليه السلام: "وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنّ ذلك فرجكم"[5]. ومن ذلك الدعاء المعروف "اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن..."[6] ، وهناك
 
 

 
 
 
[1] صحيح الترمذي، ج 2، ص 437، المتقي الهندي، كنز العمال، ج 11، ص 118، الهيثمي، مجمع الزوائد، ج 7، ص 282.
[2] الكلبايكاني، الشيخ لطف الله ، منتخب الأثر، ص 498، الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج 19، ص 75.
[3] العياشي، محمد بن مسعود، تفسير العياشي، ج 2، ص 20، الشيخ الصدوق، كمال الدين، ج2، ص 645.
[4] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة ج 2، ص 338، ح 11، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، المحاسن، ص 174، غيبة النعماني، ص 200، ح 15.
[5] كمال الدين وتمام النعمة، ص 485، الغيبة للشيخ الطوسي، ص 293، الشيخ الطبرسي، الاحتجاج، ج 2، ص 284.
[6] السيد ابن طاووس، الإقبال، ص 85، مصباح الكفعمي، ص 146.
 

171

الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية

 أدعية كثيرة للإمام تراجع في مصادرها... فنحن مأمورون بالدعاء للإمام كما جاء ذلك في كثير من الروايات عن أهل البيت عليهم السلام ولعل ذلك من أجل بقاء الصلة والرابطة مع الإمام ولعل لذلك أيضاً آثاراً أخرى نحن لا نعلمها. فعن يونس بن عبد الرحمن قال: إن الرضا عليه السلام كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر بهذا الدعاء: "اللهم ادفع عن وليك وخليفتك وحجتك على خلقك ولسانك المعبر عنك بإذنك الناطق بحكمتك وعينك الناظرة في بريتك وشاهدك على عبادك الجحجاح المجاهد العائذ بك العابد عندك،..... الخ"[1].

 
يقول السيد ابن طاووس الحسني رضوان الله عليه بهذا الخصوص: "فإياك ثم إياك أن تقدم نفسك أو أحداً من الخلائق في الولاء والدعاء له بأبلغ الإمكان وأحضر قلبك ولسانك في الدعاء لذلك المولى العظيم الشأن، وإياك أن تعتقد أنني قلت هذا لأنه محتاج إلى دعائك هيهات هيهات..!... فإذا دعوت لهذا المولى الخاص عند مالك الأحياء والأموات يوشك أن يفتح أبواب الإجابة لأجله فتدخل أنت في الدعاء لنفسك ولمن تدعو له في زمرة فضله وتتسع رحمة الله جل جلاله لك وكرمه وعنايته بك لتعلّقك في الدعاء بحبله"[2].
 
خ- إظهار محبّته عليه السلام:
وتحبيبه إلى الناس، وإظهار الشوق إلى لقائه عليه السلام ورؤيته، والبكاء والإبكاء والتباكي والحزن على فراقه، والتصدّق عنه عليه السلام بقصد سلامته.
 
د- إقامة مجالس تُذكر فيها فضائله عليه السلام ومناقبه:
أو بذل المال في إقامتها، والحضور في هكذا مجالس، والسعي في ذكر فضائله ونشرها.
 
 

 
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 92، ص 333، الشيخ الطوسي، مصباح المتهجّد، ص 409.
[2] السيد ابن طاووس، فلاح السائل، ص 45.
 

172

الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية

 ذ- إهداء ثواب الأعمال العبادية المستحبّة له عليه السلام:

كالحجّ والطواف عنه عليه السلام، والصوم والصلاة، وزيارة مشاهد المعصومين عليهم السلام, أو بذل المال لنائب ينوب عنه في أداء تلك الأعمال.
 
ر- تجديد البيعة للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف والثبات على موالاته في غيبته:
جاء في دعاء العهد الحث على تجديد العهد والبيعة مع الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريففي كل يوم: "اَللّـهُمَّ إنّي أُجدّد لَهُ في صَبيحَةِ يَوْمي هذا وَما عِشْتُ مِنْ أيامي عَهْداً وَعَقْداً وَبَيْعَةً لَهُ في عُنُقي، لا أحول عَنْها وَلا أزول أبداً …"[1].
 
ز- الصلاة على الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف والسلام عليه:
جاء في دعاء العهد:
"اَللّـهُمَّ بَلِّغْ مَوْلانَا الإمام الْهادِيَ الْمَهْدِيَّ الْقائِمَ بأمرك صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ وعَلى آبائِهِ الطّاهِرينَ عَنْ جَميعِ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ في مَشارِقِ الأرض وَمَغارِبِها سَهْلِها وَجَبَلِها وَبَرِّها وَبَحْرِها، وَعَنّي وَعَنْ والِدَيَّ مِنَ الصَّلَواتِ زِنَةَ عَرْشِ اللهِ وَمِدادَ كَلِماتِهِ، وَما أحصاه عِلْمُهُ وأحاط بِهِ كِتابُهُ...".
 
 

 
[1] السيد ابن طاووس، مصباح الزائر، ص 169، الكفعمي، البلد الأمين، ص 82، مصباح الكفعمي، ص 550.
 

173

الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية

خلاصة الدرس

- الإيمان بفكرة حتمية ظهور المنقذ العالمي في الفكر الإنساني يكشف عن وجود أسس متينة تستند إليها وتنطلق من الفطرة الإنسانية.

 

- الإيمان بحتمية ظهور المنقذ من نقاط الاشتراك بين الأديان السماوية وغير السماوية.

 

- تواترت الأخبار التي تبشر بالمهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

- آداب العلاقة بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في غيبته:

1- معرفة الإمام عليه السلام حق المعرفة.

2- الثبات على الدين والولاية لأهل البيت.

3- ذكر فضائل الحجة وموالاته في غيبته.

4- الصبر على المحن والبلاء في عصر غيبته.

5- مراعاة الأدب عند ذكره.

6- الدعاء للإمام بتعجيل الفرج.

7- إهداء ثواب الأعمال العبادية المستحبة له.

8- الصلاة على الإمام عليه السلام والسلام عليه.

 

 

 


174

الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية

 أسئلة

1- ما الدليل على أنّ الاعتقاد بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف هو عقيدة إسلاميّة؟
2- هل الاعتقاد بظهور المهدي أو المنقذ مختص بالشيعة، أم أنه يشمل الأديان والمذاهب الأخرى؟.
3- أذكر حديثاً يدل على ظهور المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
 
ضع علامة صحّ □ أو خطأ □ في المكان المناسب:
1- ولد الإمام عليه السلام يوم الجمعة في 13 رجب □.
2- ليس هناك حديث متواتر على التبشير بالمهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف □.
3- ليس هناك فرق بين أن يكون المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف مولوداً أو لم يولد □.
4- الإمام عليه السلام حي يرزق كباقي أفراد البشر □.
5- قضية المهدوية ضرورة من ضرورات الإسلام □.
 
 

175

الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية

 للمطالعة

 
كيف يُنتفع بالإمام الغائب؟
قال سليمان: فقلت للصادق عليه السلام: فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟
 
قال عليه السلام: "كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب".
 
رواه في البحار. وقد ذكر العلّامة المجلسيّ رضوان الله عليه في وجه التشبيه بالشمس المجلّلة بالسحاب أموراً لا بأس بذكرها هنا (باختصار):
1- إنّ نور الوجود والعلم والهداية يصل إلى الخلق بتوسّطه عليه السلام حيث ثبت في الأخبار المستفيضة، أنّهم العلل الغائية لإيجاد الخلق، فلولاهم لم يصل نور الوجود إلى غيرهم.
 
2- كما أنّ الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ينتظرون في كلّ آن انكشاف السحاب عنها وظهورها ليكون انتفاعهم بها أكثر فكذلك في أيام غيبته عليه السلام ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كلّ وقت وزمان، ولا ييأسون منه.
 
3- إنّ منكر وجوده عليه السلام مع وفور ظهور آثاره كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الأبصار.
 
4- إنّ الشمس قد تكون غيبتها في السحاب أصلح للعباد من ظهورها لهم بغير حجاب، فكذلك غيبته أصلح لهم في تلك الأزمان فلذا غاب عنهم.
 
5- إنّ الناظر إلى الشمس لا يمكنه النظر إليها بارزة عن السحاب، وربّما عمي بالنظر إليها لضعف الباصرة.
 
6- إنّ الشمس قد تخرج من السحاب وينظر إليها واحد من دون واحد، 
 
 

176

الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية

 فكذلك يمكن أن يظهر عليه السلام في أيّام غيبته لبعض الخلق دون بعض.

 
7- إنّه عليه السلام كالشمس في عموم النفع وإنّما لا ينتفع بهما من كان أعمى.
 
8- الشمس كما أنّ شعاعها يدخل البيوت بقدر ما فيها من الروازن والشبابيك وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع فكذلك الخلق، إنّما ينتفعون بأنوار هدايتهم بقدر ما يرفعون الموانع...
 
فقد فتحت لك من هذه الجنة الروحانية ثمانية أبواب. ولقد فتح الله عليّ بفضله ثمانية أخرى تضيق العبارة عن ذكرها عسى الله أن يفتح علينا وعليك في معرفتهم ألف باب يُفتح من كلّ باب ألف باب[1].
 
 

 
 
[1] بحار الأنوار، ج52، ص93.
 

177

الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام

الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام

 

 

أهداف الدرس:

1- أن يتبيّن الطالب الحالة العامّة لعصر الإمام الهادي عليه السلام.

2- أن يستذكر كيفيّة بناء الإمام عليه السلام للمجتمع الصالح.

3- أن يتعرّف إلى نظام الوكالة.

 

 

 

178

الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام

 الإمام عليّ بن محمّد الهادي عليه السلام في سطور

الولادة: ولد في النصف من ذي الحجة سنة (212هـ) قرب المدينة في موضع يقال له (صريا).
الشهادة: توفّي سنة (254هـ) في اليوم الثالث من شهر رجب. استشهد بالسمّ في زمن المعتزّ.
ألقابه: النجيب، المرتضى، الهادي، النقيّ، العالم، الفقيه، الأمين، المؤتمن، الطيّب، المتوكّل، وأشهرها: الهادي، والنقيّ.
كنيته:أبو الحسن الثالث[1]. .
مدفنه: سامرّاء.
 

[1] المشهور بين المحدّثين في التعبير عنهم بأبي الحسن ثلاثة وهم: موسى الكاظم، وعلي الرضا، وعلي الهادي عليهم السلام ، وإن شاركهم بعض باقي الأئمّة عليهم السلام في هذه الكنية، فإذا ورد حديث عن أبي الحسن وأطلق فهو الإمام موسى الكاظم عليه السلام ويقال له (أبو الحسن الماضي) وإذا قيد بالثاني فهو الإمام عليّ الرضا عليه السلام وإذا قيد بالثالث فهو الإمام عليّ الهادي عليه السلام.
 

179

الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام

تمهيد:

تسلّم الإمام الهادي عليه السلام الإمامة بعد استشهاد أبيه الإمام الجواد عليه السلام سنة 220هـ. وبهذا يكون عمره الشريف حين تصدّيه للإمامة (ثماني سنوات)، ولذلك تعتبر إمامته المصداق الثاني للإمامة المبكّرة في الفكر الشيعيّ؛ فمن الطبيعيّ أن تتكثّف النصوص حول إمامته لتركيزها في أذهان الناس كما حصل من قبل مع الإمام الجواد عليه السلام حيث كان هناك تمهيد طبيعيّ من الإمام الرضا عليه السلام لابنه الإمام الجواد عليه السلام. وإنّ إسناد هذا المنصب الإلهيّ إليه في هذه السن المبكرة جعل الكرامات تظهر على يديه مؤكّدة اتّصال صاحبها بعالم الغيب.

 

النص على إمامته: 

ورد عن الإمام الجواد عليه السلام مجموعة نصوص في إمامة ابنه منها:

عن إسماعيل بن مهران، قال: لمّا خرج أبو جعفر عليه السلام من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى، قلت له عند خروجه: جعلت فداك، إنّي أخاف عليك من هذا الوجه، فإلى من الأمر بعدك؟ قال: فكرّ بوجهه إليّ ضاحكاً، وقال: ليس حيث ظننت في هذه السنة. فلمّا استُدعي به إلى المعتصم في المرّة الثانية صرت إليه، فقلت له: جعلت فداك، أنت خارج، فإلى من هذا الأمر من بعدك؟ فبكى حتّى اخضلّت لحيته، ثمّ التفت إليّ فقال: "عند هذا يُخاف عليَّ، الأمر من بعدي إلى ابني عليّ"[1].

 

 

 

 


 

[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص260.

 

180

الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام

 وفي رواية: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام يقول: "الإمام بعدي ابني عليّ أمره أمري، وقوله قولي وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن أمره أمر أبيه وقوله قول أبيه وطاعته طاعة أبيه".

 
ثم سكت فقلت: يا بن رسول الله فمن الإمام بعد الحسن. فبكى عليه السلام بكاءً شديداً ثمّ قال: "إنّ بعد الحسن ابنه القائم بالحقّ المنتظر" إلى آخر الرواية[1].
 
إلى غيرها من الروايات التي صدرت للتأكيد على إمامة الإمام الهادي عليه السلام.
 
قبس من علومه عليه السلام
اعتبر المؤرّخون وأصحاب السير الإمام الهادي عليه السلامعلماً بارزاً من أعلام عصره في العلم والمعرفة.
وقد ذكر الشيخ الطوسي قدس سره في كتابه المعروف بـ (رجال الطوسي) مائة وخمسة وثمانين تلميذاً وراوياً، أخذوا ورووا عن الإمام الهادي عليه السلام، الذي كان مرجع أهل العلم والفقه والشريعة في عصره. وحفلت كتب الرواية والحديث والفقه والمناظرة والتفسير وأمثالها بما أثر عنه، واستفيد من علومه ومعارفه. وفيما يلي نذكر أسماء بعض تلامذته ورواته وأصحابه: أحمد بن اسحاق بن عبد الله الأشعري ـ الحسين بن سعيد بن حماد الأهوازي. داود بن أبي يزيد من أهل نيشابور. علي بن مهزيار الأهوازي. الفضل بن شاذان النيشابوري.
 
كما أن للإمام عليه السلام رسائل في مختلف العلوم والأمور، نورد بعضاً منها: رسالته في الردّ على الجبر والتفويض، وإثبات العدل، والمنزلة بين المنزلتين، أوردها بتمامها الحسن بن علي بن شعبة الحرّاني في كتابه الموسوم بـ (تحف ‌العقول)، وأجوبته ليحيى بن أكثم عن مسائله، وهذه أيضاً أوردها الحرّاني أيضاً في تحف
 
 
 

 
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج50، ص 118.
 

181

الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام

 ‌العقول، وقطعة من أحكام الدين، ذكرها ابن شهر آشوب في المناقب.

 
ملامح عصر الإمام الهادي
1- الحالة السياسية العامّة:
مارس الإمام الهادي عليه السلام مهامّه القيادية في حكم المعتصم سنة (220هـ) واستشهد في حكم المعتزّ سنة (254 هـ). وخلال هذه السنوات الأربع والثلاثين عاصر ستة من ملوك بني العباس الذين لم يتمتّعوا بلذة الحكم والخلافة كما تمتّع آباؤهم حيث تراوحت فترة خلافة كل منهم بين ستة أشهر وخمسة إلى ثمان سنوات سوى المتوكل الذي دام حكمه خمسة عشر عاماً.
 
ويعتبر عهد المتوكل العباسي بدء العصر العباسي الثاني وهو عصر نفوذ الأتراك (232 ـ 334 هـ) واعتبره البعض بدء عصر انحلال الدولة العباسية، الذي انتهى بسقوطها على أيدي التتار سنة (656 هـ). وكان لسياسة المتوكل وأسلافه الأثر البالغ في انفصال بعض أمصار الدولة واستقلالها عن السلطة المركزية بالتدريج، حيث نشأت دويلات صغيرة وكيانات متنافسة فيما بينها، كالسامانية والبويهية والحمدانية والغزنوية والسلجوقية بعد هذا العصر[1].
 
وكما كان لهذه الدويلات تأثير في تقدّم الحضارة الإسلامية باعتبار انفتاح بعض الأمراء على العلم والعلماء لكنّها أضعفت كيان الدولة العباسية سياسيّاً لأنها قد ساهمت في إيجاد شرخ في وحدة الدولة الإسلامية الكبرى.
 
وكان المعتصم أوّل الخلفاء العباسيين الذين استعانوا بالأتراك وأسندوا إليهم مناصب الدولة وأقطعوهم الولايات الإسلامية[2].
 
 

 
[1] الدكتور حسن ابراهيم حسن، تاريخ الإسلام السياسي، ج 3، ص 1 بتصرف.
[2] م. ن، ص 2 ويراجع تاريخ الطبري، ج 7 حول ازدياد نفوذ الاتراك في عصر المعتصم.
 

