وَأَعِدُّوا - مواعظ في الأسرة والجهاد

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾


الناشر: شبكة المعارف الإسلامية

تاريخ الإصدار: 2020-02

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدّمة

المقدّمة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

 

قال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.[1]

 

إنّ النصر من السنن الإلهيّة التي يجريها الله -سبحانه- على من يستحقّها، والنصرة لله تكون باتّباع دينه، وتحكيم شرعه في خلقه. وأهمّ ميادين نصرة الله هو الأسرة؛ فهي نواة المجتمع المؤمن، والمدرسة التي ينبغي أن يتخرّج منها المجاهدون الناصرون لدين الله بالقول والسلوك والجهاد، فحفظها وصونها من أهمّ الواجبات التي ينعكس أثرها على المجتمع الإسلاميّ ككلّ.

 

قال -تعالى-: ﴿إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾[2].

 


[1] سورة محمّد، الآية 7.

[2] سورة الزمر، الآية 15.

 

8


1

المقدّمة

وضمن سلسلة زاد الواعظ، جاء كتاب «وأعدُّوا»، ليتحدّث عن الأسرة السليمة، موضّحاً الرؤية الإسلاميّة في تشكيل الأسرة وتربيتها، ومتحدّثاً عن النصر الإلهيّ، مبيّناً أسبابه وسننه.

 

والحمد لله ربِّ العالمين


2

الموعظة الأولى: الأسرة السليمة

المحور الأوّل: الأسرة

الموعظة الأولى: الأسرة السليمة

 

 

1- أهمّيّة الأسرة في الإسلام
2- عوامل النجاح في بناء الأسرة
3- من موجبات المودّة والرحمة

 

10


3

الموعظة الأولى: الأسرة السليمة

هدف الموعظة

إظهار أهمّيّة الأسرة في الإسلام، وما يُسهم في جعلها أسرةً سليمةً قادرةً على القيام بمسؤوليّاتها.

 

تصدير الموعظة

﴿وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَة وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ﴾.[1]

 

أهمّيّة الأسرة في الإسلام

الزواج ارتباط مشروع بين الرجل والمرأة، وهو طريق التناسل والحفاظ على الجنس البشريّ، وهو باب التواصل، وسبب الألفة والمحبّة، والمعونة على العفّة والفضيلة، وبه يتحصّن الجنسان. ومن هنا، كان استحبابه استحباباً مؤكّداً، قال -تعالى-: ﴿وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَآئِكُمۡۚ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغۡنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيم﴾.[2]


 


[1] سورة النحل، الآية 72.

[2] سورة النور، الآية 32.

 

11


4

الموعظة الأولى: الأسرة السليمة

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله -تعالى- من التزويج».[1]

 

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «تزوّجوا؛ فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: مَنْ أحبّ أن يتّبع سنّتي، فإنّ من سنّتي التزويج».[2]

 

عوامل النجاح في بناء الأسرة

اعتنى الدين الإسلاميّ ببناء الأسرة على قواعد الإسلام وإرشاداته، من حيث الأخلاق والسلوك والالتزام والانقياد لأوامر الله -سبحانه-؛ فالأسرة تحتاج إلى دعائم متينة وأسس قويّة في العلاقات بين أركانها، تضمن استمرارها وبقاءها بشكل صحيح وسليم، ومن أهمّ العوامل المساعدة في بناء الأسرة:

1. المودّة

المودّة هي الحبّ العمليّ، هي الحبّ الذي ينعكس أثراً خارجيّاً، وليس مجرّد شعور داخليّ فقط، «المودّة كأنّها الحبّ الظاهر أثره في مقام العمل، فنسبة المودّة إلى الحبّ كنسبة الخضوع الظاهر

 

 


[1] الحرّ العامليّ، الشيخ محمّد بن الحسن، الفصول المهمّة في أصول الأئمّة، تحقيق وإشراف محمّد بن محمّد الحسين القائيني، مؤسّسة معارف إسلاميّ إمام رضا (عليه السلام)، 1418 - 1376 ش، ط1، ج2، ص321.

[2] الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج5، ص329.

 

12


5

الموعظة الأولى: الأسرة السليمة

 أثرُه في مقام العمل إلى الخشوع الذي هو نوع تأثّرٍ نفسانيّ عن العظمة والكبرياء».[1]

 

قال -تعالى-: ﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّة وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰت لِّقَوۡم يَتَفَكَّرُونَ﴾.[2]

 

جاء رجلٌ إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال: إنّ لي زوجةً، إذا دخلتُ تلقّتني، وإذا خرجت شيّعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمّك؟! إن كنت تهتمّ لرزقك فقد تكفّل به غيرك، وإن كنت تهتمّ بأمر آخرتك فزادك الله همّاً، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «بشّرها بالجنّة، وقل لها: إنّك عاملة من عمّال الله، ولك في كلّ يوم أجر سبعين شهيداً».[3]

 

2. الرحمة

إنّ من أبرز مواردِ الرحمةِ الأسرةَ؛ فإنّ الزوجين يتلازمان بالمودّة والرحمة، وخاصّة الزوجة، ويرحمان الصغار من الأولاد لضعفهم وعجزهم.

 

 


[1] الطباطبائيّ، العلّامة السيّد محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1417ه‏ـ، ط5، ج16، ص166.

[2] سورة الروم، الآية 21.

[3] الطبرسيّ، الشيخ الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق، منشورات الشريف الرضيّ، إيران - قم، 1392هـ - 1972م، ط6، ص200.

 

13


6

الموعظة الأولى: الأسرة السليمة

وهي صفة أخلاقيّة عظيمة، أشار إليه الله -تعالى- مخاطباً رسوله الأعظم (صلى الله عليه وآله): ﴿فَبِمَا رَحۡمَة مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ﴾.[1]

 

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أحسِن يُحسَن إليك... ارحم تُرحَم».[2]

 

3. التعاون

حثّ الإسلام أفراد الأسرة على التعاون والتكاتف في ما بينهم، ولا سيّما بين الزوجين، فهما ركنا الأسرة الأساسيّان؛ فلهذا الأمر تداعيات إيجابيّة كبرى على نفوس الأبناء في عمليّة التربية والتنشئة الصحيحة المحفّزة على التفاعل الإيجابيّ والتكامليّ ضمن الأسرة، وتالياً ضمن المجتمع.

 

وقد رُوي أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يشارك السيّدة الزهراء (عليها السلام) في تدبير شؤون المنزل وكنسه ورعاية الأولاد.

 

 


[1] سورة آل عمران، الآية 159.

[2]  الصدوق، الشيخ محمّد بن علي بن بابويه، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، مركز الطباعة والنشر في مؤسّسة البعثة، إيران - قم، 1417ه، ط1، ص278.

 

14


7

الموعظة الأولى: الأسرة السليمة

4. المصابرة

وذلك من خلال حفظ الحقوق لكلٍّ من أفراد الأسرة، وعدم التعدّي والبغي؛ ولهذا أثره البالغ في تثبيت عُرى المحبّة والمودّة، ومن أبرز مصاديق ذلك أن يغفر المرء زلّة الآخر وعثرته، وأن لا يتتبّع أخطاءه.

 

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر ما أعطى أيوب (عليه السلام) على بلائه، ومن صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها الله مثل ثواب آسية بنت مزاحم».[1]

 

وعنه (صلى الله عليه وآله) أيضاً: «خير الرجال من أمّتي الذين لا يتطاولون على أهليهم، ويحنّون عليهم، ولا يظلمونهم».[2]

 

والأهل هم الآباء والزوجات والأبناء.

 

5. الاهتمام بعبادة الله

وذلك في ما يخصّ الالتزام بالواجبات، حيث أمر الله -تعالى- الأب أن يعتني بعلاقة أبنائه بالله، قال -عزّ وجلّ-: ﴿وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَيۡهَاۖ لَا نَسۡ‍َٔلُكَ رِزۡقاۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكَۗ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلتَّقۡوَىٰ﴾.[3]

 


[1] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص214.

[2]  المصدر نفسه، ص216.

[3] سورة طه، الآية 132.
 

15


8

الموعظة الأولى: الأسرة السليمة

وقال في ما يخصّ الحثّ على التقوى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظ شِدَاد لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ﴾.[1]

 

من موجبات المودّة والرحمة

ثمّة العديد من الأفعال التي تكسب المودّة وتزرع الرحمة بين الزوجين، وتُسهم في تثبيت معالم السعادة والسلام في الأسرة، نذكر منها:

1. مدح أحدهما الآخر

كثيراً ما يقدّم أحد الطرفين بأعمال جليلة ومهمّة، ويكون ذلك في سبيل راحة الآخر، فلا بدّ حينها أن يظهر أحدهما الشكر والامتنان للآخر، وهذا من الإدارة السليمة التي تحفظ الودّ بينهما.

 

2. مراعاة مشاعر الآخر

قد يقع الزوج أو الزوجة في حالة اضطراب أو مرض وما شاكل، فلا بدّ لهما من أن يحفظا مشاعر بعضهما، وأن يعفيا بعضهما في مثل هذه الحالات من الواجبات والالتزامات المضنية.

 


[1] سورة التحريم، الآية 6.

 

16


9

الموعظة الأولى: الأسرة السليمة

نضرب لذلك مثلين في الزوجة وفي الزوج:

فإنّ المرأة -وبشكل دوريّ- تقع في ما تراه النساء عادة، وهذا أمر طبيعيّ، وهذا قد يجعلها في حالة من التوتّر النفسيّ، بسبب الاضطرابات الجسديّة التي تشعر بها، ما يتطلّب حينها شيئاً من المراعاة من الزوج.

 

وكذلك قد يقع الزوج في ضيق مادّي لخسارة ماليّة أو لعدم إيجاد العمل المناسب وما شاكل، فحينها لا بدّ للمرأة من مراعاة هذا الأمر، وأن لا تحمّله ما لا يُطيق.

 

3. لين الكلام

قال الله –تعالى-: ﴿وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَة كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيم ٣٤ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيم﴾.[1]

 

إنّ للكلمة الحسنة أثراً عظيماً في ثبات المودّة والرحمة بين الزوجين، وهذا مطلوب مع جميع الناس، قال -تعالى-: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنا﴾[2]، فكيف في ما بين الزوجين؟

 


[1] سورة فصّلت، الآيتان 34-35.

[2] سورة البقرة، الآية 83.

 

17


10

الموعظة الأولى: الأسرة السليمة

وقد ورد ما يحثّ على الكلام الطيّب بينهما عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): «قول الرجل للمرأة: إنّي أحبّك، لا يذهب من قلبها أبداً».[1]

 

4. الإكرام والرفق

ورد العديد من الأحاديث التي تحثّ على الرفق والإكرام بين الزوجين.

 

أمّا في إكرام الزوجة فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائه».[2]

 

وفي إكرام الزوج، ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ملعونة ملعونة امرأة تؤذي زوجها أو تغمّه، وسعيدة سعيدة امرأة تُكرم زوجها ولا تؤذيه...».[3]

 

والإكرام يكون من خلال القول والفعل والرفق بها؛ ولذلك مصاديق كثيرة في الحياة اليوميّة، منها أن لا يرفع الزوج صوته عليها، ولا يستخدم الكلمات الخشنة معها، ولا يقاطعها وهي تتكلّم، ويرفع من شأنها، خاصّة أمام أولادهما.

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص 569.

[2] الحرّ العامليّ، الشيخ محمّد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام)، إيران - قم، 1414ه، ط2، ج12، ص 157.

[3] المصدر نفسه، ج16، ص280.

 

18


11

الموعظة الأولى: الأسرة السليمة

وقد ورد ما يدلّ على أهمّيّة بعض الأمور التي تضمن السلام بين الزوجين، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلالٍ يتكلّفها، وإن لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميلة، وسعة بتقدير، وغيرة بتحصين».[1]

 

5. حسن الخلق

إنّ حسن الخلق من الطرفين يُعَدُّ عاملاً أساسيّاً في زيادة المودّة الأسريّة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء في ما بينه وبين زوجته، وهي: الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبّتها وهواها، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها».[2]

 


[1] الحرّاني، الشيخ ابن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1404هـ - 1363ش، ط2، ص322.

[2] المصدر نفسه، ص323.

 

19


12

الموعظة الثانية: العلاقة الزوجيّة بين الحقوق والواجبات

الموعظة الثانية: العلاقة الزوجيّة بين الحقوق والواجبات

 

 

1- حقوق الزوج
2- حقوق الزوجة

 

20

 


13

الموعظة الثانية: العلاقة الزوجيّة بين الحقوق والواجبات

هدف الموعظة

بيان الحقوق والواجبات في العلاقة بين الزوجين.

 

تصدير الموعظة

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أوصاني جبرئيل (عليه السلام) بالمرأة، حتّى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلّا من فاحشة مبيّنة».[1]

 

إنّ الله -سبحانه وتعالى-، قد أعظم أمر الزواج، عادّاً إياه آية من آياته: ﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّة وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰت لِّقَوۡم يَتَفَكَّرُونَ﴾[2]، ذلك أنّ الطرفين مهما كانا متباعدين، فبمجرّد صيغة مختصرة ضمن شروطها الشرعيّة التي بيّنها الشرع الإسلاميّ في أحكامه، يصبح ما كان محرّماً بينهما حلالاً، وتوجب ما لم يكن واجباً، وتثبت بعض الحقوق، ويصبح الطرفان متلاصقين متلازمين، كأنّهما واحد.

 


[1] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1414هـ، ط2، ج3، ص440.

[2] سورة الروم، الآية 21.

 

21


14

الموعظة الثانية: العلاقة الزوجيّة بين الحقوق والواجبات

حقوق الزوج

1. حقّ القيمومة

أوكل الله -تعالى- حقّ القيمومة والإشراف على الأسرة إلى الزوج، فالواجب على الزوجة مراعاة هذا الحقّ المنسجم مع طبيعة الفوارق البدنيّة والعاطفيّة لكلٍّ من الزوجين.

 

قال -تعالى-: ﴿ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡض وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ﴾.[1]

 

2. حقّ الطاعة

ومن الحقوق المترتّبة على حقّ القيمومة حقّ الطاعة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أن تطيعه ولا تعصيه، ولا تصدّق من بيتها شيئاً إلّا بإذنه، ولا تصوم تطوّعاً إلّا بإذنه، ولا تمنعه نفسها، وإن كانت على ظهر قتب، ولا تخرج من بيتها إلّا بإذنه...».[2]

 

3. العلاقة العاطفيّة

حرصت الشريعة الإسلاميّة -إلى جانب الواجبات- على إرساء أفضل العلاقات العاطفيّة، والأخلاقيّة بين الزوجين، فعن الإمام

 

 


[1] سورة النساء، الآية 34.

[2] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص438.

 

22


15

الموعظة الثانية: العلاقة الزوجيّة بين الحقوق والواجبات

الصادق (عليه السلام): «جاءت امرأة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: يا رسول الله، ما حقّ الزوج على المرأة؟ قال: أكثر من ذلك[1]، فقالت: فخبّرني عن شيء منه، فقال: ليس لها أن تصوم إلّا بإذنه [أي تطوّعاً]، ولا تخرج من بيتها إلّا بإذنه، وعليها أن تَطَيَّبَ بأطيب طيبها، وتلبس أحسن ثيابها، وتزيَّن بأحسن زينتها، وتعرض نفسها عليه غدوة وعشيّة، وأكثرُ من ذلك حقوقُه عليها»[2].

 

ويستحبّ لها كما يقول الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام): «إظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه».[3]

 

4. عدم فعل ما يسخط زوجها

لا ينبغي للزوجة أن تعمل ما يسخط زوجها ويؤلمه في ما يتعلّق بالحقوق العائدة إليه، كإدخال بيته من يكرهه، أو سوء خُلقها معه، أو إسماعه كلمات غير اللائقة.

فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أيّما امرأة آذت زوجها بلسانها لم يقبل

 


[1]  أي حقوقهم أكثر من أن تُذكر.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص508.

[3] الشيخ الحرّاني، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، مصدر سابق، ص323.

 

23


16

الموعظة الثانية: العلاقة الزوجيّة بين الحقوق والواجبات

الله -عزّ وجلّ- منها صرفاً ولا عدلاً ولا حسنة من عملها حتّى ترضيَه».[1]

 

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «أيّما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حقّ، لم تُقبل منها صلاة حتّى يرضى عنها، وأيّما امرأة تطيّبت لغير زوجها، لم تُقبل منها صلاة حتّى تغتسل من طيبها، كغسلها من جنابتها».[2]

 

ويحرم على الزوجة أن تهجر زوجها دون مسوِّغٍ شرعيّ، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أيّما امرأة هجرت زوجها، وهي ظالمة، حُشرت يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون في الدرك الأسفل من النار، إلّا أن تتوب وترجع».[3]

 

5. عدم تكليف الزوج بما لا يطيق

أكّدت الروايات على الزوجة أن لا تكلّف زوجها ما لا يطيق في أمر النفقة، فعن رسو الله (صلى الله عليه وآله): «أيّما امرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة وكلّفته ما لا يطيق، لا يقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً إلّا أن تتوب وترجع، وتطلب منه طاقته».[4]

 

 


[1] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج4، ص14. الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص430.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص507.

