عبادتنا


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-07

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدمة

 المقدمة

 
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء محمّد وآله الطيّبين الطاهرين...

لقد جاءت الشريعة الإسلاميّة السمحة بجملة واسعة ومتنوّعة من التكاليف والأوامر الإلهيّة، وأمرت الإنسان المكلّف القيام بها وأداءها بالشّكل السليم والصحيح، وذلك لما في هذه التكاليف والأوامر الإلهيّة من مصلحة وصلاح تربويّ، وبناء عقائديّ ومنهجيّ للإنسان العابد على وجه الخصوص وللمسيرة الحضاريّة للإنسان على وجه العموم.

إذاً في كلِّ عبادة من العبادات الّتي شرّعها الإسلام توجد حكمة، وفائدة، وهدف. هذا فضلاً عن أهميّتها في حياتنا ودورها المؤثّر، بالتّالي فإنّ الالتزام بالتعاليم الشرعيّة، واتّباع الضوابط المقرّرة، ومحاولة فهم واستيعاب الغاية والحكمة من هذه العبادات، هو الطريق الصحيح والحقيقيّ نحو نيل فوائد تلك العبادات وقطف ثمارها، وتحقيق أهدافها وغاياتها، وبذلك كلّه
 
 
 
 
 
 
5

1

المقدمة

 تكون بداية الطريق نحو حياة أفضل لنا وللأجيال القادمة وحتّى ظهور الإمام الحجّة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف لننعم في دولته الكريمة.


وعلى ضوء ذلك أرتأت الجمعيّة اختيار هذا البحث القيّم - الّذي بين يدي القارى‏ء الكريم - من كلمات الشّهيد السّعيد السّيد محمّد باقر الصّدر (رضوان الله عليه)، حيث تمّ تهذيبه وتشذيبه من بعض المكرّرات، مع التصرّف البسيط بالعبارة بغية المحافظة قدر الإمكان على عبارة الشّهيد، هذا مع إضافة بعض العناوين للفقرات والأبحاث.

لذا يُعدُّ هذا البحث تلخيصاً لدراسة الشّهيد الصّدر رضوان الله عليه الّتي كتبها تحت عنوان (نظرة عامّة في العبادات) وتمّ نشرها ضمن المجموعة الكاملة لمؤلفات السّيد محمّد باقر الصّدر رضوان الله عليه، والصادرة عن دار التعارف للمطبوعات، بيروت - لبنان، والمطبوعة بطبعتها السابعة في العام 1410هـ - 1990م، الجزء التاسع.

مركز نون للتأليف والترجمة
 
 
 
 
 
 
6

2

عبادتنا

الأهداف

1ـ التعرّف إلى أحد أهمّ الجوانب الثابتة في الشريعة الإسلاميّة ألا وهي العبادات وإلى ضرورتها في حياتنا.
2ـ التعرّف إلى دور العبادات في إشباع حاجات ثابتة عند الإنسان وعلاج مشاكله.
3ـ التعرّف إلى بعض الملامح العامّة للعبادات.
 
 
 
 
 
 
7

3

عبادتنا

 عبادتنا حاجة إنسانيّة ثابتة وضروريّة:


إنّ نظام العبادات في الشريعة الإسلاميّة يُمثّل أحد أوجهها الثابتة الّتي لا تتأثّر بطريقة الحياة العامّة وظروف التطوّر المدنيّ في حياة الإنسان إلاّ بقدر يسير، وذلك خلافاً لجوانب أو أوجه تشريعيّة أخرى مرنة ومتحرّكة، حيث يتأثّر أسلوب تحقيقها وتطبيقها بظروف التطوّر المدنيّ في حياة الإنسان كنظام المعاملات والعقود.

إذاً في المجال العباديّ يُصلّي إنسان عصر التكنولوجيا والحداثة، ويصوم، ويحجّ، كما كان يُصلّي، ويصوم، ويحجّ سلفه في عصر الطاحونة اليدويّة. بمعنى آخر: إنّ الشريعة لم تُعطِ الصلاة، والصيام، والحجّ، والزكاة وغير ذلك من عبادات الإسلام كوصفة مؤقّتة، وصيغة تشريعيّة محدودة بالظروف الّتي عاشتها في مستهلّ تأريخها، بل فرضت تلك 
 
 
 
 
 
 
9

 


4

عبادتنا

 العبادات على الإنسان وهو يزاول عمليّة تحريك الآلة بقوى الذرّة كما فرضتها على الإنسان الّذي كان يحرث الأرض بمحراثه اليدويّ.


نعم، صحيح أنّه في الجانب المدنيّ من التحضير للعبادة قد يختلف هذا عن ذاك، فهذا يُسافر إلى الديار المقدّسة بالطائرة، وذاك كان يُسافر ضمن قافلة من الإبل، وهذا يستر جسده في الصلاة بملابس مصنّعة أنتجتها الآلة، وذاك يستر جسمه بملابس نسجها بيده، ولكنّ صيغة العبادة العامّة وطريقة تشريعها واحدة، وضرورة ممارستها ثابتة لم تتأثّر ولم تتزعزع قيمتها التشريعيّة بالنموّ المستمرّ لسيطرة الإنسان على الطبيعة ووسائل عيشه فيها.

نستنتج من ذلك أنّ تشريع نظام العبادات جاء ليُعالج حاجة ثابتة في حياة الإنسان خُلقت معه، وظلّت ثابتة في كيانه على الرغم من التطوّر المستمرّ في حياته, لأنّ العلاج بصيغة ثابتة يفترض أنّ الحاجة ثابتة، ومن هنا يبرز السؤال التّالي:
 
 
 
 
 
 
 
10

5

عبادتنا

 هل هناك حقّاً حاجة ثابتة في حياة الإنسان منذ بدأت الشريعة دورها التربويّ للإنسان، وظلّت حاجة إنسانيّة حيّة باستمرار إلى يومنا هذا، لكي نُفسّر على أساس ثباتها ثبات الصيغ الّتي عالجت الشريعة بموجبها تلك الحاجة وأشبعتها، وبالتّالي نُفسِّر استمرار العبادة في دورها الإيجابيّ في حياة الإنسان؟


وقد يبدو للوهلة الأولى أنّ افتراض حاجة ثابتة من هذا القبيل ليس مقبولاً، وذلك نظراً للمقارنة بين واقع حياة إنسان الأمس البعيد بواقع حياة إنسان اليوم القريب، والّذي يبتعد - باستمرار - بطريقة حياته، ومشاكلها، ومتطلّباتها الواسعة والمعقّدة عن ظروف مجتمع القبيلة الّذي ظهرت فيه الشريعة الخاتمة ومشاكله الوثنيّة وتطلّعاته المحدودة.

إذاً، فإنّ هذا الابتعاد المستمرّ ـ للإنسان ـ يفرض تحوّلاً أساسيّاً في كلّ حاجاته وهمومه وتطلّعاته، وبالتّالي - من المنطقيّ - أنْ يفرض تحوّلاً حتّى في طريقة علاج تلك الحاجات وتنظيمها، فكيف بإمكان نظام العبادات - الّذي 
 
 
 
 
 
 
11

6

عبادتنا

 شُرّع قبل (14) قرناً - أنْ يؤدّي دوراً حقيقيّاً على هذه الساحة الممتدّة زمنيّاً من حياة الإنسان، على الرغم من التطوّر الكبير في الوسائل وأساليب الحياة؟!.


