أهـل الفضل


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-06

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


الدرس الأول: المجاهدون

الدرس الأول

المجاهدون
 
 
 
 
يقول تعالى:

 

﴿لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ....سورة النساء، الاية/95    

تمهيد

سوف نتحدث في هذه الحلقة عن المنزلة التي رتّب اللَّه تعالى المجاهد فيها فجعله صاحب خصائص عالية أولاً، وعن حقوقه التي أثبتها له ثانياً، وعن الاثار العظيمة المترتبة على القيام بتأديتها ثالثاً، لنخلص إلى ترسيخ الأسس التي تدعو إلى قيام أوثق العلاقات مع هذا الصنف المخلص من الإنسان. بل التشرف بمعرفته والتقرب إلى اللَّه عزّ وجلّ بخدمته حيث أنه المحرّر من عالم الأسر المادي المحدود إلى علياء الخلود، ولأنه نذر نفسه رهن الإرادة الإلهية، ووقفها وقفاً دائمياً على صراط العزة والكرامة حيث الفداء والدماء، والشموخ والإباء، فكان له ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر،
 
 
 
 
 
 
5

1

الدرس الأول: المجاهدون

 وحسبه أن مدرسة المثل العليا الجوّالة في كل ضمير. فكيف يساوى بغيره أو يستهان بحقّه؟! لهذا كانت الاية المتقدمة فاصلة البيان وجليّة المعان في مقام الجواب.

 
أ- منزلة المجاهد:
 
إن للمجاهد منزلة استحقها حين عزم أن يكون قرباناً إلهياً، مخلّفاً وراءه دنياه الغرور، وعازفاً عن الارتباط بها، بروحٍ سكنها دف‏ء الدم النازف من كربلاء وعرش السماء، فبعدت فنون الأقوال، وقربت أنه حين النزال يعرف الرجال، فاستحق صاحب هذه العزيمة وتلك الإرادة ما سنسمعه في شأنه من أهل البيت عليهم السلام:
 
أولاً: هو خير الناس
 
عنهم عليهم السلام: "خير الناس رجل حبس نفسه في سبيل اللَّه، يجاهد أعداءه، يتمنى الموت أو القتل في مصافّه"1.
 
ثانياً: يجاب إذا دعا، ويغضب اللَّه له
 
ورد في الحديث عن المجاهدين: "فإن اللَّه يغضب لهم كما يغضب للرسل، ويستجيب لهم كما يستجيب لهم"2.
 
وفي حديث اخر: "ثلاثة دعوتهم مستجابة: أحدهم الغازي في سبيل اللَّه، فانظروا كيف تخلفونه"3.
 
ثالثاً: له باب في الجنة
 
في الحديث: "للجنة باب يقال له: باب المجاهدين يمضون إليه فإذا
 
 
 

1- ميزان الحكمة، ح‏2862.
2-م. ن، ح‏5962.
3-وسائل الشيعة، ج‏11، ص‏3121.
 
 
 
 
 
6

2

الدرس الأول: المجاهدون

 هو مفتوح وهم متقلّدون سيوفهم والجمع في الموقف والملائكة ترحب بهم"1.

 
ينقل لنا هذا الحديث صورة الحفل التكريمي الذي تقيمه ملائكة الجنان لاستقبال المجاهدين في جمع رسمي مهيب ضمن مراسم ربانية خصّصت لهم وفتح باب خاص ليدخلوا منه بسلام امنين مع حفاوة وترحيب، لا يدخل منه غيرهم وما ذلك إلا لأنه تعالى خصّهم بهذه الدرجة التي هي جزاء لتضحياتهم وإيثارهم.
 
رابعاً: الأقرب إلى النبوة
 
في الخبر: "أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم والجهاد"2.
 
خامساً: يباهي اللَّه ملائكته
 
ورد "إن اللَّه عزّ وجلّ يباهي بالمتقلّد سيفه في سبيل اللَّه ملائكته"3.
 
سادساً: عمله الأكبر وحظه الأوفر
 
فقد جاء: "ما أعمال العباد كلهم عند المجاهدين في سبيل اللَّه إلا كمثل خطاف أخذ بمنقاره من ماء البحر"4.
 
سابعاً: قائد في الجنة
 
يقول النبي الأعظم صلى الله عليه وآله: "حملة القران عرفاء أهل الجنة، والمجاهدون في سبيل اللَّه قوادهم، والرسل سادة أهل الجنة"5.
 
من خلال ما تقدم يصبح المشهد الحقيقي للمجاهد المعبّر عن
 
 
 

1- ميزان الحكمة، ج‏2، ص‏126، ح‏9762.
2- م. ن، ج‏3، ص‏7602.
3-م. ن، ج‏3، ص‏844.
4- م. ن، ج‏2، ص‏721.
5-دعائم الإسلام، ج‏1، ص‏343.
 
 
 
 
 
7

3

الدرس الأول: المجاهدون

 مكانته في الدنيا ويوم الحساب وفي الجنة واضحاً بما أولاه ربّه سبحانه وفضّله بجملة من الخصائص التي لم ينلها غيره.

 
ب- حقوق المجاهد:
 
إن كل ما ثبت من حقوق للأخ بغض النظر عن كونه مجاهداً هو ثابت للمجاهد من باب أولى وبشكل اكد إضافة إلى ما ورد في شأنه خاصة:
 
الحق الأول: معاونته وتجهيزه
 
فقد ورد: "من جهّز غازياً بسلك أو إبرة غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه وما تأخر"1.
 
وفي حديث اخر: "من جبن من الجهاد فليجهّز بالمال رجلاً يجاهد في سبيل اللَّه.."2 وللمعاونة أساليب عديدة وطرق مختلفة، فقد تكون بالمال أو السلاح أو تزويده بالمعلومات، والحديث الأول في مقام الكشف عن الثواب الجزيل المترتب على أضعفها وأيسرها.
 