182

الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام

 وقد انتهج المتوكل سياسة العنف تجاه العلويين وشيعة أهل البيت عليهم السلام فضلاً عن أهل البيت عليهم السلام أنفسهم. وتجلّى ذلك بوضوح في أمره بهدم قبر الإمام الحسين بن علي عليه السلام وما حوله من الدور بل أمر بحرثه وبذره وسقي موضع القبر ومنع الناس من زيارته وتوعّد بالسجن على من زاره[1]. وقد أثار المتوكل بهذه السياسة حفيظة المسلمين بشكل عام، وأهل بغداد بشكل خاصّ. وقد ردّوا على الإهانات التي ألحقها بالعلويين فسبّوه في المساجد والطرقات[2]. وفي زمن المتوكل أصابت مدن العراق مجاعة شديدة وهلك كثير من الناس، وانتهز الروم فرصة ضعف الدولة فاستأنفوا غاراتهم على أراضيها فأغاروا على دمياط وفتكوا بأهلها وأحرقوا دورهم، ثم غزوا فيليفيا جنوبي آسيا الصغرى وهزموا أهلها هزيمة منكرة[3]. وكان المنتصر يحسن للعلويين مخالفاً بذلك سياسة أبيه، وتجلّت سياسته في إزالة الخوف عنهم والسماح لهم بزيارة قبر الحسين عليه السلام. ولم يدم حكم المنتصر طويلاً فقد تآمر عليه الأتراك وقتلوه عن طريق طبيبه طيفور في سنة (248 هـ)[4].

 
وبعد مقتل المنتصر تولّى الخلافة المستعين بالله سنة (248 هـ) وأرجع عاصمته الى بغداد. غير أن الأتراك لم يأمنوا جانبه، فاتفق باغر التركي مع جماعته على خلع المستعين ونصب المعتز مكانه[5]. ووقعت بينهما حرب دامت عدّة أشهر انتهت بإبعاد المستعين إلى واسط ثم قتله غيلة[6].
 
كما أنّ المعتز لم ينج من أعمال العنف والتعسف التي قام بها قوّاد الدولة العباسية من الأتراك فقتل شرّ قتلة على أيديهم وذلك سنة (255 هـ).
 
 
 

 
 
[1] تاريخ الطبري، ج 11، ص 44.
[2] د. حسن ابراهيم حسن، تاريخ الإسلام السياسي، ج 3، ص 5.
[3] م. ن.
[4] تاريخ الطبري، ج 7، أحداث عام 248 هـ.
[5] المسعودي، مروج الذهب، ج 2، ص 407 - 408.
[6] ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 7، ص 50 وما بعدها.
 

183

الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام

 وكان اغتيال الإمام الهادي عليه السلام في حكم المعتزّ في سنة (254 هـ).

 
إنّ ضعف شخصيّة الحكّام هو أحد عوامل التفكك والانهيار الذي أصاب الدولة الإسلامية، وقد رافقه نفوذ زوجاتهم وأمهاتهم إلى جانب سيطرة الأتراك الذين اعتمدوا عليهم للتخلّص من نفوذ الإيرانيين والعرب، كما كان لظلم الأمراء والوزراء دوره البالغ في زعزعة ثقة الناس بالحكّام وإثارة الفتن والشغب داخل بلاد المسلمين.
 
2- الحالة الثقافية:
كان لترجمة الكتب اليونانية والفارسية والهندية إلى العربية أثر كبير في ثقافة هذا العصر، وكانت ظاهرة الترجمة قد ابتدأت منذ أيام المأمون، وقد أسهمت في رفد الثقافة الإسلامية من جهة والانفتاح على الثقافات الأخرى التي قد تتقاطع مع ما أفرزته الحضارة الإسلامية من اتجاهات فكرية وثقافية من جهة أخرى.
 
كما كان لارتحال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أثر كبير في التبادل والتعاطي الثقافي بين شرق البلاد الإسلامية وغربها وأنتج ذلك نشاطاً ثقافياً متميّزاً وحركة فكرية، أعطت للعلماء والفقهاء دوراً كبيراً وموقعاً مرموقاً عند الخلفاء والحكام حتى عُدّ القرن الرابع الهجري فيما بعد العصر الذهبي للحضارة الإسلامية. وقد حظي الشعراء والأدباء بمكانة رفيعة عند الأمراء ما أدى إلى ازدهار الأدب في هذا العصر.
 
3- الحالة الاقتصادية:
إن الاضطرابات السياسية والصراع على السلطة وبدء انفصال أجزاء عن الدولة العباسية واستقلالها قد أثّر في تدهور الوضع الاقتصادي. وكان لظهور الطبقية في المجتمع الإسلامي آثار سلبية أدّت الى سرعة الانهيار الاقتصادي فضلاً عن المجاعة وارتفاع الأسعار، ما كان له أثر كبير في اضطراب الأمن وفقدان السيطرة
 
 
 

184

الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام

 من قبل الدولة. وقد تجلّى ذلك في قصر فترة حكم الخلفاء إلى جانب انتقال إدارة الدولة إلى القواد الأتراك بدل الخلفاء وهو دليل واضح على ضعف شوكتهم وفقدان هيبتهم أمام قوّاد الجيش ووزرائهم وكتّابهم[1].

 
4- العباسيون والإمام الهادي عليه السلام:
تدرّجت سياسة الحكّام العباسيين في مناهضة أهل البيت عليهم السلام بعد أن عرفوا موقعهم الديني والاجتماعي المتميّز وأنهم لا يداهنون من أجل الحكم والملك بل إنهم أصحاب مبدأ وعقيدة وقيم، فكانت سياسة السفّاح والمنصور والرشيد تتلخص في الرقابة المشدّدة والتضييق مع فسح المجال للتحرك المحدود ورافقها خلق البدائل العلمية لئلا ينفرد أهل البيت عليهم السلام بالمرجعية العلمية والدينية في الساحة الاجتماعية فكان الدعم المباشر من الحكّام لأئمة المذاهب وتبنّي بعضها والدعوة إليها في هذا الطريق. ولكن كل هذه الأساليب لم تفلح في التعتيم الإعلامي وتوجيه الأنظار عن أهل البيت عليهم السلام إلى غيرهم فكانت سياسة المأمون هي سياسة الاحتواء التي نفّذها مع الإمام الرضا عليه السلام.
 
وقد بقي الإمام الهادي عليه السلام تحت رقابة الحكّام العباسيين مدة طويلة تزيد على العشرين عاماً[2]، وهي فترة طويلة جداً إذا ما قسناها بفترة ولاية العهد للإمام الرضا عليه السلام أو فترة بقاء الإمام الجواد عليه السلام في بغداد في زمن المعتصم. وفي هذا مؤشّر واضح على تغيير العباسيين سياستهم العامة تجاه أئمة أهل البيت عليهم السلام.
 
5- اضطهاد أتباع أهل البيت عليهم السلام:
إذا استثنينا سياسة المنتصر التي لم تدم سوى ستة أشهر والتي تمثّلت في اللين مع العلويين وشيعة أهل البيت عليهم السلام فإنّا نجد السياسة العباسية العامة هي مناهضة
 

 
 
[1] يُراجع تاريخ الطبري، ج 7، أحداث السنوات 247 ـ 254 هـ.
[2] وقد عرفت أن بعض المصادر صرّحت بأن مدة إقامته عليه السلام في سامراء عشر سنوات وأشهر.
 

185

الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام

 أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم، وممارسة سياسة العنف معهم بالرغم من اتّساع رقعة التشيّع بعد تظاهر المأمون باحترامه الخاص للإمام الرضا عليه السلام.

 
إنّ حرمان أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم من الوضع المعيشي اللائق بهم إنّما كان باعتبار قلقهم من توظيف المال للإطاحة بملكهم. ومن هنا كانت سياسة التقشّف بالنسبة لهم سياسة عامة قد سار عليها عامة ملوك بني العباس، وهم أعرف بالمكانة الاجتماعية لأهل البيت عليهم السلام في قلوب المؤمنين.
 
وكان الحرمان يمتدّ إلى إخراجهم من الوظائف الحكومية إن عثروا على موالٍ لأهل البيت عليهم السلام كان قد حظي بوظيفة حكومية، بل تعدّى ذلك إلى تحديد أملاكهم وغلمانهم حتى بان الفقر والحرمان على كثير من العلويين في هذ العصر.

6- انتفاضات العلويين:
لقد تمادى المتوكل في إيذاء العلويين ومنعهم حقوقهم التي منحهم الله إيّاها حتى أشرفوا على الهلاك من شدّة الفقر بل تمادى في الجور عليهم حتى قدّم دعوى غير العلوي على دعوى العلوي إذا تحاكما عند القضاة. ولم نجد من العباسيين عامة إلاّ العداء والبغض لأهل البيت عليهم السلام لأسباب شتى، منها: تفرّد أهل البيت عليهم السلام بالنصّ عليهم من قبل جدّهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتفرّدهم بالزعامة الروحية والعلمية، وتأثيرهم على قلوب المسلمين ووجدانهم، والاهتمام بشؤونهم، وإيثارهم للدين على الدنيا، والموت في سبيل الله على الحياة مع الذل والهوان في غير طاعة الله.
 
إنّ عواطف المسلمين وقلوبهم قد اتّجهت نحو أبناء الرسول عليهم السلام وشيعتهم الذين يحذون حذوهم، وأخذت هذه الظاهرة تنمو وتظهر على الساحة الإسلامية، وهذا مما لا يرتاح له الحكّام العباسيون وعملاؤهم الذين جلسوا على موائدهم التي جسّدت أفظع أنواع التبذير في بيت مال المسلمين. ومن هنا لم تخل الساحة الإسلامية من الثورات التي قام بها قادة علويون على طول الخط بعد ثورة الحسين عليه السلام. 
 
 
 

186

الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام

وقد استمرت هذه الثورات حتى عصر الغيبة وانتهت فيما بعد الى تأسيس دويلات وإمارات يحكمها قادة علويون أو علماء يحملون ثقافة أهل البيت عليهم السلام ويحاولون تجسيد قيمهم وسيرتهم في الحياة الإسلامية.

 

ولم تكن اغتيالات الخلفاء للأئمة من أهل البيت عليهم السلام إلاّ باعتبار دعمهم لهذه الثورات المسلّحة وتأييدهم لها من قريب أو من بعيد. وقد خرج على حكّام هذا العصر من العلويين مجموعة تمثّل استمرار الخط الثوري ضد الظلم والظالمين.

 

متطلّبات عصر الإمام الهادي عليه السلام

بعد أن عرفنا المهمّ من ملامح عصر الإمام الهادي عليه السلام نستطيع الآن أن نقف على متطلّبات عصره. وسوف نبحث عنها في حقلين، الأوّل: متطلّبات الساحة الإسلامية العامة، والثاني: متطلّبات الجماعة الصالحة بعد تمهيد عام لكلا الحقلين. وذلك أنّ الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام قد تولّى الإمامة بعد استشهاد أبيه الجواد عليه السلام سنة (220 هـ) وهو لمّا يبلغ الحلم إذ لم يتعدّ عمره الثامنة ـ على أكبر الفروض ـ فهو قد شابه أباه الجواد عليه السلام في تولّي الإمامة في سنّ مبكّرة.

 

وقد كان لتولّي الإمام الهادي عليه السلام الإمامة في سنّ مبكّرة بعد استشهاد أبيه الجواد عليه السلام مغزى ديني ودلالات وآثار سياسية واجتماعية عديدة، وإليك جملة منها: أن أهل البيت عليهم السلام قد أضافوا دليلاً حسّياً جديداً بعد الأدلة العقائدية التي تمثلت في النصوص النبويّة وهو الواقع العملي الذي جسّد جدارتهم لتولّي شؤون المسلمين وقيادة العالم الإسلامي فكرياً وعمليّاً.

 

وكان الإمام الهادي عليه السلام في كل مراحل حياته التي قضاها في مدينة جدّه أو في سامراء تحت رقابة شديدة، وقد جرّعوه ما استطاعوا من الغصص التي كانت تتمثل في محاولات الاحتواء تارة والتسقيط العلمي تارة أخرى ثم التحجيم بشتّى أشكاله التي تمثّلت في الاستدعاء والتحقير والرقابة المكثّفة والسجن ومحاولات الاغتيال

 

 

 

187

الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام

المتكررة خلال ثلاثة عقود ونصف تقريباً من سنيّ عمره المبارك.

 

والدلالة الثانية أن الظرف الذي كان يحيط بالإمام الهادي عليه السلام كان ظرفاً انتقالياً من مرحلة الإمامة الظاهرة الى الإمامة الغائبة التي يُراد لها أن تدبّر الأمر من وراء الستار ويراد للأمة أن تنفتح على هذا الإمام وتعتقد به وتتفاعل معه رغم حراجة الظروف.

 

فهو الظرف الوحيد لإعداد الأمة لاستقبال الظرف الجديد، ولا سيّما إذا عرفنا أن الإمام الهادي هو السابع من تسعة أئمة من أبناء الحسين، والمهدي الموعود هو التاسع منهم، وهو الذي مهّد لولادة حفيده من خلال ما خطّط له من زواج خاص لولده الحسن العسكري دون أي إعلان عن ذلك، فلا توجد إلاّ مسافة زمنية قصيرة جداً ينبغي له اغتنامها للإعداد اللازم والشامل.

 

إذن، ما أقلّ الفرص المتاحة أمام الإمام الهادي عليه السلام للقيام بهذا العبء الثقيل حيث إنه لا بد له أن يجمع بين الدقة والحذر من جهة والإبلاغ العام ليفوّت الفرص على الحكّام ويعمّق للاُمّة مفهوم الانتظار والاستعداد للظهور والنهوض بوجه الظالمين. ولا أقل من إتمام الحجة على المسلمين ولو بواسطة المخلصين من أتباعه عليه السلام.

 

ومن هنا كان على الإمام الهادي عليه السلام تحقيقاً للأهداف الكبرى أن يتجنّب كل إثارة أو سوء ظن قد يوجّه له من قبل الحكّام المتربّصين به وبأبنائه من أجل أن يقوم بإنجاز الدور المرتقب منه، وهو تحقيق همزة الوصل الحقيقية بين ما حقّقه الأئمة الطاهرون من آبائه الكرام وما سوف ينبغي تحقيقه بواسطة ابنه وحفيده، ولهذا لم يُمهل الإمام الحسن العسكري سوى ست سنين فقط وهي أقصر عمر للإمامة في تاريخ أهل البيت عليهم السلام إذ دامت إمامة الإمام علي عليه السلام ثلاثين سنة والإمام الحسن السبط عشر سنين والإمام الحسين عشرين سنة والإمام زين العابدين خمساً أو أربعاً وثلاثين سنة، والإمام الباقر تسع عشرة سنة والإمام الصادق أربعاً 

 

 

188

الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام

وثلاثين سنة والإمام الكاظم خمساً وثلاثين سنة، والإمام الرضا عشرين سنة والإمام الجواد رغم قصر عمره كانت مدة إمامته سبع عشرة سنة والإمام الهادي أربعاً وثلاثين سنة.
 
وتأتي في هذا السياق كل الإجراءات التي قام بها الإمام الهادي عليه السلام من الحضور الرتيب في دار الخلافة وما حظي به من مقام رفيع عند جميع الأصناف والطبقات بدءً بالأمراء والوزراء وقادة الجيش والكتّاب وعامة المرتبطين بالبلاط.

الجانب التنظيميّ
إنّ مفهوم الإمامة الّذي يعني قيادة الأمّة إلى الخير والصلاح في الدنيا والآخرة اقتضى من الإمام أن يمارس الجانب التنظيميّ في المجتمع من أجل حمايته من حبائل السلطة الغاشمة الّتي كانت تتربّص بالمؤمنين وبإمامهم عليه السلام الدوائر. فاتّبع الإمام أسلوب الوكالة للارتباط بأتباعه وشيعته في العالم، فكيف كان هذا النظام؟
 
كان الوكلاء يتولّون تنظيم عمليّة الاتّصال بين الإمام عليه السلام والشيعة، خصوصاً في العناوين التالية: تسلُّم الخمس من الشيعة وإيصاله للإمام عليه السلام، والإجابة عن المسائل الفقهيّة والعقائديّة، والتعريف بالإمام عليه السلام وتمهيد الأرضيّة له. وكان ارتباط هؤلاء بالإمام عليه السلام يتمّ غالباً من خلال كتب يرسلونها إليه مع من يوثق به.
 
وكان من وكلاء الإمام الهادي عليه السلام عليّ بن جعفر الوكيل، وقد سُعي به إلى المتوكل فقبض عليه وحُبس، وقضى فترة طويلة في السجن، وإبراهيم بن محمّد الهمدانيّ وغيرهما...
 
ولقد نظّم الإمام عليه السلام العلاقة بين الوكلاء أنفسهم، بحيث يبقى كلّ وكيل ضمن دائرة عمله بشكل منظّم من دون التعرض لدائرة عمل الآخر. وقد كتب عليه السلام كتاباً وجّهه إلى أيّوب بن نوح وكان من وكلائه عليه السلام أمره فيه بعدم الإكثار بينه وبين أبي 
 
 
 


189

الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام

عليّ وهو وكيل آخر وأن يلزم كلّ واحدٍ منهما ما وُكّل به وأمر بالقيام فيه في أمر ناحيته، وأوصى أبا عليّ أيضاً بمثل ما أوصى به أيّوباً، وطلب من الاثنين أن يتولّى كلّ واحد منهما الشؤون الماليّة لما يليه من الشيعة وأن لا يقبلا شيئاً من أموال شيعة المناطق الأخرى.

