إصلاح المجتمع


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-07

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


الفهرس

 

المقدّمة

7

الفصل الأوّل: خير الأمم

11

سبب الغضب الإلهيّ

11

شرط الفوز بالجنّة والنجاة من النار

14

المؤمن القويّ

14

إصلاح المجتمع

15

الفصل الثاني: ما هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

17

ما هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

19

متى يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

20

هل تُشترط العدالة؟

25

مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

27

 

 

 

 

5


1

الفهرس

 

الفصل الثالث: معاقل الفساد

31

النفس الإنسانيّة والأنانيّة

33

تدمير الإنسانيّة

36

الفساد الفكريّ

37

أدوات الفساد ومفرداته

38

مواجهة الفساد

42

الفصل الرابع: أبواب الصلاح

45

أُسس الصلاح

47

أساليب الإصلاح ووسائله

50

الاستفادة من المناسبات السنويّة

54

الخاتمة

55

 

 

 

 

 

6


2

المقدمة

 المقدمة

 
إصلاح المجتمع هي عبارة تختصر رسالة الأنبياء عليهم السلام الّتي أرسلهم الله سبحانه وتعالى بها، فتحمّلوا ما تحمّلوه من عذاب وجهاد ومواجهة طواغيت وإرشاد للعباد، ليصلوا إلى المجتمع الصالح.

وإصلاح المجتمع هو الأمل الّذي يدغدغ قلب كلّ مؤمن عاش يتطلّع إلى اللّحظة الّتي يغمر فيها العدل الإلهيّ هذه المعمورة.

ولكنّ الأمل دون عمل نوع من أنواع غبن النفس، فعلى الإنسان أن يسعى لتحقيق هذا الهدف. وقد رسم الله سبحانه وتعالى لنا الطريق الّذي تختصره كلمة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو لطفٌ إلهيّ إذا التزم به الإنسان استطاع أن يحقّق أمل الأنبياء عليهم السلام والأولياء وعباد الله الصالحين بمجتمع صالح تملؤه القيم الإنسانيّة الّتي تكفل سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.

ويسرّ مركز نون للتأليف والترجمة أن يُقدّم هذا الكتاب الّذي يُعبّر عن فكر الإمام الخمينيّ قدس سره في هذا الموضوع المهم، هذا الإمام العظيم الّذي استطاع أن يحاكي العصر ويكشف معاقل الفساد
 
 
 
 
 
 
 
7

3

المقدمة

 ومفرداته ووسائله ليحذّر الناس منها ويوجّههم لمواجهتها بالشكل المناسب، علّنا إذا التزمنا بهذه الكلمات استطعنا أن نحقّق دورنا في هذا المجتمع...

 

مركز نون للتأليف والترجمة
 
 
 
 
 
 
 
8

4

الفصل الأوّل: خير الأمم

 الفصل الأول: أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

 
خير الأمم
سبب الغضب الإلهيّ
شرط الفوز بالجنّة والنجاة من النار
المؤمن القويّ
إصلاح المجتمع
 
 
 
 
 
 
 
 
9

5

الفصل الأوّل: خير الأمم

 خير الأمم

 

 

﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ1.
 
إنّ الأمّة الإسلاميّة ـ كما يصرّح القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة ـ هي خير الأمم، خير من كلّ الأمم الّتي توالت على البشريّة، أو أيّ أمّة يمكن أن توجد وتخرج للناس. ثم يعدّد بعد ذلك صفات ومميزات هذه الأمّة حيث يقول تعالى: "تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ"، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من المميزات الأساس الّتي جعلت هذه الأمّة خير أمّة أخرجت للناس.
ولئن كانت التقوى هي ميزان التفاضل بين الأفراد ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ2 فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من موازين التفاضل بين الأمم كما يتبيّن من الآية السابقة.
 
سبب الغضب الإلهيّ
 
إنّ جزاء أعمال الإنسان يكون عادة في الآخرة وليس في الدنيا. ولكن هناك نوع من المعاصي عجّل الله تعالى العذاب لمرتكبيها في
 
 

1- سورة آل عمران، الآية: 110.
2- سورة الحجرات، الآية: 13.
 
 
 
 
 
 
 
11

6

الفصل الأوّل: خير الأمم

 الدنيا أيضاً فشملهم الغضب الإلهيّ في الدنيا والعقاب في الآخرة، وهذا ما حصل للكثير من الأمم السابقة الّتي يُحدّثنا عنها القرآن الكريم. فما هي المرحلة الّتي إذا وصلت إليها الأمّة استحقت العذاب الدنيويّ والغضب الإلهيّ بهذا الشكل؟

 
إنّ الغضب الإلهيّ الّذي نزل على الأمم السابقة كان السبب الأساس فيه تركها فريضة النهي عن المنكر. وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: "فإنّ الله سبحانه لم يلعن القرون الماضية بين أيديكم إلّا لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلعن الله السفهاء لركوب المعاصي، والحلماء لترك التناهي"1.
 
فعندما تركوا النهي عن المنكر نزل العذاب على الأمّة كلّها بما فيها من سفهاء وحلماء، فاسقين ومتدينين ـ بحسب الظاهر ـ، فاستحق أهل المعصيّة العذاب بسبب ما ارتكبت أيديهم، واستحق الآخرون أيضاً العذاب لأنّهم رؤوا المنكرات ولم يحرّكوا ساكناً للإصلاح.
 
يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ2.
 
فالعذاب سيأخذ الجميع ولن يُستثنى منه إلّا فئة واحدة، فمن هي هذه الفئة؟ هل هم المتديّنون الّذين يؤدّون الصلاة والصيام ويعيشون ضمن دائرة "ما يعنيهم" دون أن يحرّكوا ساكناً للقيام بدورهم 
 
 

1- نهج البلاغة، ج 2، ص 156.
2- سورة الأعراف، الآية: 165.
 
 
 
 
 
 
 
12

7

الفصل الأوّل: خير الأمم

 الإيجابي المصلح في المجتمع؟

 
كلّا، الآية الكريمة تؤكّد أنّ الّذين ينجون هم فقط المتديّنون "الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوء". فالّذي التزم بفريضة النهي عن المنكر هو الّذي سينجو، وكلّ الآخرين سيشملهم العذاب سواء كانوا ممن تلوّثت أيديهم بالمعاصي، أم من الّذين لم تتلوّث أيديهم ولكنّهم رأوا المعاصي فسكنوا إليها ورضوا بها، لأنّ إصلاح الآخرين هو أيضاً تكليف، وتركه معصية، وإلى ذلك أشار الإمام الخمينيّ قدس سره في كلماته حيث يقول: "كما أنّ كلّ فرد مطالب بإصلاح نفسه، فإنّه مطالب أيضاً بإصلاح الآخرين"1 .
وهذه الأمّة ليست مستثناة من ذلك، فلو ترك المسلمون فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استحقوا العذاب الإلهيّ، فقد ورد عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرّ، فإذا لم يفعلوا ذلك نُزعت منهم البركات، وسُلّط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء"2.
 
إنّ هذه الروايّة تشير إلى الارتباط الغيبيّ بين المعاصي والمشاكل الدنيويّة "نُزعت منهم البركات وسُلّط بعضهم على بعض". فالمشاكل الاقتصاديّة والفتن بين الناس بالإضافة إلى أسبابها الطبيعيّة لها ارتباط بالنهي عن المنكر، وهي نوع من العقاب الإلهيّ لترك هذه الفريضة. 
 
 
 

1- الكلمات القصار، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 245.
2- وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج11، ص 399.
 
 
 
 
 
 
 
13

8

الفصل الأوّل: خير الأمم

 وعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر، أو ليعمنّكم عذاب الله"1.

 
شرط الفوز بالجنّة والنجاة من النار
 
هناك أمور تعتبر مفصليّة في تحديد مصير الإنسان ليكون من أهل الجنّة والكرامة الإلهيّة، أو يكون من الخاسرين من أهل النار والذل الأبديّ. وقد حدّدت سورة العصر هذه الأمور الأساس، حيث أقسم تعالى بالعصر أنّ الإنسان لفي خسر إلّا من كانت فيه صفات أساس ذكرها في السورة الكريمة، ومن هذه الصفات التزامه بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ 2 فلن يخرج من الخاسرين ليدخل في الرابحين إلّا الّذين كانوا يوصون بعضهم بعضاً باتباع الحقّ، وهو فعل المعروف وترك المنكر. يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "الدعوة إلى الحقّ هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي واجب على جميع المسلمين"3.
 
