أهل البيت عليهم السلام في فكر الإمام الخميني


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-08

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


الفهرس

 الفهرس

فخر واعتزاز

7

المقدمة

9

الفصل الأول: مقام أهل البيت (عليهم السلام)

11

مقام لا ينال أو يعرف

13

1ـ ظاهرهم الولاية وباطنهم النبوة

15

2ـ عندهم روح القدس

15

3ـ شركاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مقامه

16

4ـ لديهم الاسم الأعظم

17

مقاماتهم (عليهم السلام) من أصول المذهب

17

المقام المعنوي للزهراء (عليها السلام)

19

المقام المعنوي لأمير المؤمنين (عليه السلام)

21

الولاية التكوينية

23

علم الكتاب

23

 

 

 

 

 

5


1

الفهرس

 

الفصل الثاني: خلق أهل البيت (عليهم السلام)

25

أهل البيت (عليهم السلام) النور الأول

27

الفصل الثالث: ولاية أهل البيت (عليهم السلام)

34

العلاقة بين الولاية والعمل

37

حديث المعرفة

39

طائفتان من الأخبار

40

المحبة الحقيقية والمحبة الوهمية

41

الولاية وقبول الإيمان

43

الولاية وقبول الأعمال

44

الفصل الرابع: علاقة الإمام (قدس سره) بأهل البيت (عليهم السلام)

45

العشق

49

التعظيم

50

الزيارة

52

آداب الزيارة

53

التمسك بأدعيتهم (عليهم السلام)

55

 

 

 

 

 

6


2

المقدمة

 فخر واعتزاز 

 
نحن نفخر بأن أئمتنا هم الأئمة المعصومون بدءً من علي بي أبي طالب عليه السلام وختماً بمنقذ البشرية حضرة المهدي صاحب الزمان عليه وعلى آبائه آلاف التحية والسلام، وهو بمشيئة الله القدير، حيّ يراقب الأمور. 
 
نحن نفخر بأن الأدعية وهي القرآن الصاعد وفيها الحياة إنما هي من فيض أئمتنا المعصومين. وعندنا مناجاة الأئمة الشعبانية ودعا الحسين بن علي عليه السلام في عرفات، وعندنا الصحيفة السجادية زبور آل محمد والصحيفة الفاطمية وهي الكتاب الذي ألهمه الله تعالى للزهراء المرضية عليها السلام. 
 
نحن نفخر بأن منا باقر العلوم وهو أعظم شخصية تاريخية ما عرفها ولا يستطيع معرفتها إلا الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومون عليهم السلام. 
 
نحن نفخر بأن مذهبنا جعفري، ففقهنا هذا البحر المعطاء بلا حد وهو واحد من آثاره. 
 
نحن نفخر بجميع الأئمة المعصومين عليهم صلوات الله ونلتزم باتباعهم. نحن نفخر بأن أئمتنا المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم قضوا أعمارهم سجناً وتشريداً في سبيل رفعة الإسلام وتحقيق أهداف القرآن الكريم والتي أحدها تأسيس حكومة العدل1
 
روح الله الموسوي الخميني
 
 
 
 

1- الوصية الخالدة للإمام قدس سره: ص8-9.

 
 
 
 
 
7

3

المقدمة

 المقدمة
 
بسم الله الرحمن الرحيم‏
 
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة سيدنا ومولانا خاتم الأنبياء وعلى آله الأصفياء أدلة الأرض والسماء... وبعد إن من الصعب جداً أن يصل المرء حينما يقرأ صحف الوجود المقدّس لأهل البيت عليهم السلام، مولداً وعروجاً، نبوة وولاية، مقاماً وغايةً، إلى حدٍ محدود. كيف؟! وهم الآفق اللامتناهي الذي عجزت عن إدراكه الألباب وأن يحويه كتاب.
 
يزداد الأمر صعوبة حين تسبح في بحر الإمام الخميني قدس سره، ومنه تعبر إلى كل العالم، عالم الحقيقية الخالدة والنور الأبدي الذي لا يخبو أو يطفأ حيث يقول قدس سره: "لم يكن حضرة الأمير المؤمنين عليه السلام من الجهة المعنوية شخصاً مفرداً، بل كان كل العالم"1
 
ويستوقفك الزمن في موقف جامع بين تجلي النور الفاطمي للسيدة الجليلة مليكة التكوين صلوات الله عليهاوولادة الإمام قدس سره المعلن 
 
 
 

1- خط الإمام, ج2, ص14
 
 
 
 
 
 
9

4

المقدمة

 من أعماق روحه: "إن المعنويات والتجليات الملكوتية الإلهية مجتمعة كلها في هذا الموجود السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام1.

 
تنتهي بعد هذا السير الآفاقي، من يقرأ في فكر من، ومن ذا ينال معرفة من، ومن يصف من؟! 
فإلى المعاني التي لا تدرك والمعالي التي لا تملك، مع الاعتراف بالعجز والتقصير. 
"جلّ مقام آل محمد عن وصف الواصفين ونعت الناعتين وأن يقاس بهم أحد من العالمين"2.
 
 
والأمل هو التسديد والتأييد
مركز نون للتأليف والترجمة
 
 
 

1- الكلمات القصار. ص55.
2- مشارق أنوار اليقين, الحافظ رجب البرسي ص114. 
 
 
 
 
 
 
 
10

5

الفصل الأول: مقام أهل البيت عليه السلام

 مقام لا ينال أو يعرف:

 
حيث يكون الحديث عن مقام آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم تغدو المعاني صعبة الإدراك بعيدة المنال، كيف لا وهذا أمير المؤمنين عليه السلام يقول: "فمن ذا ينال معرفتنا، أو بيان درجتنا، أو يشهد كرامتنا، أو يدرك منزلتنا؟ حارت الألباب والعقول، وتاهت الأفهام فيما أقول، تصاغرت العظماء، وتقاصرت العلماء، وكلّت الشعراء، وخرست البلغاء، وألكنت الخطباء، وعجزت الفصحاء، وتواضعت الأرض والسماء عن وصف شأن الأولياء،... جلّ مقام آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم عن وصف الواصفين، ونعت الناعتين، وأن يقاس بهم أحد من العالمين"1.
 
لذلك عبّر الإمام قدس سره في أكثر من موضع أثناء أبحاثه العرفانية والأخلاقية عن العجز وعدم القدرة لدى أي إنسان للإحاطة بحقيقتهم لمعرفة منزلتهم عليه السلام والوقوف على أسرارهم إلا أنفسهم عليهم السلام.
 
 
 

1- مشارق أنوار اليقين. ص114. 
 
 
 
 
 
 
13

6

الفصل الأول: مقام أهل البيت عليه السلام

  يقول قدس سره: "إن مقام هؤلاء الأولياء عليهم السلام أسمى وأرفع من أن تنال آمال أهل المعرفة أطراف كبرياء جلالهم وجمالهم، وأن تبلغ خطوات معرفة أهل القلوب ذروة كمالهم1 ... إن لأهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله عليهم مقاماً روحانياً شامخاً، في السير المعنوي إلى الله، يفوق قدرة استيعاب الإنسان حتى من الناحية العلمية، وأسمى من عقول ذوي العقول وأعظم من شهود أصحاب العرفان"2

 
ولم يقف أحد على حقائقهم وأسرارهم صلوات الله عليهم إلا أنفسهم عليهم السلام، معتبراً "أن أرقى ما يصل إليه الذي يصف نبذة من مقام الولاية لهم4 هو كوصف الخفّاش الشمس المضيئة للعالم"3
 
مع هذا كلّه، فما هو المقام الذي تحدّث عنه قدس سره معرباً من خلاله عن صميم نظرته الإلهية لهم وكاشفاً النقاب عن أمور جهلها الكثيرون من أهل الزمان. 
 