[3] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص202.

[4] المصدر نفسه، ص202.

 

24


17

الموعظة الثانية: العلاقة الزوجيّة بين الحقوق والواجبات

6. استقبال الزوج وإرضاؤه

وحثّ (صلى الله عليه وآله) المرأة على إصلاح شؤون البيت واستقبال الزوج بأحسن استقبال، فقال: «حقّ الرجل على المرأة إنارة السراج، وإصلاح الطعام، وأن تستقبله عند باب بيتها فترحّب به، وأن تقدّم إليه الطشت والمنديل...».[1]

 

ويستحبّ للزوجة أن تكسب رضا الزوج وتنال مودّته، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «خير نسائكم التي إن غضبت أو أغضبت قالت لزوجها: يدي في يدك لا أكتحل بغمضٍ حتّى ترضى عنّي».[2]

 

حقوق الزوجة

وضع الإسلام حقوقاً للزوجة يجب على الزوج مراعاتها، وأهمّها:

1. حقّ النفقة

حيث جعله الله -تعالى- من الحقوق التي يتوقّف عليها حقّ القيمومة للرجل، كما جاء في قوله -تعالى-: ﴿ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡض وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ﴾.[3]

 


[1] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص214-215.

[2] المصدر نفسه، ص200.

[3] سورة النساء، الآية 34.

 

25


18

الموعظة الثالثة: القدوة ودورها في حياة الأسرة (الأب نموذجاً)

وشدّد رسول الله (صلى الله عليه وآله) على هذا الواجب حتّى جعل المقصّر في أدائه ملعوناً، فعنه (صلى الله عليه وآله): «ملعون ملعون من يضيّع من يعول».[1]

 

والنفقة الواجبة هي الإطعام والكسوة للشتاء والصيف وما تحتاج إليه من الزينة حسب يسار الزوج، والضابط في النفقة القيام بما تحتاج إليه المرأة من طعام وأداء وكسوة وفراش وغطاء وإسكان وإخدام وآلات تحتاج إليها لشربها وطبخها وتنظيفها، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «حقّ المرأة على زوجها أن يسدَّ جوعتها، وأن يستر عورتها، ولا يقبّح لها وجهاً، فإذا فعل ذلك أدّى -والله- حقّها».[2]

 

2. معاشرتها بالمعروف

وحثّ الإسلام على اتّخاذ التدابير الموضوعية للحيلولة دون وقوع التقاطع، فدعا إلى توثيق روابط المودّة والمحبّة، وأمر بالعشرة بالمعروف، قال -تعالى-: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡ‍ٔا وَيَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيۡرا كَثِيرا﴾.[3]

 

 


[1] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص168.

[2] ابن فهد الحلي، عدة الداعي ونجاح الساعي، تصحيح احمد الموحدي القمي، مكتبة وجداني، إيران - قم، لا.ت، لا.ط، ص81.

[3] سورة النساء، الآية 19.

 

26


19

الموعظة الثانية: العلاقة الزوجيّة بين الحقوق والواجبات

ومن مصاديق العشرة بالمعروف حسن الصحبة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «خيركم خيركم لنسائه، وأنا خيركم لنسائي»[1]، وعنه أيضاً: «من اتّخذ زوجة فليكرِمها»[2]، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته لمحمّد بن الحنفيّة: «إنَّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة؛ فدارِها على كلِّ حال، وأحسن الصحبة لها، فَيِصْفُ عيشك».[3]

 

3. الإكرام والرحمة

ومن حقّها الإكرام، والرفق بها، وإحاطتها بالرحمة والمؤانسة، فعن الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام): «وأمّا حقُّ رعيّتك بملك النكاح، فأن تعلم أنّ الله جعلها سكناً ومستراحاً وأُنساً وواقية، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه، ويعلم أنّ ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها، وإن كان حقّك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم في ما أحبّت وكرهت ما لم تكن معصية، فإنّ لها حقّ الرحمة والمؤانسة وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لا بدّ من قضائها...».[4]

 

 


[1] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص443.

[2] الطبرسيّ، الميرزا حسين النوري، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، لبنان - بيروت، 1408هـ - 1987م، ط1، ج1، ص412.

[3] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص218.

[4] الشيخ الحرّاني، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، مصدر سابق، ص262.

 

27


20

الموعظة الثانية: العلاقة الزوجيّة بين الحقوق والواجبات

4. عدم استخدام القسوة

ونهى (صلى الله عليه وآله) عن استخدام القسوة مع المرأة، وجعل من حقّ الزوجة عدم ضربها والصياح في وجهها، ففي جوابه عن سؤال خولة بنت الأسود حول حقّ المرأة، قال (صلى الله عليه وآله): «حقّك عليه أن يطعمك ممّا يأكل، ويكسوك ممّا يلبس، ولا يلطم ولا يصيح في وجهك».[1]

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «خير الرجال من أُمّتي الذين لا يتطاولون على أهليهم، ويحنّون عليهم، ولا يظلمونهم».[2]

 

5. حقّ المضاجعة

ومن حقوق الزوجة حقّ المضاجعة، فإذا حرمها الزوج من ذلك، فللزوجة حقّ الخيار، إن شاءت صبرت عليه أبداً، وإن شاءت خاصمته إلى الحاكم الشرعيّ.

 

 


[1] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص218.

[2]  المصدر نفسه، ص216 ـ 217.

 

28


21

الموعظة الثالثة: القدوة ودورها في حياة الأسرة (الأب نموذجاً)

الموعظة الثالثة: القدوة ودورها في حياة الأسرة (الأب نموذجاً)

 

1- معنى القدوة
2- الاقتداء الحقّ
3- الأب قدوة
4- كيف يؤثّر الآباء في أبنائهم؟
5- مسؤوليّات الأب ووظائفه

 

29

 


22

الموعظة الثالثة: القدوة ودورها في حياة الأسرة (الأب نموذجاً)

هدف الموعظة

إظهار مكانة القدوة وأهمّيّتها في الأسرة والأولاد (الأب نموذجاً).

 

تصدير الموعظة

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظ شِدَاد لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ﴾.[1]

 

معنى القدوة

قال الخليل في كتاب العين: القدوة بفتح القاف، الأصل الذي انشعب منه الاقتداء، وبعض يكسر فيقول: قِدوة، أي: به يُقتدى.[2]

وقال في مادّة «أسوة»: تقول: هؤلاء القوم أسوة في هذا الأمر؛ أي: حالهم فيه واحدة. وفلان يأتسي بفلان؛ أي يرى أنّ له فيه أسوة إذا اقتدى وكان في مثل حاله.[3]

فمعنى القدوة إذاً، أن يحذو فلان حذو آخر، فهو يقتدي به، وأنّ الذي يقتدي بأمرك فهو يتأسّى به؛ أي يتّخذه أسوة، فيصيران في الحال سواء، والقدوة والأسوة في معرض واحد.

 

 


[1] سورة التحريم، الآية 6.

[2] الخليل الفراهيديّ، أبو عبد الرحمن بن أحمد، العين، تحقيق الدكتور مهدي، المخزوميّ والدكتور إبراهيم السامرّائيّ، مؤسّسة دار الهجرة، إيران - قم، 1409 ه، ط 2، ج 5، ص 19.

[3] المصدر نفسه، ج7، ص333.

 

30


23

الموعظة الثالثة: القدوة ودورها في حياة الأسرة (الأب نموذجاً)

الاقتداء الحقّ

حثّ الإسلام على الاقتداء بالأشخاص والرموز الذين تجتمع فيهم معالي الفضائل، ومكارم الأخلاق؛ وذلك لأنّهم وسيلة فضلى للاتّصال بالحقّ، فهم أحقّ بأن يُتَّخذوا قدوةً في الحياة الدنيا.

 

يقول -تعالى- : ﴿قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَة فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ﴾[1]، ﴿لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِيهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَة لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَۚ ﴾.[2]

 

والنبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) هو خير نموذج لنا في مجالات الحياة كلّها؛ «فإنّ كلّاً من معنويّاته العالية، وصبره واستقامته وصموده وذكائه ودرايته وإخلاصه وتوجّهه إلى الله... وعدم خضوعه أمام الصعاب والمشاكل، نموذج يحتذي به كلّ المسلمين».[3]

 

قال -تعالى-: ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَة لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرا﴾.[4]

 

«فإنّه (صلى الله عليه وآله) أسمى مقتدى، وأحسن أسوة للمؤمنين في كلّ الميادين... فإنّكم تستطيعون بالاقتداء به واتّباعه أن تصلحوا أموركم وتسيروا على الصراط المستقيم».[5]

 

 


[1] سورة الممتحنة، الآية 4.

[2] سورة الممتحنة، الآية 6.

[3] الشيرازيّ، الشيخ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مدرسة الإمام عليّ بن أبي طالب، إيران - قم، 1426هـ، ط1، ج13، ص197.

[4] سورة الأحزاب، الآية 21.

[5] الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مصدر سابق، ص198.

 

31


24

الموعظة الثالثة: القدوة ودورها في حياة الأسرة (الأب نموذجاً)

وأيضاً يجب اتّباع أهل البيت (عليهم السلام) والاقتداء بهم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ فهم وعاء السنّة والصراط المستقيم وعدل القرآن الكريم.

 

عن أبي أيّوب الأنصاريّ قال: سمعت النبيّ (صلى الله عليه وآله) يقول لعمّار بن ياسر: «... يا عمّار، إذا رأيت عليّاً سلك وادياً، وسلك الناس وادياً غيره، فاسلك مع عليّ ودع الناس؛ إنّه لن يدليك في ردى، ولن يخرجك من الهدى...».[1]

 

الأب قدوة

يمثّل الأبوان، ولا سيّما الوالد، أمثولة للولد، وقدوة تقتدى، في كلّ ما يأتيه من فعل أو قول. لذلك، كان لا بدّ من الرّحمة بالنفس، والرفق بالولد. فإذا كان الرجل حريصاً على عاقبة أولاده، فَلْيُرِ أولاده ما يعينهم في الدنيا على آخرتهم.

 

فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «علّموا أنفسكم وأهليكم الخير، وأدّبوهم».[2]

 

وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في حقوق الأبناء: «وأمّا حقّ ولدك، فأن تعلم أنّه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وأنّك مسؤول عمّا وليّته به من حسن الأدب، والدلالة على ربّه -عزّ وجلّ-، 

 


[1] المجلسيّ، العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403هـ - 1983م، ط2، ج38، ص32.

[2] السيوطيّ، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، دار المعرفة للطباعة والنشر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج6، ص244.

 

32


25

الموعظة الثالثة: القدوة ودورها في حياة الأسرة (الأب نموذجاً)

والمعونة له على طاعته؛ فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مُثابٌ على الإحسان إليه، مُعاقَبٌ على الإساءة إليه».[1]

 

كيف يؤثّر الآباء في أبنائهم؟

إنّ أشدّ سبل التأثير في الآخر نصحاً وإرشاداً، وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، يكون من خلال السلوك والمواقف والسيرة لتلك الأوامر والنواهي والإرشادات والنصائح.

 

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «... يأمرون بالقسط ويأتمرون به، وينهَون عن المنكر ويتناهَون عنه».[2]

 

وعنه (عليه السلام) أيضاً: «وانهَوا عن المنكر وتناهوا عنه، فإنّما أمرتم بالنهي بعد التناهي»[3].

 

مسؤوليّات الأب ووظائفه

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ لكلّ شجرة ثمرة، وثمرة القلب الولد»[4]؛ لذلك يسعى الرجل ويحبّ أن تظهر الخصال التي

 

 


[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص454.

[2] الرضي، السيّد أبو الحسن محمّد بن الحسن الموسوي، نهج البلاغة (خطب الإمام علي (عليه السلام))، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، لا.ن، لبنان - بيروت، 1387هـ - 1967م، ط1، ص342.

[3] المصدر نفسه، ص152.

[4] المتّقي الهنديّ، علاء الدين عليّ المتقيّ بن حسام الدين، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ضبط وتفسير الشيخ بكري حيّاني - تصحيح وفهرسة الشيخ صفوة السقا، مؤسّسة الرسالة، لبنان - بيروت، 1409هـ - 1989م، لا.ط، ج16، ص457.

 

33


26

الموعظة الثالثة: القدوة ودورها في حياة الأسرة (الأب نموذجاً)

يريدها، والآمال التي يصبو إليها، فيعقد الآمال فيها على ولده، وإذا حصل ذلك فهو من سعادة المرء، فعن الإمام الباقر (عليه السلام): «من سعادة الرجل أن يكون له الولد يُعرف فيه شبهه؛ خَلْقَه وخُلُقَه وشمائله»[1].

 

وحيث إنّ للأب دوراً في تأمين متطلّبات الأسرة المادّيّة والمعنويّة على حدّ سواء، فلا بدّ من النظر -ولو قليلاً- في تلك الوظائف والمسؤوليّات، ومنها:

1. البناء الإيمانيّ والأخلاقيّ

وذلك من خلال تربية أبنائه وحثّ أهل بيته على الإيمان بالله وتقوى الله والالتزام بطاعته وعبادته، وهو بذلك كغيره من عباد الله الذين وجه الأمر إليهم بالدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما في قوله - تعالى-: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظ شِدَاد لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ﴾.[2]

وفي آية أخرى وُجه الخطاب له مباشرة بقوله -تعالى-: ﴿وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَيۡهَاۖ ﴾.[3]

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص306.

[2] سورة التحريم، الآية 6.

[3] سورة طه، الآية 132.

 

34


27

الموعظة الثالثة: القدوة ودورها في حياة الأسرة (الأب نموذجاً)

وقد ورد أنّه لمّا نزلت هذه الآية، جلس رجل من المسلمين يبكي، وقال: أنا عجزت عن نفسي، وكُلّفت أهلي! فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك، وتنهاهم عمّا تنهى عنه نفسك».[1]

 

ولنا أن نذكر ضمن البناء الإيمانّي أنّ على الأب أن يستخدم أسلوب الوعظ والإرشاد مع أبنائه، وله في ذلك أسوة حسنة في ما ذكره القرآن الكريم عن لقمان الحكيم كيف كان يخاطب ابنه: ﴿وَإِذۡ قَالَ لُقۡمَٰنُ لِٱبۡنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَٰبُنَيَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيم﴾.[2]

 

2. البناء الثقافيّ والفكريّ

فإنّ له دوراً بارزاً في توجيه أفراد أسرته وأولاده على ملازمة الثقافة وتحديد بوصلة اهتماماتهم الفكريّة الأصيلة، سواء أكان بما يتعلّق بالأمور الدينيّة أم السياسيّة أم غيرهما.

 

3. تنظيم الأوقات وتحديد الأولويّات

صحيح أنّ للأمّ في ذلك دوراً في تنظيم وقت الأسرة وتحديد الأولويات التي يسير عليها أفراد الأسرة، إلّا أنّ للأب أيضاً دوراً

 

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص62.

[2] سورة لقمان، الآية 13.

 

35


28

الموعظة الثالثة: القدوة ودورها في حياة الأسرة (الأب نموذجاً)

تكامليّاً مع الأمّ في ذلك، خاصّة في ما يتعلّق بأوقات الفراغ وكيفيّة استغلالها في صالح الأبناء.

 

4. المراقبة الحثيثة

بأن يعمد إلى مراقبة تحرّكات أفراد أسرته وأفعالهم، بشكل سلس ومدروس، في أن يتأمّل ألفاظهم وأفعالهم، ويعرف الأماكن التي يقصدونها وصفات أصدقائهم وما شاكل ذلك... فإذا ما كان على اطّلاع بها، فإنّه بذلك يستطيع تحديد الصالح لهم من الفاسد، فينهاهم إذا ما كان فاسداً ويدعمهم إذا ما كان صالحاً.

 

5. العدالة بين الأولاد

عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «إنّ لهم عليك من الحقّ أن تعدل بينهم، كما أنّ لك عليهم من الحقّ أن يبرّوك».[1]

 

وهذه العدالة تشمل مظاهر الحبّ بالقول والفعل.

 

 


[1] المتّقي الهنديّ، كنز العمال، مصدر سابق، ج 16، ص446.

 

36


29

الموعظة الرابعة: الأسرة، مخاطر وتهديدات

الموعظة الرابعة: الأسرة، مخاطر وتهديدات

 

1- الأسرة نواة المجتمع
2- الأسرة بين الإسلام والثقافة المادّيّة
3- المخاطر والتهديدات

 

37


30

الموعظة الرابعة: الأسرة، مخاطر وتهديدات

هدف الموعظة

بيان أهمّيّة الأسرة في المجتمع، وإظهار المخطر والتهديدات، وسُبل المعالجة.

