الأسرة حقوق وآداب


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-06

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


الوالدان

 قال سبحانه:
 
"وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا". الأحقاف/15       
 
أ-  الوصية بالوالدين
 
لقد جاء الاهتمام القراني معبّراً عن المرتبة السامية للوالدين، ومؤكداً في كثير من اياته على التعامل معهما بالبر والإحسان "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا"1، ولم يوصي اللَّه الوالد بأبنائه كما أوصاهم به، ذلك أن الأب يرى أن ولده بضعة منه يحرص على سعادته ولو بحرمان نفسه ويؤثره عليه لو بمكابدة الصعاب ولأن الابن بعض الأب كما جاء عن أمير المؤمنين  عليه السلام  مخاطباً ولده الحسن  عليه السلام: "ووجدتك بعضي بل وجدتك كلي، حتى كأن شيئاً لو أصابك أصابني وكأن الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي"2، أما الولد فهو بحاجة إلى الوصية المكررة ليلتفت الجيل

1- الأحقاف/15.
2- نهج البلاغة، ج‏3، ص‏38.
 
5
 

1

الوالدان

الذاهب في معارج الحياة، بعدما سكب عصارة عمره وروحه أن يعوّض الوالدين بعض ما بذلاه ولو وقف عمره عليهما وخصوصاً الأم حيث يقول النبي‏ صلى الله عليه وآله: "بر الوالدة على الوالد ضعفان".
 
ب-  حقوق الوالدين
 
1-  حق الأب:
 
قد أفاض أهل البيت  عليهم السلام  في بيان حقوق الأبوين ووجوب شكرهم وطاعتهم إلا فيما يغضب اللَّه سبحانه إذ لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق ومما جاء في رسالة الحقوق: "وحق أبيك أن تعلم أنه أصلك، وإنه لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك  فيه فاحمد اللَّه واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلى باللَّه"1.
 
2-  حق الأم:
 
ومما قاله  عليه السلام  في حق الأم: "فحق أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحداً، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحداً وأنها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها مستبشرة فرحة، محتملة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمها، حتى دفعتها عنك يد القدرة وأخرجتك إلى الأرض، فرضيت أن تشبع وتجوع هي، وتكسوك وتعرى وترويك وتظمى وتظلّك وتضحى، وتنعمك ببؤسها وتلذذك بالنوم بأرقها وكان بطنها لك وعاء

1- رسالة الحقوق.
 
6
 

 


2

الوالدان

وحجرها لك حواء، وثديها لك سقاء، ونفسها لك وقاء تباشر حر الدنيا وبردها لك ودونك"1..
 
إن هذا البيان ليترك الأثر البليغ في النفس الإنسانية مما لا يحوجنا إلى التعليق عليه والتذييل.
 
يقول الشاعر:
 
لأمك حق لو علمت كبيرُ           كثيرك يا هذا لديه يسيرُ
فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي     لها من جراحها أنة وزفيرُ
وفي الوضع لو تدري عليها شقة   فمن غصص كاد الفؤاد يطيرُ
 
ج-  بين الحقوق والواجبات
 
قد يفرض المنطق  أن من له حق على أحد ما إنما يثبت له من حقه بقدر ما يؤدي إلى الطرف الاخر من حقوق ويقوم له بما عليه من واجبات وهذا المنطق لا يجوز تطبيقه على العلاقة مع الأبوين بحال ونحن إذا عرفنا ما لهما من حقوق لا بد من بيان ما علينا من واجبات مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لو افترضنا أن الأبوين تعدّيا وقصّرا في واجبك فإن حقهما عليك طبيعي لا يسقطه شي‏ء، وكبير لا يعادله شي‏ء، فلقد تحملا الضيق والشدة لتكون في سعة، والذل والهوان من أجل سعادتك، وكم رأينا البعض من الاباء يجرؤون على ارتكاب الحرام من أجل أبنائهم؟!

1- رسالة الحقوق.
 
 

7
 

 


3

الوالدان

د-  الواجبات
 
 أولاً  الحب: وهو عاطفة فطرية أوجدتها القدرة الربانية في قلب الولد يجب تنميتها، وكلما ازداد إدراك المرء وشعوره بذلك كان كاشفاً عن نموّه.
 
 ثانياً  الشكر: وهو أن يكون أداؤه حق الشكر بلا منّ ولا ضجر، بل بالعطف والصبر، لأن أداء هذا لا يعادل شيئاً مما قاما به والمراد به البرّ بهما لا حسن القول معهما فقط كما هو بيّن في قوله سبحانه: "وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغير"1.
 
وعن النبي  صلى الله عليه وآله: " بر الوالدين أفضل من الصلاة والصدقة والصوم والحج والعمرة والجهاد في سبيل اللَّه"وللبرّ بهما اثار يأتي بيانها إن شاء اللَّه.
 
 ثالثاً  الطاعة: وهي مقرونة بطاعة اللَّه سبحانه وفي الحديث عن النبي  صلى الله عليه وآله: "رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد"3، ودليل على إخلاصه وحبه لهما في السرّ والعلانية.
 
 رابعاً  الاحترام: وإنما يكون ذلك حاكياً عما في الضمير والسريرة لهما من الشأن والمكانة بطريق الفعل والدعاء وغيرهما ويكفيك ما جاء

1-  سورة الإسراء، الايتان/23-24
2- شرح رسالة الحقوق، ص‏505، ج‏1.
3- شرح رسالة الحقوق، ص‏494، ج‏1.
 