وهذا يعني - بالنتيجة - أنّه لم تعد تلك العبادات حاجة ضروريّة وثابتة في حياتنا كما كانت في يوم من الأيام، بل لم يبق لها دور في بناء حضارة الإنسان أو حلّ مشاكله الحضاريّة.

ولكنّ هذه النظرة على خطأ، فإنّ التطوّر الاجتماعيّ والمدنيّ في الوسائل والأدوات، وتحوّل المحراث في يد الإنسان إلى آلة يُحرّكها البخار أو تُديرها الكهرباء، إنّما يفرض التغيير - فقط وفقط - في كلّ ما تُمثّله علاقة الإنسان بالطبيعة وما تتّخذه من أشكال ماديّة، كالزراعة - على سبيل المثال - الّتي تُمثّل علاقة بين الأرض والمُزارع، فهي تتطوّر شكلاً ومضموناً من الناحيّة الماديّة تبعاً لذلك. وأمّا العبادات فهي ليست علاقة بين الإنسان والطبيعة، لتتأثّر بعوامل هذا التطوّر، وإنّما هي علاقة بين الإنسان
 
 
 
 
 
 
 
12

7

عبادتنا

 وربّه، ولهذه العلاقة دور روحيّ في توجيه علاقة الإنسان بأخيه الإنسان، وفي كلا هذين الجانبين نجد أنّ الإنسانيّة على مسار التأريخ تعيش عدداً من الحاجات الثابتة الّتي يواجهها إنسان عصر الزيت وإنسان عصر الكهرباء على السواء.


وعلى ضوء ذلك نقول: إنّ نظام العبادات في الإسلام هو علاج ثابت لحاجات ثابتة من هذا النوع، والمشاكل ليست ذات طبيعة مرحليّة، بل تواجه الإنسان في بنائه الفرديّ، والاجتماعيّ، والحضاريّ باستمرار، ولا يزال هذا العلاج - الّذي تُعبّر عنه العبادات - حيّاً في أهدافه حتّى اليوم، بل وشرطاً أساساً في تغلّب الإنسان على مشاكله ونجاحه في ممارساته الحضاريّة.
ولكي نعرف ذلك بوضوح، يجب أنْ نُشير إلى بعض الخطوط الثابتة من الحاجات والمشاكل في حياة الإنسان، والدور الّذي تُمارسه العبادات في إشباع حاجاته والتغلّب على مشاكله. وهذه الخطوط الثابتة هي كما يلي:
 
 
 
 
 
 
 
13

8

عبادتنا

 1- الحاجة إلى الارتباط بالمطلق.

2- الحاجة إلى الموضوعيّة في القصد وتجاوز الذات الفرديّة والمصالح الشخصيّة.
3- الحاجة إلى الشعور الداخليّ بالمسؤوليّة كضمان للتنفيذ.

وإليكم تفصيل هذه الخطوط:
أوّلاً: الحاجة إلى الارتباط بالمطلق:

إنّ ممارستنا للعبادات هو انعكاس للجانب العمليّ لعلاقتنا بالله تعالى (أي علاقة الإنسان بربّه)، لهذا لا ينفصل تقييم تلك العبادات عن تقييم هذه العلاقة ودورها في حياتنا، وهذا ما يطرح السؤالين التّاليين:

أ - هل قيمة العلاقة بين الإنسان وربّه هي قيمة ثابتة، تُعالج حاجة ثابتة مستمرّة باستمرار الحضارة الإنسانيّة، أم هي قيمة مرحليّة ترتبط بحاجات مؤقّتة أو مشاكل محدّدة، وتفقد أهميّتها بانتهاء المرحلة الّتي تُحدّد تلك الحاجات والمشاكل؟
 
 
 
 
 
 
 
14

9

عبادتنا

 ب - ما هو الدور الّذي تُمارسه العبادات بالنسبة إلى تلك العلاقة ومدى أهميّتها بوصفها تكريساً عمليّاً لعلاقة الإنسان بالله؟


لتوضيح الإجابة اللازمة عن هذين السؤالين سوف نتطرّق لها بشكل موجز تحت ثلاث نقاط:

النقطة الأولى: الارتباط بالمطلق مشكلة ذات حدّين:

يعيش الإنسان على مرّ التأريخ الحضاريّ صيغاً متنوّعة ومتباينة من المشاكل اليوميّة، إلا أنّ التعمّق في تلك المشاكل يجعلنا نرى أنّ هناك مشكلة رئيسة ثابتة ذات حدّين يُعاني الإنسان منهما طوال مسيرته الحضاريّة، فالحدّ الأوّل من هذه المشكلة الرئيسة والثابتة هو سلبيّ ويتمثّل في ضياع الإنسان وعدم الانتماء، أما الحدّ الثاني من المشكلة فهو إيجابيّ ويتمثّل في الغلوّ في الانتماء والانتساب من خلال تحويل الحقائق النسبيّة الّتي ينتمي إليها إلى مطلقة.

وقد أطلق الإسلام على الحدّ الأوّل من المشكلة اسم (الإلحاد)، وعلى الحدّ الثاني اسم (الوثنيّة والشرك).
 
 
 
 
 
 
 
15

10

عبادتنا

  ونضال الإسلام المستمرّ ضدّ الإلحاد والشرك هو في حقيقته الحضاريّة نضال ضد حدّي المشكلة بكامل بعديهما التاريخيّين, لأنّهما يُشكّلان معاً فكرة واحدة أساس، هي إعاقة حركة الإنسان في تطوّره عن الاستمرار الخلّاق، المبدع، الصالح.


وبعبارة أخرى: يُشكّل الحدّ الأوّل من المشكلة (وهو الضياع) بالنسبة للإنسان نوعاً من التيهان وعدم الانتماء إلى المطلق، بحيث يُمكن أنْ يستند إليه في مسيرته الشاقّة الطويلة المدى، وأنْ يستمدّ من إطلاقه وشموله العون والمدد في الرؤيّة الواضحة للهدف. بالتّالي يكون تحرّك الإنسان الضائع وغير المنتمي إلى المطلق هو تحرّك عشوائيّ، ينفعل بما حوله ولا يؤثّر فيه. وهذا يعني أنّ الإنسان على مرّ مسيرته التأريخيّة لا يُمكنه أنْ يُبدع أو يُعطي إلاّ من خلال الارتباط والاستناد إلى المطلق والالتحام به في سير هادف.

أمّا بالنسبة إلى الحدّ الثاني من المشكلة (وهو الغلوّ في الانتماء) عبر تحويل النسبيّ إلى مطلق, بمعنى أنّ الإنسان
 
 
 
 
 
 
 
16

11

عبادتنا

 ينسج ولاءه لقضيّة ما، لكي يمدّه هذا الولاء بالقدرة على الحركة ومواصلة المسير، إلّا أنّ هذا الولاء يتجمّد بالتدريج ويتجرّد من ظروفه النسبيّة الّتي كان صحيحاً ضمنها، وينتزع الذهن البشريّ منه مطلقاً لا حدّ له للاستجابة إلى مطالبه، وبالتعبير الدينيّ يتحوّل إلى إله يُعبد بدلاً عن حاجة يُستجاب لإشباعها. وحينما يتحوّل ـ النسبيّ إلى مطلق ـ إلى إله من هذا القبيل فإنّه يُصبح سبباً في تطويق حركة الإنسان، وتجميد قدراته على التطوّر والإبداع، قال تعالى: ﴿لاَّ تَجْعَل مَعَ اللهِ إِلَـهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً1.

