أنت والمجتمع


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-06

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدمة

 المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
 

في إطار التوعية الهادفة لرسم المعالم الإيمانية وتعميق الشخصية الإسلامية لشبابنا الأعزاء لا سيّما الاجتماعية منها قامت الوحدة الثقافية المركزية بإعداد هذه الدروس لرفد الأساتذة الكرام في المخيّمات الصيفية بهذه المادة التي شكّلت النصوص القرآنية وروايات أهل بيت العصمة عليهم السلام الركيزة الأساسية فيها لتكون منطلقاً لشرح رؤية الإسلام لجانب من العلاقات الاجتماعية التي لا بد من تعزيزها ضمن الإطار الثقافي الصحيح.

 
سائلين المولى تعالى القبول وحسن العاقبة.
الوحدة الثقافية المركزية
 
 
 
 
 
5

1

الدرس الأول: طريق العلم

الدرس الأول

طريق العلم
 
 
 
عظمة العلم:
 
عظَّم الله العلم وشرَّفه فكانت أول كلمة أوحاها الله لنبيِّه "اقرأ" ورفع حامله درجات فقال عزّ وجلّ: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ1.

 

 
وفرضه على كل مسلم فقال خاتم أنبيائه صلى الله عليه وآله وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم"2.
 
وقارن أمير المؤمنين عليه السلام بين العلم والمال قائلاً لصاحبه: "يا كميل العلم خير من المال:
 
1ـ العلم يحرسك، وأنت تحرس المال.
2ـ والعلم حاكم، والمال محكوم عليه.
3ـ والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق"3.
 
وقارن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بين العلم والعبادة فقال: "باب من العلم نتعلّمه أحبّ إلينا من ألف ركعةٍ تطوعاً"4.
 
وأخيراً شرّف علي عليه السلام العلم بقوله "كفى بالعلم شرفاً أن يدعيه
 
 

1- المجادلة:11.
2- الشهيد الثاني، منية المريد، ص23.
3- المصدر السابق، ص28.
4- المصدر السابق، ص37.
 
 
 
 
 
7

2

الدرس الأول: طريق العلم

 من لا يحسنه، ويفرح به إذا انتسب إليه، وكفى بالجهل ذماً أن يبرأ منه من هو فيه"1.

 
ثواب المتعلّم:
 
وبيَّن أهل بيت العصمة عليهم السلام ثواباً كبيراً لسالك طريق العلم فأخبرنا نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أنه:
1- كالصائم نهاره القائم ليله2.
2- تظله ملائكة الله.
3- قد بورك له في معيشته3.
4- تستغفر له الأرض.
5- من عتقاء الله من النار.
6- من أصحاب مواطن الكرامة في الجنة.
 
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أحب أن ينظر إلى عتقاء الله من النار، فلينظر إلى المتعلمين، فوالذي نفسي بيده، ما من متعلّم يختلف إلى باب العالم المعلِّم إلاّ كتب الله له بكل قدم عبادة سنة، وبنى الله له بكل قدم مدينة في الجنة، ويمشي على الأرض وهي تستغفر له، ويمسي ويصبح مغفوراً له وتشهد الملائكة انه من عتقاء الله من النار"4.
 7- فإذا جاءه الموت وهو يطلب العلم ليحيى به الإسلام كان بينه وبين الأنبياء درجة واحدة في الجنة5.
 
 

1- الشهيد الثاني، منية المريد، ص28.
2- المصدر السابق، ص23.
3- المصدر السابق، ص24.
4- المصدر السابق، ص23.
5- المصدر السابق.
 
 
 
 
 
8

 


3

الدرس الأول: طريق العلم

 صفة العلم المطلوب:

 
نبَّه أهل العصمة عليهم السلام على الاهتمام بنوع العلم وصفته حتى لا تملأ نفس الإنسان بما يضرها، أو على الأقل بما لا ينفعها، ففي وصية الخضر عليه السلام لكليم الله موسى عليه السلام: "... واعلم أن قلبك وعاء فانظر ماذا تحشو به وعاءك"1.
 
من هنا كان نافع العلم شرطاً أساسياً في العلم المطلوب في كلمات أهل البيت عليهم السلام. وهذا ما عبّر عنه صريحاً نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم في قصته المعروفة حينما دخل المسجد فإذا جماعة قد طافوا برجل، فقال: ما هذا؟ فقيل: علاَّمة، فقال، وما العلاَّمة؟ فقالوا: أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها وأيام الجاهلية، والأشعار العربية.
 
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ذاك علم لا يضر من جهله، ولا ينفع من علمه"، ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما العلم ثلاثة: آية محكمة، وفريضة عادلة، وسنّة قائمة، وما خلاهنَّ فهو فضل"2.
 
 
شروط العلم المنجي:
 
اشترط أهل بيت العصمة عليهم السلام في العلم المنجي شرطين أساسيين:
 
الأول: أن يكون لأجل العمل
 
ففي وصية الخضر عليه السلام لكليم الله موسى عليه السلام، "يا موسى تعلّم ما تعلم لتعمل به، ولا تعلَّمه لتحدِّث به فيكون عليك بوره، ويكون على غيرك نوره"3.
 
 
 

1- الشهيد الثاني، منية المريد، ص47.
2- المصدر السابق، ص30.
3- المصدر السابق، ص48.
 
 
 
 
 
 
9

4

الدرس الأول: طريق العلم

 يقول الإمام الخميني قدس سره: "العلم والعمل، العلم والالتزام، بمنزلة الجناحين ـ اللذين يمكّنان الإنسان مجتمعين ـمن الوصول إلى مدارج الرقي والكمال"1.

 
يقول الإمام الخامنئي دام ظله: "ليس الإنسان بصالح إذا كان عالماً ولكنه لا يخدم بعلمه، فالإنسان الصالح هو الذي يجمع بالإضافة إلى علمه نية الخدمة والعمل"2.
 
الثاني: الإخلاص لله تعالى
 
فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من تعلَّم علماً مما يبتغى به وجه الله عزّ وجل، لا يتعلمه إلاّ ليصيب به غرضاً من الدنيا لم يجد عَرْف الجنة يوم القيامة"3.
 
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال جريء، فقد قيل ذلك، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلَّم العلم وعلَّمه، وقرأ القرآن، فأتى به فعرَّفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلَّمت العلم وعلَّمته، وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلَّمت ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال قارئ القرآن، فقد قيل ذلك، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار"4.
 
 
 

1- الكلمات القصار، ص250.
2- الجامعة في فكر الإمام الخامنئي، ص78.
3- منية المريد، ص43 (بفتح العين وسكون الراء): الرائحة.
4- المصدر السابق، ص43.
 
 
 
 
 
10

5

الدرس الأول: طريق العلم

 وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ما ازداد عبدٌ علماً فازداد في الدنيا رغبة إلاّ ازداد من الله بعداً"1.

 
وفي هذين الشرطين ورد الحديث المعروف: "الناس كلهم هلكى إلاّ العالمون، والعالمون كلّهم هلكى إلاّ العاملون، والعاملون كلهم هلكى إلاّ المخلصون..".
 
يقول الإمام الخميني قدس سره: "العلم الحقيقي هو ذلك العلم الذي يكون نور للهداية الملكوتية والصراط المستقيم والتقرب لـ(دار الكرامة)"2.
 
ويقول الإمام الخامنئي دام ظله: "لو ركَّزنا على العلم دون البعد الآخر للصلاح لوقعنا في خسارة مبينة"3.
 
