الدرس الأول: شهر الجهاد الأكبر
الدرس الأول
شهر الجهاد الأكبر
يقول تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.البقرة/ 183
مقدمة
إن الله تعالى في هذه الاية يتحدث عن غاية ايجاب الصوم التي هي رجاء تحصيل التقوى.
ذلك ان شهر رمضان فرصة أتاحها الله تعالى كي يمارس الإنسان فيها جهاد نفسه ليصلحها ويتزود من مائدة الكرم والرحمة والبركة الإلهية ليصلح ما فسد منه ويتداركه. ففي خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
"... هو شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله".
وأفضل الوسائل لجهاد النفس هو الجوع والعطش فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
"وجاهدوا أنفسكم بالجوع والعطش فإن الأجر في ذلك كأجر
5
1
الدرس الأول: شهر الجهاد الأكبر
المجاهد في سبيل الله وأنه ليس من عمل أحب الى الله من جوع وعطش".
ومن عجيب التشريع والحكمة الإلهية ان مأدبة الله في الشهر الشريف ليست طعاماً، ولا شراباً ماديين وانما هي لذائذ معنوية أهم وأدوم من الأكل والشراب فعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
"اجيعوا أكبادكم واعروا أجسادكم لعل قلوبكم ترى الله عز وجل".
وهذا غاية أي سلوك وجهاد وكد وتعب ونصب.
وتتحقق هذه الفرصة للجهاد الأكبر في هذا الشهر بعدة أمور تشكل عوامل اعانة وتوفيق في مضمار جهاد النفس:
1- شهر رمضان شهر ترويض النفس
فعن الإمام الرضا عليه السلام:
"... وليكون ذلك (الصوم) واعظاً لهم في العاجل ورائضاً لهم على أداء ما كلفهم ودليلاً في الاجل..." فدور الصوم اتاحة فرصة تعويد وترويض النفس على العبادة والطاعة وهو دورة تدريبية لتصبح لديه ملكة العبادة.
2- دورة تدريبية عبادية عامة
إن الإنسان في غير شهر رمضان ربما يدخل مضمار جهاد النفس وحيداً بينما يشكل الشهر الشريف دورة جماعية مع ما في ذلك من عون إلهي لتقوية الدافع عند كل البشر لتحصيل ملكات الخير خصوصاً بالنظر الى ما ورد منها في خطبة الرسول.
6
2
الدرس الأول: شهر الجهاد الأكبر
3- تسكين الشهوات
وفي الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام:
"مع ما فيه من الإنكسار عن الشهوات".
إن الإنسان يحتاج في عملية جهاد نفسه الى أن يقوى عليها مع استعدادها للخضوع فبالصوم تضعف قوى الجسد وتسكن الشهوات فيسهل العمل.
4- التذكير بالآخرة
في رواية عن الإمام الرضا عليه السلام:
"لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش فيستدلوا على فقر الاخرة...".
فكما يحتاج الإنسان في عملية ترويض نفسه وجهادها الى العمل كذلك يحتاج الى ما يذكره بمواقف الاخرة ليكون واعظاً له.
ففي خطبة الرسول:
"واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه".
5- التحرر من وساوس الشيطان
إن مما يعيق الإنسان في عملية اصلاح نفسه هو اعانة الشيطان لهوى النفس وغوايته لها.
والله عز وجل من كرمه يمنع هذا اللعين في هذا الشهر وجنوده من ذلك ففي خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
"... والشياطين مغلولة فأسألوا ربكم أن لا يسلطها عليكم".
وهذا بحد ذاته فرصة ليعرف الإنسان الى أي مدى تأصلت في
7
3
الدرس الأول: شهر الجهاد الأكبر
نفسه الأمراض الأخلاقية ليعمل على علاجها خصوصاً إذا وجد من نفسه ميلاً لها رغم كون الشياطين مغلولة.
6- التدريب على الصبر
فالصبر أساس ثبات الإنسان ومن لا صبر له لا يمكن أن يكون ثابتاً وشهر رمضان يعودنا الصبر وينمي هذه الملكة فينا من خلال ممارسته عملياً بتحمل الجوع والعطش والكف عن الملذات الأخرى.
ولذا ورد في القران الكريم:
﴿اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.
