خطّ الإمام الخميني قدس سره

لا شرقية ولا غربية جمهورية إسلامية.


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2020-09

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدّمة

المقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين وأشرف الصلوات وأتم التسليم على المبعوث رحمة للعالمين أبي القاسم محمد بن عبد اللّه صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أهل بيته الأبرار عليهم السلام.

 

بعد الانقسام العالمي إلى المعسكرين الشرقي والغربي، وانضواء الدول في أحد هذين المحورين، وحينما كانت القوى الإستكبارية والإمبريالية العالمية تسعى لجعل إيران شرطيّاً لمنطقة الخليج، وممرَّاً للمؤامرات التي تحاك على دول الجوار، ويداً تنفِّذ المخطّطات الصهيونية. خرج من رحم الزمان رجلٌ فريد، يحمل لواء أهل البيت عليهم السلام، يسير على نهج كربلاء، فغيَّر خارطة العالم، وكسر القاعدة المألوفة في التبعية للمعسكرات، فأعلى راية الحق وأعلن الشعار الخالد، لا شرقية ولا غربية جمهورية إسلامية.

 

وبعد سنوات على هذا الانتصار صار الحديث عن خط الإمام الخميني المقدس حديثاً عن الخط الإسلامي المحمدي الأصيل.

 

ومن هنا كان هذا الكتاب محاولةً لإلقاء نظرة على هذا الخط المتميّز، بالتركيز على بعض مفرداته الفكرية، والتي تعتبر نبعاً انبلج من مدرسة الوحي ومن عبق الرسالة وأريج الولاية.

 

                                                                               والحمد لله ربّ العالمين

مركز المعارف للمناهج والمتون التعليمية

 

 

9


1

الدرس الأول: المعالم العامة لخط الإمام قدس سره

الدرس الأول

المعالم العامة لخط

الإمام قدس سره

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يشرح أنواع الارتباط بخط الإمام الخميني قدس سره.

2- يعدد المعالم العامة للارتباط بخط الإمام قدس سره.

3- يشـــرح العلاقة بيـــن خط الإمام قدس سره ونهج المعصومين عليهم السلام.

 

 

11


2

الدرس الأول: المعالم العامة لخط الإمام قدس سره

تمهيد

"أقيموا العدالة، لا تطالبوا الآخرين فقط بإقامة العدالة، أقيموا العدالة على أنفسكم أيضاً"[1].

 

يحتل الحديث عن خط الإمام الخميني قدس سره[2] من الأهمية مكانةً كبيرة. لأن خط الإمام الخميني قدس سره يمثل التجربة الفريدة المعاصرة لثورة تميزت عن سائر الثورات، ثورة ما زالت تتناولها الأبحاث والتحليلات، لما فيها من مزايا وخصائص تختلف عن سائر الثورات التي شهدها العالم.

 

وسنتحدث في الدرس الأول عن الميزات التي امتازت بها هذه الثورة المباركة والتي انطلقت بخلفية ما اصطلح على تسميته بخط الإمام الخميني  قدس سره[3].

 

الارتباط بخط الإمام الخميني قدس سره

تنطلق الكثير من الحركات التحررية متأثرة بالخط الخميني كأفق أساسي للتحرك على ضوئه في العمل السياسي والاجتماعي، وهذا الإرتباط يمكن لنا أن نصوره من خلال نوعين من العلاقة بهذا الخط:


 


[1] جمعية المعارف الإسلاميّة الثقافية، إعداد مركز المعارف للتأليف والتحقيق، الكلمات القصار للإمام الخميني  قدس سره، دار المعارف، لبنان - بيروت، 2011م - 1433هـ، ط1، الفصل الرابع، العدالة الاجتماعية، ص295.

[2] ظهر مصطلح "خط الإمام" لأول مرة عند احتلال السفارة الأمريكية، من قبل الطلبة المسلمين، الذين سموا أنفسهم بـ "الطلبة السائرين على خط الإمام" ومنذ هذا التاريخ دخل هذا المصطلح في قاموس الثورة، إلاّ أن مضمون خط الإمام، والمحتوى السياسي والفكري لهذا المصطلح كان موجوداً في عمق الثورة، قبل ذلك بزمان بعيد. (خط الإمام. الشيخ الآصفي. المقدم).

[3] هذا الدرس استفيد من كتاب خط الإمام للشيخ محمد مهدي الآصفي.

 

13


3

الدرس الأول: المعالم العامة لخط الإمام قدس سره

1- الارتباط العاطفي:

الارتباط العاطفي، هو انشداد المؤمن إلى الصراط المستقيم، من خلال الأجواء العاطفية التي تشده إلى خط الأنبياء، والأئمة عليهم السلام، وصراط الصالحين من عباد اللّه، والمجاهدين العاملين.

 

وهذه الأجواء لا شك أنها ذات آثار إيجابية، في بناء شخصية الإنسان المؤمن والتحاقه بالخط.

 

فالاحتفالات بمناسبات أهل البيت عليهم السلام والمناسبات الإسلامية التي تخص شخصيات إسلامية، من العوامل الإيجابية المفيدة، في انشداد الإنسان المؤمن إلى هذه القافلة المباركة، من العاملين في سبيل اللّه السائرين على صراط اللّه المستقيم.

 

وكذلك زيارات مراقد أهل البيت عليهم السلام والأنبياء، والأولياء، والعلماء، والمجاهدين تُعدّ من العوامل المهمة في الانشداد إلى هذا الخط، والصراط العميق في التاريخ، الذي ينتظم عليه كل خطى العاملين المخلصين، والأتقياء الأبرار.

 

فالارتباط العاطفي بهذه المظاهر الإسلامية والتظاهرات الدينية يولد حالة من الجذب القوي لهذا الخط الذي أرساه هذا الإمام المقدس، والذي أظهر للعلن كل هذه المظاهر الشرعية، كما أن للتطبيق العملي للشريعة الإسلامية حصة كبرى في جذب القلوب الوالهة لرؤية الإسلام بأحكامه مطبقاً في ميادين الحياة.

 

فهذا النوع من الارتباط العاطفي مطلوب لتأجيج الحماسة في النفوس لتطبيق الإسلام والسعي لرفع لوائه، إلا أنه من دون نوع آخر من الارتباط يظل ناقصاً وتنقصه الخلفية التي تجعله متماسكاً أكثر.

 

2- الارتباط الواعي:

وإلى جانب الارتباط العاطفي بالخط، هناك نوع آخر من الارتباط، وهو الارتباط الواعي بالخط. ويتلخص في فهم الخط وإدراكه بصورة واعية وعقلانية.

 

وهذا اللون من الارتباط يحتاج إلى عمل فكري تثقيفي، وجهد علمي، من قبل

 

14

 


4

الدرس الأول: المعالم العامة لخط الإمام قدس سره

المبلغين العاملين في سبيل اللَّه، لتقديم خط الثورة الإسلامية بصورة علمية ومقبولة. إلى الجيل الجديد مقابل الخطوط والأفكار الأخرى المطروحة.

 

ويتكفل الإرتباط الواعي بفكر الإمام الخميني قدس سره بإيجاد الخلفية العقائدية والعلمية في النفوس مما يعزز الجهود الرامية للسير على نهج هذا الخط المبارك.

 

المعالم العامة

سنتحدث في هذه الفقرة عن خمسة أمور هامة يتميّز بها الخط المبارك لإمامنا الخميني قدس سره، وهي في الحقيقة أعمدة راسخة ثابتة في وجدان أتباع هذا الخط المبارك:

1- الارتباط باللَّه تعالى:

من أركان هذا الخط وميزاته وخصائصه "الربانية" الارتباط باللّه سبحانه وتعالى، ارتباطاً وثيقاً قائماً على أساس العبودية الحقيقية للَّه تعالى، والإخلاص له، والاتكال عليه تعالى، في كل الحالات، وهذا هو قوام الخط وأساسه الأول، ومن دونه لا يبقى لهذا الخط شكل ولا محتوى. والتركيز على هذا الجانب هو المهمة الأولى لكل الأنبياء والأئمة عليهم السلام، والدعاة إلى اللّه تعالى، فإن الدعوة إلى اللّه، وتوحيده بالعبودية هي الحجر الأساس في رسالة الأنبياء عليهم السلام يقول اللّه تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾[1].

 

يقول الإمام الخميني  قدس سره:

"وإن الذي نهضتم من أجله أنتم أيها الشعب النبيل المجاهد، هو أعلى وأسمى وأثمن هدف ومقصد طرح ويطرح منذ بدء العالم في الأزل وحتى نهاية العالم إلى الأبد. إنه المدرسة الإلهية بمعناها الواسع، وعقيدة التوحيد بأبعادها السامية. إنه أساس الخلق وغايته في كل آفاق الوجود"[2].


 


[1] سورة فصلت، الآية 33.

[2] الخميني، الإمام روح اللًّه، الجهاد الأكبر (جهاد النفس)، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، إيران - طهران، 1420هـ/1994م ، لا.ط، المقدّمة.

 

15


5

الدرس الأول: المعالم العامة لخط الإمام قدس سره

2- الامتداد لنهج الأنبياء والأئمة عليهم السلام:

ومن خصائص هذا الخط، أن الجذور الأولى لهذا الخط تمتد إلى رسالة الأنبياء والأئمة عليهم السلام، فليس هذا الخط خطاً مبتوراً، اجتث من فوق الأرض، ما له من قرار، وإنما هو في أبعاده التاريخية خط الأنبياء والمجاهدين والدعاة إلى اللّه تعالى والأئمة عليهم السلام وهو بذلك خط عريق، أصيل، ذو أصول ثابتة، والإحساس بهذه الحقيقة، يعمّق صلة الناس العاطفية والعقلية بهذا الخط.

 

يقول الإمام الخميني  قدس سره:

"وهذا الهدف متجلّ في المدرسة المحمدية. على صاحبها وآله أفضل الصلاة والسلام. بكل المعاني والدرجات والأبعاد.

 

وإن كل مساعي الأنبياء العظام والأولياء الكرام عليهم السلام انصبت على تحقيق هذا الهدف، وبدونه لا يتيسر السبيل إلى الكمال المطلق ولا إلى الجلال والجمال اللامتناهيين.

 

إنه هو الذي يجعل "الأرضيين" أشرف من "الملكوتيين"، وما يناله الأرضيون من الاتجاه نحوه، لا تناله الموجودات الأخرى في كل أرجاء الخليقة ما خفي منها وما ظهر"[1].

 

3- خط الجهاد العملي:

إن هذا الخط ليس خطاً سياسياً، وجهادياً نظرياً، تبلور من خلال تنظيرات علمية ودراسات سياسية أكاديمية فقط، وإنما تبلورت أبعاد هذا الخط السياسية والجهادية من خلال ركام من جهاد وجهود العاملين وأتباعهم، وتحركهم، وسهرهم، ودمائهم ودموعهم، ومتاعبهم خلال طريق ذات الشوكة ومن خلال عذابهم، وسجونهم، وهجرتهم، وفرارهم، وقرارهم، خلال هذه الفترة المباركة من عمر المسلمين.

 

وهذه الجهود والمجاهدات هي غطاء لخط الإمام، وليس مجرد مجموعة نظريات ودراسات أكاديمية، وهو غطاء مبارك يبعث على الاطمئنان والأمن.


 


[1] الإمام الخميني، الجهاد الأكبر، مصدر سابق، المقدّمة.

 

16


6

الدرس الأول: المعالم العامة لخط الإمام قدس سره

فإنّ الإنسان العامل، عندما يضع خطاه على هذا الخط المبارك يعلم أنه يضع خطاه على طريق شقّته أمة كبيرة من المجاهدين والعاملين في سبيل اللّه من خلال تجاربهم وآلامهم وعذابهم، وعملهم، وتحركهم، وجهادهم، وما رزقهم اللّه من نور وبصيرة خلال هذه الحركة المباركة.

 

4- خط ولاية الفقيه:

ومن ميزات وخصائص هذا الخط "ولاية الفقيه"، والتأكيد على ارتباط الحاكمية بالفقيه، في عصر غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف وبذلك تتكامل حلقات سلسلة الحاكمية والولاية في حياة الإنسان، فإن اللّه تعالى هو مصدر الحاكمية والولاية، وقد أولى اللّه تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم هذا الحق في حياة الناس: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾[1]. ويتسلسل الحكم والولاية من أئمة المسلمين عليهم السلام، وفي عصر الغيبة تستقر هذه الولاية بصورة شرعية في الفقيه الجامع للشرائط، الذي يلي أمور المسلمين ويتصدى لشؤونهم.

