(2) زاد المبلغ إلى بيت الله الحرام


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-08

النسخة: 0


الكاتب

المركز الإسلامي للتبليغ

مؤسسة إسلامية، تعنى بالتبليغ المسجدي والعام، ورعاية شؤون أئمة المساجد والمبلغين.


المقدمة

 بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله ربّ العالمين، وأشرف الصلاة وأزكى السلام على رسول الرحمة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين.

يعتبر موسم الحجّ من أهمّ المواسم العباديّة والروحيّة، التي يسعى فيها الإنسان المسلم لعتق رقبته وغفران ذنوبه، من خلال وفادته على الله ـ تبارك وتعالى ـ لأداء فريضة الحجّ، كما أنّ هذه الأيّام المباركة، فرصة جليلة وعظيمة، لنشر وتبليغ المفاهيم الدينيّة والأخلاقيّة. ومن هنا فإنّ المركز الإسلاميّ للتبليغ، عمد إلى نشر اصدار جديد تحت عنوان: "زاد المبلِّغ إلى بيت الله الحرام"، ليكون زاداً للإخوة العلماء والمبلّغين، الذين نذروا أنفسهم لخدمة حجّاج بيت الله الحرام وتعليمهم شرائط وأحكام هذه الفريضة، ودلالة مناسكها الثقافيّة والتربويّة.

وهذا الاصدار يقع ضمن سلسلة زاد المبلّغ والذي نأمل أن يلقى استحسان الأخوة المبلّغين من خلال الموضوعات التي تضمّنها وليساهم في ايجاد المادّة المناسبة والخطاب الثقافيّ الملائم لأجواء هذه الفريضة المباركة.

وقد اعتمدنا في هذا الاصدار تصديره برواية الشبليّ المرويّة 
 
 
 
 
5
 

1

المقدمة

عن الإمام السجّاد عليه السلام، ورواية معراج السعادة، لما تتضمّانه من معانٍ سامية في فهم فريضة الحجّ، ثمّ يلي هاتين الروايتين أربعة عشرة محاضرة، تتمحور حول دلالات المناسك والشعائر التي تُؤَدَّى في هذه الفريضة. وأفردنا ملحقاً موجزاً، لبعض الأماكن المقدّسة في مكّة والمدينة، والتي قد يسأل عنها المبلّغ في رحلات الحج، واختتمنا الكتاب بدعاء عرفة المستحبّ قراءته يوم عرفة، ونظراً لأهميّته وما يحتويه من مفاهيم ثقافيّة مهمّة.

وختاماً، نسأل الله أن يوفقنا وإيّاكم للعمل الصالح، وأن يتقبّل أعمالنا وأعمالكم، بأحسن القبول شاكرين للاخوة جميعاً، تعاونهم واهتمامهم، إنّه سميع مجيب.


المركز الإسلامي للتبليغ 
 
 
6
 
 
 

2

المقدمة

رواية الشبلي: الأبعاد والآداب المعنوية للحج
إنّ فريضة الحجّ معينٌ غنيٌ بالأبعاد والآداب المعنويّة والروحيّة، وللإطلالة على هذه الأبعاد المفضية إلى أسرارها، نورد روايتين تسلّطان الضوء عليها، بادئين بروايةٍ عن الإمام زين العابدين عليه السلام المعروفة برواية الشبليّ، وهي التالية:

نقل السيّد عبد الله سبط المحدّث الجزائريّ في "شرح النخبة": وجدت في عدّة مواضع، أوثقها بخطّ بعض المشايخ الذين عاصرناهم مرسلاً، أنّه لمّا رجع مولانا زين العابدين عليه السلام من الحجّ استقبله الشبليّ، فقال عليه السلام له: حججت يا شبليّ؟ قال: نعم يا ابن رسول الله، فقال عليه السلام: أنزلت الميقات، وتجرّدت عن مخيط الثياب، واغتسلت؟ قال: نعم، قال عليه السلام: فحين نزلت الميقات، نويت أنّك خلعت ثوب المعصية، ولبست ثوب الطاعة؟ قال: لا، قال: فحين تجرّدت عن مخيط ثيابك،
 
 
7
 

3

المقدمة

نويت أنّك تجرّدت من الرياء والنفاق والدخول في الشبهات؟ قال: لا، قال: فحين اغتسلت، نويت أنّك اغتسلت من الخطايا والذنوب؟ 
 
قال: لا، قال: فما نزلت الميقات، ولا تجرّدت عن مخيط الثياب، ولا اغتسلت! 

ثمّ قال عليه السلام: "تنظّفت، وأحرمت، وعقدت بالحجّ؟ قال: نعم، قال: فحين تنظّفت، وأحرمت، وعقدت الحج نويت أنّك تنظّفت بنورة التوبة الخالصة لله تعالى؟ قال:لا، قال: فحين أحرمت، نويت أنّك حرّمت على نفسك كلّ محرّم حرّمه الله ـ عزّ وجلّ ـ؟ قال: لا، قال: فحين عقدت الحجّ، نويت أنّك قد حللت كلّ عقد لغير الله؟ قال: لا، قال له عليه السلام: ما تنظّفت، ولا أحرمت، ولا عقدت الحجّ! 

قال له عليه السلام: أَدَخَلْتَ الميقات، وصلّيت ركعتي الإحرام، ولبّيت؟ قال: نعم، قال: فحين دخلت الميقات، نويت أنّك بنيّة الزيارة؟ قال: لا، قال: فحين صلّيت الركعتين، نويت أنّك تقرّبت إلى الله بخير الأعمال من الصلاة، وأكبر حسنات العباد؟ قال: لا، قال: فحين لبّيت نويت أنّك نطقت لله سبحانه بكلّ طاعة وصمت عن كلّ معصية؟ قال: لا، قال له عليه السلام: ما دخلت الميقات، ولا صلّيت، ولا لبّيت! 

ثمّ قال له عليه السلام: أدخلت الحرم، ورأيت الكعبة، وصلّيت؟ قال: نعم، قال عليه السلام: فحين دخلت الحرم نويت أنّك حرّمت على
 
 
 
 
 
 
8

 
 

4

المقدمة

نفسك كلّ غيبة تستغيبها المسلمين من أهل ملّة الإسلام؟ قال: لا، قال: فحين وصلت مكّة، نويت بقلبك أنّك قصدت الله؟ قال: لا، قال عليه السلام: فما دخلت الحرم، ولا رأيت الكعبة، ولا صلّيت! 

ثمّ قال عليه السلام: طِفْتَ بالبيت، ومسَسْتَ الأركان، وسَعَيْتَ؟ قال: نعم، قال: فحين سعيت، نويت أنّك هربت إلى الله، وعرف منك ذلك علاّم الغيوب؟ قال: لا، قال عليه السلام: فما طفت بالبيت، ولا مسست الأركان، ولا سعيت! 

ثمّ قال له عليه السلام: صافحت الحجر، ووقفت بمقام إبراهيم عليه السلام، وصلّيت به ركعتين؟ قال: نعم، فصاح عليه السلام صيحة كاد يفارق الدنيا، ثمّ قال: آهٍ آهٍ، من صافح الحجر الأسود فقد صافح الله تعالى، فانظر يا مسكين لا تضيِّع أجر ما عَظَمَ حرّمته، وتنقض المصافحة بالمخالفة، وقَبْضُ الحرام نظيرُ أهل الآثام.

ثمّ قال عليه السلام: نويت حين وقفت عند مقام إبراهيم عليه السلام، أنّك وقفت على كلَّ طاعة، وتخلّفت عن كلّ معصية؟ قال: لا، قال: فحين صلّيت فيه ركعتين نويت أنّك صلّيت بصلاة إبراهيم عليه السلام وأرغمت بصلاتك أنف الشيطان؟ قال: لا، قال له: فما صافحت الحجر الأسود، ولا وقفت عند المقام، ولا صلّيت فيه ركعتين!

ثمّ قال عليه السلام له: أَشْرَفْتَ على بئرِ زمزم، وشرِبتَ من مائها؟ قال: نعم، قال: نويت أنّك أشرفت على الطاعة، وغضضت
 
 
 
9

 
 

5

المقدمة

طرفك عن المعصية؟ قال: لا، قال عليه السلام: فما أشرفت عليها، ولا شربت من مائها! ثمّ قال عليه السلام له: أسعيت بين الصفا والمروة، ومشيت وتردّدت بينهما؟ قال: نعم، قال له: نويت أنّك بين الرجاء والخوف؟ قال: لا، قال: فما سعيت، ولا مشيت، ولا تردّدت بين الصفا والمروة! ثمّ قال: أَخَرَجْتَ إلى مِنى؟ قال: نعم، قال: نويت أنّك آمنت النّاس من لسانك، وقلبك، ويدك؟ قال: لا، قال: فما خرجت إلى مِنى! 

(ثمّ) قال له: أوقفت الوقفة بِعَرَفة، وَطَلْعت جبل الرّحمة، وعرفت وادي نَمِرَة، ودعوت الله سبحانه عند المَيْلِ والجَمَرَات؟ قال: نعم. قال: هل عرفت بموقفك بعرفة معرفة الله سبحانه أمر المعارف والعلوم، وعرفت قبض الله على صحيفتك واطّلاعه على سريرتك وقلبك؟ قال: لا، قال عليه السلام: نويت بطلوعك جبل الرحمة أنّ الله يرحم كلّ مؤمن ومؤمنة، ويتولّى كلّ مسلم ومسلمة؟ قال: لا، قال: فنويت عند نَمِرَة أنّك لا تأمر حتى تأتمر، ولا تزجر حتى تنزجِر؟ قال: لا، قال: عندما وقفت عند العلم والنمرات، نويت أنّها شاهدة لك على الطاعات، حافظة لك مع الحفظة، بأمر ربّ السماوات؟ قال: لا، قال: فما وقفت بعرفة، ولا طلعت جبل الرحمة، ولا عرفت نمرة، ولا دعوت، ولا وقفت عند النمرات! 

ثمّ قال عليه السلام: مررت بين العلمين، وصلّيت قبل مرورك
 
 
 
10

 
 

6

المقدمة

 ركعتين، ومشيت بمزدلِفة، ولقطت فيها الحصى، ومررت بالمِشْعَرِ الحرام؟ قال: نعم، قال: فحين صلّيت ركعتين، نويت أنّها صلاة شكر في ليلة عشر، تنفي كلّ عسر وتيسِّر كلّ يسر؟ قال: لا، قال: فعندما مشيت بين العلَمين ولم تعدل عنهما يميناً وشمالاً، نويت أن لا تعدل عن دين الحقّ يميناً وشمالاً، لا بقلبك، ولا بلسانك، ولا بِجَوارِحِك؟ قال: لا، قال: فعندما مشيت بمزدلِفة، ولقطت منها الحصى، نويت أنّك رفعت عنك كلّ معصية وجهل، وثَبَتَّ كَلّ علم وعمل؟ قال: لا، قال: فعندما مررت بالمشعر الحرام، نويت أنّك أشعرت قلبك إشعار أهل التقوى، والخوف لله ـ عزّ وجلّ ـ؟ قال: لا، قال: فما مررت بالعلمين، ولا صلّيت ركعتين، ولا مشيت بالمزدلفة، ولا رفعت منها الحصى، ولا مررت بالمشعر الحرام! 
ثمَّ قال عليه السلام له: وصلت منى، ورميت الجمرة، وحلقت رأسك، وذبحت هديك، وصلّيت في مسجد الخيف، ورجعت إلى مكّة، وطفت طواف الإفاضَة؟ قال: نعم، قال: فنويت عندما وصلت مِنى، ورميت الجمار، أنّك بلغت إلى مطلبك، وقد قضى ربّك لك كلّ حاجتك؟ قال: لا، قال: فعندما رميت الجمار، نويت أنّك رميت عدوّك إبليس، وغضبته بتمام حجّك النفيس؟ قال: لا، قال: فعندما حلقت رأسك، نويت أنّك تطهّرت من الأدناس ومن تبعة بني آدم وخرجت من الذنوب، 
 
 
 
11

 
 

7

المقدمة

 كما ولدتك أمّك؟ قال: لا، قال: فعندما صلّيت في مسجد الخيف، نويت أنّك لا تخاف إلّا الله ـ عزّ وجلّ ـ وذنبك ولا ترجو إلّا رحمة الله تعالى؟ قال: لا، قال: فعندما ذبحت هديك نويت أنّك ذبحت حنجرة الطمع بما تمسّكت به من حقيقة الورع، وأنّك اتبعت سنّة إبراهيم عليه السلام بذبح ولده، وثمرة فؤاده، وريحان قلبه، وأحييت سنّته، لمن بعده وقربه إلى الله تعالى لمن خلفه؟ قال: لا، قال: فعندما رجعت إلى مكّة، وطفت طواف الإفاضة، نويت أنّك أفضت من رحمة الله تعالى، ورجعت إلى طاعته وتمسّكت بودِّه، وأدَّيت فرائِضه، وتقرَّبت إلى الله تعالى؟ قال: لا، قال له زين العابدين عليه السلام: فّما وصلت مِنى، ولا رميت الجِمار، ولا حَلَقْتَ رأسك، ولا أدَّيت نُسكَكَ، ولا صلَّيت في مسجد الخيف، ولا طفت طواف الإفاضة، ولا تقرّبت، ارجع فإنّك لم تحجّ! 
 
فَطَفِقَ الشّبليّ يبكي على ما فرّطه في حجّه، وما زال يتعلّم حتّى حجّ من قابل بمعرفة ويقين1
 
 

1- الحجّ والعمرة في الكتاب والسنّة - محمّد الريشهري - ص 260 – 264
 
 
12
 

8

المقدمة

والرواية الثانية، هي المنسوبة للإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام، وهي التالية:
- إذا أردت الحجّ، فجرّد قلبك لله تعالى من كلّ شاغل، وحجاب كلّ حاجب، وفوّض أمورك كلّها إلى خالقك، وتوكّل عليه في جميع ما يظهر من حركاتك وسكناتك، وسلّم لقضائه وحكمه وقدره، ودع الدنيا والراحة والخلق، وأخرج من حقوق تلزمك من جهة المخلوقين، ولا تعتمد على زادك وراحِلتِك، وأصحابك، وقوّتك وشبابك ومالك، مخافة أن يصيروا لك عدوّاً ووَبالاً، فإنَّ من ادَّعى رضا الله واعتمد على شيء، صيّره عليه عدوّاً ووَبالا، لِيعلم أنَّه ليس له قوّة، ولا حيلة، ولا لأحدٍ إلّا بعِصمة الله وتوفيقه، واستعدّ استعدادَ من لا يرجو الرجوع، وأحسن الصحبة، وراعِ أوقات فرائض الله وسنن نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم، وما يجب عليك من الأدب والاحتمال، والصبر والشكر، والشفقة والسخاء، وإيثار الزاد على دوام الأوقات. 

ثمّ اغسِل بماء التوبة الخالصة ذنوبك، وأَلبس كسوة الصدق والصفاء والخضوع والخشوع، وأَحْرِم من كلّ شيء يمنعُك عن ذكر الله، ويحجبُك عن طاعته، ولبِّ بمعنى إجابةٍ صافية زاكية لله ـ عزّ وجلّ ـ في دعوتك له، متمسّكاً بعروته الوثقى. وَطُفْ بقلبك مع الملائكة حول العرش، كطوافك مع المسلمين بنفسك حول البيت. وهرول هرولة من هواك وتَبَرِّيَاً من جميع 
 
 
13
 

 


9

المقدمة

حولك وقوّتك، فاخْرُج من غفلتك وزلاّتك، بخروجك إلى مِنى، ولا تتمنّ ما لا يحلّ لك، ولا تستحقّه. واعترف بالخطايا بعرفات، وجدّد عهدك عند الله بوحدانيّته. وتقرّب إلى الله ذا ثقة بمزدلِفة، واصعَد بروحك إلى الملأ الأعلى بصعودك إلى الجبل. واذبح حُنْجُرَتَيْ الهوى والطمع عند الذبيحة. 

وارمِ الشهوات والخساسة، والدناءة والذميمة، عند رَمْيِ الجمرات. واحلُقِ العيوب الظاهرة والباطنة بحلق رأسك. وادخل في أمان الله وكنفه وسَتْرِه وكَلاءَتِه، من متابعة مُرادِكَ بدخولكِ الحرم، وَزُرِ البيت متحقِّقاً، لتعظيم صاحبه ومعرفة جلاله وسلطانه، واستلِم الحَجَرَ رِضىً بِقِسْمَتِهِ وخضوعاً لعزّته. وودِّع ما سواه بطواف الوَداع. وصفِّ روحك، وسرَّك للقاء الله يوم تلقاه بوقوفك على الصفا. وكن ذا مروّةٍ من الله تَقِ أوصافك عند المروة، واستقِم على شروط حجّك هذا ووفاء عهدك، الذي عاهدت به مع ربّك، وأوجبته إلى يوم القيامة1.
 

1- الحجّ والعمرة في الكتاب والسنّة - محمّد الريشهري - ص 258 - 260
 
 
 
14
 
 

10

المحاضرة الأولى: فضل فريضة الحجّ وثوابها

عن الإمام الباقرعليه السلام: "بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ: الصلاةُ، والصومُ، والزكاة، والحجُّ والولاية".

الهدف:
التعريف بمكانة هذه الفريضة، وبيان أهمّيتها ومكانتها في الدين، وفضلها والثواب المترتّب على أدائها.

تصدير الموضوع:
قال تعالى في كتابه العزيز: ﴿وَلِلّهِ عَلَى النّاس حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾1.
 

1- - آل عمران ، 97 .

 

15

 

 


11

المحاضرة الأولى: فضل فريضة الحجّ وثوابها

إنّ الله تعالى جعل فريضة الحجّ في مقابل الكفر في إشارة إلى عظمة هذه الفريضة، وأنّها جوهر الإيمان ومَجْمَعُ العبادات.

محاور الموضوع:
الحجّ أحد أركان الدين
عن الإمام الباقر عليه السلام : "بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ: الصلاةُ، والصومُ، والزكاة، والحجُّ والولاية "1.

وعن السيّدة الزهراء عليها السلام: "وجُعِلَ الحجُّ تشييداً للدّينِ"2.

إنّ فريضة الحجّ هي الفريضة الوحيدة، التي أراها الله تعالى لرسوله رؤيةً، حيث مثّلها الملك الأمين جبرائيل تمثيلاً، قال تعالى: ﴿وَأَرِنا مناسِكَنا﴾3.

فضيلة الحجّ وآثاره
إنّ للحجّ فضائل وآثار، نذكر منها:
- إكرام الحاجّ بالمغفرة: عن أمير المؤمنين عليه السلام: "الحاجُّ والمعتمرِ وَفْدُ اللهِ، وحقٌ على الله تعالى، أنّ يُكْرِمَ وفدَه، ويَحْبوهُ بالمغفرةِ"4.
 

1- جامع أحاديث الشيعة ، ج1 ، ص127 .
2- الموسوعة الفقهيّة الميسّرة، الشيخ الانصاري، ج1، ص29.
3 - البقرة ، 128 .
4-جامع أحاديث الشيعة، السيّد البروجردي، ج10، ص447.
 
 
 
16
 
 

12

المحاضرة الأولى: فضل فريضة الحجّ وثوابها

- سعادة الدنيا والآخرة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أراد دنيا وآخرة، فَلْيَؤُمَّ هذا البيت، ما أتاه عبد فسأل الله دنياً، إلّا أعطاه منها أو سأل آخرة إلّا ادّخر له منها، أيّها النّاس عليكم بالحجّ والعمرة فتابعوا بينهما، فإنّهما يغسلانِ الذنوبَ، كما يغسلُ الماءُ الدَّرَنَ، وينفيانِ الفقرَ كما تنفي النارُ خَبَثَ الحديدِ"1.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "عليكم بحجِّ البيتِ فَأَدْمِنوهُ، فإنَّ في إدمانِكُمُ الحجَّ دفعُ مكارِهِ الدّنيا عَنْكُمْ وأَهْوالُ يومِ القيامةِ"2.

- تسكين القلوب: فعن الإمام الباقر عليه السلام: "الحجُّ تسكينُ القلوبَ"3.

- عدم الفقر: وعنه عليه السلام أنّه قال: "الحجّ ينفي الفقر"4.

- استجابة الدعاء: وفي موضع آخر، قال عليه السلام: "الحاجّ والمعتمرُ، وفدُ الله، إن سألوهُ أعطاهُم، وإن دعَوْهُ أجابَهُم، وإن شفعُوا شفَّعَهُمْ، وإن سكتوُا ابتَدَأَهُم، ويُعَوَّضونَ بالدِّرهَمِ ألفَ ألفَ دِرْهَمٍ"5.

- صحّة البدن وسعة الرزق: عن الإمام الصادق عليه السلام: "كان عليّ بن الحسين يقول: حجُّوا واعتمرُوا، تصحُّ أجسامُكم وتتّسعُ أرزاقُكم، ويَصْلُحُ إيمانُكم، وتَكْفُوا مؤونةُ النّاس ومؤونةَ عيالاتِكُم"6.
 

1- جامع أحاديث الشيعة، السيّد البروجردي، ج10، ص156.
2-الحجّ والعمرة في الكتاب والسنّة، الريشهري، ص154.
3-ميزان الحكمة، الريشهري، ج1، ص534.
4- ميزان الحكمة، الريشهري، ج1، ص535.
5- موسوعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام، الشيخ النجفي، ج7، ص313.
6- جامع أحاديث الشيعة، السيّد البروجردي، ج10، ص157.
 
 
 
17
 

 


13

المحاضرة الأولى: فضل فريضة الحجّ وثوابها

- ترك الحجّ لا يعادَل بمال: "رُوِيَ أنّ إعرابيّاً التقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له: يا رسول الله، إنّي خرجت أريد الحجّ ففاتَني، وأنا رجل ميِّلٌ (أي ذو مال وفير)، فمَرْنِي أن أصنع في مالي ما أبلغ به مثل أجر الحاجّ، قال: فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أَنْظُرْ إِلى أبي قبيسٍ (جبل عالٍ في مكّة) فَلَوْ أَنَّ أَبا قبيسٍ لَكَ ذَهبةٌ حَمراءُ أَنْفَقْتَهُ في سبيلِ اللهِ، ما بَلَغْتَ ما يبلغُ الحاجُّ......"1.

- عدم المناظرة: عن الإمام عليّ عليه السلام: "والله الله في بيتِ ربِّكم، لا تُخْلوه ما بقيتم، فإنَّه إن تُرِكَ لم تُناظَروا". ومعنى عدم المناظرة أنّ الله لا يُمْهِلْهُم قبل نزول العقوبة الإلهيَّة2.

- خير من الدنيا: فقد ورد في الحديث الشريف: "حجّةٌ مقبولةٌ خيرٌ من الدنيا وما فيها"3.
 
 

1- التهذيب ، ج1 ، ص447 .
2- الوسائل ، ج8 ، ص15 .
3- جامع أحاديث الشيعة، السيّد البروجردي، ج10، ص151.
 
 
 
 
18
 

14

المحاضرة الثانية: آداب وأعمال المسجد الحرام

قال تعالى: 
﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴾
 
الهدف: 
بيان مكانة مكّة، وبعض الأماكن المقدّسة فيها، وفضيلة الأعمال التي تستحبّ فيها، والثواب المترتّب عليها. 
 
تصدير الموضوع:
قال تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ1.
 

1- آل عمران، 96.
 
 
19

15

المحاضرة الثانية: آداب وأعمال المسجد الحرام

محاور الموضوع:
الأعمال المستحبّة في مكّة
1- الإكثار من ذكر الله وقراءة القرآن: فعن الإمام السجّاد عليه السلام: "إنَّ تسبيحةَ بِمكّة يعدل خراج العراقين ينفق في سبيل الله"1.
 
2- ختم القرآن: فقد ورد عن الإمام السجّاد عليه السلام: "من خَتَمَ القرآنَ بمكّة، لم يَمُتْ حتّى يَرَى رسولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم ويرى مَنْزِلُه في الجنّة"2.
 
3- الشرب من ماء زمزم: فقد ورد في رواية الشلبيّ: ثمّ قال عليه السلام له: "أَشْرَفَتَ على بِئْرِ زمزمَ، وشربْتَ من مائِها؟ قال: نعم، قال: نَوَيْتَ أنّك أَشْرَفْتَ على الطّاعَةِ، وغَضَضْتَ طَرْفَك عن المعصِيةِ؟ قالَ: لا، قال عليه السلام: "فَما أشرفْتَ عَلَيها، ولا شَرِبْتَ من مائِها"3.
 
ورُوي أنّه من ارتوى من ماء زمزم أحدث الله له به شفاء، وصرف عنه داء، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستهدي ماء زمزم وهو بالمدينة4.
 
4- الإكثار من النظر الى الكعبة: فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أنّ النظرّ إلى الكعبةِ حبّاً لَهَا يهدِمُ الخطايا هدماً"5.
 
 

1- المحاسن، ج1، ص68-69.
2- المحاسن، ج1، ص68-69.
3- الحجّ والعمرة في الكتاب والسنّة، ص262.
4- منتهى المطلب، العلّامة الحلّي، ج2، ص645.
5- المحاسن، ج1، ص68-69.
 
 
20
 

16

المحاضرة الثانية: آداب وأعمال المسجد الحرام

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "من أيسرَ ما ينظر إلى الكعبة أن يعطيه اللهُ بكلِّ نظرةٍ حسنةً، ومحَا عنه سيّئةً، ورفعَ لهُ درجةً"1.
 
5- الطواف حول الكعبة ثلاثمائة وخمس وستين مرّة، فإن لم يقدر فعشر كلّ يوم، فإن لم يقدر فإثنين وخمسين طوافا مدة بقائه في مكّة.
 
