دروس من الآداب المعنوية للصلاة


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-06

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الأطهرين الأكرمين الذين من تولاّهم نجا ومن تخلّف عنهم غرق وهوى.

إن للصلاة موقعها الخاص في الإسلام فهي معراج المؤمن وهي عمود الدين...

أوقات يتفرغ فيها العبد لربه، يرفع يديه إليه بالتكبير والذكر والدعاء لها أثرها الأساسي في الدنيا فهي التي تنهى عن المنكر، وأثرها المحوري في الآخرة فهي التي إن قبلت قبل ما سواها وإن ردت رد ما سواها.

والصلاة ليست مجرد تحريك للبدن واللسان فهذه الحركات والكلمات لها امتدادها في وجدان المؤمن وقلبه ونفسه فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إن العبد ليرفع له من صلاته نصفها أو ثلثها أو ربعها أو خمسها، وما يرفع له إلا ما أقبل عليه منها بقلبه...".

ولا زال العلماء يؤلفون الكتب في آداب الصلاة ومعانيها، وقد اخترنا من تلك الكتب كتاب "الآداب المعنوية للصلاة" للإمام الخميني قدس سره المتميز بخطابه الوجداني الذي يتساقط على القلوب المتصحرة غيثا ينبت فيها زرع الخشوع من جديد ويفجر فيها أنهار معرفة الله تعالى وعشقه.

هذا الكتاب هو اختصار وصياغة لكتاب الآداب المعنوية للصلاة يفيد للمطالعة والتدريس في آن واحد.

نسأل الله تعالى أن يفيد به المؤمنين ويجعله سببا للأخذ بأيديهم ورفعهم في مقامات العبودية له تعالى.

والحمد لله أولاً وأخراً

جمعية المعارف الإسلامية الثقافية 
 
 
 
 
5
 
 

1

الدرس الأول: الآداب العامة للعبادة1

تمهيد 
لقد جعل الله للإنسان سبيلا واضحا لسلوك طريق التكامل فقال تعالى: "وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ" ولهذا أرسل الأنبياء والسفراء والإلهيون الذين قرّروا إن طريق الكمال هو طريق العبودية لله تعالى، ولا سبيل غير سبيل العبودية.
 
وقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما تقرّب إلي عبد بشيء أحب مما افترضت عليه وإنه ليتقرّب إلي بالنافلة حتى أحبه فإذا أحببته كانت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها".
 
أعمال الإنسان تتجسد في عالم الغيب:
كل الأعمال التي يقوم بها الإنسان في الحياة الدنيا يكون لها صورة في عالم الغيب المسمى بعالم البرزخ وهو العالم الذي تتجسد فيه أعمالنا قال الله تعالى: "يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً".
 
فالآية الشريفة تدل على أن كلّ أحد يرى أعماله خيرها وشرّها حاضرا، ويشاهد صورتها الباطنية الغيبية.
 
وقد جاء في الحديث: "إن العمل الصالح ليذهب إلى الجنة فيمهد لصاحبه كما يبعث الرجل غلاما فيفرش له ثمّ قرأ عليه الصلاة والسلام وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلأنفسهم يمهدون".
 
* الصورة الغيبية للصلاة:
من أهم العبادات التي ينبغي أن يهتم بها الإنسان والتي تكون سبباً لإصلاح آخرته وصورته الغيبية هي الصلاة فإن الصلاة عمود الدين وبصلاح صلاة العبد تصلح مملكة وجود الإنسان.
 
 
 
7
 

 

2

الدرس الأول: الآداب العامة للعبادة1

قال تعالى: "إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ".
 
* ما هي صورة الصلاة وحقيقتها:
عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: "من صلّى الصلوات المفروضات في أول وقتها وأقام حدودها رفعها الملك إلى السماء بيضاء نقية تقول حفظك الله كما حفظني استودعتني ملكا كريما. ومن صلاّها بعد وقتها من غير علّة ولم يقم حدودها رفعها الملك سوداء مظلمة وهي تهتف به ضيّعك الله كما ضيّعتني، ولا رعاك الله كما لم ترعني".
 
فإن هذه الرواية تدل على أن ملائكة الله سبحانه ترفع الصلاة إلى السماء إمّا بصورة نقيّة بيضاء وهي ما إذا بها المصلّي في أول وقتها ولاحظ آدابها فتدعو له بدعاء الخير، وإما بصورة سوداء مظلمة وذلك إذا أخرّها من غير علّة عذر عن وقتها ولم يقم حدودها، فتدعو حينئذ على المصلّي.
 
* آداب الصلاة:
بعد هذه المقدّمة يتضح أن الصلاة لها حقيقة ستظهر في العوالم الأخرى التي سيمر بها الإنسان حتماً.
 
ولكن حتى يتمكن الإنسان من إصلاحة صورة صلاته ورفعها إلى الله تعالى بيضاء نقية وتحقق له مرقاة الوصول إلى جوار المحبوب سبحانه وتعالى لا بد له من مراعاة الشروط والآداب الخاصة بالصلاة.
 
وهذه الآداب تنقسم إلى قسمين:
1- الآداب الظاهرية: والتي منها النظافة وتحسين الثياب والابتعاد عن الضجيج وتخصيص مكان للصلاة وسجادة خاصة والتختم والتعطر وغيرها.
 
2- الآداب الباطنية: وهي تنقسم إلى قسمين إيضا آداب عامة تشمل جميع العبادات وأهمها الصلاة وآداب خاصة بالصلاة.
 
 
8
 

 

 


3

الدرس الأول: الآداب العامة للعبادة1

* الآداب العامة:
هناك آداب عامة من الضروري أن تتوفّر في الصلاة بل في جميع العبادات، إذا لم تتوفر – هذه الآداب – في نفس وروح العابد فإن عباداته لن تنفع، بل تكون صورة بلا لبّ، وتمثال بلا حقيقة، وجسد بلا روح، وحركات بلا معنى.
 
وقبل الخوض في آداب الصلاة وأسرارها الخاصة، لا بد من معرفة هذه الآداب العامة ومنها:
 
* التوجّه إلى عز الربوبية وذك العبودية:
بمعنى أن يدرك الإنسان عظمة الله وكبريائه وجبروته، وفي ونفس الوقت أن يدرك ذلّته وفقره وحاجته ومسكنته أمام عزة الله وغناه، هذا الادراك هو من الآداب القلبية في العبادات، وهو من الأمور المهمّة؛ لكي يستطيع الإنسان التقرّب من الله ومعترفته.
 
بل كمال الإنسان ونقصه من حيث إنسانيته مرتبط وتابع لهذا الادراك ؛ فكلما كان الإنسان محبّا لنفسه أنانيّا، لا يرى أكثر من أفق نفسه، مستغرقاً في حبّ ذاته وعشقها، كان بعيداً عن كمال الإنسانية وبالتالي بعيداً عن معرفة الله وحبّه وعشقه.
 
وحب النفس ورؤيتها هو أكبر وأضخم الحجب وأظلمها، إذا لم يخرج الإنسان منه لا يستطيع أن من الصعوبة أن يخرج من الحجب الأخرى التي تحجب الإنسان عن معرفة الله تعالى.
 
فالانتصار على هذا الحجاب هو مقدّمة للانتصار على الحجب الأخرى، فهو أول الطريق وأول شرط للسلوك إلى الله تعالى.
 
فجهاد النفس ورياضتها لا تنجح ولا تؤتي أكلها إذا لم يعرف نفسه ويقدّرها التقدير الواقعي أمام ربّ العالمين الغني الذي يتصف بكل الصفات الكمالية.
 
* أهمية التوجه إلى عزّ الربوبية وذلّ العبودية:
يقول الإمام الصادق عليه السلام: "العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية، وما خفي من الربوبية أصيب في العبودية".
 
فمن سعى بخطوة العبودية وأدرك ذلّة النفس وفقرها وصل إلى عزّ الربوبية.
 
فإذا ترك العبد التصرفات من عنده وسلّم حكومة وجوده كلها إلى الحق وخلّى بين
 
 
 
 
9
 
 
 
 
 
 

 


4

الدرس الأول: الآداب العامة للعبادة1

البيت وصاحبه فيحنئذ يكون المتصرف في الدّار صاحبها فتصير تصرفات العبد إلهيّة، فيكون بصره بصرا وينظر نظرة إلهية، ويكون سمعه إلهيّا فيسمع بسمع الحق تعالى.
 
وهذا ما يشير إليه الحديث المشهور: "… وإنه (العبد) ليتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبّه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته"1.
 
وكلّما كانت النفس مرتفعة متكبّرة، كلّما كان الشعور بعزّ الله وغناه ناقصا بل في بعض المراتب زائلا. كما كان تكبّر فرعون "أنا ربّكم الأعلى" فإن الشعور بعزّ الله من مثل فرعون مستحيل.
 
وفي مقامنا كلّما قوي في النفس ذل العبودية وعزّ الربوبية زادت الروحانية في العبادة، الصلاة وغيرها أدرك الإنسان حقيقة العبودية وسرّ العبادة، فعلى الإنسان الذي يريد الوصول إلى الله تعالى ومعرفته أن يهاجر من بيت النفس إلى الله ورسوله ويسلّم كيانه إلى الله تعالى، بذلك يكون قد خطى الخطوة الأولى في روحانيّة العبادة.
 
* من مراتب العبودية:
يقول الإمام الصادق عليه السلام: "الإيمان درجات وطبقات ومنازل، فمنه التام المنتهي تمامه ومنه الناقص البيّن نقصانه ومنه الراجح الزائد رجحاته".
 
وقال الباقر عليه السلام: "إن المؤمنين على منازل، منهم على واحدة ومنهم على اثنتين ومنهم على ثلاث ومنهم على أربع ومنهم على خمس ومنهم على ست ومنهم على سبع، فلو ذهبت تحمل على صاحب الواحدة اثنتين لم يقو، وعلى صاحب الاثنتين ثلاثاً لم يقو"، وساق الحديث ثم قال: "وعلى هذه الدرجات".
 
هذان الحديثان وغيرهما يشيران إلى مراتب في الإيمان، وكما أن هناك مراتب في الإيمان، كذلك هناك مراتب في مقامنا أي مقام الشعور بذلك العبودية وعزّ الربوبية.
 
1- مرتبة العلم: وهي أن يثبت بالسلوك العلمي والبرهان الفلسفي ذلة العبودية وعزة
 

1- شرح أصول الكافي، المازندراني، ج1، ص89.
 
 
 
10

 

5

الدرس الأول: الآداب العامة للعبادة1

الربوبية. فمما لا شك فيه أن كلّ ما خلا الله هو فقير ومحتاج، وهو وحده تعالى العزيز الغني.
 
2- مرتبة الإيمان القلبي: هذه المرتبة تعني أن كل ما أدركه العقل بالبرهان الفلسفي والعلمي ينزل إلى القلب، فلا يكفي العلم المجرّد دون رسوخه في القلب.
 
3- مرتبة الإطمئنان: وهو في الحقيقة المرتبة الكاملة من الإيمان، قال تعالى: "أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي"1.
 
4- مرتبة المشاهدة: وهو نور إلهي رحماني... ولهذه المرتبة درجات، تخرج عن دائرة الوصف.
 
* الخشوع:
من الآداب العامة في الصلاة وغيرها من العبادات الخشوع، وهو يعني: الخضوع التام للحق تعالى الممزوج بالحب له أو الخوف منه جلا وعلا.
 
أما لماذا تارة يكون الخضوع ممزوجا بالحب وأخرى بالخوف؟ فلأن بعض القلوب السالكة إلى الله تعالى بحسب الفطرة مختلفة فمنها عشقي متوجهّة إلى جمال المحبوب، فأصحاب هذه القلوب تغشاهم هيبة الجمال وعظمته ويأخذهم الخشوع في حيال جمال المحبوب.
 
ولكن هذه الحالة في أوائل الأمر توجب تزلزل القلب واضطرابه، بعد التمكّن تحصل للسالك حالة الأنس، وتتبدّل حالة الوحشة والاضطراب المتولدة من العظمة إلى الأنس والسكينة، وتجيئه حالة الطمأنينة، هذا في جهة الحب، ومن جهة الخوف فهناك بعض القلوب خوفيّ، وخشوع أصحاب هذه القلوب يكون من الخوف من الله تعالى.
 
يقول تعالى: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ"2.
 
* بين العلم والإيمان:
تحصيل الخشوع يكون من طريق العلم والإيمان، وهناك فرق بين العلم والإيمان. والدليل على ذلك أن الشيطان كما يشهد له الله تعالى عالم بالمبدأ والمعاد ومع ذلك فهو
 

1- البقرة:260.
2- المؤمنون:1-2. 
 
 
11

 

6

الدرس الأول: الآداب العامة للعبادة1

كافر، لأنه يقول: "خلقتني من نار وخلقته من طين" فهو إذا يعترف بالحق تعالى وخالقيته، ويقول أيضاً: "أنظرني إلي يوم يبعثون". فيعتقد بالمعاد وهو كذلك عالم بالكتب والرسل والملائكة، ومع ذلك كله خاطبه الله سبحانه بلفظ الكافر.
 
فإذا يمتاز أهل العلم من أهل الإيمان. ومجرّد العلم – وإن كان مهمّاً – لا يوجب خشوعاً كما ترونه في أنفسكم فإنكم مع كونكم معتقدين بالمبدأ والمعاد، ومع اعتقادكم بعظمة الله وجلاله وجماله ليست قلوبكم خاشعة.
 
* توصيات لتحصيل الخشوع:
أ- على السالك أن يحصّل الخشوع بنور العلم – كخطوة أولى – والإيمان، ولأت يمكّن هذه الحالة في جميع صلاته من أولها إلى آخرها.
 
ب- تمكين الخشوع في أول الأمر قد يكون صعباً ولكن مع الممارسة والارتياض القلبي أمر ممكن جدّاً، فلا تيأس في هذا الطريق.
 
ج- تحصيل الخشوع لا يكون بالفتور بل يحتاج إلى جد، وكلّما كان المطلوب أعظم – وهو القرب من الله – فهو أحرى بالجد.
 
د- قد يتضايق الإنسان في بداية الطريق من سعيه إلى الصلاة وأمتلاك حالة الخشوع، إلا أنه على المدّة يحصل له الأنس بها واللذة التي لا تقاس بها لذات هذه الدّنيا.
 
فإذا واظبت عليها مدّة يسيرة، وحصل لقلبك الأنس بها لتجدّن في هذا العالم من المناجاة مع الحق تعالى لذّات لا يقاس بها لذّة من لذّات هذا العالم كما يظهر ذلك من النظر إلى أحوال أهل المناجاة مع الله سبحانه.
 
هـ- على السالك أن يذّكر القلب على الدوام بعظمة الله وجلاله حتى يدخل الخشوع شيئاً فشيئاً إلى قلبه.
 
و- على السالك أن لا يقنع بما وصل إليه بل عليه أن يطلب المزيد ويعتبر نفسه ناقصاً.
 
 
 
12
 

 

7

الدرس الأول: الآداب العامة للعبادة1

من فقه الاسلام 
س: ما هو حكم تارك الصلاة عمدا أو المستخفّ بها؟
ج: الفرائض اليومية الخمسة من الواجبات المهمّة جدا في الشريعة الإسلامية، بل هي عمود الدين، وتركها والاستخفاف بها حرام شرعاً وموجب لاستحقاق العقاب.
 
س: هل تجب الصلاة على فاقد الطهورين؟
ج: يصلي في الوقت على الأحوط، وبعد الوقت يقضي مع الوضوء أو التيمم.
 
س: ما هي موارد العدول في الصلاة الواجبة حسب رأيكم الشريف؟
ج: يجب العدول في موارد:
 
منها: من العصر إلى الظهر إذا التفت في الأثناءإلى أنه لم يصلّ الظهر.
 
ومنها: من العشاء إلى المغرب إذا التفت في الأثناء وقبل التجاوز عن محلّ العدول إلى أنه لم يصلّ المغرب.
 
ومنها: ما إذا كان عليه قضاءان مترتبان فشرع في الاحقة نسياناً قبل الإتيان بالسابقة.
 
ويستحب العدول في موارد:
 
منها: من الأداء إلى القضاء الواجب، فيما إذا لم يفت بذلك وقت فضيلة الأداء.
 
ومنها: من الصلاة الواجبة إلى الصلاة المستحبة لإدراك ثواب صلاة الجماعة.
 
ومنها: من الصلاة الفريضة إلى النافلة في ظهر يوم الجمعة لمن نسي قراءة سورة الجمعة، وقرأ سورة أخرى وبلغ النصف أو تجاوزه، فيستحب له أن يعدل بالفريضة إلى النافلة ليستأنف الفريضة مع سورة الجمعة.
 
س: هل المصلي الذي يريد الجمع بين الجمعة والظهر في يوم الجمعة ينوي في كلّ منهما قصد القربة فقط من دون الوجوب، أم ينوي في إحداهما قصد القربة والوجوب، أم ينوي في إحداهما قصد القربة والوجوب، وفي الأخرى قصد القربة فقط، أم ينوي القربة والوجوب فيها؟
ج: يكفي قصد القربة في كلّ منهما، ولا يجب قصد الوجوب في شيء منهما1.
 

1- اجوبة الاستفتاءات,الامام الخامنئي الدار الاسلامية ,ص98-99
 
 
13
 

8

الدرس الأول: الآداب العامة للعبادة1

 خلاصة الدرس
- هناك آداب عامة من الضروري أن تتوفّر في الصلاة بل في جميع العبادات، إذا لم تتوفر – هذه الآداب – في نفس وروح العابد فإن عباداته لن تنفع.
 
- من الآداب العامة للعبادات: الشعور بعزّ الربوبية وبذّل وحقارة وضعف الإنسان العابد (عز الربوبية وذل الربوبية).
 
- هذا الشعور له مراتب: مرتبة العلم، مرتبة الإيمان القلبي، مرتبة الاطمئنان، مرتبة المشاهدة.
 
- ومن الآداب العامة: الخشوع، وهو يعني الخضوع التام للحق تعالى الممزوج بالحب له أو الخوف منه. 
 
- هناك فرق بين العلم والإيمان، والإيمان هو المطلوب.
 
- توصيات تحصيل الخشوع، عليك أن تتفكّر في عظمة الله، ولا تيأس، ولا تقنع بما أنت عليه، وجدّ واجتهد في هذا الطريق.
 
أسئلة حول الدرس
1- أذكر ما ذكر في هذا الدرس من الآداب العامة للعبادة؟
2- ماذا يعني الثاني منهما؟
3- هل يكفي العل عن الإيمان؟
4- أذكر من توصيات تحصيل الخشوع أربعاً؟
 
للحفظ 
عن الإمام الصادق عليه السلام: "العبودية جوهرة كنهها الربوبية فما فقد في العبودية وجد في الربوبية، وما خفي من الربوبية أصيب في العبودية".
 
 
 
 
14
 
 
 
 



 

9

الدرس الأول: الآداب العامة للعبادة1

للمطالعة 
عن حماد بن عيسى قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام يوما: يا حماد تحسن أن تصلي؟
 
قال: فقلت يا سيدي أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة.
 
فقال عليه السلام: لا عليك يا حماد، قم فصل.
 
قال: فقمت بين يديه متوجها إلى القبلة فاستفتحت الصلاة فركعت وسجدت.
 
فقال عليه السلام: يا حماد لا تحسن أن تصلي، ما أقبح بالرجل منكم يأتي عليه ستون سنة أو سبعون سنة فلا يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة.
 
قال حماد: فأصابني في نفسي الذل. فقلت: جعلت فداك فعلمني الصلاة.
 
فقام أبو عبد الله عليه السلام مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعاً على فخذيه، قد ضم أصابعه وقرب بين قدميه حتى كان بينهما قدر ثلاث أصابع منفرجات واستقبل بأصابع رجليه جميعاً القبلة لم يحرفهما عن القبلة وقال بخشوع: (الله أكبر) ثم قرأ (الحمد) بترتيل و(قل هو الله أحد) ثم صبر هنية بقدر ما يتنفس وهو قائم ثم رفع يديه حيال وجهه وقال: (الله أكبر) وهو قائم.
 
ثم ركع وملا كفيه من ركبتيه منفرجات ورد ركبتيه إلى خلفه حتى استوى ظهره حتى لو صب عليه قطرة من ماء أو دهن لم تزل لا ستواء ظهره ومد عنقه وغمض عينيه ثم سبح ثلاثا ترتيل فقال: (سبحان ربي العظيم وبحمده).
 
ثم استوى قائماً فلما استمكن من القيام قال: (سمع الله لمن حمده) ثم (كبر) وهو قائم ورفع يديه حيال وجهه.
 
ثم سجد وبسط كفيه مضمومتي الأصابع بين يديه وركبتيه حيال وجهه فقال: (سبحان ربي الأعلى وبحمده) ثلاث مرات ولم يضع شئيا من جسده على شيء منه وسجد على ثمانية أعظم الكفين والركبتين وأنامل إبهامي الرجلين والجبهة والأنف وقال: سبعة منها فرض يسجد عليها وهي التي ذكرها الله في كتابه فقال: "وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا" وهي الجبهة والكفان والركبتان والإبهامان ووضع الأنف على الأرض سنة.
 
 
 
15
 

 

10

الدرس الأول: الآداب العامة للعبادة1

ثم رفع رأسه من السجود فلما استوى جالساً قال: (الله أكبر).
 
ثم قعد على فخذه الأيسر وقد وضع ظاهر قدمه الأيمن على بطن قدمه الأيسر وقال: (استغفر الله ربي وأتوب إليه) ثم كبر وهو جالس.
 
وسجد السجدة الثانية وقال: كما قال في الأولى ولم يضع شيئاً من بدن على شيء منه في ركوع ولا سجود وكان مجنحاً ولم يضع ذراعيه على الأرض فصلى ركعتين على هذا ويداه مضمومتا الأصابع وهو جالس في التشهد فلما فرغ من التشهد سلم.
 
فقال عليه السلام: يا حماد هكذا صلّ1.
 

1- الكافي:ج3-ص113
 
 
 
 
 
16
 
 
 
 

 

 


11

الدرس الثاني: الآداب العامة للعبادة 2

* الطمأنينة:
من الآداب العامة المهمّة القلبية للعبادات – وخصوصا العبادات الذكرى، كالصلاة – الطمأنينة؛ وهي تعني الإتيان بالعبادة مع سكون القلب، واطمئنان الخاطر، لأن العبادة إذا أتي بها في حال اضطراب القلب وتزلزله فالقلب لا ينفعل بمثل هذه العبادة ولا يحصل أثر من العبادة، والحال إن من إحدى جهات تكرار العبادات وتكثير الأذكار والأوراد أن يتأثر القلب منها وينفعل، حتى يتشكّل الإنسان العابد شيئا فشيئا من حقيقة الذكر والعبادة، ويتحد قلبه بروح العبادة. وتذكر لذلك مثالاً، وهو أن الذكر والعبادة ويتحد قلبه بروح العبادة، ونذكر لذلك مثالا، وهو أن الذكر الشريف: "لا إله إلا الله محمد رسول الله" إذا قاله أحد من قلبه وباطمئنان من لبّه وراح يعلّم القلب هذا الذكر الشريف، حينئذ يتعلّم القلب الذكر ويتكلّم به شيئا فشيئا حتى يتبع لسان القلب اللسان الظاهر.

وإلى هذا المعنى أشار الإمام الصادق عليه السلام: "فاجعل قلبك قبلة للسانك لا تحركه إلا بأشارة القلب وموافقة العقل ورضى الإيمان".

والأحاديث الشريفة في هذا النحو من الطمأنينة وآثارها، كثيرة، ومن هذه الجهة أمر بترتيل القرآن الشريف.

وفي الحديث قال: "من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بدمه ولحمه".

والسر في ذلك أن اشتغال القلب وتكدّره في أيام الشباب أقل, لذا يتأثر القلب من القرآن أكثر وأسرع ويكون أثره أيضا أبقى.

وفي الحديث الشريف: "ما من شيء أحب إلى الله عزّ وجلّ من عمل يداوم عليه وإن قلّ" ولعل السر أنه مع المداومة يكون العمل صورة باطنية للقلب.

* مكافحة الوساوس والتصرفات الشيطانية:
من الآداب المهمة لصلاح القلب والتي لها دور مهم في العبادات بشكل عام والصلاة بشكل خاص، الحفاظ على القلب والعبادة من التصرفات والوساوس النفسية والشيطانية.
 
