المقدمة
1
المقدمة
2
المقدمة
3
الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)
الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)
أهداف الدرس
1- أن يتبيّن الطالب مراحل حياة الإمام علي عليه السلام.
2- أن يميّز خصوصيّات مرحلة الإمام علي عليه السلام.
3- أن يتعرّف إلى إنجازات الإمام علي عليه السلام في عهد الخلفاء وأيّام حكمه.
4
الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)
الإمام عليّ عليه السلام في سطور
5
الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)
تمهيد:
6
الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)
شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للعباس ـ وكان من أيسر بني هاشم: إنّ أخاك أبا طالب كثير العيال فانطلق بنا فلنُخفّف عنه من عياله، آخذ منهم واحداً، وتأخذ واحداً فنكفيهما عنه، فوافق العباس, فانطلقا حتى أتيا أبا طالب، وفاتحاه بالأمر فوافق أبو طالب على هذا الاقتراح، فأخذ الرسول عليّاً فضمّه إليه، وأخذ العباس جعفراً، فلم يزل علي عليه السلام مع رسول الله في بيته حتى بعثه الله نبياً، فاتّبعه علي فأقرّ به وصدّقه[1].
7
الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)
نزل الوحي عليه صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله ما هذه الرنّة؟ فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلاّ أنّك لست بنبي ولكنّك لوزير وإنّك لعلى خير"[1].
8
الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)
لرسول دعوته العامة من خلال دعوته أهله وعشيرته، وهكذا كان أمر الله: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾[1].
فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم علياً عليه السلام بأن يعدّ وليمة غداء ويدعو خمسة وأربعين وجيهاً من وجهاء بني هاشم إليها وأن يعد طعاماً من اللحم مع اللبن... وبعد حضورهم في الموعد المحدّد وتناول طعامهم افتتح النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلمته قائلاً: "إنّي واللّه ما أعلم أنّ شاباً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه فأيّكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصييّ وخليفتي فيكم؟" قال هذه الكلمة ووقف قليلاً ليرى من يُجيب دعوته، وفي هذه الفترة ساد الحضور صمت عميق ممزوج بالحيرة والدهشة ناكسين رؤوسهم، وفجأة كسر علي عليه السلام ـ ولم يتعدّ عمره 14 عاماً[2] ـ ذلك الصمت ونهض ناظراً إلى الرسول، وقال: أنا يا رسول الله أكون وزيرك عليه، ثمّ مدّ يده للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليكون ذلك عهداً للتضحيات.
وفي هذه الأثناء أمر الرسول علياً بالجلوس وأعاد ما قاله صلى الله عليه وآله وسلم مرّة أُخرى، وأعاد علي عليه السلام إعلانه عن استعداده مرّة أُخرى، وأمره الرسول بالجلوس أيضاً، وفي المرّة الثالثة أيضاً لم يقم كما في السابق أحد سوى علي عليه السلام. فهو الوحيد الذي كان يقوم ويعلن عن حمايته عن هدف رسول الله المقدّس، وفي هذه اللحظات ضرب بيده على يد علي وقال في حقّه وبحضور وجهاء بني هاشم المقولة الشهيرة: "هذا عليٌّ أخي ووصيّي وخليفتي فيكم"[3].
[1] سورة الشعراء، الآيات: 214 - 216.
[2] يراجع: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج 13، ص 234و 235.
[3] الطبري، تاريخ الطبري، ج 2، ص 217, ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 2، ص 63, ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 13، ص 211.
9
الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)
10
الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)
ضمن آية على أنّه من الذين يضحّون بأنفسهم في سبيل الله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾[1]. قال المفسّرون: قد نزلت هذه الآية حول التضحية العظيمة لعلي عليه السلام ليلة المبيت[2].
11
الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)
واليهود والمتمرّدين، وقد شارك عليّ عليه السلام في ست وعشرين منها، ولم يشارك في غزوة تبوك للظروف الحرجة والحسّاسة التي كانت تُنذر بتدبير مؤامرة من قبل المنافقين عند غياب رسول الله عن مركز الحكومة الإسلامية، وبقي فيها بأمر من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وعلى سبيل المثال نعرض دور علي عليه السلام في ثلاث ساحات من ساحات الجهاد الكبيرة في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
12
الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)
د- الشجاعة الفريدة في غزوة أُحد: أُصيبت قريش أثر هزيمتها في بدر بإحباط نفسي شديد، ولأجل تعويض هذه الخسارة والهزيمة الكبيرة والأخذ بثأر قتلاها قرّروا أن يهاجموا المدينة بقوّات مجهّزة كبيرة. ونقل رجال رسول الله وعيونه في قريش قرارها حول هذا الموضوع، فشكّل صلى الله عليه وآله وسلم لجنة عسكرية لمواجهة العدو، واقترح بعض من المسلمين أنّه من الأفضل للجيش الإسلامي أن يواجه العدو خارج المدينة. وانطلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برفقة ألف مقاتل تاركاً المدينة متجهاً نحو شمالها، وتخلّف عنهم خلال المسير ثلاثمائة رجل من أتباع عبد الله بن أبيّ المنافق الشهير أثر تثبيطه وتحريضه لهم فتنزّل عدد القوات الإسلامية إلى سبعمائة مقاتل، وفي صباح اليوم السابع من شوال من السنة الثالثة للهجرة اصطفّ الجيشان متقابلين في وادي جبل أُحد. وقبل اندلاع الحرب درس نبي الإسلام (وبإلقاء نظرة عسكرية) ساحة الحرب وتفحّصها، وقد أثار انتباهه منفذ كان من الممكن أن ينفذ منه العدو ويهاجم المسلمين من الخلف، ولذلك وجّه شخصاً يُدعى عبد الله بن جبير مع خمسين رامياً وأقرّهم على تل حتى يمنعوا الاختراق المحتمل من ذلك المنفذ، وأمر صلى الله عليه وآله وسلم بأن لا يُترك ذلك المنفذ الحسّاس بأي حال من الأحوال سواء انتصر المسلمون أم انهزموا.
13
الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)
وانهزم المسلمون، واستشهد حوالي سبعين مقاتلاً من بينهم: حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير، وكتب ابن الأثير في تاريخه: "... أبصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم جماعة من المشركين، فقال لعلي: احمل عليهم ففرّقهم وقتّل فيهم، ثمّ أبصر جماعة أُخرى فقال له: احمل عليهم، فحمل عليهم وفرّقهم وقتل فيهم، فقال جبرائيل: يا رسول الله هذه المواساة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "إنّه منّي وأنا منه" فقال جبرائيل: وأنا منكما، قال فسمعوا صوتاً يقول: "لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ علي"[1].
14
الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)
الأقوياء والشجعان لاختراق الخندق وبشكل ينكسر فيه حاجز الحرب المعلّقة، ومن هنا حاول خمسة أبطال من جيش الأحزاب استعراض قوّتهم بخيولهم حول الخندق واخترقوه من خلال منفذ ضيّق وصاروا إلى جانبه الآخر وطلبوا المبارزة
15
الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)
لأكره ان أقتل مثلك وكان أبوك لي نديماً، فارجع فأنت غلام حَدَث... قال علي عليه السلام: "فأنا أُحبّ أن أقتلك".
16
الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)
خلاصة الدرس
17
الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)
أسئلة
18
الدرس الأول: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (1)
للمطالعة
19
الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)
الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)
أهداف الدرس:
1- أن يتعرّف الطالب إلى دور الإمام علي عليه السلام في مرحلة الخلفاء.
2- أن يتعرَّف الطالب إلى ظروف تسلّم الإمام علي عليه السلام للخلافة فعلياً.
3- أن يعرف الملامح العامة لدولة الإمام علي عليه السلام.
4- أن يحلِّل أسباب ونتائج معارك الإمام علي عليه السلام الثلاث.
20
الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)
وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقضية الخلافة:
21
الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)
ويذكر الإمام علي عليه السلام في خطبة الشقشقية هذا المفترق الصعب والحسّاس والخيارين المصيريّين وسبب اختياره للخيار الثاني بهذا النحو: "فَسَدَلْتُ دُونَها ثَوْباً، وَطَوَيْتُ عَنْها كَشحاً، وطَفِقْتُ أرتَئي بَين أن أصولَ بيد جَذّاء، أو أصْبِرَ على طَخية عمياء، يَهْرَمُ فيها الكَبير وَيشيبُ فيها الصَغير، ويَكْدَحُ فيها مؤمِنٌ حَتّى يَلقى ربَّهُ، فَرَأيْتُ أنَّ الصَّبرَ على هاتا أحجى، فصبرتُ وفي العَيْنِ قَذى وَفي الحَلْقِ شَجى، أَرى تُراثي نَهباً"[1].
دور أمير المؤمنين عليه السلام في زمن الخلفاء
تركّزت نشاطات الإمام في هذه الفترة على الأُمور التالية:
1- الإجابة عن شبهات وتساؤلات علماء الأديان العالمية لا سيما اليهود والنصارى منهم الذين كانوا يتوافدون إلى المدينة للبحث والاستقصاء حول دين النبي بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم وما كانوا يجدون من يجيب عن تساؤلاتهم سوى الإمام علي عليه السلام الذي بدت معرفته بالتوراة والإنجيل واضحة من خلال كلامه معهم. ولولا أنّ علياً ملأ هذا الفراغ لكان المجتمع الإسلامي يغطّ في انتكاسة كبيرة. وعندما كان الإمام يُقدّم أجوبة مفحمة عن جميع الشبهات والتساؤلات كان الفرح والإعجاب الكبير يغمران الجالس خليفة في مكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - بيان الحكم الشرعي للمواضيع المستحدثة - والتي لم يكن لها سابقة في الإسلام - أو للقضايا المعقّدة والغامضة بحيث يعجز القضاة عن الحكم فيها. وتُشكّل هذه النقطة جانباً هامّاً من حياة الإمام، فلو لم تكن هناك شخصية كالإمام علي عليه السلام بين الصحابة، تلك الشخصية التي هي أعلم الأُمّة بشهادة واعتراف الرسول الكريم وأعرفها بأُصول القضاء والتحكيم لظلّت هناك قضايا كثيرة عالقة من صدر الإسلام بلا حلول.
[1] نهج البلاغة، الخطبة: 3.
22
الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)
- عندما كانت الخلافة تصل إلى طريق مسدود في القضايا السياسية وبعض القضايا والمشاكل الأُخرى كان الإمام عليه السلام المستشار الوحيد والمعتمد الذي يُعالج المشاكل بموضوعية وحلول واضحة، وقد جاء بعض الاستشارات في نهج البلاغة وكتب التاريخ. ويشهد التاريخ بأنّ أبا بكر وعمر كانا يراجعان الإمام في القضايا السياسية والدينية وتفسير القرآن والأحكام الفقهية للإسلام طيلة فترة خلافتهما وكانا يستفيدان من استشارته وإرشاداته وعلمه بأُصول الدين وفروعه، ونورد بعض الأمثلة من ذلك ممّا سجلته كتب التاريخ:
3- كان الإمام مستشاراً هاماً في معالجة كثير من المشاكل السياسية والعلمية والاجتماعية في زمن الخليفة الثاني. وسنشير إلى مثال واحد من مجموع المرّات العديدة التي استعان الخليفة الثاني فيها بفكر الإمام في القضايا السياسية. وقعت في السنة الرابعة عشرة من الهجرة حرب طاحنة بين جيش الإسلام وجيش الفرس في القادسية، وانتهت بانتصار المسلمين وقتل "رستم فرّخ زاد" القائد العام للقوات الفارسية مع مجموعة من المقاتلين، وانضمّ بهذا الانتصار جميع أرجاء العراق إلى لواء الإسلام واستولى المسلمون على المدائن التي كانت مركزاً للملوك الساسانيين وتراجع قادة الجيش الفارسي إلى داخل أراضيهم.
وخشي المستشارون والعسكريون الفرس من أن يزحف الجيش الإسلامي إلى داخل أراضيهم ويستولي على جميع أرجاء البلاد بالتدريج. ولأجل مواجهة هذا النوع من الهجوم الخطير أعدَّ "يزدجرد" ملك فارس جيشاً قوامه مائة وخمسون ألف مقاتل بقيادة "فيروزان" حتى يصدّ أي هجوم مفاجئ، وإذا ساعدت الظروف يبدأ هو بالهجوم. وكتب سعد بن أبي وقاص القائد العام للقوات الإسلامية رسالة إلى عمر يُطلعه فيها على احتشاد العدو واستعداده واقترح مباغتة العدو بالحرب لإرعابه.
دخل الخليفة المسجد واستدعى كبار الصحابة، وأطلعهم على ما ينويه من ترك
23
الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)
المدينة والانطلاق نحو مكان بين البصرة والكوفة ليقود الجيش من هناك، فقام طلحة في هذه الأثناء وشجّع الخليفة على ذلك وقال كلاماً تفوح منه رائحة التملّق جيداً، ثمّ قام عثمان بعد ذلك ولم يكتف بحثّ الخليفة على الانطلاق فقط، بل أضاف أن اكتب إلى جيش الشام واليمن بأن ينطلقوا جميعاً ويلحقوا بك حتى يمكنك من مواجهة العدو بهذا الجيش الكبير. وحينئذ قام أمير المؤمنين عليه السلام وقال: "إنّ هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلّة وهو دين الله الذي أظهره وجنده الذي أعدّه وأمدّه حتى ما يبلغ وطلع حيثما طلع ونحن على موعود من الله واللّه منجز وعده وناصر جنده، ومكان القيّم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمّه، فإذا انقطع النظام تفرّق الخرز وذهب ثمّ لم يجتمع بحذافيره أبداً، والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالاجتماع، فكن قطباً واستدر الرحى بالعرب وأصلهم دونك نار الحرب، فإنّك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك ممّا بين يديك".
24
الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)
من الخلافة إلى الشهادة
25
الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)
أصحاب الثورة يراجعون الإمام غير أنّه كثيراً ما كان يُبعد نفسه عن الأنظار، وحيث إنّهم كانوا يطالبونه بقبول بيعتهم وهو ما يزال يرى الظروف غير مناسبة لقبول الخلافة وأنّ الحجّة لم تتم عليه بهذا الاقتراح قال: "دعوني والتمسوا غيري فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول، وإنّ الآفاق قد أغامت والحجّة قد تنكّرت، واعلموا أنّي وإن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلّي أسمعكم وأطوعكم لمن ولّيتموه أمركم، وأنا لكم وزيراً خيرٌ لكم منّي أميراً"[1]. وحيث قد كثر توافد المسلمين على الإمام عليه السلام وازدحامهم عليه واكتظّت داره بهم وازداد إصرارهم عليه، تنفيساً عن عناء الاضطهاد السابق وشوقاً إلى العدالة، شعر بالمسؤولية ولم ير بدّاً من قبول البيعة. وقد ذكر الإمام عليه السلام شغف الناس وإقبالهم وإصرارهم على بيعته في عدّة مواضع من نهج البلاغة والتي منها: "فتداكّوا عليّ تداك الإبل الهيم يوم وردها، وقد أرسلها راعيها وخلعت مثانيها حتى ظننت أنّهم قاتلي أو بعضهم قاتل بعض ولدي"[2].
26
الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)
عليّ من كلّ جانب حتى لقد وطئ الحسنان[1]، وشق عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم، فلمّا نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أُخرى وقسط آخرون، كأنّهم لم يسمعوا كلام الله سبحانه يقول: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾. بلى واللّه لقد سمعوها ووعوها، ولكنّهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها، أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز"[2].
27
الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)
والبساطة في الحياة، كما كان يوصي عمّاله بالاعتدال والعزوف عن زخارف الدنيا وزبرجها. وهذه الخصوصية أي عزوفه عن زخارف الدنيا هي من أبرز خصائصه الذاتية وسيرة حكمه.
28
الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)
القتال في ثلاث جبهات
29
الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)
بين الجميع، وبعد ذلك خرج بعض من المسلمين الذين كانوا في صف الإمام عليه وانتقدوه لقبوله التحكيم الذي فرضوههم أنفسهم عليه. وقد حدث قتال القاسطين عام 37 هجرية.
30
الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)
خلاصة الدرس
31
الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)
أسئلة
32
الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)
للمطالعة
33
الدرس الثاني: الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام (2)
فترات متعدّدة متواكبة مع النجاح الكاسح في المجال الأيديولوجي والعقيدي المندمج في مئات الأساليب المتناسقة المكلّلة بآلاف الأكاليل من الإخلاص والتضحية[1].
[1] الإمام السيد علي الخامنئي، الإمام الصادق عليه السلام، ص 21.
34
الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام
الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام
35
الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام
الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام في سطور
36
الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام
تمهيد:
37
الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام
ودعا الناس إلى بيعته فاستجابوا وبايعوه قائلين "ما أحبّه إلينا وأحقّه بالخلافة"[1]. وينقل ابن أبي الحديد أنه: "كان عدد المبايعين له أكثر من أربعين ألفاً"[2].
38
الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام
يعارض حكومة أمير المؤمنين العادلة ويثبط المسلمين عن الاصطفاف في جيش علي لمحاربة الناكثين، غير أنّه ورغم ذلك استطاع أن يعبّئ جيشاً تعدّى التسعة آلاف مقاتل وبعث بهم إلى ساحة القتال[1].
39
الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام
لضرب الإسلام ضربة انتقامية كبيرة كي تأمن سطوته وسلطته. وعندما وصل نبأ اصطفاف جيشي الإمام الحسن ومعاوية أحدهما في وجه الآخر إلى قادة الروم، راحوا يعتقدون أنّهم حصلوا على أفضل فرصة ممكنة لتحقيق أهدافهم، ولذلك انطلقوا بجيش جرّار للهجوم على العالم الإسلامي لينتقموا من المسلمين. وكتب اليعقوبي المؤرّخ المعروف: ورجع معاوية إلى الشام سنة 41 وبلغه أنّ طاغية الروم قد زحف في جموع كثيرة وخلق عظيم، فخاف أن يشغله عمّا يحتاج إلى تدبيره وأحكامه، فوجه إليه فصالحه على مائة ألف دينار[1].
40
الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام
أمر الإمام الحسن أن يجتمع الناس في مسجدها، ثمّ خطب خطبة وبعد أن أنهى خطبته المثيرة الجهادية، لزم الجميع الصمت ولم يستجب له أحد منهم ولا أيّدوه بكلمة. ويدلّ هذا الأمر على مدى الخذلان والتثاقل الذي وصل إليه أهالي العراق آنذاك حيث خمدت في نفوسهم نار الحماس والجهاد ولم يكونوا على استعداد لخوض القتال.
وأخيراً، وبعد خطب بعض أصحاب الإمام الحسن عليه السلام الكبار ومحاولاتهم لتعبئة القوات وحثّ الناس على القتال، انطلق الحسن مع نفر قليل من الكوفيين متّجهاً نحو مكان يدعى "النُّخيلة" وعسكر هناك، وبعد انتظار لتعزيز القوات طال عشرة أيام اجتمع في معسكره أربعة آلاف مقاتل. ولأجل ذلك اضطر الإمام للعودة إلى الكوفة للمحاولة مرة أُخرى لتعبئة قوات أكثر[1].
4- المجتمع المتناقض: مضافاً إلى ذلك لم يكن المجتمع العراقي في تلك الفترة مجتمعاً مترابطاً ومتّحداً يسوده الانسجام، بل كان مؤلّفاً من شرائح وتيارات عديدة متناقضة بينها لا يجمعها أي تفاهم وتنسيق، فقد كان هناك أنصار الحزب الأموي الخطير، والخوارج الذين يوجبون محاربة الفريقين، والمسلمون الموالي الذين وفدوا إلى العراق من مناطق أُخرى حيث قد بلغ عددهم العشرين ألفاً، وأخيراً جماعة شكّاكون بلا عقيدة ثابتة يتأرجحون بين تأييد هذا التيار وذاك. هؤلاء جميعاً شكّلوا المجتمع العراقي في تلك الفترة، هذا مضافاً إلى تلك الشريحة التي تشايع خط أمير المؤمنين وأهل البيت[2].
5- جيش متفكّك: وقد انعكست طبعاً ظاهرة التعدّدية العقائدية والتباين الفكري والتفكّك على جيش الإمام الحسن عليه السلام أيضاً وجعلت منه جيشاً لا يتمتع
[1] آل ياسين، صلح الحسن، ص 102.
[2] م. ن، ص 68 - 74.
41
الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام
بالانسجام والتماسك، ولذلك كان من غير الممكن الاعتماد على هذا الجيش في مواجهة العدو الخارجي. وهكذا كان جيش الإمام الحسن يفتقد الوحدة والانسجام الضروريين في مواجهة عدو قوي كمعاوية.
42
الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام
الإسلامي وظروفه ويهمه مصالح الأُمّة[1].
6- شراء الضمائر والمؤامرات الغادرة: لقد قام معاوية بشراء ضمائر ضعاف النفوس من جيش الإمام عليه السلام كما حصل مع عبيد الله بن عباس حيث انشق مع ثمانية آلاف مقاتل من جيش الإمام عليه السلام، وراح معاوية وبدافع اختراق جيش الإمام الحسن وبث روح الفرقة والأراجيف من خلال جواسيسه ومرتزقته يشيع بين جيش الإمام أنّ قيس بن سعد قد صالح معاوية، ويشيع في جيش قيس أيضاً أنّ الحسن بن علي صالح معاوية هو الآخر. وقد وصل بهم الأمر إلى أن أرسل معاوية عدّة ممن عُرفوا بحسن الظاهر لدى الناس للقاء الإمام الحسن فالتقوا به في معسكر المدائن، وبعد أن خرجوا من خيمته راحوا ينادون بصوت عال: إنّ الله قد حقن بابن رسول الله الدماء وسكن الفتنة وأجاب إلى الصلح. فصدّقهم الناس وكانوا يثقون بهم ولم يحاولوا استقصاء الحقيقة، فتمرّدوا على الإمام، وهاجموا خيمته وسلبوا ما فيها، ثمّ تفرّقوا بعد أن حاولوا قتله.
رأي الإمام حول دوافع الصلح:
وردّاً على اعتراض أحدهم على صلحه وضع الإمام يده على هذه الحقائق المريرة، ووضّح دوافع مبادرته هذه بالنحو التالي: "والله ما سلمت الأمر إليه، إلاّ أنّي لم أجد أنصاراً، ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه، ولكنّي عرفت أهل الكوفة وبلوتهم، ولا يصلح لي منهم من كان فاسداً، إنهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا في فعل، إنّهم لمختلفون يقولون لنا إنّ قلوبهم معنا وإنّ سيوفهم لمشهورة علينا"[2].
[1] ولهذا السبب ألف عدّة من المؤرّخين المسلمين القدماء كتباً تحت عنوان ـ قيام الحسن ـ ومنها الكتابان التاليان:
أ: قيام الحسن عليه السلام، تأليف هشام بن السائب الكلبي (المتوفّى 205هـ).
ب: قيام الحسن عليه السلام، تأليف إبراهيم بن محمد الثقفي (المتوفّى عام 283هـ). (امام در عينيّت جامعه، محمد رضا الحكيمي، ص 171).
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 44، ص 147, الطبرسي، الاحتجاج، ص 157.
43
الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام
وقد خطب الإمام ـ و كان مستاء ومتأثّراً من تثاقل أصحابه وتخاذلهم ـ خطبة قال فيها: "يا عجباً من أُناس لا دين لهم ولا حياء، ويلكم والله انّ معاوية لا يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي، وإنّي إن وضعت يدي في يده فأُسالمه لم يتركني أدين لدين جدي صلى الله عليه وآله وسلم ، وإنّي أقدر أن أعبد الله عزّ وجلّ وحدي، وأيم الله لا رأيتم فرجاً ولا عدلاً أبداً مع ابن آكلة الأكباد وبني أُميّة وليسومنّكم سوء العذاب، وكأنّي أنظر إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم يستسقونهم ويستطعمونهم بما جعله الله لهم فلا يسقون ولا يطعمون، ولو وجدت أنصاراً في قتال أعداء الله لما سلّمت الخلافة لمعاوية، لأنّها تحرم على بني أُميّة"[1].
معاهدة الصلح وأهداف الإمام عليه السلام
عندما ارتأى الإمام الحسن أنّ الحرب تتعارض مع المصالح العليا للمجتمع الإسلامي والحفاظ على كيان الإسلام ودخل في السلم اضطراراً للظروف العصيبة التي أُشير إليها تفصيلاً مسبقاً، بذل قصارى جهده لضمان تحقيق أهدافه العليا والمقدّسة بأقصى ما يمكن من خلال هذا الصلح بطريقة سلمية.
ومن ناحية أُخرى ولأنّ معاوية كان مستعدّاً لأن يُقدّم أي نوع من الامتيازات والتنازلات للدخول في السلم وتسلم السلطة، لدرجة أنّه أرسل صحيفة بيضاء مختومة إلى الإمام كتب فيها: أن اشترط في هذه الصحيفة ما شئت فهي لك[2]، استغل الإمام هذه الفرصة فكتب في معاهدة الصلح جميع القضايا الهامة والحسّاسة ذات الأولوية التي تمثّل مبادئه الكبيرة، وطلب من معاوية الالتزام بما جاء فيها.
ويمكننا حصر نص المعاهدة في خمسة بنود:
[1] العلامة المجلسي، جلاء العيون، ج 1، ص 345 - 346.
[2] ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 3، ص 405, ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب ـ في هامش ابن حجر، الإصابة، ج 1، ص 371 , تاريخ الطبري، ج 6، ص 93.
44
الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام
البند الأوّل: تسليم الأمر ـ الخلافة ـ إلى معاوية على أن يعمل بكتاب الله وسنّة رسوله.
البند الثاني: أن تكون للحسن الخلافة من بعده، فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين، وليس لمعاوية أن يعهد بها إلى أحد.
البند الثالث: أن يترك سبّ أمير المؤمنين والقنوت عليه في الصلاة، وأن لا يذكر علياً إلاّ بخير.
البند الرابع: استثناء ما في بيت مال الكوفة وهو خمسة ملايين درهم وتكون بحوزة الإمام الحسن، وأن يفضّل بني هاشم في العطاء والصلات على بني أُمية، وأن يفرّق في أولاد من قتل مع أمير المؤمنين يوم الجمل وصفين مليون درهم، وأن يجعل ذلك من خراج دار أبجرد[1].
البند الخامس: الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وأن يؤمن الأسود والأحمر، وأن يحتمل معاوية ما صدر من هفواتهم، وأن لا يتبع أحداً بما مضى، وأن لا يأخذ أهل العراق بأحنة وحقد، وعلى أمان أصحاب علي حيث كانوا، وأن لا ينال أحداً من شيعة علي بمكروه، وأنّ أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وأن لا يتعقّب عليهم شيئاً ولا يتعرّض لأحد منهم بسوء، ويوصل إلى كلّ ذي حقّ حقّه، وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت الرسول غائلة سراً ولا جهراً،
ولا يخيف أحداً منهم في أُفق من الآفاق.
فكتب معاوية جميع ذلك بخطّه وختمه بخاتمه، وبذل عليه العهود المؤكّدة
[1] دار ابجرد هي إحدى المدن الخمس في ولاية فارس قديماً (لغتنامه دهخدا، كلمة دار أبجرد). ولعلّ اختيار خراج دار ابجرد كان بسبب ـ ووفقاً للوثائق التاريخية ـ انّ أهلها استسلموا طوعاً بلا قتال للجيش الإسلامي وصالحوه ويختص خراجها كما أمر الإسلام بالرسول وأهل بيته واليتامى والمساكين وابن السبيل، لذلك شرط الإمام أن يدفع إلى عوائل شهداء الجمل وصفين من خراج هذه المدينة، لأنّ دخلها يختص بالإمام، مضافاً إلى ذلك انّ الفقراء من عوائل الشهداء كانوا المستحقين لهذا الخراج، العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 44، ص 10.