 

5- الثبات على المبادئ السياسية:

من المعالم المتميزة في خط الإمام الثبات السياسي، الصامد على مواقفه المبدئية، تجاه كل القضايا السياسية، فلم يحدث مثلاً تغيير في موقف الثورة بعد الحكم تجاه القضية الفلسطينية، أو تجاه رفض الانتماء إلى الشرق أو الغرب.

 

وهذه من خصائص خط الإمام البارزة، وإذا وضعنا هذه الخصيصة السياسية، بإزاء المواقف الانتهازية لكثير من الأحزاب والفئات والدول، نعرف عمق مبدئية خط الإمام، والسائرين على هديه.


 


[1] سورة الأحزاب، الآية 6.

 

17


7

الدرس الثاني: ميزان السلوك

الدرس الثاني

ميزان السلوك

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يلخّـــص ميـــزان السير والسلــوك في فكر الإمام الخميني قدس سره.

2- يفسّر معنى تهذيب النفس.

3- يبين العقبات في طريق المعرفة.

 

19


8

الدرس الثاني: ميزان السلوك

تمهيد

إن للعرفان والسلوك إلى اللّه تعالى في فكر الإمام الخميني  قدس سره مكانة مرموقة، كيف لا وهو العارف الكبير، والرجل الذي أمضى عمره الشريف في جهاد نفسه وتأديبها، وكان المطيع لله تعالى، حتى حينما كان في المستشفى وفي وضع صحي صعب، لم يمنعه ذلك من القيام لله تعالى ذاكراً عابداً متهجداً.

 

تهذيب النفس

أول الطريق في السير إلى اللّه سبحانه وتعالى، هو أن يبدأ الإنسان من نفسه فينزّهها عما حرمه اللّه تعالى عليها ويعوّدها الطاعة، وهذا يكون في فترة الشباب بالدرجة الأولى، فتهذيب النفس في عمر الشباب أثبت للإنسان وأرسخ، كما أن الشاب يكون في حالة نفسية وعقلية وجسدية أقدر من الشيوخ على القيام لله تعالى بأداء طاعاته، وهذا ما كان يؤكد عليه الإمام الخميني قدس سره، ويحذر أيضاً في هذا الإطار من الشيطان وألاعيبه وإغراءاته التي لا تحصى لإزالة الشباب عن مواقع الطاعة والتهذيب إلى مراتع الهوى واللعب واللّهو والغفلة يقول  قدس سره:

"اسعَ في إصلاح نفسك ما دمت تحظى بنعمة الشباب، فإنَّك ستخسر كل شيءٍ في الشيخوخة، فمن مكائد الشيطان ولعلها أخطر مكائده، التي سقط فيها أبوك ومازال، إلا إذا أدركته رحمة الحق تعالى، هو "الاستدراج" ففي أوائل الشباب يسعى شيطان الباطن أشدُّ أعداء الشباب، في ثنيه عن إصلاح نفسه ويمنّيه بسعة الوقت، وأن الآن هو آن التمتع بالشباب، ويستمر في خداعه بالوعود الفارغة ليصدّه عن فكرة الإصلاح تماماً،

 

21

 


9

الدرس الثاني: ميزان السلوك

وساعة بعد ساعة، ويوماً بعد يوم يتصرّم الشباب، ويرى الإنسان نفسه فجأة في مواجهة الهرم الذي كان يؤمِّل فيه إصلاح نفسه، وإذا به ليس بمنأىً عن وساوس الشيطان أيضاً، إذ يمنّيه آنذاك أيضاً بالتوبة في آخر العمر. لكنه حينما يحُسُّ بالموت في آخر العمر، يصبح اللّه تعالى أبغض موجود إليه، لأنه يريد انتزاع الدنيا محبوبه المفضّل منه. وهذه حالة أولئك الذين لم ينطفئ نور الفطرة فيهم تماماً. وهناك من أبعدهم مستنقع الدنيا عن فكرة الإصلاح كلياً، وسيطر عليهم غرور الدنيا بشكل تام، وقد رأيت أمثال أولئك بين أهل العلوم المتعارفة، ومازال بعضهم على قيد الحياة، وهم يرون أن الأديان ليست سوى خرافة وترّهات"[1].

 

ما هو تهذيب النفس؟

تهذيب النفس هو لبُّ العرفان كما أشار لذلك الإمام الخميني  قدس سره في وصيته لابنه السيد أحمد  قدس سره، فقد أشار له في إحدى وصاياه، أن يحذر من أن يدركه الهرم وهو لا يزال يراوح مكانه في تهذيب النفس ونهيها عن السعي للدنيا لأجل الدنيا، وهذا ما يحتاج إلى مراقبة دؤوبة، وسعي دائم وحثيث للمحاسبة والمعاتبة عند الوقوع في الخطأ، ومن ثم جعل الحياة كلها بحركاتها وسكناتها لله تعالى، حتى الأكل والشرب والنوم، فبإمكان أي منا أن يحول كل هذه المباحات إلى طاعة لله تعالى كأن ينوي بذلك الاستعانة على العبادة وخدمة العباد المؤمنين، يقول الإمام الخميني  قدس سره:

"استمع الموعظة الواحدة التي يعظنا بها اللّه، وأرهف لها سمع القلب والروح، ثم اعقلها تماماً، وسر في خطها. يقول تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾[2], فالميزان في بدء الحركة إنما هو في كونها "قياماً لله" سواء في الممارسات الشخصية والفردية أو في الفعاليات الاجتماعية.

 


[1] نفحة من السلوك المعنوي، رسالة موجهة للمرحوم السيد أحمد الخميني.

[2] سورة سبأ، الآية 46.

 

22


10

الدرس الثاني: ميزان السلوك

فاسعَ أن تكون موفّقاً في هذه الخطوة الأولى، وما أسهل ذلك في أيام الشباب، وأوفر حظه من التوفيق، وإياك أن يفاجئك الهرم مثل أبيك وأنت إما مراوح في مكانك أو متراجع القهقرى، والأمر محتاج في تفاديه إلى المراقبة والمحاسبة"[1].

 

التوجّه لله لا يعني الاعتزال

قد يتصور بعض الناس أن التوجه والانقطاع لله تعالى يعني ترك العلاقات الاجتماعية والابتعاد عن الناس وخدمتهم والسعي للمعاش، وهذا ما كان يحذر منه الإمام الخميني  قدس سره بشكل دائم، فالعرفان لا يعني التصوف والرهبانية، إذ لا رهبانية في الإسلام، بل إن إحدى طرق التقرب إلى اللّه تعالى هي خدمة خلقه وعباده والسعي في قضاء حوائجهم، يقول  قدس سره:

"إنّ الميزان في الأعمال هو النوايا التي تستند إليها، فلا الاعتزال الصوفي دليل على الارتباط بالحق، ولا الدخول في خِضَمّ المجتمع وإقامة الحكومة شاهد على الانقطاع عن الحق، فما أكثر ما يكون العابد والزاهد واقعاً في شراك إبليس التي تشتد وتتوسع بما يناسب ذلك العابد كالأنانية والغرور والعُجب والتكبر واحتقار خلق اللّه والشرك الخفي وأمثال ذلك مما يبعده عن الحق، ويجرّه نحو الشرك، وما أكثر ما يرتقي المتصدي لشؤون الحكومة، فيحظى بلبِّ قرب الحق لما يحمله من دافع إلهي كداود وسليمان عليهما السلام بل وأفضل منها وأسمى منزلةً، كالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وخليفته بالحق علي بن أبي طالب عليه السلام وكالمهدي (أرواحنا لمقدمه الفداء) في عصر حكومته العالمية.

 

فميزان العرفان والحرمان إذن هو الدافع، وكلما كانت الدوافع أقرب إلى نور الفطرة، وأكثر تحرراً من الحجب حتى النورية منها كانت أكثر التصاقاً بمبدأ النور"[2].

 


[1] من رسالة للإمام  قدس سره بعنوان: الفطرة أول منازل التوحيد، إلى ابنه حجة الإسلام السيد أحمد الخميني  قدس سره 17 شوال 1404ه.

[2] المصدر نفسه.

 

23


11

الدرس الثاني: ميزان السلوك

عقبات على طريق المعرفة

أشار الإمام الخميني  قدس سره إلى الكثير من العقبات التي تحول بين الإنسان المؤمن والسلوك إلى اللّه تعالى، وسنشير إلى أهم هذه العقبات التي نبهنا منها لعلّنا نستفيد من ذلك في تخلية الطريق من عقبات قد تسير بنا إلى غير الوجهة والهدف الأساسي الذي نرمي إليه:

1- حب الأنا:

الأنا هي النفس، والمقصود من حب النفس ليس حب الخير لها وبغض الشر، بل المقصود أن تصبح هذه الأنا كعبة الإنسان وتكون محور حركته دون رضا اللّه وطاعته، وهي من أخطر العقبات بل هي أكبر الموانع من الوصول لمعرفة اللّه سبحانه وتعالى وكم حذر منها علماء الأخلاق، وكم نبّه إمامنا الخميني  قدس سره تلامذته وأحبته إليها. ومن وصاياه في التحذير من الأنا:

"هنالك أمر مهم بالنسبة لنا نحن المتخلفين عن قافلة الأبرار، وأرى أنه قد يكون ذا أثرٍ في بناء النفس لمن كان بصدد ذلك. فعلينا أن ندرك أن منشأ ارتياحنا للمدح والثناء، واستيائنا من الانتقاد ونشر الشائعات، إنّما هو حب النفس الذي يُعدُّ من أخطر الأشراك التي ينصبها إبليس اللعين.

 

نحن نرغب في أن يكون الآخرون مادحين لنا، حتى وإن أظهروا أن لنا أفعالاً صالحة وحسنات وهمية تفوق بمئات المرات حقيقة ما نحن عليه، كما إنّنا نرغب في أن تكون أبواب الانتقاد. وإن كان حقاً. موصدة دوننا، أو أن يتحول الانتقاد إلى مديح وثناء!

 

ونحن لا يزعجنا الحديث عن معايبنا لأنه ليس حقاً، كما لا يسرنا المديح والثناء لأنّه حق، بل لأنّ هذا العيب هو "عيبي أنا" وهذا المدح هو "مدح لي أنا"، وهو أمر سائد في أوساطنا هنا وهناك وفي كلِّ مكان. وإذا أردت أن تتحقّق من صحّة هذا الأمر، فتأمّل بما يصيبك من الانزعاج إذا انبرى المدّاحون لمدح أحد الأشخاص على فعل قام به، وكنت قد قمت بذات الفعل، ستنزعج حتى إذا كان ما قام به أفضل مما قمت به أنت،

 

24

 


12

الدرس الثاني: ميزان السلوك

وخصوصاً إذا كان ذلك الشخص من أقرانك وزملائك، وأوضح من هذا المثال: عندما ترى أن عيوب شخص صارت مدائح، ففي تلك الحال، تيقّن أن للشيطان وللنفس. التي هي أسوأ من الشيطان. يداً في الأمر"[1].

 

2- الغفلة عن اللّه تعالى:

يحذرنا الإمام الخميني  قدس سره من الوصول إلى مرحلة نسيان اللّه تعالى، وعدم الإلتفات إليه بحيث يخرج من حساباتنا، واعتبر هذا الأمر في غاية الخطورة، لأن الإنسان في هذه الحالة يصبح مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى:

﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾[2] وقوله عز وجل: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾[3].

 

يقول  قدس سره:

"إن نسيان اللّه موجب لنسيان النفس، سواء أكان النسيان بمعنى عدم التذكر، أو بمعنى الترك. وفي كلا المعنيين إنذار مروّع.

 

إن ما يلازم نسيان اللّه تعالى هو نسيان الإنسان نفسه، أو قل إن اللّه تعالى يجرّه إلى نسيان نفسه، وهو أمر يصدق على جميع المراحل السابقة. فمن ينسَ اللّه وحضوره جلّ وعلا في مرحلة العمل يُبتلَ هو نفسه بنسيان نفسه، أو أنّه يُجرُّ إلى ذلك، ينسى عبوديته فيُجرّ من مقام العبودية نحو النسيان.

 

فمن لا يعرف ما هو، ومن هو، وما هي وظيفته، وما هي العاقبة التي تنتظره، فإن الشيطان حالٌّ فيه، وجالس بدلاً من نفسه، والشيطان عامل على العصيان والطغيان. وإذا لم يثب ذلك الإنسان إلى رشده، ويرجع إلى ذكر اللّه، وغادر هذا العالم وهو على هذه


 


[1] من رسالة للإمام  قدس سره بعنوان: الفطرة أول منازل التوحيد، إلى ابنه حجة الإسلام السيد أحمد الخميني  قدس سره 17 شوال 1404ه.