 
 
17

 
 

12

الدرس الثاني: الآداب العامة للعبادة 2

ولعل الآية الشريفة التي تصف المؤمنين بأنهم يحافظون على صلواتهم تنطبق أيضا على الحفاظ عليها من تصرفات الشيطان، بل إن ذلك أهم مصاديق الحفظ.
 
إن الإنسان كما هو معروف له جنبتان، الأولى: الجسد، الثانية: الروح وكما أن للجسد غذاءه المناسب لينمو بشكل صحيح، ولا بد أن يكون الغذاء خاليا مما ينافي صحة الجسم، كذلك أن للروح والقلب غذاءه المناسب لكي يكون في صفاء وصحة.
 
وغذاء الروح والقلب هو المعارف والفضائل والعبادات الإلهية، وما ينافي صحة الروح والقلب ويخرج الغذاء الروحي والقبي عن تأثيره، هي الوساوس والتصرفات الشيطانية.
 
* غذاء الروح لم يفيدهم:
ومما يشير إلى أن غذاء الروح بنفسه لا يكفي إذا لم يخلص من الوساوس النفسية والشيطانية أن هناك بعض أهل العرفان الاصطلاحي أشخاصاً انتهت بهم هذه الاصطلاحات والغور فيها إلى الضلالة وجعلت قلوبهم منكوسة وبواطنهم مظلمة وصدرت منهم الدعاوى غير اللائقة والشطحات غير المناسبة.
 
كذلك هناك بعض الأفراد الذين سعوا في تصفية أنفسهم نراهم على غير صفاء.
 
كما أن هناك أفراداً من طلاب العلوم الدينية لم يستفيدوا من غذاء العلم الإلهي وازدادوا في المفاسد الأخلاقية.
 
وفي أهل العبادة أيضا أفراد لم يستفيدوا من غذاء العبادة ونرى فيهم تكبّراً وسوء ظن في عباد الله إلى غير ذلك من الظلمات النفسية.
 
* ما يساعد على الخلاص من الوساوس والتصرفات الشيطانية:
(أو متى يفيد الغذاء وكيف) من الأمور المهمّة في المساعدة على إفادة الغذاء الروحي من حيث الحدّ من التصرفات الشيطانية في القلب ما يلي:
 
1- ينبغي أن يكون الغذاء الروحي مأخوذا من النبع الصافي للإسلام وهذا النبع هو: الرسول محمد وآل بيته (صلوات الله عليه وعليهم).
 
 
 
18
 
 

13

الدرس الثاني: الآداب العامة للعبادة 2

2- ولا يحصل الخلاص من تصرف الشيطان الذي هو مقدّمة للإخلاص بحقيقته إلا أن يكون السالك في سلوكه طالبا لله، ويضع حب النفس وعبادتها الذي هو المنشأ للمفاسد كلها وأمّ الأمراض الباطنية تحت قدميه.
 
3- عليك أن لا تيأس من القضاء على تصرفات الشيطان، فاليأس من روح الله رأس كل برودة وفتور ومن الكبائر.
 
4- واظب بكمال المواظبة والدقة على حالك كطبيب رفيق ورقيب شفيق وفتّش بالدقّة عن عيوب مسيرك وسلوكك إلى الله تعالى، ولا تخلّي نفسك على رسلها آنا ما، فربما تسقط نفسك في الهاوية في لحظة غفلة.
 
5- عليك باللجوء إلى الربّ الرحيم في خلواتك والتضرع والاستكانة إليه، فإن في سلوكك إليه بحاجة إليه وإلى توفيقه.
 
* النشاط والبهجة في العبادة:
ومن الآداب القلبية للصلاة وسائر العبادات وله نتائج حسنة في التقدّم الروحي، أن يجتهد السالك إلى الله في أن تكون عبادته عن نشاط وبهجة في قلبه وفرح وانبساط في خاطره، ويحترز احترازاً شديداً أن يأتي بالعبادة مع الكسل وإدبار النفس، فلا يكون لها تعب وفتور، لأنه إذا حمل على النفس العبادة في حين الكسل والتعب، يمكن أن تترتب عليها آثار سلبية خطيرة عكس المرجو من العبادة، ومن هذه الأثار السلبية أن ينفر الإنسان من العبادة بل أكثر من هذا، يمكن أن يبتعد عن ذكر الحق تعالى بالكلية.
 
وكما أن الأطباء يعتقدون بأن الطعام إذا أكل في حال السرور والبهجة يكون أسرع في الهضم، كذلك يقتضي الطب الروحي بأن الإنسان إذا تغذى بالأغذية الروحانية بالبهجة والاشتياق محترزاً عن الكسل والتكلف يكون ظهور آثارها في القلب وتصفية باطن القلب بها أسرع.
 
وفي القرآن الكريم إشارات إلى هذا الأدب، فقد قال في وصف المنافقين: "وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَ وَهُمْ كُسَالَى"1.
 

1- التوبة:45.
 
 
 
19

 

14

الدرس الثاني: الآداب العامة للعبادة 2

 وقد فسرت الآية: "لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى"1 في حديث بأن المراد من سكارى كسالى.
 
وفي الروايات إشارة أيضا إلى هذا الأدب، وهذه بعضها:
 
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "لا تكرهوا إلى أنفسكم العبادة".
 
وعنه عليه السلام قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغّض إلى نفسك عبادة ربّك".
 
وهنا حديث مهم عن العسكري عليه السلام: "إذا نشطت القلوب فأودعوها وإذا نفرت فودّعوها".
 
فهذا الحديث يرشد الإنسان السالك إلى الله أن يراعي نفسه وحاله من الفتور والنشاط، فإذا فترت نفسه عن العبادة فلا يكرهها وينفّرها من العبادة وإذا نشطت فليقبل عليها.
 
وهنا نصيحة مهمة للشباب – خصوصاً – لأنهم إذا لم يعاملوا أنفسهم بالرفق والمداراة ولم يعطوا أنفسهم حقوقها، فربّما تصير أنفسهم بسبب الضغط عليها بأكثر من العادة مطلقة العنان في شهواتها.
 
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "اجتهدت في العبادة وأنا شاب فقال لي أبي يا بني دون ما أراك تصنع فإن الله عزّ وجلّ إذا أحب عبدا رضي منه اليسير".
 
هذا ومن الأمور التي تساعد الشاب على العبادى بنشاط وعلى السلوك إلى الله تعالى والقرب منه، الزواج؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من تزوج فقد أحرز نصف دينه".
 
وليس صحيحاً كبت الإنسان والشاب بالخصوص نفسه، فعن علي عليه السلام قال: "إن جماعة من الصحابة كانوا حرّموا على أنفسهم النساء والافطار بالنهار والنوم والليل فأخبرت أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج إلى أصحابه فقال: أترغبون عن النساء؟ إني آتي النساء، وآكل بالنهار، وأنام بالليل، فمن رغب عن سنّتي فليس مني، وأنزل الله: "لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ".
 

1- النساء:43.
 
 
20

 

15

الدرس الثاني: الآداب العامة للعبادة 2

من فقه الاسلام 
س: هل يجب استقرار البدن بصورة كاملة عند قراءة الأذكار المستحبة للصلاة أم لا؟

ج: في وجوب الاستقرار والطمأنينة أثناء الصلاة لا فرق بين الأذكار الواجبة والمستحبة، نعم لا إشكال في الإتيان بالذكر حال الحركة بقصد مطلق الذكر1.
 
س: لو وقع خطأ – بسبب التهاون، أو بسبب اللهجة التي يتكلّم بها الإنسان – في قراءة الحمد والسورة، أو في إعراب وحركات الكلمات في الصلاة، كأن يقرأ كلمة "يولد" بكسر اللام بدلا من فتحها، فما هو حكم الصلاة؟

ج: إذا كان متعمدا أو جاهلا مقصّرا – قادرا على التعلم – فالصلاة باطلة، وإلا فصحيحة، ونعم بالنسبة لصلواته الماضية إذا كان يعتقد صحة القراءة بالنحو المذكور فلا يجب قضاؤها.
 
س: شخص عمره 35 أو 40 عاماً، وفي سن الطفولة لم يعلّمه أبواه الصلاة، وذلك الشخص أميّ وقد سعى لتعلم الصلاة على الصورة الصحيحة، ولكنه لا يتمكن من آداء كلمات وأذكار الصلاة بصورة صحيحة، كما أنه لا يأتي ببعض كلماتها أصلا، فهل صلاته صحيحة؟

ج: صلاته محكومة بالصحة إذا أتى بما يتمكن عليه منها.
 
س: هل تصح الصلاة بالإشارة من المريض المصاب بالخرس إذا كان لا يقدر على التكلم ولكنه سليم الحواس؟

ج: صلاته صحيحة ومجزية في الفرض المذكور2.
 

1- م.س، ص99.
2- م.س، ص138-139. 
 
 
 
21

 

16

الدرس الثاني: الآداب العامة للعبادة 2

خلاصة الدرس
- من الآداب العامة للعبادات: الطمأنينة، وهي تعني إتيان العبادة مع سكون القلب.
 
- مرحلة الشباب أقرب إلى الشعور بالطمأنينة.
 
- مما يشير إلى عدم كفاية العبادات – دون كبح الخواطر الشيطانية – جماعات منهم بعض مدّعي العرفان، وبعض أهل العبادة.
 
- ما يساعد على الحدّ من الوساوس الشيطانية، أخذ الغذاء الروحي من النبع الصافي للإسلام، طلب الله وعدم عبادة هوى النفس، لا تيأس، وتضرّع إلى الله تعالى، ولا تترك نفسك دون رياضة وتدريب ومراقبة.
 
- ومن الآداب العامة: النشاط والبهجة في العبادة.
 
أسئلة حول الدرس
1- أذكر ما ذكر في هذا الدرس من الآداب المعنوية العامة للعبادة؟ وماذا يعني أولهما؟
 
2- أذكر الحديث الذي يشير إلى أن مرحلة الشباب أقرب إلى الشعور بالطمأنينة؟
 
3- ما هو الذي يشير إلى عدم كفاية العبادات؟
 
4- ما هو الذي يساعد على الحدّ من التصرّفات الشيطانية؟
 
5- هناك أمر مهم يساعد الشباب على العبادة بنشاط ما هو؟ واذكر الحديث عن رسول الله في هذا الصدد؟
 
للحفظ 
في الحديث الشريف: "من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بدمه ولحمه". 
 
 
 
22

 

17

الدرس الثاني: الآداب العامة للعبادة 2

للمطالعة
* عن عروة بن الزبير، قال: كنا نتذاكر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعمال أهل بدر وبيعة أهل الرضوان، فقال أبو الدرداء: ألا أخبركم بأقل القوم مالا وأكثرهم ورعاً واجتهاداً في العبادة؟
 
قالوا: من؟
 
قال: علي بن أبي طالب عليه السلام، رأيته في حائط بني النجار يدعو، ثم انغمر في الدعاء، فلم أسمع له حسّاً وحركة، فقلت: غلب عليه النوم لطول السهر، فذهبت لكي أوقظه لصلاة الفجر فأتيته، فإذا هو كالخشبة الملقاة، فلم يتحرك، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما والله علي بن أبي طالب عليه السلام.
 
فأتيت منزله مبادرا أنعاه إليهم، فقالت فاطمة عليها السلام، يا أبا الدرداء، ما كان من شأنه وقصته، فأخبرتها الخبر.
 
فقالت عليها السلام: هي والله يا أبا الدرداء الغشوة التي تأخذه من خشية الله.
 
ثم أتوه بماء فنضحوا على وجهه فأفاق، ونظر إليّ وأنا أبكي.
 
فقال عليه السلام: ما بكاؤك يا أبا الدرداء؟
 
فقلت: بما أراه تنزله بنفسك.
 
فقال عليه السلام: "كيف بك إذا رأيتني أدعى إلى الحساب, وأيقن أهل الجرائم بالعذاب، واحتوشتني ملائكة غلاظ شداد وزبانية فظاط، فوقفت بين يدي الملك الجبار وأسلمتني الأحباب، ورفضني أهل الدنيا لكنت أشد رحمة بي بين يدي من لا تخفى عليه خافية".
 
* طلب أحد العلماء من ابنه أن يستيقظ ليلا حتى يخرج معه لأداء صلاة الليل في أحد الأماكن المقدسة فتكاسل هذا الشاب في البداية ولكنه قام بعد ذلك امتثالاً لأمر أبيه وقبل أن يصلوا إلى مكان العبادة التفت الأب إلى ابنه وهو يشير إلى فقير في الشارع يطلب من الناس الصدقة.
 
فقال: يا بني إن هذا الفقير قد ترك لذة النوم والراحة وجاء هنا في هذا المكان غير
 
 
 
23

 

18

الدرس الثاني: الآداب العامة للعبادة 2

المريح يستعطي الناس بذلّة والله (عزّ وجلّ) وعدك في قيام الليل بالثواب العظيم فلا تعلم أي نفس ما أعد الله من النعيم لمن يقوم الليل بالعبادة وأنت تنام عن هذا الثواب.
 
يا بني هذا الفقير قد يحصل على درهم بعد التعب الشديد والتذلل للناس ولكنك إن أتعبت نفسك في العبادة سوف تحصل على جنات تجري من تحتها الأنهار وغير ذلك من النعيم، ورضوان من الله أكبر، فاليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل استفاد الابن من نصيحة والده ولم يترك صلاة الليل أبداً.
 
 
 
 
24
 
 
 

19

الدرس الثالث: الآداب العامة للعبادة3

* التفهيم:
من الآداب القلبية في العبادات – وخصوصاً العبادات الذكرية – التفهيم، وهو يعني تهيئة القلب لفهم الأذكار الصلاتيّة، حتى ينفتح لسان القلب الذي هو المطلوب الحقيقي.
 
إن من أسرار تكرار الأذكار والأدعية ودوام الذكر والعبادة انفتاح لسان القلب ليتفهم معانيها ويتأثّر بمضامينها.
 
وعلامة انفتاح لسان القلب أن يرتفع تعب الذكر ومشقته ويحصل النشاط والفرح ويرتفع الملل والألم.
 
وقد أشير إلى هذا الأدب في الأحاديث الشريفة ومنها: عن الصادق عليه السلام قال لأبي أسامة: "يا أبا أسامة أوعوا قلوبكم بذكر الله واحذروا النكت".
 
وعن الصادق عليه السلام، عن علي عليه السلام في بيان بعض آداب القراءة: "ولكن اقرعوا به قلوبكم القاسية ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة".
 
وقد كان الأئمة عليهم السلام يراعون هذا الأدب كما في الحديث أن الصادق عليه السلام كان في صلاته فغشي عليه فلمّا أفاق سئل عن سببه فقال عليه السلام: "ما زلت أردد هذه الآية على قلبي حتى سمعتها من المتكلم بها..".
 
إذن الذكر اللساني مهم ولكن الذكر القلبي هو الأهم، تأثر القلب هو المطلوب، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر: "يا أبا ذر ركعتان مقتصدتان في تفكر، خير من قيام ليلة والقلب لاه".
 
* حضور القلب:
من الآداب القلبية حضور القلب الذي يمكن أن يكون كثير من الآداب مقدمة له والعبادة بدونه ليس لها روح وهو بنفسه مفتاح قفل الكمالات وباب أبواب السعادات.
 
 
 
 
25
 
 
 

 

20

الدرس الثالث: الآداب العامة للعبادة3

وقد ورد الكثير من الأحاديث الشريفة تشيرإلى هذا الأدب ومنها:
 
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من صلى ركعتين لم يحدّث فيهما نفسه بشيء من الدنيا غفر الله له ذنوبه".
 
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن من الصلاة لما يقبل نصفها وثلثها وربعها وخمسها إلى العشر وإن منها لما تلفّ كما يلفّ الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها " وإن "مالك في صلاتك إلا ما أقبلت عليه بقلبلك".
 
إن من أسرار العبادات وفوائدها أن تتقوّى إرادة النفس، وهذا لا يحصل إلا بالحضور القلبي في العبادة، وإذا كان القلب وقت العبادة غافلا وساهيا ولاهيا فحينئذ لا أثر للعبادة على النفس وإرادتها، ولذا ترون أنه بعد مضي أربعين أو خمسين سنة لا يحصل أثر في أنفسنا بل تزداد يوما فيوما ظلمة القلب وتزداد معصية الله، في حين أننا نرى كتاب الله سبحانه قد نص على أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
 
* موانع حضور القلب:
الأسباب المانعة من حضور القلب في العبادة، تارة تكون من أمور خارجية ومن طريق الحواس الظاهرية، مثل أن يسمع السمع في حال العبادة شئيا يتعلق القلب به فيسهو ويغفل، أو أن ترى العين شيئا فيشتت ويصرف القلب عن حقيقة ومعنى العبادة.
 
وقد ذكر العلماء علاجا لرفع هذا المانع مثل أن يصلي الإنسان في غرفة مظلمة أو مكان خال ويغضّ عينيه ولا يصلي في المواضع التي تجلب النظر.
 
ولكن هذا العلاج ليس علاجا جذريا، والعلاج الجذري يكون بالقضاء على السبب الأساسي لتشتت القلب وهما أمران باطنيان:
الأول: عدم السيطرة على الخيال.
الثانية: حب الدنيا.
 
* السيطرة على الخيال:
إن الخيال هو بنفسه فرّار ينتقل من فكرة إلى أخرى، والسيطرة عليه من الأمور المهمّة لتحقيق المطلوب من العبادة بل لتحقيق صلاح النفس والقرب من الله تعالى. وقوة
 
 
 
26
 

 

21

الدرس الثالث: الآداب العامة للعبادة3

الخيال قابلة للتربية وليست السيطرة عليه مستحيلة، وعليك ألا تيأس لأنه منبع الضعف والوهن، فعليك حال الصلاة أن تحفظ خيالك، وهذا أول الأمر ربما يبدو صعبا، ولكنه بعد تكرار المحاولة تصل إلى النتيجة المرجوة.
 
ولعله في بداية الأمر لا تستطيع السيطرة على خيالك في تمام الصلاة ولكن بالتدريج تصل إلى نتيجة أكثر إن من الأمور المساعدة على السيطرة على الخيال معرفة أهمية الشيء الذي أنت بصدد التفكير فيه، فإذا عرفت أهمية الصلاة وأحببتها لحبّك للمعبود استقرّ خيالك على معانيها واستغرق في التفكر بالمعبود الإله العظيم وجماله وكماله وقوته.
 
* حب الدنيا:
كما عرفت إن الإنسان إذا أحبّ شيئا واهتم به انشغل تفكيره وخياله فيه، وبما أن كثيرا من الناس أحبّوا الدنيا وجعلوها همّهم الأساس فإن خيالهم مشغول فيها وبهمومها وغافل عن المحبوب الحقيقي وهو الله تعالى.
 
فحب الدنيا منشأ لتشتت الخيال ومانع من حضور القلب.
 
فعلينا لتغيير اتجاه خيالنا أن نبدل حب الدنيا بحبّ الله تعالى كما كان الأئمة العظام عليهم السلام: "ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه ومعه".
 
وعلاج هذا المرض (حب الدنيا) هو بالعلم والعمل:
 
أما العلم:
وهو أن تعرف مدى خطورته على النفس الإنسانية وعلى مصيرها النهائي، من خلال الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة.
 
ومن الأحاديث: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "رأس كل خطيئة حب الدنيا".
 
وعن الصادق عليه السلام: "الدنيا بمنزلة صورة رأسها الكبر وعينها الحرص وأذنها الطمع ولسانها الرياء ويدها الشهوة ورجلها العجب وقلبها الغفلة وشجونها الفناء حاصلها الزوال فمن أحبها أورثته الكبر ومن استحسنها أورثته الحرص ومن طلبها أوردته إلى الطمع ومن مدحها ألبسته الرياء ومن أرداها مكّنته من العجب ومن اطمأن إليها أولته الغفلة ومن أعجبته متاعها أفنته ومن جمعها بخل بها ردّته إلى مستقرها وهي النار".
 
 
 
27
 

 

22

الدرس الثالث: الآداب العامة للعبادة3

فإذا علم أن حب الدنيا هو منشأ جميع المفاسد، فعلى الإنسان العاقل قلع هذه الشجرة من قلبه.
 
أما العلاج العملي:
فهو أن يجاهد نفسه للتخّلص من حبّ الدنيا، فإذا كان تعلقه بمال فإنه يقطع جذوره عن القلب ببسط اليد والصدقات الواجبة والمستحبة، وإن من أسرار الصدقات تقليل العلاقة بالدنيا، ولهذا يستحب للإنسان أن يتصدّق بالشيء الذي يحبّه ويتعلق قلبه به، كما قل تعالى: "لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ"1.
 
وإن كانت علاقته بفخر وتقدّم ورئاسة فليعمل ضدّها ويرغم نفسه حتى تصير إلى العلاج.
 

1- ال عمران:92
 
 
28

 

 


23

الدرس الثالث: الآداب العامة للعبادة3

من فقه الاسلام 
س: هل يصدق على القراءة القلبية في الصلاة – أي ترديد الكلمات في القلب دون التلفظ بها- إنها قراءة أم لا؟
 
ج: لا يصدق عليها عنوان القراءة، ولا يجزي في الصلاة إلا التلفظ بها بحيث يصدق عليها القراءة.
 
س: إذا غفل شخص في أثناء الصلاة فقرأ مثلا في الركعة الثانية من صلاة الظهر الحمد والسورة، ثم انتبه إلى ذلك بعد الفراغ من الصلاة، فهل تجب عليه الإعادة؟ وإذا لم ينتبه، فهل صلاته صحيحة أم لا؟
 
ج: تصح صلاته في مفروض السؤال ولا شيء عليه.
 
س: يرى سماحة الإمام قدس سره أن ملاك الإخفات في صلاة الظهر والعصر عدم الجهر، ونحن نعلم أنه باستثناء عشرة أحرف فإن بقيّة الحروف جهرية، وعلى هذا فإذا صلينا الظهر والعصر من دون جهر فماذا سيكون حق الثمانية عشر حرفا الجهرية، نرجو توضيح هذه المسألة؟
 
ج: ليس الميزان في الإخفات هو ترك جوهر الصوت. بل هو عدم إظهار جوهر الصوت في مقابل الجهر الذي ميزانه هو إظهار جوهر الصوت.
 
س: الأشخاص الأجانب، سواء كانوا رجالا أو نساءا، الذين يدخلون في الإسلام وليس لديهم معرفة باللغة العربية، كيف يستطيعون أداء واجباتهم الدينية الأعم من الصلاة وغيرها؟ وأساسا هل هناك حاجة إلى تعلّم اللغة العربية في هذا المجال أم لا؟
 
ج: يجب تعلم التكبيرة، والحمد والسورة، والتشهد والتسليم، في الصلاة، وهكذا كل ما يشترط فيه اللفظ العربي.
 
س: هل يجب في الصلاة، وبعد الحمد تلاوة سورة كاملة أم يكفي تلاوة مقدار من القرآن الكريم؟ وفي الحالة الأولى هل يجوز بعد قراءة بعض الآيات القرآنية؟
 
ج: لا تجزي في الفرائض اليومية قراءة آيات من القرآن الكريم عن قراءة سورة كاملة، ولكن قراءة بعض الآيات بعنوان القرآن بعد قراءة سورة كاملة، لا إشكال فيها1
 

1- م - س - ض:137-138
 
 
29
 

24

الدرس الثالث: الآداب العامة للعبادة3

خلاصة الدرس
- من الآداب العامة للعبادات: التفهيم، وهو يعني تهيئة القلب لفهم الأذكار, حتى يتفتح لسان القلب.
 
- من أسرار تكرار الأذكار والأدعية تحصيل التفهيم.
 
- ومن الآداب العامة: حضور القلب، والعبادة بدونه لا روح لها.
 
- موانع حضور القلب، تارة خارجية متعلقة بالحواس الظاهرة كالسمع والبصر, وأخرى باطنية وهما: تشتت الخيال، وحب الدنيا.
 
- ليس مستحيلاً السيطرة على الخيال، وعلاج حب الدنيا بالعلم والعمل.
 
