زاد عاشوراء 1442 هـ

السلام على الحسين المظلوم الشهيد


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2020-08

النسخة: 0


الكاتب

معهد سيد الشهداء

هو مؤسسة ثقافية متخصصة تعنى بشؤون النهضة الحسينية ونشرها، وإعداد قدرات خطباء المنبر الحسيني وتنميتها، معتمدة على كفاءات علمائية وخبرات فنية وإدارية... المرتكزة على الأسس الصحيحة المستقاة من ينبوع الإسلام المحمدي الأصيل.


المقدّمة

المقدّمة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

 

«السلام على الحسين المظلوم الشهيد، السلام على أسير الكربات وقتيل العبرات. اللهمّ، إنّي أشهد أنّه وليّك وابن وليّك، وصفيّك وابن صفيّك، الفائز بكرامتك، أكرمته بالشهادة، وحبوته بالسعادة، واجتبيته بطيب الولادة، وجعلتَه سيّدًا من السادة، وقائدًا من القادة، وذائدًا من الذادة، وأعطيتَه مواريث الأنبياء، وجعلتَه حجّة على خلقك من الأوصياء، فأعذر في الدعاء، ومنح النصح، وبذل مهجته فيك، ليستنقذ عبادَك من الجهالة وحيرة الضلالة»([1]).

 

وتبقى عاشوراء عبر مرّ العصور، مدرسة خالدة لقِيم الحياة السامية، تتعلّم منها الأجيال معاني العزّة والإباء والصبر والبصيرة... ويبقى سيّد الشهداء% قائدًا وهاديًا ومنقذًا ومقتدى.

 

وما أشدّ حاجتنا في هذه الأيّام التي نعيشها، أيّام الضيق والحصار المادّيّ والسياسيّ

 


[1] الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد، مؤسّسة فقه الشيعة، لبنان - بيروت، 1411هـ - 1991م، ط1، ص788.

 

4


1

المقدّمة

والعسكريّ، إلى استلهام الدروس العظيمة من عاشوراء والمواقف الراسخة لسيّد الشهداء%؛ لنتّخذها منهجًا في مواجهة التحدّيات والمصاعب التي تمرّ بنا.

 

ولأنّ عاشوراء مَعين لا ينضب، حرص مركز المعارف للتأليف والتحقيق، على الرغم من الظروف الطارئة، على السير بسلسلة زاد عاشوراء التي يستفيد منها المبلِّغون وخدمة المنبر الحسينيّ المبارك في إيصال الدروس والعِبر من هذه المدرسة العظيمة وقيمها.

 

ويتضمّن هذا العدد من السلسلة مواقفَ من سيّد الشهداء% كأداء التكليف والتوكّل... وقيمًا من عاشوراء كالغيرة، والشجاعة، والاطمئنان... مضافًا إلى مفاهيم سلوكيّة واجتماعيّة من واقعنا المعاصر كالأسرة، ومفاهيم اعتقاديّة كإمامة المهديّ.، وتربويّة كأكل الحرام...

 

نسأل الله أن يستفيد محبّو سيّد الشهداء% من محتوى هذا الكتاب في مواجهة الشدائد التي يمرّ بها مجتمعنا، راجين من الله أن يمنّ علينا بفرجٍ قريبٍ عاجلٍ بظهور مولانا الإمام المهديّ..

 

والحمد لله ربّ العالمين.

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

 

5


2

الموعظة الأولى: محبّة أهل البيت للناس

الموعظة الأولى
محبّة أهل البيت للناس

 

هدف الموعظة

بيان مدى محبّة أهل البيت( للناس، ورأفتهم بهم، من خلال بعض ما جرى مع الإمام الحسين.

 

محاور الموعظة

1. اسقوا الأعداءَ ماءً

2. مع عمر بن سعد

3. أنتَ في حِلٍّ مِن بَيْعَتي

4. يا نافع، الزم أهلك

5. أبلغ موعظة

6. هذا الليل قد غشيَكم فاتّخِذوه جَمَلًا

7. ذَكَّرْتُهُم وَوَعَظْتُهُمْ

 

تصدير الموعظة

الإمام الصادق: «ما على أحدكم أن ينال الخير كلّه باليسير»، قال الراوي: قلتُ: بماذا جُعِلتُ فداك؟ قال: «يسرّنا بإدخال السرور على المؤمنين من شيعتنا»([1]).


 


([1]) المجلسيّ، العلامة محمّد باقر بن محمّد تقيّ، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403هـ - 1983م، ط2، ج71، ص312.

 

6


3

الموعظة الأولى: محبّة أهل البيت للناس

من المعلوم، عندنا، أنّ حبّ أهل البيت( لشيعتهم أشدّ من حبّ الأمّ لولدها، فهم بمنزلة أولادهم لأنّهم قبس من نورهم، خلقوا من طينتهم، يدعون لهم في الدنيا، ويشفعون لهم في الآخرة، ويكونون معهم في الغرف والدرجات الرفيعة يوم القيامة.

عن الإمام الكاظم عليه السلام: «من عادى شيعتنا فقد عادانا، ومن والاهم فقد والانا؛ لأنّهم منّا، خُلِقوا من طينتنا، من أحبّهم فهو منّا، ومن أبغضهم فليس منّا. شيعتنا ينظرون بنور الله، ويتقلّبون في رحمه الله، ويفوزون بكرامة الله. ما من أحد شيعتنا يمرض إلّا مرضنا لمرضه، ولا اغتمّ إلّا اغتممنا لغمّه، ولا يفرح إلّا فرحنا لفرحه، ولا يغيب عنّا أحد من شيعتنا أين كان في شرق الأرض أو غربها. ومن ترك من شيعتنا دينًا فهو علينا، ومن ترك منهم مالًا فهو لورثته. شيعتنا الذين يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويحجّون البيت الحرام، ويصومون شهر رمضان، ويوالون أهل البيت، ويتبرّؤون من أعدائهم، أولئك أهل الإيمان والتقى، وأهل الورع والتقوى، ومن ردّ عليهم فقد ردّ على الله، ومن طعن عليهم فقد طعن على الله؛ لأنّهم عباد الله حقًّا وأولياؤه صدقًا. والله، إنّ أحدهم ليشفع في مثل ربيعة ومضر، فيشفّعه الله -تعالى- فيهم؛ لكرامته على الله -عزّ وجلّ-»([1]).

وقد جسّد سيّدُ الشهداء عليهم السلام في كربلاء، دروسَ المحبّة والعشق، بأبهى صورها وأحلاها، وكان مثالها الأبرز والأرقى، ففاضَت جوانبُه بالمحبّة للجميع؛ أنصار ومحبّين، وأعداء ومُبغِضين. فكيف تجسّدَت تلك المحبّة عمليًّا؟

 


([1]) الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، صفات الشيعة، انتشارات عابدي، إيران - طهران، لا.ت، لا.ط، ص4.

 

7


4

الموعظة الأولى: محبّة أهل البيت للناس

اسقوا الأعداءَ ماءً

عندما وصل الإمام الحسين عليه السلام ومن معه إلى مرتفعٍ يُدعى ذو حسم، ونزلوا فيه، جاءه الحرُّ بن يزيد الرياحيّ، ومعه ألف فارس، فتقدّموا نحو خيمة الإمام عليه السلام، حتّى وقفوا في مقابله، فقال عليه السلام لفتيانِه: «اسقُوا القَوْمَ، وَارْوُوهُمْ مِنَ الماءِ، وَرَشِّفُوا الخَيْلَ تَرْشِيفًا»([1]). وقد أخذ الإمام الحسين عليه السلام السِقاء، وقام بإرواء الحُرّ وحصانه.

مع عمر بن سعد

كان سيّد الشهداء عليهم السلام، قبل يوم عاشوراء، قد أرسل إلى عمر بن سعد رسولًا؛ من أجل أن يلتقيا لقاءً خاصًّا ليكلّمه، عسى أن يرتدع عن ارتكاب تلك الجناية العظمى، فلمّا التقيا، وَعَظَهُ الإمامُ عليه السلام قائلًا: «ويلك يابن سعد! أَمَا تتّقي اللهَ الذي إليه معادُك؟! أَتُقاتِلُني وأنا ابنُ مَن عَلِمْتَ؟! ذَرْ هؤلاءِ القومَ، وكنْ معي، فإنّه أقربُ لكَ إلى اللهِ -تعالى-».

فقال عمر بن سعد: أخاف أن تُهدَم داري.

فقال عليه السلام: «أنا أبنيها لك».

فقال: أخاف أن تُؤخَذ ضيعتي.

فقال عليه السلام: «أنا أخلف عليك خيرًا منها من مالي بالحجاز».

فقال: لي عيالٌ وأخاف عليهم. ثمّ سكت، ولم يُجِبْهُ إلى شيء...([2]).

 


([1]) المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، تحقيق مؤسّسة آل البيت( لتحقيق التراث، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414هـ - 1993م، ط2، ج2، ص78.

([2]) الأمين، السيّد محسن، أعيان الشيعة، تحقيق وتخريج حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج1، ص599.

 

8


5

الموعظة الأولى: محبّة أهل البيت للناس

وهكذا، قدّم الإمام عليه السلام الحلول لعمر بن سعد، فأتمّ عليه الحجّة، ولم يترك له عذرًا أو ذريعة إلّا وقدّم لها حلًّا هو الأفضل والأحسن لصالح ابن سعد، لكنّ هذا الأخير قيّده هواه، وأغرته مطامعه الدنيويّة، فكان من الخاسرين.

 

أنتَ في حِلٍّ مِن بَيْعَتي

كان محمّد بن بشر الحضرميّ (رضوان الله عليه) من أنصار الإمام الحسين عليه السلام، وكان قد جاءه، في يوم عاشوراء، خبرُ أَسْرِ ابنِه بثغر الريّ، فقال: عندَ اللهِ أَحتَسِبُهُ وَنفسي، مَا كنتُ أحبُّ أنْ يُؤسَر، وأنْ أبقى بعده! فسمع الإمام الحسين عليه السلام قولَه، فقال: «رَحِمَكَ اللهُ! أَنْتَ في حِلٍّ مِنْ بَيْعَتِي، فَاعْمَلْ في فكَاكِ ابْنِكَ». فقالَ: أَكَلَتْنِي السِّبَاعُ حَيًّا إنْ فارَقْتُكَ!([1]).

 

يا نافع، الزم أهلك

كانت لنافع بن هلال زوجةٌ لم يدخل بها بعد، وكانت معه في معسكر الإمام الحسين عليه السلام، فلمّا رأَتْ نافِعًا يومَ عاشوراء قد برز إلى القتال، تعلَّقَت بأذياله، وبكَتْ بكاءً شديدًا، وقالت: إلى أين تمضي!؟ وعلى من أعتمدُ بعدك؟! وقد سمع الإمام الحسين عليه السلام قولَها، فقال لنافع: «يَا نافعُ، إنَّ أَهْلَكَ لَا يَطِيبُ لها فِرَاقُكَ، فَلَوْ رَأَيْتَ أنْ تختارَ سُرُورَهَا على البِرَازِ؟»، فقال نافِع: يابن رسولِ الله! لو لم أنصرْكَ اليوم، فبماذا أجيب غدًا رسولَ الله؟ وبرز فقاتَل، حتّى قُتِل (رضوان الله عليه)([2]).

 


([1]) ابن طاووس، السيّد رضيّ الدين عليّ بن موسى الحسنيّ الحسينيّ، اللهوف في قتلى الطفوف، أنوار الهدى، إيران - قم، 1417هـ، ط1، ص57.

([2]) أحمد حسين يعقوب، كربلاء، الثورة والمأساة، الغدير للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1418هـ - 1997م، ط1، ص315.

 

9


6

الموعظة الأولى: محبّة أهل البيت للناس

أبلغ موعظة

«أَمَّا بَعْدُ، فَانْسُبُونِي، فَانْظُرُوا مَنْ أَنَا، ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَى أَنْفُسِكُمْ وَعَاتِبُوهَا، فَانْظُرُوا هَلْ يَحِلُّ لَكُمْ قَتْلِي وَانْتِهَاكُ حُرْمَتِي؟ أَلَسْتُ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكُمْ، وَابْنَ وَصِيِّهِ وَابْنِ عَمِّهِ وَأَوَّلِ الْمُؤْمِنِينَ بِاللهِ، وَالمُصَدِّقِ لِرَسُولِهِ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ؟ أَوَلَيْسَ حَمْزَةُ سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ عَمَّ أَبِي؟ أَوَلَيْسَ جَعْفَرٌ الشَّهِيدُ الطَّيَّارُ ذُو الجَنَاحَيْنِ عَمِّي؟ أوَلَمْ يَبْلُغْكُمْ قَوْلٌ مُسْتَفِيضٌ فِيكُمْ أنَّ رَسُولَ اللهِ- قَالَ لِي وَلِأَخِي: هَذَانِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟»([1]).

 

هذا الليل قد غشيَكم فاتّخِذوه جَمَلًا

في ليلة عاشوراء، جمع الإمام الحسين عليه السلام أصحابَه، وحمد الله وأثنى عليه، ثمّ قال بعد دعاءٍ وكلامٍ كثير: «وَإِنِّي قَدْ أَذِنْتُ لَكُمْ، فَانْطَلِقُوا جَمِيعًا فِي حِلٍّ، لَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنِّي ذِمَامٌ. هَذَا اللَّيْلُ قَدْ غَشِيَكُمْ، فَاتَّخِذُوهُ جَمَلًا، وَلِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِيَدِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، وَتَفَرَّقُوا فِي سَوَادِكُمْ وَمَدَائِنِكُمْ، فَإِنَّ القَوْمَ إِنَّمَا يَطْلِبُونَنِي...»([2]).

 

ذَكَّرْتُهُم وَوَعَظْتُهُمْ

كان ممّا أخبرَ به الإمامُ الحسين عليه السلام أختَه زينب عليها السلام وأهلَ بيته ليلة عاشوراء، ضمن ما أخبرهم به من حالِ الأعداء، أنّه قال: «ذَكَّرْتُهُم فَلَمْ يَذْكُرُوا،

 


([1]) الشيخ المفيد، الإرشاد، مصدر سابق، ج2، ص97.

([2]) ابن شهر آشوب، مشير الدين أبو عبد الله محمّد بن عليّ، مناقب آل أبي طالب، تصحيح وشرح ومقابلة لجنة من أساتذة النجف الأشرف، المكتبة الحيدريّة، العراق - النجف الأشرف، 1376هـ - 1956م، لا.ط، ج3، ص248.

 

10


7

الموعظة الأولى: محبّة أهل البيت للناس

وَوَعَظْتُهُمْ فَلَمْ يَتَّعِظُوا، وَلَمْ يَسْمَعُوا قَوْلِي...»([1]).

 

إنّ هذه الكلمات والمواقف من سيّد الشهداء عليه السلام، في ظروفٍ أحوجُ ما يكون فيها القائد إلى أنصار وأعوان، تُظهِر بوضوح، مدى الحبِّ الذي يكتنز صدره الشريف، حتّى صار عليه السلام سفينةً للنجاة.


 


([1]) الشيخ عبد الله الحسن، ليلة عاشوراء في الحديث والأدب، المؤلّف، 1418هـ، ط1، ص31.

 

11


8

الموعظة الثانية: علاقة الإمام الحسين بالله في تجلّيّات الدعاء

الموعظة الثانية
علاقة الإمام الحسين عليه السلام بالله في تجلّيّات الدعاء

 

هدف الموعظة

تعرّف علاقة الإمام الحسين عليه السلام بالله -تعالى- من خلال أدعيته المختلفة.

 

محاور الموعظة

1. علاقة الإمام الحسين عليه السلام بالله

2. تحذير الإمام الحسين عليه السلام من الاستخفاف بالدعاء

3. نماذج من أدعية الإمام الحسين عليه السلام 

 

تصدير الموعظة

الإمام الحسين عليه السلام: «فَلاَ يَسْتَصْغِرَنَّ أَحَدُكُمْ دَعْوَةً؛ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي لَعَلَّ دُعَاءَهُ مُسْتَجَابٌ»([1]).


 


([1]) الكراجكيّ، العلّامة أبو الفتح محمّد بن عليّ بن عثمان، معدن الجواهر وریاضة الخواطر، تحقيق السيّد أحمد الحسينيّ، لا.ن، لا.م، 1394، ط2، ج1، ص42.

 

12


9

الموعظة الثانية: علاقة الإمام الحسين بالله في تجلّيّات الدعاء

علاقة الإمام الحسين عليه السلام بالله

إنّ المتأمّل في سيرة سيّد الشهداء عليه السلام، وأدعيته الشريفة، ورواياته المباركة، ومواقفه المختلفة، وبالأخصّ يوم الطفّ، يدرك عظيم العلاقة التي تربط هذه الروح المقدَّسة المحلِّقة ببارئها -سبحانه وتعالى-.

 

ومن هنا، لا يعجب الإنسانُ على إقدامه عليه السلام على تلك التضحية الكبرى في أرض كربلاء الخالدة يوم عاشوراء؛ لأنّ تلك التضحية كانت وليدةَ تلك العلاقة، وذلك الارتباط الوثيق بالله -تعالى-.

ومن تجلّيّات هذه العلاقة، أَنَّهُ عليه السلام قِيلَ لَهُ: مَا أَعْظَمَ خَوْفَكَ مِنْ رَبِّكَ! قَالَ: «لَا يَأْمَنُ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ إِلَّا مَنْ خَافَ اللهَ فِي اَلدُّنْيَا»([1]).

 

ولقد كشف الإمام عليه السلام عن عمق هذه العلاقة مع الباري -سبحانه-، يوم عاشوراء ظهرًا، عندما طالب القومَ بوقف القتال؛ حتّى يصلّي لربّه، مع ما كان عليه المنظر والمشهد في تلك اللحظات، وما كانت عليه الحالة من حراجة.

 

تحذير الإمام الحسين عليه السلام من الاستخفاف بالدعاء

وقد حذّر سيّدُ الشهداء عليه السلام من أن يُستَخَفّ بالدعاء، فقال: «إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- أَخْفَى أَرْبَعَةً فِي أَرْبَعَةٍ: أَخْفَى رِضَاهُ فِي اَلْحَسَنَاتِ، فَلاَ يَسْتَصْغِرَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ حَسَنَةً؛ لِأَنَّهُ لاَ يَدْرِي فِيمَ رِضَى اللهِ -تَعَالَى-، وَأَخْفَى سَخَطَهُ فِي اَلسَّيِّئَاتِ، فَلاَ يَسْتَصْغِرَنَّ أَحَدُكُمْ سَيِّئَةً؛ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي فِيمَ سَخَطُ اللهِ، وَأَخْفَى أَوْلِيَاءَهُ فِي اَلنَّاسِ، فَلاَ يَسْتَصْغِرَنَّ أَحَدُكُمْ أَحَدًا؛ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ وَلِيًّا لِلَّهِ، وَأَخْفَى إِجَابَتَهُ فِي اَلدُّعَاءِ، فَلاَ

 


([1]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج44، ص192.

 

13


10

الموعظة الثانية: علاقة الإمام الحسين بالله في تجلّيّات الدعاء

يَسْتَصْغِرَنَّ أَحَدُكُمْ دَعْوَةً؛ فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي لَعَلَّ دُعَاءَهُ مُسْتَجَابٌ»([1]).

 

نماذج من أدعية الإمام الحسين عليه السلام

كانت أدعية الإمام الحسين عليه السلام مشتملةً على معارف عديدة، وقضايا متعدّدة، في التوحيد والعرفان والتوكُّل والأخلاق والسلوك، منها:

1. دعاء عرفة

وهو من الأدعية الهامّة والعظيمة التي وردَت عن لسانه الشريف عليه السلام. ونلاحظ أنّ هناك ترابطًا بين أدعية الإمام، وبالأخصّ دعاء عرفة، وبين ما أبداه عطاء عاشوراء وما قام به عليه السلام من تقديم قرابين في سبيل الله. فقد تجلَّت كلّ معاني التوحيد في دعاء عرفة، قال عليه السلام في دعاء عرفة: «وَأَنَا أُشْهِدُكَ، يَا إِلَهِي، بِحَقِيقَةِ إِيمَانِي، وَعَقْدِ عَزَمَاتِ يَقِينِي، وَخَالِصِ صَرِيحِ تَوْحِيدِي، وَبَاطِنِ مَكْنُونِ ضَمِيرِي، وَعَلَائِقِ مَجَارِي نُورِ بَصَرِي، وَأَسَارِيرِ صَفْحَةِ جَبِينِي... وَمَا ضَمَّتْ وَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِ شَفَتَايَ، وَحَرَكَاتِ لَفْظِ لِسَانِ... وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ تَامُورُ صَدْرِي، وَنِيَاطُ حِجَابِ قَلْبِي، وَأَفْلَاذُ حَوَاشِي كَبِدِي... وَجَمِيعُ جَوَارِحِي...»([2]).

