الحرب الأمريكية الناعمة على حزب الله

إن حزب الله سوف ينتصر في أي حرب عسكرية مباشرة


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2018-07

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للدراسات الثقافيَّة


تمهيد

إن حزب الله سوف ينتصر في أي حرب عسكرية مباشرة، لكن احتمال خسارته وارد في حروب ومواجهات غير عسكرية، بالاعتماد على برامج وعمليات وجهود إعلامية ونفسية وفكرية وسياسية واقتصادية وثقافية تتسم بالطابع التدريجي الناعم غير المباشر

 

مدرسة القوات البحرية الأمريكية

للدراسات العليا (Naval)

 

تمهيد

منذ انطلاقته في العام 1982، راح حزب الله يعمل على بناء حركة مقاومة ضد العدو الإسرائيلي، والتي استطاع من خلالها بحلول 25 أيار من العام 2000، تحرير أغلب المناطق التي سبق للعدو أن احتلّها من جنوب لبنان، إلى جانب تحريره الأسرى والمعتقلين، والأهم من ذلك، أنه حرر الإرادة المقاومة لدى شريحة واسعة من اللبنانيين، فتهاوى الاحتلال وكل ما بناه طيلة عقود من الزمن، وذلك، دون أن يلتزم لبنان بتنازلات تنتقص من سيادته.

 

5

 


1

تمهيد

ومن ثم راح حزب الله، يعمل على امتلاك قدرات رادعة، تمكّنه من المساهمة الجادة في حماية إنجاز التحرير، وحماية الموارد على اختلافها، وتوفير الاستقرار اللازم لإطلاق ورشة الإنماء في المناطق اللبنانية المحاذية للكيان الإسرائيلي، بشكل خاص، وفي لبنان بشكل عام.

 

فصار بالإمكان القول، إنّ ما تحقق هو نصر عربي فريد من نوعه على الكيان الصهيوني المصطنع.

 

فمن جهة، أتاح هذا الانتصار التاريخي، نيل حزب الله، شعبية واسعة، لبنانيًا وعربيًا وإسلاميًا، لم يضاهه فيها - على امتداد الصراع العربي الإسرائيلي - أي حزب أو تنظيم أو جماعة في العالمَيْن العربي والإسلامي، وباتت تجربة حزب الله، نموذج المقاومة لدى الشعوب التواقة للتحرر والاستقلال ولبناء مسارها التطوري بعيدًا عن التبعية والاستغلال. فارتفعت إلى العالمية، مكانة أمينه العام، سماحة السيد حسن نصر الله، التي جذبت إليها أفئدة الملايين على اختلاف ثقافاتهم، وأصبح يعدّ لدى الرأي العام - المحلي والإقليمي والدولي- من أهم الشخصيات التي أنجبتها الأمة العربية.

 

ومن جهة أخرى، أحدث هذا الانتصار، حالًا من الرعب لدى الأنظمة الاستكبارية، سيّما، في أمريكا والكيان الصهيوني وعدد من الأنظمة العربية، فكان عدوان تموز عام 2006، أولى المحاولات لطمس

 

6

 


2

تمهيد

هذا الانتصار وإلغاء مفاعيله، والذي حصل بآلة عسكرية صهيونية وإدارة سياسية أمريكية ودعم غربي وتأييد خليجي سعودي وتواطؤ لبناني من الجماعة التي يطلق عليها تسمية 14 آذار.

 

ولمّا فشل العدوان بقواه الصلبة من تحقيق غاياته، ارتفعت وتيرة الاعتماد على القوة الناعمة، حيث اتخذت أبعادًا استراتيجية وتضاعف التمويل لبرامجها، وهذا ما اعترف به السفير الأمريكي السابق في لبنان "جيفري فيلتمان" في العام 2010، حيث قال خلال الاستماع إلى شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس الأمريكي، إنه أنفق نصف مليار دولار ما بين أعوام 2006 و2010، لتحقيق هدف استراتيجي، وهو إضعاف جاذبية حزب الله[1].

 

ولم يعد من الاستبصار، القول، إن قرار شطب حزب الله، بوصفه نموذجًا مقاومًا، ولاعبًا فاعلًا ومؤثرًا في الخارطة الجيوسياسية للبنان والعالم العربي، وعموم الإقليم، قد اتخذ من الحرب الناعمة بشكل رئيسي أداةً لتنفيذ تلك الغايات.

وإنما من البصيرة، العمل على تبيان معالم هذه الحرب الناعمة، بمخاطرها وتهديداتها، وذلك من خلال بحث جدي وموضوعي يحاول الإجابة عن التساؤلات الآتية:

 

 


[1]  نص شهادة جيفري فيلتمان، موقع الكونغرس الأمريكي على الرابط الآتي:

http://www.foreign.senate.gov/imo/media/doc/060810%20Feltman-Benjamin%20Testimony.pdf

 

7


3

تمهيد

ما هي هذه الحرب وما هي غرفة عملياتها؟ وما هي مبانيها الاستراتيجية والفكرية؟ وما هي مشاريعها ونماذجها التطبيقية؟ وما هي برامجها ومؤسساتها وشخصياتها؟ وبالتالي، كيف تعامل حزب الله مع هذه الحرب؟

 

تنطلق الدراسة من فرضية أساسيّة، يمكن إيجازها بالآتي:

لمّا أدرك أعداء حزب الله بأن قدرته على إفشال مخططاتهم إنّما تكمن بما يتوافر لديه من قوى ناعمة تعطي لقواه الصلبة فاعلية الثبات في ميدان المواجهة، لذلك، صار نيل الأعداء منه، يستدعي تركيزهم على إضعاف وتعطيل قواه الناعمة كخطوة استباقية وضرورية فيالآتي من المواجهات معه.

 

في الحقيقة، لم تنطلق هذه الفرضية من فراغ أو من خلفية أيديولوجية معارضة، وإنّما تستند على جملة من المعطيات، منها، ما توصل إليه خبراء وضباط في البنتاغون ومدرسة القوات البحرية الأمريكية للدراسات العليا [1]Naval))، ونظراؤهم في مركز دراسات الأمن القومي في تل أبيب[2]، بعد تحليل رياضي رقمي لسيناريوهات مفترضة حال المواجهة بين حزب الله وحلفائه من جهة، وبين أمريكا

 

 


[1]  أنظر: عمر نشابة، أميركا تحارب حزب الله بالاحتقان المذهبي، جريدة الأخبار، العدد2960، في 13-8-2016.

[2]  أنظر: ميخائيل ميلشتاين، صعود تحدي المقاومة وأثرها على نظرية الأمن القومي الإسرائيلي، جريدة السفير، العدد11495، في 18-1-2010.

 

8


4

تمهيد

وحلفائها من جهة أخرى وهو ما أعاد التأكيد عليه الحلقة البحثية التي نظمتها الإمارات تحت عنوان "تفكيك شيفرة حزب الله"[1]. حيث تبين أن حزب الله سوف ينتصر في أي حرب عسكرية مباشرة، لكن احتمال خسارته وارد في حروب ومواجهات غير عسكرية، يتم من خلالها إفشال مشروعه في لبنان والمنطقة وإضعاف جاذبيته، وبالتالي هزيمة فكرة المقاومة وروحيتها لدى قيادته وجمهوره عامة وبيئته الحاضنة خاصة. وذلك بالاعتماد على برامج وعمليات وجهود إعلامية ونفسية وفكرية وسياسية واقتصادية وثقافية تتسم بالطابع التدريجي الناعم غير المباشر، بالإضافة إلى الاعتماد على مواجهات عسكرية تتم عبر الوكلاء، من خلال زج حزب الله بمعارك مع جهات تخالفه عقائديًا ومذهبيًا، ما يحرفه عن مشروعه.

 

وقبل التوسع في رصد المسار الذي سلكه الأمريكي وأعوانه وأدواته في الحرب الناعمة على حزب الله، يستوقف المتابع لحركة الرأي العام في لبنان والمنطقة، وتحديدًا، في كيفية استجابته لما تثيره المعطيات عن حجم اختراقه من قبل الغرب بشكل عام، والأمريكي خاصة، بأبعاده الأمنية والثقافية والسياسية والاقتصادية، أنّه في الوقت الذي يعبّر - الرأي العام- عن موقفه الرافض لهذا الاختراق، والمدرك لحجم خطورته، نجده في الوقت نفسه، وكأنّه استسلم لفكرة عدم القدرة على الحد من تأثيراته.

 


[1]  موقع مركز الامارات للسياسات، حلقة نقاشية حول "تفكيك شيفرة حزب الله" 27 - 2 - 2018.

 

9


5

تمهيد

ولا يبتعد ذلك، عن ما اعتاده صنّاع القرار في الإدارة الأمريكية ومعظم دول الغرب، في رفعهم السريّة عن أنشطتهم الهادفة لاختراق المجتمعات الأخرى، وذلك بعد انقضاء مدة من الزمن عليها، فتسريب تلك المعطيات إنّما يأتي في إطار الاستغلال الأمثل لها، فكما خدم الاحتفاظ بسريتها المصالح الأمريكية والغرب، صار الكشف عنها بالنسبة إليهم لا يقل فائدة ومنفعة.

 

فالأمريكي من خلال ذلك، يوجه رسالة مفادها، أنه الأقوى ولا يهاب الآخر إن علم بما يخطط ويقوم به من أعمال ضده، ليؤكد هيمنته وقدرته على التحكم، ويزيد الآخر شعورًا بالضعف، هذا إذا لم يحسن الأخير تعامله مع هذه التسريبات الناعمة حين يحولها من تهديد إلى فرصة.

 

هذه الدراسة، تسعى إلى الكشف عن الكيفية التي من خلالها ترجم أعداء حزب الله مخططاتهم المرسومة والمعلنة، وذلك من خلال الإجابة عن التساؤلات المطروحة، وقد توزعت الدراسة على مباحث ثلاثة، تناول الأول، منصات الحرب الناعمة على حزب الله، فيما توسع المبحث الثاني حول استراتيجيات هذه الحرب، وتركز المبحث الثالث على عرض لأهم أدوات الحرب، واختتمت بخلاصات واستنتاجات عامة.

 

 

10


6

المبحث الأول: منصات الحرب الناعمة على حزب الله

المبحث الأول: منصات الحرب الناعمة على حزب الله

 

تؤكد تسريبات موقع ويكيليكس المعطيات التي تشير إلى حجم الجهد المبذول من قبل الوكالات الأمريكية، لجمع المعلومات وتجنيد الشخصيات وتمويل المنظمات والأحزاب اللبنانية.

يمكن من خلال ما نشر من دراسات وأبحاث ووثائق، القول، إن الإدارة الأمريكية للحرب الناعمة ضد حزب الله، يشارك في وضع خطط أعمالها والإشراف على تنفيذها، فريق عمل يضم ممثلين عن الجهات الآتية: وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA)، وزارة الخارجية الأمريكية وسفارتها في لبنان، مشروع الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية (MEPI) "ميبي"، وكالة التنمية الدولية الأمريكية (USAID)، دوائر ومكاتب الدبلوماسية العامة و"مجلس الحكام للبث" في واشنطن، وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، والجامعة الأمريكية في بيروت(AUB)، وفيما يلي تعريف بهذه المؤسسات وعرض لأهم أدوارها الناعمة ضد حزب الله:

 

 

13

 


7

المبحث الأول: منصات الحرب الناعمة على حزب الله

1- محطة وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) في لبنان

لطالما تطالعنا الدراسات والتحليلات التي تتناول وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في لبنان CIA)[1]) بالاستناد على وثائق أمريكية ومعطيات لدى جهات نافذة، يجري كشف النقاب عنها تباعًا، عن ما يتوافر للوكالة من نفوذ واسع وقوي ومؤثر، لدى أحزاب وميليشيات وزعامات لبنانية، وعن حجم تدخلاتها الواسعة في مجرى السياسات اللبنانية، واختراقاتها الواسعة لعدد كبير من القطاعات الاقتصادية والإعلامية والسياسية، إلى جانب نفوذها لدى المنظمات الفلسطينية العاملة في لبنان عن طريق الاستخبارات الأردنية والإسرائيلية[2].

 

ثم جاءت تسريبات موقع ويكيليكس لتؤكد هذه المعطيات، وتثبت بالوثائق حجم الجهد المبذول من قبل الوكالات الأمريكية، لجمع المعلومات وتجنيد الشخصيات وتمويل المنظمات والأحزاب اللبنانية خلال الفترة الممتدة من العام 1977، ولغاية العام 2010، ومن ثم ما كشفه الموقع من وثائق عن الفترة الممتدة ما بين العام 2010 والعام 2014، خلال عهد وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون[3].

 

 


[1]  سلسلة تقارير نشرتها جريدة الأخبار اللبنانية تباعًا، تحت عنوان "هكذا أشعلت واشنطن الحرب الأهليّة اللبنانيّة" للكاتب أسعد أبو خليل، ابتداءاً من العدد 2976 السبت 3 أيلول 2016. رابط المصدر http://www.al-akhbar.com/node/264254

[2]  أنظر المزيد: مسعود ضاهر، لبنان في وثائق الإرشيف الأمريكي، دار المنشورات في الجامعة اللبنانية،ط1، 2014.

[3]  موقع جريدة الأخبار، وثائق ويكيليكس، بالأسماء والتفاصيل.

 

14


8

المبحث الأول: منصات الحرب الناعمة على حزب الله

وتعمل هذه الإدارة من خلال مكاتب ومقرات تتستر بواجهات مدنية وجامعية وإعلامية وتجارية في مناطق عدّة من لبنان، ومن خلال شبكات مطاعم أمريكية لها علامة وشهرة إعلامية[1]. لكن المقر الأهم ل(CIA)، هو السفارة الأمريكية في بيروت.

 

ففي شهر نيسان من العام 1983، حين تبنت منظمة إسلامية تطلق على نفسها، منظمة الجهاد الإسلامي، تدمير مقر السفارة الأمريكية في منطقة عين المريسة على شاطئ مدينة بيروت، تبيّن أن من بين القتلى، ثمانية من ضباط الـ"CIA"، أحدهم مدير محطة بيروت، مسؤول قسم الشرق الأوسط في الوكالة "روبرت ايمز"، الذي كان يدير نشاط جهازه الأقليمي من العاصمة اللبنانية.

 

ولاحقًا بيّنت وثائق عدّة تمّ نشرها، بأن وكالة (CIA) لديها ملف خاص بحزب الله والجهات والشخصيات الحليفة لمشروع المقاومة، وقد كشف تقرير موثق عرضه جهاز أمن المقاومة وحزب الله وبثه تلفزيون المنار عام2011، عن اسم الضابط المدير للملف، وهو "دانيال باتريك ماكفيلي"، وأسماء بعض أعضاء الشبكة التي يديرها[2].

 

ومن الأدوات التي باتت تتخذها وكالة المخابرات الأمريكية، للتجسس على حزب الله ومحاربته، هي المنظمات غير الحكوميّة،

 


[1]  تقرير تحت عنوان "حزب الله ربح جولة جديدة من حرب العقول وأعمى عيون الاستخبارات الأمريكية في لبنان" للكاتب محمد الحسيني، نشر بتاريخ 30 /12/2011 على موقع جريدة العهد .

[2]  وكالة رويترز للأنباء نقلاً عن قناة المنار، "حزب الله يكشف شبكة للمخابرات الأمريكية بالأسماء والتواريخ" 10/12/2011.

 

15


9

المبحث الأول: منصات الحرب الناعمة على حزب الله

حيث يشير الباحث "باتريك هانينغسن" أن ال(CIA)عملت في العقود الخمسة السابقة، بشكل غير مكشوف تقريباً، إذ إنها تتحرك تحت غطاء المنظمات غير الحكومية، منها على سبيل المثال لا الحصر، وكالة التنمية الأمريكية[1]USAID)). ويؤكد الباحث المتخصص "وليام ديمارس" في دراسة له نشرت في الفصلية المتخصصة للاستخبارات، أنّ التعاون بين المنظمات غير الحكومية والأجهزة الاستخباراتية الأمريكية له تاريخ طويل من التطور، فتلك المنظمات والعاملين فيها يحصلون على معلومات لا تستطيع أجهزة الاستخبارات الأمريكية الحصول عليها من طرق أخرى[2]. فهذه المعلومات التي توفرها المنظمات غير الحكومية بحسب الباحث "ألن ليبسون"، تعد حيوية في عملية اتخاذ القرار السياسي لدى الإدارة الأمريكية[3].

 

2- السفارة الأمريكية

يجدر ابتداءًا الإشارة إلى تاريخية الاهتمام الأمريكي في لبنان، ففي العام 1833، افتتحت القنصلية الأمريكية في بيروت، ومنذ ذلك التاريخ، راح اهتمامها يتركز على الجوانب الثقافية والاجتماعية والتعليمية، بوصفها عناصر القوة الناعمة، والتي تعتبر أهم الأدوات التي من خلالها تنفذ السياسات الخارجية الأمريكية إلى المجتمعات المستهدفة.

 

 


[1]  للمزيد أنظر : The CIA Operating behind a Web of "Pro-Demcracy" NGOs.

[2]  للمزيد أنظر : NGOs and United States Intelligence in Small Wars.

[3]  للمزيد أنظر : Can the USG and NGOs Do More.

 

16


10

المبحث الأول: منصات الحرب الناعمة على حزب الله

فمن نافل القول، إن الإدارة الأمريكية قد اتخذت من سفارتها في لبنان مقرًا لإدارة ملف الحرب الناعمة على حزب الله، لكن الجدير بالتوقف عنده أنّ هذه المهمة باتت في رأس الأولويات لدى ممثليها في لبنان. وعلى سبيل المثال لا الحصر، ما أعلنته السفيرة الأمريكية "اليزبيت ريتشارد" خلال شهادتها أمام الكونغرس بعد ترشيحها لمنصبها في لبنان، حيث أعلنت أجندة الدبلوماسية الأمريكية للاقتصاد في لبنان، والأمن، والسياسة.

 

في الاقتصاد، كشفت "ريتشارد" عن معادلة لأزمة لبنان، إذ قالت: هدفنا هو تفكيك شبكة حزب الله المالية الدولية، وهذا سيساهم مباشرة في تفعيل الازدهار الاقتصادي في لبنان. ثم قالت بلهجة الممسك بأمور لبنان، إنها ستعمل جاهدة على أن لا يخترق حزب الله القطاع المصرفي اللبناني، لأن ذلك من مصلحة لبنان والولايات المتحدة.

 

في الأمن، بعد أن غاب الكيان الإسرائيلي عن مجمل كلام ريتشارد حول التهديدات الأمنية المحدقة بلبنان، فالتهديد الأول المحدق بالبلاد، بالنسبة إلى الدبلوماسية الأمريكية، هو حزب الله. فنشاطات حزب الله في سوريا تخلق مخاطر أمنية جدّية للبنان، قالتها السفيرة، وتعهّدت بدعم الجيش اللبناني كونه المدافع الشرعي الوحيد عن لبنان.

 

17


11

المبحث الأول: منصات الحرب الناعمة على حزب الله

وفي هذا السياق يجري الحديث عن عودة لبنان ليكون مقرًا لوكالات الأمن الأمريكية في المنطقة، وما الانفاق الهائل للادارة الأمريكية على مركزها الدبلوماسي في عوكر- مليار دولار- إلاّ مؤشرًا ذات دلالات.

 

أمّا في السياسة، إن معاناة اللبنانيين، كما حددتها "ريتشارد"، من الفراغ السياسي وانتقاص في استقلال لبنان وسيادته، وتلك أمور ستعمل على حلّها أيضاً، هذه المرة بالتعاون مع الأصوات المنادية بالاعتدال والتقدّم، وضد من؟ ضد حزب الله الذي ما زال يتدخّل في سوريا من دون موافقة اللبنانيين.

 

لقد بلغت السفيرة الأمريكية من الفوقية حدّ التحدّث بالنيابة عن اللبنانيين، ولم تضطرّ حتى إلى الاستعانة بأرقام تثبت صحة ما تعلنه عن مدى قبول اللبنانيين بتدخل حزب الله في سوريا أو رفضه.

 

والخلاصة، إنّ رؤية السياسة الخارجية الأمريكية، والتي عبّرت عنها سفيرتها، واضحة وجليّة: استهداف المقاومة في لبنان، بحزبها وأهلها وأموالها، وذلك بكافة الوسائل المتاحة.

 

بالتأكيد، لم ينطلق الكلام الأمريكي من فراغ، فاللبنانيون الذين تتحدث باسمهم، هم القوى والأحزاب اللبنانية الحليفة لها، إذ لا يزال محفورًا في الوجدان والذاكرة، مشهد اجتماع هذه القيادات في عوكر مع وزيرة خارجية أمريكا "كوندوليزا رايس" خلال عدوان

 

18

 


12

المبحث الأول: منصات الحرب الناعمة على حزب الله

تموز عام 2006، وما كشفته وثائق ويكيليكس عن طلب "هذه القيادات السيادية" تكثيف الغارات الصهيونية على حزب الله للقضاء عليه[1].

 

3- الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية(MEPI) "ميبي"

تعمل مبادرة "ميبي" ضمن إطار مكتب شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية في العاصمة واشنطن، ويقع مقرها الرئيسي في العاصمة التونسية، إلى جانب 11 فرع في الدول العربية[2]، وفرع في الكيان الإسرائيلي. وتعمل المبادرة مع منظمات حكومية وغير حكومية، ومع القطاع الخاص والمؤسسات التربوية والتعليمية لدعم أهدافها المعلنة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي:

 

- توسيع نطاق المشاركة السياسية.

- تقوية المجتمع المدني وسيادة القانون.

- تمكين المرأة والشباب.

- خلق فرص تربوية.

- تعزيز الإصلاح الاقتصادي.

 

 


[1]  جريدة الأخبار، "14 آذار في ويكيليكس مخبرون من الدرجة العاشرة"، إبراهيم الأمين، 22/3/2011.

[2]  فروع ميبي في الدول العربية: البحرين، الجزائر، الأردن، الكويت، لبنان، ليبيا، المغرب، قطر، المملكة العربية السعودية، تونس، الضفة الغربية/غزة، اليمن. لمزيد من المعلومات حول برنامج مبادرة الشراكة الشرق أوسطية، قم بزيارة https://mepi.state.gov

 

19


13

المبحث الأول: منصات الحرب الناعمة على حزب الله

تموّل مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية، عددًا كبيرًا من المنظمات والبرامج في كل من لبنان وسوريا وفلسطين[1]، وقد قامت بتمويل مشاريع نفذتها أكثر من 250 منظمة تعمل تحت لافتة نشر "الديموقراطية والإصلاح والتنمية في المنطقة"[2].

 

في لبنان، تعمل المنظمات التي تمولها (MEPI)، تحت عنوان "المجتمع المدني"[3]، والتي تضم بحسب ما أعلنه موقع السفارة الأمريكية، حوالي 60 منظمة غير حكومية لتعزيز رؤية مشتركة حول المجتمع المدني في لبنان، في إطار مشروع يطلق عليه "المنظمات غير الحكومية أقوى معًا"[4].