أسئلة حول الدرس
1- أذكر ما ورد في هذا الدرس من الآداب العامة للعبادات؟
2- ما هو سر تكرار الأذكار والأدعية؟
3- ما هي موانع حضور القلب؟
4- كيف تعالج حب الدنيا؟
5- أذكر بعض الأحاديث في ذمّ حب الدنيا؟
 
للحفظ 
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر: "يا أبا ذر ركعتان مقتصدتان في تفكر، خير من قيام ليلة والقلب لاه". 
 
 
30
 

 

25

الدرس الثالث: الآداب العامة للعبادة3

 للمطالعة
يقول العالم الفيض الكاشاني رحمه الله: اعلم أن المعاني الباطنة التي بها يتم حياة الصلاة ست جمل وهي: حضور القلب والتفهم والتعظيم والهيبة والرجاء والحياء.

فالأول حضور القلب، ونعني به أن يفرغ القلب عن غير ما هو ملابس به ومتكلم به، فيكون العلم بالفعل مقرونا بهما ولا يكون الفكر جاريا في غيرهما، ومهما انصرف الفكر عن غير ما هو فيه وكان في قلبه ذكر لما هو فيه ولم يكن فيه غفلة عنه فقد حصل حضور القلب.

ثم التفهم لمعنى الكلام وهو أمر وراء حضور القلب، فربما يكون القلب حاضرا مع اللفظ ولا يكون حاضرا مع معنى اللفظ، فاشتمال القلب على العلم بمعنى اللفظ هو الذي أردنا بالتفهم، وهذا مقام يتفاوت فيه الناس إذ ليس يشترك الناس في تفهم المعاني للقرآن والتسبيجات، وكم من معان لطيفة يفهمها المصلي في أثناء الصلاة ولم يكن قد خطر بقلبه قبل ذلك، ومن هذا الوجه كانت الصلاة ناهية عن الفحشاء والمنكر فإنها تفهم أمورا، تلك الأمور تمنع من الفحشاء والمنكر لا محالة.

ثم التعظيم، وهو أمر وراء حضور القلب والفهم، إذ الرجل. ريما يخاطب غيره بكلام هو حاضر القلب فيه متفهم لمعناه ولا يكون معظماً له.

ثم الهيبة: وهي زائدة على التعظيم، إذ هي عبارة عن خوف منشؤه التعظيم لأن من لا يخاف لا يسمى مهابة، بل الهيبة خوف مصدره الإجلال.

ثم الرجاء: فالعبد ينبغي أن يكون راجبا بصلاته ثواب الله كما أنه خائف بتقصيره عقاب الله.

ثم الحياء: ومبدؤه استشعار تقصير وتوهّم ذنب.

ولنذكر أسباب هذه المعاني الستة:

فاعلم أن حضور القلب سببه الهمّة، فإن قلبك تابع لهمّك فلا يحضر إلا فيما يهمّك،

... فلا حيلة ولا علاج لاحضار القلب إلا بصرف الهمّة إلى الصلاة، والهمّة لا ينصرف إليها ما لم يتبيّن أن الغرض المطلوب منوط بها، وذلك هو الإيمان والتصديق بأن الآخرة 
 
 
31
 
 

26

الدرس الثالث: الآداب العامة للعبادة3

 خير وأبقى وأن الصلاة وسيلة إليه، فإذا أضيف هذاإلى حقيقة العلم بحقارة الدنيا ومهانتها حصل من مجموعها حضور القلب في الصلاة.
 
وأما التفهم فسببه بعد حضور القلب إدمان الفكر وحرف الذهن إلى إدراك المعنى, وعلاجه... التشمّر لرفع الخواطر الشاغلة، وعلاج دفع الخواطر الشاغلة قطع موادها أعني النزوع عن تلك الأسباب... فمن أحب شيئا أكثر ذكره، فذكر المحبوب يهجم على القلب بالضرورة، ولذلك ترى من أحب غير الله لا تصفو صلاته عن الخواطر.
 
وأما التعظي فهي حالة للقلب تتولد بين معرفتين، إحداهما: معرفة جلالة الله وعظمته...
 
الثانية: معرفة حقارة النفس وخسّتها وكونها عبداً ومستخّراً...
 
وأما الهيبة والخوف فحالة للنفس يتولد من المعرفة بقدرة الله وسطوته ونفوذ مشيئته فيه مع قلة المبالاة به وأنه لو أهلك الأولين والآخرين، لم تنقص من ملكه ذرة، هذا مع مطالعة ما يجري على الأنبياء والأولياء من المصائب وأنواع البلاء مع قدرة الله على الدفع.
 
وبالجملة كلما زاد العلم بالله زادت الخشية والهيبة.
 
وأما الرجاء فسببه معرفة لطف الله وكرمه وعميم إنعامه ولطائف صنعه ومعرفة صدقه في وعده الجنة بالصلاة...
 
وأما الحياء، فباستشعار التقصير في العبادة. وعلمه بالعجز عن القيام بعظيم حق الله، ويقوى ذلك بالمعرفة بعيوب النفس وآفاتها وقلة إخلاصها...والعلم بأنه مطّلع على السريرة وخطرات القلب، وإن دقّت وخفيت... 
 
 
 
32
 
 
 
 
 

 

27

الدرس الرابع: مراتب الطهارة

كما أن للصلاة ظاهراً وباطناً، كذلك للطهارات (الوضوء – التيمم – الغسل)، وكما أنه لا يكفي ظاهر الصلاة للقرب من الله تعالى، كذلك لا تكفي الطهارة الظاهرية، وللطهارة مراتب:
 
المرتبة الأولى: تطهير الظاهر عن الأحداث والأخباث.
 
المرتبة الثانية: تطهير الجوارج من المعاصي.وما دام الإنسان مبتلى بالمعاصي فلا يمكن أن يقترب إلى الله تعالى، ويترقّى إلى المراتب الاخرى من مراتب الطهارة.
 
لذلك يقول تعالى: "كَلاَ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" والمعاصي تطهّر بماء التوبة النصوح.
 
وهنا عقبة خطيرة حيث يدخل الشيطان وتزييناته والنفس وهواها لكي يأمّلا الإنسان بالتوبة الى آخر العمر، مع أن التوبة في آخر العمر وعند تراكم ظلمات المعاصي أمر صعب.
 
وهنا عقبة أخرى أيضا حيث يمنّي الإنسان نفسه بشفاعة الشافعين عليهم السلام في حين أنه لم يعرف حقيقة الشفاعة.
 
ألا تعرف أنه قد تشملك سفاعتهم لأن الانغمار في المعاصي يجعل القلب بالتدريج مظلما ومنكوسا وربما يصل الإنسان إلى الكفر، والكافر لا شفاعة له.
 
ثم ألا تعلم أنه إذا كانت أثقال الذنوب كثيرة يمكن ألا يشفع الشافعين لك في البرزخ والقبر، ويمكن أن لا تصل شفاعتهم في يوم القيامة إلا بعد مدّة طويلة، كما ورد في بعض الأحاديث.
 
وهنا عقبة أخرى كذلك، حيث يعد الشيطان والنفس الإنسان بالرحمة الواسعة لأرحم الراحمين، فيتهاون وينزلق في المعاصي، في حين أن الله رحيم في موضع الرحمة وشديد العقاب في موضع الشدّة، فليس صحيحا أن ترجو رحمة الله فحس دون أن تخافه وتخشى عقابه.
 
 
 
 
33
 

 

28

الدرس الرابع: مراتب الطهارة

المرتبة الثالثة: تخلية الباطن من أرجاس الأخلاق الفاسدة، وهذه المرتبة والمرتبة الثانية مترابطتان، فتطهير إحداهما يساعد على تطهير الأخرى، فهما متوقفتان على بعضهما البعض.
 
المرتبة الرابعة: تطهير القلب، وبصلاحه يصلح الإنسان وبفساده يفسد، وقذارة القلب ونجاسته عبارة عن تعلّقه بغير الله تعالى وتوجهه إلى نفسه وإلى العالم، ومنشأ هذه القذارة حب الدنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة وحبّ النفس الذي هو أمّ الأمراض.
 
وهناك مراتب أخرى للطهارة ومقامات خارجة عن بيان القلم، ولا ينبغي انكارها، فإن أعظم النجاسات المعنوية انكار مقامات أهل الله، وما دام الإنسان ملوّثا بهذه القذارة (إي إنكار مقامات العارفين) لا يتقدّم في طريقه إلى الله تعالى.
 
فلذا عليك ألا تقنع بالحدّ الذي أنت فيه فإن الوقوف على الحدود والقناعة في المعارف من العقبات المانعة من التقدّم.
 
واعلم أنك لن ترى المراتب العالية دون تخطي المراتب الأدنى.
 
* الآداب القلبية حين التوجّه إلى الماء او التراب للطهارة:
ينبغي للسالك إلى الله أن يراعي آدابا عديدة عند التوجه إلى الماء أو التراب:
1- إذا أردت الطهارة والوضوء فتقدّم إلى الماء تقدمك إلى رحمة الله تعالى، وكما أن ورحمة الله تطهر ذنوب العباد كذلك النجاسات الظاهرة يطهرها الماء.
 
ولتعلم أن الماء هو أحد المظاهر العظيمة لرحمة الحق حيث جعله الله سببا لحياة الموجودات، وحيث أن ظهور الرحمة الواسعة الإلهية في الماء أكثر من سائر الموجودات جعله لتطهير النجاسات الظاهرية.
 
2- تفكّر في صفاء الماء ورقته وطهره وبركته واجعل تعاملك مع الله تعالى خالصا صافيا من جميع الشرك، وكما أن الماء في وقت نزوله من السماء طاهر كذلك قلبك في بداية خلقه كان صافيا لولا تصرف الشيطان والأهواء فيه، فلا تلوّثه بالشرك وبالمعاصي.
 
 
 
 
34
 
 

 

29

الدرس الرابع: مراتب الطهارة

3- عاشر خلق الله كامتزاج الماء بالأشياء يؤدي كل شيء حقه ولا يتغيّر عن معناه معتبرا بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مثل المخلص كمثل الماء".
 
فعليك أن تبقى على صفائك وفطرتك وإن اضطررت لمعاشرة الناس، ولا تتأثر بعاداتهم السئية.
 
4- وما دامت الاستفادة من الماء ميسورة، فلا بد أن يقوم بالطهارة المائية وإذا قصرت يده عن الماء، فليتوجه بذّله ومسكنته وفقره وفاقته، وليخرج من التعزز والغرور وحب النفس ينفتح له باب آخر من الرحمة التي كان يمثلها الماء، ويصير التراب أحد الطهورين ويصير موردا لترحم الحق تعالى ولطفه وكلما قوي في الإنسان هذا النظر إلى ذلّة نفسه يكون موردا للرحمة أكثر.
 
فليخرج الإنسان من حالة الاعتماد على نفسه وليعلم أنه مضطر عاجز، وليلجىء إلى خالقه وليكون حاله: "أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء"1.
 
إذا لم يتمكن المصلي من الماء لتطهيره فقد جعل الله سبحانه التراب أحد الطهورين لأن التراب أول الأشياء على وجه الأرض يطؤه الناس بأقدامهم فلا بد للعبد أن يتصف بصفته في جناب الحق فيمسح جبينه ويسمه بسمة الذّلة والافتقار والعبودية ويرمز بهذا أيضا إلى أن ناحية الخلق بيد قدرته يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، كما قال سبحانه "مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا"2.
 
فلعلّه بإظهاره الخضوع والمسكنة يجلب رحمة الله... ثم يمسح يديه بالتراب، وهما مظهر قدرته فيذلّله في حضرة القادر المطلق ويقف بعد ذلك في صف الحاضرين في المحضر.
 
* آداب الوضوء القلبية:
ينبغي على السالك إلى الله تعالى أن يراعي آداب الوضوء كما قال الصادق عليه السلام: "وآت بآدابها في فرائضه وسننه".


1-النمل:61
2-هود:56
 
 
 
35

 

30

الدرس الرابع: مراتب الطهارة

الآداب الأول: أن يتوجّه إلى القبلة ومركز العبادة ونقطة التوحيد، وقد أشير إلى هذا الأدب في الرواية: "وإن توضأ حيال القبلة كان له ثواب صلاة ركعتين".
 
الثاني: ينبغي أن يكون وقوفه الوقوف في مقام الحمد حيث أذن له ربّ العزة والسلطان بالحضور وهو الآن في مقام تحصيل مقدمات التشرف لينال هذا الشرف.
 
الثالث: إذا أخذ غرفة من الماء ليتوضأ فليتفطّن أنه كما يغسل بالماء الظاهر الذي هو سبب الحياة لكل حي ظاهره، كذلك ليغسل باطنه بالعلم وهو الموجب لحياة القلوب والأرواح فينوّر به قلبه وروحه.
 
ليغسل يديه من العيوب ومن حوله وقوته، وليعلم أنه لا حول له ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم.
 
كما ويرمز غسل اليد إلى غسل يده عما نهى عنه الشارع وبالخصوص المنهات التي تتحقق باليد كالسرقة والتعدّي والغصب وأمثالها.
 
ويعني صب الماء باليمنى على اليسرى أنه لا بد له من بسط اليد في البذل والاعطاء والايثار في سبيل رضا الله تعالى، ولا يمسك يده.
 
قال تعالى: "لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ"1.
 
الرابع: إذا تمضمض فليقل "اللهم لقنّي حجتّي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك" ومعنى تلك المضمضة التي يطهر بها فمه من فضول الطعام أنه يطهر فمه ولسانه من الذكر القبيح ومن فضول الكلام "وفضول الكلام يميت القلب".
 
ومما يجري على لسانه ويخرج من فمه ممّا يمقته الله ويدخله النار كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: "وهل يكبّ الناس على مناخرهم في الناء إلا حصائد ألسنتهم".
 
فليزّين لسانه بذكر الله وتلاوة القرآن.
 
الخامس: ثم يستنشق، وحقيقته اخراج الكبد والتعالي من دماغه كما يخرج بالاستنشاق فضولات الدماغ من طريق أنفه وينقي مجراه ويستعد لشم الروائح العطرة المعنوية، ويقول بلسانه رمزاً لذلك المعنى: "اللهم لا تحرمني ريح الجنّة واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وطيّبها".


1- ال عمران:92
 
 
 
36

 

31

الدرس الرابع: مراتب الطهارة

السادس: ثم يغسل وجهه ويتوجه إلى أن ذلك يرمز إلى بياض الوجه وتحصيل ماء الوجه عند الله سبحانه فيتذكر قصوره وتقصيره وخجلته وسواد وجهه ويستجير بالله من أن يلقى الله سبحانه بهذه الحالة، كما يحكيها الله سبحانه: "وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ"1.
 
وقال تعالى: "وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ"2.
 
وليستحي من الله تعالى لما رآه حيث نهاه ولما توجّه إلى غير مولاه، وقد ورد في الحديث أنه يقول عند غسل وجهه "اللهم بيّض وجهي يوم تسود الوجوه ولا تسوّد وجهي يوم تبيض الوجوه".
 
السابع: ليتذكر عندما يغسل اليدين أن باطنه غسل الأيدي من مرافق رؤية الأسباب، وأيضاً هو غسل اليد عن الخلق وتفويض الامر إلى الله والاستعداد للتمسك بذيل المحبوب (الله تعالى) وقرع بابه كما قال الإمام علي عليه السلام: "لكل باب رغبة إلى الله منهم يد قارعة" في وصفه لأهل الذكر وعباد الله.
 
وليتذكر أيضاً مرقف القيامة وتطاير الكتب وأحوال الناس في ذاك الوقت كما قال تعالى: "فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ... وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ"3.
 
فيقول عند غسله اليمنى: "اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد في الجنان بيساري وحاسبني حساباً يسيراً".
 
ويقول عند غسله اليسرى: "اللهم لا تعطني كتابي بشمالي ولا من وراء ظهري ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي وأعوذ بك من مقطعات النيران".
 
الثامن: ليمسح رأسه من الخضوع لغير الله ومن الكبرياء العارضة له إذ عدّ نفسه شيئا، وليقل: "الله غشّني برحمتك وبركاتك وعفوك ومغفرتك".
 
التاسع: ويمسح رجليه من المشيء إلى دار الغربة وأرض المذلّة (الدنيا)، ويطهرها أيضا عن المشي بالكبر، قال تعالى: "وَلاَ تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحاً"4.
 
ويمشي بقدم العبودية والهوان ليصدق عبوديته للرب الرحمن.
 

1- الزمر:60.
2- عبس:40-41.
3- الحاقة:25.
4- الإسراء:37.
 
 
37
 

32

الدرس الرابع: مراتب الطهارة

قال تعالى: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْناً"1.
 
وعليه التصميم على الثبات في طريق الجهاد وميدان الجهاد الأصغر والأكبر والمشي على الصراط المستقيم، ويقول بلسانه: "اللهم ثبّت قدمي على الصراط يوم تزلّ فيه الأقدام واجعل سعيي فيما يرضيك عني".
 

1- الفرقان:63.
 
 
38

 

33

الدرس الرابع: مراتب الطهارة

من فقه الاسلام 
س: زيد من الناس قال: إنه لا بد حال الوضوء من صبّ الماء على الوجه غرفتين فقط والثالثة تبطل الوضوء، فهل هذا صحيح؟
ج: غسل أعضاء الوضوء مرة واجب والثانية جائزة والأزيد من ذلك غير مشروع ولكن المناط في تعيين عدد المرات هو القصد فلو صبّ عدة مرات قاصدا المرة الواحدة فقط فلا إشكال فيه.

س: ما هو رأيكم في الوضوء قبل دخول الوقت؟ وفي إحدى الاستفتاءات تفضلتم قائلين بأنه في صورة وقوع الوضوء في زمن قريب من أول وقت الصلاة تصح الصلاة به، فما هو المقدار الذي تقصدونه بالقرب من أول وقت الصلاة؟
ج: المناط هو الصدق العرفي على القرب من دخول وقت الصلاة فلا إشكال لو توضأ فيه لتلك الصلاة.

س: هل يجوز الوضوء لفريضة قبل دخول وقتها بنية الوجوب؟
ج: لا مانع من الوضوء لإقامة الفريضة إذا كان قبيل دخول وقتها بنية الوجوب.

س: هل الوضوء متسحب في نفسه، وهل يصح الوضوء بنية القربة قبل دخول وقت الصلاة ثم الصلاة بذلك الوضوء؟
ج: الوضوء لغرض الكون على الطهارة مستحب ومطلوب شرعا، وتجوز الصلاة فيه بالوضوء الاستحبابي.

س: ما هو حكم من كان جاهلا ببطلان وضوئه وعلم بذلك بعد فراغه؟
ج: تجب عليه إعادة الوضوء وكذا إعادة ما أتى به من الأعمال المشروطة بالطهارة كالصلوات.

س: هل تجفيف الرطوبة بعد الوضوء مكروه، وفي المقابل هل يستحب عم التجفيف؟
ج: إذا عيّن لذلك العمل منديلا أو قطعة قماش خاصة فلا إشكال فيه1.
 

 
1- أجوبة الاستفتاءات، م.س، ص35، وما بعدها.
 
 
 
39

 
 


34

الدرس الرابع: مراتب الطهارة

 خلاصة الدرس
 
- هناك مراتب للطهارة:
1- مرتبة الظاهر.
2- تطهير الجوارح من المعاصي.
3- تحسين الباطن بالأخلاق.
4- تطهير القلب، وهناك مراتب أخرى للطهارة.
 
- هناك آداب عديدة عند التوجه إلى الماء أو التراب، منها أن الماء مظهر لرحمة الله، كن مخلصا مع الله كصفاء الماء، عاشر خلق الله ولا تتأثر بعاداتهم وتغيّر صفاءك كما الماء، التيمم إشارة إلى ذّل النفس.
 
- من آداب الوضوء، التوجه إلى القبلة، أن تقف للوضوء في مقام الحمد لله، ليعلم أن غسل الظاهر إشارة لغسل الباطن، المضمضة تطهير للسان من قبائحه، الاستنشاق إخراج التكبّر، غسل الوجه تذكير له في تحصيل بياض الوجه عند الله يوم القيامة، غسل اليدين من الحول والقوّة إلا بالله، وليتذكر يوم القيامة ومواقفها وأنه ينبغي أن يكون من أصحاب اليمين، ويمسح رجليه من المشي إلى دار الدنيا وليثبت على الحق.
  
أسئلة حول الدرس
1- ما هي مراتب الطهارة؟ واذكر العقبات التي ذكرت في المرتبة الثانية؟
2- ما هي آداب التوجه إلى الماء أو التراب؟
3- أذكر بعض آداب الوضوء؟
 
للحفظ 
قال الله تعالى: "أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء"1
 

1- النمل:61.
 
 
40

 

35

الدرس الرابع: مراتب الطهارة

 للمطالعة
قال العارف السعيد القاضي سعيد القمي رضي الله عنه: وهو (أي الطهور) أمّا الماء الذي هو سرّ الحياة التي هي العلم ومشاهدة الحيّ القيوم.
 
قال الله تعالى: "وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً * لِنُحْيِيَ بِهِ"1.
 
وقال جل وعلا: "وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ"2.
 
وأما التراب الذي هو أصل نشأة الإنسان قال عزّ من قائل: "مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ"3.
 
وقال جل جلاله: "فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً"4.
 
وذلك لتتفكر في ذاتك لتعرف من أوجدك ومما أوجدك ولم أوجدك، فتخضع له وترفع التكبّر من رأسك لأن التراب هو الأصيل في الذّلة والمسكنة.
 
قال الشهيد الثاني قدس سره: فأمّا الطهارة، فليستحضر في قلبه أن تكليفه بغسل الأطراف الظاهرة وتنظيفها لاطلاع الناس عليها ولكون تلك الأعضاء مباشرة للأمور الدنيوية منهمكة في الكدورات الدّنيّة فلأن يطهر مع ذلك قلبه الذي هو موضع نظر الحق تعالى فإنه لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم... ولأنه الرئيس الأعظم لهذه الجوارح والمستخدم لها في تلك الأمور المبعدة عن جنابه تعالى وتقدّس أولى وأحرى.
 
وليعلم من تطهير تلك الأعضاء عند الاشتغال بعبادة الله تعالى والاقبال عليه والالتفات عن الدنيا بالقلب والحواس لتلقي السعادة في الأخرى، إن الدنيا والآخرة ضرّتان كلما قربت من إحداهما بعدت عن الآخرى، فلذلك أمر بالتطهير من الدنيا عند الاشتغال والاقبال على الأخرى.
 
فأمر في الوضوء بغسل الوجه لأن التوجه والاقبال بوجه القلب على الله تعالى به، وفيه أكثر الحواس الظاهرة التي هي أعظم الأسباب الباعثة على مطالب الدنيا فأمر


1- الفرقان:48-49.
2- الأنفال:11.
3- طه:55.
4- النساء:43.
 
 
41

 

 


36

الدرس الرابع: مراتب الطهارة

بغسله ليتوجه به وهو خال من تلك الأدناس... ثم أمر بغسل اليدين لمباشرتهما أكثر أحوال الدنيا والدنية والمشتهيات الطبيعة، ثم يمسح الرأس لأن فيه القوة المفكرة التي يحصل بواسطتها القصد إلى تناول المرادات الطبيعية. وتنبعث الحواس إلى الاقبال على الأمور الدنيوية المانع من الاقبال إلى الآخرة السنية.
 
ثم يمسح الرجلين لأن بهما يتوصّل إلى مطالبه ويتوصل إلى تحصيل مآربه على نحو ما ذكر في باقي الأعضاء...
 
وأمر في الغسل بغسل جميع البشرة لأن أدنى حالات الإنسان وأشدّها تعلقا بالملكات الشهوية حالة الجماع...
 
ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن تحت كل شعرة جنابة". 
 
 
 
 
42
 
 
 
 
 
 
 

 

37

الدرس الخامس: الآداب المعنوية للتطهير

* أسرار التطهير من الخبث والحدث:
من المعلوم في العلوم الفقهية أن النجاسة على نحوين: الخبث والحدث، والثاني على نحوين: الحدث الأصغر والحدث الأكبر، ولكلّ منها معنى ظاهري وباطني نأتي على ذكرها.
 
1- الخبث: بالمعنى الفقهي هوالنجاسة الظاهرية الطارئة على الجسم أو اللباس، مثل النجاسة بالدّم أو البول ونحوهما، وهذه النجاسة ترفع بغسل موضعها بالماء.
 