المؤمن القويّ
 
أداء هذه الفريضة يشكّل أساساً في صنع شخصيّة الإنسان المسلم المؤمن القويّ في طاعة الله تعالى، حيث يقول الإمام عليّ عليه السلام في
 
 
 

1- وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 16، ص 135.
2- سورة العصر.
3- الكلمات القصار،الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 105.
 
 
 
 
 
 
14

9

الفصل الأوّل: خير الأمم

 وصيته للإمام الحسن عليه السلام: "وأمر بالمعروف تكن من أهله، وأنكر المنكر بيدك ولسانك وباين من فعله بجهدك"1. فإنّ أداء هذه الفريضة سيؤثّر في تعميق الالتزام بالحكم الشرعيّ في نفس الإنسان الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر، وسيجعله واقفاً بقوّة عند الحدود الشرعيّة، ثابتاً لا تهزّه رياح الأهواء. وأمّا من ترك هذه الفريضة فسيكون كما أخبرت عنه الروايّة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الله ليبغض المؤمن الضعيف الّذي لا دين له، فقيل له: وما المؤمن الّذي لا دين له؟ قال: الّذي لا ينهى عن المنكر"2.

 
إصلاح المجتمع
 
كلّ هذا الاهتمام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر! لماذا يا ترى؟
 
لعلّ كلمات سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام توضح ذلك عندما يقول: "إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي"3.
 
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيلقي بظلاله على المجتمع كلّه، ولن تتوقّف فوائده عند حدود الفرد، بل ستتعدّاه: فهو شرط أساس لتحقيق المجتمع الإسلاميّ السليم، وبه قوام الدين في المجتمع، فعن 
 
 
 

1- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 12، ص 190.
2- الكافي، الكليني، ج 5، ص 59.
3- بحار الأنوار، المجلسي، ج 44، ص 329.
 
 
 
 
 
 
15

10

الفصل الأوّل: خير الأمم

 أمير المؤمنين علي عليه السلام: "قوام الشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود"1.

 
وعن الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحلّ المكاسب وتردّ المظالم وتعمر الأرض ويُنتصف من الأعداء ويستقيم الأمر"2.
 
بل إنّنا نجد الروايات تؤكّد على أنّ تسلّط الفاسقين على بلاد المسلمين إنّما كان بسبب ترك هذه الفريضة، فلو أنّ الناس التزموا بها لما وصل أمثال هؤلاء ليكونوا حكّاماً على البلاد الإسلاميّة، فعن الإمام الرضا عليه السلام: "لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر، أو ليُستعملنَّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يُستجاب لهم"3.
 
على ضوء هذه الحقائق الشرعيّة انطلق الإمام الخمينيّ قدس سره في العديد من كلماته ليوجّه الناس ويؤكّد عليهم الالتزام بهذه الفريضة؛ ليتحقّق إصلاح المجتمع الّذي يطمح إليه كلّ مسلم رساليّ يحمل في قلبه همّ هذه الأمّة، يقول قدس سره: "حاولوا أن تطبقوا أحكام الإسلام، وأن تدفعوا الآخرين أيضاً للعمل بها، فكما أنّ كلّ إنسان مكلّف بإصلاح نفسه فإنّه مكلّف بإصلاح الآخرين، وهذا هو الهدف من مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكي يتمّ إصلاح المجتمع"4.
 
 
 

1- ميزان الحكمة، الريشهري، ج 3، ص 1940.
2- الكافي، الكليني، ج 5، ص 56.
3- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 16، ص 118.
4- منهجيّة الثورة الإسلاميّة، ص 365.
 
 
 
 
 
 
 
16

11

الفصل الثاني: ما هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

 الفصل الثاني: ما هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

 
 
متى يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
هل تُشترط العدالة؟
عدم التهاون والبحث عن الأعذار؟
من الذي يقوم بهذه الوظيفة؟
مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
 
 
 
 
 
 
 
 
17

12

الفصل الثاني: ما هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

 ما هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

 
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره:
 
"الدعوة إلى الحقّ هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي واجب على جميع المسلمين"1 .
 
لكن ما المقصود من الدعوة للحقّ بالتحديد؟
 
إنّ الدعوة للحقّ هي الدعوة للالتزام بالأحكام الشرعيّة الّتي تنقسم إلى واجب ومحرّم ومستحبّ ومكروه ومباح. 
 
فهناك خمسة أحكام إلهيّة شرعيّة لا بُدّ أن يتّصف عمل الإنسان بأحدها وهي:
 
الواجب: وهو العمل المطلوب فعله والّذي لا يرضى الله تعالى بتركه، ويستحقّ الإنسان العقاب الأخرويّ إذا تركه.
 
المستحبّ: وهو العمل المطلوب فعله ولكن يأذن الله تعالى بتركه، ولا يستحقّ الإنسان العقاب الأخرويّ إذا تركه.
 
المباح: وهو العمل الّذي لم يطلب الله تعالى من الإنسان فعله أو تركه.
 
الحرام: وهو العمل الّذي نهى الله تعالى الإنسان عن ارتكابه، فإذا ارتكبه الإنسان استحقّ النار والعذاب الأخرويّ.
 
 

1- الكلمات القصار، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 105.
 
 
 
 
 
 
 
 
19

13

الفصل الثاني: ما هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

 المكروه: وهو العمل الّذي نهى الله تعالى الإنسان عن ارتكابه ولكنّه في نفس الوقت يأذن بفعله، ولا يستحقّ الإنسان النار والعذاب الأخرويّ إذا ارتكبه.


فيجب دعوة الناس إلى فعل الواجب وترك الحرام، ويُستحبّ دعوتهم لفعل المستحبّات وترك المكروهات.

فحركة الدعوة إلى الالتزام بالأحكام الشرعيّة، سواء كانت واجبة (فعل الواجب وترك الحرام) أم كانت مستحبّة (فعل المستحب وترك المكروه) تسمّى أمراً بمعروف ونهياً عن منكر.

متى يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

عندما نتحدّث عن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكـر، قد يُبادر الكثير من الناس ليتساءل عن وجوب أداء هذه الفريضة في حال إمكانيّة تعرّض الإنسان لموقف سـلبيّ أو خـوف الضـرر، أو قد يُـبادر آخرون ليسألوا عن بعض الحالات الّتي لا أمل في إمكانيّة التأثير فيها، كما لو استنفدنا كلّ الطرق للنهي عن منكر ما ولم نصل إلى نتيجة، فهل يجب الاستمرار والنهي مرّة بعد أخرى رغم علمنا بعدم تأثر الطرف المقابل؟

الله سبحانه وتعالى لا يُريد لنا الضرر، ولا يُريد لنا أن نشغل أنفسنا ونستنزف أوقاتنا في مورد معيّن لا فائدة منه. لذلك وضع قيوداً وشرائط لوجوب هذه الفريضة، فإن تحقّقت هذه الشرائط يجب على الإنسان أن يُبادر ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وإذا لم تتحقّق
 
 
 
 
 
 
20

14

الفصل الثاني: ما هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

 سقط عنه التكليف. وبالإضافة إلى الشروط العامّة الّتي تُشترط في كلّ تكليف كالبلوغ والعقل، وهناك شرائط أخرى خاصّة بهذا الباب يجب توفرها ويمكن تلخيصها بما يلي:

 
1 ـ العلم والمعرفة
 
العلم والمعرفة هما من الشرائط الأساس للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا الشرط يجب تحقّقه في طرفين:
 
أ- علـم الآمـر الـنـاهـي: فيجب عليك أن تتعلّـم أوّلاً ما هـو الحـلال وما هو الحرام وما هـو الـواجـب ومـا هـو المبـاح، فـإذا اسـتطعت أن تميّز بينها بشكل واضح عندها تتصدّى لمهمّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأمّا مع عدم علمك وشكّك وترددك في أنّ هذا الأمر هـو واجب أو لا وذاك الآخر محرّم أم مباح، فلا تستطيع أن تأمر الناس مع شكّك به.
 
فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلّا من كان فيه ثلاث خصال: رفيق بما يأمر به رفيق بما ينهى عنه، عدل فيما يأمر به عدل فيما ينهى عنه، عالم بما يأمر به عالم بما ينهى عنه"1.
 
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "صاحب الأمر بالمعروف يحتاج إلى أن يكون عالماً بالحلال والحرام"2.
 
 
 

1- بحار الأنوار، المجلسي، ج 97، ص 87.
2- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 12، ص 214.
 
 
 
 
 
 
 
21

15

الفصل الثاني: ما هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

 ب- علم مرتكب الحرام: فإذا فعل فعلاً محرّماً مع عدم علمه بحرمته، فعليك أن تعلّمه أوّلاً أنّه حرام.