6- أن يدعو عند دخوله الحرم بقوله: "اللَّهمَ إنّك قلْتَ من دخَلَه كانَ آمناً، فآمنيّ مِنْ عذابِ النار".
 
وعند خروجه يستحبّ أن يكبّر ثلاثاً، ويقول: "اللَّهمّ لا تُجْهِدْ بلاءَنا، ربَّنا ولا تُشَمِّت بنا أعداءنا، فإنّك أنتَ الضارُّ النافعُ"2
 
7- يستحبّ أن يصلّي في كلّ زاوية من زوايا البيت المقدّس ففي الحديث: "الساجدُ بمكّة كالمتشحطِّ بدمِهِ في سبيلِ اللهِ"3.
 
أماكن مباركة في مكّة:
في مكّة ستّ بقاع مباركة، على المرء أن لا يغفل عنها: 
1- الحجر الأسود: ويستحبّ التبرّك به، وتقبيله، لما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أنّ الحجرَ الأسود يمين اللهَ في أرضِهِ، يصافحُ بها خلْقَهُ، كما يصافِحُ الرجلُ أخاهُ"4.
 

1- المحاسن، ج1، ص69.
2- الحجّ والعمرة في الكتاب والسنّة،ص83.
3- المحاسن، ج1، ص68-69.
4- المحاسن، ج1، ص65.
 
 
21

 

17

المحاضرة الثانية: آداب وأعمال المسجد الحرام

2- الحَطيم: وهو من البقاع الّتي يستحبّ الدعاء والصلاة فيها، وقد سُئِل الإمام الصادق عليه السلام عن الحطيم فقال عليه السلام: هوَ ما بينَ الحجرِ الأسود وبابِ البيتِ، قال اسحقُ بن عُمّارٍ: قلْتُ له: لِمَ سمِّيَ الحطيمُ؟ فقال عليه السلام: "لأنَّ النّاس يُحَطِّمُ بعضُهُم بعضاً"1.
 
3- مقام إبراهيم: وقد ورد استحباب الصلاة فيه بصريح القرآن، قال تعالى: ﴿وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مصلّى﴾2.
 
سأل داود الحضرميّ أبا الحسن عليه السلام عن الصلاة بمكّة: "في أيّ موضعٍ أفضل؟ فقال عليه السلام: عندَ مقامِ إبراهيمَ الأوّلِ، فإنّه مقامُ إبراهيمَ واسماعيلَ ومحمّد" صلى الله عليه وآله وسلم3.
 
4- حِجْرُ إسماعيل: وهو جدار صغير على شكل قوس بين الركنين الشامييَّن، وأفضل مكان فيه مقابل ميزاب الرحمة، وهو من الأماكن التي يستحبّ المكوث فيها طويلاً وأنّه موطن الدعاء، وأنّه جزء من البيت، ولذا لو دخله أحد أثناء الطواف لم يُجَزِّئه.
 
5- الركن اليمانيّ: ويسمّى ركن الولاية، وهو الذي انشقّ لفاطمة بنت أسد، فدخلته لمّا وضعت مولودها أمير المؤمنين عليه السلام.
 

 


1- الحجّ والعمرة في الكتاب والسنّة،ص108.
2- البقرة، 125.
3- الوسائل، ج5، ص275.
 
 
 
22

 
 

18

المحاضرة الثانية: آداب وأعمال المسجد الحرام

عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّه بابُنا الّذي نَدْخُلُ مِنْهُ الجنّة"1.
 
6- المتعوَّذ: وهو بين الركن اليمانيّ، والباب الثاني المغلقَ من الكعبة، ويسمّى الملتزم أيضاً، وهو المكان الذي وقف فيه آدم واعترف بذنبه، ويستحبّ إتيانه بعد الفراغ من الطواف السابع.
 
وروي أن الإمام الصادق عليه السلام كان إذا انتهى إلى الملتزم قال لمواليه: "أَميطُوا عَنِّي حتَّى أُقِرَّ لِرَبّي بذنوبي في هذا المكانِ، فإنَّ هذا مكانٌ لَمْ يقرَّ عبدٌ لربِّه بذنوبِهِ، ثُمَّ استغفَر اللهَ إلّا غفرَ لَهُ"2
 

1- الوسائل، ج13، ص339.
2- الوسائل، ج13، ص346.
 
 
23
 

19

المحاضرة الثالثة: التوحيد خلاصة الحجّ الإبراهيميّ

عن الإمام الصادق عليه السلام: 
"... وَأَنَّ الكعبةَ بيتٌ للتوحيدِ، بُنِيَ بأيدي أنبياءِ اللهِ العظامِ لِلْمُوَحِّدينَ مِنْ أهلِ الأرضِ، وَلا يسبقُهِ بهذا القِدَمِ أيُّ معبدٍ آخرَ"
 
الهدف
بيان الدلالات الروحيّة، لأهمّ المناسك الّتي تجسّد مبدأ التوحيد، وتتمحور حوله، وتقوّي انقطاع الإنسان إلى الله، دون سواه.
 
تصدير الموضوع
قال تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا﴾1.
 
 

1- الحجّ، 26.
 
 
25
 
 

20

المحاضرة الثالثة: التوحيد خلاصة الحجّ الإبراهيميّ

 وقال تعالى: ﴿وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاس يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾1.
 
محاور الموضوع
عن الإمام الصادق عليه السلام: "........ وَأَنَّ الكعبةَ بيتٌ للتوحيدِ، بُنِيَ بأيدي أنبياءِ اللهِ العظامِ لِلْمُوَحِّدينَ مِنْ أهلِ الأرضِ، وَلا يسبقُهِ بهذا القِدَمِ أيُّ معبدٍ آخرَ".
 
بعض مظاهر التوحيد في الحجّ
1- رجم الجمرات: وينوي الحاجّ أثناء الرجم، طرده لكافّة شياطين الإنس والجنّ، أي رجم كافّة أنواع الشّرك بالله، فالرجم يستبطِنُ البراءة من المشركين، وعدم التودّد إليهم، فضلاً عن إعانتهم، أو الولاء لهم.
 
2- الطواف حول البيت: ويعني أنّ الإنسان لا يدور في وجوده، وحركته، إلّا وفق إرادة الله ورِضاه، وأن يكون طوافه حول الكعبة التي ترمز إلى الحضرة الربوبيّة بقلبه لا بجسده، متشبِّهاً بالملائكة الذين يطوفون بإزاء العرش حول البيت المعمور، كأنّه يعاهد الله أن يكون كالملائكة التي عبّر عنهم الله بقوله: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾2.
 
 

1- التوبة، 3.
2- التحريم:6.
 
 
 
 
26
 

21

المحاضرة الثالثة: التوحيد خلاصة الحجّ الإبراهيميّ

3- التلبية: وتعني أن يعاهد الإنسان ربّه على الإستجابة لنداء الله دون سواه، ولذلك فإنّ التلبية تستوجب الإجابة الخالصة، والانقطاع المُطْلَق لله تعالى.

وتجدر الإشارة إلى أنّ التلبية الواجبة، هي: "لبّيك اللَّهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك". وهذه التلبيات الأربع تجسد التوحيد.
 
4- استلام الحجر الأسود وتقبيله: لما يعني ذلك من البيعة والعهد بالوفاء لكلّ ما أمر الله به، فهو يد الله التي يصافح بها خلقه كما ورد في الحديث الشريف.
 
عن الإمام الصادق عليه السلام: "وَقُلْ عِنْدَ استِلامِكَ الحجرَ: أَمانَتي أَدَّيْتَها وَميثاقي تَعاهَدْتُهُ لِتَشْهَدَ لي بِالْمُوافاةِ"1.
 
فإيّاك أن تصافح يدَ الله ثمّ تخونها أو تنقلب عليها، فإنّ هذا الحجر يشهد يوم القيامة على الذين نكثوا بيعتهم مع الله، واتّبعوا سبل الضلال والغيّ والتّيه. 
 
5- الأضحِية: وترمز إلى استعداد الإنسان إلى التضحية بكلّ ما يُطلبه الله منه، وأنّ الأضحِية سبيل إلى التقوى، ويظهر هذا في قوله تعالى: ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُم﴾2.
 
 

1- كشف اللثام، الفاضل الهندي، ج5، ص460.
2- الحجّ 37.
 
 
27
 

22

المحاضرة الثالثة: التوحيد خلاصة الحجّ الإبراهيميّ

وعن الإمام الكاظم عليه السلام: "استفرِهُوا ضحاياكُمْ، فَإِنّها مَطاياكُم عَلى الصِّراطِ"1.
 
وعندَ ذبح الأضحية يستحبّ قراءة الدعاء التالي:
"وجَّهْتِ وجهي لِلَّذي فَطَرَ السّمواتِ والأرضَ مسلِماً حنيفاً وَما أنا مِنَ الْمُشرِكينَ، إنَّ صلاتي وَنُسُكي وَمَحْيايَ وَمماتي لِلَّهِ ربِّ العالمينَ، وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنا أَوَّلُ الْمُسَلِمينَ، اللَّهُمّّ مِنْكَ وَلَكَ، بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي"2.
 
نموذج من التوحيد الإبراهيميّ 
ويتمثّل التوحيد بالتسليم المُطْلَق لإرادة الله، والانقطاع التامّ إليه، كما يحدّثنا القرآن الكريم عن قِصّةِ نبيَ الله إبراهيم عليه السلام مع ولده إسماعيل عليه السلام، في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ *وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾3
 

1- الحدائق الناضرة، المحقّق البحراني، ج17.
2- سنن الإمام علي، لجنة الحديث معهد باقر العلوم، ص384.
3- الصافات، 102 - 107.
 
 
 
28
 
 

 

23

المحاضرة الرابعة: آداب السفر الى الحجّ

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:في سفرٍ خَرََجَ فيه للحجّ: "مَنْ كانَ سيءَ الخُلُقِ والجِوارِ، فلا يَصْحَبُنا".
 
الهدف:
التنبيه إلى جملة من الأمور التي تساعد الحاجّ على المحافظة على الأجواء الروحيّة والعباديّة أثناء السفر.
 
تصدير الموضوع:
ورد في الحديث الشريف: "إنَّ الحاجَّ مِنْ حَيْثُ يَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِهِ، حَتَّى يَرْجِعَ بِمَنَزْلَةِ الطائِفِ في الكَّعْبَةِ"1.
 

1- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج8، ص43.
 
 
29
 
 

 


24

المحاضرة الرابعة: آداب السفر الى الحجّ

محاور الموضوع:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "المُرُوَّةُ في السَّفَرِ، كَثْرَةُ الزادِ وَطيبُهُ، وَبَذْلُه لِمَنْ كانَ مَعَكَ، وَكِتْمانُكَ عَلَى الْقَوْمِ سِرَّهُمْ بَعْدَ مُغَادَرَتِهِم، وَكَثْرَةُ الْمُزاحِ في غيرِ ما يُسْخِطُ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ"1.
 
أشارت الروايات إلى مجموعة من الآداب التي ينبغي على الحاجّ الوافد إلى ضيافة الله أن يؤدِّب نفسه بها، ونشير هنا إلى بعضها بعد البقاء على طهارة، والإكثار من التهليل، والتحميد، والتكبير، والتقديس.
 
1- التصدّق: عن الإمام الباقر عليه السلام: "إِذا أَرَدْتَ سَفَراً فَاشْتَرِ سَلامَتَكَ مِنْ رَبِّكَ بِما طابَتْ بِهِ نَفْسُكَ"2.
 
2- حَمْلُ الزاد: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما مِنْ نَفَقَةٍ أَحَبُّ إِلى اللهِ مِنْ نَفَقَةِ قَصْدٍ، وَيُبْغَضُ الإِسْرافُ إلّا في الحَجِّ وَالْعُمْرَةِ"3.
 
فعن الإمام الصادق عليه السلام: "كانَ عليُّ بنُ الحسينِ عليه السلام إذا سافرَ إِلى مكّة لِلْحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ تَزَوَّدَ مِنْ أَطْيَبِ الزّادِ"4
 
3- حسن الصحبة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفرٍ خرج فيه للحجّ: "مَنْ كانَ سَيِّءَ الخُلُقِ وَالجِوارِ فَلا يَصْحَبُنا"5.
 
 

1- مستدرك سفينة البحار، الشيخ الشاهرودي، ج9، ص365.
2- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص244.
3- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج11، ص149.
4- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج8، ص310.
5- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص251.
 
 
 
30
 

25

المحاضرة الرابعة: آداب السفر الى الحجّ

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ما اصْطَحَبَ إثنانِ إلّا كانَ أَعْظَمُهُما أَجْراً وَأَحَبُّهُما إِلى اللهِ أَرْفَقُهُما بِصاحِبِهِ"1.
 
عن الإمام الصادق عليه السلام: "لَيْسَ مِنّا مَنْ لَمْ يَكُنْ يُحَسِنُ صُحْبَةَ مَنْ صَحِبَهُ، وَمُرافَقَةَ مَنْ رافَقَهُ، وَمَمالَحَةَ مَنْ مالَحَهُ، وَمُخالَفَةَ مَنْ خالَفَهُ"2.

4- تهيئة النفقة وحفظها: حتّى لا يكون كَلّاً وعِبْئاً على غيره من الحجيج، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مِنَ السُنَّة إِذا خرجَ قومٌ في سفرٍ أن يُخْرِجَوا نَفَقَتَهُمْ، فإِنَّ ذلِكَ أَطْيَبُ لأَنْفُسِهِمْ وَأَحْسَنُ لأخلاقِهِمْ"3.

عن صفوان الجمّال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: "إنّ معي أهلي وأنا أريد الحجّ، أَأَشُدُّ نفقتي في حقويْ؟ قال عليه السلام: نَعَمْ إِنَّ أَبي كانَ يقول: مِنْ فِقْهِ المُسافِرِ حِفْظُ نَفَقَتِهِ"4.

5- خدمة الحجاج: عن إسماعيل الخثعميّ قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنّا إذا قدمنا مكّة ذهب أصحابي يطوفون ويتركوني أحفظ أمتعتهم، قال عليه السلام: أَنْتَ أَعْظَمُهُمْ أَجْراً"5.

وعن مرازم بن حكيم قال: "زامَلْتُ محمّد بن مصادف، فلمّا دخلنا المدينة اعتلَلْتُ، وكان يمضي إلى المسجد ويدعني وحدي،
 

1- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج11، ص412.
2- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج8، ص316.
3- وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج11، ص413.
4- مستدرك سفينة البحار، الشيخ الشاهرودي، ج5، ص59.
5- وسائل الشيعة، ج13، ص313، ب11، طواف، ح1.
 
 
 
31
 

 


26

المحاضرة الرابعة: آداب السفر الى الحجّ

فشَكَوْتُ ذلك إلى مصادف فأخبر به أبا عبد الله عليه السلام، فأرسل إليَّ: قُعودُكَ عِنْدَهُ أَفْضَلُ مِنْ صلاتِكَ في المَسْجِدَ"1.
 
وفي الروايات أنّ الإمام السجاد عليه السلام كان يلتحق في مسير الحجّ بقافلةٍ لا يعرفه أحد فيها وذلك ليخدمهم، وكان إذا عرفوه تركهم إلى قافلةٍ أخرى.

6- المداومة على الذكر: عن الإمام الصادق عليه السلام: "إِذا كُنْتَ في سَفَرٍ فَقُلْ "اللَّهُمّ اجْعَلْ سَيْري عِبَراً وَصَمْتي تَفَكُّراً وَكَلامي ذِكْراً"2
 

 
1- ن.م. ج13، ص313، باب 11، طواف، ح2.
2- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص254.
 
 
32
 

27

المحاضرة الخامسة: الآداب العامة للحجّ

عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال:
"ما يُعْبَؤُ بِمَنْ يَؤُمُّ هذا الْبَيْتَ إِذا لَمْ يَكُنْ فيهِ ثَلاثُ خِصالٍ: وَرَعٌ يَحْجُزُهُ عَنْ مَعاصي اللهِ، وَحِلْمٌ يَمْلِكَ بِهِ غَضَبَهَ، وَحُسْنُ الصَّحابَةِ لِمَنْ صَحِبَه".
 
الهدف
إلفات النظر إلى الحالة الروحيّة التي ينبغي على الحاجّ المحافظة عليها طيلة فترة أداء العبادات والمناسك.
 
تصدير الموضوع
قال تعالى: ﴿الحَجُّ أشهرٌ معلوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ في الْحَجِّ﴾1.
 

1- البقرة، 197.
 
 
33
 

28

المحاضرة الخامسة: الآداب العامة للحجّ

محاور الموضوع
حقّ فريضة الحجّ
روي عن الإمام زين العابدين عليه السلام أنّ حقّ فريضة الحجّ يتمثّل في أمورٍ أربعة:
أوّلاً: "حَقُّ الحَجِّ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ وِفادَةٌ إِلى رَبِّك".
ثانياً: "وَفِرارٌ إِلَيْهِ مِنْ ذُنوبِك".
ثالثاً: "وَفيهِ قَبُولُ تَوْبَتِك".
رابعاًَ: "وَقَضاءُ الفَرْضِ الَّذي أَوْجَبَهُ اللهُ عَلَيْك"1.
 
ومن هنا، فلا ينبغي الغفلة عن التأدّب بآداب الوفادة، والتخلّق بأخلاق الله، أثناء أداء هذه الفريضة التي أوجبها الله تعالى، وذلك من خلال التقيّد بالأمور التالية: 
 
1- الورع والحلم وحسن الصحبة: عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "ما يُعْبَؤُ بِمَنْ يَؤُمُّ هذا الْبَيْتَ إِذا لَمْ يَكُنْ فيهِ ثَلاثُ خِصالٍ: وَرَعٌ يَحْجُزُهُ عَنْ مَعاصي اللهِ، وَحِلْمٌ يَمْلِكَ بِهِ غَضَبَهَ، وَحُسْنُ الصَّحابَةِ لِمَنْ صَحِبَهُ"2.
 
2- الذكر وحفظ اللّسان: عن الإمام الصادق عليه السلام: "إِذا أَحْرَمْتَ فَعَلَيْكَ بِتَقْوَى اللهِ وذِكْرِ اللهِ كَثيراً، وَقِلَّةِ الْكَلامِ إلّا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ مِنْ تَمامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنْ يَحْفَظَ الْمَرْءُ لِسانَهُ إلّا مِنْ خَيْرٍ، فَإِنَّ الله ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يَقولُ ﴿فَمَنْ فَرَضَ عَلَيْهِنّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ3.
 
 

1- الحجّ والعمرة في الكتاب والسنّة، الريشهري، ص159.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج4، ص286.
3- البقرة، 197.
 
 
34
 

29

المحاضرة الخامسة: الآداب العامة للحجّ

3- التذلَّل والتواضع: فقد ورد: "ما عُبِدَ اللهُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنَ الْمَشْي"1، ولذا "حجّ الحسن بن عليّ عليه السلام عشرين حجّةً ماشياً على قدميه"2.
 
ويستحبّ للحاجَّ أن يُكَفَّنَ بِثَوْبَيْ إِحرامِهِ، كما كُفِّنَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 3.
 
4- الإعراض عن حاجات الدنيا: فإنّ سفر الحجّ سفر إلى الله ووفاده عليه، وطلب حاجات الدنيا يتناقض مع هذا الهدف، ففي الرواية: "إذا كانَ آخرُ الزمانِ، خَرَجَ النّاس لِلْحَجِّ أَرْبَعَةَ أَصْنافٍ: سلاطينُهُم لِلنُّزَهَةِ، وَأغْنِياؤُهُمْ لِلتّجارَةِ، وَفُقَراؤُهُمْ لِلْمَسْأَلَةِ، وَقُرَّاؤُهُمْ لِلسُّمْعَةِ"4.
 
5- الذكر: كثرة الذكر أثناء أداء المناسك، وقد ورد في الكتب الخاصّة بأعمال الحجّ أدعية مختلفة عند عزم الحاجّ على الخروج وركوب الراحلة، والنزول منها، ودخول أيّ مكان، والخروج منه، وأداء أيّ عمل، وأثناء الحركة، والإنتقال فضلاً عن الأدعية الخاصّة بالسفر، حتّى يبقى الحاجّ على حالة من الذكر الدائم ما استطاع.
 

1- موسوعة أحاديث أهل البيت، الشيخ هادي النجفي، ج4، ص253.
2- الوسائل، ج8، ص55.
3- الوسائل، ج9، ص37.
4- كنز العمّال، المتّقي الهندي، ج5، ص133.
 
 
35
 

30

المحاضرة الخامسة: الآداب العامة للحجّ

عن الإمام الصادق عليه السلام: "كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم في سَفَرِهِ إِذا هَبَطَ سَبَّحَ، وَإِذا صَعَدَ كَبَّرَ"1.

وعنه عليه السلام في حديث: "فَإِذا جَعَلْتَ رِجْلَكَ في الرِّكابِ فَقُلْ: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ، بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ"2


1- الكافي، الشيخ الكليني، ج4، ص278.
2- الوسائل، ج11، ص387.
 
 
 
36
 

31

المحاضرة السادسة: الإحرام والتلبية

عن الإمام الصادق عليه السلام:
"...وَأَحْرِم من كلِّ شيءٍ يَمنَعُكَ عن ذِكرِ الله ويَحْجِبُكَ عن طاعَتِهِ ولبِّ بِمعنى إجابَةٍ صافيةٍ زاكيةٍ للهِ عزّ وجلّ في دعوتك له متمسّكاً بعُروتِهِ الوثقى".

الهدف: 
التنبيه الى ضرورة مراقبة النفس ومحاسبتها، وأنّ الغفلة عنها تخرجها عن مسار الطاعة الى الإنحراف والضياع.

تصدير الموضوع:
ورد في دعاء أمير المؤمنين الذي يُقرأ في المناجاة الشعبانية: "اللَّهُمَّ وَاجْعَلْني مِمَّنْ نادَيْتَهُ فَأَجابَكَ، وَلاحَظْتَهُ فَصَعِقَ لِجَلالِكَ"1.


1- إقبال الأعمال، السيّد ابن طاووس، ج3، ص298.
 
 
37
 

32

المحاضرة السادسة: الإحرام والتلبية

محاور الموضوع:
لعلّ أهمّ دلالات الإحرام أن يستحضِرَ الإنسان نفسه على أنّه في يوم الحشر، وأنّه خرج من قبره مؤتزِراً كَفَنَهُ، وأنّه لن ينفعه ماله ولا ولده إلّا أن يأتِيَ اللهَ بعملٍ صالحٍ وقلبٍ سليمٍ، وأنّ التلبية، هي استجابة المخلوق لخالقه في كافَّة أموره وشؤونه.

حضور القلب عند التلبية
روى ابن أبي عامر أنّ الإمام الصادق عليه السلام لمّا استوت به راحلته عند الإحرام، كان كلّما همّ بالتلبية انقطع الصوت في حلقه، وكاد أن يَخِرّ عن راحلته، فقلت: قل يا بن رسول الله ولا بدّ لك أن تقول، فقال عليه السلام: "يا بْنَ أّبي عامِرٍ كَيْفَ أَجْسُرُ أَنْ أَقولَ "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ" وَأَخْشى أَنْ يَقولَ عَزَّ وَجَلَّ لي لا لَبَّيْكَ وَلا سَعْدَيْكَ"1.

كان الإمام السجاد عليه السلام: "إِذا أَرادَ أَنْ يُلَبّي اصفرَّ لونُه وانتفضَ ووقعَت عليهِ الرّعدَةُ، فَإِذا لَبّى غُشِيَ عَلَيْهِ وَسَقَطَ عَنْ راحِلَتِه"ِ2.

معنى التلبية
التلبية هي الإستجابة لنداء الله والعزم على الالتزام بما أمرنا به من أوامر ونواهي، وهي أحد أبرز المناسك التي تجسّد التوحيد.والتلبية الواجبة هي: "لبّيك اللَّهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك


1- الحجّ والعمرة في الكتاب والسنّة، الريشهري، ص182.
2- شرح إحقاق الحقّ، السيّد المرعشي، ج28، ص39.
 
 
 
38
 

33

المحاضرة السادسة: الإحرام والتلبية

لبّيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبّيك". وهذه التلبيات الأربع تجسّد الاستجابة العمليّة، وتمام الانقطاع إلى الله.
 
ضرورة الاستجابة
لقد أكّد الله تعالى على ضرورة الاستجابة الكاملة لتعاليم الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك في قوله جلّ وعلا: ﴿َمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا1، وأن عدم الإستجابة ليست سوى اتباع للهوى، قال تعالى: ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ﴾2.
 
بركات الاستجابة لله وللرّسول
1- حياة النفوس: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾3.

2- غفران الذنوب: قال تعالى: ﴿يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾4.

3- الحسنى والنعيم: قال تعالى: ﴿لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى﴾5.
 

1- الحشر: 7.
2- القصص، 50.
3- الأنفال، 24.
4- الأحقاف، 31.
5- الرعد، 18.
 
 
39
 

34

المحاضرة السادسة: الإحرام والتلبية

4- الأجر العظيم: قال تعالى: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَآ أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾1.

5- البصيرة والفهم: قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ﴾2.

6- الوعي والرشد: قال تعالى: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ3.
 
 

1- آل عمران، 172.
2- الأنعام، 36.
3- البقرة، 186.
 