 

2. أدعية الإمام يوم الطفّ

كان للإمام عليه السلام، في كلّ موقف من مواقف يوم عاشوراء، دعاءٌ خاصٌّ، منها:

أ- لَمّا أصبحَت الخيلُ تُقبِلُ عليه عليه السلام، رفع يديه وقال: «اَللَّهُمَّ، أَنْتَ ثِقَتِي فِي كُلِّ كَرْبٍ، وَرَجَائِي فِي كُلِّ شِدَّةٍ، وَأَنْتَ لِي فِي كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بِي ثِقَةٌ وَعُدَّةٌ، كَمْ مِنْ هَمٍّ يَضْعُفُ فِيهِ اَلْفُؤَادُ، وَتَقِلُّ

 


([1]) العلّامة الكراجكيّ، معدن الجواهر وریاضة الخواطر، مصدر سابق، ج1، ص42.

([2]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج94، ص316.

 

14


11

الموعظة الثانية: علاقة الإمام الحسين بالله في تجلّيّات الدعاء

فِيهِ اَلْحِيلَةُ، وَيَخْذُلُ فِيهِ اَلصَّدِيقُ، وَيَشْمَتُ فِيهِ اَلْعَدُوُّ، أَنْزَلْتُهُ بِكَ، وَشَكَوْتُهُ إِلَيْكَ، رَغْبَةً مِنِّي إِلَيْكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، فَفَرَّجْتَهُ وَكَشَفْتَهُ، وَأَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ، وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ، وَمُنْتَهَى كُلِّ رَغْبَةٍ»([1]).

 

ب. دعاؤه قُبَيل شهادته: «اَللَّهُمَّ، مُتَعَالِي اَلْمَكَانِ، عَظِيمُ اَلْجَبَرُوتِ، شَدِيدُ اَلْمِحَالِ، غَنِيٌّ عَنْ اَلْخَلاَئِقِ، عَرِيضُ اَلْكِبْرِيَاءِ، قَادِرٌ عَلَى مَا يَشَاءُ، قَرِيبُ اَلرَّحْمَةِ، صَادِقُ اَلْوَعْدِ، سَابِقُ اَلنِّعْمَةِ، حَسَنُ اَلْبَلاَءِ، قَرِيبٌ إِذَا دُعِيتَ، مُحِيطٌ بِمَا خَلَقْتَ، قَابِلُ اَلتَّوْبَةِ لِمَنْ تَابَ إِلَيْكَ، ...»([2]).

 

ج. وبعد أن بقي عليه السلام طريحًا على الأرض ساعاتٍ من النهار، ملطّخًا بدمه، رَمَقَ السماءَ بطرفه، وأخذَ يدعو بصوتٍ ضعيف: «يَا إلهي، صبرًا على قضائك، ولا معبودَ سِواكَ، يا غياثَ المستَغِيثِين...»([3]).


 


([1]) الشيخ المفيد، الإرشاد، مصدر سابق، ج2، ص95.

([2]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج98، ص347.

([3]) القندوزيّ، الشيخ سليمان بن إبراهيم الحنفيّ، ينابيع المودّة لذوي القربى، تحقيق السيّد عليّ جمال أشرف الحسينيّ، دار الأسوة للطباعة والنشر، إيران - قمّ، 1416هـ، ط1، ج3، ص82.

 

15


12

الموعظة الثالثة: دور الغيرة في حفظ المجتمع

الموعظة الثالثة
دور الغيرة في حفظ المجتمع

 

 

هدف الموعظة

تعرّف أهمّيّة الغيرة، ودورها في حماية المجتمع من الفساد والانحراف.

 

محاور الموعظة

1. محرّمات تنافي الفطرة

2. أنواع الغيرة ومصاديقها

3. آثار الغيرة وثمارها

4. نماذج من غيرة الإمام الحسين عليه السلام

 

تصدير الموعظة

الإمام عليّ عليه السلام: «يا أهلَ العراقِ، نُبِّئْتُ أنَ نساءَكُمْ يُوافقْنَ الرجالَ في الطريقِ؛ أمَا تَسْتَحيونَ؟! لعنَ اللهُ مَنْ لَا يَغَارُ!»([1]).


 


([1]) البرقيّ، أحمد بن محمّد بن خالد، المحاسن، تصحيح وتعليق السيّد جلال الدين الحسينيّ، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1370هـ - 1330 ش، لا.ط، ج1، ص115.

 

16


13

الموعظة الثالثة: دور الغيرة في حفظ المجتمع

محرّمات تنافي الفطرة

ثمّة قسمٌ من المحرّمات ينافي الفطرة، فحتّى الإنسان السليم السويّ، وإن من غير دين، يرفض هذا الحرام، كالاعتداء على غيره بسرقة أمواله، وغيرها من الذنوب. لذا، فإنّ مَن يخالف هذا الأمر الوجدانيّ، كان له عقوبة مغلَّظة، قال -تعالى- واصفًا عباد الرحمن: ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا﴾([1]).

 

ومن جملة الأمور التي تدعو إليها الفطرة، مسألة الغيرة أو الحميّة، وهي من المَلَكات الشريفة، وعلامة المروّة، بل يظهر من الروايات أنّها علامة الإيمان، فعن النبيّ الأكرم-: «إنَّ الغَيْرَةَ مِن الإِيمَانِ»([2])، شرطَ عدم التفريط باستخدامها في غير موضعها، كأنْ يصلَ الحالُ إلى سوء ظنِّ الرجل بزوجته -على سبيل المثال- وخلق الذرائع لاتّهامها، فقد كتب الإمام عليّ عليه السلام لابنه الإمام الحسن عليه السلام: «إِيَّاكَ وَالتَّغَايُرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْعُو الصَّحِيحَةَ إِلَى السُّقْمِ، وَالْبَرِيئَةَ إِلَى الرَّيْبِ»([3]).

 


([1]) سورة الفرقان، الآيتان 68-69.

([2]) الحرّ العامليّ، الشيخ محمّد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت(، إيران - قم، 1414هـ، ط2، ج20، ص155.

([3]) الرضيّ، السيّد أبو الحسن محمّد بن الحسن الموسويّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ%)، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، لا.ن، لبنان - بيروت، 1387هـ - 1967م، ط1، ص450.

 

17


14

الموعظة الثالثة: دور الغيرة في حفظ المجتمع

أنواع الغيرة ومصاديقها

1. الغيرة في الدِينِ

وتتجسَّد من خلال مصاديق عدّة:

أ. الدفاع عن حريم الإسلام، وبَذلُ كلّ ما يحبُّ في سبيله، يقول -تعالى-: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾([1]).

 

ب. المحافظة على حدود الله المقدّسة، فعن النبيّ الأكرم-: «أَلَا وَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْحَرَامَ، وَحَدَّ الْحُدُودَ، فَمَا أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ؛ وَمِنْ غَيْرَتِهِ، حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ »([2]).

 

ج. الاهتمام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ كونها صمّام الأمان للدِين وأهله، قال -تعالى-: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾([3]).

 

د. القيام بما يستلزم بقاء الإسلام وقوّته، من خلال تصدّي جماعةٍ لتبليغ أحكام الإسلام وتشريعاته، يقول -تعالى-: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾([4]).

 

ه. تعظيم شعائر الله، يقول -تعالى-: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ

 


([1]) سورة التوبة، الآية 24.

([2]) الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، مركز الطباعة والنشر في مؤسّسة البعثة، إيران - قمّ، 1417هـ، ط1، ص509.

([3]) سورة آل عمران، الآية 104.

([4]) سورة التوبة، الآية 122.

 

18


15

الموعظة الثالثة: دور الغيرة في حفظ المجتمع

يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾([1]).

 

2. الغيرة على حفظ عفّة الأهل والأولاد

وتتجسّد من خلال مصاديق عدّة:

أ- الغيرة على نسائه (زوجته، بناته، أخواته...)، بأن لا يتغافل عن حفظهنَّ عن الرجال الأجانب، وعن الاُمور التي تُخشى غوائلها، ويمنعهنَّ عن جميع ما يمكن أن يُؤدِّي إلى فسادٍ وريبةٍ.

ب- الغيرة على الأولاد، بأن يراقبهم من أوّل أمرهم، فإذا بدأَت فيهم خمائل التمييز، فينبغي أن يُؤَدَّبوا بآداب الأخيار، ويُعلَّموا محاسن الأخلاق والأفعال، والعقائد الحقَّة.

 

آثار الغيرة وثمارها

1. العفاف: فإنّ الذي يغار على نسائه ونواميسه، ويُكِنّ لهنّ احترامًا، لن يسمح لنفسه أن ينظر إلى نساء الآخرين ونواميسهم، عن الإمام عليّ عليه السلام: «مَا زَنَى غَيُورٌ قَطُّ»([2]).

2. الوقاية من الفساد: فإنّه كما أنّ فقدانَ الغَيرة واللامبالاة يوفِّر أرضيّة الفساد، كذلك الغَيرة والحساسيّة تجاه الرذائل تَقِي مِن الفساد.

3. استحكام الأسرة وثباتها: فإنّ النساء والفتيات العفيفات يَشعُرْنَ بالأمن والسكينة، مادام هناك رجالٌ غيارى، لا يَدَعون الفاسقين والماجنين يتعرّضون لهنَّ بالأذى.

 

نماذج من غيرة الإمام الحسين عليه السلام

يكفي الإشارة إلى ما جرى عليه يوم عاشوراء،

 


([1]) سورة الحجّ، الآية 32.

([2]) السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ%)، مصدر سابق، ص529.

 

19


16

الموعظة الثالثة: دور الغيرة في حفظ المجتمع

فبَعدَ أن قُتِل جميع أنصاره وأصحابه وأهل بيته(، صاح عمر بن سعد بالجمع: هذا ابنُ الأنزعِ البطينِ، هذا ابنُ قتَّالِ العربِ، احمِلوا عليه من كلّ جانب! فصاح بهم: «يا شيعةَ آلِ أبي سفيان، إنْ لم يَكنْ لكم دِينٌ، وَكنتُم لا تخافونَ المعادَ، فكونوا أَحرارًا في دُنياكم، وارجِعوا إلى أحسابِكم، إنْ كنتُم عربًا، كما تزعمون».

 

فناداه شمر: ما تقول يابن فاطمة؟ قال: «أنا الذي أُقاتِلُكم، والنساءُ ليسَ عليهنَّ جُناحٌ، فامنَعُوا عُتاتكم عن التعرُّضِ لِحرمي ما دُمْتُ حَيًّا». فقال الشمر: لك ذلك. وقصده القومُ، واشتدَّ القِتال...

 

وحمل عليه السلام من نحو الفرات، على عمرو بن الحجّاج، وكان في أربعة آلاف، فكَشَفَهم عن الماء، وأقحم الفَرَسَ الماء، فلمَّا مدَّ الحسين عليه السلام يَدَهُ ليشرب، ناداه رجلٌ: أَتَلْتَذُّ بالماءِ، وقدْ هُتِكَتْ حرمُك؟ فرمى الماء، ولم يشرب، وقصَدَ الخيمة([1]).


 


([1]) جعفر البياتيّ، الأخلاق الحسينيّة، أنوار الهدى، لا.م، 1418هـ، ط1، ص221.

 

20


17

الموعظة الرابعة: الهدف أداء التكليف

الموعظة الرابعة
الهدف أداء التكليف

 

هدف الموعظة

بيان معنى أداء التكليف ومَنْ يحدّده، وآثار أدائه، وكونه هدفًا بذاته.

 

محاور الموعظة

1. أداء التكليف طريق الوصول إلى الأهداف

2. من يحدّد التكليف؟

3. بركات الالتزام بأداء التكليف وآثاره

4. روحيّة أداء التكليف

5. الهدف أداء التكليف

 

تصدير الموعظة

الرسول الأكرم-: «اسمَعوا وأطيعوا لمن ولّاه اللهُ الأمرَ؛ فإنّه نظام الإسلام»([1]).


 


([1]) المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان، الأمالي، تحقيق حسين الأستاد ولي، علي أكبر الغفاري، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414هـ - 1993م، ط2، ص14.

 

21


18

الموعظة الرابعة: الهدف أداء التكليف

 

 

أداء التكليف طريق الوصول إلى الأهداف

ثمّة غايات وأهداف جليلة اقتضَت حكمة الخالق أن تتحقّق منّا نحن البشر، فكان الخلق والإيجاد تلك النعمة الإلهيّة، وكانت الحياة والقدرة نعمة عظمى، وكانت الإرادة والاختيار ابتلاءً واختبارًا، وطريقًا إلى تحقيق الأهداف.

 

وقد لخّص -تعالى- الحكمة والغاية من الخلق: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾([1]).

 

فالطريق الموصِل إلى الكمال هو العبادة، والتي تعني، في ما تعني، الطاعة والخضوع للمعبود، والانصياع لأوامره.

 

والطاعة أو العبادة عنوانٌ إجماليّ، لها تفصيلٌ يتعلّق بأبعاد الإنسان وعوالمه ونشأته ونواحيه كلّها. وأداء التكليف يجعلنا نسلك طريق العبوديّة لخالقنا.

 

من يحدّد التكليف؟

إنّ التكاليف التي تقع على عاتقنا نوعان:

الأوّل يتعلّق بالأحكام الشرعيّة العامّة والثابتة، كالعبادات والمعاملات، من صلاة وصوم وحجّ وبيع وتجارة وقرض...

 

والثاني يتعلّق بالوقائع والأحداث، وتشخيص المصالح والمفاسد، من موقع الإدارة والقيادة للمجتمع.

 

رسول الله- هو الذي يتولّى كِلا الجهتَين، وبعده الأئمّة(، قال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾([2]).

 

فكلّ ما يتعلّق بكونه قائدًا ووليًّا للأمر، وصادرًا عنه في هذه الجهة، ملزِمٌ، وتجب طاعته في

 


([1]) سورة الذاريات، الآية 56.

([2]) سورة النساء، الآية 59.

 

22

.


19

الموعظة الرابعة: الهدف أداء التكليف

العبادات والمعاملات. وممّا لا شكّ فيه، أنّ هذه الأوامر تأتي من خلال تشخيصه- للمصالح والمفاسد، بل ثمّة تشديد على الانقياد والطاعة ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾([1]).

 

ولا تنتفي هذه الحاجة في عصر الغيبة. والواضح أنّ مَن بَيَّن لنا أدقّ تفاصيل الشريعة والأحكام لابتلاءاتنا، في أصغرها وأحقرها، إلى أعظمها وأخطرها، لا يمكن أن يترك هذه المساحة خالية. لذا، نصّب الأئمّةُ( الفقيهَ الجامعَ للشرائط في كلِّ عصرٍ، وليًّا يتحمّل هذه المسؤوليّة، فعن الإمام الصادق عليه السلام: «فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُهُ عَلَيْكُمْ حَاكِمًا، فَإِذَا حَكَمَ بِحُكْمِنَا، فَلَمْ يَقْبَلْهُ مِنْهُ، فَإِنَّمَا اسْتَخَفَّ بِحُكْمِ اللَّهِ، وَعَلَيْنَا رَدَّ؛ وَالرَّادُّ عَلَيْنَا الرَّادُّ عَلَى اللَّهِ، وَهُوَ عَلَى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللَّه»([2]).

 

بركات الالتزام بأداء التكليف وآثاره

إنّ للالتزام بأداء التكليف آثارًا وبركات في الدنيا والآخرة، ومنها تحصيل مشروعيّة العمل وبراءة الذمّة.

 

1. الوحدة والنجاح

إنّ تشخيص الأولويّات وتحديد التكاليف، من الوليّ الفقيه، يوحّد النظرة إلى الواقع، وينزع مادّة الخلاف، ويحقّق النجاحات العظمى في ميادين العمل، وننجو من السقوط والفشل الذي سببُه الرئيسُ التنازعُ، يقول -تعالى-: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ

 


([1]) سورة النساء، الآية 65.

([2]) الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح علي أكبر الغفّاريّ، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج1، ص67.

 

23


20

الموعظة الرابعة: الهدف أداء التكليف

وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾([1]).

 

فالسلك الذي يربط أبناء الأمّة، هو طاعة مَن أمر الله بطاعته، فعن رسول الله-: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا لِمَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ الْأَمْرَ، فَإِنَّهُ نِظَامُ الْإِسْلَام‏»([2]).

 

2. تركيز الجهود

فعندما نخلص من البحث عن تكاليفنا، ونفرغ عن تحديدها، سيصبح همُّنا ومركزُ جهدنا هو أداء التكليف، وهذا ما يؤدّي إلى أن تتركّز وتنصبّ الجهود على حُسن الأداء والإتقان، وهذا ما يُفتَرض أن يقوّي فينا روح الإبداع. ومن ثمّ، فإنّ الالتزام بأداء التكليف يوفّر الجهود، ويمنع تشتّتها وضياعها.

 

3. النصر والغلبة

﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾([3]).

 

4. الطمأنينة

فتأدية التكاليف بالرجوع إلى من خوَّلَه اللهُ بيانَ ذلك، يحصّل حالةً من الاطمئنان القلبيّ، لجهة الامتثال وعدم التقصير، ولعدم الحيرة في التشخيص.

 

روحيّة أداء التكليف

إنّ التكليف من الله، قد يُوَجَّه إلينا مباشرةً، كالأوامر ذات البُعد العباديّ: ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ﴾([4])، ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾([5])، ﴿وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ﴾([6]). وقد لا نجد صعوبةً في الامتثال

 


([1]) سورة الأنفال، الآية 46.

([2]) الشيخ المفيد، الأمالي، مصدر سابق، ص14.

([3]) سورة المائدة، الآية 56.

([4]) سورة الإسراء، الآية 78.

([5]) سورة البقرة، الآية 183.

([6]) سورة آل عمران، الآية 97.

 

24

24


21

الموعظة الرابعة: الهدف أداء التكليف

والطاعة، ولكن عندما يأمرنا بإطاعة مخلوق مثلنا، فهنا سقط الكثير من الخلق، وأوّلُهم إبليس، حيث رفض السجود لآدم، والذين رفضوا الالتزام بولاية الأئمّة(...

 

فالنجاح والفلاح هنا في إطاعة مَن أَمَرَ الله بطاعته، حتّى لو لم نرَ له مزيّةً علينا.

 

لذا، فإنّ الروحيّة التي يُفتَرض أن نتعاطى فيها بموضوع أداء التكليف، هي التسليم، قال -تعالى-: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ﴾([1])، وعن أمير المؤمنين عليه السلام: «إنَّ الإسلامَ هوَ التسليمُ»([2]).

 

ومعنى ذلك أن نلتزم عمليًّا بأداء التكليف، بالالتزام بكافّة الأحكام الإلهيّة، وفي شتّى الميادين، حتّى لو خالفَت آراءنا وأهواءنا.

 

الهدف أداء التكليف

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، في بيان الهدف الأساس لحركة الإمام الحسين عليه السلام: «عندما قَدِم الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء، لم يأتِ بقصد الحكومة، ولا الشهادة، إنّما كان الهدف أداءَ التكليف... فإنْ كانت الحكومة هي الخاتمة، فنِعِمّا هي، وهذا أمرٌ حَسَنٌ جدًّا؛ أنْ يذهب ويقيم الحكومة، ويهزم يزيدَ في المعركة، ويقضي عليه. وإذا كانت الشهادة هي خاتمة الثورة، فهي إحدى الحُسنَيَين، وهو كان قد أعدَّ نفسَه للشهادة؛ لذلك فقد خطب تلك الخطب، ليبيّن جَمالَ الشهادةِ في أعين أصحابه، مثلما هي جميلة»([3]).


 


([1]) سورة الزخرف، الآية 69.

([2]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص45.

([3]) من كلمة للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء عوائل الشهداء، بتاريخ 11/12/1983م.

 

25


22

الموعظة الخامسة: الصبر وآثاره على الفرد والمجتمع

الموعظة الخامسة
الصبر وآثاره على الفرد والمجتمع

 

هدف الموعظة

تعرّف أهمّيّة الصبر، وآثاره على الفرد والمجتمع الإيمانيّ.