إرشادات في كيفية تحصيل العلم
 
أرشد أهل البيت عليهم السلام إلى جملة من الأمور في طريق تحصيل العلم نذكر منها:
 
1- الكتابة
 
فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "قيّدوا العلم. قيل: وما تقييده؟ قال كتابته"4.
 
بل ورد عن نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم: "إن المؤمن إذا مات وترك ورقة واحدة عليها علم، كانت تلك الورقة ستراً له فيما بينه وبين النار، وأعطاه الله تعالى بكل حرف مدينة أوسع من الدنيا وما فيها5.
 
 
 

1- المصدر السابق، ص44.
2- الكلمات القصار، ص249.
3- الجامعة في فكر الإمام الخامنئي، ص52.
4- الشهيد الثاني، منية المريد، ص129.
5- المصدر السابق، ص173.
 
 
 
 
 
11

6

الدرس الأول: طريق العلم

 2ـ المذاكرة

 
وهي تتحقق باجتماع مجموعة من الطلاب فيقوم أحدهم بدور الأستاذ فيعرض الدرس شارحاً له، بينما يستمع الباقون إليه بإنصات.
 
ولا يخفى ما لهذه المذاكرة من أثر في ترسـيخ الـدروس عنـد الطلاب لا سيما المتصدي لشرح الدرس، كما لا يخفى دورهـا في تمتين لغة العرض، وضبط المطلب العلمي لدى الطالب مما يؤهلـه للتعليم بجدارة.
 
وقد أشار أهل البيت عليهم السلام إلى ثواب المذاكرة التي اعتبرها نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم كتسبيح الله تعالى فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم فاطلبوا العلم في مظانّه واقتبسوه من أهله، فإن تعلّمه لله تعالى حسنة، وطلبه عبادة، والمذاكرة به تسبيح"1.
 
وعن الباقر عليه السلام: "رحم الله عبداً أحيى العلم، فقيل: وما إحياؤه؟ قال: أن يذاكر به أهل الدين والورع"2.
 
3ـ الحفظ
 
فقد ورد أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله ما العلم؟
 
فقال: الإنصات، قال: ثم مه يا رسول الله؟
 
قال: الاستماع، قال: ثم مه يا رسول الله؟
 
قال: الحفظ، قال: ثم مه يا رسول الله؟
 
قال: العمل به، قال: ثم مه يا رسول الله؟
 
قال: نشره3.
 
 
 

1- الشهيد الثاني، منية المريد، ص28.
2- المصدر السابق، ص68.
3- المصدر السابق، ص52.

 
 
 
 
12

7

الدرس الأول: طريق العلم

 مانع الحفظ

 
قال علي بن حشرم: شكوت إلى وكيع قلة الحفظ، فقال: استعن على الحفظ بقلة الذنوب.
 
وقد نظم بعضهم ذلك في بيتين فقال:
 
شكوت إلى وكيع سوء حفظي                                فأرشدني إلى ترك المعـــاصي
وقال اعلم بأن العلم فضـل                  وفضل اللـه لا يؤتـاه عـاصي1
 
وقت الحفظ ومكانه:
 
قال الشهيد الثاني: "ومما قالوه ودلَّت عليه التجربة إن حفظ الليل أنفع من حفظ النهار، ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع، والمكان البعيد عن الملهيات كالأصوات وقوارع الطرق التي تكثر فيها الركاب، لأنها تمنع من خلو القلب وتقسمه على حسب تلك الحالات"2.
 
4ـ السؤال
 
فقد تخطر في ذهن الطالب أسئلة يبقى معها حائراً لا يعرف جوابها إلاّ أن يخرجها بسؤال العالم، وبالجواب يفتح قفل العلم، فالمعلِّم حينما يشرح الدرس قد لا يعرف في كثير من الأحيان السبب في عدم وصول المطلب إلى التلميذ، فإذا سأل التلميذ بانَ السبب وانقضى العجب. من هنا حثَّ أهل البيت عليهم السلام على السؤال مبيِّنين أجراً عليه ففي الحديث:
 
"العلم خزائن والمفاتيح السؤال، فاسألوا رحمكم الله فإنما يؤجر أربعة: السائل، والمتكلم، والمستمع، والمحبّ لهم".
 
 
 

1- الشهيد الثاني، منية المريد، ص101.
2- المصدر السابق، ص128.
 
 
 
 
 
13

8

الدرس الأول: طريق العلم

 وقد ذُمَّ الطالب الذي يستنكف عن السؤال استحياءً فيبقى في حالة الجهل.

 
وقد قيل: من استحيى من المسألة لم يستحِ الجهل منه.
 
وأنشد الشاعر:
 
وليـــس العمــى طـــول الســــؤال وإنمـــا       تمام العمى طول السكوت على الجهل
 
وقد صدق أبو عبد الله الصادق عليه السلام حينما قال: "إنما يهلك الناس لأنهم لا يسألون"1.
 
5ـ مجالسة العلماء
 
ففي حديث أمير المؤمنين عليه السلام عن العلم وفضائله قال: "... ورجله زيارة العلماء"، ثم قال: "... وجيشه مجاورة العلماء"2.
 
بل ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من جلس عند العالم ساعة ناداه الملك جلست إلى عبدي، وعزتي وجلالي لأُسْكنَنَّك الجنة ولا أبالي"3.
 
ومن لطيف ما ورد في مجالسة العلماء معالجة الإمام زين العابدين عليه السلام في دعاء أبي حمزة الثمالي لقضية التراجع الروحي عند الإقبال في عبادة الله تعالى: إذ يعتبر الإمام عليه السلام إن عدم مجالسة العلماء سببٌ لهذا التراجع فيقول عليه السلام:
 
المشكلة:
 
"... ما لي كلَّما قلتُ قد صلحت سريرتي وقرب من مجالس التوابين مجلسي عرضت لي بلية أزالت قدمي، وحالت بيني وبين خدمتك".
 
 
 

1- الشهيد الثاني، منية المريد، ص71.
2- المصدر السابق، ص53.
3- المصدر السابق، ص173.
 
 
 
 
 
14

9

الدرس الأول: طريق العلم

 السبب:

 
"... سيدي... لعلَّك وجدتني في مقام الكاذبين فرفضتني
 
أو لعلك رأيتني غير شاكر لنعمائك فحرمتني
 
أو لعلك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني.."1.
 
وأخيراً
 
ينبغي أن نتذكَّر دائماً أن العلم طريـق لتهـذيـب النفس الإنسانية سعياً للقرب من الله تعالى على القاعدة التي ذكرها إمام الأمة الراحل قدس سره: "إذا حرَّكتم قدماً في طريق العلم فعليكم أن تحرِّكوا قدمين في تهذيب النفس".
 
 

1- القمي، مفاتيح الجنان، نشر دار الأضواء، بيروت، ص245. 
 
 
 
 
 
15

10

الدرس الثاني: مع الوالدين

 الدرس الثاني

مع الوالدين
 
 
 
 
قال سبحانه:

 

﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا1.

