المقدمة
المقدمة
بِسْمِ اللهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ
عن أمير المؤمنين عليه السلام:
"إنّ الجهاد بابٌ من أبوابِ الجنّةِ فتحه الله لخاصّة أوليائه"1.
إنّ قيمة الأمور تُعرف بآثارها، فبمقدار أهميّة الآثار وإيجابيّتها تتحدّد أهميّة الأمر وإيجابيّته، وتتحدّد بالتالي نظرتنا إلى هذا الأمر وانسجامنا معه وشوقنا إليه.
فما هو الجهاد وما هي آثاره علينا كأفراد؟
قد نتذكّر من الجهاد صورة القتل وما يستتبع ذلك من فقد الأحبّة وثكل الأرامل وحنين اليتامى، هذا عدا عن الخسارة المادِّيّة الّتي ستكون من لوازمه أيضاً...
فهل هذه الصورة القاتمة هي صورة الجهاد حقّاً؟
يُجيب الله تعالى في كتابه العزيز:
﴿كُتِب عليْكُمُ الْقِتالُ وهُو كُرْهٌ لكُمْ وعسى أنْ تكْرهُوا شيْئاً وهُو خيْرٌ لكُمْ وعسى أنْ تُحِبُّوا شيْئاً وهُو شرٌّ لكُمْ واللهُ يعْلمُ وأنْتُمْ لا تعْلمُون﴾2.
فهذه النظرة القاتمة إلى الجهاد هي نظرة دنيويّة فيها الكثير من الخداع
1- نهج البلاغة، السيّد الرضيّ، الخطبة: 27.
2- سورة البقرة، الآية: 216.
9
4
المقدمة
والتزوير شأن الدنيا بشكل عامّ الّتي تنقلب فيها الحقائق، ويُزيِّن فيها الشيطان الأعمال السيِّئة ويُشوِّه صورة الأعمال الحسنة.
قال تعالى:
﴿زُيِّن لِلّذِين كفرُوا الْحياةُ الدُّنْيا ويسْخرُون مِن الّذِين آمنُوا والّذِين اتّقوْا فوْقهُمْ يوْم الْقِيامةِ واللهُ يرْزُقُ منْ يشاءُ بِغيْرِ حِسابٍ﴾1.
فما هي حقيقة الجهاد إذاً؟
حقيقته ما ذكره أمير المؤمنين عليه السلام في الرواية السابقة:
"بابٌ من أبوابِ الجنّة فتحهُ الله لخاصّةِ أوليائهِ".
فالجهاد بحقيقته ليس إلّا باباً من أبواب الجنّة، تلك الجنّة الّتي تهوي أفئدة المؤمنين إليها، يتمنّاها عشّاق الله تعالى، ويقتحمون مصاعب الدنيا ويتعرّضون لابتلاءاتها صابرين محتسبين يُصبِّرهم أمل الفوز بالآخرة ويُقوِّي عزيمتهم حنينهم للجنّة. هذه الجنّة الّتي كانت هدف عشّاق الله والّتي لولا الأجل الّذي كتبه الله لهم لم تستقرّ أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إليها. لقد فتحت أبوابها ليدخلها العاشقون. وهذا الباب المفتوح هو الجهاد نفسه. فيا له من نعمة ويا له من بشرى يفرح بها المؤمنون ويستبشر بها العاشقون...
ولكنّ هذا الباب لم يُفتح ليدخل الناس كلُّهم، ولا ليدخله الأوفر حظّاً أو من تُساعده الظروف والصدفة، هو باب لا يدخله إلّا خاصّة الله وأوليائه "فتحه الله لخاصّة أوليائه".
1- سورة البقرة، الآية: 212.
10
5
المقدمة
فهنيئاً للمجاهدين الّذين كانوا من خاصّة أولياء الله، ويا لعظمة الجهاد الّذي عبّد الطريق إلى الجنّة وكان باباً من أبوابها المفتوحة.
يشير الخامنئيّ دام ظله إلى نعمة الانتماء إلى القوّات المسلّحة وحمل المسؤوليّة فيها وأنّه خدمة لدين الله تعالى ولعباده وأتباع دينه.
يقول دام ظله:
"أيُّها الأخوة الأعزّاء، عليكم أن تعتبروا حمل المسؤوليّة في القوّات العسكريّة هبة إلهيّة وتوفيقاً عظيماً، وذلك أن يُوفّق الإنسان ليكون في خدمة دين الله وأتباع دينه، حيث يستفيد أيضاً ليوظِّف إمكاناته واستعداداته في أفضل طريقة. عليكم أن تعلموا أنّ هذا توفيق إلهيّ يستوجب شكره ويجب أن تُحافظوا عليه".
مركز نون للتأليف والترجمة
11
6
المحور الأول: الدور والأهداف
معرفة الهدف
إنّ معرفة الأهداف ووضعها نصب أعيننا من الأمور المُهِمّة والضروريّة لنجاح العمل، فالعمل الّذي لا يملك هدفاً هو عمل ضائع غير منسّق، والفشل فيه أكثر من النجاح.
﴿أفمنْ يمْشِي مُكِبّاً على وجْهِهِ أهْدى أمّنْ يمْشِي سوِيّاً على صِراطٍ مُسْتقِيمٍ﴾1.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"أوج عظمتكم المعنويّة الملفتة هو في هذه الناحية الخفيّة، حيث كنتم تعون ماذا تفعلون وتعرفون لأيِّ شيء تُقاتلون..".
ويُشير الخامنئيّ دام ظله إلى أنّ معرفة الهدف لا تتوقّف عند معرفة الهدف الاستراتيجي العامّ، بل تتعدّى ذلك إلى معرفة الأهداف العمليّة والمرحليّة.
يقول دام ظله:
"قوّات الحرس يجب أن تعرف دورها وموقعها، وتكون على بصيرة وتتمتّع بالوعي السياسيِّ والاطِّلاع على الزمان والمكان..".
ومعرفة الدور تعني معرفة الأهداف والوسائل أيضاً. وللأمّة نسيج من التكاليف المتكاملة فلا بُدّ من تحديد موقع العمل الجهاديِّ ضمن هذا النسيج حتّى يحصل التكامل ويتمّ سدُّ الفراغات الّتي لا يُمكن سدُّها من خلال الأعمال الأخرى...
1- سورة الملك، الآية: 22.
15
8
المحور الأول: الدور والأهداف
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"إنّ معرفة دور وموقعيّة القوّة العسكريّة ودائرة عملها والمهمّات الموكلة إليها مسألة مهمّة، وذلك لكي لا يحصل التعدِّي أو الإهمال أو تداخل الوظائف والمهمّات، فلا يعود ذلك بفائدة على أحد".
الهدف
إنّ الجهاد في الحقيقة يتضمّن مشروعين: مشروع للفرد ومشروع للأمّة والمجتمع.
فهناك أهداف على المستوى الفرديِّ والشخصيِّ وأخرى على المستوى الاجتماعيِّ.
الهدف الشخصيُّ
قد تتعدّد الأهداف الشخصيّة وتختلف من شخص إلى آخر، فأبواب طاعة الله تعالى كثيرة ولكن هناك هدفان أساسان يجب أن يشترك فيهما كلُّ المجاهدين. وكلُّ الأهداف الأخرى ـ في الحقيقة ـ ترجع إلى هذين الأمرين، وهما:
1- رضى الله تعالى
وهو الهدف الأسمى والأساس الّذي تتمحور حوله كلُّ حركة يقوم بها الإنسان المؤمن أو سكون يلتزم به. والجبهة هي من الأمكنة الخاصّة الّتي تتميّز بجوِّ الصفاء والروحانيّة والقرب من الله تعالى.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"ميدان الجبهة هو ميدان التعبُّد، وفيه لا يوجد دخالة لأيِّ عامل
16
9
المحور الأول: الدور والأهداف
آخر حتّى العقل. وإذا كنّا ملتفتين إلى هذه المسألة وجعلنا التقوى هدفنا والتحرُّك لمرضاة الربِّ غايتنا ستتحقّق عندها كلُّ غاياتنا".
وإذا كان الجهاد طريقاً لتحقيق رضى الله تعالى، وباباً للتقرُّب منه، فأيُّ نعمة وأيُّ توفيق إذا توفّق أحدنا للدخول إلى هذا الميدان - ميدان الجهاد - الّذي عبّر عنه أمير المؤمنين عليه السلام قائلاً:
"أمّا بعدُ فإنّ الجهاد بابٌ من أبوابِ الجنّة فتحهُ الله لخاصّة أوليائهِ، وهو لباسُ التقوى ودرعُ اللهِ الحصينة وجُنّته الوثيقة..."1 .