 
وهذه حقيقة صادقة على كلّ الآلهة الّتي صنعها الإنسان عبر التأريخ، سواء ما كان قد صنعه في المرحلة الوثنيّة من العبادة، أو في المراحل التّالية: فمن القبيلة إلى العلم - الّذي شقّ طريق الطبيعة للإنسان - نجد سلسلة من الآلهة الّتي أعاقت الإنسان بتأليهها والغلوّ فيها، والتعامل معها كمطلق، عن التقدّم الصالح.
 
 
 

1-سورة الإسراء، الآية: 22.
 
 
 
 
 
 
17

12

عبادتنا

 إذاً، فكلّ محدود نسبيّ إذا نسج الإنسان منه في مرحلة ما مطلقاً يرتبط به على هذا الأساس، يُصبح في مرحلة رشد ذهنيّ جديد قيداً على الذهن الّذي صنعه بحكم كونه محدوداً نسبيّاً، بالتّالي فلا بدّ للمسيرة الإنسانيّة من مطلق حقيقيّ وغير محدود، يستطيع أنْ يستوعب المسيرة الإنسانيّة ويهديها إلى سواء السبيل مهما تقدّمت وتطوّرت، ويمحو من طريقها كلّ الآلهة الّتي تطوّق المسيرة وتُعيقها، وبهذا نُعالج المشكلة الرئيسة والثابتة في حياتنا بحدّيها معاً.


النقطة الثانية: الإيمان بالله تعالى هو العلاج:

وهذا العلاج يتمثّل فيما قدّمته السماء إلى الإنسان على الأرض من عقيدة: (الإيمان بالله)، بوصفه المطلق الّذي يُمكن أن يربط الإنسان المحدود مسيرته به، دون أن يُسبّب له أيّ تناقض على الطريق الطويل.

فالإيمان بالله، يُعالج الجانب السلبي من المشكلة، ويرفض الضياع، والإلحاد، واللاإنتماء، إذ يضع الإنسان 
 
 
 
 
 
 
 
18

13

عبادتنا

 في موضع المسؤوليّة وينيط بحركته وتدبيره الكون، ويجعله خليفة الله في الأرض. والخلافة تستبطن المسؤوليّة والمسؤوليّة تضع الإنسان بين قطبين: بين مستخلِف يكون الإنسان مسؤولاً أمامه، وجزاء يتلقّاه تبعاً لتصرُّفه، بين الله والمعاد، بين الأزل والأبد، وهو يتحرّك في هذا المسار تحركاً مسؤولاً هادفاً.


والإيمان بالله يُعالج الجانب الإيجابي من المشكلة ـ مشكلة الغلوّ في الانتماء الّتي تفرض التحدّد على الإنسان وتُشكِّل عائقاً عن اطراد مسيرته ـ وذلك على الوجه التالي:

أوّلاً: إن هذا الجانب من المشكلة كان ينشأ من تحويل المحدود والنسبي إلى مطلق خلال عمليّة تصعيد ذهني، وتجريد للنسبي من ظروفه وحدوده. وأمّا المطلق الّذي يُقدِّمه الإيمان بالله للإنسان، فهو لم يكن من نسيج مرحلة من مراحل الذهن الإنساني، ليُصبح في مرحلة رشد ذهني جديد قيداً على الذهن الّذي صنعه. ولم يكن وليد حاجة محدودة لفرد أو لفئة، ليتحوّل بانتصابه مطلقاً 
 
 
 
 
 
 
19

14

عبادتنا

 إلى سلاح بيد الفرد أو الفئة لضمان استمرار مصالحها غير المشروعة. فالله سبحانه وتعالى مطلق لا حدود له، ويستوعب بصفاته الثبوتيّة كلّ المثل العليا للإنسان الخليفة على الأرض، من إدراك، وعلم، وقدرة، وقوّة، وعدل وغنى. وهذا يعني أنّ الطريق إليه لا حدّ له فالسير نحوه يفرض التحرُّك باستمرار نحو المطلق بدون توقُّف ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ1. فالسير نحو مطلق، كلّه علم، وكلّه قدرة، وكلّه عدل، وكلّه غنى يعني أن تكون المسيرة الإنسانية كفاحاً متواصلاً باستمرار، ضدّ كلّ جهل، وعجز، وظلم، وفقر.

 
وما دامت هذه هي أهداف المسيرة المرتبطة بهذا المطلق، فهي إذن ليست تكريساً للإله، وإنّما هي جهاد مستمر من أجل الإنسان وكرامة الإنسان وتحقيق تلك المثل العليا له، ﴿مَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ 
 
 
 

1-سورة الإنشقاق، الآية: 6.
 
 
 
 
 
 
 
20

15

عبادتنا

 عَنِ الْعَالَمِينَ1 ، ﴿فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا2، وعلى العكس من ذلك المطلقات الوهميّة والآلهة المزيّفة، فإنّها لا يُمكن أن تستوعب المسيرة بكلّ تطلُّعاتها، لأنّ هذه المطلقات المصطنعة وليدة ذهن الإنسان العاجز، أو حاجة الإنسان الفقير، أو ظلم الإنسان الظالم، فهي مرتبطة عضويّاً بالجهل والعجز والظلم ولا يُمكن أن تُبارك كفاح الإنسان المستمر ضدّها.

 
ثانياً: إنّ الارتباط بالله تعالى بوصفه المطلق الّذي يستوعب تطلُّعات المسيرة الإنسانيّة كلّها يعني في الوقت نفسه رفض كلّ تلك المطلقات الوهميّة، الّتي كانت تُشكِّل ظاهرة الغلوّ في الانتماء، وخوض حرب مستمرّة ونضال دائم ضدّ كلّ ألوان الوثنيّة والتأليه المصطنع. وبهذا يتحرّر الإنسان من سراب تلك المطلقات الكاذبة، الّتي تقف حاجزاً دون سيره نحو الله وتزوّر هدفه وتطوّق مسيرته.
 
 
 

1-سورة العنكبوت، الآية: 6.
2-سورة الزمر، الآية: 41.
 
 
 
 
 
 
21

16

عبادتنا

 

﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِندَهُ 1.

 

 

﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ 2.
 

 

﴿أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ3.
 

 

﴿ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ4.
 