 

محاور الموعظة

1. باعث الصبر

2. ثمار الصبر ونتائجه

3. علامات الصابر

4. دعائم الصبر

 

تصدير الموعظة

الإمام الصادق عليه السلام: «رأسُ طاعةِ اللهِ الصبرُ والرضا عنِ اللهِ في ما أحبَّ العبدُ أو كرِهَ، ولا يرضى عبدٌ عنِ اللهِ في ما أحبَّ أو كَرِهَ، إلَّا كانَ خيرًا له في ما أحبَّ أو كرِهَ»([1]).

 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص60.

 

26


23

الموعظة الخامسة: الصبر وآثاره على الفرد والمجتمع

إنّ في الإسلام منهجًا قويمًا للحياة الفاضلة، حيث إنّه يحدّد سلوك الإنسان، وينظِّم أمور حياته على الأصعدة كلّها، من خلال بيان الأخلاقيّات الحسنة والسلوكيّات الحميدة، التي ينبغي أنْ يتحلّى بها في مسير حياته، ومنها الصبر، الذي هو سلاح المؤمن في مجابهة المصاعب والبلاءات، بل الذي يُعَدّ مفتاح تقدُّمِه وارتقائه في ميادين الحياة، على اختلاف أشكالها.

 

باعث الصبر

إنّ الباعث على الصبر لا بدّ وأن يكون وَجْهَ الله والتقرُّب إليه -سبحانه-، قال -تعالى-: ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ﴾([1]).

 

يقول الشيخ الطبرسيّ): «﴿والَّذِينَ صَبَرُوا﴾ على القيامِ بأوامر الله ومشاقّ التكليف، وعلى المصائب في النفوس والأموال، وعن معاصي الله ﴿اِبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ﴾، لا لِغَرَضٍ من الأغراض الدنيويّة، أو لِيُقال: ما أصبره وأوقره! ولئلّا يشمت به الأعداء...»([2]).

 

ثمار الصبر ونتائجه

1. محبّة الله -عزَّ وجلّ-: يقول -تعالى-: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾([3]).

2. صلوات الله، ورحمته، وهدايته: قال -تعالى-: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾([4]).

 

3. معيَّة الله -تعالى- لهم: قال -سبحانه-: ﴿إِنَّ اللَّهَ

 


([1]) سورة الرعد، الآية 22.

([2]) الطبرسيّ، الشيخ الفضل بن الحسن، تفسير جوامع الجامع، تحقيق ونشر مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1418هـ، ط1، ج2، ص259.

([3]) سورة آل عمران، الآية 146.

([4]) سورة البقرة، الآيات 155-157.

 

27


24

الموعظة الخامسة: الصبر وآثاره على الفرد والمجتمع

مَعَ الصَّابِرِينَ﴾([1]).

 

4. النصر قرين الصبر: قال -سبحانه-: ﴿بلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾([2]).

 

5. المغفرة والأجر الكبير: قال -تعالى-: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾([3]).

 

6. الفوز بالجنّة: عن الإمام الباقر عليه السلام: «الجنّةُ محفوفةٌ بالمكارِهِ والصبرِ، فمَنْ صبرَ على المكارِهِ في الدنيا، دخلَ الجنَّةَ»([4]).

 

دعائم الصبر

يحتاج المرء إلى ما يدعم صفة الصبر في نفسه، حتّى تَرْكزَ في نفسه وتَثبُتَ. ويمكن ذكر بعضها في النقاط الآتية:

1. بمعرفة الإنسان أنّ الدنيا زائلة، لا دوام فيها، وأنّ مبدأه من الله -تعالى-، ومصيره إليه.

 

2. بالاقتداء بأنبياء الله ورسله وأوصيائهم، والتأمُّل في سِيَرِهم وما نزل بهم من ألوان البلاء والشدائد.

 

3. بمعرفة منزلة الصبر، عن الإمام السجّاد عليه السلام: «الصبرُ مِنَ الإيمانِ بمنزلةِ الرأسِ مِنَ الجسدِ، ولا إيمانَ لِمَنْ لا صبرَ لهُ»([5]).

 

4. باليقين بمجازاة الله -عزَّ وجلّ- الصابرين مِن عباده، أحسنَ الجزاء، وبما وعد به المبتَلِين من اليُسر بعد العُسر، والفرج بعد الشدَّة، قال -تعالى-: ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾([6]). وفي الحديث: «الصَّبْرُ يُعْقِبُ

 


([1]) سورة البقرة، الآية 153.

([2]) سورة آل عمران، الآية 125.

([3]) سورة هود، الآية 11.

([4]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص89.

([5]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص89.

([6]) سورة النحل، الآية 96.

 

28


25

الموعظة الخامسة: الصبر وآثاره على الفرد والمجتمع

خَيْرًا، فَاصْبِرُوا وَوَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى الصَّبْر، تُؤجَرُوا»([1]).

 

5. بالإيمان بقضاء الله وقدره، قال -تعالى-: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾([2]).

 

6. بالإيمان بمكانة الصبر في الحياة البرزخيّة، عن الإمام الصادق عليه السلام: «إِذَا دَخَلَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ، كَانَتِ الصَّلَاةُ عَنْ يَمِينِهِ، وَالزَّكَاةُ عَنْ يَسَارِهِ، وَالْبِرُّ مُطِلٌّ عَلَيْهِ، وَيَتَنَحَّى الصَّبْرُ نَاحِيَةً، فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْمَلَكَانِ اللَّذَانِ يَلِيَانِ مُسَاءَلَتَهُ، قَالَ الصَّبْرُ لِلصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْبِرِّ: دُونَكُمْ صَاحِبَكُمْ، فَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْهُ، فَأَنَا دُونَهُ»([3]).

 

علامات الصابر

عن رسول الله-: «عَلَامَةُ الصَّابِرِ فِي ثَلَاثٍ: أَوَّلُهَا أَنْ لَا يَكْسَلَ، وَالثَّانِيَةُ أَنْ لَا يَضْجَرَ، وَالثَّالِثَةُ أَنْ لَا يَشْكُوَ مِنْ رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؛ لِأَنَّهُ إِذَا كَسِلَ فَقَدْ ضَيَّعَ الْحَقَّ، وَإِذَا ضَجِرَ لَمْ يُؤَدِّ الشُّكْرَ، وَإِذَا شَكَا مِنْ رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَقَدْ عَصَاه»([4]).

 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص89.

([2]) سورة الحديد، الآيات 22-23.

([3]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص90.

([4]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج68، ص86.

 

29


26

الموعظة السادسة: الإمام المهديّ على لسان الإمام الحسين

الموعظة السادسة
الإمام المهديّ. على لسان الإمام الحسين عليه السلام

 

هدف الموعظة

بيان العناوين المهدويّة في روايات الإمام الحسين عليه السلام.

 

محاور الموعظة

1. مسيرة الإصلاح وتحقيق العدالة

2. عناوين مهدويّة على لسان سيّد الشهداء عليه السلام

 

تصدير الموعظة

الإمام الحسين عليه السلام: «قائم هذه الأمّة هو التاسع من ولدي، وهو صاحب الغَيْبة»([1]).


 


([1]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج51، ص133.

 

30


27

الموعظة السادسة: الإمام المهديّ على لسان الإمام الحسين

مسيرة الإصلاح وتحقيق العدالة

تربط الروايات الصادرة عن أئمّة أهل البيت( بين الإمام المهديّ. وجدّه الإمام الحسين عليه السلام، وأنّه. يطلب بثأره ودمه، ويقتل قاتليه وذراريهم، وأنّه. يخرج في «اليوم الذي قُتِلَ فيه الحسين عليه السلام...»([1])، وأنّ شعار أصحاب القائم. «يا لثارات الحسين عليه السلام!»([2]).

 

ويكفي ربطًا بينهما، أنّ الإمام الحسين عليه السلام خرج لطلب الإصلاح: «إنّما خرجتُ لطلبِ الإصلاحِ في أمّةِ جَدِّي»([3])، وأنّ الإمام المهديّ. يخرج ليملأها «عَدْلًا وقِسْطًا، كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وظُلْمًا»([4]).

 

عناوين مهدويّة على لسان سيّد الشهداء عليه السلام

وفي ما يأتي، بعض العناوين المهدويّة التي جاءت على لسان سيّد الشهداء عليه السلام:

المهديّ. هو التاسع من وُلْدِ الحسين عليه السلام

يؤكّد الإمام الحسين عليه السلام أنّ الإمام المهديّ. هو من ذرّيّته وأولاده، حيث يقول عليه السلام: «قائمُ هذهِ الأمّةِ هو التاسعُ من

 


([1]) الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، كمال الدين وتمام النعمّة، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفّاريّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، إيران - قمّ، 1405هـ - 1363ش، لا.ط، ص654.

([2]) الطبرسيّ، الميرزا حسين النوريّ، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت( لإحياء التراث، لبنان - بيروت، 1408هـ - 1987م، ط1، ج11، ص114.

([3]) الأمين، السّيد محسن، لواعج الأشجان، منشورات مكتبة بصيرتي، إيران - قمّ، 1331هـ، لا.ط، ص30.

([4]) الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص318.

 

31


28

الموعظة السادسة: الإمام المهديّ على لسان الإمام الحسين

وُلدِي...»([1]).

 

المهديّ وارث الأنبياء

الإمام المهديّ. هو وارث الأنبياء(، وفيه سُنَنٌ مِن سُنَنِهم؛ إذ يقول سيّد الشهداء عليه السلام: «فِي الْقَائِمِ مِنَّا سُنَنٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ: سُنَّةٌ مِن نُوحٍ، وسُنَّةٌ مِن إِبْرَاهِيمَ، وسُنَّةٌ مِنْ مُوسَى، وسُنَّةٌ مِنْ عِيسَى، وسُنَّةٌ مِنْ أَيُّوبَ، وسُنَّةٌ مِنْ محمّد. فَأَمَّا مِن نُوحٍ، فَطُولُ الْعُمُرِ، وأَمَّا مِنْ إِبْرَاهِيمَ، فَخَفَاءُ الْوِلادَةِ واعْتِزَالُ النَّاسِ، وأَمَّا مِنْ مُوسَى، فَالْخَوْفُ والْغَيْبَةُ، وأَمَّا مِن عِيسَى، فَاخْتِلافُ النَّاسِ فِيهِ، وأَمَّا مِنْ أَيُّوبَ، فَالْفَرَجُ بَعْدَ الْبَلْوَى، وأَمَّا مِنْ مُحَمَّدٍ، فَالْخُرُوجُ بِالسَّيْف»([2]).

 

المهديّ. صاحب الغيبة

يوضّح الإمام الحسين عليه السلام للشيعة مسألة مهمّة مرتبطة بالإمام المهديّ.، ألا وهي غيبته.، فعنه عليه السلام: «قائم هذه الأمّة هو التاسع من ولدي، وهو صاحب الغَيْبة»([3]).

 

للصابر في غيبته

تأكيدًا على أهمّيّة الصبر، وخاصّةً في عصر الغيبة، يقول الإمام الحسين عليه السلام: «الصابِرُ في غَيْبَتِه على الأذى والتكذيب، بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله-»([4]).

 


([1]) المصدر نفسه، ص317.

([2]) الفيض الكاشانيّ، المولى محمّد محسن، الوافي، تحقيق ضياء الدين الحسينيّ الأصفهانيّ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليّ% العامّة، إيران - أصفهان، 1406هـ، ط1، ج2، ص424.

([3]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج51، ص133.

([4]) الطبرسيّ، الشيخ الفضل بن الحسن، إعلام الورى بأعلام الهدى، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت( لإحياء التراث، إيران - قمّ، 1417هـ، ط1، ج2، ص194.

 

32


29

الموعظة السادسة: الإمام المهديّ على لسان الإمام الحسين

المهديّ. وحتميّة الظهور

تعرّض الإمام الحسين عليه السلام لمسألةِ حتميّةِ ظهور الإمام المهديّ.، وأنّه بإذن الله، وأنّ مَن أراد النجاة عليه أن يتّبعَ الإمام المهديّ. بعد ظهوره، «لا تقومُ الساعةُ حتّى يقومَ قائمُ الحقِّ، وذلك حينَ يأذَنُ اللهِ -عزّ وجلّ- له، فمن تبعه نجا، ومن تخلّف عنه هلك! الله، الله، عباد الله! فأتوه ولو حبوًا على الثلج»([1]).

 

المهديّ. وحاجة الناس إليه

يُعرَف الإمام المهديّ. بحاجة الناس إليه بعد خروجه، فعن الحارث بن المغيرة النضريّ قال: قلتُ لأبي عبد الله الحسين بن عليّ عليه السلام: بأيّ شيءٍ يُعرَف الإمام المهديّ؟ قال: «بالسكينة والوقار»، قلت: وبأيّ شيء؟ قال: «بمعرفة الحلال والحرام، وبحاجة الناس إليه، ولا يحتاج إلى أحد»([2]).

 

المهديّ. والعدل العالميّ

ظهور المهديّ. هو ظهور العدالة بأشكالها المتعدّدة؛ الاجتماعيّة، والاقتصاديّة، والسياسيّة، والثقافيّة... إذ العدالة الواردة في الروايات غير مقيَّدة بمجالٍ من مجالات العدالة؛ وهذا ما يبيّنها الإمام الحسين عليه السلام بقوله: «...حتّى يخرج رجلٌ من وُلدي، فيملؤها عدلًا وقسطًا، كما مُلِئَت جورًا وظُلمًا»([3])، وقوله عليه

 


([1]) الطبريّ، محمّد بن جرير، دلائل الإمامة، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، مركز الطباعة والنشر في مؤسّسة البعثة، إيران - قمّ، 1413هـ، ط1، ص452.

([2]) المقدسيّ، يوسف بن يحيى، عقد الدرر في أخبار المنتظر، تحقيق الدكتور عبد الفتّاح محمّد الحلو، مكتبة عالم الفكر، مصر - القاهرة، 1399هـ - 1979م، ط1، ص41.

([3]) الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص318.

 

33


30

الموعظة السادسة: الإمام المهديّ على لسان الإمام الحسين

السلام: «الخيرُ كُلُّه في ذلِك الزمانِ»([1])، وأبرز مصاديق الخير في ذلك الزمان:

1. الرخاء الاقتصاديّ

جاء عن سيّد الشهداء عليه السلام قولُه: «تواصوا وتبارّوا، فوَالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، لَيأتينّ عليكم وقتٌ لا يجد أحدُكم لديناره، ولا لدرهمه موضعًا»([2]). وهذا الرخاء في زمنه. سببه العدالة الاجتماعيّة.

 

2. إحياء المعارف الدينيّة

عن الإمام الحسين عليه السلام: «منّا اثنا عشر مهديًّا، أوّلُهم أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو الإمام القائم بالحقّ، يُحيِي اللهُ به الأرض بعد موتها، ويُظهِر به دين الحقّ على الدين كلّه، ولو كره المشركون»([3]).

 


([1]) النعمانيّ، الشيخ ابن أبي زينب محمّد بن بن إبراهيم، الغيبة، تحقيق فارس حسّون كريم، أنوار الهدى، إيران - قم، 1422هـ، ط1، ص213.

([2]) المقدسيّ، عقد الدرر في أخبار المنتظر، مصدر سابق، ص173.

([3]) الخزّاز القمّيّ، تحقيق السيّد عبد اللطيف الحسينيّ الكوهكمريّ الخوئيّ، انتشارات بيدار، إيران - قم، 1401هـ، لا.ط، ص232.

 

34


31

الموعظة السابعة: التوكّل المجتمعيّ

الموعظة السابعة
التوكّل المجتمعيّ

 

هدف الموعظة

بيان أهمّيّة التوكّل وأثاره على الفرد والمجتمع.

 

محاور الموعظة

1. بين السعي والتوكّل

2. آثار التوكّل على الفرد والمجتمع

3. قصةٌ وعبرة

 

تصدير الموعظة

الرسول الأعظم-: «لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ؛ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا»([1]).

 


([1]) الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج11، ص217.

 

35


32

الموعظة السابعة: التوكّل المجتمعيّ

بين السعي والتوكّل

المشاكل التي يقابلها الإنسان في حياته كثيرة ومتعدّدة، وكذلك التحدّيات التي تواجه الأمّة؛ ما يحتّم اللجوء إلى الله القويّ المتين، الذي بيده مقاليد الأمور، والذي نثق به ونتوكّل عليه دون غيره -سبحانه-.

 

والتوّكل، الذي يُعدّ من أعظم الأخلاق الإيمانيّة والعبادات القلبيّة، لا ينافي سعيَ الإنسان، والاستفادة من الأسباب الطبيعيَّة والوسائل الظاهريَّة؛ لتحقيق أهدافه ومصالحه، كالتَّزوُّد للسفر، والعمل للكسب والربح والعيش والتَوسعة على العيال، فهذه كلّها أسبابٌ ضروريَّةٌ لحماية الإنسان وإنجاز مقاصده. وقد أَبَى اللهُ -عزَّ وجلَّ- أن تجري الأمور إلّا بأسبابها. ومن هنا، نلاحظ قول النبيّ- للأعرابيّ الذي أهمل بعيرَه، وقال: توكّلتُ على اللهِ!: «اعْقلْهَا وَتَوَكَّلْ»([1]). وعن الإمام الصادق عليه السلام: «أَوْجَبَ اللهُ لعبادِه أنْ يطلبوا منه مقاصدَهم، بالأسبابِ التي سبَّبَها لذلك، وأَمَرَهُم بذلك»([2]).

 

آثار التوكّل على الفرد والمجتمع

وللتوكّل الحقّ على الله، نتائجُ إيجابيّة، وثمرات كثيرة، تعود بالمنافع الدينيّة والدنيويّة على المسلم المتوكِّل. وأبرز هذه النتائج أو الثمار الآتي:

 


([1]) عليّ الطبرسيّ، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، تحقيق مهديّ هوشمند، دار الحديث، 1418هـ، ط1، ص551.

([2]) النراقيّ، الشيخ محمّد مهديّ، جامع السعادات، تحقيق وتعليق السيّد محمّد كلانتر، تقديم الشيخ محمّد رضا المظفّر، دار النعمان للطباعة والنشر، لا.م، لا.ت، لا.ط، ج3، ص183.

 

36


33

الموعظة السابعة: التوكّل المجتمعيّ

1. الشعور بالقوّة النفسيّة والروحيّة

فالخوف عادةً ما يكون بسبب الضعف وقلّة الناصر، أمّا مَن كان اللهُ معه وناصرَه، فمن الطبيعيّ أن يكون أشجع الشجعان. وبما أنّ المتوكِّل على الله يُعلِّق آمالَه على القدرة اللامتناهية، فإنّ أوّل أثر إيجابيّ يشعرُ به هو القوّة، والنصر، والتغلُّب على المحن والحوادث الكبيرة في الحياة.

 

عن النبيّ الأكرم-: «مَن سَرَّهُ أنْ يكونَ أَقْوَى الناسِ، فَلِيَتَوَكَّلْ عَلى اللهِ»([1]).

 

2. الشعور بالعزّة والغنى

فمَن تَوَكَّلَ على الله فإنّه يغنيه عن جميع مَن هُم دونه. كيف لا، وهو في كنف أغنى الأغنياء! عن الرسول الأكرم-: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ بِصِدْقِ النِّيَّةِ، لَاحْتَاجَتْ إِلَيْهِ الْأُمَرَاءُ، فَمَنْ دُونَهُمْ! فَكَيْفَ يَحْتَاجُ هُوَ، وَمَوْلَاهُ الْغِنِيُّ الْحَمِيد!»([2]).

 

3. الشعور بالطمأنينة والسكينة

إنّ المؤمن يعيش حالةَ الاستقرار والهدوء النفسيّ في كلِّ الأحوال، فلا تهزُّه التقلُّبات والأزمات الشديدة؛ لأنّه مرتبطٌ بعالَم الغيب، والذي يأوي إلى حُصنٍ منيع، ما ضَرَّهُ أنْ يتكالب عليه الأعداء مِن كلِّ حَدَبٍ وصوب؟!

 

4. يساعد العقل على التفكير الصحيح

فإنّ التوكُّل على الله يولِّد طمأنينةً في النفس، فتنفتح لها الآفاقُ المعرفيّة، فيرى الأشياء بوضوح، ويُصدر على أساسها الحكمَ العقليَّ بهدوء.

عن أمير المؤمنين عليه السلام: «مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ، أَضَاءَتْ لَهُ الشُّبُهَاتُ، وَكُفِيَ الْمَؤُونَاتِ، وَأَمِنَ

 


([1]) الشيخ عليّ الطبرسيّ، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، مصدر سابق، ص52.

([2]) المصدر نفسه.

 

37


34

الموعظة السابعة: التوكّل المجتمعيّ

التَّبِعَات»([1]).