 

 
أـ الوصية بالوالدين:
 
لقد جاء الاهتمام القرآني معبّراً عن المرتبة السامية للوالدين، ومؤكداً في كثير من آياته على التعامل معهما بالبر والإحسان ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا2، ولم يوصي اللَّه الوالد بأبنائه كما أوصاهم به، ذلك أن الأب يرى أن ولده بضعة منه يحرص على سعادته ولو بحرمان نفسه ويؤثره عليه لو بمكابدة الصعاب ولأن الابن بعض الأب كما جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام مخاطباً ولده الحسن عليه السلام: "ووجدتك بعضي بل وجدتك كلي، حتى كأن شيئاً لو أصابك أصابني وكأن الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي"3، أما الولد فهو بحاجة إلى الوصية المكررة ليلتفت الجيل

 

 
 
 

1- الأحقاف:51.
2- الأحقاف:51.
3- نهج البلاغة، ج3، ص38.
 
 
 
 
 
16

 


11

الدرس الثاني: مع الوالدين

 الذاهب في معارج الحياة، بعدما سكب عصارة عمره وروحه أن يعوّض الوالدين بعض ما بذلاه ولو وقف عمره عليهما وخصوصاً الأم حيث يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "بر الوالدة على الوالد ضعفان".

 
ب- حقوق الوالدين:
 
1ـ حق الأب:
قد أفاض أهل البيت عليهم السلام في بيان حقوق الأبوين ووجوب شكرهم وطاعتهم إلا فيما يغضب اللَّه سبحانه إذ لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق ومما جاء في رسالة الحقوق: "وحق أبيك أن تعلم أنه أصلك، وإنه لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه فاحمد اللَّه واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلى باللَّه"1.
 
2ـحق الأم:
ومما قاله عليه السلام في حق الأم: "فحق أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحداً، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحداً وأنها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها مستبشرة فرحة، محتملة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمها، حتى دفعتها عنك يد القدرة وأخرجتك إلى الأرض، فرضيت أن تشبع وتجوع هي، وتكسوك وتعرى وترويك وتظمى وتظلّك وتضحى، وتنعمك ببؤسها وتلذذك بالنوم بأرقها وكان بطنها لك وعاء
 
 
 

1- رسالة الحقوق.
 
 
 
 
 
17

12

الدرس الثاني: مع الوالدين

 وحجرها لك حواء، وثديها لك سقاء، ونفسها لك وقاء تباشر حر الدنيا وبردها لك ودونك"1.. إن هذا البيان ليترك الأثر البليغ في النفس الإنسانية مما لا يحوجنا إلى التعليق عليه والتذييل.

 
يقول الشاعر:
 
لأمك حق لو علمت كـبيرُ                  كثيرك يـا هذا لديه يسيرُ
فكم ليلة باتت بثقلك تشتكي                لها مـن جراحها أنـة وزفيرُ
وفي الوضع لو تدري عليها شقة              فمن غصص كاد الفؤاد يطيرُ
 
ج- بين الحقوق والواجبات:
 
قد يفرض المنطق أن من له حق على أحد ما إنما يثبت له من حقه بقدر ما يؤدي إلى الطرف الآخر من حقوق ويقوم له بما عليه من واجبات وهذا المنطق لا يجوز تطبيقه على العلاقة مع الأبوين بحال ونحن إذا عرفنا ما لهما من حقوق لا بد من بيان ما علينا من واجبات مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لو افترضنا أن الأبوين تعدّيا وقصّرا في واجبك فإن حقهما عليك طبيعي لا يسقطه شيء، وكبير لا يعادله شيء، فلقد تحملا الضيق والشدة لتكون في سعة، والذل والهوان من أجل سعادتك، وكم رأينا البعض من الآباء يجرؤون على ارتكاب الحرام من أجل أبنائهم؟!
 
 
 

1- رسالة الحقوق.
 
 
 
 
 
18

13

الدرس الثاني: مع الوالدين

 د ـ الواجبات:

 
أولاً: الحب، وهو عاطفة فطرية أوجدتها القدرة الربانية في قلب الولد يجب تنميتها، وكلما ازداد إدراك المرء وشعوره بذلك كان كاشفاً عن نموّه.
 
ثانياً: الشكر، وهو أن يكون أداؤه حق الشكر بلا منّ ولا ضجر، بل بالعطف والصبر، لأن أداء هذا لا يعادل شيئاً مما قاما به والمراد به البرّ بهما لا حسن القول معهما فقط كما هو بيّن في قوله سبحانه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا1.

 

 
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "بر الوالدين أفضل من الصلاة والصدقة والصوم والحج والعمرة والجهاد في سبيل اللَّه"2 وللبرّ بهما آثار يأتي بيانها إن شاء اللَّه.
 
ثالثاً: الطاعة، وهي مقرونة بطاعة اللَّه سبحانه وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد"3، ودليل على إخلاصه وحبه لهما في السرّ والعلانية.
 
رابعاً: الاحترام، وإنما يكون ذلك حاكياً عما في الضمير والسريرة لهما من الشأن والمكانة بطريق الفعل والدعاء وغيرهما ويكفيك ما جاء
 
 
 

1- الإسراء:23-24.
2- شرح رسالة الحقوق، ص505، ج1.
3- شرح رسالة الحقوق، ص494، ج1.
 
 
 
 
 
19

 


14

الدرس الثاني: مع الوالدين

 عن الصديقة الطاهرة عليها السلام: "ما استطعت أن أكلم رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم من هيبته"1 مع أنها أحب الخلق إليه وروحه التي بين جنبيه.

 
وفي الصحيفة السجادية (اللهم اجعلني أهابهما هيبة السلطان العسوف وأبرهما بر الأم الرؤوف واجعل طاعتي لوالدي وبري بهما أقرّ لعيني من رقدة الوسنان واثلج لصدري من شربة الظمآن...)2.
 
وبهذا يتضح واجب الدعاء لهما.
 
هــ- آثار البر بالوالدين:
 
1- طول العمر:
عن الباقر عليه السلام: "بر الوالدين وصلة الرحام يزيدان في الأجل"3.
 
2- زيادة الرزق:
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن أهل بيت ليكونون بررة فتنمو أموالهم وإنهم لفجار"4.
 
3- كفارة للذنب:
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول اللَّه ما من عمل قبيح إلا قد عملته فهل لي من توبة؟ فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "فهل من والديك أحد حي"؟ قال: أبي قال: فاذهب فبرّه5...
 
4- جنة يوم الحساب:
عن إبراهيم بن شعيب قال: قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام: إن أبي قد
 
 
 

1- م.ن.، ص497.
2- الصحيفة السجادية.
3- البحار، ج71، ص83.
4- بحار الأنوار، ج71، ص82.
5- مستدرك الوسائل، ج15، ص180.
 
 
 
 
 
20

15

الدرس الثاني: مع الوالدين

 كبر جداً وضعف، فنحن نحمله إذا أراد حاجة فقال عليه السلام: "إن استطعت أن تلي ذلك منه فافعل ولقّمه بيدك فإنه جنة لك غداً"1.

 
5- تحت ظلّ العرش:
رأى موسى بن عمران عليه السلام رجلاً تحت ظلّ العرش فقال: "يا رب من هذا الذي أدنيته حتى جعلته تحت ظل العرش فقال اللَّه تبارك وتعالى: يا موسى هذا لم يكن يعق والديه..."2.
 
 
 

1- الكافي، ج2، ص162.
2- البحار، ج13، ص353. 
 