ونحن إذا لاحظنا الشعار الرئيسي الّذي طرحته السماء بهذا الصدد: (لا إله إلا الله)، نجد أنّها قرنت فيه بين شدّ المسيرة الإنسانيّة إلى المطلق الحقّ ورفض كلّ مطلق مصطنع. وجاء تاريخ المسيرة في واقع الحياة على مرِّ الزمن ليؤكِّد الارتباط العضوي بين هذا الرفض وذلك الشدّ الوثيق الواعي إلى الله تعالى، فبقدر ما يبتعد 
 
 
 

1-سورة النور، الآية: 39.
2-سورة يوسف، الآية: 40
3-سورة يوسف، الآية: 39
4-سورة فاطر الآية: 13
 
 
 
 
 
 
22

17

عبادتنا

 الإنسان عن الإله الحقّ ينغمس في متاهات الآلهة والأرباب المتفرِّقين. فالرفض والإثبات المندمجان في (لا إله إلا الله) هما وجهان لحقيقة واحدة، وهي حقيقة لا تستغني عنها المسيرة الإنسانية على مدى خطّها الطويل، لأنّها الحقيقة الجديرة بأن تُنقذ المسيرة من الضياع، وتُساعد على تفجير كلّ طاقاتها المبدعة، وتحرّرها من كلّ مطلق كاذب معيق.


النقطة الثالثة: العبادات هي التعبير العمليّ للإيمان بالمطلق:

وُلد الإنسان وهو يحمل كلّ إمكانات ومقوّمات النجاح والفاعليّة لتجربته في الحياة، وُلد - أيضاً - حاملاً معه طبيعته الّتي تشدّه نحو الإيمان بالمطلق, لأنّ إيمانه بالمطلق وعلاقته به يُشكّلان أحد مقوّمات نجاحه وتغلّبه على مشاكله في مسيرته الحضاريّة كما رأينا فيما سبق.

ولكنّ مجرّد الإيمان بالمطلق كغريزة في الإنسان لا يكفي ليكون ضماناً لتحقيق الارتباط بالمطلق بصيغته 
 
 
 
 
 
 
 
 
23

18

عبادتنا

 الصالحة, لأنّ ذلك يرتبط - في الحقيقة - بطريقة إشباع هذه الغريزة، وأسلوب الاستفادة منها، كما هي الحال في كلّ غريزة أخرى، فإنّ التصرّف السليم في إشباعها على نحو موازٍ لسائر الغرائز والميول الأخرى ومنسجم معها، هو الّذي يكفل المصلحة النهائيّة للإنسان، كما أنّ السلوك وفقاً لغريزة أو ضدّها هو الّذي يُنمّي تلك الغريزة ويُعمّقها أو يُضمرها ويخنقها.


ومن هنا كان لا بُدّ للإيمان بالله والشعور العميق بالتطلّع نحو الغيب والانشداد إلى المطلق، من توجيه يُحدّد طريقة إشباع هذا الشعور، ومن سلوك يُعمّقه ويُرسّخه على نحو يتناسب مع سائر المشاعر الأصيلة في الإنسان.

فالإسلام الّذي طرح شعار (لا إله إلّا الله) وما يتضمّنه هذ الشعار من رفض وثبات مندمجين، بمعنى إثبات وشدّ نحو المطلق الحقّ، وفي الوقت ذاته رفض لكلّ مطلق مصطنع مزيّف، يُعتبر هذا الشعار هو الموجّه الحقيقيّ نحو إشباع غريزة الإنسان المؤمنة والمنشدّة نحو المطلق الحقّ 
 
 
 
 
 
 
24

19

عبادتنا

 وتحريره من كلّ مطلق باطل.


أمّا ما يُعمِّق هذا السلوك والإيمان بالمطلق الحقّ والشعور به فهو (العبادات) الّتي نقوم بها, لأنّها تعبير عمليّ وتطبيقيّ لغريزة الإيمان، والتعبير الحقيقيّ عن الاندماج بين الثبات والرفض معاً، وبها تنمو هذه الغريزة وتترسّخ حياة الإنسان. فمثلاً حينما يفتتح العبد صلاته بـ (الله أكبر)، فهو من جهة يؤكّد على استمراره، وثباته، وارتباطه بالله تعالى، ومن جهة أخرى يؤكّد على الرفض المستمرّ لأيّ مطلق آخر من المطلقات المصطنعة والمزيّفة.

بالنتيجة: إنّ الارتباط بالمطلق الحقّ - أي الإيمان بالله تعالى - هو حاجة ثابتة، ورفض غيره من المطلقات المصطنعة هو - أيضاً - حاجة ثابتة, لأنّها غير قادرة على تلبية حاجاتنا وعلاج مشاكلنا، ولكنْ لا يكتمل الارتباط بالمطلق الحقّ، وترسيخه في نفس الإنسان، إلّا من خلال التعبير العمليّ والتطبيقيّ, أيْ من خلال أداء العبادة والقيام بها، وهذا يعني أنّ العبادة - هي بدورها أيضاً - 
 
 
 
 
 
 
25

20

عبادتنا

 حاجة ثابتة وضروريّة في حياتنا ومسيرتنا الحضاريّة على مدى التأريخ.


ثانياً: الحاجة إلى الموضوعيّة في القصد وتجاوز الذات الفرديّة والمصالح الشخصيّة:

إنّ جميع المصالح الّتي يتطلّب تحقيقها في كلّ مرحلة من مراحل الحضارة الإنسانيّة، هي - دائماً - تُقسم إلى نوعين من المصالح:

أ- مصالح تعود مكاسبها وإيجابيّاتها الماديّة على الفرد نفسه، ويتوقّف تحقيق تلك المصلحة على عمله وسعيه، لذا فمن الطبيعيّ أنْ يكون دافع الفرد نحو قصد وتحقيق تلك المصلحة هو دافع ذاتيّ وذو طابع شخصيّ.

ب- مصالح تعود مكاسبها إلى الجماعة ككلّ، وهي المصالح الّتي تكون أهدافها أكبر من الفرد ومصالحه الذاتيّة والشخصيّة، بل يتطلّب تحقيقها تضافر جميع أفراد المجتمع، وتوحيد جهودهم ودوافعهم نحو
 
 
 
 
 
 
 
26

21

عبادتنا

 قصد تحقيقها، ولا يكفي الدافع الذاتيّ والشخصيّ الفرديّ كما هو في النوع الأوّل.


ومن هنا كان الإنسان بحاجة إلى تربية على الموضوعيّة في القصد - أي قصد ودافع تحقيق مصالح المجتمع ككلّ - وتجاوز لذاته الفرديّة ومصالحه الشخصيّة بما تُشكّله من دوافع ومقاصد، إلى مرحلة العمل من أجل غيره، ومن أجل الجماعة الّتي هو واحد منها طبعاً. وهذه التربية كما كانت ضروريّة للإنسان الّذي كان يُحارب بالسيف ويُسافر على البعير، أيضاً هي ضروريّة اليوم بالنسبة لإنسان عصر الذرّة والتكنولوجيا الحديثة, لأنّهما معاً يواجهان هموم البناء، والأهداف الكبيرة، والمصالح العامّة، بل والمواقف والتحدّيات الّتي تتطلّب تناسي الذات والعمل من أجل الآخرين.