الحق الثاني: حفظه في غيبته
 
وهو من أوجب الواجبات وأعظم القربات أن يحفظ المؤمن أخاه المجاهد أثناء غيابه في أداء مهمته العسكرية أو الدفاع عن ثغور الإسلام فلا يخلفه في أهله بخلافة سوء ولا يؤذيه في كل ما يوجب انتقاصه أو هتك حرمته فقد ورد في ذلك وما سيترتب عليه من العقاب يوم القيامة عدة أخبار نشير إلى حديث منها: "من اغتاب غازياً
 
 
 

1- ميزان الحكمة، ح‏1962.
2- م.ن، ح‏2962.
 
 
 
 
 
8

4

الدرس الأول: المجاهدون

 أو اذاه أو خلّفه في أهله بخلافة سوء نصب له يوم القيامة علم فيستفرغ بحسناته ويركس في النار"1.

 
الحق الثالث: عدم أذيته
 
وهو يشمل كل ما يغضبه ويؤذيه من قول أو فعل أو إشارة، سواء كان حاضراً أو غائباً، وفي مقام الجد أو الهزل والمزاح، لأنه لا يشرع هذا الأمر بالإضافة إلى التحذير منه والردع عنه.
 
ففي الحديث: "اتقوا أذى المجاهدين في سبيل اللَّه، فإن اللَّه يغضب لهم كما يغضب للرسل"2.
 
الحق الرابع: إبلاغ رسالته
 
ورد عنهم عليهم السلام: "من بلّغ رسالة غازٍ كان كمن أعتق رقبة وهو شريكه في باب ثواب غزوته"3.
 
ج- آثار تأدية الحقوق:
 
الأثر الأول: غفران الذنوب
 
حيث تقدم الحديث4 بأن تجهيز المجاهد والغازي في سبيل اللَّه بأيسر الأمور وأقلّها ثمناً كالخيط والإبرة مما رتب عليها غفران ما تقدم من الذنب وما تأخر فكيف إذا كان بأكثر وأخطر، حينئذٍ لا يمكن الاحصاء، ولا معرفة تلك النعماء.
 
الأثر الثاني: مضاعفة الحسنات
 
جاء ذلك عن النفقة في الجهاد التي تمثّل عاملاً حيوياً من عوامل
 
 
 

1- م. ن، ح‏0962.
2- م. ن، ح‏5962.
3-م. ن، ح‏4962.
4-م. ن، ح‏1962.
 
 
 
 
 
9

5

الدرس الأول: المجاهدون

 المساهمة والمشاركة في هذه الشرعة المقدسة، وتصّنف بأنها درجة من درجات هذا السبيل القويم مع التفصيل في الفضل بين ما كان واجباً منه أو مستحباً حيث سئل أمير المؤمنين علي عليه السلام عن النفقة في الجهاد إذا لزم أو استحب؟ فقال: "أما إذا لزم الجهاد أن لا يكون بإزاء الكافرين من ينوب عن ساير المسلمين فالنفقة هناك الدرهم بسبعمائة ألف، فأما المستحب الذي هو قصد الرجل وقد ناب عليه من سبعة واستغنى عنه فالدرهم بسبعمائة حسنة، كل حسنة خير من الدنيا وما فيها مائة ألف مرة"1.

 
إن هذه الأرباح الوفيرة والعطاءات الربانية الكثيرة مما يمكن تحقيقها من دراهم معدودة في عالم الدنيا تجود بها نفس الكريم لدعم المسيرة الجهاد وجبهة الحق ضدّ الباطل، تجسيداً للتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.
 
الأثر الثالث: ثواب من أعتق رقبة
 
وهذا ما ورد في خصوص مساعدة الغازي في سبيل اللَّه تعالى بإيصال رسالته وإبلاغ أمره ليكون قناة من القنوات التي تسهّل الوصول إلى الأهداف المنشودة والامال المعقودة.
 
وكما جاء في الحديث: "من بلّغ رسالة غازٍ كان كمن أعتق رقبة"2.
 
 
 

1- م. ن، ح‏9862.
2- م. ن ح‏4462.
 
 
 
 
 
 
10

6

الدرس الثاني: الشهداء

الدرس الثاني

الشهداء
 
 
 
 
يقول تعالى:

 

﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ. سورة البقرة، الاية/154  
 
أ- حياة الشهداء:
 
إن الوقوف أمام هذا النهي القراني عن وصف الشهداء بالأموات يبرز حقيقة حياتهم ومجازية موتهم، لقد قتلوا في ظاهر الأمر وحسبما ترى العين في أفقها المحدود لكن حقيقة الموت وحقيقة الحياة لا تقررهما هذه النظرة السطحية الظاهرة بل لهما أغوار عميقة، وأبعاد صعبة المنال، وكيف يموت من هو عند ربه يرزق ﴿أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ بما لا يحد كلمة (عند) مكان ولا زمان ولا أرض ولا سماء طالما أضيفت إلى اللَّه سبحانه، فهم الذين ليس فوق برّهم برّ.

 

 
 
 

1- آل عمران:169.
 