 

تصدير الموعظة

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظ شِدَاد لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ﴾.[1]

 

الأسرة نواة المجتمع

تشكّل الأسرة وحدةً اجتماعيّةً كاملة، وهي تمثّل صورة حيّة وواقعيّة للمجتمع. وينبغي أن تكون العلاقات بين أفراد الأسرة الأوثق والأقوى في المجتمع؛ وذلك بالنظر إلى الروابط الرَّحميّة القائمة بينهم، فهي علاقات بين الزوجين، وبين الأم وأبنائها، وبين الأب وأبنائه، وبين الأبناء الإخوة.

وممّا لا شكّ فيه، أنّه كلّما كانت علاقات أفراد الأسرة وثيقة وقويّة،كانت الروابط الاجتماعيّة أقوى وأفضل، لمناسبة العلاقة الطرديّة القائمة بين الأسرة وبين المجتمع؛ إذ هي-أي العلاقة- تسري

 

 


[1]  سورة التحريم، الآية 6.

 

38


31

الموعظة الرابعة: الأسرة، مخاطر وتهديدات

من أفراد الأسرة الصغيرة، إلى الأعمام والأخوال والأجداد، والقرابات الأخرى، وإلى الجيران والأصهار والعلاقات السببيّة الناشئة من التفاعلات الاجتماعيّة.

 

الأسرة بين الإسلام والثقافة المادّيّة

لا بدّ في الحديث عن الأسرة، أن نؤكّد أنّ ثمّة نظرتين تجاه دور الأسرة ومعالمها.

 

النظرة الإسلاميّة: وهي التي تنظر إلى الأسرة على أنّها محور حركة المجتمع وحضارته وثقافته، وأنّ العلاقات الأسريّة لا بدّ من أن تُبنى على التماسك والتكاتف والمحبّة والعطف والرحمة.

 

النظرة المادّيّة: وهي النظرة الغربيّة القائمة على أنانيّة أفراد الأسرة واستقلاليّتهم، وعلى إشباع الغريزة بجعلها أمراً أساسيّاً وأصيلاً في منظومة علاقة الإنسان بالآخر!

 

وإنّ بين هاتين النظرتين بوناً شاسعاً كما هو واضح.

 

المخاطر والتهديدات

إنّ التطوّر الصناعيّ والتكنولوجيّ والاقتصاديّ والحضاريّ الذي غيَّر أساليب المعيشة في أكثر بقاع العالم، حمل معه تحدّياتٍ في غاية الخطورة، تهدِّد بناء الأسرة المسلمة، وتستهدف أسسها وروابطها ووظائفها، وأهمّ هذه التحدّيات:

 

39


32

الموعظة الرابعة: الأسرة، مخاطر وتهديدات

أوّلاً: المشاكل الاقتصاديّة

تُعدّ المشاكل الاقتصاديّة من أبرز المخاطر التي تهدّد كيان الأسرة، خصوصاً مع ضعف الإيمان والتوكّل على الله، وكثيراً ما تؤدّي توابع المشاكل الاقتصاديّة من شجارٍ وخلافات وعدم احترام إلى حدوث الطلاق، وينبغي الالتفات في بناء الأسرة وإدارتها إلى أمرين هامّين:

1. الاقتصاد وحسن التدبير

قال -تعالى- في وصف عباد الرحمان: ﴿وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَاما﴾.[1]

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «ضمنت لمن اقتصد أن لا يفتقر»[2].

 

2. عاقبة سوء التدبير

قال -تعالى-: ﴿وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُوما مَّحۡسُورًا﴾[3].

 

ثانياً: النمط الاجتماعيّ الغربيّ

فقد بدأت الكثير من الأسر المسلمة تتخلّى عن نمطها المعهود،

 


[1] سورة الفرقان، الآية 67.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص53.

[3] سورة الإسراء، الآية 29.

 

40


33

الموعظة الرابعة: الأسرة، مخاطر وتهديدات

وتغرق في أسلوب الحياة المستورد، والذي يقدّمه بعض الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعيّ على أنّه النموذج الصحيح، ومن أبرز معالم هذا النمط:

1. ثقافة الاستقلاليّة

في الوقت الذي نرى فيه الإسلام يدعو إلى توحيد الأسرة وتماسكها والتزامها بالضوابط الأخلاقيّة والعباديّة والعاطفيّة، نجد أنّ ثمّة دعوات صريحة ومبطّنة إلى إرساء ثقافة الاستقلاليّة لأفراد الأسرة، حتّى يشعر الفرد بأنّه مستغنٍ عمّن حوله استغناءً تامّاً، الأمر الذي يجعل الأسرة مفكّكةً، ويؤدّي إلى التحلّل من المسؤوليّات الملقاة على الإنسان تجاه أفراد أسرته.

 

يقول -تعالى-: ﴿ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡض﴾[1].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «الرجل راعٍ على أهل بيته، وكلّ راعٍ مسؤول عن رعيّته، والمرأة راعية على مال زوجها، ومسؤولة عنه»[2].

 

2. استقلاليّة المرأة

وإنّ أخطر النماذج في هذا الشأن ما يعملون عليه تجاه المرأة،

 

 


[1] سورة النساء، الآية 34.

[2] الإحسائيّ، ابن أبي جمهور، عوالي اللئالي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة، تقديم السيّد شهاب الدين النجفيّ المرعشيّ، تحقيق الحاج آقا مجتبى العراقي، لا.ن، لا.م، 1403هـ - 1983م، ط1، ج1، ص255.

 

41


34

الموعظة الرابعة: الأسرة، مخاطر وتهديدات

حيث يزداد عندها الشعور بالاستقلاليّة والاستغناء حتّى عن زوجها ووالديها، وأنّها قادرة على العمل والإنتاج والحركة دون استنادها إلى أحد، ما يزرع في داخلها -إن لم تكن على بيّنة من أمر دينها وأخلاقها- الشعور بحرّيّتها التامّة على جميع الأصعدة، حتّى ينتج عن ذلك الكثير من المشكلات الاجتماعيّة، بل والأخلاقيّة.

 

3. ثقافة إشباع الغريزة

ثمّة ترويج ضخم لثقافة إشباع الغريزة، وتصويرها على أنّها أمر مقدّس يحقّ للمرء إشباعها بأيّة وسيلة وبأيّة طريقة، حتّى كاد ذلك يكون مركوزاً في أذهان الكثيرين دون أيّ ضابطة أخلاقيّة أو شرعيّة! فلا همّ لهؤلاء إلّا إشباع تلك الغريزة مهما كانت الوسيلة، تحت عنوان وشعار الحريّة الجنسيّة!

 

يقول -تعالى-: ﴿وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ ٥ إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ ٦ فَمَنِ ٱبۡتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡعَادُونَ﴾[1].

 

4. التحلّل الأخلاقيّ

بل نجد دعوات تصبّ في صالح الابتذال الأخلاقيّ، وضياع القيم الإنسانيّة، كدعم العلاقات المثليّة الشاذّة، وتسويغ العلاقات

 


[1] سورة المؤمنون، الآيات 5-7.

 

42


35

الموعظة الرابعة: الأسرة، مخاطر وتهديدات

الجنسيّة خارج الإطار الزوجيّ، وكذلك نشر ثقافة الإباحيّة بعنوان الصحّة الجنسيّة.

 

5. الإجهاض، من مفردات الدعوات الشيطانيّة

ثمّة دعوات خطيرة للغاية، وهي تلك الدعوات التي تطالب بالسماح بالإجهاض لدى الحامل مهما كان سبب الحمل، سواء أكانت متزوّجةً أم غير متزوّجة، وأن لا تُجرّم أمام قوانين الدول، وهذا بنفسه يعطي دافعاً للعلاقات المحرّمة، ما يجعل الأسرة في حالة من الخطر الجسيم.

 

ثالثاً: الإهمال العاطفيّ

وهي من أهمّ المشاكل التي يتستّر الأزواج عليها، وتعتبر أكثر أسباب الخلاف بين الزوجين، على الرغم من أنّ الروايات أضفت على هذه العلاقة أجواءً روحيّةً، وجعلت فيها رضا الله -تعالى-.

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أما أنّه إذا أقبل اكتنفه ملكان، وكان كالشاهر سيفه في سبيل الله، فإذا هو جامع تحاتّ عنه الذنوب، كما تتحاتّ ورق الشجر، فإذا هو اغتسل انسلخ من الذنوب»[1].

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص496.

 

43


36

الموعظة الرابعة: الأسرة، مخاطر وتهديدات

لذا، يستحبّ للرجل الاستجابة لزوجته في هذه العلاقة عند ميلها إلى ذلك، بل إنّ بعض المراجع قد جعل تلبية الرجل للمرأة عند طلبها في حالات حرجها أو خوفها من الوقوع في الحرام واجباً على الأحوط، من دون تحديد ذلك بمدّة زمنيّة، وإن كان الوجوب الشرعيّ واضحاً في تلبية المرأة كلّ أربعة أشهر كحقٍّ قانونيٍّ له، بصرف النظر عن حرجها أو ما شاكل.

 

وفي المقابل أوجب الإسلام على المرأة أن تستجيب لزوجها في طلبه العلاقة الخاصّة كحقٍّ شرعيٍّ له، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا الرجل دعا زوجته لحاجته فلتأتِه، وإن كانت على التنُّور»[1].

 

وفي الختام تنبيهٌ هامّ من الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا نظر أحدكم إلى المرأة الحسناء فليأتِ أهله؛ فإنّ الذي معها مثل الذي مع تلك، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، فإن لم يكن له أهل فما يصنع؟ قال: «فليرفع نظره إلى السماء وليراقبه وليسأله من فضله»[2].

 


[1] الترمذيّ، أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة، الجامع الصحيح (سنن الترمذي)، تحقيق وتصحيح عبد الوهّاب عبد اللطيف، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1403هـ - 1983م، ط2، ج2، ص314.

[2] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج20، ص105.

 

44


37

الموعظة الخامسة: الرؤية الإسلاميّة في تربية الفتاة

الموعظة الخامسة: الرؤية الإسلاميّة في تربية الفتاة

 

 

1- ميزة الفتيات في الإسلام
2- الرؤية الإسلاميّة في تربية الفتيات
3- التربية على العفاف

 

45

 

 


38

الموعظة الخامسة: الرؤية الإسلاميّة في تربية الفتاة

هدف الموعظة

تعرّف نظرةِ الدين الإسلاميّ في تربية الفتيات، والحثّ على العفّة.

 

تصدير الموعظة

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «البنون نعيم، والبنات حسنات، والله يسأل عن النعيم ويثيب على الحسنات»[1].

 

ميزة الفتيات في الإسلام

أولى الإسلام اهتماماً خاصّاً وعنايةً بارزة بالفتيات؛ وذلك لما لهنّ من أدوار مهمّة وحسّاسة وتكاليف مُلقاة على عاتقهنّ في المستقبل. فالفتيات سوف يتعهّدن تربية جيلٍ شجاع صادق مؤمن، وسيكُنّ أساسَ العائلة وركنها وأساسَ السكون والهدوء في نظام الحياة.

 

وقد جُعلت للفتيات امتيازاتٌ أكثر من امتيازات الفتية كما يظهر في الروايات.

 

فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما من بيتٍ فيه البنات إلّا نزلت كلّ يوم عليه اثنتا عشرة بركة ورحمة من السماء، ولا ينقطع زيارة الملائكة من ذلك البيت؛ يكتبون لأبيهم كلّ يوم وليلة عبادة سنة»[2].

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص7.

[2] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج15، ص116.

 

46


39

الموعظة الخامسة: الرؤية الإسلاميّة في تربية الفتاة

وعنه (صلى الله عليه وآله): «نِعْمَ الولد البنات المخدَّرات؛ من كانت عنده واحدة جعلها الله ستراً من النّار، ومن كانت عنده اثنتان أدخله الله بها الجنّة، ومن يكن له ثلاث أو مثلهنّ من الأخوات وضع عنه الجهاد والصّدقةُ»[1].

 

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا بُشّر بجاريةٍ قال: ريحانة، ورزقها على الله -عزّ وجلّ-»[2].

 

الرؤية الإسلاميّة في تربية الفتاة

لقد جاء الإسلام بنظرةٍ مخالفةٍ لما كانت عليه الجاهليّة تجاه الفتاة والمرأة بشكلٍ عام، حيث كانت النظرة الأساس لها قائمة على اعتبارها موطناً لإشباع الغرائز والشهوات؛ ولذا كانت القبائل الضعيفة ترى البنات مجلبةً للعار، فكانوا يعمدون إلى وأد فتياتهم، وفي ذلك يصوّر القرآن الكريم حال الإنسان آنذاك عندما تولد له أنثى، يقول -تعالى-:

﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّا وَهُوَ كَظِيم ٥٨ يَتَوَٰرَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦٓۚ أَيُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمۡ يَدُسُّهُۥ فِي ٱلتُّرَابِۗ أَلَا سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ﴾[3].

 

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج101، ص91.

[2]  المصدر نفسه، ص97-98.

[3] سورة النحل، الآيتان 58-59.

 

47


40

الموعظة الخامسة: الرؤية الإسلاميّة في تربية الفتاة

أمّا في الرؤية الإسلاميّة فالفتيات يتمتّعن بامتيازات خاصّة وتفضيل واضح؛ إذ ذُكرن في الروايات على أنّهنّ أفضل من الأبناء، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «خير أولادكم البنات»[1].

 

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «البنات حسنات، والبنون نعمة؛ فالحسنات يُثاب عليها، والنِعم يُسأل عنها»[2].

 

ومن الخطوات التي رسمها الإسلام في عمليّة حفظ الفتاة وتربيتها، وتبيّن مدى اهتمامه بها، ما يأتي:

1. إنقاذها من ظلم المجتمع

جاء الإسلام فقضى على كافّة أشكال ظلم الفتاة، ولم يكن ذلك ردّة فعل لما حصل في الجاهلية فقط، بل لما تشكّله الفتاة في المستقبل من دور فعّال وكبير في بناء المجتمع وصلاحه، فهي اليوم بنت، وغداً زوجة، وبعده أمّ تربي الأجيال القادمة.

 

لذا، نرى بأنّ الله -تعالى- وعد بالحساب والمساءلة يوم القيامة على الظلم الذي كان يقع على الفتاة دون وجه حقّ، قال -تعالى-: ﴿وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ ٨ بِأَيِّ ذَنۢب قُتِلَتۡ﴾[3].

 

2. الاهتمام بتربيتها تربيةً صالحة

لقد اهتمّ الإسلام بتربية البنات وتعليمهنّ وتثقيفهنّ وتكريمهنّ

 

 


[1] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص219.

[2]  الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص481.

[3] سورة التكوير، الآيتان 8-9.

 

48


41

الموعظة الخامسة: الرؤية الإسلاميّة في تربية الفتاة

وغرس الاحترام في نفوسهنّ، فذلك من حقوقهنّ على الوالدين، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، وجبت له الجنّة»، فقيل: يا رسول الله، واثنتين؟ قال: «وإن كانتا اثنتين»، فقيل: يا رسول الله، وواحدة؟ فقال: «وواحدة»[1].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله) أيضاً: «من كانت له ابنة فأدّبها وأحسن أدبها، وعلّمها فأحسن تعليمها، فأوسع عليها من نِعَم الله التي أسبغ عليه، كانت له منعة وستراً من النار»[2].

 

3. إسعادها والرأفة بها

ففي الروايات أنّ الله -تعالى- أرحم بهنّ من الصبيان.

 

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ الله -تبارك وتعالى- على الإناث أرأف منه على الذكور، وما من رجل يُدخل فرحةً على امرأة بينه وبينها حرمة، إلّا فرّحه الله -تعالى- يوم القيامة»[3].

 

4. إكرامها وتقديرها

الحرص على احترام البنات وتقديرهنّ وإشعارهنّ بالمحبّة والمودّة من قِبل الأبوين، وبالأخصّ من جانب الأب؛ فينبغي له أن يراعي عواطفها ومزاجها ويجنّبها الغضب.

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص6.

[2] المتّقي الهنديّ، كنز العمال، مصدر سابق، ج16، ص 452.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص6.

 

49


42

الموعظة الخامسة: الرؤية الإسلاميّة في تربية الفتاة

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما أكرم النساء إلّا كريم، وما أهانهنّ إلّا لئيم»[1].

 

5. مراعاتها والاهتمام بعواطفها

أكثر ما يتحمّل ذلك هو الأب، فينبغي ألّا يخدش عواطفها ويكسر قلبها، وإذا أراد أن يعاقبها فلا بدّ من اتّخاذ الأسلوب الذي يجنّبها الأذى والاضطراب المؤدّي إلى العقد النفسيّة.

 

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «نِعْمَ الولد البنات؛ ملطّفات، مجهّزات، مؤنِسات، مباركات، مفليات»[2].