45
الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام
والأيمان المغلّظة، وأشهد على ذلك جميع رؤساء أهل الشام[1].
وهكذا تتحقّق نبوءة نبي الإسلام التي أطلقها عندما شاهد الحسن بن علي وهو لم يزل طفلاً من على منبره وقال: "هذا ابني سيد، ولعلّ الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"[2].
الاجتماع في الكوفة: دخل الجانبان الكوفة بقواتهما بعد إبرام معاهدة الصلح، واجتمعوا في مسجدها الكبير. والناس كانوا ينتظرون أن يتم التأكيد على بنود المعاهدة من خلال خطب قائدي الفريقين بمرأى ومسمع منهم حتى لا يبقى مجال للشك والترديد في تطبيقها. ولم يكن هذا التوقّع في غير محلّه فإنّ إيراد الخطبة كان جزءاً من الصلح، ولذلك ارتقى معاوية المنبر وخطب خطبة غير أنّه ليس فقط لم يؤكد على بنود المعاهدة، بل قال مستخفّاً ومستهتزئاً: أتروني قاتلتكم
على الصلاة والزكاة والحج وقد علمت أنّكم تصلّون وتزكّون وتحجّون! ولكنّي قاتلتكم لأتأمّر عليكم وألي رقابكم. ثمّ
قال: ألا وإنّ كلّ شرط وشيء أعطيت الحسن بن علي تحت قدمي هاتين[3]. وهكذا داس معاوية كلّ ما تعهد به وشرطه ونقض معاهدة الصلح علانية.
جرائم معاوية: وتبعاً لهذه السياسة لم يكتف معاوية بعدم إجراء تعديل على طريقته هذه في التعامل فقط، بل ازداد طغياناً وإجراماً أكثر من السابق، فقد أشاع بدعة سب أمير المؤمنين وهتك حرمة ساحته المقدّسة أكثر ممّا مضى، وضيّق الخناق على الشيعة وأصحاب علي الكبار الأوفياء لدرجة كبيرة، وقتل شخصية بارزة كحجر بن عدي وجماعة آخرين من الشخصيات الإسلامية الكبيرة، وتصاعد
[1] يراجع تفصيل معاهدة الصلح في: الشيخ راضي آل ياسين، صلح الحسن عليه السلام، ص 259 - 261.
[2] وقد روى هذا الخبر باختلاف يسير عن النبي في الكتب التالية: سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص 194, ابن الأثير، أُسد الغابة، ج 2، ص 12, الشبلنجي الشافعي، نور الأبصار، ص 121, ابن الصباغ، الفصول المهمة، ص 158, ابن حجر، الإصابة، ج 1، ص 330, ابن حجر، تهذيب التهذيب، ج 2، ص 298, ابن حجر العسقلاني، الصواعق المحرقة، ص 82, ابن كثير، البداية والنهاية: ج 8، ص 36
[3] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 16، ص 15, أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص 45, الشيخ المفيد، الإرشاد، ص 191. قال أبو الفرج: خطب هذه الخطبة قبل دخول الكوفة.
46
الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام
القتل والتنكيل والاضطهاد لشيعة علي حتى أصبح الشيعة بشكل عام إمّا سجناء أو مفقودين أو مشرّدين بعيداً يعيشون في أجواء يسودها الرعب والخوف.
أسباب الصلح في الروايات
إنّ الروايات التي تعرّضت لصلح الإمام الحسن عليه السلام مع معاوية قد نستفيد من أكثرها أنّ هذه الخطوة الدقيقة والخطيرة التي قام بها الإمام عليه السلام لم تكن واضحة لدى أذهان أكثر الناس ما شكلّ ضبابيّة في فهم موقفه عليه السلام. وهذه الروايات يمكن تقسيمها إلى قسمين:
الأوّل: روايات تؤكّد على أنّ الصلح له مصلحة عظيمة ومهمّة من دون ذكر الأسباب أو الدّواعي لهذا الصُّلح.
منها: الرِّواية عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "يا سدير اذكر لنا أمرك الذي أنت عليه فإنّ كان فيه إغراق كففناك
عنه، وإن كان مقصّراً أرشدناك".
إلى أن قال عليه السلام: "أمسك حتّى أكفيك، إنّ العلم، الذي وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند عليّ عليه السلام، من عرفه كان مؤمناً ومن جحده كان كافراً ثمّ كان من بعده الحسن عليه السلام قلت: كيف يكون بتلك المنزلة، وقد كان منه ما كان دفعها إلى معاوية؟ فقال: اسكت فإنّه أعلم بما صنع، لولا ما صنع لكان أمر عظيم"[1].
الثاني: روايات تؤكّد على أهمّية الصلح وتذكر الأسباب الداعية إليه.
منها: الرواية المرويّة عن نفس الإمام المجتبى عليه السلام عن أبي سعيد قال: قلت للحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام: يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمَ داهنت معاوية وصالحته، وقد علمت أنّ الحقّ لك دونه وأن معاوية ضالّ باغٍ؟
فقال عليه السلام: "سخطتم عليّ بجهلكم بوجه الحكمة فيه ولولا ما أتيت لما تُرك من شيعتنا على وجه الأرض أحدٌ إلا قُتل"[2].
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 44، ص 1.
[2] م. ن.
47
الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام
خلاصة الدرس
- إنّ الظروف الصعبة التي أحاطت بالإمام المجتبى عليه السلام جعلت من محطّات حياته ودراستها أمراً يحتاج إلى كثير من الدقة.
- كان الإمام عليه السلام كما يقول السيوطي له مناقب كثيرة رشيداً حليماً، ذا سكينة ووقار وحشمة، جواداً ممدوحاً واشتهر بسخائه النادر...
- شارك عليه السلام في حرب الجمل وحرب صفين.
- من دوافع الصلح الذي عقده بينه وبين معاوية:
1- الوضع السياسي الخارجي، حيث كان الروم يتحيّنون الفرصة لضرب الإسلام، وتأزم الوضع الداخلي وإشعال حرب داخلية كان من الممكن أن تساعدهم على ذلك.
2- الشعور بضرورة تهدئة الوضع الداخلي، بعد أن أنهك المسلمون بحروب الجمل وصفين والنهروان، فكان لا بدّ من المهادنة نوعاً ما.
3- عدم ترابط وتكاتف المجتمع العراقي آنذاك.
4- التباين الفكري والعقائدي بين أفراد جيش الإمام عليه السلام.
5- ضعف النفوس التي استطاع معاوية استغلال أصحابها وثنيهم عن الاستمرار خلف الإمام عليه السلام.
أهم بنود الصلح:
الأول: تسليم الأمر لمعاوية على شرط العمل بكتاب الله وسنة رسوله.
الثاني: أن تكون الخلافة للحسن من بعده.
الثالث: أن يترك سب الأمير عليه السلام.
الرابع: إعطاء الأمان للموالين والعلويين.
48
الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام
أسئلة
1- إشرح بإيجاز الظروف التي كانت محيطة بتسلم الإمام الحسن عليه السلام للخلافة.
2- ما هي أهمّ الأسباب التي دعت الإمام عليه السلام لإجراء الصلح؟
3- ما هي أهمّ بنود الصلح؟
ضع علامة صحّ □ أو خطأ □ في المكان المناسب:
1- ولد الإمام الحسن عليه السلام في النصف من شهر رمضان المبارك □.
2- لم يشارك الإمام الحسن عليه السلام في أي حرب من الحروب □.
3- أظهر الإمام الحسن عليه السلام استياءه من أصحابه وجيشه □.
4- الصلح لا يعني البيعة □.
5- موضع قبره الشريف في الكوفة □.
49
الدرس الثالث: الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام
للمطالعة
ظروف الصلح مع معاوية
قال اليعقوبيّ المؤرِّخ في تاريخه: أقام الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام بعد أبيه شهرين، وقيل أربعة أشهر، ووجّه بعبيد الله بن العبّاس في اثني عشر ألفاً لقتال معاوية، ومعه قيس بن سعد بن عبّادة الأنصاريّ، وأمر عبيد الله أن يعمل بأمر قيس بن سعد ورأيه، فسار إلى ناحية الجزيرة، وأقبل معاوية لمّا انتهى إليه الخبر بقتل عليّ، فسار إلى الموصل بعد قتل عليّ بثمانية عشر يوماً، والتقى العسكران، فوجّه معاوية إلى قيس بن سعد يبذل له ألف ألف درهم على أن يصير معه أو ينصرف عنه، فأرسل إليه بالمال، وقال له: تخدعني عن ديني! فيقال: إنّه أرسل إلى عبيد الله بن عبّاس وجعل له ألف ألف درهم، فصار إليه في ثمانية آلاف من أصحابه، وأقام قيس على محاربته. وكان معاوية يدسّ إلى عسكر الحسن من يتحدّث أنّ قيس بن سعد قد صالح معاوية وصار معه، ويوجّه إلى عسكر قيس من يتحدّث أنّ الحسن قد صالح معاوية، وأجابه. ووجّه معاوية إلى الحسن المغيرة بن شعبة، وعبد الله بن عامر بن كريز، وعبد الرحمن بن أم الحكم، وأتوه، وهو بالمدائن نازل في مضاربه، ثمّ خرجوا من عنده، وهم يقولون ويسمعون الناس: إنّ الله قد حقن بابن رسول الله الدماء، وسكّن به الفتنة وأجاب إلى الصلح، فاضطرب المعسكر ولم يشكّك الناس في صدقهم، فوثبوا بالحسن فانتهبوا مضاربه وما فيها، فركب الحسن فرساً له ومضى في مظلم ساباط، وقد كمن الجرّاح بن سنان الأسديّ، فجرحه بمعول في فخذه، وقبض على لحية الجرّاح ثمّ لواها فدقّ عنقه. وحُمل الحسن إلى المدائن وقد نزف نزفاً شديداً، واشتدّت به العلّة، فافترق عنه الناس، وقدم معاوية العراق، فغلب على الأمر، والحسن عليل شديد العلّة، فلمّا رأى الحسن أنّ لا قوّة به، وأنّ أصحابه قد افترقوا عنه فلم يقوموا له، صالح معاوية، وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أيّها الناس! إنّ الله هداكم بأوّلنا وحقن دماءكم بآخرنا، وقد سالمت معاوية، وإن أدري لعلّه فتنة لكم ومتاع إلى حين[1].
[1] تاريخ اليعقوبي، ج2، ص214.
50
الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام
الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام
أهداف الدرس:
1- أنّ يتعرّف الطالب إلى الخصائص القياديّة للإمام الحسين عليه السلام.
2- أنّ يستذكر ملامح عصر الإمام عليه السلام.
3- أنّ يتبيّن ضرورة النهضة الحسينيّة في كربلاء.
51
الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام
الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام في سطور
الولادة: وُلد في الثالث من شهر شعبان بالمدينة، سنة أربع من الهجرة.
الشهادة: استشهد في يوم السبت العاشر من المحرّم، سنة إحدى وستّين من الهجرة بعد صلاة الظهر، قتيلاً مظلوماً ظمآن صابراً محتسباً، وله يومئذ ثمان وخمسون سنة.
مدّة الإمامة: إحدى عشرة سنة.
ألقابه: السيّد، الطيّب، الوفيّ، المبارك، النافع، الدليل على ذات الله، السبط، التابع لمرضاة الله.
كنيته: أبو عبد الله.
مدفنه: كربلاء المقدّسة.
52
الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام
تمهيد:
لقد نهض الإمام الحسين عليه السلام وضحّى بدمه ودماء أهله الطيّبين من ذرّيته وأصحابه، فكانت نهضته المباركة حياة
للإسلام ليستلهم المسلمون من حركته التي بقيت حيّة نابضة في مختلف المجتمعات.
ولذلك حاول المستكبرون في كافّة العصور إخماد نورها ونارها المحرقة للظالمين، ولكنَّ المشيئة الإلهيّة تغلّبت على هؤلاء الظالمين، لتبقى نهضة الإمام الحسين عليه السلام خالدة على مرّ العصور.
مراحل حياة الإمام عليه السلام
يهمنا في هذا الدّرس أن نبحث في فترة تسلّم الامام الحسين عليه السلام للقيادة والإمامة بعد شهادة أخيه الإمام الحسن عليه السلام والّتي استمرّت ما يقارب عشر سنوات كان الإمام يقارع فيها الحكم الأمويّ. هذه المرحلة يمكن تقسيمها إلى قسمين:
أ- مرحلة ما قبل النهضة في عاشوراء (كربلاء).
ب- مرحلة نهضة الإمام عليه السلام في عاشوراء.
وما سنتعرّض له في هذا البحث هو مرحلة عاشوراء التي تجلّى فيها الجهاد المسلّح ضد الحاكم المنحرف.
53
الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام
الخصائص القياديّة للإمام الحسين عليه السلام
قبل الكلام عن هذه الحركة التغييرية، وعن ملامح عصر الإمام عليه السلام وعن الأسباب والنتائج لعاشوراء من الجيّد أن نلفت النظر إلى شخصيّة الإمام الحسين عليه السلام وصفاته وبعض الملامح العامّة لهذه الشخصيّة.
1- قوّة الإرادة: ويكفي أن نرى قوّة الإرادة عنده من إصراره على إنهاء المسيرة حتّى النهاية مع عائلته وأولاده رغم سماعه نبأ استشهاد مسلم بن عقيل رضوان الله عليه، في جوّ لا يطمئن بأيّ حسم عسكريّ لصالحه، بل في ظروف يعلم أنّه ملاقٍ فيها الشهادة، وهو القائل: "لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برماً"[1].
2- إباء الضيم: لقب "أبيّ الضيم" من أهمّ ألقابه المباركة، وقد قال عنه ابن أبي الحديد المعتزليّ: "سيّد أهل الإباء الّذي علّم الناس الحميّة والموت تحت ظلال السيوف اختياراً على الدّنيّة أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن أبي طالب عُرض عليه الأمان هو وأصحابه فأنف من الذلّ، وخاف ابن زياد أن يناله بنوع من الهوان مع أنّه أبى الموت على ذلك"[2].
وهو الذي خلّد لنا التاريخ كلمته المشهورة الّتي تنبض بالعزّة والكرامة: "ألا إنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين بين السلّة والذلّة وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت، وأنوف حميّة، ونفوس أبيّة، من أن نؤثر طاعة اللِّئام على مصارع الكرام"[3].
3- الشجاعة: ومواقف عاشوراء كلّها دليل على هذه الشجاعة اللافتة للإمام عليه السلام وهو الّذي قال لأصحابه حينما أمطرتهم سهام الأعداء: "قوموا رحمكم الله
[1] الذهبي، سيرة أعلام النبلاء، ج3، ص310، والحديث في كتاب الطبري، والطبراني "إلا برما".
[2] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج1، ص302.
[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج45، ص8.
54
الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام
إلى الموت الّذي لا بدّ منه، فإنّ هذه السهام رسل القوم إليكم"[1].
4- الصراحة والوضوح: توّجت كلّ هذه الصفات بصفة مهمّة جداً وهي الوضوح والصراحة، وهو القائل: "يا أمير إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، بنا فتح الله وبنا يختم ويزيد فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله"[2].
5- الصلابة في الحقّ: وقد قال عليه السلام: "ألا ترون إلى الحقّ لا يُعمَل به، وإلى الباطل لا يُتناهَى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله"[3].
6- الصبر: قال الأربليّ: "شجاعة الحسين عليه السلام يُضرَب بها المثل، وصبره في الحرب أعجز الأوائل والأواخر"[4].
إلى غيرها من الصفات الّتي اجتمعت في الإمام عليه السلام.
ملامح عصر الإمام الحسين عليه السلام
نستطيع أن نلخّص ملامح عصر الإمام عليه السلام بكلمة واحدة وهي: أنّ معاوية بن أبي سفيان أراد إعادة الجاهليّة الأولى إلى المجتمع الإسلاميّ باسم الإسلام وإمرة المؤمنين. وقد اعتمد من أجل الوصول إلى هذا الهدف عدّة خطوات منها:
1- إشاعة الإرهاب والتصفية الجسدية لكلّ قوّة معارضة للحكم. وقد صوّر الإمام الباقر عليه السلام هذه الحالة بقوله: "فقُتِلت شيعتنا بكلّ بلدة، وقُطعت الأيدي والأرجل على الظنّة، وكان من يُذكَر بحبنّا والانقطاع إلينا سُجن، أو نُهب ماله أو هُدّمت داره، ثمّ لم يزل البلاء يشتدّ ويزداد إلى زمان عبيد الله بن
[1] ابن طاووس، اللهوف على قتلى الطفوف، ص65.
[2] البلاذري، أحمد بن يحيى بن جابر ، أنساب الأشراف، ج1، ص1.
[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج44، ص381.
[4] الأربليّ، كشف الغمّة، ج2، ص20.
55
الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام
زياد قاتل الحسين عليه السلام"[1].
56
الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام
2- جمع الأمّة الإسلامية على الحقّ:
فقد لبّى الإمام الحسين عليه السلام الدعاوي والوفود الكثيرة التي تطلب منه مواجهة الظلم والطغيان المتمثّل بالحاكم الأمويّ معاوية. وقد بدأت ظاهرة التجمّع مع الإمام تظهر أمام أعين السلطة الحاكمة ما اضطرّ معاوية إلى أن يرسل له رسالة فيها تهديد وتحذير من مواقفه.
3- فضح جرائم معاوية:
أرسل الإمام الحسين عليه السلام رسالة جاءت كردّ على الرسالة السابقة فضحت الحاكم الأمويّ معاوية. وجاء في هذه الرسالة مجموعة أمور منها:
أ- وصف حزب معاوية بحزب الظلمة.
ب- تذكيره بجرائمه المختلفة التي أدّت إلى إراقة دماء الأبرياء والعظماء من الصالحين الأصحاب كحجر بن عدّي، وعمرو بن الحمق الخزاعيّ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهما.
ج- وصف خلافة معاوية بأنّها أعظم فتنة تمرّ بالأمّة الإسلاميّة.
د- تذكيره بنقض العهد وبنود الصلح الّذي أبرمه مع الإمام الحسن عليه السلام.
هـ- تهديده لمعاوية حسبما جاء في نصّ الرسالة:
"فأبشر يا معاوية بالقصاص، واستيقن بالحساب، واعلم أنّ لله تعالى كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها، وليس الله بناس لأخذك بالظنّة، وقتلك أولياءه على التهم، ونفيك إيّاهم من دورهم إلى دار الغربة"[1].
و- تذكيره بنقضه العهد بتولية ابنه يزيد الغلام الحدث، شارب الخمر، ملاعب الكلاب. فبهذا الشكلّ واجه الإمام عليه السلام السياسة الأمويّة الظالمة الّتي
[1] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج4، ص327.
57
الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام
أطاحت بكلّ مَعْلَم إسلاميّ لتحويل الحضارة الإسلاميّة إلى حضارة قيصريّة وكسرويّة...
عاشوراء مرحلة الجهاد والشهادة
الّذي يدرس الملامح العامّة لعصر الإمام عليه السلام الّتي تحدّثنا عن بعضها، يخرج بنتيجة منطقيّة وهي ضرورة النهضة الحسينيّة باعتبار أنّ الأمّة الإسلاميّة في زمن الحكم الأمويّ عانت من مرض خطير وهو فقدان الإرادة مع وضوح الحقّ، وقد لخّص ذلك الفرزدق بقوله للإمام عليه السلام: "قلوبهم معك وسيوفهم عليك"[1].
وهذه الهزيمة النفسيّة قد تجلّت في مواقف كثيرة منها:
أ- أجمعت كلمة عقلاء المسلمين على تخويفه من رفض بيعة يزيد.
ب- عدم استجابة زعماء البصرة الموالين للإمام عليّ عليه السلام لنداء الإمام الحسين عليه السلام.
ج- عدم نصرة عشيرة بني أسد بعد أن ذهب حبيب بن مظاهر رضوان الله عليه إليهم.
د- استطاع ابن زياد خلال أسبوعين تجنيد الألوف ممّن كان بعضهم مع الإمام عليّ عليه السلام. وغير ذلك من المواقف التي نستطيع أن نفهم منها هذه الهزيمة النفسيّة. وكان أمام الإمام عليه السلام عدّة مواقف:
الأوّل: أن يبايع يزيد.
الثاني: أن يرفض البيعة ويبقى في مكّة أو المدينة.
الثالث: أن يرفض ويذهب إلى بلد من بلاد العالم الإسلاميّ كاليمن.
الرابع: أن يرفض ويلبّي نداء الرسائل الموجهة إليه ويستشهد في كربلاء.
وكان اختيار الموقف الرابع مبنيّاً على إدراك طبيعة الظروف الموضوعيّة
[1] الطبري، محمّد بن جرير، دلائل الإمامة، ص182.
58
الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام
المحيطة بالأمّة، ومن خلاله استطاع أن يعالج هذا المرض الّذي دبّ في جسدها وكاد أن يقضي عليها. فاستطاع أن يهزّ ضمير الأمّة من ناحية، ويشعرها بأهميّة الإسلام وكرامة هذا الدين من ناحية ثانية، ويعيد لها إرادة المواجهة من ناحية ثالثة، وأن يوضح لكلّ المسلمين أنّ مفهوم الصلح عند الإمام الحسن عليه السلام لم يكن موقفاً إمضائياً وإنّما كان أسلوباً تمهيديّاً لموقف الإمام الحسين عليه السلام.
59
الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام
خلاصة الدرس
1- عاش الإمام الحسين عليه السلام ما يقارب عشر سنوات بعد شهادة الحسن عليه السلام وذلك ضمن مرحلتين:
الأولى: مرحلة ما قبل النهضة.
الثانية: مرحلة ما بعد النهضة.
من صفات الإمام عليه السلام:
قوة الإرادة - إباء الضيم - الشجاعة - الصراحة والوضوح - الصلابة في الحق - الصبر.
الخطوات التي قام بها معاوية في عصر الإمام الحسين عليه السلام:
1- إشاعة الإرهاب والتصفية الجسدية لكل من يعارضه.
2- إغداق الأموال لشراء ضمائر الناس.
3- التضييق الاقتصادي وسياسة التجويع.
4- اغتيال الإمام الحسن عليه السلام.
5- فرض البيعة لولده يزيد.
الخطوات التي اتبعها الإمام الحسين عليه السلام في مواجهة معاوية:
1- رفض البيعة ليزيد.
2- جمع الأمة على الحق من خلال تلبية دعوات أهل الكوفة.
3- فضح جرائم معاوية.
4- كان الموقف النهائي للإمام عليه السلام تجاه يزيد هو الثورة العسكرية ضده.
60
الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام
أسئلة
1- ما هي أهم الخصائص القيادية الموجودة في شخصية الإمام الحسين عليه السلام؟
2- لماذا اختار الإمام عليه السلام موقف الشهادة دون المواقف الأخرى؟
3- ما هو المنهج الذي اتبعه الإمام في مواجهة معاوية؟
ضع علامة صحّ □ أو خطأ □ في المكان المناسب:
1- ولد الإمام عليه السلام في الثالث من شهر شعبان □
2- كانت مدة إقامة الإمام الحسين عليه السلام سنة واحدة فقط □
3- بعث الإمام الحسين عليه السلام رسالة لمعاوية فضحه فيها على جرائمه □
4- كان خيار المواجهة العسكرية مع يزيد هو الخيار الأنسب حسب رأي الإمام عليه السلام □
5- استشهد الإمام الحسين عليه السلام في الثالث عشر من المحرّم □
61
الدرس الرابع: الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام
للمطالعة
كراهة صوم عاشوراء
عن محمد بن سنان عن أبان عن عبد الملك، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صوم يوم تاسوعاء من شهر المحرّم فقال عليه السلام:
"تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين عليه السلام وأصحابه (رضي الله عنهم) بكربلاء، واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها واستضعفوا فيه الحسين عليه السلام وأصحابه كرّم الله وجوههم، وأيقنوا أن لا يأتي الحسين عليه السلام ناصر ولا يمدّه أهل العراق، بأبي المستضعف الغريب".
ثمّ قال: "وأمّا يوم عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين عليه السلام صريعاً بين أصحابه، وأصحابه صرعى حوله، أفصوم يكون في ذلك اليوم؟ كلّا وربّ البيت الحرام ما هو يوم صوم وما هو إلّا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين، ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام غضب الله عليهم وعلى ذرّياتهم، وذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلا بقعة الشام، فمن صام أو تبرّك به حشره الله تعالى مع آل زياد ممسوخ القلب ومسخوطاً عليه ومن ادّخر فيه إلى منزله ذخيرة أعقبه الله نفاقاً في قلبه إلى يوم يلقاه، وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته وولده، وشاركه الشيطان في جميع ذلك"[1].
[1] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 10، ص 460.
62
الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام
الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام
أهداف الدرس:
1- أن يتعرّف الطالب إلى حياة الإمام السجّاد عليه السلام وملامح عصره.
2- أن يستذكر أهداف الإمام السجّاد عليه السلام.
3- أن يتبيّن أسلوب مواجهة الإمام عليه السلام للإنحراف.
63
الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام
الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام في سطور
الولادة: ولد يوم الخميس الخامس من شعبان سنة 38هـ.
الشهادة: المشهور أنّه استشهد في أحد الأيّام الثلاثة: إمّا الثاني عشر من محرّم، أو الثامن عشر، أو الخامس والعشرين منه، في سنة خمس وتسعين للهجرة، وقيل في سنة وفاته (سنة الفقهاء) لكثرة موت الفقهاء والعلماء آنذاك. وكان عمره ستّاً وخمسين سنة.
ألقابه: زين العابدين، سيّد الساجدين، سيّد العابدين، ذو الثفنات.
كنيته: أبو الحسن وأبو محمّد وقال بعضهم: أبو الحسين.
مدفنه: المدينة المنوّرة - البقيع.
64
الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام
تمهيد
65
الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام
تخريج ثلّة من العلماء والفقهاء الكبار الذين أصبحوا فيما بعد مراجع في الأحكام الفقهيّة والقضايا الإسلاميّة.
وحاول بعضهم أن يعطي بعض الترجيحات لتثبيت أنّ الإمام عليه السلام أخذ قراراً بالابتعاد عن السياسة، فيذكر ثورة المختار الثقفيّ ورفض الإمام لهذه الثورة، ما يؤكّد عدم خروجه من مرحلة التعبّد إلى مرحلة العمل السياسيّ، بل يمكن اعتبار فاجعة كربلاء كافية لانعزال الإمام عليه السلام عن الحياة السياسيّة وعدم وثوقه بالناس.
والحقيقة أنّ هذا التصوّر هو ما أراد أن يوحي به الإمام عليه السلام للسلطة الأمويّة الحاكمة للحفاظ على التشيّع ولنشر الإسلام الأصيل بشكل هادئ وليحصل التغيير من الأرض وبشكل تدريجيّ. وهو ما نفهمه عندما ندرس مراحل حياة الإمام عليه السلام.
المحطات الرئيسة في حياة الإمام السجاد عليه السلام
يمكن اعتبار حضوره الإمام السجاد عليه السلام في كربلاء ومواقفه في الشام، وتخطيطه في المدينة بعد عودته إليها هي المحطات الثلاث التي تؤشّر إلى الأبعاد الحقيقية التي بلورت شخصيته الجهادية في قابل الأيام والسنين، فضلاً عن محطته الرئيسة في بيت العصمة والطهارة الذي نشأ وعاش وترعرع فيه وخاصة مع جدّه الإمام علي وأبيه الحسين وعمّيه الحسن والعباس عليهم السلام.
