المقدمة
المقدمة
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
إن معالجة قضية المرأة تُعتبر من أهم المسائل الفكرية التي شغلت المجتمع قديماً وحديثاً، وقد تباينت وجهات النظر بين الحضارات بالنسبة للمرأة فحضارة اعتبرتها تابعة للرجل لا استقلال لها، وأخرى نظرت إليها كسلعة تباع وتُشترى، وثالثة صنّفتها في أفق الحيوان ومن بين كل هذا الركام الذي حط من عزيمتها لم تعد قادرة على الوقوف لتعبر عن ذاتها. بين افراط وتفريط، بين فكرة تضعها في القفص خوفاً على الشرف متغنّية بالتحجّر وأخرى تُطلقها من القفص توقاً للحرية متغنية بالتحرّر، من هنا جاء الإسلام ليعطي المرأة دوراً أساسياً وفعّالاً في صياغة الأسرة والمجتمع واعتبرها من أهم العناصر لايجاد الحياة الهنيئة والصالحة والمتوازنة لأن صلاح المجتمع وفساده يُنسب إلى هذا العنصر، من هنا كانت هذه الإضاءات التي تعبّر عن مجموعة روىءً وأفكاراً جسدتها كلمات سماحة الإمام القائد الخامنئي دام ظله لتعطي هذه الفكرة موقعها الصحيح في التصوّر الإسلامي سواء من الناحية الأسريَّة أو الاجتماعية، متجاوزين في كل ذلك التنظير إلى الواقع العملاني. لنأخذ بيدها كإنسان وننظر إليها كمصنعٍ لانتاج الحياة لتعيش إنساناً في الإسلام وجسداً في الغرب، ففرق كبير بين
5
1
المقدمة
الرؤيتين فالإسلام وازن بين الروح والجسد واحترم الجسد وأعطاه حقوقاً، وتسام بالروح لتكون هي الأساس في العلاقة المتبادلة فكانت وما زالت وستبقى المرأة الصالحة في نظر الإسلام جوهرة مكللة بثوب العفاف والطهارة....
هيئة التأليف والنشر
مركز الإمام الخميني قدس سره
6
2
أزمة الأسرة في العالم
المحور الاول
أزمة الأسرة في العالم
- أهمية الأسرة
- سبب أزمة الأسرة في العالم
- أهمية المرأة في الأسرة
- أزمة الأسرة والمرأة في العالم الغربي(تفكك الأسرة)
- عجز المجتمعات عن حل قضية المرأة
7
3
أزمة الأسرة في العالم
أهمية الأسرة
قال اللَّه تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون﴾1.
تعتبر الأسرة أهم وأخطر بيئة في صياغة الإنسان، وتكوينه النفسي والسلوكي، الذي سيترك اثاره في مجتمعه الذي يعيش فيه، وعلماء الاجتماع على تباين مذاهبهم يجمعون على أن الأسرة عماد المجتمع، وأنها إذا قامت على أسس قويمة سليمة، استقرت أحوال المجتمع وتوطدت أركانه، وإذا وهنت قواعد الأسرة، ولم يتحقق لها أسباب القوة على اختلافها اضطربت حياة المجتمع واختلَّ توازنه.
إن الأسرة هي الخلايا الأولى التي يتألف منها جسم المجتمع وبصلاحها يصلح هذا الجسم، وبفسادها يدب إليها السقم والانحلال.
ولخطورة هذه المسألة كان لسماحة الإمام الخامنئي دام ظله اهتمامه الكبير فيها:
" إن مشكلة الأسرة تعد مشكلة أساسية في العالم المعاصر، ترى من أين نشأت هذه المشكلة؟ من طريقة
1-التحريم:6
9
4
أزمة الأسرة في العالم
النظر إلى قضية المرأة، أم من النظرة إلى العلاقة بين الرجل والمرأة؟ فالأسرة هي فطرة طبيعية وأساسية في الوجود البشري، لكن هذا الأمر الفطري يعاني اليوم من أزمة عالمية بحيث أي أحد يتحدث اليوم عن تحكيم بنيان الأسرة في العالم الذي يسمي نفسه بالمتمدن الغربي، فإنهم يرحبون بكلامه ذاك مهما كان عادياً، ترحب به النساء، ويرحب به الرجال، ويرحب به الأطفال!" .
سبب أزمة الأسرة في العالم
يتابع سماحته لتحديد سبب هذه الأزمة فيقول:
" فإذا درستم قضية الأسرة في العالم، والأزمة التي تعاني منها الأسرة، لرأيتم أن أسبابها ناشئة من العلاقة بين الجنسين، وتعايش الجنسين، والعلاقة التي لم تحل بين الجنسين، أو بتعبير اخر: إن النظرة إلى تلك الأمور هي نظرة خاطئة.
إذن عندما نبحث في مجموعة الأفكار التي وضعها الرجال نقول: إن النظرة إلى قضية المرأة هي نظرة خاطئة، ويمكن القول أيضاً: أن النظرة إلى قضية الرجل هي نظرة خاطئة أيضاً، لا فرق في ذلك، أو نقول إن النظرة إلى كيفية الجنسين وإلى هندسة موقع الجنسين هي نظرة خاطئة" .
10
5
أزمة الأسرة في العالم
أهميّة المرأة في الأسرة
يرى البعض أن العنصر المؤثر في التربية داخل الأسرة هو الأم، ويرى اخرون أنه الأب، بينما يتصور غيرهما أن البيت هو عنصر التربية الأوحد بكل تفاعلاته، ولكن مع ذلك فإن هناك عوامل أخرى مؤثرة في التربية خارج إطار البيت، فالمجتمع والمدرسة والإعلام كلُّ ذلك له دور مهم في التربية، إلا أن العلماء المختصين في مجال التربية أكدوا على أن البيت هو المؤثر الأول، وهو الأقوى في التأثير على الطفل، بحكم التصاق الطفل به، وقضائه أطول فترة من طفولته في داخله، وبحكم أنه أول من يتسلّم خامة الطفل ويؤثر في تشكيلها.
الإمام الخامنئي دام ظله في الحقيقة يجعل للأم الدّور الأبرز في التربية الأسريَّة فيقول:
" عندما تقوم الأسرة فإن الزوجة والأم هي العضو الأساس فيها. إن للمرأة في هذه المجموعة مكاناً أساسياً وسامياً. لذلك عندما يتزلزل أصل الأسرة هذا، أي المرأة، فلن يبقى أي شيء في مكانه فيها"
أزمة الأسرة والمرأة في العالم الغربي تفكك الأسرة
من المسلَّم أن الأسرة المعاصرة غير المسلمة وبخاصة في الغرب تعاني من التمزُّق والاضطراب، وتعيش الان مرحلة الزوال أو الانهيار كما يذهب إلى هذا بعض علماء الاجتماع.
لقد نمت في بلاد الغرب نزعة انقطاع الطفل عن والديه جرَّاء
11
6
أزمة الأسرة في العالم
انهماكهما في العمل واستهلاك البلدان الصناعية طاقة الأمهات التربوية لمصلحة تسيير الالات في المصانع، فأدّى ذلك إلى عزل الطفل عن والديه، والزّج به في المدارس الداخلية منقطعاً عن أهله سنوات طفولته، وتنشئته تنشئة الدواجن الزراعية كما في حظائر الحيوانات!
ونتج عن ذلك ضمور البعد العاطفي والروحي في شخصية الإنسان في كثير من البلاد الصناعية، ولا مبالاة الإنسان بأخيه الإنسان... وأدّى ذلك إلى تفكّك الأسرة وضياعها، وعيش كل شخص منها منفرداً عن الاخر.
يقول الإمام الخامنئي دام ظله في هذا الموضوع:
" لقد وجّهوا أي الغربيين أكبر ضربة لحياة المرأة بذريعة أنهم يريدون أن يخدموا المرأة، ذلك لأنّهم من خلال التهتك ونشر الفساد والفحشاء وإطلاق الحرية الكاملة للمعاشرة بين الرجل والمرأة قد قضوا على بنيان الأسرة.