بالإمكان إيجازها على الشكل التالي: 
 
 

1- الأربعون حديثاً, الإمام الخميني قدس سره ص597. 
2- م.ن. ،ص604. 
3- م.ن. ص605. 
4- م.ن. ص597. 
 
 
 
 
 
 
 
14

7

الفصل الأول: مقام أهل البيت عليه السلام

 1ـ ظاهرهم الولاية وباطنهم النبوة: 

 
فقد جاء في مقدمة شرحه لدعاء السحر ما هو صريح في هذا المعنى لا يقبل التأويل، حيث قال قدس سره: 
 
"مفتاح الدائرة ومختمها، ومؤخر السلسلة ومقدمها، محمد صلى الله عليه وآله وسلم المصطفين من الله، الذين بهم فتح الله وبمعرفتهم عرف الله، الأسباب المتصلة بين سماء الإلهية وأراضي الخلقية، الظاهر فيهم الولاية، والباطن فيهم النبوة والرسالة، الهادين بالهداية التكوينية سراً والتشريعية جهراً، الآيات التامات، الأنوار الباهرات" 1
 
2ـ عندهم روح القدس:
 
أثناء حديثه عن نورانيتهم عليهم السلام التي يفتقر إدراكها من الإنسان إلى نورانية باطنية، ينتهي قدس سره إلى شرح مقام روح القدس الذي هو عبارة عن المكانة والقدرة والإحاطة التي لم يصل إليها أقرب المقربين من ملائكة الله تعالى كجبرائيل عليه السلام. 
 
يقول قدس سره: "إن لهم مقاماً شامخاً من الروحانية يدعي بـ(روح القدس)، من خلاله يتمتعون بالاحاطة القيّومية لجميع الكائنات حتى ذراتها الصغيرة جداً، ولا توجد فيها الغفلة والنوم والسهولة والنسيان وكافة الحوادث والتغيرات والنقائص الملكية،
 
 
 

1- شرح دعاء السحر, الإمام الخميني قدس سره ص18ـ19. 
 
 
 
 
 
 
 
15

8

الفصل الأول: مقام أهل البيت عليه السلام

 بل تكون من عالم الغيب المجرد، والجبروت الأعظم.. إن تلك الروح المجرّدة الكاملة، أعظم من جبرائيل وميكائيل عليهما السلام رغم أنهم أعظم القاطنين في مقام قرب الجبروت"1.

 
3ـ شركاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مقامه: 
 
يقول قدس سره: "يستفاد من الأحاديث الشريفة أنهم صلوات الله عليهم يشاركون الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في مقام الروحانية، وأن أنوارهم المطهرة كانت تسبّح وتقدس للذات المتعال قبل خلق العالم"2.
 
جاء في الحديث عن المفضّل أنه قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كيف كنتم حيث كنتم في الأظلة؟ فقال: يا مفضل، كنا عند ربنا، ليس عنده أحد غيرنا في ظلة خضراء، نسبحه ونقدسه ونهلله ونمجده، وما من ملك مقرب ولا ذي روح غيرنا حتى بدا له في خلق الأشياء فخلق ما شاء من الملائكة وغيرهم ثم أنهى علم ذلك إلينا" 3.
 
ويقول قدس سره: "وهم عليهم السلام من جهة الولاية متحدون، أولنا محمد أوسطنا محمد آخرنا محمد كلنا نور واحد" 4.
 
 
 

1- الأربعون حديثاً. ص597.
2- م.ن. ص604.
3- الكافي, الشيخ الكليني, ج1, ص441
4- شرح دعاء السحر. ص64.
 
 
 
 
 
 
 
16

9

الفصل الأول: مقام أهل البيت عليه السلام

 4ـ لديهم الاسم الأعظم: 

 
يقول قدس سره: "إن الأحاديث المنقولة في طينة أبدانهم وخلق أرواحهم ونفوسهم وفيما منحوا من الاسم الأعظم والعلوم الغيبية الإلهية من علوم الأنبياء والملائكة، ومما هو أعظم مما لا يخطر على بال أحد"1
 
ويؤكد على ثبوت ذلك لهم عليهم السلام في موضع آخر من كلامه أثناء الحديث عن الاسم الأعظم في مقام الألوهية وتجلّيه ضمن شرح دعاء السحر، قائلاً: "لا يتجلى هذا الاسم بحسب الحقيقة تاماً إلا لنفسه2 ولمن ارتضى3 من عباده وهو مظهره التام، أي صورة الحقيقة الإنسانية التي هي صورة جميع العوالم وهي مربوب هذا الاسم، وليس في النوع الإنساني أحد يتجلى له هذا الاسم على ما هو عليه إلا الحقيقة المحمدية صلى الله عليه وأوليائه الذين يتحدون معه في الروحانية، وذلك هو الغيب الذي استثنى منه من ارتضى من عباده. وفي رواية الكافي: والله لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ممن ارتضى من عباده"4
 
مقاماتهم عليهم السلام من أصول المذهب: 
 
هناك أمران يشدّد الإمام قدس سره على معرفتها والتمسك بهما
 
 
 

1- الأربعون حديثاً. ص604.
2- أي لله عزّ وجل.
3- أي النبي وأهل بيته عليهم السلام.
4- شرح دعاء السحر. ص86.

 
 
 
 
 
17

10

الفصل الأول: مقام أهل البيت عليه السلام

 حول رؤيته لأهل بيت العصمة عليه السلام بحيث ان إنكارهما يؤدي إلى خللٍ عقيدي والانحراف عن الأصول أو الضروريات التي تؤدي إلى الانخراط في زمرة الضالين عن طريق الهداية والاستقامة والثبات:

 
الأمر الأول: أنه لا يصل أحد إلى المراتب المعنوي التي وصل إليها أئمتنا الأبرار صلوات الله عليهم، حيث لا يمكن ذلك لأي كان سواء كان نبياً مرسلاً (باستثناء خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم) أو ملكاً مقرباً، ويعتبر قدس سره أن هذا الأمر من ضروريّات المذهب. 
 
يقول قدس سره: "وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل، وبموجب ما لدينا من الروايات والأحاديث فإن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام كانوا قبل هذا العالم أنواراً فجعلهم بعرشه محدقين وجعل لهم من المنزلة والزلفى ما لا يعلمه إلا الله، وقد قال جبرائيل عليه السلام كما ورد في روايات المعراج: "لو دنوت أنملة لاحترقت"، وقد ورد عنهم عليهم السلام: "إن لنا مع الله حالات لا يسعها ملك مقرب ولا نبي مرسل"1.
 
الأمر الثاني: أن هذه المقامات بأجمعها ثابتة لسيدة نساء العالمين صلوات الله عليها. فمن يعتقد خلاف ذلك يعتبره الإمام قدس سره خارجاً عن مذهب الحق. يقول قدس سره: "كما أن هذه المقامات المعنوية ثابتة للزهراء عليها السلام مع أنها ليست بحاكم ولا خليفة
 
 

1- الحكومة الإسلامية (الإمام الخميني قدس سره) ص52. ط. المكتبة الإسلامية الكبرى.
 
 
 
 
 
 
 
18

11

الفصل الأول: مقام أهل البيت عليه السلام

 ولا قاض، فهذه المقامات شيء آخر غير وظيفة الحكومة"، ولذا عندما نقول أن الزهراء عليها السلام ليست بقاضي ولا خليفة، فهذا لا يعني أنها مثلي ومثلكم، أو أنها لا تمتاز عنا معنوياً1. إن فاطمة عليها السلام إنسان بكل ما للكلمة من معنى. لو كانت رجلاً لكانت مكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم2. وإضافة إلى ضرورة هذه المكانات لها فهي صلوات الله عليها على وجه خاص كان لها ما لم يكن لغيرها. فيجدر بنا أن نتعرف على قراءة الإمام قدس سره لمقامها المعنوي، نجوم كالفراشة حول مصباح النور الأبدي الذي لا يطفأ. 