 
ولكن إذا أصرّ على فعل المحرّم بعد علمه يجب أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
 
ملاحظة: لو كان هناك مسألة مختلف فيها بين المراجع العظام وكان مرجعه يقول بالحرمة لم يجز له أن ينهى عن هذه المسألة الشخص الّذي يقلّد المرجع الآخر القائل بالجواز، وإذا لم يعرف من يقلّد لم يجب عليه ـ بل لم يجز له ـ نهيه أيضاً.
 
2 ـ احتمال التأثير
 
فإذا كان يائساً من إمكانيّة التأثير بأيّ أسلوب كان، سقط الوجوب عنه، ولا يكفي الظنّ بعدم التأثير إذا لم يصل إلى حالة اليأس من ذلك، فيجب عليه النهي عن المنكر حتّى لو ظنّ بعدم التأثير. 
 
وهناك عدّة نقاط ينبغي الالتفات إليها:
 
أ- إذا كان التأثير لا يحصل إلّا مع تكرار النهي عن المنكر عدّة مرات وجب النهي عن المنكر.
 
ب- لو علم أو احتمل تأثيره في تقليل المعصيَة لا قلعها، يجب عليه ذلك.
 
ج- إذا كان التأثير لا يحصل إلّا إذا نهاه عن المنكر علناً وأمام الناس، فإنّ كان الفاعل متجاهراً بمعصيته جاز نهيه أمام الناس بل يجب ذلك، وأمّا إن لم يكن متجاهراً فيُشكل شرعاً نهيه أمام الناس.
 
 
 
 
 
 
22

16

الفصل الثاني: ما هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

 د- إذا كان التأثير لا يحصل إلّا من خلال ارتكاب المحرّم في نهيه لا يجوز، ذلك وسقط وجوب النهي عن المنكر، إلّا إذا كان المنكَر مهماً جدّاً لا يرضى الله به كيفما كان كقتل النفس المحترمة، فإذا توقّف نهيه عن القتل على الدخول في الدار المغصوبة مثلاً، وجب الدخول. 


3 ـ الأمن من الضرر

يجب أن لا يكون هناك ضرر مترتّب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فإذا علم أو حتّى احتمل الضرر ـ احتمالاً يترتّب عليه الخوف عادةً ـ لم يجب عليه ذلك.

المقصـود مـن الضـرر هـو الضـرر المـاديّ المتوجـّه على النفـس أو العرض أو المال، سـواء كـان سـيصيب نفس الآمر الناهي أم غيره من المؤمنين.
ومثل احتمال الضرر الماديّ احتمال الوقوع في الحرج والشدّة.

واحتمال الضرر يرفع التكليف إذا لم نكن متيقّنين من فائدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي أنّ هذا الشرط مختصّ بالأمر والنهي في صورة احتمال التأثير.

أمّا إذا كنّا متأكّدين من التأثير فعلينا أن نقوم بتقييم المنكر والضرر، ونقدّم الأهمّ. فيمكن في بعض الحالات تقديم النهي عن المنكر حتّى لو كنّا متأكّدين من تضرّرنا بسبب ذلك.

عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّما هو على القويّ المطاع 
 
 
 
 
 
 
 
23

17

الفصل الثاني: ما هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

 العالم بالمعروف من المنكر، لا على الضعفة الّذين لا يهتدون سبيلاً..."1.

 
هذا في المنكرات العاديّة، وأمّا الأمور الخطيرة جدّاً، الّتي لا يرضى بها الله بحال من الأحوال فتهون النفوس عندها وتجب حتّى لو أدّت للاستشهاد، كحفظ نفوس المسلمين وأعراضهم والمنع من محو آثار الإسلام وشعائره كبيت الله الحرام، ففي مثل هذه الأمور يجب مراعاة الأهمّ ولا يكون مجرّد الضرر رافعاً للتكليف.
 
4 ـ الإصرار على الاستمرار (ولو مرّة واحدة)
 
فيجب أنّ نعلم أنّه لا زال مستمرّاً على هذه المعصيّة مصرّاً عليها، أو على الأقلّ نعلم بأنّه كان يبني على ذلك، ففي هذه الصورة يجب نهيه عن المنكر.
وأمّا إذا علمنا أنّه ترك هذه المعصيّة لم يجب نهيه عنها. ويمكن معرفة ذلك من خلال إظهاره التوبة والندامة، أو من خلال قيام بيّنة على ذلك (شهادة عدلين) أو حصول العلم والاطمئنان لدينا بسبب من الأسباب. بل يكفي مجرّد ظنّنا أو حتّى الشكّ بأنّه ترك هذه المعاصي (إذا لم يظهر منه الإصرار عند ارتكاب المعصيَة على الاستمرار بها) ففي هذه الصورة يسقط الوجوب أيضاً.
 
وإذا علمنا قصده ارتكاب معصيَة معينة فالظاهر وجوب نهيه وإن لم يرتكبها إلى الآن.
 
 

1- بحار الأنوار، المجلسي، ج 97، ص 93.
 
 
 
 
 
 
24

18

الفصل الثاني: ما هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

 هل تُشترط العدالة؟


لا بدّ أن يحاول الإنسان أن ينصح نفسه قبل أن ينصح الناس، وأن يهديها قبل هداية الناس، فنفسه أحقّ بذلك من غيرها بالنسبة إليه، وقد أكّدت الروايات على ذلك، ولكن هل هذا يعني أنّ الّذي لا يقوم بالواجبات ويقع في المحرّمات لا يمكنه أن ينهى غيره عن هذه المحرّمات ويأمره بامتثال الواجبات، وبالتالي فهل يشترط في الآمر بالمعروف العدالة؟ 

الحقيقة أنّ العدالة ليست شرطاً، فيجب على الإنسان أن ينهى الناس عن المنكر، وهذا تكليف منفصل تماماً كباقي التكاليف، فالّذي يصلّي ولا يصوم لا نقول له اترك الصلاة لأنّك لا تصوم، بل نقول له استمر في صلاتك واهتمّ بتأديّة الصيام أيضاً، كذلك الّذي يرتكب المعاصي لا نشجعه على معصيَة جديدة نتيجة ترك النهي عن المنكر، بل عليه أن يقوم بهذه الوظيفة ولكنّنا في نفس الوقت نشجّعه على الالتزام بالمعروف وترك المنكر.

عدم التهاون والبحث عن الأعذار

يجب أن لا يبحث الإنسان المؤمن عن الأعذار ليترك فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمرّة يتعلل بأنّه لا يحتمل التأثير وأُخرى بأنّه لا يأمن الضرر... وهو في الحقيقة يفرّ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويبحث عن الأعذار! فلا بدّ من الدقّة في هذه الأمور وتوخّي الحذر، فالشرائط متحقّقة عادة. وضع دائماً نصب عينيك الرواية
 
 
 
 
 
 
 
25

19

الفصل الثاني: ما هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

 المرويّة عن الإمام الباقر عليه السلام حيث روي عنه أنّه قال: "يكون في آخر الزمان قوم يتبع فيهم قوم مراؤون يتقرّأون ويتنسّكون حدثاء سفهاء، لا يوجبون أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر إلّا إذا أمنوا الضرر، يطلبون لأنفسهم الرخص والمعاذير"1. واحذر أن تكون أنت ممّن يقصده الإمام عليه السلام في هذه الرواية.

 
واعلم بأنّه حتّى مع عدم تحقّق الشروط وسقوط فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإنّ الرضا بالمنكر في القلب محرّم شرعاً، بل لا يبعد وجوب كراهة ذلك قلبيّاً، وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله عزّ وجلّ بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها، فلما انتهيا إلى المدينة وجدا رجلاً يدعو الله ويتضرّع... فعاد (أحد الملكين) إلى الله فقال: يا ربِّ! إنّي انتهيت إلى المدينة فوجدت عبدك فلاناً يدعوك ويتضرّع إليك، فقال: امضِ لما أمرتك به، فإنّ ذا رجل لم يتمعّر2 وجهه غيظاً لي قطّ"3.
 
من الّذي يقوم بهذه الوظيفة؟
 
إنّ وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كفائيّ، فإذا قام به بعض الأشخاص بشكل كافٍ سقط عن الآخرين، وإلّا كان الجميع مطالبين ومأثومين لتركهم هذه الفريضة. فيجب على الإنسان القيام به إذا لم يقطع أو يطمئنّ بقيام غيره به بشكل كافٍ.
 
 
 

1- الكافي، الكليني، ج 5، ص 55.
2- يتمعّر: أي لم يتغيّر من التألم والغضب.
3- م. ن، ج 5، ص 58.