8
 

4

الوالدان

عن الصديقة الطاهرة  عليها السلام: "ما استطعت أن أكلم رسول اللَّه  صلى الله عليه وآله  من هيبته"مع أنها أحب الخلق إليه وروحه التي بين جنبيه.
 
وفي الصحيفة السجادية(اللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف وأبرهما بر الأم الرؤوف واجعل طاعتي لوالدي وبري بهما أقرّ لعيني من رقدة الوسنان واثلج لصدري من شربة الظمان...)2.
 
وبهذا يتضح واجب الدعاء لهما.
 
هـ - آثار البر بالوالدين
 
1-  طول العمر:
 
عن الباقر  عليه السلام: "بر الوالدين وصلة الرحام يزيدان في الأجل"3.
 
2-  زيادة الرزق:
 
عن النبي  صلى الله عليه وآله: "إن أهل بيت ليكونون بررة فتنمو أموالهم وإنهم لفجار"4.
 
3-  كفارة للذنب:
 
جاء رجل إلى النبي  صلى الله عليه وآله  فقال: يا رسول اللَّه ما من عمل قبيح إلا قد عملته فهل لي من توبة؟ فقال رسول اللَّه  صلى الله عليه وآله: "فهل من والديك أحد حي"؟ قال: أبي قال: فاذهب فبرّه 5...
 
4-  جنة يوم الحساب:
 
عن إبراهيم بن شعيب قال: قلت لأبي عبد اللَّه  عليه السلام: إن أبي قد

1- م. ن، ص‏497.
2- الصحيفة السجادية.
3- البحار، ج‏71، ص‏83.
4- بحار الأنوار، ج‏71، ص‏82.
5- مستدرك الوسائل، ج‏15، ص‏180.
 
9
 

5

الوالدان

  كبر جداً وضعف، فنحن نحمله إذا أراد حاجة فقال  عليه السلام: "إن استطعت أن تلي ذلك منه فافعل ولقّمه بيدك فإنه جنة لك غد"1.
 
5-  تحت ظلّ العرش:
 
رأى موسى بن عمران  عليه السلام  رجلاً تحت ظلّ العرش فقال: "يا رب من هذا الذي أدنيته حتى جعلته تحت ظل العرش فقال اللَّه تبارك وتعالى: يا موسى هذا لم يكن يعق والديه..."2.

1- الكافي، ج‏2، ص‏162.
2- البحار، ج‏13، ص‏353.
 
10
 

6

الاولاد

 قال اللَّه تعالى:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا". التحريم/6 

اعتنى الإسلام بتربية الأبناء عناية فائقة، وألقى على عاتق الأهل ما سيكون عليه الولد في مسلكه الدنيوي ومصيره الأخروي إن هم قصروا في تربيته وإعداده.

وقد ذكر العلماء أن شخصية الولد تتأثر في نموها بعوامل ثلاثة وهي: الوراثة، والبيئة والتربية.

أ- العوامل الثلاثة لشخصية الولد

أولاً: عامل الوراثة

من الحقائق العلمية المعترف بها اليوم أن الأبناء يرثون من ابائهم بالإضافة إلى الخصائص البدنية من شكل ولون الخصائص النفسية والعقلية.

وهذا يعني أن مسؤولية الاباء عن أبنائهم تبدأ في مرحلة سابقة 
 
11
 

7

الاولاد

 على ولادتهم، فما يتمتع به الاباء من أخلاق ومعتقدات في تلك المرحلة له تأثير على ما سيكون عليه الأبناء في تكوينهم النفسي والعقلي فضلاً عن الجسدي، سلباً أو إيجاباً.
 
وقد أطلق العلماء على الوسائل الناقلة للموروثات اسم "الجينات"، فيما عبرت عنه النصوص الشرعية باسم "العرق"، فقد جاء عن النبي‏ صلى الله عليه وآله أنه قال: "انظر في أي شي‏ء تضع ولدك فإن العرق دساس"، ومعنى كلمة "دساس" هو أن أخلاق الاباء تنتقل إلى الأبناء على ما ذكر في المعجم.
 
وهذا العامل الوراثي يساهم من خلال ما يحمله من معتقدات وأخلاق الاباء في سعادة الولد أو شقائه وهو في بطن أمه: "الشقي شقي في بطن أمه والسعيد سعيد في بطن أمه"، وهذا ما أشار إليه القران الكريم في خبر نوح عليه السلام: "وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا"1
 
وهذا يفسر أحد أسباب تشديد النصوص الشرعية على مراعاة الموازين والمعايير الإيمانية والأخلاقية في اختيار الزوج والزوجة: "تخيروا لنطفكم فإن الخال أحد الضجيعين"، وعلى الرغم من أهمية العامل الوراثي وخطورته إلا أن ما يرثه الإنسان لا يصل إلى حد الإجبار والإلجاء، على السلوك بمقتضاه، بل إن الإنسان يستطيع أن يعيد تنظيم شخصيته من خلال العقل والإرادة.

1-  نوح:26-27.
 
12

 

8

الاولاد

 ثانياً: عامل البيئة

 

 
تترك البيئة التي يعيش فيها الإنسان تأثيراً كبيراً على شخصية الطفل، فهو يتشرب من عائلته ومدرسته ومجتمعه الأعراف والقيم والعقائد ونظام حياته، مما يسهم في تكوين شخصيته.
 