المحطة الأولى: في كربلاء:
تؤكّد المصادر التاريخية أنّ الإمام السجاد عليه السلامكان حاضراً في كربلاء إذ شهد واقعة الطفّ بجزئياتها وتفاصيلها وجميع مشاهدها المروّعة، وكان شاهداً عليها ومؤرّخاً لها. ولعلّه يُعتبر أصدق وأهم مراجعها على الإطلاق... وورد في معظم المصادر التاريخية، أو المتفق عليه فيها، أنّه عليه السلام كان يوم كربلاء مريضاً أو موعوكاً[1] وللحدّ الذي لا يستطيع الوقوف على قدميه، أو لا تحمله
[1] المفيد، الارشاد، 231. القاضي النعمان المغربي، شرح الأخبار، 3، ص 250. الذهبي سير أعلام النبلاء، ج 4، ص 486.
66
الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام
قدماه، كما تقول الروايات[1]. فقد جاء في تاريخ اليعقوبي ما نصّه: روي عن علي بن الحسين عليه السلام أنّه قال: "إنّي لجالسٌ في العشية التي قُتل فيها أبي الحسين بن علي، في صبيحتها وعمّتي زينب تمرّضني، إذ دخل أبي وهو يقول:
يـا دهرُ أفٍّ لك مـن خليلِ كم لك في الإشراق والأصيلِ
مـن طالبٍ وصـاحبٍ قتيلِ والدهـر لا يقنـع بـالبديلِ
وإنّمـا الأمـر إلـى الجليلِ وكـلّ حـيٍّ سـالكُ السبيلِ
ففهمتُ ما قال وعرفتُ ما أراد، وخنقتني عبرتي، ورددتُ دمعتي، وعرفتُ أنّ البلاء قد نزل بنا. فأمّا عمّتي زينب فإنّها لمّا
سمعت ما سمعت، والنساء من شأنهنّ الرقّة والجزع، لم تملك أن وثبت تجرّ ثوبها حاسرة وهي تقول: واثكلاه، ليت الموت
أعدمني الحياة... فقال لها الحسين: يا أختي اتّقي الله، فإنّ الموت نازل لا محالة... فتقدّم إليها وصبّ على وجهها الماء وقال: يا أختاه: تعزّي بعزاء الله، فإنّ لي ولكلِّ مسلم ومسلمة أسوة برسول الله... ثمّ قال: "إنّي أُقسم عليك، فأبرّي قسمي، لا تشقّي عليَّ جيباً، ولا تخمشي عليَّ وجهاً، ولا تدعي عليَّ بالويل والثبور. ثمّ جاء حتى أجلسها عندي، فإنّي لمريض مدنف، وخرج إلى أصحابه..."[2].
كلّ ذلك وغيره كثير يختزنه الإمام السجاد عليه السلام ويطوي عليه قلبه وضلوعه، إذ لم يتسنَّ له أن يبذل مهجته، لجرحٍ أصابه، فأخرجه من المعركة، أو مرضٍ شديد أقعده عن المساهمة فيها، فيحمل تلك المشاهد والكلمات ليصبح بعد ذلك ناطقاً رسمياً بما شاهده واطّلع عليه، ويكون المرجع الرئيس المنتدب لإتمام المهمّة التي استشهد من أجلها أبوه الإمام الحسين عليه السلام، والتي لم تنته باستشهاده، بل إنّها بدأت بعد ذلك مباشرة فعلاً.
[1] وورد ما يشير إلى أنه قد حضر بعض القتال: "وكان علي بن الحسين عليلاً، وارتُثَّ يومئذٍ، وقد حضر بعض القتال، فدفع الله عنه وأُخِذ مع النساء" ومع وضوح هذا النص، فإنّ كلمة (ارتُثَّ) هذه تدلُّ على اشتراكه في القتال، لأنها تُقال لمن حُمل من المعركة بعد أن قاتل وأُثخن بالجراح، فأُخرج من أرضها وبه رمق، كما يقول اللغويون، أو أصحاب فقه اللغة.
[2] تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 243 ـ 244، دار صادر ـ بيروت.
67
الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام
المحطة الثانية: في الكوفة والشام:
يستحضر الإمام السجاد عليه السلام مصارع إخوته وأبناء عمومته، فيقف شامخاً في قصر الإمارة بالكوفة مع عمّته زينب وهما يحملان بلاغة علي وعنفوان الحسين وعزّة العباس، ليقولا بكلام عربي فصيح ومواجهة كلامية حادّة بينهما وبين الطاغية عبيد الله بن زياد، قولاً لا يمكن أن يقوله ثائر مغلوب منكسر في مثل موقعهما وموقفهما وأمام هذا الطاغية الذي ما زال يقطر سيفه من دماء المجزّرين في رمضاء كربلاء من أهل بيت النبوة.
ثمّ يلتفت ابن زياد إلى عليّ بن الحسين ويقول: "ما اسمك؟" قال "علي بن الحسين" قال: "ألم يقتل الله علي بن الحسين؟" فسكت، فقال: "مالك لا تتكلم؟" قال: "كان لي أخ يُقال له علي قتله الناس"!! فقال ابن زياد: "إنّ الله قتله" فسكت الإمام عليه السلام. قال: "مالك لا تتكلّم؟" فقال الإمام علي بن الحسين عليه السلام: "الله يتوفى الأنفس حين موتها.. وما كان لنفسٍ أن تموت إلاّ بإذن الله...". ثم غضب ابن زياد فأراد قتله على جرأته وتجاسره على الطاغية بتلك الأجوبة، فتشبّثت به عمّته زينب وتعلّقت به، وقالت لابن زياد: "يا ابن زياد، حسبُك منّا ما أخذت، أما رويتَ من دمائنا؟ وهل أبقيت مِنّا أحداً؟ أسألك الله ـ إن كنت مؤمناً ـ إن قتلته لمّا تقتلني معه.."[1].
أمّا في الشام وحيث الدور الإعلامي أكثر تأثيراً من قعقعة السيوف وطعن الرماح مع ما يستبطن من فضح وكشف واحتمال تصفية وقتل، يقف الإمام السجاد عليه السلام في مجلس يزيد، فينبري بعد أن يحمد الله ويثني عليه مسفّهاً الدعاوى الأموية التي حاولت تشويه نهضة أبيه، وتزييف أهداف ثورته، قائلاً: "يا معشر الناس: فمن عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أُعرّفه نفسي، أنا ابن مكّة ومِنى، أنا ابن
[1] ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 3، ص 435.
68
الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام
مروة والصفا، أنا ابن محمد المصطفى... أنا ابن من علا فاستعلى، فجاز سدرة المنتهى، وكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء مثنى مثنى، أنا ابن من أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أنا ابن علي المرتضى، أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن خديجة الكبرى، أنا ابن المقتول ظلماً، أنا ابن المجزور الرأس من القفا، أنا ابن العطشان حتى قضى، أنا ابن صريع كربلاء، أنا ابن مسلوب العمامة والرداء، أنا ابن من بكت عليه ملائكة السماء، أنا ابن من ناحت عليه الجنّ في الأرض والطير في الهواء، أنا ابن من رأسه على السنان يُهدى، أنا ابن من حرمه من العراق إلى الشام تُسبى... أيُّها الناس إنّ الله تعالى ـ وله الحمد ـ ابتلانا أهل البيت ببلاء حسن، حيث جعل راية الهدى والتُقى فينا، وجعل راية الضلالة والردى في غيرنا..."[1].
وهكذا حتى عمّ المجلس النحيب والبكاء ـ كما تقول الروايات التأريخية ـ فكشف مالم يكشف وفضح ما تمّ التكتّم عليه أو يُراد له ذلك.
وبهذه الخطبة الموجزة أصبح الرمز الذي يقود مسيرة الإحياء ـ إحياء هذا الدين المضيّع ـ الذي شوّهته السلطة الأموية وحكمت أو تحكّمت باسمه... فتراه عليه السلام حين أراد يزيد أن يقطع حديثه بالأذان للصلاة، يُعلِّق على صوت المؤذّن الذي يقول: "أشهد أنّ محمداً رسول الله" بقوله: "يا يزيد! هذا جدّي أم جدّك؟ فإن قلت جدّك فقد كذبت! وإن قلت جدّي، فلمَ قتلتَ أبي وسبيت حرمه وسبيتني؟!"، ثمّ قال مخاطباً الناس: "أيُّها الناس، هل فيكم من أبوه وجدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟" فعلت الأصوات بالبكاء.
وقام إليه رجل من شيعته يُقال له المنهال بن عمرو الطائي، وفي رواية مكحول صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأله: "كيف أمسيتَ يا ابن رسول الله؟".
[1] ابن شهر آشوب المازندراني، مناقب آل أبي طالب، ج 4، ص 182.
69
الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام
فيستثمر الإمام السجاد عليه السلام هذا السؤال فيروح مندّداً بالعصابة التي حرّفت دين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويضع أُولى العناوين العريضة في هذه المسيرة التبليغية الإعلامية التي قادت وتقود مسيرة الإحياء العظيمة هذه،
برائدها الوحيد الحيّ الباقي، مؤكّداً على الفرعونية الجديدة التي تتحكّم باسم الدين مستنهضاً همم الرجال، مقرّعاً ضمائرهم، مناشداً غيرتهم على دين عظيم ضيّعوه بالتواطؤ مع هذه العصابة الضالّة المضلّة، فيجيب سائله بقولٍ موجز بليغ: "أمسينا فيكم كهيئة بني إسرائيل في آل فرعون، يذبّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم، وأمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمداً منها، وأمسى آل محمد مقهورين مخذولين، فإلى الله نشكو كثرة عدّونا، وتفرّق
ذات بيننا، وتظاهر الأعداء علينا..."[1].
وهكذا يتجلّى دور الإمام السجاد عليه السلام في قيادة مشروع الإحياء وثورة التصحيح. ومن هذه المحطة تبدأ رحلة الألف ميل مسافة وعمقاً من الشام إلى المدينة، ليستأنف الإمام عليه السلام مهمته الرسالية في استكمال هذا المشروع وريادة هذه الثورة.
المحطة الثالثة: في المدينة المنوّرة:
أ- دوره العلمي:
ليس الحديث عن الدور العلمي للإمام السجاد عليه السلام مما تجمعه السطور، أو تفي بالتعبير عنه, ولكن حسبها أنّها تأتي بمعالم تفصح بعض إفصاح عن ذلك الدور وما كان يتمتّع به صاحبه من منزلة.
فلقد عاش الإمام زين العابدين عليه السلام في المدينة المنورة، حاضرة الإسلام الأولى، ومهد العلوم والعلماء، في وقت كانت تحتضن فيه ثلّة من علماء الصحابة،
[1] ابن شهر آشوب، المناقب ج 4، ص 182.
70
الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام
مع كبار علماء التابعين، فكان بشهادة أكابر أبناء طبقته والتابعين لهم، الأعلم والأفقه والأوثق، بلا ترديد. فقد كان الزهري يقول: "ما كان أكثر مجالستي مع علي بن الحسين، وما رأيت أحداً كان أفقه منه". وممن عرف هذا الأمر وحدّث به الفقيه الشهير سفيان بن عيينة[1]. وبمثل هذا كان يقول الشافعي محتجّاً بعلي ابن الحسين عليه السلام على أنّه كان (أفقه أهل المدينة)[2].
هذا، وقد كانت مدرسته تعجّ بكبار أهل العلم من حاضرة العلم الأولى في بلاد الإسلام، يحملون عنه العلم والأدب، وينقلون عنه الحديث، ومن بين هؤلاء، كما أحصاهم الذهبي: أولاده أبو جعفر محمد (الباقر عليه السلام) وعمر، وزيد، وعبد الله، والزهري، وعمرو بن دينار، وخلق سواهم.. وقد حدّث عنه غير هؤلاء رجال من خاصة شيعته من كبار أهل العلم، منهم: أبان بن تغلب، وأبو حمزة الثمالي، وغيرهما كثير[3].
هذا الجمع الغفير وغيرهم ممن وصف بالخلق الكثير أخذوا عنه عليه السلام علوم الشريعة من تفسير القرآن الكريم والعلم بمحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وأحكامه وآدابه، والسُنّة النبوية الشريفة روايةً وتدويناً في عصر كانت ما تزال كتابة الحديث فيه تتأثّر بما سلف من سياسة المنع من التدوين، السياسة التي اخترقها أئمة أهل البيت عليهم السلام فكتب عنهم تلامذتهم والرواة عنهم الشيء الكثير، إلى أحكام الشريعة، حلالها وحرامها وآدابها، إلى فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في عهد عمدت فيه السياسة على تعطيل الكثير من الأحكام وتبديل بعض السنن وإحياء بعض البدع، إلى الجهر في نصرة المظلوم وضرورة الردّ على الظالم وكشف أساليبه الظالمة للناس.
[1] الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 4، ص 389. وابن عساكر، مختصر تاريخ دمشق، ج 17، ص 240.
[2] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 15، ص 274.
[3] راجع: رجال الشيخ الطوسي ـ باب أصحاب علي بن الحسين عليه السلام.
71
الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام
ب- دوره في بلورة المعارضة السياسية.
المؤسف في قراءات ودراسات الكثير من المؤرّخين والمحلّلين السياسيين هو ارتباكهم وعدم دقّتهم في تحديد أدوار أئمة أهل البيت عليهم السلام وتفكيك مدرستهم الفكرية والسياسية في تعاملهم مع السلطات، وكذلك عدم قدرة هؤلاء المحلّلين على إدراك حكمة تنوّع تلك الأدوار وفلسفتها وعدم استيعاب حرص الأئمة إلى الاحتفاظ بوحدة هدفهم في المحافظة على الإسلام عقيدةً وشريعةً، نظريةً ومنهاجاً.
وعلى هذا الأساس كان موقف الإمام السجاد ـ بنظرهم ـ من الثورة والجهاد عُرضة لهذا التحليل الشاطح الذي وضع أُسسه صنفان من الناس:
- صنف يحب الدعة والاسترخاء فيروح يُفسِّر موقفه عليه السلام دعةً واسترخاءً للتغطية على فشله هو وهزيمته ونكوصه.
- وصنفٌ يهوى الثورة والتمرّد فيتحامل على الإمام جسارة أو تجرؤاً فيتّهمه أنّه اعتزل السياسة والتصدّي بعد فجيعته بوالده وإخوته، وغدر الغادرين من أهل زمانه، فاكتفى بالتضرّع والدعاء[1].
وبعضهم يحلّل إأّه آثر الدعاء والبكاء على غيرهما, لأنهما أيسر مؤونةً وأقلُّ كلفةً من المواجهة والنزال وحزِّ الرؤوس وجزِّ الرقاب...[2].
ويشطح صنف آخر أكثر من هؤلاء جميعاً فيزعم أنّه صالح وساوم السلطة ونأى بنفسه بعيداً عن الثورات الشيعية التي تفجّرت في زمانه, بل تبرّأ منها في السرِّ والعلن[3]. فلنتوقّف قليلاً أمام هذه المزاعم وندرسها بموضوعية وتأنٍّ وباختصار شديد...
[1] الدكتورة الليثي، جهاد الشيعة، ص 29.
[2] كاظم جواد السبتي، حياة علي بن الحسين عليه السلام، ص 320. صبحي الصالح، ونظرية الإمامة، ص 349.
[3] ناجي الحسن، ثورة زيد، ص 30 و 31
72
الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام
المرحلة المنعطف
73
الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام
لحفظ الرسالة وحدودها بعيداً عن الزيف والتزييف وسياسة تسطيح الوعي التي غطّت مساحات عريضة من الجمهور المسلم بحيث أضحت تلك الجماهير لا تفرّق بين المفاهيم ومصاديقها، أو بين الشعارات المرفوعة وضرورة تبنّيها، أو بين الأصيل والطارىء، الأمر الذي يُسبّب الفتنة فعلاً أو يُشعلها، ويحجب الرؤية الواضحة عن النفوس البريئة التي تتأثّر بالشعار ولا تغوص في أعماق الأمور.
74
الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام
خلاصة الدرس
- برز الإمام السجاد عليه السلام على الصعيد العلمي والديني، إماماً في الدين ومناراً في العلم.
- يمكن تقسيم مراحل حياة الإمام إلى قسمين:
1- مرحلة ما قبل الطف.
2- مرحلة ما بعد الطف.
- من أبرز مواقفه عليه السلام بوجه يزيد وأعوانه، ما خطب به في مجلسه أمام جموع من الناس، حتى عم المجلس النحيب والبكاء، وكشف ما لم يكشف وفضح ما تمّ التكتّم عليه.
- عاش الإمام عليه السلام بعد ثورة كربلاء في المدينة المنورة وكانت مدرسته فيها تعجّ بكبار العلم، يحملون عنه العلم والأدب، وينقلون عنه الحديث.
- قام الإمام بخطوات هامّة لحفظ الإسلام عقيدة ونظاماً منها:
1- تركيز ثورة الإمام الحسين عليه السلام في ضمائر الناس.
2- بناء الجماعة الصالحة والواعية.
3- تعميق مفهوم الإمامة.
75
الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام
أسئلة
1- إلى كم مرحلة تنقسم حياة الإمام زين العابدين عليه السلام؟
2- ما هو النتاج الثقافي والأخلاقي الذي تركته الصحيفة السجادية على المجتمع الإسلامي؟
3- ما هي أهم الإصلاحات التي قام بها الإمام في مواجهة الانحراف السائد في عصره؟
ضع علامة صحّ □ أو خطأ □ في المكان المناسب:
1- ولد الإمام زين العابدين يوم الخميس السابع عشر من ربيع الأوّل □
2- موضع قبره الشريف في البقيع □
3- كان للإمام عليه السلام خطبة في الكوفة وخطبة في الشام □
4- عاش الإمام عليه السلام أواخر حياته في المدينة المنورة □
5- لم يكن للإمام عليه السلام أي دور بعد ثورة الطف □
76
الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام
للمطالعة
77
الدرس الخامس: الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام
فقال سعيد: إنِ ادّخرت هذه لتنجو بها من عذاب القيامة فلا بأس عليك وإلّا فاعلم أنّها تذهل كلّ مرضعة عما أرضعت، فلا خير في ادّخار الثروة إلّا ما كان زكيّاً خالصاً.
78
الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
أهداف الدرس
1- أن يتعرّف الطالب إلى خصائص مرحلة الإمام الباقر عليه السلام.
2- أن يتعرّف إلى الظروف السياسية في عصر الإمام عليه السلام.
3- أن يتبيّن أسلوب تعامل الإمام عليه السلام مع الظروف المحيطة
79
الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
الإمام محمد بن عليّ الباقر عليه السلام في سطور
80
الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
الظروف السياسية المحيطة
81
الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
المقام العلمي للإمام الباقر عليه السلام
قال ابن حجر في ترجمة الإمام محمد الباقر عليه السلام: سُمي بذلك لأنه من بقر الأرض، أي شقّها، وإثارة مخبآتها ومكامنها، فكذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف وحقائق الأحكام، والحكم واللطائف ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة أو فاسد الطوية والسريرة، ومن ثم قيل هو باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه[1]. والذي يدلّ على سعة علومه أنه مع كثرة ما انتهل العلماء من نمير علومه، فإنه كان يجد في نفسه ضيقاً وحرجاً لكثرة ما عنده من العلوم التي لم يجد لبثها ونشرها سبيلاً، فكان عليه السلام يقول: "لو وجدت حمَلَة لعلمي الذي أتاني الله عز وجلّ، لنشرت التوحيد والإسلام والدين والشرايع..، وكيف لي بذلك، ولم يجد جدّي أمير المؤمنين عليه السلام حملة لعلمه حتى كان يتنفَّس الصعداء ويقول على المنبر: سلوني قبل أن تفقدوني فإن بين الجوانح علماً جماً... "[2].
وكان عليه السلام مقصد العلماء من كل البلاد الإسلامية، وما زار أحدٌ المدينة إلا عرّج على بيت محمد الباقر عليه السلام يأخذ منه..، وكان يقصده من أئمة الفقه كثيرون[3]، فلقد حاز الإمام عليه السلام على شهرة علمية عالمية في زمانه، فكان مجلسه يغصُّ دوماً بالوافدين من مختلف أرجاء وأصقاع الأرض الإسلامية، وكانت مكانته العلمية تستهوي الكثيرين للاستعانة به لحل المعضلات العلمية والفقهية التي تواجههم. وقد فتن بشخصيته في ذلك الوقت أهل العراق.. وكان الوافدون عليه عليه السلام يبدون خضوعاً وأملاً كبيرين بشخصيته العلمية بحيث كان عبد الله بن عطاء المكّي يقول: "ما رأيت العلماء عند أحدٍ قط أصغر منهم عند أبي جعفر. ولقد رأيت الحكم بن عُيينة مع جلالته في القوم بين يديه كأنّه صبيٌّ بين يدي معلّمه"[4]. وذكر ابن
[1] ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص 201.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 3، ص 225.
[3] أبو زهرة، الإمام الصادق عليه السلام، ص 22.
[4] الشيخ المفيد، الإرشاد، ص280- 282.
82
الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
شهر آشوب في المناقب: "إنّ أبا جعفر أكبر العلماء"[1]، وقد أخذ عنه أهل الفقه ظاهر الحلال والحرام[2]. وكان عليه السلام واسع العلم ووافر الحلم[3]، حتى وصفه هشام بن عبد الملك بأنه "نبي الكوفة" حين سأله الأبرش الكلبي: "من هذا الذي احتوشته أهل العراق يسألونه؟ قال: هذا نبي الكوفة وهو يزعم أنّه ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وباقر العلم ومفسِّر القرآن"[4].
العوامل المؤثّرة في المرحلة
يمكن اختصار العوامل المؤثّرة التي ميّزت هذه المرحلة بالآتي:
أ- انتشار الخوف في كافّة المناطق الإسلاميّة خصوصاً بعد واقعة الحرّة.
ب- الانحطاط الفكريّ الّذي كان يعمّ أكثر الناس في العالم الإسلاميّ، وهذا كان نتيجة للابتعاد عن التعاليم الدينيّة خلال سنوات طويلة.
ج- الفساد السياسيّ المتفشّي بين الحكّام سواء في المستوى النظريّ أم العمليّ.
في ظلّ هذه العوامل بدأ الإمام السجّاد عليه السلام بالعمل المتواصل والدؤوب كما مرّ معنا، وأكمل ابنه الإمام الباقر عليه السلام من بعده هذا العمل، وفي زمنه كان الوضع قد تحسّن عمّا كان عليه وذلك بفضل جهود الإمام زين العابدين عليه السلام.
إضافة إلى ما ذكر وصل الانحراف في عصر الإمام الباقر عليه السلام إلى ذروته، سواء على مستوى الحكم والسلطة أم على المستوى العقائديّ والدينيّ والثقافيّ، فالحكم صار كتلة ظلم وجور، والعقائد والمفاهيم صارت تتضاربها الأهواء، فكثرت المدارس، وتعدّدت المناهج، وتعمّقت الخلافات.
ويمكن أن نشير، في هذا الإطار، إلى بعض التيّارات الّتي واجهها الإمام عليه السلام:
[1] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج 3.
[2] الشيخ باقر شريف القرشي، حياة الإمام الباقر، ج 1، ص 139.
[3] ابن عتبة، عمدة الطلب، ص 195، ج 4، ص 402.
[4] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 46، ص 350.
83
الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
كالغلاة، وقد نشطوا بقيادة المغيرة بن سعيد الّذي قال في حقّه الإمام الصادق عليه السلام: "لعن الله المغيرة بن سعيد إنّه كان يكذب على أبي"[1] والمجبّرة، وهم القائلون بالجبر الملتزم بإبطال النبوات والتكاليف، وقد ذكرهم أغلب من ذكر المجسمة، ولم يصرّح بكفرهم إلا القليل[2]، والمفوّضة، وهم الذين يقابلون المجبّرة ويقولون بتفويض أمر العباد إليهم، وحال هؤلاء حال المجبّرة أيضاً[3]. وروي عن الإمام الباقر عليه السلام: "إيّاك أن تقول بالتفويض فإنّ الله عزّ وجلّ لم يفوّض الأمر إلى خلقه وهناً منه وضعفاً ولا أجبرهم على معاصيه ظلماً[4]".
84
الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
السلوكي والأخلاقي الذي يكفل تطبيقاً صحيحاً لهذا النظام، ويضفي عليه جنبة روحية خاصة.
ولهذا نجد أن منهج الإمام عليه السلام يستوعب كل حقول المعرفة، ويمتاز بسلامة المصدر ووضوح الارتباط بمصادر المعرفة الربّانية المتمثّلة بكتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم, فقد عمل على تثبيت موقع القرآن الكريم، والسنة الشريفة، وكيفية الاستفادة منهما كمصدرين رئيسين للاستنباط وفهم الدين، وعمل على المعالجة المباشرة للشبهات الفكرية، ووضع أسس النظام الأخلاقي والتربوي عند أهل البيت عليهم السلام, ويمكن إيجاز معالم هذا المشروع بالآتي:
أ- العلم والتعلّم أصلان لا غنى عنهما: حثّ الإمام عليه السلام على طلب العلم، وخصوصاً علم الفقه فقال: "الكمال كل الكمال: التفقه في الدين، والصبر على النائبة وتقدير المعيشة"[1].
وحرص عليه السلام على نشر العلم وتعليمه للناس بقوله عليه السلام: "من علّم باب هدى فله أجر من عمل به، ولا ينقص أولئك من أجورهم شيئاً..."،[2] وجعل على العلم زكاة فقال: "زكاة العلم أن تعلّمه عباد الله"[3].
ب- تربية الفقهاء والمحدّتين: لم يكتفِ الإمام عليه السلام بحفظ الدين بما فيه من تفسير وتفصيلٍ في الأحاديث ووضع القواعد المساعدة على الفهم، بل نجده اهتمّ بتربية ثلّة من الأصحاب وحملة الحديث جعلهم يتفرّغون لذلك، وعهد إلى ابنه الإمام الصادق عليه السلام أن يتولّى القيام بنفقاتهم حتّى تخرّجت على يديه كوكبة من عيون الفقهاء والعلماء.
[1] الشيخ الكليني، الكافي،ج1،ص32.
[2] م.ن.ص35
[3] م.ن.ص41
85
الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
ويذكرهم الإمام الصادق عليه السلام بقوله: "كان أصحاب أبي والله خيراً منكم، كان أصحاب أبي ورقاً لا شوك فيه"[1].
وقد ذكرت كتب التراجم ترجمة أربعمائة واثنين وثمانين شخصاً من تلامذته وأصحابه، منهم العظماء أمثال أبان بن تغلب الّذي قال له الإمام عليه السلام: "اجلس في مسجد المدينة وأفتِ الناس فإنّي أحبّ أن يُرى في شيعتي مثلك"[2].
ج- القرآن الكريم دستور العقيدة والهداية: فنجد أن الإمام الباقر عليه السلام قد حثَّ المؤمنين على تلاوة كتاب الله العزيز، لأنه المنبع الأصيل والدستور الدائم لهداية الناس، فالقرآن يحيي القلوب بنوره. روى أبو بصير قال: قلت لأبي جعفر إذا قرأت القرآن فرفعت صوتي جاءني الشيطان فقال: إنما ترائي بهذا أهلك والناس، فقال عليه السلام: "يا أبا محمد اقرأ قراءة ما بين القراءتين تسمع أهلك، ورجِّع بالقرآن صوتك فإن الله يحب الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعاً"[3].
وذمَّ الإمام الباقر المحرِّفين لكتاب الله، وهم الذين يؤوِّلون آياته حسب أهوائهم، فقد كتب عليه السلام في رسالته إلى سعد الخير: "وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه، وحرفوا حدوده، فهم يرونه ولا يرعونه والجهّال يعجبهم حفظهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية"[4].
وأعلن رفضه لمنهج تفسير القرآن الذي يعتمد على الآراء الشخصية والاستحسان، فقد دخل عليه الفقيه المعروف قتادة فقال له الإمام عليه السلام: أنت فقيه أهل البصرة؟ "نعم هكذا يزعمون"، بلغني أنك تفسّر القرآن. "نعم"، فأنكر الإمام عليه ذلك وقال له:
[1] الشيخ الطوسي، رجال الكشي (اختيار معرفة الرجال)، ج2، ص 639.
[2] م. ن، ج1، ص 131.
