توجيهات أخلاقية


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-06

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


الفهرس

مقدمة

7

تمهيد

9

الفصل الأول "الإيمان والأخلاق "

11

الإيمان وآثاره

13

الأخلاق هي الأساس

15

 التحول الأخلاقي عند الإنسان

16

المسارعة باتجاه التحول الالاخلاقي

17

لبُّ  الأخلاق

18

الرسول الأكرم (ص)  وبناء المجتمع الأخلاقي

19

  الفصل الثاني التقوى "والإخلاص"

21

1- المعنى المقصود من التقوى

23

2-  آثار التقوى في الدنيا

24

3- المناصب والتقوى

25

4-  مشكلة الغرب في ترك التقوى

26

الإخلاص

26

 

 

 

5


1

الفهرس

 

آثار الإخلاص

28

1-  النصر

28

2- حل لجميع المشاكل

29

* التعلم من إخلاص أمير المؤمنين

30

الفصل الثالث "الصلاة والاستغفار"

31

التوجيهات العبادية

33

الصلاة

34

*مضمون الصلاة

35

الاستغفار

36

موانع الاستغفار

41

الغفلة

41

الغرور

43

الاستغفار المؤثر

45

خاتمة

47

 

 

 

6


2

مقدمة

 مقدمة

 
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المخلوقات وسيّد المرسلين أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيّبين الأبرار.
 
لقد نالت مسألة الارتباط بالله عزّ وجلّ في كلمات آية الله العظمى وليّ أمر المسلمين الإمام السيّد عليّ الخامنئيّ حظّاً كبيراً، وتنوّعت التوجيهات الأخلاقيّة الّتي تندرج في هذا الإطار بحيث أصبح من الممكن أنْ تُكتب فيها المؤلّفات.
 
ومن مميّزات هذه التوجيهات المباركة ـ زيادة عن كونها صدرت من رجل قد خَبِر ساحات العِلم والعمل ـ أنّها متنوِّعة في شتّى المجالات الّتي ترتبط بالأخلاق العلميّة والعمليّة بشكل أساس.
 
ولكي نستفيد من هذه التوجيهات، كان هذا الكتاب، سائلين الله تعالى أنْ يجعلنا ممّن ﴿يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ الله وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ﴾1.  
مركز نون للتأليف والترجمة
 
 
 

1- الزمر: 18.
 
 
 
 
 
 
7

3

مقدمة

 تمهيد


إنّ البرامج والأعمال العباديّة كلّها ليست إلّا وسيلة للارتباط بالله تعالى والوصول إلى رضاه. وقد تنوّعت كلمات الإمام الخامنئي دام ظله الّتي تتحدّث عن هذا الارتباط، فمنها ما كان يتحدّث عن الارتباط بالله تعالى من خلال الإيمان الّذي يحصل في القلب، ومنها ما كان يتحدّث عن النفس النظيفة المتخلِّقة بأخلاق الإسلام المؤهّلة للسلوك في طريق الوصول إليه، أو عن الأعمال العباديّة، كالصلاة والذكر، الّتي تقوّي علاقة الإنسان المؤمن بالله تعالى.

وبناءً على هذا التنوّع الموجود في كلماته دام ظله، سيكون تقسيم هذا الكتاب، فالفصل الأوّل سيكون للحديث عن الإيمان القلبيّ والأخلاق الإنسانيّة، والفصل الثاني عن التقوى والإخلاص، والثالث عن بعض العبادات كالصلاة والذكر ثُمّ الاستغفار. ونسأل الله تعالى أنْ يوفّقنا للعمل بالنصح، وأنْ يوفّقنا للخير إنّه سميع مجيب.
 
 
 
 
 
9

4

الفصل الأول: الإيمان والأخلاق

 الفصل الأول:

*الإيمان والأخلاق 

- الإيمان والأخلاق
-الايمان واثاره
-الاخلاق هي اساس المجتمع
-التحول الاخلاقي عند الانسان
-المسارعة باتجاه التحول الاخلاقي
-لب الاخلاق
-الرسول الاكرم وبناء المجتمع الاخلاقي
 
 
 
 
 
 
11

5

الفصل الأول: الإيمان والأخلاق

 الإيمان وآثاره

 
لقد ركّز سماحة الإمام الخامنئي دام ظله في حديثه عن الإيمان بالله تعالى على الآثار الّتي يخلّفها هذا الإيمان في حياة الإنسان الاجتماعيّة.
 
ومن أهمِّ الآثار للإيمان بالله تعالى:
 
التعامل الحسن مع الآخرين, وهو من الأمور الّتي ندبت إليها الشريعة وحثّ عليها الكثير من الروايات، فعن الإمام الصادق صلى الله عليه وآله وسلم في تفسيره لقوله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً1 قال صلى الله عليه وآله وسلم: "قولوا للناس كلِّهم حسناً مؤمنهم ومخالفهم، أمّا المؤمنون فيبسط لهم وجهه، وأمّا المخالفون فيكلّمهم بالمداراة لاجتذابهم إلى الإيمان"2.
 
وعن هذا يقول سماحة الإمام الخامنئي دام ظله:
 
"من علامات الإيمان اجتناب الذنوب، والخوف من الله، والتعامل الحسن مع الآخرين، ومخاصمة أعداء الله والشدّة معهم، والتغاضي عن الخلافات الصغيرة مع الإخوة، ومحاسبة الأعداء على كلِّ صغيرة وكبيرة، ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ3، وهذا ما لا يتلاءم مع مصارعة الآخرين، بل يتأتّى من المحبّة والعفو والمداراة"4.
 
ومحبّة الناس الّتي ينبغي أنْ تكون موجودة في قلب كلِّ مؤمن، هي أثر من الآثار الّتي يُخلِّفها الإيمان الحقيقيّ لا الادّعائيّ، وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مداراة الناس نصف الإيمان والرفق بهم نصف العيش"5.
 
 
 

1-سورة البقرة، الآية:83.
2-مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج9، ص36.
3-سورة المائدة، الآية: 54.
4- حديث الولاية: ج4، ص 208 (حزيران  1990)
5-الكافي,الشيخ,ج2,ص117
 
 
 
 
 
 
13

6

الفصل الأول: الإيمان والأخلاق

 ويربط الإمام الخامنئي دام ظله الإيمان بالمحبّة بشكلٍ عامّ من خلال المظاهر الدِّينيّة الّتي تُثير عاطفة المحبّة في القلوب حيث يقول سماحته:

 
"أساساً فإنّ الإيمان إذا لم يكن ممزوجاً بالمحبّة والعشق العميق ومزيّناً بالصبغة العاطفيّة فلن يكون فعّالاً. فالمحبّة هي الّتي تُعطي الإيمان فعّاليّته في مجال العمل والتحرُّك، وتجعله فعّالاً جدّاً، فبدون المحبّة لا يُمكننا أنْ نستمرّ في نهضتنا. ونحن نمتلك في فكرنا الإسلاميّ أسمى عناوين المحبّة، إنّها محبّة أهل البيت عليهم السلام. وقمّة هذه المحبّة تتمثّل في قضية كربلاء وعاشوراء وحفظ الذكريات الغالية لتضحيات رجال الله في ذلك اليوم ممّا حفظ تاريخ التشيّع وثقافته"1.
 
ومحبّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام، كما في الروايات الشريفة، شرطٌ أساس في استكمال المسلم لإيمانه, ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" 2.
 
ولهذه المحبّة آثار عظيمة على الإنسان في الآخرة, ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "حبّي وحبّ أهل بيتي نافع في سبعة مواطن أهوالهنّ عظيمة: عند الوفاة، وفي القبر، وعند النشور، وعند الكتاب، وعند الحساب، وعند الميزان، وعند الصراط"3.
 
 
 

1- حديث الولاية: ج2، ص 1989.
2- ميزان الحكمة، محمدي الري شهري، ج1، ص 518.
3- حديث الولاية: ج4، ص208 (حزيران 1990)
 
 
 
 
 
 
14

7

الفصل الأول: الإيمان والأخلاق

 الأخلاق هي أساس المجتمع


إنّ الأخلاق هي أساس المجتمعات الملتزمة المؤمنة بالله تعالى، ولولا الأخلاق لما قامت لها قائمة، أو لبقيت في مكانها مع تقدُّم الآخرين عليها.هذه الحقيقة يؤكِّد الإمام الخامنئي دام ظله عليها، ويعتبر أنّ من أهمِّ ما تُبنى من خلاله أخلاق الأمّة الملتزمة المؤمنة، هو قصد القربة لله تعالى، في كلِّ الأمور، صغيرها وكبيرها، بما يشمل الأمور السياسيّة، فإنّ السياسة في الأمّة المسلمة ينبغي أنْ تكون قربة لله تعالى لأنّها تصبُّ أخيراً في خدمة العباد، وهذا من أعظم العبادة.

كما أنّ تبليغ الدِّين والتعاليم الإسلاميّة، من قِبَل العلماء، أمرٌ لا يُغفل عن أهميّته في بناء الأخلاق في المجتمع، وعليهم أنْ يضطلعوا بالدور الأكبر في تعميم الثقافة الأخلاقيّة. يقول سماحته:

"إنّ تبليغ الدِّين وتبيين الحقائق، الّذي يُعدّ واجب علماء الإسلام والمبلّغين العظام، يشمل اليوم كلّ تلك الأمور. فلو أنّنا بلغنا أعلى المستويات الاقتصاديّة، وضاعفنا من قدرتنا وعزّتنا السياسيّة الحاليّة عدّة أضعاف، لكنْ أخلاق مجتمعنا لم تكن أخلاقاً إسلاميّة، وكنّا نفتقر إلى العفو والصبر والحلم وحُسن الظن، لساء وضعنا.