 
المقام المعنوي للزهراء عليها السلام:
 
يقول قدس سره: "إنني أعتبر نفسي قاصراً عن التحدث حول الصديقة سلام الله عليها، وأكتفي بذكر رواية واحدة ورد في الكافي الشريف ومنقولة بسند معتبر، وتلك الرواية هي أن الصادق عليه السلام قال: بأن فاطمة عليها السلام عاشت بعد أبيها خمسة وسبعين يوماً في هذه الدنيا واشتد عليها الحزن، وكان جبرائيل الأمين يحضر عندها ويعزّيها ويخبرها بأمور عن المستقبل.. أنا أعتبر هذه الفضيلة فوق جميع الفضائل الأخرى التي ذكرت للزهراء عليها السلام ـ رغم عظمة الفضائل الأخرى ـ وهي لم
 
 
 

1- الحكومة الإسلامية, ص 52
2- صحيفة الإمام, الإمام الخميني, ج7, ص250
 
 
 
 
 
 
19

12

الفصل الأول: مقام أهل البيت عليه السلام

 تحصل لأي إنسان آخر سوى الأنبياء عليهم السلام، وليس كل الأنبياء، بل الطبقة الأولى منهم وبعض الأولياء الذين كانوا بمنزلتهم، وبهذا التعبير أي المراودة مع جبرائيل خلال خمسة وسبعين يوماً لم تحصل لحد الآن لأي إنسان آخر، وهذه من الفضائل الخاصة بالصديقة الزهراء سلام الله عليها"1.

 
"إن المعنويات والتجليات الملكوتية، الإلهية، الجبروتية، المُلكية والناسوتية مجتمعة كلها في هذا الموجود (السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام)"2.
 
 ثمّ يفصح الإمام قدس سره من خلال رؤيته الثاقبة النابعة من عرفانه الكامل واتصاله الحقيقي بأهل البيت عليهم السلام بأن التجلي لقدرة الله عزّ وجلّ متمثلة بهم وعلى رأسهم الصديقة الطاهرة صلوات الله عليها، حيث يتفضل قائلاً: "إن ذلك البيت الصغير الذي ضمّ فاطمة عليها السلام وأولئك الخمسة الذين تربوا فيه والذين يمثّلون في الواقع التجلي لكامل قدرة الله تعالى قدموا من الخدمات ما أدهشنا وأدهشكم، بل وأدهش البشر جميعاً"3.
 
 
 

1- منهجية الثورة, الإمام الخميني قدس سره ص120ـ121.
2- الكلمات القصار, ص55.
3- ن.م
 
 
 
 
 
 
 
20

13

الفصل الأول: مقام أهل البيت عليه السلام

 المقام المعنوي لأمير المؤمنين عليه السلام: 

 
إن كلامه قدس سره حول مقام الإمام علي عليه السلام غير محتاج إلى شرح وتعليق، بل هو بيان فصل ومعنى جامع، قلّما بلغ إلى ما قصده العظماء من أهل العلم، والأولون من أهل الفضل ويكفيك عبارته في مطلع وصفه للأمير عليه السلام، حيث يقول قدس سره: "علي عليه السلام هو التجلي العظيم لله"1
 
ثم يتوجه قدس سره إلى الكشف عن الأبعاد الوجودية لأمير المؤمنين عليه السلام، قائلاً: "هذا العظيم يمتاز بشخصية ذات أبعاد كثيرة، ومظهر لاسم الجمع الإلهي الذي يحوي جميع الأسماء والصفات، فجميع الأسماء والصفات الإلهية في ظهورها وبروزها في الدنيا وفي العالم ظهرت في هذه الشخصية بواسطة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وإن أبعاده الخفية هي أكثر من تلك الأبعاد الظاهرة، وإن نفس هذه الأبعاد التي توصل إليها البشر، ويتوصل إليها قد اجتمعت في رجل واحد، في شخصية واحدة جهات متناقضة ومتضادة.. يمتلك جميع الأوصاف وجميع الكمالات2 .. لم يكن حضرة الأمير عليه السلام من الجهة
 
 
 

1- تفسير آية البسلمة, الإمام الخميني قدس سره ص31.
2- منهجية الثورة الإسلامية. ص117.
 
 
 
 
 
 
21

14

الفصل الأول: مقام أهل البيت عليه السلام

 المعنوية شخصاً مفرداً، بل كان كل العالم"1

 
بهذا الفهم البعيد في أعماقه والراقي في مبادئه بما يعطي لمقام الإمامة من جامعية وإحاطة أنكرها بعض الباحثين عن الحقيقية الذين لم يصلوا إلى ضالتهم اعتماداً على نظرتهم إلى الإمام عليه السلام باتجاه واحد وهو المقام الظاهري له، وهو ما دعاهم إلى الجرأة عليه في الماضي والحاضر مع إغفالهم لمقامه الباطني ومكانته المعنوية، وجهلهم بكل المقامات التي تحدّث عنها الإمام قدس سره. فهل كانوا يفهمون عليً عليه السلام على أنه التجلي الإلهي العظيم أو أنه كل العالم يا ترى؟! 
 
لهذا يظهر الإمام قدس سره تأسفه قائلاً: "يجب علينا أن نأسف لأن الأيدي الخائنة والحروب التي أشعلوها ومثيري الفتن لم يسمحوا لبروز الشخصية الفذة لهذا الرجل العظيم في أبعادها المختلفة2." فإذا كان الكثير من أبعاده الظاهرية خافياً عنا، فكيف بالأبعاد المعنوية التي لا ينال معرفة حقائقها أحد من العالمين كما جاء في الأحاديث الشريفة؟.
 
إن ما تقدم من البيان حول مقام مولى الموحدين وزوجه
 
 
 
 

1- خط الإمام, كلام الإمام, ج2, ص14.
2- منهجية الثورة الإسلامية. ص116.
 
 
 
 
 
 
22

15

الفصل الأول: مقام أهل البيت عليه السلام

 الصديقة الطاهرة عليها السلام كان نموذجاً للإطلالة على رؤية الإمام الخميني قدس سره لهم صلوات الله عليهم من جدهم إلى خاتمهم القائم المهدي عجل الله فرجه، وإنما كان التخصيص في الحديث عنهما عليهما السلام لأنهما الرأس في سلسلة دائرة العصمة والولاية المحمدية العلوية. كما يفهم من مجموع كلامه قدس سره بل من تصريحه ثوابت عديدة منها: 

 
الولاية التكوينية:
 
يقول قدس سره: "إن للإمام عليه السلام خلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون"1
 
ويقول أيضاً في حديث عن ولاية الأمير عليه السلام: "إنه عليه السلام صاحب الولاية المطلقة الكلية، والولاية باطن الخلافة... فهو عليه السلام قائم على كل نفس بما كسبت ومع كل الأشياء"2.
 
علم الكتاب: 
 
يشير إلى ذلك في حديثه عن نزول الكتاب التكويني قائلاً: إن هذا الكتاب التكويني الإلهي وأولياءه الذين كلهم كتب سمائية نازلون من لدن حكيم عليم وحاملون للقرآن التدويني، لم يكن
 
 
 

1- الحكومة الإسلامية، ص52.
2- مصباح الهداية, الإمام الخميني, ص142.
 
 
 
 
 
 
 
23

16

الفصل الأول: مقام أهل البيت عليه السلام

  أحد حاملاً بظاهره وباطنه إلا هؤلاء الأولياء المرضيين كما ورد من طريقهم عليهم السلام. 

 
عن أبي عبد الله عليه السلام: "وعندنا والله علم الكتاب كلّه"1
 
 
 

1- شرح دعاء السحر، ص71. 
 