وعلى ضوء ذلك يأتي دور العبادات الكبير والمهمّ في تحقيق تلك التربية الضروريّة للإنسان, لأنّ العبادات هي حقيقةً أعمال يقوم بها الإنسان من أجل الله سبحانه وفي سبيله، ولا تصحّ إذا أدّاها العابد من أجل مصلحة من
 
 
 
 
 
 
27

22

عبادتنا

 مصالحه الخاصّة، ولا تسوغ إذا استهدف من ورائها مجداً شخصيّاً، أو ثناءً اجتماعيّاً، أو تكريساً لذاته في محيطه وبيئته، بل تُصبح عملاً محرّماً، يُعاقَب عليه هذا العابد.

 
وما دام العمل العباديّ الّذي يقوم به المكلّف هو من أجل الله تعالى وفي سبيله، فهو يُعبّر بشكل تجريديّ عن السبيل لخدمة عباد الله تعالى وخيرهم. ومثال بارز على ذلك ما حثّ عليه الإسلام من القتال في سبيل المستضعفين من بني الإنسان وسمّاه قتالاً في سبيل الله كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ1.
 
ولكنْ يجدر بنا أنْ نُشير إلى ملاحظتين مهمّتين في هذا الصدد:
 
الملاحظة الأولى: إنّه من الطبيعيّ أنْ يكون جهد الإنسان الفرد وتعبه أكبر وأصعب بكثير بالنسبة إلى عمله في تحقيق المصالح الكبرى، والأهداف العظمى للمجتمع 
 
 

1-سورة النساء الآية:65
 
 
 
 
 
28

23

عبادتنا

 أو الجماعة ككلّ, لأنّ طبيعة العبادات بأنواعها (الفرديّة والجماعيّة على حدٍّ سواء) تتطلّب جهوداً مختلفة من الإنسان، فأحياناً تفرض عليه جهداً جسديّاً كما في الصلاة، وأحياناً جهداً نفسيّاً كما في الصيام، وثالثاً جهداً ماليّاً كما في الزكاة، ورابعاً جهداً غالياً على مستوى التضحية بالنفس أو المخاطرة بها كما في الجهاد.


وإذا عرفنا ذلك يُمكننا أنْ نستنتج مدى عمق وسعة التدريب الروحيّ والنفسيّ، والّذي يُمارسه الإنسان بشكل مستمرّ ومكثّف من خلال العبادات المتنوّعة والمتعدّدة، وهذا ما يُمكّن الإنسان من البذل والعطاء من أجل الآخرين.

الملاحظة الثانية: إنّ اهتمام الإسلام بتربية الإنسان على العمل، والبذل، والعطاء، أو ما سمّيناه بـ (القصد الموضوعيّ) من أجل الآخرين من خلال المنظومة العباديّة المتكاملة والمتناسقة، فهي تربية تُركّز على الربط بين العمل ودوافعه، لا بين العمل ونتائجه، بمعنى أنّ قيمة العمل والجهد الّذي يُمارسه الإنسان لا يُقاس بما يُحقّقه من نتائج
 
 
 
 
 
 
29

24

عبادتنا

 ومكاسب سواء لنفسه كفرد أو للناس كمجموعة أفراد، بل المقياس في قيمة العمل هو الدوافع النظيفة والمقاصد الموضوعيّة، الّتي دفعت بالفرد لكي يتجاوز ذاته ومصالحه الشخصيّة من أجل الآخرين ومصالحهم. وكلّما كان العمل فاضلاً ونبيلاً - ومتجاوزاً للدوافع الذاتيّة - وفي سبيل الله وعباده يسمو وترتفع قيمته، أمّا إذا كان المقياس لقيمة العمل والجهد عند شخص ما، هو مدى تحقيقه لمصلحة ذاتيّة ومنافع شخصيّة، وكانت اللّغة السائدة عنده هي لغة الأرقام وأسعار السوق، فإنّ شخصاً من هذا القبيل لن يكون في الأغلب إلّا تاجراً في ممارسته الاجتماعيّة مهما كان ميدانها ونوعها.


ثالثاً: الحاجة إلى الشعور الداخليّ بالمسؤوليّة كضمان للتنفيذ:

إنّ من الحقائق الثابتة الّتي يُمكن ملاحظتها من خلال استقراء المسيرة الحضاريّة الإنسانيّة على مرّ التأريخ،
 
 
 
 
 
 
30

25

عبادتنا

 ومكاسب سواء لنفسه كفرد أو للناس كمجموعة أفراد، بل المقياس في قيمة العمل هو الدوافع النظيفة والمقاصد الموضوعيّة، الّتي دفعت بالفرد لكي يتجاوز ذاته ومصالحه الشخصيّة من أجل الآخرين ومصالحهم. وكلّما كان العمل فاضلاً ونبيلاً - ومتجاوزاً للدوافع الذاتيّة - وفي سبيل الله وعباده يسمو وترتفع قيمته، أمّا إذا كان المقياس لقيمة العمل والجهد عند شخص ما، هو مدى تحقيقه لمصلحة ذاتيّة ومنافع شخصيّة، وكانت اللّغة السائدة عنده هي لغة الأرقام وأسعار السوق، فإنّ شخصاً من هذا القبيل لن يكون في الأغلب إلّا تاجراً في ممارسته الاجتماعيّة مهما كان ميدانها ونوعها.


ثالثاً: الحاجة إلى الشعور الداخليّ بالمسؤوليّة كضمان للتنفيذ:

إنّ من الحقائق الثابتة الّتي يُمكن ملاحظتها من خلال استقراء المسيرة الحضاريّة الإنسانيّة على مرّ التأريخ،
 
 
 
 
 
 
30

26

عبادتنا

 هو اتّباعها لنظام معيّنٍ ومحدّد في عمليّة توزيع الحقوق والواجبات، وأنّ لهذا النظام مجموعة ضمانات يلتزم بها الأفراد، وبقدر التزامهم بها يكونون أقرب إلى الاستقراء وتحقيق الأهداف العامّة والمرجوّة من هكذا نظام.


وهذه الضمانات منها ما هو موضوعيّ، كالعقوبات الّتي تضعها الجماعة تأديباً للفرد الّذي يتجاوز حدوده، ومنها ما هو ذاتيّ، وهو الشعور الداخليّ للإنسان بالمسؤوليّة تجاه التزاماته الاجتماعيّة، وما تفرضه الجماعة عليه من واجبات وتحدّد له من حقوق.

ولكنْ على الرغم من أنّ الضمانات الموضوعيّة لها دور كبير في السيطرة على سلوك الأفراد وضبطه، إلّا أنّها لا تكفي في أحيان كثيرة بمفردها، ما لم يكن إلى جانبها ضمان ذاتيّ ينبثق عن الشعور الداخليّ للإنسان بالمسؤوليّة, لأنّ الرقابة الموضوعيّة للفرد مهما كانت دقيقة وشاملة، لا يُمكن عادة أنْ تضمن الإحاطة بكلّ شي‏ء واستيعاب كلّ واقعة.
 
 
 
 
 
 
 
31

27

عبادتنا

 والشعور الداخليّ بالمسؤوليّة يحتاج لكي يكون واقعاً عمليّاً وحيّاً في حياة الإنسان إلى شرطين:


الشرط الأوّل: إيمان الإنسان برقابة لا يغيب عن علمها مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء. وهذه الرقابة موجودة في داخل الإنسان نتيجة لارتباطه بالمطلق الحقّ وهو الله العليم القدير الّذي أحاط علمه بكلّ شي‏ء.