فعن الإمام الصادق عليه السلام تفسير الصبر بالصيام.
7- التخلص من أوزار الذنوب
إن مما يعيق سير الإنسان الى الله في عملية جهاد النفس هو اثار الذنوب وتبعاتها التي تعرقل خطى تكامله وتثقلها وشهر رمضان هو وسيلة الخلاص من تبعات هذه الذنوب:
"قد اقبل اليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة".
ولذا فان عدم الإستفادة من فرصة شهر رمضان لتحصيل غفران الذنوب خسارة وأي خسارة.
فعن صادق الأئمة عليه السلام:
"من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر له الى مثله من قابل إلا أن يشهد عرفة".
8
4
الدرس الأول: شهر الجهاد الأكبر
وفي خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
"الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر".
خاتمة
ولذا أخي العزيز فإن الله الكريم قد فتح بابه ومد مائدته فهل تعرض عنها لتكون من الأشقياء أم تستفيد منها لتكون من الأتقياء السعداء والمولى في كرمه لم يتركنا في حيرةٍ من أمرنا فصَّل عبر رسول رحمته محمد صلى الله عليه وآله وسلم خطوات العمل في هذا الشهر من الدعاء الى الإستغفار الى صلة الأرحام وتحسين الخلق...
وترك لنا نحن أن نجتهد في العدد والكيفية، ولذا حفظاً لجميل الرسول الأكرم تعالوا نتبنى البرنامج العبادي والأخلاقي والإجتماعي الذي أوصانا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته الشهيرة.
مستفيدين من برنامج مراقبات شهر رمضان الذي بين أيدينا.
9
5
الدرس الثاني: شهر القرآن
الدرس الثاني
شهر القرآن
يقول تعالى:
﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾.
فضل القران الكريم
كلام اللّه
إن كل شيء يأخذ قيمته بمقدار ارتباطه باللّه سبحانه وتعالى، فكلما ازداد الارتباط ازدادت القيمة، وهكذا الكلام، فما دام الارتباط وصل الى مستوى أنه كلام اللّه فكل كلام دونه وكل فضل له ﴿تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَق﴾.
وقد وصف اللّه تعالى القران بأوصاف عديدة منها:
1- هدى ورحمة: ﴿وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.
2- نور: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا﴾.
10
6
الدرس الثاني: شهر القرآن
3- ذكر: ﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا﴾.
4- موعظة: ﴿وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِه﴾.
5- حكمة: ﴿تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيم﴾.
6- إنذار: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِه﴾.
7- بشرى: ﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا﴾.
8- مبارك: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
ولعله الى معنى البركة هذه أشار أمير المؤمنين عليه السلام في وصفه:
"لا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء".
دوره في حياة المسلم
إن كل هذه الصفات التي أوردناها للقران الكريم ليست مجرد أوسمة توضع على الصدر للتشريف وإنما هي كلام من علام الغيوب، يريد من خلاله إن يشير الى دور عملي وأثر مادي ومعنوي لهذا الكتاب العظيم، فما هو هذا الدور وما هو هذا الأثر؟
دوره الروحي
1- شفاء الروح: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِين﴾.
11
7
الدرس الثاني: شهر القرآن
- خشوع القلب: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾.
كيف لا، وقد قال تعالى: ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّه﴾.
- ثبات الأنفس: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾.
دوره العملي
1- تبيان كل شيء
إن القران الكريم هو رسالة ومنهاج يرسم حياة الإنسان كلها ويوجهه باتجاه كماله المرسوم، ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾. ففيه ما يحتاجه الإنسان في دنياه لدنياه واخرته.
2- فرقان
الذي يميز فيه بين الحق والباطل ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾.
وكما في الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام:
"سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول: أتاني جبرئيل فقال: يا محمد سيكون في أمتك فتنة، قلت: فما المخرج منها؟ فقال كتاب اللّه فيه بيان ما قبلكم من خير وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل".
12
8
الدرس الثاني: شهر القرآن
تكليفنا تجاه هذا الدور
فهو أمانة نُسأل عنها: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾، وأن أعرضنا عنها فمصيرنا في الاخرة حمل الوزر: ﴿وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا﴾ وإن هجرناها كنا مورد الشكوى.