فالأخلاق هي الأساس، وكلّ تلك الأمور هي مقدّمة للأخلاق الحسنة "إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق". والحكومة الإسلاميّة تهدف إلى تربية البشر في هذا الجوّ، لتسمو أخلاقهم، وليكونوا أقرب إلى الله، وأنْ يقصدوا القرب منه، فحتّى السياسة لا بُدّ فيها من قصد القربة، والقضايا السياسيّة لا بُدّ فيها من قصد القربة، فمن يتحدّث في القضايا السياسيّة، والّذي يكتب عنها، والّذي يُحلِّلها، والّذي يتّخذ القرارات فيها، لا بُدّ لهم من قصْد القربة.
 
 
 
 
 
 
15

8

الفصل الأول: الإيمان والأخلاق

 متى يكون قصد القربة؟ عندما يبحث الإنسان ويُطالع الأمور وينظر إلى مدى رضا الله فيها، فإنْ وجد رضا الله في هذا الأمر عندها يُمكنه قصد القربة.

 
إذاً، ففي المقام الأوّل لا بُدّ من إحراز رضا الله. انظروا كم هو الأمر واضح، وكيف يغفل بعضنا عنه"1.
 
التحوُّل الأخلاقيّ عند الإنسان
 
والمقصود من التحوُّل الأخلاقيّ ها هنا، هو التزام الفرد المسلم بالواجبات الإيمانيّة الّتي ألزمه بها الله تعالى. وعندما يلتزم الأفراد المسلمون بالأوامر الإلهيّة، فإنّ المجتمع ككلّ سيُصبح منضوياً تحت لواء الطاعة لله عزّ وجلّ، وهذا ما يؤدّي إلى نتيجة رشد المجتمع ككلّ، إذ بصلاح الأفراد تصلح المجتمعات. وعلى هذا فالتحوُّل الأخلاقيّ يبدأ بالفرد أوّلاً، وهذا ما ينفي عذر المثبِّطين والانهزاميّين الّذين يمشون مع كلّ ريح، بحجّة أنّ الظروف قد فُرضت عليهم. إذاً، فالواجب الأهمّ هو أنْ ينفي الإنسان الرذائل عن نفسه أوّلاً.

وعن هذه النتائج والآثار يقول سماحة الإمام الخامنئي دام ظله:
 
"التحوُّل الأخلاقيّ يعني أنّ يتخلّى الإنسان ويجتنب كلّ رذيلة أخلاقيّة، وكلّ أخلاق ذميمة، وكلّ روحيّة سيِّئة ومرفوضة، ممّا يوجب أذيّة الآخرين، أو تخلّف الإنسان نفسه، وأنْ يتحلّى بالفضائل والسجايا الأخلاقيّة. فالمجتمع الخالي من الحسد والضغينة والحقد، والمفكِّرون الّذين لا يستخدمون فكرهم في التآمر على الآخرين والتزوير والخداع، والمثقّفون وأصحاب العلوم إذا لم يستخدموا علومهم في إلحاق الضرر بالناس ومساعدة أعداء الناس، وكان جميع أبناء المجتمع يُريدون الخير لبعضهم 
 
 
 

1- الإمام الخامنئي دام ظله: أخلاق ومعنويت (فارسي)مؤسّسة فرهنكي قدر ولايت، طهران، الطبعة الأولى، ص 87.
 
 
 
 
 
 
16

9

الفصل الأول: الإيمان والأخلاق

 بعضاً ولا يتحاقدون ولا يتحاسدون، ولا يسعون لرغد عيشهم على حساب دمار الآخرين، ولا يطمعون بالاستئثار بكلِّ شيء. هذا هو التحوُّل الأخلاقيّ والحدّ الأدنى للمسألة"1.

 
المسارعة باتجاه التحوُّل الأخلاقيّ
 
إنّ الوقت الأهمّ لكي يعمل الإنسان المؤمن على بناء الأخلاق الحسنة في نفسه، هو عمر الشباب. فالشباب هو سنُّ النشاط والاندفاع وبناء الذات، وهو أيضاً العمر المناسب لبناء الأخلاق الإيمانيّة في القلب لكي تندمج في دم ولحم الشابّ، كما في الرواية عن أبي عبد الله الصادق صلى الله عليه وآله وسلم: "من قرأ القرآن وهو شابٌّ مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه وجعله الله عزَّ وجلَّ مع السفرة الكرام البررة، وكان القرآن حجيزاً عنه يوم القيامة، يقول: يا ربِّ إنّ كلّ عامل قد أصاب أجر عمله غير عاملي فبلِّغ به أكرم عطاياك، قال: فيكسوه الله العزيز الجبّار حلّتين من حلل الجنّة ويوضع على رأسه تاج الكرامة ثُمّ يُقال له: هل أرضيناك فيه؟ فيقول القرآن: يا ربِّ قد كُنت أرغب له فيما هو أفضل من هذا، فيُعطى الأمن بيمينه والخلد بيساره ثُمّ يدخل الجنّة فيُقال له: اقرأ واصعد درجة، ثُمّ يُقال له: هل بلغنا به وأرضيناك؟ فيقول: نعم. قال صلى الله عليه وآله وسلم: ومن قرأه كثيراً وتعاهده بمشقّة من شدّة حفظه أعطاه الله عزَّ وجلَّ أجر هذا مرّتين"2.
 
ويخاطب سماحة الإمام الخامنئي دام ظه الشباب قائلاً:
 
"... التفتوا إلى أنَّ أحد أكبر مهامِّكم هو إعدادُ أنفسكم أخلاقيّاً. أتمّوا 
 
 
 

1- كلمته في عيد الربيع (20/3/1991م)
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص603.
 
 
 
 
 
17

10

الفصل الأول: الإيمان والأخلاق

 أخلاقكم. الفرصة سانحة لكم أيُّها الشبّان، فالمرحلة هي مرحلتكم، وإنّكم تعيشون في مرحلة جيّدة، في ظلِّ حكومة قرآنيّة وثقافة إسلاميّة، لذلك فأمامكم فرصة روحيّة ومعنويّة للسموِّ والتأهيل، فاغتنموا هذه الفرصة. ينبغي أنْ يكون العلم إلى جانب الأخلاق، والتقدُّم الصناعيّ والعلميّ والمادّيّ إلى جانب الرشد الأخلاقيّ، والتوجُّه إلى الله يُعدُّ العامل الأساس للرشد الأخلاقيّ"1.

 
وبالإضافة إلى عمق التحوُّل، يتميّز عمر الشباب بسهولة التحوُّل فيه أيضاً، فالتحوُّل الأخلاقيّ في عمر الشباب سهل وعميق, يقول الإمام الخامنئي دام ظله:
 
"... فإنّ المخاطَب الأوّل والمعنيّ الأوّل في مجال التحوُّل الأخلاقيّ هم الشباب، فكلُّ الأعمال بالنسبة إليهم أسهل ولا تتطلّب الجهد الكثير. فقلوب الشباب نورانيّة، وفطرتهم سالمة لم تمسّ، وهم أقلّ تلوّثاً بزخارف الدنيا ونفاياتها، ولم تُكبّلهم جيّداً القيود الثقيلة من حبِّ المال والجاه والتسلُّط وما شابه ذلك مما يُقيّد قَدَمَي الإنسان عادة، لذلك فإنّ التحوُّل الأخلاقيّ لدى الشبّان أسهل، كما على متوسّطي العمر وكبار العمر أنْ لا ييأسوا من إمكانيّة التحوُّل الأخلاقيّ في أنفسهم"2.
 
لبُّ الأخلاق
 
إنّ من أهمِّ الأسس الّتي يقوم عليها علم الأخلاق، ضبط الشهوات، بل هي لبُّ الأخلاق، لأنّ الأخلاق تقوم على ضبط الشهوات، بحيث تعتدل فلا تجنح لناحية التفريط، ولا الإفراط، بل تسلك الجادّة الوسطى الّتي حدّدتها
 
 
 

1- حديث الولاية، ج8، ص 177.
2- من ندائه بحلول العام الهجري الشمسي الجديد (20/3/1997م(
 
 
 
 
 
18

11

الفصل الأول: الإيمان والأخلاق

  الشريعة الإسلاميّة الغرّاء. ولا يقتصر الأمر في ضبط الشهوات على شهوة التناسل فحسب، بل يتعدّاها ليشمل كلّ الشهوات الأخرى، كالغضب، وحبِّ الانتقام، وشهوة البطن، وشهوة الجاه والمناصب وغيرها من الشهوات. وإلى هذا المعنى يُشير سماحة الإمام الخامنئي دام ظله بقوله:

 
"أعزّائي... إنّ الإنسان في أسمى شكلٍ وأكمل حياة هو ذلك الإنسان الّذي يُمكنه التحرُّك في سبيل الله ويرضي الله عنه، والّذي لا تأسره شهواته، ذلك هو الإنسان السالم والكامل. أمّا الإنسان المادّيّ الّذي يقع أسير شهوته وغضبه وأهوائه النفسيّة وأحاسيسه فإنّه إنسان حقير، مهما كان كبيراً على الظاهر وله منصب. فرئيس جمهوريّة أكبر دول العالَم الّتي تمتلك أكبر ثروات العالَم، إذا كان عاجزاً عن لجم شهواته وقمعها، وكان أسير طلباته النفسيّة، فإنّه إنسان وضيع، أمّا الإنسان الفقير الّذي يُمكنه أنْ يتفوّق على شهواته، ويطوي الطريق الصحيح، أي طريق كمال الإنسان وطريق الله، فإنّه إنسانٌ عظيم"1.
 
الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وبناء المجتمع الأخلاقيّ
 
لقد كان للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أسلوبٌ خاصٌّ في تأهيل المجتمع ليُصبح مجتمعاً أخلاقيّاً، ولعلّ هذا الأسلوب هو الأسلوب الأنجع، والأكثر تأثيراً في كلِّ الأساليب التبليغيّة، وهو يتمثّل بتقديم النصيحة الأخلاقيّة من خلال العمل بها، وليس من خلال الخطب والشعارات أو وسائل الدعاية فقط، يقول سماحة الإمام الخامنئي دام ظله:
 
"الأمر الّذي يستوقفني اليوم في بحثِ حياةِ الرَسُولِ الأكرَم صلى الله عليه وآله وسلم هو
 
 
 

1- من خطبة الجمعة (1/2/1997م(.
 
 
 
 
 
 
19

12

الفصل الأول: الإيمان والأخلاق

   أنَّ نبيَّ الإسلام سعى لتثبيت القيم والأخلاقِ الإسلاميّةِ بشكلٍ كامل في المجتمع، ولتمتزج بروح الناس وعقائدهم وحياتهم وتختلط فيها، لذلك كان يُعطِّر جوّ الحياة بالقيم الإسلاميّة.

 
فقد يُصدر الإنسانُ أوامر أو يُوجِّه توصيات، كأنْ ينصح الناس ويُعلّمهم ويأمرهم ويوصيهم بحسن الخُلق والعفو والصبر والاستقامة في سبيل الله وعدم الظلم والسعي لإقامة العدل والقسط، وعلى رغم أنّ ذلك أمر لازم، لكنّ نبيّ الإسلام كان يُعلّمهم دروس المعرفة والحياة، كان يُمارس التعليم من جهة، ويُنفِّذ ذلك في سيرته. فمن أجل تثبيت هذه الأخلاق والواجبات الإسلاميّة في المجتمع كان يواجه العقائد الخاطئة للناس، ويُحارب الأحاسيس الجاهليّة ورواسب الأخلاق غير الإسلاميّة ويواجهها، ويُعطي المجتمع شحنات، ويمارس في المناسبات وبأسلوب مناسب الصفة والأخلاق والأسلوب الحسن بشكلٍ كامل.
 
وإذا أراد أيُّ مجتمع أنْ يتطوّر وأنْ يوجد الأخلاق الإسلاميّة الصحيحة في محيطه، فإنّه يحتاج إلى هذا الأسلوب. ولعلّ المقصود من التزكية الّتي ذُكرت في عدّة آيات قرآنية، بتعبير ﴿يُزَكِّيهِم" بعد عبارة "يُعَلِّمُهُمُ أو قبلها، لعلّ المقصود في هذه الآيات هو هذا، أي تنقية وتطهير وتزيين الناس، كالطبيب الّذي لا يكتفي بتوصية مريضه أنْ يفعل كذا وكذا، بل يضعه في مكانٍ خاصٍّ، ويُعطيه ما يلزمه من دواء وعلاج، ويُخرج منه ما يضرّه. هكذا كان وضع النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وهذا أسلوبه طوال ثلاثة وعشرين عاماً من نبوّته، وخصوصاً خلال السنوات العشر الّتي عاشها في المدينة ومرحلة حكم الإسلام وتشكيل الحكومة الإسلاميّة"1.

 

 
 
 

1-حديث الولاية,ج2,ص241
 
 
 
 
 
 
20

13

الفصل الثاني: التقوى والإخلاص

 الفصل الثاني: 


التقوى والإخلاص

-اثار التقوى في الدنيا
-المناصب والتقوى
-مشكلة الغرب في ترك التقوى
-اثار الاخلاص
-التعلم من اخلاص امير المؤمنين
 
 
 
 
 
 
21

14

الفصل الثاني: التقوى والإخلاص

 التقوى

 
من الدعائم الكبرى للارتباط بالله سبحانه وتعالى (التّقوى). وقد أكثر سماحة الإمام الخامنئي دام ظله من التنبيه والتوجيه للالتزام بهذه الدعامة الأساس للإيمان والارتباط بالله.
 
وتتنوّع توجيهات الإمام الخامنئي دام ظله في هذا الإطار إلى عدّة عناوين أساس منها:
 
المعنى المقصود من التقوى
 
يؤكِّد سماحة الإمام الخامنئي دام ظله على المعنى الشرعيّ للتّقوى، حيث يعتبر أنّ أولى مراتب التّقوى هي الالتزام بالأوامر الإلهيّة من حلال وحرام:
 
"معنى التّقوى هو أنْ يؤدّي الإنسان جميع التكاليف الّتي أمره الله تعالى بأدائها، أنْ يؤدّي الواجبات ويترك المحرَّمات. تلك هي أولى مراتب التّقوى. لذا لا بُدّ من معرفة المحرّمات الإلهيّة والابتعاد عنها وعدم الحوم حولها. وعندما يتمُّ ترسيخ روحيّة التّقوى وتسليم القلب لله والتعامل مع الله وذكر الله والتوجّه والدعاء والتوكُّل في قلب هذا الشابّ التعبويّ المؤمن الجامعيّ أو طالب العلم أو من أيِّ فئةٍ ومدينة وقرية كان، عندها سيُمثّلون الصفّ المرصوص والقويّ الّذي تعجز عن هزّه أيُّ قوّة في العالَم. وهو الضامن لتقدُّم أهداف الإسلام والثورة. وعلينا أنْ نعرف قدره"1.
 
ويقول أيضاً:
 
"فالمؤمن الّذي يُريد أنْ يطوي سبيل الله ويتحرّك في صراط الله المستقيم لا بُدّ أنْ يكون متّقياً. وليتمكّن من نيل رضا الله لا بُدّ أنْ يستفيد من النورانيّة الإلهيّة ليتمكّن من بلوغ مراحل المعنويّة العالية والوصول
 
 
 

1- حديث الولاية, ج8، ص232.
 
 
 
 
 
 
23

15

الفصل الثاني: التقوى والإخلاص

    إلى حاكميَّة دين الله. فالتّقوى تعني للفرد الّذي يتحرّك في طريق الدِّين والإيمان، تعني رعاية التكاليف الدِّينيّة، وصرف القلب عن الأهواء والشهوات، وعدم الانحراف عن طريق الله"1.

 
آثار التقوى في الدنيا
 
يؤكِّد الإمام الخامنئي دام ظله على أنّ للتقوى آثاراً مهمّةً في الدنيا، فضلاً عن آثارها في الآخرة، الّتي ذكرها الكثيرون في الكثير من الكتب، ويُركِّز على أنّ التقوى هي الّتي تصنع المجتمع الناجح والعزيز, يقول دام ظله في إحدى الخطب:
 
"إنّ التّقوى، هذا العامل العظيم، تؤثِّر في جميع ميادين الحياة. لاحظوا القرآن كم أكثر من الحديث عن التّقوى، ليس فقط عندما تموتون وتنتقلون إلى العالَم الآخر ستنالون الأجر من الله، كلّا فالتّقوى تُدير الحياة في هذه النشأة، صحيح أنّ الحياة في هذه النشأة هي الّتي تصنع تلك النشأة. لكنْ ترك التّقوى يجعل الإنسان غافلاً، والغفلة تلطم رأس الإنسان بالأرض.
 
أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم يُشبِّه التّقوى بالخيل الطيّعة المؤاتية الّتي يمتطيها صاحبها ويقودها حيث يشاء، وهي تحمله حيث يشاء دون تردّد. ويُشبّه الخطأ والمعصية بالخيل العاصية غير المروَّضة ما إنْ يمتطيها صاحبها حتّى يفلت من يده زمامها وتأخذه حيث لا يُريد وترميه إلى الأرض"2.
 
ويقول دام ظله في خطبة أخرى:
 
"إذا اتّصف الشعب أو الفرد بالتّقوى، فستأتيه كلّ خيرات الدنيا والآخرة. فائدة التقوى لا تنحصر في كسب رضا الله ونيل الجنّة الإلهيّة يوم القيامة، 
 
 
 

1- حديث الولاية, ج6، ص213.
2-خلال لقائه بقادة قوات حرس الثورة الإسلاميّة (16/9/1997م)
 
 
 
 
 
 
24

16

الفصل الثاني: التقوى والإخلاص

 فالإنسان المتّقي يجد فائدة التّقوى في الدنيا أيضاً، فالمجتمع المتّقي، والمجتمع الّذي يختار طريق الله بدقّة، ويتحرّك في هذا الطريق بدقّة، فسينال نِعَم الله في الدنيا أيضاً، وسينال العزّة الدنيويّة أيضاً، وسيلهمه الله العلم والمعرفة بشؤون الدنيا أيضاً. والمجتمع الّذي يتحرّك في طريق التّقوى يكون جوّه سالماً ومفعماً بالمحبّة والتعاون والتنسيق بين أفراده"1.