الشرط الثاني: هو إيجاد مران عمليّ ينمو من خلاله هذا الإيمان بوجود الرقيب المطلق والشامل، وترسيخه في النفس الإنسانيّة، وهذا لا يتحقّق إلّا عن طريق الممارسة العباديّة, لأنّ العبادة واجب غيبيّ لا يُمكن ضبطها بالمراقبة من خارج، بل يستحيل ذلك بحكم كون العبادة قصداً نفسيّاً قلبيّاً وروحيّاً داخليّاً يعمل من أجل الله، وهذا أمر لا يُمكن أنْ يدخل في حساب الرقابة الموضوعيّة من الخارج، ولا يُمكن لأيّ إجراء قانونيّ أنْ يكفل تحقيقه.

إذاً نستنتج من ذلك: أنّ قيام الإنسان بالواجب العباديّ - الغيبيّ - الّذي لا يعلم مدى مدلوله النفسيّ والقلبيّ إلّا 
 
 
 
 
 
 
 
32

28

عبادتنا

 الله سبحانه، فهو نتيجة للشعور الداخليّ بالمسؤوليّة، هذا الشعور الّذي ينمو من خلال الممارسات العباديّة.


بذلك الشعور الداخليّ في تحمّل المسؤوليّة يُوجد المواطن الصالح، إذ لا يكفي في المواطَنة الصالحة أنْ لا يتخلّف الإنسان عن أداء حقوق الآخرين المشروعة خوفاً من ردّ الفعل الاجتماعيّ على هذا التخلّف، وإنّما تتحقّق المواطنة الصالحة بأنْ لا يتخلّف الإنسان عن ذلك بدافع من الشعور الداخليّ بالمسؤوليّة, لأنّه لو كان الخوف من ردّ الفعل الاجتماعيّ على التخلّف هو العامل الوحيد لالتزامات المواطنة الصالحة، لأمكن التهرّب من تلك الواجبات في حالات كثيرة، سواء من خلال إخفاء الفرد تخلّفه، أو تفسيره تفسيراً كاذباً وغير ذلك، بما يؤمّن حماية من ردّة فعل المجتمع. بالتّالي فلا يوجد في مثل هذه الحالات وما يُشابهها ضمان سوى الشعور الداخليّ بالمسؤوليّة، الّذي يُمكن إنماؤه وترسيخه من خلال العبادات، ولا سيّما تلك العبادات الّتي اختير لها جوٌّ من السريّة والابتعاد عن أنظار
 
 
 
 
 
 
33

29

عبادتنا

 النّاس، كنافلة الليل (صلاة الليل)، حيث تُعمِّق مثل هذه الصلاة الجانب الغيبيّ من العبادة وربطها أكثر فأكثر بالشعور الداخليّ بالمسؤوليّة، والّتي تُشكّل ضماناً قويّاً لالتزام الفرد الصالح بما عليه من حقوق وواجبات.


وبعد أنْ عرفنا أنّ عبادتنا هي حاجة ثابتة وضروريّة في مسار البناء الحضاريّ الإنسانيّ في كلّ زمان ومكان، فضلاً عن التعرّض لما لهذه العبادات من أهميّة، ودور بارز في تلبية حاجتنا وعلاج مشاكلنا، فمن الجيّد أنْ نتوقّف بشكل موجز عند بعض الملامح العامّة لهذه العبادات وما تتضمّنه من آثار وبركات في حياتنا اليوميّة، الأمر الّذي لا يُدركه الكثيرون أو يتغافلون عنه على الرغم ممّا له من أثر كبير في تغيير مجرى حياتهم ورسم مستقبلهم.

بعض الملامح العامّة للعبادات:

انطلاقاً من النظرة الشاملة للعبادات (كالصلاة والصوم والحجّ والجهاد... وغيرها) والمقارنة فيما بينها،
 
 
 
 
 
 
 
34

30

عبادتنا

 يُمكننا أنْ نستخلص بعض الملامح العامّة في تلك العبادات وهي كما يلي:


1- الغيبيّة في تفاصيل العبادة:

لقد شكّل التطابق الرائع بين معطيات العِلم الحديث وكثير من تفصيلات الشريعة، وما تكشّف عن ذلك من أحكام وأسرار التشريع الإسلاميّ، دعماً باهراً لموقف الشريعة، وتأكيداً راسخاً على أنّها ربّانيّة.

ومع ذلك فقد بقي العديد من النقاط الغيبيّة الّتي تتضمّنها المنظومة العباديّة, أيْ هناك جملة من التفاصيل لا يُمكن للإنسان المُمارِس للعبادة أنْ يعي سرّها ويُفسّرها تفسيراً ماديّاً محسوساً، فعلى سبيل المثال لا يوجد تفسير علميّ أو محسوس حول سرّ كون صلاة المغرب ثلاث ركعات أو صلاة الظهر أربع ركعات، إلى غير ذلك من الأسئلة الّتي يُمكن أنْ تُطرح من هذا القبيل.

ولذا يُسمّى هذا الجانب العباديّ الّذي لا يُمكن تفسيره بـ (الجانب الغيبيّ)، والّذي يُمكن ملاحظته بشكل أو بآخر في 
 
 
 
 
 
 
35

31

عبادتنا

 أكثر العبادات، ما يعني أنّ (الجانب الغيبيّ) للعبادات هو أحد الملامح العامّة المشتركة بين العبادات.


وبما أنّ دور العبادات - كما عرضنا سابقاً - هو تأكيد عمليّ على الإيمان والارتباط بالمطلق الحقّ، فإنّ هذا العمل العباديّ الّذي يُمارسه الإنسان كلّما كان غير مفهوم بكلّ أبعاده، وغير واضحة الحكمة منه والمصلحة في كلّ تفاصيله، فإنّ عنصر الاستسلام والانقياد داخل المنظومة العباديّة يُقوّي ويُعمِّق العلاقة بين الإنسان وربّه، بينما إذا كان الإنسان العابد مُدرِكاً لكلّ أبعاد الحكمة والمصلحة لعبادته، فإنّ عنصر الاستسلام والانقياد سيتضاءل.

2- الشمول في العبادة:

نُلاحظ أنّ العبادات المختلفة في الإسلام تتضمّن عنصر الشموليّة لكلّ جوانب الحياة المتنوّعة، وتمتدّ إلى كلّ قطاعات النشاط الإنسانيّ. فالجهاد عبادة وهو نشاط اجتماعيّ، والزكاة عبادة وهي نشاط ماليّ، والصيام عبادة وهو نظام غذائيّ... وغير ذلك.
 
 
 
 
 
 
 
36

32

عبادتنا

 هذا الشمول في العبادة يُعبِّر عن اتّجاه عامّ في التربية الإسلاميّة، يستهدف أنْ يربط الإنسان كلّ أعماله ونشاطاته بالله تعالى وفي سبيل خدمة عباده، ومن أجل إيجاد أساس ثابت لهذا الاتّجاه وُزّعت العبادات الثابتة على الحقول المختلفة للنشاط الإنسانيّ لكي يتمرّن الإنسان على ذلك.