[2] سورة المجادلة، الآية 19.

[3] سورة الحشر، الآية 19.

 

25


13

الدرس الثاني: ميزان السلوك

الحال من الطغيان والعصيان، فقد يأتي في ذلك العالم على شكل شيطان مطرود من قِبَل اللّه تعالى.

 

أما إذا كان النسيان بمعناه الآخر (أي: الترك)، فإن الأمر سيكون أشدّ إيلاماً، لأنه إذا ترك طاعة اللّه، وترك اللّه، فإن ذلك يستوجب أن يتركه اللّه ويكِله إلى نفسه، ويقطع عنه عناياته. ولا شك أن الأمر سينتهي به إلى الخذلان في الدنيا والآخرة. لذا نرى كثرة ما ورد من تأكيد الدعاء بعدم الإيكال للنفس في الأدعية المأثورة عن المعصومين لأنهم عليهم السلام يدركون نتائج هذه المصيبة، في حين أننا غافلون عنها"[1].

 

3- حب الدنيا:

وأما حب الدنيا فإنه من أشد الأخطار على علاقة الإنسان بربه، وهذا ما حذرنا منه الإمام  قدس سره حيث يقول:

"لا تسعَ للحصول على الدنيا أبداً حتى الحلال منها. فإن حبَّ الدنيا. حتى حلالها رأس جميع الخطايا، وهي حجاب سميك يضطر الإنسان إلى الحرام منها.

 

فأنت شاب تستطيع. بما حباك اللّه به من القوة. منع أول قدم تزلّ نحو الانحراف، فتمنع بذلك من التحاقها بخطىً أخرى، فلكل قدمٍ قدمٌ أخرى تتلوها، وكل ذنب. مهما صَغُر. يجرُّ المرء نحو ذنوبٍ أكبر، حتى تستحيل الذنوب الكبيرة في نظره لمماً يُستهان بها، بل قد يبلغ الأمر بالبعض أن يفتخروا بارتكاب بعض الكبائر! لا بل قد يصل الوضع لدى البعض الآخر حدّاً. أحياناً. يجعلهم يرون المنكر معروفاً والمعروف منكراً! نتيجة شدة وكثافة الظلمات والحجب الدنيوية"[2].

 


[1] من رسالة للإمام  قدس سره بعنوان: الفطرة أول منازل التوحيد، إلى ابنه حجة الإسلام السيد أحمد الخميني  قدس سره 17 شوال 1404هـ..

[2] المصدر نفسه.

 

26


14

الدرس الثالث: العلاقة بأهل البيت عليهم السلام

الدرس الثالث

العلاقة بأهل البيت عليهم السلام

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يشرح رأي الإمام قدس سره في تفسير الروايات المتعلّقة بالولاية والعمل.

2- يلخّص العلاقة بين الولاية والعلم.

3- يميّز بين المحبة الحقيقية والوهميّة.

 

27


15

الدرس الثالث: العلاقة بأهل البيت عليهم السلام

تمهيد

العلاقة بأهل البيت عليهم السلام مسألة ترتبط بعقيدة الإنسان، وكغيرها من الأمور الاعتقادية يحتمل أن تسلك في مدى ثباتها أو التشكيك بها السبل الثلاث:

سبيل الغلو، وهو أخطر السبل وهو الإفراط في الاعتقاد بهم كإخراجهم عن حدود البشرية، أو الاعتقاد بألوهية أحدهم والعياذ باللّه.

 

سبيل التقصير، كاعتبارهم أناساً عاديين كسائر البشر وبالتالي أنهم كغيرهم في التعرض لما يغضب اللّه تعالى والعياذ باللّه.

 

أما السبيل الأخرى وهي السبيل الوسطى بين السبيلين الأولتين، وهي المناسبة لما جاء في الأحاديث الشريفة عنهم عليهم السلام.

 

وسنتعرض في هذا الدرس للعلاقة بأهل البيت عليهم السلام في فكر الإمام الخميني  قدس سره.

 

ولا بأس بالإشارة في البداية إلى أن الإنتساب لهذه المدرسة، مدرسة أهل البيت عليهم السلام لا بد وأن يكون من موارد الفخر لدينا، لأنها مدرسة تنتمي إلى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الذي يقول تعالى فيه: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾[1]، يقول الإمام الخميني  قدس سره:

"نحن نفخر بأن أئمتنا هم الأئمة المعصومون بدءاً من علي بي أبي طالب عليه السلام وختماً بمنقذ البشرية حضرة المهدي صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهو بمشيئة اللّه القدير، حيّ يراقب الأمور.


 


[1] سورة النجم، الآيتان 3 - 4.

 

29


16

الدرس الثالث: العلاقة بأهل البيت عليهم السلام

نحن نفخر بأن الأدعية وهي القرآن الصاعد وفيها الحياة، إنما هي من فيض أئمتنا المعصومين. وعندنا مناجاة الأئمة الشعبانية، ودعاء الحسين بن علي عليه السلام في عرفات، وعندنا الصحيفة السجادية زبور آل محمد، والصحيفة الفاطمية وهي الكتاب الذي ألهمه اللّه تعالى للزهراء المرضية عليها السلام.

 

نحن نفخر بأن منا باقر العلوم وهو أعظم شخصية تاريخية ما عرفها ولا يستطيع معرفتها إلا اللّه سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومون عليهم السلام.

 

نحن نفخر بأن مذهبنا جعفري، ففقهنا هذا البحر المعطاء بلا حد وهو واحد من آثاره.

 

نحن نفخر بجميع الأئمة المعصومين عليهم السلام ونلتزم باتباعهم. نحن نفخر بأن أئمتنا المعصومين عليهم السلام قضوا أعمارهم سجناً وتشريداً في سبيل رفعة الإسلام وتحقيق أهداف القرآن الكريم والتي أحدها تأسيس حكومة العدل"[1].

 

الولاية هي العمل

العلاقة القائمة بين العمل والولاية، بمعنى هل يمكن للإنسان الاستغناء بأحدهما عن الآخر، فإذا كان من المؤمنين بولايتهم عليهم السلام كفاه ذلك عناء التكاليف والعبادات خصوصاً مع كون بعض الأحاديث عند النظر إليها ظاهرة في هذا المعنى للوهلة الأولى، وهي ما دعت الإمام  قدس سره لمعالجتها من خلال بيان منافاتها مع طائفة كبيرة أخرى من الأحاديث الشريفة التي تؤكد على ضرورة الالتزام بالابتعاد عن مخالفة اللّه في أصول الأحكام وفروعها، وحصول العلم القطعي بأن بعض الروايات التي يتنافى ظاهرها مع هذه المسلّمات لا يكون الظاهر منها مقصوداً، فلا بد من تأويلها بصورة لا تتضارب مع ما يعتبر من ضروريات الدين، أو القيام بالجمع بين الطائفتين، وإلا نرجع علمها إلى قائلها.

 

ويعتبر  قدس سره: "أن الاعتقاد بمشروعية تسويد صحف الأعمال اتكالاً على محبتهم

 


[1] الوصية الخالدة للإمام الخميني  قدس سره، نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية (مركز المعارف للتأليف والتحقيق)، لا.ت، لا.ط، ص 8.

 

30


17

الدرس الثالث: العلاقة بأهل البيت عليهم السلام

وولايتهم عليهم السلام مصيبة من المصائب الكبيرة وافتراء وسوء فهم، وهو ما لا يدعو إليه المعصوم عليه السلام بل في منتهى البعد عن هذا المعنى"[1].

 

مصدّراً بحثه الشريف بحديث عن محمد بن مارد، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: حديث روي لنا أنك قلت: إذا عرفت فاعمل ما شئت، فقال عليه السلام: "قد قلت ذلك"، قال: قلت: وإن زنوا وإن سرقوا وإن شربوا الخمر؟! فقال لي: "إنّا لله وإنا إليه راجعون، واللّه ما أنصفونا أن نكون أخذنا بالعمل ووضع عنهم! إنما قلت: إذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير وكثيره، فإنه يقبل منك"[2].

 

والذي يريد الإمام  قدس سره أن يخلص إليه في نهاية المطاف هو التأكيد على أمرين:

الأول:

أن الإيمان بالولاية ليس بديلاً عن العمل، يقول  قدس سره: "إن المؤمن إذا لم يعمل بمتطلبات الإيمان وما تستدعيه محبة اللّه وأوليائه لما كان مؤمناً ومحباً، وإن هذا الإيمان الشكلي والمحبة الجوفاء من دون جوهر ومضمون"[3].

 

الثاني:

أن العمل ليس كافياً دون الإيمان بالولاية، فتكون النتيجة أن كلا الأمرين مطلوب، ولا يتيسّر للإنسان الوصول إلى شاطئ الأمان الإلهي والفوز بما عند اللّه تعالى إذا أهمل أحد هذين الجانبين المذكورين.

 

كيف نفسر الروايات؟

إذا عرفنا ذلك لا بد لنا من الاطلاع على أسلوب الإمام  قدس سره في التوفيق بين الطائفتين من الأحاديث الظاهرة في عدم الاتفاق على المعنى المتقدم، حيث يظهر من بعضها

 


[1] الخميني، الإمام روح اللَّه، الأربعون حديثاً، تعريب محمد الغروي، دار التعارف للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1419هـ/1998م، ط6، ص623.

[2] الكليني، الشيخ محمد بن يعقوب، الكافي، تحقيق وتصحيح: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، إيران- طهران، 1363ش، ط5، ج2، ص464.

[3] الإمام الخميني قدس سره، الأربعون حديثاً، مصدر سابق، ص632.

 

31


18

الدرس الثالث: العلاقة بأهل البيت عليهم السلام

الاكتفاء بحب أهل البيت عليهم السلام من قبيل الحديث المشهور بين العامة والخاصة: "حب علي بن أبي طالب حسنة لا تضر معها سيئة، وبغضه سيئة لا ينفع معها حسنة"[1].

 

ويظهر من بعضها الآخر عدم الاكتفاء وضرورة العمل مع حبّهم عليهم السلام كما في حديث جابر عن أبي جعفر عليه السلام: "... يا جابر، لا تذهب بك المذاهب حسب الرجل أن يقول أحب علياً وأتولاه ثم لا يكون مع ذلك فعّالاً؟ فلو قال: إني أحب رسول اللّه، فرسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم خير من علي عليه السلام، ثم لا يتبع سيرته ولا يعمل بسنته ما نفعه حبه إياه شيئ"[2].

 

إن المشكلة التي تتنافى وأصل المذهب ظاهراً ليست كامنة في روايات الطائفة الثانية وإنما الأولى، لأنها تدل بالمثال المتقدم أنه ليس هناك ضرر من العمل السيئ طالما كان صادراً من محبّ أمير المؤمنين عليه السلام، بينما الثانية تقول بعدم كفاية حبّهم عليهم السلام مستقلاً عن القيام بالوظائف الشرعية لا أنه يمكن الاستغناء عن ولايتهم ومودتهم لذلك لا مشكلة فيها. فمن هنا عالج الإمام  قدس سره الخبر المذكور وما شاكله على النحو التالي، قائلاً:

"هذا الحديث الشريف من قبل الأحاديث المذكورة التي وردت في الإيمان ومعناه:

أ- إما ما ذكره العلامة المجلسي رحمه الله في تلك الأخبار من أن المقصود من الضرر المنفي هو عدم الخلود في النار أو عدم الدخول فيها، فيكون المعنى أن حب علي عليه السلام الذي هو أساس الإيمان وكماله وتمامه يبعث على التخلص من النار بواسطة شفاعة الشافعين. وعليه كما قلنا لا يتنافى هذا الاحتمال مع ألوان العذاب في البرزخ، وقد ورد ذلك عن الإمام الصادق عليه السلام: "واللّه ما أخاف عليكم إلا البرزخ، فأما إذا صار الأمر إلينا فنحن أولى بكم"[3].


 


[1] منتجب الدين بن بابويه، الأربعون حديثاً، مؤسسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، إيران. قم، 1408هـ، ط1، ص44.

[2] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص74.

[3] القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، تصحيح وتعليق وتقديم: السيد طيب الموسوي الجزائري، مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر، إيران. قم، 1404ه، ط3، ج2، ص94.

 

32


19

الدرس الثالث: العلاقة بأهل البيت عليهم السلام

ب- أو ما ذكرناه من أن حبّ الإمام علي عليه السلام "يبعث على نور وإيمان يجنبان صاحبهما عن الآثام، ويدفعانه إلى التوبة والإنابة عندما يبتلي بالمعصية من دون أن يفسح المجال أمامه للتمادي في الغيّ والعصيان"[1].