من هنا نجد الخامنئيّ دام ظله يقول:
"أيُّها الإخوة الأعزّاء عليكم أن تعتبروا حمل المسؤوليّة في القوّات العسكريّة هبة إلهيّة وتوفيقاً عظيماً، وذلك أن يُوفّق الإنسان ليكون في خدمة دين الله وأتباع دينه، حيث يستفيد أيضاً ليوظِّف إمكاناته واستعداداته في أفضل طريقة. عليكم أن تعلموا أنّ هذا توفيق إلهيّ يستوجب شكره ويجب أن تُحافظوا عليه".
2- الشهادة
إنّ الشهادة كانت أمنية الصلحاء وجائزة يرغب بها كلُّ مجاهد بعد طول عنائه وجهاده في سبيل الله تعالى.
بل نجد الأئمّة المعصومين عليهم السلام ينتظرون لحظة الشهادة ويعتبرونها كرامة من الله تعالى، فهذا الإمام زين العابدين عليه السلام يقول مخاطباً ابن زياد:
"أبالقتل تُهدِّدني يا ابن زياد؟ أما علمت أنّ القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة؟"2 .
1- نهج البلاغة، الخطبة 27.
2- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 45، ص 118.
17
10
المحور الأول: الدور والأهداف
هذا هو النهج الإسلاميُّ الصحيح الّذي يؤكّد على حبِّ الشهادة. وقد نزلت آيات من القرآن الكريم في ذلك. فالنصر والظفر هو أمنية المجاهد، كما أنّ الشهادة هي أمنية له أيضاً.
يقول تعالى في كتابه الحكيم:
﴿قُلْ هلْ تربّصُون بِنا إِلّا إِحْدى الْحُسْنييْنِ ...﴾1.
حقّاً إنّها لكرامة أن تُختم حياة الإنسان بالشهادة في سبيل الله.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"يجب أن يكون كلُّ واحد منكم عنصراً فعّالاً، يعمل على أساس أن تكون خاتمة حياته الشهادة... واللهِ لا ينبغي أن يكون غير الشهادة نهاية لحياتكم.. ويجب علينا أن نأخذ هذا العنصر بعين الاعتبار".
الهدف الاجتماعيّ
لا تقف أهداف الجهاد عند الأفراد والحالة الفرديّة، فالجهاد هو حركة اجتماعيّة وله آثاره العامّة وأهدافه الّتي تتجاوز مصالح الفرد لتشمل المجتمع وتُحقِّق مصالحه، ويمكن اختصار مصالح المجتمع ضمن الأهداف التالية:
1- القيام لله تعالى
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"سمعتم بآذانكم المعنويّة النداء القرآني السماويّ:
﴿قُلْ إِنّما أعِظُكُمْ بِواحِدةٍ أنْ تقُومُوا لِلهِ ...﴾2.
1- سورة التوبة، الآية: 52.
2- سورة سبأ، الآية: 46.
18
11
المحور الأول: الدور والأهداف
القيام لله يعني القيام للحفاظ على حدود الله سبحانه وتعالى وأحكامه، والمحافظة على الدِّين ونهجه الصحيح في المجتمع".
ويقول دام ظله:
"غالباً ما ذكّرت الأخوة في حرس الثورة وغيرهم بوجوب إطاعة حدود الله تعالى وعدم السماح بتأثير رضى الآخرين أو سخطهم على تطبيقها، فلربّما يستاء الآخرون من تطبيق هذه الحدود, لأنّها تُهدِّد مصالحهم ومنافعهم، فالواجب إذاً والأساس هو تطبيق هذه الحدود ومراعاتها حتّى لو عارضت رغباتكم الشخصيّة ومصالحكم... الحقُّ الإلهيُّ مقدّم على كلِّ رغبة وميل ورضى نفسيٍّ".
2- الاستقلال والدفاع عن البلاد
إنّ الاستقلال له أهمِّيّته الخاصّة في ظلّ أطماع المستعمرين الّذين يُحاولون السيطرة والتسلُّط على كلِّ ما هو للآخرين.
من هنا كانت كلُّ حضارة وكلُّ مجتمع يحتاج لقوّة تمنع طمع الطامعين وتضمن عدم تعدِّيهم وتجاوزهم. هذه القوّة تُشكِّلها القوّات المسلّحة المقتدرة. ومع غياب مثل هذه القوّة سيكون من غير الممكن المحافظة على الاستقلال، وهذا ما يُشير إليه الخامنئيّ دام ظله حيث يقول:
"لا يُمكن لثقافة أو حضارة معيّنة أن تُساهم في عمليّة البناء وضمان استقلالها مع غياب قوّات مسلّحة ومقتدرة".
ويقول دام ظله:
"إنّ ضياع مآثر كرامة واستقلال بعض الدول والشعوب سببه جهل في المسؤوليّة وخنوع القوّات المسلّحة، رغم وجود طاقات علميّة واقتصاديّة عالية".
19
12
المحور الأول: الدور والأهداف
فمجرّد وجود طاقات علميّة واقتصاديّة عالية لا يُعتبر ضماناً لاستقلال الدول والشعوب، بل القوّات المسلّحة وحضورها الدائم وقيامها بواجباتها في الميادين اللازمة هي الّتي تضمن الاستقلال وتضمن بقاء وتفعيل الطاقات العلميّة والاقتصاديّة.
ومهمّة الدفاع تُمثِّل الحكمة من وجود هذه القوّات.
يقول دام ظله:
"الحكمة من وجود هذه القوّات هي الدفاع عن الحدود المادِّيّة والمعنويّة للبلاد وواجبها هو الدفاع عن استقلال وهويّة الشعب".
3- إزالة الظلم
إنّ المؤمن المجاهد ليس أنانيّاً يعيش همومه الخاصّة ولا يبالي بكلِّ ما حوله، بل هو إنسان رساليٌّ يحمل همّ الإنسانيّة كلِّها، يعرف معنى الظلم ومعنى أن يكون الإنسان مظلوماً، ويعرف حاجة المظلوم ليدٍ تُساعده، أيِّ يد يُمكنها أن تُساعده، من هنا فهو لا يعرف الحدود الجغرافيّة ولا القوميّات ولا التكتُّلات العرقيّة، بل هو يحمل همّ نصرة المظلوم وتحقيق العدل، وهذا يشمل كلّ أرض وطأتها قدم إنسان مظلوم.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"الإسلام يقول لنا: إنّ مواجهة الظالم ونصرة المظلوم لا تعرف الحدود الجغرافيّة".
4- استنهاض الشعوب
عندما تعيش المجتمعات نوعاً من حالة الإحباط واليأس والاسترخاء والتراجع عن مواجهة الأعداء، فإنّ العدوّ سيتمكّن من السيطرة على مُقدّرات
20
13
المحور الأول: الدور والأهداف
هذه المجتمعات وسيفرض هيمنته وتسلُّطه عليها وستكون ذليلة أمامه مهما كانت تمتلك من طاقات ومن نقاط قُوّة في مواجهته، لذلك وقبل كلِّ شيء لا بُدّ من تأمين إرادة المواجهة والحضور في الميادين اللازمة.
وعندما تصل الشعوب إلى مثل هذه الحالة من الإحباط والتحييد، فلا بُدّ من إعادتها إلى الميدان من خلال تقديم القدوة المجاهدة بشكلها المشرق والصحيح، لتستثير كوامن الجهاد في ضمير الأمّة وتُعيدها إلى ساحة الحضور.
ولا بُدّ من إثبات القدرة والإمساك بزمام المبادرة لتعود الأمّة إلى الثقة بنفسها، وهذا ما يُعبّر عنه بالعمل الجهاديّ لاستنهاض الشعوب.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"وليعلم الجميع أنّ مثل هذا الطريق إذا سلكه شعب وقطف بإذن الله نتائجه فسوف تستلهم بقيّة الشعوب منه الدروس والعبر وتحذو حذوه".
21
14
المحور الثاني: التنظيم والإنضباط
التنظيم والإنضباط
* تكامل المؤسسات
* أهمية النطام والإنضباط
* استمرارية التنظيم
* الرتب لا تنافي روح الأخوة
23
15
المحور الثاني: التنظيم والإنضباط
تكامل المؤسّسات
إنّ التنافس الإيجابيّ بين المؤسّسات هو أمر مطلوب وجيِّد؛ لأنّه يُحافظ على النشاط والحيويّة.
قال تعالى:
﴿سابِقُوا إِلى مغْفِرةٍ مِنْ ربِّكُمْ وجنّةٍ عرْضُها كعرْضِ السّماءِ والْأرْضِ أُعِدّتْ لِلّذِين آمنُوا بِاللهِ ورُسُلِهِ ذلِك فضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ منْ يشاءُ واللهُ ذُو الْفضْلِ الْعظِيمِ﴾1 .