5. الراحة والسرور والسعادة

فقد منح اللهُ -تعالى- المتوكِّلين عليه، السرورَ والغبطةَ، ففي الحديث: «وَمَنْ وَثِقَ بِاللهِ، أَرَاهُ السُّرُورَ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ، كَفَاهُ الأمُورَ»([2]).

6. تذليل الصعاب

من أبسط نتائج التوكُّل، أنّ المتوكِّل لا يجد عناءً في ما يريده، وهو أمرٌ مستَعصٍ على الكثيرين من الناس، فعن الإمام عليّ عليه السلام:«مَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ، ذلَّتْ لَهُ الصِّعَابُ، وَتَسَهَّلَتْ عَلَيْهِ الأَسْبَابُ»([3]).

 

7. الكفاية والرزق

قال الله -تعالى-: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾([4]).

 

8. الشعور بالرضا

جعل بعضُ العلماءِ الرضا، جزءًا من حقيقة التوكّل، أو درجةً من درجاته. فالمتوكّل مُوقِنٌ في قرارة نفسِه، أنَّ تدبيرَ الله له، خيرٌ مِن تدبيرِ نفسِه، وأنّه يعيش في كفايةِ الله -تعالى- وكفالته ووكالته، وكفى بالله وكيلًا؛ ولهذا، ألقى حِملَهُ وهمومَه عند باب ربِّه، فاستراح مِن الهمِّ والعناء.

 

قصةٌ وعبرة

ما نقرأه في قصّة نبيّ الله موسى عليه السلام،

 


([1]) الليثيّ الواسطيّ، الشيخ كافي الدين أبو الحسن عليّ بن محمّد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق الشيخ حسين الحسينيّ البيرجنديّ، دار الحديث، إيران - قمّ، 1418هـ، ط1، ص423.

([2]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج68، ص151.

([3]) الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص426.

([4]) سورة الطلاق، الآية 3.

 

38


35

الموعظة السابعة: التوكّل المجتمعيّ

عندما سطا عليه فرعونُ بقوّته، فأَمَرَه اللهُ بالخروج ليلًا، فخرج موسى ومَن معه، كما أمرهم الله -تعالى-، مُتَّجِهين ناحية البحر، فأتبعَهم فرعونُ ومَن معه من العدد والعدّة، فلمّا وصَلَ موسى ومَن معه البحر، وقالت دلائلُ الحالِ كلّها: أنْ لا مفرّ، فالبحرُ أمامَهم، والعدوّ من خلفهم! ونظر أصحابُ موسى إلى الأسباب الأرضيّة، فلم يجدوا مناصًا من فرعون، فقالوا: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُون﴾([1])، فتوافق لسانُ الحال ولسانُ المقال، لكنّ موسى كليمَ الله، الذي خرجَ لأمر الله له بالخروج، لم يقف عند تلك الأسباب الأرضيّة، بل رنا ببصيرته إلى مَن بِيَدِه ملكوت كلِّ شيء، الذي إذا أراد شيئًا أن يقولَ له: كنْ فَيَكون. وقد كان عليه السلام مُوقِنًا أنّ الله لن يخزيَه أبدًا، ولن يتخلّى عنه في وقتٍ كهذا الوقت من الشدّة والضيق، وكيف لا، وقد قال اللهُ له، هو وهارون، منذ أن أرسله إلى فرعون: ﴿لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾([2])! وبمقتضى هذا الإيمان من موسى، ويقينه في النصر من الله -تعالى-، قال: ﴿قَالَ كَلّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾([3]). وهنا تدخّلت القدرة الإلهيّة بما لم يتخيّله البشر، قال -تعالى-: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾([4]).


 


([1]) سورة الشعراء، الآية 61.

([2]) سورة طه، الآية 46.

([3]) سورة الشعراء، الآية 62.

([4]) سورة الشعراء، الآيات 63-68.

 

39


36

الموعظة السابعة: التوكّل المجتمعيّ

الموعظة الثامنة
الشهادة والشهداء

 

هدف الموعظة

بيان فضل الشهداء وعُلُوِّ مقامهم في الدنيا والآخرة.

 

محاور الموعظة

1. معنى الشهيد

2. أهمّيّة الشهادة

3. مكانة الشهيد

4. من شرائط الشهادة

5. الشهادة في كربلاء

 

تصدير الموعظة

﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾([1]).


 


([1]) سورة آل عمران، الآيات 169-171.

 

40


37

الموعظة الثامنة: الشهادة والشهداء

معنى الشهيد

الشهيد هو المقتول في سبيل الله. وسبب تسميته بذلك، قيامُه بشهادة الحقّ في أمر الله -تعالى- حتّى قُتِل، أو لأنّه يشهد ما أُعِدَّ له من الكرامة، أو لأنّه شُهِدَ له بالإيمان، أو لأنّه خُتِمَ له بخير، أو لأنّه حَيٌّ لم يَمُتْ، كأنّه يشاهد ويحضر، أو لأنّه حاضرٌ عند ربّه، أو لأنّه يشهد ملكوت الله ومُلكه، أو لسقوطه على الشاهدة؛ وهي الأرض([1])، ولعلّه لِجميع ما ذُكِر.

 

أهمّيّة الشهادة

1. أعلى درجات البرّ: عن الرسول الأكرم-: «فَوْقَ كُلِّ ذِي بِرٍّ بَرٌّ، حَتَّى يُقْتَلَ الرَّجُلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ فَإِذَا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَلَيْسَ فَوْقَهُ بِرٌّ»([2]).

 

2. إحدى الحُسنَيَين: قال الله-تعالى-: ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾([3])، وعن أمير المؤمنين عليه السلام: «الْمُؤْمِنُ يَقْظَانٌ مُتَرَقِّبٌ خَائِفٌ، يَنْتَظِرُ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ»([4]).

 

3. أكرم الموت: عن أمير المؤمنين عليه السلام: «إِنَّ الْمَوْتَ طَالِبٌ حَثِيثٌ، لَا يَفُوتُهُ الْمُقِيمُ، وَلَا يُعْجِزُهُ الْهَارِبُ. إِنَّ أَكْرَمَ الْمَوْتِ الْقَتْل!»([5]).

 


([1]) راجع: التبريزيّ الأنصاريّ، اللمعة البيضاء، السيّد هاشم الميلاني، دفتر نشر الهادي، إيران - قم، 1418هـ، ط1، ص368.

([2]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص348.

([3]) سورة التوبة، الآية 52.

([4]) الصدوق، الشيخ محمّد بن علي بن بابويه، الخصال، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1403هـ، لا.ط، ج2، ص633.

([5]) السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام علي%)، مصدر سابق، ص180.

 

41


38

الموعظة الثامنة: الشهادة والشهداء

4. أشرف الموت: عن الرسول الأكرم-: «أَشْرَفُ المَوْتِ قَتْلُ الشَّهَادَةِ»([1]).

 

مكانة الشهيد

1. الحياة الخاصّة: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ﴾([2]).

 

2. ممّن أنعم الله عليهم: ﴿وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾([3]).

 

3. من المؤمنين الصادقين: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾([4]).

 

4. مغفورٌ له: ﴿فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾([5])، وعن الإمام الباقر عليه السلام: «أَوَّلُ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِ الشَّهِيدِ كَفَّارَةٌ لِذُنُوبِهِ، إِلَّا الدَّيْنَ؛ فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ قَضَاؤُه‏»([6]).

 

5. مأمونٌ من فتنة القبر: سُئِل رسول الله-: ما بالُ الشهيد لا يُفتَن في قبره؟ فقال-: «كَفَى بِالبَارِقَةِ فَوْقَ رَأْسِهِ فِتْنَةً»([7]).

 


([1]) الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص576.

([2]) سورة البقرة، الآية 154.

([3]) سورة النساء، الآية 69.

([4]) سورة الأحزاب الآية 23.

([5]) سورة آل عمران الآية 195.

([6]) الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1414هـ، ط2، ج3، ص183.

([7]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص54.

 

42


39

الموعظة الثامنة: الشهادة والشهداء

من شرائط الشهادة

يقول -تعالى-: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾([1]).

 

حدّد الله -تعالى-، في هاتَين الآيتَين، مجموعةً من الشرائط والمواصفات التي تؤهّل الإنسان لنيل مقام الشهادة، هي: التائبون، العابدون، الحامدون، السائحون -وهم الذين يتنقّلون من مكانِ عبادةٍ إلى آخر، أو الذين يتوجَّهون إلى ميادين الجهاد ومحاربة الأعداء، فعن النبيّ الأكرم-: «وَسِيَاحَةُ أُمَّتِي وَرهْبَانِيَّتُهُم الجِهَادُ»([2])، أو الصائمون، فعنه-: «سِيَاحَةُ أُمَّتِي الصِّيَامُ»([3])- الراكعون، الساجدون، الآمرون بالمعروف، الناهون عن المنكر، الحافظون لحدود الله.

 

فمن اجتمعت فيه هذه الصفات التِّسعُ، كانت له البشرى: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾.

 

الشهادة في كربلاء

لمـّا جمع الحسينُ عليه السلام أصحابَه ليلة العاشر، وأحلَّهم من بيعتِه، تكلّمَ جَمعٌ من بني هاشم والأصحاب، ومن بينهم تكلّم سعيد، وممّا قاله للإمام عليه السلام: «لا والله، يابن رسول الله،

 


([1]) سورة التوبة، الآيتان 111- 112.

([2]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج40، ص328.

([3]) المصدر نفسه، ج66، ص356.

 

43


40

الموعظة الثامنة: الشهادة والشهداء

لا نخلّيك أبدًا، حتّى يَعلمَ اللهُ أنّا قد حفِظْنا فيك وصيّةَ رسولِه محمّدٍ-. ولو علمتُ أنّي أُقتَلُ فيك، ثمّ أُحْيَا، ثمّ أُذرّى، يُفعَلُ ذلك بي سبعين مرّة، ما فارقتُك، حتّى ألقى حمامي دونك؛ وكيف لا أفعل ذلك، وإنّما هي قتلةٌ واحدة، ثمّ أنال الكرامة التي لا انقضاء لها أبدًا؟!»([1]).

 

وتقدّم الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء ليصلّي بأصحابه، فوصل إلى الإمام عليه السلام سهمٌ، فتقدَّمَ سعيد بن عبد الله الحنفيّ، جاعِلًا جسدَه درعًا للإمام عليه السلام، فرماه القومُ بسهامهم من كلّ جانب، فكان يستقبلها في وجهه وصدره ويدَيه ومقادم بدنه؛ لئلّا تصيب الحسين عليه السلام، وما زال ولا تخطّى، حتّى سقط إلى الأرض([2]).

 

يقول ابن طاووس: إنّ ثلاثة عشر سهمًا أصابَت جسدَ سعيد، سوى ضربات السيوف والرماح([3]).

 


([1]) الطبريّ، محمّد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري)، مراجعة وتصحيح نخبة من العلماء الأجلاء، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1403هـ - 1983م، ط4، ج3، ص315.

([2]) أبو مخنف الكوفيّ، لوط بن يحيى، وقعة الطفّ، تحقيق وتصحيح محمد هادي اليوسفيّ الغرويّ، جماعة المدرّسين، إيران - قم، 1417هـ، ط3، ص232.

([3]) السيّد ابن طاووس، اللهوف في قتلى الطفوف، مصدر سابق، ص111.

 

44


41

الموعظة التاسعة: الأسرة المطمئنّة

الموعظة التاسعة
الأسرة المطمئنّة

 

هدف الموعظة

شرح مفهوم الأسرة المطمئنّة، والأساليب الرئيسة لبنائها على أُسسٍ إسلاميّة.

 

محاور الموعظة

1. مفهوم الأسرة

2. أهمّيّة الأسرة

3. الأساس الذي تقوم عليه الأسرة

4. أُسُس الأسرة المطمئنّة

 

تصدير الموعظة

﴿وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾([1]).


 


([1]) سورة الروم، الآية 21.

 

45


42

الموعظة التاسعة: الأسرة المطمئنّة

مفهوم الأسرة في الإسلام

الأسرة، في اللغة العربية، تعني الدرع الحصين. وتُعَرَّف الأسرةُ في الإسلام، بأنّها المجموعة التي يرتبط وجودُها بالزواج الشرعيّ، مع التزامِ كلّ طرفٍ من أطرافها بالحقوق والواجبات المتعلّقة به، ويتعلّق مفهوم الأسرة بما ينتج من الأولاد.

 

فالأسرة في الإسلام ليست مشروعًا مدنيًّا، وليست ارتباطَ جنسٍ ضعيفٍ بآخر قويّ، وليست كما يقول علماء الاجتماع، حادثةً تضمن تكثير النوع، وإنّما هي مشروعٌ إلهيٌّ مقنَّنٌ بأنظمة وقوانين وآداب وسلوكيّات، عبّر عنه القرآن الكريم بأنّه ميثاقٌ غليظٌ، قال -تعالى-: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى‏ بَعْضُكُمْ إِلى‏ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقًا غَلِيظًا﴾([1]). والميثاق الغليظ هو الاتّصال الوثيق بين الزوجَين، ووجوب العمل بمقتضاه، من الإمساك بمعروف، أو التسريح بإحسان([2]).

 

أهمّيّة الأسرة

تمثّل الأسرة النواة الرئيسة التي يقوم عليه المجتمع؛ فالمجتمع الإنسانيّ يتكوّن من مجموعةٍ من الأُسَر المرتبطة بعضها ببعض. وبقدر تماسك الأُسَر وترابُط علاقتها، تُقاسُ قوّة المجتمع. والأساس في تماسك الأُسرَة، تمسُّكُها بالدين الإسلاميّ. ومن أبرز تجلّيّات هذا التماسك، هو الاطمئنان والهدوء والسكينة في الأسرة.

 

الأساس الذي تقوم عليه الأُسرَة

بيَّنَ القرآنُ الكريم أنّ الأساسَ الذي تقوم عليه

 


([1]) سورة النساء، الآية 21.

([2]) مغنيّة، الشيخ محمّد جواد، التفسير المبين، مؤسّسة دار الكتاب الإسلاميّ، لا.م، 1403هـ - 1983م، ط2، ص102.

 

46


43

الموعظة التاسعة: الأسرة المطمئنّة

الأسرة، هو المودَّة والرحمة والسكينة والطمأنينة، قال -تعالى-: ﴿وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون‏﴾([1]).

 

الآية الكريمة تُبَيِّن أمرَين:

أوّلًا: إنّ الله -تعالى- ﴿خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوٰاجًا﴾؛ أي من جنسِكم مِن مثلِكم؛ »لِتَميلوا إليها وتألفوا بها؛ فإنّ الجنسيّةَ علّةٌ للضَمِّ، والاختلافَ سببٌ للتنافرِ»([2]).

 

ثانيًا: إنّ الغاية من ذلك هي السكينة الروحيّة، والهدوء النفسيّ. فالقرآن، في هذه الآية، جعل الهدفَ من الزواج، الاطمئنانَ والسكَنَ، وإنّ هذا الاطمئنان أو السكن يكون من عدّة جهات: «جسميًّا وروحيًّا وفرديًّا واجتماعيًّا»([3]).

 

أُسُس الأسرة المطمئنّة

من المبادئ التي تقوم عليها الأسرة المسلمة؛ لتكون أُسرةً مطمئنّة، نذكر الآتي:

1. الحبّ والمودّة

الأصل في العلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة، قيامُها على المحبّة والمودّة والسكينة والطمأنينة، وتَجَنُّب كلِّ ما يعكّر صَفْوَ الحياة والعيش.

رُوِيَ أنّ رجلًا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ-، فَقَالَ: إِنَّ لِي

 


([1]) سورة الروم، الآية 21.

([2]) المشهديّ، الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمّيّ، تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب، تحقيق حسين درگاهي، مؤسّسة الطبع والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلاميّ، إيران، 1407هـ - 1366ش، ط1، ج10، ص183.

([3]) الشيرازيّ، الشيخ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مدرسة الإمام عليّ بن أبي طالب، إيران - قم، 1426هـ، ط1، ج12، ص494. (بتصرّف).

 

47


44

الموعظة التاسعة: الأسرة المطمئنّة

زَوْجَةً إِذَا دَخَلْتُ تَلَقَّتْنِي، وَإِذَا خَرَجْتُ شَيَّعَتْنِي، وَإِذَا رَأَتْنِي مَهْمُومًا قَالَتْ: مَا يُهِمُّكَ؟ إِنْ كُنْتَ تَهْتَمُّ لِرِزْقِكَ، فَقَدْ تَكَفَّلَ لَكَ بِهِ غَيْرُكَ، وَإِنْ كُنْتَ تَهْتَمُّ بِأَمْرِ آخِرَتِكَ، فَزَادَكَ اللهُ هَمًّا. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ-: «إِنَّ لِلَّهِ عُمَّالًا، وَهَذِهِ مِنْ عُمَّالِهِ؛ لَهَا نِصْفُ أَجْرِ الشَّهِيدِ»([1]).

 

2. التعاون

وحَثَّ الإسلامُ على التعاون في ما بينهما على شؤون الحياة، وتدبير أمور البيت. وقد كان النبيّ- يتَوَلَّى خدمةَ البيت مع نسائه، وممّا ورد عنه-: «خِدْمَتُكَ زَوْجَتكَ صَدَقَةٌ»([2]).

 

3. الاحترام المتبادل

وحَثَّ الإسلامُ على تبادل الاحترام، ومراعاة الآداب بين أعضاء الأسرة. مِنْ خُطْبَةٍ للإمام عليّ عليه السلام قال: «لِيَتَأَسَّ صَغِيرُكُمْ بِكَبِيرِكُمْ، وَلِيَرْؤُفَ كَبِيرُكُمْ بِصَغِيرِكُمْ، وَلاَ تَكُونُوا كَجُفَاةِ اَلْجَاهِلِيَّةِ، لاَ فِي اَلدِّينِ يَتَفَقَّهُونَ، وَلاَ عَنِ اللهِ يَعْقِلُونَ»([3]).

 


([1]) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص389.

([2]) المتّقي الهنديّ، علاء الدين عليّ المتقيّ بن حسام الدين، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، ضبط وتفسير الشيخ بكري حياني - تصحيح وفهرسة الشيخ صفوة السقا، مؤسّسة الرسالة، لبنان - بيروت، 1409هـ - 1989م، لا.ط، ج16، ص408.

([3]) السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ%)، مصدر سابق، ص240.

 

48


45

الموعظة العاشرة: الصحّة النفسيّة

الموعظة العاشرة
الصحّة النفسيّة

 

 

هدف الموعظة

تعرّف معنى الصحّة النفسيّة في الإسلام، وأهمّ مقوّماتها.

 

محاور الموعظة

1. معنى الصحّة النفسيّة في الإسلام

2. مقوّمات الصحّة النفسيّة في الإسلام

 

تصدير الموعظة

﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾([1]).


 


([1]) سورة الفتح، الآية 4.

 

49


46

الموعظة العاشرة: الصحّة النفسيّة

معنى الصحّة النفسيّة في الإسلام

إنّ من أهمّ أهداف بعثة النبيّ- هي تزكية النفس، كما ورد في عدّة آيات، منها قوله -تعالى-: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾([1]).

 

ومن هنا، سعى الإسلام من خلال تشريعاته المختلفة، إلى تهذيب النفس، وتخليصها من عيوبها. وقد أمر القرآن بذلك، قال -تعالى-: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾([2])؛ أي جعلها بذلك سليمة، معافاة، قويّة، قادرة على الفعل الإيجابّي والإصلاح المجتمعيّ.

 

إنّ مفهوم الصحّة النفسيّة يُعَرَّف على أنّه تلك الحالة التي يستطيع فيها الفرد أن يتكيّف مع كافّة الظروف التي تواجهه رغمًا عنه، حيث يحاول أن يخلق نوعًا من التوازن النفسيّ بين ما لديه من قدرات، وبين كافّة الضغوط التي تحيط به. وهذا ما يُعرَف في الإسلام بحالة الرضا بما قدَّرَه الله -سبحانه وتعالى-، حيث يحاول الفرد دومًا أن يؤمن بكافّة المقدّرات.

 

والرضا بالقضاء أفضلُ مقامات الدين، وأشرفُ منازل المقرَّبين، وهو باب الله الأعظم، ومن دخله دخل الجنّة. قال -تعالى-: ﴿جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ﴾([3]).

 


([1]) سورة آل عمران، الآية 164.

([2]) سورة الشمس، الآية 9.

([3]) سورة البيِّنة، الآية 8.