 

ثم يؤكّد  قدس سره أن ما ورد من قبيل هذه الأخبار قد يخلق توهماً وشبهة عند البعض يكون مآلها الخسران المبين، ولذلك كانت المحبة على قسمين: حقيقية ووهمية، والتولي كذلك صادق وكاذب.

 

المحبة الحقيقية والوهمية

يشير  قدس سره إلى: "توهم بعض الناس أن مجرد إدعاء التشيع وحب التشيع وحب أهل بيت الطهارة والعصمة عليهم السلام، يسوغ له - والعياذ باللّه - اقتراف كل محرم من المحظورات الشرعية ويرفع عنه قلم التكليف. إن هذا السيئ الحظ لم ينتبه إلى أن الشيطان قد ألبس عليه الأمر فيخشى عليه في نهاية عمره أن تسلب منه هذه المحبة الجوفاء التي لا تجدي ولا تنفع ويحشر يوم القيامة صفر اليدين وفي صفوف نواصب أهل البيت عليهم السلام.

 

إن ادعاء المحبة من دون دليل وبينة لا يكون مقبولاً، إذ لا يمكن أن أكون صديقك وأضمر لك الحب والإخلاص ثم أقوم بكل ما هو مناقض لرغباتك وأهدافك. إن شجرة المحبة تنتج وتثمر في الإنسان المحب، والعمل حسب درجة المحبة ومستواها. فإذا لم تحمل تلك الشجرة هذه الثمرة فلا بد من معرفة أنها لم تكن محبة حقيقية وإنما هي محبة وهمية... فمحب أهل البيت عليهم السلام هو الذي يشاركهم في أهدافهم ويعمل على ضوء أخبارهم وآثارهم... وإن المؤمن إذا لم يعمل بمتطلبات الإيمان وما تستدعيه محبة اللّه وأوليائه لما كان مؤمناً ومحباً، وإن هذا الإيمان الشكلي والمحبة الجوفاء من دون جوهر ومضمون ينتفي ويزول أمام حوادث بسيطة وضغوط يسيرة"[2].

 


[1] الإمام الخميني، الأربعون حديثاً، مصدر سابق، ص 628.

[2] المصدر نفسه، ص632.

 

33


20

الدرس الرابع: العلماء

الدرس الرابع

العلماء

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يتعـــرّف إلى مكــــانة العلمـــاء في فكر الإمام الخميني قدس سره.

2- يتبيّن مشروع الأعداء اتجاه العلماء.

3- يشرح دور العلماء.

 

35

 


21

الدرس الرابع: العلماء

تمهيد

ورد عن الإمام الهادي عليه السلام: "لولا من يبقى بعد غيبة قائمنا عليه السلام من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه، والذابين عن دينه بحجج اللّه، والمنقذين لضعفاء عباد اللّه من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين اللّه"[1].

 

لقد خرج الإمام الخميني  قدس سره رافضاً كل المعايير التي اعتادها الناس، معلناً "لا شرقية ولا غربية" يأبى أن يستظل بإحدى القوتين، لم يعرف رأسه إلا ظلّ العمامة السوداء ولم يعرف بدنه إلا لباس العلماء.

 

وظلُّ العمامة يعني عند الإمام  قدس سره الكثير. إنها تختصر الخط كله، إنها الإسلام، وقد صرح بذلك في كلام له مع أساتذة وطلاب الجامعة: "المعمم يعني الإسلام"[2].

 

مكانة العلماء

يقول الإمام الخميني  قدس سره: "أولئك العلماء هم مظهر الإسلام، إنهم مبيّنو القرآن، إنهم مظهر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم"[3].

 

إن للعلماء مكانة خاصة عند الإمام الخميني  قدس سره، هذه المكانة وهذه النظرة التي تجل العلماء نلاحظها عند الإمام الخميني  قدس سره بشكل واضح في عدة ميادين:

أ- في كتاباته نجده يتعاطى مع العلماء بقدسية خاصة، فيطلق عليهم الألقاب الرفيعة


 


[1] الطبرسي، الشيخ أحمد بن علي بن أبي طالب، الاحتجاج، تعليق: السيد محمد باقر الخرسان، دار النعمان للطباعة والنشر، العراق- النجف الأشرف، 1386هـ. 1966م، لا.ط، ج1، ص9.

[2] صحيفة النور، ج21، ص 93.

[3] من كلام لسماحته بتاريخ 23 - 2 - 1978م، حول عوامل انتصار الثورة الإسلامية، صحيفة نور، ج4، ص 93

 

37


22

الدرس الرابع: العلماء

والتي لم يطلقها على سواهم، ويظهر لهم كل احترام وإجلال، فنجده في كتابه (الأربعون حديثاً)، يطلق على الشيخ الكليني لقب ثقة الإسلام والمسلمين مرة، وحجة الفرقة وثقتها مرة أخرى، وشيخ المحدثين وأفضلهم مرة ثالثة. ويطلق على الشيخ نصير الدين الطوسي لقب أفضل المتأخرين وأكمل المتقدمين، وعلى الشيخ البهائي لقب الشيخ الجليل العارف، وعلى العلامة المجلسي لقب المحقق والمدقق و...، فهذا التعظيم والاحترام للعلماء والفقهاء والمحدثين ظاهر وواضح لكل من يقرأ صفحات كتابه هذا.

 

ب- وفي أسلوبه العملي في قيادة النظام، نجده استعان بالعلماء كعين ويد في جميع مؤسسات الدولة والعمل الإسلامية، حيث نجده قد وضع لنفسه ممثلين من العلماء في جميع المؤسسات، ولم يترك المؤسسات تعمل لوحدها من دون رقابة ومواكبة من العلماء.

 

ج- وفي مفاهيمه وأفكاره نجد للعلماء مكانة خاصة ومقاماً مميزاً يذكره بشكل واضح وصريح في كتاباته وخطبه، فالعلماء بنظره هم:

1- ورثة الأنبياء: يقول الإمام الخميني  قدس سره: "إن العلماء الذين يربّون البشر هم ورثة الأنبياء، إنهم مبعوثون من قبِل الأنبياء"[1].

 

2- هم مظهر الإسلام وأدلاؤه: عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: "قالت الحواريون لعيسى: يا روح اللّه! من نجالس؟ قال من يذكركم اللّه رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه ويرغبكم في الآخرة عمله"[2]. وهناك أكثر من كلمة للإمام الخميني قدس سره تؤكد على هذا المعنى، حيث يقول  قدس سره: "أولئك العلماء هم مظهر الإسلام، إنهم مبينو القرآن، إنهم مظهر النبي الأكرم"[3].


 


[1] من كلام لسماحته بتاريخ 22 - 6 - 1979م في جمع من السيدات وقوات حرس الثورة الإسلامية، صحيفة النور، ج7، ص 181.

[2] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص39.

[3] من كلام لسماحته بتاريخ 23 - 12 - 1978م، حول عوامل انتصار الثورة الإسلامية، صحيفة النور، ج4، ص 93.

 

38


23

الدرس الرابع: العلماء

3- هم حراس الإسلام: أي لقب عظيم هذا الذي يطلقه الإمام الخميني  قدس سره على العلماء، فإذا كان الإسلام هو كل النور ولا نور سواه، وهو كل الهداية وكل ما عداه سراب، وهو الجنان وكل ما عداه عذاب، وهو رضى اللّه والطريق إليه، هو الذي يعطي للحياة معنى وهدفاً، فأي شرف أن يكون العالم حارساً لكل هذا! وأي أخطار ستحيط بنا إن استغنينا عن خدمات الحارس في دنيا مليئة بالكيد والظلم والطغيان؟! يقول الإمام الخميني  قدس سره مخاطباً مجموعة من العلماء: "اقتحموا الأمور، تدخلوا في الشؤون، لا يصح أن يقول أحدكم: أنا فقيه ولا شأن لي بغير ذلك، فأنت فقيه، ولكن يجب أن تتدخل في الشؤون، يجب أن تتدخل بمقدرات الناس، فأنتم حراس الإسلام، ويجب أن تحرسوه"[1].

 

ودورهم هذا يتأكد في زمن غيبة الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، ففي الرواية عن الإمام الهادي عليه السلام: "لولا من يبقى بعد غيبة قائمنا عجل الله تعالى فرجه الشريف من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه، والذابين عن دينه بحجج اللّه، والمنقذين لضعفاء عباد اللّه من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين اللّه"[2].

 

دور العلماء

هناك جانبان رئيسيان سنلقي عليهما الضوء في موضوع دور العلماء التاريخي:

أ- الجانب العلمي:

يعتبر الإمام الخميني  قدس سره الدور العلمي للعلماء أساسياً جداً، ويمكن ملاحظة ثلاث مهام علمية أساسية للعلماء الأعلام قاموا بها على مرّ التاريخ:

الأولى: حفظ التراث الديني من الضياع والتلف:

لقد حفظ لنا العلماء هذا الدين بكل أبعاده الفكرية والعملية، فتحمّل العلماء الأعلام على امتداد العصور هذه المهمة، إذ لولا جهودهم المباركة والمضنية لم يصل إلينا هذا

 


[1] من كلام لسماحته بتاريخ 6 - 3 - 1979م في جمع من علماء وطلاب قم المقدسة.

[2] الشيخ الطبرسي، الاحتجاج، مصدر سابق، ج1، ص9.

 

39


24

الدرس الرابع: العلماء

الدين العزيز أصيلاً صافياً كما أراد اللّه ورسوله، كما لم تكن هذه المهمة بالسهلة لأنها أتت في ظل مطاردة سلاطين وحكام الجور للعلماء وظلمهم سجناً وقتلاً وتشريداً، كما يذكر لنا التاريخ حوادث عدة وقعت ضمن سياق الاضطهاد والظلم. يقول الإمام الخميني  قدس سره:

"لم يكن سهلاً جمع العلوم القرآنية وآثار وأحاديث النبي العظيم والسنة وسيرة المعصومين عليهم السلام، وكتابتها وتبويبها وتنقيحها في ظروف كانت فيها الإمكانات قليلة جداً، وكان السلاطين والظالمون يسخِّرون جميع إمكاناتهم من أجل محو آثار الرسالة"[1].

 

الثانية: بيان هذا التراث وشرحه:

إنَّ مهمة الحوزة وعلمائها الأعلام لم تقتصر على حفظ هذا التراث ونقله، بل تحملت مسؤولية بيان وشرح وإظهار المعاني والمقاصد لهذه النصوص الإلهية التي تبين هذا الدين، فكانوا الضمانة لعدم تحريف المفاهيم الإسلامية ولتطبيقها الصحيح خصوصاً في الأمور المستجدة، وقد أكد الإمام الخميني  قدس سره على هذه المهمة حيث قال: "لولا وجود الفقهاء الأعزاء لم يكن معلوماً كيف كانت ستعرض على الناس علوم القرآن والإسلام وعلوم أهل البيت عليهم السلام"[2].

 

الثالثة: نشر الدين وترويجه:

بالإضافة إلى مهمة حفظ الدين وبيانه، دأب العلماء الأجلاء في سبيل تبليغ الدين ونشره، وبذلوا الغالي والنفيس لتحقيق هذا الهدف الإلهي حتى قضى البعض منهم شهداء كالشهيد الأول والشهيد الثاني وأمثالهم الكثير من علمائنا، وقد أشار الإمام  قدس سره إلى هذه الحقيقة فقال: "إنَّ العلماء المجاهدين والملتزمين بالإسلام بذلوا جهودهم طوال التاريخ وفي أصعب الظروف. وبقلوب ملأى بالأمل ونفوس فياضة بالعشق والمحبة. في تربية الأجيال وتعليمه"[3].


 


[1] راجع: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، إعداد مركز المعارف للتأليف والتحقيق، مكانة العلماء، دار المعارف، لبنان - بيروت، 2003م/1424هـ، ص25.

[2] المصدر نفسه، ص26.

[3] المصدر نفسه، ص 28.

 

40


25

الدرس الرابع: العلماء

ب- الجانب الجهادي:

لم يكتف العلماء بثقل المسؤولية العلمية الجسيمة الملقاة على عاتقهم، بل قاموا بمواجهة الطواغيت والحكام الظالمين وحفظ المجتمع الإسلامي بما لديهم من إمكانات ووسائل متاحة، في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، من العلامة السيد شرف الدين في لبنان، إلى العلامة المدرسي في إيران، والمرجع الكبير الشيرازي في العراق. يقول الإمام قدس سره: "إنَّ الشهداء العلماء لا يقتصرون على شهداء المواجهات والحروب في إيران، بل إنَّ عدد الشهداء المجهولين للحوزات والعلماء ممن قضوا غرباء خلال نشر المعارف والأحكام الإلهية على يد العملاء والجبناء كثير"[1].