 

ونظّم عليه السلام كذلك العلاقة بين الوكيل وبين الشيعة الموجودين في ناحيته، فاعتبر أنّ طاعة الوكيل هي طاعة له عليه السلام، ففي كتاب له عليه السلام عن أبي عليّ بن راشد يقول: "فقد أوجبت في طاعته طاعتي، والخروج إلى عصيانه الخروج إلى عصياني، فالزموا الطريق يأجرْكم الله ويَزدكُم من فضله"[1]. وأكّد على ضرورة تمهيد الطريق أمام الوكيل وتسهيل مهمّته، يقول عليه السلام: "فعليك بالطاعة له والتسليم إليه جميع الحقّ قِبلك، وأن تحضّ مواليّ على ذلك وتعرّفهم من ذلك ما يصير سبباً إلى عونه وكفايته فذلك توفير علينا ومحبوب لدينا ولك به جزاء من الله وأجر"[2].

 

استشهاد الإمام الهادي عليه السلام

ظلّ الإمام الهادي عليه السلام يعاني من ظلم الحكّام وجورهم حتّى دُسّ إليه السمّ كما حدث لآبائه الطّاهرين، وقد قال الإمام الحسن عليه السلام: "ما منّا إلاّ مقتول أو مسموم"[3]. وقال المسعودي: وقيل إنّه مات مسموماً[4], ويؤيد ذلك ما جاء في الدّعاء الوارد في شهر رمضان: وضاعف العذاب على من شرك في دمه[5].

 


[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 50، ص 223.

[2] م. ن.

[3] م. ن، ج 27، ص 216، ح 18.

[4] المسعودي، مروج الذهب، ج 4، ص 195.

[5] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 50، ص 206، ح 19.

 

190

الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام

 ويظهر أنّه اعتلّ من أثر السمّ الذي سُقي كما جاء فى رواية محمّد بن الفرج عن أبي دعامة، حيث قال: أتيت عليّ بن محمد عليه السلام عائداً في علّته التي كانت وفاته منها، فلمّا هممت بالانصراف قال لي: يا أبا دعامة قد وجب عليّ حقّك، ألا أُحدّثك بحديث تسرّ به؟ قال: فقلت له: ما أحوجني إلى ذلك يا ابن رسول الله.

 
ونصّ عليه وأوصى إليه بمشهد من ثقات أصحابه ومضى عليه السلام وله أربعون سنة[1]. ولما قضى نحبه تولّى تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ولده الإمام أبو محمّد الحسن العسكري عليه السلام وذلك لأنّ الإمام لا يتولّى أمره إلاّ الإمام.
 
وما انتشر خبر رحيله إلى الرفيق الأعلى حتّى هرعت الجماهير من العامّة والخاصّة إلى دار الإمام عليه السلام وخيّم على سامراء جو من الحزن والحداد. ودفن في داره بسرّ من رأى.
 

 
 
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 50، ص 210.
 

191

الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام

خلاصة الدرس

- تسلّم الإمام الهادي عليه السلام الإمامة بعد استشهاد أبيه الجواد عليه السلام، وكان له من العمر ثماني سنوات.

- مارس الإمام الهادي عليه السلام مهامّه القياديّة سنة 220 هـ، وقد عاصر ستة من ملوك بني العباس.

 

- يعتبر عهد المتوكل بداية العصر العباسي الثاني، وهو عصر نفوذ الاتراك، واعتبره البعض بدء عصر انحلال الدولة العباسية الذي انتهى بسقوطها على أيدي التتار سنة (656هـ). وقد انتهج المتوكل سياسة العنف ضد العلويين.

 

- كان المعتصم أول الخلفاء العباسيين الذين استعانوا بالأتراك.

- شاع في هذا العصر ترجمة الكتب اليونانية والفارسية والهندية.

 

- بقي الإمام الهادي عليه السلام تحت رقابة الحكام العباسيين مدّة تزيد على العشرين عاماً.

- كان وكلاء الإمام عليه السلام يتولّون تنظيم عملية الاتصال بينه وبين الشيعة.

 

 

192

الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام

أسئلة

1- كيف تصف الحكّام الّذين عاصرهم الإمام عليه السلام؟

2- كيف تفهم الجانب التهذيبيّ في منهج الإمام التربويّ؟

3- ما هي أهمّ الأسس الّتي اعتمدها الإمام في الجانب التنظيميّ؟

 

ضع علامة صحّ □ أو خطأ □  في المكان المناسب:

1- استشهد الإمام الهادي عليه السلام في زمن المعتزّ □

2- ليس هناك أي نصّ يدلّ على إمامة الهادي عليه السلام  □

3- عاصر الإمام الهادي عليه السلام ثلاثة من الحكام الأمويين □

4- اعتمد الإمام عليه السلام أسلوب الوكالة للاتصال بأتباعه □

5- كُنّي عليه السلام بـ "أبي عبد الله" □

 

 

 

 

193

الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام

 للمطالعة

 
علم الإمام باللّغات
قال أبو هاشم الجعفريّ: "كنت بالمدينة حتّى مرّ بها بغا[1] أيّام الواثق في طلب الأعراب، فقال أبو الحسن: اخرجوا بنا حتّى ننظر إلى تعبيّة هذا التركيّ، فخرجنا فوقفنا، فمرّت بنا تعبيّته فمرّ بنا تركيّ فكلّمه أبو الحسن بالتركيّة فنزل عن فرسه فقّبل حافر دابته، قال: فحلّفت التركيّ وقلت له: ما قال لك الرجل؟ قال: هذا نبيّ؛ قال: ليس هذا بنبيّ، قال: دعاني باسم سُمِّيت به في صغري في بلاد الترك ما علمه أحد إلى الساعة"[2].
 
قال عليّ بن مهزيار: "عن الطيّب الهادي عليه السلام قال: دخلت عليه فابتدأني فكلّمني بالفارسية"[3].
 
وقال: "أرسلت إلى أبي الحسن عليه السلام غلامي وكان سقلابياً[4] فرجع الغلام إليَّ متعجّباً، فقلت: ما لك يا بنيّ؟ قال: كيف لا أتعجّب؟ ما زال يكلّمني بالسقلابيّة كأنّه واحد منّا فظننت أنّه إنّما دار بينهم"[5].
 
قال أبو هاشم: "كنت عند أبي الحسن عليه السلام وهو محدّر، فقلت للمتطبّب، (آب) رفت ثمّ التفت إليَّ وتبسّم وقال: تظنّ أن لا يحسن الفارسيّة غيرك؟ فقال له المتطبّب: جعلت فداك تحسنها؟ فقال: أمّا فارسيّة هذا فنعم"[6].
 
 
 

 
[1] اسم رجل من قادة المتوكّل.
[2] الشيخ الصفّار، الطبرسي، إعلام الورى، ص359.
[3] بصائر الدرجات، ص333.
[4] السقالبة: جيل حمر الألوان صهب الشعور، يتاخمون بلاد الخزر في أعالي جبال الروم، معجم البلدان، ج3، ص416.
[5] الشيخ الصفّار، بصائر الدرجات، ص333.
[6] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج50، ص136.
 

194

الدرس الرابع عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (2) الغيبة الصغرى 260 - 329 هـ

الدرس الرابع عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (2) الغيبة الصغرى 260 - 329 هـ

 

أهداف الدرس:

1- أن يتعرّف الطالب إلى أسباب الغيبة الصغرى.

2- أن يتعرّف إلى سفراء الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ودورهم في التواصل مع الشيعة.

3- أن يتعرّف إلى الظروف المحيطة بالغيبة الصغرى.

 

 

 

195

الدرس الرابع عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (2) الغيبة الصغرى 260 - 329 هـ

تمهيد:

عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كان أبو جعفر يقول: "لقائم آل محمَّد غيبتان: واحدة طويلة، والأخرى قصيرة، قال: فقال لي: نعم يا أبا بصير إحدهما أطول من الأخرى"[1].

 

تؤكِّد الروايات كما يخبرنا الواقع أنَّ للإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف غيبتين، إحداهما أطول من الأخرى، وسنفصِّل في هذا الدرس الكلام عن الغيبة الصغرى، إن شاء الله تعالى.

 

الإمامة والغيبة الصغرى

بدأت فترة الغيبة الصغرى بوفاة الإمام الحسن العسكريِّ عليه السلام عام 260 هـ حيث كان عمر الإمام المهديِّ عجل الله تعالى فرجه الشريف خمس سنين تقريباً، واستمرَّت قرابة 70 سنة حتى عام 329 هـ حيث انتهت بوفاة السفير الرابع، وبداية الغيبة الكبرى.

 

وفي زمن الغيبة الصغرى لم يطَّلع على مكانه أحد من الناس إلا خاصّة مواليه والمقرَّبين منه فقط.

 


 

 

[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 365.

 

196

الدرس الرابع عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (2) الغيبة الصغرى 260 - 329 هـ

 السفراء الأربعة

كان المؤمنون يتّصلون بالإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف خلال فترة الغيبة الصغرى عبر أشخاص مُحدَّدين كانوا يأخذون من الناس أسئلتهم مكتوبة ليوصلوها إلى الإمام فيجيب عنها بالكتابة أيضاً وتعاد لصاحبها.
 
هؤلاء الأشخاص الُمحدَّدون اصْطُلِحَ عليهم باسم السفراء. وكانوا أربعة أشخاص تناوبوا على هذه المهامّ الخاصّة التي أوكلها لهم الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهؤلاء السفراء هم على التوالي:
السفير الأوّل: أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري الأسدي[1]. ولقد كان وكيلاً لأبيه الإمام العسكريّ من قبله حيث قال بشأنه: "هذا أبو عمرو الثِّقة الأمين، ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممَات فما قاله لكم فعنِّي يقوله وما أدَّى إليكم فعنِّي يُؤدِّيه"[2].
 
السفير الثاني: أبو جعفر محمَّد بن عثمان بن سعيد العمريّ[3]. وقد أخبر الإمام العسكريّ عليه السلام عن هذا الدور في إحدى الروايات: "اشهدوا أنَّ عثمان بن سعيد العمريّ وكيلي وأنَّ ابنه محمَّداً وكيل ابني مهديّكم"[4].
 
السفير الثالث: أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي[5]، حيث جاء عن محمَّد بن عثمان العمريّ بشأنه وذلك قبل موته بمدَّة: "إنْ حَدَثَ عليّ حَدَثُ الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقد أُمرت أن أجعله في موضعي بعدي فارجعوا إليه، وعَوِّلُوا في أموركم عليه"[6].
 
 
 

 
[1] لمدة 5 سنوات تقريباً.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 344.
[3] لمدة 40 سنة تقريباً.
[4] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 346.
[5] لمدة 21 سنة تقريباً.
[6] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 355.
 

197

الدرس الرابع عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (2) الغيبة الصغرى 260 - 329 هـ

السفير الرابع: أبو الحسن عليّ بن محمَّد السمريّ[1]. وفي نهاية سفارته خرج التوقيع من الإمام المهديِّ عجل الله تعالى فرجه الشريف يخبر الناس بانتهاء الغيبة الصغرى وبدء الغيبة الكبرى، حيث كتب عجل الله تعالى فرجه الشريف: بسم الله الرحمن الرحيم: "يا عليّ بن محمَّد السمريّ أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنَّك ميِّت ما بينك وبين ستة أيّام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامَّة، فلا ظهور إلا بإذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي من يدَّعِي المشاهدة، ألا فمن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفيانيّ والصيحة فهو كذَّاب مفترٍ، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العليّ العظيم"[2].

 

وفي اليوم السادس مرض السمريُّ رضوان الله تعالى عليه وانتقل إلى رحمة الله تعالى وكان آخر ما تكلَّم به بعد أن سألوه إلى من يوصي فقال: "لله أمر هو بالغه"[3].

 

أسباب الغيبة الصغرى

لماذا اتَّبع الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف هذا الطريق للاتصال بشيعته، حيث اقتصر باتِّصاله المباشر على أشخاص محدَّدين فيما اتَّصل بالباقين عبر هؤلاء وبشكل غير مباشر؟ إنَّ لهذه الطريقة التي اتَّبعها الإمام العديد من الأسباب، أهمُّها ما يلي:

أولاً: الحفاظ على شخص الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف:

ذكرنا فيما سبق أنَّ الحكومة العباسيَّة كانت تترصَّد المولود الجديد لتقتله. ونتيجة تدبير الإمام العسكريّ لم يتم لهم معرفة ذلك، ولكن بعد ولادته عجل الله تعالى فرجه الشريفتناهى لمسامعهم بعض الأخبار عن ذلك فتمَّت مداهمة بيت الإمام العسكريِّ عليه السلام مرَّات عديدة للقبض على المولود الجديد وتصفيته، ولكن دون جدوى.

 

 

 


 

[1] لمدة 3 سنين تقريباً.

[2] العلامة المجلسي،بحار الأنوار، ج 51، ص 361.

[3] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص 433.

 

198

الدرس الرابع عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (2) الغيبة الصغرى 260 - 329 هـ

 وفي هذه الظروف الصعبة والمطاردة العباسيَّة لم يكن للإمام أن يظهر أمام الناس جميعاً، فهو مكلَّف بالحفاظ على نفسه ليتمكَّن حين يحين الموعد من إقامة الدولة الإسلاميَّة العالميَّة. وهذا ما تشير إليه عدَّة روايات، كالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا بدَّ للغلام من غيبة، فقيل له: وَلِمَ يا رسول الله؟ قال: يخاف القتل"[1].

 
وخرج في التوقيع من الإمام المهديِّ عجل الله تعالى فرجه الشريف لمحمَّد بن عثمان العمريِّ في علَّة عدم ذكره عليه السلام باسمه: "فإنَّهم إنْ وقفوا على الاسم أذاعوه، وإنْ وقفوا على المكان دلُّوا عليه"[2]. فالإمام لم يضمن عدم تسريب مكان وجوده إذا عرفه عامَّة الناس، بل من المتوقَّع أن يصل للعباسيِّين.
 
ثانياً: تهيئة الأُمَّة للغيبة الكبرى:
فقد كان المؤمنون قبل ذلك يرتبطون بالنبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وبالأئمَّة عليهم السلام مباشرة، ويتلقّون منهم الأحكام الشرعيَّة، ويتعلَّمون منهم معالم الدين، ويلجأون إليهم لحلِّ النزاعات بينهم... واستمرَّ هذا الأمر حتَّى عام 260 هـ عند وفاة الإمام الحسن العسكريِّ عليه السلام، وحتَّى لا تحصل المفاجأة بالانقطاع التامِّ والغيبة الكبرى، كان لا بدَّ من تهيئة الناس من خلال فترة برزخيَّة يكون فيها الإمام منقطعاً جزئيَّاً عن الناس، حتَّى إذا اعتاد الناس على هذه الصيغة صار من الممكن تطويرها لصيغة الغيبة الكبرى والانقطاع التامِّ.
 
كما كان عليه السلام متدرِّجاً في الاحتجاب عن الناس خلال تلك الفترة، حيث استطاع العديد من المؤمنين ملاقاته في الفترة الأولى، ثُمَّ صار يقلُّ العدد ويزداد احتجابه عجل الله تعالى فرجه الشريف حتَّى وصل إلى زمن السفير الرابع، الذي لا يكاد ينقل أحد مشاهدته غير السفير نفسه.
 
 
 

 
 
[1] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج 1، ص 243.
[2] الشيخ الطوسي، الغيبة، ص 364.
 

199

الدرس الرابع عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (2) الغيبة الصغرى 260 - 329 هـ

 خلاصة الدرس

- بدأت فترة الغيبة الصغرى بوفاة الإمام الحسن العسكريِّ عليه السلام عام 260 هـ حيث كان عمر الإمام المهديِّ عجل الله تعالى فرجه الشريف خمس سنين تقريباً واستمرَّت قرابة 70 سنة حتى عام 329 هـ حيث انتهت بوفاة السفير الرابع.
 
- في زمن الغيبة الصغرى لم يطَّلع على مكانه أحد من الناس إلا خاصّة مواليه والمقرَّبين منه فقط. وكان له سفراء أربعة هم: أبو عمرو عثمان بن سعيد العمريّ الأسدي[1]، ثُمَّ أبو جعفر محمَّد بن عثمان بن سعيد العمري[2]، ثُمَّ أبو القاسم حسين بن روح النوبختي[3]، وأخيراً أبو الحسن عليّ بن محمَّد السمريّ[4].
 
سببا الغيبة الصغرى:
أولاً: الحفاظ على شخص الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، بعد مطاردة العباسيِّين له ومحاولة تصفيّته من قبلهم.
ثانياً: تهيئة الأُمَّة للغيبة الكبرى، لكي يستعدّوا لها ويتلقّوها بشكل تدرِّيجيّ. كما كان عجل الله تعالى فرجه الشريف متدرِّجاً في الاحتجاب عن الناس خلال تلك الفترة.
 
 

 
 
[1] لمدة 5 سنوات تقريباً.
[2] لمدة 40 سنة تقريباً.
[3] لمدة 21 سنة تقريباً.
[4] لمدة 3 سنين تقريباً.
 