فالرجل الذي يمكنه أن يطفىء شهوته بحرية في المجتمع، والمرأة التي يمكنها أن تقيم علاقات مع عدّة رجال في المجتمع دون إشكال، لا يمكنهما أن يكونا زوجين جيدين؛ لذلك قضي على الأسرة" .
" إن أحد البلاءات الكبرى التي حلَّت بالدول الغربية اليوم وأرهقتها وجعلتها تئن من سوء وضعها مسألة الأسرة. لذلك فإن الغربيين عامة والنساء في الغرب
12
7
أزمة الأسرة في العالم
خاصة يرحبون بكل من يطرح شعار الأسرة ويودّونه، لماذا يا ترى؟ لأنهم يعانون من تزلزل كيان الأسرة، ولأن الغرب فقد للأسف الأسرة التي تعدّ محيطاً امناً وهادئاً للرجل والمرأة على السواء، وللمرأة بشكل خاص.
كثير من العوائل تفككت، كثير من النساء يقضين أعمارهنَّ وحيدات، كثير من الرجال لا يجدون المرأة التي يرغبون بها ويحلمون بها، كثير من حالات الزواج تفشل وتنتهي في السنوات الأولى لبدئها.
إن العوائل ما زالت تحتفظ في بلادنا بجذورها وأسسها العميقة، وهو ما يفتقر إليه الغرب حالياً.
من النادر جدّاً أن توجد في الغرب عوائل يلتقي فيها الجد والجدّة والأحفاد والأقارب وأبناء الأعمام وسائر فروع الأسرة، ويعرفون بعضهم، ويرتبطون مع بعضهم. فحتى الزوجة والزوج في الغرب لا يعيشان الصدق الكافي في علاقتهما.
إن تلك البلاءات حلَّت بالمجتمع البشري، وعانت منها المرأة الغربية أكثر من غيرها، كلها كانت بسبب الأعمال الخاطئة والحركات الإفراطية من جهة والتفريطية من قبل" .
وقد أشار الإمام الخامنئي دام ظله إلى حالة الرهبانية التفريطية في المجتمعات الغربية من قبل أي في القرون الوسطى، حيث قضت
13
8
أزمة الأسرة في العالم
الرهبانية على الحياة الأسرية بسلوكها الشاذ، وهو سلوك نهى عنه القران الكريم بقوله:
﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ...﴾1.
ونهى عنه رسول اللَّه ص بقوله:
" لا رهبانية في الإسلام"2.
فهذه الرهبانية المسيحية أهملت مطالب الجسد، وأهملت الدنيا وانعزلت إلى الصحاري والخلوات، واثرت العزوبة على الحياة الزوجية، مما كان له أثر سلبي على بناء الأسرة.
" كان الرهبان يتجولون في البلاد ويتخطفون الأطفال ويهرِّبونهم إلى الصحراء والأديار، وينتزعون الصبيان من حجور أمهاتهم ويربونهم تربية رهبانية، والحكومة لا تملك من الأمر شيئاً، والجمهور والدهماء يؤيدونهم، ويحبذون الذين يهجرون اباءهم وأمهاتهم ويختارون الرهبانية ويهتفون باسمهم، وعُرف كبارُ الرُّهبان ومشاهير التاريخ النصراني بالمهارة في التهريب! حتى روي أن الأمهات كن يسترن أولادهن في البيوت إذا رأين الراهب أميروز وأصبح الأباء والأولياء لا يملكون من أولادهم شيئاً وانتقل نفوذهم وولايتهم إلى الرهبان والقساوسة"3.
1-الحديد:27
2-الكافي ج8,ص56
3-ابو الحسن الغزوي,ص187
14
9
أزمة الأسرة في العالم
فالتفريط من قبل في المجتمعات الغربية، والافراط من بعد فيها، كان له الأثر الكبير في فساد المرأة وتفكيك الأسرة في هذه المجتمعات.
ويتابع الإمام دام ظله حديثه عن المرأة والأسرة في المجتمعات الغربية قائلاً:
" أعزائي... إنكن ترين اليوم عندما لم تعر المرأة الغربية الأسرة وتربية الأطفال اهتمامها كيف بلغ وضع المجتمعات الغربية من ضياع ملايين الشبَّان وفسادهم في الدول الأوروبية والأمريكية يعيشون في ظل الحضارة المادّية والقصور العالية والقواعد النووية وناطحات السحاب التي تزيد طوابقها على المائة طابق، والتطور العلمي والتقني، ورغم ذلك يعيشون مقتبل أعمارهم في سن العاشرة والثانية عشر ضائعين، لصوص، قتلة، مهرِّبين، مدمنين على السجائر والمخدرات! ما سبب كل ذلك؟ ذلك لأن المرأة الغربية لم تدرك قيمة الأسرة.
في الماضي لم يكن وضع النسوة الغربيات هكذا، فمنذ ثلاثين إلى خمسين عاماً بدأ وضع النساء الغربيات يتدهور يوماً بعد يوم، خاصة في أمريكا وبعض الدّول الغربية، عندما سارت المرأة الغربية في هذا الطريق المعوّج لم تكن تظن يومها أن وضع بلدها ومجتمعها سيصل إلى هذا الحد بعد ثلاثين إلى خمسين عاماً، بحيث أن مراهقاً عمره اثني عشر عاماً يحمل معه
15
10
أزمة الأسرة في العالم
فالتفريط من قبل في المجتمعات الغربية، والافراط من بعد فيها، كان له الأثر الكبير في فساد المرأة وتفكيك الأسرة في هذه المجتمعات.
ويتابع الإمام دام ظله حديثه عن المرأة والأسرة في المجتمعات الغربية قائلاً:
" أعزائي... إنكن ترين اليوم عندما لم تعر المرأة الغربية الأسرة وتربية الأطفال اهتمامها كيف بلغ وضع المجتمعات الغربية من ضياع ملايين الشبَّان وفسادهم في الدول الأوروبية والأمريكية يعيشون في ظل الحضارة المادّية والقصور العالية والقواعد النووية وناطحات السحاب التي تزيد طوابقها على المائة طابق، والتطور العلمي والتقني، ورغم ذلك يعيشون مقتبل أعمارهم في سن العاشرة والثانية عشر ضائعين، لصوص، قتلة، مهرِّبين، مدمنين على السجائر والمخدرات! ما سبب كل ذلك؟ ذلك لأن المرأة الغربية لم تدرك قيمة الأسرة.
في الماضي لم يكن وضع النسوة الغربيات هكذا، فمنذ ثلاثين إلى خمسين عاماً بدأ وضع النساء الغربيات يتدهور يوماً بعد يوم، خاصة في أمريكا وبعض الدّول الغربية، عندما سارت المرأة الغربية في هذا الطريق المعوّج لم تكن تظن يومها أن وضع بلدها ومجتمعها سيصل إلى هذا الحد بعد ثلاثين إلى خمسين عاماً، بحيث أن مراهقاً عمره اثني عشر عاماً يحمل معه
15
11
أزمة الأسرة في العالم
سلاحاً أو سكيناً محترفة في جيبه، ويتسكَّع ليل نهار في زوايا شوارع نيويورك أو لندن أو باقي المدن الغربية، ليقتل من يتمكن من قتله، نعم أن يقتله دون أي تردد! لقد بلغ وضعهم هذا النحو، عندما تفككت الأسرة صار وضعهم هكذا".
عجز المجتمعات عن حل قضية المرأة
يقول دام ظله في هذا المجال:
بالنسبة لقضية المرأة التي ما زالت تطرح في العالم، فإن كلاماً كثيراً قيل فيها ويقال، وعندما ننظر إلى الخريطة الإنسانية للعالم والمجتمعات البشرية وإلى المجتمعات الإسلامية كبلدنا وسائر البلدان الإسلامية، وإلى المجتمعات غير الإسلامية، ومنها المجتمعات التي تعدّ متمدنة ومتطورة؛ للأسف فإننا نجد في كل هذه المجتمعات قضية باسم المرأة ما تزال موجودة.