 
40


 

35

المحاضرة السابعة: بركات البيت العتيق

وعن الإمام الصادق عليه السلام: 
"إِنّ للَه تَباركَ وَتَعَالى حَوْلَ الْكَعْبَةِ مئةً وَعِشْرينَ رَحْمَةً، مِنْها سِتّونَ لِلطّائِفيَنَ، وَأَرْبَعونَ لِلْمُصلِّين،َ وَعِشْرونَ للِنّاظِرين".َ
 
الهدف:
شرح بركات البيت العتيق الذي يؤمُّه الحجيج لمحاولة التبرّك والانتفاع من البقاء هناك بشكل كامل.
 
تصدير الموضوع:
قال تعالى: ﴿وَأَذِّن فِي النّاس بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ1.
 
 

1- الحجّ، 27-28.
 
 
41
 
 

36

المحاضرة السابعة: بركات البيت العتيق

محاور الموضوع:
اعلم أيّها الواقف على أعتاب البيت العتيق، أنّك دنوت من البقعة المباركة، والّتي انفرَدَت بميزات ثمانية، هي:
 
1- مكان لقبول الأعمال: فينبغي تصفية النيّة والوجه الخالص لله تعالى، حيث قال: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا﴾1.
 
في موضعٍ آخر: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ2.
 
2- مكان للعبادة والطاعة: قال تعالى: ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾3.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "إِنّ لِلَّهِ تَباركَ وَتَعَالى حَوْلَ الْكَعْبَةِ مئةً وَعِشْرينَ رَحْمَةً، مِنْها سِتّونَ لِلطّائِفيَنَ، وَأَرْبَعونَ لِلْمُصلِّينَ، وَعِشْرونَ للِنّاظِرينَ"4.
 
3- مكانٌ مبارك: قال تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ﴾5

عن الإمام الصّادق عليه السلام: "إنّ اللهَ اختارَ مِنَ كُلِّ شَيْءٍ شَيْئاً،
 

1- البقرة، 127.
2- المائدة 27.
3- البقرة، 125.
4- الكافي، الشيخ الكليني، ج4، ص240.
5- آل عمران، 96-97.
 
 
42

 

 


37

المحاضرة السابعة: بركات البيت العتيق

اختارَ مِنَ الأَرْضِ مَوْضِعَ الْكَعْبَةِ"1.
 
4- مكان لقيام النّاس: قال تعالى: ﴿جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ2، سئل أبو عبد الله عن الآية فقال: "جَعَلَها اللهُ لِدينِهِمْ وَمَعايِشِهِمْ"3.

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "لا يزالُ الدّينُ قائِماً ما قامَتِ الْكَعْبَةُ"4.

وعن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "فَرَضَ اللهُ الإيمانَ تَطْهيراً مِنَ الشّركِ........... والْحَجَّ تَقْوَيِةً للدّينِ"5.

وجاء في خطبة السيّدة الزهراء عليها السلام: "..... وَالْحَجَّ تَشْييداً للدّينِ"6.
 
5- مكانٌ لكتابة الحسنات ومَحْو السيئات: فعن الإمام الصادق عليه السلام: "مَنْ نَظَرَ إِلى الْكَعْبَةِ لَمْ يَزَلْ يُكْتَبُ لَهُ حَسَنَةٌ وَيُمْحَى عَنْهُ سَيِّئَةٌ حَتَّى يَصْرِفَ بِبَصَرِهِ"7.

وعنه أيضاً عليه السلام أنّه قال: "هَيْهُنا يُخْسَفُ بِالأَخابِث"8. 
 
6-مكان لاختبار النّاس: عن الإمام عليِّ عليه السلام: "ألّا تَرَوْنَ
 

1- الحجّ والعمرة في الكتاب والسنّة، ص77.
2- المائدة، 97.
3- الوسائل، ج11، ص60.
4- الكافي، ج4، ص271.
5- عيون الحكم والمواعظ، ص361.
6- وسائل الشيعة، ج1، ص14.
7- الكافي، ج4، ص240.
8- الوسائل، ج9، ص49.
 
 
43
 

38

المحاضرة السابعة: بركات البيت العتيق

اللهَ سُبْحانَهَ اخْتَبَرَ الأَوّلينَ مِنْ لَدُنْ آدَمَ وَالآخِرينَ مِنْ هذا العالَمِ بِأَحْجارٍ لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ وَلا تُبْصِرُ وَلا تَسْمَعُ فَجَعَلَها بَيْتَهُ الحرامَ الّذي جَعَلَهُ للنّاسِ قِياماً"1
 
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "هذا البيتُ اسْتَعْبَدَ اللهُ بِهِ خَلْقَهُ لِيَخْتَبِرَ طاعَتَهُمْ في إتيانه، فَحَثَّهُمْ عَلى تَعْظيمِهِ وَزِيارَتِهِ، وَجَعَلَهُ مَحَلّ أَنْبِيائِهِ وَقْبِلَةً لِلْمُصَلّينَ إِلَيْهِ، فَهُوَ شُعْبَةًٌ مِنَ رِضْوانِهِ، وَطَريقٌ يُؤَدّي إِلى غُفْرانِهِ......."2.
 
7- مكان للرحمة: "....... جَعَلَهُ اللُه سَبَباً لِرَحْمَتِهِ وَوَصْلَةً إِلى جَنَّتِهِ"3.
 
8- مكان مثابة وآمان: قال تعالى: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً4.

وفي آية أخرى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا5.
 

1- نهج البلاغة، الخطبة القاصعة، 192.
2- الكافي، ج4، ص198.
3- موسوعة أحاديث أهل البيت، ج1، ص433.
4- البقرة، 125.
5- البقرة، 126.
 
 
44
 
 

39

المحاضرة الثامنة: الطواف في الحجّ

عن الإمام الصادق عليه السلام:
"وَطُفْ بِقَلْبِكَ مَعَ الْمَلائِكَةِ حَوْلَ الْعَرْشِ، كَطَوافِكَ مَعَ الْمُسْلِمينَ بِنَفْسِكَ حَوْلَ الْبَيْتِ".
 
الهدف
تعريف الحجيج بأسرار منسك الطواف حول البيت، وثوابه، ومضامين أدعيته، ودلالات صلاة ركعتين بعده.
 
تصدير الموضوع
قال تعالى: ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾1.
 
 

1- الحجّ 29.
 
 
45
 
 

40

المحاضرة الثامنة: الطواف في الحجّ

محاور الموضوع
طوافك بالبيت الحرام عزيزي الحاجّ، ينبغي أن يكون طوافاً بقلبك، لا بجسدك حول الحضرة الربوبيّة المتمثّلة بالكعبة الشريفة. وأن تبدأ بالذكر، وتختم به، مقرّاً بأنّ الله هو المبدأ والمعاد، والأوّل والآخر، وإليه تُرجع كلّ الأمور.

ثواب الطواف
عن الإمام الصادق عليه السلام: "وَطُفْ بِقَلْبِكَ مَعَ الْمَلائِكَةِ حَوْلَ الْعَرْشِ، كَطَوافِكَ مَعَ الْمُسْلِمينَ بِنَفْسِكَ حَوْلَ الْبَيْتِ"1.

وعنه سلام الله عليه أيضاً، قوله: "مَنْ طافَ في الْبَيْتِ طَوْفاً واحِداً كَتَبَ اللهُ لَهُ سِتَّةَ آلافٍ حَسَنَةٍ وَمَحا عَنْهُ سِتَّةَ آلافِ سَيِّئَةٍ وَرَفَعَ لَهُ سِتَّةَ آلافِ دَرَجَةٍ"2.

وقفةٌ مع مضامين أدعية الأشواط
لعلّ ما ينبغي على الحاجّ استحضارُه، والتوجُّه إليه، وطلبه من الله تعالى، مستخلصٌ من مضامينِ أدعيةِ الأشواط، والّتي هي كالآتي:

- دعاء الشوط الأوّل: الإقرار بالربوبيّة لله تعالى، فقد ورد في الدّعاء: "اللَّهُمَّ أَسْأَلَكَ باسمِكَ الّذي يُمْشى بِهِ عَلَى طَلَلِ الماءِ
 

 
1- عبدالله شبّر، الأخلاق، ص71.
2- الكافي، ج4، ص412.
 
 
 
46
 

41

المحاضرة الثامنة: الطواف في الحجّ

كَما يُمشَى بِهِ على جَدَدِ الأَرضِ، وأسألك باسمك الّذي يَهْتَزُّ لَهُ عَرْشُكَ، وَأَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الّذي تَهْتَزُّ لَهُ أَقْدامُ مَلائِكَتِكَ..."1.
 
- دعاء الشوط الثاني: الإقرار بالعبوديّة، حين يقول: "اللَّهُمَّ إنّي إِلَيْكَ فَقيرٌ، وَإِنّي خائِفٌ مُسْتَجيرٌ، فَلا تُغَيِّرْ جِسْمي وَلا تُبَدِّلْ اسِمْي، سائِلُكَ فَقيرُكَ مِسْكينُكَ بِبابِكَ..."2.
 
- دعاء الشوط الثالث: طلب الجنّة والعافية، والرزق الحلال، حيث نقول: "اللَّهُمَّ أَدْخِلْني الجنّة وَأَجِرْني مِنَ النّارِ بِرَحْمَتِكَ، وَعافِني مِنَ السَّقَمِ وَأَوْسِعْ عَلَيَّ مِنَ الرّزْقِ الْحَلالِ..."3.
 
- دعاء الشوط الرابع: وفيه طلب العافية في الدّنيا والآخرة، حيث تردّد: "... وارْزُقَنا العافِيَةَ، وتَمَامَ العافِيَةِ، وَشُكْرَ العافِيَةِ في الدُّنْيا وَالآخِرَةِ، يا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ"4.
 
- دعاء الشوط الخامس: حيث الإقرار بالنبوّة والإمامة. "...الْحَمْدُ لِلَّهِ الّذي بَعَثَ مُحَمّداً نَبِيّاً وَجَعَلَ عَلِيّاً إِماماً..."5.
 
- دعاء الشوط السادس: ستطلب قبول الأعمال وغفران معصية السرّ في دعائك: "اللَّهُمَّ إِنّ عَمَلي ضَعيفٌ فَضاعِفْهُ لي
 

1- المقنع، الشيخ الصدوق، ص256.
2- الهداية، الشيخ الصدوق، ص226.
3- التحفة السنيّة، السيّد عبد الله الجزائري، ص187. 
4- عيون أخبار الرضا، الشيخ الصدوق، ج1، ص190.
5- منتهى المطلب العلّامة الحلّي، ج2، ص 695.
 
 
 
47

 

42

المحاضرة الثامنة: الطواف في الحجّ

وَاغْفِرْ لي ما اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنّي وَخَفِيَ عَلَى خَلْقِكَ..."1.
 
- دعاء الشوط السابع: وفيه نختم بطلب الرحمة والمغفرة: "اللَّهُمَّ إنّ عِنْدي أَفْواجاً مِنْ ذُنوبِ وأفواجاً مِنْ خَطايا، وَعِنْدَكَ أَفْواجٌ مِنْ رَحْمَةٍ وَأَفْواجٌ مِنْ مَغْفِرَةٍ..."2.
 
صلاة الطواف
لعلّ السرّ في الصلاة ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام، والتي أشار إليها القرآن بقوله: ﴿وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مصلّى﴾3، في عدّة أمور:
 
1- الوفاء لتضحياته العظيمة في تشريع الحجّ: قال تعالى: ﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النّاس تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾4
 
2- الإعتقاد بنبوّته وصوابيّة النهج الذي كان عليه: قال تعالى: ﴿وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إلّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾5.
 
3- إثبات الترابط بين دعوات الأنبياء: وبالأخصّ مع أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وأنّ الرسالات كلّها رسالة واحدة هي رسالة
 

1- كتاب الحجّ، السيّد الخوئي، ج5، ص487.
2- كلمة التقوى، الشيخ محمّد أمين زين الدين، ج3، ص369.
3- البقرة، 125.
4- إبراهيم، 37.
5- البقرة، 130.
 
 
48

43

المحاضرة الثامنة: الطواف في الحجّ

الإسلام. قال تعالى: ﴿مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النّاس﴾1.

4- جهاده ضد المشركين وتحطيمه للأصنام: قال تعالى: ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إلّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾2.


1- الحجّ، 78.

2- الأنبياء، 57 - 58.

 

 

49

 



 


44

المحاضرة التاسعة: الصفا والمروة

عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "وهرول هرولةَ من هواك وتبرِّيَاً من حولك وقوّتك".
 
الهدف:
بيان البعد الروحيّ لحركة السعي بين الصفا والمروة، وعلّة تشريع هذا المنسك، والنيّة التي ينبغي أن يعقدها الحاجّ.
 
تصدير الموضوع:
قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾1.
 

1- البقرة، 158.
 
 
51
 

45

المحاضرة التاسعة: الصفا والمروة

محاور الموضوع:
السعي بين الصفا والمروة في فناء البيت، يضاهي تردّد العبد بفناء الدار جائياً وذاهباً، إظهاراً للخلوص في الخدمة، ورجاءً للملاحظة بعين الرحمة، وليتذكّر في تردّده التردّد بين الكّفتين، ناظراً إلى الرجحان والنقصان، مردَّداً بين العذاب والغفران1.
 
علّة تشريع السعي
عن الإمام الصادق عليه السلام: "جُعِلَ السّعْيُ بَيْنَ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مَذَلَّةً لِلْجَبَّارينَ"2.
 
فالمراد من هرولة الحاجّ بين الصفا والمروة أن يقتل في نفسه الكِبَرَ والتّجَبُّرَ والغرور، وسواها من الأخلاق الذميمة التي تحول بينه وبين القرب من الله عزّ وجلّ.
 
وعنه عليه السلام: "الجبّارونَ أَبْعَدُ النّاس عَنِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ"3.
 
أجر السعي بين الصفا والمروة
عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: "قالَ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصارِ: إِذا سَعَيْتَ بَيْنَ الصَّفا وَالْمَرْوةَ كانَ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ أَجرُ مَنْ حَجَّ ماشِياً مِنْ بِلادِهِ، وَمِثْلَ أَجْرِ مَن أعَتَقَ سَبْعينَ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ"4.
 

1- جامع السعادات، ج3، ص392.
2- الوسائل، ج9، ص55.
3- ثواب الأعمال، الشيخ الصدوق، ص222.
4- الوسائل، ج13، ص471، باب1، ح15.
 
 
52

 

46

المحاضرة التاسعة: الصفا والمروة

 نيّة السعي (بين الخوف والرجاء)
 
فقد ورد في رواية الشلبيّ: ثمّ قال عليه السلام له: "أَسَعَيْتَ بَيْنَ الصّفا وَالْمَرْوَةَ، وَمَشَيْتَ وَتَرَدَّدْتَ بَيْنَهُما؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ لَهُ: نَوَيْتَ أَنَّكَ بَيْنَ الرّجاءِ وَالْخَوْفِ؟ قالَ: لا، قالَ: فَما سَعَيْتَ، وَلا مَشَيْتَ، وَلا تَرَدَّدْتَ بَيْنَ الصّفا وَالْمَرْوَةِ!"1.
 
فإشعار الحاجّ قلبه هاتين النيّتين، أي نيّة الخوف ونيّة الرجاء، بحيث لا يَقْنَطُ من رحمة الله، ولا يستهين بعقابه من الأمور، التي ينبغي أن تبقى ملازمةً للإنسان المتديّن، لا سيّما للحاجّ أثناء أدائه لفريضة الحجّ.
 
وعن الحسين بن أبي سارة قال: سمعت أبا عبد الله الحسين عليه السلام يقول: "لا يكونُ العَبدُ مُؤمِناً حَتَّى يَكونَ خائِفاً راجِياً، وَلاَ يكونَ خَائِفاً راجِياً حَتَّى يَكونَ عامِلاً لِما يُحِبُّ وَيَرْجو"2. فملاك الخوف من الله أن يحذر الإنسان المعصية ويجتنبها، كما أن ملاك الرجاء أن يعمل لما يحبّ، ويرجو من الله.
 
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "أُرْجُ اللهَ رَجاءً لا يُجَرِّئُكَ عَلى مَعْصِيَتِهِ، وَخَفِ اللهَ خَوْفاً لا يُؤْيِسْكَ مِنْ رَحْمَتِهِ"3.
 
وَعَنْهَ عليه السلام في روايةٍ يؤكِّد فيها أنّ المؤمن يسير مُتوازِناً بين
 

1- الحجّ والعمرة في الكتاب والسنّة، ص262.
2- ميزان الحكمة، ج1ـ ص827.
3- الأمالي، الشيخ الصدوق، ص65.
 
 
53

 

47

المحاضرة التاسعة: الصفا والمروة

الخوف والرجاء، قال: "كانَ أبي يقولُ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍٍ مُؤْمِنٍ إلّا وَفي قَلْبِهِ نورانِ، نورُ خيفةٍ ونورُ رَجاءٍ، لَوْ وُزِنَ هذا لَمْ يَزِدْ عَلَى هذا، وَلَوْ وُزِنَ هذا لَمْ يَزِدْ عَلى هذا"1


1- مشكاة الأنوار، الطبرسي، ص215.
 
 
54
 

48

المحاضرة العاشرة: الوقوف بعرفة

عن الإمام الصادق عليه السلام: "واعترف بالخطايا بعرفات، وجدّد عهدَكَ عندَ الله بوحدانِيّته".

الهدف:
بيان سرّ الوقوف بعرفة، وفضائل هذا اليوم، وبعض المستحبّات التي ينبغي على الحاجّ القيام بها.

تصديرالموضوع:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الحَجُّ عَرَفَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ"1.
 

 
1- تذكرة الفقهاء، العلّامة الحلّي، ج8، ص171.
 
 
 
 
55

 
 

49

المحاضرة العاشرة: الوقوف بعرفة

محاور الموضوع:
إنّ سرَّ الوقوف بعرفة، يكمن في أنّ الحاجّ عندما يرى اجتماع الخلق على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وطوائفهم وسعيهم، أن يذكر ازدحام الخلق يوم القيامة، فيخلص النيّة، ويبتهل الى الله بقلب خاشع، ونفس خاضعة لله تعالى.
 
فضائل يوم عرفة:
ليوم عرفة فضائل عديدة، نذكر أهمّها:
1- يوم للإقرار بالذنوب: فإنّ الإقرار بالذنب يستبطن العبوديّة لله، والاعتراف بالتقصير، والخروج عن الصراط المستقيم. فعن الإمام الباقر عليه السلام: "لا واللهِ ما أرادَ اللهُ مِنَ العبدِ إلّا خُصْلَتَيْنِ: أَنْ يُقِرُّوا بِالنِّعَمِ فَيِزيدَهُمْ، وَبِالذُّنوبِ فَيَغْفُرها لَهُمْ"1.
 
وعنه عليه السلام: "واللهِ ما يَنْجو مِنَ الذّنْبِ إلّا مَنْ أَقَرَّ بِهِ"2.
 
2- يوم للتوبة والاستغفار: ورد في الروايات، أنّ وجه تسمية صحراء عرفات بهذا الاسم، يعود إلى أنّ آدم اعترف فيها بذنبه، وتاب إلى ربّه، واستغفره فتاب عليه3.
 
3- عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ الله ـ عزّ وجلّ ـ يفرحُ بتوبةِ
 

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص 426.
2- شرح أصول الكافي،المازندراني، ج10، ص157.
3- الحجّ والعمرة في الكتاب والسنّة، الريشهري، ص249.
 
 
 
 
56
 

50

المحاضرة العاشرة: الوقوف بعرفة

عبدِهِ المؤمنِ إِذا تابَ كَما يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِضالَّتِهِ إِذا وَجَدَها"1.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "التَائِبُ مِنَ الذّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ"2.
 
4- يوم مشهود: عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النّاس وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ﴾3، قال عليه السلام: "المشهودُ يومُ عرفةَ والمجموعُ لهُ النّاس يومَ القيامةِ"4.
 
5- يوم لاستجابة الدعاء: عن الإمام الرّضا عليه السلام: قال: "كان أبو جعفرٍ عليه السلام يقولُ: ما مِنْ برٍّ وَلا فاجِرٍ يَقِفُ بِجِبالِ عَرَفاتُ فَيَدْعو اللهَ إلّا اسْتَجابَ اللهُ لَهُ، أَمّا البرُّ فَفِي حَوائِجِ الدّنْيا وَالآخِرَةِ، وَأَمّا الفاجِرُ فَفي أَمْرِ الدُّنْيا"5.
 
6- يومٌ للغفران: "عن أبي عبد الله عليه السلام عندما سُئِلَ أيُّ أَهلِ عرفاتَ أعظمُ جُرْماً؟، قال: المُنْصَرِفُ من عرفاتَ وَهَوَ يَظُنُّ أَنَّ اللهَ لَمْ يْغَفْرَ لَهُ"6
 
7- يوم لتعميم الفضل: روي أنّ الإمام عليَّ بن الحسين عليه السلام سمع في يوم عرفة سائلاً يسأل النّاس، فقال له: "وَيْحَكَ أَغَيْرُ اللهِ تَسْأَلُ في هذا الْيَوْمِ، إِنَّه لَيُرْجى ما في بُطونِ الحَبالَى في هذا الْيَوْمِ أَنْ يَكونَ سَعيداً"7.
 

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص436.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص435.
3- هود 103.
4- الوسائل، ج10، ص23.
5- مستدرك الوسائل، ج10، ص64، ح6.
6- وسائل الشيعة، ج13، ص547، باب18،إحرام الحجّ، ح2.
7- جواهر الكلام، الشيخ الجواهري، ج19، ص60.
 
 
57
 

51

المحاضرة العاشرة: الوقوف بعرفة

عن الإمام عليّ عليه السلام: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: العُمْرَةُ إلى الْعُمْرَةِ كَفّارَةُ ما بَيْنَهُما، والحجَّةُ المُتَقَبَّلَةُ ثَوَابُها الجنّة، وَمِنَ الذُّنوبِ ذُنوبٌ لا تُغْفَرُ إلّا بِعَرفاتَ"1.
 
8- يومُ عيد: ورد في مفاتيح الجنان: "وهو عيد من الأعياد العظيمة، وإن لم يسمّى عيداً، وهو يومٌ دعا الله فيه عباده إلى طاعته وعبادته، وبسط لهم موائدَ إحسانه وجوده، والشيطانُ فيه ذليلٌ حقيرٌ طريدٌ غضبان أكثرُ من أيِّ وقتٍ سواه".
 
مستحبّات الوقوف بعرفة
1- الطهارة طيلة الوقت.
2- الغسل عند الزوال.
3- التفرّغ للدعاء والإبتهال.
4- الجمع بين صلاتي الظهرين بأذانين وإقامتين.
5- الدعاء بالمأثور خاصّةً دعاء الإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة.
6- الصوم. 
7- أن يصلّي ركعتين بعد فريضة العصر وقبل أن يبدأ بأدعية يوم عرفة.
 

1- دعائم الإسلام، القاضي المغربي، ج1، ص294.
 
 
 
58
 

52

المحاضرة الحادية عشرة: ذكر الله

قال تعالى:
﴿فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ﴾
 
الهدف
التركيز على استحباب الذكر أثناء القيام بكافّة المناسك، وثوابه لا سيّما في منى والمشعر الحرام.
 
تصدير الموضوع
قال تعالى: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ﴾1.
 

1- البقرة، 198.
 
 
59

53

المحاضرة الحادية عشرة: ذكر الله

محاور الموضوع
الذكر
الذكر إحدى أهمّ وسائل الإرتباط بالله تعالى، وقد أكدّت الروايات أنّه لذّة المحبيّن وشيمة المتّقين، وسجيّة كلّ محسن، ومسرّة كلّ متّقً، ولذلك ينبغي إيلاؤه اهتماماً خاصّاً، والإكثار منه. قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا﴾1.
 
حقيقة الذكر
ورد عن الإمام عليّ عليه السلام: "وَاذْكُرْهُ ذِكَراًكامِلاً يُوافِقُ فيه قَلْبُكَ لِسانَكَ، وَيُطابِقُ إِضْمارُكَ إْعِلانَكَ، وَلَنْ تَذْكَرَهُ حَقيقَةَ الذِّكْرِ حَتَّى تَنْسَى نَفْسَكَ في ذِكْرِكَ وَتَفْقِدَها في أَمْرِكَ"2.
 
بركات الذكر
1- محبّة الله: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اللهِ أَحَبّهُ".

2 - السعادة في الحياة: عن الإمام عليّ عليه السلام: "اذكرُوا اللهَ ذِكْراً خالِصاً تَحْيوُا بِهِ أفضلَ الحياةِ وَتَسْلُكُوا بِهِ طُرُقَ النَّجاةِ".

3- طُمَأنينة النفس: قال تعالى: ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾3.
 
هذه الطمأنينة التي تؤدّي إلى الفوز بالجنّة: قال تعالى: ﴿يَا
 

1- الأحزاب: 41.
2- ميزان الحكمة، الريشهري، ج2، ص973.
3- الرعد، 28.
 
 
60
 

54

المحاضرة الحادية عشرة: ذكر الله

أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾1.
 
موانع ذكر الله
1- الأموال والأولاد: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾2.

2- الشيطان: قال تعالى: ﴿إنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾3.

3- عدم غضّ البصر: عن الإمام عليّ عليه السلام: "لَيْسَ في الجَوارِحِ أَقَلُّ شُكْراً مِنَ العَيْنِ فَلا تُعْطوها سُؤْلَها فَتَشَغَلَكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللِهِ"4.

4- اتّباع الشهوة: عن الإمام عليٍّ عليه السلام: "لَيْسَ في المعاصي أَشَدُّ مِنَ اتِّباعِ الشَّهْوَةِ فَلا تَطيعوها فَتَشْغَلَكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ"5.

5- التحدّث عن النّاس: عن الإمام علي عليه السلام: "مَنِ اشْتَغَلَ بِذِكْرِ النّاس قَطَعَهُ اللهُ سُبْحانَهُ عَنْ ذِكْرِهِ"6.
 