 
 
 
 
 
11

7

الدرس الثاني: الشهداء

 فكما عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "فوق كل برّ برّ، حتى يقتل الرجل في سبيل اللَّه، فإذا قتل في سبيل اللَّه عزّ وجلّ فليس فوقه برّ..."1 وهم أفضل الخلق بعد الأوصياء حيث يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "ألا وإن أفضل الخلق بعد الأوصياء الشهداء"2 والمهم هنا أن نعرف مسؤوليّاتنا اتجاههم ووظيفة المجتمع مع قضاياهم لننعم من خلال أراء حقوقهم بطمأنينة النفس وراحة البال والضمير وهم ينظرون إلينا من عليائهم كما وصفهم لنا النبي صلى الله عليه وآله: "الشهداء عند اللَّه على منابر من ياقوت في ظلّ عرش اللَّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه وعلى كثيب من مسك، فيقول لهم الرب: ألم أوفِ لكم وأصدقكم؟ فيقولون: بلى وربنا" 3.

 
ب- الشهادة منزلة وكرامة:
 
يكشف عن ذلك خطاب النبي صلى الله عليه وآله لسيد الشهداء عليه السلام: "إن لك في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة"4.
 
وقول علي بن الحسين عليه السلام: "وكرامتنا من اللَّه الشهادة" وهو اعتقاد قائم لدى المسلمين عبّر عنه الإمام الخميني رضوان الله عليه في تأبينه للشهيد مطهري قائلاً: "إحدى مميّزات الإسلام اعتقاد المسلمين أن الشهادة درجة عظيمة، وفوز كبير، والمسلم الحقيقي يستقبل الشهادة بقلب منفتح لأنه يعتقد أن ما وراء هذا العالم وهذه الدنيا عالم أفضل وأنور، من هذا العالم"5.
 
 
 

1-فروع الكافي، ج‏5، ص‏53.
2-تفسير نور الثقلين، ج‏1، ص‏513.
3- كنز العمال، ح‏00111.
4-الأمالي للشيخ الطوسي، ص‏712.
5- جريدة العهد، العدد 54، سنة 5041ه.
 
 
 
 
 
12

8

الدرس الثاني: الشهداء

 ثم يطلق أمنيته: "يا ليتني امتلك أرواحاً عديدة لأفتدي بها مرات من أجل انتصار الإسلام ومحاربة الكفر"1.

 
ج- عطاء الشهداء عند الإمام الخميني رضوان الله عليه:
 
يتحدث الإمام الخميني رضوان الله عليه عن العطاء الخالد، والبركة السارية في كل الأرجاء لهم، منتقداً أولئك الذين يحاولون أن يخضعوهم لموازين ومكاييل لا تتناسب ومكانتهم ولا تساوى بذرة مما قدّموه على المذبح الإلهي عشقاً وشوقاً بوجهه الكريم: "لقد أعطى الشهداء درس المقاومة للعالمين، ليخلد عبر الأجيال القادمة، هذه الشعوب والأجيال الاتية، هي التي ستقتدي بمسيرة الشهداء، وستخلّد مراقدهم الطاهرة، مزاراً للعاشقين، العارفين والمتحرقين، ودار بلسم للأحرار، طوبى للذين رحلوا شهداء، طوبى لأولئك الذين قدموا أرواحهم في هذه القافلة النورانية... اللهم أبق سجل الشهادة مفتوحاً للمشتاقين، اللهم ولا تحرمنا الوصول إليها..."2.
 
د- مسؤولياتنا اتجاه الشهداء:
 
إن لهم حقوقاً علينا، ليس من الصحيح إغفالها، بل من أدنى درجات الوفاء للدماء أداؤها والحفاظ عليها، والاحساس بالتقصير والخجل الدائم أمام تلك التقوى الزكيّة كما كان حال الإمام الخميني رضوان الله عليه حيث يقول: "أحسّ بالخجل حينما أرى نفسي أمام هؤلاء الأعزة
 
 
 

1- صحيفة لواء الصدر، العدد 032.
2- من كلامه رضوان الله عليه بمناسبة قبول قرار مجلس الأمن رقم 895 كيهان العربي العدد 9141.
 
 
 
 
 
 
13

9

الدرس الثاني: الشهداء

 الطافحين بالعشق والإيمان، لقد تعشقوا اللَّه العظيم، والتحقوا بمعشوقهم، ونحن لا زلنا نراوح في مكانن"1.

 
المسؤولية الأولى: الحفاظ على نهجهم.
 
ليس خافياً على أحدٍ أن أولئك العظماء، إنما بذلوا دماءهم وارتقوا إلى الملكوت الأعلى، استناداً إلى مبادى‏ء لا يحق لأي كان التنازل عنها ولا الاستخفاف بحدودها، والتزاماً بنهج أصيل تمتد جذور أصالته إلى الروح النبوية مروراً بعوامل بقائه وخلوده من خلال الفداء الحسيني الذي كانت به صيانة الدين عن الانحراف، والركب الولائي الساري عقيدة وجهاداً عبر جيل بعد جيل وصولاً إلى الالتزام الدائم بطاعة وليّ الأمر على أساس مسالمة من سالم ومعاداة من عادى، فهم على هذه الجادة ساروا وعلينا المسير عليها، فلا يحق لنا التخلف عنها، بل الواجب تعزيز المسيرة التي من أجلها كانت عطاءاتهم وتوالت تضحياتهم لذلك كان من وصاياهم: "الوصية الأساس حفظ المقاومة الإسلامية" وهكذا مئات الوصايا المخزونة في الضمائر والقلوب لشهدائنا الأبرار.
 
المسؤولية الثانية: تكفّل أيتامهم.
 
فقد ورد الحث على ذلك واعتباره مسؤولية اجتماعية كبرى يعاقب المجتمع بكامله على مخالفتها وهي موضع اقتحام الأنبياء والأوصياء في أنفاسهم الأخيرة قبل مغادرة هذه الدنيا الفانية ألا ترى أمير المؤمنين عليه السلام يوصي: "اللَّه اللَّه في الأيتام فلا تغبّوا أفواههم ولا يضيّعوا بحضرتكم فقد سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله يقول: من عال يتيماً
 
 
 

1- اندفاع نحو الشهادة، ص‏35.
 