 
 
 
 
 
24

17

الفصل الثاني: خلق أهل البيت عليهم السلام

 أهل البيت عليهم السلام النور الأول: 


ما من شك أن من المحاور المهمة في هذا البحث معرفة رؤية الإمام قدس سره حول بدء خلق أهل البيت عليه السلام، وهو الموضوع الذي أولاه أهمية عالية في أكثر من موضع، وأكّد أن الإيمان بهذا الجانب هو من أصول المذهب. نذكر من ذلك ما قاله في كتابه مصباح الهداية، حيث ابتدأ بنقل حديث طويل جامع لأمّهات المقامات الشامخة في خلقهم عليه السلام، وشرع بشرحه بعد ذلك، ننقله كاملاً للتبرك والتيمن وزيادة الفائدة والبصيرة، وهو ما رواه الصدوق بإسناده عن مولانا الرضا عليه السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما خلق الله خلقاً أفضل مني ولا أكرم عليه مني. قال علي عليه السلام: فقلت: يا رسول الله، فأنت أفضل أم جبرئيل عليه السلام؟

 فقال: يا علي، إن الله تبارك وتعالى فضّل أنبيائه المرسلين على ملائكته المقرّبين، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين،
 
 
 
 
 
 
 
27

18

الفصل الثاني: خلق أهل البيت عليهم السلام

 والفضل بعد لك يا علي وللأئمة من بعدك، وإن الملائكة لخدّامنا وخدام محبينا يا علي الذين يحملون العرش من حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا. يا عليّ، لولا نحن ما خلق آدم عليه السلام ولا حوّاء ولا الجنة والنار ولا السماء والأرض، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه، لأن أول ما خلق الله عز وجل أرواحنا فأنطقها بتوحيده وتمجيده، ثم خلق الملائكة، فلما شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظمت أمرنا فسبحنا لتعليم الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا.


فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله وإنا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه، فقالوا: لا إله إلا الله، فلما شاهدوا كبر محلنا كبَرنا لتعليم الملائكة أن الله تعالى أكبر من أن ينال عظم المحل إلا به، فلما شاهدوا ما جعله الله لنا من العز والقوة قلنا لا حول ولا قوة إلا بالله لتعلم الملائكة أن لا حول لنا إلا به ولا قوة إلا بالله، فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا: الحمد الله لتعلم الملائكة ما يستحق الله وما يحق لله تعالى ذكره علينا
 
 
 
 
 
 
 
28

19

الفصل الثاني: خلق أهل البيت عليهم السلام

 من الحمد على نعمه، فقالت الملائكة: الحمد لله فبنا اهتدوا إلى معرفة توحيد الله عز وجل وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده. 


ثم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم عليه السلام فأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لنا وإكراماً، وكان سجودهم لله عز وجل عبودية ولآدم إكراماً وطاعة لكوننا في صلبه. فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون؟.

 وأنه لما عرج بي إلى السماء أذّن جبرئيل عليه السلام مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى، ثم قال لي: تقم يا محمد. فقلت له: يا جبرئيل، أتقدم عليك؟ فقال: نعم، إن الله تبارك وتعالى فضل أنبيائه على ملائكته أجمعين، وفضّلك خاصة. قال: فتقدمت، فصليت بهم ولا فخر.

 فلما انتهيت به إلى حجب النور قال لي جبرائيل: تقدم يا محمد ولا تخلّف عني. فقلت: يا جبرئيل، أفي مثل هذا الموضع تفارقني؟؟ فقال: يا محمد، إن انتهاء حدي الذي وضعني الله عز وجل فيه إلى هذا المكان، فإن تجاوزته احترقت أجنحتي بتعدي حدود ربي جل جلاله، فزخ بي في النور زخة (فزج بي في النور زجة) حتى انتهيت إلى ما شاء الله من علو ملكه، فنوديت: يا محمد! فقلت: لبيك وسعديك تباركت وتعاليت، فنوديت: يا محمد! أنت عبدي وأنا ربك، فإيّاي فاعبد،
 
 
 
 
 
 
 
29

20

الفصل الثاني: خلق أهل البيت عليهم السلام

 وعليّ فتوكل، فإنك نوري في عبادي ورسولي على خلقي وحجتي على بريتي، لك ولمن تبعك خلقت جنتي ولمن خالفك خلقت ناري ولأوصيائك أوجبت كرامتي ولشيعتهم أوجبت ثوابي. فقلت: يا ربّ، ومن أوصيائي؟ فقال: يا محمد، أوصياؤك المكتوبون على ساق العرش، فنظرت وأنا بين يدي ربي جلّ جلاله إلى ساق العرش، فرأيت اثني عشر نوراً في كل نور سطر أخضر عليه اسم وصي من أوصيائي أوّلهم علي بن أبي طالب وآخرهم مهدي أمتي، فقلت: يا رب، هؤلاء أوصيائي بعدي؟ فنوديت: يا محمد، هؤلاء أوليائي وأحبائي وأصفيائي وحججي بعدك على بريَتي، وهم أوصياؤك وخلفاؤك وخير خلقي بعدك، وعزتي وجلالي لأظهرن بهم ديني ولأعلين بهم كلمتي، ولأطهرن الأرض بآخرهم من أعدائي، ولأمكنه مشارق الأرض ومغاربها، ولأسخَرنَ له الرياح وأذلَلن له السحاب الصعاب، ولأرقينه في الأسباب، ولأنصرنه بجندي، ولأمدَنّه بملائكتي حتى يعلن دعوتي بجمع الخلق على توحيدي، ثم لأديمنّ ملكه ولأدوالنَ الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة1

 
يستفاد من هذا الحديث الشريف أمور: 
 
الأول: أفضلية أهل البيت عليهم السلام على جميع الأنبياء والمرسلين
 
 
 

1- مصباح الهداية. ص124ـ126.
 
 
 
 
 
 
30

21

الفصل الثاني: خلق أهل البيت عليهم السلام

 سوى رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم والملائكة المقرّبين. 

الثاني: الملائكة خدّامهم وخدّام محبيهم. 
الثالث: استغفار حملة العرش للمؤمنين بولايتهم عليهم السلام. 
الرابع: إنهم عليهم السلام الغاية للخلق ولأجلهم خلق آدم عليه السلام. 
الخامس: السَّبق إلى معرفة الله وتسبيحه وتهليله وتقديسه. 
السادس: أن أرواحهم هي الخلق الأول. 
السابع: إنهم عليهم السلام نور واحد. 
الثامن: إنهم عليهم السلام الواسطة في هداية الملائكة إلى معرفة التوحيد والتسبيح و... 
التاسع: إن بهم عليهم السلام إظهار الدين واعلاء الكلمة. 
العاشر: الوعد الإلهي بالنصر والمدد بالملائكة وتسخير الرياح للقائم المهدي عجل الله تعالى فرجه وتمليكه مشارق الأرض ومغاربها. 

1ـ أما الأمر الأول فإن الإمام قدس سره يكشف عن حقيقته التي يراها بعين البصيرة قائلاً: "وليعلم أن هذه الفضيلة ليست فضيلة تشريفية اعتبارية كفضيلة السلطان على الرعيَة، بل فضيلة حقيقية وجودية كماليَة... وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "والفضل بعدي لك وللأئمة من بعدك" إشارة إلى ما ذكرنا من أن مرتبة وجوده ووجود سائر الأئمة عليهم السلام بالنسبة
 
 
 
 
 
 
31

22

الفصل الثاني: خلق أهل البيت عليهم السلام

 للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مرتبة الروح من النفس الناطقة الإنسانية"1

 
2ـ ثمّ يوضح قدس سره معنى الخدمة الملائكية في مطلع نوراني، حيث يقول: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "وإن الملائكة لخدَامنا وخدَام محبينا شاهد على ما ذكرنا من أن العالم بجميع أجزائه وجزئياته من القوى العلاّمة والعمّالة للولي الكامل، فبعض الملائكة من قواه العلاّمة كجبرائيل ومن في طبقته، وبعضهم من العمّالة كعزرائيل ومن في درجته وكالملائكة المساوية والأرضية المدبّرة. 
 