 
 
 
 
 
26

20

الفصل الثاني: ما هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

 ولو فرض أنّه هو الشخص الوحيـد القـادر علـى التأثـير علـى مرتكب الحرام دون غيره وجب عليه القيام بهذه الفريضة، ولا يكفي تصدّي غيره لها. ولا فرق في وجوب الإنكار بين المعاصي الكبيرة والصغيرة.

 
وهناك بعض المنكرات لا يمكن النهي عنها إلّا من خلال العمل الجماعيّ، فلو توقّف النهي عن المنكر على اجتماع المؤمنين والقيام بعمل جماعيّ وجب عليهم ذلك، يقول الله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ1.
 
مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
 
هناك ثلاث مراتب لهذه الفريضة وهي:
 
الأولى: الانزجار القلبيّ
 
أن يُظهر انزجاره القلبيّ لفاعل المنكر بشكلٍ يظهر معه طلب ترك المنكر، وله درجات كغمض العين والعبوس والإعراض بوجهه أو بدنه وهجره وترك مراودته ونحو ذلك...
 
يجب الاقتصار على هذه المرتبة إذا كانت كافية، ويجب الاقتصار فيها على الدرجة الدانية فالدانية، والأيسر فالأيسر، لا سيّما إذا كان يلزم الهتك.
 
 
 

1- سورة آل عمران، الآية: 104.
 
 
 
 
 
 
27

21

الفصل الثاني: ما هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

 الثانيّة: الإنكار باللسان


ويجب مراعاة الأيسر, فالأيسر فلو احتمل حصول المطلوب بالوعظ والإرشاد والقول اللين يجب ذلك ولا يجوز الغلظة في القول والتشديد، فإذا لم يمكن رفع المنكر إلّا من خلال غلظة القول والتشديد في الأمر والتهديد يجوز بل يجب ذلك. 

ولا يجوز أن يتّخذ أسلوب السباب والكذب والإهانة، إلّا إذا كان المنكر من النوع الّذي لا يرضى الله تعالى بحصوله مطلقاً، كقتل النفس المحترمة وارتكاب القبائح والكبائر والموبقات.
فإن كان المنكر من هذا النوع وجب النهي ولو بهذه الأساليب مع عدم إمكان غيرها.

وإذا كانت بعض مراتب القول أقل إيذاءً من المرتبة الأولى، كما لو فرض أن الوعظ والإرشاد بقول ليّن ووجه منبسط مؤثّر وأقلّ إيذاءً من الهجر والإعراض وجب القول ولم يجز الهجر، وهذا يختلف بحسب الأشخاص، والتشخيص بيد المكلّف.

الثالثة: الإنكار باليد

والمقصود الإنكار من خلال القدرة والعمل، ولو أمكن ذلك من خلال الحيلولة بينه وبين المنكر لم يجز التعدّي إلى الأكثر إذا كانت أقلّ محذوراً من غيرها. ويجب حتّى لو استلزم تصرّفاً به أو بآلة فعله ـ مع عدم كفايّة الأقلّ ـ، كأخذ يده أو طرده أو التصرّف في كأسه الّتي فيها الخمر أو سكّينه ونحو ذلك جاز بل وجب. 
 
 
 
 
 
 
 
28

22

الفصل الثاني: ما هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

 وينبغي هنا الالتفات إلى عدّة نقاط:

 
أ- لو توقّفت الحيلولة على حبسه في محلّ أو منعه عن الخروج من منزله جاز، بل وجب مراعياً الأيسر فالأيسر ولا يجوز إيذاؤه والتضييق عليه.
 
ب- لو لم يحصل المطلوب إلّا بالتضييق عليه وإيقاعه في الحرج فيجب ذلك.
 
ج- إذا استلزم منعه دخول بيته واستعمال أملاكه، يُشكّل ذلك إجمالاً1, إلّا إذا كان المنكر مهمّاً جدّاً كقتل النفس المحترمة.
 
د- إذا توقّف دفعه عن المنكر على كسر قارورة الخمر أو الصندوق الّذي فيه آلات القمار لم يَضمن، وأمّا إذا لم يكن الكسر ضروريّاً وأمكن دفعه من دونه لا يجوز الكسر وكان مأثوماً وضامناً إذا فعل.
هـ  لو لم يحصل المطلوب إلّا بالضرب والإيلام فالظاهر جوازهما مراعياً الأيسر فالأيسر.
 
و- لو كان النهي غير ممكن إلّا من خلال الجرح أو القتل لم يجز إلّا بإذن الإمام عليه السلام، وفي غيبة الإمام يُستأذن الفقيه الجامع للشرائط.
 
 

1- لا يجوز في بعض مراتب التصرّف في بعض المنكرات.
 
 
 
 
 
29

23

الفصل الثاني: ما هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

 ز. إذا كان المنكر ممّا لا يرضى الشارع بوجوده مطلقاً، كقتل النفس المحترمة فيجوز الجرح أو حتّى القتل، بل يجب من غير حاجة إلى الإذن. ومع كفايّة الجرح لا يجوز التعدّي إلى القتل1 .

 
 
 

1- تحرير الوسيلة، الإمام الخمينيّ قدس سره، ج 1، ص 480.
 
 
 
 
 
 
 
30

24

الفصل الثالث: معاقل الفساد

 الفصل الثالث: معاقل الفساد

 
 
النفس الإنسانيّة والأنانيّة
تدمير الإنسانيّة
الفساد الفكريّ
أدوات الفساد ومفرداته
مواجهة الفساد
 
 
 
 
 
 
 
 
31

25

الفصل الثالث: معاقل الفساد

 تمهيد

 
من المهمّ في البدايّة أن نلتفت لمفاتيح الفساد وأبوابه ومعاقله الّتي يُلجأ إليها، لأنّنا من خلال هذه المعرفة سنتمكّن من وضع علاج مناسب نسدّ من خلاله هذه الأبواب.
 
وقد أشار الإمام الخمينيّ قدس سره للعديد منها في كلماته، نذكر منها:
 
النفس الإنسانيّة والأنانيّة
 
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره:
 
"إنّ كلّ ما يصيب الإنسان والمجتمع من البلايا، إنّما هو بسبب المستكبرين، الّذين يدفعهم إلى ذلك هوى النفس والأنانيّة"1.
 
ويقول أيضاً:
 
"حبُّ النفس منشأ كلّ المفاسد الّتي ظهرت في البشريّة، منذ نشأتها وإلى يومنا هذا، بل وإنّها المنشأ فيما سيُصيبها إلى آخر وجودها"2.
 
يبدأ الفساد في داخل النفس الإنسانيّة حيث إنّها أرض يمكنها أن
 
 

1- الكلمات القصار، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 95.
2- م. ن.
 
 
 
 
 
 
 
33

26

الفصل الثالث: معاقل الفساد

 تكون مهيّأة لتقبّل الفساد، بل وتكون أرضاً خصبة له ينمو في أحضانها. فالنفس الإنسانيّة هي الدنيا الّتي توصف بالفساد وغيره ومنها تنطلق باقي الأمور، لذلك اهتمّ الإسلام بهذه النفس واعتبرها معياراً لتمييز الصالح من الفاسد، "إنّما الأعمال بالنيّات"، وقد اهتمّ بهذه النفس فأرسل الله تعالى الرسل لتزكيتها وحمّلهم الكتب السماويّة، ومن هنا فتربية النفس هي من أهمّ عوامل الصلاح، فعلينا أن لا نغفل عن الجانب التربويّ ونحن نتكلّم عن الصلاح والفساد. 

 
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره:
 
"جميع الاختلافات القائمة بين البشر هي بسبب عدم التزكية، وغاية البعثة أن تُزكّي الناس حتّى يتعلّموا بواسطة التزكية الحكمة، ويتعلّموا القرآن والكتاب، ولا يحدث الطغيان فيما لو تمّت التزكيّة. إنّ من يُصاب بالغرور لا يرى نفسه فانياً أبداً ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى1، فعندما يرى الإنسان نفسه ويرى لنفسه مقاماً ويرى لنفسه عظمة، فإنّ هذه الأنانيّة ورؤية النفس تكون سبباً للطغيان. وإنّ أساس كلّ هذا الاختلاف الموجود بين البشر، والاختلاف الحاصل بينهم حول الدنيا يعود إلى الطغيان الموجود في النفوس، وهذه مصيبة مبتلى بها الإنسان، مبتلى بنفسه وبأهوائه النفسانيّة"2.
 
وهكذا كلّما ازدادت أمراض الإنسان النفسانيّة صار أكثر فساداً،
 
 

1- سورة العلق، الآيتان: 6-7.
2- منهجيّة الثورة الإسلاميّة، ص 225.
 