 
 
 
 
 
14

10

الدرس الثاني: الشهداء

 حتى يستغني أوجب اللَّه عزّ وجلّ له الجنة كما أوجب لأكل مال اليتيم النار"1.

 
وهم أمانة من ضحى بأغلى ما لديه، فالواجب رعايتهم وتعهدهم في سائر أمور معاشهم إلى حد لا يشعر اليتيم بالتراجع عما كان عليه في زمن أبيه، من خلال مودته وبذل ما ينبغي بذله له من الحنان والرأفة والرحمة وعدم حرمانه مما توفر لسائر أبناء الناس من المسكن والملبس والمأكل والمشرب والمدرسة وسائر الأمور. وبذلك يستحق كافله المكانة التي أخبرنا عنها النبي الأعظم صلى الله عليه وآله: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة إذا اتقى اللَّه عزّ وجلّ، وأشار بالسبابة والوسطى"2.
 
المسؤولية الثالثة: قضاء ديونهم.
 
ربما يتوهم بعضنا حينما يسمع حديث النبي صلى الله عليه وآله: "إن أول ما يهراق من دم الشهيد يغفر له ذنوبه"3 إن ذلك يشمل الدَيْن وسائر الحقوق المادية من أمانات وغيرها، لكن الواقع غيره، إذ لا يمكننا قصر النظر على ما تقدم دون الأخذ بغيره من الأحاديث الشريفة التي استثنت الدَيْن ومنها ما قاله النبي نفسه صلى الله عليه وآله: "سبحان اللَّه ماذا أنزل من التشديد في الدَيْن، والذي نفسي بيده، لو أن رجلاً قتل في سبيل اللَّه، ثم أحيي، ثم قتل ثم أحيي، ثم قتل وعليه دَيْن، ما دخل الجنة حتى يقضي عنه دينه"4 فيكون الحديث الأول غير شامل للدَيْن والأمانة.
 
والسبب في ذلك أنها من الحقوق المختصة بالناس وليس باللَّه سبحانه، فما لم يسبق من صاحب الدين إبراء لذمة المدين قبل
 
 
 

1-ميزان الحكمة، ح‏77522.
2- م. ن، ح‏18522.
3- المستدرك، ج‏2، ص‏119.
4- جامع الأحاديث، ج‏4، ص‏282.
 
 
 
 
 
15

11

الدرس الثاني: الشهداء

 الشهادة أو يلحق بعدها كان الوجب قضاؤه وإيصاله وإراحة الشهيد من ثقله، يروى أن النبي صلى الله عليه وآله صلى بأصحابه ذات يوم فقال: "ما ها هنا من بني النجار أحد وصاحبهم محتبس على باب الجنة بثلاثة دراهم لفلان اليهودي وكان شهيد"1. وفي حديثه صلى الله عليه وآله عن الأمانة قال: "القتل في سبيل اللَّه يكفّر الذنوب كلّها إلا الأمانة..." 2.

 
المسؤولية الرابعة: زيارة قبورهم.
 
التي هي من جملة الاداب والسّنن بما تتضمنه من اثار في تربية النفس وتهذيبها وعود الفائدة لها لأنها تذكّر بالاخرة يقول النبي الأعظم صلى الله عليه وآله: "زوروا القبور فإنها تذكركم بالاخرة"3 وهكذا كان يفعل صلى الله عليه وآله زائراً قبور الشهداء في البقيع: "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنّا وإياكم متواعدون غداً ومواكلون، وإنّا إن شاء اللَّه بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد"4.
 
وقد دأبت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام على زيارة قبر عمها الحمزة أسد اللَّه ورسوله كل جمعة ومن ترابه اتخذت سبحتها بعد أن علّمها أبوها صلى الله عليه وآله التسبيح المعروف باسمها عليها السلام وهي عارفة بأنه على قائمة العرش مكتوب حمزة أسد اللَّه وأسد رسوله وسيد الشهداء5.
 
وإن مراقد الشهداء دار بلسم للأحرار كما يصفها الإمام الخميني رضوان الله عليه: "ستخلّد مراقدهم الطاهرة، مزاراً للعاشقين، والعارفين، والمتحرقين، ودار بلسم للأحرار طوبى للذين رحلوا شهداء..."6.
 
 
 

1- كنز العمال، ح‏21111.
2- مستدرك الوسائل، ج‏13، ص‏393.
3- صحيح ابن ماجه ج‏1، ص‏113.
4- السنن للنسائي ج‏4، ص‏77 - 76.
5- ميزان الحكمة، ح‏3189.
6-كيهان العدد، 9141.
 
 
 
 
 
 
16

 


12

الدرس الثالث: العلماء

 الدرس الثالث

العلماء
 
 
 
 
قال تعالى:

 

﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ.سورة الزمر، الاية/9     

أ- منزلة العلماء:

لقد أوضح الذكر الحكيم المنزلة الرفيعة والمكانة العظيمة للعلماء في العديد من اياته مبيّناً أن لهم من الشأن ما لا يمكن بلوغه لغيرهم حيث يمتلكون خصائص ربانية في قطع الأشواط إلى العالم العلوي وميّزات إلهية حصيلة الملكات الفاضلة التي حازوا عليها والمجاهدات التي أوصلتهم إلى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وهم حملة أشرف العلوم وورثة الأنبياء والحماة عن دين اللَّه تعالى أن تدخله البدع والانحرافات كما هناك حماة ومرابطون على الثغور يدافعون عن الأرض والعرض فإن العلماء بأيديهم كانت صيانة المعنويات
 
 
 
 
 