لكنّ هذا التنافس إذا انقلب إلى تنافس سلبيّ تندفع فيه الشائعات وسوء الظنّ، فإنّ هذا التنافس سينقلب إلى مرض خطير يوصل في الدنيا إلى الإحباط بدل النشاط وفي الآخرة إلى الغضب الإلهيّ بدل الجنان!
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"التنافس السلبيّ بين أفراد القوّات العسكريّة وبقيّة الأقسام وفتح الأبواب لدخول الشائعات وشيوع سوء الظنّ أمراض خطرة يجب منعها من النفوذ إلى داخل القوّة العسكريّة بشدّة، حتّى لا تتلوّث الأجواء العطرة الّتي تعيشها هذه المؤسّسة المتطلِّعة إلى تحقيق الأهداف الإلهيّة".
فيجب أن تتكامل المؤسّسات مع بعضها بعضاً سواء كانت عسكريّة أو غير ذلك، ويُحافظ كلٌّ منها على الأجواء الإسلاميّة الصحيحة الكفيلة بعدم تحوّل التنافس الإيجابيّ إلى تنافس سلبيّ.
1- سورة الحديد، الآية: 21.
25
16
المحور الثاني: التنظيم والإنضباط
أهمّيّة النظام والانضباط
النظام والانضباط هما شريان الحياة بالنسبة للقوّة العسكريّة، وهما حقيقة الهويّة والحياة العسكريّة، ولا بُدّ من أن تلتزم القوّات العسكريّة بهذين الأمرين بشكل كامل وإلّا تحوّلت إلى مجرّد حشود بشريّة لا قيمة قتاليّة لها.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"تتلخّص الهويّة الحقيقيّة للقوّات المسلّحة في متانة نظمها، فالقوّات المسلّحة الخالية من النظم المتينة، إنّما هي مجرّد حشود بشريّة لا قيمة قتاليّة لها، كما أنّ الأساس في ذلك البناء المتين هو الانضباط والأخوّة، وسلسلة المراتب في المؤسّسة العسكريّة ليست تمييزاً، إنّ هذه الجوانب لها أهمّيّة بالغة".
ويُمكن الإشارة إلى بعض المفردات الأساس في النظم والانضباط أشار إليها الخامنئيّ دام ظله في هذه الكلمة وفي كلمات أخرى تتلخّص بما يلي:
1- الترتيب والانضباط
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"العسكريّ يجب أن يكون في جميع حركاته وسكناته مرتّباً ومنظّماً، حتّى في لباسه. وأقول دون مبالغة: إنّ عدم رعاية هذا الانضباط العاديّ (كالاهتمام بأزرار القميص مثلاً) لا يبعث على الاطمئنان في ساحة الحرب وستكون أرواح الآخرين على عاتقه... ونحن قد جرّبنا ذلك في سنوات الحرب الثمانية".
إنّ الدماء هي من أغلى الأمانات الّتي وضعها الله تعالى على عاتق الإنسان، وقد تحمّلها العسكريّ، فالاستهتار بأيِّ أمر عسكريٍّ مهما كان صغيراً، في تقديرنا، قد يتسبّب بالتفريط بدماء كان يُمكن المحافظة عليها مع قليل من الانضباط والالتزام بالنظام، لذلك لا يجوز الاستخفاف بمثل هذه الأمور لأنّها
26
17
المحور الثاني: التنظيم والإنضباط
في الحقيقة استخفاف بدماء المؤمنين والعياذ بالله وهي بلا شك لا يرضى الله بإهمالها والاستخفاف بها بشكل من الأشكال.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"عليكم أن تُنفِّذوا الأنظمة والقوانين العسكريّة حرفيّاً (شعرة بشعرة) ولا تُهملوا أيّ شيء مهما صغُر... إنّ تنفيذ هذا القانون الانضباطيّ أمر واجب ولازم".
ويقول دام ظله:
"لقد تلقّينا ولسنوات عدّة ضربات ولطمات كثيرة من جرّاء اللامبالاة بالانضباط وبالنظام".
2- النظام
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"لا يتصوّرنّ أفراد القوّة المسلّحة، لا سمح الله، أنّ الاصطفاف ورفع الأرجل بتلك الطريقة المقرّرة في النظام هو أمر مخجل! فبهذه الكيفيّة يتمّ الاستعداد بشكل أفضل. إنّ النظام من الضرورات اللازمة".
وينقل دام ظله شعوره تجاه هذا النظام في حادثة حصلت معه، يقول:
"ذهبت ذات مرّة لتفقُّد إحدى كتائب الحرس، فرأيت العناصر مصطفّين منظّمين، وقائدهم يُصدر إليهم أوامر التحرُّك بكيفيّة معيّنة (نظام مرصوص) فعندها ولشدّة فرحي بكيت".
إنّ جميع هذه الأمور الّتي ذكرناها ليست كماليّات بالنسبة للقوّة العسكريّة بل هي أمر أساس وضروريّ يُعبِّر عن جهوزيّة القوّة المسلّحة لمواجهة التحدِّيات، وبدون هذه الأمور لن تكون جاهزة.
27
18
المحور الثاني: التنظيم والإنضباط
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"إنّني أؤكِّد على النظام والانضباط والتخطيط وتنظيم الأمور، وأعتبر أنّه لن يكون بمقدور القوى المسلّحة، بدون هذه الأمور، أن تجعل جهوزيّتها في الواقع العمليّ. فهذه الأنظمة والطاعة للقادة واللتان كان الإمام يؤكِّد عليهما كثيراً المندرجتان في السلسلة التنظيميّة، تجب رعايتهما لله وفي سبيل الله، واعتبارهما من قيم الدفاع المسلّح، وعندما يتحقّق ذلك يبقى عنوان الحراسة محفوظاً".
استمراريّة التنظيم
إنّ التنظيم يؤمِّن الوسيلة الأنجع والأقصر لتلبية الحاجات العمليّة، وبالتالي فيجب أن يكون دائماً متماشياً مع الحاجات وقادراً على تلبيتها. وحيث إنّ الحاجات في حالة تغيُّر وتطوُّر دائم كان لا بُدّ للتنظيم من أن يكون مواكباً لهذا التغيُّر والتطوُّر في الحاجات فتتمّ صياغته من جديد من الحاجات والتطوُّرات الجديدة، وبناء عليه فحركة التنظيم هي حركة مستمرّة لا تتوقّف عند حدٍّ، وهذا لا يعني أن نصل إلى حالة عدم الاستقرار، بل لا بُدّ من التوازن في ذلك.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"يجب أن توجد مجموعة تدرس بشكل دائم تنظيم قوّات الحرس، حتّى إذا وجدت أسلوباً جديداً يجعل التنظيم أكثر فعاليّة تعمل على اعتماده، وبالطبع، أنا لا أميل إلى التبديل كلّ يوم لكن لا أميل أيضاً إلى التحجُّر في هذه المؤسّسة".
3- سلسلة الرتب
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"لقد رأيتم كم كنت مهتمّاً بموضوع الرتب العسكريّة، وذلك لأنّها
28
19
المحور الثاني: التنظيم والإنضباط
تُساهم في تنظيم حركة العمل العسكريّ، ولا أقول بالطبع: إنّ الرتب الّتي أُعطيت للأفراد بها تُقاس قيمة الأخ المقاتل المجاهد المضحِّي في سبيل الله، لكنّ الرتبة أمر لازم لتحقيق الانضباط وبدونها لا يكون ممكناً. إنّ الرتب العسكريّة أمر هو حصيلة تجارب كثيرة وليست تقليداً لأحد، لهذا يجب العمل بها داخل الحرس".
فهل من الضروريّ وجود رتب عسكريّة وآمر ومأمور، أم أنّ ذلك يُنافي الإسلام؟
يؤكِّد الإمام الخامنئيّ دام ظله على أنّ مسألة الرتب ورعايتها في المؤسّسة العسكريّة هي أمر في غاية الأهمِّيّة، لما لها من أثر كبير في تنظيم حركة العمل العسكريِّ وتحديد المسؤوليّات.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"الرتبة تعني النظام الدقيق، ودورها تحديد المسؤوليّة والعلاقة بين الأفراد. والعمل المؤسّساتي يظهر بهذه الرتب العسكريّة. وإنّ هذه الأنظمة الموجودة هي الحدّ الفاصل بين المؤسّسة العسكريّة وباقي المؤسّسات".
وهذا ما كان يؤكّده الإمام الخمينيّ قدس سره كما ينقل الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"كان الإمام يُكرِّر القول للقوّات المسلّحة إنّ عليهم المحافظة على تسلسل الرتب، فكلُّ فرد، وفي أيِّ موقع كان، عليه أن يكون حازماً ويتعامل بروح القيادة في إصدار الأوامر إلى الّذين هم تحت إمرته، وأن يتقبّل الأوامر من مسؤوله ويلتزم بها وأن يكون كلّه ضمن الصلاحيّات والأوامر".