وخدمة الملائكة لمحبيهم أيضاً بتصرفهم عليهم السلام كخدمة بعض الأجزاء الإنسانية لبعض بتصرَف النفس"2
 
3ـ وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "والذين يحملون العرش، فإن للعرش إطلاقات" والمراد هنا جملة الخلق.. وفي رواية أخرى عن الكاظم عليه السلام قال: "إذا كان يوم القيام كان حملة العرش ثمانية: أربعين من الأولين: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، وأربعة من آخرين: محمد وعلي والحسن والحسين عليهم السلام"3
 
4ـ ثم يبيّن قدس سره علة كونهم الغاية من خلق آدم عليه السلام بقوله:
 
 
 

1- مصباح الهداية. ص129.
2- م.ن. ص13.
3- م.ن.
 
 
 
 
 
 
 
32

23

الفصل الثاني: خلق أهل البيت عليهم السلام

 "لأنهم وسايط بين الحق والخلق.. وفي هذه الفقرة (لولا نحن ما خلق الله آدم) بيان وساطتهم بحسب أصل الوجود... بل هم الاسم الأعظم"1

 
5ـ ويعقد أصلاً في بيان سبقهم إلى معرفة ربهم، مشيراً إلى أنه يعود لسبق الوجود الذي هو غير محدود بالزمان أو المكان لأنه فوقهما منزّه عنهما، يقول قدس سره: "فالسبق إلى معرفة الرب وتسبيحه وتهليله لسبق الوجود، وهذا السبق هو السبق الدهري المناسب لهذا المقام الرفيع العالي المنزه عن الزمان والمكان. وبالجملة هو السبق بالعليّة والحقيقة الذي هو ثابت في مراتب الوجود وحقائق الغيب والشهود"2
 
ويختم بيانه النوراني مكتفياً بالتعرض للأمور الخمسة الأولى دون الخمسة الأخيرة على أمل تفصيلها في رسالة مفردة بقوله: "ولما كان بقية الحديث الشريف خارجاً عن مقصدنا جزنا عن شرحه مع كونه لايقاً للشرح الطويل والبحث والتفصيل، عسى الله أن يوفقنا لإفراد رسالة في شرحه"3.
 
 
 
 

1- مصباح الهداية. ص131.
2- م.ن. ص132.
3- م.ن. ص136.
 
 
 
 
 
 
33

24

الفصل الثاني: خلق أهل البيت عليهم السلام

 حديث الخلق والتكوين: 


ومن الأحاديث التي تعرضت لبدء خلقهم عليهم السلام ما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: 

"إن الله خلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام قبل أن يخلق آدم عليه السلام حين لا سماء مبنية ولا أرض مدحية ولا ظلمة ولا نور ولا شمس ولا قمر ولا جنة ولا نار". فقال العباس: كيف كان بدء خلقكم يا رسول الله؟ 

فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "يا عم، لما أراد الله أن يخلقنا تكلم بكلمة فخلق منها نوراً، ثم تكلم بكلمة أخرى فخلق منها روحاً، ثلم خلط النور بالروح فخلقني وخلق علياً وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام، فكنّا نسبَحه حين لا تسبيح، ونقدَسه حين لا تقديس، فلما أراد الله أن ينشئ خلقه فتق نوري فخلق منه العرش، فالعرش من نوري ونوري من نور الله، ونوري أفضل من نور العرش، ثمّ فتق نور أخي علي فخلق منه الملائكة، فالملائكة من نور علي ونور علي من نور الله فعلي عليه السلام أفضل من الملائكة، ثم فقت نور ابنتي فاطمة فخلق منه السماوات والأرض، فالسماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة ونور ابنتي فاطمة من نور الله فابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض، ثم فتق نور ولدي الحسن وخلق 
 
 
 
 
 
 
 
 
34

25

الفصل الثاني: خلق أهل البيت عليهم السلام

 منه الشمس والقمر، فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن ونور ولدي الحسن من نور الله فالحسن أفضل من الشمس والقمر، ثم فقت نور ولدي الحسين فخلق منه الجنة والحور العين، فالجنة والحور العين من نور ولدي الحسين، ونور ولدي الحسين من نور الله فولدي الحسين أفضل من الجنة والحور العين"1-2

 
يقول قدس سره: "لأن هؤلاء الأجلاء عليهم السلام منبعهم من الأنوار الغيبية الإلهية والمظاهر التامة للجلال والجمال وآياتهما الباهرة3، وفي الأساس فإن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليه السلام وبحسب روايتنا كانوا أنواراً في ظلَ العرش قبل هذا العالم، وهم يتميزون عن سائر الناس في انعقاد النطفة والطينة"4
 
يتضح من خلال ما تقدم أن الإمام قدس سره يعتقد بأن أول الخلق هو نورهم صلوات الله عليهم كما جاء في رواية الصدوق التي اعتمد عليها في مصباح الهداية5 مع إثبات جميع المضامين فيها واعتبار ذلك من أصول المذهب كما صّرح في موضع آخر6. والشاهد قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
 
 
 

1- حقيقة الإمامة في المدرسة العرفانية. ص110.
2- بحار الأنوار. ج57. ص192 ـ تأويل الآيات. ص144.
3- الأربعون حديثاً. ص596.
4- الحكومة الإسلامية. ص89.
5- مصباح الهداية، ص124.
6- الحكومة الإسلامية. ص89.
 
 
 
 
 
 
 
35

26

الفصل الثاني: خلق أهل البيت عليهم السلام

 "لأن أول اما خلق الله عز وجل أرواحنا فأنطقها بتوحيده وتمجيده، ثم خلق الملائكة، فلما شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً". 

 
وهذا ما دلّت عليه عشرات الروايات الشريفة عدا ما ذكرنا من حديث الخلق في مقام الجواب عن سؤال العباس عم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. 
 
نختم هذا الفصل بحديث لأمير المؤمنين عليه السلام يصف فيه المعصوم بلسان المعصوم، حيث يقول صلوات الله عليه: "وهل يُعرف أو يُوصف أو يُعلم أو يُفهم أو يُدرك أو يُملك شأن من هو نقطة الكاينات وقطب الدايرات وسر الممكنات وشعاع جلال الكبرياء وترف الأرض والسماء... والإمام ـ يا طارق ـ بشر ملكي وجسد سماوي وأمر إلهي وروح قدسي مقام عليّ ونور رجليّ وسر حفيّ، فهو ملكي الذات إلهي الصفات، زايد الحسنات، علام بالمغيبات خصاً من رب العالمين، ونصاً من الصادق الأمين، وهذا كله لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا يشاركهم فيه مشارك"1
 
من خلال ذلك نفهم لماذا اعتبر الإمام قدس سره كل من يقول بأن أحداً من الأولياء والأوصياء يمكنه بلوغ مقام آل محمد عليهم السلام خارجاً عن المذهب. 
 
 
 
 

1- حقيقة الإمامة في المدرسة العرفانية. ص105. 
 