17

13

الدرس الثالث: العلماء

 الإسلامية من الانقراض والعقائد الدينية من الانتقاض، وإن ثبات المجاهدين وصبر الصابرين إنما كان حصاد غذائهم الروحي وزرعهم النوراني حيث حرصوا على مدى العقود ورغم اضطهادهم من الظالمين والولاة على اداء الرسالة كما أرادها صاحبها محققّين الأهداف وغير مبالين ولا خائفين فحفل تاريخهم بأشجع المواقف وأصدق المعارف مع التضحيات الكبرى ليكتب الواحد منهم في سجّل الخالدين كل يوم شهيداً بل فاق ذلك حيث يقول الصادق عليه السلام: "إذا كان يوم القيامة جمع اللَّه عزّ وجلّ الناس في صعيد واحد ووضعت الموازين فيوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء فيرجّح مداد العلماء على مداد الشهداء"1 وربما كان ذلك لوقوع تلقي العلم منهم في سلسلة الأسباب الممهّدة والمساعدة على الشهادة ولأنهم الأدّلاء على اللَّه كما جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام2 وهم ليسوا حاجة فقط بل ضرورة تشكل صمّام الأمان في هذا الوجود كما يعبر عن ذلك الإمام الخميني رضوان الله عليه قائلاً: "لولا وجود هؤلاء العلماء لانمحى الإسلام، فأولئك هم خبراء الإسلام، ولقد صانوا الإسلام حتى الان ويجب أن يبقوا ليبقى الإسلام مصون"3.

 
ب- أهمية اتباع العلماء:
 
إن ما يبرز هذه الأهمية مضافاً إلى ما تقدم إنها ذات أثر في كلا العالمين ومحل تأكيد وتشديد في وصايا الأنبياء والأولياء عليهم السلام حيث يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "واعلموا أن صحبة العالم واتباعه دين يدان
 
 
 

1- ميزان الحكمة، ج‏3، ص‏7602.
2- م. ن، ج‏4، ص‏0242.
3-صحيفة النور، ج‏15، ص‏051.
 
 
 
 
 
18

14

الدرس الثالث: العلماء

 اللَّه به، وطاعته مكسبة للحسنات، ممحاة للسيئات، وزخيرة للمؤمنين ورفعة في حياتهم"1.

 
وإنما كان ذلك لأن العلماء مظهر الإسلام الذي يحكي عن جوهره الحقيقي، فينطق الصواب ويفصل الخطاب، بمثابة ربّان السفينة المبحرة وسط الأمواج الهائجة إلى شاطى‏ء الأمان الإلهي.
 
ج- حقوق العلماء:
 
إن هناك جملة من الاداب والحقوق لا بد من مراعاتها مع العالم ولا يجدر بنا الانحراف عن جادتها، بل لا بد من التعرّف عليها حتى لا يقودنا الجهل بها إلى الوقوع في حفيرتها أو الانزلاق إلى شركها وهي على قسمين: الأول: ما ينبغي فعله والقيام به، والثاني: ما ينبغي تركه والاجتناب عنه.
 
القسم الأول: ما ينبغي فعله:
 
الحق الأول: مجالستهم.
 
فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله: "ما من مؤمن يقعد ساعة عند العالم إلا ناداه ربه عزّ وجلّ: جلست إلى حبيبي وعزتي وجلالي، لأسكننّك الجنة معه ولا أبالي"2.
 
ومما جاء في وصية لقمان لولده: "يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فإن اللَّه عزّ وجلّ يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل السماء"3.
 
 
 

1- تحف العقول، ص‏141.
2- البحار، ج‏1، ص‏198.
3- ميزان الحكمة، ج‏1، ص‏402.
 
 
 
 
 
19

15

الدرس الثالث: العلماء

 فيتضح أن حياة القلوب بل أحياؤها بنور الحكمة والمعرفة التي من يؤتاها فقد أوتي خيراً كثيراً هو على أيديهم وبواسطتهم، فالعازف من مجالستهم سائق لقلبه نحو الموت.

 
الحق الثاني: زيارتهم.
 
حيث أن اللَّه تعالى قد رتّب على ذلك ثواباً كبيراً إضافة إلى الاستفادة العاجلة مصرّحاً بأن زيارتهم أحبّ إليه من الحج والعمرة، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله: "زيارة العلماء أحبّ إلى اللَّه تعالى من سبعين طوافاً حول البيت، وأفضل من سبعين حجة وعمرة مبرورة مقبولة، ورفع اللَّه تعالى له سبعين درجة، وأنزل اللَّه عليه الرحمة، وشهدت له الملائكة أن الجنة وجبت له"1.
 
الحق الثالث: توقيرهم وإكبارهم.
 
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "من وقّر عالماً فقد وقّر ربه"2 وفي رسالة الحقوق: "وأما حق سائسك بالعلم التعظيم له والتوقير لمجلسه".
 
لعل من أكثر المشكلات التي نمارسها مع العلماء، التعاطي معهم كالاخرين، وربما نتجرأ أكثر اعتماداً على رحابة الصدر أو قوة التحمل، أو التواضع الذي يتحلى به العالم حيث أنه رأى الحكمة، وما ذلك إلا لجهلنا بأن اللَّه تعالى رفعهم حيث يقول سبحانه: "يرفع اللَّه الذين امنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات"3 أو لعلمنا وعدم مراعاتنا لهذا الحق مع أنها عبادة يصح التقرب بها إلى اللَّه سبحانه كما عن النبي‏صلى الله عليه وآله: "النظر إلى وجه العالم عبادة"4، "وخير لك من عتق ألف رقبة"5.
 
 
 

1-عدة الداعي، ص‏66.
2-غرر الحكم، ص‏285.
3- المجادلة، اية/11.
4- البحار، ج‏1، ص‏591.
5- م. ن، ج‏1، ص‏402.
 