29
20
المحور الثاني: التنظيم والإنضباط
بل يؤكّد الإمام الخامنئيّ دام ظله أنّ رعاية السلسلة التنظيميّة هي تكليف ووظيفة دينيّة:
"يجب أن ينبع الانضباط العسكريّ من الإيمان والعقيدة فتكون رعاية النظام والسلسلة التنظيميّة وظيفة دينيّة، وفي نفس الوقت تكون روح الأخوّة والاهتمام بمن نسأل عنهم، والتقييم، كلُّ ذلك مبنيّاً على أساس القيم المعنويّة".
ويقول دام ظله:
"من الأمور الواجب اتِّباعها الحفاظ على النظم والقوانين الصادرة. فمراعاة القوانين والأوامر ليست ظلماً، بل إنّ لهذه الطاعة قيمة سامية".
الرتب لا تنافي روح الأخوّة
يشرح الإمام الخامنئيّ دام ظله الفرق بين التصرّف الطاغوتيّ والتصرُّف الإيمانيّ في موضوع الرتب والانضباط حيث يقول:
"لا تقولوا: إنّ النظام والانضباط هو عمل طاغوتيّ. التصرُّف الطاغوتيّ هو أن يجلس القائد داخل غرفته ويُغلق الباب في وجه العاملين فلا يعتني بهم ولا يعتني بكلامهم ولا يردّ سلامهم".
ففي جيش الإسلام هناك أمران مطلوبان هما: الانضباط والأخوّة، فروح الأخوّة بين المؤمنين لا تنفي وجود رُتب لتنظيم الأمور ولا تعني عدم الانضباط والفوضى، بل لا بُدّ من المحافظة على ذلك كلِّه.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"الانضباط لا يتنافى مع التواضع وروح الأخوّة".
30
21
المحور الثالث: عناصر القوة
إنّ كلّ عمل استراتيجيّ يحتاج لدراسة عناصر القوّة فيه؛ لأنّ النصر يتحقّق من خلال تراكم هذه العناصر وتفعيلها ووضعها في المكان المناسب. ومن لم يعرف نقاط القوّة فلن يركّز عليها ولن يفعّلها وبالتالي ستكون محبطة وغير فعّالة، وسيصل في نهاية الأمر إلى الفشل. من هنا كان لا بُدّ من الإشارة إلى عناصر القوّة في الجهاد، لتحصيلها والمحافظة عليها وتفعيلها، هذه العناصر الّتي تتلخّص بحسب كلمات الإمام الخامنئيّ دام ظله بالعناوين التالية:
الارتباط بالله تعالى
العنصر الأوّل والأساس الّذي يجب توفُّره، والّذي يُعتبر الركيزة الأساس الّتي لا يُعوِّضها شيء إن فُقدت، هو مسألة الارتباط بالله سبحانه وتعالى.
يقول تعالى:
﴿وكان حقّاً عليْنا نصْرُ الْمُؤْمِنِين﴾1.
فالنصر الإلهيُّ تابع للإيمان. وهذا ما يُشير إليه الإمام الخامنئيّ في كلماته حيث يقول دام ظله:
"إنّ جميع سنن وقوانين الطبيعة وجميع الإمكانات والقدرات الّتي تتمتّع بها الصفوة الخيِّرة ستكون معكم ما دمتم متسلّحين بالإيمان والتقوى والعمل الصالح".
"اهتمُّوا بالمعنويّات والمناجاة مع الله، وبالتعلُّق القلبيِّ بالله، واجعلوا الله
1- سورة البقرة، الآية: 229.
33
23
المحور الثالث: عناصر القوة
هدفكم، ولا تنخدعوا بالمظاهر ولا تتعلّقوا بزينة الدنيا وزخارفها، وبذلك تتحقّق الفئة المؤمنة الّتي تكون مثالاً لقوله تعالى: ﴿كمْ مِنْ فِئةٍ قلِيلةٍ غلبتْ فِئةً كثِيرةً بِإِذْنِ اللهِ واللهُ مع الصّابِرِين﴾1.
"إذا أردنا أن نحفظ الثورة في المواجهة مع الأعداء، نحتاج إلى قوّة إلهيّة لا تزول، تنبع من الإخلاص التامِّ، ويجب أن يكون هذا مفهوماً ثابتاً في القوّات المسلّحة".
"في الوقت الّذي تُصبح فيه قضيّة الإنسانيّة والإيمان والقيم والخصال الحميدة والحسابات المعنويّة حاضرة، سيكون لها تأثير غير عاديٍّ، بل ومصيريٌّ في تحديد مجرى الأحداث".
و نراه ينقل عن الإمام الخمينيّ قدس سره أنّ الإيمان هو العمود الفقري للقوّات المؤمنة كالحرس.
يقول :
"كان الإمام يقول لي: إنّ العمود الفقريّ للحرس هو الشعور الثوريُّ والإيمان الّذي يحمله هؤلاء الشباب الغيارى. ويجب صياغة هذا الإيمان وتعزيزه بالوعي والعمق الفكريِّ في المجالات العقائديّة والسياسيّة".
بل المطلوب أن يتطوّر الإنسان ويتقدّم في مجال الارتباط بالله سبحانه وتعالى، يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"ذكرت مراراً هذا الأمر، وقد لُذعنا منه، فكلّما ارتفع مستوى العمل والمسؤوليّة وجب أن يكون الإيمان أعمق، ولا أقصد من الإيمان تلك المظاهر الإيمانيّة للإسلام والنظام، بل ذلك الاعتقاد الحقيقيّ".
1- سورة الأنفال، الآية: 60.
34
24
المحور الثالث: عناصر القوة
ولازدياد الارتباط بالله تعالى، لا بُدّ من تحويل جبهات القتال إلى أمكنة عبادة لله سبحانه وتعالى، يزداد فيها ارتباط المجاهد بالله سبحانه وتعالى يوماً بعد يوم.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"ميدان الجبهة هو ميدان التعبُّد، وفيه لا يوجد دخالة لأيِّ عامل آخر حتّى العقل. وإذا كُنّا ملتفتين إلى هذه المسألة وجعلنا التقوى هدفنا والتحرُّك لمرضاة الربِّ غايتنا، ستتحقّق عندها كلُّ غاياتنا".
وهذا لا يعني المظاهر فقط، بل يجب أن ينفذ الارتباط بالله تعالى إلى القلب ويُصبح نابعاً من الوجدان.
يقول دام ظله:
"في مجال التربية يجب أن لا تغلب الأعمال الظاهريّة المحتوى واللبّ الّذي يُشكِّل عملنا الأساس، لهذا يجب الاهتمام بالتزكية وتغيير القلوب... اجعلوا سعيكم الحثيث لأجل حفظ واستمرار الصفاء والتهذيب داخلكم، وبهذه الطريقة فقط سيقلع العدوُّ عن التفكير في النفوذ واختراق هذه المؤسّسة الثوريّة".
قوّة النهج
العنصر الثاني من عناصر القوّة، هو المنهج الّذي يسير عليه المجاهدون، فهذا المنهج هو سراج الطريق، فكلّما كان أقوى في نورانيّته وأوضح في تمييزه كان العمل أدقّ وأكثر ثماراً.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"إنّ الأعداء يحسبون لكم ألف حساب. ولم يتحقّق هذا لكم إلّا بفضل
35
25
المحور الثالث: عناصر القوة
الإسلام، لهذا يجب معرفة قدر الإسلام، كما يجب عليكم أن لا تتصوّروا أنّ ما قمنا به وأنهيناه سيبقى خالداً بذاته، لهذا يجب أن نبقى حافظين له".
الشعور الثوريّ
الإسلام الحقيقيّ هو إسلام ثوريّ لا يقبل الخنوع أو التسليم بالظلم، أو الاستسلام له. الإسلام الحقيقيّ هو إسلام أبي عبد الله الحسين عليه السلام الّذي يرفض الظلم ويواجه التحدِّي مهما كلّفه ذلك من ثمن ما دام في مرضاة الله وما دام يؤدِّي من خلاله تكليفه الشرعيّ بما يحمل من مصلحة إسلاميّة كبرى ستظهر ولو بعد حين.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"كان الإمام يقول لي: إنّ العمود الفقريّ للحرس هو الشعور الثوريّ والإيمان الّذي يحمله هؤلاء الشباب الغيارى".
وهذا الإسلام الأصيل هو سبب الانتصارات الّتي تحقّقت في هذا الزمن وفي غيره من الأزمان.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"ما هو سبب هذه الانتصارات وهذا التقدُّم؟ الجواب بكلمة واحدة هو التضحية النابعة من التديُّن الثوري، لا ذلك التديُّن الفاقد للروحيّة الثوريّة... التديُّن الثوريُّ هو نفس التديُّن القرآنيِّ الأصيل الخالص الّذي تُلازمه التضحية والإيثار والابتكار واستصغار العوائق...