 
 
 
 
 
 
36

27

الفصل الثالث: ولاية أهل البيت عليه السلام

 1ـ العلاقة بين الولاية والعمل: 


بات واضحاً ما هو المعنى الشامل الذي يراه الإمام لولاية أهل البيت عليه السلام من خلال قوله: "فهو عليه السلام بمقام ولايته الكلية قائم على كل نفس" أثناء حديثه عن مولى الموحدين صلوات الله عليه، فما ينبغي أن نتعرف عليه الآن هو نظرة قدس سره حول العلاقة القائمة بين العمل والولاية بمعنى هل يمكن الإنسان الاستغناء بأحدهما عن الآخر، فإذا كان من المؤمنين بولايتهم عليهم السلام كفاه ذلك عناء التكاليف والعبادات خصوصاً مع كون بعض الأحاديث عند النظر إليها ظاهرة في هذا المعنى للوهلة الأولى، وهي ما أدّت إلى تصديّ الإمام قدس سره لمعالجتها من خلال بيان منافاتها مع طائفة كبيرة أخرى من الأحاديث الشريفة التي تؤكد على ضرورة الالتزام بالابتعاد عن مخالفة الله في أصول الأحكام وفروعها، وحصول العلم القطعي بأن بعض الروايات التي يتنافى ظاهرها مع هذه المسلّمات لا يكون الظاهر منها مقصوداً، فلابد من تأويلها بصورة 
 
 
 
 
 
 
 
39

28

الفصل الثالث: ولاية أهل البيت عليه السلام

 لا تتضارب مع ما يعتبر من ضروريات الدين، أو القيام بالجمع بين الطائفتين، وإلا نرجع علمها إلى قائلها. 

 
2ـ حديث المعرفة: 
 
ويعتبر قدس سره: "أن الاعتقاد بمشروعية تسويد صحف الأعمال اتكالاً على محبتهم وولايتهم صلوات الله عليهم مصيبة من المصائب الكبيرة وافتراء وسوء فهم، وهو ما لا يدعو إليه المعصوم عليه السلام بل في منتهى البعد عن هذا المعنى"1
 
مصدّراً بحثه الشريف بحديث عن محمد بن مارد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: "حديث روي لنا أنك قلت: إذا عرفت فاعمل ما شئت، فقال عليه السلام: قد قلت ذلك، قال: قلت: وإن زنوا وإن سرقوا وإن شربوا الخمر؟! فقال لي: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله ما أنصفونا أن نكون أخذنا بالعمل ووضع عنهم! إنما قلت: إذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير وكثيره، فإنه يقبل منك"2
 
والذي يريد الإمام قدس سره أن يخلص إليه في نهاية المطاف هو التأكيد على أمرين: 
 
الأول: أن الإيمان بالولاية ليس بديلاً عن العمل، يقول قدس سره: "إن المؤمن إذا لم يعمل بمتطلبات الإيمان وما تستدعيه محبة 
 
 

1- الأربعون حديثاً. ص623. 
2- أصول الكافي ج2 ـ كتاب الإيمان والكفر. باب أن الإيمان لا يضر معه سيئة. الحديث 5.
 
 
 
 
 
 
40

29

الفصل الثالث: ولاية أهل البيت عليه السلام

 الله وأوليائه لما كان مؤمناً ومحباً، وإن هذا الإيمان الشكلي والمحبة الجوفاء من دون جوهر ومضمون"1.

 
والثاني: أن العمل ليس كافياً دون الإيمان بالولاية. 
 
فتكون النتيجة أن كلا الأمرين مطلوب، ولا يتيسّر للإنسان الوصول إلى شاطئ الأمان الإلهي والفوز بما عند الله تعالى طالما كان مستغنياً عن أحد هذين الجانبين 
المذكورين. 
 
3ـ طائفتان من الأخبار: 
 
إذا عرفنا ذلك لابد لنا من الاطلاع على أسلوب الإمام قدس سره في التوفيق بين الطائفتين من الأحاديث الظاهرة في عدم الاتفاق على المعنى المتقدم، حيث يظهر من بعضها الاكتفاء بحب أهل البيت عليه السلام من قبيل الحديث المشهور بين العامة والخاصة: "حب علي حسنة لا تضرَ معها سيئة، وبغضه سيئة لا ينفع معها حسنة"2، ويظهر من بعضها الآخر عدم الاكتفاء وضرورة العمل مع حبّهم عليه السلام كما في حديث جابر عن أبي جعفر عليه السلام: "فقال: يا جابر، لا تذهب بك المذاهب حسب الرجل أن يقول أحب علياً وأتولاه ثم لا يكون مع ذلك فعّالاً؟ فلو قال إني رسول الله، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير من علي عليه السلام،
 
 
 

1- الأربعون حديث. الإمام الخميني قدس سره. ص512.
2- مناقب ابن شهر آشوب. ج3. ص197.
 
 
 
 
 
 
41

30

الفصل الثالث: ولاية أهل البيت عليه السلام

  ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئاً"1

 
إن المشكلة التي تتنافى وأصل المذهب ظاهراً ليست كامنة في روايات الطائفة الثانية وإنما الأولى لأنها تدل بالمثال المتقدم أنه ليس هناك ضرر من العمل السيء طالما كان صادراً من محبّ أمير المؤمنين عليه السلام، بينما الثانية تقول بعدم كفاية حبهّم عليهم السلام مستقلاً عن القيام بالوظائف الشرعية لا أنه يمكن الاستغناء عن ولايتهم ومودتهم لذلك لا مشكلة فيها. فمن هنا عالج الإمام قدس سره الخبر المذكور وما شاكله على النحو التالي، قائلاً: "هذا الحديث الشريف من قبل الأحاديث المذكورة التي وردت في الإيمان ومعناه: 
 
أـ إما ما ذكره المرحوم المجلسي في تلك الأخبار من أن المقصود من الضرر المنفي هو عدم الخلود في النار أو عدم الدخول فيها، فكون المعنى أن حب علي عليه السلام الذي هو أساس الإيمان وإكماله وإتمامه يبعث على التخلص من النار بواسطة شفاعة الشافعين. وعليه كما قلنا لا يتنافى هذا الاحتمال مع ألوان العذاب في البرزخ، وقد ورد ذلك عن الصادق عليه السلام: "والله ما أخاف عليكم إلا البرزخ، فأما
 
 
 

1- أصول الكافي ج2 ـ كتاب الإيمان والكفر باب الطاعة والتقوى الحديث 3.
 
 
 
 
 
 
42

31

الفصل الثالث: ولاية أهل البيت عليه السلام

 إذا صار الأمر إلينا فنحن أولى بكم". 

 
ب ـ أو ما ذكرناه من أحب الإمام علي يبعث على نور وإيمان يجنبان صاحبهما عن الآثام، ويدفعانه إلى التوبة والإنابة عندما يبتلي بالمعصية من دون أن يفسح المجال أمامه للتمادي في الغيّ والعصيان1
 
ثم يؤكد قدس سره من ما ورد من قبيل هذه الأخبار قد يخلق توهماً وشبهة عند البعض يكون مآلها الخسران المبين، ولذلك كانت المحبة على قسمين: حقيقية ووهمية، والتولي كذلك صادق وكاذب. 
 
4ـ المحبة الحقيقية والمحبة الوهمية: 
 
يشير قدس سره: "إلى توهم بعض الناس أن مجرد ادعاء التشيع وحب التشيع وحب أهل بيت الطهارة والعصمة يسوغ له والعياذ بالله اقتراف كل محرم من المحذورات الشرعية ويرفع عنه قلم التكليف. إن هذا السيء الحظ لم ينتبه بأن الشيطان قد ألبس عليه الأمر فيخشى عليه في نهاية عمره أن تسلب منه هذه المحبة الجوفاء التي لا تجدي 
 
ولا تنفع ويحشر يوم القيامة صفر اليدين وفي صفوف نواصب أهل البيت عليهم السلام. إن 
 
 
 

1- الأربعون حديثاً. ص629.
 