 
 
 
 
 
20

16

الدرس الثالث: العلماء

 الحق الرابع: تخصيصهم بالتحية.

 
وإنما كان ذلك لأن الإسلام خصّهم وقدّمهم وأمرنا أن نعاملهم على وفق الموقع والمقام الذي دفعهم به غير منتقصين لقدرهم مقدار ذرّة، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "من حق العالم عليك أن تسلّم على القوم عامة وتخصّه دونهم بالتحية"1.
 
الحق الخامس: حسن الإصغاء إليهم.
 
فإن عدم مراعاة هذا الأمر يحوج العالم إلى كلامه، أو يوقع السامع حين التعلم في بعض الشبهات لفوات بعض فقرات الكلام حيث لم يكن مقبلاً عليه بكليته وعقله لذا جاء في حقّه: "وحسن الاستماع إليه والإقبال عليه والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم بأن تفرغ له عقلك وتحضر فهمك"2.
 
الحق السادس: الحزن على فقدهم.
 
وهو بمنزلة فقد الأب الحقيقي الذي يرعى شؤونه ويهتدي بهديه بل أعظم منه حيث ورد عن النبي صلى الله عليه وآله: "موت العالم مصيبة لا تجبر وثلمة لا تسدّ، وهو نجم طُمِس، وموت قبيلة أيسر من موت عالم"3.
 
القسم الثاني: ما ينبغي تركه.
 
أولاً: التخلّي عنهم.
 
وهو سبب لبلاءات عظيمة وللخذلان من اللَّه تعالى كما في الدعاء: "أو لعلك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني"4 وعن النبي صلى الله عليه وآله:
 
 
 

1-ميزان الحكمة، ح‏39831.
2-رسالة الحقوق، ص‏47.
3- ميزان الحكمة ج‏3، ص‏0702.
4- الصحيفة السجادية، ص‏222 ويراجع مصباح المتهجد للطوسي، ص‏885.
 
 
 
 
 
21

17

الدرس الثالث: العلماء

 "سيأتي زمان على أمتي يفرون من العلماء كما يفر الغنم عن الذئب ابتلاهم اللَّه تعالى بثلاثة أشياء:

 
الأول: يرفع البركة من أموالهم.
 
الثاني: سلّط اللَّه عليهم سلطاناً جائراً.
 
الثالث: يخرجون من الدنيا بلا إيمان"1.
 
ألا أن هذه المسبَّبات الناتجة عن تركهم لخير دليل على مدى قبح هذا الأمر.
 
ثانياً: النقد الهدّام.
 
وهو الذي يقوم على أساس تتبع ثغراتهم وإحصاء عيوبهم أو ادّعاء أكاذيب ليس لها صلة بواقعهم لا لأجل تصحيح المسار ولا إصلاح الأمر وإنما بغية التحطيم وغالباً ما يكون من أهل الجهل تفاعلاً مع بعض المؤثرات التي يتلاعب بها الهوى وانسجاماً مع المصالح الخاصة ويبدي الإمام الخميني رضوان الله عليه استياءه من ذلك قائلاً: "كل من يرى كتاب جواهر الكلام يدرك مدى جهود المجتهدين الذين يتطاول اليوم عليهم عدد من روّاد الأزقة ليحددوا لهم تكليفهم"2.
 
ثالثاً: انتهاك مجالسهم.
 
وهو ما يتمّ ببعض التصرفات التي تتنافي وشخصية المؤمن عدّ منها الإمام زين العابدين عليه السلام: "رفع الصوت عليهم، وسبقهم بالجواب إذا سألهم أحد من الناس، والإلحاح، والمحادثة مع غيرهم رغم حضورهم، والغيبة عندهم والإشارة باليد والغمز بالعين، والأخذ
 
 
 

1- ميزان الحكمة، ج‏3، ص‏4232.
2-أسرار الصلاة للخميني.
 
 
 
 
 
22

18

الدرس الثالث: العلماء

 بالثوب، والهمس مع الاخرين بالأسرار وإفشاءها وغير ذلك مثل قال فلان وقال فلان خلافاً لهم وطعناً بمقالهم"1.

 
مع أن أدب الحديث مما يجب الالتزام به في غيابهم فضلاً عن حضورهم ألا ترى الإمام الخميني وهو إمام الأمة حينما يتحدث عن أستاذه يقول "روحي فداه" نسأل اللَّه أن نكون من المستفدين من تعاليمهم.
 
 
 

1-ميزان الحكمة، ح‏19831.
 
 
 
 
 
23

19

الدرس الرابع: وليّ الأمر

 الدرس الرابع

ولي الامر‏
 
 
 
 
يقول سبحانه:

 

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً النساء، الاية/59     

أ- لماذا وليّ الأمر؟

يجيبنا الإمام الرضا عليه السلام قائلاً: "لعلل كثيرة: منها: أن الخلق وقفوا على حد محدود وأمروا أن لا يتعدوا تلك الحدود لما فيه من فسادهم، لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم، إلا بأن يجعل عليهم فيه أميناً، يمنعهم من التعدي والدخول فيما حظر عليهم، لأنه إن لو لم يكن ذلك، لكان أحد لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره، فجعل عليهم قيّما يمنعهم من الفساد، ويقيم فيهم الحدود والأحكام، ومنها: إنّ لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا إلا بقيّم ورئيس لما 
 
 
 
 
 
24

20

الدرس الرابع: وليّ الأمر

  لا بد لهم من أمر الدين والدنيا... ومنها: أن لو لم يجعل لهم إماماً قيّماً أميناً حافظاً مستودعاً لدرست الملة وذهب الدين وغيّرت السنّة والأحكام"1.