200

الدرس الرابع عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (2) الغيبة الصغرى 260 - 329 هـ

 أسئلة

1- ما الفرق بين الغيبة الكبرى والغيبة الصغرى؟
2- لماذا لم يُعلم الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف عموم الناس بمكان وجوده، واعتمد على أشخاص محدَّدين؟
3- اذكر السفراء الأربعة بالترتيب.
 
- ضع علامة صحّ □ أو خطأ □ في المكان المناسب:
1- تعني الغيبة خروج الإمام عليه السلام عن الحياة الطبيعية التي يعيشها الناس □.
2- بدأت الغيبة الكبرى بموت السفير الرابع □.
3- استمرت الغيبة الصغرى حوالي 170 سنة □.
4- بدأت إمامة الإمام عليه السلام في عام 260 هـ □.
5- السفير الأول هو علي بن محمد السمري □.
 
 

201

الدرس الرابع عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (2) الغيبة الصغرى 260 - 329 هـ

 للمطالعة

 
السفراء الأربعة (1)
أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري
كان عثمان بن سعيد من بني أسد، ولقّب بالعسكري لإقامته في مدينة سامراء، ويعرف بالسمّان في الأوساط الشيعية، لأنّه كان يمارس نشاطاته السياسية تحت غطاء الاتّجار بالسمن، وكان يضع الأمانات والأموال المتعلّقة بالإمام التي يجمعها من الشيعة في أواني السمن، فيسلّمها إلى الإمام. وقد كان يحظى بثقة واحترام جميع الشيعة[1].
 
والجدير ذكره هو أنّ عثمان كان قبل ذلك من وكلاء وأصحاب الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام الموثوق بهم.
 
قال أحمد بن إسحاق ـ وهو من شخصيات الشيعة البارزة: دخلت على الإمام الهادي في يوم من الأيّام فقلت يا سيدي أنا أغيب وأشهد ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كلّ وقت فقول من أقبل وأمر من نمتثل؟
 
فقال عليه السلام: "هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعنّي يقوله، وما أدّاه إليكم فعنّي يؤدّيه".
 
فلمّا مضى الإمام الهادي عليه السلام وصلت إلى أبي محمد العسكري ذات يوم فقلت له مثل قولي لأبيه عليه السلام.
 
فقال عليه السلام لي: "هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات، فما قاله لكم فعنّي يقوله، وما أدّى إليكم فعنّي يؤدّيه"[2].
 
 
 

 
[1] الشيخ الطوسي، الغيبة، ص 214.
[2] م. ن، ص 216.
 

202

الدرس الرابع عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (2) الغيبة الصغرى 260 - 329 هـ

 ولمّا مات الإمام العسكري عليه السلام حضر غسله عثمان بن سعيد وتولّى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه ودفنه في الظاهر.

 
وهو نفسه الذي تسلم ذات يوم أموالاً من شيعة اليمن بأمر من الإمام العسكري عليه السلام فقال الإمام عليه السلام ردّاً على قولهم: يا سيدنا ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك وأنّه وكيلك وثقتك على مال الله ولمن خيار شيعتك: "نعم واشهدوا عليّ أنّ عثمان بن سعيد العمري وكيلي وأنّ ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم".
 
وهكذا في خاتمة لقائه عليه السلام بالأربعين شيعياً ـ وقد أشرنا إلى ذلك ـ قال عليه السلام للحاضرين: "فاقبلوا من عثمان ما يقوله، وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه"[1].
 
إنّ تاريخ وفاة عثمان مجهول واحتمل البعض أنّه مات بين سنتي 260 و 267هـ، واعتقد بعض آخر بأنّه مات عام 280 .
 
 
 

 
 
[1] الشيخ الطوسي، الغيبة، ص 217.
 

203

الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى

 الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى

 
 
أهداف الدرس
1- أن يتعرّف الطالب إلى أسباب الغيبة الكبرى وفلسفتها.
2- أن يتبيّن متى تنتهي الغيبة الكبرى.
3- أن يحدّد الوظيفة والتكليف الشرعي في عصر الغيبة الكبرى.
 
 
 

204

الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى

تمهيد:

في الرواية عن الإمام محمَّد التقيّ عليه السلام أنه قال: "إنَّ الإمام بعدي ابني عليّ، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثُمَّ سكت، فقلت له: يا بن رسول الله، فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكى عليه السلام بكاءاً شديداً، ثُمَّ قال: إنَّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقِّ المنتظر. فقلت له: يا ابن رسول الله، لِمَ سُمِّيَ القائم؟ قال: لأنَّه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته، فقلت له: ولِمَ سُمِّيَ المنتظر؟ قال: لأنَّ له غيبة يكثر أيّامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزىء بذكره الجاحدون، ويكذِّب بها الوقَّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون"[1].

 

لقد مهَّد أهل البيت عليهم السلام للدور الذي سيقوم به الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، منذ ولادته حتَّى قيام دولته العادلة، وسلطته على الأرض كلِّها، والمراحل التي ستمرُّ بين ذلك، خصوصاً مرحلة الغيبة الكبرى لما تحتاج هذه المرحلة من تهيئة المؤمنين لهذا الموضوع، وتعايشهم مع غيبة إمامهم، واستعدادهم لمواجهة تحدِّيات مرحلة الغيبة. 

 

فكانت هذه الرواية عن الإمام الجواد عليه السلام وغيرها من الروايات التي تحمل في

 

 


 

[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 30.

 

205

الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى

 طيَّاتها رسائل واضحة للمؤمنين تثبِّتهم في غيبته وترشدهم إلى مثل هذه المرحلة التي ينبغي أن يكونوا جاهزين لها على المستوى العقائديّ والنفسيّ. وببركة هذه التوجيهات استطاع المؤمنون أن يتعايشوا مع هذه المرحلة ويوفِّروا متطلباتها، إلى أن يأذن الله تعالى لمولانا صاحب الزمان بالظهور. وهناك أمور لا بدَّ من الإجابة عنها في هذا الإطار نستعرضها خلال هذا الدرس إنْ شاء الله تعالى.

 
أسباب الغيبة
لا شكَّ أنَّ غيبة الإمام ليست هي القاعدة بالنسبة للدور الذي ينبغي أن يقوم به، بل الأصل أن يكون حاضراً بين أنصاره وأعوانه، يدير وينظِّم ويدبِّر الشؤون ويحقِّق الأهداف، من خلال توجيهاته وقيادته ومواكبته للأمور وحضوره المستمر.
 
وما نعيشه نحن من غيبة الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف في هذا الزمن دفعت إليه ظروف وأسباب خاصّة، يكفي أن تزول هذه الظروف وتنتهي تلك الأسباب حتَّى يعود الإمام للظهور والقيادة المباشرة وتحقيق الأهداف والوعد الإلهي.
 
ومن المهمِّ أن نتعرَّف إلى هذه الظروف والأسباب التي دعت وتدعو الإمام للغياب، حتَّى نسعى لرفعها وتجنُّبها ممَّا يُعجِل في ظهوره عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهذا ما سنتعرَّض له فيما يلي:
أولاً: فشل كلّ الأطروحات الأخرى:
لقد خلق الله تعالى الإنسان في هذه الدُّنيا وجعله مخيَّراً بين الطرقات والسبل بعد أن أرشده إلى طريق الحقِّ وسبيل النجاة، لكنَّ هذا الإنسان لم يندفع باتِّجاه طريق الحقِّ وسبيل النجاة حصراً بل سلك الكثير من السُبُلِ الأخرى، وكأنَّه يستشعر منها فائدة له، وهذه التجارب للسُبُلِ الأخرى التي أخبر الله تعالى عنها مسبقاً أنَّها لن يكون منها سوى الخسران والضلال والظلم، ستستمرُّ حتَّى ظهور الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف ويتحقّق قول الله تعالى: ﴿أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾[1].
 
 
 
 

 
[1] سورة آل عمران، الآية: 83.
 

206

الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى

 فدولة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريفستكون بعد أن يجرّب الناس جميع الدول والأنظمة الأخرى ويحصلون على فرصتهم الكافية في ذلك. وعندها لا يبقى أمام الناس سوى القبول بدولة الإمام وبالمشروع الإلهيّ بعد فشل جميع مشاريعهم الأخرى.

 
وقد ورد عن الإمام محمَّد الباقر عجل الله تعالى فرجه الشريف قال: "إنَّ دولتنا آخر الدول ولم يبقَ أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا، لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا لو ملكنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾"[1]،[2].
 
وعن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق عليه السلام قال: "ما يكون هذا الأمر حتَّى لا يبقى صنف من الناس إلا وقد ولُّوا على الناس، حتَّى لا يقول قائل: إنَّا لو وُلِّينا لعدلنا، ثُمَّ يقوم القائم بالحقّ والعدل"[3].
 
وقد رأينا عبر التاريخ كما نرى الآن أيضاً كيف أنَّ جميع هذه الأطروحات تتهاوى وتسقط الواحدة تلو الأخرى، بعد أن تثبت ظلمها وفشلها.
 
ثانياً: تمحيص المؤمنين:
إنَّ مشروعاً بحجم مشروع الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريفالذي يراد له أن يكون مشروع المعمورة كلِّها، بعد أن يواجه جميع التحدّيات العسكريَّة والماديَّة والنفسيَّة والعقائديَّة...، لا يستطيع أن يقوم بحملها إلا المخلصون حقَّاً الذين واجهوا جميع أنواع التحدّيات والصعوبات وثبتوا... وحيث إنَّ مشروع الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف مشروع انتصار وحسم نهائيّ، غير قابل للتراجع أو الانهزام، كان لا بدَّ من توفر أشخاص مضمونين وممتحنين للقيام بهذا المشروع، من هنا كان تمحيص المؤمنين واختبارهم في
 
 
 
 

 
[1] سورة الأعراف، الآية: 128.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 53، ص 329.
[3] م. ن، ج 52، ص 244.
 

207

الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى

 زمن الغيبة ليقوى عود المؤمنين والمخلصين حقَّاً، ويصبحوا جاهزين للقيام بهذه المسؤوليَّة، ولينكشف الإنهزاميُّون وضعاف النفوس وينسحبوا قبل أن يشكِّلوا أيَّ ثغرة في جيش الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف قال تعالى: ﴿مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾[1].

 
وعن الإمام الرضا عليه السلام قال: "والله لا يكون ما تمدُّون إليه أعناقكم حتَّى تُميَّزوا وتُمحَّصوا فلا يبقى منكم إلا الأندر، ثمَّ قرأ قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾"،[2].[3]
 
ثالثاً: التسليم المطلق بعد سنين الغيبة
إنِّ فقد الإمام وغيبته، يشعران أنصاره بأهميَّة نعمة حضوره، وبالأضرار الجسيمة التي تلحق غيبته، وبالتالي يرتبطون به ارتباطاً عقليَّاً وقلبيَّاً عالياً جدَّاً، بحيث إنَّه لو ظهر لانساقوا إليه ولبايعوه وتابعوه وأطاعوا أوامره بكلِّ قوَّة وتسليم ووضوح رؤية.
 
فمن المعروف أنَّ الإنسان لا يقدِّر قيمة الشيء إلا بعد فقده، وهذا ما حصل لبني إسرائيل في صحراء سيناء حينما جاءهم الأمر من نبيِّ الله موسى عليه السلام بدخول فلسطين ومجاهدة الأعداء، فما كان جوابهم إلا أن ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾[4].
 
ولكن بعد وفاة النبيّ موسى عليه السلام ومكثهم 40 سنة في التيه في صحراء سيناء وشعورهم بأهميَّة النبيّ بعد فقده، قاموا مع وصيِّ موسى يوشع بن نون بدخول فلسطين ومحاربة الأعداء.
 
 

 
[1] سورة آل عمران، الآية: 179. 
[2] سورة العنكبوت، الآية: 3.
[3] داود بن سليمان بن يوسف الغازي، مسند الإمام الرضا عليه السلام، ج 1، ص 264.
[4] سورة المائدة، الآية: 25.
 

208

الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى

متى تنتهي الغيبة؟

إنَّ ما سبق يشير إلى المصلحة في الغيبة نفسها وضرورتها لتتحقّق الأمور التي تحدَّثنا عنها. ولكنَّ تحقّق تلك الأمور وحدها لا يكفي للظهور، بل هناك أسباب وشرائط أخرى لا بدَّ من توفُّرها أيضاً ليتحقّق الفَرَجُ، من هذه الأمور:

 

وجود الأنصار:

لا بدَّ من توفُّر العدد الكافي من الأنصار المخلصين القادرين على تحقيق مشروع الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف. وهناك العديد من الروايات التي تحدَّثت عن هؤلاء الأنصار، الذين يجتمعون حول الإمام عند بداية حركته وعددهم 313 بعدد المسلمين في بدر، ولعلَّهم يشكِّلون نواة التحرُّك وقادة جيوش الإمام.

 

هؤلاء الذين يكفون الإمام ما يريد كما ذُكِرَ في الرواية عن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق عليه السلام: "يحفُّون به يقونه بأنفسهم في الحروب ويكفونه ما يريد"[1].

 

عدم التوقيت:

هناك العديد من الروايات التي تؤكِّد على عدم توقيت ظهور الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، كما في الرواية عن الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام قال: "لقد حدَّثني أبي عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قيل له: يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريَّتِك؟ فقال عليه السلام: مثله مثل الساعة لا يجلِّيها لوقتها إلا هو، ثقُلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة"[2].

 

بل هناك روايات واضحة في تكذيب من يوقِّت للظهور كالرواية عن الإمام محمَّد الباقر عليه السلام: "كذب الوقَّاتون، كذب الوقَّاتون، كذب الوقَّاتون"[3].

 

 


 

[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 308.

[2] م. ن، ج 51، ص 154.

[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 368.

 

209

الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى

 وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "يا مهزم كذب الوقَّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلمون، وإلينا يصيرون"[1].

 
فما هو السبب في إخفاء وقت الظهور؟ هناك العديد من الأسباب التي تدعو إلى ذلك، نذكر منها:
1- ما دام للظهور ظروفه الموضوعية التي يتحقّق الكثير منها على يد المؤمنين، فمن المناسب أن يرتبط الظهور بعمل هؤلاء الناس، وبهمّتهم وحضورهم، ما سيدفعهم للعمل ولتجهيز الأرضيَّة للظهور، وبالتالي للتعجيل بالظهور. وأمَّا ربط الظهور بزمن هو مجرَّد رقم وتاريخ، فهذا لن يكون ربطاً بالأسباب الحقيقيَّة، ولن يكون مساعداً على مستوى دفع الناس باتِّجاه تحقيق ظروف وشرائط الظهور.
 
2- إخفاء وقت الظهور سيبقي شعلة الأمل مشتعلة دائماً في قلوب المؤمنين، ففي الرواية عن محمَّد بن الفضيل عن الرضا عليه السلام، قال سألته عن شيء من الفَرَجِ، فقال: "أليس انتظار الفَرَجِ من الفَرَجِ؟ إِنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول: ﴿فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾"[2]. وهذا الأمل سيدفعهم لإصلاح أمورهم، والابتعاد عن المعاصي والتزام الطاعات، وتجهيز الأنفس لنصرة الإمام، ولذلك جاء في رسالة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريفالتي أرسلها للشيخ المفيد: "فليعمل كلُّ امرئ منكم بما يقرِّبه من محبَّتِنا ويتجنَّب ما يدنيه من كراهيتنا وسخطنا، فإنَّ أمرنا بغتة فجأة، حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة"[3].
 
 
 
 

 
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 368.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 128.
[3] م. ن، ج 53، ص 176.
 

210

الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى

 خلاصة الدرس

إنَّ غيبة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ليست هي القاعدة بالنسبة للدور الذي ينبغي أن يقوم به، بل الأصل أنْ يكون حاضراً بين أنصاره وأعوانه، ويكفي أن تزول أسباب الغيبة ليتحقّق الظهور، ومن هذه الأسباب:
1- فشل كلّ الأطروحات الأخرى حتى لا يظنَّ أحد بعد ذلك أنَّه يمكن تحقيق العدل من خلالها.
2- تمحيص المؤمنين واختبارهم ليقوى عود المخلصين منهم ويظهر أصحاب النفوس الضعيفة.
3- التسليم المطلق للإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف بعد سنين الغيبة والشعور بأهميَّة ونعمة حضوره.
 
هذه العناصر تختصر المصلحة في الغيبة. وهناك شرائط أخرى لا بدَّ من توفُّرها أيضاً ليتحقّق الفرج، ومن أهمِّ هذه الشرائط وجود الأنصار، فلا بدَّ من توفُّر العدد الكافي من الأنصار المخلصين القادرين على تحقيق مشروع الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، وعددهم 313 بعدد المسلمين في بدر، ولعلَّهم يشكِّلون نواة التحرُّك وقادة جيوش الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف.
 
وهناك العديد من الروايات التي تؤكِّد على عدم توقيت ظهور الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، بل هناك روايات واضحة في تكذيب من يوقِّت للظهور.
 