هذا الأمر يدل على وجود نوع من النظرة المعوجّة والسيرة المعوجّة، ويحكي عن وجود نوع من قصر النظر تجاه القضايا الإنسانية. ويتبين أن البشر رغم كل ادعاءاتهم، ورغم كل الجهود التي قام بها المخلصون والمتحمِّسون، ورغم كل الجهود الثقافية الواسعة التي بذلت حول قضية المرأة خاصة؛ لكنهم حتى الان لم يتمكنوا من العثور على صراط مستقيم وطريق صحيح
16
12
أزمة الأسرة في العالم
لقضية الجنسين، ولقضية المرأة التي تتبعها قضية الرجل بشكل أو باخر.
لعلّ بينكن أيتها السيدات من رأت أو قرأت الأعمال الأدبية والفنية لفنّانات العالم الموجودة بلغاتها الأصلية أو ما ترجم منها إلى اللغة الفارسية. فكل تلك الأعمال تتحدّث عن نفس المسألة التي تحدثنا عنها، مما يعني أن البشر لم يتمكنوا حتى الان من حلِّ مسألة المرأة وما يتبعها من مسألة الجنسين المرأة والرجل، ومسألة الإنسانية.
وبعبارة أخرى: فإن الإسراف والتعامل المعوّج والفهم الخاطىء، وما ينتج عن ذلك من تعدِّيات وظلم وخواء روحي ومشاكل أسرة ومشاكل متعلقة بالاختلاط والامتزاج والعلاقات بين الجنسين، كل تلك الأمور ما تزال جزءاً من القضايا التي لم تحلها البشرية.
فالبشر الذين اكتشفوا الاجرام السماوية وغاصوا في أعماق البحار، ويتحدّثون عن أدق الأمور في علم النفس وبحوثه وعن القضايا الاجتماعية والاقتصادية وسائر الأمور، وبالفعل قد تقدّموا في الكثير من تلك العلوم، لكنهم ما زالوا عاجزين أمام هذه القضية! بحيث لو أردت أن أبيِّن هذا العجز بفهرسة عناوينه لاحتجت لزمان كبير" .
17
13
المرأة وتشكيل الأسرة
المحور الثاني
المرأة وتشكيل الأسرة
- مرحلة تشكيل الأسرة
- مرحلة ما بعد تشكيل الأسرة
- المسؤولية التربوية للمرأة
- المرأة صانعة الرجال
19
14
المرأة وتشكيل الأسرة
مرحلة تشكيل الأسرة
لما للأسرة من أهمية في حياة وتطور المجتمعات، اهتم الإسلام ببنائها وتشكيلها، وأبدى نصائحه وإرشاداته وأحكامه، ليس بعد تشكيل الأسرة فحسب، إنّما قبل تشكيلها. فلقد دعا الإسلام العظيم كلاً من الرجل والمرأة إلى الحرص على أن يكون اختيار شريك العمر في رحلة الحياة مناطه الاعتصام بالدين والأخلاق الحسنة، فذلك هو السبيل الأمثل لبناء أسرة قويَّة تكون عماداً لمجتمع قوي جدير بالريادة والقيادة والخيرية، والنصوص التي تحض على حسن الاختيار، وتحذر من الاهتمام بالأعراض الزائلة دون الاهتمام بالقيم الخالدة كثيرة...
قال رسول اللَّه صلى الله عليه و سلم :
" إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"1 .
وقال صلى الله عليه و سلم:
" إياكم وخضراء الدِّمن" .
قيل وما خضراء الدمن؟ قال صلى الله عليه و سلم:
" المرأة الحسناء في المنبت السوء" وكما أكّد الإسلام على حسن الاختيار كذلك أكَّد على حريَّة الاختيار ليس للرجل فقط بل للمرأة أيضاً" .
1-الكافي:ج5,ص347
21
15
المرأة وتشكيل الأسرة
يقول الإمام القائد دام ظله :
" إن الإسلام قد أولى المرأة كزوجة عناية خاصة في مختلف المراحل.
في الدرجة الأولى: مسألة اختيار الزوج، فقد جعل الإسلام المرأة حرَّة في اختيارها لزوجها، ولا يمكن لأحد أن يفرض عليها زوجاً.
فلا الأقارب لهم أن يفرضوا عليها ذلك، ولا حتى إخوتها ووالدها، ليس لهم أن يجبروها على الزواج من شخص لا تريده، ولا يحق لهم ذلك. هذا هو رأي الإسلام.
طبعاً كانت هناك عادات جاهلية وخاطئة في المجتمع الإسلامي، وما زالت موجودة في بعض الدُّول، وفي بعض المناطق من بلدنا وخاصة في المدن الوسطى وخوزستان وغيرها. فحسب علمي هناك بعض العشائر التي تعطي ابن عمِّ الفتاة الحق في إبداء رأيه بزواجها! إنّه خطأ. فالإسلام لم يسمح لأحد بذلك. وما يقوم به المسلم الجاهل يجب أن لا ينسب للإسلام.
إنّها عادات جاهلية، فالمسلمون الجاهلون يقومون بأعمال ترتبط بادابهم وعاداتهم الجاهلية، ولا ترتبط بالإسلام وأحكامه النورانية.
فمن يجبر فتاة على الزواج من ابن عمِّها، فقد خالف الشرع. وأي ابن عم لفتاة يجيز لنفسه أن يمنع ابنة عمِّه من الزواج لأنّها لا تريده زوجاً لها، يكون هو وكل من
22
16
المرأة وتشكيل الأسرة
يساعده في ذلك قد فعلوا حراماً وخلافاً للشرع. فتلك العادات مخالفة للشرع المبين، وليس هناك أي اختلاف بين فقهاء الإسلام في هذا المجال.
لاحظن أن أحكام الإسلام منذ بدء تشكيل الأسرة تقف إلى جانب المرأة في اختيار زوجها" .
مرحلة ما بعد تشكيل الأسرة
لقد كان لخروج المرأة عن مسؤولياتها الأسرية في البلاد الغربية الوقع الخطير على استقرار العائلة وأمانها النفسي والعاطفي والسلوكي.
وهذا ما ظهر ممَّا تقدَّم من كلام لسماحة القائد دام ظله .
لذلك ولأجل أن لا يقع المجتمع الإسلامي بما وقع به الغربيون، أكَّد سماحته على ضرورة توازن المرأة المسلمة بين العمل والمنزل.
يقول دام ظله :
" في صدر الإسلام كانت المرأة تتولَّى مهمَّة معالجة جرحى الحرب في ساحة المعركة، بل كانت تلبس النِّقاب وتبارز بالسيف خلال الحروب الشديدة، وفي نفس الوقت كانت تحتضن أبناءها داخل بيتها، وتربيهم تربية إسلامية، وتحافظ على حجابها، فليس هناك منافاة بين كل تلك الأمور.
فمن يدقِّق في ذلك جيداً سيجد أن لا منافاة بينها. لكن البعض يعيش الإفراط والبعض الاخر يعيش التفريط.
23
17
المرأة وتشكيل الأسرة
فالبعض يقول بما أن النشاط الاجتماعي لا يسمح لي بالاهتمام بالبيت والزوج والأولاد، لذا عليّ ترك النشاط الاجتماعي والبعض يقول بما أن البيت والزوج والأولاد لا يسمحون لي بمزاولة النشاط الاجتماعي، إذاً عليَّ أن أتخلَّى عن الزوج والأولاد. وكلا النظرتين خطأ، فلا يجوز ترك هذا لذاك، ولا ذاك لهذا" .
" لديكن أعمال أيضاً، وتتواجدن خارج البيت، تزاولن الجراحة، وترين مرضاكنَّ، وتقمن بعمل علمي ما، وتعددن المشروع الفلاني، وتعطين الدرس الفلاني في الجامعة, كل ذلك له أهميته، لكن عليكنَّ مراعاة حصة البيت.