 
 
 
 
 
 
43

32

الفصل الثالث: ولاية أهل البيت عليه السلام

 ادعاء المحبة من دون دليل وبينة لا يكون مقبولاً إذ لا يمكن أن أكون صديقك وأضمر لك الحب والإخلاص ثم أقوم بكل ما هو مناقض لرغباتك وأهدافك. إن شجرة المحبة تنتج وتثمر في الإنسان المحب والعمل حسب درجة المحبة ومستواها. فإذا لم تحمل تلك الشجرة هذه الثمرة فلابد من معرفة أنها لم تكن محبة حقيقية وإنما هي محبة وهمية.. فمحب أهل البيت صلوات الله عليهم هو الذي يشاركهم في أهدافهم ويعمل على ضوء أخبارهم وآثارهم.. وإن المؤمن إذا لم يعمل بمتطلبات الإيمان وما تستدعيه محبة الله وأوليائه لما كان مؤمناً ومحباً، وإن هذا الإيمان الشكلي والمحبة الجوفاء من دون جوهر ومضمون ينتفي ويزول أمام حوداث بسيطة وضغوط يسيرة"1

 
5ـ الولاية وقبول الإيمان: 
 
هناك معنيان ترتكز عليهما رؤية الإمام قدس سره في هذا الشأن: 
 
الأول: أنه يستحيل حصول الإيمان بالله تعالى ورسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم دون ولاية أهل البيت عليهم السلام. 
 
الثاني: أنه لو فرضنا إمكانية حصول الإيمان دون ولايتهم عليهم السلام
 
 
 

1- الأربعون حديثاً، ص632.
 
 
 
 
 
 
44

33

الفصل الثالث: ولاية أهل البيت عليه السلام

 لما كان مقبولاً على الإطلاق. 

 
يقول قدس سره: "إن الإيمان لا يحصل إلا بواسطة ولاية علي بن أبي طالب وأوصيائه من المعصومين الطاهرين عليهم السلام. بل لا يقبل الإيمان بالله ورسوله من دون الولاية1 .. فهي شرط في قبول الإيمان بالله والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم"2
 
6ـ الولاية وقبول الأعمال: 
 
ينقل الإمام قدس سره في بحثه الشريف مجموعة من الأخبار التي تدل على هذا الأمر، ثمّ يصرّح بأن كون ولايتهم صلوات الله عليهم شرطاً في قبول الأعمال من المسلّمات والضروريات التي لا يشرع إنكارها بحال ولا التشكيك في حقيقتها وإلا حاد الإنسان عن جادة المذهب المقدّس3 الذي أراده رب العالمين. 
 
ومما قاله في هذا الشأن: "إن ولاية أهل البيت عليهم السلام ومعرفتهم شرط في قبول الأعمال، ومن الأمور المسلمة، بل تكون من ضروريات مذهب التشيع المقدس. والأخبار في هذا الموضوع وبهذا المضمون كثيرة"4
 
 

1- الأربعون حديثاً. ص631.
2- م.ن. ص633.
3- م.ن. ص632.
4- م.ن. ص633.
 
 
 
 
 
45

34

الفصل الثالث: ولاية أهل البيت عليه السلام

  عن أبي جعفر عليه السلام قال: "... أما لو أن رجلاً قام ليله وصام نهاره وتصدق بجميع ماله وحجّ جميع دهره ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه وتكون جميع أعماله بدلالاته إليه، ما كان له على الله حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان"1

 
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "من لم يأت الله عز وجل يوم القيامة بما أنتم عليه، لم يتقبل منه حسنة ولم يتجاوز له سيئة"2
 
وفي حديث عن مولانا الصادق عليه السلام: "... وكذلك هذه الأمة العاصية المفتونة بعد تركهم الإمام الذي نصبه نبيّهم لهم، فلن يقبل الله لهم عملاً، ولن يرفع لهم حسنة حتى يأتوا إليهم من حيث أمرهم ويتولوا الإمام الذي أمرهم الله بولايته ويدخلوا من الباب الذي فتحه الله ورسوله لهم"3
 
والولاية كذلك شرط في غفران الذنوب والتجاوز عن السيئات كما هو صريح الحديث الثاني المتقدم.
 
 
 

1- أصول الكافي ج2 ـ كتاب الإيمان والكفر حديث 5.
2- الأربعون حديثاً. ص632.
3- وسائل الشيعة كتاب الطهارة باب 69 من أبوابا مقدمة العبادات الحديث 3.
 
 
 
 
 
 
46

35

الفصل الرابع : علاقة الإمام قدس سره بأهل البيت عليهم السلام

 1ـ العشق: 


إن عشق الإمام قدس سره لأهل بيت العصمة والطهارة لا يمكن لأحد وصفه، حيث لا يختلف اثنان في أن الذي قلبه وروحه وعقله طيلة الحياة الشريفة التي قضاها في عالم الدنيا إلى أن غادرها بقلب هادئ ومطمئن مسافراً إلى مقرّه الأبدي هو حبّه اللامحدود لأهل البيت عليهم السلام، فكانوا لسان بيانه وأذنه الواعية وعين بصره وبصيرته، وصوت الحق الذي دوّى في أرجاء المعمورة، وقوته التي انتصر بها على أعدائه وأعداء الله تعالى، فهو العاشق لهم إلى حد أنه قدس سره كلما يرفع نداء (يا حسين) تظلّ دموعه تنهمر على خديه بلا اختيار منه، رغم أنه لم يذرف الدمع أثناء تلقيه خبر استشهاد نجله السيد مصطفى رحمه الله. 

لقد ملأ عشقه لهم عليهم السلام كل وجوده وأبعاد شخصيته الفذة إلى الحدِّ الذي كان يرى دوماً بالقرب منهم. 

يقول أحد المقربّين منه: كان تصرف الإمام عند زيارته 
 
 
 
 
 
 
 
49

36

الفصل الرابع : علاقة الإمام قدس سره بأهل البيت عليهم السلام

 للمشاهد المشرّفة وأضرحة الأئمة المعصومين عليهم السلام وكأنه كان يرى الإمام المعصوم ناظراً إليه وحاضراً أمام عينيه1

 
بهذه الروح استمد القائد الكبير للثورة الإسلامية العون من الوجود الشريف للمعصومين عليهم السلام في كل كبيرة وصغيرة بعد الألطاف الإلهية، وهكذا خلال الأحداث الخطيرة كان مرجعه الأول هو المعصوم عليه السلام. يقول أحد معاونيه: "كتب الإمام رسائل إلى علماء المدن، وأمرني أن أذهب إلى محافظات خراسان وسيستان وبلوشستان لأوصل رسائله ونداءه إلى العلماء. عندما وصلت لتوديعه وسلمني الرسائل، قال: قبل أن تقابلوا أي شخص تشرفوا أولاً بزيارة الحرم المطهر لثامن الأئمة علي بن موسى الرضا عليه السلام وقولوا له نقلاً عن لساني: قد استجد أيها السيد أمر عظيم جداً، ومسألة خطيرة، ونحن اعتبرنا تكليفنا أن نثور ونتحرك، فإن كان ذلك مما يرضيك فأيدنا"2
 
2ـ التعظيم: 
 
لقد كان الإمام قدس سره العارف الحقيقي الواصل إلى كعبة مقصوده، يعلم ما يستوجب المقام الشامخ والمنزلة الرفيعة لأهل الولاية الإلهية آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم من تقديس وتكريم واحترام
 
 

1- المذكرات الخاصة. ج1. ص120. 
2- م.ن120.
 
 
 
 
 
50

37

الفصل الرابع : علاقة الإمام قدس سره بأهل البيت عليهم السلام

 بالغ يفوق العادات المعروفة والأنماط المألوفة بين سائر الناس، لذلك كان قدس سره إذا مرّ على ذكر اسم أحد المعصومين عليهم السلام أخذته الهيبة حينما يردّده بعزّة وتعظيم كاملين، مع التقدير العالي لأحاديثهم صلوات الله عليهم واتباع مقاصدهم وأفكارهم وعقائدهم وإحياء مناسبات ولادتهم وشهادتهم. 

 
كيف لا وهذا إمامنا الصادق عليه السلام كان كلما لهج باسم جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو جالس يحني رأسه الشريف إلى مستوى ركبتيه. 
 
والإمام قدس سره الذي لم يذكر أستاذاً من أساتذة الكرام إلا وعقّب بالقول "روحي فداه"، فكيف علاقته مع المعصومين عليهم السلام؟! 
 