وهذه الروحيّة هي الّتي تُؤدِّي إلى تفوُّقكم: ﴿كمْ مِنْ فِئةٍ قلِيلةٍ غلبتْ فِئةً كثِيرةً﴾"1.
1- نهج البلاغة، ج2، ص180.
36
26
المحور الثالث: عناصر القوة
الالتزام بالولاية
إنّ ولاية الفقيه هي نعمة إلهيّة كبرى في زمن الغيبة، وهي المحور الأساس لكلِّ الحركة الإسلاميّة في عصر الغيبة؛ لأنّه من خلال الولاية تُدفع الأخطار وتُشخّص المصالح وتسير الأمّة كلُّها باتجاه واحد. وهذا ما أثبتته التجربة بشكل واضح لا غبار عليه.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"إذا لم يهتدِ الحرس بهدي الوليِّ الفقيه، ولم يكن تحت رقابته الدائمة، فسيكون معرّضاً بدرجة كبيرة لخطر الأعداء وينشأ القلق من احتمال النفوذ إليه وحرفه عن خطِّه ونهجه".
ومن هنا فلا بُدّ من أن يكون للمجاهدين ارتباط مميّز بالوليِّ الفقيه على المستوى العمليِّ؛ لأنّه هو الضمان في استمرار المسيرة وعدم انحرافها أو تشتُّتها.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"يجب أن يحفظ الحرس ارتباطه بالوليِّ الفقيه وأن يدقِّق في نصائح الإمام".
وكذلك يجب أن يكون الارتباط على المستوى المعنويِّ، مع ولاية الفقيه.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"مسألة ولاية الفقيه يجب أن تكون الدم الّذي يجري في عروق الحرس لتهبه الحياة، ويجب أن يظهر هذا الأمر ويتجلّى في الواقع العمليِّ للأفراد".
37
27
المحور الثالث: عناصر القوة
روحيّة أداء التكليف
إنّ روحيّة أداء التكليف الشرعيِّ والانطلاق من خلال هذا التكليف إلى ساحات العمل سيضمن النصر بالتأكيد، وسيمنع الوهن والتردُّد والشكّ، فننجز تكليفنا ولا نبالي ما دمنا سننال إحدى الحسنيين!
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"إذا جعل الإنسان الشريعة أمامه، وسار في كلِّ خطواته طبق التكليف الشرعيِّ الإسلاميِّ، فيقيناً سينتصر".
فالالتزام بالتكليف الشرعيِّ والسير على ضوء الشرع الإسلاميِّ المقدّس هو أمر أساس يُعطي الهويّة الحقيقيّة للجهاد من جهة ويُحقِّق النصر من جهة أخرى.
وهذه وصيّة الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"النصيحة الّتي أودُّ أن أوجِّهها لنفسي أوّلاً ثمّ إليكم أيُّها الأعزاء في كلِّ المواقع هي أنّه بعد الإيمان بالله سبحانه وتعالى، يجب معرفة أحكام الله والحفاظ عليها وعدم تجاوزها ﴿ومنْ يتعدّ حُدُود اللهِ فأُولئِك هُمُ الظّالِمُون﴾1. فلا يجوز لأحد أن يتعدّى هذه الحدود الّتي بيّنها لنا الإسلام بوضوح، والّذي يتّبع هذه الحدود الإلهيّة الجليلة يبقى دوماً منتصراً مرفوع الرأس، هذه وصيّتي: تحرّكوا ضمن الحدود الإلهيّة ولا تتجاوزوها".
الطاقات الكامنة
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"إنّ من الأمور المهمّة في أيّة مؤسّسة عسكريّة، العمل لأجل الاستفادة
1- سورة البقرة، الآية: 229.
38
28
المحور الثالث: عناصر القوة
القصوى من القابليّات والطاقات المادِّيّة والإنسانيّة الموجودة فيها... يجب عليكم أن تبحثوا عن هذه القابليّات وتنمّوها وتُخرجوها إلى حيّز التحقُّق، يجب عليكم أن تستفيدوا من الأيادي الماهرة والعقول الفذّة والخلّاقة لأجل تطوير العمل وتحمّل هذه المسؤوليّة الكبرى".
إنّ في الإنسان طاقات عظيمة أودعها الله سبحانه وتعالى فيه، ويجب العمل على نبشها واستثارتها لتتحرّك وتُبدع في كلِّ ساحات الحاجة، وعلى الإنسان أن يبذل ما في وسعه لأجل ذلك.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"ابذلوا ما في وسعكم من أجل الإبداع والاختراع".
وهذا الأمر موجود في كلِّ الميادين بما فيها ميدان العمل الجهاديِّ والقوّات المسلّحة.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"في القوّات المسلّحة توجد استعدادات وقابليّات لامعة وملفتة في مختلف الأبعاد، لهذا يجب التعرُّف إليها وتنميتها، وتفعيل هذه الجواهر الإنسانيّة في سبيل الأهداف السامية للثورة".
الاكتفاء الذاتيّ
لا شكّ أنّ الحاجة للآخرين هي جهة نقص وضعف. وقد يكون رفع الحاجة والانقطاع عن العالم الآخر أمر غير عمليٍّ وغير مفيد بل غير ممكن من الأساس، ولكن على الأقلِّ في الأمور الاستراتيجيّة ينبغي السعي نحو الاكتفاء الذاتيّ بهدف الاستغناء عن الآخرين، خصوصاً في موضوع الجهاد والحاجات الأساس للقوّات المسلّحة، فالقوّات المسلّحة يجب أن تسعى لتأمين كلِّ ما تحتاجه في الجهاد بأعلى مستوى ممكن من الاكتفاء الذاتيّ.
39
29
المحور الثالث: عناصر القوة
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"أكبر مصيبة هي أن تكون المؤسّسة العسكريّة بحاجة للآخرين لتأمين مُعدّاتها، والعزّة الحقيقيّة تكون لمن يعتمد على نفسه".
قد يكون الأمر بحاجة لمجهود جبّار لتحقُّقه، لكن لا بُدّ من السعي نحو الاكتفاء الذاتيّ.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"حافظوا على المسار في خططكم من أجل الاكتفاء الذاتيّ والاعتماد على النفس. وإنّني أتّهم كلّ من يقول باستحالة هذا الأمر، فلا يوجد شيء اسمه مستحيل. إنّ الإنسان ينطوي على قابليّات جبّارة تجعل المستحيل ممكناً".
الحفاظ على المعنويّات
إنّ الإنسان هو روح وجسد. وكما ينبغي أن يستعدّ على المستوى الجسديّ والمادِّيِّ فعليه أن يستعدّ أيضاً على المستوى النفسيِّ والمعنويِّ، فيثير عناصر القوّة في نفسه ويدفن كلّ عناصر الضعف والوهن. وقوّة الإنسان تنشأ من معنويّاته العالية، لذلك يجب مراقبة هذه المعنويّات والمحافظة عليها في أعلى مستوياتها.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"الإنسان موجود قابل للتغيُّر والانفعال. ومن خلال معاملاته واحتكاكه بالمسائل اليوميّة قد تتغيّر معنويّاته وتتأثّر، لهذا يجب مراقبتها بصورة دائمة لكي لا تتّجه نحو الضعف والخراب".
واليأس والشكّ من أصعب الأمراض المعنويّة الّتي تأكل كلّ شيء وتجعل
40
30
المحور الثالث: عناصر القوة
القوّات المسلّحة بدون تأثير، لذلك يؤكِّد الإمام الخامنئيّ دام ظله على منع تسلُّلها إلى القوّات العسكريّة:
"اسعوا داخل أجهزة قوّات الحرس إلى أن لا يتسلّل اليأس والشكُّ وحاربوا هذا الأمر بشدّة".
41
31
المحور الرابع: التجهيز
التجهيز
* الجهوزية
* الجانب المعنويّ
* الجانب المادي
* ما معنى النوعية؟
* القدرة على التحليل السياسي
* الإبتعاد عن العمل السياسي
43
32
المحور الرابع: التجهيز
الجهوزيَّة
إنَّ المباغتة هي من أمضى الأسلحة في العمل العسكريِّ، لذلك لا تستطيع القوّات المسلَّحة أن تنتظر حصول المعركة حتَّى تُبادر لتجهيز نفسها وتأمين متطلَّباتها على المستوى المادِّيِّ والبشريِّ... بل يجب على القوّات المسلَّحة أن تبقى جاهزة ومتيقِّظة على الدوام حتَّى لا تفقد زمام المبادرة وتبقى قادرة على مواجهة جميع التحدّيات الَّتي قد تُفرض عليها.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"أنتم أيُّها القادة يقع ضمن مسؤوليَّتكم أن ترفعوا من مستوى اقتدار الحرس كمّاً وكيفاً... فتابعوا التعلُّم بدرجة كبيرة...".