 
 
 
21

16

الدرس الثالث: أصدقاء السّوء

  الدرس الثالث

أصدقاء السّوء
 
 
 
 
س- من هم الذين لا ينبغي معاشرتهم؟
 
ج- إن الذين لا ينبغي أن نعاشرهم كما ورد في أحاديث أهل البيت عليهم السلام هم:
 
1- الأحمق الكذّاب
 
فقد جاء في الحديث عنه عليه السلام: "إيّاك وصحبة الأحمق الكذّاب، فإنه يريد نفعك فيضرّك، ويقرّب منك البعيد، ويبعّد منك القريب، إن ائتمنته خانك، وان ائتمنك أهانك، وإن حدّثك كذّبك، وإن حدّثته كذّبك وأنت منه بمنزلة السراب الذي يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً"1.
 
إن هذه الأخطار الأخلاقية والعواقب السيئة التي عدّدها الحديث من قبيل الإضرار والخيانة والإهانة والتكذيب هي كافية للردع عن معاشرته ومعرفة أن مصير العلاقة معه هو الفشل لأنها تكون هدّامة
 
 
 

1- ميزان الحكمة، ح10280.
 
 
 
 
 
22

17

الدرس الثالث: أصدقاء السّوء

 لا بنّاءة ومؤدية إلى الانحطاط لا إلى الارتقاء من خلال الآثار الملموسة لهذا النوع الفتّاك بل القاتل من الناحية المعنوية إضافة إلى المادية.

 
2- صاحب الغاية الدنيوية
 
والمراد به الذي يصحبك ليستفيد منك مالاً أو جاهاً أو غير ذلك من الأطماع التي لا تجعل تلك الصحبة قائمة على أساس التقوى وليس فيها الصدق والإخلاص. وهو الذي سرعان ما يتخلى عن تلك العلاقة حينما يصل إلى هدفه منك.
 
فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "احذر أن تؤاخي من أرادك لطمعٍ أو خوفٍ أو ميلٍ أو للأكل والشرب، واطلب مؤاخاة الأتقياء، ولو في ظلمات الأرض، وإن أفنيت عمرك في طلبهم"1.
 
وقد صوّر أحد الشعراء ذلك حينما قال:
 
إذا قـلَّ مـالي فما خِـلٌّ يصـادقني              وفـي الزيـادة كــلّ الناس خِـلاّنـي
كم من عدوٍّ لأجل المال صادقني                     وكـم صديـقٍ لفقـد المـالِ عـاداني
 
وقال آخر:
 
المرء فـي زمـن الإقبال كالشَّـجَره                    والناس من حولها ما دامت الثَّمَره
حتى إذا راح عنها حملها انصرفوا                         وخلّفوها تعـانـي الحرّ والغَبَره
 
 

1- ميزان الحكمة، ح230.
 
 
 
 
 
23

18

الدرس الثالث: أصدقاء السّوء

 3- الضَّال المُضلّ

 
يقول تعالى ﴿يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا1.

 

 
4ـ الفاجر
 
فقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا تصحب الفاجر فيعلّمك من فجوره".
ثمَّ قال عليه السلام: "أمرني والدي بثلاث ونهاني عن ثلاث، فكان فيما قال لي: يا بنيَّ من يصحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يدخل مداخل السوء يتّهم، ومن لا يملك لسانه يندم"2.
 
5- البخيل
 
فإنه قد جاء عنهم عليهم السلام التحذير من صحبته وربما كان لأجل أن المرء يأخذ من أخلاق أصحابه ويتأثر بهم كما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"3.
 
وعن الصادق عليه السلام: "وإيّاك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه"4.
 
6- الفاسق
 
فقد ورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنه قال لولده الباقر عليه السلام:
 
 
 

1- الفرقان: 28-29.
2- الخصال، ج1، ص80.
3- البحار، ج71، ص192، ح12.
4- م.ن، ج71، ص196، ح29.
 
 
 
 
 
24

19

الدرس الثالث: أصدقاء السّوء

 "يا بنيّ انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق..." إلى أن قال عليه السلام: "وإيّاك ومصاحبة الفاسق فإنه بايعك بأكلة أو أقلّ من ذلك"1.

 
7ـ القاطع لرحمه
 
وذلك لما روي عنهم عليهم السلام: "وإيّاك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله عزّ وجل في ثلاثة مواضع: قال الله عزّ وجل: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ.
 
وقال عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ"2.. الحديث.
 
8ـ الكافر
 
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤاخينَّ كافراً"3.
 
9ـ الشرّير
 
قال الجواد عليه السلام: "إيّاك ومصاحبة الشرّير فإنه كالسيف المسلول يحسن منظره ويقبح أثره"4.
 
 
 

1- بحار الأنوار، ج71، ص196، ح29.
2- الرعد:24.
3- بحار الأنوار، ج71، ص197، ح31.
4- م.ن، ح34.
 
 
 
 
 
25

20

الدرس الثالث: أصدقاء السّوء

 10ـ صاحب اللهو

 
عن الإمام علي عليه السلام: "إيّاك وصحبة من ألهاك وأغراك فإنه يخذلك ويوبقك"1.
 
11ـ الجبان
 
عن الباقر عليه السلام: "لا تصادق ولا تؤاخِ أربعة: الأحمق والبخيل والجبان والكذاب..." إلى أن يقول عليه السلام: "وأما الجبان فإنه يهرب عنك وعن والديه.."2.
 
12ـ ناشر المثالب3
 
في الحديث عن علي عليه السلام: "لا تؤاخِ من يستر مناقبك وينشر مثالبك"4.
 
13ـ رهين المداراة
 
وهو الذي لا يمكن استمرار الصداقة معه على قواعدها السليمة دون الخضوع إلى كثير من التكلّف والتجمّل وذلك ما يكون مع الأشخاص الذين هم سريعو الغضب والانفعال وإذا ما غضبوا هم لا يغفرون.
 
قال أمير المؤمنين عليه السلام: "ليس لك بأخٍ من احتجت إلى مداراته"5.
 
14ـ مجهول الموارد والمصادر
 
يقول الحسن عليه السلام: "لا تؤاخ أحداً حتى تعرف موارده ومصادره،
 
 
 

1- ميزان الحكمة، ح10276.
2- مصادقة الأخوان، ص80، ج3.
3- المثالب: العيوب.
4- ميزان الحكمة، ح235.
5- م.ن، ح231.
 
 
 
 
 
26

21

الدرس الثالث: أصدقاء السّوء

 فإذا استنبطت الخبرة ورضيت العشرة فآخه على إقالة العثرة والمواساة في العُسرة"1.

 
15ـ الزاهد بأخيه
 
ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا ترغبَّن فيمن زهد فيك ولا تزهدنّ فيمن رغب فيك"2.
 
16ـ صاحب البدعة
 
جاء عن الإمام الصادق عليه السلام: "لا تصحبوا أهل البدع ولا تجالسوهم، فتصيروا عند الناس كواحدٍ منهم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: المرء على دين خليله وقرينه"3.
 
17ـ النمّام ـ 18ـ الخائن ـ 19ـ الظلوم
 
قال الإمام الصادق عليه السلام: "احذر من الناس ثلاثة: الخائن والظلوم والنمّام لأن من خان لك خانك، ومن ظلم لك سيظلمك، ومن نمَّ إليك سينمُّ عليك"4.
 
20ـ متتبع العيوب
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إيّاك ومعاشرة متتّبعي عيوب الناس، فإنه لم يسلم مصاحبهم منهم"5.
 
 
 

1- ميزان الحكمة، ح229.
2- م.ن، ح227.
3- الكافي، ج2، ص375.
4- ميزان الحكمة، ح10262.
5- م.ن، ح10265. 
 