 
المناصب والتقوى
 
من التوجيهات في كلمات الإمام الخامنئي دام ظله، اشتداد أهميّة التّقوى للإنسان كلّما علا في منصبه أو مسؤوليّته, ومن تلك التوجيهات الهامّة:
 
"أينما كنتم، ومهما كان عملكم، وأيّة مسؤولية تحمّلتم، وأيّ شأن من الشؤون الاجتماعيّة كان لكم, يجب أنْ تنصبَّ همّتكم في الدرجة الأولى على نيل رضا الله وأداء التكليف الإلهيّ، وذلك هو التّقوى، فالتّقوى هي أنْ تُقدموا على أداء التكليف وتحترزوا من الانحراف والضياع. إذا وجد فيكم هذا الحسّ، وبذلتم الهمّة والسعي، وخطوتم أوّل خطوة، فسيُعينكم الله تعالى في الخطوة التالية.
 
كلّما علت مناصبنا احتجنا إلى التّقوى أكثر. والتّقوى هي الّتي تنصر الإنسان في ساحة الجهاد أيضاً. والتّقوى هي الّتي نصرتكم في ساحة المواجهة مع الاستكبار وخلال سنوات الثورة حتّى انتصرتم في مثل هذه الأيّام من عام 1979م. لقد انتصرتم بتقوى ذلك القائد الّذي لا يهتمّ أبداً إلّا بالأوامر الإلهيّة والتكليف الشرعيّ، وبتقوى كلّ واحد منكم يا أبناء الشعب الّذين تخلّيتم عن أهوائكم ومصالحكم الشخصيّة من أجل الله.
 
تذكرون في تلك الأيّام كيف توجّهت القلوب كلّها باتجاه الهدف المقدّس،
 
 
 

1- أخلاق ومعنويت (فارسي)، ص116.
 
 
 
 
 
 
25

17

الفصل الثاني: التقوى والإخلاص

  لم يذكر أحدٌ نفسه، لم يُفكِّر أحدٌ باكتناز المال، لم يُفكِّر أحدٌ بزيادة ثروته، لم يُفكِّر أحدٌ بعملٍ أو منصب، لم يُفكِّر أحدٌ باستباق الآخرين، بل كلُّ واحدٍ كان يُفكِّر في تكليفه الشرعيّ والإسلاميّ والثوريّ فيؤدّيه، علينا أنْ نقوم اليوم بذلك أيضاً".

 
مشكلة الغرب في ترك التقوى
 
يُشير الإمام السيّد الخامنئي دام ظله في بعض توجيهاته إلى أنّ الغرب، وإن كان قد حقّق تقدّماً هائلاً، وأنجز الكثير في سبيل حياته المادّيّة، إلّا أنّ تركه للتّقوى قد أوقعه في الكثير من المفاسد والمهالك ولا سيّما على المستوى الاجتماعيّ , يقول سماحته دام ظله:
 
"التّقوى هي مفتاح السعادة الدنيويّة والأخرويّة، إنّ البشريّة الضائعة الّتي تئنُّ من أنواع الصعاب والآلام الشخصيّة والاجتماعيّة، تُعاني من سياط عدم التّقوى والغفلة وعدم الالتفات والغرق في وحول الشهوات الّتي أُعدت لها. فالمجتمعات المتخلّفة أمرها معلوم، لكنْ المجتمعات المتقدِّمة الّتي تحسُّ بالسعادة في بعض نواحي حياتها بسبب تنبّهها ويقظتها في بعض شؤون حياتها، تُعاني أيضاً من الفراغ ومن النقص المميت الّذي يُعبّر عنه الكتّاب والخطباء والفنّانون بمائة طريقة وتعبير"1.
 
الإخلاص
 
عندما يتحدّث الإمام الخامنئي دام ظله عن الإخلاص لله تعالى، فإنّه يتحدّث عن البعد العمليّ للإخلاص، والّذي يتجسّد في أداء التكاليف الإلهيّة بنيّة
 
 
 
 

1- خلال لقائه بقادة قوات حرس الثورة الإسلاميّة (19/9/1995م).
 
 
 
 
 
 
26

18

الفصل الثاني: التقوى والإخلاص

  التقرُّب لله وحده بدون انتظار لأيِّ ثمن من المخلوقين من مال أو جاه أو غيره, يقول سماحته دام ظله:

 
"الإخلاص هو أنْ يؤدّي الإنسان عمله لله ومحبّةً في أداء الواجب، وأنْ لا يعمل الإنسان من أجل هوى النفس، ولتحصيل المال والثروة، ونيل المنصب والسمعة وحكم التاريخ والدوافع النفسيّة، وإشباع صفة الحسد والطمع والحرص والزيادة، بل أنْ يؤدّي واجبه لله ولأداء الواجب محضاً، هذا هو معنى الإخلاص، وهكذا يتقدّم العمل. إنّ مثل هذا العمل كالسيف البتّار يُزيل كلّ الموانع عن طريقه، والإمام الخميني كان مجهّزاً بهذا السلاح، حيث قالها عدّة مرّات: إنّي لن أغضّ الطرف عن أقرب المقرّبين إليّ إذا خطوا خطوة خلافاً للحقّ، وهكذا كان حقّاً، وقد أظهر في المواقع الحسّاسة أنّ المهمّ بالنسبة إليه هو أداء الواجب، لقد أظهر ذلك في العلن وفي الوحدة، وفي الأعمال الكبيرة والصغيرة، وأضحى فعله ذاك درساً لمريديه وأبنائه وتلامذته، ممّا جعلهم يسطّرون المعاجز في جبهات الحرب بهذا السلاح نفسه"1.
 
ويطرح سماحة الإمام الخامنئي دام ظله تساؤلاً مهمّاً نقله عن أحد العلماء العظام من أهل الأخلاق، وهو في الحقيقة اختبار لصدق الإنسان الملتزم بدعوى الإخلاص لله تعالى فيقول:
 
"أحد كبار أهل السلوك والمعرفة وجدته قد كتب في رسالة: لو افترضنا محالاً أنّ جميع الأعمال الّتي قام بها نبيُّ الإسلام المكرّم صلى الله عليه وآله وسلم والتي كان ينوي القيام بها، كان عليه أن يؤدّيها باسم أحدٍ آخر، فهل كان نبيُّ الإسلام سيسخط من ذلك؟ وهل كان سيرفض القيام بها لأنّها ستتمّ باسم غيره؟ هل كان الأمر كذلك؟ أم أنّ هدفه كان أنْ تتمّ تلك الأعمال، وليس مهمّاً بأيِّ اسم
 
 
 
 

1- خلال الاجتماع الكبير لقوات التعبئة الشعبية بذكرى تشكيلها (25/11/1997م(.
 
 
 
 
 
 
27

19

الفصل الثاني: التقوى والإخلاص

 ستتمّ؟ إذاً فالهدف هو المهمّ، أمّا الشخص و(أنا) و(نفسي) فليست مهمّة عند الإنسان المخلص، فلديه الإخلاص ولديه الاعتماد على الله، ويعلم أنّ الله تعالى سيغلّب هذا الهدف، لأنّه قال: ﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ1، وكثير من هؤلاء الجنود الغالبين يسقطون شهداء في ساحة الجهاد ويرحلون، ورغم ذلك قال: ﴿وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ فالغلبة لهم رغم ذلك"2.

 
آثار الإخلاص
 
إنّ للإخلاص لله تعالى آثاراً على الصعيدين الدنيويّ والأخرويّ، فأمّا على الصعيد الأخرويّ فإنّ كتب الأحاديث مليئة بما يكشف عمّا أعدّه الله تعالى لعباده المخلصين.
 
أما على الصعيد الدنيويّ فسنذكر بعض آثار الإخلاص الّتي أشار إليها سماحة الإمام الخامنئي دام ظله، فمن هذه الآثار:
 
1ـ النصر
 
"بلطف الله وبسبب جهاد الجماهير وإيمانهم وإخلاصهم فقد فشلت جميع الحسابات الدوليّة. هذا هو فعل الله، وإلاّ فمن الّذي قام بذلك؟ أنتم؟ وهل هناك من يُمكنه أنْ يدّعي أنّه قام بذلك؟ كلّا، لا أحد يُمكنه ذلك. إنّ الحركة المخلصة والجهاديّة للجميع هي الّتي فعلت ذلك. كما أنّ انتصار الثورة الإسلاميّة ليس لأحدٍ ما أنْ ينسبه لنفسه. والإمام الخميني بعظمته وبشخصيّته وقيادته الّتي لا تُجاريها أيّة قيادة معاصرة في العالَم، وله كلُّ الحقّ في أعناقنا، لكنّه لم ينسب النصر لنفسه أبداً. وإذا دقّقنا في الأمر
 
 
 

1-سورة الصافات، الآية: 371.
2-خلال لقائه مع الإخوة والأخوات أعضاء الحرس والتعبئة (22/11/1998م)
 
 
 
 
 
 
28

20

الفصل الثاني: التقوى والإخلاص

  لوجدنا أنّ الأمر كذلك، لأنّه كان يُشكِّل في الحقيقة وسيلة إلهيّة للناس. فحركة الناس العظيمة والإخلاص والتضحيات أدّت إلى الانتصار هنا...

 
... فالقدرة الإلهيّة طريقها الإخلاص. عليكم أنْ تخطوا هذه الخطوة بالإخلاص والتسامح والوحدة والأخوّة، ولا يتحرّك أحدٌ لنيل السلطة، وليتحرّك الجميع في سبيل الله، وأنْ تكون النيّة لله في كلِّ عمل، فإنْ أضحت الأمور هكذا، فإنّ الله تعالى سيُبارك هذه الخطوة ويجعلها على أفضل وجه"1.
 
2ـ حلٌّ لجميع المشاكل
 
"فعلاج كلِّ مشاكلنا هو الإخلاص. فإنْ كان هناك إخلاص فستزول كلُّ الأمور الّتي تؤذي حالياً نظامنا ومجتمعنا، فالإخلاص في العمل سيؤدّي إلى تعميق الوحدة"2.
 