وقد حث الإسلام على تربية الأبناء على القيم الفضلى من خلال توفير المناخ البيئي الأمثل والذي تسود فيه قيم العدل والحق والمساواة وتزول فيه قيم الظلم والباطل والأنانية.
 
وقد قام علم الإجتماع على حقيقة أن الحياة الإجتماعية هي حياة تأثر وتأثير وتفاعل متبادل بين أبناء المجتمع، وأن الأصدقاء والزملاء والأقارب والجيران.. يساهمون مع الأهل في بناء وتكوين شخصية الطفل إلى حد كبير.
 
ولذلك وردت التوصيات في هذا المجال مؤكدة على مصاحبة الأخيار ومخالطة أهل الفضل والدين، ومجالسة العلماء وغير ذلك.
 
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "قارن أهل الخير تكن منهم وباين أهل الشر تبن عنهم"1.
 
ويقول عليه السلام أيضاً: "خير من صاحبت ذوو العلم والحلم"2.
 
وقال لقمان لابنه: "يا بني.. جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن اللّه عز وجل يحيى القلوب بنور الحكمة كما يحي الأرض بوابل السماء"3.
 
قال عيسى بن مريم عليه السلام للحواريين: "تحببوا إلى اللَّه وتقربوا

1-  نهج البلاغة، ج‏3، ص‏52.
2- عيون الحكم والمواعظ، ص‏238.
3- بحار الأنوار، ج‏1، ص‏204.
 
13
 

9

الاولاد

 إليه، قالوا: يا روح اللّه بماذا نتحبب إلى اللّه ونتقرب، قال: ببغض أهل المعاصي والتمسوا رضا اللّه بسخطهم، قالوا: يا روح اللّه من نجالس إذاً؟ قال: من يذكركم اللّه رؤيته، ويزيد في عملكم منطقه، ويرغبكم في الاخرة عمله"1.
 
وقد بينت الأحاديث المتضافرة شروط من تنبغي معاشرتهم ومن لا ينبغي.
 
ثالثاً: عامل التربية
 
التربية هي عبارة عن إعداد الطفل بدنياً وعقلياً وروحياً، وقد أوصى الإسلام بالعناية بالأهل وتربية الأبناء على الأسس الصحيحة والسليمة، قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ "2.
 
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه لما نزلت الاية السابقة قال الناس: كيف نقي أنفسنا وأهلنا؟ قال: "اعملوا الخير وذكروا به أهليكم وأدبوهم على طاعة اللَّه"3.
 
وروي عن الإمام علي عليه السلام أيضاً في تفسير الاية: "علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم"4.
 
ب- حقوق الولد في جوانبها الثلاثة
 
في رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام: "وأما حق ولدك فتعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره

1-  بحار الأنوار، ج‏74، ص‏147.
2- سورة التحريم/6.
3- ميزان الحكمة، ج‏1، ص‏56.
4- نفس المصدر.
 
14
 
 

10

الاولاد

 وشره وأنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب والدلالة على ربه والمعونة له على طاعته فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه"1.
 
وفي رواية: "خير ما ورّث الاباء الأبناء الأدب"2.
 
1- الجانب التكويني:
 
وتبدأ مسؤولية الأب من حين اختيار الزوجة المناسبة وهو عامل تكويني للولد خارج عن الجانب التربوي.
 
وعنه صلى الله عليه وآله: "تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء، وأنكحوا إليهم"3.
 
وعنه صلى الله عليه وآله: "تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن أشباه إخوانهن وأخواتهن"4.
 
2- الجانب الاقتصادي:
 
وتمتد مسؤولية الأب إلى تأمين حاجات الأبناء الاقتصادية ومراعاة ما ينبغي رعايته في نفقة العيال، فعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "إن أرضاكم عند اللَّه أسبغكم على عياله"5.
 
وعن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "إن المؤمن يأخذ بأدب اللَّه إذا وسّع اللَّه عليه اتسع وإذا أمسك عليه أمسك"6.
 
وعنه صلى الله عليه وآله: "من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم محاويج، وليبدأ بالإناث قبل الذكور..."7.
 
وهنا نجده صلى الله عليه وآله يبيّن كيفية التوزيع بينهم وأين محل الابتداء.

1- تحف العقول، ص‏263،(أنظر الحاشية)
2- ميزان الحكمة، ج‏1، ص‏52.
3- ميزان الحكمة، ج‏2، ص‏1183.
4- نفس المصدر.
5- الكافي، ج‏4، ص‏11.
6- نفس المصدر، ص‏12.
7- الامالي للصدوق، ص‏672.
 
15
 

11

الاولاد

 3- الجانب التربوي:
 
ومن الخطأ أن يعتقد الأباء أن مهمتهم تقتصر على تحمل الأعباء الاقتصادية فقط، فيهملون الجوانب التربوية الأخرى من تأديب وتربية ومصاحبة ومراقبة لأبنائهم:
 
في وصية الإمام علي عليه السلام لإبنه الحسن عليه السلام: "إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شي‏ء قبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك"1.
 
وعن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "أكرموا أولادكم وأحسنوا ادابهم يغفر لكم"2.
 
وعن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "من كانت له ابنة فأدبها وأحسن أدبها وعلمها فأحسن تعليمها فأوسع عليها من نعم اللَّه التي أسبغ عليه، كانت له منعة وستراً من النار"3.
 