طبعاً إن حصة البيت كسائر الأمور، قد تفدى كمية الحضور فيه لصالح الكيفية.
إن لحضور المرأة في البيت خلال 24 ساعة معنى؛ فعندما تقللن من ساعات الحضور في البيت، عليكنَّ أن ترفعن كيفية حضوركنَّ، فسيكون لحضوركنَّ المميَّز هذا معنى اخر، وعندما ترين أن عملكنَّ يضر بتواجدكنَّ في البيت كثيراً, عليكن أن تجدن حلاً، فالأمر مهم وأساسي، إلاّ في موارد الضرورة، ففي كل أمر ضرورة تجعله خارجاً عن حدِّ القاعدة. وإنِّي أتحدَّث هنا عن القاعدة، ولا شأن لي بالاستثناءات" .
وبعد تأكيد سماحة القائد دام ظله على أهمية التوازن بين العمل
24
18
المرأة وتشكيل الأسرة
والأسرة، أشار إلى مسألة مهمَّة وهي: أن المرأة كما أن لها أهمية تربوية في البيت، كذلك لها أهميَّة تأثيرية على جميع أفراد الأسرة خارج البيت أيضاً يقول دام ظله :
" في أي ساحة تدخل النساء بشكل مسؤول وواعٍ فإن التقدُّم في تلك الساحة سيتضاعف.
إن خصوصية حضور النساء في الساحات المختلفة هو أن دخول سيدة الأسرة في تلك الساحة يعني دخول زوجها وأبنائها أيضاً.
أما حضور الرجل فليس له مثل ذلك التأثير. في أي ساحة من الساحات تردها المرأة السيدة وربَّة البيت فإنَّها في الواقع تدخل ذلك البيت كله إلى تلك الساحة، إن حضور النساء في المجالات المختلفة أمر مهم جدّاً".
المسؤولية التربوية للمرأة
لقد تبيَّن مما سبق خطورة أن تترك المرأة مسؤولياتها التربوية داخل الأسرة، ولقد تأكَّد مما مرَّ أن الأسرة ليست ملهى ومرتعاً وإنما هي مؤسسة إلهية عظيمة لبناء الأجيال الصالحة، وأيُّ تقصير في التربية الأسرية سيؤثِّر سلباً على المجتمع ككل.
فعلى الأم قبل أي شخص اخر أن تحمل هذه المسؤولية؛ بما لها من التأثير الأفعل على أولادها، بحكم أن الطفل يترعرع لمدَّة طويلة في حضن أمِّه، وهي غالباً تكون في البيت، بخلاف الرجل الذي يكون مشغولاً في عمله الخارجي.
25
19
المرأة وتشكيل الأسرة
فالأم هي صاحبة الدَّور الأساس في التربية الأُسرية، وصدق الشاعر حيث قال:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
وقد أكَّد سماحة القائد دام ظله على هذا الدَّور المحوري والأساسي للمرأة قائلاً:
" إن من جملة مهام المرأة داخل البيت والأسرة تربية الأطفال، فإن النساء اللواتي يمتنعن عن إنجاب الأولاد من أجل عملهن خارج البيت، فإنهن يتصرفن على خلاف طبيعتهن البشرية والنسوية. واللَّه لا يرضى بذلك. إن اللواتي يتركن تربية الطفل وإرضاعه واحتضانه وبذل المحبة والعطف له من أجل الأعمال التي لا تتوقف على وجودهن حصراً، إنَّهن يرتكبن خطأ.
إن أفضل أسلوب لتربية الطفل هو أن يترعرع في حضن والدته وينهل من محبتها وعطفها. والنساء اللواتي يحرمن أطفالهنَّ من هذه الموهبة الإلهية يرتكبن خطأ، ويلحقن الضرر بأطفالهنَّ وبأنفسهنَّ وبمجتمعهنَّ. والإسلام لا يسمح بذلك.
لذا فإن أحد المهمَّات الكبرى للمرأة أن تحنو على ابنها بالعاطفة والتربية الصحيحة وتعيره انتباهها ورعايتها الدقيقة لتجعل من ذلك الموجود الإنساني فتاة كانت أم صبياً تجعله عندما يكبر إنساناً سالماً روحياً، يخلو من العقد والابتلاءات، لا يشعر بالمذلَّة، ولا يعاني من البؤس
26
20
المرأة وتشكيل الأسرة
والقهر، كالذي تعاني منه الأجيال الشابة الغربية في أوروبا وأمريكا" .
" في الحقيقة إن المرأة هي توجد الأسرة وتدميرها، اعلمن ذلك، فالمرأة هي العنصر الأساس لتشكيل الأسرة وليس الرجل، فبدون الرجل قد تستمر الأسرة، فإذا غاب الزوج عن الأسرة أو توفي، وكانت المرأة عاقلة ومدبِّرة وربَّة بيت يمكنها أن تحفظ الأسرة، لكن إذا افتقدت الأسرة للأم لا يمكن للرجل أن يحفظ الأسرة.
إن الإسلام أكَّد على أهميَّة دور المرأة في الأسرة كثيراً، وعلَّة ذلك هي أن المرأة إذا كانت تحب أسرتها وتهتم بتربية الأبناء وترعى أطفالها وترضعهم وتحتضنهم...، وتزوِّدهم بالزاد الثقافي والقصصي وتعلمِّهم الأحكام والقصص القرانية والحكايات المفيدة، وتقدِّم ذلك لهم كتقديمها للطعام لهم، فإن أجيال ذلك المجتمع سيكونون سالمين راشدين. هذا هو فنُّ المرأة، وهو لا يتنافى مع دراستها وتدريسها وعملها ودخولها السياسة وأمثال ذلك" .
المرأة صانعة الرجال
إن الناس يتحدَّثون بإجلال وإكبار عن صانعي الأدوات المادِّية، ومخترعي الأمور المادِّية، ومبتكري الأعمال الأدبيَّة الشعريَّة والفنيَّة، ويقدِّمون لهم المنح والهدايا.
27
21
المرأة وتشكيل الأسرة
يتحدَّثون بافتخار واحترام عن مكتشف الكهرباء وقانون الجاذبية وعن غيرهما من المكتشفين والمخترعين.
إلا أن ما أغفله النَّاس ولم يعطوه الأهمية المطلوبة هو المرأة صانعة الرجال.
ألا تستحق منّا هذه المرأة الاعزاز والاحترام؟
ألم تصنع فاطمة حسناً وحسيناً؟
ألم تصنع المرأة العاشورائية الزوج والابن ليكونوا فداء للإسلام؟
ألم تصنع المرأة الإيرانيَّة والعامليَّة الرجال لكي يتقدَّموا إلى الشهادة بكل جرأة وشجاعة؟
إن كلَّ كلمة تلقيها المرأة في بيتها لها دويٌّ كبير على نفوس أولادها بل نفس زوجها بالذات.
إن كلَّ سلوك تقوم به المرأة في أسرتها له تأثير قوي على سلوك أسرتها وحتى زوجها. فعلى المجتمع أن لا يستهين بدور المرأة الريادي والصناعي. بل على المرأة ذاتها أن لا تستهين بدورها في صناعة الرجال.
ألم يقل القائل: " وراء كلِّ رجل عظيم امرأة عظيمة" .
هذا المعنى أشار إليه السيد القائد دام ظله بقوله:
" ... إن أهم بناء هو بناء الإنسان، ليس بناء جسم الإنسان فقط، بل بناء عواطف الإنسان وأخلاقه، أن يربّين في أحضانهن بشراً دون عقد، وإنساناً صحيحاً وسالماً، تلك هي أهم قيمة لعمل المرأة" .