 

50


47

الموعظة العاشرة: الصحّة النفسيّة

مقوّمات الصحّة النفسيّة في الإسلام

ثمّة مجموعة من المقوّمات لتحقُّق الصحّة النفسيّة، نذكر منها:

1. قوّة الصلة بالله

عن النبيّ- أنّه قال لعبد الله بن عباس: «يَا غُلاَمُ، اِحْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، وَاِحْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي اَلرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي اَلشِّدَّةِ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اِسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-...»([1]).

 

2. الثبات والتوازن

قال -تعالى-: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ﴾([2]).

 

3. الصبر عند الشدائد

قال -تعالى-: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾([3]).

 

وعنه-: «عَجَبًا لِأَمْرِ اَلْمُؤْمِنِ! إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»([4]).

 

4. المرونة في مواجهة الواقع

قال -تعالى-: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾([5]).

 


([1]) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج4، ص412.

([2]) سورة إبراهيم، الآية 27.

([3]) سورة البقرة، الآية 177.

([4]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج79، ص139.

([5]) سورة البقرة، الآية 216.

 

51


48

الموعظة العاشرة: الصحّة النفسيّة

5. التفاؤل وعدم اليأس

قال -تعالى-: ﴿وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾([1]).

 

توافُق المسلم مع الآخرين

الحياة التي انتهجها الإسلام بين الناس، مبنيّةٌ على التعاون، وعلى التسامح وكظم الغيظ والعفو، قال -تعالى-: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾([2]).

 


([1]) سورة يوسف، الآية 87.

([2]) سورة فصّلت، الآية 34.

 

52


49

الموعظة الحادية عشرة: الشجاعة الممدوحة

الموعظة الحادية عشرة
الشجاعة الممدوحة

 

 

هدف الموعظة

إيضاح معنى الشجاعة الممدوحة وبيان بعض مصاديقها.

 

محاور الموعظة

1. الشجاعة الممدوحة

2. شجعان وجُبناء في ثورة الحسين عليه السلام

 

تصدير الموعظة

الإمام عليّ عليه السلام: «زكاة الشجاعة، الجهاد في سبيل الله»([1]).

 


([1]) الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج7، ص42.

 

53


50

الموعظة الحادية عشرة: الشجاعة الممدوحة

الشجاعة من الصفات الحميدة والأخلاق الحسنة، والغرائز الشريفة، وهي حدّ الاعتدال بين الجُبن والتهوّر؛ فالتفريط فيها جُبن، والإفراط فيها تهوُّر.

 

الشجاعة الممدوحة

«لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاءَ الذليل، ولا أفرّ فرار العبيد»([1]).

 

«القتل أولى من ركوب العار»([2]).

 

«ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين؛ بين السلَّة والذلَّة، وهيهات منا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون»([3]).

 

«ألا ترَون إلى الحقّ لا يُعمل به، وإلى الباطل لا يُتناهى عنه، فليرغب المؤمن بلقاء الله، فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة، والحياة مع الظالمين إلّا برماً»([4]).

 

كلماتٌ خالدةٌ للإمام الحسين عليه السلام تجسِّد الشجاعة بأعلى صورها؛ في اتّخاذ الموقف المناسب تجاه التحدّيات، وفي التضحية بالنفس والأهل والأصحاب في سبيل بقاء الإسلام وإحيائه.

 

يقول الإمام الخمينيّ!: «لقد كان الحسين عليه السلام يُفكِّر في مستقبل الإسلام والمسلمين باعتبار أنّ الإسلام سينتشر بين الناس نتيجة لتضحياته ولجهاده المقدّس»([5]).

 


([1]) الشيخ المفيد، الإرشاد، مصدر سابق، ج2، ص98.

([2]) ابن نما الحلّيّ، مثير الأحزان، المطبعة الحيدريّة، العراق - النجف الأشرف، 1369هـ - 1950م، لا.ط، ص54.

([3]) السيّد ابن طاووس، اللهوف في قتلى الطفوف، مصدر سابق، ص59.

([4]) البحرانيّ، الشيخ عبد الله، العوالم، الإمام الحسين%، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهديّ. بالحوزة العلميّة، إيران - قم، 1407هـ - 1365 ش، ط1، ص232.

([5]) عاشوراء في فكر الإمام الخمينيّ!، إصدار جمعيّة المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، لبنان - بيروت، 2011م - 1432هـ، ط1، ص31.

 

54


51

الموعظة الحادية عشرة: الشجاعة الممدوحة

ويقول كذلك: «إنّ سيّد الشهداء عليه السلام لبّى صرخة الإسلام، واستجاب لاستغاثته وإنقاذه»([1]).

 

هذا، ويفسِّر أئمّة أهل البيت( الشجاعة بأنّها «صبر ساعة»([2])، و«الصبر عند الطِعان»([3])، وقد قال سيّد الشهداء عليه السلام لأصحابه: «صبراً بني الكرام، فما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة»([4]).

 

ويبيّن رسول الله- الضابطة أو المعيار الذي على أساسه يكون الإنسان شجاعاً وقويّاً، بقوله-: «ألا أخبركم بأشدِّكم وأقواكم؟»، قالوا: بلى، يا رسول الله! قال: «أشدُّكم وأقواكم الذي إذا رضي لم يدخله رضاه في إثم ولا باطل، وإذا سخط لم يخرجه سخطه من قول الحقّ، وإذا قدر لم يتعاطَ ما ليس له بحقّ»([5]).

 

وعليه، فإنّ استخدام القوّة والشدّة في ما لا يصبّ في مصلحة الإسلام وصونه وحفظه، وفي ما لا يرضي الله، ليس من الشجاعة في شيء. وإنّ الوقوف إلى جانب الظالم، أو عدم اتّباع الحقّ والوقوف على الحياد، هو خلاف الشجاعة.

 


([1]) المصدر نفسه.

([2]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج75، ص11.

([3]) الحرّانيّ، الشيخ ابن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول-، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1404هـ - 1363ش، ط2، ص226.

([4]) الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، معاني الأخبار، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1379هـ - 1338ش، لا.ط، ص289.

([5]) الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص72.

 

55


52

الموعظة الحادية عشرة: الشجاعة الممدوحة

شجعان وجُبناء في ثورة الحسين عليه السلام

فرز نداءُ الإمام الحسين عليه السلام بالثورة على الظلم والظالم الناس إلى شجعان وجُبناء، وإليكم هذه النماذج، وهي صورة تتكرّر في كلّ عصر:

1. شجاعة أبي الفضل العبّاس عليه السلام: عندما كان كبد أبي الفضل العبّاس عليه السلام يلتهب عطشاً، وسنحت له فرصة إرواء عطشه، وكان الماء بين يدَيه، رماه، وآثر العطش على أن يشرب وأخوه وإمامه الحسين عليه السلام عطشان، وأنشد الأبيات المعروفة:

يا نفس من بعد الحسين هوني
وبعده لا كنت أن تكوني
هذا حسينٌ وارد المنون
وتشربين بارد المعين
تاللهِ ما هذا فعال ديني
ولا فعال صادق اليقين
 

2. شجاعة عابس بن أبي شبيب الشاكريّ: قال عابس مخاطباً سيّد الشهداء عليه السلام: يا أبا عبد الله، أما والله، ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليَّ ولا أحبّ إليَّ منك، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضَيم والقتل بشيءٍ أعزَّ عليَّ من نفسي ودمي لفعلته.

 

قال ربيع بن تميم (ممّن شهِد ذلك اليوم): لمّا رأيته مقبلاً عرفته، وقد شاهدته في المغازي وكان أشجعَ الناس، فقلت: أيُّها الناس، هذا أسد الأسود، هذا ابن أبي شبيب، لا يخرجنّ إليه أحد منكم، فأخذ ينادي: ألا رجل لرجل.

 

فقال عمر بن سعد: أرضخوه بالحجارة، قال: فرُمي بالحجارة من كلّ جانب، فلمّا رأى ذلك، ألقى درعه ومِغفره، ثمّ شدّ على الناس، فوالله لرأيته يكرد أكثر من مئتين من الناس...([1]).

 


([1]) الأزديّ، أبو مخنف، مقتل الحسين عليه السلام، تعليق حسين الغفّاريّ، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط، ص155.

 

56


53

الموعظة الحادية عشرة: الشجاعة الممدوحة

3. تخاذل عبيد الله بن الحرّ الجعفيّ: ممّا قاله الإمام الحسين عليه السلام لابن الحرّ لمّا دعاه إلى نصرة أهل البيت(: «وأنت، يابن الحرّ، فاعلم أنّ الله -عزّ وجلّ- مؤاخذك بما كسبت وأسلفت من الذنوب في الأيّام الخالية، وأنا أدعوك في وقتي هذا إلى توبة تغسل بها ما عليك من الذنوب، وأدعوك إلى نصرتنا أهل البيت، فإن أُعطينا حقّنا حمدنا الله على ذلك وقبلناه، وإن مُنعنا حقّنا وركبنا بالظلم كنت من أعواني على طلب الحقّ». فقال عبيد الله بن الحرّ: والله يابن بنت رسول الله! لو كان لك بالكوفة أعوان يقاتلون معك لكنت أنا أشدّهم على عدوّك، ولكنّي رأيت شيعتك بالكوفة وقد لزموا منازلهم خوفاً من بني أميّة ومن سيوفهم، فأنشدك بالله أن تطلب منّي هذه المنزلة، وأنا أواسيك بكلّ ما أقدر عليه، وهذه فرسي ملجمة، والله ما طلبت عليها شيئاً إلّا أذقته حياضَ الموت، ولا طُلبْتُ وأنا عليها فلُحِقت، وخذ سيفي هذا، فوالله ما ضربتُ به إلّا قطعت. فقال له الحسين عليه السلام: «يابن الحرّ، ما جئناك لفرسك وسيفك، إنّما أتيناك لنسألك النصرة، فإن كنت قد بخلتَ علينا بنفسك، فلا حاجة لنا في شيء من مالك»([1]).

4. تخاذل هرثمة بن أبي مسلم: صرتُ إلى الحسين عليه السلام فسلّمت عليه... فقال: «معنا أنت أم علينا؟»، فقلتُ: لا معك ولا عليك، خلّفتُ صبية أخاف عليهم عبيدَ الله بن زياد، قال: «فامضِ حيث لا ترى لنا مقتلاً، ولا تسمع لنا صوتاً، فوالذي نفس حسينٍ بيده، لا يسمع اليوم واعيتنا أحد فلا

 


([1]) انظر: ابن أعثم الكوفيّ، الفتوح، تحقيق عليّ شيري، دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع، لا.م، 1411هـ، ط1، ج5، ص74.

 

57


54

الموعظة الحادية عشرة: الشجاعة الممدوحة

يعيننا إلّا كبّه الله لوجهه في [نار] جهنّم»([1]).

 


([1]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج44، ص256.

 

58


55

الموعظة الثانية عشرة: الاطمئنان وأثره على الفرد والمجتمع

الموعظة الثانية عشرة
الاطمئنان وأثره على الفرد والمجتمع

 

 

هدف الموعظة

تعرّف أهمّيّة السكينة والطمأنينة، وآثارها على الفرد والمجتمع الإيمانيّ.

 

محاور الموعظة

1. مجالات الاطمئنان وموارده

2. أسباب الطمأنينة

 

تصدير الموعظة

﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾([1]).


 


([1]) سورة الأعراف، الآية 96.

 

59


56

الموعظة الثانية عشرة: الاطمئنان وأثره على الفرد والمجتمع

مجالات الاطمئنان وموارده

يعيش الإنسان طالبًا للأمن والطمأنينة في مختلف شؤون حياته، ويمكن الإشارة إلى عدّة نماذج منها:

1. الأمن الصحّيّ والطبّيّ: خصوصًا في ما نمرّ به في هذه الأيّام من أمراض وفايروسات فتّاكة تصيب أفراد المجتمع البشريّ، والتي أشارَت إليها جملةٌ من الروايات الشريفة.

 

2. الأمن الزراعيّ وتوفير الغذاء: مع حاجة الإنسان إلى تأمين هذه الموارد لبقاء الحياة.

 

3. الأمن الأُسَريّ والرابطة الزوجيّة: كما في قول الله -تعالى-: ﴿وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾([1]).

 

4. الأمن التربويّ وتعليم الأبناء: ففي وصيّة لقمان لابنه: ﴿إِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ


([1]) سورة الروم، الآية 21.

 

60


57

الموعظة الثانية عشرة: الاطمئنان وأثره على الفرد والمجتمع

الْحَمِيرِ﴾([1]).

 

5. الأمن الاقتصاديّ وحرّيّة الحركة في الأموال بيعًا وشراءً.

 

6. الأمن البيئيّ والمجتمعيّ: كتأمين الجار والأخ، فعن النبيّ-: «مَنْ آذَى جَارَهُ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ رِيحَ الْجَنَّةِ، وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ؛ وَمَنْ ضَيَّعَ حَقَّ جَارِهِ، فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَا زَالَ جَبْرَئِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُه‏»([2]). وعنه-: «هَل تدرونَ مَا حقُّ الجارِ؟ مَا تدرونَ مِن حقِّ الجارِ إلّا قليلًا. ألَا لَا يُؤمِنُ باللهِ واليومِ الآخِرِ مَن لَا يَأمَنُ جارُهُ بَوَائِقَهُ»([3])، وعنه-: «لَا يَؤُمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِه‏»([4]).

 

7. الأمن من الضلال: يكون من خلال الرجوع إلى ما فيه ضمانُ العدالة، وسموُّ المكانة والاستقرار، وهي وصيّة رسول الله-: «إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي. أَلَا وَهُمَا الْخَلِيفَتَانِ مِنْ بَعْدِي، وَلَنْ يَفْتَرِقَا، حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ»([5]).

 

أسباب الطمأنينة

1. الإيمان بالله: فلا طمأنينة ولا سكينة بلا إيمان، يقول -تعالى-: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ﴾([6]) وكلّما

 


([1]) سورة لقمان، الآيات 13-19.

([2]) الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج8، ص487.

([3]) البروجرديّ، السيّد حسين الطباطبائيّ، جامع أحاديث الشيعة، المطبعة العلميّة، إيران - قمّ، 1399هـ، لا.ط، ج16، ص88.

([4]) الشهيد الثاني، زين الدين بن عليّ بن أحمد العامليّ، منية المريد، تحقيق رضا المختاري، مكتب الإعلام الإسلاميّ، إيران، 1409هـ - 1368ش، ط1، ص190.

([5]) الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص500.

([6]) سورة الأنعام، الآية 82.

 

61


58

الموعظة الثانية عشرة: الاطمئنان وأثره على الفرد والمجتمع

قوي الإيمان وازداد، قويَت السكينة وعظمَت الطمأنينة، وبحلول السكينة في القلب، يزداد الإيمان: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾([1]).

 

2. الصلاة: يقول -تعالى-: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾([2]).

 

3. ذِكْرُ اللهِ -تعالى-: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾([3])، بذِكْرِ اللهِ تسكن القلوب، وتأمن النفوس، وتطمئنّ الأرواح.

 

4. تلاوة كلام الله: يقول -تعالى-: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ﴾([4]). والسكينة تنزل عند تلاوة القرآن، عن النبيّ-: «ما اجتمعَ قومٌ في بيتٍ مِن بيوتِ اللهِ، يَتلونَ كتابَ اللهِ ويَتَدارسونَهُ بينَهم، إلَّا نَزَلَتْ عليهم السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُم الرَّحْمَة، وَحَفَّتْهُم الملائِكَةُ، وذَكَرَهُم اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ»([5]).

 

5. الدعاء: سؤال الله أن ينزل عليك السكينة، ويرزقك الطمأنينة وثبات القلب على الإيمان؛ فالسكينة من مواهب الربّ لعباده بأسبابها، فاستوهِبُوها رَبَّكم.

 

6. اجتناب الظلم: يقول -تعالى-: ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾([6]).

 


([1]) سورة الفتح، الآية 4.

([2]) سورة المعارج، الآيات 19-23.

([3]) سورة الرعد، الآية 28.

([4]) سورة الزمر، الآية 23.

([5]) الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، تحقيق ونشر دار الحديث، لا.م، لا.ت، ط1، ج3، ص2522.

([6]) سورة الأنعام، الآية 82.

 

62


59

الموعظة الثانية عشرة: الاطمئنان وأثره على الفرد والمجتمع

7. شُكر النعمة: يقول -تعالى-: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾([1]).

 

8. الصدق: ما رُوِيَ عن الإمام الحسن بن عليّ'، قال: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ- يَقُولُ: دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يُرِيبُكَ‏، فَإِنَّ الشَّكَّ رِيبَةٌ، وَالْصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ»؛ أي فإنّ كَونَ الأمر مشكوكًا فيه ممّا تقلق له النفس ولا تستقرّ، وكَونَه صحيحًا صادقًا ممّا تطمئنّ له وتسكن([2]).

 

9. الاقتصاص من المعتدين: فالقصاص من أسباب الاطمئنان في المجتمع، والقضاء على الجريمة؛ لأنّه يقضي على الفئات الفاسدة في المجتمع، يقول -تعالى-: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِى الأَلْبَابِ لَعَلَّكُم تَتَّقُون﴾([3]).


 


([1]) سورة النحل، الآية 112.

([2]) الشيرازيّ، السيّد عليّ خان المدنيّ، رياض السالكين في شرح صحيفة سيّد الساجدين%، السيّد محسن الحسينيّ الأمينيّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ، 1415هـ، ط4، ج5، ص146.

([3]) سورة البقرة، الآية 179.

 

63


60

الموعظة الثالثة عشرة: التبصُّر في التأسّي والاقتداء

الموعظة الثالثة عشرة
التبصُّر في التأسّي والاقتداء

 

 

هدف الموعظة

إظهار معنى التأسّي والاقتداء، وأهمّيّة اتّخاذ القدوة، والبصيرة والتبصُّر في اتّباع الآخرين.

 

محاور الموعظة

1. معنى التأسّي والاقتداء

2. الرسول الأكرم- القدوة للبشريّة

3. التبصُّر في الاقتداء

 

تصدير الموعظة

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾([1]).


 


([1]) سورة يوسف، الآية 108.

 

 

64


61

الموعظة الثالثة عشرة: التبصُّر في التأسّي والاقتداء

معنى الاقتداء والتأسّي

من الأساليب التربويّة المهمّة والناجعة في تربية الأفراد والجماعات، هي عمليّة «التربية بالقدوة». فالقدوة هي أحد المؤثّرات الرئيسة في توجيه حركة الإنسان، والدافع نحو التغيير والإصلاح، وعنصرٌ مهمٌّ في إعداد الأجيال على أُسُسٍ صحيحة وسليمة؛ ليتمكّنوا في نهاية المطاف، من تحقيق الهدف الإلهيّ من خَلْقِهم، وهو الاستخلاف وعمارة الأرض على نهج الأنبياء والرسل والأئمّة الهداة.

 

وقد ذكر الله -تعالى- في القرآن الهداةَ الذين هداهم اللهُ -تعالى-، وأمر بالاقتداء بهم؛ باعتبارهم نماذج بشريّة راقية، تُمثِّل الكمالَ البشريّ في الحياة الدنيا، وهم الذين نطلق عليهم مصطلح «الإنسان الكامل»؛ ولذلك جعلهم قدوةً ومنارةً للناس، فقال -تعالى-: ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ﴾([1])؛ وذلك لِمَا يتوافر عليه هؤلاءِ الأنبياءُ والصالحون من مقوّماتِ القدوة الحسنة وأُسُسِها. فالمعنى: يا نبيَّ الله، اقتدِ بهَدْيِ أولئك، واعملْ به؛ فإنّه عملٌ لله فيه رضا، ومنهاجٌ مَن سلكَه اهتدى.

 

فالآية هنا، جاءت في سياق المدح والحُسن. وفي آيةٍ أخرى، جاءت القدوة في سياق الذمِّ والقُبح، قال -تعالى-: ﴿وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾([2]).

 

ويمكن تعريف القدوة بأنّها: الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتّباع غيره، إنْ حسنًا، وإنْ

 


([1]) سورة الأنعام، الآية 90.

([2]) سورة الزخرف، الآية 23.

 

65


62

الموعظة الثالثة عشرة: التبصُّر في التأسّي والاقتداء

قُبحًا.

 

الرسولُ الأعظمُ صلى الله عليه وآله وسلم القدوةُ للبشريّة

قال -تعالى-: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾([1]). يقول العلّامة الطباطبائيّ!: «والمعنى من حُكمِ رسالة الرسول وإيمانكم به، أن تتأسّوا به في قوله وفعله، وأنتم تروون ما يُقاسيه في جنب الله، وحضوره في القِتال، وجهادِه في الله حقَّ جهاده...»([2]).