أما نظيرهذه النجاسة في عالم الباطن التوّث بقذارة المعاصي الصغيرة التي تصدر من المؤمن، وحيث أن مرتبة النجاسة فيها ضعيفة بالآلام الدنيوية وتوجب رفعها الابتلاءات في هذه الدنيا الفانية.
 
قال تعالى: "إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ"1.
 
2- الحدث الأصغر: هذه النجاسة هي تعني في المعنى الفقهي نواقض الوضوء، من النوم والدخول إلى قضاء الحاجة وغير ذلك، وهذا الحدث يرفع بالوضوء أو التيمم حال الضرورة.
 
وأما المعنى الباطني لهذا الحدث:
فإما النوم: فليفكّر الإنسان أن النوم في الليل أو النهار حدث يوجب الوضوء كذلك الغفلة عن الله والآخرة حدث لا بد لك من رفعه. 
 
وأما الدخول لقضاء الحاجة: فيروى عن الإمام الصادق عليه السلام: "سمي المستراح مستراحا لاستراحة النفوس من أثقال النجاسات واستفراغ الكثفات والقذرفيها، والمؤمن يعتبر عندها أن الخالص من حطام الدنيا كذلك يصير عاقبته فيستريح بالعدول عنها وتركها، ويفرّغ نفسه وقلبه عن شغلها ويستنكف عن جمعها وأخذها استنكافه عن النجاسة والغائط والقذر ويتفكر في نفسه المكرمة في حال، كيف تصير في حال، ويعلم أن التمسك بالقناعة والتقوى يورث له راحة الدّارين، وأن الراحة في
 

1- النساء:31.
 
 
 
43

38

الدرس الخامس: الآداب المعنوية للتطهير

هوان الدّنيا والفراغ من التمتع بها وفي إزالة النجاسة من الحرام والشبهة فيغلق عن نفسه باب الكبر بعد معرفته إياها، ويفرّ من الذنوب ويفتح باب التواضع والندم والحياء ويجتهد في أداء أوامره واجتناب نواهيه طلبا لحسن المآب وطيب الزلفى ويسجن نفسه في سجن الخوف والصبر والكف عن الشهوات إلى أن يتصل بأمان الله في دار القرار ويذوق طعم رضاه، فإن المعوّل ذلك وما عداه لا شيء".
 
هذا ونموذج هذه النجاسة في المعنى الباطني بعض المعاصي الكبيرة التي ليس لها جزر نفساني وكبعض المعاصي الذي قد يتفق للإنسان وخصوصا في عهد الشباب.
 
3- الحدث الأكبر: وهو الجنابة وترتفع بالغسل، وهي في المعنى الباطني: الفناء في الطبيعة (الدنيا)، بمعنى الاستغراق فيها، والغفلة عن الروحانية، ونموذج هذه النجاسة في الروح هي المعاصي التي رسخت جذورها في القلب وصارت منشأ للملكات الخبيثة والرذائل النفسانية من الكبر والحسد والشرك ونحوها، وتسمّى بالموبقات وقد أوعد لله سبحانه صاحبها النار.
 
والآداب القلبية للغسل هي ألا يتوقّف الإنسان السالك إلى الله تعالى في حين غسله بتطهير الظاهر وغسل البدن، بل عليه أن يغسل جنابة باطن روحه وهي غلبة قوّة الشهوة عليه، وليعلم أن أصل الجنابة الروحية هو حب الدنيا والشرك بالله تعالى الظاهرة منه والخفي.
 
* آداب مطلق اللباس:
إن الإنسان روح وجسد، باطن وظاهر، ولكلّ منهما تأثيره في الآخر، لذلك إن جميع الآداب الصورية الظاهرية الشرعية لها في الباطن أثر بل آثار، ولكلّ من الأخلاق الحسنة آثار في الظاهر والباطن، ولكلّ من المعتقدات الحقّة أيضا آثار.
 
فمثلاً على تأثير الباطن والظاهر: الإيمان الله تعالى وأنه هو المتصرّف في الوجود وأنه هو أعلم بكل شيء، يوجب كثيراً من الكمالات النفسية والأخلاقية، مثل التوكل والاعتماد على الحق وقطع الطمع من المخلوق ويوجب كثيراً من الأعمال الصالحة وترك الكثير من الأعمال القبيحة، وهكذا سائر العقائد والمعارف.
 
 
44

 

39

الدرس الخامس: الآداب المعنوية للتطهير

ومثال تأثير الظاهر في الباطن: اللباس، فكما أن للألبسة الفاخرة جدّا في النفوس تأثيراً، كذلك للألبسة الدّنية جدّا في النفوس تأثير، فقد يوقع اللباس الفاخر بالكبر واحتقار الآخرين والغررو والعجب، كذلك اللباس الرديء قد يلبسه الإنسان ليشتهر بالزهد والقداسة، فيقع أيضا بالتكبر والغرور والعجب فضلا عن الرياء وغير ذلك من المفاسد الباطنية. وبعض الناس يقلّد الأجانب في لباسه فينعكس ذلك على باطنه بحيث يمكن أن يصبح قلبه محبّا لهم ومبغضا لأعدائهم.
 
وبكلمة أخرى: إن لباس الشهرة سواء في جانب الافراط (اللباس الفاخر) أو التفريط (اللباس الرديء) من الأمور التي تؤثر على القلوب الضعيفة وعلى سلوكها وأخلاقها، وقد وردت روايات عديدة في هذا المجال نورد بعضها:
 
عن الإمام علي عليه السلام: "من لبس ثوبا عاليا فلا بد من التكبرولابد للمتكبر في النار".
 
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله تبارك وتعالى أوصى إلى بعض أوليائه: قل للمؤمنين لا تلبسوا ملابس أعدائي ولا تأكلوا كأعدائي ولا تمشوا كأعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي".
 
وعنه عليه السلام: "إن الله يبغض شهرة اللباس".
 
وعنه أيضا عليه السلام: "الشهرة خيرها وشرها في النار".
 
وعنه عليه السلام: "إن الله يبغض الشهرتين، شهرة اللباس وشهرة الصلاة".
 
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما معناه: "من لبس ثياب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثياب الذل يوم القيامة".
 
* سر طهارة اللباس:
من شرائط صحة الصلاة الظاهرية طهارة اللباس الظاهري, وكذلك من شرائط صحة الصلاة الباطنية طهارة اللباس الباطني.
 
وطهارة اللباس الباطني يعني:
1- الطهارة من المعاصي.
2- الطهارة من الأخلاق الذميمة، وأمهات ذمائم الأخلاق وأصولها، العجب وحب
 
 
 
45

 

40

الدرس الخامس: الآداب المعنوية للتطهير

النفس والتكبّر والتظاهر والتعصّب، فكلّ منها مبدأ كثير من الذمائم الأخلاقية ورأس كثير من الخطيئات.
 
3- طهارة القلب الذي هو اللباس الحقيقي للأنسان، وما لم يتطهّر هذا اللباس فمن الصعوبة تحصيل الطهارتين السّابقتين.

ولتطهير لباس القلب مراتب:
أ- التطهير من حبّ الدنيا الذي هو رأس كل الخطيئات ومنشأ جميع المفاسد، وما دام الإنسان محبّا للدنيا لا يتيسّر له محبة الله تعالى التي هي أم الطهارات، كما أنه لا يستشعر حلاوة العبادة.

ولأهمية هذه المرتبة من طهارة القلب كان لكتاب الله ووصايا الأنبياء والأولياء عليهم السلام وخصوصا أمير المؤمنين عليه السلام الاهتمام الكبير في التزهيد في الدنيا، وهذه المرتبة من الطهّارة تحصّل من خلال الاستزاده من العلم الإلهي والمجاهدة والرياضة الروحية والتفكّر في المبدأ والمعاد والاعتبار في فناء الدنيا وبقاء الآخرة، "رحم الله امرءا ًعلم من أين وفي أين وإلى أين".

ب- التطهير من الاعتماد على الخلق الذي هو شرك خفي، ويحصل هذا التطهير بالتوحيد الفعلي للحق جلّ وعلا، ولا يكفي الاعتقاد العقلي بأنه لا مؤثر في الوجود إلا الله، بل ينبغي أن يصبح اعتقادا قلبيا من خلال تنبيه القلب وتلقينه بهذه الحقيقة، حتى تصل حالنا إلى قطع الطمع من الخلق، وهناك مراتب أخرى للتطهير.

في الاعتبارات القلبية لستر العورة:
يقول الإمام الصادق عليه السلام: "... فإدا لبست ثوبك فاذكر ستر الله عليك ذنوبك برحمته وألبس باطنك بالصدق كما ألبست ظاهرك بثوبك وليكن باطنك في ستر الرهبة وظاهرك في ستر الطاعة واعتبر بفضل الله عزّ وطلّ حيث خلق اسباب اللباس لتستر العورات الظاهرة وفتح أبواب التوبة والإنابة لتستر بها عورات الباطن من الذنوب وأخلاق السوء ولا تفضح أحدا حيث ستر الله عليك أعظم منه واشتغل بعيب نفسك واصفح عمّا لا يعنيك حاله وأمره...".
 
 
 
46

 
 

41

الدرس الخامس: الآداب المعنوية للتطهير

من فقه الاسلام 
س: هل يجب بعد غسل القماش المتنجس بالماء الجاري أو الكر عصره خارج الماء ليطهر أم أنه يطهر بعصره داخله؟
ج: لا يشترط في تطهير القماش وأمثاله بالماء الجاري أو الكر العصر، بل يكفي في ذلك أيّ عمل يوجب خروج الماء الداخل فيه وإن حصل ذلك في الماء الكر أو الجاري ولو كان الخروج بسبب التحريك العنيف.

س: ما هو حكم الوضوء والغسل بالماء الذي هو كثيف بطبيعته، مثلا كماء البحر الذي صيّرته كثرة أملاحه الطبيعية كثيفا، كما بحيرة أرومية أو ما هو أكثر كثافة منها؟
ج: مجرد كثافة الماء بسبب وجود الأملاح فيه لا تمنع من صدق الماء المطلق عليه، والمناط في ترتيب الآثار الشرعية للماء المطلق هو صدق هذا العنوان ونظر العرف.

س: في حالة غسل الملابس المتنجسة بالماء الكثير هل يجب العصر أم يكفي استيلاء الماء على محل النجاسة بعد زوالها؟
ج: الأحوط وجوبا العصر أو التحريك، ونحوهما مما يوجب انتقال الغسالة من موضعها.

س: عندما نريد غسل البساط أو السجاد بماء الأنبوب المتصل بالحنفية، فهل يطهر بمجرد وصول ماء الأنبوب إلى المحل المتنجس أم يجب فصل ماء الغسالة عنه؟
ج: لا يشترط في التطهير بماء الأنابيب فصل ماء الغسالة؟ بل يطهر بمجرد وصول الماء إلى المكان المتنجس بعد زوال عين النجاسة وانتقال الغسالة من موضعها بواسطة الضغط باليد على البساط والسجاد أثناء أتصال الماء به.

س: هل الشمس من المطهرات؟ وإذا كانت من المطهرات ما هي شروط تطهيرها؟
ج: تطهير الأرض، وكل ما لاينقل، مثل البناء وما اتصل بالبناء، وما أثبت فيه كالأخشاب والأبواب ونحوهما، بإشراق الشمس عليها بعد زوال عين النجاسة عنها، وبشرط أن تكون حال إشراق الشمس عليها رطبة ثم تصبح جافة بواسطة الشمس1.


1- م.س، ص27-28-29. 
 
 
 
 
47

 

42

الدرس الخامس: الآداب المعنوية للتطهير

خلاصة الدرس
- نظير النجاسة الخبثية في عالم الباطن، التلوّث بقذارة المعاصي الصغيرة، ونظير الحدث الأصغر، في عالم الباطن, بعض المعاصي الكبيرة التي ليس لها جزر نفساني وذكر لذلّته، نظير الحدث الأكبر المعاصي المترسخة في القلب كالكبر والحسد والشرك.

- لباس الشهرة مرفوض إسلامياً، وذلك لتأثير الظاهر في الباطن، كما أن الباطن يؤثر في الظاهر.

- من أسرار طهارة اللباس النظر إلى طهارة الباطن، من المعاصي والأخلاق الذميمة والمفاسد القلبية.

- طهارة القلب تعني طهارته من حب الدنيا، والاعتماد على الخلق.

- من أسرار ستر العورة الستر على الآخرين.
 
أسئلة حول الدرس
1- ما هو نظير الأقسام الثلاثة للنجاسات الظاهرية في عالم الباطن؟
2- لماذا اهتم الإسلام باللباس، ومنع عن لباس الشهرة؟ واذكر حديثا في لباس الشهرة؟
3- ما هي أسرار طهارة اللباس؟
4- ماذا تعني طهارة القلب؟
5- اذكر سرّا من أسرار ستر العورة؟

للحفظ 
عن الإمام علي عليه السلام: "من لبس ثوبا عاليا فلا بد له من التكبر، ولا بد للمتكبر من النار".

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إن الله يبغض شهرة اللباس". 
 
 
 
 
48
 

 
 

43

الدرس الخامس: الآداب المعنوية للتطهير

للمطالعة
إن الستّارية من أوصاف الله تعالى وطوبى لعبد تخلّق بأخلاق الله... وقد شدّد النكير في الروايات على من كان بصدد إفشاء عيب من أخيه المؤمن.
 
كما قال الصادق عليه السلام: "من اطلع من مؤمن على ذنب أو سيئة فأفشى ذلك عليه ولم يكتمها ولم يستغفر الله له كان عند الله كعاملها وعليك وزر ذلك الذي أفشاه عليه وكان مغفورا لعاملها وكان عقابه ما أفشى عليه في الدنيا مستور عليه في الآخرة ثم يجد الله أكرم من أن يثنّي عليه عقابا في الآخرة".
 
وقال عليه السلام: "من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروتّه ليسقط من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان".
 
وذكر المحدث القمي عن سفيان بين عيينة، قال في قوله تعالى: إلا أمم أمثالكم... ما في الأرض آدمي إلا وفيه شبه من بعض البهائم، فمنهم من يقدم إقدام الأسد، ومنهم من يعدو عدو الذئب، ومنهم من ينبح نباح الكلب، ومنهم من يتطوّس كفعل الطاووس، ومنهم من يشبه الخنزير، فإنه لو ألقي إليه الطعام الطيّب تركه، وإذا قام الرجل عن رجعيه (الغائط) ولغ فيه، وكذلك نجد الآدميين من لو سمع خمسين حكمة لم يحفظ واحدة منها فإن إخطأت مرة واحدة حفظها ولم يجلس إلا رواه عنه...
 
ثم قال: فاعلم يا بنيّ إنك إنما تعشر البهائم والسباع فبالغ في الاحتراز.
 
قال المحدث القمي بعد نقل هذا الكلام، أقول وأحسن من هذا ما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "إن الأشرار يتتبعون مساوىء الناس ويتركون محاسنهم كما يتتبع الذباب المواضع الفاسدة من الجسد ويترك الصحيح".
 
 
 
49
 
 
 

 

44

الدرس السادس: الآداب القلبية لمكان المصلي

* الآداب القلبية لمكان المصلي
ليعلم السالك إلى الله أن هناك آدابا قلبية للمكان ما لم يلتزم بها السالك لم يتوصّل إلى صلاة أهل المعرفة. وليعلم أن للمكان مراتب:
 
الأولى: مرتبة الطبيعة أي الأرض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا"، فعلى السالك إلى الله أن يعلم أن دار الطبيعة هي مسجد عبادة الله تعالى وأنه خلق لأجل هذه الغاية: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون"1...
 
الثانية: مرتبة البدن، فعلى السالك أن لا ينجسه بقاذورات تصرف إبليس.
 
الثالثة: مرتبة القلب، وطهارة مكان القلب من مهمّات السلوك، لأن القلب يفسد بفساده البدن والأرض ويصلحا بصلاحه.
 
ثم اعلم أن من الآداب القلبية للدخول إلى المسجد، ما قاله الإمام الصادق عليه السلام: "إذا بلغت باب المسجد فاعلم أنك قد قصدت باب ملك عظيم لا يطأ بساطه إلا المطهّرون ولا يؤذن لمجالسته إلا الصدّيقون...".
 
واعلم أن من آداب إباحة المكان أن تبقي الأرض والبدن والقلب تحت ملكيّة الله فالله هو المالك، فإذا دخل إبليس إليه، فمعنى ذلك أنها تحت سيطرة غير مالكها فهي مغصوبة إذن.
 
ويروى عن الإمام الصادق عليه السلام: "في آداب الدخول إلى المسجد: "إذا بلغت باب المسجد، فاعلم أنك قصدت ملكا عظيما لا يطأ بساطه إلا المطهرون ولا يؤذن لمجالسته إلا الصديقون، وهب القدوم إلى بساط خدمة الملك هيبة الملك فإنك على خطر عظيم إن غفلت، واعلم أنه قادر على ما يشاء من العدل والفضل معك وبك، فإن عطف عليك بفضله ورحمته قبل منك يسير الطاعة وأجزل لك عليها ثواباً كثير، وإن طالبك باستحقاقه الصدق والإخلاص عدلا بك، حجبك وردّ طاعتك، وإن كثرت وهو فعّال لما يريد واعترف بعجزك وتقصيرك وانكسارك وفقرك بين يديه، فإنك قد توجهت للعبادة
 

1- الذاريات:56.
 
 
 
51
 

45

الدرس السادس: الآداب القلبية لمكان المصلي

 له والمؤانسة به وأخل قلبك عن كل شاغل يحجب عن ربك، فإنه لا يقبل إلا الأطهر والأخلاص، فإن ذقت حلاوة مناجاته ولذيذ مخاطباته وشربت بكأس رحمته وكراماته من حسن إقباله عليه وإجاباته، فقد صلحت لخدمته فادخل فلك الإذن والأمان، وإلا فقف وقوف مضطر قد انقطع عنه الحيل وقصر عنه الأمل وقضى عليه الأجل، فإذا علم الله من قلبك صدق الالتجاء إليه، نظر إليك بعين الرأفة والرحمة واللطف والعطف، ووفقك بما يحب ويرضى فإنه كريم مجيب يحب الكرامة لعباده المضطرين إليه، قال الله تعالى: "أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ"1"2.
 
* آداب أوقات الصلاة:
إن أهل معرفة الله ليس لهم أوقات مخصوصة لعبادة الله تعالى، بل هم دائما في عبادة، كل الأوقات أوقات عبادة عندهم، فهم ليسوا مهجورين عن الذكر والفكر، ولا يختارون على المناجاة مع الحق شيئ، ويرون أن العزة والشرف والفضيلة والمعرفة كلها في تذكر الحق ومناجاة، فهم يواظبون على أوقات الصلاة وينتظرونها بشغف وشوق، ولا يرون العبادات الإلهية تكليفا وكلفة.
 
فأنت أيها العزيز، بقدر ما يمكنك حافظ على أوقاتها وانتخب أوقات فضيلتها فإن فيها نورا ليس في غيرها من الأوقات، وأقلل فيها من الاشتغالات القلبية بل اقطعه، وهذا يحصل بأن تقسّم وتعيّن للصلاة وقتا خاصا لا يكون لك فيه أشغال أخر ولا تكون للقلب تعلّقات أخرى، ولا تجعل الصلاة تزاحم الأمور الأخرى كي تستطيع أن تريح القلب وتحضره.
 
وإليك بعض الأحاديث التي تشير إلى مدى اهتمام أولياء الله عليهم السلام بأوقات الصلاة.
 
فعن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدّثه فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه شغلا بالله عن كل شيء".
 
وروي عن علي عليه السلام: "كان إذا حضر وقت الصلاة يتململ ويتزلزل ويتلوّن، فيقال له:
 

1- النمل:62.
2- مصباح الشريعة، باب 61، في دخول المسجد، ص130.
 
 
 
 
52
 
 

 

46

الدرس السادس: الآداب القلبية لمكان المصلي

مالك يا أمير المؤمنين؟ فيقول عليه السلام: جاء وقت الصلاة وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها واشفقن منها".
 
ويروى أن الحسين عليه السلام: "إذا توضأ يتغير لونه وتضطرب مفاصله فقيل له في ذلك فقال: حق لمن يقف بين يدي ذي العرش أن يصفّر لونه وتضطرب مفاصله".
 
ونقل عن الحسن عليه السلام وعلي بن الحسين عليه السلام مثل ذلك أيضاً.
 
ويروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عندما يحين وقت الصلاة كان يقول لبلال الحبشي المؤذن "أرحنا يا بلال" فقد كانت الصلاة قرّة عينه وراحته.
 
* آداب وسر الاستقبال:
اعلم أن ظاهر الاستقبال يعني أمرين: أحدهما: صرف الوجه الظاهر عن جميع المشتتات، والآخر: الاستقبال بالوجه إلى الكعبة التي هي النقطة المركزية ومحل ظهور يد الله وقدرته.
 
وهذان الأمران الظاهران يشيران إلى فطرتين مغروزتين في البشر.
 
إحداهما: النفور عن النقص والناقص.
 
والثانية: العشق للكمال والكامل، فإن هاتين الفطرتين موجودة في كلّ البشر إلى أي ملّة أو دين انتمو، وإن كانوا يختلفون في الكمال والنقص، والكامل والناقص.
 
فذاك الوحشي السفّاك الفتاك يرى الكمال في أن يغلب على نفوس الناس وأعراضهم ويرى السفك والقتل كمالا فيصرف فيه عمره.
 
وذاك الطالب للدنيا بنسائها وجاهها ومالها يرى الكمال بالنساء والجاه والمال ويعشقها.
 
والأنبياء والأولياء عليهم السلام عرفوا أن الكمال والكامل الحقيقي، هو الله تعالى الذي هو الكمال بلا نقص، والجمال بلا عيب، ونور النور، والخير المطلق، أرشدوا الناس إلى هذه الحقيقة التي تعرف من خلال إزالة الحجب عن الفطرة.
 
إذا عرفت ذلك، فاعلم أن الاستقبال إلى القبلة يعني أن الفطرة هذه قد تيقظت
  
وخرجت عن الاحتجابات، وهذا الادعاء حقيقي بالنسبة إلى الأنبياء والأولياء عليهم السلام وأهل المعرفة، أما نحن فعلينا أن نفهم قلوبنا هاتين الفطرتين.
 
 
 
53
 

47

الدرس السادس: الآداب القلبية لمكان المصلي

كيف نفهمهها ذلك؟ بالتلقين، كرّر في نفسك عند توجهك لاستقبال القبلة، مثلاً "ألا كل شيء ما خلا الله باطل".
 
وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمع هذا الشعر للبيد، قال صلى الله عليه وسلم: "هذا الشعر أصدق شعر قاله العرب".
 
والتفت إلى ما قاله الشاعرالشيرازي:
لا تسع قلوبنا أحدا غير الحبيب فدع الكونين للعدوّ فإن الحبيب يكفين، لعلّ فطرتك تستيقظ من نوم الغفلة.
 
واسمع لما قاله ولي الله الصادق عليه السلام: "إذا استقبلت القبلة فآيس من الدنيا وما فيها والخلق وما هم فيه استفرغ قلبك عن كل شاغل يشغلك عن الله تعالى وعاين بسرّك عظمة الله تعالى واذكر وقوفك بين يديه "يوم تبلو كل نفس ما أسلفت وردّوا إلى الله مولاهم الحق"1 وقف على قدم الخوف والرجاء2".
 
 

1- يونس:30.
2- مصباح الشريعة، باب 39، في افتتاح الصلاة، ص87.
 
 
 
54

 

48

الدرس السادس: الآداب القلبية لمكان المصلي

من فقه الاسلام 
س: هل يبدأ وقت الصلاة بمجرد البدء بالأذان، أم أنه يجب الانتظار إلى ما بعد الانتهاء من الأذان ثم يشرع بالصلاة؟ وهل يجوز للصائم الافطار بمحرّد البدء بالأذان أم يجب عليه الصبر حتى انتهائه؟
ج: إذا حصل الاطمئنان بأن الأذان بدىء به من حين دخول الوقت فلا يجب الانتظار حتى انتهائه.

س: هل تصح صلاة من قدّم الثانية على الأولى، كتقديم العشاء على المغرب؟
ج: إذا قدّمها اشتباها أو غفلة إلى أن فرغ منها، فلا إشكال في صحتها، وأما إذا كان عن عمد فهي باطلة.