1- الفجر: 27.
2- المنافقون: 9.
3- المائدة:91.
4- ميزان الحكمة، الريشهري، ج2، ص976.
5- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج11، ص347.
6- ميزان الحكمة، الريشهري، ج2، ص976.
 
 
61

 

55

المحاضرة الحادية عشرة: ذكر الله

عاقبة ترك الذكر
1- خسران الدنيا والآخرة: قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾1.

2- تسلّط الشيطان عليه: قال تعالى: ﴿وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾2

3 - قساوة القلب: "مِمّا كَلَّمَ اللهُ به موسى: يا موسى لا تَنْسَني عَلَى كُلِّ حالٍ وَلاَ تَفْرَحْ بِكَثْرَةِ المَالِ، فَإِنَّ نِسْياني يُقَسِّي الْقَلْبَ"3.
 
 

1- طه: 124.
2- الزخرف: 36.
3- ميزان الحكمة، الريشهري، ج2، ص976.
 
 
62
 

56

المحاضرة الثانية عشرة: آداب ومستحبّات عيد الأضحى

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "زَيِّنُوا الْعيدَيْنِ بِالتَّهْليلِ وَالتَّكْبيرِ وَالتَّحْميدِ وَالتَّقْديسِ" 
 
الهدف:
لفت النظر إلى ضرورة التقيّد بمستحبّات يوم العيد وليلته، وعدم الخروج عن آدابه وسننه.
 
تصدير الموضوع:
أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هذا الْيِوْمِ الّذي جَعَلْتَهُ لِلْمُسْلِمينَ عيداً وَلِمْحَمّدٍ وآلِهَِ ذُخْراً وشَرَفاً وَكَرَِامَةً وَمزيداً.
 
 
 
63


 
 

57

المحاضرة الثانية عشرة: آداب ومستحبّات عيد الأضحى

محاور الموضوع:
من معاني العيد:
وممّا يستدلّ به على عظمة يوم العيد، أن جعل الله له مقاماً يُسأل بحقّه، وأفاض فيه على النبيّ وآله عليه السلام بأعظم الفيوضات، فالعيد يوم للطّاعة والعبادة والتقرّب إلى الله تعالى، وهو اليوم الذي يسأل العبد فيه ربّه قبول أعماله وعباداته، وما مظاهر الفرح والبهجة والسرور التي جعلها الله مستحبّة في هذا اليوم، إلّا انعكاس لفرحه الحقيقيّ بقربه من الله، وتوفيقه لأداء الفرائض، وشموله بالعناية والرحمة الإلهيّة.

1- الغسل: وهو سُنَّةٌ أكيدة في هذا اليوم.

2- إحياء ليلة العيد بالعبادة: وهي إحدى الليالي الّتي يستحبّ إحياؤها، وتفتح فيها أبواب السماء، فعن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام: "أّنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ الصّلاةُ والسلامُ، كان يُعْجِبُهُ أَنْ يُفَرِّغَ نَفْسَهُ أَرْبَعَ لَيالٍ في السنَةِ، وَهِيَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَجَبٍ وَلَيْلَةُ النّصْفِ مِنْ شَعْبانٍ وَلَيْلَةُ الفِطْرِ وَلَيْلَةُ الأَضْحَى"1

3- أداء صلاة العيد: ويستحبّ له أن يفطر على لحم الأُضحية قبل الذهاب لأداء الصلاة، وأن لا يخرج إلّا بعد طلوع الشمس، وأن يدعو بالمأثور في هذا اليوم من الأدعية الخاصّة بالعيد.
  

1- مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، ص 649.
 
 
 
65
 

58

المحاضرة الثانية عشرة: آداب ومستحبّات عيد الأضحى

 وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "زَيِّنُوا الْعيدَيْنِ بِالتَّهْليلِ وَالتَّكْبيرِ وَالتَّحْميدِ وَالتَّقْديسِ"1.

 

4- قراءة دعاء الندبة. 
 
5- الأُضحية: وهي من المستحبات المؤكّدة - كما أورد صاحب مفاتيح الجنان - التي يستحبّ أن يكون إفطاره بلحمها، وليقسّم لحمها ثلاثة أثلاث. يتصدّق بثلثٍ على الجيران، وثلث على السائل (الفقراء)، وثلثٍ لأهل بيته، ويتصدّق بجلدها، ويعطي أُجْرَةَ الذابح من غير الأضحية.
 
وعن الإمام عليّ عليه السلام: "لَوْ عَلِمَ النّاس ما في الأُضْحِيَةِ لاسْتَدانُوا وَضَحُّوا، إِنَّهُ لَيُغْفَرُ لِصاحِبِ الأُضْحِيَةِ عِنْدَ أَوّلِ قَطْرَةٍ تَقْطَرُ مِنْ دَمِها"2.
 
6– زيارة الإمام الحسين عليه السلام: فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إِنَّهُ مَنْ زارَ الْحُسَيْنَ عليه السلام لَيْلَةً مِنْ ثَلاثٍ غَفَرَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَما تَأَخَّرَ، لَيْلَةَ الفِطَرِ، وَلَيْلَةُ الأَضْحَى، وَلَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبانٍ"3.
 
7- صِلَةُ الرّحم: ورد عن مولانا الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
 

1- ميزان الحكمة، الريشهر ي، ج3، ص2198.
2- الحدائق الناضرة، المحقق البحراني، ج17، ص202.
3- النساء 1.
 
 
65
  

 


59

المحاضرة الثانية عشرة: آداب ومستحبّات عيد الأضحى

رَقِيبًا﴾1، قال عليه السلام: "هِيَ أَرْحامُ النّاس، إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِصِلَتِها وَعَظَّمَها، أَلا تَرَى أَنَّهُ جَعَلَها مِنْهُ"2.
 
8- العفو والتسامح: ففي يوم العيد، ينبغي إصلاح حالات الخصام والشقاق، والنزاعات، والخلافات، والمخاصمات، والعمل على تصفية القلوب، وتعميم التسامح، وتنقية النفوس، وتوحيد الصفّ، والكلمة، وشدّ أواصر المسلمين، وتوطيد اللُّحمة الإجتماعيّة، لا سيّما العائليّة.
 
ولا ننسى في هذا اليوم، الرأفة بالفقراء والمحتاجين، وقضاء حوائج المؤمنين، ومؤانسة الأهل، والإهتمام بالزوجة والأولاد، وزيارة الأخوة والأقارب، والدعاء للمجاهدين وأهل الثغور، وعيادة المرضى، وزيارة قبور الموتى المؤمنين، لا سيّما الشهداء. 
 

1- النساء 1.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج2، ص150.
 
 
66
 

60

المحاضرة الثالثة عشرة: الإستقامة بعد أداء فريضة الحجّ

عن الإمام عليّ عليه السلام عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: 
".... وَإِذا قَضُوا مَناسِكَهُمْ قْيلَ لَهُمْ: بَنَيْتُمْ بِناءً فلا تَهْدِموهُ، وَكُفّيتُمْ ما مَضَى فَأَحْسنُوا فيما تَسْتَقْبِلونَ".

- الهدف
ضرورة التنبيه على أنّ أداء فريضة الحجّ، ينبغي أن يشكّل منعطفاً يستلزم الإستقامة الدائمة.

- تصدير الموضوع
قال تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ﴾1.
 

 
1- هود، 112.
 
 
 
67
 

 


61

المحاضرة الثالثة عشرة: الإستقامة بعد أداء فريضة الحجّ

 - محاور الموضوع
أصناف الحُجاجِّ بعد الفراغ من المناسك
فإكرامُ الحجّاج وفدُ الله أمرٌ طبيعيّ، إلّا إنّ هذا الإكرام، لا يكون واحداً لكافّة الحجيج، وإنّما يختلف من واحدٍ إلى آخر، كلٌّ وفْقَ عمله، وإخلاصه، وصفاء قلبه، في ما أدّى من أعمال. فعن الإمام الصادق عليه السلام: "الحجَّاجُ يصدرونَ عَلَى ثَلاثَةِ أَصْنافٍ: صِنْفٌ يُعْتَقُ مِنَ النّارِ، وَصِنْفٌ يَخْرُجُ مِنْ ذُنوبِهِ كَهَيْئَةِ يومَ وَلَدَتْهُ أُمّهُ، وَصِنْفٌ يَحْفَظُهُ اللهُ في أَهْلِهِ وَمالِهِ، فَذاكَ أَدنى ما يَرْجِعُ بِهِ الحاجُّ"1.
 
معنى الإستقامة: أن يحافظ الحاجّ على المكاسب التي نالها من أداء فريضة الحجّ، من كونه مغفور الذنب مقبول العمل، ويكون ذلك بالحفاظ على حالة الرقي الروحيّ، والإلتزام الدينيّ.
 
ثمرات الإستقامة
1- وفرة الخيرات: قال تعالى: ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا﴾2.

2- عدم الخوف والحزن: قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾3.
 

1- تحرير الأحكام، العلّامة الحلّي، ج1، ص534.
2- الجن، 16.
3- الأحقاف، 13.
 
 
68
 

62

المحاضرة الثالثة عشرة: الإستقامة بعد أداء فريضة الحجّ

3- تنْزٌُلُّ الملائكة: قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجنّة الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ1.

4- الفلاح: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنْ تَسْتَقيمُوا تُفْلِحُوا"2

5- السلامة: عن الإمام عليّ عليه السلام: "مَنْ لَزِمَ الإسْتقِامَةَ لَزِمَتْهُ السّلامَةُ"3.

6- الكرامة وعدم المَلامَة: وعنه عليه السلام: "عَلَيْكَ بِمَنْهَجِ الإِسْتِقامة فَإِنَّهُ يُكْسِبُكَ الْكَرامَةَ وَيَكْفيكَ المَلامَةَ"4.

7- الفوزُ بالجنّة: عن الإمام عليّ عليه السلام: "مَنِ اسْتَقامَ فَإِلى الجنّة، وَمَنْ زَلَّ فَإِلَى النّارِ"5.

8- السعادة: عن الإمام عليّ عليه السلام: "أَفْضَلُ السَّعادَةِ اسِتِقامَةُ الدَّينِ"6.
 
الإستقامة 
بعد أداء الفريضة يقتضي التنبّه لعدّة أمور:
ممّا لا شك فيه، أنّ أداء فريضة الحجّ، من الطاعات الّتي ينبغي أن تشكّل منعطفاً في حياة الإنسان، تختلف ما قبلها عمّا بعدها، فلا بدّ لك أيّها الحاجّ أن تلتفت إلى الملاحظات التالية:
 
 

1- فصّلت، 30.
2- كنز العمّال، خ5479.
3- ميزان الحكمة، ج3، ص2634.
4- عيون الحكم والمواعظ، ص333.
5- نهج البلاغة، ج1، ص233.
6- عيون الحكم والمواعظ، ص117.
 
 
69
 

63

المحاضرة الثالثة عشرة: الإستقامة بعد أداء فريضة الحجّ

1- استئناف العمل الصالح: روي أنّ منادياً ينادي بالحاجّ إذا قضوا مناسكهم: "قَدْ غُفِرَ لَكُمْ ما مَضَى، فاسْتَأْنِفوا الْعَمَلَ"1.

2- إيّاكم وهدم ما بنيتم: وروى الإمام عليّ عليه السلام عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: ".... وَإِذا قَضُوا مَناسِكَهُمْ قْيلَ لَهُمْ: بَنَيْتُمْ بِناءً فلا تَهْدِموهُ، وَكُفيتُمْ ما مَضَى فَأَحْسنُوا فيما تَسْتَقْبِلونَ"2.

3- إيّاكم والذنوب: عن الإمام الصادق عليه السلام: "الحاجُّ لا يزالُ عَلَيْهِ نوَرُ اللهِ ما لَمْ يَلِمّ بِذَنْب"3.

4- إيّاكم والتلوّن: عن الإمام عليّ عليه السلام: "إِعْلَمُوا أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعالَى يُبْغِضُ مِنْ عِبادِهِ المُتَلَوِّنَ، فَلا تَزولُوا عَنِ الحَقِّ، وَوِلايَةِ أَهْلِ الحَقِّ فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَبْدَلَ بِنا هَلَكَ"4.

وعنه عليه السلام: "فَاسْتَقيمُوا عَلى كِتابِهِ، وَعَلى مِنْهاجِ أَمْرِهِ، وَعَلى الطَّريقَةِ الصّالِحَةِ مِنْ عِبادَتِهِ، ثُمَّ لاَ تَمْرُقُوا مِنْها، وَلاَ تَبْتَدِعُوا فيها، وَلا تُخَالِفُوا عَنْها....."5
 
 

1- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج8، ص10.
2- الحجّ والعمرة في الكتاب والسنّة، ص148.
3- الوسائل، ج8، ص68.
4- مصباح البلاغة، الميرجهاني، ج3، ص307.
5- نهج البلاغة، ج2، ص93.
 
 
70
 

64

المحاضرة الرابعة عشرة: زيارة الرسول في المدينة

ورد في الحديث: 
"ما بَعْدَ مكّة بُقْعَةٌ أَفَضْلَ مِنْ مَدينَة الرِّسولِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَالأْعَمْالُ فيها أَيْضاً تُضاعَفُ".
 
الهدف:
بيان أهمّيّة زيارة النبيّ في المدينة المنوّرة وفضلها وثوابها، وكونها من متممّات أعمال الحجّ.
 
تصدير الموضوع:
قال تعالى: ﴿وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ1.
 

1- البقرة، 196.
 
 
71
 

65

المحاضرة الرابعة عشرة: زيارة الرسول في المدينة

محاور الموضوع:
ورد في الحديث: "ما بَعْدَ مكّة بُقْعَةٌ أَفَضْلَ مِنْ مَدينَة الرِّسولِ صلى الله عليه وآله وسلم، فَالأْعَمْالُ فيها أَيْضاً تُضاعَفُ".
 
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "صَلاةٌ في مَسْجِديِ هذا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فيما سِواهُ إلّا الْمَسْجِد الحرامُ"1.
 
وعن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال لأبي حمزة الثماليّ: "المساجدُ الأربعةُ: المسجدُ الحرامُ ومسجدُ الرِّسولِ ومسجدُ بيتِ المقدسِ ومسجدُ الكوفةِ، يا أبا حمزةَ، الفريضةُ فيها تَعْدِلُ حِجَّةً والنّافِلَةُ تَعْدِلُ عُمْرَةً"2.
 
أهمّيّة الولاية في قبول الأعمال
عن أبي حمزة قال: "قال لنا عليّ بن الحسين عليه السلام أيّ البقاع أفضلُ؟ فقلْتَ اللهُ ورسولُهُ وابنُ رسولِهِ أعلمُ، فقال عليه السلام: أَمّا أَفْضَلُ البِقاعِ ما بينَ الرّكَّنِ وَالمَقامِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً عَمَّرَ ما عَمَّرَ نوحٌ في قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إلّا خمَسْينَ عاماً، يَصوُم النَّهارَ وَيقومُ اللَّيلَ ثُمَّ لَقِيَ اللهَ بِغَيْرِ وِلاَيتِنا لَمْ يَنْفَعْهُ ذلِكَ شَيْئاً"3.
 
فضيلة زيارة قبرالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم 
1- تماميّة الحجّ: عن الإمام الصادق عليه السلام: "إِذا حَجَّ أَحَدُكُمْ
 

1- تذكرة الفقهاء، العلّامة الحلّي، ج6، ص274.
2- منتهى المطلب، العلّامة الحلّي، ج1، ص386.
3- من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج2، ص245
 
 
72
 

 


66

المحاضرة الرابعة عشرة: زيارة الرسول في المدينة

فَلْيَخْتِمْ حَجَّهُ بِزِيارَتِنِا لأَنَّ ذلِكَ مِنْ تَمامِ الْحَجِّ"1.

وعن الإمام عليّ عليه السلام: "إِبْدَأُوا بِمكّة وَاخْتِمُوا بِنا"2.
 
2- شفاعتهم يوم القيامة: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ حَجَّ فَزارَ قَبْري بَعْدَ وَفاتي، كانَ كَمَنْ زارَني في حَياتي"3، وعن الحسن بن عليٍّ الوشّاء، قال: سمعت الرّضا عليه السلام يقول: "إِنَّ لِكُلِّ إِمامٍ عَهْداً في عُنُقِ أَوْلِيائِهِ وَشيَعتِهِ، وَإِنّ مِنْ تَمام الْوَفاءِ بِالْعَهْدِ زِيارَةَ قبورِهِمْ فَمَنْ زارَهُمْ رَغَبةً في زِيارَتِهِمْ وَتَصْدِيقاً بِمَا رَغبُوا فيهِ كانَ أَئِمَّتُهُمْ شُفَعاؤُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ"4.
 
وعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ حَجَّ الَبَيْتَ وَلَمْ يَزُرْني فَقَدْ جَفاني"5
 
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ زارَ قَبْري وَجَبَتْ لَهُ شَفاعَتي"6.
 
3- فضل وثواب حجّتين: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ حَجَّ إِلى مكّة ثُمَّ قَصَدَني في مَسْجِدي كُتِبَتْ لَهُ حَجَّتانِ مَبْرورَتانِ"7.
 
من آداب الزيارة
إِنّ لِزِيارة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كما الأئمّة الأطهار، جملة من السنن والآداب الَّتي يستحبّ إلفات نظر الحاجّ إليها:
 

1- الحجّ والعمرة في الكتاب والسنّة، ص256.
2- الوسائل، ج10، ص260.
3- الغدير، الشيخ الاميني، ج5، ص98.
4- الكافي، الشيخ الكليني، ج4، ص567.
5- كنز العمّال، المتّقي الهندي، ج5، ص135.
6- العقائد الإسلامية، مركز المصطفى، ج3، ص481.
7- الزيارة في الكتاب والسنّة، الشيخ جعفر السبحاني، ص52.
 
 
73

67

المحاضرة الرابعة عشرة: زيارة الرسول في المدينة

1- الغسل والطهارة.
2- ارتداء الملابس الطاهرة والتطيّب قبل دخول الروضة المقدّسة.
3- ذكر الله أثناء المسير إلى الحرم المطهّر، بالتكبير، والتهليل، والتسبيح، والتحميد، والصلاة على النبيّ وآله.
4- تقصير الخُطَى عند الخروج للزيارة، والسير بسكينة ووقار.
5- الوقوف على باب الحرم الشريف والاستئذان بالدخول، وأن يزور واقفاً.
6- الإستشفاع بصاحب القبر إلى الله لقضاء الحوائج.
7- أن يزور بالزيارات المأثورة الواردة عن الأئمّة الأطهار.
8- أن لا يرفع صوته كثيراً عند قراءة الزيارة.
9- أن يترك اللغو وما لا ينبغي من الكلام والجدال الفارغ في البقاع الطاهرة.
10- أن يودّع الرسول عند خروجه، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "يَنْبَغي لِلّزائِرِ أَنْ يَكونَ آخِرَ عَهْدِهِ خارِجاً مِنَ المْدَينَةِ قَبرَ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يُوَدِّعُهُ كَما يَفْعَلُ يَوْمَ دُخولِهِ"1.
 

1- مستدرك الوسائل، ميرزا النوري، ح10، ص200.
 
 
 
74


 

68

فضل مكّة

قال الله تعالى: ﴿رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النّاس تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾1.
 
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "والله إنّك لخير أرض الله وأحبّ أرض الله إلى الله عزَّ وجلَّ، ولولا أنّي أخرجت منك ما خرجت"2.

عن الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام: "النائم بمكّة كالمتجهد بين البلدان يأمن فيها كلّ خائف دخلها (حتى) الطير والوحش"3..


1- نقلاً عن كتاب معالم مكّة والمدينة بين الماضي والحاضر.
2- إبراهيم: 37
3- المحاسن: 68
 
 
75


 
 



 

69

فضل مكّة

1ـ البيت الحرام (الكعبة)
 
شكل الكعبة
قال تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴾1.
 
الكعبة الآن من الخارج على التعديل الذي رجع إليه الحجّاج، وهو ما كانت عليه طيلة حياة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وهي ذات شكل مربّع تقريباً، مبني بالحجارة الزرقاء الصلبة، ويبلغ ارتفاعها خمسة عشر متراً، (15 متر) وطول ضلعها الذي فيه الميزاب والذي قبالته عشرة أمتار وعشر سنتيمترات.
 
ويحيط بالكعبة من خارجها قصّة من البناء في أسفلها، متوسّط ارتفاعها خمسة وعشرون سنتيمتراً، ومتوسّط عرضها ثلاثون سنتيمتراً، وتسمى بالشاذروان.
 
الحجر الأسود:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الحَجَرُ يمينُ اللهِ في أرضِهِ فَمَنْ مَسَحَهُ مَسَحَ يَدَ اللهِ".
 
الحجر الأسود: وهو حجر صقيل بيضاوي غير منتظم، ولونه (الحالي) أسود يميل إلى الاحمرار، وفيه نقط حمراء وتعاريج
 

1- آل عمران: 96 ـ 97
 
 
76


 

70

فضل مكّة

صفراء، وهي أثر لحام القطع التي كانت تكسّرت منه، وقطره نحو ثلاثين سنتيمتراً، ويحيط به اطار من الفضة عرضه عشرة سنتيمترات.
 
نوعه: 
هذا الحجر ليس من الأحجار العادية المعروفة، وإنّما هو حجر جاء به جبريل عليه السلام من الجنّة. ولونه الأصلي أبيض من الثلج وأمّا سبب اسوداده كما ورد في الخبر أنّ خطايا بني آدم هي التي سوّدته.
 
خصائص الحجر الأسود
إنّ لهذا الحجر المبارك عدّة خصائص أهمّها:
1 ـ استحباب تقبيله واستلامه.
2 ـ إنّه في أشرف مكان في بيت الله المعظّم (الركن الشرقيّ).
3 ـ إنّه في المكان الذي يشرع ابتداء الطواف بالبيت منه.
4 ـ إنّ استلامه كمن بايع الله ورسوله.
5 ـ يشهد يوم القيامة لمن استلمه بحقّ.
6 ـ إنّه شافع ومشفّع يوم القيامة.
7 ـ إنّه في الأرض بمنزلة يمين الله.
 
 
 
77
 

 

71

فضل مكّة

أركان الكعبة
تسمّى زوايا البيت العتيق الخارجية بالأركان، وهي أربعة:
 
الأوّل: الركن الأسود:
سُمِّيَ به لأنّ فيه الحجر الأسود، ويسمّى أيضاً بالركن الشرقيّ، ومنه بالطواف.
 
الثاني: الركن العراقيّ:
سُمِّيَ بذلك لأنّه إلى جهة العراق، ويسمّى هذا الركن أيضاً بالركن الشماليّ نسبة إلى جهة الشمال، وبين هذا الركن والركن الأسود يقع باب الكعبة.
 
الثالث: الركن الشاميّ:
سُمِّيَ بذلك لأنّه إلى جهة الشام والمغرب، ويسمّى هذا الركن أيضاً بالركن الغربيّ، وبين هذا الركن والركن العراقيّ يقع حجر إسماعيل الذي يصبّ فيه ميزاب الكعبة.
 
الرابع: الركن اليمانيّ:
سُمِّيَ باليماني لاتجاهه إلى اليمن.
 
شاذروان الكعبة
أمّا شاذروان الكعبة فهو البناء المحاط بأسفل جدار الكعبة 
 
 
 
78
 
 

72

فضل مكّة

ممّا يلي أرض المطاف من جهاتها الثلاث الشرقيّة، والغربيّة، والجنوبيّة.
 
وشكل هذا الشاذروان، هو بناء مسنَّم بأحجار الرخام المرمر.
 
وأمّا الجهة الشماليّة فليس فيها شاذروان مثل الجهات الثلاث، وإنّما بها بناء بسيط من حجر الصوّان من نوع الحجر الذي بنيت به الكعبة المعظّمة، وذلك هو أنه من أصل الكعبة وليس بشاذروان.
 
باب الكعبة
لمّا عمّرته قريش جعلت له باباً بمصراعين. وقال ابن فهد: إنّ الباب الذي كان على الكعبة قبل بناء ابن الزبير بمصراعين، طوله أحد عشر ذراعاً من الأرض إلى منتهى أعلاه، وكان الباب الذي عمله ابن الزبير أحد عشر ذراعاً، فلمّا كان الحجّاج عمل لها باباً طوله ستّة أذرع وشبراً.
 
وذلك أنّ الحَجّاج أحدث بعض التغيّيرات على بناء ابن الزبير، ومنها أنّه رفع باب الكعبة عمّا كان عليه في زمن ابن الزبير.
 
 
79
 
 

73

فضل مكّة

حجر إسماعيل
عن الإمام الصادق عليه السلام: "الحجر بيت إسماعيل وفيه قبر هاجر وقبر إسماعيل عليه السلام".
 
أمّا حجر إسماعيل، فهو الحائط الواقع شمال الكعبة المعظّمة، وهو على شكل نصف دائرة. وقد جعله إبراهيم الخليل عليه السلام عريشاً إلى جانب الكعبة المعظّمة، على ما ذكره الأزرقيّ.
 
ميزاب الرحمة
في أعلى الجدار الشماليّ في منصفة الميزاب الذي وضع لتصريف ماء المطر، الذي ينزل على سطح الكعبة، ويسمّى (ميزاب الرحمة). وأوّل من وضع ميزاباً للكعبة قريش حين بنتها سنة 35 من ولادة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، حيث كانت قبل ذلك بلا سقف.
 