 

211

الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى

 أسئلة

1- هل الأصل في الإمام أن يكون حاضراً أم غائباً؟
2- ما الفائدة من فشل كلّ الأطروحات الأخرى قبل ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف؟
3- لماذا لا بدَّ من تمحيص واختبار المؤمنين قبل ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف؟
 
ضع علامة صحّ □ أو خطأ □ في المكان المناسب:
1- دولة الإمام عليه السلام ستكون بعد أن يجرّب الناس جميع الأنظمة □.
2- يبلغ عدد الأفراد الذين يشكلون جيش الإمام  313. □
3- مشروع الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف مشروع انتصار ليس فيه انهزام. □
4- روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "كذب الوقاتون، كذب الوقاتون، كذب الوقاتون". □
5- إخفاء وقت الظهور له تأثير معنوي إيجابي على قلوب المؤمنين. □
 
 

212

الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى

 للمطالعة

 
السفراء الأربعة (2)
محمد بن عثمان بن سعيد العَمْري
إنّ محمد بن عثمان ـ كأبيه ـ يعد من كبار الشيعة وكان يحظى باحترامهم وتقديرهم الشيعة، وهم يثقون بتقواه وعدالته، وكان من أصحاب الإمام العسكري الموثوق بهم كما قال الإمام العسكري رداً على سؤال أحمد بن إسحاق، وهو: عمّن آخذ وقول من أقبل؟: "العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا إليك فعنّي يؤدّيان، وما قالا لك فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنّهما الثقتان المأمونان"[1].
 
وصدر بعد أن مات عثمان توقيع عن الإمام الغائب يعلن فيه عزاءه لموته ونصب ابنه محمّداً وكيلاً مكانه[2].
قال عبد الله بن جعفر الحِمْيَـري: لمّا مضى أبو عمرو عثمان بن سعيد أتتنا الكتب بالخط الذي كنّا نكاتب به بإقامة أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد مقامه[3].
 
وفي توقيع صادر عن الإمام جواباً عن أسئلة إسحاق بن يعقوب كتب عليه السلام: "وأمّا محمّد بن عثمان العمري رضي الله عنه وعن أبيه من قبل فإنّه ثقتي وكتابه كتابي".
 
وقد كان لأبي جعفر تأليفات فقهية صارت بعد وفاته بيد الحسين بن روح ثالث سفراء الإمام أو بحوزة أبي الحسن السمري السفير الرابع.
 
وتولّى محمد بن عثمان السفارة والوكالة عن إمام الزمان مدة ما يقارب الأربعين عاماً، وأعدّ خلال هذه الفترة وكلاء محليين، وكان هو يشرف على نشاطاتهم ويدير 
 
 
 

 
[1] الشيخ الطوسي، الغيبة، ص 221.
[2] م. ن، ص 219.
[3] م. ن، ص 220.
 

213

الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى

 أُمور الشيعة ويهتم بها، وصدرت تواقيع عديدة عن الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف فوصلت من خلاله إلى الآخرين وقد توفّي في عام 304 أو 305.

 
وقد أخبر عن يوم وفاته قبل أن يموت، فمات في نفس ذلك التاريخ الذي أخبر عنه.
 
 

214

الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج

 الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج

 
أهداف الدرس:
1- أن يتعرّف الطالب إلى معنى الانتظار.
2- أن يميّز بين الانتظار السلبي والانتظار الإيجابي.
3- أن يتعرّف إلى صفات الممهِّدين للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وصفات أصحابه.
 
 
 

215

الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج

تمهيد:

كثرت الروايات الّتي تتحدَّث عن انتظار الفرج وفضله، كالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل جهاد أُمَّتي انتظار الفرج"[1].

 

وعن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: "انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله فإنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ انتظار الفرج.... والمنتظر لأمرنا كالمتشحِّط بدمه في سبيل الله"[2].

 

فما هو هذا الانتظار الذي يعتبر من أحبِّ الأعمال وأفضل العبادات كما عبَّر بعض الروايات؟ وكيف يكون؟

 

معنى الانتظار

الانتظار في اللَّغة بمعنى الترقُّب[3]، والتربُّص[4]، وهو "حالة نفسانيَّة ينبعث منها التهيّؤ لما تنتظره، وضدّه اليأس، فكلَّما كان الانتظار أشدّ كان التهيّؤ آكد..."[5].

 

 

 

 


 

[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 77، ص 143.

[2]  م.ن. ج65، ص 61.

[3] ابن منظور، لسان العرب، ج1، ص 424.

[4]  م.ن. ج7، ص 39.

[5] الأصفهاني، ميرزا محمَّد تقي ، مكيال المكارم، ج2، ص 136.

 

216

الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج

 كيف يكون الانتظار؟

إنَّ معرفة كيفيّة الانتظار أمر مهمّ جدًّا لأنَّنا نتحدَّث عن فترة طويلة استمرّت قروناً حتَّى الآن ومرَّت فيها أجيال وأجيال، ضمن ظروف مختلفة وفرص متفاوتة، ولا يمكن ترك هذه الأجيال بلا تكليف واضح ومحدَّد، فما هو تكليف هذه الأجيال في هذه الفترة؟ وكيف من المفترض أن يكون انتظارها لظهور الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريفولتحقّق الفرج على يديه؟
 
الإنتظار السلبيّ والإيجابيّ
هناك نهجان مختلفان ومتناقضان متصوّران لكيفيّة الانتظار، ولتكليف المؤمنين في زمان الغيبة الكبرى للإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف:
أ- الانتظار السلبيّ: والمقصود منه أن يبقى الإنسان جالساً بدون أيِّ حراك أو فعاليَّة تذكر، وبدون أن يقوم بأيِّ عمل تغييريّ، ويكتفي بمراقبة علامات الظهور، وما تحقّق منها؛ ليزداد أمله بقرب الظهور، كما لو استشعر تحقّق شيء منها، وهذا يعني أنَّ الوظيفة الأساسيّة للمؤمنين في عصر الغيبة هي أن يعيشوا أمل ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريفبدون أن يسعوا لتغيير الواقع الاجتماعيِّ والسياسيِّ.
 
ب- الانتظار الإيجابيّ: والمقصود منه أن لا يقف الإنسان مكتوف اليدين ساكناً، حتَّى يتحقّق الفرج بظهور الإمام، وإنَّما يقوم بالواجبات الشرعيَّة الملقاة على عاتقه سواء كانت فرديّة أم اجتماعيَّة، أو لها علاقة بالنظام والحكم...
 
فأيُّهما هو الانتظار الصحيح والمطلوب شرعاً؟
 
المنهج الصحيح في الانتظار
عند مراجعة الروايات الشريفة، لا شكَّ أنَّنا سنصل إلى نتيجة قطعيَّة تقول: إنَّ المطلوب من الأجيال في عصر الغيبة الكبرى لا يمكن أن يكون مجرَّد السكون
 
 
 

217

الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج

 والجلوس في البيت، والتخاذل عن الوظائف الشرعيَّة الممكنة، والّتي فيها مصلحة الأمَّة، بل هناك العديد من الأدوار الأساسيَّة الّتي لا بدَّ من تنفيذها، يمكن أن نختصرها فيما يلي:

 
أوّلاً: طاعة الله وتنفيذ الأحكام الشرعيّة
عن الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف...: "ولو أنَّ أشياعنا وفَّقهم الله لطاعته على اجتماع من‏ القلوب في الوفاء بالعهد لَما تأخَّر عنهم اليُمن بلقائنا، ولتعجَّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقِّ المعرفة وصدقها منهم بنا"...[1].
 
فاتِّحاد المؤمنين حول قضية الإمام المهديِّ هو سبب مباشر لتعجيل الظهور، وليس المطلوب مجرَّد الاتِّحاد العقائديّ؛ لأنَّ ذلك حاصل منذ زمن بعيد، وإنَّما المطلوب الاتِّحاد على المستوى العمليِّ. وعندما نتحدَّث عن اتِّحاد، فهذا يعني أنَّهم كالجسد الواحد الّذي له رأس واحد يديره ويقوده، هذا الرأس الّذي عبَّرت عنه مكاتبته عجل الله تعالى فرجه الشريف: "وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنَّهم حجَّتي عليكم وأنا حجَّة الله"[2]، وهو الوليُّ الفقيه.
 
ويكون همُّ المؤمنين تطبيق أحكام الله تعالى والتمسّك بطاعته، كما طلب وأكَّد عليه الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف في ما ورد عنه: "فاتَّقوا الله جلّ جلاله، وظاهرونا على انتياشكم[3] من فتنة قد أنافت[4] عليكم، يهلك فيها من حمَّ أجله، ويحمى عنها من أدرك أمله، وهي أمارة لأزوف[5] حركتنا ومباثتكم بأمرنا ونهينا، ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾[6]"[7].
 
 

 
 
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 53، ص 177.
[2] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج 27، ص 140.
[3] انتياشكم: انتشالكم.
[4]  أناف على الشيء: طال وارتفع عليه.
[5] الأزوف: الاقتراب.
[6] سورة الصف، الآية: 8.
[7] الميرزا النوري، خاتمة المستدرك، ج 3، ص 225، من رسالة للشيخ المفيد.
 

218

الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج

 ثانياً: توحيد الأُمَّة وتنظيمها بالشكل المطلوب:

فالإمام الصادق عليه السلام يتحدَّث بشكل واضح أنَّ حفيده المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف "ما يخرج إلّا في أولي قوَّة"[1].

 

والقوَّة لها جانبان، قوَّة ماديَّة تأتي من خلال التجهيز والاستعداد والتدرُّب... وهذا يفترض أنَّ هناك تحرُّكاً قويًّا في هذا الاتجاه قبيل ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، وقوَّة في القلب والإرادة، وهذه تنتج من الثبات أمام الابتلاءات، وهناك رواية تصفهم: "إنَّ قلب رجل منهم أشدّ من زبر الحديد لو مرُّوا بالجبال الحديد لتدكدكت، لا يكفُّون سيوفهم حتى يرضى الله عزَّ وجلَّ"[2].

 

ثالثاً: التمهيد للظهور:

هناك العديد من الروايات التي تتحدَّث عن أشخاص ورايات تظهر قبيل ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريفوتقوم بتهيئة الأرض له والتمهيد لظهوره، كالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يخرج ناس من المشرق فيوطِّئون للمهديِّ"[3]. بل إنَّ أمنية كلِّ مؤمن أن يكون في ركب جنود القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف عند ظهوره. وفي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره"[4]. والمخلصون يعملون على التمهيد لظهوره، وتهيئة الأرض ومواءمة الظروف لتحقيق شرائط الظهور، وتحقيق اليوم الموعود، وفي رواية أنَّه سئل الإمام محمَّد التقيُّ‏ عليه السلام: "لِمَ سُمِّيَ القائم؟ فقال: "لأنَّه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته. فقيل له: وَلِمَ سُمِّيَ المنتظر؟ فقال: لأنَّ له غيبة يكثر أيّامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزىء بذكره الجاحدون، ويكذِّب بها الوقَّاتون، ويهلك فيها المستعجلون،

 

 

 

 


 

[1]  العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 323.

[2] القندوزي، ينابيع المودة، ج 3، ص 177.

[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 241.

[4] النعماني، الغيبة، ص 240.

 

 

 

219

الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج

 وينجو فيها المسلّمون"[1].

 
فما هي صفات المخلصين للحجَّة في غيبته الممهِّدين له؟ وما هي صفات أصحابه عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ هذا ما سنلقي الضوء عليه خلال هذا الدرس، إنْ شاء الله تعالى.
1- الإيمان بالغيب:
في الرواية سئل الإمام جعفر بن محمَّد الصادق عليه السلام عن قول الله عزَّ وجلَّ: 
﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾[2] فقال: "المتّقون شيعة عليّ عليه السلام والغيب فهو الحجّة (الغائب) وشاهد ذلك قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾"[3][4].
 
إنَّ وجود الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف أصبح من الغيب نتيجة غيبته، والإيمان به إيمان بالغيب، والإيمان بالغيب هو من صفات المتَّقين، لذلك كان الإيمان بالإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف متيسّراً على المتَّقين.
 
2- حزب الله:
عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: في حديث طويل عندما سئل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن أوصيائه، فعدَّهم النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن قال: "ومن بعده (أي بعد الحسن العسكريّ) ابنه محمَّد، يدعى بالمهديّ والقائم والحجّة، فيغيب ثمَّ يخرج، فإذا خرج يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، طوبى للصابرين في غيبته، طوبى للمقيمين على محبَّته أولئك الذين وصفهم الله في كتابه وقال: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ *  الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ 
 
 
 
 

 
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 30.
[2] سورة البقرة، الآيتان: 1 - 2.
[3] سورة يونس، الآية: 20.
[4] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 124.
 

220

الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج

وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾[1]، وقال تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾،[2].[3]

 

3- الصبر على الأذى:

لا شكَّ أنَّ زمن الغيبة زمن ابتلاءات وامتحانات صعبة تحتاج للكثير من الثبات والصبر، وهذا ما أكَّدت عليه الروايات أيضاً، ففي الرواية عن الإمام الحسين عليه السلام: "أما أنَّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "[4].

 

4- جهوزيّة أصحاب الحجّة:

وأمَّا بعد ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، فسيكون ظهوره بين أصحاب لهم صفاتهم الخاصّة أيضاً، ومن هذه الصفات الاستعداد والجهوزيّة، ففي الرواية عن الإمام محمَّد الباقر عليه السلام والإمام جعفر الصادق عليه السلام في قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ﴾[5] أنّهما قالا: "الأمّة المعدودة هم أصحاب المهديِّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في آخر الزمان ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً كعدَّة أهل بدر، يجتمعون في ساعةٍ واحدةٍ كما يجتمع قزع الخريف"[6].

 

فمن الملاحظ في هذه الرواية كيف يجتمع أصحاب الإمام في ساعةٍ واحدةٍ، ما

 

 

 

 


 

[1] سورة البقرة، الآيتان: 2 - 3. 

[2] سورة المجادلة، الآية: 22.

[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 143.

[4] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص 318.

[5] سورة هود، الآية: 8.

[6] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 9، ص 103.

 

221

الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج

 يشير إلى الجهوزيَّة التامَّة الّتي يتمتَّع بها هؤلاء الأشخاص بحيث لم ينشغلوا بتجهيز المقدِّمات وتهيئة الأمور لتلبية النداء، بل كانوا جاهزين وحاضرين تماماً.

 
5- تمنّي الشهادة:
عن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق‏ عليه السلام قال: "يَدْعُوْنَ بالشهادة ويتمنَّوْنَ أنْ يُقتلوا في سبيل الله"[1].
 
6- الارتباط بالله تعالى:
يتميَّز أصحاب الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريفبارتباطهم بالله سبحانه وتعالى وعبادتهم له وتهجُّدهم في اللَّيل، وقد ورد في الحديث: "رجال لا ينامون اللَّيل لهم دويٌّ كدوِيِّ النحل، يبيتون قياماً على أطرافهم ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل ليوث بالنَّهار، وهم من خشية الله مشفقون"[2].
 
7- الالتزام بالنِّظام:
ويشير الى ذلك ما ورد عن أمير المؤمنين‏ عليه السلام من أنَّه قال فيهم: "الزّيُّ واحد، واللباس واحد، كأنَّما آباؤهم أبٌ واحدٌ"[3].
 
 
 
 

 
[1] الشيخ عليّ النمازي الشاهرودي، مستدرك سفينة البحار، ج 6، ص 190.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 308.
[3] الشيخ عليّ كوراني العاملي، معجم أحاديث الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، ج3، ص 94.
 

222

الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج

 خلاصة الدرس

- الانتظار في اللغة بمعنى الترقُّب، والتربُّص، وهو "حالة نفسانيّة ينبعث منها التهيّؤ لما تنتظره، وضدُّه اليأس، فكلَّما كان الانتظار أشدّ كان التهيّؤ آكد...".
 
- هناك نهجان مختلفان ومتناقضان لكيفيّة الانتظار: الانتظار السلبيُّ بمعنى أنْ لا يقوم الإنسان بأيِّ عمل، ويكتفي بمراقبة علامات الظهور. والانتظار الإيجابيّ بمعنى أنْ يقوم بالواجبات الشرعيَّة الملقاة على عاتقه. وهو المستفاد من الروايات، وعلى الإنسان أن يؤدِّي دوره في: طاعة الله وتنفيذ الأحكام الشرعيَّة، وتوحيد الأُمَّة وتنظيمها بالشكل المطلوب، والتمهيد للظهور.
 
- تتلخّص صفات الممهِّدين للحجَّة، وصفات أصحابه عجل الله تعالى فرجه الشريف بما يلي:
الإيمان بالغيب: فوجود الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف أصبح من الغيب نتيجة غيبته، والإيمان بالغيب هو من صفات المتَّقين.
 
الصبر على الأذى: إنَّ زمن الغيبة زمن ابتلاءات تحتاج إلى الكثير من الثبات والصبر.
 
جهوزيّة أصحاب الحجّة: فمن الملاحظ اجتماع أصحاب الإمام حوله في ساعةٍ واحدةٍ، ما يشير إلى الجهوزيّة التامَّة الّتي يتمتَّع بها هؤلاء.
 
الركن الشديد: فمن الملاحظ أنّ أصحاب الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف كما في الروايات يتمتَّعون بقوَّة جسديّة وإرادة صلبة، وأهدافهم تتلخَّص برضا الله سبحانه وتعالى.
 