 

وسرعان ما تظهر دافعية تلك الأهداف المعلنة، في تركيزها على النيل من سمعة حزب الله وجاذبيته، إذ تعد مبادرة هذه الشراكة، عصب الحرب الأمريكية الناعمة على حزب الله. وقد بدأت بصورة رسمية بتمويل المشاريع والبرامج ضد الحزب منذ ما قبل العام 2006.

 

 


[1]  انظر: موقع مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية، الصفحة الرئيسية، من نحن؟.

[2]  موقع الجامعة الأمريكية اللبنانية، نص وثيقة مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية "ميبي" MEPI.

[3]  تحقيق تحت عنوان " طلعت ريحتكم. تنظيما ً وإدارة وتمويلاً حسب تقارير دولية " الكاتب آلان سركيس، جريدة الجمهورية في عدد صدر بتاريخ 22 أيلول 2015. الرابط متوفر على موقع الجمهورية: www.aljoumhouria.com/news/index/260934

وأعاد نشر التحقيق عدة مواقع ومنها موقع جريدة القدس العربي، للكاتب سعد الياس بتاريخ 26 /9/2015.

[4]  انظر: موقع السفارة الأمريكية بتاريخ 16-7-2017.

 

20


14

المبحث الأول: منصات الحرب الناعمة على حزب الله

وبحسب ما أورده موقع وزارة الخارجية الأمريكية قال سفيرها "جيفري فيلتمان" في شهادته أمام الكونغرس: "تقدم الولايات المتحدة المساعدة والدعم في لبنان بهدف إنشاء بدائل للتطرف، ولإضعاف جاذبية حزب الله للشباب اللبناني، وتحفيز الناس والمواطنين من خلال إظهار المزيد من احترام حقوقهم وزيادة الفرص[1]. وأضاف، ومن خلال وكالة التنمية الأمريكية (USAID) ومبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية "ميبي" (MEPI) أنفقنا ما يزيد عن نصف مليار دولار حتى سنة 2006[2].

 

ولا تنحصر مهمة هذه الوكالات في تنفيذ السياسات الهجومية الناعمة ضد الخصم، بل يعهد إليها أيضًا، تبييض صفحة أمريكا، حينما تفشل سياساتها الهجومية الصلبة. وهذا ما حصل بعد حرب تموز العام 2006، فقد بلغت السمعة الإجرامية لأمريكا عبر دعمها المفتوح لآلة القتل الإسرائيلية، حدًا يهدد بناءاتها الاستراتيجية في لبنان والمنطقة بشكل عام. لذلك، يلاحظ مسارعة هذه الوكالات إلى التوسع في تقديم العون والمساعدة لمنظمات غير حكومية في لبنان بعد انتهاء الحرب مباشرةً. وبحسب موقع السفارة الأمريكية على

 


[1]  نص شهادة جيفري فيلتمان، موقع الكونغرس الأمريكي على الرابط الآتي :

http://www.foreign.senate.gov/imo/media/doc/060810%20Feltman-Benjamin%20Testimony.pdf

[2]  أنظر: سامي كليب، الأسد بين الرحيل والتدمير الممنهج - الحرب السورية الوثائق السرية، دار الفارابي،الطبعة 5، 2016، ص 274.

 

21


15

المبحث الأول: منصات الحرب الناعمة على حزب الله

الإنترنت، فإن الإدارة الأمريكية أنفقت بعد الحرب ما يقرب 3,5 مليار دولار على أعمال الإغاثة وقضايا تنموية.

 

وتحت عنوان دعم الديمقراطية، قام برنامج زمالة رواد الديمقراطية (LDF) لسنة 2017، المموّل من مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية (MEPI) والمنفَّذ في لبنان من قبل منظمةWorld Learning بالتعاون مع الجامعة الأمريكية في بيروت (AUB) على اختيار 20 مشتركًا من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بناءً على مهاراتهم القيادية وجدارتهم ونشاطهم المجتمعي، للمشاركة في هذا البرنامج طيلة ثلاثة أشهر، حيث اكتسبوا المعرفة والمهارات اللازمة ليكونوا بحسب ما أعلنه موقع مبادرة ميبي، مناصرين في مجتمعاتهم ولأجل خيرها.

 

وقد شمل البرنامج خمسة أسابيع من التعلّم الأكاديمي في الجامعة الأمريكية في بيروت تناولت مواضيع الديمقراطية والحوكمة الديمقراطية والقيادة والنشاط المدني وتحويل النزاعات والتواصل وتنظيم الحملات. وفي الأسابيع الثمانية الأخيرة من البرنامج، طبق المشتركون ما تعلّموه من برنامج الزمالة ضمن خطة عمل مدني مع عودتهم إلى بلدانهم.

 

22

 


16

المبحث الأول: منصات الحرب الناعمة على حزب الله

4- وكالة التنمية الدولية الأمريكية (USAID)

تتولى هذه الوكالة إدارة المشاريع التنموية الأمريكية في مختلف دول العالم، وتمول منظمات المجتمع المدني، ولها في لبنان 12 مكتبًا في مختلف المحافظات اللبنانية. ومن أهم المشاريع التي تمولها الوكالة "برنامج بلدي" لاختراق البلديات وتحسين صورة أمريكا[1]، وقد سبق الإشارة الى دور وكالة التنمية على لسان السفير الأمريكي خلال شهادته أمام الكونغرس[2].

 

ويعد هذا الأسلوب الأكثر نعومة، فهو يقوم على إدارة وتمويل ناشطين في جمعيات ومنظمات غير حكومية (NGOS) ترفع واجهات إنمائية وخدماتية، وتديرها كوادر وكفاءات شيعية تقدم خدماتها الإنمائية في المناطق الشيعية بصورة خاصة، وفي البيئة الحاضنة للمقاومة بصورة عامة. ويلعب هؤلاء النشطاء، دور الوسيط غير المباشر بين الإدارة الأمريكية والجمهور الشيعي، ضمن استراتيجية تأمين البدائل الخدماتية والإنمائية بعيدًا عن خدمات حزب الله.

فالوكالة تعمل إلى سحب البساط من تحت أقدام مؤسسات حزب الله في الملف الإنمائي والخدماتي، وهو الهدف الذي كشفه موقع

 

 


[1]  موقع بوابة لبنان للتنمية والمعرفة، تقرير تحت عنوان " 27 مليون دولار من وكالة التنمية الأمريكية لدعم مشروع بلدي".

[2]  شهادة فيلتمان أمام الكونغرس، مصدر سابق.

 

23


17

المبحث الأول: منصات الحرب الناعمة على حزب الله

معهد "أمريكان أنتربرايز" بالتفصيل في دراسته الخاصة حول حزب الله عام2015 [1]، والدلائل واضحة على التركيز بصورة خاصة على مناطق البقاع والجنوب والضاحية وبيروت.

 

وفي دراسة عن الاستراتيجية الأمريكية في مواجهة حزب الله، أظهرت أن واشنطن تركز ضمن المجتمع الشيعي على جملة من الموضوعات، منها، تفعيل ودعم المجتمع المدني، رعاية كوادر شبابية، تبادل طلاب، ودعم تنموي، وذلك بهدف التأثير على العلاقة بين حزب الله وبيئته[2].

 

5- الدبلوماسية العامة

يتبع قسم الدبلوماسية العامة إلى وزارة الخارجية الأمريكية، وقد جاء في خطاب نشرته وكيلة الوزارة للدبلوماسية العامة والشؤون العامة، "لتارا سونشاين": إنّ الدبلوماسية العامة كي تكون فعّالة حقًا في العالم المعاصر، فإنها بحاجة إلى وسائل الإعلام الجماهيري والاجتماعي، وإنْ لم ننضم إلى هذا المجال الحيوي، فسنصبح خارجين عن السياق، والأهم من ذلك، سوف نفقد الفرصة لمساعدة المزيد من المواطنين على أن يصبحوا متمكنين، ولدعم تطلعاتهم الأكثر إيجابية

 

 


[1]  مقالة تحت عنوان "أفكار أمريكية لمواجهة حزب الله.. بعد سوريا" الكاتب حسام مطر، جريدة السفير اللبنانية، بتاريخ 10/5/2014.

[2]  الإستراتيجية الأمريكية "الذكية" لمواجهة حزب الله - حسام مطر - المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق - 13 أذار 2013

 

24


18

المبحث الأول: منصات الحرب الناعمة على حزب الله

وإنتاجًا، وبالطبع، الأكثر سلميةً كذلك. وأضافت، أنه من خلال تسخير وسائل الإعلام الجماهيرية والاجتماعية، فإنه يمكننا تعميق أثر ونوعية دبلوماسيتنا العامة في كل مكان[1].

 

يتولى مكتب الدبلوماسية العامة، تمويل القناة التلفزيونية المسماة بـ "الحرة"[2]، والتي تبث حاليًا تحت إسم قناة "الحرة عراق"، بناءًا على مراجعة خبراء أقروا فيها بفشل استراتيجية الدعاية الإعلامية المباشرة واسعة النطاق، ونصحوا باعتماد أسلوب الدعاية غير المباشرة وتمويل الوكلاء في كل وطن وبلد، ما جعل الكونغرس الذي كان يموّل هذه القناة، اللجوء الى الدعاية بالوكالة، ويقرر تمويل قنوات إعلامية محلية في كل بلد مستهدف، وهو ما أوصت به أيضًا مؤسسة راند للبحوث الدفاعية في دراسة "بناء شبكات إسلامية معتدلة" الصادرة عام 2007[3].

 

وقد قامت السفارات الأمريكية بتمويل برامج في عدد كبير من قنوات التلفزيون الموجهة إلى إيران، وقنوات موجهة إلى العالم العربي، ومنها قناة "أورينت برادى" التي يديرها معارضون للنظام السوري وتُبث من دبي في الإمارات.

 


[1]  خطاب تحت عنوان "الدبلوماسية العامة الفعّالة بحاجة إلى وسائل الإعلام الاجتماعية " نشر بتاريخ 16/12/2012 على موقع وزارة الخارجية الأمريكية، متوفر على الرابط الآتي :

http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/article/2012/10/20121016137555.html

[2]  تقرير تحت عنوان "إعلاميون عملوا سابقاً في العربية والجزيرة مرشحون لإنقاذ المحطة الأمريكية الحرة، نشر من جريدة الشرق الأوسط، بتاريخ 1 تشرين الأول اكتوبر 2004

[3]  موقع مؤسسة البحوث الدفاعية راند RAND، دراسة " شبكات إسلامية معتدلة"، 2007.

 

25


19

المبحث الأول: منصات الحرب الناعمة على حزب الله

وفي لبنان، توافرت معلومات عن تمويل دول خليجية - تجاهر بانتمائها للمحور الأمريكي- لقنوات وبرامج لبنانية بغرض شن حرب ناعمة ضد حزب الله ومجتمع المقاومة، وكذلك بانتقال كفاءات وخبرات إعلامية لبنانية كانت تدير قناة الحرة الأمريكية إلى بعض القنوات اللبنانية[1].

 

6- وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)

هذه الوزارة التي تتولى قيادة الجيوش والقواعد العسكرية الأمريكية حول العالم، تدير برامج وإجراءات التكامل بين أذرع الحرب العسكرية وأذرع الحرب الناعمة[2]. وفيما يمتلك البنتاغون قواعد عسكرية في قطر والبحرين والكويت، يدير في الوقت نفسه مراكز أبحاث ودراسات عدة، أهمها وأشهرها، مركز البحوث الدفاعية المعروف اختصارًا باسم راند RAND.

 

يوجه المركز أبحاثه المتخصصة نحو الشرق الأوسط والعالم الإسلامي والحركات الإسلامية، وخاصة إيران وحزب الله وعموم محور المقاومة.

 

 


[1]  موقع جريدة الاخبار، "MTV معبودها الترفيه و...الفرنكوفونية"، فاتن قبيسي، العدد 2157، 21/11/2013.

[2]  للتوسع: أنظر كتاب الأصول النظرية للحرب الناعمة، مركز الحرب الناعمة للدراسات، فقرة أشباه ونظائر الحرب الناعمة في التاريخ المعاصر، ص 90.

 

26


20

المبحث الأول: منصات الحرب الناعمة على حزب الله

وقد اتخذ المركز مقره العربي الوحيد والمُعلن عنه في مدينة الدوحة في قطر. وقد نشر معهد راند دراسات واستراتيجيات عدّة، أهمها:

أ. الإسلام المدني الديمقراطي(2004).

ب. استراتيجية كشف مستقبل الحرب الطويلة وأثرها على الجيش الأمريكي(2006).

ج. بناء شبكات إسلامية معتدلة(2007)

د. الديمقراطية في العالم العربي(2012).

 

وتعدّ الدراسة حول استراتيجية كشف مستقبل الحرب الطويلة وأثرها على الجيش الأمريكي هي الأهم من بين هذه الدراسات، فهي التي صدرت عام 2006، لم تترجم إلى العربية إلَّا عام 2015، وقد تحدثت بصراحة عن ضرورة إذكاء نار الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة لأجل كسب معركة العالم الإٍسلامي، وتحدثت عن حزب الله كهدف حاسم.

 

وتكشف هذه الوثيقة كيف يمكن أن تتطور الحرب الطويلة خلال السنوات القادمة، حيث إنها تستشرف لسنة 2020، وتقدم تقارير عن الاتجاهات والمتغيرات والطرق التي يمكن أن تتطور من خلالها الحرب الطويلة وذلك عن طريق استخدام ثمانية مسارات محددة تشكل أصول ومباني الحرب الناعمة والحرب الذكية على حزب الله.

 

27

 

 


21

المبحث الأول: منصات الحرب الناعمة على حزب الله

وتحظى هذه الوثيقة باهتمام كل من المشاركين في التدريبات العسكرية وهيكل القوة والسياسة؛ وكيف أن اجتماع الحكم والإرهاب والأيديولوجية قد يؤثر على القوات العسكرية الأمريكية.

 

7- الجامعة الأمريكية في بيروت [1]AUB))

تعدّ الجامعة واحدة من أقدم وأهم المنصّات الاستراتيجية التي تطل من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية، على المجتمع اللبناني، والعالم العربي فدورها الفاعل والمؤثر كما عبّر عنه المؤسسون الأوائل، يتجاوز غاياتها الأكاديمية، نحو أمور تتصل ببناء جيش من الخريجين المشبعين بالقيم الأمريكية، والمؤهلين للقيام بأدوار يجري تحديدها وفق رؤية سياساتها للمنطقة، على اختلاف أوجهها، السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى الأمنية منها.

 

وهذا "جوزيف ناي" منظّر القوة الناعمة، بأفكاره التي تنساب في مخططات وسياسات الإدارة الأمريكية، يضع الجامعة في موقع متقدم على محاور الصراع الناعم الذي يشهده العالم، حيث تسعى الدول إلى تعزيز قدراتها الجاذبة، فكل طالب وخريج من الجامعات

 


[1]  للمزيد من المعلومات حول دور الجامعة الأمريكية في الحرب الناعمة، أنظر: الدراسة التي أعدها مركز الحرب الناعمة للدراسات بهذا الخصوص.

 

28


22

المبحث الأول: منصات الحرب الناعمة على حزب الله

الأمريكية سوف يمكّن القوة الأمريكية الناعمة من النفوذ[1]. ويرى "كولن باول" وزير الخارجية الأمريكية الأسبق، أن هؤلاء الطلبة سينتهي بهم الأمر ليكونوا خزاناً رائعاً للنوايا الحسنة تجاه أمريكا[2]، ويكمل جوزيف ناي، فيقول إن كثيراً من هؤلاء الطلبة يستطيعون التأثير على نتائج السياسات المهمة للأمريكيين[3].

 

فقد أشار الرئيس الأسبق للجامعة "جون وتربيري"، إلى دورها في صناعة الأفكار والقيم، عندما قال[4]: نحن فريدون، ويجب علينا أن نجعل ذلك واضحاً، إن الجامعات الأخرى تستخدم الكتب ذاتها كتلك التي نستخدمها، ولكننا مختلفون في أننا نساعد الطلاب على الارتياب في الأفكار، إذ ليس المهم ما تعرفه، بل كيف تفكر، إننا نحاول التأكيد على المرونة الذهنية وتشكيل أنظمة القيم.

 

وفي دراسة أعدها الباحث والكاتب الأمريكي "بيتي أندرسون" بعنوان: الجامعة الأمريكية في بيروت القومية العربية والتعليم الليبرالي، كشف عن حقيقة الدور الذي سوف يلعبه هؤلاء الطلبة في قوله: إنّ إعادة بناء شخصية الطالب في الجامعة على أسس وقيم ومعايير تربوية وثقافية وسياسية جديدة، وصولاً إلى متابعته بعد

 

 


[1]  جوزيف ناي، القوة الناعمة، بيروت، دار العبيكان، 2007، ص55.

[2]  جوزيف ناي، القوة الناعمة، م.س.، ص77.

[3]  جوزيف ناي، القوة الناعمة، م.س.، ص77.

[4]  Ineterview with president John Waterbury. 18. In AUB www. Aub.edu. accredition / documents/ appendix

 

29


23

المبحث الأول: منصات الحرب الناعمة على حزب الله

التخرج عبر جمعية متخرجي الجامعة الأمريكية، إنّما ليكون هذا الطالب بمثابة السفير الأمريكي الافتراضي[1].

 

هذا بشكل عام، أمّا على صعيد دورها المباشر اتجاه حزب الله، يمكن القول بمسألتين:

تشير الأولى إلى الدور الذي تقوم به الجامعة لناحية التخفيف من حجم الموقف العدائي اتجاه الكيان الإسرائيلي، عبر خطوات أكاديمية مدروسة توضع في خانة التطبيع معه. وتأتي هذه الخطوات في بلد يعاني منذ ما قبل استقلاله من اعتداءات وحروب واحتلالات متتالية شنها هذا الكيان عليه، وما أصل وجود حزب الله إلاّ لمواجهة تلك التحديات.

 

وهذا ما يعني، أن الجامعة ببعدها التطبيعي تقف على طرفي النقيض مع حزب الله ببعده المقاوم، فبينما يقوم الأخير على تعبئة الرأي العام، سيّما الشباب منهم، لوضع الكيان الإسرائيلي في منزلة التحدي الدائم للبنان وعموم سكّان المنطقة، يلاحظ أنّ الجامعة الأمريكية تقوم بخطوات محسوبة لجهة فتح قنوات اتصال وحوار مع جهات إسرائيلية وإن كانت ذات بعد أكاديمي، في محاولة منها لتقديم وجه آخر للكيان الإسرائيلي يمهّد أمام مقبوليته بوصفه أحد مكونات البنية الاجتماعية للمنطقة.

 


[1]  بيتي أندرسون، الجامعة الأمريكية في بيروت، دار الاهلية للنشر والتوزيع، عمان الاردن، ط 2014، ترجمة عزمي طبة، ص 234.

 

30


24

المبحث الأول: منصات الحرب الناعمة على حزب الله

وتشير المسألة الثانية، إلى الدور المخابراتي الذي تلعبه الجامعة، وقد سبقت الإشارة إلى أن مكتب المخابرات الأمريكية يستتر بعناوين عدّة في تنفيذ برامج عمله، ومنها المؤسسات التعليمية التابعة للمنظومة الأمريكية. فمن خلال العودة الى الدراسة التي أعدها مركز الحرب الناعمة عن دور الجامعة في الحرب الناعمة، يظهر أكثر من معطى عن أشخاص نافذين في الجامعة كانت لهم أدوار تجسسية عبر أوجه عدّة، منها، الدراسات الموجهة للطلاب من قبل بعض أساتذتها، حول أداء حركات المقاومة في المنطقة والتركيز على حزب الله وبيئته الاجتماعية منذ انطلاقته.

 

31


25

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

 

 

إنّ القوة الناعمة من شأنها ترميم شرعية الولايات المتحدة في المنطقة والحد من النزف الأمريكي في الموارد والقدرات، وتفتح مسارات جديدة للتأثير والنفوذ، وهو ما يتيح لواشنطن إعادة إنتاج هيمنتها بما يتلاءم مع بنية القوة في الشرق الأوسط

 

جوزيف ناي

المنظر الأمريكي للحرب الناعمة

 

ظهر في دراسة عن استراتيجية القوة الناعمة المتبعة ضد حزب الله منذ حرب 2006، أنها تمتاز بخصائص، أهمّها[1]:

- تتمحور حول البيئة الشعبية والسكانية، أي تستهدف البيئة الحاضنة للمقاومة على مختلف مستوياتها المحلية والوطنية.

- يغلب عليها الجهد المدني - السياسي - الإعلامي.

- مركبة على مستوى الأدوات والفاعلين.

- تعتمد على معالجة "جذور" حال المقاومة وليس ظواهرها.

 

 


[1]  حسام مطر، ورقة بحثية تحت عنوان "الإستراتيجية الأمريكية الذكية لمواجهة حزب الله" نشرت بتاريخ 16/12/2013 عبر موقع المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق, ومنشورة على مدونة الباحث http://www.hosammatar.net

 

35


26

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

وتعدّ الخاصية الأولى هي الأبرز، فمنذ العام 2006، نقل المحور الأمريكي جهوده إلى المستوى المجتمعي، أي إلى مستوى القيم والأفكار واللغة والخطاب والمفردات والهوية، لإعادة تشكيل "المقاومة" بصورة كاملة وشاملة وإنتاج صورة جديدة لها. وبحسب الدليل الأمريكي للمكافحة الناعمة لحركات المقاومة والتي يحلو له تسميتها "حركات التمرد"، فإن عزلها شعبيًا يتحقق عبر:

أ- قطع العلاقات المالية والإيديولوجية وبث حال الخوف بين هذه الحركات والسكان. باعتبار أن الرؤية الأمريكية تصنف العلاقة بين الطرفين إذا صح التعبير، بناءًا على دوافع ثلاثة، هي، المنفعة والانتماء العقائدي والرضوخ. وفي حال حزب الله، على البرامج والسياسات أن تهدف الى تأمين جملة من الخدمات والمنافع سواء عبر أجهزة الدولة، أو عبر منظمات وأحزاب حليفة، أو عبر برامج دعم وتوظيف خارجية حكومية وغير حكومية. وخلق بديل اقتصادي داخل البيئة الشيعية بالتحديد، للحد من فعالية دافعية المنفعة. يضاف إلى ذلك السعي نحو إضعاف البنية العقائدية والدينية في الوسط الشيعي، وأخيرًا تشجيع حال الرفض والتمرد لديها على خيارات المقاومة السياسية تحت عناوين مختلفة.