س: نرجو الإجابة على ما يلي:
أولاً: استنادا إلى بعض الكتب الفقهية ذكر أن الشمس في يومي 4 من شهر خرداد (25 أيار) و26 من شهر تير (17 تموز) تكون عمودية على الكعبة، وحينئذ هل يمكن تشخيص جهة القبلة من خلال نصب شاخص في الوقت الذي يرفع فيه أذان مكة؟ وما هو الأصلاح إذا اختلفت جهة القبلة في محاريب المساجد عن جهة ظل الشاخص؟
ثانياً: هل يصح الاعتماد على بوصلة القبلة؟
ج: يصح الاعتماد على الشاخص أو بوصلة القبلة إذا حصل منه الاطمئنان للمكلّف بجهة القبلة، ويجب العمل على طبقه، وإلا فلا إشكال في الاعتماد على محاريب المساجد أو قبور المسلمين لتحديد جهة القبلة.

س: هل تكره الصلاة على السجادة التي فيها رسوم أوعلى التربة التي عليها نقوش؟
ج: لا بأس بها في نفسها، ولو كانت بشكل يعطي ذريعة للذين يوجهون التهم للشيعة وجب الاجتناب عن انتاجها وعن الصلاة عليها.

س: إذا لم يكن المكان الذي نصلي فيه طاهرا، وكان مكان السجود طاهرا، فهل تصح صلاتنا؟
 
 
 
 
55

 
 

49

الدرس السادس: الآداب القلبية لمكان المصلي

ج: لو لم تكن نجاسة المكان بحيث تسري إلى اللباس أوالبدن، وكان محل السجود طاهرا، فلا إشكال في الصلا فيه.

س: الذي يصلي في أرض مغصوبة وكانت صلاته على السجاد أو على خشبة وأمثالهما، فهل صلاته باطلة أو صحيحة؟
ج: الصلاة في الأرض المغصوبة باطلة، وإن كانت على سجادة أو على سرير عليها.

س: هل يجوز ممارسة الرياضة في مسجد المحلّة أو النوم فيه؟ وما هو حكم ذلك في المساجد الأخرى؟
ج: المسجد ليس مكاناً للرياضة وللتمرينات الرياضية ويجب الاجتناب عن كل ما يتنافى مع شأن ومنزلة المسجد، والنوم فيه مكروه.
 
 
 
56
 

50

الدرس السادس: الآداب القلبية لمكان المصلي

خلاصة الدرس
- هناك مراتب للمكان، مرتبة الطبيعة، مرتبة البدن، مرتبة القلب، ولكلّ آدابها المعنوية.

- من آداب دخول امسجد الاستشعار بعظمة المقصود.

- من آداب إباحة المكان إبقاء مراتب المكان تحت ملكيّة الله تعالى.

- من آداب الوقت: أن تعمل جهدك ليكون كلّ وقتك لله تعالى كما هم أولياء الله تعالى، واختر الوقت المناسب لعبادتك، وهناك أحاديث تشير إلى اهتمام أولياء الله تعالى بأوقات الصلاة.

- من آداب وسر الاستقبال إلى القبلة، صرف الوجه عن جميع المشتتات، واستقبال الوجه إلى كعبة المقصود، وهذان الأمران يشيران إلى فطرتين مغروزتين في الفطرة:
1-عشق الكمال.
2- النفور من الناقص.

- علينا أن نفهم قلوبنا هاتين الفطرتين بالتلقين.

أسئلة حول الدرس
1- ما هي مراتب المكان؟ وما هي آدابها؟
2- اذكر أدبا من آداب دخول المساجد؟
3- اذكر أدبا من آداب إباحة المكان؟
4- اذكر بعض آداب الوقت؟
5- ما هو أدب وسر استقبال القبلة؟
6- ما هما الفطرتان اللتين يشير إليهما سر استقبال القبلة؟ وكيف نفهم قلوبنا هاتين الفطرتين؟

للحفظ 
قال الله تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ". 
 
 
 
 
57

 
 

51

الدرس السادس: الآداب القلبية لمكان المصلي

للمطالعة
عن الأصمعي قال: خرجت إلى الحج إلى بيت الله الحرام وإلى زيارة النبي صلى الله عليه وسلم فبينما أنا أطوف حول الكعبة، وكانت ليلة مقمرة وإذا بصوت أنين وحنين وبكاء، فتبعت الصوت وإذا بشاب حسن الوجه ظريف الشمايل، وعليه ذوايب وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يقول: (ياسيدي ومولاي قد نامت العيون، وغارت النجوم، وأنت حيّ قيوم، إلهي غلقت الملوك أبوابها وقام عليها حجابه، وحراسه، وبابك مفتوح للسائلين، فها أنا ببابك، انظر برحمتك يا أرحم الراحمين)، ثم أنشأ يقول:

يا مجيب المضطر في الظلم              أدعوك ربي حزينا دائما قلقا
وكاشف الضّر والبلوى مع السقم         فارحم بكائي بحق البيت والحرم
قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا         إن كان عفوك لا يرجوه ذو سرف
وأنت يا حي يا قيوم لم تنم                فمن يجوز على العاصين بالنعم

ثم قال: رفع رأسه إلى السماء وهو(ينادي إلهي وسيدي أطعتك بمشيئتك فلك الحجّة عليّ بإظهار حجتك إلا ما رحمتني وعفوت عني ولا تخيبني يا سيدي، ثم قال: إلهي وسيدي الحسنات تسرك والسيئات ما تضرّك، فاغفر لي وتجاوز عني في ما لا يضرك) ثم أنشأ يقول:
ألا أيها المأمول في كلّ حاجة               على الزاد أبكي أم على بعد سفرتي
شكوت إليك الضّر فارحم شكايتي          أتيت بأعمال قباح رديّة
ألا يا رجائي أنت كاشف كربتي            فما في الورى عبد جنى كجنايتي
فهب لي ذنوبي كلها واقض حاجتي        اتحرقني بالنار يا غاية المنى
فزادي قليل لا أراه مبلغي                   فأين رجائي منك وأين مخافتي

قال الأصمعي: وكان يكرّر هذه الأبيات حتى سقط مغشيا عليه فدنوت منه لأعرفه فإذا هو زين العابدين بن الحسين بن علي عليه السلام.
 
 
 
58

 
 


52

الدرس السادس: الآداب القلبية لمكان المصلي

قال الأصمعي: فأخذت رأسه ووضعته في حجري وبكيت فقطرت قطرة من دموعي على خدّه ففتح عينيه وقال: من هذا الذي أشغلني عن ذكر ربّي؟
 
قلت يا مولاي عبدك وعبد أجدادك الأصمعي، فما هذا الجزع والفزع والبكاء والأنين، وأنت من أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، وقوله تعالى: "إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا".

قال: فاستوى قاعدا وقال عليه السلام: "هيهات يا أصمعي، إن الله تعالى خلق الجنّة لمن أطاعه ولو كان عبدا حبشي، وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيّدا قرشي، أما سمعت قوله تعالى: "فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ...".

قال الأصمعي: فتركته على حاله يناجي ربّه. 
 
 
59

 
 

53

الدرس السابع: بعض آداب تكبيرات الأذان والإقامة وأسرارهما

من الآداب المعنوية للتكبيرات:
1- ما قاله الإمام علي عليه السلام: "الله أكبر فيه نفي كيفيته كأنه يقول –أي المؤذن-: الله أجلّ من أن يدرك الواصفون قدر صفته التي هي موصوف بها وإنما يصفه الواصفون على قدرهم لا على قدر عظمته وجلاله تعالى الله عن أن يدرك الواصفون صفته علوّاً كبيراً...".
 
2- ومن الآداب المهمّة للتكبير أن السالك عليه أن يجاهد نفسه ليصل قلبه إلى مرحلة يحصر كبر الشأن والعظمة والسلطان والجلال بذات الحق المقدسة.
 
وإذا كان في القلب أثر من كبرياء أحد غير الله، فليعلم أن قلبه مريض ومعلول، وعلامة هذا المرض ان الإنسان يقدّم رضا المخلوق على رضا الخالق.
 
3- كذلك من آدابه، أنه لا بد للسالك أن يذّكر القلب بعحز نفسه وكبرياء الحق، وعجزه عن القيام بالثناء على الذات المقدّسة واعلام قصور نفسه عن إقامة الصلاة.
 
يروى عن الإمام الصادق عليه السلام: "فإذا كبّرت فاستصغر ما بين السموات العلى والثرى دون كبريائه فإن الله تعالى إذا طلع على قلب العبد وهو يكبّر وفي قلبه عارض عن حقيقة تكبيره، فقال: يا كذاب أتخدعني وعزتي وجلالي لأحرمنك حلاوة ذكري ولأحجبنّك عن قربي والمسرّة بمناجاتي، واعلم أنه غير محتاج إلى خدمتك وهو غني عنك وعن عبادتك ودعائك وإنما دعاك بفضله ليرحمك ويبعدك عن عقوبته وينشر عليك من بركات حنانيته ويهديك إلى سبيل رضاه ويفتح عليك باب مغفرته، فلو خلق الله (عزّ وجلّ) على ضعف ما خلق من العوالم أضعافا مضاعفة على سرمد الأبد لكان عند الله سواء كفروا به بأجمعهم أو وحدّوه فليس له من عبادة الخلق إلا إظهار الكرم والقدرة فاجعل الحياء رداء والعجز إزارا وادخل تحت سرير سلطان الله تعالى تغتنم فوائد ربوبيته مستعينا به مستغيثا إليه".
 
 
 
61
 

 

54

الدرس السابع: بعض آداب تكبيرات الأذان والإقامة وأسرارهما

* بعض آداب الشهادى بالألوهية:
الألوهية إما أن تكون مشتقة من أله في الشيء أي تحير فيه، أو مشتقة من ولاه بمعنى ارتفع، أو مشتقة من لاه يلوه بمعنى احتجب، أو مشتقة من اله بمعنى عبد ويكون المراد هو المألوه أي المعبود، وقد تكون بمعنى المدبّر والمؤثر والمتصرّف.
 
فعلى معنى العبودية، يكون معنى الشهادة: أن لا معبود إلا الله، فعليه إذا كان في القلب معبود سواه فهذا نفاق في الشهادة، فلا بد أن يوصل الشهادة بالأوهية إلى القلب، ويكسر الأصنام الكبيرة والصغيرة المنحوتة بيد الشيطان والنفس الأمارة.
 
وعلى معنى التصرف والتدبير والتأثير فيكون معنى الشهادة: إني أشهد أن لا متصرف ولا مؤثر ولا مدبّر في الكون إلا ذات الحق المقدسة جلّ وعلا، وإذا كان في قلب السالك اعتماد على موجود من الموجودات واطمئنان لأحد من العباد فقلبه مريض وشهادته زور. فعليه لكي يكون صادقا في شهادته أن لا يمدّ يد حاجته إلا إلى المحضر المقدس للحق تعالى ويفتح عين رجائه إلى موجود من الموجودات ويظهر الغنى والاستغناء عند العباد والضعفاء، ويجتنب عندهم عن الضعف والذلة والعجز، وهذا المعنى وارد في كثير من الأحاديث.
 
كما في الحديث: "إن عزّ المؤمن استغناؤه عن الناس" وإن من إحدى المستحبات الشرعية اظهار النعمة والغنى، ومن المكروهات طلب الحوائج من الناس.
 
وعن علي بن الحسين عليه السلام: "رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عمّا في أيدي الناس ومن لم يرج الناس في شيء وردّ أمره إلى الله تعالى في جميع أموره استجاب الله تعالى له في كل شيء".
 
* بعض آداب الشهادة بالرسالة:
اعلم أنه لا يمكن القرب من الله تعالى بلا نور، "وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ"1.
 

1-النور:40.
 
 
 
62

 

55

الدرس السابع: بعض آداب تكبيرات الأذان والإقامة وأسرارهما

1- فعلى السالك إلى الله التمسك بهداة الطريق إليه فهم الواصلون إلى الله والعاكفون عليه، وهم النور الذي يضيء لنا الطريق إلى الحبيب الحقيقي، فلو أراد أحد أن يطوي الطريق إلى الله بقدم الأنانية ويعتمد على نفسه من دون التمسك بولاية أهل البيت فسلوكه إلى الشيطان والهاوية.
 
وبالجملة، التمسّك بأولياء النعم الذين اهتدوا إلى طريق العروج وأتمّوا السير إلى الله من لوازم السير إلى الله، كما أشير إلى ذلك في أحاديث كثيرة، وقد عقد في كتاب الوسائل بابا في أن العبادة بدون ولاية الأئمة والاعتقاد بإمامتهم باطلة، ومن هذه الروايات في الكافي:
 
عن الباقر عليه السلام: "... إن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دنيا الله قد ضلوا وأضلوا فأعمالهمن التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد".
 
وعن أبي جعفر عليه السلام: "أما لو أن رجلا قام ليله وصام نهاره وتصدّق بجميع ماله وحجّ جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه فتكون جميع أعماله بدلالته إليه ماكان له على الله حق في ثوابه وما كان من أهل الإيمان".
 
عن أبي حمزة الثمالي قال: قال لنا علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام: "أي البقاع أفضل؟ فقلت الله ورسوله أعلم، فقال: إن أفضل البقاع ما بين الركن والمقام ولو أن رجلاً عمّر ما عمّر نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يصوم النهار ويقوم الليل في ذلك الموضع ثم لقي الله بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئاً".
 
وأما آداب الشهادة بالرسالة فهي أن يوصل الشهادة بالرسالة إلى القلب فإذا دخلت عظمة رسول رب العالمين في قلب الإنسان يدخل فيه أهمية رسالته الإسلام، وعلامة صدق الشهادة أنها تظهر آثارها في نفس الإنسان وسلوكه وحياته.
 
* بعض آداب الحيعلات:
إن القول: (حي على الصلاة) هو إعلان للحضور بين يدي الله تعالى، وأدب السالك في هذا المقام هو أن يفهم قلبه قرب الحضور حتى يتهيأ له ويراقب آداب الصلاة
 
 
 
63
 

56

الدرس السابع: بعض آداب تكبيرات الأذان والإقامة وأسرارهما

الصورية والمعنوية كمال المراقبة ثم يعلن سرّ الصلاة ونتيجتها بقوله: (حي على الفلاح) و(حي على خير العمل) كي يوقظ الفطرة لأن الفرح والنجاح هي السعادة المطلقة وفطرة جميع البشر عاشقة للسعادة المطلقة لأن الفطرة طالبة للكمال والراحة وحقيقة السعادة هي الكمال المطلق والراحة المطلقة وهي في الصلاة التي هي خير الأعمال.
 
فإذا وصل السالك إلى (قد قامت الصلاة) فلا بد أن يرى نفسه في حضرة مالك الملوك وسلطان والسلاطين والعظيم المطلق، وليتقدّم يخجل من عدم القيام بالأمر، ويستشعر الخوف والرجاء، وليفد على الكريم ولا يحسب عمله من الحسنات حتى لا يقع في العجب الذي هو من موانع التقرب إلى الله في الصلاة.
 
ثم ينبغي عليك عدم إهمال الاذان والإقامة فقد ورد فيها فضل في الروايات، فعن أبي عبد الله عليه السلام: "إذا أذنّت وأقمت خلّى خلفك صفان من الملائكة وإذا أقمت صلّى خلفك صف من الملائكة".
 
 
 
64
 

 

57

الدرس السابع: بعض آداب تكبيرات الأذان والإقامة وأسرارهما

من فقه الاسلام 
س: هل تبطل الصلاة بالإتيان بشهادة ولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام في التشهد؟
ج: الصلاة والتشهد الذي هو أحد أجزائها هما نفسهما المذكوران في الرسالة العملية فيقتصر عليهما ولا يأتي بأمور زائدة على ذلك حتى ولو كانت كلام حق وصحيحة.
 
س: إذا ضحك شخص أثناء الصلاة لتذكّر قول مضحك أو لعروض أمر مثير للضحك، فهل تبطل صلاته أم لا؟
ج: إذا كان للضحك صوت –أي قهقهة- بطلت الصلاة.
 
س: هل مسح الوجه باليدين بعد القنوت حال الصلاة يوجب بطلانها؟ وفي حال كونه موجبا للبطلان هل يعتبر معصية وذنبا؟
ج: لا يوجب البطلان ولكنه مكروه.
 
س: هل يجوز تغميض العينين حال الصلاة لأن فتحهما يشغل فكر الإنسان عن الصلاة؟
ج: لا مانع شرعا من إغماض العينين ولكنه مكروه.
 
س: أتذكّر في أثناء الصلاة وفي بعض الأحيان المواقف الإيمانية والحالات المعنوية التي كنت أعيشها في زمان مواجهة النظام البعثي الكافر، مما يساعدني ذلك على زيادة الخشوع فيها، فهل هذا مبطل للصلاة؟
ج: لا يضر بصحة الصلاة.
 
س: هل تبطل الصلاة لثلاثة أيام عند وقوع العداء والهجرة بين شخصين، وهل الصيام يبطل أيضاً؟
ج: وقوع العداء والهجران بين شخصين لا يبطل الصلاة ولا الصيام ولكن هذا العمل مذموم شرعاً1.
 

1- أجوبة الاستفتاءات، م.س، ص146 وما بعدها.
 
 
 
 
65

 

58

الدرس السابع: بعض آداب تكبيرات الأذان والإقامة وأسرارهما

خلاصة الدرس
- من الآداب المعنوية للتكبيرات، نفي الكيفية عن الله حلّ وعلا فهو فوق ما يصفه الواصفون، وعليك بمجاهدة نفسك لايصال معنى التكبير إلى قلبك فتحصر كبر الشأن بالله تعالى، وتعلم أنك عاجز أمام كبريائه.

- بعض آداب الشهادة بالألوهية: المعبود فمعنى الشهادة: أن لا معبود إلا الله، وإذا كان معناها التدبير فتعني الشهادة: أن لا مدبّر في الكون إلا الله.

- بعض آداب الشهادة بالرسالة: اعلم أنه هداة الطريق إلى الله هم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، فبدونهم لا تصل إلى الله تعالى، ومن آداب الشهادة بالرسالة تعظيم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبالتالي تعظيم الرسالة وهي الإسلام.

-حي على الصلاة إعلان للحضور بين يدي الله، حي على الفلاح، حي علي خير العمل إيقاظ للفطرة المحبة للسعادة والخير والصلاة تحقق هذه الفطرة.

قد قامت الصلاة: لترى نفسك أمام ملك الملوك.

أسئلة حول الدرس
1- أذكر بعض آداب للتكبيرات؟
2- اذكر بعض آداب الشهادة بالألوهية والرسالة؟
3- اذكر بعض آداب الحيّعلات؟

للحفظ 
عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام: "رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عمّا في أيدي الناس ومن لم يرج الناس في شيء وردّ أمره إلى الله تعالى في جميع أموره استجاب الله تعالى له في كل شيء".
 
 
 
66
 
 
 

59

الدرس السابع: بعض آداب تكبيرات الأذان والإقامة وأسرارهما

للمطالعة

أسرار صلاة الآيات:
أما الآيات فاستحضر عندها أحوال الآخرة وزلزالها، وتكوير الشمس والقمر وظلمة القيامة، ووجل الخلائق والتجائهم واجتماعهم في مواقف القيامة، وخوفهم من الأخذ والنكال والعقوبة، وأكثر من الدعاء والابتهال بمزيد الخشوع والخضوع والخوف والوجل في النجاة من تلك الشدائد، وردّ النور بعد الظلمة، والمسامحة، على الهفوة والزلة، وتب إلى الله من جميع ذنوبك وأحسن التوبة عسى أن ينظر إليك وأنت منكسر النفس، مطرق الرأس، مستحي من التقصير، فيقبل توبتك، فإنه يقبل القلوب المنكسرة، ويحب النفوس الخاشعة1... 
 
أسرار صلاة العيد:
أما العيد فأحضر في قلبك أنها في يوم قسمة الجوائز وتفرقة الرحمة، وإفاضة المواهب على من قبل صومه وقام بوظائفه، وأكثر من الخشوع في صلاتك والابتهال الى الله تعالى فيها وقبلها وبعدها في قبول أعمالك، والعفو عن تقصيرك، واستشعر الحياء والخجلة من حيرة الرد والخذلان، فليس ذلك اليوم بعيد لمن لبس الجديد، وإنما هو عيد لمن أمن من يوم الوعيد، وسلم من النقاش والتهديد، واستحق بصالح أعماله المزيد، واستقبله بما استقبلت به يوم الجمعة من الوظائف والتنظيف والتطيب وغيره من أسباب التهيؤ والاقبال بالقلب على ربّك والوقوف بين يديه عسى أن تصلح للمناجاة والحضرة لديه فإنه مع ذلك يوم شريف، وزمان منيف، يقبل الله فيه الأعمال ويستجاب فيه الدعوات، فلا تجعل فرحك فيه بما لا تخلق لأجله، ولم يجعل عيدا بسببه من المأكل والمشرب واللباس وغير ذلك من متاع الدنيا البائرة، فإنما هو عيد لكثرة عوائد الله تعالى فيه على من عامله بمتاجر الآخرة2.
 

1- أسرار الصلاة، الشهيد الثاني، ص208.
2- ن.م، ص207. 
 
 
 
67
 

 

60

الدرس الثامن: سر القيام وآدابه

القيام إشارة إلى قيام العبد بالحق، كما أن في النظر إلى محل السجود وهو التراب والنشأة الأصلية وخضوع الرقبة ونكس الرأس الذي هو لا زم للخضوع إشارة إلى الذل والفقر تحت عز الكبرياء وسلطانه، "يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله وهو الغني الحميد".
 
من آداب القيام أن يعلم أنه مقيم بين يدي الله ويوصل إلى قلبه عظمة الحاضر، ويفهم القلب أهمية المناجاة مع الحق تعالى،ويحضّر قلبه قبل البدء بالصلاة بالتفكر والتدبير ويفهمه عظمة الحضور أمام الله،وليتذكر أحوال أعاظم الدين وهداة الطريق كيف كانت حالاتهم في الصلاة وكيف كانوا يتعاملون مع مالك الملوك، ويتخذهم أسوة لنفسه.
 
وسنذكر بعض الروايات في أحوالهم عسى أن تنبّهنا من سكر الغفلة والغرور والآمال.
 
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "كان علي بن الحسين عليه السلام إذا قام إلى الصلام تغيّر لونه فإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقاً".
 
وعنه عليه السلام قال: "كان أبي يقول كان علي بن الحسين إذا قام إلى الصلاة كأنه ساق شجرة لا يتحرك منه شيء إلا ما حرّكت الريح منه".
 
وروي "أن إبراهيم عليه السلام كان يسمع تأوّهه على حدّ ميل حتى مدحه الله بقوله: إن إبراهيم لحليم أوّاه منيب، وكان في صلاته يسمع له أزيز كأزيز المرجل وكذلك يسمع من صدر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل ذلك وكانت فاطمة عليها السلام تنهج في الصلاة من خيفة الله".
 
وقد وردت روايات في آداب القيام، فعن فقه الرضا عليه السلام: "فإذا أردت أن تقوم إلى الصلاة فلا تقم إليها متكاسلاً ولا متناعساً ولا مستعجلاً ولا متلاهياً ولكن تأتيها على السكون والوقار والتؤدة وعليك الخشوع والخضوع، متواضعا لله عزّ وجلّ متخاشعاً
 
 
 
69
 

 

61

الدرس الثامن: سر القيام وآدابه

عليك الخشية وسيماء الخوف راجياً بالطمأنينة على الوجل والحذر فقف بين يديه كالعبد الآبق المذنب بين يدي مولاه... وتحسب كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
 
* النية والاخلاص:
من آداب النية وجميع العبادات الاخلاص وحقيقته تصفية العمل عن شائبة سوى الله، قال تعالى: "وَمَا أُمِرُوا إِلاَ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ"1.
 
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما نقل "لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه".
 
وللإخلاص مراتب:
1- تصفية العمل عن شائبة رضا المخلوق وجلب قلوب المخلوقين، سواء كان مريداً من عمله محمدة أو منفعة أو غير ذلك، وفي مقابل هذه المرتبة إتيان العمل رياء.
 
2- تصفية العمل عن حصول المقاصد الدنيوية، كإتيان صلاة الليل لتوسعة الرزق وإتيان صلاة أوّل الشهر للسلامة من الآفات في ذلك الشهر وإعطاء الصدقات للعافية.
 