[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 616.
[4] م. ن، ج 8، ص 53.
86
الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
"يا قتادة إن كنت قد فسَّرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت، وإن كنت قد فسّرته من الرجال فقد هلكت وأهلكت، يا قتادة، ويحك، إنما يعرف القرآن من خوطب به"[1]، بإشارة صريحة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام. وقد أثر للإمام عليه السلام كتاب في التفسير نصَّ عليه ابن النديم في (الفهرست) عند عرضه للكتب المؤلفة في تفسير القرآن الكريم، فقال: "كتاب الباقر محمد بن علي بن الحسين رواه عنه أبو الجارود زياد بن المنذر رئيس الجارودية" وقال السيد حسن الصدر: رواه عنه جماعة من ثقات الشيعة منهم أبو بصير يحيى بن القاسم الأسدي، وأخرجه علي بن إبراهيم القمي في تفسيره[2].
87
الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
منازل الشيعة على قدر رواياتهم ومعرفتهم, فإن المعرفة هي الدراية للرواية، وبالدراية للرواية يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان"[1].
هـ- علم الكلام: وبحث الإمام أبو جعفر في كثير من دروسه المسائل الكلامية، وسئل عن أعقد المسائل وأدقّها في بحوث هذا العلم فأجاب عنها، سأله رجل فقال له: أخبرني عن ربك متى كان؟ فأجابه الإمام عليه السلام: "ويلك! إنما يقال لشيء لم يكن، متى كان؟ إن ربي تبارك وتعالى كان ولم يزل حياً بلا كيف، ولم يكن له كان، ولا كان لكونه كون. كيف! ولا كان له أين، ولا كان في شيء، ولا كان على شيء، ولا ابتدع لمكانه مكاناً، ولا قوي بعدما كوّن الأشياء، ولا كان ضعيفاً قبل أن يكوّن شيئاً... كان حياً بلا حياة حادثة، ولا كون موصوف ولا كيف محدود، ولا أين موقوف عليه، ولا مكان جاور شيئاً، بل حي يعرف، وملك لم يزل له القدرة والملك، أنشأ ما شاء حين شاء بمشيئته، لا يحد ولا يبعض، ولا يفنى، كان أولاً بلا كيف، ويكون آخراً بلا أين، وكل شيء هالك إلاّ وجهه، له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين...."[2].
و- الجانب الأخلاقي والتربوي: وضع الإمام أسس النظام الأخلاقي العام للفرد والمجتمع. ونشير إلى بعض جنباته في هذه العجالة:
1- الحث على الخصال الحميدة: حثَّ عليه السلام على التمرّن على الأخلاق الفاضلة والخصائص الحميدة، فقال عليه السلام: "عليكم بالورع والاجتهاد، وصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم عليها براً كان أو فاجراً، فلو أن قاتل عليّ بن أبي طالب عليه السلام ائتمنني على أمانة لأديتها"[3].
2- حسن الخلق: وحبّب إلى النفوس حسن الخلق والرفق، فقال: "من أعطي الخلق
[1] باقر شريف القرشي، حياة الإمام محمد الباقر عليه السلام، ص 140 و 141 عن محمد المازندراني، ناسخ التواريخ، ج 2، ص 219.
[2] الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 88 ـ 89.
[3] الحرّاني، تحف العقول، ص299.
88
الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
والرفق فقد أعطي الخير كلّه، والراحة، وحسن حاله في دنياه وآخرته. ومن حُرم الرفق والخلق كان ذلك له سبيلاً إلى كل شرّ وبليّة إلاّ من عصمه الله تعالى"[1].
89
الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
7- الارتباط الدائم بالله تعالى: الارتباط بالله تعالى والاستسلام له والعزم على طاعته من شأنه أن يمحّص القلوب، ويطهّر النفوس، قال عليه السلام: "ما عرف الله من عصاه"،[1]. فإنّ المعرفة تنتج الحبّ والحبّ الصادق يحول بين الإنسان وبين مخالفة محبوبه.
8- الإقرار بالذنب والتوبة: إن منهج أهل البيت عليه السلام يهدف إلى علاج النفوس البشرية، واستجاشة عناصر الخير فيها، والى مطاردة عوامل الشر والضعف والغفلة. قال عليه السلام: "والله ما ينجو من الذنب إلاّ من أقرّ به"[2]. والتوبة تمحو الذنب فيعود الإنسان من خلالها إلى الاستقامة ثانية، قال عليه السلام: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له، والمقيم على الذنب وهو مستغفر منه كالمستهزئ"[3].
9- تعميق الحياء الداخلي: ولا بد أن يتسلّح الإنسان بالواعز الذاتي الذي يصدّه عن فعل القبيح، ولذا أكّد الإمام عليه السلام على الحياء لأنه حصن حصين يردع الأهواء والشهوات من الانطلاق اللا محدود. قال عليه السلام: "الحياء والإيمان مقرونان في قرن، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه"[4].
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار،ج75، ص 174.
[2] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص426.
[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج6، ص41.
[4] الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص106.
90
الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
خلاصة الدرس
- عاش الإمام الباقر عليه السلام في فترة زمنية مفصلية في تاريخ الأمة في أوج الصراع بين بني أمية وبني مروان على السلطة، ما فسح له المجال لمعالجة كل الانحرافات العلمية والفكرية.
- عُرف عليه السلام بالعلم الوافر، وكان مقصد العلماء من كل البلاد الإسلامية.
- العوامل المؤثرة في المرحلة التي عاشها عليه السلام:
1- انتشار الخوف في كافة المناطق الإسلامية.
2- الانحطاط الفكري الذي عمّ أكثر الناس في العالم الإسلامي.
3- الفساد السياسي المتفشي بين الحكام على المستوى النظري أو العملي.
وضع عليه السلام أسس النظام الأخلاقي والتربوي، ويمكن إيجاز معالمه بالآتي:
أ- العلم والتعلّم.
ب- تربية الفقهاء، والمحدثين.
ج- الاهتمام بالقرآن.
د- فهم الدين من خلال السنة الشريفة.
هـ- علم الكلام.
91
الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
أسئلة
1- كيف كان وضع السلطة في فترة حياة الإمام الباقر عليه السلام؟
2- ما هي الطريقة التي اعتمدها الإمام عليه السلام للإصلاح؟
3- بماذا اهتمّ الإمام بالإضافة إلى الجانب العلميّ؟
ضع علامة صحّ □ أو خطأ □ في المكان المناسب:
1- موضع قبره الشريف في الكاظمية □
2- عاصر الإمام عليه السلام حكم بني العباس □
3- اهتم الإمام عليه السلام بالجانب العلمي والأخلاقي □
4- واجه الإمام عليه السلام تيار الغلو □
5- كنية الإمام عليه السلام هي "أبو عبد الله" □
92
الدرس السادس: الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام
للمطالعة
علم الإمام الباقر عليه السلام مع شيعته
ينقل أبو بصير أنّ الإمام الباقر عليه السلام سأل رجلاً من أهل أفريقيا عن رجل من شيعته اسمه (راشد) فأجاب: إنّه بخير ويبلّغك سلامه.
فقال الإمام عليه السلام: يرحمه الله؟
قال الرجل متعجّباً: أهو قد مات؟
فقال: نعم.
فسأل: متى حدث ذلك؟
قال: بعد مغادرتك بيومين.
فقال الرجل: إنّه والله لم يكن مريضاً.
فأجاب: وهل كلّ من يموت فهو عن مرض؟
وعندئذٍ سأل أبو بصير الإمام عليه السلام عن ذلك الشخص المتوفّى.
فقال الإمام عليه السلام:
"إنّه كان من شيعتنا ومحبّينا، أتظنّ أنّه ليس لنا عيون بصيرة وآذان سميعة معكم؟ بئس الظنّ! والله ما من شيء من أفعالكم يخفى علينا، فاعلموا أنّنا معكم وعوّدوا أنفسكم على فعل الخير، وكونوا من أهله حتّى تُعرفوا به ويصبح علامة عليكم، وإنّني لآمر أبنائي وشيعتي بهذا المنهج"[1].
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار،ج 46، ص 243.
93
الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
94
الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام في سطور
95
الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
الظروف المحيطة
يُعتبر عهد الإمام الصادق عليه السلام عهد الانفراج الفكريّ لمدرسة أهل البيت عليهم السلام ، طبعاً قياساً بالعهود السابقة التي مرّت بها الأمّة الإسلاميّة. وأسباب هذا الانفراج كثيرة أهمّها ضعف الحكم الأمويّ وانهياره سنة 132هـ. والبداية الضعيفة لدولة بني العبّاس. ومن الطبيعيّ أن ينشغل الحكّام عن رموز أهل البيت عليهم السلام. لذلك كان الإمام عليه السلام بعيداً عن المواجهة السياسيّة العلنيّة. ولذا سُمّي هذا العصر بعصر انتشار علوم آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.
"وكان فضلاء الشيعة ورواتهم في تلك السنين آمنين على أنفسهم مطمئنّين متجاهرين بولاء أهل البيت عليهم السلام معروفين بذلك بين الناس، ولم يكن للأئمّة عليهم السلام مزاحم لنشر الأحكام، فكان يحضر شيعتهم مجالسهم العامّة والخاصّة للاستفادة من علومهم"[1].
ولقد بلغ الازدهار العلمي والفكري غايته في عهد الإمام الصادق عليه السلام فازدهرت المدينة المنوّرة وزخرت بطلاب العلوم ووفود الأقطار الإسلامية، وانتظمت فيها حلقات الدرس، وكان بيته كجامعة إسلامية يزدحم فيه رجال العلم وحملة الحديث من مختلف الطبقات ينتهلون من معين علمه. ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان[2].
[1] الطهراني، آغابزرك، الذريعة، ج2، ص 132.
[2] ابن حجر، الصواعق المحرقة، ص 199.
96
الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
وإلى هذا أشار الجاحظ - وهو من شاهد علماء القرن الثالث "جعفر بن محمد الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه"[1].
قبس من علمه ومناقبه
"أمّا مناقبه وصفاته فتكاد تفوق عدد الحاصر ويحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر، حتّى إنّ من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال التقوى صارت الأحكام التي لا تُدرَك عللها والعلوم التي تقصر الأفهام عن الإحاطة بحكمها تُضاف إليه وتُروى عنه"[2].
وقال كمال الدين محمّد بن طلحة: هو - "أيّ الإمام الصادق عليه السلام - من عظماء أهل البيت عليهم السلام وساداتهم ذو علوم جمّة وعبادة موفورة وأوراد متواصلة وزهادة بيّنة وتلاوة كثيرة يتتبع معاني القرآن الكريم ويستخرج من بحره جواهره ويستنتج عجائبه ويقسّم أوقاته على أنواع الطاعات بحيث يحاسب عليها نفسه. رؤيته تذكّر بالآخرة واستماع كلامه يزهّد في الدنيا والاقتداء بهداه يورث الجنة، نور قسماته شاهد أنّه من سلالة النبوّة، وطهارة أفعاله تصدع بأنّه من ذريّة الرسالة، نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من أعيان الأئمّة وأعلامهم مثل: يحيى بن سعيد الأنصاريّ وابن جريح ومالك بن أسد والثوريّ وابن عيينة وأبي حنيفة وأيوب وغيرهم، وعدّوا أخذهم منه منقبة شُرّفوا بها وفضيلة اكتسبوها"[3].
إذاً، قد شهد القاصي والداني والمؤالف والمخالف أنّ الإمام صاحب المقام العلميّ الرفيع الّذي لا ينازعه أحد. حتّى توافدت كلمات الثناء والإكبار والإعجاب
[1] الجاحظ، رسائل الجاحظ، ص 106، عن مجلة تراثنا، ج 47.
[2] الأربلي، أبو الفتح، كشف الغمة، ج2، ص 368.
[3] م. ن، ص368.
97
الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
عليه من قبل الحكّام، وأئمّة المذاهب، والمؤرّخين وأصحاب السير... وقد أجمع العلماء مثل: المفيد، والطبرسيّ، والفتّال النيسابوريّ، والشهيد الثاني، وابن شهر آشوب، وغيرهم أنّه نُقل عن الإمام من الروايات ما لم يُنقل عن أحد غيره.
وهناك شواهد كثيرة على عظمة الإمام الصادق عليه السلام العلمية، وهو أمر متفق عليه من قبل علماء الشيعة والسنّة،
فالفقهاء والعلماء الكبار يتواضعون أمام عظمته العلمية ويمدحون تفوقّه العلمي، فأبو حنيفة إمام المذهب الحنفي الشهير كان يقول: "ما رأيت أعلم من جعفر بن محمد"[1].
ويقول أيضاً: لما أقدمه (جعفر بن محمد) المنصور بعث إليّ فقال: "يا أبا حنيفة إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيّئ له من مسائلك الشداد فهيّأت له أربعين مسألة، ثمّ بعث إليّ أبو جعفر وهو بالحيرة فأتيته، فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه، فلمّا بصرت به دخلني من الهيبة لجعفر ما لم يدخلني لأبي جعفر المنصور، فسلّمت عليه، فأومأ إليّ فجلست.
ثمّ التفت إليه فقال: يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة.
قال عليه السلام: نعم أعرفه.
ثمّ التفت إليّ فقال: يا أبا حنيفة ألق على أبي عبد الله من مسائلك.
فجعلت أُلقي عليه فيجيبني، فيقول أنتم تقولون كذا وأهل المدينة يقولون كذا ونحن نقول كذا، فربما تابعنا وربما تابعهم
وربما خالفنا جميعاً، حتى أتيت على الأربعين مسألة فما أخل منها بشيء.
ثمّ قال أبو حنيفة وبعد ما بلغ إلى هذا الوضع: "أليس أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس؟"[2].
[1] الذهبي، تذكرة الحفاظ، ج1، ص166.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج47، ص217؛ الشيخ أسد حيدر، الإمام الصادق عليه السلام والمذاهب الأربعة، ج4، ص335.
98
الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
وقال مالك إمام المذهب المالكي: "اختلفت إلى جعفر بن محمد زماناً، فما كنت أراه إلاّ على إحدى ثلاث خصال: إمّا مصلياً، وإمّا صائماً، وإمّا يقرأ القرآن، وما رأيته قط يحدّث عن رسول الله إلاّ على طهارة[1]. ولا يتكلم بما لا يعنيه. وكان من العلماء العبّاد والزهّاد الذين يخشون الله، وما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً"[2].
99
الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
مواضيع علمية مختلفة لا سيما العلوم العقلية والطبيعية والكيميائية وقد اشتهر لذلك بأبي علم الكيمياء وقد ترجمت كتبه في القرون الوسطى إلى لغات أُوروبية عديدة، وقد أطراه مؤرّخو العلوم جميعهم.
تصحيح منهج الاجتهاد
لقد حرص الإمام الصادق عليه السلام على المعالجة العلمية الجديّة والشاملة، للواقع العلمي بشكل عام والفقهي بشكل خاص، نظراً لما يشكّل الفقه من نظام للحياة الفردية والاجتماعية وينظّم علاقة الإنسان بربّه وبباقي بني جنسه.
وتكوّن المنهج الإصلاحي من مجموعة من الخطوات أهمها:
الأولى: رفض منهج الاجتهاد السائد
لقد عمل الإمامان عليهما السلام على تصحيح منهج الاجتهاد الفقهي إلى جانب التفقّه في الدين بشكل عام. وإلى هذا أشار الصادق عليه السلام وبقية الأئمة عليهم السلام في العديد من المناسبات:
روى الكليني... قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنّ أصحاب المقائيس طلبوا العلم بالمقائيس، فلم تزدهم المقائيس من الحقّ إلا بعداً، وإنّ دين الله لا يصاب بالمقائيس[1].
وروى الكليني أيضاً... عن أبي الحسن موسى عليه السلام في حديث: ما لكم وللقياس؟ إنّما هلك من هلك من قبلكم بالقياس، ثمّ قال: إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به، وإذا جاءكم ما لا تعلمون فها - وأهوى بيده إلى فيه -[2].
قال الصادق عليه السلام: "دع القياس والرأي وما قال قوم في دين الله ليس له برهان"[3].
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 56، ح7.
[2] م. ن، ج 1، ص 57، ح13
[3] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج 1، ص 88، الباب 81، باب علّة المرارة في الاُذنين..، ح 4.
100
الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
الثانية: منهج التعامل مع الشريعة والفقه
وذلك من خلال تأصيل منهج الاجتهاد الفقهي واستنباط أحكام الشريعة، وقد تمثّل ذلك في الرسائل العلميّة التي دوّنها أصحابه في أصول الفقه، والفقه، والحديث التي تميّزت بالاعتماد على مدرسة أهل بيت الوحي اتّخاذها أساساً للفقه والإفتاء دون الرأي والاستحسان، وذلك من خلال:
1- تحديد مرجعية النص: ربط كل ما يصدر عنهما من روايات وأخبار بمرجعيّة النص الأساسية المتمثّلة برسول الله، فلا حجية لجميع أنواع النصوص الواردة بطرق أخرى، أو لا تنتسب إلى رسول الله من هذا الطريق: فقال عليه السلام: "حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين وحديث الحسين حديث الحسن وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحديث رسول الله قول الله عزّ وجلّ"[1].
2- تحديد مصادر الفتاوى: ونفى صدور الفتاوى عنهم عليه السلام مع ما لهم من الشأن والموقع العلمي الذي لا يضاهيهم فيه أحد، وفي هذا إشارة واضحة إلى بطلان وعدم حجية جميع الفتاوى التي يصدرها المجتهدون بالإعتماد على القياس ونحوه، فقال عليه السلام: "إنا لو كنّا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنّا من الهالكين ولكنّا نفتيهم بآثار من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصول علم عندنا نتوارثها كابراً عن كابر، نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضّتهم"[2].
فما يميّز هذه المدرسة هو أنها تتّصل اتصالاً مباشراً بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبالوحي،
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 53 - 58.
[2] محمد بن الحسن بن فروخ الصفار، بصائر الدرجات، ص 300.
101
الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
وقال عليه السلام: "لو انّا حَدَّثنا برأينا ضَلَلْنا، كما ضَلَّ من كان قبلنا، ولكِنَّا حَدَّثنا بِبَيِّنَة من رَبِّنا بَيَّنها لنبِيِّه صلى الله عليه وآله وسلم ، فَبَيَّنَها لَنا"[1].
3- وضع منهج التفقّه في الدين: وقد تكفّلت كتب اُصول الفقه ببيان قواعد استنباط الأحكام وكيفة التعامل مع الأحاديث والأخبار المدوّنة في الحديث واُصوله. وعلّم طلاّبه كيفية استنباط الأحكام من مصادر التشريع كما علّمهم كيفية التعامل مع الأحاديث المتعارضة، ويمكن بيان مكوّنات هذا المنهج بالأمور التالية:
أ- رفض ما يخالف الكتاب: فصرّح عليه السلام بوجوب رفض الأحاديث التي تعارض القرآن فقال عليه السلام: "ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف"[2]. وقال أيضاً: "إنّ على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نوراً فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه"[3].
ب- بيان كيفية معالجة الأحاديث المتعارضة: وفي حالة تعارض الأحاديث فيما بينها قال عليه السلام: "اذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلاّ فالّذي جاءكم به أولى به"[4].
عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فقال: "ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه، فإنّما استخفّ بحكم الله وعلينا ردّ، والرادّ علينا الرادّ على الله وهو على حدّ الشرك بالله..."[5].
[1] البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج 1، ص 129.
[2] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج 18، ص 78.
[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 69.
[4] م. ن.
[5] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج 3، ص 8، القضايا والأحكام، باب الاتفاق على عدلين في الحكومة، ح 3233.
102
الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
ج- التفريع عن الأصول: عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "إنّما علينا أن نلقي إليكم الاُصول وعليكم التفريع"[1].
و عن ابن مسكان، عن حبيب قال: قال لنا أبو عبدالله عليه السلام: "ما أحد أحبّ إليَّ منكم، إن الناس سلكوا سبلاً شتّى[2] منهم من أخذ بهواه، ومنهم من أخذ برأيه وإنّكم أخذتم بأمر له أصل".
د- تأسيس القواعد الفقهيّة الكلية: يلاحظ في مجموعة كبيرة من الروايات الواردة عن الأئمة عليهم السلام أنها قد تحدّثت عن قواعد كلية للفقه والأصول والحديث. كان الأئمة عليهم السلام يأمرون أكابر صحابتهم وتلامذتهم أن يجلسوا في المسجد ويفتوا الناس. وقد شكّلت هذه القواعد الكلية في عصر الغيبة جزأً هاماً من منهج وأدوات الاجتهاد عند الإمامية. ونسوق فيما يلي بعض الروايات والحوادث في هذا المجال:
عن موسى بن بكر، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام، الرجل يغمى عليه يوماً أو يومين أو الثلاثة أو الأربعة أو أكثر من ذلك، كم يقضي من صلاته؟ قال: "ألا أخبرك بما يجمع لك هذه الأشياء كلّها؟ كلّما غلب الله عليه من أمر فالله أعذر لعبده"[3].
هـ- حث الأصحاب من الفقهاء على الإفتاء:
1- قال الإمام الصادق عليه السلام لأبان بن تغلب: اجلس في مسجد المدينة وأفتِ الناس، فإنّي أحبّ أن يُرى في شيعتي مثلك[4].
2- ما رواه عبد العزيز بن المهتدي عن الإمام الرضا عليه السلام قال: سألته فقلت: إنّي
[1] ابن إدريس الحلي، السرائر، ج 3، ص 575، ما استطرفه من جامع البزنطي.
[2] شتّى: أي متفرقاً.
[3] الشيخ الصدوق، الخصال، ج 2، ص 644، أبواب ما بعد الألف، ح 24.
[4] محمد علي الأردبيلي، جامع الرواة، ج 1، ص 9.
103
الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
لا أقدر على لقائك في كلّ وقت، فعمّن آخذ معالم ديني؟ فقال عليه السلام: خذ عن يونس بن عبد الرحمن[1].
الثالثة: التدوين
وتميّزت أيضاً مدرسة الإمام عليه السلام بالاهتمام بالتدوين بشكل عام بل ومدارسة العلم لإنمائه وإثرائه.
فكان عليه السلام يأمر طلاّبه بالكتابة ويؤكِّد لهم ضرورة التدوين والكتابة كما تجد ذلك في قوله عليه السلام: "إحتفظوا بكتبكم فإنكم سوف تحتاجون اليها"[2].
وكان يشيد بنشاط زرارة الحديثي إذ كان يقول: "رحم الله زرارة بن أعين لولا زرارة ونظراؤه لاندرست أحاديث أبي"[3].
وقال فيه وفي جماعة من أصحابه منهم أبو بصير، ومحمد بن مسلم، وبريد العجلي: "لولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا الفقه، هؤلاء حفّاظ الدين واُمناء أبي عليه السلام على حلاله وحرامه وهم السابقون الينا في الدنيا والآخرة"[4].
الرابعة: مرجعيّة الكتاب والسنة
أ- جامعيّة الكتاب والسنة للشريعة: - عن حمّاد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: "ما من شيء إلاّ وفيه كتاب أو سنّة"[5].
- وعن مُرازم عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: "إنّ الله تبارك وتعالى أنزل في القرآن تبيان كل شيء، حتى والله ما ترك الله شيئاً يحتاج إليه العباد، حتى لا
[1] الشيخ النجاشي، رجال النجاشي، ص311، مع العلم بأن يونس مع المصنفين في أصول الفقه راجع تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام، 310- 311.
[2]الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 52.
[3] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة ج 27، ص 144، والشيخ المفيد، الاختصاص، ص 66.
[4] م. ن، ج 8، ص 57 - 59.
[5] الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 59، كتاب فضل العلم، الباب 20، باب الرد الى الكتاب، ح 4.
104
الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
يستطيع عبد أن يقول: لو كان هذا أنزل في القرآن، إلاّ وقد أنزل الله فيه"[1].
ـ وعن المعلى بن خنيس قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "ما من أمر يختلف فيه اثنان، إلاّ وله أصل في كتاب الله ولكن لا تبلغه عقول الرجال"[2].
1- وجوب الردّ إلى الكتاب والسنة وأخذ الأحكام منهما:
- روى الكليني... قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنة.."[3].
- وفي حديث آخر عنه عليه السلام: "من خالف كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد كفر"[4].
سعة جامعة الإمام الصادق عليه السلام
قارع الإمام الصادق عليه السلام جميع التيارات الفكرية والدينية السائدة في تلك الفترة وأوضح موقف الإسلام حيالها جميعاً، وأثبت أفضلية العقيدة الإسلامية. ولم تقتصر جامعة الإمام الصادق على الطلاب الشيعة، وقد زخرت بطلاب العلم من مختلف المذاهب السنّية أيضاً، وكان أئمّة المذاهب السنّية المشهورين ـ بشكل مباشر وغير مباشر ـ تلامذة لديه يفيدون منه، وكان على رأسهم أبو حنيفة الذي لازم الإمام سنتين وجعل هاتين السنتين مصدر علمه ومعرفته وكان يقول: لولا السنتان لهلك النعمان[5].
وقد كان تلامذة الإمام من الأقطار المختلفة مثل الكوفة والبصرة وواسط، والحجاز وغيرها، ومن مختلف القبائل مثل بني أسد، المخارق، طي، سليم، غطفان،
[1] الكافي، ج 1، ص 59، كتاب فضل العلم، الباب 20، باب الرد الى الكتاب، ح 1.
[2] م. ن، ج1، ص 60، ح 6.
[3] م. ن، ص 70، ح 3.
[4] م. ن، ح 6.
[5] الشيخ أسد حيدر، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، ج1، ص70، كان اسم أبي حنيفة النعمان بن ثابت.
105
الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
الأزد، خزاعة، خثعم، بني ضبة، وقريش لا سيما بنو الحارث بن عبد المطلب وبنو الحسن الذين اتصلوا بتلك الجامعة[1].
106
الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
فقال أبو عبد الله عليه السلام: "كيف رأيت يا شامي؟".
قال: رأيته حاذقاً ما سألته عن شيء إلاّ أجابني فيه.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: "يا حمران سل الشامي" فما تركه يكشر.
فقال الشامي: أُريد يا أبا عبد الله أُناظرك في العربية!
فالتفت أبو عبد الله عليه السلام فقال: "يا أبان بن تغلب ناظره"، فناظره فما ترك الشامي يكشر.
فقال: أُريد أن أُناظرك في الفقه!
فقال أبو عبد الله عليه السلام: "يا زرارة! ناظره!" فناظره فما ترك الشاميّ يكشر.
ثمّ قال: أُريد أن أُناظرك في الكلام!
قال: "يا مؤمن الطاق ناظره"، فناظره فسجل الكلام بينهما، ثمّ تكلم مؤمن الطاق بكلامه فغلبه به.
وهكذا عندما أراد الشامي أن يناظر في الاستطاعة - قدرة الإنسان على فعل الشر والخير- والتوحيد والإمامة أمر الإمام وبالترتيب كلاً من حمزة الطيار وهشام بن سالم وهشام بن الحكم بمناظرته، فغلبوه بأدلّة قاطعة ومنطق مفحم.
وبمشاهدة ذلك المشهد المثير ارتسمت ابتسامة جميلة على شفتي الإمام فرحاً[1].
الإمام الصادق والمنصور
كان أبو جعفر المنصور قلقاً جداً من نشاطات وتحركات الإمام الصادق السياسية، وممّا جعله يزداد قلقاً محبوبية الإمام الصادق عليه السلام ومنزلته العلمية الكبيرة، لذلك كان يُحضر الإمام إلى العراق بين الحين والآخر بذريعة وأُخرى، ويخطّط لقتله وفي كلّ مرة كان الخطر يزول عن الإمام بنحو أو بآخر[2].
[1] الشيخ الطوسي، اختيار معرفة الرجال، ج2،ص555.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج47، ص162-212، وقد عقد المجلسي فصلاً خاصاً للمواجهات التي كانت بين الإمام والمنصور.