الارتباط بالله تعالى: يتميَّز أصحابه عجل الله تعالى فرجه الشريف بارتباطهم بالله سبحانه وتعالى وعبادتهم له وتهجُّدهم في اللَّيل.
 
بالإضافة إلى تمنّي الشهادة، والالتزام بالنِّظام.
 
 

223

الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج

أسئلة

1- ما معنى الانتظار في اللغة؟

2- ما هي أقسام الانتظار المتصوَّرة؟ وما هو الفرق بينها؟

3- كيف يكون الانتظار الصحيح؟ وما هو الدليل على ذلك؟

 

ضع علامة صحّ □ أو خطأ □ في المكان المناسب:

1- لا فرق في الانتظار بين أن يتحرك الإنسان أو يجلس مكتوف اليدين □. 

2- روي عن الإمام الصادق أنه قال في المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف: "ما يخرج إلا في أولي قوة" □. 

3- من صفات أصحاب المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف الالتزام بالنظام □. 

4- وصف أصحاب المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريفبأنهم أصحاب قوة جسدية صلبة □. 

5- اتحاد المؤمنين حول قضية المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف سبب مباشر لتعجيل الظهور □. 

 

 

224

الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج

للمطالعة

السفراء الأربعة (3)

 

أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي

في الأيام الأخيرة من حياة أبي جعفر العمري، زاره جماعة من كبار الشيعة، فقال: إن حدث عليّ حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقد أُمرت أن أجعله في موضعي بعدي، فارجعوا إليه وعولوا في أُموركم عليه[1].

 

وقد كان الحسين بن روح من أصحاب السفير الثاني المقرّبين، وكان العمري يعدّه لأمر الوكالة والسفارة منذ وقت طويل، فكان يحيل الشيعة في دفع الأموال إليه حيث كان همزة الوصل بين عثمان بن سعيد والشيعة[2].

 

كان الحسين بن روح قد ألّف كتاباً في فقه الشيعة تحت عنوان التأديب، وقد أرسله إلى فقهاء قم لينظروا فيه، فكتبوا رداً عليه: إنّه كلّه صحيح ـ يطابق فتاوى الشيعة ـ وما فيه شيء يخالف إلاّ مسألة واحدة[3].

 

وقد أثنى بعض المعاصرين على عقله وفطنته ومعرفته، فقال: وكان أبو القاسم من أعقل الناس عند المخالف والموافق[4].

 

وسجن الحسين بن روح مدة خمسة أعوام في عهد الخليفة المقتدر وأُفرج عنه سنة 317هـ[5]، وأخيراً وبعد نشاط في السفارة والوكالة دام واحداً وعشرين عاماً مات في سنة  326هـ[6].

 


 

[1] الشيخ الطوسي، الغيبة، ص226-227.

[2] م. ن، ص224.

[3] م.ن، ص240.

[4] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج51، ص356.

[5] دكتور جاسم حسين، تاريخ سياسى غيبت امام دوازدهم، ص199.

[6] الشيخ الطوسي، الغيبة، ص 238.

 

225

الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج

 أبو الحسن علي بن محمد السَّمَري[1].

 
بأمر من إمام العصر[2] وترشيح وتقديم النوبختي تولى علي بن محمد السمري السفارة والوكالة الخاصة وشؤون الشيعة وإدارتها[3].
 
كان السمري من أصحاب الإمام العسكري عليه السلام، فقد تولّى مهمة النيابة والوكالة الخاصة حتى عام 329هـ وهي سنة وفاته.
 
وقد صدر قبل عدة أيّام من وفاته توقيع عن طرف الإمام إليه بالنحو التالي: "بسم الله الرحمن الرحيم: يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنّك ميت ما بينك وبين ستة أيّام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله ـ تعالى ذكره ـ، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة ـ من السماء[4] ـ فهو كذّاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم"[5].
 
وبعد ستة أيّام من صدور التوقيع مات أبو الحسن السمري[6].
 
وقد سألوه قبل موته: من يقوم مقامك؟ فقال: لم أُؤمر بأن أُوصي لأحد[7].
 
 

 
 
[1] قيل السيمري والصيمري أيضاً؛ تاريخ الغيبة الصغرى، محمد الصدر، ص412.
[2] الشيخ الطبرسي، إعلام الورى، ص445.
[3] الشيخ الطوسي، الغيبة، ص242.
[4] فقد قيل في علائم الظهور إنّ من علاماته خروج السفياني والصيحة الصادرة عن السماء.
[5] الشيخ الطوسي، الغيبة، ص 242-243, الشيخ الطبرسي، إعلام الورى، ص445.
[6] م. ن، ص243.
[7] م. ن، ص242.
 

226

الدرس السابع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (5) علامات الظهور

الدرس السابع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (5) علامات الظهور

 

أهداف الدرس:

1- أن يتبيّن الطالب لماذا علامات الظهور.

2- أن يتعرّف إلى الأجواء العامّة قبل الظهور.

3- أن يتعرّف إلى أهم علامات الظهور.

 

 

227

الدرس السابع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (5) علامات الظهور

تمهيد:

ذكرنا سابقاً أنَّه ليس هناك توقيت لظهور الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، ولكن رغم ذلك لم يترك أمر الظهور بدون أيِّ إشارة إليه، فقد ذكر العديد من الروايات أموراً وحوادث عديدة اعتبرَتها مؤشِّراً على قرب زمن الظهور، وهو ما اصطُلح عليه بعلامات الظهور. وهذه العلامات متعدِّدة ولها أقسامها المتفاوتة.

 

فبعض العلامات واضح في معناه والمقصود منه، وبعضها الآخر أشبه بالرمز الّذي لا يتّضح معناه بشكل واضح ودقيق، ولعلَّ سبب الإبهام والترميز هو اختلاف الأزمنة وصعوبة التعبير عن أمور غير موجودة في ذلك الزمن، فيُستعاض عنها بالتشبيه والترميز.

 

وبعض علامات الظهور، يتحدَّث عن الأجواء العامَّة للزمن الّذي يحصل فيه الظهور. ومن الطبيعيّ أنَّ الأجواء العامَّة لا تحدث بلحظة واحدة عادة وإنَّما تكون على نحو التراكمات الاجتماعيّة، وبالتالي فإنَّ مثل هذه العلامات لا يكون ملاصقاً لزمن الظهور تماماً، ويحتمل أنْ يتراخى الزمن حتّى يحصل الظهور بعدها. فيما هناك علامات أخرى أشبه بالأحداث والوقائع الّتي تكون قبيل الظهور بفترات قليلة يعقبها الظهور مباشرة، وبالتالي فهي علامات قريبة جداً من زمن الظهور.

 

وقد قسَّموا العلامات أيضاً إلى علامات حتميَّة الوقوع، وأخرى غير حتميَّة، ويمكن

 

 

 

228

الدرس السابع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (5) علامات الظهور

 أنْ لا تتحقّق، ولا يتوقّف عليها الظهور بشكل أكيد.

 
وقبل أن نفصِّل ذلك كلَّه هناك سؤال لا بدَّ من طرحه، وهو: ما الفائدة من الإخبار عن علامات الظهور؟
 
لماذا علامات الظهور؟
علامات الظهور لها فوائد متعدِّدة وكبيرة على مستوى حفظ المؤمنين في زمن الغيبة ومواجهة تحدّيات ذلك الزمان، وعلى مستوى جهوزيَّتهم واستعدادهم عند الظهور، وعدم تراخي الهمم وضعف العزيمة مع تطاول الزمن.
 
أمَّا حفظ المؤمنين في مواجهة التحدّيات، فمن جهتين:
الجهة الأولى: بعث نور الأمل مع تراكم التحدّيات والصعوبات، فعندما يكثر الفساد في المجتمع وتضيع الحقوق، ويبدأ الإنسان بالإحساس بالإحباط في مواجهة تلك التحدّيات يلاحظ علامة أو عدَّة من علامات الظهور، فتعود شعلة الأمل لتضيء روحه وقلبه من جديد، ويتذكَّر أنَّ الفساد والظلم ليس لهما إلّا جولة، وستنتهي هذه الجولة في يوم ما، وقد بدأت علائم أزوف جولته تظهر من خلال علامات الظهور.
 
الجهة الثانية: أنَّه مع قراءة علامات الظهور، وكيف أنَّ زمن الظهور سيكون بعد وصول الظلم والفساد إلى القمَّة، فإنَّه بعد ذلك مهما رأى من ظلم وفساد لن يصاب بالمفاجأة والصدَّمة والإحباط، فهو يتوقَّع ذلك من خلال ما يذكر في وصف زمن الظهور وعلاماته العامَّة، وسينقلب الإحباط من وجود الظلم إلى التفاؤل بقرب الظهور.
 
وأمَّا تأثير العلامات على الجهوزيَّة، فلأنَّ المؤمن عندما يرى علامة تشبه علامات الظهور سيستبشر بقرب الظهور، وبالتالي سيكون أكثر حيويَّة وجهوزيَّة وفعاليَّة في مواجهة الفساد، ليحصل على لياقة أن يكون جنديَّاً من جنود الإمام.
 
 
 

229

الدرس السابع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (5) علامات الظهور

 الأجواء العامّة قبيل الظهور

هناك رواية عن أمير المؤمنين عليه السلام تختصر الدرجة الّتي وصل إليها الانحطاط في المجتمعات الفاسدة، حيث يقول: "احفظ... فإنَّ علامات ذلك: إذا أمات الناس الصلاة، وأضاعوا الأمانة، واستحلُّوا الكذب وأكلوا الرِّبا، وأخذوا الرُّشا... وباعوا الدين بالدُّنيا واستعملوا السفهاء، وقطعوا الأرحام واتَّبعوا الأهواء واستخَفُّوا بالدماء، وكان الحِلْمُ ضعفاً والظلم فخراً، وكان الأمراء فجرة، والوزراء ظلمة والعرفاء خونة والقُرّاء فسقة، وظهرت شهادات الزُّور واستُعلِن الفجور وقول البهتان والإثم والطغيان.
 
"... وكان زعيم القوم أرذلهم، واتُّقِيَ الفاجر مخافة شرِّه وصُدِّق الكاذب واؤتُمِنَ الخائن واتُّخِذَت القِيَان والمعازف، ولعن آخر هذه الأُمَّة أوَّلها، وركبت ذوات الفروج السروج وتشبَّه النساء بالرجال والرجال بالنساء... "[1].
 
وقائع قبيل الظهور
هناك العديد من العلامات والأحداث الّتي ستحصل قبيل الظهور مذكورة في الروايات، نذكر بعضها مع تصنيفها إلى أقسام:
أ- الحركات العسكريّة:
1- خروج السفيانيّ: وفي حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "فبينما هم كذلك، أي أثناء الفتنة بين أهل المشرق والمغرب، يخرج عليهم السفيانيّ من الوادي اليابس في فور ذلك حتَّى ينزل دمشق، فيبعث جيشين: جيشاً إلى المشرق وآخر إلى المدينة حتَّى ينزلوا بأرض بابل من المدينة الملعونة "يعني بغداد" فيقتلون أكثر من ثلاثة آلاف ويفضحون أكثر من مائة امرأة ويقتلون بها ثلاثمئة كبش من بني العبَّاس ثمَّ ينحدرون إلى الكوفة"[2].
 
 

 
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 193.
[2] م. ن، ص 186.
 

230

الدرس السابع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (5) علامات الظهور

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "لو رأيت السفيانيّ رأيت أخبث الناس أشقر أحمر أزرق"[1].

 

1- خروج اليمانيّ: قال صلى الله عليه وآله وسلم: "خروج الثلاثة: السفيانيّ والخراسانيّ واليمانيّ في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد وليس فيها من راية أهدى من رايةٍ اليمانيّ لأنَّه يدعو إلى الحقِّ"[2]. وفي حديث عنه: "خروج السفيانيّ واليمانيّ والخراسانيّ في سنة واحدة وفي شهر واحد وفي يوم واحد، ونظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس في كل وجه، ويل لمن ناواهم، ليس في الرايات أهدى من راية اليمانيّ هي راية هدى لأنَّه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليمانيّ حرَّم بيع السلاح على كلِّ الناس"[3].

 

2- إقبال الرايات السود من خراسان: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "تنزل الرايات السود الّتي تخرج من خراسان إلى الكوفة، فإذا ظهر المهديُّ بعثت إليه بالبيعة"[4]. وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "إذا سمعت الرايات السود مقبلة من خراسان فكنت في صندوق مقفل عليك، فاكسر ذلك القفل وذلك الصندوق حتَّى تُقتل تحتها"[5].

 

ب- أحداث محدَّدة:

قتل النفس الزكيَّة بين الركن والمقام: ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "وليس بين قيام قائم آل محمَّد وبين قتل النفس الزكيَّة إلّا خمس عشرة ليلة"[6].

 





[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 206.

[2] م. ن، ص 210.

[3] م. ن، ص 232.

[4] م. ن، ص 217.

[5] المتَّقي الهندي، كنز العمال، ج 11، ص 278.

[6] الشيخ الطوسي، الغيبة، ص 445.

 
 

231

الدرس السابع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (5) علامات الظهور

 ج- كوارث وأحداث طبيعيَّة:

1- خسف بالبيداء: ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "قبل قيام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف اليمانيّ والسفيانيّ والمنادي ينادي من السماء، وخسف البيداء وقتل النفس الزكيَّة"[1].
 
2- خسف بالمشرق وخسف بالمغرب: في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "...يكون عند ذلك ثلاثة خسوف، خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة  العرب"[2].
 
3- طلوع الشّمس من المغرب: عن الإمام الباقر عليه السلام...: "وطلوع الشّمس من المغرب من المحتوم"[3].
 
إعلان الظهور
الصيحة في السماء: ورد عن الإمام الباقر عليه السلام: "ينادي منادٍ من السماء باسم القائم فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب لا يبقى راقد إلّا استيقظ ولا قائم إلّا قعد ولا قاعد إلّا قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت فأجاب"[4].
 
 
 
 

 
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 203.
[2] الشيخ علي كوراني العاملي، معجم أحاديث الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، ج 1، ص 361.
[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 289.
[4] م. ن. ص 230.
 

232

الدرس السابع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (5) علامات الظهور

 خلاصة الدرس

- علامات الظهور متعدِّدة ولها أقسامها المتفاوتة، فبعضها واضح وبعضها أشبه بالرمز. وبعض علامات الظهور يتحدَّث عن الأجواء العامَّة، وبعضها الآخر أشبه بالأحداث والوقائع الّتي تكون قبيل الظهور.
 
- لعلامات الظهور فوائد متعدِّدة وكبيرة على مستوى حفظ المؤمنين في زمن الغيبة ومواجهة تحدّيات ذلك الزمان، وعلى مستوى جهوزيَّتهم واستعدادهم عند الظهور، وعدم تراخي الهمم وضعف العزيمة مع تطاول الزمن.
 
- قبيل الظهور تكون الأجواء العامَّة للمجتمعات فاسدة وظالمة، من جهات عدَّة.
 
- هناك العديد من العلامات والأحداث الّتي ستحصل قبيل الظهور، منها:
أ- حركات عسكريَّة: كخروج السفيانيّ، وخروج اليمانيّ، وإقبال الرايات السود من خراسان.
ب- أحداث محدَّدة: كقتل النفس الزكيَّة بين الركن والمقام.
ج- كوارث وأحداث طبيعيَّة: كخسف بالبيداء، وخسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وطلوع الشمس من المغرب.
 
- ويتمّ إعلان الظهور من خلال الصيحة في السماء.
 
 

233

الدرس السابع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (5) علامات الظهور

أسئلة

1- ما هي أقسام علامات الظهور؟

2- ما هي فوائد علامات الظهور؟

3- إلى أيِّ درجة يكون قد وصل الفساد والظلم قبيل الظهور؟

 

ضع علامة صحّ □  أو خطأ □ في المكان المناسب:

1- نزول المسيح عليه السلام يسبق ظهور المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف □.

2- لا تحدث علامات الظهور في لحظة واحدة □. 

3- قتل النفس الزكية من العلامات المحدّدة للظهور □.

4. بعض علامات الظهور جاء صريحاً وبعضها غير صريح □.

5. العلامات تنحصر فقط في منطقة الشرق الأوسط من العالم □.

 

 

234

الدرس السابع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (5) علامات الظهور

 للمطالعة

مناجاة الإمام الصادق عليه السلام للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
جاء في كتاب كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق رحمه الله، رواية عن سدير الصيرفي قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر، وأبو بصير، وأبان بن تغلب على مولانا أبى عبد الله الصادق عليه السلام فرأيناه جالساً على التراب وعليه مسح خيبري مطوق بلا جيب، مقصر الكمين، وهو يبكي بكاء الواله الثكلى، ذات الكبد الحرى، قد نال الحزن من وجنتيه، وشاع التغيير في عارضيه، وأبلى الدموع محجريه وهو يقول:
سيدي غيبتك نفت رقادي، وضيقت عليّ مهادي، وابتزت مني راحة فؤادي.
سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجايع الأبد وفقد الواحد بعد الواحد يفنى الجمع والعدد، فما أحس بدمعة ترقى من عيني وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا إلا مثل بعيني عن غوابر أعظمها وأفظعها، وبواقي أشدها وأنكرها ونوائب مخلوطة بغضبك، ونوازل معجونة بسخطك.
 