 
 
 
 
 
34

27

الفصل الثالث: معاقل الفساد

 وكلّما ركن لهذه الأمراض واتّبع الأهواء المضلّة كلّما فتح أبواباً للمعاصي، وهذا ما حذّر منه الإمام الخمينيّ قدس سره في العديد من كلماته:

 
"المِلاك في الابتعاد عن الحقّ هو اتّباع الهوى"1.
 
"لنحذر الأهواء النفسانيّة، فإنّها ميراث الشيطان"2.
 
لماذا يتّبع الإنسان أهواء النفس وكيف يتخلّص منها؟
 
الأساس في هذه الأمور الأنانيّة، فالأنانيّة هي السبب الرئيس لكلّ آفّات النفس، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره:
 
"كلّ المفاسد الموجودة في العالم تعود إلى الأنانيّة"3.
 
ويقول أيضاً:
 
"ما دام الإنسان لا يرى سوى نفسه فإنّه لن يتمكّن من العثور على طريق الهداية"4.
 
فطريق الهداية الأساس هو أن يبتعد الإنسان عن أنانيّته ليغرق ويذوب في المجتمع ومصالحه وفي الإسلام وأحكامه. 
 
والتجربة الّتي ينقلها لنا القرآن الكريم في قصّة إبليس تؤكّد ذلك، فإنّ أساس الفساد الّذي وقع فيه بعد أن كان طاووس الملائكة هو وقوعه في الغرور والعجب وحبّ النفس، فعندما ظهرت فيه هذه المشكلة تبعتها كلّ المفاسد الأخرى العظيمة، الّتي وقع فيها وأغرى
 
 
 

1- الكلمات القصار، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 95.
2- م. ن.
3- م. ن، ص 100.
4- م. ن.
 
 
 
 
 
 
35

28

الفصل الثالث: معاقل الفساد

 أتباعه بها. وإلى ذلك يشير الإمام الخمينيّ قدس سره في قوله:

 
"الغرور والعجب إرث الشيطان"1.
 
تدمير الإنسانيّة
 
"إنّ أكبر ضربة أصابت بلادنا هي تدمير القوّة الإنسانيّة فمنعوها من النموّ والتكامل. وقد كثرت مراكز الفساد في طهران خاصّة والمدن الأخرى واشتدّت دعايتهم لجرّ شبّاننا إلى هذه المراكز، وأكثروا من فتح طرق الفساد العديدة أمام شبّاننا، إلى درجة كان فيها هذا الدمار يُعدّ أسوأ من كلّ أنواع الدمار الأخرى"2.
 
إنّ تدمير القوى الإنسانيّة داخل النفس هو من أهمّ أبواب الفساد، لأنّ النفس الإنسانيّة لا يمكنها أن تكون فاسدة، لذلك كان الشيطان وجنوده دائماً يركّزون على إزالة هذه القوى وإضعافها داخل الإنسان، لتحلّ محلّها قوى حيوانيّة وشريعة الغاب، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره:
 
"أرادت الأنظمة ـ تبعاً للأجانب ـ أن لا يصلح الإنسان في هذه الدول الشرقيّة. إنّهم يخافون من الإنسان. إنّهم لا يريدون أن يظهر حتّى إنسان واحد... يعمل لله ويحيا لله ويموت لله أيضاًَ... فلو أُعطي شيئاً لسأل من أين؟ وماذا هو؟ وهل صحيح استخدامه؟ هل جاءت هذه السيارة من طريق حلال أم حرام؟ خيانة أم أمانة؟ فهذا الإنسان الّذي يُفكّر بهذه الأمور، نحن نريد مثله" 3.
 
 

1- الكلمات القصار، الإمام الخمينيّ قدس سره, م. س، ص 100.
2- نهجيّة الثورة الإسلاميّة، ص 178.
3- م. ن، ص 182.
 
 
 
 
 
 
 
36

29

الفصل الثالث: معاقل الفساد

 الفساد الفكريّ

 
إنّ الفكر له الدور الأساس في صناعة خلفيّة الإنسان، الّتي يتحرّك من خلالها ليؤدّي دور الصلاح أو دور الفساد، لذلك كانت جبهة الفكر من أهمّ الجبهات الّتي يجري فيها تزيين الفساد لإقناع الناس باتّباعه من خلال رمي الشبهات والمفاهيم المغلوطة كمفهوم الحرّيّة ـ مثلاً ـ، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره مشيراً إلى ذلك:
 
"لنعلم جميعاً أنّ الحرّيّة على الطراز الغربيّ، تؤدّي إلى تدمير الشبّان، فتيات وفتية، وهي مدانة بنظر الإسلام والعقل... إنّهم يريدون من خلال كلمة الحرّيّة الّتي يلقونها في عقول الشباب أن يفرضوا سلطتهم عليكم ويسلبوا حرّيّتكم"1.
 
أو على الأقلّ إبعاد الناس عن الفكر الأصيل من خلال إلهائهم وإشاعة كلّ ما يُزيل العقل ويُميّع المجتمع ويلهيه عن تحمّل مسؤوليّاته، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره مشيراً إلى ذلك:
 
"كيف يقضون على قوّة الفكر؟ من خلال الإدمان على المشروبات الكحوليّة والهيروئين وأمثال ذلك من المخـدّرات الّتي تسـلب فكر الإنسـان، وتجعـل الإنسـان فارغـاً من كـلّ شـيء. وسـاهمت مراكز الفحشاء والفساد الّتي كانت منتشرة على طـول البـلاد وعرضهـا في إلهاء الشبّان بأمور الشهوة والغريزة الّتي كـانت تسـلب فكرهـم بشكل كامل"2.
 
 
 

1- منهجيّة الثورة الإسلاميّة، م. س، ص 359.
2- م. ن، ص 178.
 
 
 
 
 
 
37

30

الفصل الثالث: معاقل الفساد

 أدوات الفساد ومفرداته

 
إنّ الفساد لا يعرف حدوداً يقف عندها، فهو يحاول الاستفادة من كلّ فرصة متاحة لينتشر بين الناس، وله الكثير من الأدوات والوسائل والطرق. والحقيقة أنّنا نحتاج لجهاز يرصد مكامن فعاليته لنستطيع أن نضع البرامج المناسبة لرفعه بالشكل الصحيح.
 
وقد أشار الإمام الخمينيّ قدس سره للكثير من مفردات الفساد ووسائله وحذّر منها، فلنلقِ نظرة على بعضها ممّا ذكره الإمام قدس سره.
 
1ـ الإعلام
 
إنّ أهمّيّة الإعلام وخطره على الشعوب وقدرته على التأثير، من الأمور الواضحة في هذا الزمان والّتي لا يختلف عليها اثنان، سواء منها الإعلام المكتوب أم المسموع أم المرئيّ، فلكلّ منها أثره البالغ في مسلكيّة الإنسان ومنهجه وطريقته في الحياة، وبالتالي فلها أثر كبير في الصلاح والفساد. وهذه الوسائل الإعلاميّة كان الكثير منها على الدوام من أهمّ عوامل الفساد في المجتمع، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره:
 
"إنّ المجلّات من خلال مقالاتها وصورها الفاسدة، والصحف من خلال تسابقها في نشر مقالات غير ثقافيّة وغير إسلاميّة توجّه الناس ـ وخاصّة الشباب ـ نحو الشرق والغرب وتفتخر بذلك. إضافة إلى ذلك الدعاية الواسعة في ترويج مراكز الفساد والفجور ولعب القمار"1.
 
 

1- منهجيّة الثورة الإسلاميّة, م. س، ص 359.
 
 
 
 
 
 
 
38

31

الفصل الثالث: معاقل الفساد

 2ـ الفنّ المنحرف

 
إنّ للفنّ أثره البالغ أيضاً في النفوس، فهو قادر على ملامسة القلوب وتغيير الثقافات بطريقة هادئة وساكنة، ودون أن يلتفت المجتمع لذلك. وخطورته تنشأ من هذا الأسلوب الّذي يستبطن الكثير من الأفكار ويعلّم الكثير من المسلكيات بشكل غير مباشر، وفجأة سيجد المجتمع نفسه قد وقع في بؤرة الفساد والأفكار والمناهج المنحرفة، دون أن يجد 
عدوّاً أطلق هذه الأفكار بشكلٍ واضح. وقد حذّر الإمام الخمينيّ قدس سره من ذلك، فقال:
 
"نحن ضدّ السينما الّتي تؤدّي برامجها إلى إفساد أخلاق شبابنا وتخريب ثقافتنا الإسلاميّة"1.
 