وقد عمل السلطان عبد المجيد خان ميزاباً صنع بالقسطنطيّة سنة 1276م، وركب في السنة نفسها، وهو مصفّح بالذهب نحو 
 
 
 
80
 

 

74

فضل مكّة

خمسين رطلاً وهو آخر ميزاب، وهو الموجود الآن بالكعبة المشرّفة.
 
فضل الدعاء تحت الميزاب:
روي عن الإمام الباقر عليه السلام: "إِذا نَظَرْتَ إلى الميزاب تقول: (اللَّهُمَّ اعْتِقْ رَقَبَتَي مِنَ النّارِ وَأَوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ الْحَلالِ وادْرَأْ عَنّي شَرَّ فَسَقَةِ الجِنِّ والإِنْسِ وَأَدْخِلْنِي الجنّة بَرَحْمَتِكَ)".
 
المستجار:
عن الإمام الصادق عليه السلام: "بَنى إبراهيمُ البيتَ وجعلَ لَهُ بابينِ: بابٌ إلى المشرقِ وبابٌ إلى المغربِ والبابُ الَّذي إلى المغربِ يسمّى المُسَتَجارُ".
 
قال الفاسيّ المكيّ: "هو ما بين الرّكن اليمانيّ إلى الباب المسدود في دُبُر الكعبة".
 
ما يفعل عند المستجار
عن معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "إّذا فَرَغْتَ مِنْ طوافِكَ وَبَلْغَتَ مُؤَخَّرَ 
 
 
 
81
 

 

75

فضل مكّة

الكَعْبَةِ" ـ وهو بحذاء المستجار دون الركن اليمانيّ بقليل ـ "فابْسُطَ يَدَيْكَ على البيتِ، وَأَلْصِقَ بَطْنَكَ وَخَدَّكَ بِالْبَيْتِ، وَقُلْ: (اللَّهُمَّ البيتَ بيتُكَ وَالعبدُ عبدُك وهذا مكانُ العائذِ بِكَ مِنَ النّارِ) ثمّ أَقِرَّ لِرَبِّكَ بِما عَمِلْتَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنِ يُقِرُّ لربِّهِ بذنوبِهِ في هذا المكانِ إلّا غفر اللهُ لَهُ إنْ شاءَ اللهَ..." إلى أن قال: "ثُمَّ تستجيرُ باللهِ مِنَ النّارِ، وتخَيّرُ لنفسِكَ منَ الدعاءِ، ثمّ استِلمِ الرَّكنَ اليمانيَّ، ثمّ ائت الحجرَ الأسودَ".
 

الملتزم:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما دَعا أحدٌ بشيء في هذا الملتزمِ إلّا استُجيبَ لَهُ".
 
وهو ما بين الحجر الأسود والباب، ويقال له: المدعى والمتعوَّذ.
 
وسمّي الملتزم لكون النّاس يلتزمون هذا المكان ويدعون عنده، وهو من المواطن التي يستجاب فيها الدعاء.

الحطيم
قال الفيروزآبادي: الحطم: الكسر. والحطيم: حجر الكعبة، أو جداره، أو ما بين الركن وزمزم والمقام، وزاد بعضهم الحجر
 
 
 
82

 
 

76

فضل مكّة

(بكسر الأوّل)، أو من المقام إلى الباب، أو ما بين الركن الأسود إلى الباب إلى المقام، حيث ينحطم النّاس للدعاء. وكانت الجأهليّة تتحالف هناك.
 
عن معاوية بن عمار سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحطيم فقال: "هو ما بين الحجر الأسود وباب البيت وسألته لما سمّي الحطيم، فقال: لأنّ النّاس يحطم بعضهم بعضاً هناك".
 
مقام إبراهيم عليه السلام 
وقال تعالى: ﴿وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مصلّى﴾ .
المراد من مقام إبراهيم عليه السلام هو ذلك المقام المعروف بهذا الاسم، الذي هو في المسجد الحرام. وهو عبارة عن الحجر الذي كان يقوم عليه لبناء البيت الحرام لمّا ارتفع جداره، وقيل: وقف عليه حين أذّن للنّاس بالحجّ، ولقد كان من معجزات إبراهيم عليه السلام أن صار الحجر تحت
 
 
 
83
 

 

77

فضل مكّة

 قدميه رطباً فغاضت فيه قدماه، وقد بقي أثر قدميه ظاهراً فيه من ذلك العصر إلى يومنا هذا. والعرب تعرف ذلك في جأهليتها.
 
ولا بدَّ من كون صلاة الطواف خلف المقام ﴿وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مصلّى﴾1.
 
بئر زمزم تاريخه وفضله
هذه البئر تقع جنوبيّ مقام إبراهيم عليه السلام، وهي بئر قديمة العهد، ترجع إلى زمن إسماعيل عليه السلام. وأوّل من أظهر زمزم على وجه الأرض جبرئيل عليه السلام، عند ظمأ إسماعيل عليه السلام سقياً من الله تعالى، وذلك عندما ترك إبراهيم الخليل عليه السلام زوجته هاجر وولده إسماعيل في مكان البيت، وكان ذلك المكان وادياً غير ذي زرع.
 
يستحبّ الشرب منه والصبّ على الرأس والظهر والبطن وليقل عند الشرب: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ عِلْماً نافِعاً ورِزْقاً واسِعاً وشفاءً من كُلِّ داءٍ وَسَقْمٍ".
 
وفي الرواية عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "ماءُ زمزمَ دواءٌ لِما شُرِبُ لَهُ".
 
الصفا والمروة
قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ2.
 
 

1- البقرة: 125
2- البقرة: 158
 
 
84
 

 


78

فضل مكّة

 أمّا المروة: فأصلها جبل قعيقعان وهو واقع في الجهة الشماليّة الشرقيّة من المسجد. والمروة مكان مرتفع عن الأرض مثل الصفا.
 
أمّا الصفا فهو قطعة من جبل أبي قبيس، وهو واقع في الجهة الجنوبية من المسجد الحرام على مقربة من بابه المسمّى بـ "باب الصفا".
 
الصفا والمروة: هما الجبلان المعروفان بالحرم وهما من الشعائر. والصفا، قطعة من جبل أبي قبيس والمسافة بين الصفا والمروة حوالي أربعمائة وخمسة أمتار (405م)، وعرض المسعى عشرون متراً. ويوجد ما بين الصفا والمروة مسافة معينة بأضواء خضراء ما يقرب 55 متراً، يستحبّ فيها الهرولة. وعلّل ذلك في بعض الأخبار، ليذلّ به الجبّارين والمتكبّرين. وعن جبل الصفا كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يخاطب أهل مكّة بالدّعوة إلى الإسلام بقوله: "قولوا لا إله إلّا الله تفلحوا" وفيه نزلت الآية الكريمة ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾1.
 

1- الشعراء 214.
 
 
85
 

79

فضل مكّة

مواقيت الحرم
والمواقيت ستّة:
1ـ (ذو الحليفة) (مسجد الشجرة) (آبار عليّ عليه السلام ) (مسجد الإحرام)
وهو ميقات أهل المدينة، ويبعد عن المدينة ثمانية كيلومترات تقريباً، وسمّي بمسجد الشجرة حيث كان بموضعه شجرة، كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ينزل تحتها بذي الحليفة. وقد تمّ توسيعه وبناؤه على طراز حديث.
 
وفي هذا المكان آبار علي عليه السلام وهو المحيط الذي انشأ فيه الإمام علي عليه السلام ثلاثة وعشرين بئراً، فلذا سمّي بـ "آبار عليّ".
 
2 ـ الجُحفة
كانت تعرف قديماً باسم (مهيَعة) وهو مأخوذ من هاعَ هَيعاً ـ وهيعاناً، بمعنى انبسط، ومن هاعَ هِياعاً بمعنى اتسع وانتشر.
 
ثمّ سمّيت بالجُحفة لأنّ السيل اجتحفها في قصّة "أخوة عاد".
 
 
 
 
86
 

80

فضل مكّة

والجحفة من المواقيت الخمسة التي وقّتها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للنّاس. فعن ابن عباس: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقّت لأهل المدينة "ذا الخليفة"، ولأهل الشام "الجحفة"، ولأهل نجد "قرن المنازل"، ولأهل اليمن "يلملم".
 
3 ـ وادي العقيق (ذات عرق).
 
وادي العقيق ميقات أهل العراق.
 
4 ـ قرن المنازل
ميقات أهل نجد ولمن يأتي من الطائف.
 
5 ـ يلملم
يلملم ميقات أهل اليمن.
 
6 ـ فَخّ
وهو ميقات الأطفال وغير البالغين.
 
من المساجد في مكّة
مسجد البيعة
مسجد بأعلى مكّة عند سوق الغنم، "قرن المسقلة"، ويزعمون أنّه عنده بايع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم النّاس بمكّة يوم الفتح، وبعد ذلك بني المسجد وعرف بمسجد البيعة.
 
مسجد الشجرة
مسجد الشجرة بأعلى مكّة في خلف دار منارة البيضاء التي عند سطح الجبل مقابل الحجون.
 
 
 
 
87

 

81

فضل مكّة

المساجد الواقعة على حدود الحرم
مسجد التنعيم:
التنعيم حدّ الحرم من جهة المدينة وهو في شمال مكّة الغربيّ، والمسافة بينه وبين باب العمرة 6148 متراً.

وذكرنا سابقاً أنّ للحرم حدوداً يمنع تجاوزها باتجاه مكّة إلّا إذا كان محرماً، ومن حدود الحرم منطقة تسمى (التنعيم).

إنّما سمّي التنعيم لأنّ الجبل الذي عن يمينك إذا دخلت يقال له: ناعم، والذي عن يسارك منعم، والوادي نعمان.

وكلّ مكلّف يريد أن يأتي بعمرة بامكانه أن يأتي التنعيم ويحرم منه ويأتي بالعمرة. والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كما ورد ـ أحرم للعمرة من هذا المكان.

مقابر مكّة المكرمة
مقبرة أبي طالب (جنّة المعلّى) أو (الحُجون) وتسمى مقابر قريش.

لمكّة المشرّفة مقابر عدّة منها: المقبرة المعروفة بـ(المُعلّاة) وهي مقبرة أهل مكّة، وبها قبور كثير من الصحابة. ويقال لها:
 
 
 
88

 

82

فضل مكّة

المعلّى. وأبي طالب، وقريش، وبني هاشم وجنّة المعلّى.
 
وروي أنه مدفون بها أجداد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم عبد المطّلب وعمّه أبو طالب وأمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد، والقاسم ابن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
 
أشهر جبال مكّة
جبل حراء أو جبل النور وفيه غار حراء
جبل حراء بأعلى مكّة، ويقع على يسار الذاهب منها إلى منى، يرتفع (634) متراً، وعامّة أهل مكّة يسمّونه (جبل النور) وهو معروف مشهور بأثره الخلف عن السلف، ويقصده النّاس بالزيارة وقمّته تشبه سنام الجمل أو كالقبّة الملساء، وفيه تلك الغار التي كانت مهبطاً لجبرائيل ومكاناً للوحي ونزول القرآن. وكانت قبل البعثة محلاًّ لاعتكاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعبادته وتهجّده.
 
وكان يخلو بغار حراء فيتعبّد فيه، ويعتكف، وكانت السيّدة خديجة عليها السلام تأتيه بطعامه رغم صعوبة الطريق وخشونة الجبل.
 
 
 
 
89
 
 

83

فضل مكّة

جبل ثور
جبل ثور، واقع من جهة المسفلة على طريق اليمن، وارتفاعه (759) متراً. ويبعد هذا الجبل عن المسجد الحرام بثلاث كيلو مترات، وفي هذا الجبل الغار الذي اختفى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أبي بكر حينما قصد الهجرة إلى المدينة.

المشاعر
عرفات والمشعر الحرام ومنى وما فيها من آثار

عرفات:
إنّ عرفات منطقة تقع شرقيّ مكّة بحوالي 21 كم تقريباً، وهي سهل واسع محاط بقوس من الجبال يكوّن وتره وادي عرفة.

فمن الشمال الشرقيّ يشرف عليها جبل أسمر شامخ وهو (جبل سعد). ومن مطلع الشمس يشرف عليها جبل أشهب أقلُّ ارتفاعاً من سابقه.

وقد ورد ذكر عرفات في 
 
 
 
90

 

84

فضل مكّة

القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ﴾1 حيث أن الوقوف بعرفة ذو أهميّة كبيرة في الحجّ حيث ورد: "إِنَّ الحَجَّ عرفة" والوقوف فيها ركن من الأركان، حيث بتركه عمداً متعمّداً يبطل الحجّ. ويتحقّق الوقوف بعرفة بالوجود في أيّ جزء من أجزائها محرماً واقفاً أو راكباً أو مضطّجعاً، والوقوف الواجب من زوال يوم التاسع إلى الغروب ثمّ يفيض من عرفات إلى المزدلفة كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم. وفيه بعض الأعمال والمستحبّات الخاصّة، وأشهرها دعاء الإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة.
 
وجه التسمية بعرفات:
في رواية عن معاوية بن عمار سألت أبا عبد الله عليه السلام عن عرفات "لِمَ سمّيت عرفات"، فقال: "إنّ جِبرائيلَ عليه السلام خَرَجَ بإبراهيمَ عليه السلام يومَ عَرَفَةَ فَلَمّا زالتَ الشّمْسُ قالَ لَهُ جبرائيلُ: يا إبراهيمُ اعترِفْ بِذَنْبِكَ واعَرِفْ مناسِكَكَ، فَسُمِّيَتْ عرفاتَ لِقَوْلِ جبرائيلَ اعترِفْ فَاعْتَرَفَ".
 
وقيل لاعتراف النّاس بذنوبهم، أو لتعارفهم بعضهم ببعض، وقيل إنّ آدم وحواء تعارفا بها بعد نزولهما إلى الأرض.
 
جبل الرحمة
جبل عرفات على شكل قوس كبير يحيط بوادٍ متّسع يسمّى (عرفة)، وعلى طرف القوس من جهة الجنوب الطريق إلى
 
 

1- البقرة 198.
 
 
 
91
 

85

فضل مكّة

الطائف، وفي طرفه من جهة الشمال لسان يبرز إلى الغرب يسمّى (جبل الرحمة)، وهو جبل صغير بالنسبة لما حوله من الجبال، ارتفاعه قريب من 30 متراً وطوله 300 متر، ويصعد إليه بمدارج كبيرة على شكل سلّم غير منتظم، وعلى يمين الصاعد على الجبل قريباً من منتصفه مستو طوله 15 متراً في عرض 10 أمتار، وبه مصلّى ذو قبلة يسمّى مسجد إبراهيم عليه السلام، والباني له الوزير محمّد بن عليّ بن المنصور المعروف بالجواد الأصفهانيّ في سنة 559هـ.

مسجد نمرة

عرف هذا المسجد في عرفات بعدّة أسماء. حيث ورد في التاريخ باسم مسجد النبيّ إبراهيم عليه السلام، أو باسم مسجد عرفة. وكان صغيراً يصلي فيه الحجّاج، ويعرف بمسجد النمرة.

إلّا أنّه في ظلّ التوسعة الأخيرة، بلغت مساحة مسجد النمرة 124000 متر مربع.

المزدلفة أو المشعر الحرام
يقال لها المشعر الحرام بالاطلاق المجازيّ، وهو المسجد القائم في وسط المزدلفة. والمزدلفة هي الموضع الذي يؤمر الحاجّ بنزوله والمبيت فيه، بعد افاضته من عرفات ليلاً. وهو ما بين المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسِّر، بحيث يبلغ طول المشعر الحرام 4370 متراً تقريباً.
 
 
 
92

 
 

86

فضل مكّة

 وتعود تسميتها بالمزدلفة: إلى أنّها من الازدلاف بمعنى التقدّم والافاضة، كما جاء في حديث معاوية بن عمار عن الإمام الصادق عليه السلام: "وَإِنَّما سُمِّيَتْ مُزْدَلِفَةِ لأَنّهُمْ ازْدَلَفوا إِلَيْها مِنْ عَرَفَاتَ".
 
1ـ المأزمين:
وتلفظ بكسر الزاء وبالهمز "ويجوز التخفيف بالقلب ألفاً"، وهما جبلان بينهما مضيق يدلف إلى عرفات، وهو حدّ المزدلفة من الشرق.
 
2 ـ حياض مُحَسِّر (وادي محسِّر)
محسِّر: على زنة اسم الفاعل وهو وادٍ صغير يمرّ بين منى ومزدلفة وليس منها، يأخذ من سفوح ثُبَيْر إلى الأثبرة الشرقيّة، ويدفع إلى عرفة مارّاً بالحسينيّة. ليس به زراعة ولا عمران، والمعروف منه ما يمرّ فيه الحاجّ على طريق بين منى ومزدلفة.
 
مسجد المشعر الحرام
وفي المزدلفة بجانب قزح مسجد صغير، مساحته 8000 متر مربع تقريباً. وكثير من الحجّاج يجتمعون عنده، ويؤدّون صلاة العشاء عملاً بالسنّة، لانّه يستحبّ أن تُصلّى صلاة العشاء في المزدلفة.
 
 
93


 

 


87

فضل مكّة

مِنى
مِنى: بكسر الميم: سمّيت بذلك لما يمنى فيها من الماء.
 
وقيل: إنّها سمّيت كذلك، لما يمنى فيها من الدعاء.
 
وقيل: روي عن ابن عباس: "أنّ جبرائيلَ عليه السلام لمَّا أرادَ أن يفارقَ آدمَ عليه السلام قالَ لَهُ: تَمنَّ. قال: أتمنّى الجنّة، فَسُمِّيَتْ بِذلِكَ لأَمْنِيَتِهِ".
 
وقيل: لتمنّي إبراهيم فيها، أن يجعل الله مكان ابنه كبشاً يأمره بذبحه فدية له، فأعطاه الله مناه.
 
وهي أحد مشاعر الحجّ وأقربها إلى مكّة، ينزله الحاجّ يوم النحر وهو العاشر من ذي الحجّة.
 
يجب المبيت بمنى أيام التشريق إلّا لذوي الأعذار، ومن ترك مبيت ليلة، لزمه دم في هذه الأماكن الثلاثة. ومن الشعائر بمنى رمي الجمار.

رمي الجمرات (الرجم)
من الأعمال المهمّة التي يجب على الحاجّ أن يؤدّيها في أيّام التشريق، هي رمي الجمار في منى. وهي ثلاثة:
 
 
 
94

 
 

88

فضل مكّة

1ـ جمرة العقبة 2 ـ والجمرة الوسطى 3 ـ والجمرة الصغرى.
 
والأوّلى منها هي التي تلي مسجد الخيف، والوسطى التي بينها وبين جمرة العقبة الأخيرة جمرة العقبة. وهي أقرب الجمار إلى مكّة. والجمرة في اللغة هي الحصاة.
 
الأماكن التاريخيّة في منى
مسجد الخيف
والخيف: ما انحدر من غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء، ومنه سمّي مسجد الخيف من منى. يقع هذا المسجد العظيم بمنى، في الجهة الجنوبية على يسار القادم من عرفات، ويمين المقبل من مكّة. وهو مسجد واسع كبير، مستطيل الشكل. وفيه محراب في موضع خيمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجّة الوداع، وقد صلّى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بمكانها الأوقات الخمسة: أوّلها الظهر، وآخرها الصبح، ثمّ رحل
 
 
 
95
 
 

89

فضل مكّة

إلى عرفة يوم التاسع، ولهذا المسجد العظيم قدسيّة خاصّة.

وروي عن أبي جعفر عليه السلام، أنّه قال: "صَلَّى في مَسْجِدِ الْخَيْفِ سَبْعُمائَةُ نَبِيٍّ". 
 
 
 
96

 
 

90

فضل المدينة

كفاها فخراً وفضلاً أنّها تضمّنت الجسد الطاهر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو سيّد الخلق وخاتم الأنبياء وأفضلهم، وكفاها عزّاً وشرفاً ما ورد في فضلها ومنزلتها على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ مكّة حرم الله حرَّمها إبراهيم عليه السلام وإنّ المدينة حرمي ما بين لابتيها لا يعضد شجرها... الخ.
 
ولمّا دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة قال:
"اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلينا المدينة كما حَبَّبْتَ إلينا مكّة أو أشدّ وبارك في صاعها ومُدِّها وانقل حمّاها وَوَبَاها إلى الجحفة".
 
 
97
 

91

فضل المدينة

وروي أنّ الإمام الصادق عليه السلام ذكر الدجّال فقال: "ولا يبقى منها سهل إلّا وطئه إلّا مكّة والمدينة فإن على كل نقب من أنقابها ملكاً يحفظهما من الطاعون والدجّال".

وروي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "ما على الأرض بقعة أحبّ إليّ من أن يكون قبري بها". وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "افتتحت القرى بالسيف وافتتحت المدينة بالقرآن".

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "لكلّ نبيٍّ حرم وحرمي المدينة".

المساجد المأثورة في المدينة المنوّرة
المسجد النبويّ الشريف
المسجد النبويّ هو المسجد الثاني الذي بناه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السنة الأولى من الهجرة، والأوّل هو مسجد ـ قباء ـ وهي الواحة التي نزل فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد الهجرة وأقام فيها عدّة أيام، بانتظار وصول علي عليه السلام بالفواطم وقد همَّ صلى الله عليه وآله وسلم ببناء مسجده الشريف بعد دخول المدينة، واختار المكان الذي بركت فيه الناقة ليكون مسجداً ومصلّى، فأمر صلى الله عليه وآله وسلم بتسوية الأرض وذلك بعد أن اشتراها من اليتيمين. ثمّ حفر أساسه ثلاثة أذرع تقريباً، وجعل له ثلاثة
 
 
 
98

 
 

92

فضل المدينة

أبواب، باب في مؤخرة المسجد وباب الرحمة، والباب الذي كان يدخل منه صلى الله عليه وآله وسلم إلى المسجد.
 
ثمّ إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنى لعليّ عليه السلام حُجرة، وبنى أصحابه بجانب المسجد حُجراً سكنوها، وكانت أبوابها إلى المسجد فأمر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم (قبل معركة أحد) بسدّ هذه الأبواب إلّا باب عليّ، فبقي بابه إلى المسجد ليس له طريق غيره، وفتح الباقون أبواباً من غير جهة المسجد، وبما أنّه صلى الله عليه وآله وسلم ترك باب عليّ مفتوحاً تكلّم في ذلك النّاس فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمخاطبتهم فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: "أَمّا بَعْدَ فَإِنِّي أَمَرْتُ بِسَدَ هذِهِ الأبِوابِ إلّا بابَ عَلِيٍّ، وَقالَ فيهِ قائِلُكُمْ وَإِنّي واللهِ ما سَدَدْتُ شَيْئاً وَلا فَتَحْتُهُ وَلكنِيَ أَمَرْتُ بِشَيْءٍ فَاتَّبَعْتُهُ".
 
الصفّة
لقد جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مؤخرة المسجد مكاناً مظلّلاً، يعرف بالصفّة وكان الغرباء والمساكين يأوون إلى هذا المكان.
 
الروضة الشريفة
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما بَيْنَ قَبْري وَمِنْبَري رَوْضَةٌ مِنْ رِياضِ الجنّة". وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً قوله: "إنّ منبري على تُرعةٍ من
 
 
 
99
 
 

93

فضل المدينة

تُرع الجنّة". والترعة هي روضة تكون على المكان المرتفع خاصّة، وقيل درجة. ويبلغ طول الروضة الشريفة اثنين وعشرين متراً (22م) تقريباً.
 
وهذه الروضة المباركة تشمل بيت السيّدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فيكون عرض الروضة المباركة 15 متراً.
 
المنبر
طلب بعض المسلمين من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، أن يجعل له مجلساً يعرفه الغريب إذا أتاه، فبنوا له دكّة من طين، وكان إذا خطب فيهم ليعظهم ويرشدهم قد لا يُسمعُ صوته، أو لا يرى لكثرتهم، فاستأذنوه منه أن يتّخذوا له شيئاً ليقوم عليه إذا خطب بهم فوافق على ذلك.
 
وصار يخطب على منبر من طين. وقيل إنّ المنبر كان من الجذع، وقيل كان يستند على الجذع، وذلك قبل أن يتّخذ المنبر الذي من الخشب الذي صُنع من شجر في الغابة القريبة من المدينة، يعرف بشجر "الأثل" أو "الطرفاء".
 
ويتألّف المنبر الشريف من ثلاث درجات، كان يجلس النبيّ
 
 
 
100
 
 

94

فضل المدينة

صلى الله عليه وآله وسلم على الثالثة، ويضع قدميه المباركين على الدرجة الثانية.
 
وللمنبر رمانتان، يمسكهما الرسول بيديه الكريمتين إذا جلس، وكان ارتفاعه يوازي 104 سم، وعرض المقعد 52 سم في 52 سم.
 
وفي سنة 998هـ، ارسل السلطان العثمانيّ منبراً مصنوعاً من الرخام، أبدعوا في صنعه غاية الابداع، حتى صار أعجوبة من عجائب الدنيا في وقتهن، وهو الموجود الآن في المسجد النبويّ.
 
محراب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم 
لم تعرف المحاريب في المساجد، حتى أدخلها عمر بن عبد العزيز في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عمارة الوليد بن عبد الملك، سنة 88 ـ 91، ففي زمان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن محرابٌ، وإنّما كان يصلّي في جنب الأسطوانة المخلّقة.
 
وعندما شبّ الحريق الثاني
 
 
 
101
 

95

فضل المدينة

في المسجد النبويّ احترق المحراب، وأبدل بمحراب من الرخام. والمحراب الموجود الآن هو من عمارة "الأشرف قايتباي" وهو نفيس وجميل جدّاً من حجر المرمر، ومزيّن بالآيات القرآنيّة.
 