قال سدير: فاستطارت عقولنا ولهاً، وتصدعت قلوبنا جزعاً من ذلك الخطب الهائل، والحادث الغائل، وظننا أنه سمت لمكروهة قارعة، أو حلت به من الدهر بائقة، فقلنا: لا أبكى الله يا ابن خير الورى عينيك من أية حادثة تستنزف دمعتك، وتستمطر عبرتك؟ وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم؟.
 
قال: فزفر الصادق عليه السلام زفرة انتفخ منها جوفه، واشتد عنها خوفه، وقال: ويلكم، نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خص الله به محمداً والأئمة من بعده عليهم السلام ، وتأملت منه مولد غائبنا وغيبته وإبطاءه وطول عمره 
 
 

 


235

الدرس السابع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (5) علامات الظهور

وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان، وتولّد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته وارتداد أكثرهم عن دينهم، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله تقدس ذكره: ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا﴾[1]- يعني الولاية - فأخذتني الرقة، واستولت علي الأحزان[2].

 


 

[1] سورة الإسراء، الآية: 13.

[2] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص345.

 

236

الدرس الثامن عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (6) طول عمر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف

 الدرس الثامن عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (6) طول عمر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف


أهداف الدرس:
1- أن يتعرّف الطالب إلى إمكانيّة أن يطول عمر الإنسان.
2- أن يطّلع على نماذج من التاريخ في طول العمر.
 
 

237

الدرس الثامن عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (6) طول عمر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف

 تمهيد:

هناك العديد من الروايات الّتي ذكرناها سابقاً تحدَّثت عن طول غيبة الإمام المهديِّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، حتّى يصل إلى مستوى يُشكِّك الكثير من الناس في أصل وجوده أو في بقائه حيًّا طوال هذه المدّة.
 
وبعمليّة حسابيّة بسيطة، إذا لاحظنا تاريخ ولادة الإمام المهديِّ عجل الله تعالى فرجه الشريففي عام 255 هجريّ، نجد أنَّه عاش حتَّى الآن أكثر من ألف ومائة وخمسين عاماً, فهل يمكن أن يطول عمر إنسان إلى هذا الحدّ؟
 
طول العمر أمر ممكن
يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾[1] فما دمنا نتكلم عن أنَّ الله تعالى أراد للإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريفأن يغيب هذه الفترة الطويلة كلَّها فلا مجال للكلام عن عدم إمكانيَّة ذلك أو استحالته، بل الله قادر على ما يريد. وعنه عجل الله تعالى فرجه الشريف: "وأمَّا ظهور الفرج فإنَّه إلى الله"[2].
 
نماذج من التاريخ
إنَّ التساؤل عن إمكانيَّة أن يطول عمر الإنسان إلى هذا الحدِّ، والتشكيك بذلك، 
 
 

 
 
[1] سورة يس، الآية: 82.
[2] الشيخ الطوسي، الغيبة، ص 291.
 

238

الدرس الثامن عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (6) طول عمر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف

 يمكن أنْ يُشعرا الإنسان أنَّ طول عمر الإمام هو نموذج أوحد لا مثيل له في التاريخ، وحيث إنَّه لا مثيل له يمكن أنْ يحدث نوعاً من الصدمة أو التشكيك عند ضعاف النفوس، ولكن من المستغرب أنَّ التشكيك يحصل رغم وجود الكثير من النماذج الأكيدة لأشخاص كانت أعمارهم طويلة جداً، وردت في نصوص قرآنية أو في روايات مسلّمة، وسنذكر فيما يلي نموذجين:

أ- نوح عليه السلام:
يقول تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾[1]، فهذه السِّنون الطويلة من عمر نبيِّ الله نوح عليه السلام "ألف سنة إلّا خمسين عاماً"، هي جزء من عمره قضاها بعد أن أرسله الله تعالى لقومه إلى أن حصل الطوفان، وليس تمام عمره.
 
فإذا كان نبيُّ الله نوح تستوجب ظروفه أن يحيا هذا العمر كلّه، أفلا يستحقُّ تحقيق الوعد الإلهيّ بالنصر النهائيِّ، وتحقيق العدالة على الأرض، وغلبة جند الله، ورفعة دينه... كل ذلك ألا يستوجب المدَّ في عمر صاحب الزمان ليحقِّق هذا المشروع العظيم على يديه؟!
 
ب- الخضر عليه السلام:
من المعروف أنَّ الخضر عليه السلام من المعمَّرين، وأنَّ عمره تطاول لآلاف السنين، وفي رواية عن الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام قال: "إنَّ الخضر عليه السلام شرب من ماء الحياة فهو حيٌّ لا يموت حتَّى ينفخ في الصُّور، وإنَّه ليأتينا فَيُسَلِّمْ عليّنا، فَيُسْمَعُ صوته ولا يُرى شخصُه، وإنَّه ليحضر حيث ما ذكر، فمن ذكره منكم فليُسَلِّمْ عليه، وإنَّه ليحضر الموسم كل سنة، فيقضي جميع المناسك ويقف بعرفة، فيُؤَمِّن
 
 
 

 
 
[1] سورة العنكبوت، الآية: 14.
 

239

الدرس الثامن عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (6) طول عمر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف

على دعاء المؤمنين وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته"[1].

 

فالخضر عليه السلام لا زال حيَّاً حتَّى الآن وبالتالي فعمره حتَّى الآن أضعاف عمر الإمام المهديِّ عجل الله تعالى فرجه الشريف. وسيبقى حيًّا حتَّى يُنفخ في الصُّور. وتنقل لنا النصوص الشرعيَّة أحداثاً حصلت مع الخضر عليه السلام خلال هذه السنين المتطاولة، كالقصّة التي ينقلها القرآن الكريم عند لقائه لنبيِّ الله موسى عليه السلام، ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾[2] وكذلك ورد في الرواية عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام: "لَمَّا قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء الخضر عليه السلام فوقف على باب البيت وفيه عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد سُجِّيَ بثوبه فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمَّد ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾[3]، إنَّ في الله خلفاً من كلِّ هالك، وعزاءً من كلِّ مصيبة، ودركاً من كلِّ فائت، فتوكَّلوا عليه، وثقوا به، وأستغفر الله لي ولكم. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: هذا أخي الخضر عليه السلام جاء يعزِّيكم بنبيِّكم صلى الله عليه وآله وسلم "[4].

 

وتشير الروايات إلى وجود الارتباط الوثيق بين طول عمر الخضر عليه السلام وعمر الإمام المهديِّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، فعن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق عليه السلام أنه قال: "وأمَّا العبد الصالح الخضر، فإنَّ الله تبارك وتعالى ما طوَّل عمره لنبوَّة قدَّرها له، ولا لكتاب ينزله عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء، ولا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها، ولا لطاعة يفرضها له، بلى، إنّ الله تبارك

 

 

 

 


 

[1] الأصفهاني، محمّد تقي، مكيال المكارم، ج 1، ص 171.

[2] سورة الكهف، الآيتان: 65- 66.

[3] سورة آل عمران، الآية: 15.

[4] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص 391.

 

240

الدرس الثامن عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (6) طول عمر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف

وتعالى لمَّا كان في سابق علمه أن يقدِّر من عمر القائم ما يقدِّر من عمر الخضر وما قدَّر في أيّام غيبته ما قدَّر وعلم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طوَّل عمر العبد الصالح من غير سبب يوجب ذلك إلّا لعلَّة الاستدلال به على عمر القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف، وليقطع بذلك حجَّة المعاندين لئلَّا يكون للناس على الله حجَّة"[1].

 

النتيجة

إنَّ الإيمان بمقام الإمامة وكون الإمام مسدَّداً من قبل الله تعالى يؤدِّي دوره الاستثنائيّ الّذي أراده الله تعالى له، الإيمان بذلك لا يجتمع مع التشكيك به بسبب طول العمر أو غيرها من الأمور الّتي تعتبرعاديَّة بالنسبة إلى القدرة الإلهيَّة، والسنن التاريخيَّة. والتشكيك ينطلق من الاختلاف في موضوع الإمامة وعدم إيمان شريحة من الناس به. وأمَّا من يتَّبع منهج الإمامة فإنَّه سيجد نفسه في قضية الإمام المهديِّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وطول عمره منسجماً تماماً مع عقيدته وطموحاته وآماله والوعود القرآنيّة الّتي ينتظر تحقّقها.

 

 

 

 


 

[1] الأصفهاني، مكيال المكارم، ج 1، ص 171.

 

241

الدرس الثامن عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (6) طول عمر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف

 خلاصة الدرس

-إذا لاحظنا تاريخ ولادة الإمام المهديِّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في عام 255 هجري، نجد أنَّه عاش حتى الآن أكثر من ألف ومائة وخمسين عاماً, فهل يمكن أنْ يطول عمر إنسان إلى هذا الحدّ؟
 
يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾[1]. فمع إرادة الله تعالى لا مجال للكلام عن عدم إمكانيَّة ذلك أو استحالته، بل الله قادر على ما يريد.
 
- وهناك نماذج عديدة في التاريخ لأشخاص عُمِّروا عمراً طويلاً، منهم نبيّ الله نوح عليه السلام الذي أخبر القرآن الكريم عن مكثه "ألف سنة إلّا خمسين عاماً"، وهذا جزء من عمره 
وليس تمام عمره.
 
- من المُعَمَّرين الخضر عليه السلام فإنَّ عمره تطاول لآلاف السنين، وسيبقى حيّاً إلى أن يُنفخَ في الصُّور. وتشير الروايات إلى وجود الارتباط الوثيق بين طول عمر الخضر عليه السلام وعمر الإمام المهديِّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، وأنَّ طول عمر الخضر عليه السلام لم يكن لسبب يوجب ذلك إلّا لعلَّة الاستدلال به على عمر القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف.
 
- من يتَّبع منهج الإمامة سيجد نفسه في قضيَّة الإمام المهديِّ وطول عمره منسجماً تماماً مع عقيدته وطموحاته وآماله والوعود القرآنيّة التي ينتظر تحقّقها.
 
 
 

 
[1] سورة يس، الآية: 82.
 

242

الدرس الثامن عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (6) طول عمر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف

 أسئلة

1- كم يبلغ عمر الإمام المهديِّ عجل الله تعالى فرجه الشريف حتَّى الآن تقريباً؟
2- ما الدليل على إمكانيَّة أن يطول عمر الإنسان بهذا المقدار؟
3- ما مقدار الوقت الّذي مكثه نوح يدعو قومه؟ وهل يعبِّر هذا المقدار عن تمام عمره؟
 
ضع علامة صحّ □  أو خطأ  □ في المكان المناسب:
1- العلم ينفي إمكانية إطالة عمر الإنسان □.
2- ليس الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هو المعمّر الوحيد في هذا الكون □.
3- يرجع نسب السفياني إلى بني سفيان □.
4- ورد ذكر الخضر عليه السلام في روايات أهل البيت أنه ما زال حيّاً □.
5- يمكن أن يطول عمر الأنبياء أما غيرهم فلا □.
 

243

الدرس الثامن عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (6) طول عمر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف

 للمطالعة

 
الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وشبهه بالرسل
روى الشيخ الصدوق بسنده عن محمد بن مسلم الثقفي، قال: دخلت على أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد صلى الله عليه وعليهم، فقال لي مبتدئاً: "يا محمد بن مسلم إن في القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم شبهاً من خمسةٍ من الرسل: يونس بن متى، ويوسف بن يعقوب، وموسى، وعيسى، ومحمد، صلوات الله عليهم، فأما شبهه من يونس بن متى: فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن.
 
وأما شبهه من يوسف بن يعقوب عليهما السلام: فالغيبة من خاصته وعامته، واختفاؤه من إخوته وإشكال أمره على أبيه يعقوب عليهما السلام مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته.
 
وأما شبهه من موسى عليه السلام فدوام خوفه، وطول غيبته، وخفاء ولادته، وتعب شيعته من بعده مما لقوا من الأذى والهوان إلى أن أذن الله عز وجل في ظهوره ونصره وأيده على عدوه.
 
وأما شبهه من عيسى عليه السلام: فاختلاف من اختلف فيه، حتى قالت طائفة منهم: ما ولد، وقالت طائفة: مات، وقالت طائفة: قتل وصلب.
 
وأما شبهه من جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فخروجه بالسيف، وقتله أعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، والجبارين والطواغيت، وأنه ينصر بالسيف والرعب، وأنه لا تردُّ له راية"[1].
 
 

 
 
[1] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص327.
 

244

الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف

 الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف


أهداف الدرس:
1- أن يتعرّف الطالب إلى كيفية تقوية الارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
2- أن يتعرّف على معاني الدعاء له عجل الله تعالى فرجه الشريف وأسراره.
3- أن يدعو للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف بشكل دائم.
 
 

245

الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف

 تمهيد:

إن الارتباط بأئمة أهل البيت عليهم السلام ليس مجرد ارتباطٍ عاطفيّ أو وجدانيّ يندرج في إطار الحبّ والمودّة والتفاعل العاطفيّ أو النفسيّ. ولم يرد الله لنا أن تكون علاقتنا بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو بأئمّة أهل البيت عليهم السلام مجرّد علاقة حبّ ومودّة بقدر ما هي علاقة فكريّة وعقيديّة وعمليّة تتَّصل بما جعله الله لهم من موقع مقدّس في الإسلام والعقيدة ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ﴾.
 
على أن الارتباط بالإمام الحجّة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريفليس مجرّد ارتباط بفكرة عقيديّة غيبيّة بل بإنسان كامل حيٍّ جسداً وروحاً يعيش بيننا يرانا ونراه يعرفنا ولا نعرفه يسدّدنا ويوجّهنا إلى حيث مصلحتنا ومصلحة الأمّة وهو إمام الإنس والجنّ بل إمام الكون وقوامه، فلولا وجود الإمام لساخت الأرض بأهلها، فهو أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء كما ورد في الأحاديث المأثورة عنهم عليهم السلام وهذا يعني أنّ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف لو سحب ألطافه ولم يتدخّل في بعض الشؤون، ولم يعمل على رعاية الأُمّة وتسديدها في حركتها ومواقفها فالله وحده يعلم كيف سيصبح حال المجتمع الإسلاميّ وإلى أيّ درجة من الانحطاط والضياع يمكن أن يصل. لهذا علينا أن نحافظ على علاقة وصلة وثيقة بإمام زماننا عجل الله تعالى فرجه الشريف. وهناك الكثير من الأمور الّتي تقوّي أواصر العلاقة بإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ومنها الدعاء.
 
 

246

الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف

 وسنتحدّث هنا عن قسمين من الدعاء:

1- أ- الدعاء لمعرفته والثبات على ولايته، باعتباره حجّة الله تعالى على خلقه.
2- ب- الدعاء له عليه السلام لحفظه ونصرته.
 
وفي المجالين أدعية كثيرة نقتصر هنا على ذكر المختصر منها محيلين في غيره إلى المصادر المختصّة.
 
من أدعية الغيبة
1- عن الإمام الصادق عليه السلام: يا زرارة إن أدركت ذلك الزمان - زمان الغيبة - فأدم هذا الدعاء: "اللَّهمَّ عرّفني نفسك فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف رسولك، اللَّهمَّ عرّفني رسولك فإن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك، اللَّهمَّ عرّفني حجّتك فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني"[1].
 
2- دعاء الغريق: عن عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: ستصيبكم شبهة فتبقون بلا عَلَم يُرى وإمام هدى ولا ينجو إلّا من دعا بدعاء الغريق قلت: كيف دعاء الغريق؟ قال: يقول: "يا الله، يا رحمن يا رحيم، يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك"[2].
 
3- دعاء بعد كلّ فريضة في شهر رمضان: اللَّهمَّ أدخل على أهل القبور السرور...
 
4- دعاء العهد الصغير: عن الإمام الصادق عليه السلام: "من قرأ بعد كلّ فريضة هذا الدعاء فإنّه يراه عليه السلام في اليقظة أو في المنام".
 
5- دعاء العهد: وينبغي التنبيه على أنّ هذا الدعاء المتقدّم غير دعاء العهد المشهور وإن اشترك معه في أكثر ألفاظه. 
 
ولا يتسع المجال هنا لإيراد "دعاء العهد" 
 
 
 
 

 
[1] القمي، الشيخ عباس، منتهى الآمال، ج2، ص 866.
[2] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص 352.
 

247

الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف

 فنكتفي بالتأكيد على أهميّته حيث ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "من دعا بهذا الدعاء أربعين صباحاً كان من أنصار القائم عليه السلام وإن مات قبل ظهوره أحياه الله تعالى حتّى يجاهد معه ويكتب له بعدد كلّ كلمة ألف حسنة ويمحى عنه ألف سيئة"[1].

 
6- بعد صلاة الظهر: عن عبّاد بن محمد المدائنيّ قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام بالمدينة حين فرغ من مكتوبة الظهر وقد رفع يديه إلى السماء وهو يقول: "يا سامع كلّ صوت يا جامع كل فوت يا بارئ كل نفس بعد الموت يا باعث يا وارث يا سيد السادة يا إله الآلهة يا جبّار الجبابرة يا مالك الدنيا والآخرة.... اللَّهمَّ أيّده بنصرك وانصر عبده وقوّ أصحابه وصبَّرهم وافتح لهم من لدنك سلطاناً نصيراً وعجّل فرجه وأمكنه من أعدائك وأعداء رسولك يا أرحم الراحمين"[2].
 