 

ب- البحث عن خطوط التفسخ، بين المقاومة وبين الأطراف

 

 

36

 


27

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

المؤيدة لها أو الحليفة، ثم القيام بدق إسفين لتعميق هذا الفسخ عبر استخدام أسلوب العصا والجزرة، وهذا ما تشجعه الولايات المتحدة من خلال جذب أو استقطاب أو إثارة مخاوف القوى الحليفة للمقاومة، لا سيما، مع من تعتقد واشنطن أن هناك إمكانيات وفرصاً تسمح بالدخول من بين خطوط التمايز والتباين فيما بينها وبين حزب الله، وهو ما تحاوله مع حركة أمل ومع التيار الوطني الحر، وبعض القوى السنية الحليفة لحزب الله.

 

ج-تفترض الاستراتيجية الأمريكية كما يظهر في دليل المكافحة الناعمة لحركات التمرد[1]، أن مواجهة المقاومة تقتضي تمتين سلطة الحكومة الشرعية، إذ إن نفوذ أحدهما مرتبط بالآخر، أي يتحركان آليًا بطريقة متعاكسة. إن كل جهد يعزز سلطة الحكومة يقضم من نفوذ المقاومة. وبهذا المعنى، تستند فعالية مكافحة (التمرد/ المقاومة) إلى تحقيق توازن دقيق بين بُعدين: بُعد "تدميري" لحركة (التمرد/المقاومة) وبُعد "بنائي" لحكومة شرعية وفعّالة. ويستند قياس هذه الفعالية إلى نقطتين، الأولى، إذا أصبحت الحكومة تتمتع بالشرعية مع وجود مؤسسات فعّالة على كل المستويات لتلبية حاجات

 


[1]  دليل مكافحة التمرد، ترجمة المعهد المصري للدرايات السياسية والاستراتيجية، 8 آذار 2018.

 

37


28

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

السكان بما فيها من آليات لمواجهة المظالم التي كان يستغلها (المتمردون/ المقاومة). والنقطة الثانية، إذا تم تهميش وعزل وفصل حركة (التمرد- المقاومة) عن السكان، وهذا يتم بصور مختلفة منها:

1. إشاعة قيم وسلوكيات مختلفة عن عقيدة المقاومة الدينية والسياسية.

2. شيطنة المقاومة بإظهارها ميليشيا مذهبية إجرامية غارقة في الفساد الداخلي ومتعطشة للعنف، قبالة الآخر المعارض لها، بوصفه محبًا للحياة.

3. الترويج لفكرة تبعيتها لجهات خارجية.

4. إشاعة الشك حول صدقية قيادتها.

5. إبراز تناقض المصالح بينها وبين شرائح اجتماعية مختلفة.

 

وفيما يلي الأصول والمباني الاستراتيجية للحرب الناعمة على حزب الله:

 

1- إسقاط الهلال المقاوم

تشير معطيات التاريخ، أن الشيعة بشكل عام، لطالما كانوا أكثر الطوائف تهميشًا في لبنان والمنطقة، بحكم افتقادهم إلى الداعم الخارجي قياسًا بما حظيت به المكونات الطائفية الأخرى، وهذا ما 

 

38

 

 


29

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

أسهم بشكل فاعل ورئيسي في تدني مراتبهم الاجتماعية، وتقلّص حضورهم السياسي. ومع أنّهم كانوا بنظر ولاة الإمبراطورية العثمانيّة يوسمون بالفرس وأتباع دولتهم الصفوية، إلا أن التاريخ لم يسجّل حدثًا واحدًا لموقف عملي من الدولة الصفوية اتجاه تدعيم الوجود الشيعي في لبنان والمنطقة.

 

وبمعزل عن حقيقة موقف حكام فارس في حينها، فإنّه ليس من الموضوعية التغافل عن العامل الجغرافي، فما بين الشيعة في لبنان، وبين الشيعة في إيران، مساحات حاجزة ومانعة، تعيق التواصل فيما بينهما، بحكم وقوعها تحت السلطة العثمانية التي دأبت على محاربة الشيعة، وتحجيم دورهم.

 

بل إن الموضوعية تقتضي القول، إن تنامي الحضور السياسي للمكون الشيعي في لبنان، يصعب فهمه وتفسيره، بمعزل عن المتغيرات السياسية التي شهدتها البلاد المجاورة لهم، وبالتحديد في كلٍّ من سوريا والعراق وإيران.

 

وقد أجاد عقلاء الشيعة اللبنانيين في انفتاحهم على بلاد الشام، وحكامها الجدد، بوصفها الشريان الوحيد الذي يمدهم بعناصر المنعة والقوة، سيّما، بعد إغلاق الصهاينة الحدود عليهم لجهة الجنوب. والذي -أي هذا الشريان- كان يحتاج إلى التطور الهام الذي شهدته إيران بانتقالها من المعسكر الحليف لأمريكا وأعوانها، إلى الحلف

 

39


30

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

الخصم بل الأشد خصومة لهذا المعسكر، بالإضافة، إلى التطورات في بلاد الرافدين، ومعها - أي هذه التطورات- صار الحديث عن الشيعة في لبنان بوصفهم الرقم الأصعب في المعادلة المحلية والإقليمية.

 

لكن، وفيما كان العداء لأمريكا وإسرائيل هو المغذي الأساس لتمدد هذا العصب من طهران إلى بيروت، حتى أمكن تسميته بالهلال المقاوم، يلاحظ بروز تصريح لافت بدلالاته، أطلقه العاهل الأردني أثناء زيارته للولايات المتحدة، عندما حذر في تصريح نشرته الواشنطن بوست في الثامن من تشرين الثاني في العام 2004، من وصول حكومة موالية لإيران إلى السلطة في بغداد تعمل بالتعاون مع طهران ودمشق لإنشاء هلال يخضع للنفوذ الشيعي يمتد إلى لبنان، ويخل بالتوازن القائم مع السنّة.

 

وبذلك، أريد من خلال هذا الإعلان، حرف غائية هذا المحور المقاوم، باتجاه العداء مع طائفة من المسلمين بدل أمريكا وأعوانها.

 

ومن هنا، صار من المتيسر فهم الأسباب التي جعلت من القضاء على النظام في سوريا، مدخلية لازمة، لإحداث محاصرة حزب الله في لبنان ثم القضاء عليه. فعشيّة تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الصهيوني، على يد المقاومة التي يقودها حزب الله، كان الحديث عن ضرورة إحداث التغيير في سوريا، والذي شكّل صدور قانون محاسبتها واستعادة السيادة اللبنانية، أولى الخطوات العملية لهذا التغيير.

 

وكان ما يسمى بالتحالف الأمريكي اللبناني في واشنطن، وهو

 

40


31

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

مجلس بقيادة "وليد فارس" مستشار سياسي في الكونغرس الأمريكي، "وزياد عبد النور" رئيس اللجنة الأمريكية لتحرير لبنان(USCFL)، هما من المؤيدين البارزين لهذا القانون، الذي وصل إلى مرحلة الإجراء الفعلي بعد أن وقّع عليه الرئيس الأمريكي السابق "جورج دبليو بوش" في 12 كانون الأول من العام 3002[1].

 

حين صدر قانون محاسبة سوريا، لم يكن الرئيس "بشار الأسد" قد استلم السلطة في سوريا، ولم تكن حصلت تفجيرات 11 أيلول (2001)، ولا احتلال أفغانستان (2001)، ولا احتلال العراق (2003)، ولا التمديد للرئيس اللبناني "أميل لحود" (2004)، ولا صدر القرار 1559(2004)، ولا بدأت موجة الاغتيالات والتفجيرات في لبنان، ومع ذلك، كان في الولايات المتحدة الأمريكية، من يفكر ويخطط وينفذ وينتظر التطورات القادرة على نقل الأهداف إلى حيز الواقع.

 

يلحظ المتابع لخطط المحافظين الجدد حول منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا للبنان وسوريا، حضور اسم "إيليوت أبرامز"، الذي خدم في عهود "رونالد ريغان وجورج بوش الابن"، وشابت مسيرته فضائح وإدانات في الكونغرس. هذا الرجل رَسَمَ، ولا يزال، سيناريوهات أمريكية للمنطقة كان تحقيق مصلحة الكيان الصهيوني والحفاظ على أمنه، أولى أولوياتها. ولعلّ أشهر تلك الخطط، الوثيقة

 

 


[1]  كتاب "الأسد بين الرحيل والتدمير الممنهج - الحرب السورية الوثائق السرية" الصحافي سامي كليب، نشر دار الفارابي 2016، الطبعة 5، صفحات 274 - 290.

 

41


32

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

التي صدرت في أيار عام 2000، وحملت عنوان "إنهاء الاحتلال السوري للبنان، دور الولايات المتحدة الأمريكية".[1]

 

أبرامز هذا، ذو الأصول اليهودية، الذي شغل مناصب حسّاسة في إدارة الأمن القومي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ما بين عامي 2002 و2009، لطالما دعا إلى تغيير جذري في السياسة الأمريكية تجاه سوريا منذ عهد الرئيس السابق "حافظ الأسد". فهذا التغيير من شأنه أن يحقق مصلحة "إسرائيل" وتوقيع سلام شامل معها، كما يصبو "أبرامز" وزملاؤه من المحافظين الجدد.

 

وحتى العام 2014، كانت رؤى أبرامز ومطالبه لا تزال على حالها. حين وقف أمام "لجنة الشرق الأوسط وشمال افريقيا" التابعة لـ "لجنة العلاقات الخارجية" في مجلس النواب الأمريكي، وأدلى بشهادته حيال السياسة الأمريكية في سوريا. وكان موضوع جلسة الاستماع، يدور حول "الخطوات التالية للسياسة الخارجية في العراق وسوريا".

 

واللافت في شهادة "أبرامز" عن العراق وسوريا، أنّ تركيزه توجه نحو حزب الله والاستراتيجية التي يجب على واشنطن اعتمادها في سوريا. أشار أبرامز إلى حزب الله كهدف يجب التخلص منه من أجل تحقيق المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة. كما قسّم أبرامز

 


[1]  جريدة السفير، "إستقبال إيليوت أبرامز: البيض والبندورة والعصي، الإعلامي الراحل جوزيف سماحة، 17/1/2006.

 

42


33

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

خريطته إلى محورين: محور (حزب الله - إيران - روسيا)، يدعم الأسد، ومحور (الولايات المتحدة - أوروبا - أصدقاء أمريكا من دول الخليج) يريد رحيله.

 

ثم راح "اليوت أبرامز" يشرح، بأن أيّة موافقة أمريكية على أن يكون الأسد جزءًا من السلطة في المرحلة المقبلة ستُعدّ هزيمة لواشنطن وانتصارًا لطهران. وبما أن مسألة الفوز في هذه المعركة في الشرق الأوسط "أمر مهمّ"، ولكي تخرج الولايات المتحدة "منتصرة" يقول أبرامز: إنه يجب أن يُستبدل نظام الأسد بنظام سنّي يأخذ منحى الدول السنيّة المجاورة، ما سيمثّل هزيمة لروسيا ولإيران ولحزب الله.

 

وأمام تساؤل البعض، عن الربط بين زوال نظام الأسد وهزيمة المحور المقاوم بأكمله؟ يوضح "اليوت أبرامز"، قائلًا: لقد ازدادت قوة الحزب في لبنان منذ عشرات السنين، لكن نقطة تحوّل ما قد تحدث في سوريا قد تكون بداية تراجعه، وهذا سيصبّ في مصلحتنا بالتأكيد، إنّ هزيمة النظام السوري ستدمّر حزب الله في الداخل اللبناني.

 

وعن مصلحة الكيان الإسرائيلي، يشرح المسؤول الأمريكي (السابق) أن سوريا تؤمّن جسرًا بين إيران وحزب الله، وبهذا تكون لإيران حدود مع "إسرائيل" من خلال الحزب، وتلك مشكلة بحدّ ذاتها، ويخلص، إذا سقط الأسد، فكل ذلك سيتغيّر.

 

43


34

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

في الحقيقة، لم يكن ما ذكر مجرد أمنيات شرق أوسطية لاستراتيجيين أمريكيين، ما لم يلاقهم في هذا الشرق جهات تشاطرهم هذه الأمنيات، فاهتمام أبرامز - إلى جانب عدد كبير من صقور المحافظين الجدد- بشؤون لبنان والمنطقة، منذ ما قبل العام 2000، كان من خلال علاقات جمعتهم برجال أعمال ومموّلين لبنانيين، ولاحقًا مع سياسيين من فريق 14 آذار، إلى جانب جهات سورية متعددة، تطلق على نفسها صفة المعارضة السورية.

 

في الجانب اللبناني، جاء إعلان وثيقة إنهاء التفويض لسوريا في إدارة لبنان (أيار 2000) وبمشاركة من بعض اللبنانيين، وسبقها إرهاصات ظهرت مع قرار اتخذه أركان في النظام اللبناني والنظام السوري آنذاك بضرورة دمج حزب الله بالدولة اللبنانية وإرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب عام 1999، وهو ما تصدى له الرئيس الأسبق "إميل لحود" عندما كان قائدًا للجيش اللبناني.

 

ولاحقًا أدرجت مطالب هذه الوثيقة ضمن القرار الأممي، رقم 1559 الصادر عام 2004، عن مجلس الأمن الدولي، والأخذ في الاعتبار "تدخل عسكري أمريكي سريع" ضد سوريا "بغية حماية حريات لبنان وتعدديته" و "الدفاع عن مبادئ الولايات المتحدة ومصالحها".

 

أمَّا في الجانب السوري، تتابع المشروع الأمريكي مع إعلان المعارضة

 

44


35

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

السورية الموالية لأمريكا وثيقة "ربيع دمشق" عام 2000، لتغيير النظام في سوريا منذ اللحظات الأولى لوصول الرئيس بشار الأسد إلى السلطة.

 

وفي الجانب العراقي، قد وضع مشروع غزو المنطقة تحت مظلة مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير، وتحت عنوان "نشر الديموقراطية وإسقاط الأنظمة الاستبدادية ومكافحة التنظيمات الإرهابية وإرساء السلام"، فكان غزو القوات الأمريكية للعراق وملامسته الحدود السورية عام 2003[1].

 

يدرك المتابع لمسار الأحداث من العراق ولبنان وسوريا، أن المخطط الأمريكي للإمساك بالمنطقة، يقوم على ضرب روح المقاومة والممانعة فيها، والتي يشكل حزب الله النموذج العملي الأكثر وضوحًا وتجلّيًا، لهذا كان لا بد من فك حلقة الاتصال ما بين حزب الله وإيران، وهو ما تحدث عنه عام 2007، الكاتب الصهيوني داني بركوفيتش- الباحث في مركز أبحاث الأمن القومي الصهيوني في تل أبيب - في كتابه: "هل يمكن قطع رؤوس الهيدرا - المعركة على إضعاف حزب الله"[2].

 


[1]  تقرير تحت عنوان "مصلحتنا من إسقاط الأسد... تدمير حزب الله لإيليوت أبرامز"، صباح أيوب، موقع جريدة الأخبار، العدد 2451، تاريخ 22/11/2015.

[2]  هل يمكن قطع رؤوس الهيدرا - المعركة على إضعاف حزب الله، الكاتب الصهيوني داني بركوفيتش الباحث في مركز أبحاث الأمن القومي الصهيوني في تل أبيب جافي، 2007، نشر دار مكتبة الشروق الدولية، ترجمة الدكتور ابراهيم البيومي.

 

45


36

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

2- العزل السياسي 

كان من نتائج فشل عدوان تموز عام 2006، وهزيمة الكيان الصهيوني عسكريًا، وتمكن حزب الله من استيعاب وامتصاص زخم الهجوم الناعم الداخلي الذي شُنَّ من قبل حلفاء ووكلاء أمريكا تحت يافطة "ثورة الأرز"، اقتناع الإدارة الأمريكية بأن هزيمة الحزب تحتاج إلى زيادة في جرعة برامج الحرب الناعمة ضده، منها، التغيير التدريجي والبطيء لبيئته الحاضنة، وإرباك كوادره الأساسية، والسعي لتغيير مفاهيم وأولويات حزب الله. وأن ذلك قد يُغني عن شن حرب عسكرية لها تكلفتها وخسائرها المرتفعة، خصوصاً على مستوى ضرب نظرية الردع الصهيونية وقطع الطريق على المصالح الأمريكية في لبنان والمنطقة.

 

في الحقيقة، جاء توقيع وثيقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، من قبل الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله والجنرال ميشال عون، في كنيسة مار مخايل بتاريخ 6 شباط من العام 2006، ليشكّل حدثًا سياسيًا وطنيًا وتاريخيًا قلّما شهدته الساحة السياسية في لبنان، واعتبر ذلك بمثابة الصفعة الأولى لسياسات أمريكا في عزل حزب الله وطنيًا، بدت معالمها، من حجم الحنق الذي أظهرته واشنطن وحلفاؤها في لبنان والمنطقة، مع المشاهد الأولى لحفل توقيع وثيقة التفاهم.

 

 

46

 


37

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

فقد بذلت الإدارة الأمريكية جهوداً دبلوماسية وسياسية مضنية، لمحاولة فك هذا التحالف وضربه، وهو ما تكفل به السفير الأمريكي آنذاك "جيفري فيلتمان"، وبعض الساسة اللبنانيين في تحالف 14 آذار، وبعض الوسائل الإعلامية. حيث نقل عن فيلتمان القول إن مبدأه يتضمن عنصرين:

- الأول: العمل على إنتاج ظروف عزل حزب الله.

- الثاني: تفكيك تحالفات حزب الله وحصاره سياسيًا على المستوى الداخلي.

 

فالمطلوب أمريكيّا، السعي لزرع الشقاق - بطريقة ناعمة ذكية- لإضعاف الثقة والصداقة بين القائدين(نصر الله وعون)، وهذا ما أسرّه الدبلوماسي الأمريكي "فيلتمان" لبعض زواره وخواصه. فهو بعد توليه منصب المساعد السابق لوزيرة الخارجية الأمريكية خصص ثلاث زيارات إلى لبنان لشرح آليات تطبيق مبدئه لقوى 14 آذار، وأبرزها تفكيك تحالفات الحزب[1]. وخلال لقائه حلفائه في "قوى 14 آذار" كان يشدد على رسالة واحدة مفادها:

ليس هناك في هذه المرحلة سوى أجندة واحدة نريدها في بلد الأرز، وهي عزل حزب الله سياسيًا[2].

 


[1]  موقع الأخبار، مبدأ فيلتمان: عزل حزب الله بتفكيك تحالفاته، ناصر شرارة، العدد 1751، 7-7-2012.

[2]  م. ن

 

47


38

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

ولمّا طرح بعض حلفائه في "قوى 14 آذار"، ضرورة مساندة واشنطن فكرة إسقاط ما سموها حكومة حزب الله في لبنان، والإتيان بحكومة منهم، لمنع سيطرة الحزب على مفاصل الدولة، كان رد فيلتمان: إذا عادت 14 آذار إلى الحكم، فإنها لن تضيف جديدًا إلى الواقع القائم، والمطلوب السير في خطة عزل حزب الله[1]. ولفت الدبلوماسي الأميركي محدثيه إلى أنه لمس خلال زياراته لدول عربية عدة حليفة لهم، عدم وجود رغبة في عودة "14 آذار" إلى الحكم. فدور 14 آذار الوحيد في هذه المرحلة، هو تسهيل عملية العزل، والانخراط في تكتيكات سياسية تخدم الوصول إليها.

 

ثم أكمل قائلًا: يجب جعل الحزب في لبنان من دون حلفاء، يجب إحراج أهدافه ومحاصرتها داخليًا، إن هذا يغنينا عن قتاله وتعريض استقرار البلد للاهتزاز.

 

الانخراط بالتكتيكات حسب الدبلوماسي الأمريكي "فيلتمان" تقوم على فكرة أن حزب الله من وجهة نظره محاط بتحالفات انتهازية وهشّة، وبناءًا عليه، فإنّ من السهل تفكيكها. وذلك عبر انفتاح واشنطن على كل القوى السياسية اللبنانية ضمن تكتيك عزل "حزب الله"، وهي ستترك إيحاءات واضحة، لحلفاء الحزب، أن

 


[1]  م.ن.

 

48


39

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

الباب الأمريكي غير موصد بوجهها فيما لو قررت القفز من مركبه المعرض للغرق، نتيجة حتمية سقوط حليفه الاستراتيجي في سوريا.

 

ثم خاطب فيلتمان حلفاءه من اللبنانيين: حتى الجنرال ميشال عون سنوجه إليه هذا الإيحاء، وعليكم في 14 آذار أن تكونوا مستعدين لتلقفه فيما لو قرر فك تحالفه السياسي مع حزب الله، والانتقال إلى صفوفكم تحت عنوان انتخابي أو غيره، أو إلى تموضع معاكس لورقة تفاهمه مع الحزب.

 

أمّا لناحية الرئيس نبيه بري، فالمسألة هنا أخذت بعدًا يتجاوز غائية العزل السياسي لحزب الله، نحو إغراق البيئة الحاضنة له في حال من التوتر والصراعات بين مكوناتها الأساسية (حزب الله- حركة أمل)، بالاستفادة من الآثار المتبقية جراء ما حصل بينهما من أحداث.

 

فراح الدهاء الأمريكي الناعم، يتوجه نحو حزب الله عبر أدوات محليّة وإقليمية ودولية، بإغراء الحزب - ماديًا وسلطويًا- على حساب حركة أمل وزعيمها. فقد عرض الرئيس سعد الحريري على الحزب الشراكة الكاملة في السلطة، من خلال إعطائه الحصة الوزارية والإدارية كاملة، وانتخاب أحد أفراد كتلته رئيسًا للمجلس النيابي بديلًا عن الرئيس نبيه بري.

 

وقد سبق ذلك، عرض ياباني، يشتمل على مليارات الدولارات تنفق

 

49


40

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

في بيئة الحزب مشاريع تنموية، يتبعها رفعه عن لائحة الإرهاب وفك الحصار السياسي عنه[1].

 

وصحيح أن هذه المغريات قدّمت تعويضًا عن ترك السلاح والمقاومة، لكن حزب الله كان مدركًا لأبعادها الفتنوية، لذلك، لم يكتف برفض تلك العروضات، بل راح يؤكد على عمق التحالف بين الثنائي الشيعي، ورفعه الشعار الذي بات معروفًا في لبنان، أن مرشح الحزب الدائم لرئاسة المجلس النيابي هو "الرئيس بري".

 

3- الفتنة بين السنة - والشيعة

من معالم القوة الناعمة لدى حزب الله، أنه منذ انطلاقته وهو يدعو إلى الوحدة بين المسلمين، وقد اتخذ من مسألة تحرير القدس هدفًا أساسيًا لحراكه المقاوم قبالة العدو الإسرائيلي، فصار شعار يا قدس إننا قادمون، يضعه المقاتل في حزب الله على جبهته وهو يخوض المواجهة مع جنود العدو الإسرائيلي وعملائه خلال تحرير جنوب لبنان، وهذا ما أكسب الحزب بعدًا عابرًا للطوائف والبلاد والقوميات، ويمكن القول، إنّ الشيعة بشكل عام، ولأول مرة في تاريخهم السياسي يحظون بهذا الاحتضان والتأييد، سيّما، من قبل جهات هم على خلاف أيديولوجي مزمن معها.