" إن للمرأة المسلمة في الأسرة واجبات ومهام، وهي أن تمارس دورها كركن أساسي للأسرة، وأن تربي أولادها، وأن
28
22
المرأة وتشكيل الأسرة
تكون عوناً روحياً لزوجها. خلال مرحلة المواجهة مع نظام الطاغوت في إيران، كان هناك رجال كثيرون يخوضون ساحة الصراع، لكن نساءهم لم تدعهم يكملوا المواجهة، لأنَّهن لم يطقن صعوبات المواجهة، ولم يكن لديهن إيثار. وهناك من كانوا على العكس من ذلك، حيث كان النساء يشجِّعن أزواجهنَّ على المواجهة ويقدِّمن لهم العون، ويشكِّلن بذلك الرافد والداعم الروحي لهم. ففي عامي 1979 ـ 1978م عندما كانت الشوارع والأزقة، مملوءة بالناس، كان للنساء دور مهم في تعبئة أزواجهنَّ وأبنائهنَّ وتوجيههم نحو ساحة الصراع والمواجهة والتظاهر" .
" ... نعم هذا هو دور المرأة وتأثيرها على ابنها وزوجها، .. فتربية الأبناء ودعم الأزواج روحياً ليتمكنوا من اقتحام الساحات الكبرى هو من أهم أعمال المرأة" .
في الحقيقة إن الإسلام عامر بالنساء اللواتي كنَّ سنداً روحياً لأزواجهن يوم الشدائد والهزائز، وعاشوراء تحمل نماذج نسائية مهمَّة في الدعم الروحي لزوجها وولدها.
انظر إلى " دلهم بنت عمرو" ، زوجة زهير بن القين التي قالت لزوجها عندما حطُّوا رحالهم في " زرود" ، وجاء إليه رسول الحسين عليه السلام ، فتحيَّر ووجم ولم يعرف جواباً فبادرته قائلة: سبحان اللَّه أيبعث إليك ابن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سلم ولا تجيبه؟ ما ضرَّك لو أتيته فسمعت كلامه ثم انصرفت؟ فكان موقفها ودعمها الروحي وتشجيعها سبباً لتحويل زهير إلى معسكر الحسين عليه السلام.
29
23
حقوق المرأة في الأسرة
المحور الثالث
حقوق المرأة في الأسرة
- ظلم المرأة من المجتمع ومن الزوج
- الحقوق المتبادلة بين الرجل والمرأة
- المرأة ليست خادمة ولا مملوكة بل هي ريحانة
31
24
حقوق المرأة في الأسرة
ظلم المرأة من المجتمع ومن الزوج
تتعرَّض المرأة في عصرنا الحاضر للظلم من المجتمع ومن زوجها، ولا يقتصر ظلمها على زمننا بل هي أيضاً كانت قد تعرَّضت للظلم في ماضي الإنسانية.
ولو أردنا أن نستقرأ التاريخ لطال بنا المقام إلا أننا نأتي بشواهد قليلة من التاريخ لنرى مدى فداحة ما وقع على المرأة المسكينة. ... ففي سفر الجامعة من التوراة المحرَّفة :
"درتُ أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلاً، ولأعرف الشَّر أنه جهالة، والحماقة أنها جنون، فوجدت أمرَّ من الموت المرأة التي هي شباك، وقلبها أشراك، ويداها قيود، إلى أن قال:
رجلاً واحداً بين ألف وجدتُ أمَّا امرأة فبين كل أولئك لم أجد.
وقد كانت أكثر الأمم القديمة لا ترى قبول عملها عند اللَّه سبحانه، وكانت تسمَّى في اليونان رجساً من عمل الشيطان، وكانت ترى الروم وبعض اليونان أن ليس لها نفس مع كون الرجل ذا نفس مجردة إنسانية.
وقرَّر مجمع فرنسا سنة 586م بعد البحث الكثير في أمرها أنَّها إنسان لكنَّها مخلوقة لخدمة الرجل.
وكانت في انجلترا قبل مائة سنة تقريباً لا تعدّ جزء
33
25
حقوق المرأة في الأسرة
المجتمع الإنساني، فارجع في ذلك إلى كتب الاراء والعقائد واداب الملل تجد فيها عجائب من ارائهم"1 .
كانت المرأة العربية في الجاهلية، أحط من أي سلعة فهي لا ترث وليس لها حق المطالبة، لأنها لا تذود عن الحمى في الحرب، وزواجها يرجع إلى أمر وليها، وليس لها حق الاعتراض ولا المشورة حتى أن الولد يمنع أرملة أبيه من الزواج حتى تعطيه جميع ما أخذت من ميراث أبيه، هذا إذا لم يضع ثوبه عليها قائلاً: ورثتها كما ورثت مال أبي!
فإذا أراد أن يتزوجها تزوجها هو بغير مهر، أو زوجها لغيره وتسلَّم هو مهرها... ولقد اشتهر عندهم وأد البنات...
وقد أشار اللَّه تعالى إلى ذلك بقوله:
﴿وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ﴾2 .
كانت المرأة المصرية بغاية الاضطهاد والهوان، وكانت تعامل معاملة ازدراء واحتقار كالخدم، وهي لا تصلح إلا لتدبير شؤون البيت، وتربية الأطفال!
... كان الرجل المصري يفرح إذا بُشِّر بالمولود الذكر، ويكفهر وجهه إذا علم أنَّ زوجته وضعت أنثى 3 .
ولم تكن المرأة عند اليونان بأفضل حال، فليست هي عندهم إلا خلقاً من الدرك الأسفل، في غاية المهانة والذل، في كل جانب من جوانب الحياة الاجتماعية، وأما منازل العز والكرامة في المجتمع، فكانت كلها مختصة بالرجل 4 .
1- ميزان الحكمة، ج4، ص2868.
2- سورة التكوير، الايتان: 9 8.
3- المرأة في ظل الإسلام، ص27.
4- أبو علي المودودي، كتاب الحجاب، ص29.
34
26
حقوق المرأة في الأسرة
أما في الهند القديمة، فكانت المرأة تعتبر مملوكة الرجل... ثم إنهم كانوا يقدِّمونها ضحية على نيران زوجها المتوفى أي إذا مات عنها زوجها، يحرقونها معه بالنار وهي حيَّة1 .
ولم يقتصر الظلم على ظلم المجتمعات، بل إن بعض الفلاسفة، ظلموا المرأة بارائهم، يقول بردون الفيلسوف الإشتراكي... إن وجدان المرأة أضعف من وجداننا، بقدر ضعف عقلها عن عقلنا.
وقال الفيلسوف روسُّو : إن المرأة لم تخلق للعلم ولا للحكمة ولا للتفكير ولا للفن ولا للسياسة، وإنما خلقت لتكون أمَّاً تغذي أطفالها بلبنها...
هذا هو ظلم المجتمع القديم وظلم بعض الفلاسفة، أما ظلم المجتمع الحديث للمرأة فإنَّه أخطر لأنه ينطلي تحت عناوين برَّاقة، المساواة، الحريَّة، العدالة، وحقوق الإنسان.
يقول سماحة الإمام دام ظله عن الظلم الحديث:
"إن العالم الاستكباري الغارق في الجاهلية يخطىء عندما يتصوَّر أن قيمة واعتبار المرأة هو في تجمُّلها أمام الرجل حتى تنظر إليها العيون الطائشة وتتمتَّع برؤيتها وتصفِّق لها. وهذا الذي يطرح اليوم من قبل الثقافة الغربية المنحطّة بعنوان حريَّة المرأة قائم على هذا الأساس؛ وهو جعل المرأة معرَّضة لأنظار الرجل حتى يتمتع بها الرجل.. فتكون النساء وسيلة لالتذاذ الرجال، ويسمُّون هذه حرية المرأة. فهل هذه هي حريَّة المرأة؟
1- المرأة في ظل الإسلام، ص31.
35
27
حقوق المرأة في الأسرة
إن الذين يدَّعون حماية حقوق الإنسان وحقوق المرأة في العالم الغربي الجاهل والغافل والمنحرف هم في الحقيقة يظلمون المرأة.
إن عليكم أن تنظروا إلى المرأة نظرة إنسان رفيع حتى يتضِّح ما هو حقُّها وحريَّتها وكمالها؟ انظروا إلى المرأة وكيف هي حريَّتها. انظروا للمرأة على أنَّها عنصر أساسي في تشكيل الأسرة.