 

التربية على العفاف

العفاف قيمةٌ تربويّة لها أهمّيّة كبير وأثر بالغ في عمليّة التربية، وقد أولاها الإسلام اهتماماً خاصّاً، فحثّ عليها وأمر بها في الآيات والروايات، وفي الحديث ننطلق من محورين:

الأوّل: النظر في ما ورد في الشريعة الإسلاميّة في العفاف.

الثاني: النظر في الأسباب التي تؤدّي إلى الابتذال.

 

 


[1] المتّقي الهنديّ، كنز العمال، مصدر سابق، ج16، ص371.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص5.

 

50


43

الموعظة الخامسة: الرؤية الإسلاميّة في تربية الفتاة

المحور الأوّل: كيف تعاملت الشريعة مع قضيّة التربية على العفاف؟

 

ثمّة مجموعة من الأصول، وضعتها الشريعة الإسلاميّة وحثّت عليها:

1. الحثّ على عفّة البطن والفرج

قال -تعالى-: ﴿وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ ٢٩ إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ﴾[1].

 

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أحبّ العفاف إلى الله -تعالى- عفاف البطن والفرج»[2].

 

وعن الإمام علي (عليه السلام): «إذا أراد الله بعبدٍ خيراً أعفَّ بطنه وفرجه»[3].

 

وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «ما عُبد الله بشيء أفضل من عفّة بطن وفرج»[4].

 

2. الحرص على عفّة الجوارح الأخرى

المسلم يعفّ يده ورجله وعينه وأذنه عن الحرام فلا تغلبه شهواته، وقد أمر الله كلّ مسلم أن يعفّ نفسه ويحفظ جوارحه

 

 


[1] المعارج، الآيتان 29-30.

[2] ورام بن أبي فراس المالكيّ الأشتريّ، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام)، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1368ش، ط2، ج2، ص349.

[3] التميمي الآمدي، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم ودرر الكلم، تحقيق وتصحيح السيّد مهدي رجائي‏، نشر دار الكتاب الإسلاميّ‏، إيران- قم‏، 1410هـ، ط2، ص289.

[4]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص79.

 

51


44

الموعظة الخامسة: الرؤية الإسلاميّة في تربية الفتاة

عن الحرام.

 

قال -تعالى-: ﴿وَلۡيَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغۡنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ﴾[1].

 

وحرَّم الإسلام النظر إلى المرأة الأجنبيّة، وأمر الله المسلمين أن يغضّوا أبصارهم، فقال: ﴿قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ﴾[2]، ﴿وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ﴾[3].

 

3. الحثّ على الستر

فعلى المسلم أن يستر ما بين سرّته إلى ركبتيه، وعلى المسلمة أن تلتزم بالحجاب؛ لأنّ شيمتها العفّة والوقار، قال -تعالى-: ﴿وَلۡيَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ﴾[4]، ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَا يُؤۡذَيۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورا رَّحِيما﴾[5].

 

المحور الثاني: نظرة في الأسباب

العفّة هي برنامج حياة، يجب أن يتحلّى بها من أراد السمو

 

 


[1] سورة النور، الآية 33.

[2] سورة النـور، الآية 30.

[3] سورة النور، الآية 31.

[4] سورة النور، الآية 31.

[5]  سورة الأحزاب، الآية 59.

 

52


45

الموعظة الخامسة: الرؤية الإسلاميّة في تربية الفتاة

والمروءة، وإنّ من أهمّ أسباب تماسك المجتمعات والأسر هو تربية المجتمع على العفّة القويّة الراسخة، ومن أهمّ أسباب تفكّك المجتمعات والأسر، هو ضعف العفّة وعدم التربية عليها، وكثرة الابتذال، والتحلّل من القيود والضوابط الدينيّة.

 

ومن أهمّ الأسباب التي تؤدّي إلى الابتذال وعدم وجود العفاف، والتي يجب أن نلتفت إليها، ما يأتي:

1- وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة، وما تقدّمه من سموم عبر شاشاتها وبرامجها المختلفة.

2- حملة الإفساد الموجّهة إلى المرأة، وذلك بالدعوة إلى التبرّج والسفور، وترك الحجاب.

3- اعتماد جسد المرأة كوسيلة إعلانيّة وتجاريّة للإغراء والإثارة.

4- تأخّر الزواج عند الفتيات والشباب، بسبب صعوبة المعيشة وارتفاع المهور.

5- قلّة الورع، وقلّة الأمانة، وعدم المبالاة بالحلال والحرام.

 

53


46

الموعظة السادسة: عليٌّ وفاطمة (عليهما السلام) النموذج الأمثل للحياة الزوجيّة

الموعظة السادسة: عليٌّ وفاطمة (عليهما السلام) النموذج الأمثل للحياة الزوجيّة

 

 

1- فاطمة كمال القدوة والأسوة
2- قصّة زواج النورين
3- مهر الزهراء (عليها السلام) وزفافها
4- الحياة الزوجيّة تعاون وإيثار
5- هكذا تكون الزوجة

 

54

 

 


47

الموعظة السادسة: عليٌّ وفاطمة (عليهما السلام) النموذج الأمثل للحياة الزوجيّة

هدف الموعظة

تعرّف الحياةِ الزوجيّة النموذجيّة لأمير المؤمنين (عليه السلام) والسيّدة الزهراء (عليها السلام)، والاقتداء بهما.

 

تصدير الموعظة

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أبشرّك يا عليّ؛ فإنّ الله -عزّ وجلّ- قد زوّجكها في السماء من قبل أن أزوّجكها في الأرض»[1].

 

فاطمة كمال القدوة والأسوة

تضافرت الروايات وأخبار السِيّر بذكر جوانب الكمال والقدوة في شخصيّة سيّدة نساء العالمين فاطمة بنت محمّد (عليها السلام)، ويكفي للدلالة والشهادة على ذلك ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء هذه الأمّة أو نساء المؤمنين»[2].

 

قصّة زواج النورين

ورد في قصّة زواج السيّدة الزهراء من الإمام عليّ (عليهما السلام)، أنّ الإمام (عليه السلام) جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو في منزل أُمّ سلمة،

 

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج43، ص127.

[2] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص692.

 

55


48

الموعظة السادسة: عليٌّ وفاطمة (عليهما السلام) النموذج الأمثل للحياة الزوجيّة

فسلّم عليه، وجلس بين يديه، فقال له النبيّ (صلى الله عليه وآله): «أتَيْتَ لِحاجَة؟»، فقال الإمام (عليه السلام) بعد كلام طويل: «... وقد أتَيتُ خاطباً ابنتك فاطمة، فهلْ أنتَ مُزوِّجي؟».

 

قالت أمّ سلمة: فرأيت وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتهلّل فرحاً وسروراً[1].

 

ورُوي أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال لفاطمة (عليها السلام): «إنّ عليّ بن أبي طالب ممّن قد عرفت قرابته وفضله من الإسلام، وإنّي سألت ربّى أن يزوّجك خير خلقه وأحبّهم إليه، وقد ذكر من أمرك شيئاً، فما ترَين؟»، فسكتت، فخرج رسول الله، وهو يقول: «الله أكبر! سكوتها إقرارها»[2].

 

إخبار الناس

أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنس بن مالك أن يجمع الناس ليُعلِن عليهم نبأ تزويج فاطمة من الإمام عليّ (عليه السلام)، فلمّا اجتمعوا قال (صلى الله عليه وآله) لهم: «وإنّ الله -عزّ وجلّ- أمرني أن أزوّج كريمتي فاطمة بأخي وابن عمّي وأولى الناس بي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وإنّ الله 

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج43، ص127.

[2] ابن شهر آشوب، مشير الدين أبو عبد الله محمّد بن علي، مناقب آل أبي طالب، تصحيح وشرح ومقابلة لجنة من أساتذة النجف الأشرف، المكتبة الحيدريّة، العراق - النجف الأشرف، 1376ه - 1956م، لا.ط، ج3، ص127.

 

56


49

الموعظة السادسة: عليٌّ وفاطمة (عليهما السلام) النموذج الأمثل للحياة الزوجيّة

قد زوّجه في السماء بشهادة الملائكة، وأمرني أن أزوّجه وأُشهِدكم على ذلك»[1].

 

خطبة النبي (صلى الله عليه وآله) عند تزويجهما (عليهما السلام)

وورد أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطب في هذه المناسبة قائلاً: «الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المُطاع بسلطانه، المرهوب من عذابه، المرغوب إليه في ما عنده، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميّزهم بأحكامه، وأعزّهم بدينه، وأكرمهم بنبيّه محمّد.

 

ثمّ إنّ الله جعل المصاهرة نسباً لاحقاً، وأمراً مفترضاً، وشجّ بها الأرحام، وألزمها الأنام، فقال -تبارك اسمه، وتعالى جدّه- : ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلۡمَآءِ بَشَرا فَجَعَلَهُۥ نَسَبا وَصِهۡراۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرا﴾[2].

 

ثمّ إنّ الله أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ، وإنّي أشهد أنّي قد زوّجتها إيّاه على أربعمئة مثقال فضّة، أرضيتَ؟»، فقال (عليه السلام): «رضيت يا رسول الله»، ثمّ خرّ ساجداً، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):

 


[1]  الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج14، ص311.

[2] سورة الفرقان، الآية 54.

 

57


50

الموعظة السادسة: عليٌّ وفاطمة (عليهما السلام) النموذج الأمثل للحياة الزوجيّة

«بارك الله عليكما، وبارك فيكما، واسعد جدّكما، وجمع بينكما، وأخرج منكما الكثير الطيّب»[1].

 

مهر الزهراء (عليها السلام)

رُوي في مهر السيّدة الزهراء (عليها السلام) أنّه كان بقيمة خمسمئة درهم من الفضّة؛ وهو القول المشهور، والمعروف بمهر السنّة، وقد ثبت ذلك من طريق أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، والخمسمئة درهم تساوي 250 مثقالاً من الفضّة تقريباً.

 

زفافها

ولمّا كانت ليلة الزفاف، أتى (صلى الله عليه وآله)... وأخذ علياً (عليه السلام) بيمينه وفاطمة (عليها السلام) بشماله، وضمّهما إلى صدره، فقبّل ما بين أعينهما، وأخذ بيد فاطمة فوضعها في يد عليّ، وقال: «بارك الله لكَ في ابنة رسول الله!».

 

وقال (صلى الله عليه وآله): «يا عليّ، نِعْم الزوجة زوجتك!»، وقال: «يا فاطمة، نِعْم البعل بعلك!»، ثمّ قال لهما: «اذهبا إلى بيتكما، جمع الله بينكما وأصلح بالكما»، وقام يمشي بينهما حتّى أدخلهما بيتهما[2].

 

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج43، ص119.

[2] المصدر نفسه، ص96.

 

58


51

الموعظة السادسة: عليٌّ وفاطمة (عليهما السلام) النموذج الأمثل للحياة الزوجيّة

أثاث بيتهما

جهّز الإمام (عليه السلام) داره، وفرش بيته بالرمل الليّن، ونصب خشبة من الحائط إلى الحائط لتعليق الثياب عليها، وبسط على الأرض إهاب كبش ومخدَّة ليف.

 

الحياة الزوجيّة تعاون وإيثار

ورد أنّ أمير المؤمنين والسيّدة فاطمة (عليهما السلام) كانا يتشاركان أعمال المنزل. وفي يوم دخل عليهما رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فوجدهما يطحنان في الجاروش، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): «أيّكما أعيى؟»، فقال عليّ (عليه السلام): «فاطمة، يا رسول الله»، فقال (صلى الله عليه وآله): «قومي يا بنيّة»، فقامت وجلس النبيّ (صلى الله عليه وآله) موضعها مع عليّ (عليه السلام)، فواساه في طحن الحبّ[1].

 

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة (عليها السلام) تطحن وتعجن وتخبز»[2].

 

وجاء في تفسير العيّاشيّ، عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ فاطمة ضمنت لعليّ (عليه السلام) عمل البيت والعجين والخبز وقمّ البيت،

 

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج43، ص51.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص86.

 

59


52

الموعظة السادسة: عليٌّ وفاطمة (عليهما السلام) النموذج الأمثل للحياة الزوجيّة

وضمن لها عليٌ ما كان خلف الباب؛ نقل الحطب وأن يجيء بالطعام، فقال لها يوماً: يا فاطمة، هل عندك شيء؟ قالت: والذي عظّم حقّك، ما كان عندنا منذ ثلاثة أيّام شيء نقريك به، قال: أفلا أخبرتِني؟ قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهاني أن أسألك شيئاً، فقال: لا تسألين ابن عمّك شيئاً أن جاءك بشيء [عفو]، وإلّا فلا تسأليه»[1].

 

تضحيات السيّدة فاطمة أمام أسرتها

لقد كانت بنت النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) تبذل قصارى جهدها لإسعاد أسرتها، ولم تستثقل أداء مهام البيت على الرغم من كلّ الصعوبات والمشاقّ، حتّى أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) رقّ لحالها وامتدح صنعها، وقال لرجل من بني سعد: «ألا أحدّثك عنّي وعن فاطمة؟ إنّها كانت عندي، وكانت من أحبّ أهله (صلى الله عليه وآله) إليه، وإنّها استقت بالقربة حتّى أثّر في صدرها، وطحنت بالرحى حتّى مجلت يداها، وكسحت البيت حتّى اغبرّت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتّى دكنت ثيابها، فأصابها من ذلك ضرر شديد، فقلتُ لها: لو أتيتِ أباكِ، فسألتيه خادماً يكفيكِ ضرّ ما أنتِ فيه من هذا العمل، فأتت النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فوجدت عنده حدّاثاً،

 


[1]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج14، ص197.

 

60


53

الموعظة السادسة: عليٌّ وفاطمة (عليهما السلام) النموذج الأمثل للحياة الزوجيّة

فاستحت فانصرفت... فَعلم النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّها جاءت لحاجة؛ فغدا علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله)... فقال: أفلا أعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما، فسبّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبّرا أربعاً وثلاثين»[1].

 

هكذا تكون الزوجة

كانت (عليها السلام) تشجّع زوجها، وتمتدح شجاعته وتضحيته، وتشدّ على يده للمعارك المقبلة، وتسكّن جراحه، حتّى قال الإمام (عليه السلام) في ذلك : «ولقد كنت انظر إليها، فتكشف عنّي الغموم والأحزان بنظري إليها»[2].

 

ولقد كانت حريصة كلّ الحرص في القيام بمهام الزوجيّة، وما أسخطته يوماً وما عصت له أمراً، وقابلها الإمام عليّ (عليه السلام) بالاحترام والودّ، وهو يعلم مقامها ومنزلتها الرفيعة، حتّى قال: «فوالله، ما أغضبتها، ولا أكرهتها على أمر حتّى قبضها الله -عزّ وجلّ-، ولا أغضبتني، ولا عصت لي أمراً»[3].

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج43، ص82.

[2] الخوارزميّ، الموفق بن أحمد بن محمّد المكي، المناقب، تحقيق الشيخ مالك المحموديّ - مؤسّسة سيّد الشهداء (عليه السلام)، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1414هـ، ط2، ص353.

[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج43، ص134.

 

61 


54

الموعظة السادسة: عليٌّ وفاطمة (عليهما السلام) النموذج الأمثل للحياة الزوجيّة

وعن أبي سعيد الخدريّ، قال: أصبح عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ذات يوم ساغباً، فقال: «يا فاطمة، هل عندك شيء تغذّينيه؟»، قالت: «لا، والذي أكرم أبي بالنبوّة وأكرمك بالوصيّة، ما أصبح الغداة عندي شيء، وما كان شيء أطعمناه مذ يومين إلاّ شيء كنت أؤثرك به على نفسي وعلى ابنيّ هذين الحسن والحسين!»، فقال عليّ (عليه السلام): «يا فاطمة، ألا كنت أعلمتني، فأبغيكم شيئاً»،

فقالت: «يا أبا الحسن، إنّي لأستحي من إلهي أن أكلّف نفسك ما لا تقدر عليه»[1].

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج37، ص103.

 

62


55

الموعظة السابعة: سنن النصر

المحور الثاني: الجهاد والشهادة


الموعظة السابعة: سنن النصر

 

 

1- السنن التاريخيّة في القرآن الكريم
2- هل النصر سنّة؟
3- قوانين النصر وسننه
4- الثورة والمقاومة وتجسيد قوانين النصر

 

63


56

الموعظة السابعة: سنن النصر

هدف الموعظة

تعرُّفُ سننِ النصر وقوانينِه.

 

تصدير الموعظة

﴿كَم مِّن فِئَة قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَة كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾[1].