 

 


[1]  حسن فضل الله، حزب الله والدولة، بيروت، شركة المطبوعات للتوزيع، 2015، ص141-144.

 

50


41

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

يبدو أن الأمريكي، قد أدرك هذه الحقيقة، لذلك راح يبحث في كيفية قطع هذا الشريان الحيوي الذي يمد حزب الله بكثير من عناصر القوة والمنعة. فهذا "جوزيف ناي" المدير الأسبق لمجمع الاستخبارات القومية الأمريكية وأحد مستشاري الرئيس أوباما، يكشف بعضاً من عناصر ومباني الحرب الناعمة على حزب الله[1]، حين يقول: على أمريكا أن تكون حذرة من الاستراتيجيات التي تساعد أعداءها على توحيد قواهم المتباينة والمتفاوتة خلف لواء واحد[2]

 

إن منظِّر الحرب الناعمة الأمريكية يدعو إلى التأسيس لصراع ونزاع جديد في العالم العربي والشرق الأوسط، لا يكون بين حزب الله والكيان الصهيوني، فهذا الصراع ساعد حزب الله في معركته ومده بعناصر قوة، وأعطاه جمهورًا عربيًا واسعًا، وشرعية كبيرة لمقاومته. وبناءً عليه، ينبغي تحريك العداء والصراع بين حزب الله الشيعي، وبين قوى ومكونات سنيّة محلية وعلى مستوى المنطقة.

 

يقول "ناي": في تاريخ الصراعات الدولية التقليدية، ترجّح القوة العسكرية ميزان الفوز والنصر، لكن في عصر المعلومات اليوم، الغالب هو من يستطيع الفوز بجذب الرأي العام نحو رؤيته وروايته لمسار الأحداث. وهكذا، بالإضافة إلى إطلاق النار والقتل بين إسرائيل وحزب

 


[1]  Theinnercircle site, Joseph S. Nye Jr.’s explanation of "Smart Power" in the Middle East,15-7-2009.

[2]  م.س

 

51


42

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

الله سعى كلاهما جاهديْن لتشكيل السرد والرواية التي ستسود بعد توقف القتال. ما يؤكد أنهما في صراع على القوة الناعمة أي القدرة على الحصول على ما يريدون من خلال الجذب بدلًا من الإكراه". القدرة على الجمع بين القوة الصلبة والقوة الناعمة في استراتيجية الفوز، هو خيار القوة الذكية. وحتى الآن، يبدو أن حزب الله قد نجح في هذا الشأن، من خلال تقديم رواية لبطولاته وشجاعته أمام القوة الإسرائيلية.

 

ويتابع ناي: عندما خطف حزب الله جنديين إسرائيليين وأطلق الصواريخ عبر الحدود، أدان الأعمال التي قام بها، العديد من اللبنانيين، وانتقدته الحكومات العربية السّنيّة مثل مصر، والأردن، والمملكة العربية السعودية. لكن بعد الحرب العسكرية الإسرائيلية على حزب الله اختفى الانتقاد العلني له، لا بل يشاد بحزب الله لأنه قاوم إسرائيل. لقد استخدمت "إسرائيل" قوتها العسكرية الصلبة بطريقة عززت من قوة الحزب الناعمة في أعين العرب، بما في ذلك العديد من جماهير السنة الذين كانوا يشككون في البداية بحزب الله كمنظمة شيعية لها علاقات مع إيران غير العربية.

 

وفي قراءة تحليلية لهذا النص الأمريكي الصريح، يلاحظ أنه يشكل وثيقة توضح بعضًا من معالم استراتيجية الحرب الناعمة على حزب الله، عن طريق السعي لزجّه في صراعات مع غير الكيان الصهيوني،

 

 

52

 


43

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

والبحث عن فجوات وتناقضات بينه وبين البيئة المحيطة به محليًا وعربيًا، لأنه السبيل الوحيد لهزيمته من وجهة نظر أمريكية.

 

في الواقع، لقد جاء الكلام التحريضي من قبل الدبلوماسي الأمريكي "جوزيف ناي" لإيجاد صراعات مذهبية بين حزب الله وبين جهات سنّية، "كي لا يقاتل هؤلاء تحت لواء واحد"، بعد كلام تحريضي آخر، قاله أحد ملوك العرب، العاهل الأردني، حين أشار في العام 2004، إلى مسألة الهلال الشيعي قبالة النفوذ السني في المنطقة.

 

ولم تمض سنة على هذا التصريح، حتى حدث اغتيال الزعيم السني الأقوى في لبنان، الرئيس رفيق الحريري، في شباط العام 2005، وبسرعة لافتة، برزت مواقف متناسقة ومنضبطة في سياق محدد، تشير بأصبع الاتهام إلى الشيعة في لبنان، وبالتحديد، إلى حزب الله، كما أشارت إلى النظام في سوريا، وبالتحديد، إلى وجهته العلوية.

 

وبذلك، أعطى الحدث اللبناني جرعة عالية للشحن المذهبي في المنطقة، سيّما، بعد إسقاط النظام البعثي في العراق، ومعها، يمكن القول، إن حقبة جديدة من تجربة حزب الله قد بدأت.

 

4- استراتيجية التكفير والإرهاب

من التحولات الهامة التي يمكن رصدها في السياسات الأمريكية، استخدام العامل الأيديولوجي في مواجهة الخصوم، حين أوكلت مهمة

 

53

 

 


44

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

استرجاع "حقوق السنّة" لمنظمات الإسلام السياسي، سيّما، بذراعه التكفيري. فقد اعتمدت الإدارة الأمريكية الحرب الذكية التي تقوم على الدمج بين القوتين، الصلبة والناعمة، فكان دعمها وصناعتها للتنظيمات الإرهابية والتكفيرية.

 

فإلى جانب الحركات التكفيرية القائمة، قامت بإنشاء حركات أخرى، وعملت على تمويل مجمل هذه الحركات، وتوجيهها وتسليحها وتدريبها، بالتعاون مع الصهاينة والنظام السعودي وحلفائهما، وذلك باعتراف علني وواضح جرى على ألسن أكثر من مسؤول وأكاديمي أمريكي.

 

ففي مواجهة الإتحاد السوفياتي، استحضرت الإدارة الأمريكية، الإلحاد الشيوعي بالدين، بوصفه عاملًا محفزًا للحركات الإسلامية الراديكالية كي تقف إلى جانب معسكرها. وهذه وزيرة الخارجية الأمريكية "هيلاري كلينتون" تصرّح في الكونغرس الأمريكي، بتمويل وتجهيز وتسليح جماعات المجاهدين، من أفغان وعرب وغيرهما، لقتال السوفيات الملحدين وإخراجهم من بلاد المسلمين، أفغانستان.

 

وقد أشار إلى ذلك، السيد القائد الخامنئي (حفظه الله) أثناء لقائه مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" خلال زيارته لإيران، في قوله: تدل النماذج والمؤشرات على درجة تحكم وسيطرة عميقة لأمريكا وحلفائها في اختراق وتوجيه المجموعات الإرهابية وتوظيفها

 

54


45

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

في اللعبة الجيوسياسية في المنطقة للسيطرة على الشرق الأوسط وتطويق روسيا والصين وإيران عن طريق اختراق البلدان الإسلامية في غرب ووسط آسيا[1].

 

وتم استحضار الاستراتيجية عينها، قبالة محور المقاومة، حين ركزت على إيران وحزب الله، بوصفهما من الشيعة، وراحت تبث عنهما التقارير والدراسات بأسلوب تضخيمي مستفز، وكأن ما يحققانه من قفزات نوعية في الحضور الاجتماعي والاقتصادي والأمني، هو على حساب النفوذ السني في المنطقة وليس على حساب مصالح أمريكا وحلفائها.

 

في الواقع، يُعد استخدام ملف الإرهاب من أهم صناعات الاستراتيجيات والخطط الأمريكية لتحقيق أغراض جيوسياسية، فمعظم قادة داعش كانوا في سجن "بوكا" الذي كان يديره الجيش الأمريكي في البصرة بالعراق، لكن الإدارة الأمريكية أطلقت سراح هؤلاء لغاية تأسيس تنظيم خطير بعد أن ضعف تنظيم القاعدة وفقد دوره في تبرير السياسات الأمريكية. ويمكن تلمس عناصر هذه الخطة في كتاب نشره معهد راند (RAND) عام 2006، وهو مركز البحوث الدفاعية للبنتاغون تحت عنوان "كشف مستقبل الحرب الطويلة الدوافع والتوقعات وأثرها على الجيش الأمريكي"[2].

 


[1]  موقع القائد، لقاء السيد القائد مع الرئيس الروسي، 23/11/2015.

[2]  كشف مستقبل الحرب الطويلة، معهد راند، ترجمه قسم الترجمة في معهد طرق العلم، 2015.

 

55


46

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

لقد كشف الصحافي الأمريكي "سيمور هيرش" في العام 2007، عن دور الجهات الاستخباراتية في تأسيس ظاهرة منظمة فتح الإسلام في مخيم نهر البارد شمال لبنان[1]. وبعد اندلاع الحريق العربي في العام 2011، وامتداده من تونس، ليبيا، مصر، وصولًا إلى سوريا، ولبنان، يسجّل اعتراف آخر، لجنرال أمريكي متقاعد، "ويسلي كلارك"، الذي كان قد شغل منصب القائد الأعلى لحلف شمال الأطلسي خلال الفترة بين عامي (2000 - 2007)، وقاد الحرب على أفغانستان، حيث قال في مقابلة أجراها مع قناة الـ "CNN" وبثت يوم 17/2/2015، أي بعد مرور سنوات على إعلان داعش: بأن الهدف من تأسيس وإنشاء كيان داعش، هو تدمير حزب الله[2].

 

ويكمل الجنرال الأمريكي قائلًا: "بدأنا داعش من خلال التمويل من أصدقائنا الخليجيين وحلفائنا في المنطقة وجهزناه لمحاربة حزب الله، وقد تم صرف ملايين الدولارات لتشويه صورة حزب الله ومحاربته، وقد ساهمنا في الحملة الترويجية الإعلامية والحرب النفسية التي كان يبثها تنظيم داعش"[3]. وقد أشار إلى ذلك، سماحة الأمين العام

 

 


[1]  سيمور هيرش، واشنطن وبيروت والرياض صنعت فتح الإسلام، موقع الجزيرة، 27/5/2007.

[2]  نص التصريح متوافر صوت وصورة على موقع يوتيوب على رابط:

https://www.youtube.com/watch?v=QHLqaSZPe98

تحت عنوان: Wesley Clark: "Our friends and allies funded ISIS to destroy Hezbollah..

[3]  تقرير تحت عنوان "كلارك لـسي أن أن - الهدف من إنشاء داعش هو تدمير حزب الله" نشرته جريدة البناء اللبنانية بتاريخ 16 أيار 2016 متوفر على الرابط :

http://www.al-binaa.com/?article=114177

 

56


47

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

لحزب الله، السيد حسن نصر الله، في أحد خطاباته[1].

 

وفي الواقع شارك الأميركيين في هذه المهمة جهات عدة، فقد ثبت اختراق المخابرات الخارجية البريطانية لمجموعة من دعاة الجماعات السلفية في لندن لتجنيد إرهابي القاعدة لمقاتلة حزب الله والنظام في سوريا، وكما كشفت الصحافة التركية عن الاتصالات السرية بين تنظيم داعش والمخابرات التركية[2].

 

ومن جهته صرح "بندر بن سلطان" مدير الأمن القومي السعودي سابقاً في حديثه مع الرئيس فلاديمير بوتين والقيادة الروسية في أكثر من مناسبة عن استطاعته منع وقوع الهجمات الإرهابية في قلب موسكو التي نفذتها المجموعات الشيشانية، مقابل وقف دعم روسيا للنظام في سوريا والتعاون في محاصرة إيران[3].

 

على الرغم من أن الإرهاب الذي تمارسه الحركات التكفيرية، هو في انطباعه الأولي ذو وجه عسكري خشن، لكنه في الواقع، يخدم أهداف واستراتيجيات الحرب الأمريكية الناعمة. فمن خلاله يجري تقويض شرعية حزب الله، بإظهاره تنظيمًا مذهبيًا وطائفيًا

 

 


[1]  خطاب الأمين العالم لحزب الله في يوم الجريح، 12 أيار 2016 منشور على عدة مواقع منها العهد: http://www.alahednews.com.lb/125092/149

[2]  تقرير تحت عنوان "صحيفة تركية تنشر محادثات هاتفية عن علاقة أنقرة بداعش

"نشر بتاريخ 25/2/2016" على موقع وكالة الانباء الروسية سبوتنيك.www.sputniknews.com

[3]  جريدة السفير، حسين أيوب، "السفير تنشر محضر اجتماع بوتين مع بندر بن سلطان"، 22/1/2014.

 

57


48

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

وميلشياويًا، وليس تنظيمًا لبنانيًا وعربيًا مقاومًا، فالمواجهات بين حزب الله وتلك التنظيمات التكفيرية الإرهابية، يعمل من خلالها على إنتاج تصورات فكرية ونفسية وثقافية وسياسية وإعلامية حادة بسلبيتها، بين الشيعة من جهة، وعموم البيئة الاجتماعية العربية والإٍسلامية من جهة أخرى.

 

وقد شبه أحد الكتاب هذه الخطة بصناعة "سجائر الدخان" حيث إن أصحاب هذه الصناعة يعرفون تماماً أنها صناعة خطيرة ومُضرة للصحة، ويطبعون إعلانات على علب السجائر تُصرح بأنها مواد خطرة، ويحذرون من أضراراها على الصحة، ومع ذلك يُنتجونها ويُوزعونها ويُمولون إعلانات ترويجها، ومن ثم يقولون بمُكافحتها[1].

 

إنها لعبة النظام الرأسمالي والمجمع الصناعي والعسكري الأمريكي وفق نظرية رأسمالية الكوارث التي تحدثت عنها الكاتبة الكندية "نعومي كلاين" وقد شرحت وبينت بالتفصيل مدى حاجة الرأسمالية بصورة وجودية لإنتاج الإرهاب وصناعة الأزمات والحروب، لتبرير المبيعات والإجراءات الأمنية ومبيعات الأسلحة والقواعد العسكرية واقتصاديات الحروب[2]. وكذلك الحال في سيطرة الإدارة الأمريكية

 

 


[1]  مقالة تحت عنوان "هندسة الإرهاب" خلف المفتاح، صحيفة الثورة السورية، نشرت بتاريخ 10/10/2014

[2]  كتاب عقيدة الصدمة رأسمالية الكوارث، نعومي كلاين، 2009، شركة المطبوعات للنشر والتوزيع، ص 220 - 250.

 

58


49

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

على مفاصل وتحركات المجموعات الإرهابية حول العالم من خلال سيطرتها على ملف مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات بين الحكومات والدول عبر جهاز الإنتربول.

 

5- تشويه صورة حزب الله

تعود المحاولات الأمريكية لتشويه صورة حزب الله وسمعته، بجذورها، إلى بداية انطلاقته على الساحة اللبنانية، فمنذ الثمانينات، والإدارة الأمريكية وضعت الحزب في دائرة استهدافاتها. والإجابة عن سرّ هذا الاستهداف، تأتي من المعطيات التي لا تحتاج إلى الجهد الكبير لتبيانها، فقد شكّل الحزب منذ انطلاقته، صدمة للمعسكر الذي تتزعمه الإدارة الأمريكية، فالاجتياح الإسرائيلي في العام 1982، كان بالنسبة إليهم هو الخطوة الأولى والضرورية لانطلاق مشروعهم للشرق الأوسط الجديد.

 

ومن غير حسبان، راح حزب الله يحول دون استغلال الانزعاج الشيعي من التصرفات الخاطئة للمنظمات الفلسطينية واللبنانية، وبالتحديد، في عدم تخليهم عن قيم المقاومة والتضحية بوصفهما أحد أهم مكونات هويتهم، وأحد أهم معوقات المشروع الأمريكي في المنطقة. وخلال وقت قياسي، لم يجر تفسيره بشكل جلي حتى الآن، صارت القواعد العسكرية لأمريكا وأعوانها، لا مجال لوجودها الآمن في لبنان، وبدأت مرحلة الانهيار لهذا المشروع.

 

59

 

 


50

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

وكما يقول أحد مؤرخي الاستخبارات الأمريكية[1]، إنّ الإدارة الأمريكية تلجأ الى أدواتها لتشويه السمعة وهدم الصورة، فهو إسلوبها المثالي التاريخي حين تعجز الآلة العسكرية والسياسية والمخابراتية. وقد سبقت الإشارة إلى ما ذكره فيلتمان في شهادته أمام الكونغرس، عن تمويل إدارته لمشاريع "إضعاف جاذبية حزب الله" وإظهاره بصورة مغايرة عن صورته الحقيقية، بما يضعف جاذبيته الشعبية، وخاصة لدى الشباب. والإجابة عن السؤال الذي يطرح، من قبض وأين صرف وكيف؟[2] تأتي في الدعم والتمويل والتوجيه لبرامج إعلامية ومقالات صحفية ولمنظمات غير حكومية، وهذا ما يعني، أن ثمة جيشاً مدنياً يقود الأمريكيون من خلاله حربهم الناعمة على الحزب[3].

 

وحديثاً حدّد السفير "دينيس روس" أصل ومبنى "الإساءة إلى سمعة وصورة حزب الله" وروس هذا، هو مساعد سابق للرئيس "باراك أوباما"، ومسؤول عن السياسات المتعلقة بالشرق الأوسط والخليج وآسيا، والمستشار السابق لوزيرة الخارجية "هيلاري

 

 


[1]  تيم واينر، ارث من الرماد تاريخCIA ، دار المطبوعات للنشر والتوزيع،2010، ط 1، ص180 - 225

[2]  موقع تلفزيون المنار، حقائق وفصول من الحرب الأمريكية الناعمة على حزب الله، علي عوباني، 26/10/2010.

[3]  موقع الأخبار، "حزب الله، حرب أمريكية ناعمة ضدنا أدواتها لبنانية"، نادر فوز، 18-6-2010.

 

60


51

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

كلينتون" لشؤون الخليج وجنوب غربي آسيا. حيث قال روس في مقابلة صحافية: إن دول الخليج تبنّت ما كانت تفعله أمريكا من قبل، وهو تصنيف حزب الله تنظيماً إرهابياً؛ ففي الولايات المتحدة نركّز على حقيقة أنه -أي حزب الله- يعمل في غسل الأموال والاتجار بالمخدرات، وهو ما يساعد على الإضرار بسمعته، ويمكن أن تصبح المقاربة الجماعية فعّالة في هذا الإطار[1].

 

هو حزب إرهابي، وفق التعريف الأمريكي للإرهاب، ما ينزع عنه صفة المقاومة المعترف بها دوليًّا، والتي تحظى بمكانة عالية في وجدان الشعوب، وهذا ما يبيح اتخاذ الإجراءات الصارمة بحقه وبحق من يتعاون معه.

 

وفي هذا السياق، يجدر التوقف أمام الاتفاقية الأمنية التي وقّعتها حكومة الرئيس الأسبق "فؤاد السنيورة" مع الإدارة الأمريكية عام 2007، والتي بموجبها، يحق للأمريكيين الاطلاع على الملفات الشخصية لمن يضعونه في دائرة الشبهة، مقابل، منحها الحصانة الكاملة لأي عمل تقوم به مؤسسات التدريب الأمريكية. والتوقف أمام، ما تنشره الصحف الأمريكية والسعودية والخليجية، من تقارير صحفية تتحدث عن إلقاء القبض على لبنانيين يعملون لحساب حزب الله في تجارة المخدرات وغسيل الأموال.

 

 


[1]  صباح أيوب، كاتلوغ الخارجية الأمريكية 2016، كيف تهزم حزب الله ب3خطوات، جريدة الأخبار، العدد 2990، 22-9-2016.

 

61


52

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

كما يجري التركيز على تشويه مكانة قياداته، وبالتحديد، صورة أمين عام حزب الله "السيد حسن نصر الله". ويروي في هذا المجال، أحد الإعلاميين اللبنانيين المعروفين، عن استدعائه للقاء عُقد خلال عام 2005، في أحد مكاتب الخارجية الأمريكية من قبل الدبلوماسي الأمريكي "ألبرتو فرنانديز" المسؤول عن ملف الدبلوماسية العامة في دائرة الشرق الأدنى بالخارجية الأمريكية، وذلك بهدف استشارته حول السبل الكفيلة بتدمير سمعة ورمزية أمين عام حزب الله، وإضعاف جاذبيته في عقول وقلوب الرأي العام اللبناني والعربي والإسلامي[1].

 

وبدأت السعودية في العام 2016، بشن حملة مركزة للنيل من صورة أمين عام حزب الله، فأنتجت قناة العربية فيلماً وثائقياً باسم (حكاية حسن)، وأنتجت قناة MBC السعودية فيلماً ساخراً عن السيد نصر الله، إلى جانب تمويل عشرات الكتاب والإعلاميين والفضائيات ومواقع الإنترنت، أو ما أطلق عليه أحد الكتاب، كتائب وسرايا "الإنغماسيين الإعلاميين والمثقفين".

 

6- تدويل الحرب الناعمة

دائمًا ما تلجأ الإدارة الأمريكية إلى الدفع باتجاه أن تأخذ توجهاتها بعدها الأممي، مستغلة في ذلك، ما تتمتع به من نفوذ داخل

 

 


[1]  نتحفظ عن ذكر اسم الصحافي لاعتبارات خاصة به، والمعلومات أدلى بها لفريق أبحاث مركز الحرب الناعمة للدراسات.

 

62


53

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

المنظمات الدولية وخارجها، وهذا ما يتم لحاظه في المواجهة القائمة بينها وبين حزب الله، منها، صدور القرار الأممي رقم 1559 في شهر أيلول من العام 2004 [1]، والذي سبق اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وأطلق فعليًا ما يسمى "ثورة الأرز"، والذي يشكل مرتكزًا دوليًا للحرب الأمريكية الناعمة على حزب الله.