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "لا يزال المؤمن يورث أهل بيته العلم والأدب الصالح حتى يدخلهم الجنة"4.
 
ج- برنامج التربية
 
لقد كشف القران الكريم عن النموذج الصالح للتربية الحسنة على لسان لقمان الحكيم:
 
"وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ:
 
1- يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ 
 
2-وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي 

1- نهج البلاغة، ج‏3، ص‏40.
2- ميزان الحكمة، ج‏1، ص‏56.
3- نفس المصدر.
4- نفس المصدر.
 
16
 

12

الاولاد

 عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ *  وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ 
 
3- يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ
 
4- يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ 
 
5- وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ
 
6- وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ
 
7- وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ 
 
8- وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ 
 
9- وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ 
 
10- وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ 
 
11- وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ"1.
 
د- مراحل التربية
 
إن لتربية الأولاد مراحل لا يسوغ إقحام ما تطلبه كل مرحلة في الأخرى بل لا بد من القيام بالوظيفة المناسبة على ضوء التقسيم الذي دلّت عليه روايات أهل البيت عليهم السلام فقد جاء عنه عليه السلام: "دع ابنك يلعب سبع سنين، ويؤدب سبعاً، وألزمه نفسك سبع سنين، فإن أفلح، وإلا فإنه من لا خير فيه"2.

1- لقمان:13-19.
2- ميزان الحكمة، ج‏1، ص‏57.
 
17

 

13

الاولاد

 المرحلة الأولى: 1-7 سنوات
 
وهي توجب في مقام التعامل مع الأطفال عدة أمور:
 
أولاً: حبّهم
 
وهو ما ينبغي إظهاره من خلال تقبيلهم فعن النبي صلى الله عليه وآله: "أكثروا من قبلة أولادكم، فإن لكم بكل قبلة درجة في الجنة مسيرة خمسمائة عام1 أو مصارحتهم بخطاب المحبة أو المسح على رؤوسهم"
 
فقد ورد أن صلى الله عليه وآله: "إذا أصبح مسح على رؤوس ولده وولد ولده"2.
 
ثانيا:ً الصبر عليهم
 
ويشمل ذلك بالتأكيد الحالات الخاصة من المرض والبكاء والتضجر والشكوى فقد جاء عن صلى الله عليه وآله: "لا تضربوا أطفالكم على بكائهم فإن بكاءهم أربعة أشهر شهادة أن لا إله إلا اللَّه وأربعة أشهر الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله واله عليهم السلام وأربعة أشهر الدعاء لوالديه"3.
 
ثالثا:ً ملاعبتهم وملاطفتهم
 
حيث كان النبي صلى الله عليه وآله يمارس ذلك ويحمل الحسن والحسين عليه السلام على ظهره وهو يقول: "نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتم"4.
 
رابعاً: عدم الخلف بالوعد معهم
 
عن أبي الحسن عليه السلام: "إذا وعدتم الصبيان... ففوا لهم فإنهم يرون أنكم الذين ترزقونهم"5.

1- روضة الواعظين، ص‏404.
2- البحار، ج‏102، ص‏99.
3- الوسائل، ج‏15، ص‏171.
4- البحار، ج‏43، ص‏285.
5- مستدرك الوسائل، ج‏15، ص‏202.
 
18
 

14

الاولاد

 خامساً: المساواة بينهم
 
وذلك في الجنس الواحد أو الجنسين، ورد عن النبي صلى الله عليه وآله: "من كان له أنثى فلم يبدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها أدخله اللَّه الجنة"1.
 
المرحلة الثانية: 7-14 سنة
 
وهي تفرض أيضاً جملة من الواجبات.
 
أولا:ً تعليمهم
 
وهو ما يشمل الكتابة والقران الكريم والعقائد الصحيحة والأحكام الشرعية والصلاة وبعض الفنون والمهارات كالسباحة والرماية ودلّ على ذلك كله جملة من النصوص بالتفصيل2.
 
يجمعها قوله صلى الله عليه وآله: "لئن يؤدب الرجل ولده خير له من أن يتصدّق كل يوم بنصف صاع"3.
 
ومن كلمات الإمام الخميني  قدس سره: "إن أشرف عمل في العالم هو تربية الطفل وتزويد المجتمع بإنسان حقيقي4.
 
ثانياً: اختيار البيئة السليمة لهم
 
وهي عبارة عن الوالدين أولاً والمعلّم والمدرسة المناسبين ثانياً وكذلك الزملاء والشخصيات البارزة التي تترك عميق الأثر وأوضح السمات في وجوه حياتهم.
 
فمن كلمات الإمام الخميني  قدس سره بهذا الصدد: "ليكن همّ المعلمين تهذيب أنفسهم حتى يؤثر كلامهم في الاخرين"5.

1- م. ن، ص‏118.
2- راجع مستدرك الوسائل، ج‏15.
3- مستدرك الوسائل، ج‏15، ص‏166.
4- الكلمات القصار، ص‏247.
5- م. ن.
 
19

 

15

الاولاد

 ثالثاً: اللجوء إلى أسلوب الضرب
 إذا انحصر العلاج به وهو محدّد ومبيّن في الرسالات العملية الفقهية بشروطه لكنه اخر الدواء.
 