"ما دام هذا الشعب مستمرّاً بالسير بهذا الإيمان وهذا الإخلاص والصفاء، ويتحرّك ويُجاهد، فإنّ لطف الله تعالى سيشمل هذا النظام، وسيحتفظ هذا النظام بقدرته ونشاطه وحضوره وقدراته الفائقة...
 
... لله الحمد، فإنّ نسبة كبيرة من هذه المعايير موجودة في بلدنا، ومن الأفضل أنْ نتطوّر في هذا المجال، فالبلد الّذي يمتلك هذه الخصائص، من طالبه الجامعيّ إلى تاجره ومتنوّره وعالمه ودولته، وبهكذا إيمان ودافع ووحدة, فلن تتمكّن لا أمريكا ولا عشر قوى كأمريكا أنْ تنال من شعرة من رأس أحد أبنائه في مواجهتها وعدوانها على مثل هذا الشعب في ساحة السياسة الدوليّة"3.
 
 
 

1- حديث الولاية، ج6، ص5.
2- حديث الولاية، ج5، ص1990.
3-من بيانه بمناسبة اليوم العالميّ لمقاومة الاستكبار العالميّ (03/01/1996م(.
 
 
 
 
 
29

21

الفصل الثاني: التقوى والإخلاص

 التعلُّم من إخلاص أمير المؤمنين عليه السلام

 
من التوجيهات الهامّة لسماحة الإمام الخامنئي دام ظله دعوته للاقتداء بإخلاص أمير المؤمنين علي صلى الله عليه وآله وسلم، والّذي يُعتبر النموذج الأرقى والصورة الأبهى للإخلاص حيث يقول سماحته دام ظله:
 
"نُقل في (نهج البلاغة) عن أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (ولقد كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا, ما يزيدنا ذلك إلاّ إيماناً وتسليماً، ومضيّاً على اللّقم، وصبراً على مضض الألم)1 أي كنّا نواجه أهلنا وأقاربنا بإخلاص ونُقاتلهم في سبيل الله (فلما رأى الله صدقنا, أنزل بعدوّنا الكبت، وأنزل علينا النصر)2، فعندما تحرّكنا في سبيل الله بإخلاص وصدق، ورأى الله منّا ذلك, هزم عدوّنا ونصرنا. ثُمّ يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (ولعمري لو كنّا نأتي ما أتيتم ما قام للدِّين عمود ولا اخضرَّ للإيمانِ عود)3 ولكنْ ببركة إخلاص هؤلاء المسلمين الأوائل وصدقهم كان ذلك التقدُّم، وقام المجتمع الإسلاميّ، والحضارة الإسلاميّة. وهذه الحركة التاريخيّة العظيمة المعاصرة هي كتلك. وشعبنا والمسلمون في العالَم كلّه، واليوم الشعب العراقيّ وقادة ذلك الشعب وباقي الشعوب في كلّ ناحية من العالَم الّتي تلهج باسم الإسلام، عليهم جميعاً أنْ يتعلّموا هذا الدرس من عليّ بن أبي طالب عليه السلام"4.
 
 
 

1- نهج البلاغة، الخطبة 65.
2- م. ن.
3-م. ن.
4- حديث الولاية: ج7، ص41.
 
 
 
 
 
 
30

22

الفصل الثالث الصلاة والاستغفار

 الفصل الثالث


الصلاة والإستغفار
 
 
-مضمون الصلاة
-الصلاة معبر السلوك
-اثار الاستغفار
-اثر الذنوب
-موانع الاستغفار
-الاستغفار المؤثر
 
 
 
 
 
 
31

23

الفصل الثالث الصلاة والاستغفار

 هناك الكثير من التوجيهات الأبويّة الصادقة للإمام الخامنئي دام ظله المتعلّقة بالعبادة وروحيّتها، ومضمونها، من الصلاة إلى الذكر والاستغفار والدعاء، وغيرها من العناوين. وسنتعرّض في هذا الفصل إلى بعض هذه العناوين سائلين الله تعالى أنْ يوفّقنا للعمل بها.

 
الصلاة
 
يُحدِّثنا الإمام الخامنئي دام ظله عن أهميّة الصلاة في البعدين الفرديّ والاجتماعيّ. فالصلاة كما هي علاج لأمراض النفس من خلال العبوديّة لله تعالى، فهي أيضاً علاج لأمراض المجتمع المنغمس في الأمور المادّيّة المحتاج لعلاقة مع الله الرحيم. يقول سماحته دام ظله:
 
"كلّما ازداد المصلّون المتوجّهون الخاشعون الذاكرون, كلّما قلّت الظُّلمات والأنانيّة والتفرُّد والاستبداد وسوء الظن والحرص والاعتداء والحسد، ويزداد في المقابل نور الفلاح على جبين الحياة ويتلألأ. فأساس كلِّ مرارات البشر من الغفلة عن الله، والاهتمام بالمصالح الشخصيّة فقط. والصلاة تُخرج الإنسان من سور الظلام، وتوجّه شهوته وغضبه نحو الحقيقة المتعالية والخير العام"1
 
"اليوم يتعرّض الإنسان والإنسانيّة للضغوط الشديدة بسبب سيطرة النظام الآلي على جميع المجتمعات البشريّة، ويضطرّ كلُّ إنسان أنْ يُنظِّم حياته الفرديّة والاجتماعيّة مع الآلة، تلك النغمة الثقيلة والمهلكة للروح، وفي هذا التناغم يخفت لون صلة الرحم والمروءة والعفو والإيثار وكلّ القيم الأخلاقيّة الأخرى، وتختفي في هذا الوضع بل تنهدم الأسرة وحنانها
 
 
 

1- من ندائه إلى مؤتمر الصلاة (8/9/1998م(.
 
 
 
 
 
 
33

24

الفصل الثالث الصلاة والاستغفار

 وأخلاق المعاشرة. منذ عشرات السنين أحسّ المشفقون وبعيدو النظر بهذا الخطر الداهم في قلب محيط المدينة الصناعيّة والآليّة وأطلقوا تحذيراتهم، لكنْ للأسف لا يزال ملايين الناس، وخصوصاً الشبّان الّذين يمتلكون أحاسيس مرهفة وروحيّة أكثر تضرّراً من غيرهم، لا يزالون في هذا البلاء الكبير دون دفاع ولا علاج.

 
لذلك فإنّ الناس اليوم أكثر حاجة من ذي قبل للعلاقة المعنويّة مع الله الرحيم والكريم، والصلاة هي أنجع وأفعل وسيلة لتأمين هذه الحاجة"1.
 
مضمون الصلاة
 
يتحدّث الإمام الخامنئي دام ظله عن الصلاة الحقيقيّة، الّتي تُقام بحضور القلب، الصلاة الّتي تترك آثارها على حياة الإنسان، والصلاة الّتي تؤثِّر في بناء الذات. والصلاة لا تكون كذلك إلّا إذا أُقيمت بحضور القلب وتوجّهه نحو الحقّ جلَّ وعلا. يقول دام ظله في هذا الإطار:
 
"إنّ العبادات، وعلى رأسها الصلاة، لها كلُّ هذه الأهميّة، وسُمّيت الصلاة بعمود الدِّين، ذلك عندما تكون الصلاة مقرونة بالتوجّه والحضور، فإنّها تجعل قلب المصلّي وروحه والجوّ من حوله لطيفاً ونورانيّاً ومعطّراً، وتُنير البيت والأسرة وجوّ العمل والأصدقاء وجوّ المحلّة وكلّ أجواء الحياة..."2.
 
ويقول في مكان آخر:
 
"رغم ما لدينا حول الصلاة من كلام مختار وقيِّم مرويّ عن الأئمّة
 
 
 
 

1- من ندائه إلى المؤتمر السابع للصلاة في أرومية (28/9/1997م(.
2- م.ن.
 
 
 
 
 
 
34

25

الفصل الثالث الصلاة والاستغفار

 المعصومين صلى الله عليه وآله وسلم وعن المفكِّرين وأصحاب الرأي الدِّينيّ ممّا يُنوّر قلوب الهداية الخاصّة، ويُعرّفها بحقيقة وحكمة هذه الفريضة الإلهيّة الكبرى، رغم ذلك ينبغي القول إنّ منزلة الصلاة لم تُعرف جيّداً عند كثير من الناس، حتّى عند الّذين يعتبرون الصلاة فريضة ويؤدّونها. لا شكّ أنّ واجباً ثقيلاً يقع على عاتق علماء المجتمعات الإسلاميّة في هذا المجال، وينبغي أنْ تُستعمل جميع أساليب التبيين والتوضيح من أجل أداء حقّ معرفة الصلاة"1.

 
الصلاة معبر السلوك
 
"ينبغي القول إنّ الصلاة هي المعبر الأساس لسلوك الإنسان في الطريق الّذي وضعته الأديان الإلهيّة أمام البشر, ليتمكّن من خلاله من بلوغ الهدف والغاية الأساس للحياة, أي الفلاح ونيل سعادة الدنيا والآخرة. والصلاة هي الخطوة الأولى للسلوك إلى الله. لكنْ سعة هذا العامل الإلهيّ كبيرة لدرجة أنّه يُصبح جناحاً يُحلِّق به الإنسان العرشي في أوج كماله البشريّ أيضاً، إلى حدّ أنّ أفضل البشر في التاريخ أي رسول الإسلام الأعظم قال صلى الله عليه وآله وسلم: "الصلاة قرّة عيني" وكان يطلب من المؤذِّن عند حلول وقت الصلاة أنْ يُريح نفسه ويطمئنها بأداء الأذان. ولعلّه يُمكن القول إنّه ليس لأيِّ عملٍ عباديٍّ آخر غير الصلاة كلّ هذا الأثر الكبير وتيسير أمور الإنسان ودعمه خلال جميع مراحل تكامله المعنويّ.
 