 

أمّا لماذا نقتدي بالرسول-، فيقول أمير المؤمنين عليه السلام: «بَعَثَ اللَّه مُحَمَّدًا شَهِيدًا وبَشِيرًا ونَذِيرًا، خَيْرَ الْبَرِيَّةِ طِفْلًا، وأَنْجَبَهَا كَهْلًا، وأَطْهَرَ الْمُطَهَّرِينَ شِيمَةً، وأَجْوَدَ الْمُسْتَمْطَرِينَ دِيمَةً»([3]).

 

وحينما نتأمّل ونتدبَّر القرآن الكريم، نجد فيه آيات كثيرة في سور متعددة، تتحدث عن أوصاف النبيّ الأکرم-، سواء بطريقة مباشرة أم غير مباشرة، تأكيدًا لفضله وصفاته الأخلاقيّة، وعُلُوِّ مَنْزِلَتِه عند ربّه، ولتأكيد وجوب الاقتداء به. فنحن نحتاج، في أيّة عملية إصلاحيّة للفرد أو للمجتمع، إلى قدوةٍ نتأثّر بها، وننجذب إليها؛ ومن ثمّ نقتدي بها.

 

التبصُّر في الاقتداء

قال -تعالى-: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى

 


([1]) سورة الأحزاب، الآية 21.

([2]) الطباطبائيّ، العلّامة السيّد محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1417هـ‏، ط5، ج16، ص288.

([3]) السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ%)، مصدر سابق، خطبة 105، في بعض صفات الرسول الكريم$، ص151.

 

66


63

الموعظة الثالثة عشرة: التبصُّر في التأسّي والاقتداء

بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾([1]).

 

ويُستَفَاد من هذه الآية الشريفة، عدّة نقاطٍ مهمّة، نذكر منها:

أوّلاً: «مِن المعلوم أنّ البصيرَ بالأمر يعرف مبلغ وقوعه في القلوب، وأنحاء تأثيراته المختلفة باختلاف المتلَقّين والمستمِعين فلا يبذل أحدًا إلّا مقدار ما يَعِيهِ منه»([2]).

 

ثانياً: «على المؤمن أن يدعوَ إلى الله على بصيرة، وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر على سبيل أداء الفريضة الإلهيّة، وليس عليه أن يجيّش ويُهلِكَ نفسَه حُزنًا، أو يبالغ في الجدِّ في تأثير ذلك في نفوس أهل الضلال، فذلك موضوعٌ عنه»([3]).

 

ثالثاً: «إنّ مَن كان على بصيرة من أمره، فإنّ على الآخرين اتّباعه والأخذ منه؛ وذلك لامتلاكه البصيرة وفقدانها عند الآخرين؛ بمعنى عدم وجود قوّة البصيرة نفسها عندهم، لا فَقْدها بالكلّيّة، وإلّا لا يمكنهم عند ذلك اتّباعه أصلًا»([4]).

 

رابعاً: «إنّ تعبير ﴿مَنِ اتَّبَعَنِي﴾ في الآية الكريمة، لا يعني كلَّ مَن اتَّبع النبيّ-، وإلّا نحنُ نشاهد بالوجدان أن هناك من يَدَّعي اتّباع النبيّ-، وهم من أهل الضلال والغواية، فلا يمكن أن يدعونا اللهُ إلى اتِّباعهِم؛ لأنّهم ليسوا على بصيرة من أمرهم. فالمقصود بِـ﴿مَنِ اتَّبَعَنِي﴾ بأنّه مَن كان على بصيرة؛ هي البصيرة نفسها التي عند النبيّ-، مع اختلاف بين مقام النبيّ وغيره، وهو ما يقتضيه الاختلافُ بين التابع والمتبوع»([5]).


 


([1]) سورة يوسف، الآية 108.

([2]) العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج4، ص129.

([3]) المصدر نفسه، ج6، ص164.

([4]) المصدر نفسه، ج7، ص97.

([5]) المصدر نفسه، ج11، ص278.

 

67


64

الموعظة الرابعة عشرة: أكل الحرام وأثره على الإنسان

الموعظة الرابعة عشرة
أكل الحرام وأثره على الإنسان

 

 

هدف الموعظة

إظهار خطورة الأكل الحرام وآثاره على الإنسان.

 

محاور الموعظة

1. الأكل الحرام

2. تأثير أكل الحرام

3. الاحتكار والمحتكر

4. رزقُكَم مضمون

5. في الحلال كفاية

6. ترك الحرام بابُ الخير

 

تصدير الموعظة

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾([1]).

 

أمير المؤمنين عليه السلام: «بئس الطعام الحرام!»([2]).

 


([1]) سورة النساء، الآية 29.

([2]) ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، مصدر سابق، ص79.

 

68


65

الموعظة الرابعة عشرة: أكل الحرام وأثره على الإنسان

الأكل الحرام

ينضوي العديد من المعاملات تحت عنوان الأكل الحرام، منها:

1. الغشّ: «شرّ الناس مَن يغشّ الناس»([1]).

2. الربا: «شرّ الكسب، كسب الربا»([2]).

3. الاحتكار: «المحتكِر ملعون»([3]).

 

تأثير أكل الحرام

1. دخول النار

رسول الله-: «لا يدخل الجنّة مَن نبت لحمه من السحت، النار أولى به»([4]).

 

2. لعن الملائكة له

رسول الله-: «إذا وقعت اللقمة من حرام في جوف العبد لعنه كلّ ملك في السماوات وفي الأرض»([5]).

 

3. أكل الحرام أكل للنّار

قال الله -تعالى-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾([6]).

 


([1]) الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص295.

([2]) الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج13، ص329.

([3]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج59، ص292.

([4]) ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله، شرح نهج البلاغة، تحقيق وتصحيح محمّد أبو الفضل إبراهيم، نشر مكتبة آية الله المرعشيّ النجفيّ، إيران - قم، 1404هـ، ودار إحياء الكتب العربيّة - عيسى البابيّ الحلبيّ وشركاه، 1378هـ - 1959م، ط1، ج20، ص242.

([5]) الطبرسيّ، الشيخ الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق، منشورات الشريف الرضيّ، إيران - قم، 1392هـ - 1972م، ط6، ص150.

([6]) سورة النساء، الآية 10.

 

69


66

الموعظة الرابعة عشرة: أكل الحرام وأثره على الإنسان

4. عدم قبول العبادة

رسول الله-: «العبادة مع أكل الحرام، كالبناء على الرمل»([1])، و«لم تُستجب له دعوة أربعين صباحاً»([2]).

 

5. قسوة القلب

يقول -تعالى-: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾([3]).

 

عن الإمام الحسين عليه السلام في خطبته في ابن سعد: «فقد مُلِئت بطونكم من الحرام، وطُبع على قلوبكم، ويلكم ألا تنصتون؟ ألا تسمعون؟»([4]).

 

6. الإضرار بالذرّيّة

الإمام الصادق عليه السلام: «كسب الحرام يبين في الذرّيّة»([5]).

 

7. عدم البركة والأجر على إنفاقه

عن الإمام الكاظم عليه السلام لأحد أصحابه: «يا داوود، إنّ الحرام لا ينمي، وإن نما لم يبارك له فيه، وما أنفقه لم يؤجر عليه، وما خلّفه كان زاده إلى النّار»([6]).

 

الاحتكار والمحتكر

قد يلجأ بعض التجّار في أوقات وظروف محدّدة -كما في أيّامنا هذه- إلى الاحتكار؛ ففي تحرير الوسيلة: «يحرم الاحتكار. وهو حبس الطعام وجمعه يتربّص به الغلاء مع ضرورة المسلمين

 


([1]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج81، ص258.

([2]) الحلّيّ، ابن فهد، عدّة الداعي ونجاح الساعي، تصحيح أحمد الموحّديّ القمّيّ، مكتبة وجداني، إيران - قم، لا.ت، لا.ط، ص141.

([3]) سورة المطفّفين، الآية 14.

([4]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج45، ص8.

([5]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص125.

([6])الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص125.

 

70


67

الموعظة الرابعة عشرة: أكل الحرام وأثره على الإنسان

وحاجتهم وعدم وجود من يبذلهم قدر كفايتهم»([1]).

 

والمحتكر ملعون، كما عن رسول الله-، وعنه- أيضاً: «مَن احتكر فوق أربعين يوماً، فإنّ الجنّة توجد ريحها من مسيرة خمسمئة عام، وإنّه لحرام عليه»([2]).

 

رزقُكَم مضمون

يقول -تعالى-: ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾([3]).

 

وخطب رسول الله- في خطبة الوداع قائلاً-: «ألا إنَّ الروح الأمين نفث في روعي أنّه لا تموت نفسٌ حتّى تستكمل رزقها؛ فاتّقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنّكم استبطاء شي‏ء من الرزق أن تطلبوه بمعصية الله، فإنّ الله قسَّم الأرزاق بين خلقه حلالاً ولم يقسِّمها حراماً، فمنِ اتقى وصبر، آتاه الله رزقه من حلِّه، ومَن هتك حجاب الستر، وعجَّل، وأخذه من غير حلِّه، قصّ به من رزقه الحلال، وحوسب عليه يوم القيامة»([4]).

 

في الحلال كفاية

ورد أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام دخل المسجد يوماً، وقال لرجل: «أمسك عليَّ بغلتي»، فأخذ الرجل لجامها ومضى، وترك البغلة، فخرج أمير

 


([1]) الإمام الخمينيّ!، السيّد روح الله الموسويّ، تحرير الوسيلة، دار الكتب العلميّة، العراق - النجف، 1390هـ، ط2، ج1، ص502، مسألة23.

([2]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج100، ص89.

([3]) سورة هود، الآية 6.

([4]) الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، تحقيق وتعليق السيّد حسن الموسويّ الخرسان، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1364ش، ط3، ج6، ص321.

 

71


68

الموعظة الرابعة عشرة: أكل الحرام وأثره على الإنسان

المؤمنين عليه السلام وفي يده درهمان ليكافئ الرجل على إمساك دابّته، فوجد البغلة واقفة بغير لجام، فركبها ومضى، ودفع لغلامه الدرهمين يشتري بهما لجاماً، فوجد الغلام اللجام في السوق، قد باعه السارق بدرهمَين، فقال عليه السلام: «إنَّ العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر، ولا يزداد على ما قدِّر له»([1]).

 

ترك الحرام بابُ الخير

رسول الله-: «لا يقدر رجل على حرام ثمّ يدعه، ليس به إلّا مخافة الله، إلّا أبدله الله في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خيرٌ له من ذلك»([2]).

 


([1]) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، مصدر سابق، ج3، ص161.

([2]) المتّقيّ الهنديّ، كنز العمّال، مصدر سابق، ج15، ص787.

 

72


69

الموعظة الخامسة عشرة: عناصر القوّة الناعمة في المجتمع الإيمانيّ

الموعظة الخامسة عشرة
عناصر القوّة الناعمة في المجتمع الإيمانيّ

 

هدف الموعظة

تحديد عناصرَ القوّة الناعمة ومصاديقها في الإسلام والمجتمع.

 

محاور الموعظة

1. تعريف القوّة الناعمة

2. قوّة الإسلام الناعمة

3. مصاديق القوّة الناعمة في الإسلام

 

تصدير الموعظة

﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾([1]).

 


([1]) سورة فصّلت، الآية 34.

 

73


70

الموعظة الخامسة عشرة: عناصر القوّة الناعمة في المجتمع الإيمانيّ

تعريف القوّة الناعمة

هي القدرة على الحصول على ما تريد، عن طريق الجاذبيّة، بدلًا من الإرغام أو دفع الأموال.

 

إنّ مفهوم القوّة الناعمة -وإن كان من المفاهيم الحديثة في الاصطلاح- قديمٌ من حيث الوجود، يصل إلى بدايات الخليقة وقضيّة إبليس، «فالشيطان هو أوّل من ابتكر وأَسَّسَ فكرةَ الحرب الناعمة، مستفيدًا من أسلوب النصح والإحسان، إلى أن أوقع الإنسان في الفخّ، ودفعَه نحو مخالفة الأوامر الإلهيّة»([1])، وذلك ما يُستفاد من قوله -تعالى-: ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾([2])، أو قوله: ﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾([3])، وهذا عين ما تتّبعه دول الاستعمار، وعلى رأسها الشيطان الأكبر أمريكا، في عمليّة التزيين والإغواء والتضليل. ولا يمكن مواجهة هذه الحرب إلّا من خلال: «حملة تعتمد الطرق نفسها، ولكن بصورة مضادّة؛ أي كسب ثقة الناس، بهدف تصويب الأفكار»([4]).

 

قوّة الإسلام الناعمة

يمتلك الإسلام قوّةً ناعمة هائلة، يكفي في معرفتها التأمُّل في الجاذبيّة المفاهيميّة والأخلاقيّة والسلوكيّة التي تنسجم مع الفطرة، والتي أدَّت إلى انتشار الدين الإسلاميّ، ودخول

 


([1]) مستفاد من خطبة للشيخ محمّد تقي مصباح اليزديّ، أشار إليها كتاب: رؤية الإمام الخامنئيّ في مواجهة الحرب الناعمة، جمعيّة المعارف الإسلامّية الثقافيّة، إعداد قسم الدراسات في مركز قيم، لبنان - بيروت، 2011م - 1433هـ، ط1، ص145.

([2]) سورة الأعراف، الآية 16.

([3]) سورة ص، الآيتان 82-83.

([4]) رؤية الإمام الخامنئيّ في مواجهة الحرب الناعمة، مصدر سابق، ص145.

 

74


71

الموعظة الخامسة عشرة: عناصر القوّة الناعمة في المجتمع الإيمانيّ

الناس في دين الله أفواجًا، بدون فَرضٍ أو قهر. ويمكن استفادة ذلك من عشرات النصوص القرآنيّة والحديثيّة، فضلًا عن السيرة الذاتيّة والمسلكيّة للمعصومين( والجماعة المتّصلة بهم، والتي تؤكِّد هذا المعنى، وتحثّ عليه، بوصفه الوسيلة الفعّالة لنقل الآخرين من موقع الخصومة والعداء، إلى موقع المنتمي والمؤمن بالمنظومة العقائديّة والأخلاقيّة والِقيَميِّة نفسها.

 

مصاديق القوّة الناعمة في الإسلام

لو تأمَّلنا مفردات المنظومة الإسلاميّة، لوجدناها مشحونةً بعوامل الجذب والترغيب، وتعبّر عن قوّة النموذج، وسموّ القيم والمبادئ... ومن هذه المصاديق:

1. الآيات القرآنيّة الكريمة: رُوِيَ أنّ الوليد بن المغيرة مَرَّ بالنبيّ-، وهو يقرأ حم السجدة، فأتى قومَه، وقال: قد سمعتُ من محمّدٍ آنفًا كلامًا، ما هو من كلام الإنس والجنّ، إنّ له لحلاوة، وإنّ عليه لطلاوة، وإنّ أعلاه لمثمِر، وإنّ أسفله لمغدق، وإنّه ليعلو ولا يُعلى! فقال قريش: صبأ الوليد...([1]).

 

2. الدعوة النبويّة ومكانة النبيّ- عند المسلمين: جاء رجلُ إلى النبيّ-، فقال: يا رسولَ الله، إنّك لَأَحَبُّ إليَّ من نفسي، وإنّكَ لَأَحَبُّ إليّ من ولدي، وإنّي لَأكون في البيت، فأذكرك، فما أصبر حتّى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرتُ موتي وموتَك، عرفتُ أنّك إذا دخلتَ الجنّة، رُفعتَ مع النبيّين، وأنّي إذا دخلتُ الجنّة، خشيتُ أن لا أراك! فلم يردّ عليه النبيّ- شيئًا، حتّى نزل جبرائيل بهذه الآية: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ

 


([1]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج9، ص64.

 

75


72

الموعظة الخامسة عشرة: عناصر القوّة الناعمة في المجتمع الإيمانيّ

أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾([1])،([2]).

 

3. القيم الأخلاقيّة: وذلك من خلال النظر إلى تلك المفاهيم التربويّة والأخلاقيّة، الفرديّة والاجتماعيّة، التي جاء بها الإسلام، والتي تنسجم كلّها مع الفطرة السليمة، وتشكّل عاملِ جذبٍ، ومنها قصّة النجاشيّ ملك الحبشة العادل، حيث دعا المهاجرين من المسلمين ليَمثُلوا أمامه، قائلًا: ما هذا الدين الذي فارقتُم فيه قومَكم؟ فأجابه جعفر بن أبي طالب: أيّها الملك، كنّا قومًا أهلَ جاهليّة، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونُسيء الجوار، ويأكل القويُّ منا الضعيفَ، فكنّا على ذلك، حتّى بَعَثَ اللهُ إلينا رسولًا منّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحّده ونعبده، ونخلعَ ما كنّا نعبد من الحجارة والأوثان، وأَمَرَنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصِلَةِ الرحم، وحُسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقولِ الزور، وأكلِ مال اليتيم، وقذفِ المحصنات، وأَمَرَنا بالصلاة والزكاة والصيام. فصدّقناه، وآمنّا به، واتّبعناه على ما جاء به من الله، فعبدْنا اللهَ وحده، فلم نشرك به شيئًا، وحرّمْنا ما حرّمَ علينا، وأحللْنا ما أحلَّ لنا، فعدا علينا قومُنا، فعذبّونا وفتنونا عن دينِنا... فقال له النجاشيّ: هل معك ممّا جاء به نبيُّكم شيءٌ؟ قال: نعم .قال: فاقرَأْ عَلَيَّ، فقرأ عليه صدرَ سورة مريم. قالت أمّ سلمة (رضي الله عنها)، وهي تروي الحديث: فبكى، والله، النجاشيّ حتّى اخضلَّت لحيتُه،

 


([1]) سورة النساء، الآية 69.

([2]) الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، مصدر سابق، ج1، ص521.

 

76


73

الموعظة الخامسة عشرة: عناصر القوّة الناعمة في المجتمع الإيمانيّ

وبكت أساقفتُه حتّى اخضلَّت مصاحفُهم، حين سمعوا ما تلا عليهم، فقال النجاشيّ: إنّ هذا، والذي جاء به عيسى، لَيَخرجُ مِن مشكاةٍ واحدةٍ([1]).

 

4. الحكومة العلويّة: يكفي الإضاءة على عدالة أمير المؤمنين عليه السلام في حكومته، حتّى صار مهوى القلوب، فعنه عليه السلام: «لَوْ ضَرَبْتُ خَيْشُومَ‏ الْمُؤْمِنِ بِسَيْفِي هَذَا، عَلَى أَنْ يُبْغِضَنِي، مَا أَبْغَضَنِي، وَلَوْ صَبَبْتُ الدُّنْيَا بِجَمَّاتِهَا عَلَى الْمُنَافِقِ، عَلَى أَنْ يُحِبَّنِي، مَا أَحَبَّنِي؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ قُضِيَ فَانْقَضَى عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ- أَنَّهُ قَالَ: يَا عَلِيُّ، لَا يُبْغِضُكَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يُحِبُّكَ مُنَافِقٌ‏»([2]).

 

5. ثورة الإمام الحسين عليه السلام: وهي واحدة من أبرز مصاديق القوّة الناعمة الدينيّة، خصوصًا عندما نلاحظ حال أولئك الذين بذلوا مهجهم دون الحسين، وعباراتهم، كزهير بن القين، الذي قال: «يابنَ رسولِ الله، وددْتُ أنّي قُتِلْتُ ثمّ نُشِرْتُ، ثمّ قُتِلْتُ ثمّ نُشِرْتُ، ثمّ قُتِلْتُ ثمّ نُشِرْتُ فيك وفي الذين معكَ مئةَ قتلة، وأنّ اللهَ دَفَعَ بي عنكم أهلَ البيتِ!»([3])، وكيف صار الحسين عليه السلام مشعل هداية الأحرار في العالم.

 

6. الجمهوريّة الإسلاميّة: بما تحمل من تجربة إسلاميّة رائدة، وهي تمتلك مصادر تلك القوّة؛ ما جعلها تنجح في تحقيق ما تسعى إليه من أهداف.

 

7. حزب الله والمقاومة الإسلاميّة: فهو حركة متلألئة؛ بسبب ارتباطه بمشروع التمهيد لصاحب العصر والزمان.، وموقعه ودوره الرياديّ

 


([1]) الطبريّ، محمّد بن جرير، دلائل الإمامة، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، مركز الطباعة والنشر في مؤسّسة البعثة، إيران - قمّ، 1413هـ، ط1، ص13.

([2]) السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ%)، مصدر سابق، ص477.

([3]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج44، ص314.