20
 

16

الزوج

  يقول النبي صلى الله عليه وآله:
 
"ما بني بناء في الإسلام أحبّ إلى اللَّه عزّ وجلّ من التزويج".وسائل الشيعة، ج‏14، ص‏3 
 
أ- البناء الزوجي
 
إن الرؤية الإسلامية النابعة من كتاب اللَّه سبحانه وسنّة النبي واله‏ عليهم السلام واضحة الدلالات في حثها وترغيبها بل في إعطائها للزواج مكانة قلّ نظيرها، راسمة في مبادئها وأعمالها وأهدافها خطوطاً هي الضرورات في عالم الدنيا كما الاخرة حيث لا رهبانية في الإسلام وعلى العكس تماماً مما حاوله الواهمون، ولذلك كان مشروع بناء لمؤسسة عظيمة يديرها الزوج الذي سيصبح أباً، وتعاونه الزوجة التي ستصبح أماً تهز المهد بيمينها وتهز العالم بيسارها. ومدرسة يترعرع في كنفها جيل صالح، تغذيه بالمبادى‏ء والفضائل على أساس التكامل في الأدوار والوظائف الملقاة على عاتق كل من الشريكين في سير حياة هذه العلاقة ضمن قناتها الصحيحة، وحتى يكون ذلك لا بد أن يكون أساس البناء قائماً على التقوى وهو يتمّ مع معرفة كل من
 
 
21

17

الزوج

  الشريكين وحقوقه وضوابط العلاقة بينهما والثواب والعقاب المترتبين على جملة من التصرفات التي كانت ولا تزال موضع تهاون عند الكثيرين.
 
ب- مكانة الزوج
 
يعتبر الزوج رب الأسرة الذي إن يكن حائزاً على مواصفات عالية كما أراده الإسلام كان إنجاحها واستمرارها صنيعه وحليفه وإلا فلا. لذلك تدخل الدين القيّم في تحديدها وأسس الاختيار على ضوئها بغية الإعداد لمجتمع سليم مع الأخذ بعين الاعتبار لموقعه في قوله تعالى: "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ "1 ومن جانب اخر كان لرضاه الأثر الأهم في اخرة المرأة إضافة إلى أولاها حيث روي عن الباقر عليه السلام: "لا شفيع للمرأة أنجح عند ربّها من رضا زوجه"2.
 
ج- أوصاف الزوج
 
وهي تنقسم إلى حميدة وسيئة:
 
القسم الأول: الأوصاف الحميدة
 
الأول: أن يكون تقيّاً.
 
جاء رجل إلى الحسن عليه السلام يستشيره في تزويج ابنته فقال‏ عليه السلام: "زوجها من رجل تقي، فإنه إن أحبّها أكرمها وإن أبغضها لم

1- النساء:34.
2- ميزان الحكمة، ج‏2، ص‏1184.
 
22
 

18

الزوج

  يظلمه"1 وفي هذا الحديث بيان منه عليه السلام للاثار المترتبة على تزويج التقي.
 
الثاني: أن يكون أميناً.
 
وذلك بالإضافة إلى الرضا عن دينه بحيث أنه لا يحيد عن جادة الشرع المقدس، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله: "إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته يخطب إليكم فزوجوه، إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"2.
 
وبهذا أوضح صلى الله عليه وآله لاثار السلبية سواء الفتنة أو الفساد من جراء الامتناع عن تزويجه. والركون إلى موازين أخرى لا يقيم الإسلام لها وزناً.
 
الثالث: أن يكون خلوقاً.
 
كما ورد عن الرضا عليه السلام: "إن خطب إليك رجل رضيت دينه وخلقه فزوّجه، ولا يمنعك فقره وفاقته3، قال اللَّه تعالى: "وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ"4، وقال: "إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ" "5.
 
إنه لمن المؤسف جداً أن تدوّي هذه الدعوات إلى اعتماد المعيار الحق ولا تلقى في الأرجاء إلا ثلّة ممن امتحن اللَّه قلوبهم بالإيمان، حتى راجت دعوة معاكسة أسماها أصحابها(بتأمين المستقبل للفتاة) منعت الكثرين من الانضمام إلى ركب الحياة الزوجية وحالت بينهم وبين أمانيّهم بل أودت بالكثيرين إلى الانحراف.

1- ميزان الحكمة، ج‏2، ص‏1184.
2- نفس المصدر.
3- نفس المصدر.
4- النساء/130.
5- النور/32.
 
23
 

19

الزوج

 القسم الثاني: الأوصاف السيئة
 
الأول: شارب الخمر.
 
حيث جاء عن الرضا عليه السلام: "إياك أن تزوج شارب الخمر فإن زوجته فكأنما قدت إلى الزن"1 ويكفينا ما نشاهده اليوم وما راه السابقون من الخراب الذي يحل بالبيوت التي يكون أربابها كذلك.
 
الثاني: سي‏ء الخلق.
 
فإنه عنصر هدّام وليس عنصراً بناءً ومعه لا تدوم المودّة وقد ورد النهي عن تزويجه حتى وإن كان قريباً ورحماً كما عن أحدهم يقول كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام إن لي ذا قرابة قد خطب إليّ وفي خلقه سوء فقال عليه السلام: "لا تزوّجه إن كان سي‏ء الخلق"2.
 
الثالث: المشكّك والكافر.
 