 

مجالسة العلماء

لقد أكدت الروايات الواردة عن المعصومين الأطهار عليهم السلام على أهمية مجالسة العلماء والاستفادة منهم، فعن رسول اللّه: "من استقبل العلماء فقد استقبلني، ومن زار العلماء فقد زارني، ومن جالس العلماء فقد جالسني، ومن جالسني فكأنما جالس ربي"[2]. فتشبّه هذه الرواية الجلوس مع العلماء بمجالسة اللّه تعالى ورسوله الأكرم، وهذا يعني أن كل خير متوقع من هذه الجلسة، كما ورد في وصية لقمان لابنه: "جالس العلماء، وزاحمهم بركبتيك فإن اللّه عز وجل يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض بوابل السماء"[3].

 

وتدل هذه الرواية على فائدتين:

الأولى: هي العلم، فجلوسك مع العالم يفتح لك الطريق للاستفادة من علمه ومعرفته.

 

الثانية: هي الأدب، فالاستفادة لا تنحصر بالعلم النظري، بل تؤثر بالتربية والأخلاق الحسنة.

 

وللتخلي عن الاستفادة من العلماء آثار سلبية ومقيتة هي البعد عن ساحة رحمة


 


[1] مكانة العلماء، مصدر سابق، ص29.

[2] المتقي الهندي، علاء الدين عليّ المتقيّ بن حسام الدين، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ضبط وتفسير الشيخ بكري حياني. تصحيح وفهرسة الشيخ صفوة السقا، مؤسسة الرسالة، لبنان- بيروت، 1409هـ. 1989م، لا.ط، ج10، ص170.

[3] النيسابوري، الشيخ محمد بن الفتال، روضة الواعظين، تقديم: السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضي، إيران. قم، لا.ت، لا.ط، ص11.

 

41


26

الدرس الرابع: العلماء

اللّه وتسديده ألا وهي الخذلان من اللّه عز وجل. أعاذنا اللّه سبحانه وإياكم منها. فقد ورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام في بعض أدعيته التي تشكل مدرسة كاملة للتربية والتهذيب: "أو لعلك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني"[1].

 

تنبيه

هناك رواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجب التوقف عندها والتأمل فيها ملياً، لأنها تدق ناقوس الخطر للمسلمين، خصوصاً في هذه الأزمنة، حيث يقول صلى الله عليه وآله وسلم: "سيأتي زمان على أمتي يفرون من العلماء كما يفر الغنم عن الذئب، ابتلاهم اللّه تعالى بثلاثة أشياء:

الأول: يرفع البركة من أموالهم.

الثاني: سلط اللّه عليهم سلطاناً جائراً.

الثالث: يخرجون من الدنيا بلا إيمان"[2].

 

نسأل اللّه تعالى أن لا يكون الزمان المقصود في هذه الرواية هو زماننا.

 

استهداف العلماء

أمام هذا الدور المهم والأساس للعلماء، قام المستكبرون والمستعمرون الطامعون بالسيطرة على الأمة ومقدراتها باستهداف هذا الحصن، كما استشرف ذلك الإمام الخميني  قدس سره حيث قال: "عليّ أن أُبيِّن لجميع الحوزات العلمية، من حوزة قم وحوزة مشهد وجميع الحوزات التي ترونها، وأقول: إنكم اليوم على رأس لائحة المستهدفين للأهداف الخبيثة للدول الكبرى"، وأما أشكال الاستهداف فمتعددة، منها الدعاية ضدهم وتشويه صورتهم "إنهم يعرضون الإسلام بشكل سيئ ويعرضون المعمم بشكل سيئ، لماذا؟ لأن ما يقف في وجههم هو الإسلام، ولأن من يريد تطبيقه هو المعمم. أولئك لا

 


[1] الإمام زين العابدين عليه السلام، الصحيفة السجادية، ص223، تحقيق السيد محمد باقر الموحد الأبطحي الأصفهاني، نشر مؤسسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ـ قم، مطبعة نمونه، ط1، 1411هـ، دعاؤه عليه السلام في سحر شهر رمضان.

[2] السبزواري، الشيخ محمد، معارج اليقين في أصول الدين، تحقيق علاء آل جعفر، مؤسسة آل البيت عليهم السلام  لإحياء التراث، إيران. قم، 1410 - 1993م، ط1، ص356.

 

42


27

الدرس الرابع: العلماء

يريدون أن يتحقق هذا الأمر، لهذا يريدون عرض الإسلام بشكل سيئ ليبتعد الناس عن الإسلام وليهمّش المعمَّم، ويبقون هم، فيفعلون ما يحلو لهم"[1].

 

أخطاء الأفراد

من المشكلات التي نبّه إليها الإمام الخميني  قدس سره، هي نسبة خطأ الشخص أو اشتباهه أو تقصيره إلى خط العلماء وتعميمه على كل الأفراد، وهذا تعاطٍ خطير لأنه سيتسبب بالإساءة إلى الحوزة والعلماء.

 

يقول الإمام الخميني  قدس سره: "إنَّ الناس إذا رأوا سلوكاً منحرفاً من رجل دين فإنهم سيسيئون النظر بكل رجال الدين لا بهذا الشخص فقط الذي رأوا في سلوكه انحرافاً، ويا ليتهم كانوا يقتصرون في إساءة الظن على شخص واحد، ولا يعممون الحكم على الآخرين. إنَّ الناس لا يحللون الأمور عندما يرون عملاً غير لائق من معمم، إن بين الكسبة أيضاً والموظفين أفراداً منحرفين وغير مستقيمين، وكذلك بين المعممين أشخاص غير صالحين ومنحرفون، ولكن لو أن بقالاً كان منحرفاً نرى الناس يقولون البقال الفلاني منحرف، ولو أن عطّاراً كان منحرفاً يقولون إن العطار الفلاني منحرف، لكن إذا قام معمم بعمل غير لائق يقولون: المعممون سيئون!"[2].

 

فالأخطاء أو الاشتباهات الفردية والجزئية لا يجوز أن تجرّئنا على النيل من المقام المعنوي للعلماء، يقول الإمام الخميني  قدس سره: "كل من يرى كتاب جواهر الكلام يدرك مدى جهود المجتهدين الذين يتطاول اليوم عليهم عدد من رواد الأزقة ليحددوا لهم تكليفهم"[3].

 


[1] من كلام لسماحته بتاريخ 11 - 10 - 1978م، حول مهمة الشاه في تنفيذ المشاريع الاستعمارية، صحيفة النور، ج2، ص 139.

[2] الإمام الخميني، الجهاد الأكبر، مصدر سابق، ص10.

[3] من كتاب كشف الأسرار للإمام الخميني قدس سره.

 

43


28

الدرس الرابع: العلماء

حفظ الأمانة

يقول الإمام الخميني  قدس سره: "إذا خسر الإسلام كل شيء - لا سمح اللّه - وبقي فقهه بالطريقة الموروثة عن الفقهاء العظام، فسيستمر في طريقه. أما إذا ما حصل الإسلام على كل شيء وخسر - لا سمح اللّه - فقهه على طريقة السلف الصالح، فلن يمكن الاستمرار في الطريق الصحيح، وسينتهي الأمر إلى الضياع"[1].

 


[1] من ندائه في الذكرى الرابعة لانتصار الثورة الإسلامية بتاريخ 11 - 2 - 1983م.

 

44


29

الدرس الخامس: ثقافة التكليف

الدرس الخامس

ثقافة التكليف

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يوضـــح مصـــادر التكليـــف الشرعي في فكر الإمام قدس سره.

2- يعرف العلاقة بين المكلّف والتكليف.

3- يعدّد نتائج الالتزام بالتكليف.

 

46


30

الدرس الخامس: ثقافة التكليف

تمهيد

يقول الإمام الخميني قدس سره: "كلّنا مأمورون بأداء التكليف والواجب، ولسنا مأمورين بتحقيق النتائج"[1].

 

ثقافة التكليف التي كثيراً ما نسمعها من الواعظين، والمرشدين من العلماء تعني باختصار شديد، الالتزام بالتكليف الشرعي الإلهي، ويمكن لنا في إطار الحديث عن هذا المفهوم أن نسلط الضوء لى بعض المسائل التي ترتبط بثقافة التكليف بصلة وثيقة، كالروحية التي ينبغي وجودها في الإنسان الذي يتصف بالالتزام بالتكليف الإلهي، والغرض من هذا الإلتزام، وكذلك من يحدد لنا التكليف الشرعي هذا؟

 

من أين يأتي التكليف الشرعي؟

عندما نقول التكليف الشرعي، فإن ذلك يعني بالدرجة الأولى أن التكليف نابع من الإسلام، وهذا ما يكسبه الشرعية عندما نصفه بالشرعي، هذا التكليف الذي يشمل جوانب حياة الإنسان كافة، سواء كانت فردية أم اجتماعية أم سياسية...، يقول الإمام الخميني  قدس سره:

"حدد الإسلام التكليف في كل شيء، ووضع القوانين لكل شيء، ولا حاجة بالمسلمين لتقليد أحد، أو اتّباعه في قوانينه"[2].


 


[1] الكلمات القصار للإمام الخميني قدس سره، مصدر سابق، ص59.

[2] صحيفة النور، مصدر سابق، ج٢، ص34.

 

48


31

الدرس الخامس: ثقافة التكليف

من يحدد لنا التكليف الإلهي؟

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾[1].

 

يشير اللّه تعالى في الآية الشريفة إلى الأشخاص الواجبي الطاعة، وهم بالدرجة الأولى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وبعده قام أمير المؤمنين علي عليه السلام بأمر من اللّه تعالى ليؤدي هذه المهمة ثم إمام بعد إمامٍ كانوا أولياء الأمر في هذه الأمة إلى زمن غيبة إمامنا الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وقد حدد لنا الأئمة عليهم السلام من نتبعهم في عصر الغيبة الكبرى لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهم العلماء الجامعون للشرائط (الولي الفقيه).

 

ورد عن الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف: "أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة اللّه"[2].

 

وطاعة الولي يمكن أن تكون من خلال التزام أوامر صدرت منه مباشرة أو من خلال قنوات تنظيمية أوكل الأمر إليها من قبل الولي الفقيه، فعندما يأتينا أمر معين صادرٌ عن الولي مباشرةً أو من خلال وكيله أو من ينوب عنه، فإنه سيصبح تكليفاً شرعياً علينا أن نقوم به.

 

علاقتنا بالتكليف

عندما تكون علاقتنا بالتكليف الشرعي هي علاقة التسليم للأمر الإلهي، عندها ستترسخ في عقيدة الإنسان أن التكليف المناط به، هو أمر ينتهي إلى اللّه سبحانه تعالى.

 

ولهذا فالإمتثال للتكليف لا يخرج عن عنوان طاعة اللّه تعالى، ولا يخضع لمزاج الأشخاص والأفراد ورؤيتهم الخاصة للأمور، وإلا فإن نظام القيادة في الإسلام سيختل، وسنتحدث في ما يلي عن ارتباط بعض المسائل بالتكليف وعلاقتها به:

 


[1] سورة النساء، الآية 59.

[2] الصدوق، الشيخ محمد بن علي، كمال الدين وتمام النعمة، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران- قم، 1405ه. 1363ش، لا.ط، ص484.

 

49


32

الدرس الخامس: ثقافة التكليف

1- التكليف والمال:

قد يحصل أن تقدم بعض الجهات مبالغ مالية مقابل القيام ببعض المسؤوليات التي تصب في صالح الإسلام وأمة المسلمين، وأخطر ما في الأمر أن تصير هذه المبالغ المادية هدفاً بحد ذاته، بحيث لو توقف المال توقف عن أداء مسؤولياته، وهذه المسألة نابعة من حب الدنيا، وأما الروحية التي ينبغي أن تحكم علاقتنا بالتكليف فهي روحية البذل والعطاء فلو لم تكن أمور المسلمين لتستقيم إلا ببذل الإنسان من حسابه ومن جيبه الخاص فعليه أن لا يبخل على الإسلام، وهكذا كان الإمام الخميني  قدس سره، فقد وهب ماله من الأملاك من أرض وعقار قبيل وفاته إلى أيتام الشهداء، وهكذا كان يفعل بما يقدم له من الهدايا ذات القيم المالية الكبيرة، يقول  قدس سره:

"لست بحاجة للمال، وسوف أتصدى لمواجهة الملك بقلم وعدة صفحات من الورق، وإذا ما احتجت المساعدة يوماً، فإن شعبي سيساعدني"[1].