والاستعداد والجهوزيَّة يجب أن تكون في شتّى الميادين والمجالات.
يقول دام ظله:
"أعِدُّوا أنفسكم في شتّى المجالات والميادين".
وهذه الميادين واسعة ومتعدِّدة، بعضها معنويٌّ له علاقة بالجانب الروحيِّ وبعضها الآخر مادِّيٌّ.
الجانب المعنويّ
نُشير في الجانب المعنويِّ والنفسيِّ إلى الأمور التالية الّتي ينبغي توفُّرها على الدوام:
45
33
المحور الرابع: التجهيز
1- الشعور بالمسؤوليَّة
إنَّ الشعور بالمسؤوليَّة والاهتمام بشؤون المسلمين والمستضعَفين، هو أوَّل أمر يجب أن يكون حاضراً في الوجدان. فالإنسان الَّذي يعيش اللامبالاة لن يكون مفيداً مهما كانت جهوزيّته كاملة في جميع الجهات الأخرى.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"لا تفقدوا ولو للحظة واحدة الإحساس والشعور بالمسؤوليَّة. فأنتم سوف ترتقون يوماً بعد يوم سلّم العزِّ والشرف وسوف يزداد عزُّكم هذا في أعين الناس، وأكثر من هذا عند الله تعالى".
2- تهذيب النفس
إنَّ تهذيب النفس وجعلها مطابقة للمفاهيم والأخلاق والسلوكيَّات الإسلاميَّة هو شرط أساس على مستوى الجهوزيَّة، لذلك نجد الإمام الخامنئيّ دام ظله، يجعل ذلك تكليفاً لكلِّ واحد وخصوصاً القادة.
يقول دام ظله:
"على كلِّ واحد من القادة أن يعتبر تهذيب النفس تكليفاً عليه".
هذا ما يجب أن تكون عليه القوّات المسلَّحة كلُّها:
"يجب أن تكون في أعلى درجات المعنويّات وتثبيت القلوب على الإيمان".
والتأكيد على هذا الأمر يرجع إلى عدَّة أسباب منها:
أ- الصبر والصمود
هذا الإيمان وهذا التهذيب للنفس والارتباط بالباري جلَّ وعلا له قيمته العالية جدّاً في ميادين الجهاد.
46
34
المحور الرابع: التجهيز
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"كلُّ فرد من قوّات الحرس يجب أن يصل من ناحية الذخيرة المعنويَّة والإيمانيَّة إلى درجة تُمكِّنه فيما لو بقي وحيداً في الميدان ولم يبق معه أحد على الإطلاق من أن يصمد في مواجهة كلِّ قوى العالَم...هذا الأمر لازم... وهو يعتمد على أساسين: المعرفة والإيمان".
نعم، يستطيع الإنسان أن يقف وحده في مواجهة كلِّ هؤلاء ويصمد ويستمرّ إذا هذّب نفسه وقطع علائق الدنيا وحبَّها من قلبه ولم يبقَ في قلبه سوى الله سبحانه وتعالى.
ب- عدم السقوط والانحراف
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"لا تسمحوا لأيِّ شيء أن يُزيلكم عن الجهاد، فأفضل الأشخاص معرَّضون للسقوط والانزلاق. واعلموا أنَّ جميع الأشخاص حتَّى الصالحين منهم والمسدَّدين والحكماء العلماء الأتقياء معرَّضون لخطر السقوط، لهذا، وفي أيِّ منصب كنتم وبأيِّ مستوى، الجؤوا إلى الله سبحانه".
ج - حفظ الهويَّة
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"بالإضافة إلى حفظ الجهوزيَّة العسكريَّة عليكم أن تحفظوا الجهوزيَّة المعنويَّة والنفحات الروحيَّة والإيمان، فهذا جوهر تميّز قوَّات الحرس... ونحن نُريد أن تكون كلُّ قوّاتنا المسلّحة على هذه الشاكلة، فاحفظوا ذلك واجعلوه يقوى ويتكامل".
47
35
المحور الرابع: التجهيز
د- تقديم النموذج المشرق
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"عليكم أن تقوُّوا أنفسكم من الناحية المعنويَّة والعلميَّة، وأن تكونوا أمثولة التقوى والورع بالنسبة للناس".
وصلاة الليل من الأمور الَّتي أكّد عليها الإمام الخامنئيّ دام ظله كمفردة أساس من مفردات تهذيب النفس الَّتي ينبغي أن تُؤدَّى بحضور قلب وتوجُّه.
يقول دام ظله:
"صلُّوا صلاة الليل بتوجُّه وحضور، ولنفهم ما نقوم به فيها، لا أن نؤدِّيها بدون توجُّه".
3- الثقافة
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"يجب أن يصل أفراد الحرس إلى العمق الفكريِّ المناسب، لأنّ مجرّد وجود الدوافع والمحفِّزات الإيمانيَّة ليس كافياً، فإنَّ المعرفة والتعلُّم والاطِّلاع الكافي أمور لازمة".
فهذا العلم وهذه الثقافة قادرة على سدِّ ثغرات الضعف وقطع الطريق على الأعداء في محاولاتهم الاستفادة من ثغرات الضعف والنفوذ من خلالها.
يقول الإمام الخامنئي دام ظله:
"أيُّها المسؤولون الثقافيّون في قوّات الحرس عليكم أن تُسلِّحوا أفراد الحرس بالاستدلال والمنطق وقوَّة الإيمان لمواجهة المؤامرات ولكي لا يتمكّن العدوُّ من النفوذ إلى أولئك بسبب نقاط الضعف في هذا المجال".
فالاهتمام بالعلم والثقافة أمر ضروريٌّ، ولكن ضمن السقف المناسب
48
36
المحور الرابع: التجهيز
للقوّات المسلَّحة، فليس من المطلوب أن يكون عضو الحرس فيلسوفاً مثلاً، بل المطلوب أن يكون مطَّلعِاً على الأمور عارفاً بدينه.
يقول دام ظله:
"في يومنا هذا، يجب عليكم أن تتعرَّفوا إلى إلهامات وإشارات القرآن وإلى المعارف الإسلاميَّة العميقة المطلوبة، لا إلى حدِّ الفيلسوف المتخصِّص بل إلى مستوى إنسان عارف ومطّلع على الأمور".
ويجب أن يكون ذلك بالأسلوب المناسب الَّذي يضمن تحقُّق الثقافة الثوريَّة في هذه القوّات.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"أيُّها المسؤولون الثقافيُّون يجب عليكم أن تحقنوا أفراد القوّات المسلَّحة لمواجهة الآفات والأمراض، وأن تضمنوا حاكميَّة الثقافة الثوريَّة على هذا الجسم".
وهل تختصُّ الثقافة والمعرفة بفئة معيَّنة في القوَّات المسلَّحة كالمسؤولين والقادة، أم أنّها لازمة لكلِّ الأفراد؟
يؤكّد الإمام الخامنئيّ دام ظله أنَّها لازمة للأفراد جميعاً غير مختصَّة بفئة دون أخرى.
يقول دام ظله:
"الأمر المهمُّ في قوّات الحرس هو أن تكون لدينا معرفة دينيَّة حتَّى لا نُخدع أو ننحرف... ولا يكفي أن تكون هذه المعرفة متحقِّقة لدى القادة والمسؤولين... ولا يصحّ أن نقول يكفي أن يكون المسؤول جيِّداً وثقة أمَّا بقيّة العناصر فغير مهمّ أيّة حال يكونون!، في جيش الإسلام لا تُقبل هذه المسألة،
49
37
المحور الرابع: التجهيز
وصحيح أنَّ المسؤول يتحمَّل مسؤوليَّة أعلى في هذا المجال، ولكن يجب على كلِّ فرد تحصيل المعرفة الدينيَّة".
الجانب المادِّيّ
وأمّا الاستعداد والجهوزيَّة في الجانب المادِّيِّ فيمكن تلخيصهما بما يلي:
1- تطوير الإمكانات العسكريَّة
لا شكَّ أنّ التجهيزات العسكريَّة في تطوُّر مستمرّ، وقد قطعت أشواطاً في تأمين الاحتياجات العسكريَّة بأفضل أسلوب يتناسب مع المطلوب من جهة الدقَّة والسرعة والتشغيل بأقلّ كلفة ممكنة على المستوى البشريِّ والمادِّيِّ...
وهذه العناصر من الأمور الَّتي تلعب دوراً أساساً في المعركة، لذلك نجد القرآن الكريم يؤكِّد عليها: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ﴾1 .
وهذا ما أكّد عليه الإمام الخامنئيّ دام ظله حيث يقول:
"على كافَّة القوَّات المسلَّحة في البلد أن تُقوِّي ما أمكن نظم بنائها ومُعَدَّاتها وإمكاناتها القتاليَّة...".