3ـ مراكز الفساد
 
إنّ مراكز الفساد تُعتبر مصنع الفساد في المجتمع، والّتي تصبغ المجتمع بلونها الفاسد وتدعو شبابه للانحلال وتشجّعهم على الفساد والمعاصي، فكما كان هناك بيوت لطاعة الله سبحانه وتعالى أمر الله تعالى بإعمارها، فإنّ الإنسان وللأسف عمّر بيوتاً خاصّة بالمعاصي، يتفرّغ فيها الإنسان للمعصيّة. وتؤذّن في شبابنا ليل نهار تدعوهم إلى أحضان الجحيم.
 
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره:
 
"لقد فتحوا أبواب الفساد أمام شبّاننا وزادوا فيها. فنحن نشاهد
 
 

1- الكلمات القصار، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 243.
 
 
 
 
 
 
39

32

الفصل الثالث: معاقل الفساد

 بلادنا وأعلم بأنّ دولكم كذلك أيضاً. إنّنا نشاهد أنّ مراكز الفساد في بلادنا والّتي تجرّ الشبّان نحو الفساد وتقضي على أصالتهم هي كثيرة... فقد جرّدونا من كلّ شيء وسلبوا من شبّاننا الخاصّيّة الّتي يجب على الشبّان أن يمتلكوها، وأرادوا أن يأخذوا قوّة الشبّان منّا، ثمّ ليقوموا بعد ذلك بنهب ذخائرنا ليصبح شبّاننا لا مبالين" 1.

 
4ـ المرأة الفاسدة
 
إنّ الله تعالى قد ميّز المرأة بميزة التأثير المباشر على المجتمع، فالمرأة الصالحة بمجرّد حجابها وصلاحها تدعو الناس للحقّ بأعمالها قبل لسانها. ورؤيتها بحجابها واستحيائها مناسبة تذكّر الناس بالله سبحانه وتعالى وتدعوهم إليه، فهي داعية إلى الله تعالى بمجرّد صلاحها والتزامها بالحكم الشرعيّ.
 
والمرأة الفاسدة قادرة على التأثير أيضاً بشكلٍ كبيرٍ وواسع، فهي بفسادها تدعو كلّ من يراها إلى الفساد. فهي صوت متحرّك لإبليس يطرق سمع كلّ من يراها، وهي تدعو 
إلى البعد عن الله تعالى بهيئتها وأعمالها سواء تحرّك لسانها أم لم يتحرّك.
 
وهذا ما نبّه عليه الإمام الخمينيّ قدس سره حيث يقول:
 
"ثمّة امتيازات خاصّة لدور المرأة في العالم. إنّ صلاح وفساد المجتمع يُستمدّ من صلاح وفساد النسوة فيه"2.
 
 
 

1- منهجية الثورة الإسلاميّة، ص 178.
2- م. ن، ص 334.
 
 
 
 
 
 
40

33

الفصل الثالث: معاقل الفساد

 5ـ الاقتداء بالغرب

 
إنّ من أخطر الأمور أن يفقد الإنسان شخصيّته وثقته بنفسه، ليُصبح مجرّد مقلّد يقلّد ما يأتيه من الخارج عن غير وعي. وهذه المصيبة الأساس الّتي ألمّت بعالمنا الإسلاميّ في هذا العصر، حيث فقد ثقته بنفسه وفقد شخصيّته ليُصبح مجرّد مقلّد للغرب، مقلّد بامتياز، ويا ليته قلّد الغرب في اكتشافاته واختراعاته الّتي تُفيد البشريّة، لكان الأمر يستحقّ المدح والثناء، لكنّه لم يقلّد الغرب إلّا في الفساد والانحرافات والعيوب والثغرات الّتي يعيشها الغرب، تقليداً غير واعٍ ولا ينطلق من رؤية واضحة وعلميّة.
 
ولعلّ هذا الأمر يظهر بأخطر صوره في الجامعات، حيث حاول الغرب على الدوام وضع يده الثقافيّة عليها، ليحاصر الطلاب ويُصادر عقولهم ويفني شخصيّاتهم وثقتهم بأنفسهم. وقد حذّر الإمام الخمينيّ قدس سره من هذا الأمر ونبّه إلى خطورته في العديد من كلماته، حيث يقول قدس سره:
 
"من المؤلم والمؤسف أنّ الجامعات والثانويّات كانت تدار من قبل المتغرّبين والمتشرّقين الّذين ينفّذون خُططاً مرسومة لهم، باستثناء أقليّة مظلومة ومحرومة. وعلى أيدي هؤلاء كان يتلقّى أعزاؤنا التعليم والتربية، فكان قدر شبّاننا الأعزّة والمظلومين أن يتربّوا في أحضان هذه الذئاب العميلة للقوى الكبرى" 1.
 
 

1- منهجيّة الثورة الإسلاميّة، م. س، ص 269.
 
 
 
 
 
 
41

34

الفصل الثالث: معاقل الفساد

 وقد دعاهم الإمام قدس سره إلى الوثوق بأنفسهم والوقوف على أرجلهم من جديد:

 
"أيُّها المثقّفون الملتزمون والمسؤولون. تعالوا لنبذ التفرقة والتشتّت، وفكّروا بحال الناس، وأنقذوا أنفسكم من شرّ الشيوعيّة الشرقيّة والرأسماليّة الغربيّة لأجل نجاة هؤلاء الأبطال الّذين قدّموا الشهداء. قفوا على أقدامكم وإيّاكم والاتّكال على الأجانب"1.
 
ويقول أيضاً:
 
"ليكن همّكم أيُّها الجامعيّون الأعزاء هو الخروج من حالة الأسر للغرب، ولتبحثوا عمّا أضعتموه وهو هويّتكم الشخصيّة" 2.
 
ويفسّر الإمام قدس سره معنى الاستقلال وعدم التبعيّة فيقول:
 
"معنى أن تكون الجامعة إسلاميّة، هو أن تكون مستقلّة، وأن تفصل نفسها عن الغرب والشرق، فيكون لنا بذلك وطن مستقلّ وجامعة مستقلّة وثقافة مستقلّة"3.
 
مواجهة الفساد
 
إنّ الفساد ليس مسألة عابرة تعرض على مكان خاصّ ثمّ تزول، بل هو مرض خبيث مستشرٍ في جسم الأمّة، وانتزاعه ليس أمراً يسيراً، بل هو عسير وغير ممكن من دون وضع برامج متكاملة لمواجهته، وبيان وجهه الأسود وتشجيع الناس على تركه مع وضع البدائل الشرعيّة
 
 
 

1- منهجيّة الثورة الإسلاميّة، م. س، ص 278.
2- الكلمات القصار، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 269.
3- م. ن، ص 268.
 
 
 
 
 
 
42

35

الفصل الثالث: معاقل الفساد

 المناسبة، لأنّ الطاقة والوقت إن لم تصرفهما في الحلال فستجد الحرام قد ملأهما، لأنّ الحلال والحرام أشبه بالنقيضين اللذين إذا ارتفع أحدهما ثبت الآخر مكانه. 

 
وفي هذا الإطار علينا ملاحظة عدّة أمور نبّه عليها الإمام قدس سره:
 
1 ـ عموميّة المواجهة
 
كلّ الناس مكلّفون بالقيام بهذه الوظيفة؛ فحالة الفساد لا يستطيع أن يواجهها إلّا حالة صلاح ودعوة للصلاح تقف أمام أمواجها وتصدّ رياحها. فعمل الفرد إذا لم يتحوّل إلى حالة عامّة تلقي بظلالها على المجتمع لن يكون كافياً لتغيير وجهة المجتمع من الفساد إلى الصلاح.
 
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره:
 
"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كافّة أبناء الشعب"1.
 
فالمجتمع كلّه عليه أن يقوم بهذه الوظيفة حتّى تثمر بالشكل المطلوب.
 
2 ـ مواجهة الفساد من أوّل ظهوره
 
علينا أن نرصد الفساد لنواجهه من أوّل ظهوره، حيث يُمكن محاصرته قبل انتشاره في الأمّة ويمكن قطعه قبل قوّة ساعده. يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "إذا لم تقفوا بوجه الفساد منذ بداية
 
 
 

1- الكلمات القصار، م. س، ص 105.
 
 
 
 
 
 
43

36

الفصل الثالث: معاقل الفساد

 ظهوره، فليس من المستبعد أن نعود إلى ما كنّا عليه في السابق"1.

 
3 ـ تحطيم معاقل الفساد
 
"إنّ من يعمل على إفساد المجتمع ولا يرعوي عن ذلك إنّما هو غدّة سرطانيّة يجب فصلها عن المجتمع"2.
 