107
الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
كان المنصور يراقب تحركات الشيعة في المدينة بدقة، وكان له جواسيس ينظرون من ثبتت شيعيته فيضربون عنقه[1].
وكان الإمام الصادق عليه السلام يمنع أصحابه من التعاون والتعامل مع الجهاز الحاكم.
وقد سأله أحد أصحابه يوماً: جعلت فداك -أصلحك الله- إنّه ربما أصاب الرجل منّا الضيق والشدة، فيدعى إلى بناء يبنيه أو نهر يكريه أو المسناة يصلحه، فما تقول في ذلك؟
فقال عليه السلام: "ما أحب أن اعقد لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء - يعني بني العباس - وأنّ لي ما بين لابتيها ولا مدة بقلم، إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد"[2].
وكان الإمام يمنع الشيعة من الترافع إلى قضاة الجهاز العباسي، وينهاهم ولا يعتبر الأحكام التي يصدرونها واجبة التنفيذ شرعاً.
وكان يحذّر الفقهاء والمحدّثين من الانتماء إلى الحكومة ويقول: "الفقهاء أُمناء الرسل، فإذا رأيتم الفقهاء قد ركبوا إلى السلاطين فاتهموهم"[3].
وكتب أبو جعفر المنصور إلى الإمام يوماً: لولا تغشانا كما تغشانا سائر الناس.
فأجابه الإمام: "ما عندنا من الدنيا ما نخافك عليه، ولا عندك من الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنّيك عليها، ولا تعدها نقمة فنعزيك بها، فلم نغشاك؟!"، فكتب المنصور: تصحبنا لتنصحنا، فأجابه الإمام: "من أراد الدنيا فلا ينصحك، ومن أراد الآخرة فلا يصحبك"[4].
[1] الكشي، اختيار معرفة الرجال، ص282.
[2] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج12، ص129.
[3] الشيخ أسد حيدر، الإمام الصادق عليه السلام والمذاهب الأربعة، ج3، ص21، نقلاً عن حلية الأولياء.
[4] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج47، ص184.
108
الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
خلاصة الدرس
109
الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
أسئلة
1- في أيّ سنة انهار الحكم الأمويّ؟
2- كيف كان موقف الإمام الصادق عليه السلام من ثورة عمّه زيد بن عليّ؟
3- تحدث عن خصائص جامعة الامام عليه السلام ونهضته العلمية.
ضع علامة صحّ □ أو خطأ □ في المكان المناسب:
1- لم يعاصر الإمام عليه السلام أحداً من الحكام العباسيين □.
2- موضع قبره الشريف في المدينة المنورة □.
3- أبو حنيفة النعمان درس على يدي الإمام عليه السلام □.
4- قام عليه السلام بتصحيح منهج الاجتهاد □.
5- عاصر الإمام عليه السلام أبا جعفر المنصور□.
110
الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
للمطالعة
الحالة السياسيّة وثورة زيد
زيد بن عليّ عليه السلام أحد الثوّار الكبار في عصره. وهو عمّ الإمام الصادق عليه السلام. وحينما صمّم على الثورة جاء إليه جابر بن يزيد الجعفيّ يسأله عن سبب تصميمه على الثورة ويخبره بأنّه لو خرج يُقتل.
فقال زيد لجابر: "يا جابر لم يسعني أن أسكت وقد خُولف كتاب الله وتُحوكم بالجبت والطاغوت، وذلك أنّي شاهدت هشاماً ورجل عنده يسبّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت للسابّ: ويلك يا كافر، أما أنّي لو تمكنّت منك لاختطفت روحك وعجّلتك إلى النار.
فقال لي هشام: مَه جليسنا يا زيد.
قال زيد لجابر: "فوالله لو لم يكن إلّا أنا ويحيى ابني لخرجت عليه وجاهدته حتّى أفنى"[1].
ومن هنا فجّر زيد ثورته المباركة. وبعد شهادته أمر هشام بصلب جثمانه الطاهر في الكناسة في الكوفة.
أمّا موقف الإمام عليه السلام من عمّه زيد فقد كان الإمام عليه السلام في مواقف عديدة يتبنّى الدفاع عن عمّه ويترحّم عليه ويوضح منطلقاته وأهدافه ويرسّخ في النفوس مفهوماً إسلاميّاً عن ثورته حيث يعتبر هذه الثورة جزءاً من حركته المباركة.
عن الفضيل بن يسار يقول: ذهبت إلى المدينة بعد قتل زيد لألتقي بالإمام الصادق عليه السلام وأخبره بنتائج الثورة،
وبعد أن التقيته وسمع منيّ ما دار في المعركة قال عليه السلام:
يا فضيل شهدت مع عمّي قتال أهل الشام؟
[1] القرشي، باقر شريف، حياة الإمام محمّد الباقر عليه السلام، ج1، ص72.
111
الدرس السابع: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
قلت: نعم.
قال عليه السلام: كم قتلت منهم؟
قلت: ستة.
قال عليه السلام: فلعلّك شاكٌّ في دمائهم؟
قال: فقلت: لو كنت شاكّاً ما قتلتهم.
ثمّ قال: سمعته وهو يقول:
أشركني الله في تلك الدماء. مضى والله زيد عمّي وأصحابه شهداء، مثل ما مضى عليه عليّ بن أبي طالب وأصحابه[1].
[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، ج13، ص275.
112
الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
113
الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام في سطور
الولادة: ولد عليه السلام يوم الأحد السابع من شهر صفر سنة (128هـ) في مدينة الأبواء بين مكّة والمدينة.
الشهادة: استشهد الإمام موسى بن جعفر عليه السلام مسموماً ببغداد في حبس السنديّ بن شاهك في الخامس والعشرين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة (183هـ). وهو ابن أربع وخمسين سنة.
ألقابه: العبد الصالح، الكاظم، الصابر، الأمين، باب الحوائج، ذو النفس الزكية، زين المجتهدين، الوفيّ، المأمون، الطيّب.
كنيته: أبو إبراهيم، أبو عليّ، أبو إسماعيل وأبو الحسن الأوّل.
مدفنه: بغداد في مقابر قريش.
114
الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
الظروف العامّة
115
الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
فطرب الرشيد وقام على رجليه حتّى استقبل أمّ جعفر وعليّة وهو على غاية السرور وقال: "لم أر كاليوم قطّ، يا مسرور لا تبقينّ في بيت المال درهماً إلّا نثرته، فكان مبلغ ما نثره يومئذٍ ستّة آلاف ألف درهم"[1].
هذا نموذج يحكي عن الاستهتار الفاحش بأموال المسلمين، والخروج عن أحكام الدين، في الوقت الذي كانت الأكثريّة الساحقة في البلاد الإسلاميّة تعاني الفقر والحرمان. ومن شعر قاله الشاعر أبو العتاهية:
إنّي أرى الأسعار أسعار الرعيّة غالية وأرى المكاسب نزرة وأرى الضرورة فاشية
وأرى غموم الدهر رائحة تمرّ وغادية وأرى اليتامى والأيامى في البيوت الخالية
من بين راجٍ لم يزل يسمو إليك وراجية يرجون رفدك كي يروا ممّا لقوه العافية
مَن للبطون الجائعات وللجسوم العارية يشكون مجهدة بأصوات ضعاف عالية
من مصيبات جُوّعٍ تمسي وتصبح طاوية
وأمّا على المستوى العلميّ فقد كثرت الشبهات على الناس ونشأ الكثير من الفرق والمذاهب والتيّارات المنحرفة، حتّى وصل بعضها إلى الإلحاد[2].
أولويّات المواجهة
لقد أظهر الإمامان الباقر والصادق عليهما السلام العلوم والمعارف الإسلاميّة الأصيلة
[1] أبي الفرج الأصفهاني، الأغاني، ج10، ص 360.
[2] الشيخ القرشي، حياة الإمام الرضا عليه السلام، ص 193.
116
الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
وحدّدا المناهج والأصول والمعالم. وبدأ الإمام الكاظم عليه السلام بدور آخر تجلى في المواجهة السياسيّة، وبدأ بخطوات عمليّة عديدة في هذا الإطار. وأمّا الجهاد العسكريّ فلم تكن الأمّة جاهزة لمثل هذا الخيار وهذا ما نجده في كلمته لشهيد فخّ الحسين بن عليّ عندما رآه عازماً على الخروج: "إنّك مقتول فأجدّ الضراب، فإنّ القوم فسّاق يظهرون إيماناً ويضمرون نفاقاً وشركاً فإنّا لله وإنّا إليه راجعون وعند الله أحتسبكم من عصبة"[1].
وقد ارتسم هذا العمل السياسيّ غير المسلّح في العديد من الأمور:
1- بيان حقّ الإمام عليه السلام بالخلافة:
هذا البيان الّذي انتقل من إطاره العلميّ إلى إطار التحدّي وصناعة الجوّ السياسيّ. وممّا ينقل أنّه لمّا زار هارون قبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وقد احتفى به الأشراف والوجوه والوزراء وكبار رجال الدولة، أقبل على الضريح المقدّس ووجّه للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم التحيّة قائلاً: السلام عليك يا بن العمّ، قاصداً الافتخار على من سواه برحمه الماسّة من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم داعماً خلافته من خلال ذلك، وكان الإمام عليه السلام موجوداً فسلّم على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: السلام عليك يا أبتِ.
ففقد الرشيد صوابه وانتفخت أوداجه وقال: لِمَ قلت إنّك أقرب إلى رسول الله منّا؟
فقال عليه السلام: "لو بُعث رسول الله حيّاً وخطب منك كريمتك هل كنت تجيبه إلى ذلك؟".
فقال هارون: سبحان الله! وإنّي لأفتخر بذلك على العرب والعجم.
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص 366.
117
الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
118
الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
عليها، فطلب إحضارها، فأرسل من يحضرها من مكانها. وعندما رآها هارون قال: ردّها إلى مكانها وخذها وانصرف راشداً فلن نصدّق بعدها عليك ساعياً"[1].
3- مواجهة السلطة وفضح ظلمها:
كان الإمام عليه السلام يُظهر عدم شرعيّة هذه السلطة. ومما يُنقل أنّ هارون قال لأبي الحسن الكاظم عليه السلام حين أُدخل عليه: ما هذه الدار؟
فقال عليه السلام: هذه دار الفاسقين.
فقال له هارون: فدار من هي؟
قال: هي لشيعتنا فترة ولغيرهم فتنة.
قال: فما بال صاحب الدار لا يأخذها؟
فقال عليه السلام: أُخذت منه عامرة ولا يأخذها إلّا معمورة.
قال: فأين شيعتك؟
فقرأ أبو الحسن عليه السلام: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾[2].
فقال له: فنحن كفّار؟
قال عليه السلام: لا، ولكن كما قال الله ﴿الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ﴾[3].
فغضب عند ذلك وغلظ عليه[4].
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 48، ص 138.
[2] سورة البيّنة، الآية: 1.
[3] سورة ابراهيم، الآية: 28.
[4] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 48، ص 156.
119
الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
أسباب سجن الإمام عليه السلام
120
الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
فقال عليه السلام: لا آخذها إلّا بحدودها.
قال: وما حدودها؟
قال عليه السلام: إن حددتها لم تردّها.
قال: بحقّ جدّك إلّا فعلت.
قال عليه السلام: أمّا الحدّ الأوّل فعدن، فتغيّر وجه الرشيد وقال: إيهاً.
قال عليه السلام: والحدّ الثاني سمرقند، فاربدّ وجهه.
قال عليه السلام: والحدّ الثالث أفريقية، فاسودّ وجهه وقال: هيه.
قال عليه السلام: والرابع سيف البحر ممّا يلي الجزر وأرمينية.
قال الرشيد: فلم يبق لنا شيء، فتحوّل إلى مجلسي.
قال الإمام موسى بن جعفر عليه السلام: قد أعلمتك أنّني إن حددتها لم تردّها. فعند ذلك عزم على قتله[1].
وهكذا فقد كان اعتقال الإمام عليه السلام سنة 179هـ في شهر شوال، وبقي يتنقّل في السجون يلاقي أنواع التضييق والتنكيل إلى أن عمد الرشيد إلى رُطبٍ فوضع فيه سمّاً فاتكاً وأمر السنديّ أن يقدّمه إلى الإمام عليه السلام ويحتّم عليه أن يتناول منه ففعل ومضى شهيداً سنة183هـ.
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج29، ص 201.
121
الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
خلاصة الدرس
- طارد العباسيون ذريّة الإمام عليه السلام وأتباعهم، ولاحقوهم على امتداد العالم الإسلامي.
- أحصي الكثير من الشهداء، الذين قتلوا ابتداء من تسلّم السفاح السلطة حتى شهادة الإمام الكاظم عليه السلام، وكان أشهرهم الشهيد محمد بن عبد الله بن الحسن، والشهيد الحسين بن علي بن الحسن شهيد الفخ.
- انتشر في هذه المرحلة الفسق وشرب الخمر والمجون...
- رسم الإمام الكاظم عليه السلام عمله السياسي ضمن الأمور التالية:
1- بيان حق الإمام عليه السلام بالخلافة.
2- النفوذ إلى السلطة والتأثير من داخلها.
3- مواجهة السلطة وفضح ظلمها.
أسباب سجن هارون للإمام عليه السلام:
1- حقد هارون على كل شخصية بارزة.
2- بغضه للعلويين.
3- الوشاية بالإمام من قبل بعض المتزلفين.
122
الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
أسئلة
1- ما هي الطريقة التي انتهجها الإمام عليه السلام في المواجهة؟
2- ما هو الهدف الذي توخّاه الإمام عليه السلام من وجود أمثال علي بن يقطين في السلطة؟
3- ما هي أهم الأسباب التي دعت هارون لسجن الإمام عليه السلام؟
ضع علامة صحّ □ أو خطأ □ في المكان المناسب:
1- كُنّي الإمام الكاظم بـ "أبي إبراهيم" و"أبي الحسن الأول" □
2- موضع قبره الشريف في الكاظمية □
3- ثار بعضهم بوجه العباسيين في فترة حياة الإمام عليه السلام □
4- السفاح أحد الخلفاء العباسيين الذين عاصرهم الإمام الكاظم عليه السلام □
5- النفس الزكية هو محمد بن عبد الله بن الحسن □
123
الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
للمطالعة
124
الدرس الثامن: الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام
في المائة؟ قال: درهمان ونصف. فقلت: حسن يا مولاي، أعيذك بالله، ما تقول في رجل قال لامرأته: أنت طالق عدد نجوم السماء؟ قال: يكفيه من رأس الجوزاء ثلاثة. فقلت: الرجل لا يحسن شيئاً، فقمت وقلت: أنا أعود إلى سيّدنا غداً. فقال: إن كان لك حاجة فإنا لا نقصّر[1]. وهذا الحديث يدلّ على تشخيص خلّص أصحاب الأئمّة للإمام عليه السلام ودقّة تحرّيهم في هذا الأمر الخطير. وقد عرفوا المغزى الحقيقيّ وراء وصيّة الإمام الصادق عليه السلام لغير واحد بعده، والإمام عليه السلام لا يوصي إلّا إلى واحد، فقد روى داود بن كثير الرقّيّ قال: أتى أعرابيّ إلى أبي حمزة (وكان جالساً في لمّة من أصحابه)، فسأله خبراً، فقال: توفّي جعفر الصادق عليه السلام، فشهق شهقة وأغمي عليه، فلمّا أفاق قال: هل أوصى إلى أحد؟ قال: نعم، أوصى إلى ابنه عبد الله وموسى وأبي جعفر المنصور، فضحك أبو حمزة وقال: الحمد لله الّذي هدانا ولم يضلّنا، بيّن لنا عن الكبير، ودلّنا على الصغير، وأخفى عن أمر عظيم، فسئل عن قوله فقال: بيّن عيوب الكبير، ودلّ على الصغير بأن أدخل يده مع الكبير، وستر الأمر الخطير بالمنصور، لأنه لو سأل المنصور عن الوصيّ لقيل: أنت[2].
[1] ابن حمزة الطوسي، الثاقب في المناقب، ص 441.
[2] الشيخ عباس القمي، الأنوار البهية، ص 149.
125
الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام
الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام
126
الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام
الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام في سطور
الولادة: ولد في الحادي عشر من شهر ذي القعدة سنة (148هـ) في المدينة المنوّرة.
الشهادة: استشهد بالسمّ في شهر صفر، سنة ثلاث ومائتين من يوم الجمعة، وهو يومئذٍ ابن خمس وخمسين سنة، ودفن في دار حميد بن قحطبة في بقعة هارون الرشيد في قرية يقال لها سناباد.
ألقابه: الرضا، الصابر، الفاضل، الرضيّ، الوفيّ، قرّة أعين المؤمنين، غيظ الملحدين.
كنيته: أبو الحسن الثاني.
مدفنه: طوس.
127
الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام
تمهيد:
عاصر الإمام الرضا عليه السلام خلال فترة إمامته المباركة الّتي استمرّت عشرين سنة عدداً من خلفاء بني العبّاس وهم هارون الرشيد لمدّة عشر سنوات (183 ـ 193هـ) ومن بعده ولداه الأمين والمأمون.
الإمام عليه السلام في عصر هارون الرشيد
بعد استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام سنة 183هـ وتسلّم الإمام الرّضا عليه السلام الإمامة عانى الكثير من ظلم هارون، ولكن لم يظهر منه أيّ تصدٍّ علنيّ لمنصب الإمامة، ولم يسجّل له أيّ حضور في المجالس والمحافل العامّة، وذلك لأسباب متعدّدة منها الوصيّة الّتي ركّز فيها الإمام الكاظم عليه السلام على أنّ إظهار ابنه الإمام عليه السلام للإمامة سيكون بعد أربع سنوات من استشهاده أي سنة 178هـ. وذلك لإدراك الإمام الظروف القاسية التي ستمرّ بها الأمّة في ذلك الوقت.
وبالفعل في سنة 187هـ تصدّى الإمام لمنصب الإمامة علناً، ولذلك قال له محمّد بن سنان: لقد شهرت بهذا الأمر - الإمامة - وجلست في مكان أبيك بينما سيف هارون يقطر دماً. فقال الإمام عليه السلام: "إنّ الّذي جرّأني على هذا الفعل قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: لو استطاع أبو جهل أن ينقص شعرة من رأسي فاشهدوا بأنّي لست نبيّاً وأنا أقول: لو استطاع هارون أن
128
الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام
ينقص شعرة من رأسي فاشهدوا بأنّي لست إماماً"[1].
129
الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام
وذلك لإعداد الأرضيّة لانجذابهم نحوه، وعلاوة على هذا فقد حاول جذب الشيعة وأتباع الإمام عليه السلام إليه من خلال القيام ببعض الأعمال، فمثلاً كان يتحدّث عن عدّة أمور منها:
130
الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام
هـ- وجبهة الأهواز بقيادة زيد بن موسى.
و- وجبهة المدائن بقيادة محمّد بن سليمان[1].
ولذلك كان الهدف الأوّل من دعوة الإمام عليه السلام إلى خراسان تحويل ساحة المواجهة العنيفة والملتهبة إلى ساحة مواجهة سياسيّة هادئة.
2- سلب القداسة والمظلومية عن الثورة:
الشيعة لم يكونوا يعرفون التعب أو الملل في المواجهة ولم تكن ثورتهم لتقف عند حدّ. وهذه المواجهات كان لها خاصّيّتان:
الأوّلى: المظلوميّة.
الثانية: القداسة[2].
المظلوميّة: الّتي كانت تتمثّل بانتزاع الخلافة والاضطهاد والقتل الّذي تعرّض له أئمّة أهل البيت عليهم السلام من عهد مولانا الإمام عليّ عليه السلام إلى عهد مولانا الرضا عليه السلام وما بعده.
أمّا القداسة: فهي الّتي يمثّلها الإمام المعصوم من خلال ابتعاده عن أجهزة الحكم، وقيادة الناس وفقاً لمنهج الإسلام المحمديّ الأصيل.
إنّ المأمون العباسيّ حاول من خلال ولاية العهد أن يسلب هذه القداسة والمظلوميّة اللّتَيْن تشكّلان عامل النفوذ الثوريّ في المجتمع الإسلاميّ, لأنّ الإمام عندما يصبح وليّ عهد سينضمّ، حسب تصوّر المأمون، إلى أجهزة الحكم وينفذ أوامر الملك في التصرّف بالبلاد إذاً فهو لم يعد لا مظلوماً ولا مقدّساً.
3- إضفاء المشروعيّة على الخلافة العباسيّة:
[1] المنظمة العالمية للحوزات، تاريخ الإسلام، ج3، ص160-161.
[2] الإمام السيد علي الخامنئي، الدروس العظيمة من سيرة أهل البيت عليهم السلام ، ص 190-191(بتصرّف).
131
الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام
إنَّ مبايعة الإمام عليه السلام للمأمون تعني حصول المأمون على اعتراف من العلويّين، على أعلى مستوى، بشرعيّة الخلافة العباسيّة. وقد صرّح هو بذلك "فأردنا أن نجعله وليّ عهدنا، ليكون دعاؤه لنا، وليعترف بالملك والخلافة لنا"[1].
132
الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام
قبلت ولاية العهد مع إظهارك الزهد في الدنيا، فقال عليه السلام: قد علم الله كراهتي لذلك، فلمّا خُيّرت بين قبول ذلك وبين القتل اخترت القبول على القتل، ويحهم أما علموا أنّ يوسف عليه السلام كان نبيّاً ورسولاً فلمّا دفعته الضرورة إلى تولّي خزائن العزيز ?قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ?؟ ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك على إكراه وإجبار بعد الإشراف على الهلاك على أنّي ما دخلت في هذا الأمر إلّا دخول خارج منه فإلى الله المشتكى وهو المستعان"[1].
طبعاً هذا لا يعني أنّ الإمام عليه السلام لأنّه هُدّد بالقتل قبِل بولاية العهد من دون النظر إلى النتائج المترتّبة على ذلك. ومن النصوص الّتي يظهر فيها التهديد للإمام عليه السلام هو قول المأمون له: "إنّ عمر بن الخطّاب جعل الشورى في ستّة أحدهم جدّك أمير المؤمنين عليّ عليه السلاموشرط فيمن خالف منهم أن يُضرب عنقه ولا بدّ من قبولك ما أريده منك فإنني لا أجد محيصاً عنه"[2].
وأمّا الإجراءات الّتي قام بها الإمام عليه السلام فهي متعدّدة منها:
1- إعلان التهديد:
وهذا الإجراء تقدّم الكلام عنه، وقد ساعد أعوان السلطة لعدم تدبيرهم ودرايتهم بالسياسة على نشر هذا الخبر.
2- عدم التدخّل في الشؤون السياسيّة:
رغم كلّ التهديدات الّتي مورست على الإمام عليه السلام قَبِلَ ولاية العهد بشرط الموافقة على عدم تدخّله في أيّ شأن من شؤون الحكومة من حرب أو سلم، ومن عزل أو نصب الخ...
[1] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج2، ص139.
[2] الشيخ المفيد، الإرشاد، ص290.
133
الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام
فقد قال عليه السلام عندما هدّده المأمون: "فإنّي أجيبك إلى ما تريد من ولاية العهد على أنّني لا آمر ولا أنهى ولا أفتي ولا أقضي ولا أولّي ولا أعزل ولا أغيّر شيئاً ممّا هو قائم، فأجابه المأمون إلى ذلك كلّه"[1].
إلى غيرها من الإجراءات التي قام بها الإمام الرضا عليه السلام في مواجهة هذه السياسة الّتي قام بها المأمون والّتي لا يستوعبها هذا البحث.
نتائج ولاية العهد
يقول الإمام الخامنئيّ في هذا المجال:
"إنّ السنة التي تسلّم فيها الإمام عليه السلام ولاية العهد كانت واحدة من أعظم البركات التاريخية على التشيّع حتّى إنّها نفخت روحاً جديدة في نضال العلويّين وكفاحهم، وهذا كان من بركات التدبير الإلهيّ للإمام الثامن عليه السلام وأسلوبه الحكيم"[2].
لذلك سنشير إلى بعض من نتائج ولاية العهد.
1- اعتراف المأمون بأحقيّة أهل البيت عليهم السلام:
ويكفي للتدليل على هذه الفكرة أن نطّلع على بعض الكلمات التي صدرت عن الإمام عليه السلام في مراسم التعيين. فعندما طلب المأمون منه أن يخطب أمام الناس خطب موضّحاً حقّه: "أيّها الناس إنّ لنا عليكم حقّاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكم علينا حقّاً به، فإذا أدّيتم إلينا ذلك وجب لكم علينا الحكم والسلام"[3].
[1] الشيخ المفيد، الإرشاد، ص290.
[2] الإمام الخامنئي، الدروس العظيمة من السيرة أهل البيت عليهم السلام ، ص190.
[3] ابن الصباغ المالكي، الفصول المهمّة، ص255- 256.
134
الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام
خطب المأمون فقال: "أيّها الناس جاءتكم بيعة عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام والله لو قرأت هذه الأسماء على الصمّ البكم لبرئوا بإذن الله عزّ وجلّ"[1].
2- توظيف الإعلام لصالح الإمام عليه السلام:
وقد تمّ ذلك من خلال عدّة خطوات:
أصبح أئمّة الجمعة يدعون للإمام الرضا عليه السلام في كلّ جمعة وعند كلّ مناسبة.
ضربت النقود باسم الإمام الرضا عليه السلام في جميع الأمصار.
كثرت الخطب والأشعار المادحة للإمام وأهل البيت عليهم السلام.
حتى إنّ المأمون نفسه قال:
لا تُقبل التوبة من تائب إلّا بحبِّ ابن أبي طالب
أخي رسول الله حلف الهدى[2] والأخ فوق الخِلّ والصاحب[3]
3- حريّة الإمام عليه السلام في المناظرة:
ويكفي أن نعرف أنّ مناظرات الإمام كثيرة جدّاً مع كلّ المذاهب والأديان حتّى لُقّب عليه السلام بـ "غيظ الملحدين".
فقد جمع المأمون للإمام عليه السلام الجاثليق وهو رئيس الأساقفة، ورأس الجالوت عالم اليهود، ورؤساء الصابئين، وعظماء الهنود من أبناء المجوس، وأصحاب زرادشت، وعلماء الروم، والمتكلّمين، فناظرهم بأجمعهم في مناظرات مشهورة، وغلب عليهم بالحجة البينة والبراهين التامة، وأذعنوا لتمام فضله في العلم.
[1] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج2، ص147.
[2] القرشي، حياة الإمام الرضا عليه السلام، ج2، ص 249.
[3] الأمين، أعيان الشيعة، ج 2، ص 16.
135
الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام
4- نشر فضائل أهل البيت عليهم السلام ومقاماتهم:
فقد نشر الإمام عليه السلام فضائل الإمام عليّ عليه السلام وكراماته، ويكفي أن نعرف أنّ نفس المأمون في سنة 211 قد أمر أن ينادى: "برئت الذمّة ممّن يذكر معاوية بخير، وإنّ أفضل الخلائق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليّ بن أبي طالب"[1].
5- حقن دماء المسلمين:
من مكتسبات هذه الولاية حقن الدماء، فقد أصدر المأمون العفو العامّ عن قادة الثورات: كزيد وإبراهيم أخي الإمام عليه السلام، ومحمّد بن جعفر.
[1] السيوطي، تاريخ الخلفاء، ص247.