 

فلم يكن الإمام يوماً ليقول لو أنني أصبحت مفلساً سأتخلى عن مسؤوليتي في قيادة الأمة والثورة، بل ناضل بأقل الإمكانات ووصل بهم الأمر في بعض ليالي باريس إلى تقسيم الطعام القليل الذي في بيتهم في ما بينهم.

 

وخلاصة الأمر: إن التكاليف الشرعية لا تسقط عن المكلفين بسبب شح الموارد المالية وما شابه هذا من الأسباب الدنيوية التافهة، وهي كما يصفها الإمام  قدس سره: "التكاليف الإلهيّة هي أمانات اللّه"[2].

 

2- التكليف والاعتبارات الشخصية:

عندما نتحدث عن التكليف، فإنه لا مجال للحديث عن الاعتبارات الشخصية، فإنها تسقط أمام مصلحة الإسلام والمسلمين، وهكذا كانت سيرة الإمام الخميني قدس سره حيث واجه التحديات والنفي من بلد إلى بلد... لأجل أداء التكليف فقط، وهذا

 


[1] جمعية المعارف الإسلامية والثقافية، الكلمات القصار للإمام الخميني قدس سره، مصدر سابق، ص308.

[2] المصدر نفسه.

 

50


33

الدرس الخامس: ثقافة التكليف

ما أكد عليه في كلماته أيضاً، يقول  قدس سره: "ليس مهماً عندي أين أكون، المهم هو العمل بالتكليف الإلهي، والمهم هو مصالح الإسلام والمسلمين العلي"[1].

 

التكليف ونتائجه

إن اللّه سبحانه وتعالى هو علّام الغيوب، وهو العالم بالنتائج الحقيقية لكل أمر، بل أنه هو تعالى الذي يحقق النتائج بتوفيقه وتسديده ومنّه على عباده، لذلك فإن على الإنسان القيام بتكليفه والالتزام بالواجب الشرعي، وأما النتائج والتوفيق فهما من اللّه تعالى والإنسان غير مكلف بهما، يقول الإمام الخميني  قدس سره: "أما بالنسبة للنتائج الموجودة فيمكن أن تتحقق ويحتمل أن لا تتحقق. وفي هذه الأمور التي يجب على الإنسان القيام بها كتكليف شرعي لا يجب ولا يشترط أن نحصل على العلم بحتمية تحقق الأهداف التي نرجوها منها. بل يجب أن يكون اهتمام المرء بها كتكاليف كلّف بها وعليه أن يعمل بها.

 

عندما عارض الإمام أمير المؤمنين عليه السلاممعاوية، كان بالطبع يريد عزله عن مقامه لفسقه ونهبه أموال الناس، وتنصيب إنسان عادل سليم في منصبه في الشامات، سوريا والمناطق المجاورة لها، ولكن مجابهة ظلم معاوية كان تكليفاً شرعياً وجب عليه القيام به وتعريف الناس بحقيقة أن معاوية ظالم ويجب طرد أمثاله. فقام بهذا التكليف الشرعي لكنه لم ينجح في عزل معاوية عن مقامه.

 

كما ثار الإمام سيد الشهداء ضد يزيد ولعله كان مطمئناً بأن لن ينجح في إسقاطه من السلطنة، بل هذا هو الواقع فعلاً حيث تذكر الأخبار أنه كان عالماً بعدم نجاحه في ذلك لكنه رغم ذلك. وعملاً بواجب الثورة ضد النظام الظالم حتى لو كان مصيره القتل. ثار ضد يزيد وقدم الضحايا وقاتل وقتل منهم حتى استشهد".


 


[1] جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، الكلمات القصار للإمام الخميني قدس سره، مصدر سابق، ص308.

 

51


34

الدرس السادس: الجهاد والشهادة

الدرس السادس

الجهاد والشهادة

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يتعرّف إلى فلسفة الشهادة.

2- يوضح كيفيّة يصل الإنسان إلى الشهادة.

3-. يشرح مفهوم الشهداء الأحياء.

 

52


35

الدرس السادس: الجهاد والشهادة

تمهيد

يقول اللّه تعالى في محكم آياته: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾[1].

 

إن الشهادة في سبيل اللّه تعالى هي إحدى الطرق للوصول إلى رضا اللّه والقرب منه، ومعنى الشهادة أن يقتل الإنسان في سبيل هدف سامٍ ونبيل في طاعة اللّه عز وجل. وعند الحديث عن الشهادة في فكر الإمام الخميني الراحل قدس سره وخطه المبارك، فلا بد من الإشارة إلى العديد من العناوين الأساسية التي أشار إليها رضوان اللّه تعالى عليه، ومنها أجر الشهيد، وكيف يصل الإنسان لمقام الشهادة في سبيل اللّه تعالى، لا بد من الإشارة إلى مجتمع الشهداء الأحياء.

 

أجر الشهيد

ينطلق الإمام الخميني  قدس سره في حديثه عن أجر الشهداء من الحديث المشهور عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "فوق كل ذي برّ برّ حتى يقتل الرجل في سبيل اللّه، فإذا قتل في سبيل اللّه فليس فوقه بر..."[2].

 

فمن خلال هذا الحديث والكثير من الأحاديث الأخرى يتحدث الإمام عن الشهداء بلسان العاجز عن التحدث عن الثواب الجزيل والمقام الذي وصلوه، فيقول قدس سره:

 


[1] سورة التوبة، الآية 20.

[2] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص 348.

 

54


36

الدرس السادس: الجهاد والشهادة

"نحن والكتّاب والخطباء والبلغاء، إذا أردنا إحصاء قيمة وأجر عمل الشهداء والمجاهدين في سبيل اللّه وتضحياتهم وسعة نتائج شهادتهم، لا بد أن نعترف بالعجز، فما بالنا إذا أردنا إحصاء المراتب المعنوية والمسائل الإنسانية والإلهية المرتبطة بالشهادة، هنالك العجز والتواني بلا ريب"[1].

 

فمن يرجع لما روي في الأحاديث الشريفة عن الشهادة وأجرها لا بد وأن يقف موقف العاجز عن الإحصاء والعد، بل قد تخون العبائر الإنسان فيما لو أراد أن يصف مقام الشهداء الحقيقي، وكما يقول الإمام  قدس سره:

"لا يمكن للألفاظ والتعابير وصف أولئك الذين هاجروا من دار الطبيعة المظلمة نحو اللّه تعالى ورسوله الأعظم وتشرفوا في ساحة قدسه تعالى"[2].

 

فلسفة الشهادة

يخال البعض أن الشهادة هي خسارة وثغرة تفتح في جسد الأمة، لأن فقدان جيل الشباب على الجبهات خسارة للجيل النامي في الأمة، إلا أن المسألة تكون كذلك لو كان الهدف من الجهاد أن نحافظ على أنفسنا فحسب، وحينما نفقد أنفسنا نكون قد خسرنا المعركة وحلت علينا الهزيمة، ولكن الهدف من الجهاد، هو تحقيق الهدف الإنساني الأكبر الذي يريده اللّه تعالى من الإنسان، وهو الوصول إلى طاعة اللّه تعالى، من خلال أداء التكليف الإلهي بحفظ كرامة الأمة وأعراض المسلمين ومقدساتهم، ويقول الإمام الخميني  قدس سره عن هذه المسألة:

"أنتم غلبتم أهواءكم، أنتم في خلف الجبهات وإخوانكم في الجبهات، جاهدتم أنفسكم وعلمتم أن الحياة أبدية وأن هذه الحياة الحيوانية المادية زائلة، فأنتم إذن منتصرون وما دامت هذه عقيدتكم فأنتم الغالبون حتى ولو انهزمتم صورياً ومادياً"[3].

 


[1] صحيفة النور، ج20، ص 188.

[2] المصدر نفسه، ج19، ص 40.

[3] المصدر سابق، ج16، ص 58.

 

55


37

الدرس السادس: الجهاد والشهادة

ويشير الإمام الخميني قدس سره إلى مسألة مهمة للغاية عند التحدث عن مقام الشهداء حيث يشير إلى أن قياس الشهادة بالموازين الدنيوية والحسابات المادية مسألة مهينة لمعنى الشهادة يقول  قدس سره:

"يجب أن يعلم عملاء أمريكا أن الشهادة في سبيل اللّه لا يمكن أن تقاس بالغلبة أو الهزيمة في ميادين القتال، مقام الشهادة نهاية العبودية والسير والسلوك في العالم المعنوي. لا تحقروا مقام الشهادة لتقابلوها بفتح خرمشهر أو سائر المدن، إنها أوهام القوميين الباطلة"[1]، الهدف الحقيقي الذي رسمه اللّه سبحانه وتعالى للإنسان يتلخص بقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[2].

 

والشهادة هي أقرب طريق للوصول إلى ثمرة العبادة وهي القرب من اللّه عز وجل.

 

كيف تكون شهيداً؟

لا شك أن الشهادة نعمة إلهية يمنحها اللّه سبحانه وتعالى، ولا يقدر عليها الإنسان بنفسه.

 

يقول الإمام الخميني  قدس سره: "إن الشهادة بالنسبة لنا فيض نوراني عظيم".

 

ولكن هذا لا يعني أن اللّه سبحانه وتعالى يمنحها لأي كان، وبشكل عشوائي، يقول الإمام الخميني  قدس سره: "الشهادة هدية من اللّه تبارك وتعالى لمن هم أهل له"[3].

 

فعلى الإنسان أن تتوفر فيه صفات الشهيد ويكون أهلاً للشهادة حتى يمن اللّه تعالى عليه بها ومن هذه الشروط:

1- الزهد في الدنيا:

إن كان للدنيا من قيمة فلأنها مزرعة الآخرة، ومسجد أولياء اللّه، وطريق الوصول إلى ساحة رضاه، فلو قطعناها عن كل ذلك ونظرنا إليها نظرة مادية، فلن يكون لها أي قيمة على الإطلاق، كما أخبر عنها أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له:

 


[1] صحيفة النور، ج 21، ص83.

[2] سورة الذاريات، الآية 56.

[3] صحيفة النور، ج10، ص 111.

 

56


38

الدرس السادس: الجهاد والشهادة

"كأنهم لم يسمعوا كلام اللّه حيث يقول: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾[1], بلى واللّه لقد سمعوها ووعوها، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها. أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز ..."[2].

 

هكذا يجب أن يكون المجاهد في سبيل اللّه، زاهداً بالدنيا عارفاً بمقام الشهادة ﴿وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾[3].

 

فإن الإنسان كلما اقترب من الآخرة وابتعد عن التعلق بالدنيا، يكون بذلك قد مهد الطريق لنفسه للانخراط في سلك الشهداء الذين يختارهم اللّه تعالى، ويحبرهم بلباس كرامتها.

 

وقد أكد الإمام الخميني قدس سره على ذلك في كلماته: "إن الدنيا بجميع بهارجها واعتباراتها هي أقل بكثير من أن تكون جزاءً ورتبة للمجاهدين في سبيل اللّه".

 

"إن المجاهد في سبيل اللّه أسمى من أن يقيّم عمله النفيس بزخارف الدنيا".

 

"... لم يبيعوا أرواحهم بثمن بخس، ولم تلههم زخارف الدنيا الفانية وتعلقاتها"[4].

 

2- الارتباط بمدرسة عاشوراء:

إن تاريخ المسلمين حافل بالجهاد والشهادة، وليس غريباً على المسلمين أن يرتفع شبابهم شهداء إلى بارئهم مخضبين بدمائهم، "القتل لنا عادة".

 


[1] سورة القصص، الآية 83.

[2] الشريف الرضي، السيد محمد الرضي بن الحسن الموسوي، نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، تحقيق وتصحيح: صبحي الصالح، لا.ن، لبنان - بيروت، 1387هـ - 1967م، ط1، ص49، الخطبة الشقشقية.

[3] سورة آل عمران، الآية 157.

[4] صحيفة النور، ج19، ص 296.

 

57


39

الدرس السادس: الجهاد والشهادة

فمدرسة عاشوراء هي المعين الذي لا ينضب وهي الخزان الأكبر للمعاني الأخلاقية الأسمى، فمنها يتعلم الإنسان القيم الدينية والإنسانية كالتضحية والإيثار والبذل وعزة النفس والاستقامة في الحياة، وإلى ذلك يشير الإمام الخميني  قدس سره في كلماته: "نحن لا نبالي إذا سكبت دماء شبابنا الزاكية في سبيل الإسلام، لا نبالي إذا أضحت الشهادة ميراثاً لأعزائنا، إنه الأسلوب المرضي المتبع لدى شيعة أمير المؤمنين عليه السلام منذ ظهور الإسلام إلى اليوم"[1].