... إن الظلم الذي تعرَّضت له المرأة في الثقافة الغربية والفهم الخاطيء للمرأة في الثقافة والأدب الغربيين ليس له نظير في كل عصور التاريخ. فقد تعرَّضت المرأة سابقاً إلى الظلم ولكن الظلم العام والشامل يختص بالفترة الأخيرة وهو ناجم عن الحضارة الغربية، حيث اعتبروا المرأة وسيلة لالتذاذ الرجال وأطلقوا على ذلك اسم حريَّة المرأة...
هل هناك اهتمام بالجوانب الايجابية والقيم الرفيعة الموجودة في المرأة؟ هل هناك اهتمام بالعواطف الرقيقة والرأفة والطبع الرؤوف الذي أودعه اللَّه تعالى في المرأة، طبع الأمومة وروحية المحافظة على الطفل وتربية الأولاد... ".
هذا كلُّه في ظلم المجتمع أما عن ظلم الرجل لزوجته في داخل الأسرة فيقول سماحة القائد دام ظله :
"... فأولئك لا يقولون إن المرأة مظلومة في المجال
36
28
حقوق المرأة في الأسرة
الاجتماعي، ذلك لأن الظلم الأساس الذي يلحق المرأة إنما يحصل داخل الأسرة وعلى يد الزوج.
ولعلَّ 90% من هذا الظلم يرتكبه الزوج. لا بد من التفكير بحلٍّ للأمر وإصلاحه، أما الظلم الذي يصدر عن الأخ والأخت والوالد وأمثالهم فليس كبيراً، وهو نادر جدَّاً... لكن الأهم هي العلاقات الأسرية... العلاقة بين المرأة والرجل والتعلُّقات الأخرى الموجودة التي تنتهي بظلم المرأة ".
الحقوق المتبادلة بين الرجل والمرأة
تحتل مسألة الحقوق في الإسلام مساحة واسعة وتحظى بأهميَّة فائقة، وقد سُئل الإمام الرضا عليه السلام عن حقٍّ المؤمن على المؤمن، فقال:
"إن من حقِّ المؤمن على المؤمن المودَّة في صدره، والمواساة في ماله، ولا يقول له أفٍّ، فإذا قال له أف فليس بينهما ولاية، وإذا قال له أنت عدوِّي فقد كفَّر أحدهما صاحبه، وإذا اتهمه إنماث الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء "1.
وإذا كان لمسألة الحقوق كل هذه الأهميَّة فإن أهميتها الكبرى تتجلَّى في الحياة العائلية الزوجية .حيث يتعيَّن على إنسانين العيش
1- بحار الأنوار، ج4، ص333.
37
29
حقوق المرأة في الأسرة
معاً مدى حياتهما تحت سقف واحد؛ ولذا يتعيَّن على الرجل والمرأة الإحاطة بشكل عام بالواجبات والحقوق المتبادلة بينهما من أجل إرساء حياة هادئة مفعمة بالحب والسلام والأمان.
يقول سماحة السيد القائد دام ظله في هذا المجال:
"إن هدف الإسلام من الدفاع عن حقوق المرأة حسبما صرَّح به هو أن لا تتعرَّض المرأة للظلم، وأن لا يعتبر الرجل نفسه حاكماً على المرأة، ففي الأسرة هناك حدود وحقوق. للرجل حقوق وللمرأة حقوق أيضاً، وتلك الحقوق رتِّبت بعدالة وتوازن شديدين.
أما ما يطرح باسم الإسلام وهو خطأ، فإننا لا نطرح ذلك ولا ندافع عنه. ما يريده الإسلام هي بيِّنات الإسلام ومسلَّماته. وهي الأمور التي توازن بين حقوق المرأة والرجل داخل الأسرة.
... لا بد من إعطاء الأهميَّة لمسؤولية المرأة والرجل تجاه بعضهما البعض، فلكلٍّ منهما مسؤوليته في تشكيل الأسرة، فسعادة المرأة والرجل في ذلك.
... لقد وقف الإسلام في وجه الظلم الذي كانت الجاهلية ترتكبه بحق المرأة، لقد حدَّد الإسلام قيمة المرأة وحقوقها في ساحة المعنويات والفكر والقيم الإسلامية، وفي ساحة الحضور السياسي، وأهم من كل ذلك في ساحة الأسرة. ولا مفر للرجل والمرأة من تشكيل المجتمع الصغير المسمَّى بالأسرة، وإذا شكِّلت الأسرة في مجتمع لم يحدِّد
38
30
حقوق المرأة في الأسرة
القيم بشكل صحيح، فإن محيط الأسرة سيكون النقطة الأولى التي تتلقى المرأة فيها الظلم.
... إن الأحكام والتعاليم الإسلامية في مجال العلاقات بين الرجل والمرأة داخل الأسرة دقيقة جدَّاً. واللَّه سبحانه وتعالى قد عيَّن تلك الأحكام على أساس مصلحة الرجل والمرأة وحسب طبيعة الرجل والمرأة، وبناءاً لمصالح المجتمع الإسلامي.
يحق للرجل أن يأمر زوجته وعليها أن تطيعه في ذلك في موارد ثلاثة فقط، أذكر أحدها بشكل صريح، وأعرض عن الباقي، وهو: أن يمنع زوجته من الخروج من بيتها دون إذنه، طبعاً إلا إذا كان هناك شرط مذكور في عقد الزواج يلغي هذا الحق. فإن لم يكن هناك شرط يحق للرجل منعها.
وهذا الأمر من الأسرار الدقيقة للأحكام الإلهية، ولم يعط هذا الحق إلا للزوج، ولم يعط حتى للأب، فليس من حق الأب، أن يفرض على ابنته استئذانه كلَّما أرادت الخروج، وليس من حق الأخ تجاه أخته، أما الزوج فله ذلك تجاه زوجته.
طبعاً يحق للنساء أن يدرجن شروطاً لصالحهن خلال العقد، وعلى الرجل والمرأة أن يلتزما بتلك الشروط، لهذا إذا اشترطت شيئاً فذلك بحث اخر ".
39
31
حقوق المرأة في الأسرة
المرأة ليست خادمة ولا مملوكة بل هي ريحانة
كثير من الرجال يعتبرون المرأة خادمة لهم، عليها أن تؤمر فتطيع، ولا حقَّ لها في أن تقول لا ، وإذا قالت لا غضب عليها زوجها وأسمعها الكلمات الغلاظ الشِّداد، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تعدَّاه إلى أن يركلها ضرباً وضرباً حتى تكون كالحيوان بل أقل مرتبة! هذا الظلم لم يقبل به الإسلام العظيم، وليس هذا الظلم لا كظلم الجاهليَّة الأولى.
الإمام الخامنئي دام ظله أشار إلى هذا الموضوع قائلاً:
... يقول الرسول صلى الله عليه و آله : "المرأة ريحانة وليست قهرمانة ... فالقهرمانة لا تعني القوَّة والبطولة كما هي في اللغة الفارسية، بل إنه تعبير عربي مأخوذ من الفارسية، وبشكل موجز تعني الذي يباشر الأمور. أي لا تعتبروا المرأة هي التي تباشر أموركم في البيت، لا تظنُّوا أنَّكم رؤساء عليهنَّ، وأنَّكم قد سلَّمتم أعمال البيت والأطفال لعامل وهو المرأة.
كلا... الأمر ليس كذلك مطلقاً، إن التعامل الحقيقي والصحيح هو الذي يلاحظ طبيعة المرأة،... الإسلام كلَّف الرجل أن يحافظ على المرأة داخل الأسرة كالوردة: "المرأة ريحانة" وهذا الأمر لا يرتبط بالساحات السياسية والاجتماعية وتحصيل العلم والمواجهات الاجتماعية والسياسية المختلفة بل إنه مرتبط بداخل الأسرة، حيث المرأة ريحانة وليست قهرمانة نظرة النبي صلى الله عليه و آله هذه
40
32
حقوق المرأة في الأسرة
تخطِّىء نظرة من يظن أن من واجب المرأة أن تكتفي بتقديم الخدمات داخل البيت.