 
 
 
 
27

22

الدرس الرابع:إخوان الصدق

 الدرس الرابع

إخوان الصدق
 
 
 
 
 
س: من هم الإخوان الذين ينبغي معاشرتهم ومجالستهم؟
 
ج: لعلّه من خلال ما مرّ بنا في الدرس السابق أصبح واضحاً من هو الأخ حقاً وكيف يجب أن ترسم معالم الأخوة في الإسلام بما يتفق مع تعاليمه الكبرى وخطوطه العامة التي لا يجدر بالإنسان المؤمن الحياد عنها، وهنا سوف نتكلم عن الأوصاف الحميدة التي إن توفّرت في فردٍ بشكل جامعٍ، لم يكن بالإمكان الاستغناء عنه ولا الزهد فيه، فقد ورد في الحديث انه كالغذاء يحتاج إليه كل وقت1 فمن هو أفضل الإخوان وخيّرهم.
 
أـ خير الأخوان:
 
1ـ المحبّ في الله تعالى:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "خير الإخوان من كانت في الله مودّته"2.
 
وعنه عليه السلام: "خير الإخوان من لم تكن على الدنيا أخوّته"3.
 
 
 

1- ميزان الحكمة، ح220.
2- م.ن، ح264.
3- م.ن، ح265.
 
 
 
 
 
 
28

23

الدرس الرابع:إخوان الصدق

 2ـ المواسي لك:

عن أمير المؤمنين عليه السلام: "خير إخوانك من واساك وخير منه من كفاك وإذا احتاج إليك أعفاك"1.
 
وفي حديث آخر: "خير أخوانك من واساك بخيره وخير منه من أغناك عن غيره"2.
 
3ـ الداعي إلى الله تعالى:
والمراد منه من كانت دعوته بالعمل إضافة إلى القول كما عبّرت عن ذلك النصوص الشريفة حيث ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "خير إخوانك من دعاك إلى صدق المقال بصدق مقاله، وندبك إلى أفضل الأعمال بحسن أعماله"3 و"خير إخوانك من سارع إلى الخير وجذبك إليه وأمرك بالبرّ وأعانك عليه"4.
 
4ـ المعين على الطاعة:
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "المعين على الطاعة خير الأصحاب"5.
 
وعنه أيضاً: "إذا أراد الله بعبدٍ خيراً جعل له وزيراً صالحاً إن نسي ذكّره، وإن ذكر أعانه"6.
 
وفيما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما سئل من أفضل الأصحاب: "من إذا ذكرت أعانك وإذا نسيت ذكّرك"7.
 
حيث تكون الوظيفة الأولى في حالة الذكر بأن الله تعالى حاضر وناظر وهي المعاونة ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ
 
 
 

1- ميزان الحكمة، ح2624.
2- م.ن، ح2634.
3- م.ن، ح2685.
4- م.ن، ح2674.
5- م.ن، ح13301.
6- م.ن، ح10333.
7- م.ن، ح10330.
 
 
 
 
 
29

24

الدرس الرابع:إخوان الصدق

 وَالْعُدْوَانِ وتكون الوظيفة الثانية في حالة النسيان والغفلة هي التذكير والتوعية اتجاه المسؤولية الإلهية الملقاة على عاتقه.

 
ب- خير الجلساء:
 
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما سئل أي الجلساء خير؟ فقال: "من ذكّركم بالله رؤيته وزادكم في علمكم منطقه. وذكرَّكم بالآخرة عمله"1.
 
يعني أن الأمور المذكورة تساهم مساهمة حقيقية في بناء الشخصية الإيمانية ومصدرها الخير الذي هو عليه في الحال والمنطق والعمل حيث تكون الثمرة من هذه المجالسة مكسباً معنوياً سواء في ذكر الله أو زيادة العلم أو تذكر الآخرة، وليس غريباً أن المؤمن إذا فقد أخاه وجليسه الذي يمتاز بهذه المواصفات أن لا يحب البقاء بعده وهذا دليل أنه من الخيرة والصفوة ويشعر أن الذي فقده هو بعضه كما يقول أحد الشعراء:
 
ومن محن الدنيا بقاؤك بعد مَنْ           إذا رحلوا أبقوك دون مشابهِ
فوجهٌ إذا ما غاب تبكيه ساعةً           ووجهٌ تملّ العمر عند غيابهِ
وتدفن فيه بالثرى إن دفنتهُ               وجودك إن المرء بعض صِحابهِ
 
 
 

1- بحار الأنوار، ج71، ص186.
 
 
 
 
 
30

25

الدرس الرابع:إخوان الصدق

 ج- إخوان الصدق:

 
وهم الذين ينبغي معاشرتهم، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "وعليك بإخوان الصدق فأكثر من اكتسابهم، فإنّهم عدّة عند الرخاء وجنّة عند البلاء"1.
 
وعن الإمام الحسن عليه السلام في وصيته لجنادة في مرضه الذي توفي فيه: "اصحب من إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونة أعانك، وإن قلت صدّق قولك، وإن صلت شدّ حولك، وإن مددت يدك بفضلٍ مدّها، وإن بدت عنك ثلمة سدَّها، وإن رأى منك حسنةً عدّها، وإن سألته أعطاك، وإن سكتّ عنه ابتدأك وان نزلت إحدى الملمات به ساءك"2.
 
د ـ مصاحبة العلماء:
 
لقد أكدّت الروايات المباركة على مصاحبتهم ومجالستهم لأنهم قادة الركب الربانيّ الذين يأخذون بيد المرء إلى العالم العلوي ويصلون به إلى حيث أراد الله سبحانه من خلال بثّ معارفهم وممارسة دورهم في الهداية والتربية والدفاع عن مبادئ الدين وصيانة الشريعة من أن تدخلها البدع والانحرافات ومما ورد في ذلك:
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "عجبت لمن يرغب في التكثر من الأصحاب كيف لا يصحب العلماء الألبّاء الأتقياء الذين يغتنم فضائلهم وتهديه علومهم وتزينه صحبتهم"3.
 
 
 

1- بحار الأنوار، ج71، ص187.
2- ميزان الحكمة، ح10243.
3- م.ن، ح10248.
 
 
 
 
 
31

26

الدرس الرابع:إخوان الصدق

 وعنه عليه السلام أيضاً: "جالس العلماء يزدد علمك ويحسن أدبك"1.

 
وما في وصية لقمان لابنه: "يا بنيّ جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن الله عز وجل يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل السماء"2.
 
وعليه يكون في مقابل ذلك ترك مجالستهم موجباً للخذلان من الله تعالى، لأن الابتعاد عنهم معناه الابتعاد عن المدرسة الإلهية التي أمر المولى سبحانه بالتربي في كنفها وتحت ظلالها، وهذا ما جاء صريحاً في دعاء الإمام السجّاد عليه السلام: "أو لعلك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني".
 
هـ- مصاحبة الحكماء:
 
وهناك روايات أكدّت أيضاً على مصاحبة الحكماء ومجالسة الحلماء لما في هذين الصنفين من الناس من مواصفات عالية تترك آثارها في الجنبة العلمية وكذلك العملية بما يساعد الإنسان عبر العلاقة بهم في طريقه إلى الكمال.
 
فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "صاحب الحكماء وجالس الحلماء وأعرض عن الدنيا تسكن جنة المأوى"3.
 
وفي رواية أخرى: "أكثر الصلاح والصواب في صحبة أولي النهى والصواب"4.
 