 

"منهاج الشهادة القاني، منهاج آل محمد وعلي، ولقد انتقل هذا الفخر من آل بيت النبوة والولاية إلى ذراريهم وأتباع مناهجهم"[2].

 

"لقد قدمت أمة الإسلام من محراب مسجد الكوفة إلى صحراء كربلاء وعلى مر تاريخ التشيع الأحمر، قدمت ضحايا قيمة إلى الإسلام العزيز وفي سبيل اللّه"[3].

 

فما دام القتل لنا عادة فلن يكون له آثار سلبية على المجتمع ولن يتسبب بحصول تراجع وضغط كما نرى في الكثير من المجتمعات الأخرى.

 

إن ثورة أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام بما تحمل من رسالة كتبت بأطهر دماء الأرض لتخترق بنورها كل أنواع الحجب وتصل إلى آذاننا، هي القادرة على صنع الشهداء بكل ما يحتاجه الشهيد من مواصفات إلهية، وقد استطاعت هذه المدرسة أن تخرّج ببركتها قوافل الشهداء على مر التاريخ.

 

يقول الإمام الخميني  قدس سره: "مهما كان، فإن قلمي ولساني عاجزان عن ترسيم المقاومة العظمى لملايين المسلمين، عشاق الخدمة والإيثار والشهادة في هذا البلد، بلد صاحب الزمان أرواحنا فداه، ولا يمكن توصيف مجاهدات وبطولات وخيرات وبركات هؤلاء الأبناء المعنويين لكوثر فاطمة الزهراء عليها السلام، وبالتأكيد فإن هذه البطولات نابعة من منهج الإسلام الأصيل وأهل البيت، ومن بركات ولاية إمام عاشوراء عليه السلام"[4].

 


[1] صحيفة النور، ج5، ص 269.

[2] المصدر نفسه، ج15، ص 154.

[3] المصدر نفسه، ج15، ص 252.

[4] صحيفة النور، ج 20، ص 166.

 

58


40

الدرس السادس: الجهاد والشهادة

3- الارتباط بالشهداء:

وبالإضافة للارتباط بهذه المدرسة التاريخية العظيمة، يجب الاستفادة من أنوار شهداء هذا العصر أيضاً وزيادة الارتباط بهم، والتعرف على روحيتهم ومسلكيتهم وقراءة وصاياهم، لأن وصاياهم تهز الأنفس وتوقظ الضمائر التي يحاول الشيطان أن يخرسها ويمحو صوتها الموجه إلى الصلاح.

 

فالارتباط بالشهداء يقرب روحية الإنسان من روحيتهم، حتى يصير واحداً منهم جاهزاً لتلقي هذا الفيض الإلهي الذي تلقوه، وهو الشهادة.

 

وقد أكد الإمام الخميني  قدس سره في الكثير من المناسبات، أن الشهداء يعتبرون قادة المسيرة، وأنهم المعلمون في دنيا الجهاد، وعلينا أن نستفيد منهم، فمما قاله في هذا السياق:

"إن قائدنا هو ذلك الطفل ذو الاثني عشر عام[1]، صاحب القلب الصغير، الذي يفوق المئات من ألسنتنا وأقلامنا فضلاً، الذي حمل قنبلته ورمى بنفسه تحت دبابة العدو ففجرها محتسياً شراب الشهادة".

 

"الذين أوقدوا - بدمائهم الطاهرة - مشاعل طريق الحرية لكل الشعوب المكبلة". "إن من كل شعرة تمس أو قطرة دم تسفك لشهيد، يولد معها رجال مجاهدون ومصممون"[2].

 

4- العزم الراسخ والهمة العالية:

يقول الإمام الخميني  قدس سره: "أيها الشهداء، إنكم شهود صدق والمذكورون بالعزم والإرادة الثابتة الفولاذية لخير عباد اللّه المخلصين، الذي سجلوا بدمائهم وأرواحهم أصدق وأسمى مراتب العبودية والانقياد إلى المقام الأقدس للحق جل وعلا، وجسدوا


 


[1] إشارة إلى الشهيد حسين فهميده أحد أفراد التعبئة، والذي قام بعملية استشهادية حيث فجر نفسه بدبابة عراقية من خلال حزام ناسف كان معه رغم صغر سنه.

[2] كلمة ألقاها بتاريخ 11 - 2 - 1958م.

 

59


41

الدرس السادس: الجهاد والشهادة

في ميدان الجهاد الأكبر مع النفس والجهاد الأصغر مع العدو، حقيقة انتصار الدم على السيف وغلبة إرادة الإنسان على وساوس الشيطان"[1].

 

ويقول أيضاً: "العزم الراسخ والهمة العالية للشهداء، ثبتت قواعد الجمهورية الإسلامية في إيران وأضحت ثورتنا في أشمخ قلل العزة والشرق تنير الدروب لهداية الأجيال المتعطشة"[2].

 

مجتمع الشهداء الأحياء

قد نأسف عندما نجد مجاهداً مات على فراش المرض في نهاية الأمر بعد سنين طويلة من الجهاد.

 

إن هذا الأسف في غير محله، لأنك إن أصلحت نيتك، وجعلت هدفك خالصاً لله، ووصلت إلى مرحلة عشقه سبحانه وتعالى، وزهدت بالدنيا، وتمنيت الشهادة، وارتبطت بمدرسة كربلاء، فأنت لست مجرد إنسان أهل للشهادة، بل أنت شهيد فعلاً! شهيد حي، وهذا ما تؤكده الروايات. فعن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: "من سأل اللّه الشهادة بصدق، بلغه اللّه منازل الشهداء وإن مات على فراشه"[3].

 

وفي رواية أخرى عنه: "من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه"[4].

 

إذاً فلتكن مع الشهداء وفي خطهم واحمل بين جنبيك روحيتهم، فستكون شهيداً.


 


[1] صحيفة النور، ج19، ص 296.

[2] المصدر نفسه، ج20، ص 59.

[3] مسلم النيسابوري، مسلم بن الحجاج، الجامع الصحيح (صحيح مسلم)، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان- بيروت، لا.ت، لا.ط، ج6، ص9.

[4] المصدر نفسه.

 

60


42

الدرس السابع: الحريّة

الدرس السابع

الحريّة

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يبيّن الرؤية الإسلاميّة لقيمة الحريّة.

2- يوضّح نظرية الإمام قدس سره لقيمة الحريّة.

3- يعدّد مجالات الحريّة.

 

62


43

الدرس السابع: الحريّة

الإسلام وهبنا الحريّة

الحرية مطلب إنساني ينسجم مع الفطرة السليمة، فيسعى الإنسان أن يكون حرّاً وغير مأسور في مختلف الميادين، المعنوية، الاجتماعية، والطبيعية وغيرها، وبما أن الإسلام هو دين الفطرة فنجد أن النصوص الإسلامية تتواءم مع هذه الفطرة، عن الإمام علي عليه السلام: "أيها الناس إنَّ آدم لم يلد عبداً ولا أمة، وإنَّ الناس كلهم أحرار"[1].

 

وبالتالي فإنَّ الأرض الخصبة لنمو الحرية وتوافرها هو النظام الإسلامي وأحكام الإسلام، بل النظام الإسلامي هو الضمان للحرية، يقول الإمام الخميني  قدس سره "إنَّ القانون الإسلامي هو الذي يعطي الحرّيات والديمقراطية الحقيقية، علاوة على ضمانة استقلال الدول"[2].

 

ويقول الإمام  قدس سره في كلام آخر: "الإسلام هو الذي وهبنا الحرية، فلتقدّروا هذه الحرية وهذا الإسلام حق قدرهما"[3].

 

حدود الحريّة

هناك نظرتان مختلفتان لمفهوم الحرية، الحرية بالمعنى الغربي، والحرية بالمعنى الإسلامي. فالغرب يرى أن الأساس الذي تبنى عليه الحرية هو ما يختاره الإنسان ولا يصل إلى منازعة حرية الآخرين، لكن يرد على هذه النظرة أمور: منها: بحسب هذا المبدأ لا بد من احترام كل عقيدة يؤمن بها الإنسان حتى لو كانت خضوعاً أمام حجر أو عبادة للبقر، وهذا ما لا يقره عاقل.


 


[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص 79.

[2] من حديث له بتاريخ 7/4/1979م.

[3] جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، الكلمات القصار للإمام الخمينيقدس سره، مصدر سابق، ص 142.

 

64


44

الدرس السابع: الحريّة

منها: لو اختار هذا الإنسان أن ينساق وراء شهواته المحرّمة مما يؤدّي إلى تسافله، وفقده لقيمته الإنسانية، فهي تعني انحدار الإنسان من رتبته الإنسانية إلى الرتبة الحيوانية.

 

يقول الإمام الخميني  قدس سره: "الناس أحرار ولا ولن يقف أحد بوجه حريّتهم، إلا إذا أدّت بهم الحريّة إلى الفساد والضياع، أو أدى ذلك إلى تخلّف الشعب"[1].

 

فإفساح المجال للآخرين إلى التهتك والانفلات ليس من الحرية في شيء، فيقول الإمام  قدس سره: "الإسلام فيه حرّية أيضاً، لكنها ليست حريّة التهتّك والانفلات، فنحن نرفض الحريّة بالمفهوم الغربي"[2]. ولا شك أن الحرية بالمفهوم الغربي تؤدي إلى نتائج وآثار مدمرة، ولا تخلو من قصد سيئ ونية مبيتة. يقول الإمام الخميني  قدس سره: "لنعلم جميعا أن الحرية على الطراز الغربي تؤدي غالباً إلى تدمير الشبّان، فتيات وفتية، وهي مدانة بنظر الإسلام والعقل، ومحرمة تلك الدعاية والمقالات والخطابات والكتب والصحافة المنافية للإسلام والعفة العامة ومصالح البلاد"[3].

 

ولهذا يرفض الإسلام هذا النوع من الحرية الباطلة، كما يقول  قدس سره: "الإسلام والعقل يرفضان الحريّة بشكلها الغربي، الذي يجرّ الشبان اليافعين والفتيات إلى الفساد والضياع"[4].

 

الحرية بالمفهوم الإسلامي

أما الحرية بالمفهوم الإسلامي، فهي غير مفصولة عن الهدف الذي وجد الإنسان من أجله، وهو تكامله ورقيّه ونيله أرفع المراتب في هذا الوجود، فالإنسان العاقل حرٌ في دائرة الطريق الموصل إلى هدفه المنشود، فالتكاليف الإلهية والقوانين الربانيّة التي

 


[1] جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، الكلمات القصار للإمام الخميني قدس سره، مصدر سابق، ص 143.

[2] المصدر نفسه، ص 142.

[3] مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني، منهجية الثورة الإسلامية (مقتطفات من أفكار وآراء الإمام الخميني)، إيران - طهران، 1996م، ط1، ص 371، ص 359.

[4] جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، الكلمات القصار للإمام الخميني قدس سره، مصدر سابق، ص 143.

 

65


45

الدرس السابع: الحريّة

شرعها اللّه عز وجل تجلب إلى الإنسان المصالح وتدفع عنه المفاسد، فينتج عنها تكامله المعنوي والمادي، وبالتالي سعادته في الدارين الأولى والآخرة.

 

فالسير ضمن الطريق الذي شرّعه اللّه عز وجل هو الحرية الحقيقية، لأنّه يوصل الإنسان إلى سعادته وكماله، ولا يفصله عن الهدف المأمول، يقول الإمام الخميني  قدس سره: "إنّ الحريّة التي يقول الإسلام بها، محدودة بالقوانين الإسلاميّة"[1]. "ينبغي أن تكون الحريّة ضمن حدود الإسلام والقانون، فلا يصار إلى مخالفة القانون بدعوى الحريّة"[2].

 

فمن البديهي للإنسان الساعي لتحقيق هدفه أن يقيّد رغباته بما يحقق هدفه ويتناسب معه، فإذا أردنا أن نتحرر من ذل الجهل فعلينا أن نلتزم بقيود التعلم، وبالتالي لا بد أن تُفهم الحرية على أساس رفع القيود التي تشكل مانعاً دون تحقيق الهدف المنشود، حتى وان كان ذلك لا يتم إلا عبر تشريع قيود، فالإسلام إنما يشرع القوانين ويضع الحدود للحرية، لأنه يرى أن هذه الضوابط ضرورية للحفاظ على الحرية وضمان استقلال شخصية الإنسان الفردية والاجتماعية، يقول الإمام  قدس سره: "إنّ الحريّة التي يقول الإسلام بها، محدودة بالقوانين الإسلاميّة"[3].