علّل ذلك في الأحاديث الشريفة بأن الزوجة تأخذ من منهجه وأدبه وقد يستميلها إلى ما هو عليه من الباطل كما ورد في منكري الولاية حيث يؤدي بها ذلك إلى موالاة من ينبغي معاداته ومعاداة من ينبغي موالاته، فهناك تحذير من الحالتين ومما جاء في هذا المضمار ما عن مولانا الصادق عليه السلام: "تزوجوا في الشكّاك ولا تزوجوهم، لأن المرأة تأخذ من أدب الرجل ويقهرها على دينه"3 وعليه كيف يكون الخير مرجواً من هذا السبيل"؟!

1- ميزان الحكمة، ج‏2، ص‏1183.
2- نفس المصدر.
3- نفس المصدر.
 
 
24

20

الزوج

 د- حقوق الزوج
 
أهمية حقّه:
 
لقد بلغ حق الزوج أهمية بالغةً حتى وصف ورتّب في السنّة المباركة وعلى لسان الرسول صلى الله عليه وآله بأنه الحق الأعظم على المرأة يقول صلى الله عليه وآله: "أعظم الناس حقاً على المرأة زوجها وأعظم الناس حقاً على الرجل أمه"1 ولكن يبقى هذا الحق مجملاً وغير واضحٍ ما لم ننتقل إلى حديثه الثاني صلى الله عليه وآله حيث يجيب امرأة سألته ما حق الزوج على المرأة؟
 
قال صلى الله عليه وآله: "أن تجيبه إلى حاجته، وإن كانت على قتبٍ ولا تعطي شيئاً إلا بإذنه، فإن فعلت فعليها الوزر وله الأجر، ولا تبيت ليلة وهو عليها ساخط"2، فالمستفاد من جوابه صلى الله عليه وآله حقوق ثلاثة:
 
الحق الأول: إجابته إلى حاجته التي هي عبارة عن طاعته في أمر العلاقة الخاصة بينهما.
 
الحق الثاني: وهو عبارة عن وجوب الحفاظ على ماله وسائر مختصاته في حال غيابه كما هي مأمورة بذلك في حال حضوره فلا يكون تصرفها مشروعاً وسائغاً إلا بإذنه وطيب نفسه.
 
الحق الثالث: عدم إغضابه.
 
ولعل هذا الحق هو الأكثر انتهاكاً في المجتمع حيث تعمد المرأة إلى إثارة القضايا وبثّ الشجون التي تعكّر صفو العلاقة مع الرجل وتؤدي إلى سخطه وانزعاجه دونما سبب معقول وربما يتم ذلك عبر التعيير

1- نفس المصدر، ص‏1184.
2- الكافي، ج‏5، ص‏508.
 
25
 

21

الزوج

 والانتقاص أو المراء والجدال أو العناد أو الطلبات غير المتكافئة أو الغرور الذي يسوّل لها التعالي عن حدود النقد البنّاء لترفضه دائماً أو تلجأ إلى السباب ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله: "ويل لامرأة أغضبت زوجها، وطوبى لامرأة رضي عنها زوجه"1 وما من شكٍ أن الاغضاب نوع من أنواع الإيذاء المحرّم الذي ورد في حديث النبي صلى الله عليه وآله: "من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل اللَّه صلاتها ولا حسنة من عملها حتى تعينه وترضيه وإن صامت الدهر"2
 
هـ- الاداب مع الزوج
 
هناك جملة من الاداب التي رتّب اللَّه عزّ وجلّ عليها الكثير من الثواب من جراء القيام بها والتي لا يحسن للزوجة التخلي عنها كما لا يجمل من الزوج التخلي عن الاداب التي تكون اتجاهها وهي.
 
أولاً: خدمة الزوج
 
عن النبي صلى الله عليه وآله: "أيما امرأة رفعت من بيت زوجها شيئاً من موضع إلى موضع تريد به صلاحاً إلا نظر اللَّه إليها ومن نظر اللَّه إليه لم يعذبه"3.
 
وعن الباقر عليه السلام: "أيما امرأة خدمت زوجها سبعة أيام أغلق اللَّه عنها سبعة أبواب النار وفتح لها ثمانية أبواب الجنة تدخل من أيها شاءت"4

1- عيون أخبار الرضا، ج‏1، ص‏14.
2- ميزان الحكمة، ج‏2، ص‏1186.
3- نفس المصدر.
4- ميزان الحكمة، ج‏1186 2.
 
 
26

22

الزوج

 ثانياً: الصبر على أذيته
 
عن النبي صلى الله عليه وآله: "من صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها مثل ثواب اسيا بنت مزاحم"1.
 
ثالثاً: إظهار المودة له في القول والفعل
 
رابعاً: إبداء الهيئة الحسنة لها في عينه
 
خامساً: صيانة نفسها عن كل دنس حتى يطمئن قلبه إلى الثقة بها في حال المحبوب والمكروه كما جاء ذلك كله في حديث الصادق‏ عليه السلام2.

1- ميزان الحكمة، ج‏2، ص‏1187.
2- راجع بحار الأنوار، ج‏75، ص‏237.
 