 

77


74

الموعظة الخامسة عشرة: عناصر القوّة الناعمة في المجتمع الإيمانيّ

والقياديّ في العالم الإسلاميّ، وتراكم التجربة والإنجازات.

 

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظله): «إنّ حزب الله يسطع كالشمس، وهو مبعث افتخارٍ للعالم الإسلاميّ»([1]).


 


([1]) من كلمة للإمام الخامنئيّ (دام ظلّه) في لقاء الهيئات الطلّابيّة، بتاريخ 20/04/2016م.

 

78


75

الموعظة السادسة عشرة: تحديد الأولويّات

الموعظة السادسة عشرة
تحديد الأولويّات

 

 

هدف الموعظة

تعرّف مفهوم الأولويّات، وتحديدها قرآنيًّا، وبيانها في كلام الإمام الحسين عليه السلام.

 

محاور الموعظة

1. إدارة الأولويّات

2. الأولويّات على هَدْيِ القرآن

3. سلّم الأولويّات في القرآن والسنّة

4. الأولويّات عند الإمام الحسين عليه السلام

 

تصدير الموعظة

الإمام الحسين عليه السلام: «مَوْتٌ فِي عِزٍّ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فِي ذُلٍّ»([1]).


 


([1]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج44، ص192.

 

79


76

الموعظة السادسة عشرة: تحديد الأولويّات

إدارة الأولويّات

قسّم الإمام الرضا عليه السلام الوقتَ إلى أربع ساعات، ارتباطًا بمفهوم إدارة الأولويّات، فقال: «وَاِجْتَهِدُوا أَنْ يَكُونَ زَمَانُكُمْ أَرْبَعَ سَاعَاتٍ: سَاعَةً لِلَّهِ لِمُنَاجَاتِهِ، وَسَاعَةً لِأَمْرِ اَلْمَعَاشِ، وَسَاعَةً لِمُعَاشَرَةِ اَلْإِخْوَانِ اَلثِّقَاتِ، وَاَلَّذِينَ يُعَرِّفُونَكُمْ عُيُوبَكُمْ، وَيُخْلِصُونَ لَكُمْ فِي اَلْبَاطِنِ، وَسَاعَةً تَخْلُونَ فِيهَا لِلَذَّاتِكُمْ؛ وَبِهَذِهِ اَلسَّاعَةِ تَقْدِرُونَ عَلَى اَلثَّلاثِ اَلسَّاعَاتِ»([1]).

 

الأولويّات على هَدْيِ القرآن

نجد الأولويّات مبثوثةً في السور والآيات الكريمة، على مستوى العقيدة، والشريعة، والأخلاق، والتعاملات.

 

1. أُسُس الحياة قائمة على التوحيد

يُقَدِّم القرآن الكريم التوحيدَ على «الطاغوتِ»، وهو كلُّ معبودٍ غير الله -تعالى-. والقرآن يريد أن يقول لنا: إنّ أُسُسَ الحياة ومبادئها قائمةٌ على شعار «لا إله إلّا الله»، قال -تعالى-: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَٰقِيهِ﴾([2]).

 

2. ترتيب الأولويّات حسب القرآن

قال -تعالى-: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ﴾([3]). فالأولويّة ليسَت هي التوجُّه إلى قبلة الصلاة فحسب، وإنّما لا بدّ من أن يكون الإنسان صادقًا

 

 


([1]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج75، ص346.

([2]) سورة الانشقاق، الآية 6.

([3]) سورة البقرة، الآية 177.

 

80


77

الموعظة السادسة عشرة: تحديد الأولويّات

وتقيًّا ونافعًا.

 

سُلّم الأولويّات في القرآن والسنّة

عند التأمُّل بالآيات والروايات، نجد أنّ هناك سُلّمًا من الأولويّات، نذكر منها:

1. في العقل

التفكّر: قال -تعالى-: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾([1]).

 

عن الإمام عليّ عليه السلام: «فِكْرُ اَلْمَرْءِ مِرْآةٌ تُرِيهِ حُسْنَ عَمَلِهِ مِنْ قُبْحِهِ»([2]).

 

2. في العقيدة

التوحيد: الإمام عليّ عليه السلام: «أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ، وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ، وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الْإِخْلَاصُ لَهُ»([3]).

 

3. في الشريعة

أولويّة الشريعة معرفةُ الحرام والواجب: «مَنْ أَشْفَقَ مِنَ النَّارِ، اِجْتَنَبَ اَلْمُحَرَّمَاتِ»([4]).

 

4. في الأخلاق

الصِدق: عن الإمام الصادق عليه السلام: «لا تَنْظُرُوا إِلَى طُولِ رُكُوعِ الرَّجُلِ وَسُجُودِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ قَدِ اِعْتَادَهُ، فَلَوْ تَرَكَهُ اِسْتَوْحَشَ لِذَلِكَ، وَلَكِنِ اُنْظُرُوا إِلَى صِدْقِ حَدِيثِهِ، وَأَدَاءِ أَمَانَتِهِ»([5]).

 

5. في العبادات

الصلاة: عن الإمام الباقر عليه السلام: «إِنَّ أَوَّلَ

 


([1]) سورة البقرة، الآية 242.

([2]) التميميّ الآمديّ، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم ودرر الكلم، تحقيق السيّد مهديّ رجائي، دار الكتاب الإسلاميّ، إيران - قمّ، 1410هـ، ط2، ص482.

([3]) السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ عليه السلام)، مصدر سابق، ص39، الخطبة الأولى.

([4]) الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص625.

([5]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج68، ص8.

 

81


78

الموعظة السادسة عشرة: تحديد الأولويّات

مَا يُحَاسَبُ بِهِ اَلْعَبْدُ، اَلصَّلاةُ؛ فَإِنْ قُبِلَتْ، قُبِلَ مَا سِوَاهَا«([1]).

6. في العلم

العلم النافع الصالح: الإمام عليّ عليه السلام: «يَتَفَاضَلُ اَلنَّاسُ بِالْعُلُومِ وَاَلْعُقُولِ، لا بِالْأَمْوَالِ وَاَلْأُصُولِ»([2]).

7. في المعاملة

الإحسان: من وصايا الإمام عليّ عليه السلام: «عَلَيْكَ بِالْإِحْسَانِ، فَإِنَّهُ أَفْضَلُ زِرَاعَةٍ وَأَرْبَحُ بِضَاعَة»([3])، والله دائمًا مع المحسنين: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾([4]).

8. في الحُكم

العدل: قال -تعالى-: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾([5]).

 

الأولويّات عند الإمام الحسين عليه السلام

1. الإخلاص في مواجهة الظلم والفساد الأمويّ وطلب الإصلاح في الأمّة الإسلاميّة

عنه عليه السلام: «إِنِّي لَمْ أَخْرُجْ بَطِرًا وَلا أَشِرًا، وَلا مُفْسِدًا وَلا ظَالِمًا، وَإِنَّمَا خَرَجْتُ أَطْلُبُ اَلصَّلاحَ [الإصلاح] فِي أُمَّةِ جَدِّي مُحَمَّدٍ، أُرِيدُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَى عَنِ اَلْمُنْكَرِ»([6]).

 

2. إحياء سيرة النبيّ- والإمام عليّ عليه السلام

عنه عليه السلام: «أَسِيرُ بِسِيرَةِ جَدِّي وَسِيرَةِ أَبِي

 


([1]) المصدر نفسه، ج80، ص25.

([2]) الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص809.

([3]) المصدر نفسه، ص444.

([4]) سورة العنكبوت، الآية 69.

([5]) سورة النحل، الآية 90.

([6]) ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، مصدر سابق، ج3، ص241.

 

82


79

الموعظة السادسة عشرة: تحديد الأولويّات

عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَمَنْ قَبِلَنِي بِقَبُولِ اَلْحَقِّ، فَاللَّهُ أَوْلَى بِالْحَقِّ، وَهُوَ أَحْكَمُ اَلْحَاكِمِينَ»([1]).

 

3. استنقاذ العباد من الجهل والضلال

عنه عليه السلام: «لِيَسْتَنْقِذَ عِبَادَكَ مِنَ اَلضَّلالَةِ وَاَلْجَهَالَةِ وَاَلْعَمَى وَاَلشَّكِّ وَاَلاِرْتِيَابِ، إِلَى بَابِ اَلْهُدَى وَاَلرَّشَادِ»([2]).

 

4. العزّة والكرامة

عنه عليه السلام: «مَوْتٌ فِي عِزٍّ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فِي ذُلٍّ»([3]).


 


([1]) المصدر نفسه، ج3، ص241.

([2]) الشيخ الطوسيّ، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج6، ص56.

([3]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج44، ص192.

 

83


80

الموعظة السابعة عشرة: الالتزام بالحكم الشرعيّ

الموعظة السابعة عشرة
الالتزام بالحكم الشرعيّ

 

هدف الموعظة

توضيح المراد من الحكم الشرعيّ، وثقافة الالتزام به.

 

محاور الموعظة

مفهوم الحكم الشرعيّ

2. خصائص الالتزام بالحكم الشرعيّ

3. تعامُلنا مع الحكم الشرعيّ

 

تصدير الموعظة

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾([1]).

 

 


([1]) سورة النساء، الآية 59.

 

84


81

الموعظة السابعة عشرة: الالتزام بالحكم الشرعيّ

مفهوم الحكم الشرعيّ

هو طلب الشارع ما فيه كُلفةٌ، مِن فعلٍ أو تركٍ، وهو شاملٌ للأحكام التكليفيّة الخمسة، وهي: الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والإباحة([1]).

 

والغرض من التكليف بالأحكام الشرعيّة المتعدّدة، هو تشريفٌ من اللّه ‏-عزّ وجلّ- للإنسان، وتكريمٌ له؛ لأنّه يرمز إلى ما مَيّز اللّهُ‏ به الإنسانَ، من عقل، وقدرة على بناء نفسه، والتحكّم في غرائزه، وقابليّته لتحمّل المسؤوليّة، خلافًا لغيره([2]).

 

خصائص الالتزام بالحكم الشرعيّ

1. القدرة عليه

قال -تعالى-: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾([3]).

 

الإمام الصادق عليه السلام: «مَا أُمِرَ اَلْعِبَادُ إِلاَّ بِدُونِ سَعَتِهِمْ؛ فَكُلُّ شَيْءٍ أُمِرَ اَلنَّاسُ بِأَخْذِهِ، فَهُمْ مُتَّسِعُونَ لَهُ، ومَا لاَ يَتَّسِعُونَ لَهُ، فَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْهُمْ، وَلَكِنَّ اَلنَّاسَ لاَ خَيْرَ فِيهِمْ»([4]).

 

2. براءة الذمّة أمام الله -تعالى-

إنّ امتثال الحكم الشرعيّ يُبرئ ذمّةَ الإنسان بين يدَي الله.

 

3. الالتزام بكلّ الأحكام

قال -تعالى-: ﴿أفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾([5]).

 


([1]) الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، الاقتصاد، منشورات مكتبة جامع چهلستون، إيران - طهران، 1400هـ، لا.ط، ص106.

([2]) الصدر، السيّد محمّد باقر، الفتاوى الواضحة، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط، ص39.

([3]) سورة البقرة، الآية 286.

([4]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج5، ص36.

([5]) سورة البقرة، الآية 85.

 

85


82

الموعظة السابعة عشرة: الالتزام بالحكم الشرعيّ

تعاملنا مع الحكم الشرعيّ

إنّ علاقتنا بالحكم الشرعيّ هي علاقة التسليم المطلق للأمر الإلهيّ، ولا يخضع لمزاج الأشخاص والأفراد ورؤيتهم الخاصّة للأمور، بل لا يحقّ للإنسان أن يعترض على الحكم الشرعيّ؛ لمجرّد مخالفته لأهوائه، أو عدم معرفته بحيثيّاته والحِكم الإلهيّة المحيطة به؛ ومَن يفعل ذلك، يكون مصداقًا لقوله -تعالى-: ﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾([1]).

 

1. التسليم والانقياد للحكم الشرعيّ

الإسلام والتسليم بمعنى واحد، من السلم، وهو انقياد أحد الشيئين إلى الآخر بحالٍ لا يعصيه ولا يدفعه، قال -تعالى-: ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾([2]). فإسلام الإنسان له -تعالى- هو وصف الانقياد والقبول منه لما يرد عليه من الله -سبحانه- من حكم تكوينيّ من قدر وقضاء، أو تشريعيّ من أمر أو نهي أو غير ذلك.

 

والمرتبة الأولى من مراتب الإسلام، هي القبول لظواهر الأوامر والنواهي بتلقّي الشهادتين لسانًا، سواء وافقه القلب أو خالفه. ويتعقّب الإسلام بهذا المعنى أوّل مراتب الإيمان، وهو الإذعان القلبيّ بمضمون الشهادتين إجمالًا، ويلزمه العمل في غالب الفروع.

 

وما يلي الإيمان بالمرتبة الأولى، وهو التسليم والانقياد القلبيّ لجلّ الاعتقادات الحقّة التفصيليّة، وما يتبعها من الأعمال الصالحة.

 

وما يلي الإيمان بالمرتبة الثانية، فإنّ النفس إذا أنِست بالإيمان المذكور وتخلّقت بأخلاقه،

 

 


([1]) سورة الحجرات، الآية 16.

([2]) سورة البقرة، الآية 112.

 

86


83

الموعظة السابعة عشرة: الالتزام بالحكم الشرعيّ

تمكّنت منها وانقادت لها سائر قوى النفس المائلة إلى هوسات الدنيا وزخارفها الفانية الداثرة، وصار الإنسان يعبد الله كأنّه يراه، فإن لم يكن يراه فإنّ الله يراه، ولم يجد في باطنه وسرّه ما لا ينقاد إلى أمره ونهيه أو يسخط من قضائه وقدره، قال الله -سبحانه-: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾([1])،([2]).

 

2. ممّن نأخذ التكليف الشرعيّ؟

إنّ الأحكام الشرعيّة الشاملة للأوامر والنواهي الإلهيّة، إنّما أُنِيطَ إيصالُها لِمَن أعطاهم الله -سبحانه وتعالى- الحجّيّة في أقوالهم وأفعالهم، وهم المعصومون، من النبيّ الأكرم-، إلى الأئمّة الاثني عشر(، فهم الموكلون ببيان الأحكام والتكاليف الشرعيّة لعباد الله، وقد أمر -سبحانه- بطاعتهم في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾([3]).

 

وفي ما يتعلّق بالتكاليف المرتبطة بقضايا الأمّة في عصر غيبة المعصوم.، إنّما يرجع الأمر فيها إلى الفقيه الجامع للشرائط، الموكل بإدارة الأمّة وقيادتها، ألَا وهو الوليّ الفقيه.


 


([1]) سورة النساء، الآية 65.

([2]) العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج1، ص301. (بتصرّف)

([3]) سورة النساء، الآية 59.

 

87


84

الموعظة الثامنة عشرة: الاقتصاد المقاوم

الموعظة الثامنة عشرة
الاقتصاد المقاوم

 

 

هدف الموعظة

تعرّف مفهوم الكسب الحلال، وإدراك أهمّيّة التدبير في المعيشة، وآثار سوء التدبير.

 

محاور الموعظة

 

1. الكسب الحلال

2. أهمّيّة التدبير والتقدير في المعيشة

3. طرق حُسن التدبير

 

تصدير الموعظة

الإمام الصادق عليه السلام: «ومِن الدِّينِ، التَّدبيرُ في المعيشَةِ»([1]).


 


([1]) الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قم، 1414هـ، ط1، ص670.

 

88


85

الموعظة الثامنة عشرة: الاقتصاد المقاوم

الكسب الحلال

من الأمور التي ركّزَت عليها الروايات في حُسن التدبير والتقدير في المعيشة، هو التكسُّب والكَسب والدخل الحلال.

 

وقد حُدِّدَت مصادر الدخل، في حديثٍ مرويٍّ عن الإمام عليّ عليه السلام، في خمسة محاور، حيث قال عليه السلام: «مَعايش الخلقِ خمسَةٌ: الإمارَةُ، والعِمارةُ، والتِّجارَةُ، والإجارَةُ، والصَّدَقاتُ»([1]).

 

أمّا مقدار دَخْلِ الإنسان، فإنّه يختلف في كلّ زمانٍ ومكانٍ، فالاقتصاد الإسلاميّ لم يُعيّن معدّلًا محدّدًا له، لكنَّه أوجب أن يكون مصدره حلالًا.

 

لذا، قُسِّم الدخلُ، من حيث مصادر كسبه المختلفة، إلى نوعَين: دخلٌ حلالٌ، ودخلٌ حرامٌ.

 

وأكّدَت الروايات على ضرورة السعي في كسب لقمة العيش بطُرُقٍ مشروعةٍ، عن رسول الله-: «العِبادَةُ سَبعونَ جُزءًا، أفضلُها طَلَبُ الحلالِ»([2]).

 

وعنه- -أيضًا-: «طُوبَى لِمَن اكتَسَبَ مِن المؤمِنينَ مالًا مِن غَيرِ مَعصِيَةٍ»([3]).

 

رُوِيَ أنّ رجلًا قال لرسول الله-: يا رسولَ الله، أُحبُّ أن يُستَجاب دعائي. فقال-: «طَهِّر مَأكَلتَكَ، ولا تُدخِل بَطنَكَ الحرامَ»([4]).

 

أهمّيّة التدبير والتقدير في المعيشة

1. علامة التديُّن

رُوِيَ أنّ رجلًا قال للإمام الصادق عليه السلام: بلغَني أنّ الاقتصاد والتدبير في المعيشة نصفُ الكسب! فقال عليه السلام: «لَا، بَل هُو الكسبُ

 


([1]) الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج19، ص35.

([2]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص78.

([3]) المصدر نفسه، ج8، ص169

([4]) الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج7، ص145.

 

89


86

الموعظة الثامنة عشرة: الاقتصاد المقاوم

كلُّهُ، ومِنَ الدِّينِ التَّدبيرُ في المعيشة»([1]).

 

2. كلّ الكمال

عن الإمام الصادق عليه السلام: «الكَمالُ، كُلُّ الكَمالِ: التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ، وَالصَّبرُ عَلَى النّائبَةِ، وَتَقديرُ المعيشةِ»([2])، فإنّ عدم التقدير في المعيشة يؤدّي إلى إخلالٍ في الأسرة والمجتمع.

 

3. صلاح المؤمن

وقد أكّد الإمام الصادق عليه السلام على هذه الحقيقة، بقوله: «لا يَصلُحُ المؤمنُ إلّا على ثَلاثِ خِصالٍ: التَّفقُّهِ في الدِّينِ، وحُسنِ التَّقديرِ في المعيشةِ، والصَّبرِ على النّائبَةِ»([3]).

 

طُرُق حُسن التدبير

1. التنظيم والضبط

ونعني بذلك أن يعتمد المرء التخطيط الواضح للدخل والمصروف، بحيث يتناسب إنفاقُه مع دخلِه. وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى ذلك، بقوله: «حُسْنُ اَلتَّقْدِيرِ مَعَ اَلْكَفَافِ، خَيْرٌ مِنَ اَلسَّعْيِ فِي اَلْإِسْرَافِ»([4]).

 

2. عدم الإسراف

المراد من الإسراف في الاستهلاك: تجاوز الحدّ في الإنفاق؛ أي أنْ يتجاوز الإنسانُ المستوى المتعارَف في إنفاق المال، فينفق أكثر من حاجته، ويُسرِف في ذلك.

 

وقد تطرّق الإمام الصادق عليه السلام لهذا الأمر، حين قال: «رُبَّ فَقِيرٍ هُوَ أَسْرَفُ مِنَ اَلْغَنِيِّ؛ إِنَّ اَلْغَنِيَّ يُنْفِقُ مِمَّا أُوتِيَ، وَاَلْفَقِيرَ يُنْفِقُ مِنْ غَيْرِ مَا

 


([1]) الشيخ الطوسيّ، الأمالي، مصدر سابق، ص670.

([2]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص32.

([3]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج75، ص240.

([4]) الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص277.

 

90


87

الموعظة الثامنة عشرة: الاقتصاد المقاوم

أُوتِيَ»([1]).

 

ومن النتائج السيّئة الأخرى للإسراف والتبذير، ابتلاء الفرد والمجتمع بالفقر والحرمان.

 

عن الإمام الصادق عليه السلام: «إنَّ السَّرفَ يُورِثُ الفَقرَ، وَإنَّ القَصْدَ يُورِثُ الغِنَى»([2]).

 

3. أولويّات الإنفاق

عن الإمام الصادق عليه السلام: «التَّقدِيرُ نِصفُ العيشِ»([3]).