 
 

1- ميزان الحكمة، ج1، ص55.
2- م.ن، ج1، ص402.
3- م.ن، ح10245.
4- م.ن، ح10244.
 
 
 
 
 
32

27

الدرس الرابع:إخوان الصدق

 وـ مخالطة كرام الناس:

 
حيث ذكرت جملة من الروايات إنها موجبة للسعادة ومبعدة للشقاوة.
 
ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أسعد الناس من خالط كرام الناس"1.
 
 
 

1- م.ن، ح10251. 
 
 
 
 
 
33

28

الدرس الخامس: مع الأرحام

 الدرس الخامس

مع الأرحام
 
 
 
 
يقول تعالى:

 

﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ1.

 

 
أـ أهمية الرحم:
 
لعلّه من الأمور التي لا تحتاج إلى كثرة تأمل وتفكير الأهمية الفائقة التي يعطيها القرآن الكريم لمسألة الرحم وصلة القربى إلى درجة أنه يذكر الأرحام بعد ذكر اسم اللَّه سبحانه ويدعو إلى صلتهم والقيام بحقوقهم، كما يحذّر من قطيعتهم بلهجة شديدة حيث يقول سبحانه: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ2، وغير خفي على أحد ما يترتب من الآثار الايجابية على التواصل معهم وكيف ينعكس ذلك على بناء الأسرة ونشر المودة بين الأقرباء من الكبار والصغار وكذلك ما يترتب من الآثار السلبية على قطيعتهم وكيف يؤدي ذلك إلى سوء العلاقة وربما ترك عاملاً مؤذياً يرثه الأبناء عن الآباء،

 

 
 
 

1- النساء:1.
2- محمد:22.
 
 
 
 
 
34

29

الدرس الخامس: مع الأرحام

 ولهذا جاء العطف في الآية المتقدمة لقطع الأرحام على الإفساد في الأرض.

 
ومما يبرز مكانة هذا الواجب الإلهي حتى وإن تطلّب جهداً وقطع مسافات طويلة أو صرف أوقات غير يسيرة، وما جاء عن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم يؤكد ذلك بقوله: "أوصي الشاهد من أمتي والغائب منهم ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة، أن يصل الرحم وإن كان منه على مسير سنةٍ ذلك من الدين"1.
 
ب- معنى الرحم:
 
الرحم في اللغة عبارة عن علاقة القرابة وأصل ذلك من رحم الأنثى وهو موضع النسل منها والقرابة تسمّى بها لحصولها، وذو الرحم: هم الأقارب ويقع على كل من يجمع بينك وبينه نسبٌ2.
 
وعرّفها في الميزان: "بأنها جهة الوحدة الموجودة بين أشخاص الإنسان من حيث اتصال مادة وجودهم في الولادة من أب وأم أو أحدهما، وهي جهة حقيقية سائرة بين أولي الأرحام لها آثار حقيقية خلقية وخُلقية، وروحية وجسمية غير قابلة الإنكار"3.
 
ج- آثار صلة الرحم:
 
وهي تنقسم إلى قسمين: الأول: الآثار الدنيوية، والثاني: الآثار الأخروية. وقد استفدنا هذا التقسيم من روايات أهل البيت عليهم السلام.
 
 
 

1- ميزان الحكمة، ح7060.
2- طلبة الطلبة، ص286.
3- تفسير الميزان، ج4، ص148.
 
 
 
 
 
35

30

الدرس الخامس: مع الأرحام

 أـ الآثار الدنيوية لصلة الرحم:

 
الأثر الأول: طول العمر
فإنه مما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الرجل ليصل رحمه وما بقي من عمره إلا ثلاثة أيام فينسئه اللَّه عزّ وجلّ ثلاثين سنة، وإن الرجل ليقطع الرحم وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصيّره اللَّه إلى ثلاثة أيام"1.
 
الأثر الثاني: تنمية المال
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن القوم ليكونون فجرة ولا يكونون بررة فيصلون أرحامهم فتنمي أموالهم، وتطول أعمارهم فكيف إذا كانوا أبراراً بررة"2.
 
الأثر الثالث: الإلتيام
حيث أن الرحم من أقوى أسباب الالتيام الطبيعي بين الأفراد، ولها حركة فعّالة في رتبة العلاج للأزمات الاجتماعية، ولذلك كان ما ينتجه المعروف بين الأرحام أقوى وأشدّ مما ينتجه ذلك بين الأجانب، وكذلك الإساءة في مورد الأقارب أشدّ أثراً منها في مورد الأجانب.
 
يقول أحد الشعراء:
 
وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضةً          على المرء من وقع الحسـام المهنَّدِ
 
ويظهر معنى الأثر المذكور في إعادة المياه إلى مجاريها وتأثير الرحم لأثرها الطبيعي من خلال قوله عليه السلام: "فأيما رجل منكم غضب على ذي رحمه فليدنُ منه"... فإن الدنو من ذي الرحم رعاية لحكمها وتقوية لجانبها فتنتبه بسببه ويتجدد أثرها بظهور الرأفة والمودة.
 
 
 

1- ميزان الحكمة، ح7056.
2- م.ن، ح7054.
 
 
 
 
 
 
36

31

الدرس الخامس: مع الأرحام

 الأثر الرابع: تنمية العدد

حيث جاء عن الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام: "فرض اللَّه صلة الأرحام منماة للعدد"1 من حيث جمع كلمتهم واجتماعهم كعائلة واحدة مترابطة متقوية ببعضها البعض في الشدائد والملمات.
 
b
عن الباقر عليه السلام: "صلّة الأرحام تزكّي الأعمال وتنمّي الأموال وتدفع البلوى"2.
 
الأثر السادس: الراحة عند الموت
عن الهادي عليه السلام: "فيما كلّم اللَّه تعالى به موسى عليه السلام قال موسى عليه السلام: ما جزاء من وصل رحمه؟ قال: يا موسى أنسي له أجله وأهوّن عليه سكرات الموت"3.
 
ألا وإن هذا الموقف المخيف والذي ينتظرنا جميعاً حالة نزع الروح من الجسد لهو حقيق بأن نعدّ له هذه العدة التي وعدنا اللَّه تعالى بها كجزاء لصلة الرحم وليس من الصواب في شيء أن يكون الواحد منّا زاهداً بهذا العطاء وعازفاً عن هذا الجزاء.
 
الأثر السابع: حسن الخلُق
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "صلة الأرحام تحسّن الخلُق وتسمّح الكف وتطيّب النفس"4.
 
الأثر الثامن: العصمة من الذنب
حيث جاء في جملة من النصوص أن صلة الرحم من العوامل
 
 
 

1- م.ن، ح7047.
2- م.ن، ح7043.
3- م.ن، ح7046.
4- م.ن، ح7044.
 
 
 
 
 
37

32

الدرس الخامس: مع الأرحام

 المساعدة للإنسان على ترك الذنوب والابتعاد عن مظانّ السوء والفحشاء وهي تشكّل درعاً واقية بسبب الأثر المترتب عليها الحاجز عن الوقوع في الهلاك مضافاً إلى أثر الصدقة والبّر.

 
عن الصادق عليه السلام: "إن صلّة الرحم والبّر يهوّنان الحساب ويعصمان من الذنوب، فصلوا أرحامكم وبرّوا بأخوانكم ولو بحسن السلام وردّ الجواب"1.
 