فعن الإمام الصادق عليه السلام:
"ثلاثة يشكون الى اللّه عز وجل: مسجد خراب لا يصلي فيه أهله، وعالم بين جهال، ومصحف معلق وقد وقع عليه غبار لا يقرأ فيه".
القران الكريم ليس مجرد كلمات تقرأ على رأس الميت عند موته، ولا هو مجرد زينة تعلق قلادة على الصدور أو تنقش زخرفة في المساجد والحسينيات، بل هو رسالة حياة يجب أن تدخل في رأس الإنسان الحي. ونوراً يجب أن يشق الصدور ليدخل الى القلوب.
كيف نجعله رسالة في حياتنا
تعقل القران وتدبره: أمرنا اللّه تعالى بقراءة القران ﴿فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾ لكنه عز وجل أرادنا أن نتدبر اياته ونتعقل معانيه ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ﴾.
تفسيره عند أهل العلم: والقران الكريم يحتاج لمن يفسره، ولا يجوز للإنسان أن يحكم أهواءه لتفسير القران الكريم، خصوصاً في الايات غير الواضحة والتي تحتمل أكثر من معنى، بل عليه أن يراجع العلماء الذين استفادوا في تفسيرهم من الثقل الاخر أهل البيت عليهم السلام ﴿آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾.
13
9
الدرس الثاني: شهر القرآن
انعكاس هذه الاستفادة على الحياة: وأمرنا اللّه تعالى أن نقتدي بالقران ونتبعه فقال عز من قائل ﴿اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ﴾، ﴿وَالَّذِينَ يُمَسَّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾، بل أمرنا أن نمسكه بقوة فقال تعالى: ﴿خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
العلاقة بين شهر الله وكتاب الله
قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآن﴾، وتوقيت نزوله في شهر رمضان ليس هو من قبيل الصدفة ولا هو من قبيل الخيار المساوي لغيره من الخيارات، بل هناك ميزة تربط بين الحدثين، أراد اللّه تعالى أن يلفت الناس إليها.
وهذا ما يدعونا لأن نضع لأنفسنا قرانيا برنامجاً عملياً لهذا الشهر المبارك.
وقد ورد في الروايات ما يؤكد ذلك أيضاً فعن الإمام الرضا عليه السلام:
"من قرأ في شهر رمضان اية من كتاب اللّه عز وجل كان كمن ختم القران في غيره من الشهور".
فاغتنموا الفرص قبل أفولها.
14
10
الدرس الثالث: شهر الدعاء
الدرس الثالث
شهر الدعاء
يقول تعالى:
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.
مقدمة
الاية المذكورة أتت في ضمن الايات التي تحدثت عن إيجاب الصيام وعلته ومدته وتوقيته وحكم قضائه. وكأن في ذلك الفاتة مهمة الى ان المولى هو قريب من العباد ولكنه في شهر رمضان وللصائمين أقرب من أي زمن وأي حال ولذا فالرشيد والحكيم من يستغل هذا القرب من الله ليبثه شكواه ويرفع إليه حوائجه ولذا ورد في خطبة النبي عبارتان حول الدعاء في الشهر الشريف:
الأولى: "... ودعاؤكم فيه مستجاب".
الثانية: "... وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم، فإنها
15
11
الدرس الثالث: شهر الدعاء
أفضل الساعات ينظر الله عز وجل فيها بالرحمة الى عباده ويجيبهم إذا سألوه وناجوه، ويلبيهم إذا نادوه ويستجيب لهم إذا دعوه".
وللدعاء مضامين عبادية وتربوية تتلخص فيما يلي:
1- الدعاء استجابة آلهية لحاجة بشرية
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾.
وكما يعبر الإمام الخميني قدس سره إن الإنسان بل الوجود كله عدا الله عز وجل ليس شيئاً له الفقر بل هو عين الفقر والإحتياج ولولا تواصل الفيض والكرم الإلهي لانعدم وما بقي.
2- تواصل مع الغني المطلق وتوطيد للعلاقة معه عز وجل وتأصيل اليقين بأنه هو الغني والكريم الذي لا يبخل إن دعي.
﴿اللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾.
3- استشعار الكرم الإلهي
فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
"ما كان لله ليفتح لعبد باب الدعاء فيغلق عنه باب الإجابة، الله أكرم من ذلك".