 

فقد جاء في القرار: إن مجلس الأمن، إذ يستذكر كافة قراراته السابقة حول لبنان، وخاصة القرارات 425 (1978) و426 (1978)، والقرار 520 (1982)، والقرار 1553 (2004)، إضافة الى بياناته الرئاسية حول الحالة في لبنان، وخاصة البيان الرئاسي رقم 21 المؤرخ 18 حزيران العام 2000، وإذ يعيد التأكيد على دعمه القوي لوحدة أرض لبنان وسيادته واستقلاله السياسي ضمن حدوده الإقليمية المعترف بها، وإذ يلاحظ تصميم لبنان على ضمان انسحاب كافة القوات غير اللبنانية من لبنان، وإذ يعبر عن بالغ قلقه لاستمرار تواجد الميليشيات المسلحة في لبنان، والتي تمنع الحكومة اللبنانية من ممارسة سيادتها الكاملة على التراب اللبناني بأكمله، وإذ يعيد التأكيد على أهمية بسط سلطة الحكومة اللبنانية على كافة التراب اللبناني، وإذ يضع في اعتباره الانتخابات الرئاسية القادمة ويؤكد على أهمية إقامة انتخابات حرة وعادلة وفقًا للقواعد الدستورية اللبنانية من دون تدخل أو تأثير خارجي:

 


[1]  القرار منشور على موقع الأمم المتحدة على الاننترنت ضمن وثائق وقرارات مجلس الأمن الدولي.

 

63


54

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

• يعيد تأكيد دعوته للاحترام الدقيق لسيادة لبنان وسلامة أراضيه ووحدته واستقلاله السياسي تحت السلطة الوحيدة والحصرية لحكومة لبنان في كافة أنحاء لبنان.

• يطالب جميع القوات الأجنبية الباقية بالانسحاب من لبنان.

• يدعو إلى حل ونزع أسلحة كافة الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية.

• يدعم بسط سلطة الحكومة اللبنانية على كافة التراب اللبناني.

• يعلن دعمه لإجراء عملية انتخابية حرة وعادلة في الانتخابات الرئاسية اللبنانية القادمة وفقًا للقواعد الدستورية اللبنانية من دون تدخل أو تأثير خارجي.

• يدعو كافة الأطراف المعنية للتعاون بشكل كامل وعاجل مع مجلس الأمن من أجل التنفيذ الكامل لهذا القرار وكافة القرارات ذات الصلة المتعلقة باستعادة وحدة أراضي لبنان وسيادته الكاملة واستقلاله السياسي.

 

ويلاحظ أن القرار الذي صدر بعد حصول التحرير على يد المقاومة التي قادها حزب الله، إنّما يتضمن في بنوده التأكيد على مسألتين أساسيتين:

فمن جهة، يدعو القرار إلى انسحاب القوات الأجنبية من لبنان في إشارة إلى الجيش السوري، لما يشكله هذا الانسحاب من تعويض

 

64


55

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

معنوي للاندحار الإسرائيلي عن جنوب لبنان، ومن حرمان المقاومة في لبنان من الدعم الإقليمي المباشر.

 

ومن جهة أخرى، يصنف المقاومة في لبنان أنها مجرد ميليشيا عليها إلقاء السلاح أسوةً بالميليشيات غير اللبنانية.

 

وبذلك، يستطيع الأمريكي وأعوانه في الداخل والخارج، وضع حد للمفاعيل التي أحدثها التحرير في العام 2000، وبالتحديد، في تحوله إلى نموذج ناعم راح يدغدغ ويحرك المشاعر لدى الشعوب، بصوابية جدوى المقاومة واستمرار فاعليتها في إحداث التحرير للإرادة والأرض ومواردهما.

 

ولمّا استطاع حزب الله أن يحاصر القرار الأممي ويلغي مفاعيله، كانت القوة الأمريكية الصلبة، عبر أداتها الإسرائيلية، تحاول تحقيق أهداف القرار الأممي، في حرب تدميرية عام 2006، عدّت الأعنف من بين الحروب التي خاضها الإسرائيلي ضد البلاد العربية. ولمّا فشلت الحرب من تحقيق أهدافها، عاد الاتكاء على المنظمة الدولية من جديد، فكان القرار 1701، الذي ينص صراحة بما لا يختلف كثيرًا عن ما نص عليه اتفاق السابع عشر من أيار، والذي أسقطته المقاومة في حينه، في محاولة أمريكية لتعويض الإسرائيلي ما خسره من هيبة أمام أعدائه المباشرين، وأمام العالم، بوصفه الأداة لتأديب الخارجين عن الطاعة الأمريكية.

 

65

 

 


56

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

7- الحصار الاقتصادي والمالي

إنّ الاستدلال على أهمية الموضوع المالي والاقتصادي في حركة المجتمعات وتطورها، هو من باب تأكيد المؤكد، وإنّما، في تجربة حزب الله له فلسفته الخاصة، إلى حد يكاد المتابع لتلك التجربة الجزم أن قطع الشرايين التي تمد حزب الله بالمال، غايتها تتجاوز البعد المادي إلى ما هو أكثر فاعلية وتأثيرًا في حراكه المقاوم.

 

فمنذ البداية، والكل يعلم أنّ حزب الله يستمد من إيران ما يحتاجه، بما فيه الدعم المالي، ومع ذلك، فإن الحزب الذي يحرص على الاستفادة من المصادر المالية المتأتية عبر ما يعرف بالحقوق الشرعية(خمس وزكاة) قد استحدث مجالات متعددة ومتنوعة، من شأنها أنّ تزيد من شرايين الاتصال، ما بينه وبين بيئته الاجتماعية، بحيث تخرجه من حال الكيانية الحزبية الضيقة نحو المزيد من الاندماج في هذه البيئة إلى حدٍّ يصعب فيه تلمس الحدود الفاصلة التي تفرضها مقتضيات العمل الحزبي.

 

فقد أجاد حزب الله حين جعل للعمل المقاوم أبعاداً أخرى، فصار المتبرع بالمال، القليل منه والكثير، هو شريك أساسي بالمقاومة، وبالتالي، استطاع أن يزيل تلك الصورة النمطية التي كرّسها العمل الحزبي في لبنان، طيلة عقود من الزمن، في اتكاله على الدعم الخارجي فقط، وما يحدثه هذا النمط من إضعاف لحال التفاعل بين المقاومة وبيئتها الاجتماعية.

 

66

 

 


57

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

وبذلك، صار من اليسير فهم التوتر والتحسس الأمريكي من جريان هذا الدعم المالي واستمراره، ولهذا الغرض، أعدت الإدارة الأمريكية قانوناً خاصاً تعاقب بموجبه من يمد حزب الله بالدعم المالي، أياً كان فردًا أو شركة، وهو ما عرف بقانون "هيفبــا" الذي صدر رسميًا عام 2015[1]. وفي هذا السياق بدت السفيرة الأمريكية السابقة "إليزابيث ريتشارد"، الأكثر وضوحًا في التعامل الجدي مع هذا الموضوع، حين اعتبرت أن من "خطوات هزم حزب الله"، قطع قنواته المالية وإضعافه داخل بيئته الشيعية، وتلك الخطّة موجودة في أجندة الخارجية منذ ما قبل عهدَي جيفري فيلتمان وميشيل سيسون، وموثّقة في شهاداتهما أمام الكونغرس وفي وثائق ويكيليكس[2].

 

ومن الخطوات العملية ذات البعد الاقتصادي والمالي، التي تشير إليها الرؤية الأمريكية لاستهداف حزب الله في بيئته الحاضنة، هي:

أ - تأليب المصارف اللبنانية على مؤسسات وشركات تجارية غير حزبية تدور في فلك بيئة حزب الله لأجل إثارة نقمتها على مشروع المقاومة وتصوير كلفته العالية.

 

 


[1]  Hezbollah International Financing Prevention Act.

[2]  أنظر: مقالة تحت عنوان "كاتالوغ الخارجية الأمريكية 2016- كيف تهزم حزب الله بـ3 خطوات" الكاتب صباح أيوب، العدد 2990 الخميس 22 أيلول 2016 الرابط:

http://www.al-akhbar.com/node/265153

 

67


58

المبحث الثاني: استراتيجيات الحرب الناعمة على حزب الله

ب- ضرب اقتصاد الشيعة اللبنانيين في غرب إفريقيا وفي أمريكا اللاتينية والخليج.

 

ج- القول إنّ الجمهور المقاوم والطائفة الشيعية لم يعودا يتحمّلان دفع أثمان الحروب التي يخوضها الحزب.

 

هـ- التحريض ضد الحزب، بأنه لا يحمل مشروعًا وطنيًا لبنانيًا، ولا يؤمن ببناء الدولة، ولا يهتم بتأمين الخدمات لجمهوره، ولا يهتم بالأمور المعيشية والحياتية السيئة.

 

و- محاولة اختراق مناطق حزب الله بمشاريع وأنشطة تحمل الطابع الخدماتي والإنساني لتوفير بدائل لمؤسسات حزب الله الخدماتية.

 

ز- إغراق بيئة حزب الله بشائعات حول الفساد المالي لقيادة حزب الله وكوادره ومؤسساته يتم بثها عبر مواقع الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعي.

 

 

68

 

 


59

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

 

 

إن أفضل الناطقين باسم الأفكار والأهداف الأمريكية هم غير الأمريكيين، أي الوكلاء المحليون

 

جوزيف ناي

كبير منظري القوة الناعمة الأمريكية

 

يبدو أن الرغبات الأمريكية لم يحوجها الكثير حتى تجد في البيئات المحلية المستهدفة منها، أدوات طيّعة بل متحمسة لتحقيق هذه الرغبات. ونذكر منها:

 

1- وسائل إعلام محلية وعربية

يلاحظ المتابع للإجراءات التي اتخذتها دول عربية تابعة لأمريكا درجة التزامها في تطبيق استراتيجية الحرب الإعلامية الناعمة بالوكالة ضد حزب الله[1]، منها، برامج إعلامية تبثها قنوات فضائية، كالإخبارية السعودية والعربية وسكاي نيوز و mbc وصحف

 

 


[1]  موقع الأخبار، بيار الضاهر.. شكرا قطر، حسن عليق، 2/9/2015. وتقرير ويكيليكس السعودية التي نشرت في جريدة الأخبار في تقرير تحت عنوان "mtv قصة التمويل والملايين" العدد 2620 السبت 20 حزيران على الرابط الآتي:

2015 http://www.al-akhbar.com/node/236089

 

71


60

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

يومية (الشرق الأوسط والحياة وغيرها) فضلاً عن المنشورات اليومية الممولة عربيّا، وفي عشرات مواقع الإنترنت.

 

ويمكن للبعض اعتبار ذلك بالأمر الطبيعي، في سياق صراع المحاور القائم، لكن ليس من الطبيعي القفز فوق المعطيات التي تشير إلى الوجه الآخر للإدارة الأمريكية. وفيما تضج أدبياتها بالحديث عن الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير، وتعتبر ذلك معيارًا أساسيًا لتصنيف المجتمعات، بين الحضارية والمتخلفة، يلاحظ في الوقت عينه، أنّ تلك الإدارة راحت توعز للدول التي تسير في فلكها، القيام بإجراءات لإسكات وقمع الوسائل الإعلامية التي تؤيد حزب الله.

 

وفي هذا السياق، كشفت وثائق ويكيليكس عن سعي أمريكي قبل وأثناء حرب تموز 2006، لوقف بث "قناة المنار" من خلال الاتصال والضغط على شركات البث الفضائي المصرية[1]. فقد جاء في برقية صادرة عن السفارة الأمريكية في القاهرة بتاريخ 22 آب 2006، يقول فيها السفير الأمريكي "فرانسيس ريكاردون" إن الحملة الأمريكية المستمرة منذ عام قبل كتابة الرسالة لوقف بث قناة المنار يجب أن

 

 


[1]  "وثيقة- أمريكا ضغطت لوقف المنار" تقرير نشره موقع قناة الجزيرة، 17/4/2011 رابط المصدر:

http://www.aljazeera.net/archive/pages/4e905f05-b179-4d79-bc6e-09a4ce958353/a0941665-9b88-47cb-98c4-f8e4c7b89130

 

72


61

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

تتوقف لأن الظروف غير مواتية لاستمرارها[1].

 

وبحسب البرقية، فإن مسؤول الشؤون الأمريكية في وزارة الخارجية المصرية "سلامة شاكر" قالت لنائب رئيس البعثة الدبلوماسية الأمريكية في القاهرة: الآن بالذات هو وقت سيء لإثارة قضية المنار. ويعلق السفير الأمريكي على قول شاكر إنه في ضوء الوضع السياسي اللبناني، يعتقد المصريون أن أي تحرك ضد قناة المنار سوف يكون له رد فعل سلبي وسينتج عنه تقوية إدعاءات حسن نصرالله وحزب الله[2]. ثم وعد ريكاردون في برقيته بأن تستأنف الحملة حالما تصبح الظروف ملائمة وأن السفارة ستتصل بكل المسؤولين المصريين الرفيعي المستوى من أجل تحقيق هذا الغرض.

 

وهذا ما حصل بالفعل، فقد استجابت السعودية ومصر للرغبة الأمريكية، وأنزلت المنار عن محطاتها الفضائية، وتبعتها العديد من الدول العربية بمنع المحطات التي تؤيد حزب الله، من بث إرسالها في أراضيها، لا بل راحت تعتبر السعي لالتقاط بث تلك المحطات بمثابة فعل جرمي يستحق العقاب.

 

في الحقيقة، إنّ الاستجابة المحلية والعربية للرغبة الأمريكية ضد حزب الله ليس بالأمر الجديد، فالمتابع لمسيرة الحزب منذ انطلاقته،

 

 


[1]  "وثيقة- أمريكا ضغطت لوقف المنار" تقريرنشره موقع قناة الجزيرة، م.س.

[2]  تقرير تحت عنوان "وثيقة - أمريكا ضغطت لوقف المنار"، م.س.

 

73


62

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

يلاحظ الكم الهائل والممنهج لحملات التشويه والتضليل والإساءة إلى سمعته، من قبل مؤسسات وأفراد إعلاميين ارتضى البعض منهم أن يكونوا مرتزقة للمشروع الأمريكي في المنطقة، والبعض الآخر هم من أشد المتحمسين للنيل من حزب الله، ونزع الصورة المشرقة للمقاومة من الذاكرة على الساحة العربية وليس لبنان فقط، والعمل على إثارة الفتن والانقسام بين السنة والشيعة.

 

ويشار في هذا المجال، إلى أن في السفارة الأمريكية، غرفة سوداء، توزع المصطلحات والعناوين والمواضيع والمانشيت، ومجرّد أن تعمم مصطلحًا ما خلال فترة معينة، كان يجري على ألسنة هؤلاء المرتزقة، ويكتب حوله في الصحافة اللبنانية والعربية[1].

 

2- ثورة الأرز عام 2005 وصناعة جماعة 14 آذار

لقد سبقت الإشارة إلى القرار الأممي 1559، والذي يعتبر بمثابة كلمة السر الدولية لانطلاق مرحلة جديدة ومختلفة في التعامل مع لبنان والمنطقة، وقد احتاج القرار إلى حدث مدوٍّ حتى يترجم على أرض الواقع، فكان اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما أعقبه في 14 شباط من العام 2005، من حراك شعبي أطلق عليه منظموه تسمية "ثورة الأرز"، في محاولة منهم لإضفاء البعد الوطني على هذا

 


[1]  رفيق نصر الله، دور الميديا في إدارة الأزمات والحروب، اصدار 2011 دار بيسان، ط1، ص 55 - 70

 

74


63

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

الحراك، لكن التقارير والدراسات التي أخذت تظهر تباعًا، كشفت عن البصمات الأمريكية الحاضرة بقوة في كل تفاصيل هذا الحراك، ورعايتها له حتى بلوغه الأهداف المرسومة.

 

أولى تلك المعطيات، أنّ الناشطين اللبنانيين الذين تولوا قيادة هذا الحراك، جرى تدريبهم مسبقًا في إحدى دول أوروبا الشرقية، وعلى يد منظمة تدعى "أوتبور الصربية"، وهذا ما كشفه مدير هذه المنظمة والمدرب البارز فيها "سيرجيو بوبوفيتش" في مقابلة إعلامية، أن قيادات لبنانية وناشطين خضعوا لدورات تدريبية في مقر المنظمة المسمى معهد تطبيق استراتيجيات اللاعنف (كانفاس- CANVAS) في مدينة بلغراد بصربيا[1]. وقد تبين من المعطيات والوثائق أنه حتى شعاراتها ورموزها جرى تصميمها في هذه المنظمة. فمن خلال مقارنة شعار ما سمي بثورة الأرز وشعار منظمة أوتبور الصربية، يظهر التطابق، فالشعار يتضمن قبضة يد موشحة بألوان (أحمر وأبيض وأخضر).

ولدى تصفح نصوص الوثيقة التدريبية الأمريكية المنشورة تحت عنوان "الكفاح السلمي- 50 نقطة حاسمة"، التي نشرت باللغة العربية عام 2006، عن معهد الولايات المتحدة الأمريكية للسلام (USIP) التابع للكونغرس، يظهر اسم لبنان إلى جانب دول إيران وبورما

 


[1]  يوتيوب، وثائقي صناعة الثورات، نشر في 3/11/2012.

 

75


64

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

وبعض الدول في أوروبا الشرقية (القريبة من روسيا) وبعض دول آسيا (القريبة من الصين) كأهداف محتملة ومستقبلية، أو كإنجازات حققها المعهد ضمن مشاريعه التدريبية للعام 2005، أي قبل نشر الوثيقة وترجمتها في عام 2006، في إشارة إلى الدور الأمريكي في الإعداد لثورة الأرز.

 

حيث تعالج الدورة التدريبية الأمريكية في عدة فصول أساليب وتكتيكات التظاهر والحشد ورفع الشعارات والحملات الإعلامية التي تصل إلى حوالي 198 تكتيكًا، وفي متن الوثيقة حديث عن الانسحاب السوري من لبنان وتحرير لبنان من الوصاية السورية، وتكشف أن ثورة الأرز إحدى إنجازاتها[1].

 

وقد فصَّل "سيرجيو بوبوفيتش" آليات وتكتيكات تنظيم الثورات الناعمة والملوّنة القائمة على اعتماد مبدأ الهجوم والعصيان المدني والشعبي والتحرش بالأمن والشرطة، ومحاصرة واحتلال المقرات الرسمية والتواجد عبر المخيمات في الأماكن والميادين العامة، وإضفاء الأحداث الدرامية والرمزية على الواقع العام، وسبل تنظيم المسيرات الجماعية الناجحة، وكتابة البيانات والشعارات والرايات الإعلامية، واعتماد الأناشيد والأغاني واللباس واللون الموحد، وعرض الأنشطة الفكاهية وقرع الطبول والموسيقى والمزامير الخاصة التي تؤدي إلى

 


[1]  الكفاح السلمي، موقع معهد تطبيق استراتيجيات اللاعنفCANVAS، سيرجيو بوبوفيش- أندريج مولافجتش- سلوبودان دينوجونفيتش، 1/4/2005، ط 2006. ص 21.

 

76


65

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

زيادة الحماسة وتجتذب المزيد من الجماهير وتحافظ على تماسك الاحتجاجات وتدعم بقاءها في الشوراع والميادين العامة وترفع معنويات الحشود الجماهيرية.

 

وقد بينت الباحثة والإعلامية الأمريكية "نيرمين شرواني" العلاقة بين ما سمي بـ "ثورة الأرز" والإدارة الأمريكية ومراكز التدريب الصربية، من خلال ترجمتها ونشرها لبحث مستقل ومفصل لمناسبة مرور10 سنوات على انطلاق هذه الحركة، وكشفت البصمات الأمريكية في صناعة هذه الثورة الملونة قبل حصولها بأعوام.

 

تقول شرواني: غالباً ما يُنظر إلى الثورات على أنها تأتي عفوية، حسب ما يقول الناشط الصربي إيفان ماروفيتش لصحيفة "Foreign Policy"، وهو مدرّب سابق في "CANVAS"، والذي يكمل: يبدو للمراقب أن الناس قد نزلوا للتوّ إلى الشارع، لكن ما نراه، هو نتيجة شهور وسنوات من التحضيرات، إنه لأمرٌ مملّ ومتعب للغاية قبل البدء في استثمار النتائج، أي مرحلة تنظيم التظاهرات الحاشدة أو تنفيذ الإضرابات، واذا كان الإعداد لذلك جيدًا وكاملًا، فستظهر نتائجه العملية بعد أسابيع قليلة فقط[1].

 

وتنقل شرواني عن الموسيقي والناشط اللبناني "ميشال الفترياديس"

 


[1]  موقع البناء، تحقيق تحت عنوان "عشر سنوات على ثورة الأرز اللبنانية... أو ما تبقّى منه"، الكاتبة والاكاديمية الأمريكية نيرمين شرواني، 17-3-2015.

 

77


66

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

إنه حين اجتمع في بيروت "بإيفان ماروفيتش" أحد مدربي المعهد الصربي "CANVAS"، نقل له الأجواء عن الاحتجاجات اللبنانية منذ بدايتها. ويكمل: لقد قالوا ما يتوجب علينا فعله وما علينا الامتناع عن القيام به. فقد اشتركتُ معهم في اللقاءات الإعلامية وكانت جميعها لقاءات دولية كانوا هم من ينسقون مع أفرادها، كانوا يعرفون بعضهم جيدًا. وأصرّوا منذ اليوم الأول، على أنه لا يُفترض بنا أن نسمي هذا بانتفاضة الأرز، لأن الغرب لن تعجبه كلمة انتفاضة، وقالوا إن الرأي العربي لن يقدّم أو يؤخّر، إنه الرأي الغربي الذي نهتم لأمره! ثمّ أخبروا الصحافيين بالامتناع عن استخدام كلمة انتفاضة.

 

ويكمل ألفترياديس: أعطونا لائحة من الشعارات التي يجب أن تظهر على شاشات التلفزة الغربية، أخبرونا أين يجب أن نضعها، ومتى نرفعها، حتى أنهم فرضوا شروط حجمها وقياسها. فعلى سبيل المثال، طلبوا من الصحافيين ضرورة تأمين أوقات بثّ مباشرة، في الوقت الذي نكون نحن جاهزين لرفع شعارات معينة عند الثالثة والدقيقة الخامسة مثلاً، كانت العملية برمّتها مدروسة بشكل دقيق. وهذا هو السبب الذي حدا بألفترياديس إلى عدم المتابعة في عمله مع "CANVAS".

 

ومن جهتها، أفادت شيرين عبد الله، المساعدة السابقة لجبران تويني، رئيس جريدة النهار، أنه كان وراء وصول رجال "CANVAS"

 

78


67

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

إلى لبنان، للمساعدة في إبقاء وتيرة ذلك الزخم بالقوة نفسها التي نريدها[1]. ثم تكمل عبد الله: إن تويني عقد ورشتَي عمل في مكاتبه في دار النهار مع رجال "CANVAS". كانت الأولى مع "إيفان ماروفيتش"، الذي اجتمع بالقادة الشباب في خيم الاعتصام، ودرّبهم على كيفية الإبقاء على الزخم والحماسة، وعلى كيفية المداومة على قرع أجراس عقول الجماهير لإبقاء مثل هذه الأمور في أذهانهم.