فالمرأة برأيه وردة بحاجة لعناية، وبهذا المنظار يجب النظر إلى هذا الموجود ذو اللطافة الروحية والجسدية، هذا هو رأي الإسلام.
... ليس من حق أحد أن يظلم غيره أو يجبره على أمر ما أو يستخدمه. فبعض الرجال يطنُّون أن من واجب المرأة أن تؤدي كلَّ أعمالهم. نعم عندما يطغى الحب في المحيط الأسري بين الرجل والمرأة، فإن كلَّ واحد منهما يقدِّم الخدمات للاخر عن رغبة وشوق، لكن أداء أيَّة خدمة عن رغبة وشوق تختلف عن اعتبار المرأة كالخادمة لتخدم زوجها، فليس في الإسلام مثل ذلك ".
41
33
إصلاح شؤون المرأة داخل الأسرة
المحور الرابع
إصلاح شؤون المرأة داخل الأسرة
- الحب والأمن داخل الأسرة
- ضرورة إحساسها بالأمن
- مشكلة المرأة لا تحل عن طريق المفاهيم الغربية
- الإسلام هو الحل للمرأة والأسرة
43
34
إصلاح شؤون المرأة داخل الأسرة
الحب والأمن داخل الأسرة
إن أحد أهداف الزواج هو تحقيق حالة الاستقرار النفسي، والطمأنينة الروحية، وفي ظلال هذه الحياة المشتركة ينبغي على الزوجين العمل على تثبيت هذه الحالة التي تمكِّنهم من التقدُّم والتكامل.
لقد أثبتت التجارب أنه عندما تزداد أمواج الحياة عنفاً، وحين يهدِّد خطر ما أحد الزوجين فإنَّهما يلجان إلى بعضهما البعض لتوفير حالة من الأمن تمكِّنهما من مواجهة الحياة والمضي قدماً. وعليه فإن الزواج ينبغي أن يحقِّق حالة الاستقرار وإلا فإن الحياة ستكون جحيماً لا يطاق يقول السيد الخامنئي دام ظله :
" وعندما تُشكَّل الأسرة فإن الإسلام يعتبر أن المرأة والرجل شريكان في الحياة، وعلى كلٍّ منهما أن يعامل الاخر بالمحبَّة. فلا يحق للرجل أن يعامل زوجته بالقوَّة، ولا المرأة أن تعامل زوجها بالقوَّة.
... الأسرة هي المكان الذي يجب أن تنمو فيها العواطف والأحاسيس، وتجد فيها رونقها، أن يجد الأطفال فيه المحبة والحنان، وحتى الزوج الرجل، إن طبيعة الرجل أبسط من المرأة، وأكثر حدَّة وحزماً في مجالات خاصة، وليس يداوي جرحه إلا حنان زوجته، لا بد أن تحنَّ عليه، حيث لا ينفعه حنان أمِّه. فإنَّ الزوجة تستطيع أن تفعل
45
35
إصلاح شؤون المرأة داخل الأسرة
بالرجل الكبير ما تفعله الأم بابنها الصغير، وإن النساء على معرفة دقيقة وظريفة بهذا الأمر، وإذا افتقرت هذه العواطف والأحاسيس لمحورها الأساسي في البيت أي إلى المرأة وسيِّدة البيت، فستصبح الأسرة شكلاً لا معنى له.
... وهناك قول رائج بين النساء العاقلات ذوات التجربة، سمعته من كبيرات السِّن، وهو صحيح، إنِّهنَّ يقلن: الرجل كالطفل، إنَّهن محقَّات في ذلك، فهذا هو الواقع. وهو يعني أن الرجل العالم والفاضل وصاحب الشعور والذي لا يعاني من أي نقص ذهني، هو كالطفل في مواجهته ومعاملته للمرأة، والمرأة كأم الطفل! فكما أن الطفل يبدو سيء الخلق عندما يجوع، ولا بد من إقناعه وسدِّ حاجته؛ فإن المرأة إذا استطاعت أن تؤدي مهمتها بدراية فسيصبح الرجل بين يديها هادئاً أليفاً.
... انظرن إلى هذه الاية الشريفة التي تشير إلى المرأة والرجل داخل الأسرة، يقول تعالى:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَة﴾1.
... لتسكنوا إليها... أي لتجدوا إلى جانب الجنس الاخر داخل الأسرة الطمأنينة والسكينة. الرجل إلى جانب
1-الروم:21
46
36
إصلاح شؤون المرأة داخل الأسرة
المرأة، والمرأة إلى جانب الرجل. فالرجل يحسُّ بالطمأنينة والسكينة عندما يعود إلى بيته وإلى محيط أسرته الامن وإلى جانب زوجته الأمينة والعطوفة والمُحبَّة. وكذلك المرأة فإنَّها تشعر بالسعادة وبحسن الحظ والسكينة عندما تكون إلى جانب زوجها الذي يحبُّها ويشكِّل الحصن المنيع لها حيث أنه الأقوى جسدياً عادة، الأسرة تؤمن ذلك لكلا الطرفين، فالرجل يحتاج للمرأة في جو الأسرة ليحصل على السكينة، والمرأة تحتاج إلى الرجل في جوِّ الأسرة لتجد السكينة، لذلك قال: لتسكنوا إليها؛ لأن الإثنين بحاجة للسكون والسكينة، إن أهمَّ شيء يحتاج البشر إليه هي السكينة، فسعادة الإنسان تكون في أمانه من التلاطم والاضطراب الروحي، وحصوله على الطمأنينة والسكينة الروحية. وهذا الأمر تحققه الأسرة للإنسان، تحققه للرجل والمرأة معاً.
ثم تأتي الجملة التالية وهي جميلة جدّاً وجذّابة حين يقول تعالى:
﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾1.
إذاً فالعلاقة الصحيحة بين الرجل والمرأة هي علاقة المودَّة والرحمة، علاقة المحبة والعطف، أن يحب كل واحد منهما الاخر، أن يعشق كل واحد منهما الاخر، أن يحنّ
1-الروم:21
47
37
إصلاح شؤون المرأة داخل الأسرة
كل منهما إلى الاخر. ولا تجتمع المحبة والاحترام مع العنف، ولا يقبل وجود حنان دون محبَّة.
إن الطبيعة الإلهية للرجل والمرأة في جو الأسرة هي طبيعة علاقة الحب والحنان بين الرجل والمرأة: مودّة ورحمة فإذا تغيّرت هذه العلاقة، وإذا أحسَّ الرجل في البيت أنه المالك، وإذا نظر إلى زوجته نظرة المستخدمة ونظرة استغلال، فذلك ظلم، ومع الأسف فإن الكثيرين يرتكبون ذلك الظلم.
... البعض يظن أن مشكلة المرأة في عدم تصدّيها للأعمال الكبيرة والخوض في الضجيج، ليست تلك هي مشكلة المرأة، فحتى المرأة التي تتولَّى عملاً كبيراً فهي تحتاج إلى جو امن داخل أسرتها، وتحتاج لزوج حنون ومحب، وتحتاج إلى زوج يمثل لها الركن الذي تطمئن إليه عاطفياً وروحياً، فتلك هي طبيعة المرأة، وتلك هي حاجاتها العاطفية والروحية، ولا بد من تأمينها" .
ضرورة إحساسها بالأمن
يقول القائد الخامنئي دام ظله في هذا المجال:
" إذا استطعتن أن تساهمن في وضع قوانين وقرارات تجعل المرأة تحسُّ بالأمن في بيت زوجها فهو أمر حسن جداً.
فالإنسان يربِّي ابنته بمشقَّة كبيرة وبمحبة وعطف من الوالدين، فتصبح شابَّة، لكنها تعدُّ في بيت والدتها طفلة،
48
38
إصلاح شؤون المرأة داخل الأسرة
ثم تذهب إلى بيت زوجها، فيتوقع منها أن تكون سيدة، تفهم كل شيء، وتقوم بكل شيء، وتعرف كل شيء، حتى إذا بدر منها أي خطأ، تعرَّض لها! يجب أن لا يحصل ذلك.