محراب فاطمة عليها السلام 
يقع هذا المحراب داخل الحجرة الشريفة جنوب محراب التهجّد الخاصّ بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، الواقع وراء بيت فاطمة عليها السلام وكان يخرج إليه ليلاً لصلاة الليل والتهجّد، وكذلك السيّدة فاطمة عليها السلام تتهجّد في محرابها ليلاً. ولكن بما أنّ محرابها داخل الحجرة فلا يمكن رؤيته والتبرّك به.
 
الأساطين المشهورة في المسجد
أساطين المسجد النبويّ (أي أعمدته) التي كانت في عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، كانت من جذوع النخل. وقد تحرّى الذين وسّعوا المسجد الشريف أن يحافظوا على أماكن هذه الأساطين، فوضعوا كلّ اسطوانة في المكان الذي كانت فيه على عهد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وفي المسجد النبويّ (9) اسطوانات دخلت التاريخ فقد كان لكلّ واحدة منها قصّة،
 
 
 
102
 


 

96

فضل المدينة

حظيت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنصيب.. وتلك الاسطوانات هي:
1ـ الاسطوانة المُخَلَّقة، وهي علم على مصلّى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

2- اسطوانة القرعة، أو عائشة، وقد كان مكان تجمّع مجلس المهاجرين.

3ـ اسطوانة التوبة، وتعرف بأسطوانة "أبي لبابة". وسببها قضية "بني قُريظة" واستشارتهم إيّاه، وأنّهم قالوا له اننزل على حكم محمّد؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه، وهو الذبح. فقال أبو لبابة: فوالله، ما زالت قدماي، حتى علمت أنّي خنتُ الله ورسوله. فلم يرجع إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ومضى إلى المسجد، وارتبط إلى جذع في موضع اسطوانة التوبة، وأنزل الله عزَّ وجلَّ فيه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾1.

ثمّ حلف عليه السلام لا يحلّ نفسه حتى يحلّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو تنزل توبته، وظلّ كذلك، حتى نزلت توبته على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم سَحَراً ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾2، فلمّا مرّ عليه خارجاً إلى صلاة الصبح أطلقه، ولهذا سمّيت الأسطوانة بأسطوانة التوبة.

4 ـ اسطوانة السرير، وهي محلّ اعتكاف النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.
 
 
103




1- الأنفال 27.
2- التوبة 102.
 

97

فضل المدينة

5ـ اسطوانة المحرس، وهي مصلّى أمير المؤمنين عليه السلام حيث كان يحرس النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

6ـ اسطوانة الوفود، كان النبيّ يجلس عندها ليقابل وفود العرب.

7 ـ اسطوانة مربعة القبر، أو مقام جبرائيل وهو باب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

8ـ اسطوانة التهجّد، وهي وراء بيت فاطمة عليها السلام كان يخرج النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إليها ليلاً لأداء صلاة الليل والتهجّد.

9ـ اسطوانة الحنانة، وهو مكان وقوف النبيّ للخطبة على جذع في المسجد، وقد حنّ الجذع عندما جاوزه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، إلى المنبر.

بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم (الحجرة الشريفة)
لمّا تزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نساءه بنى لهنّ حجراً، وهي تسعة أبيات. تقع ما بين بيت عائشة إلى الباب الذي يلي باب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وهو المعروف بباب الرحمة. وكانت مساحة الحجرة المطهّرة عشرة أذرع وثلثي ذراع طولاً، وعشرة أذرع وربع ذراع وسدس ذراع عرضاً، ويتصل بعض البيت المطهر من جهة الشمال بدار السيّدة فاطمة بنت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

إلّا أنّه وللأسف الشديد أمر الوليد بن عبد الملك بهدم بيوت نساء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بسبب التوسعة التي أرادها.
 
 
 
104

 


 


98

فضل المدينة

بيت فاطمة عليها السلام 
بيت فاطمة عليها السلام ملاصق لبيت عائشة، وكانت فيه كوّة أي (خرق في الحائط) مفتوحة بينهما، ليطلّع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على أخبار فاطمة وعيالها إذا ما قام من مكانه إلى المخرج.

ويقع بيتها عليها السلام عند انتهاء الحائط الغربيّ من الحجرة الشريفة، بالقرب من اسطوانة الوفود والحرس.

وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كلّ صباح، يقف على باب هذا البيت الطاهر، ويأخذ بعضادتيْ الباب ويقول: "السّلامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ".

قبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ومرقده الطاهر
روى (ابن سعد) عدّة روايات، في أنَّه صلى الله عليه وآله وسلم توفي في حجر عليّ بن أبي طالب عليه السلام. وكانت وفاته صلى الله عليه وآله وسلم يوم الإثنين على المشهور بين العلماء عند الزوال لليلتين بقيتا من صفر. وكان دفنه صلى الله عليه وآله وسلم في حجرة بيته، وقد جعل رأسه الشريف إلى المغرب ورجلاه إلى المشرق ووجهه الكريم إلى القبلة.
 
 
 
 
105

 


 

99

فضل المدينة

إحداث القبّة
لم تكن على الحجرة المطهّرة قبّة، وإنّما كانت الحجرة مسقوفة بالخشب، سُمِّر بعضه فوق بعض وجعل عليه ثوب مشمّع.
 
ثمّ أمر بتجديد بنائها السلطان محمود بن السلطان عبد الحميد، وذلك سنة 1233هـ، ثمّ أمر بصبغها فصبغت باللون الأخضر، بعد أن كان لونها أزرقاً. وكانت تعرف بالبيضاء والزرقاء.

قبر فاطمة عليها السلام 
وروى ابن سعد روايات كثيرة بعدّة أسانيد عن الزهري أنّ عليّاً عليه السلام دفن فاطمة بنت رسول الله ليلاً، فلذا اختلف في موضع دفنها. وهناك ثلاثة أماكن محتملة:

1 ـ قيل دفنت في بيتها.
2 ـ وقيل دفنت في البقيع وسوَّى عليّ عليه السلام حول قبرها قبوراً مزورة حتى لا يعرف أحد موضعه.
3 ـ وقيل أنّها دفنت في الروضة، لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ما بَيْنَ قَبْري وَمِنْبَري رَوْضَةٌ مِنْ رِياضِ الجنّة". وعن الطبريّ في  
 
 
 
106

 
 

100

فضل المدينة

دلائل الإمامة عن محمّد بن همّام، أن عليّاً عليه السلام دفنها بالروضة وعمّى موضع قبرها. قال وأصبح البقيع ليلة دفنت وفيه أربعون قبراً جدداً.

مكان الجنائز
يقع هذا المكان في الجهة الشرقيّة للبيت الطاهر، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بداية الأمر ـ إذا مات شخص شهده وصلّى عليه حيث يدفن، إلّا أنّه كان في تلك مشقّة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا نحن نأتي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بجنائزنا حتى يصلّي عليها عند بيته، وكان ذلك أرفق به، ففعلوا ذلك.

مقام جبرائيل عليه السلام 
اختُلف في مكان (مقام جبرائيل)، وهو المكان الذي كان يهبط عليه صلى الله عليه وآله وسلم جبرائيل عليه السلام، فقيل يقع في الزاوية الغربيّة الشماليّة لبيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند مربعة القبر.

محل آذان بلال الحبشيّ
لم يكن بالمسجد مآذن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنّما كان يؤذّن على اسطوانة بدار عبد الله بن عمر، التي تعرف بـ(دار العشُرة) وهي في قبلة المسجد، أي جنوب المسجد، وكان بلال يرقى إليها ليقيم الآذان، وبعد التوسعة دخلت هذه الدار في المسجد.
 
 
 
107
 

 


101

فضل المدينة

أبواب المسجد النبويّ
باب جبرائيل
هو من أهمّ الأبواب في المسجد النبويّ الشريف، ويعرف بعدّة أسماء منها (باب عثمان) و(باب الجنائز). وأمّا سبب التسمية بـ(باب جبرائيل) قيل أنّ جبرائيل عليه السلام عندما كان ينزل على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالوحي، كان يدخل من هذا الباب.

ومكان باب جبرائيل الأصليّ خلف حجرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ومنه كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يدخل إلى المسجد، إلّا أنّه بعد توسعة المسجد الأولى بعد غزوة خيبر نقل إلى جهة الشمال حوالي أربعة أمتار.

باب الرحمة أو باب عاتكة
سمّي بهذا الاسم بعد عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقع في الجدار الغربيّ للمسجد ويقابل باب النساء وقد غلبت تسميته بباب الرحمة.

المساجد السبعة
وفي سنة 88هـ، قام عمر بن عبد العزيز ببناء ستّة مساجد في منطقة "الخندق" وسمّيت بأسماء الصحابة، وقيل سبعة وهدم أحدها، وقيل المساجد ستّة، وبضميمة مسجد القبلتين تصبح سبعة.

وتقع هذه المساجد بالجهة الشماليّة الغربيّة لجبل سلع، وهي: مسجد الفتح، مسجد عليّ بن أبي طالب عليه السلام، مسجد السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام، مسجد سلمان الفارسيّ (المحمّديّ)، مسجد أبي بكر ومسجد عمر بن الخطاب.
 
 
 
108

 
 

102

فضل المدينة

مسجد القبلتين
قال تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾1.
 
روي أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى إلى بيت المقدس بعد قدومه المدينة ستّة عشر أو سبعة عشر شهراً. وكان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعد كلّ صلاة، ينتظر أمر ربّه في القبلة. فأنزل الله تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء﴾2 إلى أن نزل الأمر الإلهيّ يأمره بأن يتوجَّه نحوَ الكعبة. ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الحَرَامِ3.
 
وروي أنّ القبلة صرفت، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد صلّى بأصحابه ركعتين من صلاة الظهر، فتحوّل في الصلاة، واستقبل الميزاب وحوّل الرجال مكان النساء، والنساء مكان الرجال. (طبعاً كان التحويل (180) درجة أي نصف دائرة تقريباً).
 
يقع المسجد على هضاب حرّة الوبرة، في الطريق الشمالي الغربيّ للمدينة.
 

1- البقرة 144.
2- م.ن.
3- م.ن.
 
 
 
109
  

 


103

فضل المدينة

مسجد قباء
هو أوّل مسجد أسّس على التقوى، قال الله تعالى في سورة التوبة: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إلّا الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾1.

 
هذه الآيات تشهد لهذا المسجد العظيم بالعظمة، والخير والبركات، والتفوّق على غيره من المساجد.
 
موقعه
يقع هذا المسجد في الجنوب الغربي للمدينة المنوّرة، ويبعد عن المسجد النبويّ حوالى 5/3 كيلومتر، وله محراب ومنارة، ومنبر رخامي، وفيه بئر ينسب لأبي أيوب الأنصاريّ، وفيه مصلّى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وكان فيه مبرك الناقة.
 
لمّا وصل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرية قباء في شهر ربيع الأوّل، نزل في بني عمرو بن عوف بقباء على كلثوم بن الهدم وكان له مربد، فأخذه منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأسّس مسجد قباء، وهو أوّل مسجد أسّس على التقوى. وكان صلى الله عليه وآله وسلم، ينقل بنفسه الحجر والصخر والتراب مع صحابته.
 
 

1- التوبة: 107
 
 
 
110

  


104

فضل المدينة

أشهر مقابر المدينة "بقيع الغرقد"
البقيع الغرقد
يقع البقيع الغرقد في الجهة الجنوبيّة الشرقيّة للمسجد النبوي، والبقيع كان مقبرة قبل الإسلام، حيث أنّ أهل يثرب كانوا يدفنون موتاهم فيه.
 
جبل أحد
وهو أحد جبال المدينة على نحو ميلين أو ثلاثة منها وورد فيه عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "أَنَّ أُحُداً هذا جَبَلٌ يُحِبُّنا وَنُحِبُّهُ" وقد وقعت حوله معركة سمّيت بمعركة أحد في شهر شوال سنة ثلاث من الهجرة. وسقط في معركة أحد حوالي 70 شهيداً من صفوف المسلمين، وعلى رأسهم سيّد الشهداء حمزة بن عبد المطلب عمّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ووقع عدد من الجرحى، استشهدوا فيما بعد أيضاً، فدفنوا في البقيع على بعد حوالي 20 متراً من قبر إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فيما دُفن الحمزة سيّد الشهداء بالقرب من جبل أحد.
 
 
 
 
 
 
111
 



 
 

105

دعاء عرفة

دعاء عرفة
عن بشر وبشير ابنا غالب الأسديّ، أنّهما قالا: كنا مع الحسين بن عليّ (عليهما السلام) عشيّة عرفة، فخرج (عليه السلام) من فسطاطه متذلّلاً خاشعاً، فجعل يمشي هوناً هوناً، حتّى وقف هو وجماعة من أهل بيته وولده ومواليه في مَيْسَرَةِ الجبل، مستقبل البيت ثم رفع يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين، ثمّ قال:

                                     بسم الله الرحمن الرحيم

الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَيْسَ لِقَضائِهِ دافِعٌ، وَلا لِعَطائِهِ مانِعٌ، وَلا كَصُنْعِهِ صُنْعُ صانِعٍ، وَهُوَ الجَوادُ الواسِعُ، فَطَرَ أَجْناسَ البَدائِعِ1، وَأَتْقَنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنائِعِ، وَلا تَخْفى عَلَيْهِ الطَلائِعِ2، وَلا تَضِيعُ عِنْدَهُ الوَدائِعُ، جازي كُلِّ صانِعٍ، وَرائشُ3 كُلِّ قانِعٍ، وَراحِمُ
 

 1- البدائع: الخلائق.
2- الطلائع: أي المغيبات، وطلعت عن القوم، أي غبت عنهم.
3- رائش كل قانع: أي مصلح أحوال كل راضٍ بما قسم له، ورشت فلاناً أصلحت حاله، والقانع هو الراضي بما قسم له، أو السائل.
 
 
 
 
113
 

106

دعاء عرفة

 كُلِّ ضارِعٍ، مُنْزِلُ المَنافِعِ وَالكِتابِ الجامِعِ بِالنُّورِ السَّاطِعِ، وَهُوَ لِلدَّعَواتِ سامِعٌ، وَللْكُرُباتِ دافِعٌ، وَلِلْدَّرَجاتِ رافِعٌ، وَلِلْجَبابِرَةِ قامِعٌ1، فَلا إِلهَ غَيْرُهُ، وَلا شَيْ يَعْدِلُهُ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيٌْ، وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْ قَدِيرٌ، اللّهُمَّ إِنِّي أَرْغَبُ إِلَيْكَ، وَأَشْهَدُ بِالرُّبُوبِيَّةِ لَكَ مُقِرَّاً، بِأَنَّكَ رَبِّي وَإِلَيْكَ مَرَدِّي. إِبْتَدأتَنِي بِنِعْمَتِكَ قَبْلَ أَنْ أَكُونَ شَيْئاً مَذْكُوراً، وَخَلَقْتَنِي مِنَ التُرابِ، ثُمَّ اسْكَنْتَنِي الأصْلابَ، آمِناً لِرَيْبِ المَنُون، وَاخْتِلافِ الدُّهُورِ وَالسِّنِينَ، فَلَم أَزَلْ ظاعِنا مِنْ صُلْبِ إِلى رَحِمٍ فِي تَقادُمٍ4 مِنْ الأيَّامِ الماضِيَةِ وَالقُرُونِ الخالِيَةِ، لَمْ تُخْرِجْنِي لِرأْفَتِكَ بِي وَلُطْفِكَ لِي وَإِحْسانِكَ إِلَيَّ فِي دَوْلَةِ أَئِمَّةِ الكُفْرِ الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدَكَ وَكَذَّبُوا رُسُلَكَ، لكِنَّكَ أَخْرَجْتَنِي لِلَّذِي سَبَقَ لِي مِنَ الهُدى الَّذِي لَهُ يَسَّرْتَنِي، وَفِيهِ أَنْشّأْتَنِي، وَمِنْ قَبْلِ ذلِكَ رَؤُفْتَ بِي بِجَمِيلِ صُنْعِكَ وَسَوابِغِ نِعَمِكَ، فَابْتَدَعْتَ خَلْقِي مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى وَأَسْكَنْتَنِي فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ5 بَيْنَ لَحْمٍ وَدَمٍ وَجِلْدٍ لَمْ تُشْهِدْنِي خَلْقِي، وَلَمْ تَجْعَلْ إِلَيَّ شَيْئاً مِنْ أَمْرِي ثُمَّ أَخْرَجْتَنِي لِلَّذِي سَبَقَ لِي مِنَ الهُدى إِلى الدُّنْيا تامّاَ سَوِيّاً 
 
 

1- قامع: قاهر.
2- ريب المنون: حوادث الدهر.
3- ظاعناً: متنقلاً.
4- تقادم: مرور وتقدُّم الأيام.
5- ظلمات ثلاث: هي ظلمة المشيمة وظلمة الرحم وظلمة البطن ورد الإشارة إليها بقوله تعالى: (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث)( الزمر: ).
 
 
114
 

107

دعاء عرفة

وَحَفَظْتَنِي فِي المَهْدِ طِفْلاً صَبِيّاً، وَرَزَقْتَنِي مِنَ الغِذاءِ لَبَناً مَرِيّاً1، وَعَطَفْتَ عَلَيَّ قُلُوبَ الحَواضِنِ، وَكَفَّلْتَنِي الاُمَّهاتِ الرَّواحِمَ، وَكَلأتَنِي2 مِنْ طَوارِقِ الجانِّ، وَسَلَّمْتَنِي مِنَ الزِّيادَةِ وَالنُّقْصانِ، فَتَعالَيْتَ يا رَحيمُ يا رَحْمنُ، حَتَّى إِذا اسْتَهْلَلْتُ ناطِقاً بِالكَلامِ، أَتْمَمْتَ عَلَيَّ سَوابِغَ الأنِعْامِ، وَرَبَّيْتَنِي زائِداً فِي كُلِّ عامٍ، حَتَّى إِذا اكْتَمَلَتْ فِطْرَتِي وَاعْتَدَلَتْ مِرَّتِي أَوْجَبْتَ عَلَيَّ حُجَّتَكَ بِأَنْ أَلْهَمْتَنِي مَعْرِفَتَكَ وَرَوَّعْتَنِي بِعَجائِبِ حِكْمَتِكَ، وَأيْقَظْتَنِي لِما ذَرَأْتَ3 فِي سَمائِكَ وَأَرْضِكَ مِنْ بَدائِعِ خَلْقِكَ وَنَبَّهْتَنِي لِشُكْرِكَ وَذِكْرِكَ وَأَوْجَبْتَ عَلَيَّ طاعَتَكَ وَعِبادَتَكَ وَفَهَّمْتَنِي ما جاءتْ بِهِ رُسُلُكَ وَيَسَّرْتَ لِي تَقَبُّلَ مَرْضاتِكَ، وَمَنَنْتَ عَلَيَّ فِي جَمِيعِ ذلِكَ بِعَوْنِكَ وَلُطْفِكَ. ثُمَّ إِذْ خَلَقْتَنِي مِنْ خَيْرِ الثَّرى4، لَمْ تَرْضَ لِي يا إِلهِي نِعْمَةً دُونَ اُخْرى، وَرَزَقْتَنِي مِنْ أَنْواعِ المَعاشِ وَصُنُوفِ الرِّياشِ5 بِمَنِّكَ، العَظِيمِ الأَعْظَمِ عَلَيَّ، وَإِحْسانِكَ القَدِيمِ إِليَّ، حَتَّى إِذا اتْمَمْتَ عَلَيَّ جَمِيعَ النِّعَمِ، وَصَرَفْتَ عَنِّي كُلَّ النِّقَمِ لَمْ يَمْنعْكَ جَهْلِي وَجُرْأَتِي عَلَيْكَ أَنْ دَلَلْتَنِي إِلى ما يُقَرِّبُنِي إِلَيْكَ وَوَفَّقْتَنِي لِما يُزْلِفُنِي6 لَدَيْكَ، فَإِنْ دَعَوْتُكَ أَجَبْتَنِي وَإِنْ سَأَلْتُكَ
 
 
 

1- مرياً: حلواً طيباً.
2- كلأتني: حفظتني.
3- ذرأت: خلقت.
4- خير الثرى: خير تراب الأرض.
5- الرياش: المنافع.
6- يُزلفنيك يقرّبني.
 
 
 
 
 
115


 
 
 

108

دعاء عرفة

أَعْطَيْتَنِي، وَإِنْ أَطَعْتُكَ شَكَرْتَنِي، وَإِنْ شَكَرْتُكَ زِدْتَنِي، كُلُّ ذلِكَ إِكْمالٌ لأنْعُمِكَ عَلَيَّ، وَإِحْسانِكَ إِلَيَّ، فَسُبْحانَكَ سُبْحانَكَ مِنْ مُبْدِيٍ مُعِيدٍ حَمِيدٍ مَجِيدٍ وَتَقَدَّسَتْ أَسْماؤُكَ وَعَظُمَتْ آلاؤُكَ. فَأَيُّ نِعَمِكَ يا إِلهِي أحْصِي عَدَداً وَذِكْراً أَمْ أَيُّ عَطاياكَ أَقُومُ بِها شُكْراً؟ 

وَهِي يا رَبِّ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصِيها العادُّونَ أَوْ يَبْلُغَ عِلْماً بِها الحافِظُونَ، ثُمَّ ما صَرَفْتَ وَدَرَأْتَ عَنِّي1، اللّهُمَّ مِنَ الضُّرِّ وَالضَّرَّاءِ أَكْثَرُ مِمَّا ظَهَرَ لِي مِنَ العافِيَةِ وَالسَّرَّاءِ، وَأنا أَشْهَدُ يا إِلهِي بِحَقِيقَةِ إِيْمانِي وَعَقْدِ عَزَماتِ2 يَقِينِي، وَخالِصِ صَرِيحِ تَوْحِيدِي، وَباطِنِ مَكْنُونِ ضَمِيرِي، وَعَلائِقِ مَجارِي3 نُورِ بَصَرِي، وَأَسارِير4 صَفْحَةِ جَبِينِي، وَخُرْقٍ مَسارِبِ نَفْسِي وَخَذارِيفِ5 مارِنِ عِرْنيني، وَمَسارِبِ سِماخِ6 سَمْعِي، وَما ضُمَّتْ وَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِ شَفَتايَ وَحَرَكاتِ لَفْظِ لِسانِي، وَمَغْرَزِ حَنَكِ7 فَمِي وَفَكّي، وَمَنابِتِ أَضْراسِي، وَمَساغِ مَطْعَمِي8 وَمَشْرَبِي، وَحِمالَةِ اُمِّ رَأْسِي9، وَبُلوعِ 


1- درأت عني: منعت.
2- عقد عزمات يقيني: أي بعزمي وإرادتي المعقودة والقوية بيقيني.
3- علائق مجاري: هي ما يتعلَّق به نور البصر.
4- وأسارير صفحة جبيني: هي خطوط الجبهة.
5- خذاريف مارن عرنين: الخذاريف هي القطع.
6- مسارب صماخ: أنئي طرفه السماخ بالسين والصاد خرق الأذن.
7- مغرز حنك: موضع غرز، أي أثبت، والحنك ما تحت الذقن.
8- مساغ مطعمي: ساغ الشراب سهل شربه.
9- حِمَالة أُمّ رأسي: علاقته، وحمَّالة السيف علاقته التي يتقلَّدها الإنسان، وأُمّ الرأس الجلدة التي تجمع الدماغ.
 
 
 
 
 
 
116

109

دعاء عرفة

فارِغِ حَبَائِلِ1 عُنُقِي، وَما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ تامُورُ2 صَدْرِي، وَحَمائِلُ حَبْلِ وَتِينِي3، وَنِياطِ4 حِجابِ قَلْبِي، وَأَفْلاذِ5 حَواشِي كَبِدِي، وَما حَوَتْهُ شَراسِيفُ6 أضْلاعِي وَحِقاقُ7 مَفاصِلِي، وَقَبْضُ عَوامِلِي8، وَأَطْرافِ أَنامِلِي، وَلَحْمِي وَدَمِي وَشَعْرِي وَبَشَرِي وَعَصَبِي وَقَصَبِي وَعِظامِي، وَمُخِّي وَعُرُوقِي وَجَمِيعِ جَوارِحِي، وَما انْتَسَجَ9 عَلى ذلِكَ أَيّامَ رِضاعِي، وَما أَقَلَّتِ الأَرْضُ10 مِنِّي، وَنَوْمِي وَيَقْظَتِي، وَسُكُونِي وَحَرَكاتِ رُكُوعِي وَسُجُودِي، أَنْ لَوْ حاوَلْتُ وَاجْتَهَدْتُ مَدى الأعْصارِ11 وَالأحْقابِ12، لَوْ عُمِّرْتُها أَنْ اُؤَدِّي شُكْرَ وَاحِدَةٍ مِنْ أَنْعُمِكَ، ما اسْتَطَعْتُ ذلِكَ إلّا بِمَنِّكَ المُوجَبِ عَلَيَّ بِهِ شُكْرُكَ أَبَداً جَدِيداً وَثَناءً طارِفاً عَتِيداً 13!