 
بهذه الكلمات أبرز الإمام عليه السلام ضرورة ولاية الأمر في حياة البشر لأن بها حفظ نظامهم وترتيب أمور معاشهم وصيانة دينهم عن الانتقاض ومبادئهم من الانقراض وهي غير مختصة بمكان دون مكان أو زمان دون زمان.
 
يقول الإمام الخميني رضوان الله عليه: "وأي حاجة كالحاجة إلى تعيين من يدير أمر الأمة ويحفظ نظام بلاد المسلمين طيلة الزمان ومدى الدهر في عصر الغيبة، مع بقاء أحكام الإسلام التي لا يمكن بسطها إلا بيد والي المسلمين وسائس الأمة والعباد"2.
 
ولما كان بسط الأحكام الذي يمثّل غاية دائمة مستمرة في الإسلام العزيز هو بما لا يتم إلا بين الولي كما يرى قدس سره صح تصنيف هذا الأمر في رأي سلسلة الأوامر الضرورية لإحياء الدين واتمام النعمة مما لا يسوّغ الاستهانة بأهميته البالغة بل على العكس الالتزام به كنمط لا يحاد عنه.
 
ب- حقوق ولي الأمر
 
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "وعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية"3.
 
 

1- علل الشرائع للصدوق. ج 1 ص‏252
2-بحوث ولاية الفقيه ص‏41 الوحدة الثقافية.
3- الخطبة 902 من نهج البلاغة.
 
 
 
 
 
25

21

الدرس الرابع: وليّ الأمر

 1-الحق الأول: حق الطاعة

 
وهو لا يختص لزومه بالمقلدين له، بل يتعداهم إلى مقلّدي غيره، حيث هناك فرق بين الحكم والفتوى، فإن الفتوى يجب العمل على طبقها من قبل المقلّدين له فقط، فعندما يقول بكفاية تسبيحة واحدة في الصلاة مثلاً ويرى غيره وجوب تكرارها ثلاث مرات، لا يجب على الاخرين الذين لا يقلّدونه الالتزام بفتواه بل لا يعذرون في مخالفة الرأي الثاني. وهذا بخلافه في الحكم لأن أمره ليس كذلك حيث اتفق الفقهاء على أن وليّ الأمر إذا أصدر حكماً فإنه يسري على الجميع من مقلّديه وغيرهم وكذلك على الفقهاء أنفسهم ويكون عدم الأخذ بهذا الحكم ردّاً على الأئمة عليهم السلام والنبي صلى الله عليه وآله ومن ثم رداً على اللَّه تعالى يقول الصادق ‏عليه السلام: "فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم حكمنا، فلم يقبل منه، فإنما استخف بحكم اللَّه وعلينا ردّ، والرادّ علينا كالراد على اللَّه"1.
 
ويجيب سماحة السيد القائد قدس سرهم على سؤال موجّه إليه، هل أوامر الولي الفقيه ملزمة لكل المسلمين أم لخصوص مقلديه؟ قائلاً: "طبقاً للفقه الشيعي يجب على كل المسلمين إطاعة الأوامر الولائية الشرعية الصادرة من ولي أمر المسلمين، والتسليم لأمره ونهيه حتى على سائر الفقهاء العظام فكيف بمقلديهم! ولا نرى الالتزام بولاية الفقيه قابلاً للفصل عن الالتزام بالإسلام وبولاية الأئمة المعصومين ‏عليهم السلام "2 وهذا الوجوب شامل لحالتين:
 
الأولى: ما لو كان حكمه موافقاً لفتوى غيره من الفقهاء.
 
 
 

1- تهذيب الأصول للخميني، ج‏3، ص‏741.
2- أجوبة الاستفتاءات، ج‏1، ص‏91.
 
 
 
 
 
26

22

الدرس الرابع: وليّ الأمر

 والثانية: ما لو كان حكمه مخالفاً لفتوى غيره كما إذا أمر بالحرب ضد الكفرة وأعلن الجهاد بينما لم يجوّز الفقيه الاخر المشاركة فيها، حيث يجيب عن هذه الصورة فيقول: "اتباع حكم ولي أمر المسلمين واجب على الجميع ولا يمكن لفتوى مرجع التقليد المخالفة أن تعارضه"1 .

 
2- الحق الثاني: التسليم لأمره ونهيه
 
ومعنى التسليم كما جاء في اللغة: بذل الرضا بالحكم2 وهو فوق الطاعة وحالة أرقى منها، إذ قد يطيع الإنسان من يجب عليه طاعته من دون أن يكون راضياً بحكمه ومقتنعاً بأمره، وإنما التزم بعهده مراعاة لحقه، وهناك حالة أخرى تقترن مع الرضا القلبي والتسليم النفسي الذي يعود في أعماقه إلى مدى الاطمئنان والوثوق بشخصية الولي بما تنطوي عليه من ميّزات وقدرات عالية ونقاوة في عالم إصدار الحكم وإن كان القدر المطلوب الذي يحقق مشروعية أمره ونهيه موجوداً في نفس المكلّف، وهذا ليس مقصوراً على عامة الناس بل يعمّ فقهاء المسلمين من ناحية التأييد وعدم المعارضة.
 
لذلك كان هذا الحق لولي الأمر كامتداد لولاية المعصوم عليه السلام في أثر الانقياد والالتزام والتسليم لا في المكانة والرتبة إذ جلّ مقام ال محمد أن يبلغه غيرهم، ويعتبر ذلك سمة من سمات الشيعة، في الحديث: "شيعتنا المسلّمون لأمرنا..."3 ويترجمه من أهل الولاية أحد أصحاب الصادق عليه السلام قائلاً له: إني مسلّم لأمرك تسليماً كاملاً ولو
 
 
 

1- م. ن، ص‏71، ص‏85.
2- لسان العرب، ج‏6، ص‏643.
3- صفات الشيعة، ص‏31.
 