 

السنن التاريخيّة في القرآن الكريم

اهتمّ القرآن الكريم بالسنن التاريخيّة، فمرّة يخبرنا عن التاريخ البشريّ وخضوعه لمجموعة من السنن على نحوٍ عام، كما في قوله -تعالى-: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ لَا يَسۡتَأۡخِرُونَ سَاعَة وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ﴾[2]، وأخرى يخبرنا عن سننٍ بعينها من خلال ذكر أمثلتها ومصاديقها، كما في قوله -تعالى-: ﴿وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُل مِّن قَبۡلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمۡ نَصۡرُنَاۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ﴾[3]، وثالثةً يمزج القرآن بين النظريّة والتطبيق، فيبيّن المفهوم الكلّيّ كما في إطار المصداق، ورابعةً يدعونا إلى النظر في التاريخ والتأمّل في ما سلف من الأمم الغابرة كي نكتشف القانون ونَعِي

 


[1] سورة البقرة، الآية 249.

[2] سورة الأعراف، الآية 34.

[3] سورة الأنعام، الآية 34.

 

64


57

الموعظة السابعة: سنن النصر

السنّة، كما في قوله -تعالى-: ﴿أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۗ﴾[1].

 

هل النصر سنّة؟

على ضوء ما تقدّم، ومن خلال استقراء آيات النصر في الكتاب الكريم يظهر أنّ النصر سنّة من السنن التي كتب الله على نفسه الالتزام بها، ومن الشواهد والقرائن العامّة الدالّة على ذلك تعبير الله عن منحه النصر لبعض الرسل والأمم السابقة بصيغة المضارع. ومن دلالات الفعل المضارع في اللغة الاستمرار والتكرار. وهاتان السمتان من سمات القانون. ومن الآيات التي وردت بهذه الصيغة قوله -تعالى-: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾[2].

 

أيضاً، اتّسمت بعض الآيات القرآنيّة المتحدّثة عن الصبر بالتأكيد المضاعف، وهذا يكشف عن أنّ النصر سنّة من السنن الإلهيّة التي يجريها الله -عزّ وجلّ- على من يستحقّها: ﴿كَتَبَ ٱللَّهُ لَأَغۡلِبَنَّ أَنَا۠ وَرُسُلِيٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز﴾[3]، فلام القسم ونون التوكيد في هذه الآية والآية السابقة، تفيدان التوكيد، بالإضافة إلى أنّ فعل «كتب» يدلّ على الجزم؛ فـ«الكتابة هي الإثبات والقضاء الحتم».[4]

 

 


[1] سورة يوسف، الآية 109.

[2] سورة الحجّ، الآية 40.

[3]  سورة المجادلة، الآية 21.

[4] العلّامة الطبطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج7، ص26.

 

 

65


58

الموعظة السابعة: سنن النصر

قوانين النصر وسننه

حدّد الله -تعالى- في كتابه الكريم سنن النصر وقوانينه؛ ليَعرفها عباده المؤمنون ويتعاملوا معها على بصيرة، ويسيروا وفق هديها:

1. النصر مِن عند الله -تعالى-: فمَن نصره الله لن يُغلب أبداً، ولو اجتمع عليه مَن بأقطارها، ومَن خذله فلن يُنصر أبداً، ولو كان معه العَدد والعُدَّة، قال -تعالى-: ﴿ إِن يَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ وَإِن يَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ﴾[1]، ﴿ إِذۡ تَسۡتَغِيثُونَ رَبَّكُمۡ فَٱسۡتَجَابَ لَكُمۡ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلۡف مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُرۡدِفِينَ ٩ وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ وَلِتَطۡمَئِنَّ بِهِۦ قُلُوبُكُمۡۚ وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[2].

 

2. النصر للمؤمنين: إنّ الله لا ينصر إلّا من نصرَه، وقد جاء هذا القانون بصيغة الشرط والجزاء في القرآن الكريم، قال -تعالى-: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ﴾[3].

 


[1] سورة آل عمران، الآية 160.

[2]  سورة الأنفال، الآيتان 9ـ10.

[3] سورة محمّد، الآية 7.

 

66


59

الموعظة السابعة: سنن النصر

وجاء في صورة الخبر الثابت المؤكَّد بلام القسم ونون التوكيد: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾[1].

 

وإنَّما تتحقَّق النُّصرة لله -تعالى- بنُصرة دينه، وإعلاء كلمته، وتحكيم شرعه في خلقه، وبهذا جاء في وصف مَن ينصرون الله -تعالى- عقب الآية السابقة: ﴿ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّٰهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَٰقِبَةُ ٱلۡأُمُورِ﴾[2].

 

3. النصر بالمؤمنين والملائكة: كما أنّ النصر لا يكون إلّا للمؤمنين، كذلك لا يكون إلّا بِالمؤمنين؛ فالنصر لهم، والنصر بهم، فهم غاية النصر وعُدَّته، وفي هذا يخاطب الله رسوله الكريم بقوله: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَيَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٦٢ وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ﴾[3]، وقد ينصر الله من يريد نصره بالملائكة ينزّلهم من السماء إلى الأرض، كما في غزوة بدر والخندق وحنين: ﴿إِذۡ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمۡ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ﴾[4]، ﴿فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحا وَجُنُودا لَّمۡ تَرَوۡهَاۚ﴾[5]، ويقول -عزّ وجلّ-: 

 


[1] سورة الحجّ، الآية 40.

[2] سورة الحجّ، الآية 41.

[3] سورة الأنفال، الآيتان 62ـ63.

[4] سورة الأنفال، الآية 12.

[5] سورة الأحزاب، الآية 9.

 

67


60

الموعظة السابعة: سنن النصر

﴿ثُمَّ أَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ وَعَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودا لَّمۡ تَرَوۡهَا وَعَذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ﴾[1].

 

وقد ينصر الله من يريد نصره بالظواهر الطبيعية يُسَخِّرُها في خدمته، أو يسلِّطها على عدوّه، كما سلَّط الريح على المشركين في الخندق: ﴿فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِيحا﴾،[2] وكما أنزل المطر رحمةً على المسلمين في بدر: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِۦ وَيُذۡهِبَ عَنكُمۡ رِجۡزَ ٱلشَّيۡطَٰنِ وَلِيَرۡبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمۡ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلۡأَقۡدَامَ﴾[3]، وقد ينصر الله من يريد نصره بأيدي أعدائه وأعداء الله أنفسهم، بما يَقذف في قلوبهم من رعب يُدمِّر معنوِيَّاتهم، ويَقتل شخصيّاتهم، كما حدَث ليهود بني النضير: ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَۚ يُخۡرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيۡدِيهِمۡ وَأَيۡدِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فَٱعۡتَبِرُواْ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ﴾[4].

 

4. الإعداد العسكريّ: فالجهوزيّة القتاليّة، من حيث توفّر العدّة والعتاد والتدريب العسكريّ، تُعدُّ من العوامل المادّيّة المؤثّرة في النصر، وبهذه أمر الله -تعالى-: ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّة وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ

 

 


[1]  سورة التوبة، الآية 26.

[2] سورة الأحزاب، الآية 9.

[3] سورة الأنفال، الآية 11.

[4] سورة الحشر، الآية 2.

 

68


61

الموعظة السابعة: سنن النصر

وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡء فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ﴾[1].

 

5. التوكّل على الله والأخذ بالأسباب: التوكّل على الله مع إعداد القوّة من أعظم عوامل النصر؛ لقوله -تعالى-: ﴿إِن يَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ وَإِن يَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ﴾[2]، ﴿فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ﴾[3]. ولا بدّ في التوكّل من الأخذ بالأسباب؛ لأنّ التوكّل يقوم على الاعتماد على الله والثقة بوعده ونصره -تعالى-، والأخذ بالأسباب الطبيعيّة كالتخطيط والتدريب والتجهيز ومعرفة العدوّ وخططه وتقنيّاته، والاستفادة من مختلف التقنيّات العسكريّة الممكنة.

 

الثورة والمقاومة وتجسيد قوانين النصر

عندما نتتبّع أحداث الثورة الإسلاميّة بقيادة الإمام الخمينيّ (قدس سره) نجد أنّ الإمام (قدس سره) قد استند إلى مجموعة من

 

 


[1] سورة الأنفال، الآية 60.

[2] سورة آل عمران، الآية 160.

[3] سورة آل عمران، الآية 159.

 

69


62

الموعظة السابعة: سنن النصر

الثوابت في مواجهة النظام الظالم في إيران والعمل على إسقاطه، أهمّها:

1. الثقة المطلقة بنصر الله، وأنّ النصر للمؤمنين وبالمؤمنين، فقد وعد الله المؤمنين بالنصر المبين على أعدائهم؛ وذلك بإظهار دينهم، وإهلاك عدوهم وإن طال الزمن، قال -تعالى-: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا﴾[1] ومن أعظم أسباب النصر: نصر دين الله والقيام به قولاً وعملاً ودعوة، قال -تعالى-: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[2].

 

2. التسليم المطلق والتوكّل على الله -تعالى-، والرضا بقضائه وقدره.

 

3. تكريس ثقافة حبّ الشهادة، وهذا واضح من خلال قافلة الشهداء الكبيرة من القادة الكبار، وسائر شرائح المجتمع التي قدّمتها الثورة والمقاومة دفاعاً عن الحقّ، وحفظاً للكرامات، والأوطان والمقدسّات، قال الإمام

 

 


[1] سورة غافر، الآية 51.

[2] سورة الحجّ، الآية 40.

 

70


63

الموعظة السابعة: سنن النصر

الخمينيّ (قدس سره): «حقّ الشهداء الكبير علينا أن نوضّح للجميع ثقافة الشّهادة ومكانة الجهاد في سبيل الله».

 

4. الشجاعة والثبات والقوّة، فمن عوامل النصر الثبات عند اللقاء، وعدم الانهزام والفرار فكما ثبت النبيّ (صلى الله عليه وآله) في جميع معاركه التي خاضها، فقد ثبتت الثورة أمام أشدّ القِوى في هذا العالم، المتمثّلة بالشيطان الأكبر وقوى الاستكبار الأخرى، وكذا الحال مع المقاومة الإسلاميّة في لبنان التي واجهت بشجاعة المخطّطات المحليّة والعربيّة والعالميّة كلّها، وصمدت حتّى هزمت إسرائيل في الميدان، وأسقطت المشاريع السياسيّة والديموغرافيّة التي كانت مقرّرة للمقاومة وأهلها.

 

71


64

الموعظة الثامنة: الجهادُ عزُّ الأمّة

الموعظة الثامنة: الجهادُ عزُّ الأمّة

 

1- بذل الدماء طريق العزّة والكرامة
2- القتال بما هو ليس قيمة ذاتيّة
3- الإنسان والجهاد
4- فضل الجهاد
5- من هو العدوّ الحقيقيّ؟
6- عليكم بالجهاد الأكبر لتوفَّقوا في الجهاد الأصغر

 

72


65

الموعظة الثامنة: الجهادُ عزُّ الأمّة

هدف الموعظة

إظهار دور الجهاد والشهادة في عزّة الأمّة ومنعتها.

 

تصدير الموعظة

عن الإمام علي (عليه السلام): «إنّ الجهادَ أشرفُ الأعمال بعد الإسلام، وهو قِوام الدين، والأجر فيه عظيم مع العزّة والمنعة...»[1].

 

بذل الدماء طريق العزّة والكرامة

مذ وُجد الإنسان على الأرض، وُجد الصراع بين الحقّ والباطل، وبين العدل والظلم، وبين الإيمان والكفر، وكان الجهاد وبذل الدماء طريقاً لمناهضة الظلم والاضطهاد، لحفظ كرامة الإنسان وعزّته، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): اغزوا، تُورِثوا أبناءَكم مجداً»[2].

وأشارت العديد من الروايات الشريفة إلى أنّ ترك الجهاد في سبيل الله هو سبب في مذلّة الأمّة وانسلاخ العزّة والكرامة عنها، وتخبّطها بالعار والفقر، كما في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام): «أمّا بعد، فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة، فتحه الله لخاصّة أوليائه، وهو 

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص 37.

[2] المصدر نفسه، ج5، ص8.

 

73


66

الموعظة الثامنة: الجهادُ عزُّ الأمّة

لباس التقوى ودرع الله الحصينة وجنّته الوثيقة؛ فمن تركه رغبةً عنه ألبسه الله ثوب الذلّ وشمله البلاء، ودُّيِثَ بالصغار والقماءة، وضُرب على قلبه بالأسداد[1]، وأُديل[2]الحقّ منه بتضييع الجهاد، وسِيمَ الخسف ومُنِع النَصف»[3].

 

القتال بما هو ليس قيمة ذاتيّة

إنّ القتال لا يُعدُّ في الإسلام بذاته قيمةً من القيم؛ ذلك أنّه سببٌ في الخراب والتدمير، وإزهاق الأنفس، وإهدار القوى والإمكانيّات التي يمكن أن تُسخَّر لخدمة الإنسان وسعادته؛ ولذلك جُعِل في بعض الآيات القرآنيّة في مصافّ العقوبات الإلهيّة، قال -تعالى-: ﴿ قُلۡ هُوَ ٱلۡقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبۡعَثَ عَلَيۡكُمۡ عَذَابا مِّن فَوۡقِكُمۡ أَوۡ مِن تَحۡتِ أَرۡجُلِكُمۡ أَوۡ يَلۡبِسَكُمۡ شِيَعا وَيُذِيقَ بَعۡضَكُم بَأۡسَ بَعۡضٍۗ﴾[4].

 

أمّا إذا تعرّض وجود الأمّة للخطر، أو أنّ أهدافه المقدّسة السامية أصبحت مهدّدة بالسقوط، فإنّ القتال هنا يصبح قيمةً سامية، ويكتسب عنوان الجهاد في سبيل الله.

 


[1] بالأسداد، أي سُدّت عليه الطرق وعميت عليه مذاهبه.

[2] الإدالة: النصر والغلبة والدولة.

[3]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام علي (عليه السلام))، مصدر سابق، ص69.

[4] سورة الأنعام، الآية 65.

 

74


67

الموعظة الثامنة: الجهادُ عزُّ الأمّة

الإنسان والجهاد

تميل غريزة الإنسان نحو الراحة والدِعة، وتكره كلّ ما يسلب منها تلك الراحة. وإنّ أحكام الشريعة تضبط هذه الغرائز بما يتلاءم مع مصلحة الفرد والمجتمع على حدٍّ سواء. ومن هنا كان تشريع الجهاد بما فيه من الآثار المهمّة، يقول الله -تعالى-: ﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ وَهُوَ كُرۡه لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡ‍ٔا وَهُوَ خَيۡر لَّكُمۡۖ وَعَسَىٰٓ أَن تُحِبُّواْ شَيۡ‍ٔا وَهُوَ شَرّ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ وَأَنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾[1].

ويشير القرآن الكريم إلى أمثلة كثيرة لتخلِّف الناس عن جهاد العدوّ، ففي سيرة بني إسرائيل أنّهم بعد النبيّ موسى (عليه السلام)، تخلّفوا عن الالتزام بهذا الواجب المقدس، إلّا القليل منهم، قال -سبحانه وتعالى-: ﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلۡمَلَإِ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰٓ إِذۡ قَالُواْ لِنَبِيّ لَّهُمُ ٱبۡعَثۡ لَنَا مَلِكا نُّقَٰتِلۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ قَالَ هَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِتَالُ أَلَّا تُقَٰتِلُواْۖ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلَّا نُقَٰتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدۡ أُخۡرِجۡنَا مِن دِيَٰرِنَا وَأَبۡنَآئِنَاۖ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ تَوَلَّوۡاْ إِلَّا قَلِيلا مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ﴾[2].

 

وهكذا هم اليهود، جبناء في القتال، لا يقاتلون إلّا من وراء جُدر، فإذا حمي البأس فرّوا وولَّوْا الأدبار؛ ذلك أنّهم لا يرجون الآخرة.

 


[1] سورة البقرة، الآية 216.

[2] سورة البقرة، الآية 246.

 

75


68

الموعظة الثامنة: الجهادُ عزُّ الأمّة

فضل الجهاد

تشير بعض الآيات القرآنيّة والروايات الشريفة إلى فضل الجهاد في سبيل الله -تعالى-، وتفضيل الإنسان المجاهد على القاعد، يقول -سبحانه-: ﴿لَّا يَسۡتَوِي ٱلۡقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ غَيۡرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلۡمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ عَلَى ٱلۡقَٰعِدِينَ دَرَجَةۚ وَكُلّا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلۡقَٰعِدِينَ أَجۡرًا عَظِيما﴾[1].

 

وتشير بعض الروايات إلى المكانة المرموقة التي يحتلّها الجهاد في سبيل الله بين العبادات الشريفة، فعن أحدهم، عن الإمام الباقر (عليه السلام): «ألا أخبرك بالإسلام؛ أصله وفرعه وذروة سنامه؟»[2]، قلت: بلى، جُعِلت فداك! قال: «أمّا أصله فالصلاة، وفرعه الزكاة، وذروة سنامه الجهاد»[3].