136
الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام
خلاصة الدرس
137
الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام
أسئلة
138
الدرس التاسع: الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام
للمطالعة
أخلاق الإمام الرضا عليه السلام
عن إبراهيم بن العبّاس أنّه قال: ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا، وشاهدت منه ما لم أشاهده من أحد، وما رأيته جفا أحداً بكلامه قطّ، ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه، وما ردّ أحداً عن حاجة يقدر عليها، ولا مد رجليه بين يدي جليس له قطّ، ولا اتَّكأ بين يدي جليس له قطّ، ولا رأيته يشتم أحداً من مواليه ومماليكه، وما رأيته تفل قطّ، ولا رأيته يقهقه في ضحكه بل كان ضحكه التبسُّم، وكان إذا خلا ونصبت مائدته أجلس على مائدته مماليكه ومواليه حتى البواب والسائس، وكان قليل النوم بالليل، كثير السهر، يحيي أكثر لياليه من أوّلها إلى الصبح، وكان كثير الصوم، ولا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر، ويقول: "ذلك صوم الدهر" وكان كثير المعروف والصدقة في السرّ، وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة، فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدّقوه.
وعن محمد بن أبي عباد قال: كان جلوس الرضا عليه السلام على حصير في الصيف وعلى مسح في الشتاء، ولبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزين لهم.
وعن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال: ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا عليه السلام، ولا رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجالس له ذوات عدد علماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقي أحد منهم إلّا أقرّ له بالفضل وأقرّ على نفسه بالقصور. ولقد سمعت عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام يقول: "كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون، فإذا أعيا الواحد منهم من مسألة أشاروا إليّ بأجمعهم وبعثوا إليّ بالمسائل فأجيب عنها"[1].
[1] الشيخ الطبرسي، إعلام الورى، ج2، ص64.
139
الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام
الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام
140
الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام
الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام في سطور
الولادة: ولد في التاسع عشر أو الخامس عشر من شهر رمضان سنة (195هـ) في المدينة المنوّرة.
الشهادة: استشهد في آخر ذي القعدة سنة (220 هـ) بوساطة زوجته أمّ الفضل بنت المأمون التي سمّته بعد تحريض عمّها المعتصم.
ألقابه: التقيّ، الجواد، المختار، المنتجب، المرتضى، القانع، العالم.
كنيته: أبو جعفر الثاني تمييزاً من جدّه محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام.
مدفنه: بغداد في مقابر قريش في ظهر جدّه الإمام موسى بن جعفر عليه السلام.
141
الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام
تمهيد:
كان الشيعة ينتظرون بفارغ الصبر ولادة الإمام الجواد من أبيه الإمام الرضا عليه السلام، وذلك لعلمهم بهذا الأمر. ولكنّ الإمام الرضا عليه السلام كان قد مرّ على عمره الشريف أكثر من أربعين سنة ولم يرزق ولداً بعد، وعندما كان يُسأل عن ذلك كان يجيب: "إنّ الله سوف يرزقني ولداً يكون الوارث لي والإمام من بعدي"[1].
وأخيراً ولد الإمام سنة (195هـ). وقال الإمام الرضا عليه السلام عند ولادته: "قد وُلد لي شبيه موسى بن عمران فالق البحار وشبيه عيسى ابن مريم، قدّست أم ولدته، قد خُلقت طاهرة مطهّرة". ثمّ قال عليه السلام: "يُقتل غصباً فيبكي له وعليه أهل السماء ويغضب الله على عدوّه وظالمه فلا يلبث إلّا يسيراً حتّى يعجل الله به إلى عذابه"[2].
وولادة الإمام عليه السلام أزالت القلق من قلوب الشيعة حيث كان يحزنهم أن لا يكون للإمام الرضا عليه السلام خليفة.
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج50، ص15.
[2] م. ن.
142
الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام
ولكنّ المسألة الجديرة بالاهتمام هي تولّي الإمام عليه السلام منصب الإمامة في سنّ السابعة أو الثامنة من عمره الشريف ما شكلّ سابقة في الفكر الإماميّ. ولكنّ هذا الأمر ليس بغريب في حياة الأولياء الّتي فيها الكثير من المعجزات والكرامات التي اخترقت نواميس الطبيعة.
إنّ الزمان الّذي عايشه الإمام الجواد عليه السلام تميّز بوجود شخصيّة متميّزة على سدّة الحكم ذات دهاء وعلم واسع وأسلوب في العمل تميّزت بها من غيرها من الشخصيّات الّتي توالت على الحكم وتصدّت لمواجهة الأئمّة عليهم السلام هي المأمون الذي شهد له التاريخ بأنّه أدهى بني العبّاس[1] كما كان معاوية أدهى بني أميّة.
فإنّ الذين سبقوا المأمون في الحكم كانوا يواجهون الأئمّة عليهم السلام وأتباعهم بشكل مباشر وبالحديد والنار، وقد رأى بعينه كيف كان أبوه هارون الرشيد يتعامل مع الشيعة بكلّ قسوة، لكنّه علم أنّ هذا الأسلوب من التعامل مع الشيعة وأئمّتهم لن يزيدهم إلّا قوّة وتمسّكاً بخطّهم، بل إنّه سيزلزل حكم بني العبّاس أيضاً كما زلزل من قبلهم حكم بني أميّة واقتلعه من جذوره.
خطّة المأمون
لقد اتّبع المأمون سياسة أخرى مع الشيعة تتركّز على محاولة تضعيف الفكر الشيعيّ والطعن به من الداخل بشكل يحدث زلزالاً في وجدانهم وعقائدهم فيقضي عليهم بشكل لا تقوم لهم قائمة بعده. وقد لاحظ أنّ الإمامة هي الحصن الأساس لهذا الفكر. من هنا كان سعيه بهذا الاتّجاه من جهات عدّة:
1- محاولة تحطيم عقيدة الشيعة بعصمة الإمام عليه السلام من خلال استدعائه إلى دار الخلافة ليعيش في بذخ القصور بشكل يُسقط مفهوم العصمة.
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج45، ص131.
143
الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام
2- محاولة تحطيم عقيدتهم بعلم الإمام عليه السلام من خلال تشكيل المناظرات مع أبرز العلماء الذين تصل يده إليهم بحضور رؤساء القوم وأشرافهم، علّه يحصل اشتباه أو توقّف فيحصل مراد المأمون.
3- إذا لم ينجح في تحطيم فكرة الإمامة فهو على الأقلّ سيضمن الإمام إلى جانبه كشخص تابعٍ للسلطان فيتحوّل الشيعة من معارضين إلى أتباع لسلطان بني العبّاس وحكمهم.
بالإضافة إلى أنّ عمل الشيعة بالتقيّة والخفاء يشكّل مشكلة حقيقيّة بالنسبة إلى الدولة، وقرب الإمام من المأمون ووقوعه تحت نظره في جميع الأوقات يسمح للمأمون برصد جميع تحرّكات الإمام عليه السلام واتّصالاته وبالتالي كشف وجهاء الشيعة.
وقد واجه المأمون الإمام الرضا عليه السلام بهذا الأسلوب وبهذه السياسة ولكنّ سياسته باءت بالفشل الذريع ولم يستطع أن يسجّل موقفاً واحداً على الإمام يستطيع أن يستفيد منه في خطّته هذه إلى أن فقد الأمل ووجد أنّ الدّفة تميل لغير صالحه وأنّ الإمام الرضا عليه السلاموبسبب هذه المناظرات والمواقف وجد شهرة في البلاد وحبّاً شديداً بين العباد، وشيعته تزداد يوماً بعد يوم، فلم يبقَ أمامه إلا حلّ واحد وهو دسّ السّم والتخلّص من وجوده الشريف المبارك.
وفي هذه الظروف والأجواء انتقلت المواجهة إلى الإمام الجواد عليه السلام وكان له من العمر ما يقارب الثماني السنوات، وعندها وجد المأمون نفسه أمام إنسان في عمرٍ صغير، فتجدّد أمله بتحقيق مخطّطه وعبر أسلوبه القديم، فإنّ الذي يواجهه الآن ليس الإمام الرضا عليه السلامبل هو صبيّ لم يبلغ الحلم، ومن كان في عمره عادة لن يستطيع أن يناظر كبار العلماء أو يصمد أمام مغريات السلطان ودار الخلافة بكلّ ما فيها.
من هنا نراه يستدعي الإمام الجواد عليه السلام إلى بغداد.
144
الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام
مواجهة الإمام الجواد عليه السلام
لقد واجه الإمام الجواد عليه السلام هذه السياسة من اللحظة الأولى التي وطئت قدماه فيها بغداد، وأسقطها تباعاً:
1- على المستوى العلميّ: هيّأ المأمون للمناظرات بين الإمام عليه السلام وبين قاضي الزمان يحيى بن أكثم بحضور جمع من الأشراف ورؤساء القوم، وقد صرّح المأمون بغرضه من تلك المناظرات حيث قال ليحيى "اطرح على أبي جعفر محمّد ابن الرضا عليه السلام مسألة تقطعه فيها". ولكنّ المناظرات كانت دائماً تسير لصالح الإمام عليه السلام وكان يتوقّف خصمه ويدهش لشدّة ما يراه من إحاطة وسعة في علم الإمام عليه السلام.
ومن هذه المناظرات: قال يحيى: ما تقول جعلت فداك في محرمٍ قتل صيداً؟
فقال أبو جعفر عليه السلام:
"قتله في حلّ أو حرم؟ عالماً كان المحرم أو جاهلاً؟ قتله عمداً أو خطأً؟ حرّاً كان المحرم أو عبداً؟ صغيراً كان أو كبيراً؟ مبتدئاً بالقتل أو معيداً؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد أم من كبارها؟ مصرّاً على ما فعل أو نادماً؟ في الليل كان قتله للصيد أم بالنهار؟ محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرماً؟"
فتحيّر يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع ولجلج حتّى عرف جماعة أهل المجلس أمره.
ثم شرح الإمام عليه السلام بعد ذلك تفصيل هذه المسائل قائلاً:
إنّ المحرم إذا قتل صيداً في الحلّ وكان الصيد من ذوات الطير، وكان من كبارها، فعليه شاة، فإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً، وإذا قتل فرخاً في
145
الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام
الحلّ فعليه حَمَل قد فُطم من اللبن، وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ، فإذا كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة، و إن كان نعامة فعليه بدنة، وإن كان ظبياً فعليه شاة، وإن كان قتل شيئاً من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة. وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه، وكان إحرامه بالحجّ نحره بمنى، وإن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكّة، وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء وفي العمد عليه المأثم وهو موضوع عنه في الخطأ، والكفّارة على الحرّ في نفسه، وعلى السيّد في عبده، والصغير لا كفّارة عليه، وهي على الكبير واجبة والنادم يسقط ندمه عنه عقاب الآخرة، والمصرّ يجب عليه العقاب في الآخرة[1].
وكان من آثار هذه المناظرات أن انتشر الفكر الشيعيّ وشاع وبانت قوّته ومتانته وعلوّه، فانقلب السحر على الساحر.
1- وأمّا من جهة العصمة فقد حاول المأمون الطعن بها وتسجيل ولو خطأ واحد على الإمام عليه السلام، وبذل لذلك كلّ ما أمكنه، فعن محمّد بن الريّان قال: "احتال المأمون على أبي جعفر عليه السلام بكلّ حيلة فلم يمكنه فيه شيء فلمّا أراد أن يبني عليه ابنته دفع إلى مائة وصيفة من أجمل ما يكنّ إلى كلّ واحدة منهنّ جاماً فيها جوهر يستقبلون أبا جعفر عليه السلام إذا قعد في موضع الختان، فلم يلتفت إليهنّ، وكان رجل يُقال له مخارق صاحب صوت وعود وضرب، طويل اللحية فدعاه المأمون فقال: يا أمير المؤمنين إن كان في شيء من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره، فقعد بين يدي أبي جعفر عليه السلام لا يلتفت إليه لا يميناً ولا شمالاً، ثمّ رفع إليه رأسه، وقال عليه السلام: "اتّقِ الله يا ذا العثنون"[2] قال: فسقط المضراب من يده والعود فلم ينتفع بيده إلى أن مات"[3].
[1] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج 13، ص 14.
[2] اللحية الطويلة.
[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص 495.
146
الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام
ورغم الحقيقة الراسخة في عصمة الإمام عليه السلام إلا أنّ المأمون كان قادراً على الاستفادة من وجود الإمام في قصر الخلافة من الجهة الإعلاميّة ليعكسها بشكل سلبيّ على الشارع الشيعيّ، وقد واجه الإمام عليه السلام ذلك أيضاً وأسقطه، فقد رُوي عن الحسين المكاريّ قال: دخلت على أبي جعفر ببغداد وهو على ما كان من أمره، فقلت في نفسي: هذا رجل لا يرجع إلى موطنه أبداً وما أعرف مطعمه[1]، قال: فأطرق رأسه ثمّ رفعه وقد اصفرّ لونه.
فقال عليه السلام: "يا حسين خبز شعير وملح جريش في حرم رسول الله أحبّ إليّ ممّا تراني فيه"[2].
ولم يستطع المأمون أن يحوّل الشيعة إلى المشروع العبّاسيّ ويستفيد منهم كأتباع لهذا المشروع، بل على العكس فقد استفاد الإمام عليه السلام من هذه السياسة في تقوية المشروع الإسلاميّ الأصيل.
﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾[3].
وعلى أيّ حال فإنّ المأمون استمرّ بسياسته هذه يحصد الفشل تلو الآخر إلى أن توفّي وحكم بعده أخوه المعتصم، فسار مدّة بسيرة المأمون، ولكنه سرعان ما فقد الأمل من تحقيق أهدافه، وفهم الآثار التي تحصل بسبب هذه السياسة التي لم تزد مشروعه إلّا ضعفاً ووهناً والشيعة إلّا علواً ومتانة، وأحسّ بالاحباط والفشل فتخلّى عن سياسته هذه وتوسّل بالحديد والنار شأن كلّ ضعيف لا يقدر على مواجهة الكلمة والفكر، فدسّ السمّ له واستشهد عليه السلام عن عمر لم يتجاوز الخامسة والعشرين.
[1] أي ما أكثر طيب مطعمه وخيره وحسنه، بمعنى أنّه لا يرجع إلى وطنه والحال أنّ مطعمه بالطيب والدعة والسعة التي أراها.
[2] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج50، ص 49.
[3] سورة التوبة، الآية: 33.
147
الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام
خلاصة الدرس
148
الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام
أسئلة
149
الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام
للمطالعة
150
الدرس العاشر: الإمام محمّد بن عليّ الجواد عليه السلام
له، فلمّا غربت الشمس حرمت عليه، فلمّا دخل وقت العشاء الآخرة حلّت له، فلمّا كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه، فلمّا طلع الفجر حلّت له، ما حال هذه المرأة؟ وبماذا حلّت له وحرمت عليه؟
فقال له: لا والله لا أهتدي إلى جواب هذ السؤال ولا أعرف الوجه فيه، فإنْ رأيت أن تفيدنا.
فقال عليه السلام: "هذه أَمَة لرجل من الناس، نظر إليها أجنبيّ في أوّل النهار فكان نظره إليها حراماً عليه، فلمّا ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلّت له، فلمّا كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه، فلمّا كان وقت العصر تزوّجها فحلّت له، فلمّا كان وقت المغرب ظاهرَ منها فحرمت عليه، فلمّا كان وقت العشاء الآخرة كفّر عن الظهار فحلّت له، فلمّا كان نصف الليل طلّقها واحدة، فحرمت عليه، فلمّا كان عند الفجر راجعها فحلّت له" .
[1] علي بن أبي الفتح الإربلي،كشف الغمة، ج2، ص353-359.
151
الدرس الثاني عشر: الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام
الدرس الثاني عشر: الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام
152
الدرس الثاني عشر: الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام
الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام في سطور
الولادة: ولد في المدينة في الثامن من ربيع الآخر سنة [1]232.
الشهادة: استشهد يوم الجمعة الثامن من ربيع الأوّل سنة 260 وعمره 28 عاماً.
ألقابه: التقيّ، المرضيّ، النقيّ، الرفيق، الزكيّ، الصامت، الهادي، السراج، العسكريّ[2]، الخالص.
كنيته: أبو محمّد.
مدفنه: دفن مع أبيه الهادي عليه السلام في سامرّاء.
[1] قال الحرّ العاملي في منظومته:
مولده شهر ربيع الآخر وذاك في اليوم العاشر
في يوم الاثنين وقيل الرابع وقيل الثامن وهو الشائع
الأنوار البهية، ص250.
[2] قال الشيخ الصدوق رضوان الله عليه: سمعت مشايخنا رضي الله عنهم يقولون: إنّ المحلة التي يسكنها الإمامان عليّ بن محمّد والحسن بن عليّ عليهما السلام بسر من رأى كانت تسمّى العسكر، فلذلك قيل لكلّ واحد منهما العسكري: علل الشرائع، ج1، ص230.
153
الدرس الثاني عشر: الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام
تمهيد:
154
الدرس الثاني عشر: الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام
هوان واستخفاف يمرّ به"، فكان كما قال عليه السلام"[1].
وبعد المهتدي تسلَّم المعتزّ زمام السلطة، وفي عهده استشهد الإمام العسكريّ عليه السلام وقُتلت معه مجموعة من العلويّين. ويذكر بعض المصادر التاريخيّة أنّه قد تمّ قتل بعضهم بأفجع صورة وحتّى بعد القتل مثّلوا بأجسادهم[2].
الإمام العسكريّ عليه السلام والتمهيد للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف
إنّ المهمّة المميّزة في إمامته عليه السلام كانت التمهيد لولادة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وغيبته الصغرى والكبرى، والارتباط الصحيح به وضرورة الانتقال بالشيعة من نقطة اتّصال مباشرة بالمعصوم إلى نقطة اتّصال غير مباشرة. وتعتبر هذه المرحلة من أدقّ المراحل على الفكر الشيعيّ منذ النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم إلى عهد الإمام العسكريّ، لذلك كان على الإمام أن يكثّف أحاديثه وأن يقوم عمليّاً، كما سيتّضح، بالتمهيد للغيبة.
ويمكن تلخيص دور الإمام عليه السلام في هذا الاتّجاه بما يلي:
1- النصّ على الإمام وتعريف شيعته به:
عن محمّد بن عبد الجبّار قال: قلت لسيّدي الحسن بن عليّ عليه السلام: يا بن رسول الله، جعلني الله فداك، أحبّ أن أعلم من الإمام وحجّة الله على عباده من بعدك.
قال عليه السلام: "إنّ الإمام من بعدي ابني، سَميّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكنيُّه، الّذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه".
قال: ممّن هو يا بن رسول الله؟ قال عليه السلام:
"من ابنة قيصر ملك الروم، ألا إنّه سيولد ويغيب عن الناس غيبة طويلة ثمّ يظهر"[3].
عن يعقوب بن منقوش قال: "دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ عليه السلام وهو
[1] الإرشاد، المفيد، ص324.
[2] أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص 685- 690.
[3] الميرزا حسين النوري الطبرسي، النجم الثاقب، ج1، ص 136.
155
الدرس الثاني عشر: الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام
جالس على دكّان في الدار وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل، فقلت: سيّدي، من صاحب هذا الأمر؟ فقال: ارفع الستر، فرفعته فخرج إلينا غلام خماسيّ له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه، درّيّ المقلتين، شثن الكفّين، معطوف الركبتين، في خدّه الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة، فجلس على فخذ أبي محمّد عليه السلام ثمّ قال لي: هذا صاحبكم، ثمّ وثب فقال له: يا بُنيّ ادخل إلى الوقت المعلوم، فدخل البيت وأنا أنظر إليه، ثمّ قال لي: يا يعقوب، انظر من في البيت، فدخلت فما رأيت أحداً"[1].
2- التأكيد على الصبر وانتظار الفرج:
إنّ انتظار فرج الإمام عليه السلام من العبادات بل من أفضل الأعمال كما في الأحاديث المباركة. فإنّ أوّل ما يتوجّب على الإنسان هو الصبر عند طول الغيبة. وما يؤكّد على ذلك الرسالة التي أرسلها الإمام عليه السلام إلى عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي، الّتي جاء فيها: "عليك بالصبر وانتظار الفرج".
روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج"[2].
3- التحذير من الشكّ والضعف:
فروي عنه عليه السلام: "إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة المتمسّك فيها بدينه كالخارط شوك القتاد بيده"[3].
4- التمهيد العمليّ للغيبة:
والمقصود بذلك أنّ الإمام عليه السلام عيّن وكلاء وسفراء من خاصّة أصحابه لتبليغ تعليماته وأحكامه إلى شيعته، وذلك بأسلوب التوقيعات والمكاتبات، وهذا يعتبر
[1] الشيخ الطبرسي، إعلام الورى، ص413.
[2] الشيخ عزيز الله العطاردي، مسند الإمام العسكري عليه السلام، ص19.
[3] ابن أبي زينب النعماني، الغيبة، ص122.
156
الدرس الثاني عشر: الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام
تمهيداً عمليّاً لما سيحصل في زمن الغيبة الصغرى.
157
الدرس الثاني عشر: الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام
شهادة الإمام العسكريّ عليه السلام
قال أبو الأديان: "كنت أخدم الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام وأحمل كتبه إلى الأمصار فدخلت عليه في علّته التي توفّي فيها صلوات الله عليه فكتب معي كتباً وقال: امض بها إلى المدائن فإنّك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل إلى سُرَّ مَنْ رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل، قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي فإذا كان ذلك فمن؟ قال: من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي. فقلت: زدني، فقال: من يصلّي عليَّ فهو القائم بعدي".
فقلت: زدني، فقال: "من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي".
ثم منعتني هيبته أن أسأله عمّا في الهميان.
وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها ودخلت سُرّ مَنْ رأى يوم الخامس عشر كما ذكر لي عليه السلام فإذا أنا بالواعية في داره وإذا به على المغتسل وإذا أنا بجعفر بن عليّ أخيه بباب الدار والشيعة من حوله يعزّونه ويهنّئونه فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة،... تقدّم جعفر ليصلّي على أخيه فلمّا همّ بالتكبير خرج صبيّ بوجهه سمرة بشعره قطط بأسنانه تفليج فجذب برداء جعفر بن عليّ وقال: "تأخّر يا عمّ أنا أحقّ بالصلاة على أبي فتأخّر جعفر وقد اربدّ وجهه واصفرّ. فتقدّم الصبيّ وصلّى عليه ودُفن إلى جانب قبر أبيه، ثمّ قال: يا بصري هات جوابات الكتب التي معك فدفعتها إليه، فقلت في نفسي: هذه بيّنتان،... الخ"[1].
[1] الشيخ الصدوق،كمال الدين وتمام النعمة، ج2، ص475.
158
الدرس الثاني عشر: الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام
خلاصة الدرس
159
الدرس الثاني عشر: الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام
أسئلة
160
الدرس الثاني عشر: الإمام الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السلام
للمطالعة
161
الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية
الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية
162
الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية
الإمام محمد بن الحسن المهديّ عليه السلام في سطور
الولادة: وُلد الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف الجمعة منتصف شهر شعبان سنة (255هـ) في مدينة سامرّاء.
ألقابه: بقيّة الله، الحجّة، الخلف الصالح، القائم، المهديّ، المنتظر.
كنيته: أبو القاسم.
عمره الشريف: لا يزال حيّاً إلى أن يشاء الله. وسوف يظهر بإذن الله في يوم من الأيام ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
163
الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية
164
الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية
والملاحظ أن هذه العقيدة تمثّل أصلاً مشتركاً في دعوات الأنبياء عليهم السلام, حيث إن كل دعوة نبوية ـ وعلى الأقل الدعوات الرئيسة والكبرى ـ تُمثل خطوة على طريق التمهيد لظهور المصلح الديني العالمي الذي يحقق أهداف هذه الدعوات كافة[1].
- اليهود: الإيمان بفكرة ظهور المصلح ثابت عند اليهود مدوّن في التوراة والمصادر الدينية المعتبرة عندهم. وقد فصّل الحديث عن هذه العقيدة عند اليهود كثير من الباحثين المعاصرين خاصةً في العالم الغربي مثل جورج رذرفورد في كتابه: "ملايين من الذين هم أحياء اليوم لن يموتوا أبداً"، والسناتور الأميركي بول منزلي في كتابه: "من يجرؤ على الكلام"، وغيرهما كثير[2].
وبغض النظر عن مناقشة صحة ما ورد من تفصيلات في هذه العقيدة عند اليهود، إلاّ أن المقدار الثابت هو أنها فكرة متأصلة في تراثهم الديني وبقوة بالغة مكّنت اليهودية ـ من خلال تحريف تفصيلاتها ومصاديقها ـ أن تقيم على أساسها تحركاً استراتيجياً طويل المدى وطويل النفس، استقطبت له الطاقات اليهودية المتباينة الأفكار والاتجاهات، ونجحت في تجميع جهودها وتحريكها باتجاه تحقيق ما صوّره قادة اليهودية لأتباعهم على أنه مصداق التمهيد لظهور المنقذ الموعود.
- النصارى: كما آمن النصارى بأصل هذه الفكرة استناداً إلى مجموعة من الآيات والبشارات الموجودة في الإنجيل والتوراة. ويصرح علماء الإنجيل بالإيمان بحتمية عودة عيسى المسيح في آخر الزمان ليقود البشرية في ثورة عالمية كبرى يعم بعدها الأمن والسلام كل الأرض كما يقول القس الألماني فندر في كتابه "ميزان الحق"[3]، وأنه يلجأ إلى القوة والسيف لإقامة الدولة العالمية العادلة. وهذا هو الاعتقاد السائد لدى مختلف فرق النصارى.
[1] الصدر، الشهيد محمد صادق، تأريخ الغيبة الكبرى 251 وما بعدها.
[2] احمد الواسطي، أهل البيت في الكتاب المقدّس، ص 121 - 123.
[3] بشارت عهدين، ص 261، نقلاً عن كتاب ميزان الحق للقس الألماني فندر، ص 271.
165
الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية
حتمية ظهور المصلح في المدارس الفكرية المختلفة
الملاحظ أن الإيمان بحتمية ظهور المصلح العالمي ودولته العادلة لا يختص بالأديان السماوية بل يشمل المدارس الفكرية والفلسفية غير الدينية أيضاً. فنجد في التراث الفكري الإنساني الكثير من التصريحات بهذه الحتمية، فمثلاً يقول المفكر البريطاني برتراند رسل: "إن العالم في انتظار مصلح يُوحّده تحت لواء واحد وشعار واحد"[1] ويقول ألبرت اينشتاين
صاحب النظرية النسبية: "إن اليوم الذي يسود العالمَ كله فيه السلام والصفاء ويكونُ الناس متحابين متآخين ليس ببعيد"[2].
وبشّر المفكر الايرلندي المشهور برنارد شو، بصراحة، بحتمية ظهور المصلح وبلزوم أن يكون عمره طويلاً يسبق ظهوره؛ بما يقترب من عقيدة الإمامية في طول عمر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ ويرى ذلك ضرورياً لإقامة الدولة الموعودة، في وصف المصلح بأنه: "إنسانٌ حيٌّ ذو بنية جسدية صحيحة وطاقة عقلية خارقة، إنسانٌ أعلى يترقى إليه هذا الإنسان الأدنى بعد جهد طويل، وأنه يطول عمُرهُ حتى ينيف على ثلاثمائة سنة ويستطيع أن ينتفع بما استجمعه من أطوار العصور وما استجمعه من أطوار حياته الطويلة"[3].
عقيدة الإمامية بالمهدي
لقد تواترت الأخبار والروايات الصادرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام التي تبشِّر بالمهدي، وبظهوره في آخر الزمان لينشر العدل، وينصر المستضعفين في العالم. ويعتقد المسلمون بأن قضية المهدوية والإمام المهدي ضرورة من ضروريات
[1] الشهرستاني، السيد عبد الرضا، المهدي الموعود ودفع الشبهات عنه، ص 6.
[2] م. ن، ص 7
[3] آل ياسين، الشيخ محمد حسن، المهدي المنتظر بين التصوّر والتصديق، ص 81.