 
 
 
 
27

23

الدرس الرابع: وليّ الأمر

 شطرت رمانة شطرين وقلت هذا حلال أكله وهذا حرام لقلت صدقت يا ابن رسول اللَّه ومما ذكره سماحة السيد القائد في هذا المجال "أنه يجب التسليم لأمره ونهيه حتى على سائر الفقهاء العظام فكيف بمقلديهم"1.

 
3- الحق الثالث: معاونته وتمكينه (تسخير القدرات له)
 
يعني ذلك وضع الامكانيات والمقدّرات بين يديه خدمة لمشروعه الإلهي في حركة التمهيد لمولانا صاحب الزمان عليه السلام الذي يفترض دراسة المؤهلات التي نمتلكها في سائر ميادين الحياة على مستوى الفرد أو الجماعة وسواء كانت عامة أو خاصة مما له دخل في عملية التمكين والاعداد لأهدافه الكبرى إن من الناحية المادية التي تحدّث عنها القران الكريم: ﴿قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا2، وكذلك إيصال الحقوق الشرعية المالية العامة إليه باعتباره وليّها حيث يقول سماحة القائد: "وليّ الخمس هو وليّ الأمر الذي له الولاية على أمور المسلمين"3 وهذا مما يساعد على إنجاز مشاريعه التي تعتبر حاجات الإسلام المدرجة على قائمة أولوياته حسب تشخيصه الدقيق والسليم.

 

 
ومن الناحية المعنوية كما أمر أمير المؤمنين عليه السلام: "أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد"4 وبيّن ضرورة الاعانة بشكل عام بما يشمل الولي في قوله عليه السلام: "وليس امرؤ أن عظمت في الحق منزلته وتقدمت في الدين فضيلته بفوق أن يعان على ما حمله اللَّه من حقه،
 
 
 

1- أجوبة الاستفتاءات، ج‏1، ص‏91، س‏56.
2- الكهف، اية/95.
3- أجوبة الاستفتاءات، ج‏1 الخمس.
4- نهج البلاغة، الخطبة 902.
 
 
 
 
 
 
28

24

الدرس الرابع: وليّ الأمر

 ولا امرؤ وإن صغرته النفوس وأقحمته العيون بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه"1.

 
وكذلك يدخل في مفهوم المعاونة النصيحة من أهلها الخبراء بالمصالح والمفاسد وتقديم الاقتراحات له وتزويده بالمعلومات من البلدان البعيدة والتقنيات الحديثة.
 
ج- اداب التعامل مع وليّ الأمر
 
وتقتصر على ما بيّنه أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة: "فلا تكلّموني بما تكلّم به الجبابرة، ولا تتحفّظوا مني بما يتحفظ عند أهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنوا بي استثقالاً في حق قيل لي، ولا التماس إعظام لنفسي، فإن من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل"14.
 
ومن جملة الاداب الدعاء له في المجالس العامة وسائر ما ثبت في درس العلماء من الحقوق هو ثابت له بطريق أولى. 
 
 
 

1- نهج البلاغة، الخطبة 902.
2- نهج البلاغة، الخطبة 902.
 
 
 
 
 
29

25

الفهرس

 

الدرس الأول: المجاهدون

5

تمهيد

5

أ-منزلة المجاهد

6

هو خير الناس

6

: يجاب إذا دعاء، ويغضب الله له

6

له باب الجنة

6

الأقرب إلى النبوة

7

يباهي الله ملائكته

7

عمله الأكبر وحظه الأوفر

7

قائد في الجنة

7

ب- حقوق المجاهد

8

معاونته وتجهيزه

8

حفظه في غيبته

8

عدم أذيته

9

إبلاغ رسالته

9

 

 

 

 

30


26

الفهرس

 

ج- آثار تأدية الحقوق

9

غفران الذنوب

9

مضاعفة الحسنات

9

ثواب من اعتق رقبة

10

الدرس الثاني: الشهداء

11

أ-حياة الشهداء

11

ب-الشهادة منزلة وكرامة

12

ج- عظاء الشهداء عند الإمام الخميني قدس سره

13

د- مسؤولياتنا اتجاه الشهداء

13

المسؤولية الأولى: الحفاظ على نهجهم

14

المسؤولية الثانية: تكفل أيتامهم

14

المسؤولية الثالثة: قضاء ديونهم

15

المسؤولية الرابعة: زيارة قبورهم

16

الدرس الثالث: العلماء

17

أ-منزلة العلماء

17

ب- أهمية اتباع العلماء

18

ج- حقوق العلماء

19

القسم الأول: ما ينبغي فعله

19

الحق الأول: مجالستهم

19

الحق الثاني: زيارتهم

20

الحق الثالث: توقيرهم وإكبارهم

20

الحق الرابع: تخصيصهم بالتحية

21

 

 

 

 

31


27

الفهرس

 

الحق الخامس: حسن الإصغاء إليهم

21

الحق السادس: الحزن على فقدهم

21

القسم الثاني: ما ينبغي تركه

21

أولاً: التخلّي عنهم

21

ثانياً: النقد الهدام

22

ثالثاً: انتهاك مجالسهم

22

الدرس الرابع: وليّ الأمر

24

لماذا ولي الأمر؟

24

حقوق ولي الأمر؟

25

الحق الأول: حق الطاعة

26

الحق الثاني: التسليم لأمره ونهيه

27

الحق الثالث: معاونته وتمكينه( تسخير القدرات له)

28

ج-آداب التعامل مع وليّ الأمر

29

 

 

 

 

32


28
أهـل الفضل