4- استشعار القرب الإلهي
﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ﴾.
فالإنسان عندما يطلق لسانه للتعبير عن ما في قلبه من الحاجات مع اليقين بسمع الله له يشعر نتيجة هذا التوجه ان من يناديه قريب خصوصاً عند الإجابة.
5- الدعاء وسيلة يرجى منها الرشد
﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.
16
12
الدرس الثالث: شهر الدعاء
6- الدعاء استجابة بشرية لدعوة الى مائدة الكرم الإلهي
﴿فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي﴾.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
"سلوا الله من فضله فإنه يحب أن يسأل".
7- اليقين بالله وبقدرته
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي﴾:
"يعلمون أني اقدر على أن أعطيهم ما يسألون".
ولذا كان من شرائط الدعاء معرفة الله.
فقد سأل بعضهم الإمام الصادق عليه السلام قائلين: ندعو فلا يستجاب لنا! قال:
"... لأنكم تدعون من لا تعرفونه...".
8- اعتراف عملي بالفقر والإحتياج
فالدعاء ممارسة عملية لمعتقد ويقين قلبي مفترض وهو أن الإنسان فقير محتاج ضعيف يحتاج الى ربه وبالدعاء يمارس الإنسان طقساً عملياً من واقع هذا الفقر
والإحتياج.
9- الدعاء نفي للكبر
إن الدعاء مع ما فيه من التذلل والتواضع للذات الإلهية واعتراف بالغنى والعظمة الإلهيين هو بعين هذا يحطم كبر الإنسان ولذا اعتبر المولى عز وجل الإعراض عن
هذا اللون من التواصل معه استكباراً فقال:
﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾.
17
13
الدرس الثالث: شهر الدعاء
10- الدعاء دعوة الى الشعور بآلام الآخرين
فقد ورد استحباب تقديم الدعاء للغير قبل الدعاء للنفس والأهل فقد ورد ان الإمام الحسنعليه السلام سأل أمه الزهراء عليها السلام بعد أن سمعها تدعو في صلاة الليل للجيران ولم تدع لأهل بيتها فأجابته: "يا بني الجار قبل الدار".
11- الدعاء وسيلة لتعزيز حسن الظن بالله
وقد ورد:
"إذا دعوت فظن حاجتك بالباب".
فالثقة وحسن الظن بالله أحد وسائل استجابة الدعاء.
12- اعتياد التوجه الى الله
وقد ورد في ذلك:
"من لجَّ ولج".
وأيضاً:
"من ادمن طرق الباب أوشك أن يفتح له".
18
14
الدرس الرابع: شهر الثبات
الدرس الرابع
شهر الثبات
عن الإمام الرضا عليه السلام عن أبيه عن ابائه عن أمير المؤمنين عليه السلام:
"الدنيا كلها جهل الا العلم، والعلم كله حجة إلا ما عمل به والعمل كله رياء إلا ما كان مخلصاً والإخلاص على خطر حتى ينظر العبد بما يختم له".
مقدمة
إن أهم ما يشغل بال السالكين والمؤمنين على الدوام هو أن يكتب الله لهم حسن العاقبة وينجيهم من سوئها وهذا ما يعلمنا أهل البيت أن ندعو الله دائماً به وهو النجاة من سوء العاقبة.
ففي القران نقرأ:
"ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهبنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب".
وفي أدعية أهل البيت نقرأ:
"... وأحسن لي العاقبة حتى لا تضرني الذنوب".
19
15
الدرس الرابع: شهر الثبات
سوء العاقبة لماذا؟
هذا سؤال يخطر في البال والجواب عليه إن مسألة سوء العاقبة ليست أمراً مفاجئاً يحصل بلا مقدمات. بل إن الإنسان قد يكون يخفي في نفسه من السوء ولا يسعى الى تغييره مع التفاته إليه ويصر على معتقده السيء، أو عمله السيء كذلك أو يطوي نفسه على نوايا خبيثة وسوء ظن بالله أو بأوليائه، أو ينافق فيظهر غير ما يبطن ولا يسعى لتغيير حاله.