166
الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية
الإسلام على مستوى كون إمامته امتداداً لنبوّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقيادة البشرية، وعالمية دولته، وكونه الإمام المفروض الطاعة، وذلك على قاعدة أن الإمامة رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا، ووظائفها مستمدّة من النبوّة، لناحية قيادة المجتمع وإدارة شؤون الأمة والدولة، ومرجعية دينية، وولاية أمر عامة للمسلمين كافة. وإن ما يعزّز عقيدة المسلمين بالمهدي مجموعة الأخبار التي أكّدت أن الأرض لا تخلو من حجة لله على الأرض.
روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن علياً إمام أمتي من بعدي، ومن وُلده القائم المنتظر الذي إذا ظهر يملأ الأرض عدلاً وقسطاً"[1].
وذكر الشيخ الكليني في الكافي ثلاث عشرة رواية تتحدّث عن أن الأرض لا تخلو من حجة، قال الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله أجلُّ وأعظم من أن يترك الأرض بغير إمام عادل"[2].
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: "والله ما ترك الله أرضاً منذ قبض آدم عليه السلام إلا وفيها إمام يهتدى به إلى الله وهو حجته على عباده، ولا تبقى الأرض بغير إمام حجّة لله على عباده"، وعنه أيضاً قال: "لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها، كما يموج البحر بأهله"[3].
وقد حدّدت الروايات المقصود بالحجّة وأنه الإمام المهدي، فعن الإمام الكاظم عليه السلام قال: "إن
[1] السيد المرعشي، شرح إحقاق الحق، ج 29، ص 238.
[2] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص 178.
[3] م. ن، ص 179.
167
الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية
الحجّة لا تقوم لله على خلقه إلا بإمام حتى يعرف" وورد روايتان بنفس المضمون عن الرضا الإمامين والصادق عليه السلام، وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام"[1] وقال: "إن آخر من يموت الإمام لئلا يحتجّ أحدٌ على الله عزّ وجل أنه تركه بغير حجّة لله عليه"[2]. وتؤكّد الأخبار على أن انتظار الفرج أفضل العبادة، وهو في توأمة مع الجهاد، فقد سأل شخص الإمام الصادق عليه السلام: ماذا تقول فيمن مات وهو على ولاية الأئمة بانتظار ظهور حكومة الحق؟
فقال عليه السلام: هو بمنزلة من كان مع القائم في فسطاطه - ثم سكت هنيئة - ثم قال: هو كمن كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ونقل هذا المضمون في روايات كثيرة منها: أنه بمنزلة المجاهد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وأنه بمنزلة من استشهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وأنه بمنزلة من كان قاعداً تحت لواء القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف[3].
آداب العلاقة بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
بالإضافة للواجبات الإسلامية العامة التي تقع على المكلّفين من المسلمين في جميع العصور والأزمنة كواجب الدعوة الإسلامية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الفساد وغير ذلك من الواجبات الشرعية، هناك واجبات وآداب عديدة تختصّ بعصر الغيبة لا بد من مراعاتها في علاقتنا بالإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف.
أ- معرفة الإمام المهدي عليه السلام:
قال رسول الله: "من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية"[4]. يستفاد من الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام أن لمعرفة الإمام المعصوم أهمية عظيمة وأنها أساس لمعرفة الله، وأن طريق الهداية للحق والثبات على الصراط المستقيم لا يتم إلا بمعرفة الإمام المعصوم واقتفاء أثره والسير على خطاه والاستضاءة بنوره
[1] م. ن، ص 180.
[2] الشيخ الكليني، الكافي، ج1،ص 180.
[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار،ج52، ص125.
[4] غيبة النعماني، ص 130، الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 21.
168
الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية
والثبات على ولايته. فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: "إنما يعرف الله عز وجل ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منا أهل البيت، ومن لا يعرف الله عز وجل ولا يعرف الإمام منا أهل البيت فإنما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله ضلالاً.!"[1]. وما دام لمعرفة الإمام كل هذه الأهمية الكبرى فليس المراد منها هو معرفة اسمه ونسبه فقط …! بل يتحتم أن يكون المقصود بالمعرفة شيئاً آخر أكبر وهذا ما يجيب عنه الإمام الصادق عليه السلام حيث يقول: ".. وأدنى معرفة الإمام أنه عدل النبي إلا درجة النبوة ووارثه، وأن طاعته طاعة الله وطاعة رسول الله والتسليم له في كل أمر والرد إليه والأخذ بقوله، ويعلم أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي ثم أنا ثم من بعدي موسى ابني ثم من بعده ولده علي وبعد علي محمد ابنه وبعد محمد علي ابنه وبعد علي الحسن ابنه والحجة من ولد الحسن"[2].
169
الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية
وتأثيرات المنحرفين مهما طال زمان الغيبة أو كثرت ضروب المشكّكين. فعن رسول الله قال: "والذي بعثني بالحق بشيراً ليغيبن القائم من ولدي بعهد معهود إليه مني حتى يقول أكثر الناس ما لله في آل محمد حاجة ويشك آخرون في ولادته، فمن أدرك زمانه فليتمسك بدينه ولا يجعل للشيطان إليه سبيلاً يشكّكه فيزيله عن ملّتي ويخرجه من ديني"[1].
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "للقائم منا غيبة أمدها طويل، كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه، ألا فمن ثبت منهم على دينه ولم يقس قلبه لطول أمد غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة"[2].
ت- ذكر فضائل الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف وموالاته في غيبته:
من جملة مصاديق الثبات على الولاية ذكر فضائل الإمام المهدي عليه السلام وإشاعتها بين الناس والبراءة من أعدائه. كما جاء عن رسول الله أنه قال: "طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي وهو يأتم به في غيبته قبل قيامه ويتولّى أولياءه ويعادي أعداءه، ذلك من رفقائي وذوي مودّتي وأكرم أمتي علي يوم القيامة"[3]. ولقد جاء في الروايات الحث على تجديد العهد والبيعة مع الإمام المهدي عليه السلام في كل يوم كما جاء في دعاء العهد الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام: "اللهم إنّي أُجدّد له في صبيحة يومي هذا وما عشت من أيامي عهداً وعقداً وبيعةً له في عنقي لا أحول عنها ولا أزول أبداً …"[4].
ث- مراعاة الأدب عند ذكره عليه السلام، بأن لا يذكره إلاّ بألقابه الشريفة:
كالحجّة والقائم، والمهدي، وصاحب الزمان، وصاحب الأمر، وتكملة ذكره عليه السلام بقول: عليه السلام، أو عجل الله تعالى فرجه الشريف، والقيام عند ذكر لقبه "القائم".
[1] الشيخ الصدوق، كمال الدين، ج 1، ص 51، العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 68، ح 10.
[2] م. ن، ص 303، ح 14، الطبرسي، إعلام الورى، ص 400.
[3] غيبة الطوسي، ص 275، الشيخ الصدوق، كمال الدين، ج 1، ص 286.
[4] السيد ابن طاووس، مصباح الزائر، ص 169، الشيخ إبراهيم الكفعمي، البلد الأمين، ص 82، الشيخ الكفعمي، المصباح، ص 550.
170
الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية
ج- الصبر على المحن والبلاء:
171
الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية
أدعية كثيرة للإمام تراجع في مصادرها... فنحن مأمورون بالدعاء للإمام كما جاء ذلك في كثير من الروايات عن أهل البيت عليهم السلام ولعل ذلك من أجل بقاء الصلة والرابطة مع الإمام ولعل لذلك أيضاً آثاراً أخرى نحن لا نعلمها. فعن يونس بن عبد الرحمن قال: إن الرضا عليه السلام كان يأمر بالدعاء لصاحب الأمر بهذا الدعاء: "اللهم ادفع عن وليك وخليفتك وحجتك على خلقك ولسانك المعبر عنك بإذنك الناطق بحكمتك وعينك الناظرة في بريتك وشاهدك على عبادك الجحجاح المجاهد العائذ بك العابد عندك،..... الخ"[1].
172
الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية
ذ- إهداء ثواب الأعمال العبادية المستحبّة له عليه السلام:
173
الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية
خلاصة الدرس
- الإيمان بفكرة حتمية ظهور المنقذ العالمي في الفكر الإنساني يكشف عن وجود أسس متينة تستند إليها وتنطلق من الفطرة الإنسانية.
- الإيمان بحتمية ظهور المنقذ من نقاط الاشتراك بين الأديان السماوية وغير السماوية.
- تواترت الأخبار التي تبشر بالمهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
- آداب العلاقة بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في غيبته:
1- معرفة الإمام عليه السلام حق المعرفة.
2- الثبات على الدين والولاية لأهل البيت.
3- ذكر فضائل الحجة وموالاته في غيبته.
4- الصبر على المحن والبلاء في عصر غيبته.
5- مراعاة الأدب عند ذكره.
6- الدعاء للإمام بتعجيل الفرج.
7- إهداء ثواب الأعمال العبادية المستحبة له.
8- الصلاة على الإمام عليه السلام والسلام عليه.
174
الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية
أسئلة
175
الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية
للمطالعة
176
الدرس الثالث عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (1) عقيدتنا في المهدي والمهدوية
فكذلك يمكن أن يظهر عليه السلام في أيّام غيبته لبعض الخلق دون بعض.
177
الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
أهداف الدرس:
1- أن يتبيّن الطالب الحالة العامّة لعصر الإمام الهادي عليه السلام.
2- أن يستذكر كيفيّة بناء الإمام عليه السلام للمجتمع الصالح.
3- أن يتعرّف إلى نظام الوكالة.
178
الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
الإمام عليّ بن محمّد الهادي عليه السلام في سطور
179
الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
تمهيد:
تسلّم الإمام الهادي عليه السلام الإمامة بعد استشهاد أبيه الإمام الجواد عليه السلام سنة 220هـ. وبهذا يكون عمره الشريف حين تصدّيه للإمامة (ثماني سنوات)، ولذلك تعتبر إمامته المصداق الثاني للإمامة المبكّرة في الفكر الشيعيّ؛ فمن الطبيعيّ أن تتكثّف النصوص حول إمامته لتركيزها في أذهان الناس كما حصل من قبل مع الإمام الجواد عليه السلام حيث كان هناك تمهيد طبيعيّ من الإمام الرضا عليه السلام لابنه الإمام الجواد عليه السلام. وإنّ إسناد هذا المنصب الإلهيّ إليه في هذه السن المبكرة جعل الكرامات تظهر على يديه مؤكّدة اتّصال صاحبها بعالم الغيب.
النص على إمامته:
ورد عن الإمام الجواد عليه السلام مجموعة نصوص في إمامة ابنه منها:
عن إسماعيل بن مهران، قال: لمّا خرج أبو جعفر عليه السلام من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى، قلت له عند خروجه: جعلت فداك، إنّي أخاف عليك من هذا الوجه، فإلى من الأمر بعدك؟ قال: فكرّ بوجهه إليّ ضاحكاً، وقال: ليس حيث ظننت في هذه السنة. فلمّا استُدعي به إلى المعتصم في المرّة الثانية صرت إليه، فقلت له: جعلت فداك، أنت خارج، فإلى من هذا الأمر من بعدك؟ فبكى حتّى اخضلّت لحيته، ثمّ التفت إليّ فقال: "عند هذا يُخاف عليَّ، الأمر من بعدي إلى ابني عليّ"[1].
[1] الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص260.
180
الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
وفي رواية: سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام يقول: "الإمام بعدي ابني عليّ أمره أمري، وقوله قولي وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن أمره أمر أبيه وقوله قول أبيه وطاعته طاعة أبيه".
181
الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
العقول، وقطعة من أحكام الدين، ذكرها ابن شهر آشوب في المناقب.
182
الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
وقد انتهج المتوكل سياسة العنف تجاه العلويين وشيعة أهل البيت عليهم السلام فضلاً عن أهل البيت عليهم السلام أنفسهم. وتجلّى ذلك بوضوح في أمره بهدم قبر الإمام الحسين بن علي عليه السلام وما حوله من الدور بل أمر بحرثه وبذره وسقي موضع القبر ومنع الناس من زيارته وتوعّد بالسجن على من زاره[1]. وقد أثار المتوكل بهذه السياسة حفيظة المسلمين بشكل عام، وأهل بغداد بشكل خاصّ. وقد ردّوا على الإهانات التي ألحقها بالعلويين فسبّوه في المساجد والطرقات[2]. وفي زمن المتوكل أصابت مدن العراق مجاعة شديدة وهلك كثير من الناس، وانتهز الروم فرصة ضعف الدولة فاستأنفوا غاراتهم على أراضيها فأغاروا على دمياط وفتكوا بأهلها وأحرقوا دورهم، ثم غزوا فيليفيا جنوبي آسيا الصغرى وهزموا أهلها هزيمة منكرة[3]. وكان المنتصر يحسن للعلويين مخالفاً بذلك سياسة أبيه، وتجلّت سياسته في إزالة الخوف عنهم والسماح لهم بزيارة قبر الحسين عليه السلام. ولم يدم حكم المنتصر طويلاً فقد تآمر عليه الأتراك وقتلوه عن طريق طبيبه طيفور في سنة (248 هـ)[4].
183
الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
وكان اغتيال الإمام الهادي عليه السلام في حكم المعتزّ في سنة (254 هـ).
184
الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
من قبل الدولة. وقد تجلّى ذلك في قصر فترة حكم الخلفاء إلى جانب انتقال إدارة الدولة إلى القواد الأتراك بدل الخلفاء وهو دليل واضح على ضعف شوكتهم وفقدان هيبتهم أمام قوّاد الجيش ووزرائهم وكتّابهم[1].
185
الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم، وممارسة سياسة العنف معهم بالرغم من اتّساع رقعة التشيّع بعد تظاهر المأمون باحترامه الخاص للإمام الرضا عليه السلام.
186
الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
وقد استمرت هذه الثورات حتى عصر الغيبة وانتهت فيما بعد الى تأسيس دويلات وإمارات يحكمها قادة علويون أو علماء يحملون ثقافة أهل البيت عليهم السلام ويحاولون تجسيد قيمهم وسيرتهم في الحياة الإسلامية.
ولم تكن اغتيالات الخلفاء للأئمة من أهل البيت عليهم السلام إلاّ باعتبار دعمهم لهذه الثورات المسلّحة وتأييدهم لها من قريب أو من بعيد. وقد خرج على حكّام هذا العصر من العلويين مجموعة تمثّل استمرار الخط الثوري ضد الظلم والظالمين.
متطلّبات عصر الإمام الهادي عليه السلام
بعد أن عرفنا المهمّ من ملامح عصر الإمام الهادي عليه السلام نستطيع الآن أن نقف على متطلّبات عصره. وسوف نبحث عنها في حقلين، الأوّل: متطلّبات الساحة الإسلامية العامة، والثاني: متطلّبات الجماعة الصالحة بعد تمهيد عام لكلا الحقلين. وذلك أنّ الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام قد تولّى الإمامة بعد استشهاد أبيه الجواد عليه السلام سنة (220 هـ) وهو لمّا يبلغ الحلم إذ لم يتعدّ عمره الثامنة ـ على أكبر الفروض ـ فهو قد شابه أباه الجواد عليه السلام في تولّي الإمامة في سنّ مبكّرة.
وقد كان لتولّي الإمام الهادي عليه السلام الإمامة في سنّ مبكّرة بعد استشهاد أبيه الجواد عليه السلام مغزى ديني ودلالات وآثار سياسية واجتماعية عديدة، وإليك جملة منها: أن أهل البيت عليهم السلام قد أضافوا دليلاً حسّياً جديداً بعد الأدلة العقائدية التي تمثلت في النصوص النبويّة وهو الواقع العملي الذي جسّد جدارتهم لتولّي شؤون المسلمين وقيادة العالم الإسلامي فكرياً وعمليّاً.
وكان الإمام الهادي عليه السلام في كل مراحل حياته التي قضاها في مدينة جدّه أو في سامراء تحت رقابة شديدة، وقد جرّعوه ما استطاعوا من الغصص التي كانت تتمثل في محاولات الاحتواء تارة والتسقيط العلمي تارة أخرى ثم التحجيم بشتّى أشكاله التي تمثّلت في الاستدعاء والتحقير والرقابة المكثّفة والسجن ومحاولات الاغتيال
187
الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
المتكررة خلال ثلاثة عقود ونصف تقريباً من سنيّ عمره المبارك.
والدلالة الثانية أن الظرف الذي كان يحيط بالإمام الهادي عليه السلام كان ظرفاً انتقالياً من مرحلة الإمامة الظاهرة الى الإمامة الغائبة التي يُراد لها أن تدبّر الأمر من وراء الستار ويراد للأمة أن تنفتح على هذا الإمام وتعتقد به وتتفاعل معه رغم حراجة الظروف.
فهو الظرف الوحيد لإعداد الأمة لاستقبال الظرف الجديد، ولا سيّما إذا عرفنا أن الإمام الهادي هو السابع من تسعة أئمة من أبناء الحسين، والمهدي الموعود هو التاسع منهم، وهو الذي مهّد لولادة حفيده من خلال ما خطّط له من زواج خاص لولده الحسن العسكري دون أي إعلان عن ذلك، فلا توجد إلاّ مسافة زمنية قصيرة جداً ينبغي له اغتنامها للإعداد اللازم والشامل.
إذن، ما أقلّ الفرص المتاحة أمام الإمام الهادي عليه السلام للقيام بهذا العبء الثقيل حيث إنه لا بد له أن يجمع بين الدقة والحذر من جهة والإبلاغ العام ليفوّت الفرص على الحكّام ويعمّق للاُمّة مفهوم الانتظار والاستعداد للظهور والنهوض بوجه الظالمين. ولا أقل من إتمام الحجة على المسلمين ولو بواسطة المخلصين من أتباعه عليه السلام.
ومن هنا كان على الإمام الهادي عليه السلام تحقيقاً للأهداف الكبرى أن يتجنّب كل إثارة أو سوء ظن قد يوجّه له من قبل الحكّام المتربّصين به وبأبنائه من أجل أن يقوم بإنجاز الدور المرتقب منه، وهو تحقيق همزة الوصل الحقيقية بين ما حقّقه الأئمة الطاهرون من آبائه الكرام وما سوف ينبغي تحقيقه بواسطة ابنه وحفيده، ولهذا لم يُمهل الإمام الحسن العسكري سوى ست سنين فقط وهي أقصر عمر للإمامة في تاريخ أهل البيت عليهم السلام إذ دامت إمامة الإمام علي عليه السلام ثلاثين سنة والإمام الحسن السبط عشر سنين والإمام الحسين عشرين سنة والإمام زين العابدين خمساً أو أربعاً وثلاثين سنة، والإمام الباقر تسع عشرة سنة والإمام الصادق أربعاً
188
الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
189
الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
عليّ وهو وكيل آخر وأن يلزم كلّ واحدٍ منهما ما وُكّل به وأمر بالقيام فيه في أمر ناحيته، وأوصى أبا عليّ أيضاً بمثل ما أوصى به أيّوباً، وطلب من الاثنين أن يتولّى كلّ واحد منهما الشؤون الماليّة لما يليه من الشيعة وأن لا يقبلا شيئاً من أموال شيعة المناطق الأخرى.
ونظّم عليه السلام كذلك العلاقة بين الوكيل وبين الشيعة الموجودين في ناحيته، فاعتبر أنّ طاعة الوكيل هي طاعة له عليه السلام، ففي كتاب له عليه السلام عن أبي عليّ بن راشد يقول: "فقد أوجبت في طاعته طاعتي، والخروج إلى عصيانه الخروج إلى عصياني، فالزموا الطريق يأجرْكم الله ويَزدكُم من فضله"[1]. وأكّد على ضرورة تمهيد الطريق أمام الوكيل وتسهيل مهمّته، يقول عليه السلام: "فعليك بالطاعة له والتسليم إليه جميع الحقّ قِبلك، وأن تحضّ مواليّ على ذلك وتعرّفهم من ذلك ما يصير سبباً إلى عونه وكفايته فذلك توفير علينا ومحبوب لدينا ولك به جزاء من الله وأجر"[2].
استشهاد الإمام الهادي عليه السلام
ظلّ الإمام الهادي عليه السلام يعاني من ظلم الحكّام وجورهم حتّى دُسّ إليه السمّ كما حدث لآبائه الطّاهرين، وقد قال الإمام الحسن عليه السلام: "ما منّا إلاّ مقتول أو مسموم"[3]. وقال المسعودي: وقيل إنّه مات مسموماً[4], ويؤيد ذلك ما جاء في الدّعاء الوارد في شهر رمضان: وضاعف العذاب على من شرك في دمه[5].
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 50، ص 223.
[2] م. ن.
[3] م. ن، ج 27، ص 216، ح 18.
[4] المسعودي، مروج الذهب، ج 4، ص 195.
[5] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 50، ص 206، ح 19.
190
الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
ويظهر أنّه اعتلّ من أثر السمّ الذي سُقي كما جاء فى رواية محمّد بن الفرج عن أبي دعامة، حيث قال: أتيت عليّ بن محمد عليه السلام عائداً في علّته التي كانت وفاته منها، فلمّا هممت بالانصراف قال لي: يا أبا دعامة قد وجب عليّ حقّك، ألا أُحدّثك بحديث تسرّ به؟ قال: فقلت له: ما أحوجني إلى ذلك يا ابن رسول الله.
191
الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
خلاصة الدرس
- تسلّم الإمام الهادي عليه السلام الإمامة بعد استشهاد أبيه الجواد عليه السلام، وكان له من العمر ثماني سنوات.
- مارس الإمام الهادي عليه السلام مهامّه القياديّة سنة 220 هـ، وقد عاصر ستة من ملوك بني العباس.
- يعتبر عهد المتوكل بداية العصر العباسي الثاني، وهو عصر نفوذ الاتراك، واعتبره البعض بدء عصر انحلال الدولة العباسية الذي انتهى بسقوطها على أيدي التتار سنة (656هـ). وقد انتهج المتوكل سياسة العنف ضد العلويين.
- كان المعتصم أول الخلفاء العباسيين الذين استعانوا بالأتراك.
- شاع في هذا العصر ترجمة الكتب اليونانية والفارسية والهندية.
- بقي الإمام الهادي عليه السلام تحت رقابة الحكام العباسيين مدّة تزيد على العشرين عاماً.
- كان وكلاء الإمام عليه السلام يتولّون تنظيم عملية الاتصال بينه وبين الشيعة.
192
الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
أسئلة
1- كيف تصف الحكّام الّذين عاصرهم الإمام عليه السلام؟
2- كيف تفهم الجانب التهذيبيّ في منهج الإمام التربويّ؟
3- ما هي أهمّ الأسس الّتي اعتمدها الإمام في الجانب التنظيميّ؟
ضع علامة صحّ □ أو خطأ □ في المكان المناسب:
1- استشهد الإمام الهادي عليه السلام في زمن المعتزّ □
2- ليس هناك أي نصّ يدلّ على إمامة الهادي عليه السلام □
3- عاصر الإمام الهادي عليه السلام ثلاثة من الحكام الأمويين □
4- اعتمد الإمام عليه السلام أسلوب الوكالة للاتصال بأتباعه □
5- كُنّي عليه السلام بـ "أبي عبد الله" □
193
الدرس الحادي عشر: الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام
للمطالعة
194
الدرس الرابع عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (2) الغيبة الصغرى 260 - 329 هـ
الدرس الرابع عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (2) الغيبة الصغرى 260 - 329 هـ
أهداف الدرس:
1- أن يتعرّف الطالب إلى أسباب الغيبة الصغرى.
2- أن يتعرّف إلى سفراء الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ودورهم في التواصل مع الشيعة.
3- أن يتعرّف إلى الظروف المحيطة بالغيبة الصغرى.
195
الدرس الرابع عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (2) الغيبة الصغرى 260 - 329 هـ
تمهيد:
عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كان أبو جعفر يقول: "لقائم آل محمَّد غيبتان: واحدة طويلة، والأخرى قصيرة، قال: فقال لي: نعم يا أبا بصير إحدهما أطول من الأخرى"[1].
تؤكِّد الروايات كما يخبرنا الواقع أنَّ للإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف غيبتين، إحداهما أطول من الأخرى، وسنفصِّل في هذا الدرس الكلام عن الغيبة الصغرى، إن شاء الله تعالى.
الإمامة والغيبة الصغرى
بدأت فترة الغيبة الصغرى بوفاة الإمام الحسن العسكريِّ عليه السلام عام 260 هـ حيث كان عمر الإمام المهديِّ عجل الله تعالى فرجه الشريف خمس سنين تقريباً، واستمرَّت قرابة 70 سنة حتى عام 329 هـ حيث انتهت بوفاة السفير الرابع، وبداية الغيبة الكبرى.
وفي زمن الغيبة الصغرى لم يطَّلع على مكانه أحد من الناس إلا خاصّة مواليه والمقرَّبين منه فقط.
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 365.
196
الدرس الرابع عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (2) الغيبة الصغرى 260 - 329 هـ
السفراء الأربعة
197
الدرس الرابع عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (2) الغيبة الصغرى 260 - 329 هـ
السفير الرابع: أبو الحسن عليّ بن محمَّد السمريّ[1]. وفي نهاية سفارته خرج التوقيع من الإمام المهديِّ عجل الله تعالى فرجه الشريف يخبر الناس بانتهاء الغيبة الصغرى وبدء الغيبة الكبرى، حيث كتب عجل الله تعالى فرجه الشريف: بسم الله الرحمن الرحيم: "يا عليّ بن محمَّد السمريّ أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنَّك ميِّت ما بينك وبين ستة أيّام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامَّة، فلا ظهور إلا بإذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي من يدَّعِي المشاهدة، ألا فمن ادَّعى المشاهدة قبل خروج السفيانيّ والصيحة فهو كذَّاب مفترٍ، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العليّ العظيم"[2].
وفي اليوم السادس مرض السمريُّ رضوان الله تعالى عليه وانتقل إلى رحمة الله تعالى وكان آخر ما تكلَّم به بعد أن سألوه إلى من يوصي فقال: "لله أمر هو بالغه"[3].
أسباب الغيبة الصغرى
لماذا اتَّبع الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف هذا الطريق للاتصال بشيعته، حيث اقتصر باتِّصاله المباشر على أشخاص محدَّدين فيما اتَّصل بالباقين عبر هؤلاء وبشكل غير مباشر؟ إنَّ لهذه الطريقة التي اتَّبعها الإمام العديد من الأسباب، أهمُّها ما يلي:
أولاً: الحفاظ على شخص الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف:
ذكرنا فيما سبق أنَّ الحكومة العباسيَّة كانت تترصَّد المولود الجديد لتقتله. ونتيجة تدبير الإمام العسكريّ لم يتم لهم معرفة ذلك، ولكن بعد ولادته عجل الله تعالى فرجه الشريفتناهى لمسامعهم بعض الأخبار عن ذلك فتمَّت مداهمة بيت الإمام العسكريِّ عليه السلام مرَّات عديدة للقبض على المولود الجديد وتصفيته، ولكن دون جدوى.
[1] لمدة 3 سنين تقريباً.
[2] العلامة المجلسي،بحار الأنوار، ج 51، ص 361.
[3] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص 433.
198
الدرس الرابع عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (2) الغيبة الصغرى 260 - 329 هـ
وفي هذه الظروف الصعبة والمطاردة العباسيَّة لم يكن للإمام أن يظهر أمام الناس جميعاً، فهو مكلَّف بالحفاظ على نفسه ليتمكَّن حين يحين الموعد من إقامة الدولة الإسلاميَّة العالميَّة. وهذا ما تشير إليه عدَّة روايات، كالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا بدَّ للغلام من غيبة، فقيل له: وَلِمَ يا رسول الله؟ قال: يخاف القتل"[1].