الإنسان الحكيم يجب أن يُفكّر في البداية كيف يوقف مصانع الفساد عن عملها، لتقف عند حدّ معيّن يبدأ بالتناقص بشكلّ تدريجيّ ليتمّ الإصلاح النهائيّ بعد فترة. 
 
يقول الإمام قدس سره: "كان مجيء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لتحطيم هذه المعاقل وقلع جذور الظلم، ومن جانب آخر ولأنّ الهدف بسط التوحيد، فقد قام صلى الله عليه وآله وسلم بهدم مراكز عبادة غير الخالق جلّ وعلا، ومراكز عبادة النار وأطفأ نيرانهم"3.
 
 

1- الكلمات القصار، م. س، ص 27 .
2- م. ن، ص 104.
3- منهجيّة الثورة الإسلاميّة، ص 52.
 
 
 
 
 
 
44

37

الفصل الرابع: أبواب الصلاح

 الفصل الرابع: أبواب الصلاح

 
 
أُسس الصلاح
أساليب الإصلاح ووسائله
الاستفادة من المناسبات السنويّة
 
 
 
 
 
 
45

38

الفصل الرابع: أبواب الصلاح

 أُسس الصلاح

 
هناك أمور تُعتبر أساس الصلاح وأبوابه وركائزه، ينبغي التركيز عليها، لأنّنا إن نجحنا في فتح هذه الأبواب بالشكل الصحيح، ستكون كلّ مفردات الصلاح سهلة التناول، وممكنة التحقّق.
 
أمّا إن لم نوفّق لعلاج هذه الأساسات فلن يمكننا أن نبني بيتاً قويّاً يواجه الرياح، بل كلّ ما نبنيه ربّما ينهار أمام أوّل اختبار قاسٍ. فما هي هذه الأساسات:
 
1ـ بناء النفس
 
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره:
 
"لقد بُعث الأنبياء من قبل الله تبارك وتعالى لتربية الناس وبناء الإنسان. وتسعى جميع كتب الأنبياء ـ وخاصّة القرآن الكريم ـ من أجل تربية هذا الإنسان، لأنّه بتربية الإنسان يتمّ إصلاح العالم"1.
 
ويقول أيضاً: "إنّ أيّ إصلاح يبدأ من الإنسان، فلو لم يتربَّ الإنسان فلن يتمكّن من تربية الآخرين... ولأنّ الأمور كانت بيد أشخاص لم يتربّوا تربية إسلاميّة ولم يبنوا أنفسهم، وبسبب هذا النقص الكبير، فإنّهم جرّوا بلادنا إلى ما هي عليه الآن وجرّونا إلى
 
 
 
 

1- منهجيّة الثورة الإسلاميّة، ص 224.
 
 
 
 
 
 
 
47

39

الفصل الرابع: أبواب الصلاح

 الموضع الّذي يتطلّب منّا سنوات طويلة للإصلاح إن شاء الله"1.

 
يجب أن نهتمّ ببناء هذا الإنسان بشكلٍ صحيح من البداية بتربيته وبنائه بالشكل الصحيح. فعمليّة الإصلاح تبدأ من الطفل الصغير لنؤمّن له أجواء الصلاح ومفرداته، ونصل به إلى حالة يستطيع عندها أن يقف ويعتمد على نفسه ليواجه كلّ الفساد الموجود حوله فيؤثّر بالمجتمع بإيجابيّاته ولا يتأثر بسلبيّات المجتمع، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره:
 
"إنّ النظام الوحيد والمدرسة الوحيدة الّلذان يهتمّان بالإنسان من قبل انعقاد نطفته وحتّى النهايّة ـ وطبعاً لا نهايّة له ـ هما مدارس الأنبياء"2.
 
ويقول أيضاً: "إن ما نادى به الأنبياء هو الإنسان ولا شيء غيره. يجب أن يكون كلّ شيء على شكل إنسان. إنّهم يريدون بناء الإنسان، وسوف يصلح كلّ شيء عندما يتمّ إصلاح الإنسان"3.
 
2ـ أهميّة الثقافة
 
يقول الإمام الخمينيّقدس سره: "إنّ ما يصنع الشعوب هو الثقافة الصحيحة"4.
 
ويقول كذلك: "إذا صحّت الثقافة صحّ شبابنا"5.
 
فالثقافة لها دور أساس في الإصلاح. ليس هذا فقط بل إنّ بداية
 
 
 

1- منهجيّة الثورة الإسلاميّة، م. س، ص 243.
2- م. ن، ص 223.
3- م. ن، ص 182.
4- الكلمات القصار، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 234.
5- م. ن، ص 63.
 
 
 
 
 
 
48

40

الفصل الرابع: أبواب الصلاح

 الإصلاح يجب أن تكون من الثقافة، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "إنّ السبيل لإصلاح أيّ بلد إنّما يبدأ من إصلاح ثقافته، فالإصلاح يجب أن يبدأ من الثقافة"1.

 
فهي البدايّة الصحيحة الّتي تجعل كلّ الجهود الأخرى مثمرة، يقول الإمام قدس سره: "إنّ ثقافة أيّ مجتمع هي الّتي تحدّد أساساً هويّة ذلك المجتمع ووجوده، فإذا انحرفت الثقافة فإنّ 
المجتمع يكون أجوفَ فارغاً مهما حقّق من القوّة في الجوانب الاقتصاديّة والسياسيّة والصناعيّة"2.
 
3ـ تقوية الجانب الروحيّ
 
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "الإيمان يعني أن تعي قلوبكم وتصدّق تلك الأمور الّتي أدركتها عقولكم. وهذا يحتاج إلى المجاهدة حتّى تفهم قلوبكم أنّ العالم كلّه محضر لله، فنحن الآن في محضر الله، ولو أدرك قلبنا هذا المعنى بأنّنا الآن في محضر الله، وبأنّ هذا المجلس محضر لله، وإذا وجد قلب الإنسان هذا الأمر، فإنّه سيبتعد عن جميع المعاصي إذ إنّ سبب جميع المعاصي أنّ الإنسان لم يجد هذا الشيء"3.
 
فالمعرفة العقليّة ضروريّة ولكنّها تبقى غير قادرة على مواجهة الامتحانات الصعبة ما لم تتعمّق وتصل إلى القلوب، فاحتلالها القلوب
 
 
 
 

1- الكلمات القصار، م. س، ص 235.
2- م. ن، ص 234.
3- منهجيّة الثورة الإسلاميّة، ص 224.
 
 
 
 
 
 
49

41

الفصل الرابع: أبواب الصلاح

 وتقوية هذا الجانب المعنويّ والروحيّ 


هو الحاجز الّذي سيمنع الإنسان من الانحراف وسيدعوه للاستقامة على الدوام.

أساليب الإصلاح ووسائله

1 ـ الجهد المتواصل

إنّ عمليّة الإصلاح ليست عمليّة آنيّة وبرنامجاً مرحليّاً يبدأ بزمن وينتهي بزمن معيّن، بل هي عمليّة مستمرّة وجهد متواصل، فعمليّة الإصلاح هي جهاد مستمرّ.

يقول الإمام الخمينيّ قدس سره في "الأربعون حديثاً": "الإنسان هو ساحة صراع ونزاع مستمرّ بين معسكرين، يُريد أحدهما الانحطاط بالنفس إلى الظلام السفليّ، ويُريد الآخر رفعها إلى الأنوار العلويّة والسعادة الأبديّة".

2ـ الثقة بالنفس

يجب أن نزرع الثقة بأنفسنا وبديننا وبطاقاتـنا وبهويّتنا، لأنّ ذلك هو بداية الإصلاح في هذا الزمن الّذي انبهر فيه الناس بكلّ ما هو غربّي، حتّى لو كان مجرد فساد وانحـراف. فعليـنا فـي البداية أن نحمي مجتمعاتنا من هذه التبعيّة العمياء. وهذا لا يحصل ما لم يثق المجتمع بنفسه ويُبادر بنفسه للمعرفة الصحيحة والمسلكيّة المناسبة، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "علينا أن نعتقد أنّنا كلّ شيء، وأنّنا لسنا أقلّ 
 
 
 
 
 
 
 
 
50

42

الفصل الرابع: أبواب الصلاح

 من سوانا، فنحن مطالبون بالعثور على هويّتنا الّتي قد أضعناها"1.

 
ويقول قدس سره: "لا يظنّنّ شبابنا أنّ كلّ شيء موجود في الغرب، وأنّهم لا يملكون شيئاً"2.
 