 

من هو العدوّ الحقيقيّ؟

تقع الكثير من الجهات التي ترفع راية الجهاد في الشبهات، وتصنّف الأعداء من دون أن تستند في ذلك إلى مسوّغ. إنّ العدوّ

 


[1] سورة النساء، الآية 95.

[2] والسنام هو المكان المرتفع في ظهر الجمل، وهي أعلى نقطة في الظهر، والتشبيه بالسنام في الرواية، بل وذروة السنام، واضح في تبيان مكانة الجهاد في رأس هرم الشريعة.

[3]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص24.

 

76


69

الموعظة الثامنة: الجهادُ عزُّ الأمّة

الحقيقيّ هو الذي يشكّل تهديداً حقيقيّاً من خلال أمور عدّة، أبرزها:

1. الهجمة العسكريّة: وينبغي في هذا الإطار أن تهبّ الأمّة جمعاء لمقاومة هذا الغزو والدفاع عن الأرض والعرض والكرامات، وهذا حقّ للإنسان تكفّلت بمنحه إيّاه الشرائع السماويّة والقوانين الوضعيّة.

 

2. الهجمة الثقافيّة: وينبغي أن تجابه بالعلم والفكر والحوار البنّاء الساعي للوصول إلى الحقيقة، بدون استعلاء ولا مراء، وللجهاد الثقافيّ دور هامّ ويتمّ بأساليب في غاية المرونة، وهو أشبه ما يكون بالطبّ، من حيث الاهتمام والحرص والمداراة، وهو ما يسمّى بالتبليغ.

 

العدوّ الحقيقيّ للأمّة اليوم

نحن نعيش في زمن سقطت فيه الأقنعة وظهر الأعداء بشكل واضح وعلنيّ، ولا نحتاج إلى كثير من الوعي لتشخيص العدو المتمثّل بالاحتلال الأمريكيّ والصهيونيّ، فالإدارة الأمريكيّة التي تعمل وفق أولويّة الحفاظ على الكيان الصهيونيّ في منطقتنا كشرطيٍّ يمنع من قيام الأمّة ويسيطر عليها ويستعبدها عسكريّاً وسياسيّاً واقتصاديّاً... لا شكّ أنّ هذه الإدارة هي العدوّ.

 

77


70

الموعظة الثامنة: الجهادُ عزُّ الأمّة

عليكم بالجهاد الأكبر لتوفَّقوا في الجهاد الأصغر

قسّم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) الجهاد قسمين، والذي تحدّثنا عنه هو الجهاد الأصغر، ولكي يوفَّق الإنسان في هذا الجهاد ويصل به إلى مرتبة يصبح فيها عبادة حقيقيّة لله -تعالى- وليكون سناماً لذروة الدين كما في الحديث، ينبغي على المسلم أن لا يغفل عن الجهاد الأكبر التي أشارت له الرواية المشهورة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) بعث بسريَّةٍ، فلمّا رجعوا، قال: مرحباً بقوم قضَوا الجهاد الأصغر وبقي الجهاد الأكبر، قيل: يا رسول الله، وما الجهاد الأكبر؟ قال: جهاد النفس»[1].

 

ولنتذكّر في خطبة الجهاد تعبير أمير المؤمنين (عليه السلام): «فتحه الله لخاصة أوليائه»، فإنّ المجاهد الحقيقيّ هو من أولياء الله الذين استطاعوا أن يهذِّبوا أنفسهم، ويبتعدوا بها عن الأخلاق السيّئة والمعاصي الرذيلة، فلا جهاد حقيقيّ دون تهذيب النفس.

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص12.

 

78


71

الموعظة الثامنة: الجهادُ عزُّ الأمّة

الموعظة التاسعة: الشهادة في الإسلام

 

 

1- معنى الشهادة والشهيد
2- قيمة الشهادة ومنزلة الشهيد
3- رسول الله (صلى الله عليه وآله) والقادة الشهداء

 

 

79

 


72

الموعظة التاسعة: الشهادة في الإسلام

هدف الموعظة

بيان قيمة الشهادة، ومنزلة الشهيد في الإسلام، وتكريس ثقافة الشهادة في عزّة الإسلام والمسلمين.

 

تصدير الموعظة

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أشرف القتل موت الشهادة»[1].

 

معنى الشهادة والشهيد

اختُلف في أصل المعنى اللغويّ المأخوذ منه لفظ الشهادة أو الشهيد، واختُلف في معناه أيضاً، فقيل هو شهيدٌ لأن ملائكة الرحمة تَشهده، أو هو شهيد لسقوطه على الأرض، وهي تُسمّى الشاهدة، أو لأنّ الله وملائكته شهودٌ له بالجنّة، أو لأنّه يشهد يوم القيامة على من قَتله، أو لأنّه يَحضُرُ عند ربّه حيّاً...

 

وأمّا المعنى الاصطلاحيّ للشهادة فهو: القتل في سبيل الله -عزّ وجلّ-، فكلّ من قُتل في سبيل الله، ضمن الشرائط المحدّدة فقهيّاً، فهو شهيد، ويلحق بهم طائفة ممَّن نصَّت الروايات عليهم، ممّن قُتل دون ماله ورحله ونفسه فهو شهيد، ويقترن معنى الشهادة

 

 


[1]  ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله‏، شرح نهج البلاغة، تحقيق وتصحيح محمّد أبو الفضل إبراهيم، نشر مكتبة آية الله المرعشيّ النجفي‏ّ، إيران - قم، 1404ه‏، ودار إحياء الكتب العربيّة، 1378ه - 1959م، ط1، ج5، ص245.

 

80


73

الموعظة التاسعة: الشهادة في الإسلام

بتضحية المرء بنفسه في سبيل الله، في مواقف الدفاع عن الإسلام وإعلاء كلمة الله.

 

قيمة الشهادة ومنزلة الشهيد

حدّد القرآن الكريم والسنة الشريفة مقام الشهداء عند الله -عزَّ وجلَّ-، ففضّلهم حتّى غدت الشهادة أعظم وسائل القرب من رحمة الله -تعالى-، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «فوق كلّ ذي برٍّ برٌّ، حتّى يُقتلَ الرجل في سبيل الله، فإذا قُتل في سبيل الله فليس فوقه برّ»[1].

 

فالتضحية بالنفس هي أعلى أنواع التضحية، وفيها يجود المسلم بنفسه لله -سبحانه-، يقول –تعالى-: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقۡتُلُونَ وَيُقۡتَلُونَۖ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّا فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ وَٱلۡقُرۡءَانِۚ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِۚ فَٱسۡتَبۡشِرُواْ بِبَيۡعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعۡتُم بِهِۦۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ﴾[2].

 

والنصوص في مقام الشهادة والشهيد كثيرةٌ، نذكر منها:

1. الشهادة حياة عند الله، قال -تعالى-: ﴿وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ﴾[3]، ﴿ وَلَا تَقُولُواْ لِمَن يُقۡتَلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتُۢ بَلۡ أَحۡيَآء وَلَٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ﴾[4].

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص348.

[2] سورة التوبة، الآية 111.

[3] سورة آل عمران، الآية 169 .

[4] سورة البقرة، الآية 154.

 

81


74

الموعظة التاسعة: الشهادة في الإسلام

2. حبّ الرسول والآل الأطهار (عليهم السلام) للشهادة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «والذي نفسي بيده، لوددت أن أغزوَ في سبيل الله فأُقتل، ثمّ أغزو فأُقتل، ثمّ أغزو فأُقتل»[1]، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «فوالله، إنّي لعلى حقّ، وإنّي للشهادة لَمُحبّ»[2].

 

3. الشهادة تمحو الذنوب، فالله -تعالى- يكرّم الشهيد بتكفير ما عليه من الذنوب التي بينه وبين الله، فعن الإمام الباقر (عليه السلام): «كلّ ذنبٍ يكفّره القتل في سبيل الله -عزّ وجلّ- إلّا الدَين، لا كفّارة له إلّا أداؤه، أو يقضي صاحبه، أو يعفو الذي له الحقّ»[3].

 

4. أشرف الموت، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أشرف الموت قتل الشهادة»[4].

 

وخصال الشهيد وخصوصيّاته كثيرة، نذكر منها:

ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «للشهيد عند الله ستّ 

 


[1] النوويّ، أبو زكريّا يحيى بن شرف الدمشقيّ، شرح صحيح مسلم، دار الكتاب العربيّ، لبنان - بيروت، 1407ه - 1987م، لا.ط، ج13، ص22.

[2]  ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، مصدر سابق، ج6، ص100.

[3]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص94.

[4] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص577.

 

82


75

الموعظة التاسعة: الشهادة في الإسلام

خصال: أن يُغفَر له في أوّل دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنّة، ويُحلّى حلّة الإيمان، ويُزوَّج من الحور العين، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر يوم الفزع الأكبر، ويُوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويُزوَّج اثنتين وسبعين زوجةً من الحور العين، ويُشفَّع في سبعين إنساناً من أقاربه»[1].

 

ومنها أنّه يُخفّف عنه مسّ الموت، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما يجد الشهيد من مسّ القتل إلّا كما يجد أحدكم من مسّ القرصة»[2].

 

ومنها أنّ باب الشهداء في الجنّة أحسن الدور وأفضلها، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «رأيت الليلة رجلين أتياني، فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني داراً هي أحسن وأفضل، لم أرَ قطّ أحسن منها، قالا لي: أمّا هذه، فدار الشهداء»[3].

 

ومنها ما عن الإمام الباقر (عليه السلام): «ما من قطرة أحبّ إلى الله من قطرتين: قطرة دم في سبيل الله...»[4].

 

 


[1] أحمد بن حنبل، المسند (مسند أحمد)، دار صادر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج4، ص131.

[2]  الترمذيّ، الجامع الصحيح (سنن الترمذيّ)، مصدر سابق، ج3، ص109.

[3] البخاريّ، أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل، صحيح البخاريّ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لا.م، 1401ه - 1981م، لا.ط، ج3، ص202.

[4] المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان، الأمالي، تحقيق حسين الأستاد ولي، علي أكبر الغفاري، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414ه - 1993م، ط2، ص 11.

 

83


76

الموعظة التاسعة: الشهادة في الإسلام

ومنها ما عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «ما من أحد يدخل الجنّة يحبّ أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلّا الشهيد، فإنّه يتمنّى أن يرجع فيُقتل عشر مرّات، لما يرى من الكرامة»[1].

 

رسول الله (صلى الله عليه وآله) والقادة الشهداء

عندما نستقرىء تاريخ المرحلة المدنيّة من الدعوة الإسلاميّة نجد أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قد شكّل جيشاً يدافع عن المسلمين وعقيدتهم داخل المدينة وخارجها، ما ساهم في تبديد قوى الشرك والكفر. وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قائداً عسكريّاً يخطّط ويوجّه ويقاتل ويقود الجبهة، وهذا ما يفسّر كثرة عدد الغزوات التي قادها النبيّ (صلى الله عليه وآله) بنفسه، حيث بلغت سبعاً وعشرين[2]. فالنبيّ (صلى الله عليه وآله) كان أشجع الناس، بل أكملهم شجاعة وإقداماً في هذه الحروب. وقد ظهرت شجاعته في المعارك الكبرى، ففي معركة بدر، عبّر الإمام علي (عليه السلام) عن شجاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قائلاً: «لقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو أقربنا إلى العدوّ، وكان من أشدّ الناس يومئذٍ بأساً»[3]، وعنه (عليه السلام): «كنّا 

 


[1]  المتّقي الهنديّ، كنز العمال، مصدر سابق، ج4، ص411.

[2]  ابن هشام الحميريّ، السيرة النبويّة، تحقيق وضبط وتعليق محمّد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة محمّد علي صبيح وأولاده، مصر - القاهرة، 1383ه - 1963م، لا.ط، ج4، ص486.

[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج16، ص232.

 

84


77

الموعظة التاسعة: الشهادة في الإسلام

إذا حمي البأس، ولقي القوم القوم اتّقينا برسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلا يكون أحد أدنى إلى القوم منه»[1].

 

فحضور القادة في الميدان مع المجاهدين له أثر كبير على المعركة والمجاهدين معاً، ومجريات الأحداث ونتائج المعركة، شهادةً كانت أو انتصاراً. وإنّ حضور رسول الله (صلى الله عليه وآله) في المعارك، ووجوده الشخصيّ في ميدان الحرب، له دلالات تشريعيّة وتربويّة وروحيّة عميقة، رسخت عبر التاريخ في قلوب المجاهدين والمقاومين، وأصبحت عنصراً فاعلاً في النصر، ومن هذه المدرسة تخرّج القادة الشهداء والمجاهدون في المقاومة الإسلاميّة.

 

وإنّ سرّ الانتصار بشهادتهم ودمائهم الزكية له أركان وثوابت، أهمّها:

الأوّل: الإيمان بنصر الله

الإيمان عقيدة وعمل واحتمال وأمل وثقة، يقول الله -تعالى-: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾[2].

 

الثاني: الاعتقاد بوجوب الجهاد

الاعتقاد بأنّ الجهاد والدفاع واجب كبقيّة الواجبات، بل من أهمّها، وقد فرضه الله على كلّ قادر دفاعاً عن المقدَّسات والحرمات، وعن العقيدة والمبدأ، وعن الحِمَى والوطن، وقد جاءت في القرآن

 

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 16، ص2.

[2] سورة الروم، الآية 47.

 

85


78

الموعظة التاسعة: الشهادة في الإسلام

آياتٌ كثيرة تحثُّ على استشعار روح هذا الجهاد، قال -تعالى-: ﴿وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ﴾[1].

 

الثالث: الاعتقاد بأنّ الشهادة حياة

لقد زخرت آيات الكتاب العزيز، واستفاضت نصوص السنة الشريفة في الحديث عن فضل الشهادة، وأنّ الشهداء أحياء، قال الله -تعالى-: ﴿وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ﴾[2].

 

ونظراً لإدراك النبيّ (صلى الله عليه وآله) وآل بيته (عليهم السلام) قيمة الشهادة ودرجتها العليا عند الله -تعالى-، وفي طلب الشهادة ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه»[3] و«من سأل الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه»[4].

 

الرابع: الاعتقاد بأنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة

ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أمّا بعد، فإنّ الجهادَ باب من أبواب الجنّة، فتحه الله لخاصّة أوليائه، وهو لباس التقوى ودرع الله الحصينة وجنّته الوثيقة»[5].

 

 


[1] سورة العنكبوت، الآية 69.

[2] سورة آل عمران، الآية 169 .

[3]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج67، ص201.

[4] المصدر نفسه.

[5] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام علي (عليه السلام))، مصدر سابق، ص69.

 

86


79

الموعظة العاشرة: المقدّسات في الإسلام ووجوب الدفاع عنها

الموعظة العاشرة: المقدّسات في الإسلام ووجوب الدفاع عنها

 

 

1- معنى المقدّس والقداسة
2- المقدّسات في الإسلام والشرائع السماويّة
3- خصوصيّة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)
4- الأماكن المقدّسة عند المسلمين
5- واجب المسلمين تجاه مقدّساتهم

 

87


80

الموعظة العاشرة: المقدّسات في الإسلام ووجوب الدفاع عنها

هدف الموعظة

إظهار أهمّيّة المقدّسات في ديننا، ووجوب احترامها وحفظها والدفاع عنها.

 

تصدير الموعظة

﴿ذَٰلِكَۖ وَمَن يُعَظِّمۡ حُرُمَٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيۡر لَّهُۥ عِندَ رَبِّهِۦۗ﴾[1].

 

معنى المقدّس والقداسة

القدس والقداسة والتقديس في اللغة والكتاب والاستعمال العرفيّ بمعنى التطهير، والتنزيه عن النقص والعيب، ولازم هذا كمال المقدّسات، واحترامها وتعظيمها، ووجوب الدفاع عنها بالغالي والنفيس؛ لأنّها تمّثل الكيان المعنويّ والإيمانيّ للبشر.

 

ورد في اللغة: قَدُسَ قدْساً وقُدُساً طَهُر وتبارك، وتقدّس، أي تطهّر، والقداسة الطهارة، يُقال: قدّس اللهُ فلاناً: طهّره وبارك عليه، والقدوس من أسماء الله الحسنى، أي المنزّه عن كلّ نقص وعيب... والتقديس: التطهير الإلهيّ الوارد في قوله -تعالى-: ﴿وَيُطَهِّرَكُمۡ تَطۡهِيرا﴾[2].

 


[1] سورة الحجّ، الآية 30.

[2] سورة الأحزاب، الآية 33.

 

88


81

الموعظة العاشرة: المقدّسات في الإسلام ووجوب الدفاع عنها

وقد ورد في الكتاب العزيز ما يؤكّد هذا المعنى، قال -تعالى-: ﴿يَٰقَوۡمِ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡأَرۡضَ ٱلۡمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡ﴾[1].

 

قيل: إنّها الجنّة، وقيل: الشريعة، وكلاهما صحيح، فالشريعة حظيرة منها يُستفاد القدُس، أي الطهارة، وقال -تعالى-: ﴿وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ﴾[2]؛ «أي نطهّر الأشياء ارتساماً لك، وقيل نقدّسك، أي نصفك بالتقديس»[3].