 

وتؤكد "عبد الله" أن رجال "CANVAS" قدموا إلى لبنان وقاموا بالدورات التدريبية قبل "14 آذار"، وقبل انسحاب القوات السورية من لبنان، لكن ألفترياديس يؤكد أنه التقى إيفان قبل ذلك التاريخ بوقت طويل.

 

وقد ذكر تقرير خبراء نشر على أحد مواقع الانترنت[2] وتمّ حذفه بعد فترة وجيزة، أنّ قرار التظاهرات التي يشهدها لبنان هو نتيجة مخطّط استراتيجي، وُضع خارج الحدود اللبنانية، وأنّ الناشطين الأساسيّين وراء الاضطرابات الحالية ليسوا مجرّد نشطاء شباب التقوا بالصدفة.

 

وأشار التقرير إلى أنّ هؤلاء الناشطين يملكون ويُديرون شركة تدعى "Menapolis" مقرّها في إسطنبول ومتخصّصة في تسهيل

 


[1]  موقع البناء، تحقيق تحت عنوان " عشر سنوات على ثورة الأرز اللبنانية... أو ما تبقّى منه، م.س.

[2]  http://truthri7etkon.simplesite.com/

 

79


68

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

عمليات تغيير الأنظمة. وهؤلاء النشَطاء مدرّبون تدريباً جيّداً، وهم في الواقع يدرّبون ويديرون الثوار في بلدان أخرى، ولعبوا أدوارًا في مختلف الثورات التي شهدتها المنطقة". وتوضح التقارير أنّ المدينتين الرئيستين المنغمستين في نشاطات هؤلاء الشباب هما اسطنبول وواشنطن.

 

3- إيجاد بدائل لخدمات حزب الله

تعتبر الإدارة الأمريكية أن ارتباط الناس بحزب الله يعود بالدرجة الأولى إلى حجم الخدمات المتعددة التي يقدمها عبر مؤسساته الاجتماعية والإنمائية والخدماتية، وبالتالي، فإن إيجاد بدائل لمؤسسات الحزب، سيؤدي الى تقلّص قاعدته الشعبية وانفضاض الناس من حوله وإضعاف جذوة وفكر المقاومة لدى الناس، الذين يحلو للإدارة الأمريكية أن تطلق عليهم مصطلح البيئة الحاضنة "للتمرد والإرهاب".

 

من الموضوعية بمكان، القول إن من عناصر القوة الناعمة لدى حزب الله، إعطاءه لمسألة رفع الحرمان وتخفيف آلام الناس وأوجاعهم الحياتية نفس القدر من الاهتمام لمسألة رفع كابوس الاحتلال وهيمنته عليهم. لكن من القصور بمكان، اعتبار أن انجذاب الناس اتجاه حزب الله والانخراط في مشروع المقاومة، يعود لأسباب نفعية آنية، وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على جهل تام بالمنظومة

 

80


69

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

القيمية الراسخة لدى بيئة الحزب الاجتماعية.

 

هذه النظرة القاصرة، هي في الواقع وليدة عشرات الأبحاث والدراسات الأمريكية[1]، والغربية والصهيونية، التي أوصت بضرورة التسلل الناعم إلى بيئة حزب الله عن طريق تنفيذ مشاريع إنمائية مشابهة لما يقوم به حزب الله تكون بمثابة البديل لها. وهي أيضًا وليدة، جهات لبنانية يطلق عليهم صفة "شيعة السفارة الأمريكية" الذين حثّوها على دعمهم بمشاريع تنموية بهدف تقليص نفوذ حزب الله وشعبيته.

 

وبالفعل، راحت الإدارة الأمريكية تقدم عبر وكالاتها للتنمية، الدعم لمشاريع بديلة تقوم بها منظمات غير حكومية (NGOS) وبلديات في مناطق انتشار حزب الله، في قرى وبلدات الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية. ومن أنواع هذه المشاريع، الخدمات الزراعية وحفر الآبار وتدريب الكوادر للبلديات والمؤسسات الصحية والتربوية ودورات تعليم النساء على اللغة الإنكليزية ودورات محو الأمية في الكومبيوتر وعشرات المشاريع الإنمائية والثقافية والاجتماعية..

من ناحية العمل البلدي، أطلقت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية برنامج "بلدي" الذي جاء وفق بيان إعلانها: هو فرصة لجميع

 


[1]  أنظر: دراسة معهد أمريكان انتربايز تحت عنوان "إيران بمواجهة أمريكا التنافس على مستقبل الشرق الأوسط"، إعداد دانيال بليتكا وفريدريك كاغان، نشرت في كانون الثاني عام 2014.

 

81


70

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

المواطنين والبلديات والمجتمعات الأهلية من أجل تقديم طلبات مشاريع معدة لتلبية احتياجات المواطنين وإنماء القرى والبلدات.

 

ويمتد برنامج "بلدي" على 5 سنوات وتصل تكلفته إلى 27 مليون دولار أمريكي. يصل دعم برنامج بلدي إلى 250 ألف دولار كحد اقصى للمشروع الواحد. وتتلقى الوكالة طلبات المشاريع سنويًا. وقد قامت الوكالة الأمريكية بتدريب مئات أعضاء المجالس البلدية في لبنان على ورش إدارية ومهارات بلدية لتطوير القدرات وتنمية العمل البلدي. ومن هذه البلديات عشرات القرى والبلديات في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية وشمال لبنان.

 

أما لجهة التمويل الأمريكي للمنظمات غير الحكومية والجمعيات ومراكز الأبحاث يقدّر إجمالي التدفقات المالية السنوية لمنظمات المجتمع المدني في لبنان بما يزيد على 300 مليون دولار، ولقد انعكس ذلك على طبيعة عملها، فانتقلت من الطابع التطوعي إلى طابع وظيفي مرتبط بالجهات المانحة، ولا سيما وكالة التنمية الأمريكية التي موّلت المشروع[1].

 

جمعية "هيا بنا" اللبنانية نموذج لمنظمة "غير حكومية" يترأسها شخصية شيعية هو "لقمان سليم"، وتموّلها الحكومة الأمريكية علنًا،

 


[1]  موقع الأخبار اللبنانية، وصار للمجتمع المدني Mobile App، للكاتب بسام القنطار، العدد 1999، 10-5-2013.

 

82


71

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

وفيما أهدافها المذكورة على الموقع تبدو نبيلة ومدنية بحتة وغير طائفية، تظهر حقيقة هويتها ومهماتها الفعلية في البرقيات الصادرة عن السفارة الأمريكية في بيروت. فخلال الحديث عن المنظمات التي يجري تمويلها من الحكومة الأمريكية في إحدى البرقيات، تُعرّف السفيرة "سيسون" جمعية "هيا بنا" بكونها تساعد الشيعة المحايدين والشخصيات الشيعية المستقلة لتحقيق الإصلاح السياسي، ولخلق بديل من حزب الله وحركة أمل ضمن المجتمع الشيعي.

 

وفي برقية أخرى، تحوّلت "هيا بنا" إلى ماكينة انتخابية تعمل لمصلحة أي مرشح شيعي مناهض لحزب الله وأمل. وفي البرقية نفسها، تحولت المخيمات الصيفية التي نظمتها "هيا بنا" في منطقة اليمونة وشمسطار إلى مصدر معلومات عن تحركات حزب الله في المنطقة وخلافاته مع إحدى العائلات هناك[1].

 

وأمام هذا الجهد، يستوقف المتابع لردّة فعل حزب الله، حيث لم يسجل عليه أي موقف تحريضي يؤلّب الناس ضد هذه المشاريع والمؤسسات والعاملين فيها، فالحزب لا ينقصه الكثير حتى يثبت لجمهوره ما تكنه الإدارة الأمريكية من مواقف عدائية تجاههم، فإلى جانب المنظومة العقائدية الراسخة لديهم، إن الذاكرة الشيعية مشبعة بالأدلة والبراهين عن حجم التورط الأمريكي في أغلب مآسيهم

 


[1]  جريدة الأخبار،سلسلة ويكيليكس - شيعة السفارة، صباح أيوب، أعداد 1808 و1809 و1810 و1811 و1812، في 14 و15 و16 و17 و18 و19 أيلول 2012.

 

83


72

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

وآلامهم، بحيث إن بضعة مشاريع وخدمات تبقى عاجزة عن جعلهم يغيرون قناعاتهم ومواقفهم. وهذا هو الاستنتاج الذي توصل إليه باحثان أمريكيان، هما "دانيال بليتكا وفريدريك كاغان" اللذان أوصيا بضرورة عدم الاقتصار على سياسة المشاريع في مناطق حزب الله التي لم تأت بالنتائج السياسية المرجوة، وهناك ضرورة لاستراتيجية جديدة، تقوم على الاحتواء والمكافحة الناعمة لحركات التمرد[1].

 

تقوم استراتيجية الاحتواء على حشد جهود إقليمية لمواجهة تأثيرات "حزب الله" من خلال التعاون الاستخباري، والتضييق الأمني والاقتصادي على الجاليات اللبنانية الشيعية، وترهيب الأقليات الشيعية تحت وطأة الاتهام بالتواصل مع "حزب الله"، ومذهبة الصراع الإقليمي، ومن خلال طرح ملف حزب الله ضمن أية تسوية مع الإيرانيين. فبرامج المساعدات الأمريكية في لبنان في أغلبها تبدو مشتتة، وخيرية دون مردود سياسي مباشر، وقد خلُص "كاغان وبليتكا" إلى أنه من دون هذا التحول في الاستراتيجية الأمريكية، فإن الولايات المتحدة على الأغلب ستستمر في خسارة المعركة في لبنان[2].

 

 


[1]  دراسة معهد أمريكان انتربرايز، إعداد دانيال بليتكا، م.س. ومقالة جريدة السفير اللبنانية تحت عنوان "أفكار أمريكية لمواجهة حزب الله.. بعد سوريا" للكاتب حسام مطر، نشرت بتاريخ 10/5/2014.

[2]  دراسة معهد أمريكان انترابرايز ومقالة حسام مطر"أفكار أمريكية لمواجهة حزب الله.. بعد سوريا". م.س.

 

84


73

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

4- التلاعب الناعم بعقول الجامعيين:

يرى منظّر القوة الناعمة الأمريكية "جوزيف ناي" أن مخرجات الجامعات تُعتبر من الموارد الهائلة والمصادر الضخمة لأمريكا، وتحدث صراحة على أن هناك 46 رئيس جمهورية ورئيس حكومة في العالم هم من خريجي الجامعات الأمريكية، وهذا ما يعطي قوة ناعمة للسياسات الأمريكية[1]. وتدخل في هذا الإطار، الجامعات الأمريكية في بيروت، بوصفها واحدة من أهم أدوات القوة الناعمة الأمريكية في لبنان والمنطقة، لما تلعبه من أدوار في إعادة تقويم شخصية الطلاب وأنماط تفكيرهم، وترويج العلمانية والليبرالية، والتدريب على أنماط القيادة في المجتمعات (الديمقراطية)[2].

 

إنها باختصار، تسعى إلى أمركة الطلاب. فمن البرامج التي تنفّذها الجامعة اللبنانية الأمريكية (LAU) برنامج تحت عنوان "نموذج الأمم المتحدة"، يهدف -كما هو مُعلن- إلى نشر ثقافة السلام بين طلاب المدارس اللبنانية، وتصنيع القيادات المستقبلية، وتدريبها على الموضوعية، وفن التواصل وحل النزاعات، والتقمص العاطفي لدور الآخر!، لكن حقيقة هذا البرنامج تظهر من خلال آلياته المعتمدة،

 

 


[1]  مستقبل القوة، جوزيف ناي، اصدار 2011، ط1، ص 10 -25

[2]  الأهداف الرسمية للجامعة كما جاء في اصدارها الرسمي تحت عنوان " سجل الحقائق" لمناسبة مرور 150 عاماً على نشأتها.

 

85


74

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

ومنها، أنّ هذا البرنامج الذي يقدّم منحًا - تتراوح بين 25% و50% لمتابعة التحصيل الجامعي لديها- هي حصرًا للذين نجحوا في التغلب على الأفكار المسبقة التي يحملها أهلهم ومجتمعهم[1].

 

ويجدر الالتفات في هذا المجال، إلى أنّ المشكلة ليست فيما تقدمه برامج المؤسسات التعليمية الأمريكية من أطروحات فكريّة يجدر بالطالب أن يتعرّف إليها، وإنّما تكمن المشكلة في كيفيّة عرضها ضمن منهاج يدفع الطالب من حيث لا يشعر إلى تبنّي الرؤية الليبرالية العلمانية كحلّ لأزمات مجتمعه.

 

فهذا المنهج الذي يركّز على عقلية الفرد وحقّه في التفكير باستقلاليّة وحريّة، بعيدًا عن مرجعيّاته السابقة، سواء الدينيّة، أو العرفيّة، أو الأسريّة، يقوم في الوقت عينه على طرح كمّ من الأفكار المتضاربة دون وضع حلول واضحة، بحيث يشكّ الطالب بإمكانيّة وجود عقائد تمثل الحقيقة المطلقة، بما فيها الإسلام وقوانينه، فيتبنّى الطالب نسبيّة المرجعيّة الإسلاميّة، ليصبح الإسلام بنظره مجرّد مؤسّسة اجتماعيّة وجزء من الإرث التاريخيّ الذي يشكّل هويّته وهويّة مجتمعه[2].

 

ووفق ما صرح به "جوزيف جبرا" رئيس الجامعة في إحدى

 

 


[1]  جريدة الأخبار، LAU تنشر "ثقافة سلام" بين طلاب المدارس، للكاتب فراس أبو مصلح، مجتمع وإقتصاد العدد 2218، 8/2/2014.

[2]  مقابلة مع طلاب في الجامعة الأمريكية تمت من قبل مركز الحرب الناعمة للدراسات

 

86


75

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

مقابلاته الإعلامية[1] إن البرنامج الذي ضم الى اليوم ما لا يقل عن 8000 آلاف تلميذ وطالب، يعود بمرجعيته الفكرية إلى خطاب "الستارة الحديدية" "لونستن تشرتشل"[2]، الذي أعلن فيه بدء الحرب الباردة على المعسكر الاشتراكي، ودعا إلى حلف عسكري أنغلوساكسوني وثيق، دفاعاً عن المصالح والقيم البريطانية والأمريكية في العالم، لمواجهة الخطر المتنامي على الحضارة المسيحية.

 

لكن تشرشل، داعية السلام، وبناءًا على أوامره، ألقى طيرانه الحربي وبالشراكة مع الطيران الأمريكي، أكثر من 700 ألف قنبلة فوسفورية حارقة على نحو 1.2 مليون ألماني في مدينة "دريزدن"، في الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية، وقد أدى القصف المشترك إلى مقتل نحو 25000 شخص. ويقدر عدد المدنيين الألمان الذين قُتلوا في القصف البريطاني المكثف لأنحاء ألمانيا عام 1945 بنحو 500 ألف شخص.

 

ويستمر مسار التأثير في توجهات الشباب، عبر الاستغلال الذي يمارسه برنامج منح الدراسة في المؤسسات الأمريكية، المدعوم من الوكالة USAID، حيث يلاحظ من بنوده أنها تضع الطالب في دائرة الاستغلال حتى لا يفقد المنحة. فهناك 376 طالبة وطالباً في لبنان

 


[1]  مقابلة ضمن برنامج "كلام الناس" على الفضائية اللبنانية للإرسال، بثت بتاريخ 15/8/2016

[2]  في شهر آذار من عام 1946، في ميسوري، حضر ونستون تشرشل ومعه الرئيس ترومان إلى كلية وستمنستر ليلقي أحد أهم خطاباته، الذي عرف لاحقًا بخطاب الستارة الحديدية.

 

87


76

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

مقيّدة حرياتهم العامّة، انضم إليهم حوالي 106 طلاب عام 2014، وما يعادلهم خلال عامي2015 و2016[1].

 

فهؤلاء يستفيدون من منح دراسية تقدّمها الوكالة الأمريكية (USAID) وهي تحكمها جملة واسعة من الشروط والأحكام التعاقدية "المطّاطة"، وفي مقدمها عدم المشاركة بأي نشاط أو عمل أو موقف يمكن أن يعتبره موظّفو الوكالة والسفارة الأمريكية في لبنان داعماً للإرهاب. ولكن ما هو مفهوم "الإرهاب" في عرف هؤلاء؟ هو باختصار كل إطار لا يخدم المصالح والسياسات الأمريكية، بما في ذلك شركات أو جمعيات تؤيد مقاومة الاحتلال.

 

5- شيعة السفارة:

تدير السفارة الأمريكية جماعة يطلق عليها صفة "شيعة السفارة"، وهذا المصطلح الذي أطلقته جريدة الأخبار اللبنانية[2]، ورد على لسان الأمين العام لحزب الله أثناء الحديث عن استخدامات الإدارة الأمريكية لبعض الشخصيات الشيعية المرتبطة بها[3]. إذ تعمل السفارة على استقطاب وتمويل نخب سياسية وإعلامية واجتماعية

 

 


[1]  تحقيق صحفي تحت عنوان "USAID تقييد حرّيات 376 طالباً في لبنان" للصحافي حسين مهدي، نشرة في فقرة مجتمع واقتصاد، جريدة الأخبار، العدد 2193 الخميس 9 /2/2014

[2]  جريدة الأخبار،سلسلة ويكيليكس - شيعة السفارة،صباح أيوب، أعداد 1808 و1809 و1810 و1811 و1812، في 14 و15 و16 و17 و18 و19 أيلول 2012.

[3]  خطاب السيد حسن نصر الله في يوم الجريح، 23/5/2015.

 

88


77

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

شيعية لاستعمالها في هجماتها الناعمة ضد حزب الله ومجتمع المقاومة.

 

تقوم هذه الشخصيات الشيعية - المعروفة بالأسماء- بالدعاية الصفراء وتثبيط العزائم والدفاع عن الأفكار الأمريكية وبث الإشاعات حول حزب الله، عن طريق نشر المقالات وإبداء الآراء التحريضية على مواقع الإنترنت، ومن على بعض المنابر الثقافية والبرامج التلفزيونية.

 

على سبيل المثال لا الحصر، من بين هذه الشخصيات، "لقمان سليم"، الذي يحلو للسفراء الأمريكيين أن يعرفوه في برقياتهم التي نشرتها "ويكيليكس"، هو مصدرنا الدائم للمعلومات، يسكن في الضاحية الجنوبية لبيروت، ناشط في المجتمع المدني، ويرأس جمعية "هيّا بنا" غير الحكومية المموّلة من الحكومة الأمريكية. يُعَدّ من صقور "المعتدلين الشيعة" في آرائه بشأن حزب الله، فهو لا يؤمن بإمكانية دمج الحزب في لبنان، بل يرى فيه قوة تتحكّم فيها سوريا وإيران، وهدفها فقط السيطرة على البلد[1]. لذلك يضعه الدبلوماسيون الأمريكيون الذين تعاقبوا على السفارة في بيروت على لائحة المشاريع الشيعية البديلة من حزب الله وحركة أمل.

 

 


[1]  موقع ويكيليكس، برقية رقم 08BEIRUT391.

 

89


78

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

يتركز نشاطه، بين الإخبار، وتقديم النصح، وتجميع المعارضين لـ"حزب الله" وحركة أمل وربطهم بالسفارة الأمريكية. فهو من اقترح عدّة هيكليات لتنفيذ المشروع الشيعي البديل الذي أرادته واشنطن، والتي تبلورت مع الوقت فولدت "اللقاء العلمائي المستقلّ".

 

لقد احتفلت السفيرة الأمريكية "سيسون" مع سليم بولادة اللقاء[1]، وأجمعا على أنه الخطوة الأولى لمواجهة حزب الله في قلب المجتمع الديني العلمائي. كما اقترح سليم في عام 2008 تأسيس "التجمّع الشيعي الأعلى"[2]، بهدف مواجهة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وقدّم سليم للسفارة لائحة بأسماء رجال دين شيعة رفعوا أصواتهم ضد حزب الله، واقترح ضرورة إشراكهم في ندوات محلية ودولية يحضرها أيضًا رجال دين شيعة معتدلون من السعودية والبحرين والعراق.

 

وصحيح أنه لا وجود لأدلة دامغة، تربط بين المقترح السابق وما نظمه "عزمي بشارة، من مؤتمر علمي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات تحت عنوان: الشيعة العرب، المواطنة والهوية، بين 27 - 29 شباط من العام 2016، وحضره عدد من الباحثين

 


[1]  موقع ويكيليكس، برقية رقم 09BEIRUT1109.

[2]  موقع ويكيليكس، برقية رقم 08BEIRUT919.

 

90


79

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

الشيعة العرب[1]. لكن في استعراضٍ سريع للمحاور والقضايا، بدت المتعلقة بشيعة لبنان لها الحصة الأكبر[2]. والتركيز بشكل أساسي على كيفية خلق التمايز بين التشيّع بأصوله العربية، وبين إيران الفارسيّة بوصفها مصدر التشيع السياسي.

 

وحاليًا، يدير العضو السابق في الكنيست الإسرائيلي، "عزمي بشارة"، المقرب من الأمير القطري "تميم بن حمد"، قناة العربي الفضائية وصحيفة العربي الجديد[3]، من داخل لندن، إضافة إلى موقع "المدن اللبناني" الذي ينشر في بيروت، حيث يلاحظ التركيز على حزب الله وعموم المحور المقاوم[4]. كما ويعمل عزمي بشارة على استقطاب باحثين شيعة، وكفاءات قريبة من بيئة حزب الله، لإعداد وإنتاج الأبحاث السياسية والفكرية حول الحزب، والعمل في مؤسساته الإعلامية.

 

ومن نماذج الاستثمار فيما يعرف بـ "شيعة السفارة" الحلقة البحثية التي نظمتها دولة الإمارات العربية المتحدة في مركز أبو ظبي للسياسات تحت عنوان: "فك شيفرة حزب الله" كما سبق أن أشير إلى ذلك.

 

 


[1]  تقرير تحت عنوان "مؤتمر أكاديمي يؤكد مخاطر الطائفية السياسية ويشدد على دور المواطنة والهوية العربية في تجاوزها"، نشر بتاريخ 29 شباط 2016 على موقع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

[2]  م.ن

[3]  م.ن

[4]  موقع سلاب نيوز، عزمي بشارة يريد أن يشتغل بحزب الله، 9/9/2015.

 

91


80

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

6- المحكمة الدولية الخاصة بلبنان

منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، راحت لجان التحقيق الدولية بالقضية تتهم ضباطًا وقادةً في النظام السوري، واستمرت في ذلك لغاية العام 2009، وكانت هذه اللجان تصدر مقرراتها كل 3 أشهر، وتعلن عن لوائح للمتهمين والأدلة المفبركة بالشهود الزور، وقد زجت أيضًا أربعة من كبار الضباط اللبنانيين، في السجون لـ 4 سنوات، وتبيّن لاحقًا بطلان التهم الموجهة إليهم.