2- تنمية القدرات القتاليَّة
بالإضافة إلى التجهيز المادِّيِّ هناك إعداد بشريٌّ يجب أن يواكب التجهيز المادِّيَّ، فالآلة إذا لم تجد من يُشغِّلها بشكل صحيح فستفقد قيمتها في الميدان.
بل على المجاهد أن يكون جاهزاً لمواجهة كلِّ الاحتمالات الَّتي قد تفرضها ساحة المعركة، ويجب تنمية القدرات القتاليَّة من جميع الجهات اللازمة.
1- سورة الأنفال، الآية: 60.
50
38
المحور الرابع: التجهيز
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"يجب عليكم تنمية قدراتكم العسكريَّة والمحافظة على أجواء النظم والتعلُّم بأفضل صورة".
والاستعداد البشريّ يُشكِّل الرصيد الأساس الَّذي يجب تفعليه والاستفادة منه.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"في القوَّات المسلَّحة توجد استعدادات وقابليَّات لامعة وملفتة في مختلف الأبعاد، لهذا يجب التعرُّف إليها وتنميتها، وتفعيل هذه الجواهر الإنسانيَّة في سبيل الأهداف السامية للثورة".
3- النوعيَّة أهمّ من الكمّيّة
إنَّ الاعتماد والتركيز على نوعيَّة المقاتِل أهمُّ بكثير من التركيز على العدد، فالفعاليّة الأولى في المعركة هي للكفاءة والنوعيَّة قبل العدد والكثرة، وهذا ما ينبغي أن تلتفت إليه القوّات المسلَّحة.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"احفظوا دائرة الحرس ببضع ألوية تتمتَّع بالتجهيزات الحديثة والعقيدة والوعي السياسيِّ اللازم والعميق. وهذا أفضل من أن يكون لدينا خمسون أو ستّون لواءً ليسوا كذلك".
ويقول دام ظله:
"إنَّني أعتقد بأنَّه تجب على الحرس تنمية بنيته من الناحية النوعيَّة أكثر من الناحية الكميَّة".
51
39
المحور الرابع: التجهيز
ما معنى النوعيَّة؟
التركيز على النوعيَّة يعني التركيز على صفات الأفراد أكثر من العدد. والصفات المطلوب توفُّرها في الأفراد هي كلُّ ما سبق ذكره على المستوى المعنويِّ والمادِّيِّ، بالإضافة إلى أمرين آخرين هما:
1- الإتْقَان
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"يجب على القائد أن يكون مطَّلعاً دوماً على كلِّ الأسس والتفاصيل المتعلِّقة بحدود مهمَّته".
والاطِّلاع على الأسس والتفاصيل يعني إتقان المهامِّ وليس المقصود مجرَّد الاطِّلاع بل الوصول إلى الملكة الَّتي تترجم في الممارسة بشكل متقن، وكذلك الإتقان الإداريّ.
يقول دام ظله:
"إنَّ معرفة دور وموقعيَّة القوّة العسكريَّة ودائرة عملها والمهمّات الموكلة إليها مسألة مهمَّة. وذلك لكي لا يحصل التعدِّي أو الإهمال أو تداخل الوظائف والمهمّات فلا يعود ذلك بفائدة على أحد".
2- معرفة ساحة العمل
بالإضافة إلى الإتقان والمَلكة لا بُدَّ من معرفة ساحة العمل بشكل كامل.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"لا ينبغي أن نقبل بقائد غير مطَّلع على دائرة مهمَّته الموكلة إليه".
3- اليقظة
إنَّ مجرَّد إتقان المهامّ ومعرفة الساحة لا تكفي في العمل العسكريِّ بل لا بُدَّ من مراقبة العدوِّ ووضع الاحتياطات الكافية لمواجهته واليقظة الكافية.
52
40
المحور الرابع: التجهيز
يقول الإمام الخامنئي دام ظله:
"يجب أن تعلموا أنّ العدوَّ يتحيّن الفرص المناسبة لتوجيه الضربة إليكم، ومن نام لم يُنم عنه، فأنتم إذا غفلتم سوف تتلقَّون الضربات".
القدرة على التحليل السياسيِّ
إنَّ الاطِّلاع على المجريات السياسيَّة والقدرة على تحليلها، هو من الأمور الَّتي تدخل في معارف القوّات المسلَّحة الَّتي ينبغي توفُّرها، خصوصاً إذا كانت تقوم بالأدوار الَّتي تُشابه دور الحرس.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"قوّات الحرس يجب أن تعرف دورها وموقعها، وتكون على بصيرة وتتمتَّع بالوعي السياسيِّ، والاطِّلاع على الزمان والمكان وتمتلك التحليل السياسي الصحيح حول الأحداث الداخليَّة والخارجيَّة".
فهي جزء من الوعي المطلوب الَّذي يدخل في تحصين القوّات المسلَّحة أكثر ويُساعدها على تأدية مهامِّها.
يقول دام ظله:
"في المراحل الصعبة للثورة، عندما يختلط الحقُّ بالباطل، كما كان أمير المؤمنين عليه السلام يُبيِّن قائلاً: "ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيُمزجان، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه"".
والَّذي يمتلك القدرة على التحليل السياسيِّ يكون أكثر توقُّعاً للأحداث، ويضعف خطر مباغتته.
يقول دام ظله:
"يجب أن يكون للقوَّة العسكريَّة بصيرة وحسٌّ سياسيٌّ، ويجب الإطِّلاع
53
41
المحور الرابع: التجهيز
على الزمان والمكان حتَّى لا نقع في الخطأ ونُستغفل، فالخطأ هنا مختلف والخسارة أعظم".
بل إنَّ المعرفة السياسيَّة هي جزء من الثقافة الدينيَّة الَّتي ينبغي توفُّرها لدى الجميع.
يقول دام ظله: "على كلِّ فرد من الأخوة الحرس أن يكون متديِّناً...
وبالطبع فإنَّ المعارف الدينيَّة شاملة أيضاً للمسائل السياسيَّة، وليست منحصرة بالصلاة والصوم وأمثالهما من العبادات، فإنَّ معرفة العدوّ من الصديق ومعرفة الحوادث الجارية، وقدرة التحليل السياسيِّ، كلُّ هذا جزء من المعرفة الدينيَّة والعمل الدينيِّ.
الابتعاد عن العمل السياسي
يجب أن نُميِّز بين القدرة على التحليل وتوقُّع التطوُّرات، وبين التدخّل في العمل السياسيِّ والدخول إلى ميادينه للتأثير، فهناك فرق كبير بينهما، والمطلوب من القوّات المسلَّحة هو الأوَّل دون الثاني، فعلى القوّات المسلَّحة أن تبتعد عن العمل السياسيِّ خصوصاً في الأمور الداخليَّة.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"الإمام حذَّر أفراد القوّات المسلَّحة من الانخراط في الأحزاب والتيّارات السياسيَّة، ومنعهم من الدخول فيها، ولكن في نفس الوقت يجب أن تمتلك كلّ واحدة من هذه القوّات قدرة التحليل السياسيِّ للأحداث والقضايا، ولأجل تحقُّق هذا الأمر يجب تهيئة الأجواء المناسبة".
والدخول في السياسة الداخليَّة والتيَّارات المختلفة هو أمر مهلك للقوَّات المسلَّحة.
54
42
المحور الرابع: التجهيز
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"عناصر الحرس وانطلاقاً من المهمَّة الملقاة على عاتقهم يجب أن يكون لديهم وعي وحسٌّ سياسيٌّ، ولكن في الوقت نفسه يجب أن يبتعدوا عن كلِّ أشكال التيّارات السياسيَّة، فهذا الأمر سمّ مهلك لكلِّ مؤسَّسة عسكريَّة، يجب اجتنابه بقوّة".
55
43
المحور الخامس: طريقة العمل
طريقة العمل
* العمل طبق التكليف والأحكام الشرعية
* كسب محبة الشعب وثقته
* التضحية
57
44
المحور الخامس: طريقة العمل
في ساحة الجهاد يجب تحديد ومعرفة طريقة العمل لأمرين:
الأمر الأوّل: تحديد ما هو أكثر تأثيراً وأسرع في تحقيق النصر وظهور الآثار.
والأمر الثاني: معرفة الضوابط الشرعيَّة للالتزام بها على المستوى العمليِّ، لأنَّ الإسلام لم يكتفِ بتحديد الأهداف بل اعتبر أنَّ الوسيلة وطريقة العمل يجب أن تكون شرعيَّة وضمن الضوابط، كما كان يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
"ما معاوية بأدهى منِّي ولكنَّه يغدر..."1 .