 

المقدّسات في الإسلام والشرائع السماويّة

تشترك الشرائع السماويّة في أصولها ومبانيها، وتتّفق على قداسة هذه الأصول وحرمتها ووجوب الدفاع عنها، ولمّا كانت الشريعة الإسلاميّة هي خاتمة الرسالات، سنكتفي بتحديد المقدّسات من خلال ما جاء في الشريعة الإسلاميّة. وينبغي الالتفات إلى أنّ المقدّسات لا تنحصر في الأصول دائماً، بل قد يكون المسُّ ببعض الفروع أحياناً هتكاً للمقدّسات.

 

 


[1] سورة المائدة، الآية 21.

[2] سورة البقرة، الآية 30.

[3] الراغب الأصفهانيّ، أبو القاسم الحسين بن محمّد، المفردات في غريب القرآن، دفتر نشر الكتاب، لا.م، 1404ه، ط2، ص396.

 

89


82

الموعظة العاشرة: المقدّسات في الإسلام ووجوب الدفاع عنها

يمكن تصنيف المقدّسات في الإسلام إلى الأصناف الآتية:

1. قداسة الإله (الله تعالى): في ما يتعلّق بذاته وتوحيده -سبحانه- وصفاته وعدله...

 

قال -تعالى-: ﴿ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُۚ لَا تَأۡخُذُهُۥ سِنَة وَلَا نَوۡمۚ﴾[1].

 

والآيات والروايات والمصنّفات كثيرة ومفصّلة في هذا المجال.

2. قداسة الشريعة والدين: بمعنى قداسة الدين الإسلاميّ وخصوصيّته بكلّيته وكيانه الكامل، وأنّه دين إلهيّ من عند الله -تعالى-.

 

قال الله -تعالى-: ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِيناۚ﴾[2]، وقال -تعالى-: ﴿إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ﴾[3].

 

3. قداسة القرآن الكريم: وأنّه كلام الله المنزَل على نبيّه (صلى الله عليه وآله)، قال الله -تعالى-: ﴿ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدى لِّلۡمُتَّقِينَ﴾[4]، 

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 255.

[2] سورة المائدة، الآية 3.

[3] سورة آل عمران، الآية 19.

[4] سورة البقرة، الآية 2.

 

90


83

الموعظة العاشرة: المقدّسات في الإسلام ووجوب الدفاع عنها

﴿إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ﴾[1]، ﴿وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَٰكَ سَبۡعا مِّنَ ٱلۡمَثَانِي وَٱلۡقُرۡءَانَ ٱلۡعَظِيمَ﴾[2].

 

4. قداسة الوحي والرسل والأنبياء والأئمّة(عليهم السلام): فالوحي واسطة بين الله ورسله، قال -تعالى-: ﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَر مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰه وَٰحِد فَٱسۡتَقِيمُوٓاْ إِلَيۡهِ وَٱسۡتَغۡفِرُوهُۗ وَوَيۡل لِّلۡمُشۡرِكِينَ﴾[3]، ﴿قُلۡ مَا كُنتُ مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِير مُّبِين﴾[4].

 

والأنبياء والرسل(عليهم السلام) يمثّلون النبوّة التي هي سفارة بين الله وبين ذوي العقول من عباده، وقد بعثهم الله -تعالى- لهداية البشريّة وتعليمها.

 

قال الله -تعالى-: ﴿لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ﴾[5]، ﴿فَبَعَثَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ بِٱلۡحَقِّ﴾[6].

 

 


[1] سورة الإسراء، الآية 9.

[2] سورة الحجر، الآية 87.

[3] سورة فصّلت، الآية 6.

[4] سورة الأحقاف، الآية 9.

[5] سورة الحديد، الآية 25.

[6] سورة البقرة، الآية 213.

 

91


84

الموعظة العاشرة: المقدّسات في الإسلام ووجوب الدفاع عنها

خصوصيّة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)

لا يمكن فصل الحديث بين قدسيّة وعظمة شخصيّة النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله) وبين عظمة نبوّته ورسالته العالميّة الخالدة، وموقعه في السماء والأرض قبل وبعد الإسلام، ونشير في ما يأتي إلى بعض خصوصيّات النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله)، الذي عُرف قبل الإسلام، بالصادق الأمين.

 

1. هدف بعثته ورسالته

الرحمة بالبشر والتزكية والتربية لهم، قال -تعالى-: ﴿هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّ‍ۧنَ رَسُولا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ﴾[1]، ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَة لِّلۡعَٰلَمِينَ﴾[2].

 

2. الأسوة الحسنة وصاحب الخلق العظيم

قال الله -تعالى-: ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَة﴾[3]، ﴿وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيم﴾[4].

 

3. سيّد الرسل وأعظمهم وخاتمهم

قال -تعالى-: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَد مِّن رِّجَالِكُمۡ وَلَٰكِن رَّسُولَ

 


[1] سورة الجمعة، الآية 2.

[2] سورة الأنبياء، الآية 107.

[3] سورة الأحزاب، الآية 21.

[4] سورة القلم، الآية 4.

 

92


85

الموعظة العاشرة: المقدّسات في الإسلام ووجوب الدفاع عنها

ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيما﴾[1]، وقال النبيّ (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي»[2].

 

4. تخصيصه بالإسراء والمعراج

قال -تعالى-: ﴿سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا﴾[3].

 

5. الأمر الإلهيّ بوجوب طاعته واحترامه

قال -تعالى-: ﴿وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ﴾[4]، والشواهد القرآنيّة في ذلك كثيرة.

 

الأماكن المقدّسة عند المسلمين

يمكن إيراد عدد من الأماكن التي تُعدّ أماكن مقدّسة عند المسلمين، منها: المساجد بشكل عام، والمسجد الحرام، ومسجد النبيّ (صلى الله عليه وآله) والمسجد الأقصى، ومسجد الكوفة بشكل خاصّ، قال -تعالى-: ﴿وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدا﴾[5].

 


[1]  سورة الأحزاب، الآية 40.

[2]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص107.

[3] سورة الإسراء، الآية1.

[4] سورة الأنفال، الآية 46.

[5] سورة الجنّ، الآية 18.

 

93


86

الموعظة العاشرة: المقدّسات في الإسلام ووجوب الدفاع عنها

وكذلك مقامات الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) ومشاهدهم.

 

ونجد أنّ لهذه الأماكن أحكاماً تتعلّق بها، من حيث حرمة تنجيسها ووجوب تطهيرها من النجاسة كما في المساجد، وحرمة هتكها وإهانتها كما في جميعها، وما شاكل ذلك من أحكام مذكورة في محلّها ضمن فتاوى فقهائنا العظام، وهذا يدلّ أيضاً على خصوصيّة هذه الأماكن والبقاع.

 

واجب المسلمين تجاه مقدّساتهم

أجمع فقهاء الإسلام بالإجمال على وجوب الدفاع عن بيضة الإسلام، بل إنّ فلسفة تشريع الجهاد في الشريعة الإسلاميّة قائمة على مبدأ الدفاع عن الشريعة وحفظ مقدّساتها وكيانها من كلّ ما يهدّده بالخطر أو التشويه ونحوه، ولهذا:

1- يجب على المسلمين أنفسهم المحافظة على مقدّساتهم كافّة، بالقول والعمل الدؤوب والدائم، وعدم الإساءة إليها من خلال احترام مقدّسات الآخرين وخصوصيّاتهم.

 

2- يجب مواجهة كلّ من يمسّ المقدّسات الإسلاميّة، أياً كان موقعه أو الجهة التي ينتمي إليها ضمن الضوابط الشرعيّة.

 

94


87

الموعظة العاشرة: المقدّسات في الإسلام ووجوب الدفاع عنها

3. يجب تنويع وسائل المواجهة والردع، من ثقافيّة، إعلاميّة، سياسيّة، قانونية، إدارية، اقتصادية، إلى حدّ الجهاد والشهادة.

 

4. يجب تربية مجتمعاتنا على احترام المقدّسات، والسعي الدائم لنقل هذه الثقافة إلى الآخرين.

 

95


88

الموعظة الحادية عشرة: فاطمة الزهراء (عليها السلام) جهادها والأيّام الأواخر

الموعظة الحادية عشرة: فاطمة الزهراء (عليها السلام) جهادها والأيّام الأواخر

 

 

1- مكانة السيّدة الزهراء (عليها السلام)
2-ومضات من جهاد السيّدة الزهراء (عليها السلام)
3- فقدها رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) وحزنها الشديد
4- السيّدة الزهراء (عليها السلام) نصيرة الحقّ

 

96


89

الموعظة الحادية عشرة: فاطمة الزهراء (عليها السلام) جهادها والأيّام الأواخر

هدف الموعظة

تسليط الضوء على جوانب من جهاد السيّدة الزهراء (عليها السلام).

 

تصدير الموعظة

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «وأمّا ابنتي فاطمة، فإنّها سيّدة نساء العالمين مِنَ الأوّلين والآخرين...»[1].

 

مكانة السيّدة الزهراء (عليها السلام)

ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ابنته السيّدة فاطمة (عليها السلام) أنّها «سيّدة نساء العالمين»[2]، وذكر ابن الصبّاغ المالكيّ عن مجاهد، قال: خرج النبيّ (صلى الله عليه وآله) وهو آخذ بيد فاطمة، فقال: «مَنْ عرف هذه فقد عرفها، ومَنْ لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمّد، وهي بضعة منّي، وهي قلبي وروحي التي بين جنبيّ؛ فمن آذاها فقد آذاني، ومَنْ آذاني فقد آذى الله»[3].

 


[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص175.

[2] النيسابوريّ، أبو عبد الله الحاكم، المستدرك على الصحيحين، إشراف يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة للطباعة والنشر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج3، ص156.

[3] عليّ بن محمّد أحمد المالكيّ (ابن الصبّاغ)، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة، تحقيق سامي الغريري، لا.م، دار الحديث للطباعة والنشر، 1422ه، ط1، ج1، ص664.

 

97


90

الموعظة الحادية عشرة: فاطمة الزهراء (عليها السلام) جهادها والأيّام الأواخر

ومضات من جهاد السيّدة الزهراء (عليها السلام)

تُظهر بعض المجريات رسوخ قدم السيّدة فاطمة (عليها السلام) في الجهاد، في كلّ موقع يقتضي الواجب، فجسّدت بذلك الدور الأصيل الذي أناطه ربّ العزّة بالمرأة، فهي بالقدر الذي كانت فيه حريصة على أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل، كانت مقدامة ومندفعة في أداء أدوار الجهاد في سبيل الله بالمعنى الأعمّ، ومن تلك المواقف:

1. الحصار الذي فرضته قريش على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهله في شعب أبي طالب، وكان ذلك من أعظم الجهاد، فقد مكثوا فيه ثلاث سنين إلّا شهراً، وأنفق أبو طالب وخديجة جميع مالهما، ولا يقدرون على الطعام إلّا من موسم إلى موسم، فلقوا من الجوع والعرى ما الله أعلم به[1].

 

2. الهجرة من مكّة إلى المدينة، فقد قال النبيّ (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): «... ثمّ إنّي أستخلفك على فاطمة ابنتي ومستخلف ربّي عليكما»، وأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم ومن يهاجر معه من بني هاشم، وقال له: 

 


[1] قطب الدين الروانديّ، أبو الحسين سعيد بن هبة الله، الخرائج والجرائح، تحقيق مؤسّسة الإمام المهدي (عليه السلام) بإشراف السيّد محمّد باقر الموحد الأبطحي، مؤسّسة الإمام المهدي، إيران - قم، 1409ه، ط1، ج1، ص85.

 

98


91

الموعظة الحادية عشرة: فاطمة الزهراء (عليها السلام) جهادها والأيّام الأواخر

«إذا أبرمت ما أمرتك به، فكن على أهبّة الهجرة إلى الله ورسوله»[1].

 

3. في الحروب في غزوة أحد، فقد رُوي أنّه لمّا انتهت فاطمة (عليها السلام) وصفيّة [عمّة النبيّ] إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ونظرتا إليه، قال لعليّ (عليه السلام): «أمّا عمّتي فاحبسها عنّي، وأمّا فاطمة فدعها»، فلمّا دنت فاطمة (عليها السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ورأته قد شُجّ في وجهه وأُدمي فوه إدماءً، صاحت وجعلت تمسح الدم، وتقول: «اشتدّ غصب الله على من أدمى وجه رسول الله»[2].

 

في معركة الخندق، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «كنّا مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) في حفر الخندق، إذ جاءته فاطمة ومعها كسرة خبز، فدفعتها إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله)، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): ما هذه الكسرة؟ قالت: قرصاً خبزتها للحسن والحسين، جئتك منه بهذه الكسرة، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): أما إنّه أوّل طعام دخل فم أبيك منذ ثلاث»[3].

 


[1]  الإربلّيّ، علي بن أبي الفتح، كشف الغمّة في معرفة الأئمّة، دار الأضواء، لبنان - بيروت، 1405ه - 1985م، ط2، ج2، ص32.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج20، ص96.

[3]  الصدوق، الشيخ محمّد بن علي بن بابويه، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، تصحيح الشيخ حسين الأعلمي، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1404ه - 1984م، لا.ط، ج2، ص43.

 

99


92

الموعظة الحادية عشرة: فاطمة الزهراء (عليها السلام) جهادها والأيّام الأواخر

وتذكر الروايات أنّها (عليها السلام) خرجت مع أبيها (صلى الله عليه وآله) يوم فتح مكّة، وشهدت مع أبيها وبعلها نصر الله بالفتح والقضاء على الوثنيّة في بيت الله وحرمه.

 

ثمّ بعد ذلك ما اضطلعت به من مسؤوليّة منع اضطرام أوار الفتنة، ولو على حساب حياتها وحساب جنينها، عندما تصدّت لحرق البيت بنفسها. وكذلك، من خلال دفاعها عن الإرث النبويّ في الرسالة الإلهيّة، من خلال المواجهة المباشرة في خطبتها في المسجد النبويّ، وهي التي بيّنت فيها بعض أسرار التشريع، مدافعةً عن الأصول وعن حريم الولاية.

 

فقدها رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) وحزنها الشديد

كانت السيّدة فاطمة (عليها السلام) آخر من كان له عهد برسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد أسرّ لها فبكت طويلاً! ثم أسرّ لها ثانية فتهلّل وجهها! فقيل لها (عليها السلام): ما الذي أسرّ إليك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فَسُرِيَ عنك ما كنت عليه من الحزن والقلق بوفاته؟ قالت (عليها السلام): «إنّه خبّرني أنّني أوّل أهل بيته لحوقاً به، وأنّه لن تطول المدّة بي بعده حتّى أدركه؛ فسري ذلك عنّي»[1].

 


[1] المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، تحقيق مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لتحقيق التراث، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414ه - 1993م، ط2، ج1، ص187.

 

100


93

الموعظة الحادية عشرة: فاطمة الزهراء (عليها السلام) جهادها والأيّام الأواخر

ولم تبقَ الزهراء (عليها السلام) بعد أبيها (صلى الله عليه وآله) سوى أشهرٍ معدودة، قضتها بالبكاء، والنحيب، والأنين، حتّى عُدّت من البكّائين، ولم تُرَ ضاحكة قطّ[1]. وذات يوم، دخلت أمّ سلمة على فاطمة (عليها السلام)، فقالت لها: كيف أصبحتِ عن ليلتك يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ قالت (عليها السلام): «أصبحت بين كمدٍ وكرب؛ فُقِد النبيّ، وظُلِم الوصيّ»[2].

 

الزهراء (عليها السلام) نصيرة الحقّ

كانت السيدةُ الزهراءُ (عليها السلام) أوّلَ من نادى بنصرةِ الحقِّ بعد وفاةِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، فعلى الرغمِ منَ المدّةِ القصيرةِ زماناً والفاصلةِ لها عن اللحاقِ بأبيها (صلى الله عليه وآله) نجدُ أنَّها استفادتْ من كافّةِ الوسائلِ الممكنةِ للانتصارِ لنهجِ الولايةِ المتمثّلِ بأميرِ المؤمنينَ (عليه السلام).

 

لقد اعتمدتِ الزهراءُ (عليها السلام) في المواجهةِ على أمورٍ:

1. واجهتْ (عليها السلام) منطقَ القومِ بما برّروا به ما جرى من أحداثٍ، فقالتْ (عليها السلام): «ابتداراً زعمتُمْ خوفَ الفتنةِ، ألا في الفتنةِ سقطوا وإنَّ جهنّمَ لمحيطةٌ بالكافرينَ»[3].

 

 


[1] ابن سعد، الطبقات الكبرى، دار صادر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج2، القسم 2، ص84، وحلية الأولياء، ج2، ص43.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج43، ص156.