 

وفي 30 أيار من عام 2007، صدر عن مجلس الأمن الدولي القرار رقم 1757، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة - الذي يتصف بالصفة الإلزامية والعقابية- ويقضي بتأسيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لمحاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري، وقد لحظ القرار في النظام الأساسي للمحكمة في المادة (رقم 4) تنازل السلطات القضائية اللبنانية المسؤولة عن اختصاصها، وهو ما لم يحصل من الناحية القانونية والدستورية، حتى في العراق المحتل الذي حصلت فيه عشرات عمليات الاغتيال والتفجير والقتل[1].

 

 


[1]  للمزيد أنظر: بحث علمي للدكتورة ليلى نقولا الرحباني، تحت عنوان المحكمة الدولية الخاصة بلبنان نسخة مطورة عن حرب تموز 2006، نشر بتاريخ 26/2/2011 على موقعها على الانترنت:

https;//leilanrahbany.wordpres.com

 

92


81

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

فجأة، وفي منتصف شهر أيار من العام 2009، نشرت مجلة "ديرشبيغل" الألمانية رواية مفصلة تحدثت عن دور لحزب الله في عملية اغتيال الحريري، ومعها، تحوّلت سهام المحكمة الدولية باتجاه الحزب، وصارت واحدة من أهم الأدوات الدولية في الحرب الناعمة عليه. وفي محاولة تفسير هذا التحوّل، يجدر التوقف أمام حدثين بارزين شهدهما لبنان، بين تاريخ الاغتيال وبين تاريخ الاتهام لحزب الله:

الحدث الأول، كان فشل عدوان تموز 2006، في القضاء على حزب الله بوصفه الهدف الأساس للعدوان، ومعه، انهارت الآمال المعقودة - محليًا، إقليميًا، دوليًا- على ولادة مشروع أمريكي للشرق الأوسط الكبير، والذي بشّرت به وزيرة الدبلوماسيّة الأمريكية، "كوندوليزا رايس"، ومن مبنى السراي الحكومي في قلب بيروت، بعد مرور أسبوعين على بدء العدوان.

 

أمّا الحدث الثاني، كان في التطورات التي جرت في أيار العام 2008، بدءًا من القرار الحكومي بوضع اليد على شبكة الاتصالات الداخلية لحزب الله، والتي يعدها الحزب أحد أهم عناصر قدراته في المقاومة، حيث تناولتها العديد من التقارير والدراسات في معرض الكشف عن أسرار انتصار المقاومة في حروبها المتتالية مع العدو الإسرائيلي، وما استتبع هذا القرار من تدابير اتخذها الحزب، فرضت على الحكومة

 

93

 

 


82

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

سحب قرارها، وأخذ جماعة 14 آذار، نحو صيغة جديدة لإدارة الحكم في لبنان جرى الاتفاق عليها في الدوحة بقطر.

 

ويهدف الاتهام الدولي لحزب الله، إلى تحقيق جملة من الأهداف:

- فهو يعمل على إظهاره بصورة التنظيم الإرهابي، الذي لا يتردد عن تصفية المعارضين لسياساته، وهذا ما يسقط واحدة من أهم المعايير التي تعطيه المشروعية لعمله المقاوم.

- وهو، يعمل على تقديم الحزب بوصفه طائفيًا، وذلك على خلاف السلوك الذي رافق الحزب منذ انطلاقته، وبالتحديد، في مسألة الوحدة بين المسلمين، وهذا ما يضعف حضوره في الوجدان العربي والإسلامي.

- وهو سيف مسلط على الحزب يجعله في دائرة الابتزاز، وهذا ما يمكن خصومه - في الداخل والخارج- الحصول منه على أمور عجزوا عن نيلها في الحروب العسكرية. وبالفعل، قامت المحكمة باتهام قيادات في حزب الله بالاغتيال، وراحت تلوح بملاحقتها قانونيًا. ويلاحظ الباحث في هذا المجال، أن المحكمة قد صممت لكي تبقى فاعلة لسنوات عدة، يتخللها التحقيق والاستجواب وجمع المعلومات، بما فيها عن طلاب وسكان لبنان، وأن تكون الإجراءات والمحاكمات علنية، عن طريق البث والنقل المباشر والعلني لجلساتها ومناقشاتها من على شاشات بعض الفضائيات اللبنانية، للتشهير بحزب الله ونزع قدسيته وهيبته من العقول

 

 

94

 


83

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

والقلوب، وإحداث التحولات في مزاج الرأي العام اللبناني والعربي والإسلامي، وبالاستناد على أدلة وحجج وذرائع قانونية واهية.

 

حول ذلك، تشير الباحثة القانونية نانسي كومبس(Nancy Combs) الخبيرة والأكاديمية المتخصصة بالمحاكم الدولية بجامعة كامبريدج، ومؤلفة كتاب "تقصي حقائق بدون حقائق"، أنها توصلت الى أن أكثر من 50% من المحاكمات الدولية اعتمدت على شهود زور لأهداف سياسية، ومع ذلك، أصرّت الحكومة اللبنانية برئاسة "فؤاد السنيورة" على هذا الإجراء لتحقيق غايات سياسية ضد حزب الله[1].

 

وتقول الباحثة الأمريكية شيرواني " قال لي مسؤول كبير في وزارة الخارجية البريطانية قبل بضع سنوات: المحكمة هي وسيلة مفيدة لإبقاء الإيرانيين - وحلفائهم في لبنان - على الخط، إذ ليس لدينا الكثير من الأدوات للقيام بذلك"[2].

 

وبالمقابل، عمل حزب الله على رد هذه الهجمة الناعمة، بطريقة ناعمة مضادة، وقد شكلت إطلالات الأمين العام لحزب الله حول موضوع المحكمة الدولية، وعرضه لمجموعة من القرائن والمعطيات التي تطعن بالأدلة المقدمة، وتقديم قرائن وأدلة مضادة، وذلك طوال العام 2010، إلى جانب الردود القانونية والإعلامية التي قام بها حزب

 

 


[1]  بحث علمي للدكتورة ليلى نقولا الرحباني، تحت عنوان المحكمة الدولية الخاصة بلبنان نسخة مطورة عن حرب تموز 2006، م.س.

[2]  م. ن.

 

95


84

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

الله عن طريق وسائل وقنوات إعلامية حليفة وصديقة، ما أسهم في اهتزاز مصداقية هذه المحكمة، لدرجة أنها أصبحت صورتها اليوم هزلية وباهتة، لا بل أصبحت عبئًا على الرأي العام اللبناني، وعلى خزينة الدولة اللبنانية، بعد أن أنفق عليها ما يقارب النصف مليار دولار.

 

7- الضغوطات المالية والاقتصادية:

من الأمور التي يعمل لها المناهضون لفكرة المقاومة، أنّها ليست الأداة الصالحة للتحرير والتمكين، فمفاعيلها كبيرة على التنمية بشكل عام، والاقتصاد خصوصًا، ويركزون على المؤشرات الاقتصادية السلبية، بوصفها نتاج الحراك المقاوم بشكل أساسي، نظرًا للبعد العنفي الذي تحدثه المقاومة، ما يجعلها في مقدمة العوامل المؤدية إلى عدم الاستقرار. ويضع حزب الله هذا المنحى في إطار الحرب الناعمة عليه[1]، حين يعتبر أن من الضغوطات التي تمارس على الحزب، في محاولة إقناع الشعب وتحديدًا الحاضنة الاجتماعية للمقاومة، وجمهور المؤيدين والداعمين لها، أن المشكلة الاقتصادية الموجودة في لبنان هي نتيجة المقاومة.

 

فمنذ التسعينات، والمناهضون لفكرة المقاومة يدأبون على التلويح بأنَّ التسوية قادمة على المنطقة، وأنَّ لبنان سيحقق من

 


[1]  م.س. حلقة تلفزيونية تحت عنوان " الحرب الناعمة على حزب الله " مع سماحة السيد هاشم صفي الدين، بثتها قناة المنار.

 

96


85

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

خلالها، التحرير السلمي لأراضيه وتحقيق الاستقرار الذي من شأنه أن يحدث نموًا اقتصاديًا كبيرًا، وبالتالي، يصبح العمل المقاوم غير ذي جدوى، بالإضافة إلى أعبائه الاقتصادية والمعيشية.

 

ومع سقوط هذه الأوهام، راحت الضغوطات الاقتصادية على حزب الله تأخذ منحى آخر، تمثّل في إعاقة حركة خطوط الإمداد المادي والمعنوي، التي تصل إلى الحزب عن طريق الأشخاص الذين راحت أعدادهم تتزايد باضطراد، مع كل إنجاز عملي يحققه في الميدان. وقد أشار السفير الأمريكي "فيلتمان" إلى ذلك في قوله: إن أمريكا تتعاون بشكل مباشر مع الشركاء الدوليين لتقليص نطاق عمل حزب الله وعرقلة قدرته على تلقّي الأموال، وأن شبكة الحزب من الدعم المالي لا تعرف حدودًا، عبر عمليات نشطة في العديد من دول العالم[1].

 

تمثّلت الضغوطات الاقتصادية -الأمريكية وشركائها- في إجراءات عدّة منذ العام 1988، بدءًا من الحملة على المتمولين الشيعة، سيّما، المنتشرين في بلاد الاغتراب، والتي وضعها البعض في خانة الحرب على قوة الشيعة اللبنانيين الاقتصادية، وبما عرف بـ "حرب الألماس"، ضد التجار اللبنانيين المنتشرين في عمق الغابات الأفريقية، وامتدادهم إلى بلجيكا، والتي حققت نجاحات ملموسة[2]، وصولًا إلى الملاحقة القانونية لأي متبرع للحزب ولو بخمسين دولاراً.

 


[1]  جريدة السفير، النص الكامل لشهادة مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية في مجلس الشيوخ الأمريكي نشرت على مرحلتين في 22/6/2010 و23 /6/2010.

[2]  جريدة المستقبل، مصادرة أموال حزب الله من إفريقيا إلى لبنان، الحرب الناعمة ضد حزب الله، الكاتب أسعد حيدر، 3/10/2009.

 

97


86

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

ففي آواخر العام 2015، أصدر الكونغرس الأمريكي قانون يحمل الرقم 2297 واختصاره (CISA)، يجرّم بموجبه حزب الله ويعتبره منظمة إجرامية ويأمر بإجراءات لمنع وصوله الى المؤسسات المالية الدولية، والتضييق على رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال القريبين منه، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، لجهة تجريم كل من يتعامل مع حزب الله - بصورة مباشرة أو غير مباشرة- ولو كان في أي دولة، ويشمل ذلك أصحاب الأقمار الاصطناعية الفضائية التي تزود قناة المنار بالإشارات الفضائية، وصدر قانون يحاسب ويلاحق المصارف اللبنانية التي تقوم بعمليات تحويل أموال لمؤسسات حزب الله أو المحسوبين عليه، أو حتى للمشتبه بهم[1].

 

هذه الإجراءات يراها الدكتور "شبل السبع"، أستاذ في جامعة السوربون الفرنسية، أنها المرة الأولى التي تستطيع فيه القوة الاقتصادية الكبرى أن تسيطر على دول أُخرى بوسائل اقتصادية، وذلك بسبب الهيمنة الأمريكية على العالم وإمكانية مراقبة مصارف الكرة الأرضية والمواصلات والاتصالات[2].

 

 


[1]  جريدة الجمهورية، "من بري لأوباما، حول مطاردة أموال لبنانيين شيعة"، ناصر شرارة، 19/1/2016.

[2]  جريدة الاخبار، "اعلان حرب ناعمة أمريكية على حزب الله"، ضحى شمس، 21/1/2016.

 

98


87

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

8- التمكين لاختراق البيئة الشيعية:

يعد مفهوم التمكين، أحد المفاهيم التي تحرص الإدارة الأمريكية على جعله عنوانًا لبرامجها وخططها الهادفة لاختراق البيئات الاجتماعية المستهدفة من قبلها، أو من قبل أداتها الأممية - منظمة الأمم المتحدة- نظرًا لكونه مفهومًا ورد ذكره في القرآن الكريم[1]، وهذا ما يزيد من فرص مقبولية البرامج التي تندرج تحت تسميته.

 

ومن الموضوعية القول، إن الإدارة الأمريكية وشركاءها الدوليين وأدواتها المحليين، قد برعوا في استخدام هذا المفهوم، باعتباره يحاكي موضع الوجع الذي تعاني منه البيئات الاجتماعية في المنطقة عمومًا، والشيعية على وجه التحديد، فهي - أي تلك البيئات- تعاني من نقاط ضعف متعددة على مستوى قدراتها التي تؤهلها لمواكبة التطورات التي يشهدها العالم، وهذا ما يجعل من التمكين وسيلتها الفضلى لردم هذه الهوة.

 

يبدو بشكل جلي، أنّ هذه الغائية لدى مجتمعات المنطقة شكّلت ممرًا آمنًا لانسياب كثير من القيم الغربية إليها، أكثرها سوءًا، تلك المتعارضة مع الإسلام، والتي تهدد تماسك بناه الاجتماعية، أي الموجهة

 


[1]  وردت كلمة التمكين في القرآن الكريم ثماني عشرة مرة بتصريفات متعددة، فقد وردت اللفظة بصيغة مكنا، مكناهم، مكناكم، مكني،أمكن نمكن، وليمكنن،مكين.

 

99


88

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

نحو الأسرة بشكل مباشر. فبرامج التمكين قد اتخذت من المرأة مدخليتها لاختراق الأسرة نظرًا لدورها المحوري في عملية بنائها.

 

وفي تجربة حزب الله، يلاحظ الباحث حجم الدور الذي لعبته المرأة - ولا تزال- في تماسك النموذج ومده بجرعات من القوة والقدرة على تحقيق ما تم من إنجازات. لذلك، ليس من المبالغة وضع ظواهر لأدبيات وسلوكيات نساء شيعيات، في دائرة التساؤل، خصوصًا، أنها ترافقت مع تنامي الندوات والمؤتمرات والورش التثقيفية، عن النظرة الغربية للمساواة بين المرأة والرجل، وطرح الجندرية كمفهوم يوضح العلاقة بين الجنسين، والتي تقوم بها، مؤسسات المجتمع المدني، وبتمويل من منظمات وهيئات دولية، تشمل المناطق اللبنانية كافة، بما فيها بيئة حزب الله الاجتماعية. إلى جانب العمل الجاد الذي يسجّل كي تأخذ تلك المفاهيم ومندرجاتها، مجراها القانوني لتكون في صلب التشريعات الحاكمة لانتظام الاجتماع في لبنان.

 

وهنا، يجدر الإشارة إلى أن طرح هذه المفاهيم لا يتم دائمًا بشكل مباشر، إنّما من خلال أنشطة لا يمكن لعاقل أن يعارضها، منها على سبيل المثال، إجراء دورات في تعليم اللغة الإنكليزية، وقد نشرت صحيفة الشرق الأوسط السعودية[1] تقريرًا تحت عنوان "تمكين المرأة وتعليم اللغة الإنكليزية للنساء" ذكرت فيه أنه رغم كل الحملات

 


[1]  جريدة الشرق الاوسط، السفارة الأمريكية تخترق مناطق محسوبة على حزب الله، العدد11508، 1/6/2010

 

100


89

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

التي يشنها حزب الله على المشاريع الأمريكية في لبنان، نجحت سفارة الولايات المتحدة في بيروت في تحقيق اختراق لافت للمناطق المحسوبة على الحزب عبر مشاريع تعليم الإنجليزية وتمكين النساء اللبنانيات.

 

وتؤكد السفارة على ذلك، عبر مسؤوليها، أنّها تموّل وتُشرف منذ شهر شباط2008، على تنفيذ مشروع "الإنجليزية للنساء" وخاصة لمن يسكن خارج إطار العاصمة بيروت، لتفعيل دور المرأة في مجتمعها. وفيما يقول المسؤول الإعلامي في السفارة الأمريكية، إننا لا نعتبر الجنوب منطقة حزب الله، لم نأتِ بالنساء إلى العاصمة، نظرًا لصعوبة المواصلات، فدخلنا بلداتهن من خلال مؤسسات المجتمع المدني، وقدمنا لهن اللغة الإنجليزية مجانًا[1].

 

فالسفارة الأمريكية تطبق مشاريعها بالتعاون مع شركاء أساسيين أمّنوا لها بطاقة الدخول، حيث لم تسمح لها الظروف السياسية والاجتماعية بهذا الاختراق. فتمول السفارات الغربية والخليجية عشرات المنظمات والجمعيات غير الحكومية (NGOS) بهدف اختراق بيئة حزب الله ومجتمعه الخاص كما وظهر العديد من الناشطين في هذه المنظمات ضمن اللوائح الانتخابية المعارضة للحزب..

 

 


[1]  م.س

 

101


90

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

9- حين يصير البحث العلمي أداة استخباراتية

من الأمور التي تسجّل لصالح المنهاج الغربي في مقاربته الميدان الاجتماعي، أنّه يخضعه للبحث والدراسة، قبل إقدامه على صوغ خططه ومشاريعه، وذلك، على خلاف ما هو سائد في منطقتنا، حيث تعدّ الانطباعات العامة هي الحاكمة في أغلب تلك المقاربات. إلى درجة أننا صرنا نرى واقعنا من خلال مرايا الآخر، الذي استطاع أن يستغل تفوقه المنهجي إلى جانب ما يملكه من قدرات تسويقية عبر منظومته الهائلة من الميديا.

 

وإذا كان الغرب من خلال علمائه الأنتروبولوجيين، اهتم بدراسة أبسط عادات وسلوكيات المجتمعات المستهدفة لإدامة تحكمه بها، والتأثير على مسار تطورها، لا يعقل أن تترك الإدارة الأمريكية حراكًا بمستوى تجربة حزب الله، وما يحدثه من تحولات على مستوى لبنان والإقليم، تصيب بتداعياتها مرتكزات أساسية بناها الأمريكي وحلفاؤه على مرّ عقود من الزمن، وأنفق من أجلها الموارد الضخمة. لذلك، فإنه ليس من المبالغة القول، إنّ الحزب وبيئته الحاضنة هي موضع اهتمام جدّي وحثيث من قبل باحثين وخبراء، وإن تستّروا بعناوين أخرى.

 

وفي هذا الإطار، يلاحظ الاهتمام الذي يبديه البعض من أساتذة

 

102


91

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

المؤسسات التعليمية في لبنان، في حث طلابهم وتشجيعهم على القيام بدراسات تتناول موضوعات إشكالية داخل البيئة الشيعية، وكيفية تعامل حزب الله عبر مؤسساته وأنشطته معها. والقائمة تطول حول تلك الموضوعات التي صارت عناوين لأطاريح التخرج الجامعي. وصحيح أن بعض هذا الاهتمام منشأه جاذبية حزب الله التي فرضت نفسها في سياق التنافس الأكاديمي المشروع، لكنها أيضًا، هي عند البعض الآخر، مجال حيوي ومنتج في السياق الهادف لقراءة التجربة بعين مخابراتية لتبيان مواضع القوة والضعف.

 

فعندما يعلم، أن كلّاً من مكتب الأبحاث العلمية في سلاح الجو الأمريكي ووزارة الأمن القومي ومكتب أبحاث الجيش وجمعية العلوم الوطنية الأمريكية، قد مولا دراسة بعد عدوان تموز العام 2006، وضعها علماء في السياسة والمعلوماتية وعلوم الكومبيوتر في جامعة "ميريلاند" تحت عنوان: "عوامل نموذجية المقاومة: حالة حزب الله"، تعالج تكيُّف وتصرف الحزب تبعًا للظروف المختلفة، من زوايا لن يلتفت إليها خبراء حزب الله، بهدف استقراء ردة فعل المنظمات الإرهابية إزاء التطورات والتغيرات التي تؤثر عليها[1]. فإن، معطيات الدراسة التي تكفلت الكلية البحرية الأمريكية في كاليفورنيا بمراجعتها، والتي سمحت الاستخبارات بنشر تسع صفحات

 


[1]  جريدة الأخبار، علي شهاب، الحرب الناعمة- وذاكرة حزب لله"، العدد 984، 30/11/2009.

 

103


92

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

منها فقط، هي بالتأكيد ليست وليدة انطباعات العلماء المكلفين بها، بل استندت على استنتاجات معلوماتية قامت جهات محلية بتزويدهم بها.

 

من جهته، يروي المفكر الفلسطيني الراحل "هشام شرابي" في كتابه "الجمر والرماد" أنه بناءً لطلب أستاذه في الجامعة الأمريكية، الدكتور شارل مالك، راح يتقرّب من "الحزب السوري القومي الاجتماعي" ومن زعيمه أنطون سعاده، بهدف إعداد دراسة عن الحزب، الذي كان خصماً فكرياً "لمالك" ذي النزعة "الاستقلالية"[1].

 

وليس بعيداً عن ذلك، المعلومات التي يتداولها طلاب في الجامعة، عن أستاذ أمريكي يعرف باسم "الدكتور سودفسكي" والذي كان يضع في مكتبه ومحل سكنه "شعارات وأعلام حزب الله"، وتبيّن لاحقاً أن له ادوارًا ومهامًا استخباراتية، منها جمع المعلومات عن حزب الله، وتجنيد واستقطاب بعض الطلاب والكوادر الشيعة اللبنانيين على وجه الخصوص[2].

 

 


[1]  الجامعة الأمريكية في بيروت والحرب الناعمة، دراسة من إعداد مركز الحرب الناعمة للدراسات، آذار 2007، ص15.

[2]  الجامعة الأمريكية في بيروت والحرب الناعمة، دراسة من إعداد مركز الحرب الناعمة للدراسات، آذار 2007، ص16.

 

104


93

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

10- استدراج حزب الله لصراعات مذهبية

لقد فرض أداء حزب الله، على الإدارة الأمريكية وعملائها ليكونوا أكثر شيطنة، إذ لم يبق أمامهم إلاّ نبش التاريخ، واستحضار ما فيه من اختلافات وصراعات وحروب ذات طابع مذهبي، ومحاولة إعادة بثها من جديد، وكأنها حدثت بالأمس ولم يمض عليها عقود طويلة من الزمن. فهي ضالتهم، التي وجدوها ليضعوا الحزب وجمهوره وكل مواردهما، قبالة فريق من المسلمين، لعلّ ذلك يحقق أمانيهم بالانتصار عليه بعدما عجزوا عن مواجهته مباشرة، وبوسائل مختلفة.

 

لأيديولوجية حزب الله الدور الأساس في تحقيق كل إنجازاته، ولذلك، وجد خصومه بأنه لا بد من جماعة تحمل أيديولوجيا مغايرة، بل معادية، إلى حد التكفير وما يستتبعه من استباحة للدماء والأعراض والأموال، وجعلها قبالة الشيعة بشكل عام، وحزب الله على وجه التحديد.