3ـ الترغيب والترهيب
 
سياسة الترغيب والترهيب (أو كما يقال عنها: سياسة العصا والجزرة) من السياسات المعروفة في هذا الزمن. فالترغيب لوحده غير كافٍ؛ لأنّ بعض الناس وصل فيهم الفساد والمرض إلى درجة كبيرة حتّى صاروا يفضلونه على أيّ ترغيب يمكن أن يقوم به الإنسان، وكذلك سياسة العصا والترهيب ليست كافية لأنّها ستولّد في نهاية الأمر انفجاراً وانقلاباً على كلّ شيء عند أدنى مناسبة. 
 
فلا بدّ من المحافظة على التوازن بين هذين الأمرين، يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "الأنبياء العظام السابقون والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في الوقت الّذي يحملون فيه الكتب السماويّة في يد من أجل هداية الناس، كانوا يحملون السلاح في اليد الأخرى، فإبراهيم عليه السلام كان يحمل الصحف في يد، والفأس في يد أخرى للقضاء على الأصنام، وكان كليم الله موسى يحمل التوراة في يد والعصا في يد أخرى، تلك العصا الّتي أذلّت الفراعنة، وتحوّلت إلى أفعى وابتلعت الخائنين، وكان النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يحمل القرآن في يد والسيف في الأخرى"3.
 
 
 

1- الكلمات القصار، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 90.
2- م. ن، ص 294.
3- منهجيّة الثورة الإسلاميّة، ص 56.
 
 
 
 
 
 
51

43

الفصل الرابع: أبواب الصلاح

 4ـ الاهتمام بجيل الشباب

 
يقول الإمام الخمينيّقدس سره: "إنّ الإسلام يولي تهذيب الأطفال والشبّان أهميّة لا يوليها أيّ شيء آخر"1.
 
"من شبّ على شيءٍ شاب عليه". إنّ لسنّ الشباب أهميّة خاصّة لأنّه في هذه السن يحدّد الإنسان مبتنياته ومنهجيّته ومسلكيّته، فإصلاحه في هذا العمر أسهل وأصلب من تركه لإصلاحه بعد ذلك.
 
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "أيّام الشباب هي ربيع التوبة حيث الذنوب أقلّ ثقلاً، وحيث كدورة القلب والظلمة الباطنيّة أقلّ، وحيث ظروف التوبة أسهل وأيسر" 2.
 
فهؤلاء الشباب هم علماء ومسؤولو المستقبل، وبأيديهم ستكون الأمور، فإن كانوا صالحين صلح المجتمع، يقول الإمامقدس سره: "إنّ هؤلاء الشبّان الّذين يُفترض أن يحافظوا في المستقبل على هذا البلد ويديروا شؤونه، يجب أن يصلحوا ويتربّوا تربية صحيحة"3.
 
5ـ الإعلام
 
إنّ الإعلام له أهميّته الخاصّة في الإصلاح وفي تأمين الأجواء المناسبة له، ودفع الناس وتشجيعهم عليه وعلى ترك الفساد، فهو قادر على مخاطبة العقول والقلوب، وتعليم الممارسة وإيصال الرسالة بشكل عمليّ، من خلال النماذج الفنيّة الّتي يعرضها، حتّى قال عنه
 
 
 

1- الكلمات القصار، الإمام الخمينيّ قدس سره، ص 292.
2- م. ن، ص 80.
3- م. ن.
 
 
 
 
 
 
52

44

الفصل الرابع: أبواب الصلاح

 الإمام الخمينيّ قدس سره: "إنّ مسألة الإعلام من الأمور المهمّة إلى درجة يُمكن معها القول إنّ الإعلام قد احتلّ المرتبة الأولى بين القضايا الأخرى في العالم، بل يمكن القول إنّ الدنيا إنّما تقوم على عاتق الإعلام"1.

 
وقد أوصى الإمام الخمينيّ قدس سره وأكّد على الاستفادة من الإعلام: "وصيّتي لوزارة الإرشاد في كلّ العصور ـ وخصوصاً في العصر الحاضر الّذي يتحلّى بخصوصيّة معينة ـ السعي لتقويّة إعلام الحقّ ضدّ الباطل"2 .
 
ويجب الاستفادة من كلّ وسائل الإعلام المتاحة، المرئيّة والمسموعة والمكتوبة. وعندما يتحدّث الإمام قدس سره عن المطبوعات يقول: "إنّ أهميّة المطبوعات مثل أهميّة الدماء 
الّتي تراق في الجبهات، وإنّ مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء"3. "يجب أن تكون المطبوعات مراكز للهداية"4.
 
وعن الإذاعة والتلفزيون يقول: "إنّ دور الإذاعة والتلفزيون اليوم أكبر من دور جميع الأجهزة الأخرى...، يجب أن تكون الإذاعة والتلفزيون مربّياً لشبابنا، ومربّياً للشعب"5.
 
 
 

1- الكلمات القصار، م. س، ص 237.
2- م. ن، ص 64.
3- منهجية الثورة الإسلاميّة، ص 262.
4- الكلمات القصار، الإمام الخميني ّقدس سره، ص 240.
5- م. ن، ص 239.
 
 
 
 
 
 
 
 
53

45

الفصل الرابع: أبواب الصلاح

 الاستفادة من المناسبات السنويّة
 
هناك محطّات ومناسبات تمرّ كلّ سنة يكون الناس فيها أكثر استعداداً لتقبّل الحقّ والصلاح وترك المنكر والباطل. هذه المحطّات هي نعمة إلهيّة يجب تفعيلها والاستفادة منها في الإصلاح على أكمل وجه ممكن، ولعلّ أهمّها محرّم الحرام و شهر رمضان المبارك.
 
يتحدّث الإمام الخمينيّ قدس سره عن محرّم ويؤكّد على أهميّة إحيائه، حيث يقول في بعض كلماته: "أحيوا ذكر واقعة كربلاء، وأحيوا ذكر الاسم المبارك لسيّد الشهداء، فبإحيائهما يحيا الإسلام" 1.
 
ويتحدّث عن شهر رمضان المبارك: "ينبغي أن تكون المساجد محالَّ للتربية والتعليم ـ بالمعنى الحقيقيّ وبجميع الأبعاد ـ في شهر رمضان المبارك"2.
 
ويُشير إلى خصوص إحياء ليالي القدر وأثرها على الإنسان: "عندما يحيي المسلمون ليالي القدر ويناجون ربّهم، فإنّهم إنّما يفكّون أسرهم من قيد العبوديّة لغير الله تعالى، ويتحرّرون من قيد شياطين الجنّ والإنس ليدخلوا في العبوديّة لله وحده"3.
 
 
 

1- الكلمات القصار، م. س، ص 71.
2- م. ن، ص 64.
3- م. ن، ص 62.
 
 
 
 
 
 
 
54

46

الفصل الرابع: أبواب الصلاح

 الخاتمة

 
آداب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر
 
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره حول آداب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر:
 
"ينبغي أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في أمره ونهيه ومراتب إنكاره كالطبيب المعالج المشفق، والأب الشفيق المراعي مصلحة المرتكب، وأن يكون إنكاره لطفاً ورحمة عليه خاصّة، وعلى الأمّة عامّة، وأنّ يجرّد قصده لله تعالى ولمرضاته، ويخلص عمله ذلك عن شوائب الأهوية النفسانيّة وإظهار العلوّ، وأن لا يرى نفسه منزّهة، ولا لها علوّ أو رفعة على المرتكب، فربّما كان للمرتكب ولو للكبائر صفات نفسانيّة مرضية لله تعالى أحبّه تعالى لها وإن أبغض عمله، وربّما كان الآمر والناهي بعكس ذلك وإن خفي على نفسه.
 
من أعظم أفراد الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأشرفها وألطفها وأشدّها تأثيراً وأوقعها في النفوس، لا سيّما إذا كان الآمر أو الناهي من علماء ورؤساء المذهب أعلى الله كلمتهم وأن يكون لابساً رداء المعروف واجبه ومندوبه، ومتجنّباً عن المنكر بل المكروه، وأن يتخلّق بأخلاق الأنبياء والروحانيين، ويتنزّه عن أخلاق السفهاء وأهل الدنيا، حتّى يكون بفعله وزيّه وأخلاقه آمراً وناهياً، ويقتدي به الناس"1.
 
 

1- تحرير الوسيلة، الإمام الخمينيّ قدس سره ، ج1، ص 481.
 
 
 
 
 
 
55

47

الفصل الرابع: أبواب الصلاح

 وهذه الوصايا هي موجّهة لكلّ من يتصدّى لمهمّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعلينا أن نلتفت إليها جيّداً حتّى نكون أهلاً لأداء هذه الوظيفة بالشكل المطلوب والصحيح. 


اللّهم اجعلنا من أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
56

48
إصلاح المجتمع