ب ـ الآثار الأخروية لصلة الرحم:
 
الأثر الأول: يسر الحساب
إن الوقوف أمام نتائج الأعمال حينما توضع في ميزانها الذي أعدّه الباري سبحانه والتعرض للسؤال عن كل ما قدّمه المرء وأخّره، هما أمران غير يسيرين يحتاجان إلى إعداد وتحضير في هذا العالم ومما يدخل في هذه الدائرة صلة الرحم كما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "صلة الرحم تهوّن الحساب وتقي ميتة السوء"2.
 
الأثر الثاني: جواز الصراط
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "حافتا الصراط يوم القيامة الرحم والأمانة، فإذا مرّ الوصول للرحم المؤدي للأمانة نفذ إلى الجنة وإذا مرّ الخائن للأمانة، القطوع للرحم لم ينفعه معهما عمل وتكفأ به الصراط إلى النار"3.
 
الأثر الثالث: الثواب الجزيل
حيث جاء عنهم عليهم السلام: "إنّ من مشى إلى ذي قرابة بنفسه وماله ليصل رحمه أعطاه اللَّه عزّ وجلّ أجر مائة شهيد، وله بكل خطوة
 
 
 

1- م.ن، ح7045.
2- م.ن، ح7053.
3- أصول الكافي، ج2، ص155، ح11.
 
 
 
 
 
38

33

الدرس الخامس: مع الأرحام

 أربعون ألف حسنة، ويمحى عنه أربعون ألف سيئة ويرفع له من الدرجات مثل ذلك وكأنما عبد اللَّه مائة سنة صابراً محتسباً"1.

 
وكفانا هذا الحديث بما اشتمل عليه عن غيره مراعاةً للاختصار ومعرفة منّا بباقي الآثار.
 
د ـ آثار قطيعة الرحم:
 
وهي تنقسم أيضاً إلى قسمين: الأول: الآثار الدنيوية والثاني: الآثار الأخروية.
 
1ـ الآثار الدنيوية لقطيعة الرحم:
 
الأثر الأول: تعجيل الفناء
حيث يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "أعوذ باللَّه من الذنوب التي تعجّل الفناء"، فقام إليه عبد اللَّه بن الكوّاء اليشكري فقال: يا أمير المؤمنين: أويكون ذنوب تعجّل الفناء؟ فقال عليه السلام: "نعم ويلك قطيعة الرحم"2.
 
الأثر الثاني: تعجيل العقوبة
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من ذنب أجدر أن يعجّل اللَّه تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدّخر له في الآخرة من قطيعة الرحم والخيانة والكذب"3.
 
الأثر الثالث: ضياع الأموال
فإنه مما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار"4.
 
 
 

1- مستدرك الوسائل، 2/641، باب 10.
2- ميزان الحكمة، ح7072.
3- م.ن، ح7078.
4- م.ن، ح7069.
 
 
 
 
 
39

34

الدرس الخامس: مع الأرحام

 الأثر الرابع: حلول النقمة وارتفاع الرحمة

عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الرحمة لا تنزل على قومٍ فيهم قاطع رحم"1.
 
وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "حلول النقم في قطيعة الرحم"2.
 
وهناك آثار أخرى لكن في هذه كفاية لردع عن ما عدّه الإسلام من كبائر الذنوب وتوعدّ عليه بالنار.
 
2ـ الآثار الأخروية لقطيعة الرحم:
 
إن الركون إلى القرآن الكريم لقراءة آياته التي تحدّثت عن مصير قاطع الرحم يغنينا عن تعداد الكثير من التفاصيل ويكفينا شاهداً لغده الأسود وحلول اللعنة عليه حيث يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ3 لذلك كان من جملة الذين لا يدخلون الجنة4 كما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

 

 
هـ ـ صلة القاطع:
إن من الأمور غير السائغة لنا أن نبادل السيئة بالسيئة حينما نتعرض للهجران والجفاء من قبل أقاربنا بل الواجد تغليب الجانب الإيجابي بالصلة من طرفنا على الجانب السلبي بالقطيعة من طرفهم وهذا هو المنهج الذي أراده اللَّه تعالى في مقام التعامل معهم وعدّه من أحب الأعمال كما جاء عن زين العابدين عليه السلام: "ما من خطوة أحب إلى اللَّه عزّ وجلّ من خطوتين: خطوة يسدّ بها المؤمن صفاً في اللَّه،
 
 
 

1- م.ن، ح7076.
2- م.ن، ح7075.
3- الرعد:25.
4- ميزان الحكمة، ح7070.
 
 
 
 
 
40

35

الدرس الخامس: مع الأرحام

 وخطوة إلى ذي رحم قاطع"وقال أبو ذر رضي الله عنه: أوصاني رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: ".. أن أصل رحمي وإن أدبرت"2.

 
و ـ الرحم البعيدة:
قد نسأل أنفسنا أين تنتهي حدود الرحم فهل هي مختصة بطبقة من الأقارب دون الأخرى أو تشمل كل من ربطنا به النسب؟ والجواب لرسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول: "لما أسري بي إلى السماء رأيت رحماً معلّقة بالعرش تشكو رحماً إلى ربها، فقلت لها: كم بينك وبينها من أب؟ فقالت: نلتقي في أربعين أباً"3.
 
ز ـ الرحم غير المؤمنة:
ويتجدد سؤال آخر أنه هل يشترط أن تكون الرحم مؤمنة أو مسلمة حتى يكون الوصل واجباً؟ إن هذا هو الذي سأله جهم بن حميد لمولانا الصادق عليه السلام فأجابه بالإثبات بعد سؤاله: "يكون لي القرابة على غير أمري ألهم عليّ حق؟ قال: نعم حق الرحم لا يقطعه شيء، وإذا كانوا على أمرك كان لهم حقّان: حقّ الرحم وحقّ الإسلام"4.
 
 
 

1- م.ن، ح7066.
2- الخصال، 2/347.
3- مرآة الكمال، ج1، ص70.
4- نفس المصدر. 
 
 
 
 
 
41

36

الدرس السادس: مع الجيران

 الدرس السادس

مع الجيران
 
 
 
يقول تعالى:

 

﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ1.

 

 
أ- حرمة الجار:
 
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "حرمة الجار على الإنسان كحرمة أمه"2.
 
لقد حظي الجار في الإسلام بمكانة لم يحظ بها في الأديان الأخرى انطلاقاً من حب التعارف والتعاون بين الإنسان وأخيه الإنسان حيث لم تحصر حقوقه في حدود الوحدة الدينية بل تعدّتها في السعة والشمول والحثّ والاهتمام بما لم تصل إليه في موارد أخرى وما ذلك إلا لمضمون سمائي يترجم التعاليم الإلهية في خطوط الحياة العامة ويحدّد الأسس التي ينتمي إلى رحمها الأمثل والأكمل من التعامل،
 
 
 

1- النساء:63.
2- ميزان الحكمة، ح3008.
 
 
 
 
 
42

37

الدرس السادس: مع الجيران

 فكانت الدعوة من اللَّه سبحانه كما في الآية والوصية من جبريل كما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورّثه فمن قصرّ في حقه عداوة أو بخلاً فهو آثم"1. وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "اللَّه اللَّه في جيرانكم فإنهم وصيّة نبيّكم"2.. وهو في لحظات عروج روحه إلى الملكوت الأعلى مهتماً ومشدّداً في الحفاظ على هذه الوصيّة الأساسية.