 

وليس ما ذكر، مجرّد افتراض لتفسير وضع قائم، وإنّما هو نتاج كمّ من الدراسات والمقالات التي راحت تكشف خبايا هذه الرؤية الشيطانية، ففي العام 2007، أشار الصحافي الأمريكي "سيمور هيرش" في مقابلة مع تلفزيون "سي أن أن"، إلى الخطة الأمريكية السعودية،

 

105


94

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

لزجّ حزب الله في صراعٍ مع جماعات تكفيرية، بدءًا من معركة مخيم نهر البارد في شمال لبنان[1]. وذلك قبل سنوات من أحداث سوريا عام 2011، بهدف إضعاف الحزب وتمهيد الطريق لنزع شرعية سلاحه، وتقليص نفوذه وتأثيره في العالمين العربي والإسلامي.

 

فالاتفاق جرى، بحسب سيمور هيرش، بين "ديك تشيني" نائب الرئيس الأمريكي، "وإليوت أبرامز" نائب مستشار الأمن القومي، "وبندر بن سلطان" مستشار الأمن القومي السعودي، والذي ينص على تمويل السعودية سرًا لمنظمة فتح الإسلام السنية في شمال لبنان، كثقل موازن لحزب الله الشيعي. وأشار "هيرش" في المقابلة إلى أن هذا الموقف، مشابه لما حصل في أفغانستان خلال الثمانينيات، حيث برزت القاعدة، مع نفس الأشخاص في الولايات المتحدة والسعودية، وبنفس الأسلوب لاستغلال الجهاديين، حيث يؤكد "هيرش"، "أنّ السعوديين يستطيعون الأخذ بزمام الأمور عندهم".

 

وعندما سُئِل عن سبب تصرف الإدارة على ذلك النحو الذي تبدو فيه وكأنها تسير عكس اتجاه المصالح الأمريكية قال "هيرش": إن الخوف من حزب الله في واشنطن، وخاصة في البيت الأبيض قد استحكم، بما أن الإسرائيليين هُزموا أمامه عام 2006، ونتيجة لذلك لم تعد إدارة بوش تعمل بعقلانية في سياستها، نحن نعمل على تأييد

 


[1]  موقع الجزيرة، تقرير تحت عنوان "هيرش واشنطن وبيروت والرياض صنعت فتح الإسلام"، 27/5/2007

 

106


95

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

السنة في أي مكان، وبأية طريقة، ضد الشيعة، كما أننا نلعب على وتر تأجيج العنف الطائفي.

 

لكن في الحقيقة، سارت الأمور بما يخدم المصلحة الإسرائيلية في المنطقة، إذ إن أولى ضحايا هذه الرؤية الشيطانية، كانت القضية الفلسطينية والموقف من ما يسمى بحركات "الإٍسلام السياسي والجهادي". وقد أشار الى هذا، أمين عام حزب الله، في أكثر من خطاب له، حيث قال: إن العدو يدير الحروب في المنطقة لتدمير شعوبنا ومجتمعاتنا وإرادتنا ووعينا وحتى تدمير عواطفنا وتدمير مواقفنا اتجاه القضية المركزية وهي قضية فلسطين، وأنا أعني ما أقول[1].

 

واستمرت عملية استدراج حزب الله نحو الصراع المذهبي، مع بروز ظاهرة الداعية "عمر بكري فستق"، حيث كشفت تقارير، عن دور الاستخبارات البريطانية في تجنيده حين كان مقيمًا في لندن، وقد استخدمته في تنفيذ سياساتها الخارجية، وخاصة في توجيه الحرب الناعمة والتكفيرية على حزب الله[2].

 

فقد صرّح "بكري" قائلًا: إن السنّة الغاضبين في لبنان يطلبون مني أن أنظّم لهم الجهاد ضد الشيعة، وتنظيم القاعدة هو الوحيد القادر على هزيمة حزب الله[3]. ومنذ وصوله الى لبنان درّب بكري عددًا من

 

 


[1]  خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ملتقى العلماء الدولي لدعم فلسطين الذي عقد في مطعم الساحة، 6/11/2015.

[2]  جريدة الأخبار، "الاستخبارات البريطانية جنّدت عمر بكري"، العدد 2532، 3/3/2015.

[3]  جريدة الأخبار، "الاستخبارات البريطانية جنّدت عمر بكري"، م.س..

 

 

107


96

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

البريطانيين والألمان والفرنسيين من الذين ذهبوا وقاتلوا في سوريا، إلى جانب العديد من اللبنانيين الذي أسهم في تحريكهم للقتال في طرابلس ضد العلويين في جبل محسن، وفي التحاقهم بالحركات التكفيرية داخل سوريا، حيث نفّذ البعض منهم عمليات انتحارية داخل لبنان.

 

وإلى جانب بكري، كانت ظاهرة "الشيخ أحمد الأسير"، الذي يعد أحد الأدوات المخابراتية الممول من دولة قطر، والذي أوكل إليه مهمة أخذ حزب الله نحو صراع مذهبي، من خلال مواقفه التحريضية، وقيامه بخطوات عملية في منطقة صيدا، التي تعدّ بوابة الجنوب اللبناني، والشريان الاستراتيجي الذي يمد الحزب بموارده كافة على صعيد المقاومة. وبقيت دولة قطر ترعى حركته بعد هزيمته العسكرية أمام الجيش اللبناني، وفي الاهتمام بعناصره بعد إلقاء القبض عليه من قبل الدولة اللبنانية[1].

 

أمّا في البقاع، فقد برزت ظواهر لحركات تكفيرية عدّة، اتخذت من بعض قراه ومدنه، سيّما، الاستراتيجية منها، كتلك التي تربط بين البقاع الشمالي والبقاع الغربي، أو التي تقع على الخط الدولي بين لبنان والحدود السورية في منطقة المصنع. وفيما، ظلّت تأثيراتها ضمن حدود السيطرة، كانت منطقة عرسال البقاعية، الأكثر حضورًا في تأجيج الصراع المذهبي بعد أن اتخذتها الحركات التكفيرية مقرًا

 


[1]  جريدة الأخبار، تقرير تحت عنوان " مكرمة قطرية لتعليم أيتام الأسير، الكاتبة آمال الخليل، نشر بتاريخ 30 أيلول 2015

 

108


97

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

لها، نظرًا لموقعها الحدودي المتصل بالانتشار الكثيف لهذه الحركات داخل العمق السوري.

 

وأمام هذه البؤر المتوترة التي سعت لاستدراج حزب الله نحو صراعات مذهبية متنقلة، راح يعلن بشكل مباشر، أن من يريد أن يقاتله، عليه أن يلاقيه حيث يتواجد في الداخل السوري. ويبدو أن دعوته هذه صارت هي الخيار الأوحد عند الرعاة الإقليميين والدوليين للحركات التكفيرية، لعلّها تحقق لهم غاية إشغال الحزب واستنزافه، سيّما، أنّ الحزب استطاع بحنكته المعهودة أن يتجاوز هو وبيئته الاجتماعية فخ الوقوع في صراعات مذهبية داخل المناطق اللبنانية، على الرغم من الاستفزازات العنفية التي مورست بحقهم.

 

11- الانتخابات النيابية ومحاولة إسقاط مشروعية المقاومة

عندما اتهم السفير الأمريكي الأسبق "ريتشارد جونز" حزب الله بالإرهاب، رد عليه الحزب بقوله: إن هذا الوصف إهانة للشعب اللبناني الذي أوفد إلى المجلس نوابًا عنه من الحزب. فالحزب يركز في عمله السياسيّ على توسعة القاعدة الشعبيّة الحاضنة والحامية له، بوصفه حالة مقاومة ضرورية، للتحرر من الاحتلال، ولردع العدو عن النيل من الاستقرار الداخلي اللازم لمسار تنمية المجتمع اللبناني وتقدمه، وقد جعل حزب الله الفعل الانتخابيّ، (نيابي، نقابي، بلدي)، في مقام الفعل المقاوم، يعكس ذلك في شعاره الانتخابيّ: يقاومون بدمائهم، قاوم بصوتك..

 

109

 

 


98

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

وفي الواقع، بات دافع النّاس إلى التصويتِ لـ "خيار المُقاومة"، على اختلاف مستوياتهم الثقافيّة والاجتماعيّة، القناعة التامة بأنّهم يصوّتون لحماية أنفسهم وأولادهم ومستقبلهم، ولحماية الاطمئنان الذي حصلوا عليه بوجود تلك المُقاومة. فلطالما يتردد على ألسنة الكثير أثناء الانتخابات، وغيرها: لماذا يطلبون منّا أن نتخلّى عن مصدر حمايتنا؟ ومن هو البديل القادر على توفير تلك الحماية؟ فنحن لا نريد استعادة ذاكرة الخوف.

 

يدل ذلك، على درجة الوعي التي بلغها الناخب المؤيد لحزب الله، بحيث تتصدر المُقاومة قائمة احتياجاته ومطالبه، ولم يعد اقتراعه لإيصال ممثّلين عنه إلى الندوة البرلمانيّة فحسب، بل رسالة ذات دلالات سياسيّة لحماية خيار المُقاومة من الاستهداف. وهو ما أشارت إليه "وكالة رويترز" بعد إعلان نتائج دورة العام 2005، بقولها: إن التصويتِ لمصلحة حزب الله الذي تعدّه الولايات المتحدة جماعة إرهابيّة، يمثّل تصويتًا بالموافقة على احتفاظه بسلاحه للتصدي (لإسرائيل) التي احتلت الجنوب اللبناني 22 عامًا حتى العام 2000. وذهبت وكالة الصحافة الفرنسيّة، إلى الاستنتاج نفسه عندما قالت: إنّ تحالف أمل وحزب الله الذي حقّق وفاق النتائج الرسميّة، انتصارًا ساحقًا في الانتخابات، قد جيّره فورًا لمصلحة الحفاظ على سلاح المُقاومة ضدّ (إسرائيل) الذي تطالب الأمم المتحدة بنزعه.

 

ومؤخرًا، أضيف لسلاح المقاومة دور التصدي للجماعات التكفيرية

 

 

110

 


99

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

التي اجتاحت المنطقة، وهددت الأمن والاستقرار اللبناني عبر الحدود السورية، ما أعطى المزيد من المشروعية لهذا السلاح، حيث استطاع حزب الله أن يثبت مجددًا أهمية المقاومة واستمراريتها. وهذا ما أعترف به الخصوم، وفق ما عكسته انطباعات وتقارير إعلامية وصحفية غربية، إثر جولة لهم على جرود عرسال والبقاع بعد تحررها من جبهتي النصرة وداعش عام [1]2017.

 

ومن هنا، صار من الطبيعي فهم مستوى الحنق الأمريكي جراء تمدد وتعاظم قوة حزب الله ودوره، ومخافة انعكاس ذلك في القادم من الاستحقاقات الانتخابية في لبنان، لذلك، راح الأمريكي يوجه ما يتوافر له من سهام ناعمة لمحاصرة الحزب. وتكثر الشواهد على ذلك، منها، ما يحصل عشيّة الانتخابات النيابية في أيار من العام 2018، فقد ذكر الكاتب والمحلل السياسي "ناصر شرارة" نقلاً عن شخصيّة سياسية لبنانية عادت من واشنطن واطلعت على موقف الإدارة الأمريكية من الانتخابات النيابية، أنّها سوف تتدخل بمجريات العملية الانتخابية بهدف تحقيق أمرين أساسيين:

 

ـ ضمان أن لا يحقق حزب الله خلالها انتصارات سياسية تمكنه من إنشاء معادلة في تركيبة الحكومة اللبنانية التي ستنتجها الانتخابات.

 

ـ أن لا يحقق حزب الله أي دعم انتخابي وحيوية سياسية على

 

 


[1]  صباح ايوب، اعلام الغرب يكتشف حزب الله الجديد، جريدة الاخبار، العدد 3245، تحقيق نشر بتاريخ 8 أب 2017.

 

111


100

المبحث الثالث: أدوات الحرب الناعمة على حزب الله

المستوى الوطني وخارج بيئتة الشيعية، حيث تُنشّط التحالفات الانتخابية الخلايا لمشروعه الوطني[1].

 

ويبدو أنّ التمنيات الأمريكية قد أخذت مجراها عبر أدوات محلية، وما يتوافر من منصات فاعلة على وسائل التواصل الاجتماعي، تركّز في جهودها نحو إعاقة حزب الله من نسج تحالفات تمكنه من المحافظة على المظلة الشعبية الحاضنة لمشروعه المقاوم، كما وتركّز على عقد تحالفات انتخابية مضادة للوائح الحزب تضم رموزًا تعرف بشيعة السفارة. وبلغ الأمر، اعتبار مجرد خرق لوائح الحزب الانتخابية ولو "بنائب واحد" هو بمثابة الهدف الذي تتطلع إليه هذه الأدوات للاستناد إليه بوصفه دال على تراجع شعبيته.

 

ومن جهته، يدرك حزب الله أن معالم المعركة الانتخابية التي ستجري في توقيت سياسي حساس، إنّما تشير إلى مرحلة مقبلة ستشهد المزيد من الهجمات الناعمة، بأدواتها المتعددة، من التوسع في العقوبات المالية على الحزب وعلى بيئته الاجتماعية الحاضنة، الى رزمة من الإجراءات القانونية المستندة على اتهامه بالاتجار بالمخدرات، لدفع الاوروبيين نحو التخلي عن فكرة التفريق بين الجسم السياسي للحزب والجسم العسكري، وصولاً الى إصدار احكام جديدة ضده عن طريق المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري..

 


[1]  ناصر شرارة، واشنطن ضد التحالف الانتخابي بين البرتقالي والأصفر، جريدة الجمهورية، مقال نشر بتاريخ 13/3/2018

 

112


101

استنتاجات

استنتاجات

 

أظهرت الدراسة بشكل واضح وجلي، أن الإدارة الأمريكية وأعوانها، باتوا يضعون النيل من القوة الناعمة لدى حزب الله في رأس قائمة أهدافهم بغية توافر البيئة المناسبة لاستمرار هيمنتهم على لبنان والمنطقة، سيّما، لحاظهم تنامي حال المقاومة والرفض فيها، على الرغم من الجهود التي بذلوها- صلبة كانت أم ناعمة- لمحاصرة هذه الحال والقضاء عليها، وعلى مدار عقود من الزمن.

 

ويبدو أنهم - الأمريكيون وأعوانهم - أدركوا بأن أدواتهم للسيطرة والهيمنة، لم تعد تجدي نفعيتها المعهودة، لبروز متغيّر جديد شهدته المنطقة، يتجاوز بأبعاده مسألتي النزعة للمقاومة والقدرات القتالية، فمع وجودهما، ظلّ النتاج العام لمؤشر تحقيق الغلبة على المشروع الاستعماري، في الجانب السلبي، وهذا ما يعني، أن حال المقاومة الذي باتت تشهده المنطقة، إنّما

 

113

 

 


102

استنتاجات

يتعلق بمنظومة فكرية وقيمية عصيّة بمفاعيلها أمام المنظومة المغايرة للغرب، والتي لطالما تباهى بقوتها وقدرتها على اختراق المجتمعات وتغييرها. لذلك، فإن النيل من النموذج الذي يسعى حزب الله إلى تأكيده وتأصيله لدى مجتمعات المنطقة، باتت مدخليته بالنسبة للأمريكي، تشويه البعد القيمي لهذا النموذج.

 

وتبين من دراسة الحرب الأمريكية الناعمة على حزب الله، باستراتيجياتها وأدواتها، تركيزها على القاعدة الشعبية الحاضنة للحزب بالتوازي مع تركيزها على أطره التنظيمية، لقناعة بدت راسخة لديهم، بصعوبة الفصل بين الحزب بهيكليته التنظيمية، وبين بيئته الاجتماعية، فمنظومته القيمية والعقائدية، هي امتداد لمنظومة بيئته الاجتماعية، والذي بدوره يعمل على إعادة إنتاجها من جديد وسط هذه البيئة.

 

وتكشف هذه الحلقة المتصلة بدورها، عن حال التخبط والإرباك الذي يعانيه الأمريكي وأعوانه، والذي يبدو جليًّا في حجم النتائج المتواضعة التي يحصدها، على الرغم من ضخامة الجهود والقدرات التي تنفق في سبيل النيل من حزب الله. فمن خلال إجراء مقارنة سريعة بين ما يتوافر للمحور الأمريكي من إمكانيات هائلة، بشرُ وعتاد، ونفوذ غير محدود في استخدامهما، على نحو لا يمكن قياسه بما يتوافر للمحور المقاوم والممانع، ومع ذلك، فإنه ليس من المبالغة

 

114


103

استنتاجات

وعدم الموضوعية، القول، إن معطيات المواجهة تميل لصالح المحور الأخير.

 

وإلى جانب المنظومة القيمية المتماسكة، أمكن رصد متغيّر آخر، يسهم في دفع الرسم البياني لمسار المواجهة نحو ما يخالف المخطط الأمريكي، وهو مغادرة خصوم هذا المخطط حال ردة الفعل نحو إدارة مختلفة للمواجهة، بحيث صار بالإمكان- إلى حدٍّ ما- القول بمخطط وتدبير دفاعي يواجه المخطط والتدبير الهجومي الذي يشنّه المحور الأمريكي، وهذا ما يمكن ملاحظته في سلوكيات المحور المقاوم اتجاه ما يتعرض له من حروب بأشكالها المختلفة. فكما استطاع الاستعمار بمنهجيته، أن يقرأ واقع المجتمعات المستهدفة لتحديد عناصر قوتها وضعفها، والذي كان له الإسهام الأكبر في تحقيق غلبته على مدار العقود الماضية، برزت في الجهة المقابلة، مؤشرات ذات دلالة على تنامي أهمية ودور الدراسات والبحوث في تحديد المواقف وتصويبها، وهذا ما أمكن رصده لدى حزب الله، وبالتحديد، على لسان أمينه العام.

 

من المعطيات الدالة على فاعلية النزعة العقلانية في إدارة المواجهة مع الحرب الأمريكية الناعمة، النتائج المذهلة التي يحققها المحور المقاوم، وبالتحديد، في سعيه لإفشال المخطط القائم على استخدام الوكيل المحلي لتنفيذ مخططات هذه الحرب، والذي بدا بأخطر

 

115


104

استنتاجات

وجوهه، حين تم استحضار الاختلافات المذهبية من عمقها التاريخي، لتكون أداة المواجهة مع حزب الله، ومع الاعتراف بما حققه هذا المخطط من إصابات بليغة في صورة ومسار نموذج حزب الله، إلاّ أنه من خلال السلوك العقلاني للحزب، بدأت تبرز مؤشرات لإمكانية تحوّل هذا التهديد الخطير إلى فرصة لجعل بنية المجتمعات في المنطقة أكثر تماسكًا، ولاسيّما، مع محاصرة الفكر المتطرّف الإلغائي، والذي يقف خلف كثير من التفسخات في هذه البنية.

ولكن، المتتبع لمسار الحرب الأمريكية الناعمة، يلاحظ، أنّها في سعي دائم تفتش عن البدائل حين تفشل مخططاتها أو تتعثر، فهذه الحرب التي بدأت منذ ما قبل نشأة لبنان على صيغته الحالية، هي بالتأكيد لن تتوقف امام الإعاقات التي استطاع حزب الله أن يضعها أمام مسيرها، فالعقل الشيطاني الذي يتحكم برؤوس المنظومة الأمريكية سوف يجد المزيد من الخطط والمشاريع الهدامة حتى يسهل أمامه إمكانية إدامة تفوقه وهيمنته.

 

116


105

مصادر الدراسة

مصادر الدراسة

 

1. الأسس النظرية والتطبيقية للحرب الناعمة، مركز الحرب الناعمة للدراسات، ط 2014

2. خطابات سماحة القائد الخامنئي من موقع القائد.

3. خطابات قادة حزب الله الأمين العام السيد حسن نصر الله والشيخ نعيم قاسم والسيد هاشم صفي الدين من المواقع الرسمية لحزب الله.

3.جريدة الأخبار اللبنانية.

4. جوزيف ناي، القوة الناعمة، دار العبيكان، ط 2007

5. مقالات الحرب الناعمة من أرشيف موقع مركز الحرب الناعمة للدراسات.

7.كتاب "كيف نواجه الحرب الناعمة"، مركز قيم 2012.

8.علي ضاهر، دور وسائل الاعلام في الصراع السياسي والثقافي. دار الهادي.

9. الفضائية اللبنانية للإرسال.

10. جريدة البناء اللبنانية.

11. الجامعة الأمريكية في بيروت والحرب الناعمة، إصدار مركز الحرب الناعمة للدراسات.

12. لقاء في فندق ومطعم الساحة، 10-1-2012 حول "الحرب الناعمة على حزب الله"، بدعوة من مركز قيم وهيئة التعليم العالي في حزب الله.

 

 

117


106

مصادر الدراسة

13. صحيفة الثورة السورية.

14. كشف مستقبل الحرب الطويلة، معهد راند، ترجمه قسم الترجمة في معهد طرق العلم، 2015

15. جريدة السفير.

16. رؤية الإمام الخامنئي في مواجهة الحرب الناعمة، مركز قيم للدراسات، إصدار 2011

17. سامي كليب، الأسد بين الرحيل والتدمير الممنهج - الحرب السورية الوثائق السرية.

18. تيم واينر، ارث من الرماد (تاريخ CIA) الكاتب والصحافي الأمريكي، 2010، ط 1، دار المطبوعات للنشر والتوزيع

19. صحيفة الجمهورية.

20. داني بركوفيتش، هل يمكن قطع رؤؤس الهيدرا - المعركة على إضعاف حزب الله، 2007، دار مكتبة الشروق الدولية

21. موقع مؤسسة البحوث الدفاعية راند RAND.

22. موقع مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية.

23. موقع الجزيرة.

24. موقع وكالة الانباء الروسية سبوتنيك

25. موقع يوتيوب

 

 

118

 

 


107

مصادر الدراسة

26. موقع العهد الالكتروني.

27. موقع تلفزيون المنار على الانترنت.

28. موقع وزارة الخارجية الأمريكية -الديجيتال- قسم الإعلام الخارجي.

29. موقع المركز الإستشاري للدراسات والتوثيق.

30. موقع BBC.

31. موقع الكونغرس الأمريكي.

32. موقع جريدة القدس العربي.

33.موقع ومجلة القلمون الإلكترونية.

34. موقع الأمم المتحدة.

35. موقع معهد تطبيق استراتيجيات اللاعنفCANVAS، الكفاح السلمي، سيرجيو بوبوفيش -أندريج مولافجتش- سلوبودان دينوجونفيتش، 1/4/2005، ط 2006

36. موقع التيار

37.Theinnercircle site

38.public.aub.edu.lb/sites/forms/shared%20documents/AUB_Fact book_2016.

39.http://truthri7etkon.simplesite.com/
 

 

119


108
الحرب الأمريكية الناعمة على حزب الله