1- بلوغ فارع حبائل عنقي: في بعض النسخ: فارغ حبائل عنقي، والبلوغ ما ينزل منه الطعام والشراب إلى الجوف.
2- تامور: دم الحياة والتامور النَّفس.
3- حمائل حبل وتيني: أي علائقه والحمالة العلاقة وقد مرَّ ذكرها، وحبل الوتين عرق، وكذا حبل الوريد.
4- نياط: يُقال لمعلَّق القلب من الوتين كبد الميَّط وسمِّي نياطاًلتعلُّقه بالقلب.
5- أفلاذ: هي قطع الكبد، والفلذ كبد البعير والفلذة القطعة.
6- شراسيف: أطراف الأضلاع المشرفة على البطن، ويُقال هو غضروف متعلق بكل ضلع.
7- حِقاق: جمع حقَّة أو الحق وهو ما تحوّق واستدار.
8- قبض عواملي: ضمّ أرجلي إلى بعض.
9- وما انتسج: أن نسج على جوارحي وعروقي ومخِّي، والانتساج هنا استعارة لتداخل العروق والأعصاب بعضها في بعض.
10- وما أقلت الأرض: أي حملت.
11- مدى الأعصار: مدى الدَّهر.
12- الأحقاب: الدَّهر والتكرار للتأكيد.
13- طارفاً عتيداً: أي حديثاً حاضراً، وأطرفت الشيء اشتريته حديثاً، والعتيد المهيَّأ الحاضر.
 
 
 
117
 

110

دعاء عرفة

أَجَلْ1، وَلَوْ حَرَصْتُ أَنا وَالعادُّونَ مِنْ أَنامِكَ أَنْ نُحْصِيَ مَدى إِنْعامِكَ سالِفِهِ وَآنِفِهِ ما حَصَرْناهُ عَدَداً وَلا أَحْصَيْناهُ أَمَداً. 

هَيْهاتَ أَنَّى ذلِكَ2 وَأَنْتَ المُخْبِرُ فِي كِتابِكَ النَّاطِقِ وَالنَّبَأ الصَّادِقِ: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لا تُحْصُوها، صَدَقَ كِتابُكَ اللّهُمَّ وَإِنْباؤُكَ، وَبَلَّغَتْ أَنْبِياؤُكَ وَرُسُلُكَ ما أَنْزَلْتَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَحْيِكَ، وَشَرَعْتَ لَهُمْ وَبِهِمْ مِنْ دِينِكَ، غَيْرَ أَنِّي يا إِلهِي أَشْهَدُ بِجُهْدِي وَجِدِّي وَمَبْلَغِ طاعَتِي وَوُسْعِي، وَأَقُولُ مُؤْمِناً مُوقِناً: الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً فَيَكُونَ مَوْرُوثاً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي مُلْكِهِ فَيُضادَّهُ فِيما ابْتَدَعَ وَلا وَلِيُّ مِنَ الذُّلِّ فَيُرْفِدَهُ فِيما صَنَعَ، فَسُبْحانَهُ سُبْحانَهُ لَوْ كان فِيهما آلِهَةٌ إلّا الله لَفَسَدَتا وَتَفَطَّرَتا! 

سُبْحانَ الله الواحِدِ الأحَدِ الصَّمَدِ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفْواً أَحَد، الحَمْدُ للهِ حَمْداً يُعادِلُ حَمْدَ مَلائِكَتِهِ المُقَرَّبِينَ، وَأَنْبِيائِهِ المُرْسَلِينَ، وَصَلّى الله عَلى خِيرَتِهِ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النبيّينَ وَآلِهِ الطَيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ المُخْلِصِينَ وَسَلَّمَ. 

ثُمَّ اندفع فِي المسألة واجتهد فِي الدّعاء وَقال وَعيناه سالتا دموعاً: اللّهُمَّ اجْعَلْنِي أَخْشاكَ كَأَنِّي أَراكَ، وَأسْعِدْنِي بِتَقْواكَ، وَلا تُشْقِنِي بِمَعْصِيَتِكَ، وَخِرْ لِي فِي قَضائِكَ، وَبارِكْ لِي فِي قَدَرِكَ، حَتَّى لا أُحِبَّ تَعْجِيلَ ما أَخَّرْتَ، وَلا تَأْخِيرَ ما عَجَّلْتَ،


1- أجل: أي نعم.
2- أنَّى ذلك: أي كيف ذلك.
 
 
 
119
 

111

دعاء عرفة

لى بَوائِقِ الدُّهُور، وَصُرُوفِ2 اللَّيالِي وَالأيَّامِ، وَنَجِّنِي مِنْ أَهْوالِ الدُّنْيا وَكُرُباتِ الآخرةِ، وَاكْفِنِي شَرَّ ما يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ فِي الأَرْضِ.
 
اللّهُمَّ ما أَخافُ فَاكْفِنِي، وَما أَحْذَرُ فَقِنِي، وَفِي نَفْسِي وَدِينِي فَاحْرُسْنِي، وَفِي سَفَرِي فَاحْفَظْنِي، وَفِي أَهْلِي وَمالِي فَاخْلُفْنِي، وَفِيما رَزَقْتَنِي فَبارِكْ لِي، وَفِي نَفْسِي فَذَلِّلْنِي، وَفِي أَعْيُنِ النّاس فَعَظِّمْنِي، وَمِنْ شَرِّ الجِنِّ وَالاِنْسِ فَسَلِّمْنِي، وَبِذُنُوبِي فَلا تَفْضَحْنِي، وَبِسَرِيرَتِي فَلا تُخْزِني وَبِعَمَلِي فَلا تَبْتَلِنِي، وَنِعَمَكَ فَلا تَسْلُبْنِي، وَإِلى غَيْرِكَ فَلا تَكِلْنِي، إِلهِي إِلى مَنْ تَكِلُنِي إِلى قَرِيبٍ فَيَقْطَعُنِي، أَمْ إِلى بَعِيدٍ فَيَتَجَهَّمُنِي، أَمْ إِلى المُسْتَضْعِفِينَ لِي وَأَنْتَ رَبِّي وَمَلِيكُ أَمْرِي؟
 
أَشْكُو إِلَيْكَ غُرْبَتِي، وَبُعْدَ دارِي وَهَوانِي عَلى مَنْ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي، إِلهِي فَلا تُحْلِلْ عَلَيَّ غَضَبَك، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ غَضِبْتَ عَلَيَّ فَلا أُبالِي سُبْحانَكَ غَيْرَ أَنَّ عافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي، فَأَسْأَلُكَ يا رَبِّ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الأَرْضُ وَالسَّماواتُ وَكُشِفَتْ بِهِ الظُّلُماتُ وَصَلُحَ بِهِ أَمْرُ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ أَنْ لا تُمِيتَنِي عَلى غَضَبِكَ، وَلا تُنْزِلْ بِي سَخَطَكَ، لَكَ العُتْبى لَكَ العُتْبى حَتَّى تَرْضى قَبْلَ ذلِكَ. لا إِلهَ إلّا أَنْتَ، رَبَّ البَلَدِ الحَرامِ وَالمَشْعَرِ
 
 
 
120


1- بوائق الدهور: مصائب الدَّهر.
2- صروف: حوادث.
 

112

دعاء عرفة

الحَرامِ، وَالبَيْتِ العَتِيقِ الَّذِي أَحْلَلْتَهُ البَرَكَةَ وَجَعَلْتَهُ لِلنَّاسِ أَمْناً، يا مَنْ عَفا عَنْ عَظِيمِ الذُّنُوبِ بِحِلْمِهِ، يا مَنْ أَسْبَغَ النَّعَماءِ بِفَضْلِهِ، يا مَنْ أَعْطى الجَزِيلَ بِكَرَمِهِ، يا عُدَّتِي فِي شِدَّتِي، يا صاحِبِي فِي وَحْدَتِي، يا غِياثِي فِي كُرْبَتِي، يا وَلِيِّي فِي نِعْمَتِي، يا إِلهِي وَإِلهَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ، وَرَبَّ جَبْرئِيلَ وَمِيكائِيلَ وَإِسْرافِيلَ وَرَبَّ مُحَمَّدٍ خاتَمِ النبيّينَ وَآلِهِ المُنْتَجَبِينَ وَمُنْزِلَ التَّوْراةِ وَالإنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالفُرْقانِ وَمُنَزِّلَ كهيَّعَصَّ وَطهَ وَيَّس وَالحَكِيم. أَنْتَ كَهْفِي حِينَ تُعْيِينِي1 المَذاهِبُ فِي سَعَتِها، وَتَضِيقُ بِيَ الأَرْضُ بِرُحْبِها2، وَلَوْلا رَحْمَتُكَ لَكُنْتُ مِنَ الهالِكِينَ. وَأَنْتَ مُقِيلُ عَثْرَتِي، وَلَوْلا سَتْرُكَ إِيَّايَ لَكُنْتُ مِنْ المَفْضُوحِينَ، وَأَنْتَ مُؤَيِّدِي بِالنَّصْرِ عَلى أَعْدائِي، وَلْولا نَصْرُكَ إِيَّايَ لَكُنْتُ مِنَ المَغْلُوبِينَ. يا مَنْ خَصَّ نَفْسَهُ بِالسُّمُوِّ وَالرِّفْعَةِ، فَأَوْلِياؤُهُ بِعِزِّهِ يَعْتَزُّونَ، يا مَنْ جَعَلَتْ لَهُ المُلُوكُ نَيْرَ المَذَلَّة3 عَلى أَعْناقِهِمْ، فَهُمْ مِنْ سَطَواتِهِ خائِفُونَ. يَعْلَمُ خائِنَةَ الأعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورِ، وَغَيْبَ ما تَأْتِي بِهِ الأزْمِنَةُ وَالدُّهُورِ، يا مَنْ لا يَعْلَمُ كَيْف هُوَ إلّا هُوَ، يا مَنْ لا يَعْلَمُ ما هُوَ إلّا هُوَ، يا مَنْ لا يَعْلَمُهُ إلّا هُوَ، يا مَنْ كَبَسَ الأَرْضَ عَلى الماءِ، وَسَدَّ الهَواءَ بِالسَّماء، يا مَنْ لَهُ أَكْرَمُ الأسَّماء، يا ذا المَعْرُوفِ الَّذِي لا يَنْقَطِعُ أَبَداً،
 
 

1- تعييني: تتعبني.
2- برحبها: أي بوسعها.
3- نير المذلَّة: عَلَم المذلَّة.
 
 
 
121
 

113

دعاء عرفة

يا مُقَيِّضَ1 الرَّكْبِ لِيُوسُفَ فِي البَلَدِ القَفْر، وَمُخْرِجَهُ مِنْ الجُبِّ3 وَجاعِلَهُ بَعْدَ العُبُودِيَّةِ مَلِكاً يا رادَّهُ عَلى يَعْقُوبَ بَعْدَ أَنْ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الحُزْنُ فَهُوَ كَظِيمٌ. يا كاشِفَ الضُّرِّ وَالبَلْوى عَنْ أَيُّوبَ، وَمُمْسِكَ يَدَيْ إِبْراهِيمَ عَنْ ذَبْحِ ابْنِهِ بَعْدَ كِبَرِ سِنِّهِ وَفَناءِ عُمُرِهِ، يا مَنِ اسْتَجابَ لِزَكَرِيَّا فَوَهَبَ لَهُ يَحْيى وَلَمْ يَدَعْهُ فَرْداً وَحِيداً، يا مَنْ أَخْرَجَ يُونُسَ مِنْ بَطْنِ الحُوتِ، يا مَنْ فَلَقَ البَحْرَ لِبَنِي إِسْرائِيلَ فَأَنْجاهُمْ، وَجَعَلَ فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ مِنَ المُغْرَقِينَ. يا مَنْ أَرْسَلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ، يا مَنْ لَمْ يَعْجَلْ عَلى مِنْ عَصاهُ مِنْ خَلْقِهِ، يا مَنْ اسْتَنْقَذَ السَّحَرَةَ مِنْ بَعْدِ طُولِ الجُحُودِ، وَقَدْ غَدَوا فِي نِعْمَتِهِ يَأْكُلُونَ رِزْقَهُ، وَيَعْبُدُونَ غَيْرَهُ، وَقَدْ حادُّوهُ4 وَنادُّوهُ5 وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ. 
 
يا الله يا الله، يا بَدِيءُ يا بَدِيعُ، لا نِدَّ لك، يا دائِماً لا نَفادَ لَكَ، يا حَيّاً حِينَ لا حَيَّ، يا مُحْيِيَ المَوْتى، يا مَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ، يا مَنْ قَلَّ لَهُ شُكْرِي فَلَمْ يَحْرِمْنِي، وَعَظُمَتْ خَطِيئَتِي فَلَمْ يَفْضَحْنِي، وَرَآنِي عَلى المَعاصِي فَلَمْ يَشْهرْنِي، يا مَنْ حَفِظَنِي فِي صِغَرِي، يا مَنْ رَزَقَنِي فِي كِبَرِي، يا مَنْ أَيادِيهِ عِنْدِي لا تُحْصَى وَنِعَمُهُ لا تُجازى، يا مَنْ عارَضَنِي
 
 

1- مقيِّض: مسخِّر.
2- القفر: الصحراء.
3- الجب: البئر.
4- حادّون: أي خالفوه.
5- نادوه: جعلوا له نداً أي مثلاً.
 
 
 
122
 

114

دعاء عرفة

بِالخَيْرِ وَالإحْسانِ، وَعارَضْتُهُ بِالاِسأةِ وَالعِصْيانِ، يا مَنْ هَدانِي لِلاِيمانِ مِنْ قَبْلِ أَنْ أَعْرِفَ شُكْرَ الاِمْتِنانِ، يا مَنْ دَعَوْتُهُ مَرِيضاً فَشَفانِي، وَعُرْياناً فَكَسانِي، وَجائِعاً فَأَشْبَعَنِي، وَعَطْشاناً فَأَرْوانِي، وَذَلِيلاً فَأَعَزَّنِي، وَجأهلاً فَعَرَّفَنِي، وَوَحِيداً فَكَثَّرَنِي، وَغايِباً فَرَدَّنِي، وَمُقِلاًّ1 فَأَغْنانِي، وَمُنْتَصِراً فَنَصَرَنِي، وَغَنِيّاً فَلَمْ يَسْلُبْنِي، وَأَمْسَكْتُ عَنْ جَمِيعِ ذلِكَ فَابْتَدَأَنِي، فَلَكَ الحَمْدُ وَالشُّكْرُ يا مَنْ أَقالَ عَثْرَتِي، وَنَفَّسَ كُرْبَتِي، وَأَجابَ دَعْوَتِي، وَسَتَرَ عَوْرَتِي، وَغَفَرَ ذُنُوبِي، وَبَلَّغَنِي طَلَبِي وَنَصَرَنِي عَلى عَدُوِّي، وَإِنْ أَعُدَّ نِعَمَكَ وَمِنَنَكَ وَكَرائِمِ مِنَحِكَ لا أُحْصِيها.
 
يا مَوْلايَ أَنْتَ الَّذِي مَنَنْتَ، أَنْتَ الّذِي أَنْعَمْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَحْسَنْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَجْمَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَفْضَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَكْمَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي رَزَقْتَ، أَنْتَ الَّذِي وَفَّقْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَعْطَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَغْنَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَقْنَيْتَ2، أَنْتَ الَّذِي آوَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي كَفَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي عَصَمْتَ، أَنْتَ الَّذِي سَتَرْتَ، أَنْتَ الَّذِي غَفَرْتَ أَنْتَ الَّذِي أَقَلْتَ، أَنْتَ الَّذِي مَكَّنْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَعْزَزْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَعَنْتَ، أَنْتَ الَّذِي عَضَدْتَ3، أَنْتَ الَّذِي أَيَّدْتَ، أَنْتَ الَّذِي نَصَرْتَ، أَنْتَ الَّذِي شَفَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي عافَيْتَ، أَنْتَ الَّذِي أَكْرَمْتَ. تَبارَكْتَ وَتَعالَيْتَ، فَلَكَ
 
 
 

1- مقلاً: فقيراً.
2- أقنيت: أعطيت الرزق.
3- عضدت: ساعدت.
 
 
 
123


 

115

دعاء عرفة

الحَمْدُ دائِماً وَلَكَ الشُّكْرُ وَاصِباً1 أَبَداً. ثُمَّ أَنا يا إِلهِي المُعْتَرِفُ بِذُنُوبِي فَاغْفِرْها لِي، أَنا الَّذِي أَسَأْتُ، أَنا الَّذِي أَخْطَأْتُ، أَنا الَّذِي هَمَمْتُ، أَنا الَّذِي جَهِلْتُ، أَنا الَّذِي غَفَلْتُ، أَنا الَّذِي سَهَوْتُ، أَنا الَّذِي اعْتَمَدْتُ أَنا الَّذِي تَعَمَّدْتُ، أَنا الَّذِي وَعَدْتُ، أَنا الَّذِي أَخْلَفْتُ، أَنا الَّذِي نَكَثْتُ، أَنا الَّذِي أَقْرَرْتُ، أَنا الِّذِي اعْتَرَفْتُ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ وَعِنْدِي، وَأَبُوُء2 بِذُنُوبِي فَاغْفِرْها لِي، يا مَنْ لا تَضُرُّهُ ذُنُوبُ عِبادِهِ وَهُوَ الغَنِيُّ عَنْ طاعَتِهِمْ، وَالمُوَفِّقُ مَنْ عَمِلَ صالِحا مِنْهُمْ بِمَعُونَتِهِ وَرَحْمَتِهِ. 
 
فَلَكَ الحَمْدُ إِلهِي وَسَيِّدِي أَمَرْتَنِي فَعَصَيْتُكَ، وَنَهَيْتَنِي فَارْتَكَبْتُ نَهْيَكَ، فَأَصْبَحْتُ لا ذا بَراءَة3ٍ لِي فَأَعْتَذِرُ وَلا ذا قُوَّةٍ فَأَنْتَصِرُ فَبِأَيِّ شَيْ أَنْتَصِرُ فَبِأَيِّ شَيْ أَسْتَقْبِلُكَ يا مَوْلايَ أَبِسَمْعِي أَمْ بِبَصَرِي أَمْ بِلِسانِي أَمْ بِيَدِي أَمْ بِرِجْلِي؟ أَلَيْسَ كُلُّها نِعَمَكَ عِنْدِي وَبِكُلِّها عَصَيْتُكَ يا مَوْلايَ؟ فَلَكَ الحُجَّةُ وَالسَّبِيلُ عَلَيَّ، يا مَنْ سَتَرَنِي مِنَ الآباءِ وَالاُمَّهاتِ أَنْ يَزْجُرُونِي، وَمِنَ العَشائِرِ وَالإِخْوانِ أَنْ يُعَيِّرُونِي، وَمِنَ السَّلاطِينِ أَنْ يُعاقِبُونِي، وَلَوْ اطَّلَعُوا يا مَوْلايَ عَلى ما اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنِّي إِذاً ما أَنْظَرُونِي وَلَرَفَضُونِي وَقَطَعُونِي، فَها أَنا ذا يا إِلهِي بَيْنَ يَدَيْكَ يا سَيِّدِي، خاضِعٌ ذَلِيلٌ، حَصِيرٌ4
 
 

1- واصباً: أبداً دائماً.
2- أبوء: أقرُّ وأعترف.
3- لا ذا براءةٍ: أي لم يعد لي عذر.
4- حصير: تعب.
 
 
 
124


 

116

دعاء عرفة

فَقِيرٌ، لا ذو بَراءةٍ فَأَعْتَذِرُ، وَلا ذو قُوَّةٍ، فَأَنْتَصِرُ وَلا حُجَّةٍ فَاحْتَجُّ بِها، وَلا قائِلٌ لَمْ اجْتَرِحْ1 وَلَمْ أَعْمَلْ سُوءاً، وَما عَسى الجُحُودُ وَلَوْ جَحَدْتُ يا مَوْلايَ يَنْفَعُنِي، كَيْفَ وَأَنَّى ذلِكَ وَجَوارِحِي كُلُّها شاهِدَةٌ عَلَيَّ بِما قَدْ عَمِلْتُ؟ وَعَلِمْتُ يَقِيناً غَيْرَ ذِي شَكٍّ أَنَّكَ سائِلِي مِنْ عَظائِمِ الاُمُورِ، وَأَنَّكَ الحَكَمُ العَدْلُ الَّذِي لا تَجُورُ وَعَدْلُكَ مُهْلِكِي وَمِنْ كُلِّ عَدْلِكَ مَهْرَبِي. فَإِنْ تُعَذِّبْنِي يا إِلهِي، فَبِذُنُوبِي بَعْدَ حُجَّتِكَ عَلَيَّ، وَإِنْ تَعْفُ عَنِّي فَبِحِلْمِكَ وَجُودِكَ وَكَرَمِكَ، لا إِلهَ إلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، لا إِلهَ إلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنْ المُسْتَغْفِرِينَ، لا إِلهَ إلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ، إِنِّي كُنْتُ مِنَ المُوَحِّدِينَ لا إِلهَ إلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الخائِفِينَ، لا إِلهَ إلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الوَجِلِينَ2، لا إِلهَ إلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الرَّاجِينَ، لا إِلهَ إلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الرَّاغِبِينَ، لا إِلهَ إلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ المُهَلِّلِينَ3، لا إِلهَ إلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ السَّائِلِينَ، لا إِلهَ إلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ المُسَبِّحِينَ لا إِلهَ إلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ المُكَبِّرِينَ، لا إِلهَ إلّا أَنْتَ سُبْحانَكَ رَبِّي وَرَبُّ آبائِيَ الأوّلِينَ. 
 
اللّهُمَّ هذا ثَنائِي عَلَيْكَ مُمَجِّداً، وَإِخْلاصِي لِذِكْرِكَ مُوَحِّداً،
 
 

1- أجترح: أقترف وأرتكب.
2- الوجلين: الخائفين.
3- المهللين: التهليل قولك “لا إله إلّا الله”.
 
 
 
125


 

117

دعاء عرفة

وَإِقْرارِي بآلائِكَ مُعَدِّداً، وَإِنْ كُنْتُ مُقِرّاً إِنِّي لَمْ أُحْصِها لِكَثْرَتِها وَسُبُوغِها1 وَتَظاهُرِها وَتَقادُمِها إِلى حادِثٍ ما لَمْ تَزَلْ تَتَعَهَّدُنِي بِهِ مَعَها مُنْذُ خَلَقْتَنِي، وَبَرَأْتَنِي مِنْ أَوَّلِ العُمرِ مِنَ الاِغْناءِ مِنَ الفَقْرِ، وَكَشْفِ الضُّرِّ، وَتَسْبِيبِ اليُسْرِ، وَدَفْعِ العُسْرِ، وَتَفْرِيجِ الكَرْبِ وَالعافِيَةِ فِي البَدَنِ، وَالسَّلامَةِ فِي الدِّينِ، وَلَوْ رَفَدَنِي عَلى قَدْرِ نِعْمَتِكَ جَمِيعُ العالَمِينَ مِنَ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ ما قَدَرْتُ وَلا هُمْ عَلى ذلِكَ، تَقَدَّسْتَ وَتَعالَيْتَ مِنْ رَبٍّ عَظِيمٍ رَحِيمٍ لا تُحْصى آلاؤُكَ، وَلا يُبْلَغُ ثَناؤُكَ، وَلا تُكافئ نَعْماؤكَ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَتْمِمْ عَلْينا نِعَمَكَ وَأَسْعِدْنا بِطاعَتِكَ. سُبْحانَكَ لا إِلهَ إلّا أَنْتَ، اللّهُمَّ إِنَّكَ تُجِيبُ المُضْطَرَّ وَتَكْشِفُ السُّوءَ، وَتُغِيثُ المَكْرُوبَ، وَتُشْفِي السَّقِيمَ، وَتُغْنِي الفَقِيرَ، وَتَجْبُرُ الكَسِيرَ، وَتَرْحَمُ الصَّغِيرَ، وَتُعِينُ الكَبِيرَ، وَلَيْسَ دُونَكَ ظَهِيرٌ2 وَلا فَوْقَكَ قَدِيرٌ، وَأَنْتَ العَلِيُّ الكَبِيرُ. يا مُطْلِقَ المُكَبَّلِ الأسِيرِ، يا رازِقَ الطِّفْلِ الصَّغِيرِ، يا عِصْمَةَ الخائِفِ المُسْتَجِيرِ، يا مَنْ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا وَزِيرَ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَعْطِنِي فِي هذِهِ العَشِيَّةِ أَفْضَلَ ما أَعْطَيْتَ وَأَنَلْت3 أَحَداً مِنَ العالَمِينَ مِنْ عِبادِكَ مِنْ نِعْمَةٍ تُولِيها وَآلاءٍ تُجَدِّدُها، وَبَلِيَّةٍ تَصْرِفُها، وَكُرْبَةٍ تَكْشِفُها، وَدَعْوَةٍ 
 
 

1- سبوغها: تماميتها.
2- ظهير: معين.
3- أنلت: أهديت وأعطيت.
 
 
 
126

 
 

 

118

دعاء عرفة

تَسْمَعُها، وَحَسَنَةٍ تَتَقَبَّلُها. وَسَيِّئَةٍ تَتَغَمَّدُها1، إِنَّكَ لَطِيفٌ بِما تَشاءُ خَبِيرٌ وَعَلى كُلِّ شَيْ قَدِيرٌ.
 
اللّهُمَّ إِنَّكَ أَقْرَبُ مَنْ دُعِيَ، وَأَسْرَعُ مَنْ أَجابَ، وَأَكْرَمُ مَنْ عَفى، وَأَوْسَعُ مَنْ أَعْطى، وَأَسْمَعُ مَنْ سُئِلْ، يا رَحْمنَ الدُّنْيا وَالآخرةِ وَرَحِيمَهُما، لَيْسَ كَمِثْلِكَ مَسْؤولٌ وَلا سِواكَ مَأْمُولٌ.
 