 
ب- حدّ الجار:
 
ربما تسأل عن الحد المكاني الذي تنتهي معه حقوق الجوار بحيث أن الذي يتجاوزه لا يحسب جاراً، والجواب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أربعون داراً جارٌ"3، ولعلي عليه السلام: "حريم المسجد أربعون ذراعاً، والجوار أربعون داراً من أربعة جوانبها"4 وعلى ذلك يصبح المحيطون بدارك شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً بما اشتملت عليه مساحة الأربعين لهم حقوق الجار عليك.
 
 
ج- اختيار الجار:
 
ما من أحد لم يسمع قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "الجار ثمّ الدار" حينما سُئل من أحدهم أين يأمره بشراء داره5 ولعل التصميم على تقديمه أنه الأهم وما يترتب عليه من هناء أو عناء وما يكتسبه الرجل من جيرانه فإن حسن الجوار يعمّر الديار ويزيد في الأعمار.
 
 
 

1- م.ن، ح3005.
2- م.ن، ح3006.
3- م.ن، ح3028.
4- م.ن، ح3027.
5- م.ن، ح3010.
 
 
 
 
 
43

38

الدرس السادس: مع الجيران

 وإن جار السوء أعظم الضرّاء وأشدّ البلاء، فمن هنا وجب التأني في الاختيار لما يترتب على ذلك من الآثار وهو المعنى المراد بقول أمير المؤمنين عليه السلام: "سل عن الجار قبل الدار"1.

 
د- الجيران ثلاثة:
 
حيث جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "الجيران ثلاثة: فجار له ثلاثة حقوق، وجار له حقان، وجار له حق واحد".
 
1- فأما الجار الذي له ثلاثة حقوق فالجار المسلم القريب فله حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام.
2- والجار الذي له حقان فهو الجار المسلم، فله حق الإسلام وحق الجوار.
3- والجار الذي له حق واحد، الكافر فله حق الجوار2.
 
هـ- حقوق الجار:
 
الأول: حفظه غائباً.
ومعنى ذلك أن لا يتعرض له بالغيبة والنميمة مستغلاً غيابه للنيل منه والاعتداء على كرامته مريداً بذلك تشويه سمعته أمام الآخرين وقتله من الناحية المعنوية.
 
الثاني: إكرامه شاهداً.
أي أن من حقه حالة حضوره إكرامه وتوقيره واحترامه وتقديره
 
 
 

1- م.ن، غرر الحكم، ح5598.
2- يراجع: البحار، ج71، ص155 – ومستدرك الوسائل، ج8، ص424.
 
 
 
 
 
44

39

الدرس السادس: مع الجيران

 على أحسن الوجوه التي تقضي بها ثوابت العلاقة السليمة وسبل الحياة الكريمة.


الثالث: نصرته إذا كان مظلوماً.
حيث لا يشرع السكوت عن ظلامته بل لا بد من رفعها عنه وعدم ضياع حقه في حضرتك سواء كان مظلوماً في شأن ديني أو شأن دنيوي، فإن الواجب معونته وردّ غيبته.

الرابع: أن لا يتّبع عورته.
وهي صفة رذيلة نهى الإسلام عنها وحذّر منها ويتأكد هذا في الجار حيث أن القرب والجوار يشكّلان منفذاً للاطلاع على بعض الخصائص والأسرار التي لا يتيّسر للبعيد التعرّف عليها وربما كان ذلك في شؤون بيتية أو عائلية فمن القبح بمكان السعي وراء معرفة عيوبه وأقبح من ذلك إذاعتها لتعييره بها.

الخامس: أن يستر عليه.
وهذا ما بات واضحاً من خلال معرفة الحق الرابع، فإن ذلك ثابت له، سواء كان العلم ... ناتجاً عن التتبع المذموم أو من خلال الصدفة والاتفاق.

السادس: أن ينصحه.
ويكون ذلك لزاماً مع تحقق أمرين: الأول: أن يقبل النصيحة ولا ينفر، والثاني: أن تكون بينك وبينه حيث أنها تمثّل في السرّ زيناً له، بينما في العلم وأمام الملأ تصبح شيناً عليه.

السابع: إعانته عند الشّدة.
فإن من حق الجار أن لا يسلّم جاره عند المصيبة الشديدة ويتركه
 
 
 
 
 
45

40

الدرس السادس: مع الجيران

 للنائبات بل أن يقف إلى جانبه مؤازراً ومواسياً ومعيناً له بالنفس والمال وما وقع تحت قدرته.

 
الثامن: أن يعفو عنه1.
لأن العيش الكريم والاباء والترفع على خط واحد فيما لو صدرت منه اساءة أو زل في مقام أو عثر في حديث وما أكثر ما يقع ذلك بين الجيران خصوصاً في المرافق العامة المشتركة بينهم كمواقف السيّارات أو مداخل الأبنية وما شاكلها، فإن المطلوب هو الصفح عنه والحلم معه حتى يرجع إلى رشده وصوابه وهو الأقرب للتقوى ودوام حسن الجوار.
 
التاسع: أن يعوده إذا مرض.
وفي عيادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لجاره اليهودي كما تحدثنا الروايات كفاية.
 
العاشر: أن يشيّعه إذا مات.
ويدل على ذلك ما ورد عموماً في تشييع الجنازة والجار من باب أولى وخصوصاً ما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تعداد حقوقه: "وإن مات اتبعت جنازته"1.
 
وهناك حقوق تفصيلية اشتمل عليها حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع ما تقدم حيث يقول صلى الله عليه وآله وسلم: "وإن استقرضك أقرضته، وإن افتقر عدت عليه، وإن أصابته مصيبة عزّيته، وإن أصابه خير هنّأته، وإن مرض عدته، وإن مات اتبعت جنازته، ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، وإذا اشتريت فاكهة فأهدِ له، فإن لم تفعل فأدخلها سراً، ولا تخرج بها ولدك تغيظ بها ولده، ولا تؤذه بريح قدرك إلا أن تغرف له منها"3.
 
 
 

1- إن جميع هذه الحقوق مستفادة من رسالة الحقوق، ص119.
2- ميزان الحكمة، ح3026.
3- م.ن، ح3026.

 
 
 
 
46

41

الدرس السادس: مع الجيران

 إن ذكر هذا المنهج في التعاطي ما هو إلا للحرص على راحة الجار والعناية الفائقة به حتى أثناء القيام بالحاجات الشخصية كطهي الطعام وغيره رعاية لإبقاء المودة حتى بين الصغار الذين هم بذور الخير التي ستثمر غداً في ربوع هذه العلاقة الحميمة.

 
بل الواجب تفقّده لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: "ما آمن باللَّه واليوم الآخر من بات شبعاناً وجاره جائع"1.
 
و- آثار حسن الجوار:
 
1- زيادة الرزق:
 
حيث جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام: "حسن الجوار يزيد في الرزق"2.
 
2- زيادة العمر:
 
كما عنه عليه السلام: "حسن الجوار يعمّر الديار ويزيد في الأعمار"3 وكذلك يتضح من هذا الحديث أثر ثالث وهو:
 
3- عمران الديار.
 
 
 

1- م.ن، ح3024.
2- م.ن، ح2999.
3- م.ن، ح3000.
 
 
 
 
 
47

42

الفهرس

 

المقدمة

5

الدرس الأول: طريق العلم

7

الدرس الثاني: مع الوالدين

16

الدرس الثالث: أصدقاء السّوء

22

الدرس الرابع:إخوان الصدق

28

الدرس الخامس: مع الأرحام

34

الدرس السادس: مع الجيران

42

 

 

 

 

48


43
أنت والمجتمع