فالصلاة تمنح أفراد المجتمع السلامة والسموّ الأخلاقيّ والمعنويّ أوّلاً، كما أنّها بشكلها ومحتواها الخاصّ تدعو المصلّي للانضباط وتُنجيه
 
 
 

1-من ندائه إلى ملتقى الصلاة التاسع (8/9/1999م(.
 
 
 
 
 
 
35

26

الفصل الثالث الصلاة والاستغفار

 من الخواء والضياع، لذلك ينبغي أنْ تُعدّ بحقٍّ كأحد أهمِّ عوامل الانضباط والانتظام الاجتماعيّ.

 
إذا راجت الصلاة بين الناس بحضور وعن شوقٍ وفي وقتِ فضيلتها، فسينال الناس نتائجها القطعيّة تلك. ومن البديهيّ أنّ الصلاة بكسلٍ، ودون حضور، أو رياء، لن تحمل أيّاً من تلك الفوائد"1.
 
الاستغفار
 
يُعطي سماحة الإمام الخامنئي دام ظله الاستغفار مساحة كبيرة في حياة الإنسان، ويغوص في عمق هذا المفهوم شارحاً معناه، مشيراً إلى فوائده على دين الإنسان ودنياه، فيقول عن الاستغفار وأهميّته:
 
"الاستغفار يُنجيكم من الحقارة. الاستغفار يُنجينا من القيود والسلاسل والغلّ. الاستغفار يُجلي صدأ قلوبكم النورانيّة الّتي وهبها الله تعالى لكم ويُطهّرها. القلب يعني النفس، يعني الروح، يعني الهويّة الواقعيّة للإنسان. إنّه شيء نورانيّ جدّاً. كلُّ إنسان نورانيّ، حتّى الإنسان الّذي لا يعرف الله ولا يرتبط به، فإنّه يحمل نورانيّة في جوهره وذاته, لكنّ الصدأ يُغطّي قلبه لافتقاره إلى المعرفة ولارتكابه الذنوب وركوبه الشهوات، والاستغفار يُجلي ذلك الصدأ وينوّره.
 
الاستغفار يعني طلب المغفرة والعفو الإلهيّ عن الذنوب. إذا تمّ الاستغفار بشكلٍ صحيح فسينفتح باب البركات الإلهيّة في وجه الإنسان، فكلُّ ما يحتاج إليه الفرد البشريّ والمجتمع الإنسانيّ من ألطافٍ إلهيّة وتفضّلات ورحمة ونورانيّة وهداية إلهيّة وتوفيق من
 
 
 
 

1- من ندائه إلى ملتقى الصلاة التاسع (8/9/1999م(.
 
 
 
 
 
 
36

27

الفصل الثالث الصلاة والاستغفار

 الله وعون على الأمور ونجاح في الساحات المختلفة, تنغلق أبوابها بسبب الذنوب الّتي نرتكبها. فالذنوب تُصبح حجاباً بيننا وبين الرحمة والتفضُّل الإلهيّ. والاستغفار يُزيل ذلك الحجاب، ويفتح أمامنا سبيل الرحمة والتفضُّل الإلهيّ، تلك هي فائدة الاستغفار"1.

 
آثار الاستغفار
 
وعن آثار الاستغفار في الدنيا والآخرة يقول دام ظله:
 
"لاحظوا آيات القرآن في عدّة مواضع قد ذكرت للاستغفار فوائد دنيويّة وفوائد أخرويّة. مثلاً: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ2، ﴿يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً3. كلّ تلك الآيات - من هذا القبيل - يُفهم منها أنّ السبيل إلى نيل التفضُّل الإلهيّ هو الاستغفار، وببركته ينهمر الفضل الإلهيّ على قلب الإنسان وجسمه وعلى المجتمع الإنسانيّ، لذلك فإنّ الاستغفار مهمّ.
الاستغفار بذاته هو جزءٌ من التوبة، والتوبة تعني العودة إلى الله. وعليه فإنّ الاستغفار هو ركنٌ من أركان التوبة، وهو طلب العفو والمغفرة من الله تعالى. وهي إحدى النِّعم الإلهيّة الكبرى، أي أنْ يفتح الله تعالى باب التوبة بوجه عباده ليتمكّنوا من السير في طريق الكمال، وأن لا يُقعدهم الذنب عن ذلك، لأنّ الذنب يُسقط الإنسان من أوج علوّه الإنسانيّ. فكلُّ ذنب يوجِّه لروح الإنسان وصفائه ومعنويّاته وعزّته الروحيّة ضربة، ويذهب بشفافيّة روح الإنسان ويُكدِّرها. فالذنب يقضي على الجانب المعنويّ للإنسان والّذي
 
 
 
 

1- أخلاق ومعنويت (فارسي)، ص163.
2- سورة هود: 3.
3-سورة هود:52
 
 
 
 
 
 
37

28

الفصل الثالث الصلاة والاستغفار

 يُميِّز الإنسان عن باقي موجودات عالَم المادّة، ويُسقط شفافيّته ويقرِّبه من الحيوانات والجمادات.

 
وعلاوة على هذا الجانب المعنويّ، فإنّ الذنوب تتسبّب بسلب توفيق الإنسان في حياته. فالإنسان يفشل في كثير من ميادين التحرُّك البشريّ بسبب الذنوب الّتي تصدر عنه. ولذلك الأمر تبرير علميّ وفلسفيّ ونفسيّ أيضاً، وليس تعبُّداً وألفاظاً فقط"1.
 
 
نموذج معركة أُحُد
 
"كيف يُقعِد الذنب الإنسان؟ مثلاً في معركة أُحُد تحوّل الانتصار إلى هزيمة بسبب التقصير الجماعيّ للمسلمين. أي أنّ المسلمين انتصروا في البداية، لكنّ الرماة الّذين يُفترض أنْ يبقوا عند شقّ الجبل ليحفظوا ظهر الجبهة من النفوذ والتسلُّل، طمعوا بالغنائم وتركوا متاريسهم وتوجّهوا نحو الساحة، فالتفّ العدوّ من الخلف ونفّذ هجومه، فمزّق المسلمين وكانت هزيمة أُحُد بسبب ذلك. وقد تحدّثت عشرة أو اثنتا عشرة آية من سورة آل عمران عن قضيّة الهزيمة تلك، لأنّ المسلمين كانوا يعيشون اضطراباً شديداً بسبب تلك الهزيمة، وكانت ثقيلة عليهم كثيراً، فجاءت آيات القرآن تلك لتهبهم الاطمئنان وتهديهم، ولتُفهمهم سبب هزيمتهم وسبب ذلك الضعف، إلى أن يصل إلى الآية الشريفة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا2، أي ما رأيتموه في معركة أُحُد من استدبار بعضكم للعدوّ وتسبّب بالهزيمة 
 
 
 

1- أخلاق ومعنويت (فارسي)، ص165.
2-سورة آل عمران، الآية: 155.
 
 
 
 
 
 
38

29

الفصل الثالث الصلاة والاستغفار

  كانت له أسبابه ومقدّماته، فكان هؤلاء يُعانون من ضعفٍ داخليٍّ، فقد أزلّهم الشيطان بمساعدة الأعمال الّتي كانوا قد ارتكبوها من قبل، أي إنّ ذنوبهم السابقة قد تظهر آثارها في الجبهة، في الجبهة العسكريّة أو السياسيّة أو عند مواجهة العدوّ أو عند ممارسة البناء أو في ممارسة التعليم والتربية، وحيث تجب الاستقامة، وحيث يجب الفهم والإدراك الدقيق، وحيث يجب أنْ يكون الإنسان كالفولاذ يقطع ويتقدّم ولا تقف الموانع بوجهه. طبعاً تلك هي الذنوب الّتي لم تمحها التوبة النصوح والاستغفار الحقيقيّ.

 
في نفس السورة هناك آية أخرى تُبيّن هذا المعنى بصورة أخرى. القرآن يُريد أنْ يقول لا عجب أنّكم تلقّيتم الهزيمة وواجهتم مشكلة في جبهة الحرب، فمثل هذه الأمور تحصل، وقد حصلت من قبل، فيقول: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ الله وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ1 أي ما الّذي دهاكم وأصابكم من تزلزل وأشعَرَ بعضكم بالضعف واليأس بسبب هزيمتكم في معركة أُحُد؟ فالأنبياء السابقون قد تعرّضوا لحوادث أيضاً في ساحة الحرب لكنّهم لم يضعفوا ويهنوا بسبب ما أصابهم، ثُمّ يقول: "وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا..."2.
 
أي إنّ أصحاب الأنبياء كانوا إذا واجهوا المصائب في الحروب والحوادث المختلفة، كانوا يتوجّهون إلى الدعاء إلى الله ويقولون: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا، وهذا يدلّ على أنّ الحوادث والمصائب ناتجة أساساً عن الذنوب الّتي يحتطبها الإنسان. تلك هي قضيّة الذنوب"3.
 
 
 

1- سورة آل عمران، الآية: 146.
2-سورة آل عمران، الآية: 147.
3- خلاق ومعنويت (فارسي)، ص165.
 