3- تصفية العمل عن الوصول إلى الجنّات والحور والقصور، وأمثالها من اللذات الجسمانية. وفي مقابله عبادة الاجراء كما في بعض الروايات.
 
4- أن يصفي العمل عن خوف العقاب والعذاب، وفي مقابلها عبادة العبيد كما في بعض الروايات.
 
5- تصفية العمل عن رؤية استحقاق الثواب والأجر، يروى عن الإمام الصادق عليه السلام: "وأدنى حد الإخلاص بذلك العبد طاقته ثم لا يجعل لعمله عند الله قدرا فيوجب به على ربه مكافأة لعمله".
 
6- تصفية العمل من الاستكثار والفرح به والاعتماد عليه وتعلق الخاطر فيه، يقول
 
 

1- البينة:5.
 
 
 
 
70
 

 

62

الدرس الثامن: سر القيام وآدابه

الإمام موسى الكاظم عليه السلام: "كل عمل تريد به الله عزّ وجل فكن مقصّرا عند نفسك فإن الناس كلهم في أعمالهم فيما بينهم وبين الله مقصّرون إلا من عصمة الله عزّ وجلّ".
 
وعنه عليه السلام: "لا تستكثروا كثير الخير".

بالإضافة إلى مراتب أخرى لها أهلها.

* الوسوسة في النيّة:
الوسوسة في العبادات من الأمور المؤسف التي يقع فيها بعض الناس، فمثلا ترى البعض يصرف وقته في الوضوء بأمور غير مطلوبة منه بل بأمور قد تبطل وضوئه.

كمن يغسل يده أكثر من غسلتين في حين أن الشّرع لم يرخّص له أكثر من غسلتين لليد الثانية.

وترى البعض يشك في ركعات الصلاة أو في نطق الكلمات حتى يضيع الوقت الكثير، وربما أدى ذلك إلى ترك الصلاة والنفور من الدِّين.

والأعجب من ذلك من يبتلى بالوسوسة في النية، بحيث يحسب أنه ينبغي التلفُّظ بها أو أنه يشك في صحة نيته، في حين أن أمر النية هيّن بسيط لا يشترط فيها التلفظ، وهي أمر طبيعي لك فعل اختياري يقوم به بالإنسان، حيث أن كل فعل اختياري يقوم به الإنسان لا بد أن يلزمه النيّة، وكذلك العبادة (الوضوء أوالصلاة) فإن نفس إقدامك على هذا افعل يلزمه النية، فلا حاجة إلى تضييع الوقت في الوسوسة في النيّة كما يفعل البعض وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

وقد كثرت الروايات في النهي عن الوسوسة منها:
عن عبد الله بن سنان قال: ذكرت لأبي عبد الله عليه السلام رحلا مبتلى بالوضوء والصلاة وقلت: هو رجل عاقل.

فقال أبو عبد الله عليه السلام: "وأي عقل له وهو يطيع الشيطان".

فقلت له: وكيف يطيع الشيطان؟

فقال عليه السلام: "سله هذا الذي يأتيه من أيّ شيء هو فإنه يقول لك: من عمل الشيطان".
 
 
 
 
71

 
 

63

الدرس الثامن: سر القيام وآدابه

وبعض الروايات تذكر علاجا للوسوسة، وهو عدم الاهتمام بالشك والوسوسة أصلاً.
 
عن الإمام الباقر عليه السلام: "إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك فإنه يوشك أن يدعك إنما هو من الشيطان".

وفي رواية أخرى عن الباقر أو الصادق عليه السلام: "لا تعودّوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه فإن الشيطان خبيث معتاد لما عوّد فليمض أحدكم في الوهم ولا يكترث نقض الصلاة فإنه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشك".

* بعض آداب التسمية:
روي عن الإمام الرضا عليه السلام حين سئل عن تفسير البسملة: "معنى قول القائل بسم الله أي اسم على نفسي سمة من سمات الله، وهي العبادة، قال الراوي: فقلت ما السمة؟ قال: العلامة".

أعلم أن الإنسان ما دام في تصرف الشيطان ومقهورا تحت سلطانه فهو متسم بالسمات الشيطانية، ولا يستطيع الإنسان أن يتسم بسمات الله ما لم يسيطر على وساوس شياطين الإنس والجن.

لذلك كانت الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم مقدّمة للتسمية، فإذا خلا الإنسان من سمة الشيطان سهل التحلي بسمات الله، ويمكن أن يكون المقصود من السمة من سمات الله في هذا الحديث سمة الرحمة وعلامتها، وهذا يعني أن السالك إذا أراد أن تكون تسميته حقيقية فلا بد أن يتصف بسمة الرحمة الإلهية.

وعلامة حصول نموذج منها في القلب ان ينظر إلى عباد الله بنظر العناية واللطف ويطلب الخير والصلاح للجميع، وهذا هو نظر الأنبياء والأولياء عليهم السلام.

وهذه السمة تفيدنا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث لا بد للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يذيق قلبه من الرحمة الإلهية، ولا يكون نظره في الأمر والنهي التكبّر واراءة نفسه وفرض أمره، بل ليكن داعيه ارشاد الجاهلين وهداية الضالين رحيما بهم شفوقاً عليهم.
 
 
 
 
 
72


 
 

64

الدرس الثامن: سر القيام وآدابه

من فقه الاسلام
س: شخص مبتلى بالرياء في عباداته وهو الآن يجاهد نفسه، فهل يعتبر هذا أيضا رياء؟ وكيف يتجنب الرياء؟
 
ج: كل عمل يؤتى به لله لا يكون رياء حتى مقاومة الرياء نفسه ولأجل التخلص من الرياء يجب التفكر في عظمة الله عزّت آلاؤه وفي ضعف نفسه البشرية واحتياجه كغيره إليه تعالى، وكذلك في عبوديته هو وسائر الناس لله تبارك وتعالى1.
 
س: منذ عدة سنوات وأنا مبتلى ببليّة الوسوسة وهذا الموضوع يعذبني جدا، ويوما بعد يوم تشتّد حالة الوسواس هذه، حتى أنني أشك في كل شيء وحياتي قائمة كلها على الشك، وأكثر شكي حول الطعام والأشياء الرطبة، ولهذا لا استطيع التصرف كباقي الناس الاعتياديين, وعندما أدخل إلى مكان أخلع جواربي مباشرة لأنني أتصور أن جوربي عرقت، وسوف تتنجس على أثر ملامسة النجس، حتى أنني لا استطيع الجلوس على السجادة، وإذا ما جلست فسأقوم بتحريك نفسي دوما لكي لا تلتصق شعيرات السجارة بملابسي فأكون مضطرا إلى تطهيرها بالماء، وفي السابق لم أكن هكذا، ولكنني الآن أخجل من أعمالي هذه ودائما أحب أن ارى أحدا في عالم الرءيا وأطرح عليه أسئلتي، أو أن تقع معجزة تغيّر حياتي وأرجع إلى حالتي السابقة، ولهذا أرجو منكم إرشادي؟

ج: إحكام الطهارة والنجاسة هي نفسها التي فصّلت في الرسائل العملية، وشرعا فإن كل الأشياء محكومة بالطهارة، إلا التي حكم الشارع بنجاستها، وحصل للأنسان يقين بها. والتخلص من الوسواس في هذه الحالة لا يحتاج إلى الإحلام أو وقوع معجزة، بل يجب على المكلف أن يضع ذوقه الشخصي جانبا ويكون متعبدا بتعليمات الشرع المقدّس ويؤمن بها، ولا يعتبر الشيء الذي لا يقين بنجاسته نجسا أنت من أين لك يقين بأن الباب والجدار والسجادة وسائر الأشياء التي تستخدمها 
 

1- أجوبة الاستفتاءات، م.س، ص146.
 
 
 
73

 

65

الدرس الثامن: سر القيام وآدابه

نجسة، وكيف تيقنت بأن شعيرات السجادة التي تمشي أو تجلس عليها نجسة، وإن نجاستها سوف تسري إلى جوربك ولباسك وبدنك؟!
 
وعلى كل حال لا يجوز لك في حالتك هذه الاعتناء بالوسواس، فمقدار من عدم الاعتناء بوسواس النجاسة والتمرّن على عدم الاعتناء سوف يساعدك (إن شاء الله بتوفيق من الله تعالى) على إنقاذ من قبضة الوسواس.

س: إنني إمرأة عندي عدّة أولاد وخريجة دراسات عليا، والمشكلة التي أعاني منها هي مسألة الطهارة، ولأنني نشأت في عائلة متدينّة وأريد مراعاة جميع التعاليم الإسلامية، وبما أنني صاحبة أولاد صغار فأنا مشغولة دوما بمسائل البول والغائط، وأثناء تطهير البول فإن ترشحات إناء التخلية (السيفون) تتناثر فتصيب الرجلين والوجه وحتى الرأس أيضا، وفي كل مرة تواجهني مشكلة تطهير تلك الأعضاء، وهذه سبّبت لي مشاكل عديدة في حياتي، ومن ناحية لا يمكنني عدم مراعاة هذه الأمور لأنها ترتبط بعقيدتي وديني، حتى أنني راجعت طبيبا نفسانيا، ولكن لم أحصل على نتيجة، بالإضافة إلى أمور أخرى أعاني منها من قبيل غبار الشيء النجس، أو مراقبة أيدي الطفل النجسة التي إما يجب أن اطهّرها أو أبعدها عن ملامسة أشياء أخرى، علما أن تطهير الشيء النجس عمل شاق جدا بالنسبة لي لكن في الوقت نفسه يسهل عليّ غسل نفس تلك الأواني والملابس حينما تكون متّسخة فقط، ولهذا أرجو من مقامكم الكريم أن تسهّلوا عليّ العيش بارشاداتكم؟

ج:1- في باب الطهارة والنجاسة الأصل هو الطهارة في نظر الشارع المقدس، يعني في أي موضع يحصل لك أقل ترديد في حصول النجاسة فالواجب أن تحكمي بعدم النجاسة.

2- الذين لديهم حساسية نفسية شديدة في أمرالنجاسة (ومثل هذا يسمّونه وسواسيا في اصطلاح الفقه الإسلامي) حتى ذا تيقنوا بالنجاسة في بعض الموارد يجب عليهم أن يحكموا بعدم النجاسة باستثناء الموارد التي يشاهدون حصول التنجس بأعينهم: بحيث إذا رآه أي شخص آخر يجزم بسراية النجاسة، ففي مثل
 
 
 
74
 
 

66

الدرس الثامن: سر القيام وآدابه

 هذه الموارد فقط يجب أن يحكموا بالنجاسة، وهذا الحكم مستمر بالنسبة إلى هؤلاء الأشخاص حتى ترتفع الحساسية المذكورة كليّاً.
 
3- كل شيء أو عضو يتنجس، يكفي في تطهيره، بعد زوال عين النجاسة: غسله مرة واحدة فقط من ماء الأنبوب، ولا يجب التكرار في الغسل، أو الوضع تحت الماء، وإذا كان ذلك الشيء المتنجس من القماش وأمثاله يعصر بالمقدار المتعارف حتى يخرج منه الماء.
 
4- وبما إنك مبتلاة بنفس تلك الحساسية بالشديدة في مقابل النجاسة فاعلمي أن الغبار النجس ليس نجسا في أية صورة بالنسبة إليك، ومراقبة يد الطفل الطاهرة، أوالنجسة غير لازمة، ولا يلزم التدقيق في أن الدم زال عن البدن أم لا، وهذا الحكم باق بالنسبة لك إلىتزول منك هذه الحساسية كلياً.
 
5- الدين الإسلامي لديه أحكام سهلة وسمحاء، ومنسجمة مع الفطرة البشرية فلا تعسرّيها عليك، ولا تلحقي الضرر والأذى بجسمك وروحك من جرّاء ذلك، وحالة القلق والاضطراب في هذه الموارد تضفي المرارة على الأجواء الحياتية، وأن الباري عز اسمه غير راض عن عذابك وعذاب من ترتبطين معهم، أشكري نعمة الدين السهل، وشكر تلك النعمة عبارة عن العمل طبقا لتعليماته تعالى.
 
6- هذه الحالة حالة عابرة وقابلة للعلاج، وكثير من الأشخاص بعد الابتلاء بها استراحوا منها بالعمل وفقا للتدريب المذكور، توكلي على الله، وأريحي نفسك بالهمة والإرادة1.
 
 

1- أجوبة الاستفتاءات، م.س، ص88 وما بعدها.
 
 
 
75

 

67

الدرس الثامن: سر القيام وآدابه

خلاصة الدرس
- القيام إشارة إلى قيام العبد بالحق، والنظر إلى محل السجود نفي للكبر، من آداب القيام إفهام القلب أهمية المناجاة مع الله، ويكون ذلك بالالتفات إلى أحوال أولياء الله في عباداتهم.
 
- من آداب العبادات الاخلاص في النية وهو مراتب عديدة منها خلوص العمل من الرياء والعجب.
 
- لا ينبغي الوسوسة في النيّة فهي من ضعف العقل.
 
- من آداب التسمية أن تسم نفسك بصفات الله، ومنها صفة الرحمة.
 
أسئلة حول الدرس
1- ماذا يعني النظر إلى محل السجود؟ واذكر بعض آداب القيام؟
2- اذكر مرتبتين من مراتب الاخلاص في العبادة؟
3- على ماذا تدل الوسوسة؟
4- ماذا تعني التسمية؟
 
للحفظ 
قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ".
 
 
 
76

 

 


68

الدرس الثامن: سر القيام وآدابه

للمطالعة
قال بعض علماء الآخرة: وأما الاعتدال قائما فهو مثول بالشخص والقلب بين يدي الله عزّ وجلّ فليكن رأسك الذي هو أرفع أعضائك مطرقا مطأطأ منكسا، وليكن وضع الرأس عن ارتفاعه تنبيها على إلزام القلب التواضع والتذلّل والتبري عن الترؤس والتكبّر، وليكن على ذكرك ها هنا خطر القيام بين يدي الله عزّ وجل في هول المطلع (في يوم القيامة) عند العرض للسؤال واعلم في الحال أنك قائم بين يدي الله عز وجل وهو مطّلع عليك فقم بين يديه قيامك بين يدي بعض ملوك الزمان إن كنت تعجز عن معرفة كنه جلاله بل قدّر في دوام قيامك في صلواتك إنك محظوظ ومرقوب بعين كالئة من رجل صالح من أهلك أو ممن ترغب في أن يعرفك بالصلاح فإنه تهدأ عند ذلك أطرافك وتخشع جوارحك وتسكن جميع أجزائك خيفة أن ينسبك ذلك العاجز المسكين إلى قلة الخشوع، وإذا أحسست من نفسك بالتماسك عند ملاحظة عبد مسكين، فعاتب نفسك وقل لها إنك تدّعين معرفة الله وحبّه أفلا تستحيين من استجرائك عليه مع توقيرك عبدا من عباده؟ أو تخشين الناس ولا تخشينه وهو أحق أن يخشى؟ ألا تستحيين من خالقك ومولاك إذ قدّرت اطّلاع عبد ذليل من عباده عليك وليس بيده خيرك ولا نفعك ولا ضرّك خشعت لأجله جوارحك وحسنت صلواتك ثم إنك تعلمين أنه مطّلع عليك فلا تخشعين لعظمته أهو أهون عندك من عبد من عباده؟
 
فما أشدّ طغيانك وجهلك وما أعظم عدواتك لنفسك ولذلك لما قبل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كيف الحياء من الله تعالى؟
 
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "تستحيي منه كما تستحيي من رجل صالح من قومك"، وأما دوام القيام فهو تنبيه على إدامة القلب على الله تعالى على نعت واحد من الحضور، قال صلى الله عليه وآله وسلم إن الله مقبل على العبد ما لم يلتفت... وما يجب حراسة السر عن الالتفات إلى غير الصلاة فإن التفتّ اإلى غيرها فذكره باطلاع الله تعالى عليك وقبح التهاون بالمناجي مع غفلة المناجي ليعود إلى التيقّظ، والزم الخشوع الباطني فإنه ملزوم الخشوع ظاهرا، ومهما خشع الباطن خشع الظاهر.
 
 
 
 
 
77
 

 

69

الدرس الثامن: سر القيام وآدابه

قال صلى الله عليه وآله وسلم وقد رأى مصليّا يعبث بلحيته: "ماهذا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه فإن الرعية بحكم الراعي".
 
ولهذا ورد في الدعاء (اللهم أصلح الراعي والراعية).

وهو القلب والجوارح، وكل ذلك يقتضيه الطبع بين يدي من يعظّم من أبناء الدنيا فكيف لا يقتضيه بين يدي ملك الملوك وجبار الجبابرة ومن يطمئن بين يدي غير الله تعالى خاشعا ثم تضطرب أطرافه بين يدي الله تعالى فذلك لقصور معرفته عن جلال الله وعن اطّلاعه على سرّه وضميره وتدبّر قوله تعالى: "الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ".
 
 
 
 
78

  
 

70

الدرس التاسع: آداب قراءة القرآن

 قبل أن ندخل في الآداب الخاصة للقراءة في الصلاة نذكر الآداب المهمة لقراءة القرآن بشكل عام.
 
من إحدى الآداب المهمّة لقراءة الكتاب الإلهي وتحصل منه النتائج الحسنة ويوجب نورانيّة القلب والحياة الباطنية التعظيم لهذا الكتاب العظيم.
 
إن عظمة كل كلام وكل كتاب إما بعظمة متكلمه وكاتبه وإما بعظمة المرسل إليه وحامله، وإما بعظمة حافظه وحارسه، وإما بعظمة شارحه ومبينّه، وإما بعظمة وقت إرساله وكيفية إرساله...
 
أما عظمة متكلّمه فهو الله تعالى العظيم المطلق، الذي لا يمكن لأحد أن يدرك عظمته، ولا يمكن أن يتجلى الحق تعالى بالعظمة لأحد، وإنما يتجلى بها من وراء آلاف الحجب، كما في الحديث: "إن لله تبارك وتعالى سبعين الف حجاب من نور وظلمة لو كشفت لأحرقت سبحات وجهه دونه".
 
وأما حافظه وحارسه فهو ذات الحق جلّ جلاله، كما قال في الآية الكريمة المباركة: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"1.
 
وأما عظمة رسول الوحي وواسطة الايصال فهو جبرائيل الأمين، ويستفاد من كتاب الله الأحاديث الشريفة تعظيم جبرائيل وتقديمه على سائر الملائكة.
 
وأما عظمة المرسل إليه، فهو القلب التقي النقي للرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو أكرم البرية وأعظم الخليفة.
 
وأما شارحه ومبينه فالذوات المطهّرة المعصومون من رسول الله إلى حجّة العصر عجل الله تعال فرجه الذي هم معادن الحكمة والوحي.
 
وأما وقت الوحي فليلة القدر أعظم الليالي والتي هي خير من ألف شهر.
 

1- الحجر:9.
 
 
 
79

 

71

الدرس التاسع: آداب قراءة القرآن

* مقاصد الكتاب العظيم:
ومما يشير إلى عظمة القرآن الكريم، محتوياته ومطالبه وأهدافه، فإن الله تبارك وتعالى لسعة رحمته إلى عباده أنزل هذا الكتاب الشريف، لاخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولايصالهم إلى الكمال والقوّة الإنسانية، ولتعريفهم بالله خالق الكون، فهو كتاب الدعوة إلى الحق والسعادة.

ومن مقاصد هذا الكتاب ومحتوياته ومطالبه:
أ- الدعوة إلى معرفة الله، وبيان صفاته،

ب- الدعوة إلى تهذيب النفوس وتطهير البواطن، بمعنى آخر كيفية السير والسلوك إلى الله،

ج- ومن مقاصده، قصص الأنبياء والأولياء والحكماء وكيفية تربية الحق إيّاهم، وتربيتهم الخلق، فإن في تلك القصص فوائد لا تحصى، ولا يفهم أن هذا الكتاب كتاب قصة وتاريخ بل هو كتاب السير والسلوك إلى الله، يسرد قصص الأنبياء عليهم السلام لنتلمّس منهم المعارف والحكم.

د- فمن هنا ترى من مقاصد هذا الكتاب الحكم والواعظ.

هـ- ومن مطالبه تبيان أحوال الكفار والجاحدين والمخالفين للحق والحقيقة والمعاندين للأنبياء والأولياء عليهم السلام وبيان عواقب أمورهم وكيفية هلاكهم كقضايا فرعون وقارون ونمرود وأصحاب الفيل وغيرهم من الكفرة ففي كل منها مواعظ وحكم.

و- ومن مطالبه بيان قوانين ظاهر الشريعة بكليّاتها، مثل التشريع للصلاة والزكاة والخمس والحج والصوم والجهاد والنكاح والإرث والقصاص والحدود والتجارة وغير ذلك.

ز- ومن مطالبه بيان أحوال المعاد والبراهين لإثباته كيفية العذاب والعقاب والجزاء والثواب وتفاصيل الجنة والنار والتعذيب والتنعيم.

ح- ومن مطالبه إدراج البراهين على إثبات وجود الله وتوحيده، إلى غير ذلك من المطالب المتفرّقة، فهو كتاب شامل كامل.
 
 
 
 
80


 
 

72

الدرس التاسع: آداب قراءة القرآن

* كيف نستفيد من القرآن الكريم:
إن من الأمور المهمة معرفة كيفية الاستفادة من القرآن العظيم، وذلك يكون بمعرفة أن هذا الكتاب كتاب تعليم وهداية إلى الله وإلى سبيل السعادى الحقيقية.

فليس القرآن الكريم لتعليم الجهات الأدبية والنحو والصرف أو أن تأخذ منه الفصاحة والبلاغة والنكات البيانية والبديعية وليس هو لتعليم القصص والحكايات بالنظر التاريخي والاطلاع على الأمم السابقة.

ثم أنه ليس كتابا نقرأه للثواب والأجر فقط ولهذا لا نعتني بغير تجويده، ونريد أن نقرأه صحيحا حتى يعطي لنا الثواب، ونحن مقتنعون بهذا الحد، ولهذا لا يفيدنا القرآن. 

فالمطلوب إذن التعلّم من القرآن كيفية السير والسلوك إلى الله وكيفية التخلّق بالأخلاق العالية لنصل إلى الكمال والسعادة.

* رفع الموانع والحجب:
من الآداب المهمة حتى تحصل الاستفادى من القرآن الكريم، رفع موانع الاستفادة، ونحن نعبّر عنها بالحجب بين المستفيد والقرآن، وهذه الحجب كثيرة نشير إلى بعضها:

1- حجاب رؤية النفس، بحيث يرى الإنسان المتعلم نفسه غير محتاج إلى الاستفادة من هذا الكتاب العظيم.

أو يرى استقادة منه ولكن في جهات لا تساعد على الهداية والسلوك إلى الله تعالى، كمن يقصر نظره إلى الجهات الفقهية أوالفلسفية أو البلاغية أو التجويدية أو غير ذلك مما لا مساس له بالمقصود الأصلي للقرآن الكريم وهو الهداية إلى الله جلّ وعلاّ، ويقنع بما هو عليه، ويختصر القرآن في الجهة التي هو فيها.

في حين أن القرآن أرشدنا إلى عدم القناعة بما نحن عليه، والإشارة إلى هذا المعنى كثيرة في القصص القرآنية، فموسى كليم الله، مع ماله من مقام عظيم ما اقتنع بذلك، وبمجرد أن لاقى شخصا كاملا كالخضر قال له بكل تواضع وخضوع: "هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً"1.
 

1- الكهف:66.
 
 
 
81
 
 

73

الدرس التاسع: آداب قراءة القرآن

2- ومن الحجب حجاب الآراء الفاسدة والمذاهب الباطلة، وأغلب هذا يوجد من التبعية والتقليد، مثلا إذا رسخ في قلوبنا اعتقاد بمجرّد الاستماع من الأب أو الأم أو من الجهلة، نبني على هذا الاعتقاد، ولا نبدّله ولو أتانا واضح البرهان.
 
3- ومن الحجب المانعة من الاستفادة من القرآن، الاعتقاد بأنه ليس لأحد حق الاستفادة من القرآن الشريف إلا ما كتبه المفسرون وما فهموه...
 
4- حجاب المعاصي والكدورات الحاصلة من الذنوب.
 