 

حُسن التقدير: يعني التخطيط الدقيق للأولويّات في الإنفاق، وهذا مرتبطٌ بشكلٍ واضحٍ بحُسنِ التدبير.

 

4. الاعتدال

﴿وَٱلَّذِينَ إِذَا أَنفَقُواْ لَم يُسرِفُواْ وَلَم يَقتُرُواْ وَكَانَ بَينَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾([4]).

 

والقتر -بالفتح فالسكون-: التقليل في الإنفاق، هو بإزاء الإسراف.

 

والقَوَام -بالفتح الواسط-: العدل، وبالكسر ما يقوم به الشيء.

 

والمعنى: وكان إنفاقُهم وسطًا عدلًا بين ما ذُكِرَ من الإسراف والقتر، فصدر الآية ينفي طرفَي الإفراط والتفريط في الإنفاق، وذيلُها يُثبِتُ الوسط([5]).

 

آثار سوء التدبير

من المهمّ الإشارة إلى أنّ نفعَ حُسنِ التدبير وضررَ سوءِ التدبير لا يقتصران على حياة الإنسان بشكل

 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص55.

([2]) المصدر نفسه، ص53.

([3]) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج4، ص416.

([4]) سورة الفرقان، الآية 67.

([5]) العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج15، ص240. (بتصرّف).

 

91


88

الموعظة الثامنة عشرة: الاقتصاد المقاوم

فرديّ، بل يتعدّيان ذلك إلى المجتمع والدولة والأمّة!

 

وإذا لاحظنا تعابير الإمام عليّ عليه السلام في هذا الموضوع، فهي تكفي لمعرفة الآثار الخطيرة لسوء التدبير. وممّا ورد عنه عليه السلام: «سُوءُ التَّدْبِيرِ سَببُ التَّدْمِيرِ»([1]).


 


([1]) الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص281.

 

92


89

الموعظة التاسعة عشرة: البُعد الصحّيّ والاجتماعيّ في الدين

الموعظة التاسعة عشرة
البُعد الصحّيّ والاجتماعيّ في الدين

 

 

هدف الموعظة

بيان طرق الوقاية من الأمراض المعدية في الروايات، وتعرّف البُعد الاجتماعيَّ في الدين.

 

محاور الموعظة

1. البُعد الصحّيّ في الدين

2. البُعد الاجتماعيّ في الدين

 

تصدير الموعظة

الرسول الأعظم-: «خَلَّتَانِ، كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِيهِمَا مَفْتُونٌ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ»([1]).

 

 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص152.

 

93


90

الموعظة التاسعة عشرة: البُعد الصحّيّ والاجتماعيّ في الدين

البُعد الصحّيّ في الدين

 

الصحّة نعمة إلهيّة

حثّ الإسلام على الحفاظ على الصحّة العامّة للأفراد والمجتمع؛ لأنّها من أفضل النعم، وعن أمير المؤمنين عليه السلام: «الصِّحَّةُ أفضَلُ النِّعَمِ»([1]).

 

وعندما يتمتّع المرء بالصحّة والعافية، يستلذّ بالحياة، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: «بِالعافِيَةِ تُوجَدُ لَذَّةُ الحَياةِ»([2]).

 

فلا يجوز للإنسان التهاونُ بصحّته الشخصيّة، أو بصحّة مجتمعه.

 

مفهوم الصحّة

الصحّة ليست الخلوَّ من الأمراض فقط، بل تعني الصحّة الإيجابيّة؛ وهي أن تكون لدى الإنسان مناعةٌ قويّةٌ، بحيث يقاوم الكثير من الفيروسات والميكروبات المسبِّبة للأمراض المختلفة.

 

وهذا المفهوم يتطابق مع نظرة الإسلام، من خلال الأبعاد الآتية:

الأوّل: بناء الجسم وتحسين الصحّة.

الثاني: العلاج (الطبّ العلاجيّ).

الثالث: الحماية (الطبّ الوقائيّ).

 

الوقاية من الأمراض، خصوصًا المعدية

إنّ التوَقّي من الأمراض المعدية، والاحتراز من الإصابة بها، كفيروس كورونا وغيره، خير وسيلة لمواجهته، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: «لَا وِقَايَةَ أَمْنَعُ‏ مِنَ‏ السَّلَامَةِ»([3])، وعن رسول اللَّهِ-: «وَكَرِهَ أَنْ يُكَلِّمَ اَلرَّجُلُ مَجْذُومًا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَدْرَ ذِرَاعٍ»([4]).

 


([1]) الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص23.

([2]) المصدر نفسه، ص188.

([3]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص19.

([4]) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج4، ص352.

 

94


91

الموعظة التاسعة عشرة: البُعد الصحّيّ والاجتماعيّ في الدين

وتوجد عدّة وسائل للوقاية، منها:

1. الاهتمام بالنظافة العامّة

عن الإمام الصادق عليه السلام: «إِنَّ اللهَ يُحِبُّ اَلْجَمَالَ وَاَلتَّجَمُّلَ، وَيَكْرَهُ اَلْبُؤْسَ وَاَلتَّبَاؤُسَ؛ فَإِنَّ اللهَ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً أَحَبَّ أَنْ يَرَى عَلَيْهِ أَثَرَهَا»، قِيلَ: كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «يُنَظِّفُ ثَوْبَهُ، وَيُطَيِّبُ رِيحَهُ، وَيُجَصِّصُ دَارَهُ، وَيَكْنُسُ أَفْنِيَتَهُ»([1]).

 

ومن مظاهر الاهتمام بالنظافة:

أ. غسل اليدَين

عن الإمام الصادق عليه السلام: «مَنْ غَسَلَ يَدَهُ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ، بُورِكَ لَهُ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، وَعَاشَ مَا عَاشَ فِي سَعَةٍ، وَعُوفِيَ مِنْ بَلْوَى فِي جَسَدِهِ»([2]).

 

ب. الاستحمام

عن أمير المؤمنين عليه السلام: «تَنَظَّفُوا بِالْمَاءِ مِنْ نَتْنِ الرِّيحِ الَّذِي يُتَأَذَّى بِهِ، تَعَهَّدُوا أَنْفُسَكُمْ، فَإِنَّ اللهَ يُبْغِضُ مِنْ عِبَادِهِ اَلْقَاذُورَةَ اَلَّذِي يَتَأَنَّفُ بِهِ مَنْ جَلَسَ إِلَيْهِ»([3]).

 

ج. التطيُّب

عن الإمام الرضا عليه السلام: «الطِّيبُ مِنْ أَخْلاَقِ الْأَنْبِيَاءِ»([4]).

 

د. الشعر

عن الإمام الصادق عليه السلام: «قالَ رسولُ الله-: مَنِ اِتَّخَذَ شَعْرًا، فَلْيُحْسِنْ وِلاَيَتَهُ، أَوْ لِيَجُزَّهُ»([5]).

 

ه. الأظافر

عن رسول الله-: «تَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ يَمْنَعُ الدَّاءَ الْأَعْظَمَ

 


([1]) الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج5، ص7.

([2]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج63، ص362.

([3]) الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج1، ص246.

([4]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص510.

([5]) المصدر نفسه، ص485.

 

95


92

الموعظة التاسعة عشرة: البُعد الصحّيّ والاجتماعيّ في الدين

وَيُدِرُّ الرِّزْقَ...»([1]).

 

و. الأسنان

عن رسول الله-: «يَا عَلِيُّ، عَلَيْكَ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ وُضُوءِ كُلِّ صَلاَةٍ»([2]).

 

ز. غسل الفواكه والخضروات

عن الإمام الصادق عليه السلام: «إِنَّ لِكُلِّ ثَمَرَةٍ سَمًّا مَا؛ فَإِذَا أُتِيتُمْ بِهَا، فَأَمِسُّوهَا بِالْمَاءِ، أَوِ اِغْمِسُوهَا فِي اَلْمَاءِ؛ يَعْنِي اِغْسِلُوهَا»([3]).

 

2. عدم حضور المصاب في الأماكن العامّة

فمن الوسائل الوقائيّة، عدم مخالطة المصاب للأصحّاء، أو حضور المجالس العامّة؛ حتّى لا تنتقل العدوى، فعن رسول الله-: «لاَ يُورِدُ ذُو عَاهَةٍ [مُمْرِضٌ] عَلَى مُصِحٍّ»([4])، ولحرمة الضرر بالآخرين المستفادة من قول رسول اللَّهِ-: «لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ»([5]).

 

3. تجنُّب السفر إلى الأماكن الموبوءة

عن رسول الله-: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ [يعني: الطاعون] بِأَرْضٍ، فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْه»([6]). والمقصودُ بالطاعونِ أيُّ مَرَضٍ مُعْدٍ.

 

البُعد الاجتماعيّ في الدين

البُعد الاجتماعيّ في التعاليم القرآنيّة

﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى

 


([1]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج73، ص316.

([2]) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج1، ص53.

([3]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص350.

([4]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج62، ص82.

([5]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص294.

([6]) مسلم النيسابوري، أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، الجامع الصحيح (صحيح مسلم)، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج7، ص27.

 

96


93

الموعظة التاسعة عشرة: البُعد الصحّيّ والاجتماعيّ في الدين

وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾([1]).

 

يضع القرآن أُسُسًا هامّةً ومتينةً لبناء المجتمع، هي:

1. الأصول الإيجابيّة

وهي العدل والإحسان والإنفاق، وهي أهمّ ما يقوم به صُلبُ المجتمع الإنسانيّ، فصلاح المجتمع العامّ أهمّ ما يبتغيه الإسلام؛ لأنّ سعادة الفردِ مَبنيّةٌ على صلاح الظرف الاجتماعيّ الذي يعيش هو فيه، فما أصعب أن يفلحَ فردٌ في مجتمع فاسد!

 

وقوله ﴿وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى﴾؛ أي إعطاء المال لذوي القرابة، وقد خُصَّ بالذكر؛ ليدلّ على مزيدِ العناية بإصلاح هذا المجتمع الصغير، الذي هو السبب، بالحقيقة، لانعقاد المجتمع المدنيّ الكبير([2]).

 

2. الأصول السلبيّة

بعد ذِكر الأصول الإيجابيّة، يذكر الأصول المقابلة لها؛ أي السلبيّة: ﴿وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ﴾.

 

الفحشاء: إشارة إلى الذنوب الخفيّة.

والمنكر: إشارة إلى الذنوب العلنيّة.

والبغي: إشارة إلى كلِّ تجاوزٍ عن حقّ الإنسان، وظلم الآخرين، والاستعلاء عليهم.

وإنّ منشأ الانحرافات الأخلاقيّة ثلاثُ قوىً: الشهوانيّة، والغضبيّة، والوهميّة الشيطانيّة.

وثمّة أوامر ونواهٍ كثيرة ذَكَرَها القرآنُ، تصبُّ في بناء المجتمع وقيادة الإنسان السياسيّة

 

 


([1]) سورة النحل، الآيتان 90-91.

([2]) ينظر: العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج12، ص332.

 

97


94

الموعظة التاسعة عشرة: البُعد الصحّيّ والاجتماعيّ في الدين

والاجتماعيّة، منها:

اجتناب الطاغوت: وهو -بمعناه الواسع- الابتعاد عن كلّ أشكال الشرك وعبادة الأصنام وهوى النفس والشيطان، وتجنُّب الانصياع والاستسلام للحكّام المتجبِّرين الطغاة([1]).

 

عن الإمام الصادق، عن أبيه': «أَنْتُمُ الَّذِينَ اِجْتَنَبُوا اَلطّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها، وَمَنْ أَطَاعَ جَبَّارًا فَقَدْ عَبَدَهُ»([2]).

 

والكلمة الحسنة، والنهي عن الكلمة السيِّئة؛ أي ينهى عن إطلاقها، وعن الاستماع إليها، أو التأثّر بها، أو السكوت عليها وعدم ردّها...

 

 


([1]) الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مصدر سابق، ج15، ص48.

([2]) العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج23، ص361.

 

98


95

الموعظة العشرون: الولاية وتجلّياتها في عاشوراء

الموعظة العشرون
الولاية وتجلّياتها في عاشوراء

 

 

هدف الموعظة

تعرّف أهمّيّة الولاية ومحوريّتها، من خلال نماذج الولاية في عاشوراء.

 

محاور الموعظة

1. بين الولاية والطاعة

2. ضرورة توحيد الولاء

3. كيف يكون الولاء؟

4. تجلّيات الولاية في عاشوراء

 

تصدير الموعظة

في زيارة أبي الفضل العبّاس عليه السلام: «وأشهدُ لك بالتسليمِ، والتصديقِ، والوفاءِ، والنصيحةِ لِخلفِ النبيِّ المرسَلِ، والسبطِ المنتجَبِ»([1]).


 


([1]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج98، ص217.

 

99


96

الموعظة العشرون: الولاية وتجلّياتها في عاشوراء

بين الولاية والطاعة

الولاية والطاعة مفهومان مترابطان في كتاب الله.

 

ومعنى الولاية هو تقديم إرادة أولي الأمر على الأمّة، وهو معنى الحاكميّة والسيادة.

 

والولاية هي الخطّ النازل في علاقة الله ورسوله وأولي الأمر بالأمّة، أمّا الطاعة، فهي الخطّ الصاعد في علاقة الأمّة بالله ورسوله وأولي الأمر.

 

وقد ورد التأكيد في القرآن على طاعة الرسول-: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾([1])، ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾([2]).

 

إذًا، طاعة الله هي الركن الأوّل، والثاني طاعة الرسل(. وطاعة أولي الأمر مقترنة بطاعة الرسول-: ﴿وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾([3])، ومن أطاع الرسول أطاع الله ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ﴾([4]).

 

وأُولُو الأمر على ثلاثة أنحاء:

الأوّل: أُولُو الأمر بالأصالة (الأنبياء والأئمّة().

الثاني: أُولُو الأمر بالنيابة الخاصّة (النوّاب الأربعة في زمن الغيبة الصغرى).

الثالث: أُولُو الأمر بالنيابة العامّة، وهم الفقهاء في عصر الغيبة الكبرى، وولاية الوليّ الفقيه.

 

ضرورة توحيد الولاء

إنّ أكثر مصاديق الشرك في القرآن الكريم هي في الولاء، وليست في الخالق.

 

قال -تعالى-: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ

 


([1]) سورة آل عمران، الآية 32.

([2]) سورة محمّد، الآية 33.

([3]) سورة النساء، الآية 59.

([4]) سورة النساء، الآية 80.

 

100


97

الموعظة العشرون: الولاية وتجلّياتها في عاشوراء

مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾([1]).

 

يضرب الله مثلًا في التوحيد والشرك، برجلَين:

أحدهما: يتنازعه شركاء متشاكسون، لكلّ واحد منهم ولاية عليه وسلطان.

 

والآخر: أسلمَ أمرَه إلى رجلٍ واحد فقط، يطيعه وينقاد إليه، ويتقبّل ولايته وحاكميّته في كلِّ شأن. وهكذا الأمر بالنسبة للتوحيد والشرك.

 

فالموحِّدون كالرجل الثاني، والمشركون كالرجل الأوّل. والمراد من الشرك والتوحيد، في هذا المثال، هو الشرك والتوحيد في الولاء.

 

يقول أمير المؤمنين عليه السلام في أسباب البعثة: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّه -تَبَارَكَ وتَعَالَى- بَعَثَ مُحَمَّدًا- بِالْحَقِّ؛ لِيُخْرِجَ عِبَادَه مِنْ عِبَادَةِ عِبَادِه إِلَى عِبَادَتِه، ومِنْ عُهُودِ عِبَادِه إِلَى عُهُودِه، ومِنْ طَاعَةِ عِبَادِه إِلَى طَاعَتِه، ومِنْ وَلَايَةِ عِبَادِه إِلَى وَلَايَتِه»([2]).

 

كيف يكون الولاء؟

يتجسّد الولاء لله -تعالى- عبر الارتباط به من خلال:

1. الطاعة والانقياد

﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾([3]).

 

تكرّرت في القرآن جملة ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ﴾([4])، ورَتَّبَت الآياتُ بعد الطاعةِ لله ورسوله، أثرًا خاصًّا،

 


([1]) سورة الزمر، الآية 29.

([2]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص386.

([3]) سورة النور، الآية 51.

([4]) سورة النساء، الآية 13. سورة النور، الآية 52. سورة الأحزاب، الآية 71. سورة الفتح، الآية 17.

 

101


98

الموعظة العشرون: الولاية وتجلّياتها في عاشوراء

2. الحبّ والإخلاص لله

﴿قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾([1]).

 

3. النصرة لله ولرسوله وللمؤمنين

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾([2]).

 

تجلّيات الولاية في عاشوراء

إنّ طاعة أصحاب الإمام الحسين المطلقة لأوامره عليه السلام، كانت من أبرز صفات هولاء الصفوة، وإنّ طاعة الإمام السجّاد لأبيه'، وبعد ذلك طاعة السيّدة زينب للإمام السجّاد'، هذه المواقف وغيرها تؤكّد محوريّة الولاية وطاعة المعصوم، والتي تتجلّى في عصرنا بطاعة الوليّ الفقيه، الذي هو الخطّ الممتدّ لخطّ المعصوم..

 

ومن تجلّيات الولاية يوم عاشوراء:

1. طاعة الأصحاب للإمام الحسين عليه السلام

عن الإمام زين العابدين عليه السلام: «لَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا الْحُسَيْنُ عليه السلام فِي صَبِيحَتِهَا، قَامَ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ عليه السلام: إِنَّ هَؤُلَاءِ يُرِيدُونَنِي دُونَكُمْ، وَلَوْ قَتَلُونِي، لَمْ يُقْبِلُوا إِلَيْكُمْ؛ فَالنَّجَاءَ النَّجَاءَ! وَأَنْتُمْ فِي حِلٍّ، فَإِنَّكُمْ إِنْ أَصْبَحْتُمْ مَعِي، قُتِلْتُمْ كُلُّكُمْ! فَقَالُوا: لَا نَخْذُلُكَ، وَلَا نَخْتَارُ الْعَيْشَ بَعْدَكَ»([3]).

 


([1]) سورة التوبة، الآية 24.

([2]) سورة محمّد، الآية 7.

([3]) قطب الدين الروانديّ، أبو الحسين سعيد بن هبة الله، الخرائج والجرائح، تحقيق ونشر مؤسّسة الإمام المهدي. بإشراف السيّد محمّد باقر الموحّد الأبطحيّ، إيران - قم، 1409هـ، ط1، ج1، ص254.

 

102


99

الموعظة العشرون: الولاية وتجلّياتها في عاشوراء

ولمّا أطلَعَهُم على مصيرِه ومصيرِهم، قائلًا: «إِنِّي فِي غَدٍ أُقتَلُ، وَتُقتَلُونَ كُلُّكُمْ مَعِي»، قالوا: الحمدُ للهِ الذي أَكْرَمَنَا بنصرِك، وشرَّفَنا بالقتلِ معكَ([1]).

 

2. طاعة العباس للإمام عليه السلام

عن الإمام الصادق عليه السلام: «كانَ عمُّنا العبّاسُ بنُ عليٍّ نافذَ البصيرةِ، صلبَ الإيمانِ؛ جَاهدَ معَ أبي عَبْدِ الله، وأَبْلَى بلاءً حَسَنًا، ومضى شهيدًا»([2]).

 

كما يقين أبي الفضل، كذلك تسليمه، بل إنّ صفة التسليم ناشئةٌ من حقيقة اليقين، وأيُّ تسليمٍ أعظمُ من الطاعة التامّة لإمام زمانه، والصبر معه حتّى الشهادة! «وأشهدُ لكَ بالتسليمِ، والتصديقِ، والوفاءِ، والنصيحةِ لِخلفِ النبيِّ المرسَلِ، والسبطِ المنتجَبِ».

 

3. طاعة السيّدة زينب للإمام زين العابدين'

عشيّة عاشوراء، حين أُحرِقَت الخيام، جاءت السيّدة زينب إلى الإمام زين العابدين'، وكان قد اشتدّ به المرض، فسألته -باعتباره إمامًا مُفتَرَضَ الطاعة بعد أخيها- عن واجبها، فأمَرَها والنسوة بالفرار!

 


([1]) البحرانيّ، السيّد هاشم الحسيني، مدينة المعاجز، تحقيق الشيخ عزة الله المولائي الهمداني، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، إيران - قم، 1413هـ، ط1، ج4، ص215.

([2]) أبو مخنف الكوفيّ، وقعة الطفّ، مصدر سابق، ص176.

 

103


100
زاد عاشوراء 1442 هـ