وعلى ضوء ذلك يختلف الإسلام عن اتّجاهين دينيّين آخريَن، هما:

الأوّل: هو الاتّجاه الّذي يفصل بين العبادة والحياة, أيْ جعل للعبادة أماكن خاصّة يتعبّد فيها الإنسان لربِّه، وإذا خرج منها إلى سائر حقول الحياة، ودّع العبادة وانصرف إلى شؤون دنياه إلى حين الرجوع ثانية إلى تلك الأماكن.

هذه الثنائيّة بين العبادة ونشاطات الحياة المختلفة تشلّ العبادة، وتُعطِّل دورها التربويّ البنّاء في تطوير دوافع الإنسان، وجعلها موضوعيّة، لكي يتجاوز ذاته ومصالحه الضيّقة. والله سبحانه لم يُركّز على أنْ يُعبد من أجل تكريس ذاته، وهو الغنيّ عن عباده، لكي يكتفي بعبادة من هذا القبيل. وإنّما أراد بهذه 
 
 
 
 
 
 
 
37

33

عبادتنا

 العبادة أنْ يبني الإنسان الصالح القادر على أنْ يتجاوز ذاته ويُساهم في تحقيق أهداف المسيرة الإنسانيّة الكبرى، ولا يتمّ التحقيق الأمثل لذلك إلّا إذا امتدّت روح العبادة تدريجيّاً إلى نشاطات وحقول الحياة المختلفة.


ومن هنا جاءت الشريعة ووزّعت العبادات على مختلف الحقول الحياتيّة، وحثّت على ممارسة العبادات في كلّ ساحة صالحة يتجاوز فيها الإنسان ذاته وشخصيّته من أجل رضا الله تعالى وخدمة الآخرين.

الثاني: وهو الاتّجاه الّذي يحصر الحياة في إطار ضيّق من العبادة، كما يفعل المترهّبون والمتصوّفون. وقد حاول هذا الاتّجاه أنْ يحصر الإنسان في المسجد ـ مثلاً ـ إيماناً منه بأنّ الإنسان يعيش تناقضاً داخليّاً بين روحه وجسده، ولا يتكامل في أحد هذين الجانبين إلّا على حساب الجانب الآخر. فلكي ينمو ويزكو روحيّاً يجب أنْ يحرم جسده من الطيّبات، ويُقلّص وجوده على مسرح الحياة حتّى يتمّ له الانتصار على شهواته ورغباته الجسديّة جميعاً.
 
 
 
 
 
 
 
38

34

عبادتنا

 ولكنّ الإسلام يرفض مثل هذا الاتّجاه, لأنّه يُريد العبادات من أجل الحياة، فلا يُمكن أنْ تُصادر الحياة من أجل العبادات. كما أنّه في الوقت نفسه يحرص على أنْ يكسب الإنسان الصالح روح العبادة في كلِّ تصرّفاته ونشاطاته الحياتيّة، وأنْ يُحوّلها إلى عبادة لا أنْ يحصرها بين جدران المعبد أو المسجد، فالمسجد في الإسلام منطلق وقاعدة للإنسان الصالح في سلوكه اليوميّ وليس محدّداً لهذا السلوك، وقد قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذرّ: "إن استطعت أن لا تأكل ولا تشرب إلّا لله فافعل".


3ـ الجانب الحسّي في العبادة:

إدراك الإنسان ليس مجرّد إحساس فحسب وليس مجرّد تفكير عقلي وتجريدي فحسب، بل هو مزاج من عقل وحسّ من تجريد وتشخيص. وحينما يُراد من العبادة أن تؤدّي دورها على نحو يتفاعل معها الإنسان تفاعلاً كاملاً وتنسجم مع شخصيّته المؤلّفة من عقل وحسّ، ينبغي أن تشتمل العبادة نفسها على جانب حسّي وجانب عقلي تجريدي، 
 
 
 
 
 
 
 
39

35

عبادتنا

 لكي تتطابق العبادة مع شخصيّة العابد، ويعيش العابد في ممارسته العباديّة ارتباطه بالمطلق بكلّ وجوده.


ومن هنا كانت النيّة والمحتوى النفسي للعبادة يُمثِّل دائماً جانبها العقلي التجريدي، إذ تشدّ الإنسان العابد إلى المطلق الحقّ سبحانه وتعالى، وكانت هناك معالم أخرى في العبادة تُمثِّل جانبها الحسّي. فالقبلة الّتي يجب على كلّ مصلٍّ أن يستقبلها في صلاته، والبيت الحرام الّذي يؤمّه الحاج والمعتمر ويطوف به، والصفا والمروة اللذان يسعى بينهما، وجمرة العقبة الّتي يرميها بالحصيات، والمسجد الّذي خُصّص مكاناً للاعتكاف يُمارس فيه المعتكف عبادته. كل هذه الأشياء معالم حسّية رُبطت بها العبادة، فلا صلاة إلا إلى القبلة، ولا طواف إلا بالبيت الحرام، وهكذا، وذلك من أجل اشباع الجانب الحسّي في الإنسان العابد وإعطائه حقّه ونصيبه من العبادة.

وهذا هو الاتجاه الوسط في تنظيم العبادة وصياغتها وفقاً لفطرة الإنسان وتركيبه العقلي الحسّي الخاص.
 
 
 
 
 
 
 
40

36

عبادتنا

 ويُقابله اتجاهان آخران، أحدهما: يُفرط في عقلنة الإنسان ـ إن صحّ التعبير ـ فيتعامل معه كفكر مجرّد، ويشجب كلّ التجسيدات الحسّيّة في مجال العبادة، فما دام المطلق الحقّ سبحانه لا يحدّه مكان ولا زمان ولا يُمثِّله نُصب ولا تمثال فيجب أن تكون عبادته قائمة على هذا الأساس، وبالطريقة الّتي يُمكن للفكر النسبي للإنسان أن يُناجي بها الحقيقة المطلقة.


وهذا الاتّجاه لا تقرّه الشريعة الإسلامية، فإنّها على الرغم من اهتمامها بالجوانب الفكريّة حتّى جاء في الحديث (أنّ تفكير ساعة أفضل من عبادة سنة) تؤمن بأنّ التفكير الخاشع المتعبِّد مهما كان عميقاً لا يملأ نفس الإنسان، ولا يُعبِّئ كلّ فراغه، ولا يشدّه إلى الحقيقة المطلقة بكلِّ وجوده، لأنّ الإنسان ليس فكراً بحتاً.

والاتجاه الآخر: يُفرط في الجانب الحسّي... وبهذا ينغمس الإنسان العابد بشكل وآخر في الشرك والوثنيّة.

وهذا الاتّجاه يقضي على روح العبادة نهائيّاً ويُعطِّلها
 
 
 
 
 
 
 
41

37

عبادتنا

 بوصفها أداة لربط الإنسان ومسيرته الحضاريّة بالمطلق الحقّ، ويسخّرها أداة لربطه بالمطلقات المزيّفة، بالرموز التي تحولت بتجريد ذهني كاذب إلى مطلق.