وانطلاقاً من هاتين النقطتين يُمكننا عنونة طريقة العمل كما ورد على لسان الإمام الخامنئيّ دام ظله بما يلي:
العمل طبق التكليف والأحكام الشرعيَّة
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"النصيحة الَّتي أودُّ أن أوجّهها لنفسي أوَّلاً ثمَّ إليكم أيُّها الأعزّاء في كلِّ المواقع هي أنَّه بعد الإيمان بالله سبحانه وتعالى تجب معرفة أحكام الله، والحفاظ عليها، وعدم تجاوزها ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾2 ، فلا يجوز لأحد أن يتعدَّى هذه الحدود الَّتي بيَّنها لنا الإسلام بوضوح.
1- نهج البلاغة، الخطبة 27.
2- سورة البقرة, الآية:229.
59
45
المحور الخامس: طريقة العمل
والَّذي يتَّبع هذه الحدود الإلهيَّة الجليَّة يبقى دوماً منتصراً مرفوع الرأس، هذه وصيَّتي: تحرَّكُوا ضمن الحدود الإلهيَّة ولا تتجاوزوها".
فالمحافظة على الحدود الشرعيَّة أمر واجب وضروريٌّ في جميع الظروف، وإلّا فإنَّ المتجاوز لحدود الله سيدخل في الظالمين كما في الآية الكريمة، وهذا يعني خسران الآخرة.
وكذلك على المستوى الدنيويِّ، فإنَّ الالتزام بهذه التكاليف له دور حاسم في النصر وتحقيق الأهداف.
يقول تعالى:
﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ...﴾1.
وهذا ما يُشير إليه الإمام الخامنئيّ دام ظله في أكثر من كلمة، يقول:
"إذا جعل الإنسان الشريعة أمامه، وسار في كلِّ خطواته طبق التكليف الشرعيِّ الإسلاميِّ فيقيناً سينتصر".
كسب محبَّة الشعب وثقته
إنّ العمل العسكريَّ، خصوصاً إذا كان ثوريّاً، يكون فعَّالاً إذا انطلق من مساندة شعبيَّة، لذلك يجب على الدوام أن تُمدَّ جسور المحبَّة والتواصل بين القوّات العسكريَّة والناس عموماً، وأن تزداد هذه المحبَّة والمساندة يوماً بعد يوم.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"إنّ طريقة وأسلوب عمل القوّات الثوريّة يجب أن يكون بشكل يُعزِّز ويزيد
1- سورة الروم, الآية:47.
60
46
المحور الخامس: طريقة العمل
من محبَّة الناس لها، وذلك, لأنَّ دورها بدون سند شعبيٍّ يفقد فاعليَّته، وهذا الدعم أو السند إنَّما يكون حاصلاً عند حفظ محبَّة الشعب وثقته".
وقد أظهر الإمام الخامنئيّ دام ظله حساسيَّة عالية مقابل تشويه صورة القوّات العسكريَّة لإبعادها عن الشعب.
يقول دام ظله :
"لا أسمح لأحد بأن يتفوَّه ومن دون مسؤوليَّة بكلمة واحدة تعود بالضرر على المؤسَّسة العسكريَّة، فهذه أمانة أودعت بيدي وواجبي الحفاظ عليها".
التضحية
إنَّ التضحية من الأمور الأساس الَّتي تدخل في حقيقة العمل العسكريِّ، فالعمل العسكريُّ قائم على التضحية، وهل هناك تضحية أعلى من بذل النفس؟
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"الأصل في وجود الإنسان في القوّات المسلَّحة هو التضحية...".
ويجب الحفاظ على هذه الروحيَّة الَّتي هي في الحقيقة حبُّ الشهادة والشوق للقاء الله تعالى، والَّتي طالما تمنّاها الأولياء والصالحون.
هذه العناوين الثلاثة هي العناوين الأساس الَّتي لا بُدَّ من تحقُّقها في كلِّ عمل عسكريٍّ ثوريٍّ، وبالإضافة إلى هذه العناوين هناك بعض العناوين العمليَّة الأكثر تفصيلاً، الَّتي ينبغي أن تنتهجها القوّات المسلَّحة في عملها، نُشير إلى بعضها:
1- الاستفادة من الطاقات
إنَّ في الإنسان كنوزاً وطاقاتٍ ينبغي كشفها وتفعليها وإعطاؤها فرصها
61
47
المحور الخامس: طريقة العمل
للظهور بفعاليَّة. والرأسمال الحقيقيّ لكلّ عمل هو هذا الإنسان وطاقاته الدفينة.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"إنَّ من الأمور المهمّة في أيَّة مؤسَّسة عسكريَّة العمل لأجل الاستفادة القصوى من القابليّات والطاقات المادِّيَّة والإنسانيَّة الموجودة فيها... يجب عليكم أن تبحثوا عن هذه القابليّات وتنمُّوها وتُخرجوها إلى حيِّز التحقُّق.يجب عليكم أن تستفيدوا من الأيادي الماهرة والعقول الفذَّة والخلّاقة لأجل تطوير العمل وتحمُّل هذه المسؤوليَّة الكبرى".
2- الثقة بالنفس
إنَّ الإنسان الَّذي لا يثق بنفسه وقدراته لا يُمكن أن يُحقِّق أيَّ إنجاز مهمٍّ على أرض الواقع. هذه الثقة بالنفس هي الَّتي توصل إلى الإبداع والاختراع وتُخرج الإنسان من دوّامة الاتّكال على الآخر والتقليد.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"ابذلوا ما في وسعكم من أجل الإبداع والاختراع... يجب أن ترفعوا من مستوى الثقة بالنفس وأن تؤمنوا بقدرتكم على ذلك".
3-أقصر الطرق
وإذا تعدَّدت الطرق فلا بُدَّ من اختيار أقصرها الَّذي يُحقِّق الأهداف بأقلِّ وقت وكلفة ممكنين.
وهذا ما يُشير إليه الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"اختاروا أقصر الطرق من أجل تحقيق ذلك".
62
48
المحور الخامس: طريقة العمل
4- ما يخاف منه العدوُّ
هناك إشارات يُمكن الاستفادة منها لتحديد طرق العمل الجهاديِّ، ومن هذه الإشارات ملاحظة ما يخاف منه العدوُّ, لأنَّ العدوَّ يعرف نقاط ضعفه وهو حسَّاس تجاهها من جهة، ولأنَّ تراكم العناصر الّتي يخاف منها العدوُّ توصله إلى الإحباط واليأس معنويّاً من جهة أخرى.
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"فليكن اهتمامكم بكلّ ما يخاف منه العدوُّ".
5- اغزوهم قبل أن يغزوكم
يجب المحافظة على زمام المبادرة، وعلى عنصر المباغتة في العمل العسكريِّ، وهذا كلُّه تختصره كلمة أمير المؤمنين عليه السلام:
"اغزوهم قبل أن يغزوكم فوالله ما غُزي قوم في عقر دارهم إلّا ذلُّوا"1 .
يقول الإمام الخامنئيّ دام ظله:
"يجب أن تكونوا دائماً في حالة تقدُّم, لأنَّ العدوَّ ينتظر الأرضيَّة الملائمة للنفوذ، وهو ينتظر تأخُّركم ليشنَّ هجومه، وأفضل طريقة لصدِّ هجومه هي الهجوم عليه، وإنَّ تقدُّمكم وتطوُّركم هو هجوم على العدوِّ...".
1- نهج البلاغة، الخطبة 27.
63
49
المحور الخامس: طريقة العمل
الخاتمة
افخر أيُّها المؤمن المجاهد، فإنَّك عنصر القوَّة في إحقاق الحقّ وإزهاق الباطل، وتنتمي إلى هذه المؤسَّسة الَّتي لا تقرُّ ظلماً ولا تقبل إجحافاً، ترمقك العيون تنتظر سواعدك الَّتي حقَّقت عزَّة الأمَّة وتتالت الانتصارات على أيديها، وفي نفس الوقت كنت العبد المخلص الَّذي لا يُطلق رصاصة إلّا لرضى الله سبحانه وتعالى. تركت الدنيا وطلبت الشهادة حتى فُتح أمامك باب الجهاد الّذي فتحه الله لخاصّة أوليائه كما في تعبير أمير المؤمنين عليه السلام، فاعرف النعمة الَّتي أنت فيها وبادر إلى شكر الله سبحانه وتعالى واطلب منه التسديد والثبات.
يقول الخامنئيّ دام ظله:
"إذا شعر الإنسان بأنَّه ينتمي إلى مؤسَّسة عسكريَّة مبنيَّة على أن لا تُطلق رصاصة واحدة إلّا من أجل إحقاق حقٍّ وإزهاق باطل، وتعمل لأجل إزالة الظلم وإقرار العدل ولتمكين شعب مؤمن بالله من صيانة استقلاله وشخصيَّته وهويّته أمام عدوان المعتدين، ألا تكون هذه مفخرة له؟ لا شكَّ بأنَّها تستلزم شكراً كثيراً".
65
50