دَعَوْتُكَ فَأَجَبْتَنِي، وَسَأَلْتُكَ فَأَعْطَيْتَنِي، وَرَغِبْتُ إِلَيْكَ فَرَحِمْتَنِي، وَوَثِقْت بِكَ فَنَجَّيْتَنِي، وَفَزِعْتُ إِلَيْكَ فَكَفَيْتَنِي. اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَنَبِيِّكَ وَعَلى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ أَجْمَعِينَ، وَتَمِّمْ لَنا نَعْماءَكَ وَهَنِّئْنا عَطاءَكَ وَاكْتُبْنا لَكَ شاكِرِينَ وَلآلائِكَ ذاكِرِينَ آمِينَ آمِينَ رَبَّ العالَمِينَ. 

اللّهُمَّ يا مَنْ مَلَكَ فَقَدَرَ، وَقَدَرَ فَقَهَرَ، وَعُصِيَ فَسَتَرْ، وَاسْتُغْفَرَ فَغَفَرَ، يا غايَةَ الطَّالِبِينَ، وَمُنْتَهى أَمَلِ الرَّاجِينَ، يا مَنْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيٍْ عِلْماً، وَوَسِعَ المُسْتَقِيلينَ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَحِلْماً. اللّهُمَّ إِنَّا نَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ فِي هذِهِ العَشِيَّةِ الَّتِي شَرَّفْتَها وَعَظَّمْتَها بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ وَرَسُولِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ وَأَمِينِكَ، عَلى وَحْيِكَ البَشِيرِ النَّذِيرِ السِّراجِ المُنِيرِ، الَّذِي أَنْعَمْتَ بِهِ عَلى المُسْلِمِينَ، وَجَعَلْتَهُ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ. 

اللّهُمَّ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَما مُحَمَّدٌ أَهْلٌ لِذلِكَ مِنْكَ، يا عَظِيمُ، فَصَلِّ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ المُنْتَجَبِينَ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ 


1- تتغمَّدها: تسترها.
 
 
 
 
127
 
 

119

دعاء عرفة

أَجْمَعِينَ، وَتَغَمَّدْنا بِعَفْوِكَ عَنّا، فَإِلَيْكَ عَجَّتِ1 الأصْواتُ بِصُنُوفِ اللُّغاتِ، فَاجْعَلْ لَنا اللّهُمَّ فِي هذِهِ العَشِيَّةِ نَصيباً مِنْ كُلِّ خَيْرٍ تَقْسِمُهُ بَيْنَ عِبادِكَ، وَنُوراً تَهْدِي بِهِ، وَرَحْمَةً تَنْشُرُها، وَبَرَكَةً تُنْزِلُها، وَعافِيَةً تُجَلِّلُها، وَرِزْقاً تَبْسُطُهُ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللّهُمَّ أَقْلِبْنا فِي هذا الوَقْتِ مُنْجِحِينَ مُفْلِحِينَ مَبْرُورِينَ غانِمِينَ، وَلا تَجْعَلْنا مِنَ القانِطِينَ، وَلا تُخْلِنا مِنْ رَحْمَتِكَ، وَلا تَحْرِمْنا ما نُؤَمِّلُهُ مِنْ فَضْلِكَ، وَلا تَجْعَلْنا مِنْ رَحْمَتِكَ مَحْرُومِينَ، وَلا لِفَضْلِ ما نُؤَمِّلُهُ مِنْ عَطائِكَ قانِطِينَ، وَلا تَرُدَّنا خائِبِينَ، وَلا مِنْ بابِكَ مَطْرُودِينَ.

يا أَجْوَدَ الأجْوَدِينَ، وَيا أَكْرَمَ الأكْرَمِينَ، إِلَيْكَ أَقْبَلْنا مُوقِنِينَ، وَلِبَيْتِكَ الحَرامِ آمِّينَ قاصِدِينَ، فَأَعِنّا عَلى مَناسِكِنا، وَكَمِّلْ لَنا حَجَّنا، وَاعْفُ عَنّا وَعافِنا فَقَدْ مَدَدْنا إِلَيْكَ أَيْدِينا، فَهِيَ بِذِلَّةِ الاِعْتِرافِ مَوْسُومَةٌ. اللّهُمَّ فَأَعْطِنا فِي هذِهِ العَشِيَّةِ ما سَأَلْناكَ، وَاكْفِنا ما اسْتَكْفَيْناكَ، فَلا كافِيَ لِنا سِواكَ، وَلا رَبَّ لَنا، نافِذٌ فِينا حُكْمُكَ مُحِيطٌ بِنا عِلْمُكَ، عَدْلٌ فِينا قَضاؤُكَ، اقْضِ لَنا الخَيْرَ وَاجْعَلْنا مِنْ أَهْلِ الخَيْرِ. اللّهُمَّ أَوْجِبْ لَنا بِجُودِكَ عَظِيمَ الأجْرِ وَكَرِيمَ الذُّخْرِ، وَدَوامَ اليُسْرِ، وَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا أَجْمَعِينَ، وَلا تُهْلِكْنا مَعَ الهالِكِينَ، وَلا تَصْرِفْ عَنّا رَأْفَتَكَ وَرَحْمَتَكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
 
 

1- عجَّت: ارتفعت.
 
 
 
128
 
 

120

دعاء عرفة

اللّهُمَّ اجْعَلْنا فِي هذا الوَقْتِ مِمَّنْ سَأَلَكَ فَأَعْطَيْتَهُ، وَشَكَرَكَ فَزِدْتَهُ، وَثابَ إِلَيْكَ فَقَبِلْتَهُ، وَتَنَصَّلَ1 إِلَيْكَ مِنْ ذُنُوبِهُ كُلِّها فَغَفَرْتَها لَهُ، يا ذا الجَلالِ وَالاِكْرامِ، اللّهُمَّ وَنَقِّنا وَسَدِّدْنا وَاقْبَلْ تَضَرُّعَنا يا خَيْرَ مَنْ سُئِلْ، وَيا أَرْحَمَ مَنْ اسْتُرْحِمَ، يا مَنْ لا يَخفى عَلَيْهِ إِغْماضُ الجُفُونِ، وَلا لَحْظُ العُيُون، وَلا ما اسْتَقَرَّ فِي المَكْنُونِ، وَلا ما انْطَوَتْ عَلَيْهِ مُضْمَراتُ القُلُوبِ، أَلا كُلُّ ذلِكَ قَدْ أَحْصاهُ عِلْمُكَ وَوَسِعَهُ حِلْمُكَ؟
 
سُبْحانَكَ وَتَعالَيْتَ عَمّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُواً كَبِيراً، تُسَبِّحُ لَكَ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالأَرْضونَ، وَمَنْ فِيهِنَّ، وَإِنْ مِنْ شَيْ إلّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ. فَلَكَ الحَمْدُ وَالمَجْدُ وَعُلُوُّ الجَدِّ، يا ذا الجَلالِ وَالاِكْرامِ، وَالفَضْلِ وَالإنْعامِ، وَالأيْادِي الجِسامِ، وَأَنْتَ الجَوادُ الكَرِيمُ الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ. اللّهُمَّ أَوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ الحَلالِ، وَعافِنِي فِي بَدَنِي وَدِينِي، وَآمِنْ خَوْفِي، وَاعْتِقْ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، اللّهُمَّ لا تمْكُرْ بِي وَلا تَسْتَدْرِجْنِي3، وَلا تَخْدَعْنِي4، وَادْرَأْ5 عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الجِنِّ وَالإنْسِ. 
 
ثم رفع رأسه وبصره إلى السماء وعيناه ماطرتان كأنّهما مزادتان، وقال بصوتٍ عالٍ:
 

1- تنصَّل: تبرَّأز
2- لحظ العيون: النظر الثاقب والدقيق للعيون.
3- ولا تستدرجني: أي لا تأخذني بذنوبي بالتدريج.
4- ولا تخدعني: أي لا تدعني أتوهم رضاك وأنت ساخط عليَّ.
5- ادرأ: ادفع.
 
 
 
129
 

121

دعاء عرفة

يا أَسْمَع السَّامِعِينَ، يا أَبْصَر النَّاظِرِينَ، وَيا أَسْرَعَ الحاسِبِينَ، وَيا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ السَّادَةِ المَيامِينَ، وَأَسأَلُكَ اللّهُمَّ حاجَتِي الَّتِي إِنْ أَعْطَيْتَنِيها لَمْ يَضُرَّنِي ما مَنَعْتَنِي، وَإِنْ مَنَعْتَنِيها لَمْ يَنْفَعْنِي ما أَعْطَيْتَنِي، أَسأَلُكَ فَكاكَ رَقَبَتِي مِنَ النَّارِ، لا إِلهَ إلّا أَنْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ، لَكَ المُلْكُ وَلَكَ الحَمْدُ، وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيٍْ قَدِيرٌ يا رَبِّ يا رَبِّ.
 
وكان يكرر قوله: يا رَبِّ، وشغل من حضر ممن كان حوله عن الدعاء لأنفسهم وأقبلوا على الاستماع له والتأمين على دعائه ثم علت أصواتهم بالبكاء معه وغربت الشمس وأفاض النّاس معه.

أقول: إلى هنا تم دعاء الإمام الحسين عليه السلام في يوم عرفة على ما أورده الكفعمي في كتاب (البلد الأمين) وقد تبعه المجلسي في كتاب (زاد المعاد) ولكن زاد السيّد ابن طاووس رضي الله عنه في (الاقبال) بعد: يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ هذه الزيادة: إِلهِي أَنا الفَقِيرُ فِي غِنايَ فَكَيْفَ لا أَكُونُ فَقِيراً فِي فَقْرِي إِلهِي أَنا الجأهل فِي عِلْمِي فَكَيْفَ لا أَكُونُ جَهُولاً فِي جَهْلِي؟ إِلهِي إِنَّ اخْتِلافَ تَدْبِيرِكَ وَسُرْعَةَ طَواءِ مَقادِيرِكَ1 مَنَعاً عِبادَكَ العارِفِينَ بِكَ عَنِ السُّكُونِ إِلى عَطاءٍ وَاليَّأْسِ مِنْكَ فِي بَلاءٍ، إِلهِي مِنِّي ما يَلِيقُ بِلُؤْمِي وَمِنْكَ ما يَلِيقُ بِكَرَمِكَ، إِلهِي وَصَفْتَ نَفْسَكَ 


1- طواء مقاديرك: تبديل قضائك.
 
 
 
130
 
 

122

دعاء عرفة

بِاللُّطْفِ وَالرَّأْفَةِ لِي قَبْلَ وُجُودِ ضَعْفِي أَفَتَمْنَعُنِي مِنْهُما بَعْدَ وَجُودِ ضَعْفِي؟ إِلهِي إِنْ ظَهَرَتِ المَحاسِنُ مِنِّي فَبِفَضْلِكَ وَلَكَ المِنَّةُ عَلَيَّ وَإِنْ ظَهَرَتِ المَساوِيُ مِنِّي فَبِعَدْلِكَ وَلَكَ الحُجَّةُ عَلَيَّ، إِلهِي كَيْفَ تَكِلُنِي1 وَقَدْ تَكَفَّلْتَ لِي وَكَيْفَ أُضامُ2 وَأَنْتَ النَّاصِرُ لِي، أَمْ كَيْفَ أَخِيبُ وَأَنْتَ الحَفِيّ بِي؟ ها أَنا أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِفَقْرِي إِلَيْكَ وَكَيْفَ أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِما هُوَ مَحالٌ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ، أَمْ كَيْفَ أَشْكُو إِلَيْكَ حالِي وَهُوَ لا يَخْفى عَلَيْكَ، أَمْ كَيْفَ أُتَرْجِمُ بِمَقالِي وَهُوَ مِنْكَ بَرَزٌ إِلَيْكَ4، أَمْ كَيْفَ تُخَيِّبْ آمالِي وَهِي قَدْ وَفَدَتْ إِلَيْكَ، أَمْ كَيْفَ لا تُحْسِنُ أَحْوالِي وَبِكَ قامَتْ؟ إِلهِي ما أَلْطَفَكَ بِي مَعَ عَظِيمِ جَهْلِي وَما أَرْحَمَكَ بِي مَعَ قَبِيحِ فِعْلِي! إِلهِي ما أَقْرَبَكَ مِنِّي وَأَبْعَدَنِي عَنْكَ وَما أَرْأَفَكَ بِي! فَما الَّذِي يَحْجُبُنِي عَنْكَ؟ إِلهِي عَلِمْتُ بِاخْتِلافِ الآثارِ وَتَنَقُّلاتِ الأطْوارِ أَنَّ مُرادَكَ مِنِّي أَنْ تَتَعَرَّفَ إِلَيَّ فِي كُلِّ شَيٍْ حَتَّى لا أَجْهَلَكَ فِي شَيٍْ، إِلهِي كُلَّما أَخْرَسَنِي لُؤْمِي أَنْطَقَنِي كَرَمُكَ وَكُلَّما آيَسَتْنِي أَوْصافِي أَطْمَعَتْني مِنَنُكَ، إِلهِي مَنْ كانَتْ مَحاسِنُهُ مَسَاوِيَ فَكَيْفَ لا تَكُونُ مَساوِؤُهُ مَساوِيَ، وَمَنْ كانَتْ حَقائِقُهُ دَعاوي فَكَيْفَ لا تَكُونُ دَعاواهُ دَعاوي، إِلهِي حُكْمُكَ النَّافِذُ وَمَشِيئَتُكَ القاهِرَةِ لَمْ 
 

1- تكلُني: تفوض أمري إلى غيرك.
2- أُضام: أُظلم.
3- الحفي: المبالغة في الإكرام.
4- برز إليك: ظاهر لديك.
 
 
 
131
 

123

دعاء عرفة

 يَتْرُكا لِذِي مَقالٍ مَقالاً وَلا لِذِي حالٍ حالاً، إِلهِي كَمْ مِنْ طاعَةٍ بنَيْتُها وَحالَةٍ شَيَّدْتُها هَدَمَ اعْتِمادِي عَلَيْها عَدْلُكَ بَلْ أَقالَنِي مِنْها فَضْلُكَ، إِلهِي إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي وَإِنْ لَمْ تَدُمِ الطَّاعَةُ مِنِّي فِعْلاً جَزْماً فَقَدْ دامَتْ مَحَبَّةً وَعَزْماً، إِلهِي كَيْفَ أَعْزِمُ وَأَنْتَ القاهِرُ وَكَيْفَ لا أَعْزِمُ وَأَنْتَ الأمِرُ؟ إِلهِي تَرَدُّدي فِي الآثارِ يُوجِبُ بُعْدَ المَزارِ فاجْمَعْنِي عَلَيْكَ بِخِدْمَةٍ تُوصِلُنِي إِلَيْكَ، كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ فِي وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إِلَيْكَ أَيَكُونُ لِمِنَ الظُّهُورِ ما لَيْسَ لَكَ حَتَّى يَكُونَ هُوَ المُظْهِرَ لَكَ؟ مَتى غبْتَ حَتَّى تَحْتاجَ إِلى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ وَمَتى بَعُدْتَ حَتَّى تَكُونَ الآثارُ هِيَ الَّتِي تُوصِلُ إِلَيْكَ؟ عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقِيباً وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلَ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصِيباً، إِلهِي أَمَرْتَ بِالرُّجُوعِ إِلى الآثارِ فَارْجِعْنِي إِلَيْكَ بِكِسْوَةِ الأنْوار1ِ وَهِدايَةِ الاِسْتِبْصارِ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ مِنْها كَما دَخَلْتُ إِلَيْكَ مِنْها مَصُونَ السِّرِّ عَنْ النَّظَرِ إِلَيْها وَمَرْفُوعَ الهِمَّةِ عَنِ الاِعْتِمادِ عَلَيْها إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْ قَدِيرٌ. إِلهِي هذا ذُلِّي ظاهِرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ وَهذا حالِي لا يَخْفى عَلَيْكَ مِنْكَ أَطْلُبُ الوُصُولَ إِلَيْكَ وَبِكَ أَسْتَدِلُّ عَلَيْكَ فَاهْدِنِي بِنُورِكَ إِلَيْكَ وَأَقِمْنِي بِصِدْقِ العُبُودِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ، إِلهِي عَلِّمْنِي مِنْ عِلْمِكَ المَخْزُونِ وَصُنِّي بِسِتْرِكَ المَصُونِ إِلهِي حَقِّقْنِي بِحَقائِقِ أَهْلِ القُرْبِ وَاسْلُكَ بِي مَسْلَكَ أَهْلِ الجَذْبِ، إِلهِي أَغْنِنِي بِتَدْبِيرِكَ لِي عَنْ تَدْبِيرِي وَبِاخْتِيارِكَ
 
 

 
1- كسوة الأنوار: ثوب الهداية.
 
 
132
 

124

دعاء عرفة

عَنْ اخْتِيارِي وَأوْقِفْنِي عَلى مَراكِزِ اضْطِرارِي، إِلهِي أَخْرِجْنِي مِنْ ذُلِّ نَفْسِي وَطَهِّرْنِي مِنْ شَكِّي وَشِرْكِي قَبْلَ حُلُولِ رَمْسِي1، بِكَ أَنْتَصِرُ فَانْصُرْنِي وَعَلَيْكَ أَتَوَكَّلُ فَلا تَكِلْنِي وَإِيَّاكَ أَسْأَلُ فَلا تُخَيِّبْنِي وَفِي فَضْلِكَ أَرْغَبُ فَلا تَحْرِمْنِي وَبِجَنابِكَ أَنْتَسِبُ فَلا تُبْعِدْنِي وَبِبابِكَ أَقِفُ فَلا تَطْرُدْنِي، إِلهِي تَقَدَّسَ رِضاكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ عِلَّةٌ مِنْكَ فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ عِلَّةٌ مِنِّي؟ إِلهِي أَنْتَ الغَنِيُّ بِذاتِكَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ النَّفْعُ مِنْكَ فَكَيْفَ لا تَكُونُ غَنِيّاً عَنِّي؟ إِلهِي إِنَّ القَضاء وَالقَدَرَ يُمَنِّيِني وَإِنَّ الهَوى بِوَثائِقِ الشَّهْوَةِ أَسَرَنِي فَكُنْ أَنْتَ النَّصِيرَ لِي حَتَّى تَنْصُرَنِي وَتُبَصِّرَنِي وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ حَتَّى اسْتَغْنِي بِكَ عَنْ طَلَبِي، أَنْتَ الَّذِي أَشْرَقْتَ الأنْوارَ فِي قُلُوبِ أَوْلِيائِكَ حَتَّى عَرَفُوكَ وَوَحَّدُوكَ وَأَنْتَ الَّذِي أَزَلْتَ الأغْيارَ عَنْ قُلُوبِ أَحِبَّائِكَ حَتَّى لَمْ يُحِبُّوا سِواكَ وَلَمْ يَلْجَأَوا إِلى غَيْرِكَ أَنْتَ المُوْنِسُ لَهُمْ حَيْثُ أَوْحَشَتْهُمُ العَوالِمُ وَأَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَهُمْ حَيْثُ اسْتَبانَتْ لَهُمْ المَعالِمُ، ماذا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ وَما الَّذِي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ؟! 
 
لَقَدْ خابَ مَنْ رَضِيَ دُونَكَ بَدَلاً وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغى عَنْكَ مُتَحَوَّلاً، كَيْفَ يُرْجى سِواكَ وَأَنْتَ ما قَطَعْتَ الإحْسانَ وَكَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِكَ وَأَنْتَ ما بَدَّلْتَ عادَةَ الاِمْتِنانِ؟ يا مَنْ أَذاقَ


1- حلول رمسي: حلول أجلي.
 
 
 
 
133
 
 

125

دعاء عرفة

أَحِبَّأَهُ حَلاوَةَ المُؤانَسَةِ فَقامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَمَلِّقِينَ1 وَيا مَنْ أَلْبَسَ أَوْلِيائهُ مَلابِسَ هَيْبَتِهِ فَقامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُسْتَغْفِرِينَ، أَنْتَ الذَّاكِرُ قَبْلَ الذَّاكِرِينَ وَأَنْتَ البادِيُ بِالإحْسانِ قَبْلَ تَوَجُّهِ العابِدِينَ وَأَنْتَ الجَوادُ بِالعَطاءِ قَبْلَ طَلَبِ الطَّالِبِينَ وَأَنْتَ الوَهَّابُ ثُمَّ لِما وَهَبْتَ لَنا مِنَ المُسْتَقْرِضِينَ، إِلهِي اطْلُبْنِي بِرَحْمَتِكَ حَتَّى أَصِلَ إِلَيْكَ وَاجْذُبْنِي بِمَنِّكَ حَتَّى أُقْبِلَ عَلَيْكَ، إِلهِي إِنَّ رَجائِي لا يَنْقَطِعُ عَنْكَ وَإِنْ عَصَيْتُكَ كَما أَنَّ خَوْفِي لا يُزايِلُنِي2 وَإِنْ أَطَعْتُكَ فَقَدْ دَفَعَتْنِي العَوالِمُ إِلَيْكَ وَقَدْ أَوْقَعَنِي عِلْمِي بِكَرَمِكَ عَلَيْكَ، إِلهِي كَيْفَ أَخِيبُ وَأَنْتَ أَمَلِي أَمْ كَيْفَ اُهانُ وَعَلَيْكَ مُتَّكَلِي، إِلهِي كَيْفَ أسْتَعِزُّ وَفِي الذِّلَّةِ أَرْكَزْتَنِي3 أَمْ كَيْفَ لا أَسْتَعِزُّ وَإِلَيْكَ نَسَبْتَنِي؟ إِلهِي كَيْفَ لا أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذِي فِي الفُقَراءِ أَقَمْتَنِي أَمْ كَيفَ أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذِي بِجُودِكَ أَغْنَيْتَنِي وَأَنْتَ الَّذِي لا إِلهَ تَعَرَّفْتَ لِكُلِّ شَيٍْ فَما جَهِلَكَ شَيْ وَأَنْتَ الَّذِي تَعَرَّفْتَ إِلَيَّ فِي كُلِّ شَيْ فَرَأَيْتُكَ ظاهِراً فِي كُلِّ شَيْ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ لِكُلِّ شَيْ.
 
 
يا مَنْ اسْتَوى بِرَحْمانِيَّتِه فَصارَ العَرْشُ غَيْباً فِي ذاتِهِ مَحَقْتَ الآثارَ بِالآثارِ وَمَحَوْتَ الأغْيارَ بِمُحِيطاتِ أَفْلاكِ الأنْوارِ، يا مَنْ احْتَجَبَ فِي سُرادِقاتِ عَرْشِهِ عَنْ أَنْ تُدْرِكَهُ الأبْصارُ يا مَنْ تَجَلّى بِكَمالِ بَهائِهِ فَتَحَقَّقَتْ عَظَمَتُهُ الاِسْتِواءِ، كَيْفَ تَخْفى وَأَنْتَ
 
 

1- متملِّقين: متودِّدين.
2- لا يزايلني: لا يفارقني.
3- أركزتني: ثبَّتني.
 
 
 
134
 

126

دعاء عرفة

الظَّاهِرُ أَمْ كَيْفَ تَغِيبُ وَأَنْتَ الرَّقِيبُ الحاضِرُ؟ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيٍْ قَدِيرٌ وَالحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ.
 
وعلى أيّ حال فقد وردت أدعية وأعمال كثيرة في هذا اليوم لمن وفّق فيه لحضور عرفات، وأفضل أعمال هذا اليوم الشريف الدعاء وهو يوم قد امتاز بالدعاء امتيازاً وينبغي الإكثار فيه من الدعاء للإخوان المؤمنين أحياءً وأمواتاً، والرواية الواردة في شأن عبد الله بن جندب في الموقف بعرفات ودعائه لإخوانه المؤمنين مشهورة، ورواية زيد النرسيّ في شأن الثقة الجليل معاوية بن وهب في الموقف ودعائه في حقّ إخوانه في الآفاق واحداً واحداً، وروايته عن الصادق عليه السلام في فضل هذا العمل ممّا ينبغي الاطلاع عليه والتدبّر فيه. 
 
والرجاء الواثق من إخواني المؤمنين أن يجعلوا هؤلاء العظماء قدوة يقتدون بهم فيؤثرون على أنفسهم إخوانهم المؤمنين بالدعاء ويعدّونني في زمرتهم وأنا العاصي الذي سوّدت وجهي الذنوب فلا ينسونني من الدعاء حيّاً وميتاً. وقل في آخر نهار عرفة:
 
يا رَبِّ إِنَّ ذُنُوبِي لا تَضُرُّكَ وَإِنَّ مَغْفِرَتَكَ لِي لا تَنْقُصُكَ فَأَعْطِنِي ما لا يَنْقُصُكَ وَاغْفِرْ لِي ما لا يَضُرُّكَ.
 
وَقل أيضاً: اللّهُمَّ لا تَحْرِمْنِي خَيْرَ ما عِنْدَكَ لِشَرِّ ما عِنْدِي فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَرْحَمْنِي بِتَعَبِي وَنَصَبِي فَلا تَحْرِمْنِي أَجْرَ المُصابِ عَلى مُصِيبَتِهِ.
 
 
 
135
 

 

127

دعاء عرفة

أقول: قال السيّد ابن طاووس في خلال أدعية يوم عرفة: إذا دنا غروب الشمس فقل: بِسْمِ الله وَبِالله وَسُبْحانَ الله وَالحَمْدُ للهِ... الدعاء وهذا هو دعاء العشرات السالف. فجدير أن لا يترك في آخر نهار عرفة قراءة دعاء العشرات المسنون في كلّ صباح ومساء، وهذه الأذكار التي أوردها الكفعميّ هي الأذكار الواردة في آخر دعاء العشرات كما أورده السيّد 

وآخر دعوانا ان الحمد لله ربّ العالمين
 
 
 
136

128
(2) زاد المبلغ إلى بيت الله الحرام