 
 
 
 
 
39

30

الفصل الثالث الصلاة والاستغفار

 أثر الذنوب

 
"لاحظوا أنّ الذنوب الّتي يرتكبها الإنسان، والمخالفات المختلفة، والأعمال الناشئة عن الشهوة وحبّ الدنيا والطمع والحرص على مال الدنيا والتعلُّق بالمنصب الدنيويّ والبخل بما في اليد والحسد والغضب، كلّ تلك الأمور تترك في وجود الإنسان أثرين قطعيّين:
 
الأثر الأوّل، معنويّ: وهو تجريد الروح من روحانيّتها وإخراجها من نورانيّتها، وإضعاف البعد الروحيّ عند الإنسان، وسدّ سبيل الرحمة الإلهيّة بوجهه.
 
الأثر الثاني، مادّي: عندما يقتضي الوضع من الإنسان أنْ يصمد ويقاوم ويُبدي إرادته في ساحة المواجهات الاجتماعيّة, تبرز آثار ذنوبه عليه، وإذا لم يكن هناك عاملٌ آخر ليجبر الوضع والضعف فسيهلك الإنسان ويُمنى بالهزيمة. في بعض الأحيان تتدخّل عوامل أخرى كصفةٍ حسنة أو عملٍ حسن قام به الإنسان فيجبر الأمر ولسنا هنا في صدده، لكنّ المؤكّد هو أنّ الذنب بذاته له أثره.
 
لذلك أنعم الله على الإنسان بنعمة كبيرة هي المغفرة... فالذنب الّذي ارتكبته كالجرح الّذي أحدثته في بدنك وأدخلت بذلك الميكروب إليه، فالمرض حتميّ. إذا أردت أنْ تقضي على أثر هذا الجرح والمرض في وجودك، فقد فتح الله تعالى لك باب التوبة والاستغفار والإنابة والعودة إليه، فإنْ عدت سيجبر الله تعالى النقص، تلك هي النعمة الكبرى الّتي منّ الله تعالى بها علينا"1.
 
 
 
 

1- أخلاق ومعنويت (فارسي)، ص165.
 
 
 
 
 
 
40

31

الفصل الثالث الصلاة والاستغفار

 موانع الاستغفار

 
1ـ الغفلة
 
يُشير سماحة الإمام الخامنئي دام ظله في حديثه عن موانع الاستغفار إلى مسألة الغفلة، ويعتبرها من أهمِّ موانع الاستغفار، موجِّهاً خطاباً شاملاً لكلِّ المكلّفين، محذِّراً إيّاهم من الوقوع في فخِّ الغفلة, يقول سماحته دام ظله:
 
"إذا أردنا أنْ نحصل على الاستغفار وعلى هذه النعمة الإلهيّة، علينا أنْ نبتعد عن خصلتين: الغفلة والغرور. فالغفلة هي أنْ لا يلتفت الإنسان كليّاً إلى أنّه يُذنب، كبعض الناس، لا أقول الكثير منهم، لا أُركِّز هنا على قلّتهم وكثرتهم، فقد يكونون قلائل في بعض المجتمعات، على أيِّ حال هذا النوع من الناس موجود في الدنيا بين الناس، هم غافلون ويرتكبون الذنوب دون أنْ يلتفتوا إلى أنّهم يرتكبون مخالفة، تراه يكذب ويتآمر ويغتاب ويُلحق الضرر ويعمل شرّاً ويُدمِّر ويقتل ويسحق مختلف الناس الأبرياء، وعلى صعيدٍ أكبر وأوسع يجعل الشعوب تعيش الهلع، يُضلّ الناس، كلّ ذلك ولا يحسّ بأنّه يرتكب مخالفة. وإذا قال له أحدٌ: إنّك ترتكب ذنباً، فقد يقهقه ويسخر ويقول: ذنب؟ أيّ ذنب؟
 
بعض أولئك الغافلين لا يعتقدون أساساً بالثواب والعقاب، وبعضهم يعتقد بالثواب لكنّه غارق في الغفلة لا يلتفت إلى ما يفعل مطلقاً. إذا دقّقنا في ذلك في حياتنا اليوميّة سنجد أنّ بعض حالات حياتنا شبيهة بحالات الغافلين. فالغفلة شيءٌ عجيب جدّاً وخطرٌ كبير. لعلّ الإنسان لا يواجه خطراً أكبر ولا عدوّاً أشدّ من الغفلة. هذا هو حال بعض الناس.
 
فالإنسان الغافل لا يُفكِّر بالاستغفار أبداً، بل لا ينتبه إلى أنّه يُذنب رغم 
 
 
 
 
 
 
41

32

الفصل الثالث الصلاة والاستغفار

 أنّه غارق في الذنوب، لكنّه في سكر ونوم حقيقةً كالإنسان الّذي يتحرّك خلال نومه. لذلك فإنّ أهل السلوك الأخلاقيّ عندما يُبيّنون منازل السالكين في مسلك الأخلاق وتهذيب النفس، يُطلقون على المنزل الّذي يُريد الإنسان فيه أنْ يخرج من الغفلة يُسمّونه منزل اليقظة.

 
وفي المصطلحات القرآنيّة، فإنّ النقطة المقابلة لهذه الغفلة هي التقوى، والتقوى تعني اليقظة والرقابة الدائمة للنفس. فإذا غفل الإنسان ارتكَبَ عشرات الذنوب، ولا يحسّ مطلقاً بأنّه مذنب. والإنسان المتّقي في النقطة المقابلة، فإذا بدر منه أيّ ذنب طفيف يتذكّر فوراً أنّه قد أذنب، ويسعى إلى جبران ذلك ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا1. فبمجرد أنْ يمرّ الشيطان من جنبهم ويلفحهم ريحه, يُدركون فوراً أنّ الشيطان قد أصابهم وأنّهم قد أخطأوا وغفلوا، لذلك ﴿تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ2.
 
أعزّائي، أيُّها الإخوة والأخوات، كائناً من تكون، التفتْ، فهذا الكلام ليس موجّهاً لجمع من الناس لأقول: على قليلي الإطلاع أو الأمّيين أو الشبّان أو الصغار أنْ يلتفتوا، كلّا على الجميع أنْ يلتفتوا، من علماء ومفكِّرين وكبار وصغار ومتموّلين وفقراء، على الجميع أنْ يلتفتوا إلى أنّ أدنى غفلة تلمّ بهم قد توصلهم لارتكاب الذنوب دون أنْ يلتفتوا إلى أنّهم يُذنبون، فذلك أمرٌ عظيم جدّاً.
 
فالذنب الّذي نرتكبه أنا وأنتم ولا نلتفت له، ولأنّنا لم نلتفت إلى أنّنا قد أذنبنا فلن نتوب من ذلك الذنب ونستغفر منه، ثُمّ في يوم القيامة تنفتح
 
 
 
 

1- سورة الأعراف، الآية: 201.
2- سورة الأعراف، الآية: 20
 
 
 
 
 
 
42

33

الفصل الثالث الصلاة والاستغفار

 أعيننا، عندها نتعجّب من وجود أشياء في صحيفة أعمالنا. يتعجّب الإنسان ويتساءل: متى قمت بتلك الأعمال؟ ولا يتذّكر أبداً، ذلك هو ذنب الغفلة وإشكاله. إذاً، فالغفلة هي أحد موانع الاستغفار"1.
 
2ـ الغرور
 
المانع الآخر الّذي يُركِّز عليه سماحة الإمام الخامنئي دام ظله ، هو الاغترار بالله تعالى، حيث يتحدّث أوّلاً عن معنى الغرور، وكيفيّة حصوله في قلب الإنسان، ويستشهد على كلامه بدعاء من الصحيفة السّجاديّة يُبيّن مدى الخطر الكبير على أخلاق الإنسان الّذي يُسبّبه الاغترار بالله تعالى, يقول دام ظله:
 
"المانع الثاني هو الغرور، فما أنْ يؤدّي الإنسان عملاً صغيراً حتّى يُصاب بالغرور، لدينا في تعابير الدعاء والرواية عبارة (الاغترار بالله) وفي الدعاء (64) من الصحيفة السجّاديّة والّذي يُقرأ في أيّام الجمعة هذه (أي شهر رمضان المبارك) ، توجد عبارة مؤثّرة جدّاً وهي قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "وَالشَّقاءُ الأشْقَى لِمَنِ اغْتَرَّ بِكَ. مَا أكْثَرَ تَصَرُّفَهُ فِي عَذَابِكَ، وَمَا أَطْوَلَ تَرَدُّدَهُ فِيْ عِقَابِكَ، وَمَا أَبْعَدَ غَايَتَهُ مِنَ الْفَرَجِ، وَمَا أَقْنَطَهُ مِنْ سُهُولَةِ الْمَخْرَجِ".
 
فالمغرور حسب تعبير هذه الرواية مبتلى بحالة (الاغترار بالله) والغُرور يجعل المغرور بعيداً جدّاً عن العمران، ويده قاصرة جدّاً عن الخلاص والسلامة. لماذا؟ لأنّه بمجرّد أنْ يؤدّي أيّ عملٍ صغير، فيُصلّي مثلاً ركعتي صلاة، أو يُقدّم خدمة للناس، أو يودع مالاً في صندوقٍ ما، أو يؤدّي أيّ عملٍ في سبيل الله, فإنّه يُصاب بالغرور فوراً، ويقول في نفسه قد صلح عملي ووضعي عند الله وقد سوّيت حسابي وسدّدته ولم أعد بحاجة
 
 
 
 

1-ا أخلاق ومعنويت (فارسي)، ص172.
 