7- بعد صلاة العصر: ورد في كمال الدين للشيخ الصدوق ما يشير إلى أن اسم هذا الدعاء هو: "دعاء في غيبة القائم"[3].
 
وقد أكّد السيّد ابن طاووس عليه الرحمة على أهميّة هذا الدعاء وقراءته بعد صلاة العصر من يوم الجمعة بشكل خاصّ قال رحمه الله:
إذا كان لك عذر عن جميع ما ذكرناه من تعقيب العصر يوم الجمعة فإيّاك أن تهمل الدعاء به فإنّنا عرفنا ذلك من فضل الله جلّ جلاله الّذي خصّنا به فاعتمد عليه[4].
 
1- دعاء الندبة: وهو مذكور في مختلف كتب الأدعية والمشهور أنه يقرأ كلّ يوم
 
 

 
 
 
[1] الأصفهاني، مكيال المكارم، ج 2، ص 234.
[2] الطبرسي، الميرزا النوري، النجم الثاقب، ص436.
[3] تجد الدعاء في كمال الدين، للشيخ الصدوق، ص 512.
[4] الشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني، منتخب الأثر، ص 505.
 

248

الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف

 جمعة... وأضاف المحدّث صاحب المستدرك في "تحيّة الزائر" استحباب قراءته في الأعياد الأربعة[1].

 
2- دعاء ليلة النصف من شعبان: وهي ليلة عظيمة تضاهي ليلة القدر... وقد ورد أنّ الله جعلها لأهل البيت عليهم السلام في مقابل ليلة القدر للمصطفى صلى الله عليه وآله وسلم[2].
 
هذه نماذج من الأدعية الكثيرة الواردة في هذا المجال الّتي ينبغي أن يفرد لها كتاب مستقلّ لكثرتها وأهميّتها.
 
الزيارة
ومن الأمور الّتي تقوّي العلاقة بصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف أيضاً الزيارة له، وقد ورد الحثّ عليها في الكثير من الموارد.
 
قال الكفعميّ رحمه الله: "يُستحبّ زيارة المهدي في كلّ مكان وزمان والدعاء بتعجيل فرجه صلوات الله عليه... "[3].
 
وزياراته عليه السلام أيضاً كثيرة نكتفي هنا بذكر بعضها مع الإشارة إلى بعضها الآخر:
1- زيارة بعد صلاة الفجر: أوردها السيّد الجليل ابن طاووس رضي الله عنه[4].
 
2- يوم الجمعة: أورد السيّد الجليل ابن طاووس عليه الرحمة هذه الزيارة للإمام المنتظر عليه السلام في يوم الجمعة[5].
 
3- زيارة سلام الله الكامل: قال المحقّق السيّد عليّ خان رضوان الله عليه: استغاثة إلى صاحب الزمان من حيث تكون تصلّي ركعتين بالحمد وسورة وقم مستقبل
 
 
 
 

 
[1] النوري، الميرزا حسين، تحية الزائر، ص 226.
[2] الكفعمي، مصباح المتهجّد، ص 762.
[3] الكفعمي، البلد الأمين، ص 309.
[4] حيدر الكاظمي، عمدة الزائر، ص359 -360.
[5] المحدث النوري، النجم الثاقب، ص 467.
 

249

الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف

 القبلة تحت السماء وقل: سلام الله الكامل التامّ الشامل الخ[1].

 
4- زيارة سلام على آل يس: وهي زيارة معروفة جدّاً كسابقتها ويُستفاد من كلام بعض أهل العبادة أنّ هاتين الزيارتين طريق إلى التشرّف بلقائه عليه السلام.
 
وهذه الزيارة موجودة في مفاتيح الجنان وقد ورد في روايتها قول الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف:
"إذا أردتم التوجّه بنا إلى الله تعالى وإلينا فقولوا: سلام على آل يس الخ"[2].
 
وهناك العديد من الزيارات في أماكن مشرفة وأوقات مباركة فلتطلب من مظانها.
 
الاستغاثة به
لا يوجد أيّ مانع شرعيّ يمنع من التوسّل إلى الله تعالى بنبيّه المصطفى وأهل بيته صلّى الله عليه وعليهم والاستغاثة بهم، فالغارق في بحار الذنوب لا يمكنه إلّا أن يلجأ إلى من أمر الله تعالى بالرجوع إليهم. وهذا مبدأ قرآنيّ واضح.
 
قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾[3].
 
البيعة
ورد استحباب تجديد بيعة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريفبعد كلّ صلاة من الصلوات الخمس أو في كلّ يوم أو في كلّ جمعة.
 
وبعض أدعية عصر الغيبة صريحاً في تجديد البيعة للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف...
 
 

 
[1] حيدر الكاظمي، عمدة الزائر، ص 131.
[2] م. ن، عمدة الزائر، ص 345.
[3] سورة النساء، الآية: 64.
 

250

الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف

 والفوائد العمليّة المترتّبة على هذه البيعة كثيرة منها:

 
أوّلاً: الشعور بالارتباط بالقائد الإلهيّ الّذي يشكّل امتداداً واضحاً لمسيرة الأنبياء والأوصياء عبر مراحل مختلف الأديان السماويّة... وهو وصيّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
 
ثانياً: إعطاء الارتباط بالفقيه الوليّ لأمر المسلمين البعد العقائديّ الصحيح... فمن الواضح أنّ المرتبط ببيعة للإمام المنتظر المدرك لمقتضيات هذه البيعة، سيكون شديد الصلة بنائبه الّذي أمر عليه السلام بالرجوع إليه في عصر الغيبة الكبرى.
 
ثالثاً: الحذر من الركون إلى الظالمين لأنّ من يبايع قائداً إلهيّاً أساس دعوته توحيد الله ونفي الآلهة المصطنعة... فسيشكّل ذلك حاجزاً نفسيّاً بينه وبين الطواغيت الّذين يعيثون في الأرض فساداً ويحكمون بغير ما أنزل الله تعالى.
 
كيف نجدّد البيعة؟
ورد في زيارة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف الواردة بعد صلاة الفجر في كلّ يوم: "اللَّهمَّ إنّي أجدّد له في هذا اليوم وفي كلّ يوم عهداً وعقداً وبيعة له في رقبتي"[1].
 
وورد في دعاء العهد المرويّ عن الإمام الصادق عليه السلام: "اللَّهمَّ إنّي أجدّد له في صبيحة يومي هذا وما عشت من أيّامي عهداً وعقداً وبيعة له في عنقي لا أحول عنها ولا أزول أبداً... اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه والذّابين عنه والمسارعين إليه في قضاء حوائجه والممتثلين لأوامره والمحامين عنه والسابقين إلى إرادته والمستشهدين بين يديه"[2].
 
أوقات تجديد البيعة
1- بعد صلاة الصبح.
 
 
 
 

 
[1] الشيخ عباس القمي، مفاتيح الجنان، ص 538.
[2] الأصفهاني، مكيال المكارم، ج 2، ص 236.
 

251

الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف

 2- بعد كلّ صلاة.

 
3- في يوم الجمعة الّذي يحظى بأهميّة خاصّة لتجديد البيعة فيه قال في مكيال المكارم: "ويُستحبّ تجديد العهد والبيعة له في كلّ جمعة نظراَ إلى ما قدّمناه من الرواية أنّ الملائكة يجتمعون في كلّ جمعة في البيت المعمور ويجدّدون عهد ولاية الأئمّة عليهم السلام... مضافاً إلى أنّ يوم الجمعة هو اليوم الّذي أخذ الله العهد والميثاق بولايتهم عليهم السلام من العالمين ومضافاً إلى مزيد اختصاص ذلك اليوم به صلوات الله وسلامه عليهم... "[1].
 
التبرّؤ من أعدائه
يتوقّف الالتزام بولايته عجل الله تعالى فرجه الشريف على التبرّؤ من أعدائه، وأعداؤه هم كلّ أعداء الله تعالى وأعداء رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من الكافرين والمشركين والمنافقين.
 
جاء في الحديث المرويّ عن جدّه صلى الله عليه وآله وسلم: "طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو مقتد به قبل قيامه يأتمّ به وبأئمّة الهدى من قبله ويبرأ إلى الله عزَّ وجلَّ من عدوهم، أولئك رفقائي وأكرم أمّتي عليّ"[2].
 
إنّ من شأن هذا التبرّؤ أن يحصّن المسلم من الخضوع للطواغيت فيصون بذلك دينه.
 
كما أنّ من شأنه أن يرفد الأمّة بروح جهاديّة معطاءة تحملها على المحافظة على شخصيّتها وثقافتها وعقيدتها.
 
وقد ورد عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام ما يوضح واجب المسلم في مثل هذه الحال في زمن الغيبة: عن جابر قال: دخلنا على أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليهما السلام ونحن جماعة بعدما قضينا نسكنا فودّعناه وقلنا له أوصنا يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال:
 
 
 
 

 
[1] لطف الله الصافي، منتخب الأثر، ص 511 وقد تقدم نقلاً عن كمال الدين وتمام النعمة.
[2] لطف الله الصافي، منتخب الأثر، ص 511 - 512.
 

252

الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف

 1- لِيُعِنْ قويُّكم ضعيفكم.

 
2- وليعطف غنيكم على فقيركم.
 
3- ولينصح الرجل أخاه النصيحة لنفسه.
 
4- واكتموا أسرارنا ولا تحملوا الناس على أعناقنا.
 
5- وانظروا أمرنا وما جاءكم عنّا فإن وجدتموه للقرآن موافقاً فخذوا به وإن لم تجدوه موافقاً فردّوه وإن اشتبه الأمر عليكم فقفوا عنده إلينا حتّى نشرح لكم من ذلك ما شرح لنا. وإذا كنتم كما أوصيناكم لم تعدوا إلى غيره (فمن) مات منكم قبل أن يخرج قائمناً كان شهيداً ومن أدرك منكم قائمنا فقُتل معه كان له أجر شهيدين ومن قتل بين يديه عدوّاً كان له أجر عشرين شهيداً[1].
 
إنّ التبرّؤ من أعداء وليّ الله معلم من معالم الولاء الحقيقيّ، وهو لا ينفك عن التواصي بالصبر الّذي يحدّد هذا الحديث الشريف أسسه.
 
القيام عند ذكر القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف
جاء في النجم الثاقب ما ترجمته:
من الآداب القيام تعظيماً عند سماع اسمه المبارك خصوصاً الاسم المبارك "القائم" كما هي سيرة أوليائه ومحبّيه في جميع البلاد من العرب والعجم.
 
فقد روي أنّ دعبل الخزاعيّ عندما أنشد الإمام الرضا عليه السلام قصيدته التائيّة ووصل إلى هذا البيت:
خروج إمام لا محالة قائم               يقوم على اسم الله بالبركات
 
نهض الإمام الرضا عليه السلام قائماً وأحنى رأسه المبارك ووضع يده اليمنى على رأسه وقال:
 
 
 
 

 
[1] لطف الله الصافي، منتخب الأثر، ص 511 - 512.
 

253

الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف

"اللَّهمَّ عجّل فرجه ومخرجه وانصرنا به نصراً عزيزاً"[1].

 

إحياء أمره بين الناس

لا بدّ من العمل لتعريف الناس بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وإحياء أمره بينهم وذلك عن طريق:

1- زيارة المجاهدين في مواقعهم الجهاديّة وغيرها وعيادة الجرحى منهم باعتبارهم جنوده عليه السلام وقد ورد عنهم عليهم السلام : "من لم يقدر على زيارتنا فليزر صالحي موالينا يُكتب له ثواب زيارتنا".

 

2- إقامة مجالس الدعاء والزيارة له عليه السلام خصوصاً دعاء الندبة.

 

3- إقامة الندوات والاحتفالات أو المشاركة بالحضور فيها.

 

4- نظم الشعر.

 

5- تأليف الكتب وكتابة المقالات.

 

6- الاهتمام بإحياء ليلة النصف من شعبان.

 

7- تعميم مظاهر الزينة والابتهاج في يوم مولده المبارك في 15 من شعبان.

 

8- الاهتمام بشؤون الفقراء والمحتاجين دائماً باسمه عليه السلام.

 

إلى غير ذلك من الأساليب الّتي تشترك جميعها في تحقيق هذا الهدف.

 

 

 

 


 

[1] منتهى الآمال، فارسي، ص 865 وتوجد تفاصيل أخرى في منتخب الأثر، ص 505 - 506.

 

254

الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف

خلاصة الدرس

- إنّ الارتباط بأئمّة أهل البيت عليهم السلام ليس مجرد ارتباطٍ عاطفيّ أو وجدانيّ يندرج في إطار الحبّ والمودة والتفاعل العاطفيّ أو النفسيّ، بل هي علاقة فكريّة وعقيديّة وعمليّة تتَّصل بما جعله الله لهم من موقع مقدّس في الإسلام والعقيدة.

 

- هناك قسمان من الدعاء:

أ- الدعاء لمعرفته والثبات على ولايته، باعتباره حجّة الله تعالى على خلقه.

ب- الدعاء له عليه السلام لحفظه ونصرته.

 

- قد ورد الحثّ على تجديد بيعة الإمام المهديّ عليه السلام بعد كلّ صلاة من الصلوات الخمس أو في كلّ يوم أو في كلّ جمعة.

 

- يتوقف الالتزام بولايته عليه السلام على التبرّؤ من أعدائه، وأعداؤه هم كلّ أعداء الله تعالى وأعداء رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من الكافرين والمشركين والمنافقين.

 

- لا بدّ من العمل لتعريف الناس بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وإحياء أمره بينهم.

 

أسئلة

1- ما هي أهم الأدعية في عصر الغيبة؟

2- ما هي أهم الآداب في عصر الغيبة؟

3. كيف نحيي أمره عجل الله تعالى فرجه الشريفبين الناس؟

 

ضع علامة صحّ □ أو خطأ □ في المكان المناسب:

1- الارتباط بالأئمة عليهم السلام ليس مجرّد ارتباط عاطفي.

2- من الزيارات المستحبة في عصر الغيبة زيارة آل ياسين. □

3- لا يمكن زيارة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف إلا عن وقوف. □

4- أوقات تجديد البيعة للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف بعد صلاة الصبح، بعد كل صلاة، وفي يوم الجمعة. □

5- تعتبر زيارة المجاهدين من إحياء أمر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف. □

 

 

255

الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف

 للمطالعة

روى الشيخ الصدوق بسنده عن أبي خالد الكابلي أنَّه قال:
دخلت على سيدي علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام فقلت له: يا ابن رسول الله أخبرني بالذين فرض الله عز وجل طاعتهم ومودتهم، وأوجب على عباده الاقتداء بهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال لي: يا كنكر[1] إن أولي الأمر الذين جعلهم الله عز وجل أئمة للناس وأوجب عليهم طاعتهم: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم الحسن، ثم الحسين ابنا علي بن أبي طالب، ثم انتهى الأمر إلينا. ثم سكت.
 
فقلت له: يا سيدي روي لنا عن أمير المؤمنين عليه السلام أن الأرض لا تخلو من حجة لله عز وجل على عباده، فمن الحجة والإمام بعدك؟ قال: ابني جعفر، واسمه في التوراة باقر، يبقر العلم بقراً، هو الحجة والإمام بعدي، ومن بعد محمد ابنه جعفر، واسمه عند أهل السماء الصادق، فقلت له: يا سيدي فكيف صار اسمه الصادق وكلكم صادقون؟ قال: حدثني أبي، عن أبيه عليهما السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فسموه الصادق، فإن للخامس من ولده ولداً اسمه جعفر يدعي الإمامة اجتراء على الله وكذباً عليه فهو عند الله جعفر الكذاب المفتري على الله عز وجل، والمدعي لما ليس له بأهل، المخالف على أبيه والحاسد لأخيه، ذلك الذي يروم كشف ستر الله عند غيبة ولي الله عز وجل.
 
ثم بكى علي بن الحسين عليهما السلام بكاء شديداً، ثم قال: كأني بجعفر الكذاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله، والمغيب في حفظ الله والتوكيل بحرم أبيه جهلاً منه بولادته، وحرصاً منه على قتله إن ظفر به، وطمعاً في ميراثه حتى 
 
 
 

 
[1] وهو لقب لأبي خالد الكابلي.
 

256

الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف

 يأخذه بغير حقه.

 
قال أبو خالد: فقلت له: يا ابن رسول الله وإن ذلك لكائن؟ فقال: إي وربي إنّ ذلك لمكتوب عندنا في الصحيفة التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . قال أبو خالد: فقلت: يا ابن رسول الله ثم يكون ماذا؟ قال: ثم تمتدّ الغيبة بولي الله عز وجل الثاني عشر من أوصياء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة بعده.
 
يا أبا خالد إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كلّ زمان، لأنَّ الله تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين 
بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف، أولئك المخلصون حقاً وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله عز وجل سراً وجهراً[1].
 
 

 
[1] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص320.
 

257
في رحاب سيرة أئمة أهل البيت