199
الدرس الرابع عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (2) الغيبة الصغرى 260 - 329 هـ
خلاصة الدرس
200
الدرس الرابع عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (2) الغيبة الصغرى 260 - 329 هـ
أسئلة
201
الدرس الرابع عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (2) الغيبة الصغرى 260 - 329 هـ
للمطالعة
202
الدرس الرابع عشر: الإمام محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (2) الغيبة الصغرى 260 - 329 هـ
ولمّا مات الإمام العسكري عليه السلام حضر غسله عثمان بن سعيد وتولّى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه ودفنه في الظاهر.
203
الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى
الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى
204
الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى
تمهيد:
في الرواية عن الإمام محمَّد التقيّ عليه السلام أنه قال: "إنَّ الإمام بعدي ابني عليّ، أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والإمام بعده ابنه الحسن أمره أمر أبيه، وقوله قول أبيه، وطاعته طاعة أبيه، ثُمَّ سكت، فقلت له: يا بن رسول الله، فمن الإمام بعد الحسن؟ فبكى عليه السلام بكاءاً شديداً، ثُمَّ قال: إنَّ من بعد الحسن ابنه القائم بالحقِّ المنتظر. فقلت له: يا ابن رسول الله، لِمَ سُمِّيَ القائم؟ قال: لأنَّه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته، فقلت له: ولِمَ سُمِّيَ المنتظر؟ قال: لأنَّ له غيبة يكثر أيّامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزىء بذكره الجاحدون، ويكذِّب بها الوقَّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلّمون"[1].
لقد مهَّد أهل البيت عليهم السلام للدور الذي سيقوم به الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، منذ ولادته حتَّى قيام دولته العادلة، وسلطته على الأرض كلِّها، والمراحل التي ستمرُّ بين ذلك، خصوصاً مرحلة الغيبة الكبرى لما تحتاج هذه المرحلة من تهيئة المؤمنين لهذا الموضوع، وتعايشهم مع غيبة إمامهم، واستعدادهم لمواجهة تحدِّيات مرحلة الغيبة.
فكانت هذه الرواية عن الإمام الجواد عليه السلام وغيرها من الروايات التي تحمل في
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 30.
205
الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى
طيَّاتها رسائل واضحة للمؤمنين تثبِّتهم في غيبته وترشدهم إلى مثل هذه المرحلة التي ينبغي أن يكونوا جاهزين لها على المستوى العقائديّ والنفسيّ. وببركة هذه التوجيهات استطاع المؤمنون أن يتعايشوا مع هذه المرحلة ويوفِّروا متطلباتها، إلى أن يأذن الله تعالى لمولانا صاحب الزمان بالظهور. وهناك أمور لا بدَّ من الإجابة عنها في هذا الإطار نستعرضها خلال هذا الدرس إنْ شاء الله تعالى.
206
الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى
فدولة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريفستكون بعد أن يجرّب الناس جميع الدول والأنظمة الأخرى ويحصلون على فرصتهم الكافية في ذلك. وعندها لا يبقى أمام الناس سوى القبول بدولة الإمام وبالمشروع الإلهيّ بعد فشل جميع مشاريعهم الأخرى.
207
الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى
زمن الغيبة ليقوى عود المؤمنين والمخلصين حقَّاً، ويصبحوا جاهزين للقيام بهذه المسؤوليَّة، ولينكشف الإنهزاميُّون وضعاف النفوس وينسحبوا قبل أن يشكِّلوا أيَّ ثغرة في جيش الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف قال تعالى: ﴿مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾[1].
208
الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى
متى تنتهي الغيبة؟
إنَّ ما سبق يشير إلى المصلحة في الغيبة نفسها وضرورتها لتتحقّق الأمور التي تحدَّثنا عنها. ولكنَّ تحقّق تلك الأمور وحدها لا يكفي للظهور، بل هناك أسباب وشرائط أخرى لا بدَّ من توفُّرها أيضاً ليتحقّق الفَرَجُ، من هذه الأمور:
وجود الأنصار:
لا بدَّ من توفُّر العدد الكافي من الأنصار المخلصين القادرين على تحقيق مشروع الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف. وهناك العديد من الروايات التي تحدَّثت عن هؤلاء الأنصار، الذين يجتمعون حول الإمام عند بداية حركته وعددهم 313 بعدد المسلمين في بدر، ولعلَّهم يشكِّلون نواة التحرُّك وقادة جيوش الإمام.
هؤلاء الذين يكفون الإمام ما يريد كما ذُكِرَ في الرواية عن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق عليه السلام: "يحفُّون به يقونه بأنفسهم في الحروب ويكفونه ما يريد"[1].
عدم التوقيت:
هناك العديد من الروايات التي تؤكِّد على عدم توقيت ظهور الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، كما في الرواية عن الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام قال: "لقد حدَّثني أبي عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قيل له: يا رسول الله متى يخرج القائم من ذريَّتِك؟ فقال عليه السلام: مثله مثل الساعة لا يجلِّيها لوقتها إلا هو، ثقُلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة"[2].
بل هناك روايات واضحة في تكذيب من يوقِّت للظهور كالرواية عن الإمام محمَّد الباقر عليه السلام: "كذب الوقَّاتون، كذب الوقَّاتون، كذب الوقَّاتون"[3].
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 308.
[2] م. ن، ج 51، ص 154.
[3] الشيخ الكليني، الكافي، ج 1، ص 368.
209
الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى
وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "يا مهزم كذب الوقَّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلمون، وإلينا يصيرون"[1].
210
الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى
خلاصة الدرس
211
الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى
أسئلة
212
الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى
للمطالعة
213
الدرس الخامس عشر: الإمام الحجّة محمد ابن الحسن المهديّ (3) الغيبة الكبرى
أُمور الشيعة ويهتم بها، وصدرت تواقيع عديدة عن الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف فوصلت من خلاله إلى الآخرين وقد توفّي في عام 304 أو 305.
214
الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج
الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج
215
الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج
تمهيد:
كثرت الروايات الّتي تتحدَّث عن انتظار الفرج وفضله، كالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل جهاد أُمَّتي انتظار الفرج"[1].
وعن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام: "انتظروا الفرج ولا تيأسوا من روح الله فإنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله عزَّ وجلَّ انتظار الفرج.... والمنتظر لأمرنا كالمتشحِّط بدمه في سبيل الله"[2].
فما هو هذا الانتظار الذي يعتبر من أحبِّ الأعمال وأفضل العبادات كما عبَّر بعض الروايات؟ وكيف يكون؟
معنى الانتظار
الانتظار في اللَّغة بمعنى الترقُّب[3]، والتربُّص[4]، وهو "حالة نفسانيَّة ينبعث منها التهيّؤ لما تنتظره، وضدّه اليأس، فكلَّما كان الانتظار أشدّ كان التهيّؤ آكد..."[5].
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 77، ص 143.
[2] م.ن. ج65، ص 61.
[3] ابن منظور، لسان العرب، ج1، ص 424.
[4] م.ن. ج7، ص 39.
[5] الأصفهاني، ميرزا محمَّد تقي ، مكيال المكارم، ج2، ص 136.
216
الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج
كيف يكون الانتظار؟
217
الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج
والجلوس في البيت، والتخاذل عن الوظائف الشرعيَّة الممكنة، والّتي فيها مصلحة الأمَّة، بل هناك العديد من الأدوار الأساسيَّة الّتي لا بدَّ من تنفيذها، يمكن أن نختصرها فيما يلي:
218
الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج
ثانياً: توحيد الأُمَّة وتنظيمها بالشكل المطلوب:
فالإمام الصادق عليه السلام يتحدَّث بشكل واضح أنَّ حفيده المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف "ما يخرج إلّا في أولي قوَّة"[1].
والقوَّة لها جانبان، قوَّة ماديَّة تأتي من خلال التجهيز والاستعداد والتدرُّب... وهذا يفترض أنَّ هناك تحرُّكاً قويًّا في هذا الاتجاه قبيل ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، وقوَّة في القلب والإرادة، وهذه تنتج من الثبات أمام الابتلاءات، وهناك رواية تصفهم: "إنَّ قلب رجل منهم أشدّ من زبر الحديد لو مرُّوا بالجبال الحديد لتدكدكت، لا يكفُّون سيوفهم حتى يرضى الله عزَّ وجلَّ"[2].
ثالثاً: التمهيد للظهور:
هناك العديد من الروايات التي تتحدَّث عن أشخاص ورايات تظهر قبيل ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريفوتقوم بتهيئة الأرض له والتمهيد لظهوره، كالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يخرج ناس من المشرق فيوطِّئون للمهديِّ"[3]. بل إنَّ أمنية كلِّ مؤمن أن يكون في ركب جنود القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف عند ظهوره. وفي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "فيا طوبى لمن أدركه وكان من أنصاره"[4]. والمخلصون يعملون على التمهيد لظهوره، وتهيئة الأرض ومواءمة الظروف لتحقيق شرائط الظهور، وتحقيق اليوم الموعود، وفي رواية أنَّه سئل الإمام محمَّد التقيُّ عليه السلام: "لِمَ سُمِّيَ القائم؟ فقال: "لأنَّه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته. فقيل له: وَلِمَ سُمِّيَ المنتظر؟ فقال: لأنَّ له غيبة يكثر أيّامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزىء بذكره الجاحدون، ويكذِّب بها الوقَّاتون، ويهلك فيها المستعجلون،
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 323.
[2] القندوزي، ينابيع المودة، ج 3، ص 177.
[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 241.
[4] النعماني، الغيبة، ص 240.
219
الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج
وينجو فيها المسلّمون"[1].
220
الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج
وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾[1]، وقال تعالى: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾،[2].[3]
3- الصبر على الأذى:
لا شكَّ أنَّ زمن الغيبة زمن ابتلاءات وامتحانات صعبة تحتاج للكثير من الثبات والصبر، وهذا ما أكَّدت عليه الروايات أيضاً، ففي الرواية عن الإمام الحسين عليه السلام: "أما أنَّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "[4].
4- جهوزيّة أصحاب الحجّة:
وأمَّا بعد ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، فسيكون ظهوره بين أصحاب لهم صفاتهم الخاصّة أيضاً، ومن هذه الصفات الاستعداد والجهوزيّة، ففي الرواية عن الإمام محمَّد الباقر عليه السلام والإمام جعفر الصادق عليه السلام في قوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ﴾[5] أنّهما قالا: "الأمّة المعدودة هم أصحاب المهديِّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في آخر الزمان ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً كعدَّة أهل بدر، يجتمعون في ساعةٍ واحدةٍ كما يجتمع قزع الخريف"[6].
فمن الملاحظ في هذه الرواية كيف يجتمع أصحاب الإمام في ساعةٍ واحدةٍ، ما
[1] سورة البقرة، الآيتان: 2 - 3.
[2] سورة المجادلة، الآية: 22.
[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 143.
[4] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص 318.
[5] سورة هود، الآية: 8.
[6] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 9، ص 103.
221
الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج
يشير إلى الجهوزيَّة التامَّة الّتي يتمتَّع بها هؤلاء الأشخاص بحيث لم ينشغلوا بتجهيز المقدِّمات وتهيئة الأمور لتلبية النداء، بل كانوا جاهزين وحاضرين تماماً.
222
الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج
خلاصة الدرس
223
الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج
أسئلة
1- ما معنى الانتظار في اللغة؟
2- ما هي أقسام الانتظار المتصوَّرة؟ وما هو الفرق بينها؟
3- كيف يكون الانتظار الصحيح؟ وما هو الدليل على ذلك؟
ضع علامة صحّ □ أو خطأ □ في المكان المناسب:
1- لا فرق في الانتظار بين أن يتحرك الإنسان أو يجلس مكتوف اليدين □.
2- روي عن الإمام الصادق أنه قال في المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف: "ما يخرج إلا في أولي قوة" □.
3- من صفات أصحاب المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف الالتزام بالنظام □.
4- وصف أصحاب المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريفبأنهم أصحاب قوة جسدية صلبة □.
5- اتحاد المؤمنين حول قضية المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف سبب مباشر لتعجيل الظهور □.
224
الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج
للمطالعة
السفراء الأربعة (3)
أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي
في الأيام الأخيرة من حياة أبي جعفر العمري، زاره جماعة من كبار الشيعة، فقال: إن حدث عليّ حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي، فقد أُمرت أن أجعله في موضعي بعدي، فارجعوا إليه وعولوا في أُموركم عليه[1].
وقد كان الحسين بن روح من أصحاب السفير الثاني المقرّبين، وكان العمري يعدّه لأمر الوكالة والسفارة منذ وقت طويل، فكان يحيل الشيعة في دفع الأموال إليه حيث كان همزة الوصل بين عثمان بن سعيد والشيعة[2].
كان الحسين بن روح قد ألّف كتاباً في فقه الشيعة تحت عنوان التأديب، وقد أرسله إلى فقهاء قم لينظروا فيه، فكتبوا رداً عليه: إنّه كلّه صحيح ـ يطابق فتاوى الشيعة ـ وما فيه شيء يخالف إلاّ مسألة واحدة[3].
وقد أثنى بعض المعاصرين على عقله وفطنته ومعرفته، فقال: وكان أبو القاسم من أعقل الناس عند المخالف والموافق[4].
وسجن الحسين بن روح مدة خمسة أعوام في عهد الخليفة المقتدر وأُفرج عنه سنة 317هـ[5]، وأخيراً وبعد نشاط في السفارة والوكالة دام واحداً وعشرين عاماً مات في سنة 326هـ[6].
[1] الشيخ الطوسي، الغيبة، ص226-227.
[2] م. ن، ص224.
[3] م.ن، ص240.
[4] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج51، ص356.
[5] دكتور جاسم حسين، تاريخ سياسى غيبت امام دوازدهم، ص199.
[6] الشيخ الطوسي، الغيبة، ص 238.
225
الدرس السادس عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ (4) الممهّدون وإنتظار الفرج
أبو الحسن علي بن محمد السَّمَري[1].
226
الدرس السابع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (5) علامات الظهور
الدرس السابع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (5) علامات الظهور
أهداف الدرس:
1- أن يتبيّن الطالب لماذا علامات الظهور.
2- أن يتعرّف إلى الأجواء العامّة قبل الظهور.
3- أن يتعرّف إلى أهم علامات الظهور.
227
الدرس السابع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (5) علامات الظهور
تمهيد:
ذكرنا سابقاً أنَّه ليس هناك توقيت لظهور الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، ولكن رغم ذلك لم يترك أمر الظهور بدون أيِّ إشارة إليه، فقد ذكر العديد من الروايات أموراً وحوادث عديدة اعتبرَتها مؤشِّراً على قرب زمن الظهور، وهو ما اصطُلح عليه بعلامات الظهور. وهذه العلامات متعدِّدة ولها أقسامها المتفاوتة.
فبعض العلامات واضح في معناه والمقصود منه، وبعضها الآخر أشبه بالرمز الّذي لا يتّضح معناه بشكل واضح ودقيق، ولعلَّ سبب الإبهام والترميز هو اختلاف الأزمنة وصعوبة التعبير عن أمور غير موجودة في ذلك الزمن، فيُستعاض عنها بالتشبيه والترميز.
وبعض علامات الظهور، يتحدَّث عن الأجواء العامَّة للزمن الّذي يحصل فيه الظهور. ومن الطبيعيّ أنَّ الأجواء العامَّة لا تحدث بلحظة واحدة عادة وإنَّما تكون على نحو التراكمات الاجتماعيّة، وبالتالي فإنَّ مثل هذه العلامات لا يكون ملاصقاً لزمن الظهور تماماً، ويحتمل أنْ يتراخى الزمن حتّى يحصل الظهور بعدها. فيما هناك علامات أخرى أشبه بالأحداث والوقائع الّتي تكون قبيل الظهور بفترات قليلة يعقبها الظهور مباشرة، وبالتالي فهي علامات قريبة جداً من زمن الظهور.
وقد قسَّموا العلامات أيضاً إلى علامات حتميَّة الوقوع، وأخرى غير حتميَّة، ويمكن
228
الدرس السابع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (5) علامات الظهور
أنْ لا تتحقّق، ولا يتوقّف عليها الظهور بشكل أكيد.
229
الدرس السابع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (5) علامات الظهور
الأجواء العامّة قبيل الظهور
230
الدرس السابع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (5) علامات الظهور
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "لو رأيت السفيانيّ رأيت أخبث الناس أشقر أحمر أزرق"[1].
1- خروج اليمانيّ: قال صلى الله عليه وآله وسلم: "خروج الثلاثة: السفيانيّ والخراسانيّ واليمانيّ في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد وليس فيها من راية أهدى من رايةٍ اليمانيّ لأنَّه يدعو إلى الحقِّ"[2]. وفي حديث عنه: "خروج السفيانيّ واليمانيّ والخراسانيّ في سنة واحدة وفي شهر واحد وفي يوم واحد، ونظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس في كل وجه، ويل لمن ناواهم، ليس في الرايات أهدى من راية اليمانيّ هي راية هدى لأنَّه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليمانيّ حرَّم بيع السلاح على كلِّ الناس"[3].
2- إقبال الرايات السود من خراسان: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "تنزل الرايات السود الّتي تخرج من خراسان إلى الكوفة، فإذا ظهر المهديُّ بعثت إليه بالبيعة"[4]. وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "إذا سمعت الرايات السود مقبلة من خراسان فكنت في صندوق مقفل عليك، فاكسر ذلك القفل وذلك الصندوق حتَّى تُقتل تحتها"[5].
ب- أحداث محدَّدة:
قتل النفس الزكيَّة بين الركن والمقام: ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "وليس بين قيام قائم آل محمَّد وبين قتل النفس الزكيَّة إلّا خمس عشرة ليلة"[6].
[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 52، ص 206.
[2] م. ن، ص 210.
[3] م. ن، ص 232.
[4] م. ن، ص 217.
[5] المتَّقي الهندي، كنز العمال، ج 11، ص 278.
[6] الشيخ الطوسي، الغيبة، ص 445.
231
الدرس السابع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (5) علامات الظهور
ج- كوارث وأحداث طبيعيَّة:
232
الدرس السابع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (5) علامات الظهور
خلاصة الدرس
233
الدرس السابع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (5) علامات الظهور
أسئلة
1- ما هي أقسام علامات الظهور؟
2- ما هي فوائد علامات الظهور؟
3- إلى أيِّ درجة يكون قد وصل الفساد والظلم قبيل الظهور؟
ضع علامة صحّ □ أو خطأ □ في المكان المناسب:
1- نزول المسيح عليه السلام يسبق ظهور المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف □.
2- لا تحدث علامات الظهور في لحظة واحدة □.
3- قتل النفس الزكية من العلامات المحدّدة للظهور □.
4. بعض علامات الظهور جاء صريحاً وبعضها غير صريح □.
5. العلامات تنحصر فقط في منطقة الشرق الأوسط من العالم □.
234
الدرس السابع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (5) علامات الظهور
للمطالعة
235
الدرس السابع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (5) علامات الظهور
وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان، وتولّد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته وارتداد أكثرهم عن دينهم، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله تقدس ذكره: ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا﴾[1]- يعني الولاية - فأخذتني الرقة، واستولت علي الأحزان[2].
[1] سورة الإسراء، الآية: 13.
[2] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص345.
236
الدرس الثامن عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (6) طول عمر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
الدرس الثامن عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (6) طول عمر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
237
الدرس الثامن عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (6) طول عمر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
تمهيد:
238
الدرس الثامن عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (6) طول عمر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
يمكن أنْ يُشعرا الإنسان أنَّ طول عمر الإمام هو نموذج أوحد لا مثيل له في التاريخ، وحيث إنَّه لا مثيل له يمكن أنْ يحدث نوعاً من الصدمة أو التشكيك عند ضعاف النفوس، ولكن من المستغرب أنَّ التشكيك يحصل رغم وجود الكثير من النماذج الأكيدة لأشخاص كانت أعمارهم طويلة جداً، وردت في نصوص قرآنية أو في روايات مسلّمة، وسنذكر فيما يلي نموذجين:
239
الدرس الثامن عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (6) طول عمر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
على دعاء المؤمنين وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته ويصل به وحدته"[1].
فالخضر عليه السلام لا زال حيَّاً حتَّى الآن وبالتالي فعمره حتَّى الآن أضعاف عمر الإمام المهديِّ عجل الله تعالى فرجه الشريف. وسيبقى حيًّا حتَّى يُنفخ في الصُّور. وتنقل لنا النصوص الشرعيَّة أحداثاً حصلت مع الخضر عليه السلام خلال هذه السنين المتطاولة، كالقصّة التي ينقلها القرآن الكريم عند لقائه لنبيِّ الله موسى عليه السلام، ﴿فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾[2] وكذلك ورد في الرواية عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام: "لَمَّا قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء الخضر عليه السلام فوقف على باب البيت وفيه عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد سُجِّيَ بثوبه فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمَّد ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾[3]، إنَّ في الله خلفاً من كلِّ هالك، وعزاءً من كلِّ مصيبة، ودركاً من كلِّ فائت، فتوكَّلوا عليه، وثقوا به، وأستغفر الله لي ولكم. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: هذا أخي الخضر عليه السلام جاء يعزِّيكم بنبيِّكم صلى الله عليه وآله وسلم "[4].
وتشير الروايات إلى وجود الارتباط الوثيق بين طول عمر الخضر عليه السلام وعمر الإمام المهديِّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، فعن الإمام جعفر بن محمَّد الصادق عليه السلام أنه قال: "وأمَّا العبد الصالح الخضر، فإنَّ الله تبارك وتعالى ما طوَّل عمره لنبوَّة قدَّرها له، ولا لكتاب ينزله عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء، ولا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها، ولا لطاعة يفرضها له، بلى، إنّ الله تبارك
[1] الأصفهاني، محمّد تقي، مكيال المكارم، ج 1، ص 171.
[2] سورة الكهف، الآيتان: 65- 66.
[3] سورة آل عمران، الآية: 15.
[4] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص 391.
240
الدرس الثامن عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (6) طول عمر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
وتعالى لمَّا كان في سابق علمه أن يقدِّر من عمر القائم ما يقدِّر من عمر الخضر وما قدَّر في أيّام غيبته ما قدَّر وعلم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طوَّل عمر العبد الصالح من غير سبب يوجب ذلك إلّا لعلَّة الاستدلال به على عمر القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف، وليقطع بذلك حجَّة المعاندين لئلَّا يكون للناس على الله حجَّة"[1].
النتيجة
إنَّ الإيمان بمقام الإمامة وكون الإمام مسدَّداً من قبل الله تعالى يؤدِّي دوره الاستثنائيّ الّذي أراده الله تعالى له، الإيمان بذلك لا يجتمع مع التشكيك به بسبب طول العمر أو غيرها من الأمور الّتي تعتبرعاديَّة بالنسبة إلى القدرة الإلهيَّة، والسنن التاريخيَّة. والتشكيك ينطلق من الاختلاف في موضوع الإمامة وعدم إيمان شريحة من الناس به. وأمَّا من يتَّبع منهج الإمامة فإنَّه سيجد نفسه في قضية الإمام المهديِّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وطول عمره منسجماً تماماً مع عقيدته وطموحاته وآماله والوعود القرآنيّة الّتي ينتظر تحقّقها.
[1] الأصفهاني، مكيال المكارم، ج 1، ص 171.
241
الدرس الثامن عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (6) طول عمر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
خلاصة الدرس
242
الدرس الثامن عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (6) طول عمر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
أسئلة
243
الدرس الثامن عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (6) طول عمر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف
للمطالعة
244
الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف
الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف
245
الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف
تمهيد:
246
الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف
وسنتحدّث هنا عن قسمين من الدعاء:
247
الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف
فنكتفي بالتأكيد على أهميّته حيث ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "من دعا بهذا الدعاء أربعين صباحاً كان من أنصار القائم عليه السلام وإن مات قبل ظهوره أحياه الله تعالى حتّى يجاهد معه ويكتب له بعدد كلّ كلمة ألف حسنة ويمحى عنه ألف سيئة"[1].
248
الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف
جمعة... وأضاف المحدّث صاحب المستدرك في "تحيّة الزائر" استحباب قراءته في الأعياد الأربعة[1].
249
الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف
القبلة تحت السماء وقل: سلام الله الكامل التامّ الشامل الخ[1].
250
الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف
والفوائد العمليّة المترتّبة على هذه البيعة كثيرة منها:
251
الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف
2- بعد كلّ صلاة.
252
الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف
1- لِيُعِنْ قويُّكم ضعيفكم.
253
الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف
"اللَّهمَّ عجّل فرجه ومخرجه وانصرنا به نصراً عزيزاً"[1].
إحياء أمره بين الناس
لا بدّ من العمل لتعريف الناس بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وإحياء أمره بينهم وذلك عن طريق:
1- زيارة المجاهدين في مواقعهم الجهاديّة وغيرها وعيادة الجرحى منهم باعتبارهم جنوده عليه السلام وقد ورد عنهم عليهم السلام : "من لم يقدر على زيارتنا فليزر صالحي موالينا يُكتب له ثواب زيارتنا".
2- إقامة مجالس الدعاء والزيارة له عليه السلام خصوصاً دعاء الندبة.
3- إقامة الندوات والاحتفالات أو المشاركة بالحضور فيها.
4- نظم الشعر.
5- تأليف الكتب وكتابة المقالات.
6- الاهتمام بإحياء ليلة النصف من شعبان.
7- تعميم مظاهر الزينة والابتهاج في يوم مولده المبارك في 15 من شعبان.
8- الاهتمام بشؤون الفقراء والمحتاجين دائماً باسمه عليه السلام.
إلى غير ذلك من الأساليب الّتي تشترك جميعها في تحقيق هذا الهدف.
[1] منتهى الآمال، فارسي، ص 865 وتوجد تفاصيل أخرى في منتخب الأثر، ص 505 - 506.
254
الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف
خلاصة الدرس
- إنّ الارتباط بأئمّة أهل البيت عليهم السلام ليس مجرد ارتباطٍ عاطفيّ أو وجدانيّ يندرج في إطار الحبّ والمودة والتفاعل العاطفيّ أو النفسيّ، بل هي علاقة فكريّة وعقيديّة وعمليّة تتَّصل بما جعله الله لهم من موقع مقدّس في الإسلام والعقيدة.
- هناك قسمان من الدعاء:
أ- الدعاء لمعرفته والثبات على ولايته، باعتباره حجّة الله تعالى على خلقه.
ب- الدعاء له عليه السلام لحفظه ونصرته.
- قد ورد الحثّ على تجديد بيعة الإمام المهديّ عليه السلام بعد كلّ صلاة من الصلوات الخمس أو في كلّ يوم أو في كلّ جمعة.
- يتوقف الالتزام بولايته عليه السلام على التبرّؤ من أعدائه، وأعداؤه هم كلّ أعداء الله تعالى وأعداء رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من الكافرين والمشركين والمنافقين.
- لا بدّ من العمل لتعريف الناس بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وإحياء أمره بينهم.
أسئلة
1- ما هي أهم الأدعية في عصر الغيبة؟
2- ما هي أهم الآداب في عصر الغيبة؟
3. كيف نحيي أمره عجل الله تعالى فرجه الشريفبين الناس؟
ضع علامة صحّ □ أو خطأ □ في المكان المناسب:
1- الارتباط بالأئمة عليهم السلام ليس مجرّد ارتباط عاطفي.
2- من الزيارات المستحبة في عصر الغيبة زيارة آل ياسين. □
3- لا يمكن زيارة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف إلا عن وقوف. □
4- أوقات تجديد البيعة للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف بعد صلاة الصبح، بعد كل صلاة، وفي يوم الجمعة. □
5- تعتبر زيارة المجاهدين من إحياء أمر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف. □
255
الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف
للمطالعة
256
الدرس التاسع عشر: الإمام الحجّة محمد بن الحسن المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف (7) الدعاء والارتباط بصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف
يأخذه بغير حقه.