وهذه الأمور في النهاية تكون واسطة ابليس وجنوده ويكون بمثابة الحبل الذي بواسطته يجره الى النار وأهم ما يوجب سوء العاقبة سوء الظن بالله وبأوليائه. والكبر فقد أخرج الكبر ابليس من الجنة ونقله من مقام طاووس الملائكة الى الشيطان الرجيم.
اضافة الى ترك بعض الواجبات كالصلاة والصوم والحج:
"من استطاع ولم يحج فليمت إن شاء نصرانياً أو يهودياً".
ومن خلال الكلام السابق يتبين ان أول ما ينجي من سوء العاقبة وأهمه هو:
1- تثبيت العقيدة وترسيخها:
حتى لا ينزلق فينتقل في اخر لحظات عمره من الإيمان الى الكفر.
عن الإمام الصادق عليه السلام:
"ما من أحد يحضره الموت إلا وكل به ابليس من شياطينه من يأمره بالكفر ويشككه في دينه حتى تخرج نفسه".
2- الدعاء بحسن العاقبة وعدم العديلة
20
16
الدرس الرابع: شهر الثبات
ففي الدعاء: "اللهم اني أعوذ بك من العديلة عند الموت".
3- تعظيم حق الله وعدم صرف نعمته في المعصية
فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إن أردت أن يختم الله بخير عملك حتى تقبض وانت في أحسن الأعمال فعظم لله حقه أن تبذل نعماءه في معاصيه".
4- عدم الأمن من مكر الله
وفي الرواية السابقة أيضاً: " وان تغتر بحلمه عنك...".
5- اكرام شيعة آل محمد ومودتهم
وفي الرواية المذكورة أيضاً: "... وأكرم كل من وجدته يذكرنا أو ينتحل مودتنا، ثم ليس عليك صادقاً كان أو كاذباً انما لك نيتك وعليه كذبه".
6- دفع الحقوق
فعن الإمام الصادق عليه السلام:
"من منع قيراطاً من الزكاة فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً".
7- الصلاة في الوقت
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
"إنما يتصفحهم (عزرائيل) في مواقيت الصلاة فإن كان ممن يواظب عليها عند مواقيتها لقنه شهادة أن لا إله إلا الله وان محمداً رسول الله ونحى عنه ملك الموت ابليس".
8- المواظبة على تسبيح الزهراء عليها السلام كما ورد في الروايات
21
17
الدرس الرابع: شهر الثبات
9- عدم الإغترار بما سلف من العمل الصالح والركون اليه
ففي القران الكريم يروى المولى قصة عابد من عباد بني إسرائيل هو بلعم بن باعور حيث يقول تعالى:
﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾.
والتاريح يروي لنا قصة الزبير بن العوام الذي كان من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وابن عمته صفية وابن اخي خديجة وقد شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدراً واحداً والخندق والحديبية وخيبر وفتح مكة وحنيناً والطائف وفتح مصر وأحد الذين ورد انهم بايعوا تحت الشجرة وكان الى جانب علي عليه السلام في السقيفة وفي الشورى وكان مع بني هاشم في بيت فاطمة عليها السلام وشهد على وصية الزهراء عليها السلام عندما دفنت سراً وحضر جنازتها لكنه سقط في معركة الجمل فكان قائداً من قوادها ومحرضاً من المحرضين على الخروج لقتال علي عليه السلام.
خاتمة
ولذا فان أهم ما يقي سوء العاقبة هو دوام تثبيت المعتقدات الحقة وتحويلها في النفس الى يقين وازالة كل ريب وشك فيها إضافة الى المواظبة الدائمة على تزكية النفس وعدم الركون الى صلاحها وعدم التواني من معالجة امراض النفس حتى لا تستفحل فيصعب علاجها. ومع كل ذلك ينبغي اخلاص النية والعمل لله والسعي لتنقيته من كل شائبة.وتأتي فائدة شهر رمضان المبارك الذي يحصل فيه الكثيرون منا
22
18
الدرس الرابع: شهر الثبات
تقدماً على صعيد تهذيب انفسهم والتقرب الى الله، فالعبرة من الإستفادة من الشهر الشريف ان نحصل الثبات على ما حصلناه ولا نخسره، فنعود بعد شهر رمضان الى مزاولة القبيح من الأعمال والأخلاق.
أعاذنا الله واياكم من فوت الفرص لئلا تكون من الغصص.
23
19