27
 

23

الزوجة

قال اللَّه تعالى:

"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً" الروم/21

أ- فائدة الزواج:

يعتبر الزواج عاملاً لإيجاد السكن والاطمئنان النفسي لدى كل من الرجل والمرأة ولذلك نجد أحدهما ناقصاً دون الاخر وهما في الحقيقة يشكلان وجوداً متكاملاً إذ يستند كل منهما إلى شريكه، فإن المرأة كما يقرّه القران الكريم والعلوم الطبيعية والنفسية هي موطن سكن الرجل واستقراره وهو كذلك بالنسبة إليها، ونلاحظ أن وصف(السكن) استخدم في الكتاب الكريم ضمن الحديث عن خلق نعمة الليل للنوم وعن خلق الأزواج فحال الذي لا زوجة له وحال التي لا زوج لها هو كحال الشخص الذي يفتقد الراحة والنوم وهذا جزء يسير من مدلول الاية المتقدمة على ما للتبادل بين الطرفين الموجب والقابل من نتائج ولذا كان الجعل منه سبحانه مودة ورحمة ليتضح محل الزوجة في هذا التركيب كما اتضح محل الزوج في الدرس الماضي.
 
 
28

24

الزوجة

 ب- مكانة الزوجة:
 
إنها خير فائدة بعد التقوى أن يستفيد الرجل زوجة صالحة تعينه على شؤون دينه ودنياه وهي خير متاعها أيضاً ومن أعظم أسباب السعادة حيث لم يكن دورها مقصوراً في النظرة الإلهية يوماً على العلاقة الخاصة. وإنما هي ركن الأسرة وسيدتها التي تعاون الرجل وتسانده ليصلا معاً إلى الغاية التي أرادها اللَّه لهما ولذلك عبّر عنها النبي صلى الله عليه وآله قائلاً: "ما استفاد المؤمن بعد تقوى اللَّه عزّ وجلّ خيراً له من زوجة صالحة"1.
 
وعن الصادق عليه السلام: "إنما المرأة قلادة فانظر ما تتقلد"2.
 
وهذا بيان لموقعها ودعوة إلى عدم التسرع في الاختيار بل التأني ملياً قبل اتخاذ القرار، فما هي الأسس التي لا بد من الاختيار والاقدام عند توفرها، والفرار والإحجام عند فقدانها؟ إن هذا ما ستعرفه من خلال عرض الأوصاف.
 
ج- أوصاف الزوجة:
 
وهي تنقسم إلى حميدة وسيئة.
 
القسم الأول: الأوصاف الحميدة
 
وهي منحصرة بوصف جامع أنها ذات الدين:
 
وهو الوصف الأهم الذي عليه المدار وبه يحسن الاختيار وتعمر الديار، وإن كان جمع من الناس اعتمدوا على المال والجمال أو الحسب

1- كنز العمال، 44410.
2- معاني الأخبار، 1/144.
 
29
 

25

الزوجة

  والنسب فأخطأوا فيما ذهبوا إليه حيث يقول النبي صلى الله عليه وآله: "تنكح المرأة على أربع خلال: على مالها، وعلى دينها، وعلى جمالها، وعلى حسبها ونسبها، فعليك بذات الدين"1.
 
وعن الباقر عليه السلام: "وعليك بذوات الدين تربت يداك"2 ويأتي هذا انسجاماً مع المهام المطلوبة والوظائف الواجبة عليها وهي لا تؤدّى بسوى الاستقامة مما ذكر من الأوصاف.
 
القسم الثاني: الأوصاف السيئة
 
الإولى: الحمقاء
 
فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله: "إياكم وتزوج الحمقاء، فإن صحبتها ضياع وولدها ضباع"3.
 
ويتجه نظر هذه الوصية والتحذير إلى الجهة التربوية في كلا الشطرين: الأول من ناحية العشرة التي لا تقود الزوج إلى الاهتداء والصلاح بل إلى الضياع والهلاك، والثاني من ناحية رعاية الأطفال الذين تمزج نفوسهم بنفسها ويتخلقون بأخلاقها ولما لم تكن هي بمثابة النور فلم يكن بالإمكان انبعاث الضوء منها باتجاههم، بل ضياعهم في ظلمات جهلها.
 
الثانية: خضراء الدّمن
 
عن النبي صلى الله عليه وآله: "إياكم وخضراء الدمن"، قيل يا رسول اللَّه وما خضراء الدمن؟ قال: "المرأة الحسناء في منبت السوء"4.
 
وهي المرأة التي تكون حسنة المظهر وسيئة الجوهر، أما لو اجتمع 

1- كنز العمال، 44602.
2- وسائل الشيعة، 2/21/14.
3- البحار، 35/237.
4- م. ن، 10/232/103.
 
30
 

 


26

الزوجة

 جمالها مع كمالها وتقواها فهو مرغوب، ولكن الأساس في الاختيار للجوهر وليس للمظهر.
 
فعن النبي صلى الله عليه وآله: "من تزوج امرأة لا يتزوجها إلا لجمالها، لم ير فيها ما يحب"1.
 
وعنه صلى الله عليه وآله: "لا يختار حسن وجه المرأة على حسن دينه"2.
 
الثالثة: ذات المال غير ذات الدّين:
 
وهي التي يرغب بها لأجل امتلاكها ثروة مالية بغية الوصول إلى أهداف دنيوية لا ترتبط ولا تنسجم مع روح العلاقة الزوجية الصحيحة ومصيرها الفشل مع ذهاب المال وهي سبب للشقاوة والتعاسة لأنها قائمة على سوء الاختيار. فعن النبي صلى الله عليه وآله: "ومن تزوجها لمالها لا يتزوجها إلا له وكله اللَّه إليه، فعليكم بذات الدين"3.
 