يذكر لنا أحد المتشرفين بخدمته مدى اهتمامه بتعظيم وإحياء سائر ما يرتبط بأهل البيت عليهم السلام قائلاً: "طوال المدة التي كان خلالها الإمام في النجف الأشرف كان يقيم مجالس العزاء في منزله في جميع ليالي شهادة المعصومين عليهم السلام، وفي ذكرى رحيل السيدة الزهراء عليها السلام كان يتسمر في إقامة المجلس لثلاثة ليالي، وكان بكاؤه مشهوداً في جميع هذه المجالسة دون استثناء"1
 
و في مكان آخر يقول:" بمجرد أن يشرع أحد الأخوة بقراءة 
 
 

1- المذكرات الخاصة. ج5. ص71ـ72.
 
 
 
 
 
 
51

38

الفصل الرابع : علاقة الإمام قدس سره بأهل البيت عليهم السلام

 مجلس المصيبة يبدأ الإمام بالبكاء بصوت عالت وتنهمر قطرات الدمع على خديه كمثل حبّات اللؤلؤ1

 
ومما تجدر الإشارة إليه أن كل الأعباء والعناء الذي عاناه الإمام قدس سره واهتمامه بالأمور السياسية وسائر شؤون البلاد والعباد لم يكن ليمنع أو يحول بينه وبين المحافظة والحرص على إحياء وإظهار مظلومية الأئمة عليهم السلام، فنراه في التاسع من شهر محرم يأمر بإقامة مجلس عزاء في باريس بحضور جمع من المراسلين الذين جاءوا لمقابلته قدس سره قبل ساعة من وقت الظهر2
 
3ـ الزيارة: 
 
إن المنزلة الخاصة لزيارة التربة المطهرة للمعصومين عليهم السلام والشهداء والصديقين في ثقافة الولاية والثورة غير خافية على أحد، وهي مصدر إلهام وتسديد لذوي الارادات الربانية في الجانبين العلمي والعملي. وقد دأب الأنبياء والأولياء العظام وأئمتنا الأبرار خصوصاً على زيارة المراقد المشرّفة أو من بعيد طيلة حياتهم الشريفة. لذلك كانت محافظة الإمام قدس سره شديدة في أن لا يمر يوم واحد أثناء وجوده في النجف الأشرف دون زيارة حضور مولى الموحدين (صلوات الله عليه، فمن اليوم الأول الذي وصل فيه إلى 
 
 
 

1- م.ن. ج2. ص55ـ56.
2- م.ن. ج1. ص48ـ49.
 
 
 
 
 
 
 
52

39

الفصل الرابع : علاقة الإمام قدس سره بأهل البيت عليهم السلام

 النجف وإلى اليوم الذي غادر فيه، كان يأتي كل ليلة بعد حوالي ثلاثة ساعات من غروب الشمس في الصيف والشتاء لزيارة حرم الأمير عليه السلام، ولم يكن ليترك هذا البرنامج أبداً حتى في السنة التي وقع فيها الانقلاب في العراق، وأعلنت الحكومة العسكرية، فإنه في تلك الليلة لم يترك الزيارة أيضاً ولم يعدل عن برنامجه اليومي المقرّر.

 
يقول السيد مصطفى قدس سره: "في تلك الليلة بحثنا عن الإمام فلم نجده داخل غرفته، فجلنا في أماكن مختلفة من البيت، لكننا لم نجده إلى أن صعدنا إلى السطح فرأيناه 
وقف متوجهاً إلى حرم أمير المؤمنين عليه السلام يقرأ الزيارة"1
 
آداب الزيارة: 
 
كان تشرّف الإمام قدس سره بزيارة حرم أمير المؤمنين عليه السلام يحصل وفق آداب خاصة، يجدر بنا الالتفات إليها والاستفادة منها، فقد كان لا يدخل قبل الاستئذان حيث يبدأ بقراءة إذن الدخول بكمال الأدب والوقار والتعظيم والإجلال، فإذا انتهى يدخل الحرم المطهّر من الجهة السفلى للضريح المقدس، مراعياً ومتقيّداً بأن لا يمر من جانب الرأس الشريف لحضرة الأمير عليه السلام. وعندما كان 
 
 

1- المذكرات الخاصة ج1، ص95ـ96.
 
 
 
 
 
53

40

الفصل الرابع : علاقة الإمام قدس سره بأهل البيت عليهم السلام

 يصل إلى مقابل الضريح المشرّف يقرأ بكل إخلاص زيارة (أمين الله) أو زيارة أخرى، ويرجع مجدداً من الجهة السفلى عند قدمي حضرة الأمير عليه السلام ويجلس في الزاوية يقرأ الزيارة والدعاء ثم يصلي ركعتين، وبعدها يترك الحرم مغادراً ببدنه باقياً بروحه مع مراعاة الآداب الخاصة بالخروج1. هذا ما كان يواظب عليه أثناء وجوده في النجف الأشرف. أما حينما يكون موجوداً في كربلاء كان يقضي أغلب أيام الزيارة في جوار ضريح سيد الشهداء صلوات الله عليه ويقرأ كل يوم زيارة عاشوراء مع تكرار كل من السلام واللعن الواردين في نهايتها مئة مرة. وأما في الفترة التي تواجد فيها سماحته في قم المشرفة كان يتوجه كل يوم بعد درس الصباح وأحياناً بعد درس العصر إلى الحرم المطّهر للسيدة المعصومة سلام الله عليها ولم يكن يترك المشاركة في صلاة الجماعة التي تقام في الحرم ويقرأ عادة الزيارة الجامعة هناك2

 
 
لم ينقطع توسله بهم صلوات الله عليهم في كل صباح ومساء، ولم يشتغل بشيء إلا وكانوا يسكنون في عمق ضميره وأبعاد روحه في كل حركة وسكون، حتى حينما كان يمشي يومياً لمدة ساعتين أثناء سكناه في طهران في الآونة الأخيرة، فإن لسانه لا يتوقف عن ذكرهم طيلة المسافة مع جهد الطريق3
 
 

1- المذكرات الخاصة. ج1. ص122.
2- مجلة "الحوزة"، العدد 37، ص64.
3- الإمام قدوة. ص17.
 
 
 
 
 
 
54

41

الفصل الرابع : علاقة الإمام قدس سره بأهل البيت عليهم السلام

 4ـ التمسك بأدعيتهم عليهم السلام: 

 
يعتبر الإمام قدس سره الأدعية الصادرة من أهل بيت العصمة عليه السلام منطلقاً هاماً للإنسان كي يجني فوائد عظيمة ويركز علاقته بالله تعالى، لذلك تمسك بها وكان للمناجاة الشعبانية مكانة خاصة في كل مفاصل حياته الشريفة. يقول قدس سره: "إن هذه المناجاة في الحقيقة تعد الإنسان وتهيؤه للقيام، ولعل السبب في التركيز عليها هو هذا لكي يصبح الإنسان على استعداد والتفات ليجني الفوائد العظيمة من الصوم. لقد كان الأئمة عليهم السلام يوضحون كثيراً من المسائل بواسطة الأدعية. أسلوب الدعاء يختلف كثيراً عن الأساليب الأخرى التي كانوا يستعملونها لبيان الأحكام والمسائل الإيمانية والعقيدية، وكل المسائل المرتبطة بمعرفة الله تعالى، كانوا يبينونها في الأدعية وبأسلوبها. من المؤسف أن نقرأ هذه الأدعية ونمر عليها دون أن نتأمل فيها بما تحمله من معاني رقيقة، ودون أن نعرف ماذا يريد الأئمة عليه السلام أن يقولوا"1
 
 
 


1- الجهاد الأكبر. الإمام الخميني قدس سره, ص44.
 
 
 
 
 
 
55

42
أهل البيت عليهم السلام في فكر الإمام الخميني