5- حب الدنيا، فيصرف القلب بواسطة تمام همتّه في الدنيا وحب الجاه والشرف.
 
* التفكر:
من الآداب المهمة لقراءة القرآن التفكر، وقد كثرت الدعوة إلى التفكر في القرآن الشريف.
 
قال تعالى: "وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ"1.
 
وقال تعالى: "فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ"2.
 
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.
 
والروايات أيضاً في التفكر كثيرة، فقد نقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما نزلت الآية الشريفة: "إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لاَيَاتٍ..."3.
 
قال صلى الله عليه وآله وسلم: "ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها".
 
* التطبيق:
ومن الآداب المهمة لقراءة القرآن التي تنيل الإنسان نتائج كثيرة والاستفادات غير المعدودة هو التطبيق.
 
فمن أراد أن يأخذ من القرآن الشريف الحظ الوافر فلا بد له أن يطبّق كل آية شريفة على حالات نفسه حتى يستفيد استفادة كاملة، مثلا يقول تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ
 

1- النحل:44.
2- الأعراف:176.
3- آل عمران:190.
 
 
 
82
 

74

الدرس التاسع: آداب قراءة القرآن

الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"1.
 
فلا بد للسالك أن يلاحظ هذه الأوصاف الثلاثة منطبقة عليه، وهل قلبه يجل إذا ذكر الله ويخاف؟ وإذا تليت عليه الأيات الشريفة هل يزداد إيماناً في قلبه؟ وهل اعتماده وتوكله على الله تعالى؟ أوأنه محروم من ذلك.
 
فإذا كان محروما فليسعى لتحصيل هذه الصفات، وهكذا كل آية يمر عليها يطبّقها خارجاً، فالقرآن كتاب تطبيق لا كتاب ترتيل فحسب.
 
فكما أن خلق الرسول كان القرآن، فينبغي عليك أن يكون خلقك القرآن.
 
* مهجورية القرآن الكريم:
يقول تعالى: "وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً"2.
 
إن مهجورية القرآن لها مراتب، ولعلنا متصفين بالعمدة منها، أترى أننا إذا جلّدنا القرآن العظيم جلدا نظيفا وقيّما أو إذا قرآناه أو استخرنا به وقبّلناه ووضعناه على أعيننا، لا نكون هاجرين له؟ أترى إذا صرفنا غالب عمرنا في تجويده والاهتمام في جهاته اللغوية والبيانية والبديعية، مااتخذناه مهجورا؟ هل أننا إذا تعلمنا القراءات المختلفة، ما اتخذناه مهجوراً؟
 
إن عمدة هجر القرآن هو عدم تطبيقه في حياتنا الخاصة والعامة، ونحن للأسف قد نكون متصفين بهذه المرتبة من الهجر، حيث لا نأخذ تعاليم القرآن في حسابنا!.
 

1- الأنفال:2.
2- الفرقان:30.
 
 
 
83

 

75

الدرس التاسع: آداب قراءة القرآن

من فقه الاسلام 
س: هل يجب العمل بالاستخارة؟
ج: لا يوجد إلزام شرعي في العمل بالاستخارة، ولكن الأفضل أن لا يعمل على خلافها،
 
س: هل تصح الاستخارة بالقرآن في مثل مورد طلب الطلاق أو تركه؟ وما هو الحكم إذا استخار شخص ولم يعمل على وفقها؟
ج: لا يختص جواز الاستخارة بالقرآن أو السّبحة بمورد دون مورد. نعم إنما يرجع إلى الاستخارة عند الترددّ والحيرة، حيث لا يقدر الشخص المتحيّر على اتخاذ القرار، ولا معنى لها في غير هذه الصورة، ولا يجب شرعا العمل بالاستخارة، وأن كان الأفضل لا يخالفها.
 
س: هل تصح الاستخارة بالسبّحة أو بالقرأن في المسائل المصيرية كالزوح مثلا؟
ج: في الأمور التي يريد الإنسان أن يتخذ قرارا بشأنها، ينبغي أن يتأمّل ويدقق النظر فيها أولاً، أو يستشير فيها أهل الثقة والخبرة بها، فإذا لم يرتفع بذلك كله التحير فيمكنه أن يستخير بعد أن يعيّن جهة ما.
 
س: هل تصح الاستخارة أكثر من مرة في مورد واحد؟
ج: حيث أن الاستخارة لرفع الحيرة، فبعد ارتفاعها بالمرة الأولى لا معنى لتكرارها، إلا إذا تغيّر الموضوع.
 
س: يشاهد أحياناً مكتوبات تحتوي مثلا على عنوان معجزة الإمام الرضا عليه السلام توزّع بين الناس، عن طريق جعلها فيما بين أوراق كتب الزيارات الموجودة في المزارات والمساجد، وقد كتب ناشرها في ذيلها أن على من قرأها أن يكتبها كذا مرة ويوزعها على الناس، فإنه يصل بذلك إلى حاجته، فهل الأمر صحيح؟ وهل يجب على من قرأها أن يستنسخها كما طلب منه الناشر؟
ج: لا حجة على اعتبار مثل هذه الأمور شرعا، وليس من يقرأها ملزما باستجابة طلب ناشرها باستنساخها1.
 

1- أجوبة الاستفتاءات، م.س، ص118 وما بعدها.
 
 
 
84
 

76

الدرس التاسع: آداب قراءة القرآن

خلاصة الدرس
- من آداب قراءة القرآن العظيم لهذا الكتاب، والتعظيم يظهر من عظمة المتكلّم والحافظ والرسول المرسل إليه والشارح ووقت نزوله.
 
- للكتاب العظيم مقاصد عديدة منها الدعوة إلى معرفة الله وبيان صفاته، وتهذيب النفوس.
 
- نستفيد من القرآن بمعرفة غايته الحقيقية وتعلّمها.
 
- من الآداب المهمة للاستفادة من القرآن رفع الموانع التي منها رؤية النفس، والمعاصي.
 
- من الآداب لقراءة القرآن التفكر، ثم التطبيق، وبذلك لا نهج القرآن.
 
أسئلة حول الدرس
1- إذكر آداب قراءة القرآن؟
2- كيف يظهر عظمة القرآن؟
3- اذكر مقصدين من مقاصد القرآن؟
4- اذكر ما نعين للاستفادة ممن القرآن؟
5- ماذا يعني هجر القرآن؟
 
للحفظ 
في الحديث: "إن لله تبارك وتعالى سبعين ألف حجاب من نوروظلمة لو كشفت لأحرقت سبحات وجهه ودونه".
 
 
85
 

 

77

الدرس التاسع: آداب قراءة القرآن

للمطالعة
 
أدب تلاوة القرآن:
من وظائف القراءة من الأثر (الحديث) قول الصادق عليه السلام: "من قرأ القرآن ولم يخضع له ولم يرق قلبه ولم ينشىء حزنا ووجلا في سرّه، فقد استهان بعظيم شأن الله تعالى وخسر خسرانا مبينا، فقارىء القرآن تحتاج إلى ثلاثة أشياء: قلب خاشع، وبدن فارغ، وموضع خال، فإذا خشع لله قلبه فرّ منه الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: "فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ"1. فإذا تفرّع نفسه من الأسباب تجرّد قلبه للقراءة فلا يعترضه عارض فيحرمه نور القرآن وفوائده، وإذا اتخذ مجلسا خايا واعتزل عن الخلق بعد أن أتى بالخصلتين الاوليتين: خضوع القلب وفراغ البدن استأنس روحه بالله عز وجل، ووجد مخاطبات الله عباده الصالحين وعلم لطفه بهم ومقام اختصاصه لهم بفنون كراماته وبدائع إشاراته، فإذا شرب كأساً من هذا المشرب حتى لا يختار على ذلك الحال حالا ولا ذلك الوقت وقتاً، بل يؤثره على كل طاعة وعبادة، لأن فيه المناجاة مع الرب بلا واسطة فانظر كيف تقرأ كتاب ربك ومنشور ولايتك وكيف تجيب أوامره وتجتنب نواهيه وكيف تتمثل حدوده فإنه كتاب عزيز "لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ"2، فرتّله ترتيلا وقف عند وعده ووعيده وتفكر في أمثاله ومواعظه واحذران تقع من اقامتك حروفه في إضاعة حدوده"3.
 

1- النحل:98.
2- فصلت:42.
3- مصباح الشريعة باب 12، في قراءة القرىن، ص28.
 
 
 
 
86
 
 
 
 
 

 

78

الدرس العاشر: آداب القراءة في الصلاة

للقراءة مراتب نذكر اثنين منها:
المرتبة الأولى: أن لا يشتغل القارىء إلا بتجويد القراءة وتحسين العبارة، ويكون همّه التلفّظ بهذه الكلمات فقط وتصحيح مخارج الحروف، دون التفكر بمعنى الكلمات وروحها، فهمّه أن يسقط الامر بالصلاة، فالصلاة عليهم كلفة ومشقة، وقلوبهم ضجرة.

هؤلاء ألسنتهم مشغولة بذكر الله وقلوبهم غافلة، فلاحظ لهم من حقيقة العبادة وإفاضاتها وفوائدها، فما صلاتهم إلا لقلقة لسان وليس هناك حركة للجنان.

المرتبة الثانية: هم الذين لا يقتنعون بهذا الحد بل يرون الصلاة وسيلة لتذكر الله تعالى ويعدوّن القراءة تحميدا وثناءا على الحق جلا وعلا، ولهذه المرتبة مراتب أخرى.

ولعلّه أشير إلى هذه الطائفة (المرتبة) في الحديث القدسي"قسمت الصلاة بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي فإذا قال بسم الله الرحمن الرحيم يقول الله ذكرني عبدي وإذا قال الحمد الله يقول حمدني عبدي وأثنى عليّ وهو معنى سمع الله لمن حمده، وإذا قال الرحمن الرحيم يقول الله عظمني عبدي، وإذا قال مالك يوم الدين يقول الله مجدّني عبدي، وفي رواية فوّض إلي عبدي، وإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين يقول الله هذا بيني وبين عبدي، وإذا قال أهدنا الصراط المستقيم يقول الله هذا لعبدي ولعبدي ما سأل".

* آداب العبودية في القراءة:
الحق تعالى أقام آداب العبودية في القراءة على أربعة أركان:

الركن الأول: التذكر: ولا بد أن يحصل في بسم الله الرحمن الرحيم، ويساعد على التذكر نظر الإنسان إلى بأنها فانية، وتعويد القلب أن يكون طالبا للحق ومحبا له، بالخلوة مع الحق والتفكر في الشؤون الإلهية.
 
 
 
87

 

 


79

الدرس العاشر: آداب القراءة في الصلاة

وللتذكر اهتمام كبير في الإسلام، قال تعالى: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ"1.

وقال الله تعالى لموسى: "يا موسى أنا جليس من ذكرني".

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أكثر ذكر الله أحبه الله".

وعن الصادق عليه السلام قال:قال الله عزّ وجلّ: "يا بن آدم أذكرني في نفسك أذكرك في نفسي، يا بن آدم اذكرني في خلاء اذكرك في خلاء، يا بن آدم اذكرني في ملأ اذكرك في ملأ خير من ملئك".

وقال عليه السلام: "ما من عبد ذكر الله في ملأ من الناس إلا ذكره الله في ملأ من الملائكة".

الركن الثاني: التحميد وهو في قول المصلي الحمد الله رب العالمين، وهو أن يعترف قلبه أن جميع المحامد من مختصات الباري تعالى وليست لسائر الموجودات فيها شركة لأنه ليس كمال من عند أنفسها حتى يقع الحمد والثناء لها.

الركن الثالث: التعظيم، وهو يحصل في الرحمن الرحيم: فإن العبد عندما حصر المحمدة بالله تعالى وسلب الكمال عن غيره - في الركن الثاني -، يأتي في هذا الركن ليعترف لله بأنه هو الرحمن الذي بسط الوجود، وهو الرحيم الذي بسط كمال الوجود.

الركن الرابع: الذي هو مقام التقديس الذي هو حقيقة التمجيد، وبعبارة أخرى تفويض الأمر لله، وهو يحصل في إياك نعبد وإياك نستعين، وهي تعني حصر العبادة ثم حصر الاستعانة بالله تعالى فقط لا غيره.

* آداب التكبير قبل الركوع:
عندما يكبّر العابد قبل الركوع، فليستحضر عظمة الله تعالى وجلاله وعزّته وسلطانه، ويجعل ضعف العبودية وعجزها وفقرها وذلّها نصب عينيه.

وليكبّر الله عن التوصيف، وليكن توصيف البعد لله وتسبيحه وتقديسه إطاعة لأمره تعالى، ولإذنه بذلك، وإلا فأنّى للبعد الضعيف أن يعرف حقيقة عظمة الخالق وجبروته.
 
 

1- القصص:14.
 
 
 
88
 
 

80

الدرس العاشر: آداب القراءة في الصلاة

وليكن حاله كما قال زين العابدين عليه السلام: "أفبلساني هذا الكال أشكرك" فماذا يتأتّى للبعوضة أن تفعل في مكان يعجز العقاب عن الطيران!
 
فإذا أراد العابد الدخول في الركوع فليلقي بيده توصيفه وتعظيمه وعبادته وراء ظهره، فهو عاجز عن تعظيم الله وعبادته وتوصيفه كما ينبغي، فليرفع يديه إلى حذاء الأذن ويقلب كفيه الخاليتين حذاء القبلة ويرد الركوع صفر اليدين وخالي الكفين ويقلب مملوء بالخوف والرجاء.

خوف التقصير والقصور عن القيام بمقام العبودية، والرجاء بالله تعالى حيث أذن له وشرّفه بالعبادة والركوع له.

أنّى لنا أن نستشعر عظمة الله ولو استشعرناها معشار ما عليها لصعقنا، يروى في صلاة المعراج لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه خاطبه العظيم جلّ وعلا: "فانظر إلى عرشي" قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "فنظرت إلى عظمة ذهبت لها نفسي وغشي عليّ فألهمت أن قلت سبحان ربي العظيم وبحمده لعظم ما رأيت، فلما قلت ذلك تجلّى الغشي عني حتى قلتها سبعا فرجعت إليّ نفسي كما كانت".

* آداب الركوع:
روي عن الصادق عليه السلام: "لا يركع عبد الله ركوعا على الحقيقة إلا زيّنه بنور بهائه وأظلّه في ظلال كبريائه وكساه كسوة أصفيائه، والركوع أول والسجود ثان فمن أتى بمعنى الأول صلح الثاني، وفي الركوع أدب وفي السجود قرب ومن لا يحسن الأدب لا يصلح للقرب، فاركع ركوع خاضع لله بقلبه متذلل وجل تحت سلطانه خافض له جوارحه خفض خائف حزن على ما يفوته من فائدة الراكعين...واستوف ركوعك باستواء ظهرك وانحط عن همتك في القيام بخدمته إلا بعونه... فإن الله تعالى يرفع عباده بقدر تواضعم له ويهديهم إلى أصول التواضع والخضوع بقدر اطلاع عظمته على سرائرهم"1.


1- مصباح الشريعة، باب 40، في الركوع، ص89.
 
 
 
 
89
 
 

81

الدرس العاشر: آداب القراءة في الصلاة

اعلم أن الركوع مشتمل على تسبيح الرب جلّ وعلا (سبحان ربي) وتعظيمه (العظيم) وتحميده (وبحمده)، فالتسبيح تنزيه عن التوصيف وتقديس عن التعريف والمعرفة، والتعظيم يعني أنه لا شبيه له تعالى، والتحميد يعني حمده على آلائه ومواهبه ونعمه التي أفاضها وهو مطلع وعالم بها حيث أنعم بها.

* الآداب القلبية للقنوت:
رغم أن الصلاة جميعها إظهار للعبودية وثناء على الله فإن الذات المقدسة للحق جلّ وعلا فتح باب اللمناجاة والدعاء للعبد بالخصوص في حال القنوت، وشرّفه بهذا التشريف،

فالأفضل في أدب العبودية أن يراعي الأدب مع الباري تعالى، فيراقب أدعيته لتكون مشتملة على تسبيح الحق تعالى وتنزيهه، وتتضمن ذكر الحق وتذكره، ويكون ما يسأله من الحق تعالى أمورا ومعارف إلهية، ويحترز عن سؤال الدنيا والأمور الخسيسة الحيوانية والشهوات النفسانية.

إن القنوت هو قطع اليد عن غير الحق والإقبال التام على عز الربوبية ومدّ يد السؤال خالية الكف إلى الغني المطلق، فالطلب من الله في هذه الحال لا ينبغي أن يكون طلبا دنيويا، بل الاحرى طلب معالي الأمور.

ومن الأدعية الشريفة التي لها فضل عظيم، وهو مشتمل على أدب مناجاة العبد للحق تعالى، ومشتمل على تعداد العطايا الكاملة الإلهية، الذي يناسب حال القنوت، دعاء: "يامن أظهر الجميل،وستر القبيح...".

ومن الأدعية المناسبة في حال القنوت اقتباسات من المناجاة الشعبانية لإمام المتقين علي عليه السلام وخصوصا قوله: "إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك...".
 
 
 
90

 
 

82

الدرس العاشر: آداب القراءة في الصلاة

من فقه الاسلام 
س: هل هناك إشكال في تغيير إذكار الركوع والسجود الواحد مكان الآخر عمدا؟
ج: لو جاء بها بعنوان ذكر الله عز اسمه الطلق فلا إشكال فيه، وصح الركوع والسجود والصلاة كلها.

س: لو أتى شخص في السجود بذكر الركوع سهوا أو بالعكس أتى في الركوع بذكر السجود، وفي نفس الوقت تذكر ذلك وقام بإصلاحه، فهل صلاته باطلة؟
ج: ليس فيه إشكال وصلاته صحيحة.

س: إذا تذكّر المصلي بعد الفراغ من الصلاة، أو في أثنائها بأن الذكر في الركوع والسجود كان خطأ، فما هو الحكم في هذه المسألة؟
ج: إذا تجاوز محل الركوع والسجود فلا يجب عليه شيء.

س: هل يكفي الاتيان بالتسبيحات الأربع مرة و احدة في الركعة الثانية والرابعة من الصلاة؟
ج: يكفي، وإن كان الأحوط التكرار ثلاث مرات.

س: عدد التسبيحات الأربع في الصلاة ثلاث مرات، إلا أن شخصا أتى بها سهوا أربع مرات، فهل تقبل صلاته عند الله تعالى؟
ج: لا إشكال فيها.

س: ما هو حكم من لم يعلم أنه أتى بالتسبيحات الأربع ثلاث مرات أو أكثر أو أقل في الركعة الثالثة والرابعة من صلاته؟
ج: المرة الواحدة تكفي أيضا ولا شيء عليه، وما لم يركع فإنه يستطيع البناء على الأقل في التسبيحات ويكررها حتى يحصل له اليقين بأنه قالها ثلاث مرات.

س: ما المراد بالذكر؟ وهل يشمل الصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله وسلم؟
ج: كل عبارة تتضمن ذكر الله عزّ اسمه تعد ذكرا، والصلاة على محمد وآل محمد (عليهم صلوات الله) من أفضل الأذكار.
 
 
 
91

 
 

83

الدرس العاشر: آداب القراءة في الصلاة

س: في صلاة "الوتر" – وهي ركعة واحدة - عندما نرفع أيدينا في القنوت ونطلب حاجاتنا من الله تعالى، فهل يوجد إشكال لو ذكرنا حاجاتنا باللغة الفارسية؟
 
ج: لا إشكال في الدعاء في القنوت باللغة الفارسية،بل لا مانع من مطلق الدعاء في القنوت بغير اللغة العربية وبأي لغة كانت1.


1- أجوبة الاستفتاءات، م.س، ص140.
 
 
 
92
 

 


84

الدرس العاشر: آداب القراءة في الصلاة

خلاصة الدرس
للقراءة مراتب منها:
1- الاهتمام بنطق الألفاظ بشكل صحيح.
2- الاعتقاد بأن القراءة ليست فقط ألفاظا إنما هي فوق ذلك تذكراً لله وتحميداً وثناء عليه.

آداب العبودية في القراءة على أركان:
1- التذكر.
2- التحميد.
3- التعظيم.
4- التقديس.

- من آداب التكبير قبل الركوع:
استحضار عظمة الله بحسبه، لأن عظمة الله لا تدرك بعقولنا وحواسنا القاصرة.
- من آداب الركوع: ما ذكره الصادق عليه السلام، ومما ذكره: "فاركع ركوع خاضع لله بقلبه متذلل وجل تحت سلطانه... فإن الله تعالى يرفع عباده بقدر تواضعهم له...".
- القنوت يعني قطع اليد عن غير الله والاقبال التام عليه.
 
أسئلة حول الدرس
1- ما هي مراتب القراءة؟
2- ما الذي يساعد على التذكر؟
3- ما معنى رفع اليدين قبل الركوع؟
4- ما معنى التسبيح في الركوع؟
5- أذكر آداب القنوت باختصار.
 
للحفظ 
عن الإمام الصادق عليه السلام: "يا بن آدم اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي، يا بن آدم أذكرني في خلاء أذكرك في خلاء, يا بن آدم أذكرني في ملأ أذكرك في ملأ خير من ملئك".
 
 
 
93
 
 
 

85

الدرس العاشر: آداب القراءة في الصلاة

للمطالعة
يروي السيد ابن طاووس عن الزهري قال: "دخلت مع علي بن الحسين عليه السلام على عبد الملك من مروان قال: فاستعظم عبد الملك ما رأى من أثر السجود بين عيني علي بن الحسين عليه السلام فقال: يا أبا محمد لقد بان عليك الاجتهاد ولقد سبق لك من الله الحسنى فأنت بضعة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قريب النسب وكبير السبب وإنك لذو فضل عظيم على أهل بيتك وذوي عصرك ولقد أتيت من الفضل والعلم والدين والورع ما لم يؤت أحد مثلك ولا قبلك إلا من مضى من سلفك، وأقبل يثني عليه ويطريه. فقال علي بن الحسين عليه السلام: كل ما ذكرته ووصفته من فضل الله سبحانه وتأييده وتوفيقه، فأين شكره على ما أنعم... كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقف في الصلاة حتى تتورّم قدماه ويظمأ في الصيام حتى يعصب فوه فقيل له يا رسول الله ألم يغفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول صلى الله عليه وآله وسلم: أفلا أكون عبدا شكورا، الحمد لله على ما أولى وله الحمد في الآخرة والأولى، والله لا يشغلني شيء عن شكره وذكره في ليل ولا نهار ولا سرّ ولا علانية ولولا أن لأهلي عليّ حقا ولسائر الناس من خاصّهم وعامّهم عليّ حقوقا لا يسعني إلا القيام بها حسب الوسع والطاقة حتى أؤديها إليهم، لرميت بطرفي إلى السماء وبقلبي إلى الله ثم لم أرددها حتى يقضي الله على نفسي وهو خير الحاكمين... وبكى عليه السلام وبكى عبد الملك".
 
 
 
94
 
 
 

 
 
 

86

الدرس الحادي عشر: سر السجود وآدابه

 يروى عن الصادق عليه السلام: "ما خسر والله من أتى بحقيقة السجود ولو كان في العمر مرّة واحدة وما أفلح من خلا بربه في مثل ذلك الحال تشبيها بمخادع نفسه غافلا لاهيا عمّا أعده الله للساجدين من أنس العاجل وراحة الآجل. ولا بعد عن الله أبدا من أحسن تقرّبه في السجود ولا قرب إليه أبد من أساء أدبه وضيّع حرمته بتعلق قلبه بسواه في حال سجوده فاسجد سجود متواضع لله تعالى ذليل علم أنه خلق من تراب يطؤه الخلق وأنه اتخذك من نطفة يستقذرها كل أحد وكوّن ولم يكن وقد جعل الله معنى السجود سبب التقرب إليه بالقلب والسر والروح فمن قرب منه بعد من غيره، إلا ترى في الظاهر أنه لا يستوي حال السجدة إلا بالتواري عن جميع الأشياء والاحتجاب عن كل ما تراه العيون، كذلك أمر الباطن فمن كان قلبه متعلقا في صلاته بشيء دون الله تعالى فهو قريب من ذلك الشيء بعيد عن حقيقة ما أراد الله منه في صلاته، قال عزّ وجلّ: "مَا جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ"1. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قال الله تعالى: لا اطلع على قلب عبد فاعلم فيه حب الاخلاص لطاعتي لوجهي وابتغاء مرضاتي إلا توليت تقويمه وسياسته ومن اشتغل بغيري فهو من المستهزئين بنفسه ومكتوب اسمه في ديوان الخاسرين"2.