فأما ذات الدين والمال فلا ضائر منها بل هي سبب للمعاونة..
 
د- حقوق الزوجة:
 
1- الحق الأول: النفقة عليها.
 
حيث يجب على الرجل أن يكفيها من الطعام والشراب واللباس والمسكن وسائر ما هو ضروري في حياتها، فلا يبيت مبطاناً وزوجته جائعة ولا يستأثر بشي‏ء عنها، مريداً بذلك حرمانها.
 
2- الحق الثاني: وصالها.
 
الذي هو عبارة عن حقّها الزوجي في العلاقة معه، فلا يكثر من

1- البحار، 19/235/103.
2- كنز العمال، 44590.
3- البحار، 19/235/103.
 
31
 

27

الزوجة

هجرانها والابتعاد عنها زيادة عن المدة التي حدّدها الشرع المبين وهذا من جملة معاني ستر عورتها.
 
3- الحق الثالث: احترامها.
 
وهو عبارة عن تصديقها والتعامل معها بإحسان فلا يجوز له تهمتها ولا استعمال الألفاظ النابية معها وإن كان غاضباً أو محقاً، وتضمن هذه الحقوق الثلاثة ما عن النبي صلى الله عليه وآله: "حق المرأة على زوجها أن يسد جوعتها، وأن يستر عورتها، ولا يقبّح لها وجها"1.
 
4- الحق الرابع: التجاوز عن عثراتها.
 
حيث من الممكن أن تخطى‏ء المرأة كما الرجل فلا يكون ذلك مدعاة للعنف معها وإلحاق الأذية بها بل يكون لما هو أقرب للتقوى من العفو والرحمة وإقالة العثرة فعن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللَّه‏ عليه السلام: ما حق المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسناً؟ قال‏ عليه السلام: "يشبعها ويكسوها وإن جهلت غفر له" وإلا فإن الوقوف عند كل صغيرة لا يمكن أن تستقر معه العشرة.
 
5- الحق الخامس: استمالة قلبها.
 
وهي تتم بأمور:
 
1- الهيئة الحسنة في عينها والتجمّل لها.
 
2- التوسعة عليها بالنفقة.
 
3- المعاشرة الجميلة.
 
2-   الخطاب المعبّر عن المودّة.

1- م. ن، 30/362/76.
 
32
 

28

الزوجة

 حيث ورد ذلك عنهم عليه السلام وفي خصوص الأمر الرابع قول النبي: "قول الرجل للمرأة إني أحبّك لا يذهب من قلبها أبد"1.
 
هـ - الاداب مع الزوجة:
 
أولاً: إطعامها بيده
 
عن النبي صلى الله عليه وآله: "إن الرجل ليؤجر في رفع اللقمة إلى فيّ امرأته"2.
 
ثانياً: الجلوس معها
 
عن النبي صلى الله عليه وآله: "جلوس المرء عند عياله أحب إلى اللَّه تعالى من اعتكاف في مسجدي هذا"3.
 
ثالثاً: خدمة البيت معها
 
ويكفيك شاهداً ما جرى في بيت علي وفاطمة عليها السلام حيث روي عن علي عليه السلام قوله: "دخل علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وفاطمة عليها السلام جالسة عند القدر وأنا أنقّي العدس، قال: يا أبا الحسن، قلت: لبيّك يا رسول اللَّه، قال: اسمع، وما أقول إلا ما أمر ربي، ما من رجل يعين امرأته في بيتها إلا كان له بكل شعرة على بدنه، عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها، وأعطاه اللَّه من الثواب ما أعطاه اللَّه الصابرين، وداود النبي ويعقوب وعيسى عليهم السلام، يا علي من كان في خدمة عياله في البيت ولم يأنف، كتب اللَّه اسمه في ديوان الشهداء، وكتب اللَّه له بكل يوم وليلة ثواب ألف شهيد، وكتب له بكل قدم ثواب حجة وعمرة، وأعطاه اللَّه تعالى بكل عرق في جسده مدينة في الجنة. يا علي، ساعة في خدمة

1- الكافي، 59/569/5.
2- المحجة البيضاء، 70/3.
3- تنبيه الخواطر، 122/2.
 
33
 

29

الزوجة

 البيت، خير من عبادة ألف سنة، وألف حج، وألف عمرة، وخير من عتق ألف رقبة، وألف غزوة، وألف مريض عاده، وألف جمعة، وألف جنازة، وألف جائع يشبعهم، وألف عار يكسوهم، وألف فرس يوجهه في سبيل اللَّه، وخير له من ألف دينار يتصدق على المساكين، وخير له من أن يقرأ التوراة والانجيل والزبور والفرقان، ومن ألف أسير اشتراها فأعتقها، وخير له من ألف بدنة يعطي للمساكين، ولا يخرج من الدنيا حتى يرى مكانه من الجنة. يا علي، من لم يأنف من خدمة العيال دخل الجنة بغير حساب، يا علي خدمة العيال كفارة للكبائر، ويطفى‏ء غضب الرب، ومهور حور العين، ويزيد في الحسنات والدرجات، يا علي، لا يخدم العيال إلا صديق أو شهيد أو رجل يريد اللَّه به خير الدنيا والاخرة"1.
والحمد لله رب العالمين
 

1- مستدرك الوسائل، ج13، ص42.
 
34
 
 

30
الأسرة حقوق وآداب