اسعين إلى أن تحسَّ الفتاة بالأمن عندما تذهب إلى بيت زوجها مهما كان سنُّها. وأن تحسَّ بأنها لن تتعرَّض للقسوة، إن استطعتنَّ تأمين ذلك وتحقيقه فإني اعتبر ذلك أهم خطوة تخطونها، أن لا يتعرضن لسماع الكلام القاسي، وإذا سمعت ذلك يمكنها أن تدافع عن حقِّها، فإذا تحقق ذلك فإن عملاً مهماً يكون قد أنجز. إنَّ جلَّ همتي وأكثر قلقي منصرف لتأمين ذلك، وأرى أنه غير مؤمَّن حالياً، حتى داخل الأسرة المؤمنة والمتقية، وليس داخل الأسر العصرية. قبل عدَّة سنوات جاءتني طبيبة تشكو لي زوجها غير المثقَّف لأنَّه يعنِّفها، وقد عجزت عن الدفاع عن نفسها. توجد نماذج كهذه الاف مع الأسف.
استعنَّ لمعالجة الأمر بالقوانين والقرارات إن استطعتن ذلك. وقد ذكرت انفاً أن سبب ذلك التعنيف هو ضعف المرأة جسدياً في مقابل الرجل، ولا بد من معالجة الأمر بالمعرفة والثقافة من جهة، وبالقانون من جهة أخرى، أي يجب أن توضع وسائل القوَّة بيد المرأة، تلك الوسائل من جهة تشكِّل المعرفة والثقافة اللذين يمنعان تعرُّض المرأة للظلم، ومن الجهة الأخرى القانون. فإذا تمَّ تأمين الأمرين كان خيراً" .
49
39
إصلاح شؤون المرأة داخل الأسرة
مشكلة المرأة لا تحل عن طريق المفاهيم الغربية
إن العالم الإسلامي يتعرَّض إلى غزو جديد قد يكون أخطر من الغزو العسكري، القديم، هذا الغزو هو الغزو الثقافي والفكري والعقلي. لقد عمل الأمريكيون في المرحلة الأخيرة، وبعد تفكُّك الاتحاد السوفياتي على إرساء قواعد سياسية واقتصادية لنظام عالمي ليبرالي، وهو أمر لا يمكن أن يكون من دون إعادة تشكيل البنى الاجتماعية والفكرية من جديد.
إنهم يحاولون وتحت عناوين برَّاقة تخدع العقول تفكيك العلاقات الأسرية، وتدمير أمومة المرأة ودورها الأساس في التربية الأسرية، ويعملون على غسل دماغ بل توسيخ دماغ اجتماعي وتربوي وفكري وعقائدي كامل يحضِّر الشعوب لتقبُّل مفاهيمهم الغربية المدمِّرة التي لا تقيم وزناً لقيم أو دين أو أخلاق، وبهذا يستطيع الغرب كسب المعركة بأقل كلفة.
لهذا كان من الضروري للإمام القائد دام ظله الحريص على قوَّة المسلمين، وأُسَرِهم ونسائهم ومجتمعهم التنبيه على هذا الأمر الخطير قائلاً:
" إن مشكلة المرأة في المجتمعات التي تعاني فيها المرأة من مشاكل، ومن تلك المجتمعات مجتمعنا، حيث تعاني النسوة من مشاكل داخل الأسر مع الأسف.
إن كل المشاكل لن تحل من خلال ما يطرحه مدَّعو الدفاع عن حقوق المرأة العاملة والموظفة، بل إن ما تحتاج إليه النساء ليس ما يكتبه اليوم بعض الكتّاب وما يتفوَّه به بعض المنادين بالأفكار الغربية المعادية للإسلام في إيران
50
40
إصلاح شؤون المرأة داخل الأسرة
الإسلامية، فأولئك يعيدون نفس الأخطاء التي جعلت نساءنا خلال عهد حكومة الطاغوت يصلن إلى حافة السقوط. إن مشاكل السيِّدات في بلدنا لا تحل بهذه الطرق.
... خلال العقود الثلاثة التي سبقت الثورة تزلزل في إيران بنيان الأسرة بسبب غزو الثقافات الأوروبية لإيران، أي أن الأسرة كانت قد فقدت أصالتها وقيمتها وعظمتها التي كانت قد اكتسبتها من الإسلام" .
" ... إنني أقول للنساء المسلمات الشابات وربَّات البيوت لا تذهبن وراء الإعلام الاستهلاكي الذي يروِّج له الغرب كالأرَضة في روح المجتمعات البشرية ومجتمعات الدول النامية ومنها دولتنا" .
الإسلام هو الحلُّ للمرأة والأسرة
أ- نموذج المرأة المسلمة الأولى
يقول السيد الخامنئي دام ظله في هذا المقام:
" إذا ما استطاع مجتمعنا الإسلامي أن يربِّي نساءاً على شاكلة نموذجنا الإسلامي، أي كالنموذج الزهرائي والنموذج الزينبي، نساءاً جليلات وعظيمات، نساءاً تتأثَّر بهن الدنيا والتاريخ، عندئذ ستنال المرأة مقامها الشامخ والحقيقي.
وإذا استطاعت المرأة في مجتمعنا أن تنهل من العلم
51
41
إصلاح شؤون المرأة داخل الأسرة
والمعرفة والكمالات المعنوية والأخلاقية التي حدَّدها اللَّه تعالى والرسالات الإلهية لجميع البشر رجالاً ونساءاً على حدٍّ سواء، فستتحسَّن تربية الأطفال، وسيصبح الجو العائلي أكثر حرارة وصفاءاً، وسيتقدَّم المجتمع وسيتمكن من حلّ عقد الحياة بسهولة أكثر، وبالتالي سيسعد الرجل والمرأة معاً. يجب أن نسعى لتحقيق ذلك" .
ب ـ نموذج المرأة المسلمة الإيرانية
يشير الإمام القائد دام ظله إلى النموذج الجديد للمرأة المسلمة الملتزمة، وهو نموذج المرأة الإيرانية، حيث قال:
" ... وهذه هي أسوة المرأة المسلمة المعجزة العظيمة التي تصنعها المرأة المسلمة عندما تعود إلى فطرتها وأصلها، كما حصل في الثورة والنظام الإسلامي وللَّه الحمد وكما يشاهد اليوم أيضاً، فنحن لم نرَ تلك القدرة والعظمة من النساء كما نراها في أمَّهات الشهداء، ولم نر تلك التضحية من النساء الشابات كما رأيناها في فترة الحرب حيث كنَّ يرسلن أزواجهن الأحباء إلى ميادين الحرب ويحافظن على أسرهن وعفَّتهن وأمانتهن ليبقى الأزواج مرتاحي البال هناك، فهذه هي عظمة الإسلام التي ظهرت على وجوه نسائنا الثوريات في أيام الثورة وحالياً أيضاً وللَّه الحمد .
52
42
إصلاح شؤون المرأة داخل الأسرة
فلا يقول البعض أن النساء لا يمكنهن كسب العلم إذا حافظن على الحجاب والعفة وإدارة البيت وتربية الأولاد، فكم من النساء العاملات لدينا في مختلف المجالات في مجتمعنا وللَّه الحمد فهناك عدد كبير من الطالبات الجامعيات المجدَّات ومن ذوات القابلية، وكذلك من الخريجات في مستويات عالية وطبيبات ممتازات من النمط العالي في مجالات علمية متنوِّعة.
إن نساءنا اليوم في الجمهورية الإسلامية يحافظن على عفافهن وطهارتهن كنساء ويحافظن على الحجاب بشكل كامل، ويقمن بتربية أولادهن بالطريقة الإسلامية كذا بالواجبات الزوجية كما يقول الإسلام، ويمارسن نشاطات علمية وساسية".
53
43