 
 
 
 
 
43

 


34

الفصل الثالث الصلاة والاستغفار

  لشيء! لا يذكر ذلك بلسانه، بل يُردّده في قلبه.

 
التفتوا جيّداً، إنّ الله تعالى عندما فتح باب التوبة، وقال إنّي أغفر الذنوب، فليس معنى ذلك أنّ الذنوب أمرٌ هيِّنٌ وصغير، كلّا فالذنوب أحياناً تُضيّع الوجود الحقيقيّ للإنسان، تُنهيه، وتجعل من الإنسان الّذي كان في مرتبة عالية من الحياة الإنسانيّة، تجعله حيواناً مفترساً قذراً لا قيمة له، هكذا هو الذنب، فلا تتصوّروا أنّ الذنب أمرٌ بسيط، فالكذب والغيبة والاستهتار بشرف الإنسان والظلم ولو بكلمة واحدة ذنوبٌ غير بسيطة ولا هيّنة.
 
وإذا أراد الإنسان أنْ يحسّ بأنّه مذنب، ليس ضروريّاً أن يكون غارقاً في الذنوب لسنواتٍ طويلة، كلّا فالذنب الواحد ينبغي أنْ لا يُستصغر، ففي الروايات وفي باب استحقار الذنوب نجد أنّ استحقار الذنوب مذموم، وسبب قول الله تعالى إنّنا نغفر هو أنّ العودة إلى الله مهمّة جدّاً، وليس معناه أنّ الذنب صغير ولا قيمة له. الذنب أمرٌ خطير جدّاً، لكنّ العودة لله والتوجّه إليه وذكره أمور مهمّة لدرجة أنّ من يقوم بها بشكلٍ صادق وصحيح وحقيقيّ فإنّ مرضه المستعصي ذاك سيُشفى. 
 
الإمام السّجاد صلى الله عليه وآله وسلم يُناجي ربّه في دعاءٍ آخر فيقول: "فأمّا أنت يا إلهي فأهلٌ أنْ لا يغترّ بك الصدّيقون". لاحظوا أيّ بيان وأيّة معرفة في هذا الدعاء، فهذا هو الطريق. إنّه يقول إنّ الصدّيقين الّذين ارتقوا إلى مقامٍ سامٍ من العبوديّة لا ينبغي لهم الاغترار -لأنّهم ساروا في الطريق الصحيح إلى الله-، يظنّون أنّهم لم يعودوا بحاجة للجدّ والجهد، كلّا "أنْ لا يغترّ بك الصدّيقون" لأنّ اغترارهم يمنعهم من الاستغفار، فالإنسان يستغفر عندما لا يكون غافلاً ولا يكون مغترّاً بالله ولا يكون مخدوعاً ومعجباً بنفسه"1.
 
 
 

1-خلاق ومعنويت (فارسي)، ص173.
 
 
 
 
 
44

35

الفصل الثالث الصلاة والاستغفار

 الاستغفار المؤثِّر

 
يتحدّث الإمام الخامنئي دام ظله عن الاستغفار المؤثِّر وكيفيّته قائلاً: "المسألة الأخرى هي أنّ الاستغفار الّذي يُسهِّل الأمور هو الاستغفار الحقيقيّ والجدّيّ والمتضمّن للطلب الحقيقيّ. افترضوا أنّ أحدكم ابتُلي بمشكلةٍ كبيرة وأراد أنْ يسأل الله رفع ذلك البلاء عنه، كأنْ يواجه أحد أعزّائه مشكلة لا سمح الله، وسعى لحلِّ المشكلة بالطرق العاديّة فلم يُفلح، ثُمّ توسّل بربِّ العالمين ودعاه وتضرّع إليه، لنفترض أنّ إنساناً أُصيب أحد أعزائه بمرض، وتوجّه إلى بيت الله الحرام ليدعو، فكيف وبأيِّ حالٍ سيطلب من الله؟ اطلبوا من الله غفران ذنوبكم بنفس تلك الحال، اطلبوا المغفرة حقيقةً، وقرّروا أنْ لا تُعاودوا ارتكاب ذلك الذنب".
 
"قد يُقرِّر الإنسان أنْ لا يعود لذنب كان قد ارتكبه وتاب عنه، لكنّه يزلّ مجدّداً ويرتكبه، عليه حينها أنْ يُعاود التوبة منه أيضاً، فلو عاد الإنسان عن توبته مائة مرّة، فإنّ باب التوبة مفتوح أمامه للمرّة الواحدة بعد المائة أيضاً، لكنْ عندما تتوب وتستغفر يجب أنْ لا تنوي منذ البداية أنّني استغفر ثُمّ أعود لارتكاب نفس الخطأ والمخالفة، لا يصحّ ذلك.
 
في روايةٍ لأحد الأئمّة عليهم السلام قال: "من استغفر بلسانه ولم يندم بقلبه, فقد استهزأ بنفسه"1. أنْ يفرح الإنسان بذنبه ويردّد بلسانه (أستغفر الله) فهو يسخر بذلك من نفسه، وأيّ استغفار هو ذاك؟! إنّه ليس استغفاراً، فالاستغفار يعني أنْ يعود الإنسان، وأنْ يطلب من الله تعالى بجدٍّ أن يعفو عن عمله السيّئ، فكيف يُقرِّر الإنسان أنْ يعود لمثل ذلك؟ هل يجرؤ في مثل هذه الحالة أنْ يطلب من الله العفو؟
 
 
 

1- المجلسي، محمّد باقر، بحار الأنوار، طبعة دار الوفاء، الثانية المنقحة، ج75، ص 356.
 
 
 
 
 
 
45

36

الفصل الثالث الصلاة والاستغفار

 السبّحة في الكفّ، والتوبة على الشفة، والقلب كلّه شوقٌ للمعصية.

 
تضحك المعصية ساخرة من مثل هذا الاستغفار.
 
أيُّ استغفار هذا؟ إنّه استغفارٌ غير كافٍ. ينبغي أنْ يكون الاستغفار جدّيّاً وحقيقيّاً. والاستغفار ليس مختصّاً بفئةٍ من الناس لنقول على الّذين أكثروا المعاصي أنْ يستغفروا، بل على جميع الناس حتّى في مستوى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلمعليه أنْ يستغفر﴿لِيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّر1 فحتّى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عليه أن يستغفر...
 
الاستغفار للجميع. لذا لاحظوا الأئمّة عليهم السلام أيّ تحرّق وتململٍ لهم في هذه الأدعية، وبعض الناس يظنّ أنّ الإمام السجّاد صلى الله عليه وآله وسلم تضرّع هكذا ليعلّم الآخرين ذلك، نعم هناك تعليم بالشكل والمضمون، لكنْ الأساس ليس كذلك، أساس المسألة هو حالة الطلب لدى هذا العبد الصالح والإنسان السامي والعظيم، وهذا التضرُّع لله كان منه لنفسه، وهذا الخوف من عذاب الله والميل للتقرّب إلى الله ورضوانه كان منه لنفسه، وهذا الاستغفار والطلب من الله كان حقيقة منه لنفسه.
 
قد يكون الاهتمام بالمباحات في حياتهم كالّلذّة المباحة والأعمال المباحة الأخرى تُصبح في نظر الإنسان الّذي سما إلى تلك الدرجة، تبدو سقوطاً وانحطاطاً، وهو يرغب أنْ لا يقع في إطار الضرورات المادّيّة والجسديّة، وأنْ لا يُعير هذه المباحات وقضايا الحياة العاديّة نظرة أو لمحة، وأنْ يغور أكثر في طريق المعرفة وفي الوادي اللامتناهي للسير نحو الرضوان الإلهيّ وجنّة المعرفة الإلهيّة، وعندما يرى أنّه حرم نفسه من بعض ذلك فإنّه يستغفر، لذا فإنّ الاستغفار للجميع.
 
 
 
 

1- سورة الفتح، الآية: 2.
 
 
 
 
 
 
46

37

الفصل الثالث الصلاة والاستغفار

 ... ليستغفر الجميع، ليستغفر أهل العبادة، والمتوسّطون في العبادة، والذين يكتفون بأقلّ الواجبات، وحتّى أولئك الّذين يتركون أحياناً بعض العبادات الواجبة لا سمح الله، ليلتفت الجميع إلى أنّ علاقتهم هذه مع الله تيسّر أمورهم وتدفعهم إلى الأمام.

 
اسألوا الله تعالى العفو والمغفرة، اسألوا الله أنْ يُزيح عنكم الذنوب المانعة، أنْ يُزيل هذه السحب من أمام شمس فيض لطفه وتفضّله، حتّى يشعّ لطفه على هذه القلوب والأنفس. عندها سترون السمو والعزّة"1.
 
 
 
خاتمة
 
إنّ ما أفادنا إيّاه سماحة الإمام الخامنئيّ دام ظله، يُلقي علينا الحجّة البالغة في الالتزام بهذا النهج الإيمانيّ المحمّديّ الأصيل، الّذي ينبع من بحر القائد العزيز ومعارف أهل البيت عليهم السلام، الثِقلين اللّذين ما إنْ تمسّكنا بهما نجونا، ليصبَّ في سويداء القلب المتلهّف للحقائق النورانيّة الإلهيّة. نسأل الله تبارك وتعالى أنْ يوفّقنا للخير والعمل به والسعي لمرضاته، والفوز بنُعمى الدارين آمين ربّ العالمين بحقّ محمّد وآله الطاهرين.
 
 
 
 

1- من خطبة صلاة الجمعة. (18/1/1997م)
 
 
 
 
 
 
47

38
توجيهات أخلاقية