[3] الطبرسيّ، الشيخ أبي منصور أحمد بن عليّ بن أبي طالب، الاحتجاج على أهل اللجاج، تعليق السيّد محمّد باقر الخرسان، دار النعمان للطباعة والنشر، العراق - النجف الأشرف، 1386ه - 1966م، لا.ط، ج‏1، ص137.

 

101


94

الموعظة الحادية عشرة: فاطمة الزهراء (عليها السلام) جهادها والأيّام الأواخر

2. كشفتْ لهم عن الطريقِ الصحيحِ للوصولِ إلى الحقِّ من خلالِ الرجوعِ إلى كتابِ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، فقالتْ (عليها السلام): «وكتابُ اللهِ بين أظهركِم، أمورُه ظاهرةٌ، وأحكامُه زاهرةٌ، وأعلامُه باهرةٌ، وزواجرُه لايحةٌ، وأوامرُه واضحةٌ، قد خلّفتموه وراءَ ظهورِكم، أرغبةً عنه تريدون؟ أم بغيرِهِ تحكمون؟ بئس للظالمينَ بدلاً»[1].

 

3. كشفتْ مرجعيّةَ أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) بوصفِه الأعلمَ بينهم، بما يحتّمُ عليهم الرجوعَ إليه، وأنَّهم لو اعتمدوا على أنفسِهم في الرجوعِ إلى القرآنِ لما اهتدَوا إلى الحقِّ، قالت (عليها السلام): «أفخصّكم اللهُ بآيةٍ (من القرآنِ) أخرجَ أبي محمّداً (صلى الله عليه وآله) منها؟ أم هل تقولون إنَّ أهلَ ملّتينِ لا يتوارثانِ؟ أَوَلستُ أنا وأبي من أهلِ ملّةٍ واحدةٍ؟ أم أنتم أعلمُ بخصوصِ القرآنِ وعمومِه من أبي وابنِ عمّي؟».[2]

 

4. إنَّ العدالة الإلهيّة تبقى هي الحاكمةُ، وإنّ البعدَ الإيمانيَّ المرتبطَ بالآخرةِ هو الذي يشدُّ من عزيمةِ أهلِ الإيمانِ؛ ولذا

 


[1] الشيخ الطبرسيّ، الاحتجاج، مصدر سابق، ج1، ص137.

[2] المصدر نفسه، ص138.

 

 

102


95

الموعظة الحادية عشرة: فاطمة الزهراء (عليها السلام) جهادها والأيّام الأواخر

قالتْ (عليها السلام) في خطبتِها: «فنعمَ الحَكَمُ اللهُ، والزعيمُ محمّد (صلى الله عليه وآله)، والموعدُ القيامةُ، وعند الساعةِ يخسرُ المبطلونَ، ولا ينفعُكم إذْ تندمونَ، ولكلِّ نبإٍ مستقرٌّ، وسوف تعلمونَ من يأتيه عذابٌ يخزيه ويحلُّ عليه عذابٌ مقيم»[1].

 

 


[1] الشيخ الطبرسيّ، الاحتجاج، مصدر سابق، ج1، ص139..

 

103


96

الموعظة الثانية عشرة: جهاد المرأة السيّدة زينب (عليها السلام) نموذجاً

الموعظة الثانية عشرة: جهاد المرأة السيّدة زينب (عليها السلام) نموذجاً

 

1- نظرة الإسلام إلى المرأة
2- جهاد المرأة حُسن التبعّل
3- الجهاد واجب كفائيّ
4- جهاد النساء في صدر الإسلام وعصرنا الحاضر
5- المرأة في الميدان
6- كربلاء وزينب (عليها السلام)

 

104


97

الموعظة الثانية عشرة: جهاد المرأة السيّدة زينب (عليها السلام) نموذجاً

هدف الموعظة

تعرّف الدور الجهاديّ للمرأة، شرعاً وواقعاً، من خلال التاريخ والسيّدة زينب (عليها السلام).

 

تصدير الموعظة

يقول الإمام الخمينيّ (قدس سره): «الجهادُ غير واجبٍ على النساء. ولكن، إذا ما حدث هجوم ضدّ البلاد الإسلاميّة، فإنّ على الجميع، نساءً ورجالاً، أن يهبّ للدفاع»[1].

 

نظرة الإسلام إلى المرأة

يقول العلّامة الشهيد مرتضى مطهّري (قدس سره): «إنّ القرآن نظر إلى المرأة كما نظرت إليها الطبيعة، ومن هذه الناحية، نجد الانسجام الكامل بين أوامر القرآن وأوامر الطبيعة. المرأة في القرآن هي نفس المرأة في الطبيعة، إنّ هذين الكتابين الإلهيين، أحدهما تكويني والآخر تدويني، مع بعضهما»[2].

 


[1] المرأة في فكر الإمام الخمينيّ قدس سره، إعداد ونشر دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، لبنان - بيروت، 2009م، ط1، ص47.

[2] الشيخ الشهيد مرتضى مطهّري، نظام حقوق المرأة في الإسلام، دار الكتاب الإسلاميّ، إيران - قم، 2005م، ط1، ص22.

 

105


98

الموعظة الثانية عشرة: جهاد المرأة السيّدة زينب (عليها السلام) نموذجاً

فالقرآن يقدّم النظرة الإسلاميّة للمرأة، وهي التي تتوافق مع تكوينها الطبيعيّ، فيطلب منها الدور الذي يتوافق مع طبيعتها، ويعطيها الحقوق التي تمكّنها من أداء هذا الدور.

 

جهاد المرأة حسن التبعُّل

وفدت أسماء بنت يزيد من سكن بن رافع بن امرئ القيس الأشهليّة الأنصارية على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في جماعة من النساء، فقالت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! أنا وافدة النساء إليك. إنّ الله -عزَّ وجلَّ-، بعثك إلى الرجال والنساء كافّة، فآمنّا بك وبإلهك. وإنّا، معشر النساء، محصورات، مقصورات، قواعد في بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم. وإنّكم معشر الرجال، فُضّلتم علينا بالجُمع والجماعات، وعيادة المرضى وشهود الجنائز، والحجّ بعد الحجّ، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله -عزَّ وجلَّ-. وإنّ الرجل إذا خرج حاجّاً أو معتمراً، أو مجاهداً، حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابكم، وربّينا لكم أولادكم. أفما نشارككم هذا الأجر والخير؟ فالتفت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أصحابه، وقال: «هل سمعتم مقالة امرأةٍ أحسن سؤالاً عن دينها مِنْ هذه؟»، فقالوا: بلى يا رسول الله، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «انصرفي يا أسماء، وأعلِمي مَنْ وراءك من النساء أنّ حُسْنَ تبعُّل

 

 

106

 


99

الموعظة الثانية عشرة: جهاد المرأة السيّدة زينب (عليها السلام) نموذجاً

إحداكنّ لزوجها، وطلبها لمرضاته، واتّباعها لموافقته، يعدل ما ذكرتِ للرجال». فانصرفت أسماء، وهي تهلّل وتكبّر استبشاراً بما قال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله)[1].

 

الجهاد واجب كفائيّ

يؤكّد الإسلام -كما هو واضح من فتاوى الفقهاء في الرسائل العمليّة- أنّ الجهاد العسكريّ والأمنيّ في مواجهة الأعداء، إنّما هو واجب كفائيّ. وهذا واضح في سيرة المعصومين (عليهم السلام) وحياتهم، فعندما كانت الكفاية متحقّقة في الجهاد في وجه أعداء الإسلام والولاية، لم تكن هناك أيّة مشاركة للنساء.

 

جهاد النساء في صدر الإسلام وعصرنا الحاضر

لقد بيّن التاريخ مشاركات نسائيّة رائدة في مواجهة الأعداء، بما يتناسب مع طبيعة المرأة وقدراتها. فقد شاركت النساء مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) في مواجهة العقبات والصعاب التي اعترضت الدعوة، بدءاً من السيّدة خديجة بنت خويلد التي عوقبت باعتزال النساء لها، وأنفقت في سبيل دعوته ثروتها وجاهها، ثمّ السيّدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام)، أمّ أمير المؤمنين (عليه السلام)، التي حمته ووقته بنفسها

 


[1] ابن عبد البرّ، الاستيعاب، تحقيق علي محمّد البجاوي، دار الجيل، لبنان - بيروت، 1412ه - 1992م، ط1، ج4، ص1788.

 

107


100

الموعظة الثانية عشرة: جهاد المرأة السيّدة زينب (عليها السلام) نموذجاً

وزوجها وأبنائها، وقاست معه كلّ أصناف المعاناة في شِعب أبي طالب، ثمّ سميّة أمّ ياسر التي كانت مع زوجها أوّل شهيدين في الإسلام، ثمّ النساء اللاتي بايعْنَه في العقبتين والشجرة والرضوان، ثمّ النساء اللاتي هجرن الأهل والديار إلى الحبشة، ثمّ إلى المدينة، واللاتي هاجرن إلى المدينة من مكّة، ثمّ نساء الأنصار اللاتي لم يقلّ دورهنّ عن جهاد الرجال، وهذا ما ينطبق أيضاً على ما بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) مروراً بعصر الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، وصولاً إلى في عصرنا الحاضر، يقول الإمام الخمينيّ (قدس سره): «الآن، حيث تتواجدون في جبهات القتال، ويتواجد جنودنا، ينصرهم الله، في الأماكن الحسّاسة، مَنْ الذي يقوم بتوفير احتياجاتهم؟ إنّ النساء هنّ اللائي يقمن بإعداد الخبز لكم... إنّ النساء في صدر الإسلام كنّ يخرجن إلى الحرب، وكان معظمهنّ يعمل طوال الوقت في إسعاف المصابين ومداواة الجرحى»[1].

 

المرأة في الميدان

«إذا لم تتوفّر الكفاية في الرجال، فإنّ النساء ينزلن إلى الميدان لمساعدة الرجال، كنسيبة المازنيّة الأنصاريّة، التي خرجت في أُحُد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، حاملةً قربة الماء تسقي أصحابه. وعندما تفرّق الأصحاب عنه، بعد ترك التلّة ونفاذ خالد في أصحابه ووصولهم إلى

 


[1] المرأة في فكر الإمام الخمينيّ قدس سره، إصدار مركز الإمام الخمينيّ الثقافيّ، مصدر سابق، ص50.

 

108


101

الموعظة الثانية عشرة: جهاد المرأة السيّدة زينب (عليها السلام) نموذجاً

رسول الله (صلى الله عليه وآله) حملت على الأعداء، تارةً بالسيف، وأخرى بالفأس، حتّى أُصيب بدنها بجراحات كثيرة»[1].

 

ومثل صفيّة بنت عبد المطلب، التي قامت في معركة الأحزاب بقتل من حاول التسلّل إلى معسكر النبيّ (صلى الله عليه وآله) للتجسّس وإلقاء الفتنة وجمع المعلومات، وهو من اليهود، وبعد أن قتلته قامت برمي رأسه إلى قومه أسفل الحصن، ممّا ألقى الرعب في قلوبهم[2]. وغير ذلك الكثير من النساء في هذا المضمار.

 

كربلاء وزينب (عليها السلام)

في كربلاء، كان دور المرأة رائداً في الجهاد، حتّى في أرض الميدان. وكانت السيّدة زينب (عليها السلام) على رأسهنّ، وقد أظهرت مواقف بطوليّة ثابتة قلّ نظيرها:

1. حضورها في أرض المعركة

هاجرت مع أخيها الإمام الحسين (عليه السلام)، تاركةً ديارها وأسرتها، مصطحبةً معها ولديها عون ومحمّد، اللذين قُتلا مع أخيها (عليه السلام)، ثمّ واكبته حتّى استشهد (عليه السلام).

 

 


[1] العلّامة الشيخ ذبيح الله محلاّتي، رياحين الشريعة في ترجمة عالمات نساء الشيعة، ج5، ص80، الإصابة، ج4، ص418.

[2] ابن الأثير الجزري، أسد الغابة في معرفة الصحابة، دار الكتاب العربي، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج5، ص492.

 

109


102

الموعظة الثانية عشرة: جهاد المرأة السيّدة زينب (عليها السلام) نموذجاً

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «عندما وصلت زينب إلى حيث يرقد جسد عزيزها على رمضاء كربلاء، بدل أن تبدي أيّ ردّ فعل، بدل أن تشتكي، ذهبت في اتّجاه جسد عزيزها أبي عبد الله وارتفع صوتها، وهي تخاطب جدّها: «يا رسول الله، صلّى عليك مليك السماء، هذا حسينك مرمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء»[1]؛ أي يا جدّي العزيز، انظر نظرةً إلى صحراء كربلاء الحارقة، هذا حسين معفَّر بالتراب مخضّب بالدماء، ثمّ ينقلون أنّ زينب وضعت يديها تحت جسد الحسين بن عليّ وارتفع نداؤها إلى السماء: «اللهمّ، تقبّل من آل محمّد هذا القربان!»[2].

 

2. حمايتها موكبَ السبايا وابنَ أخيها

ثمّ حمت العيال والأطفال من كربلاء إلى الكوفة إلى الشام، ثمّ إلى المدينة، وعندما حاول الشمر قتل الإمام السجّاد (عليه السلام) العليل، رمت بنفسها عليه، وقالت: لا يُقتل حتّى أُقتل دونه.

بالإضافة إلى ذلك كلّه، مواجهة ابن زياد في الكوفة. ومرّةً أخرى تحمي الإمام السجّاد (عليه السلام) عندما أراد ابن زياد قتله قائلة:

 

 


[1] ابن نما الحلّي، مثير الأحزان، المطبعة الحيدريّة، العراق - النجف الأشرف، 1369ه- 1950م، لا.ط، ص65.

[2] من خطبة له دام ظله في صلاة الجمعة، في 27 أيلول 1985م.

 

110


103

الموعظة الثانية عشرة: جهاد المرأة السيّدة زينب (عليها السلام) نموذجاً

«يابن زياد، إنّك لم تُبقِ منّا أحداً، فإن عزمت على قتله فاقتلني معه»[1]. وعندما خاطبها ابن مرجانة قائلاً: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم، وأبطل أحدوثتكم، أجابته (عليها السلام) بشجاعة أبيها محتقرة له: «الحمْدُ للهِ الَّذي أَكْرَمَنَا بِنَبِيِّهِ، وَطَهَّرَنا مِنَ الرِّجْسِ تَطْهِيراً، إِنَّمَا يَفْتَضِحُ الْفَاسِقُ وَيَكْذِبُ الْفَاجِرُ، وَهُوَ غَيْرُنَا والحمْدُ للهِ»[2]. ثمّ بعد ذلك مواجهة الطاغية يزيد في دمشق الشام.

 

3. تسليمها وثباتها

عندما خاطبها ابن زياد مستهزئاً: كيف رأيتِ صنع الله بأخيكِ؟ أجابته بكلمات الظفر والنصر: «ما رَأَيْتُ إلّا جَمِيلاً، هؤُلاَءَ قَوْمُ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْقَتَلَ، فَبَرَزُوا إِلى مَضَاجِعِهِمْ، وَسَيَجْمعُ اللهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ، فَتُحَاجُّ وَتُخَاصَمُ، فَانْظُرْ لِمَنِ الْفَلَجُ يَومَئِذٍ، ثَكَلَتْكَ أُمُّكَ يابْنَ مَرْجَانَةَ...»[3].

 

وكذا عندما دخل موكب السبايا الكوفة، وخرج الناس يتفرّجون، أومأت زينب إليهم أنِ اسكتوا، فارتدّت الأنفاس، وسكنت الأجراس، ثمّ قالت (عليها السلام): «الْحَمْدُ للهِ، وَالصَّلاَةُ عَلىَ جَدِّي مُحَمَّدٍ وَآلِهِ

 

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج45، ص117.

[2] الشيخ المفيد، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، مصدر سابق، ج‏2، ص115.

[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج45، ص116.

 

111


104

الموعظة الثانية عشرة: جهاد المرأة السيّدة زينب (عليها السلام) نموذجاً

الطَّيِّبِينَ الأَخْيَارِ، يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، يَا أَهْلَ الْخَتْلِ والْغَدْرِ، أَتَبْكُونَ؟! فَلَا رَقَأَتِ الدَّمْعَةُ، ولَا هَدَأَتِ الرَّنَّةُ، إِنَّمَا مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ الَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً، تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ... أَتَبْكُونَ وَتَنْتَحِبُونَ؟! إِيْ وَاللهِ، فَابْكُوا كَثِيراً، واضْحَكُوا قَلِيلاً، فَلَقَدْ ذَهَبْتُمْ بِعَارِهَا وَشَناَرِهَا...».[1]

 


[1] ابن طاووس، السيّد رضيّ الدين علي بن موسى الحسني الحسينيّ، اللهوف في قتلى الطفوف، أنوار الهدى، إيران - قم، 1417ه، ط1، ص87.

 

112


105
وَأَعِدُّوا - مواعظ في الأسرة والجهاد