وقد شجب الإسلام هذا الاتجاه، لأنّه أدان الوثنيّة بكلّ أشكالها، وحطّم الأصنام وقضى على الآلهة المصطنعة، ورفض أن يُتّخذ من أيّ شيء محدود رمزاً للمطلق الحقّ سبحانه وتجسيداً له. ولكنّه ميّز بعمق بين مفهوم الصنم الّذي حطّمه ومفهوم القبلة الّذي جاء به، وهو مفهوم لا يعني إلّا أنّ نقطه مكانيّة معيّنة أُسبغ عليها تشريف ربّاني فربطت الصلاة بها، إشباعاً للجانب الحسّي من الإنسان العابد. 

4ـ الجانب الاجتماعي في العبادة:

العبادة في الأساس تُمثِّل علاقة الإنسان بربِّه، غير أنّها صيغت في الشريعة الإسلاميّة بطريقة جعلت منها في أكثر الأحيان أيضاً أداة لعلاقة الإنسان بأخيه الإنسان، وهذا ما نقصده بالجانب الإجتماعي في العبادة.

ففي العبادات ما يفرض التجمُّع بنفسه وإنشاء العلاقات
 
 
 
 
 
 
 
42

38

عبادتنا

 الإجتماعيّة بين ممارسي تلك العبادة، كالجهاد، فإنّه يتطلّب من المقاتلين الّذين يعبدون الله بقتالهم أن يقيموا فيما بينهم العلاقات الّتي تنشأ بين وحدات الجيش المقاتل.


وفي العبادات ما لا يفرض التجمُّع بنفسه ولكن مع هذا ربط بشكل وآخر بلون من ألوان التجمع.

فالفرائض من الصلاة شرّعت فيها صلاة الجماعة الّتي تتحوّل فيها العبادة الفرديّة إلى عبادة جماعيّة، تتوثّق فيها عرى الجماعة...

وفريضة الحج تؤدّي ممارستها إلى عمليّة اجتماعيّة كبيرة.

وحتّى فريضة الصيام الّتي هي بطبيعتها عمل فرديّ بحت ربطت بعيد الفطر، باعتباره الوجه الإجتماعي لهذه الفريضة، الّذي يوحّد بين الممارسين لها في فرحة الانتصار على شهواتهم ونزعاتهم.

وفريضة الزكاة تنشأ بصورة مواكبة لعلاقة الإنسان بربّه علاقة له بوليّ الأمر الّذي يدفع إليه الزكاة، أو بالفقير، أو
 
 
 
 
 
 
 
43

39

عبادتنا

 المشروع الخيريّ الّذي يموّله من الزكاة مباشرة.


وهكذا نُلاحظ أنّ العلاقة الاجتماعيّة تتواجد غالباً بصورة وأخرى إلى جانب العلاقة العباديّة بين الإنسان العابد وربّه في ممارسة عبادية واحدة وليس ذلك إلّا من أجل التأكيد على أنّ العلاقة العباديّة ذات دور اجتماعي في حياة الإنسان.

ويبلغ الجانب الاجتماعي من العبادة القمّة فيما تطرحه العبادة من شعارات تُشكِّل على المسرح الاجتماعي رمزاً روحيّاً لوحدة الأمّة وشعورها بأصالتها وتميُّزها فالقبلة أو بيت الله الحرام شعار طرحته الشريعة من خلال ما شرّعت من عبادة وصلاة، ولم يأخذ هذا الشعار بعداً دينيّاً فحسب، بل كان له أيضاً بعده الاجتماعي بوصفه رمزاً لوحدة هذه الأمّة وأصالتها.

هذه ملامح عامّة للعبادات في الشريعة الإسلاميّة. وهناك إضافة إلى ما ذكرنا من الخطوط العامّة أدوار وملامح تفصيلية لكلِّ عبادة، فإنّ لكلٍّ من العبادات الّتي
 
 
 
 
 
 
 
44

40

عبادتنا

 جاءت بها الشريعة آثاراً وخصائص وألواناً من العطاء للإنسان العابد، وللمسيرة الحضاريّة للإنسان على العموم.


الخلاصة:

أوّلاً: تُعتبر عبادتنا الّتي أمرنا الله سبحانه وتعالى القيام بها حاجة إنسانيّة ثابتة وضروريّة في كلّ زمان ومكان، والالتزام في أدائها بالشكل السليم والصحيح هو حقيقة إشباع لحاجاتنا الثابتة في تربيتنا الإنسانيّة، وعلاج لكثير من مشاكلنا المتراكمة تأريخيّاً.

ثانياً: إنّ تطوّر العصر وحداثته لا يُغيّر من جوهر ومضمون المحتوى العباديّ التشريعيّ، بل أصبح إنسان اليوم أكثر حاجة لعلاقته بربّه من خلال استفادته من البُعد التربويّ والعقائديّ الّذي يصقله من خلال ممارساتِه العباديّة.

ثالثاً: هناك العديد من الحاجات الثابتة لهذا الإنسان هي بحاجة إلى إشباعها وتلبية متطلّباتها، والطريق إلى ذلك هو المنظومة العباديّة الّتي جاء بها الإسلام. ومن تلك
 
 
 
 
 
 
 
45

41

عبادتنا

 الحاجات الثابتة لهذا الإنسان ما يلي:


1 - الحاجة الثابتة إلى الارتباط بالمطلق الحقّ والإيمان به سبحانه وتعالى.
2 - الحاجة الثابتة إلى تجاوز الذات الفرديّة والمصالح الشخصيّة والعمل من أجل الآخرين.
3 - الحاجة الثابتة إلى الشعور الداخليّ بالمسؤوليّة كضمان للتنفيذ.

رابعاً: تتضمّن العبادات باختلاف أنواعها مجموعة ملامح وعناصر مشتركة فيما بينها، منها:

1 - العنصر الغيبيّ في العبادات والّذي له دور في تقوية العلاقة بين الإنسان وربّه.
2 - العنصر الشموليّ في العبادات والّذي يُغطّي مساحة الحياة كلّها وفي جميع الميادين والمجالات.
3 - العنصر الحسّيّ في العبادات إلى جانب العنصر العقليّ، وهما يُمارسان دور إشباع وتلبية الحاجتين الحسّيّة والعقليّة لهذا الإنسان.
 
 
 
 
 
 
 
46

42

عبادتنا

 4- العنصر الاجتماعيّ في العبادات، والّذي له دور أساس في توثيق العرى بين الناس وترسيخ صلاتهم الروحيّة والأخويّة، فضلاً عن إبراز وحدة الأمّة واستقلال شخصيّتها الإيمانيّة.

 

 

 

 

47


43

الفهرس

 

المقدّمة

5

عبادتنا حاجة إنسانيّة ثابتة وضروريّة

9

النقطة الأولى: الارتباط بالمطلق مشكلة ذات حدّين

15

النقطة الثانية: الإيمان بالله تعالى هو العلاج

18

النقطة الثالثة: العبادات هي التعبير العمليّ للإيمان بالمطلق

23

ثالثاً: الحاجة إلى الشعور الداخليّ بالمسؤوليّة كضمان للتنفيذ

30

بعض الملامح العامّة للعبادات

34

1 - الغيبيّة في تفاصيل العبادة

35

2 - الشمول في العبادة

36

3 ـ الجانب الحسّي في العبادة

39

4 ـ الجانب الاجتماعي في العبادة

42

الخلاصة

45

 

 

 

 

 

48


44
عبادتنا