* سرّ السجود:
ترك النفس وغمض العين عمّا سوى الحق تعالى، وفي وضع الرأس على التراب إشارة إلى أن عظمة الله لا ترى وجماله لا يرى إلا إذا عرف الإنسان قدر فقره وذلّته فتواضع لله، فبذلك يرى عزّ الربوبية وجمالها وجلالها... وأدب وضع الرأس على التراس إسقاط أعلى مقامات نفسه عن عينه ورؤيتها أقل من التراب.
 
 
 
95



1- الأحزاب:4.
2- مصباح الشريعة، باب 41، في السجود، ص91.
 

87

الدرس الحادي عشر: سر السجود وآدابه

فالسجود تذكير للأنسان أصله وهو التراب، وبتذكره لأصله يأمل منه أن يترك الاستكبار والعجب.

ووضع رؤساء الاعضاء الظاهرة (الرأس بما يحويه –اليدان- الرجلان) – على أرض الذلة والمسكنة – وتلك الأعضاء هي محال الإدراك، وظهور التحريك والقدرة – علامة التسليم التام وتقديم جميع القوى، فإذا قوي تذكر هذه المعاني في القلب فينفعل القلب بها تدريجيا فتحصل حالة هي حالة الفرار من بالنفس وترك رؤية النفس، وتنيجة هذه الحال حصول حالة الأنس بالله تعالى عبادته.

* آداب التشهّد:
الصلاة تبتدأ بالشهادة وتنتهي بالشهادة، فهي تعني أولية الحق جلّ وعلا وأخريته "هُوَ الأوَّلُ وَالآَخِرُ"، وفيها سرّ عظيم وهو أن سفر السالك من الله وإلى الله كما بدأكم تعودون.

والتشهد في آخر الصلاة يعني تذكر العبد السالك أن حقيقة الصلاة حصول التوحيد الحقيقي.

وفي الشهادة بالرسالة لعلّها إشارة إلى أن مساعدة النبي الخاتم في السلوك إلى الله تعالى لا بدّ منها ليتوفق الإنسان للوصول إلى الله تعالى.

وهنا نذكر ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام في آداب التشهد: "التشهّد ثناء على الله فكن عبدا له في السر خاضعا له في الفعل كما أنك عبد له بالقول والدعوى وصل صدق لسانك بصفاء سرّك فإنه خلقك عبدا وأمرك أن تعبده بقلبك ولسانك وجوارحك وأن تحقق عبوديتك فه بربوبيته لك وتعلم أن نواصي الخلق بيده فليس لهم نفس ولا لحظ إلا بقدرته ومشيئته وهم عاجزون عن أتيان أقل شيء في مملكته إلا بإذنه وإرادته، قال عزّ وجلّ: "وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ"1. فكن عبدا شاكراً بالفعل كما إنك عبد ذاكر بالقول


1- القصص:68.
 
 
 
96
 
 

88

الدرس الحادي عشر: سر السجود وآدابه

 والدعوى وصل صدق لسانك بصفاء سّرك فإنه خلقك فعزّ وجلّ أن تكون إرادة ومشيئة لأحد إلا بسابق إرادته ومشيئته فاستعمل العبودية في الرضا بحكمه وبالعبادة في أداء أوامره، وقد أمرك بالصلاة على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فأوصل صلاته بصلاته وطاعته بطاعته وشهاته بشهادته، وانظر لا يفوتك بركات معرفة حرمته فتحرم فائدة صلاته وأمره بالاستغفار لك والشفاعة فيك إن أتيت بالواجب في الأمر والنهي والسنن والآداب وتعلم جليل مرتبته عند الله عزّ وجلّ"1.

* آداب السلام:
وهنا نذكر ما روي عن الصادق عليه السلام في آداب السلام: "معنى السلام في دبر كل صلاة الأمان أي من أدّى أمر الله وسنّة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم خاشعا منه قلبه فله الأمان من بلاء الدنيا وبراءة من عذاب الآخرة. والسلام اسم من أسماء الله تعالى أودعه خلقه ليستعملوا معناه في المعاملات والأمانات... وتصديق مصاحبتهم فيما بينهم وصحة معاشرتهم، وإذا أردت أن تضع السلام موضعه وتؤدي معناه فلتتق الله وليسلم منك دينك وقلبك وعقلك ولا تدنسها بظلمة المعاصي ولتسلم حفظتك من ألا تبرمهم ولا تملهم وتوحشهم منك بسوء معاملتك معهم ثم صديقك ثم عدوك فإن من لم يسلم منه من هو الأقرب إليه فالأبعد أولى، ومن لا يضع السلام مواضعه هذه فلا سلام ولا تسليم وكان كاذبا في سلامه وإن أفشاه في الخلق"2.

اعلم أن الأدب القلبي للسلام مرتبط بالأدب في جميع الصلاة وإذا لم يحصل له في هذه الصلاة قرب من الله وعروج ولم يخرج من هوى نفسه فلا سلام له، وأيضا إذا لم يخلص من تصرفات الشيطان وتصرفات النفس الأمارة فلا سلام له.

* التعقيب:
وهو من المستحبات المؤّكدة، والتعقيبات الواردة كثيرة، منها التكبيرات الثلاثة الاختتامية.


1- مصباح الشريعة، باب 41، في التشهد، ص93.
2- مصباح الشريعة، باب 43، في السلام، ص95.
 
 
 
97
 
 

89

الدرس الحادي عشر: سر السجود وآدابه

ورفع اليد في التكبيرات هذه لعلّه إشارة إلى طرد صلاته وعباداته لئلا يتطرق العجب ورؤية النفس إلى قلبه.

ومن التعقيبات الشريفة، التسبيحات للصديقة الطاهرة سلام الله عليها التي علّمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتلك المعظمة وهي أفضل التعقيبات.

وفي الحديث: "إنه لو كان شيء أفضل منه لنحله رسول الله فاطمة عليها السلام".

والمعروف في ترتيبها التكبير أربعاً وثلاثين مرة والتحميد ثلاثا وثلاثين مرة والتسبيح ثلاثاً ثلاثين مرة.

والتعقيبات المروية كثيرة مذكورة في كتب الأدعية فلينتخب كل إنسان ما يناسب حاله.
 
 
 
 
98

 
 

90

الدرس الحادي عشر: سر السجود وآدابه

من فقه الاسلام 
س: ما هو حكم السجود والتيمم على الإسمنت أوالبلاط (الموزاييك)؟
ج: لا إشكال في السجود عليهما والتيمم بهما وإن كان الأحوط ترك التيمم بهما.

س: امرأة كانت تسجد على التربة وجبهتها مغطاة بالحجاب، خاصة موضع السجود, فهل يجب عليها إعتادة تلك الصلوات؟
ج: لا يجب الإعادة إذا لم تكن حين السجود ملتفتة إلى وجود حائل.

س: ما هو حكم السجود على حجر المرمر الذي يغطي أرض المشاهد الشريفة؟
ج: السجود على حجر المرمر لا إشكال فيه.

س: ما هو حكم وضع بعض أصابع الرجل بالإضافة إلى الإبهام على الأرض عند السجود؟
ج: لا إشكال فيه.

س: ما هو أفضل ذكر بعد قراءة الذكر الواجب في السجود والركوع؟
ج: تكرار نفس الذكر الواجب على أن يختم بالفرد، ويستحب في السجود وبالإضافة إلى ذلك ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والدعاء لطلب الحاجات الدنيوية والآخروية،

س: ما هو التكليف الشرعي عند سماع آيات السجدة فيما إذا لم يكن القارىء حاضرا وكان الاستماع بواسطة الإذاعة أو جهاز التسجيل؟
ج: يجب السجود في الفرض المذكور1.

س: لو لم يقدر المقاتل المتواجد في الجبهة على قراءة الفاتحة أو السجود أو الركوع لشدّة الاشتباكات فكيف يأتي بصلاته هناك؟
ج: يصلي بالنحو المتيسّر له، وإذا لم يتمكن من الركوع والسجود اكتفى بالايماء والإشارة إليهما2


1- أجوبة الاستفتاءات، م.س، ص142 وما بعدها.
2- م.ن، ص212.
 
 
99
 
 

91

الدرس الحادي عشر: سر السجود وآدابه

خلاصة الدرس
- سر السجود عند أصحاب العرفان، ترك النفس وغمض العين عمّا سوى الله،وفي وضع الرأس على التراب معرفة مبدأ الإنسان الترابي وبذلك ينبغي أن يستشعر الإنسان فقره وذلته أمام الله العظيم.

- من آداب التشهد: في الابتداء بالشهاة في بداية الصلاة والانتهاء بها في آخرها سر عظيم وهو: سفر الإنسان السالك من الله وإلى الله: "كما بدأكم تعودون".

- والشهادة بالرسالة إشارة إلى أنه لا بدّ من مساعدة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للسلوك إلى الله تعالى.

- السلام مرتبط بالأدب في جيمع الصلاة، فمن لم يحقّق غاية الصلاة فلا سلام له.

- التعقيب مستحب ولا ينبغي إهماله، ومن التعقيبات تسبيح الزهراء عليها السلام، ورفع اليد في التكبيرات الاختتامية – التي هي من التعقيبات إشارة إلى أن الإنسان عليه أن لا يعجب بما أتى من صلاة.
 
أسئلة حول الدرس
1- ما هو سر السجود؟ وما هو سر وضع الرأس على التراب؟
2- اذكر آداب التشهد؟
3- بماذا يرتبط السلام؟
4- هل التعقيب منحصر في عمل واحد؟ وهل هو واجب؟
 
للحفظ 
يروى عن الصادق عليه السلام، "... فاسجد سجود متواضع لله تعالى ذليل علم أنه خلق من تراب يطؤه الخلق...".
 
 
 
100
 
 
 
 
 
 

 


92

الدرس الحادي عشر: سر السجود وآدابه

للمطالعة

أسرار صلاة الجنازة:
أما الجنازة فأحضر عند مشاهدتها ووضعها بين يديك ما قد خلقته من الأهل والأولاد، وتركته من الأموال، وقدمت على الله تعالى صفر اليدين من الجميع، لم يصحبها إلا الأعمال الصالحة، وما تاجرته من أعمال الآخرة الرابحة، وتأمّل بهجته كيف قد ذهبت، وجلدته كيف تحوّلت، وعن قريب يمحو التراب صورته، وتأكل الأرض بهجته، وما قد حصل له من يتم أولاده، وترمّل نسائه، وتضييع أمواله، وخلوّ مسجده و مجلسه، وانقطاع آثاره بعد طول أمله وكثرة حيله، وانخداعه... وغفلته عن الدخول في هذا التراب، والقدوم على ما سطر عليه في الكتاب، وركونه إلى القوّة والشباب، واشتغاله عمّا بين يديه من الموت الذريع، والهلاك السريع، وكيف كان يتردد ويشيّع غيره من الأموات،والآن قد تهدّمت رجلاه ومفاصله، وكيف كان ينطق وقد فسد لسانه، وكيف كان يضحك وقد تغيّرت أسنانه، وكيف كان يدبّر لنفسه ما لا يحتاج إليه إلى عشر سنين في وقت لم يكن بينه وبن الموت إلا شهرا أو أقل، وهو غافل عما يراد به، حتى جاءه الموت فجأة في وقت لم يحتسبه فيه، فقرع سمعه نداء الجبّار إما الجنة أو النار، ولينظر في نفسه أنه الآن مثله في غفلته، وستكون عاقبته كعاقبته، فلينهض حينئذ إلى الاستعداد، وليشتغل باكثارالزاد، فإن المسافة بعيدة، والعقبة كؤود (شاقة)، والخطر شديد، والندامة بعد الموت غير نافعة، فهذا الفكر وأمثاله يحصّل قصر الأمل, والاستعداد بصالح العمل1...
 

1- أسرار الصلاة، الشهيد الثاني، ص211.
 
 
101

93

الدرس الثاني عشر: الموانع المعنوية للصلاة

 كما أن هناك آداب للصلاة، يوجد أيضا موانع معنوية للصلاة من قبيل الرياء والعجب وأمثالها، وسنذكر في هذا الدرس الرياء والعجب فيما يخص العبادة، حيث انهما قد يشملان غير العبادة، ونبدأ بالرياء.

* الرياء:
الرياء في العبادات: أن يأتي بالأعمال والعبادات الشرعية بهدف مراءاة الناس وجلب القلوب، سواء أن يأتي بالعمل نفسه بقصد الرياء أو بكيفيته، أو شرطه أو جزئه بقصد الرياء على الشكل المذكور في الكتب الفقهية.

دقّة أمر الرياء: كثيرا ما يتفق أن يكون الشخص المرائي نفسه غافلا عن كون الرياء قد تسرب إلى أعماله، وهو يحسب نفسه مخلصا، وهنا أمثلة على دقّة الرياء:

1- في صلاة الجماعة، وهي إحدى العبادات العظيمة في الإسلام، وفضل إمامتها أعظم، فمن الممكن أن يدخل الرياء إلى إمام الجماعة للحصول على المنزلة في قلوب الناس، مثلا: يرى إمام الجماعة أن أحد المشهورين بالتقوى قد حضر إلى صلاة جماعته، ولأجل جذب قلبه، يكثر من خضوعه وخشوعه، ويحاول إفهام الناس أن هذا التقي يأتم به ليحترموه أكثر، ثم هو أيضا يقابله بالود والحب في قلبه لأجل حضوره في صلاة جماعته.

2- أيضاً في صلاة الجماعة، حيث أن الشيطان لا يكتفي بإمام الجماعة بل يدخل إلى صفوف المصلّين المؤمنين، فحيث أن فضيلة الصف الأول أعظم من سائر الصفوف، وأن جانب يمين الإمام أكثر فضلا من جانب يساره، يأتي المصلي إلى الصف الأول ويمين الإمام ليتباهى على الناس بهذه الفضيلة.

وأحياناً قد يرى رجل محترم خصوصاً إن كان من أهل الفضل والعلم فيث الصف الأخير، وكأنه يريد أن يقول للحاضرين: إني بمقامي هذا قد أعرضت عن الدنيا وليس لدي هوى في النفس، فقد جئت وجلست في الصف الأخير.
 
 
 
 
 
103

 

 
 
 
 
 
 

94

الدرس الثاني عشر: الموانع المعنوية للصلاة

3- ولا يكتفي الشيطان بالإمام والمأموم، بل يأخذ بزمام بعض المصلين المنفردين عن الجماعة، في زاوية المسجد، حيث يفرش سجادته منفرداً، ويصلي في حضور الناس ويطيل السجود والركوع والأذكار الطويلة، هذا الإنسان وكأنه يريد أن يقول لناس: "إنني متديّن ومحتاط إلى الدرجة التي أترك معها صلاة الجماعة لئلا أبتلى بإمام غير عادل".

4- مثلا آخر: بعض الناس يتحدّثون عن صلاة الليل أو يكثرون السؤال عن مسائل صلاة الليل، فهنا هل هذا يريد أن يتفّهم أحكام صلاة الليل أو تعلّمها قربة إلى الله، أو يريد أن يوحي إلى الناس بأنه من أهل صلاة الليل؟

5- أو مثلاً البعض يعطي الصدقة في الخفاء، ولكن يحاول جهده أن يظهر للناس أنه تصدّق خفاء, ليرى الناس فضيلته مضاعفة، أي الصدقة وفي الخفاء.

* علامات الرياء:
عن أبي عبد الله عليه السلام: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "ثلاث علامات اللمرائي ينشط إذا رأى الناس ويكسل إذا كان وحده، وحب أن يحمد ي جميع أموره"1.

الإنسان المرائي من علاماته أنه يشاهد في نفسه عزوفا عن الطاعات عندما يكون وحده، وإذا تعبّد فمع كلفة أو من منطلق العادة من دون إقبال وتوجه وخشوع، ولكن عندما يحضر في المساجد وفي المحافل العامة يؤدي تلك العبادة في الظاهر بنشاط وسرور وخشوع ويميل إلى إطالة السجود والركوع، ويؤدي المستحبات أداءا حسنا مع توفير كافة أجزائها وشروطها.

إن الإتيان بالمستحبات في الخلوات مستحب، فلماذا ترغب النفس دائما في أن تؤديها في العلن؟ إنه يبكي من خوف الله في المحافل العامة ولكنه في الخلوات لا تندى له عين، تسمع له في ليالي القدر وفي جموع الناس الحسرات والنحيب والبكاء، يصلّي مائة ركعة ويقرأ دعاء الجوشن الكبير والصغير وعدّة أجزاء من القرآن العظيم دون أن يتعب.


1- أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الرياء، ح8.
 
 
 
104
 
 

95

الدرس الثاني عشر: الموانع المعنوية للصلاة

ثم تراه يرغب في أن يمدحه الناس على كل عمل عمله، فتجد أذنه متوجهة إلى السن الناس وقلبه عندهم، لكي يسمع من يمدحه، بقوله: ما أشدّ تدّين والتزام هذا الإنسان، إلى آخر لائحة المديح.

* علاج الرياء:
إن للرياء علاج علمي وهو بأن تعلم بأن الله تعالى هو مالك القلوب والمتصرف فيها، فرؤياك إذا كان لأجل جذب قلوب العباد، ولفت نظرهم فإن ذلك خارج عن تصرفّك، وهو تحت تصرف الله، وقدرأينا وسمعنا أن أشخاصا متملقين قد افتضحوا في نهاية الأمر.

في الحديث عن أبي عبدا لله عليه السلام: في قول الله عزّ وجلّ: "فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً"1.

قال عليه السلام: "الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه الله، إنما يطلب تزكية الناس، يشتهي أن يسمع به الناس، فهذا الذي أشرك بعبادة ربه". ثم قال: "ما من عبد أسرّ خيرا فذهبت الأيام أبدا حتى يظهر الله له شراً"2.

ثم تعلم أنه لافائدة تجنبها من حب الناس الضعاف لك، أون بغضهم، وهم لا يملكون شيئا من دون الله تعالى، وحتى لو كانت له فائدة، فإنما هي فائدة تافهة ولأيام معدودات، ومن الممكن أن يجعل هذا الحب عاقبة عمل الإنسان إلى الرياء، وأن يجعل الإنسان مشركاً ومنافقاً وكافراً، وأنه إذا لم فتضح في هذا العالم، فسيفتضح هناك في العالم الآخر يوم يقول الكافر "يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً"3.

وهنا ننهي كلامنا عن الرياء في العبادة بهذا الحديث الشريف عن أبي عبد الله عليه السلام: "كلّ رياء شرك، أنه من عمل للنّاس, كان ثوابه على الناس، من عم لله, كان ثوابه على الله"4.


1- الكهف:111.
2- أصول الكافي، المجلد الثاني، باب الرياء، ح4.
3- النبأ:40.
4- أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب الرياء، ح3.
 
 
 
105
 
 

96

الدرس الثاني عشر: الموانع المعنوية للصلاة

* العجب:
وهو عبارة عن "تعظيم العمل الصالح واستكثاره والسرور والابتهاج به والتغنج والدلال بواسطته، واعتبار الإنسان نفسه غير مقصّر".
 
وأما السرور بالعمل مع التواضع والخضوع لله تعالى وشكره على هذا التوفيق وطلب المزيد منه، فإنه ليس بعجب وهو أمر ممدوح.

- مراتب العجب ومفاسده: وللعجب مراتب:
المرتبة الأولى: المنّة على الله وعلى الناس بسبب أعماله الصالحة وعباداته.
المرتبة الثانية: التدلّل على الله، بحيث يرى نفسه محبوبا لله وأنه في سلك المقرّبين.
المرتبة الثالثة: يرى نفسه دائنا لله، وأنه بأفعاله الحسنة وعباداته مستحقا للثواب.
المرتبة الرابعة: يرى أنه هو أفضل من سائر الناس إيمانا وعملا وإخلاصاً.

أما مفاسد العجب فكثيرة منها: استصغار المعاصي، واعتماد المعجب على نفسه في أعماله، ولا يلاحظ فضل الله تعالى عليه، وينظر إلى الناس باحتقار، فيتكبر عليهم.

-أساس العجب:
إن رذيلة العجب تنشأ من حبّ النفس، لأن الإنسان مفطور على حبّ الذات، فيكون أساس جميع الأخطاء والمعاصي والرذائل الأخلاقية، حب النفس. ولهذا فإن الإنسان يرى أعماله الصغيرة كبيرة، وبذلك يرى نفسه من الصالحين بل من خاصّة الله ويرى نفسه مستحقا للمدح والثناء.

وهنا ننهي كلامنا عن العجب بأحاديث من هداة الدرب عليهم السلام.

عن أمير المؤمنين عليه السلام: "من دخله العجب هلك"1.

وعنه عليه السلام: "لا وحدة أوحش من العجب"2.

وعن الصادق عليه السلام: "إن الشيطان يقول: إذا ظفرت بابن آدم في ثلاث فلا يهمّني عمله بعد ذلك، لأنه لن يقبل منه, إذا استكثرعمله، ونسي ذنبه، وتسرّب إليه العجب"3.


1- وسائل الشيعة، المجلد الأول، الباب 3 من أبواب مقدمة العبادات، ح18.
2- أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب الإيمان والكفر، باب العجب، ح8.
3- خصال الصدوق، باب الثلاثة، ح86.
 
 
 
107
 

97

الدرس الثاني عشر: الموانع المعنوية للصلاة

خلاصة الدرس
- من الموانع المعنوية للصلاة الرياء والعجب، والرياء: أن يأتي بالأعمال والعبادات الشرعية بهدف مراءاة الناس وجلب قلوبهم...

وأمر الرياء دقيق خفي ينبغي الانتباه لعدم الوقوع فيه، وأعطينا أمثلة على ذلك.

- من علامات الرياء، أن المرائي يكسل إذا كان وحده، وينشط إذا كان في الناس، ويحب أن يمدح.

- العلاج العلمي للرياء أن تعرف قيمة الناس الحقيقية وأنه لايضرك بغضهم ولا يفيدك حبهم، ثم اعلم أن الله هو مقلّب وهو مالكها، فربّ إنسان تريد أن يحبك ولكنك عبثا تفعل فهو يظل على بغضه لك.

- العجب: تعظيم العمل الصالح واستكثاره، وله مراتب.

- أساس العجب حب النفس.

أسئلة حول الدرس
1- ما هي الموانع المعنوية للصلاة؟ وعرّفها؟
2- ما هي علامات المراءي؟
3- كيف تعالج الرياء علمياً؟
4- ما هو أساس العجب؟
 
للحفظ 
عن علي عليه السلام: "من دخله العجب هلك".

وعنه عليه السلام: "العجب يمنع الازدياد".  
 
 
 
 
108

 


98

الدرس الثاني عشر: الموانع المعنوية للصلاة

للمطالعة
 
ينهي الإمام الخميني قدس سره كتابه الآداب المعنوية بهذا الدعاء:
إلهنا أنت الذي ألبستنا نحن العبيد الضعفاء لباس والوجود بالتفضّل والعناية ومحض الرحمة والكرامة من دون أن تسبقنا خدمة وطاعة أوتحتاج إلى عبودية وعبادة.

وشرّفتنا بأنواع النعم الروحانية والجسمانية وأصناف الرحمات الباطنية والظاهرية من دون أن يتطّرق من عدمنا خلل في قدرتك وقوّتك أو أن يزيد وجودنا شيئا على عظمتك وأغرقتنا في بحار رحمتك ونوّرتنا بأنوار الجمال، فاجبر أيضا نقائصنا وخطيئاتنا ويذنوبنا وتقصيراتنا بنورالتوفيق الباطني، والمساعدة والهداية السرية، واخلص قلوبنا التي هي كلها تعلّق من التعلّقات الدنيوية وزيّنها بالتعلّق بعز القدس.

... إلهي إن كنت غير مستأهل لرحمتك فأنت أهل أن تجود علي بفضل سعتك.

إلهي قد سترت عليّ ذنوبا في الدنيا وأنا أحوج إلى سترها عليّ منك في الآخر...

إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة.
 
 
 
 
 
109
 
 
 
 
 

99
دروس من الآداب المعنوية للصلاة