 

فمن هنا صرّح الإمام  قدس سره بعدم استغلال الحرية والتذرع بها لأجل الوصول إلى المآرب الفاسدة يقول  قدس سره: "احفظوا حدود الإسلام، ولا يساء استغلال الحريات، فالحرية مقيدة بحدود الإسلام"[4].

 

والإمام الخميني  قدس سره يرفض ما يسمى بالحرية التي تؤدي إلى الفوضى أو الشتم أو السباب وإهانة الآخرين، وغير ذلك مما يسيء إلى الأخلاق والقيم، يقول  قدس سره: "عندما تقرأون الصحف فإنكم كثيراً ما تشاهدون فيها أن هذا يسيء إلى ذاك وذاك يسيء إلى

 


[1] جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، الكلمات القصار للإمام الخمينيقدس سره، مصدر سابق، ص 143.

[2] المصدر نفسه.

[3] المصدر نفسه.

[4] المصدر نفسه.

 

66


46

الدرس السابع: الحريّة

هذا، والآن بعد تحرر الأقلام، فهل صحيح أن يتحدث كل إنسان بما يشاء تجاه الآخرين؟ وان يتصرف كل واحد مع الآخر، بحيث تدب الفوضى في البلاد وتخرج من النظام؟

 

هذا هو معنى الحرية؟ هل أن الحرية في تلك البلدان التي تريد نهبنا هي على هذه الشاكلة؟ لو كانت هكذا لما حصل الانسجام ولما تطورت، إنهم يريدون من خلال كلمة الحرية التي يلقونها في عقول الشباب أن يفرضوا سلطتهم عليكم ويسلبوا حريتكم، إنهم يدركون ما يفعلون، يقولون: أنتم قمتم بثورة فأنتم الآن أحرار، أنت تتحدث بما تشاء عن ذاك، وذاك يتحدث عنك بما يشاء، وهذا يسخر قلمه ضدّك، وأنت تسخر قلمك ضد الآخرين، أنهم يدركون ما يفعلون ويريدون من خلال الحرية أن يسلبوا حريتكم، أن يوجدوا عندكم الحرية غير الصحيحة ويسلبوا منكم الحرية الحقيقية"[1].

 

مجالات الحرية

1 ـ الحرية المعنوية:

إن الحرية المعنوية تعني أن يكون الإنسان حرّاً داخل نفسه، متخلِّصاً من عبودية الأهواء النفسية والمعاصي، والتعلُّقات الدنيوية بحيث ينظر إلى الدنيا أنها ممر للآخرة، وأما التحلل من التكليف الإلهي وإطلاق العنان للنفس فهو يفضي إلى عبودية من نوع أعمق، وهو ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام حيث قال: "من زهد في الدنيا أعتق نفسه وأرضى ربه"[2].

 

يقول الإمام الخميني  قدس سره: "ما هو أساس نجاة البشرية واطمئنان القلوب، فهو التحرر والإفلات من الدنيا وتعلّقاتها ولا يحصل ذلك إلا بالذكر الدائم لله تعالى".

 

يبيّن الإمام  قدس سره معنى الحرية المعنوية في كتابه (الأربعون حديثاً) فيقول  قدس سره: "إن الإنسان إذا أصبح مقهوراً لهيمنة الشهوة والميول النفسية، كان رقُّه وعبوديته وذلته بقدر

 


[1] مؤسسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني، منهجية الثورة الإسلامية (مقتطفات من أفكار وآراء الإمام الخميني)، إيران - طهران، 1996م، ط1، ص 371.

[2] الليثي الواسطي، علي بن محمد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق: الشيخ حسين الحسيني البيرجندي، دار الحديث، إيران. قم، 1418هـ، ط1، ص462.

 

67


47

الدرس السابع: الحريّة

مقهوريته لتلك السلطات الحاكمة عليه، ومعنى العبودية لشخص هو الخضوع التام له وإطاعته. والإنسان المطيع للشهوات المقهور للنفس الأمارة يكون عبداً منقاداً لها.

 

وكلما توحي هذه السلطات بشيء أطاعها الإنسان في منتهى الخضوع، ويغدو عبداً خاضعاً ومطيعاً أمام تلك القوى الحاكمة، ويبلغ الأمر إلى مستوىً يفضِّل طاعتها على طاعة خالق السماوات والأرض، وعبوديتها على عبودية مالك الملوك الحقيقي، وفي هذا الحال تزول عن نفسه العزة والكرامة والحرية ويحل محلّها الذل والهوان والعبودية، ويخضع لأهل الدنيا، وينحني قلبه أمامهم وأمام ذوي الجاه والحشمة، ويتحمل لأجل البلوغ إلى شهواته النفسية الذل والمنّة، ويستسيغ لأجل الترفيه عن البطن والفرج الهوان، ولا يتضايق من اقتراف ما فيه خلاف الشرف والفتوة والحرية عندما يكون أسيراً لهوى النفس والشهوة.

 

وينقلب إلى أداة طيّعة أمام كل صالح وطالح، ويقبل امتنان كل وضيع عنده لمجرد احتمال نيل ما يبتغيه حتى إذا كان ذلك الشخص أحط وأتفه إنسان".

 

2- حرية التعبير عن الرأي:

عن الرأي إن حرية التعبير التي أتاحها الإسلام ليعبر الناس عن أفكارهم في المجتمع الإسلامي، تهدف إلى منفعة البشرية وتطويرها وتقويم الانحراف والفساد، يقول الإمام الخميني  قدس سره: "إنّ هذه الحرية التي يتمتع بها أبناء شعبنا من النساء والرجال والكتّاب والعناصر الأخرى، هي من النوع الذي يصب في منفعة أبناء الشعب. فأنتم أحرار في التعبير عن أفكاركم وآرائكم، وفي انتقاد الحكومة. انتقدوا كل مَنْ خطا خطوة منحرفة... اذهبوا ودافعوا عن شعبكم... إنكم أحرار في فعل كل ما من شأنه خدمة الإنسان وتطوير الأخوة والأخوات ورعاية هؤلاء الأطفال الأعزة... كل هذا مسموح به"[1].

 

3 ـ الحرية السياسية وعدم التبعية:

أكد الإمام  قدس سره على أن الإسلام هو دين الحرية، بمعنى أنه يرسم للإنسان إطار

 


[1] من حديث في جمع من المعلمات والطالبات في "مشهد"، بتاريخ 30/9/1979م.

 

68


48

الدرس السابع: الحريّة

الحرية وسبيلها، وإلا تنقلب الحرية المدّعاة إلى عبودية من نوع آخر، والحرية السياسية هي من أهم الأهداف التي سعى الإسلام إلى تحقيقها وحثَّ على حسن استخدامها من قبل الجميع، فنجد الإمام الخميني  قدس سره يدعو الشعوب إلى التحرر والاستقلال وخلع الأغلال، ويعتبر ذلك أمراً لازماً.

 

يقول الإمام الخميني  قدس سره: "يجب على أبناء الشعب الإيراني الشريف والمسلمين وجميع الأحرار في العالم أن يعلموا بأن عليهم أن يقدموا ثمنا غاليا للاستقلال والحرية فيما لو أرادوا الوقوف مستقلين عن أية قوة أو أية قوة عظمى ودون أن يميلوا إلى اليمين أو اليسار"[1].

 

بل يعتبر الإمام الخميني  قدس سره أنَّ الحرية والاستقلال هما طريق الحصول على العزة والكرامة في الدنيا والآخرة، فيقول  قدس سره: "إذا أردتم أن تنالوا كرامة الدنيا والآخرة، وتعيشوا حياتكم بعزّة فلتقفوا بحزم وقوة في وجه الأجانب، ولتكونوا رحماء ورؤوفين وأصدقاء في ما بينكم"[2].

 

ولهذا فقد سعى الإمام  قدس سره إلى تأسيس القاعدة والنموذج الذي يمكن للشعوب أن تحتذيه من خلال بناء الدولة الإسلامية في إيران، فيقول  قدس سره: "إن أقصى ما أتمنّاه هو أن يتخلّص أبناء الشعب الإيراني من سيطرة الظلم، ويصبحوا أصحاب بلد حرّ ومستقل، يحكمه نظام إسلامي تُراعى فيه حقوق البشر كما أمر بها الإسلام، وأن يصبحوا أسوة لكلّ الشعوب في التقدم والرقي والسعادة الإنسانية"[3].

 


[1] منهجية الثورة الإسلامية، مصدر سابق، ص363.

[2] جمعية المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، الكلمات القصار للإمام الخميني قدس سره، مصدر سابق، ص 146.

[3] المصدر نفسه.

 

69


49

الدرس السابع: الحريّة

الدرس الثامن

فلسطين والقدس

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يعدّد أسباب ضياع فلسطين والقدس.

2- يبيّن ظروف إعلان يوم القدس العالمي.

3- يشرح دلالات يوم القدس العالمي وأبعاده.

 

70


50

الدرس الثامن: فلسطين والقدس

تمهيد

شغلت قضية القدس وفلسطين حيزاً هاماً من وجدان الإمام الخميني  قدس سره مما جعلها حاضرة في كلماته وبياناته، فهي أحد الأهداف المهمة التي أعطاها الأولوية ورافقته في كل مراحل جهاده المبارك قبل انتصار الثورة وبعدها، فوجّه الإمام  قدس سره الأمة الإسلامية نحو تحرير كامل ترابها من البحر إلى النهر، حيث يقول الإمام الخميني  قدس سره: "يجب أن تزول إسرائيل من الوجود"[1].

 

لذا فقد أراد الإمام  قدس سره أن يكشف للأمة الإسلامية ويميط اللثام عن أسباب ضياع القدس من جهة، ويبيّن السُبل والطرق الآيلة لاستعادتها من جهة أخرى.

 

أسباب ضياع القدس

يمكن أن نستقرئ الأسباب في كلمات الإمام  قدس سره، وهي على قسمين:

القسم الأول: مشكلة الحكّام والسلاطين:

وهو يتعلّق بأكثر الحكّام القابعين على رؤوس الأنظمة، فهم يعملون عادة للحفاظ على عروشهم ومصالحهم الخاصة من خلال التنازل عن مصالح الأمة ومقدساتها، وعلى هذا الصعيد حدّد عدّة أمور وهي:

1- عدم لياقة أكثر حكّام الأنظمة الإسلامية لتبوّئهم سدة القيادة لبلدانهم فلا يحوزون على التمثيل الشعبي الحقيقي فهم متسلطون أو مستبدون، فلا يملكون القدرة على استنهاض شعوبهم، إضافة إلى كونهم بعيدين عن الإسلام وأحكامه مما يزيدهم ضعفاً


 


[1] صحيفة النور، ج16، ص373.

 

72


51

الدرس الثامن: فلسطين والقدس

إلى ضعفهم، وساعين للتفرقة والتخريب في ما بينهم، مما يعقّد مشكلة القضية الفلسطينية ويحول دون علاجها بعد أن كان الخلاف والفرقة سبباً في أصل حصولها.

 

وفي هذه الأبعاد يقول الإمام الخميني  قدس سره: "فلو كان حكّام البلدان الإسلامية ممثلين حقيقيين للناس، مؤمنين بأحكام الإسلام ومنفذين لها، واضعين الاختلافات الجزئية جانباً، كافّين أيديهم عن التخريب والتفرقة، متحدين في ما بينهم، لما استطاعت حفنة من اليهود الأشقياء أن يفعلوا كل هذه الأفاعيل مهما كان الدعم الذي تقدمه لهم أمريكا وانكلترا، فما نراه من قدرتها (أي إسرائيل) وممارستها إنما هو بسبب تهاون وعدم لياقة المتصدين للحكم على الشعوب المسلمة".

 

يقول الإمام الخميني  قدس سره: "إنها اختلافات قادة الدول هي التي تعقد المشكلة الفلسطينية وتحول دون حلها".

 

2- تبعية بعض زعماء الأنظمة واستسلامهم للاستكبار مما يحسم نتيجة المواجهة قبل أن تحصل مع اليهود الصهاينة، وفي ذلك يقول الإمام  قدس سره: "إن اختلاف وعمالة بعض رؤساء البلدان الإسلامية لا يعطيان الفرصة والإمكانية لسبعماية مليون مسلم في أن يحلوا مشكلة القضية الفلسطينية التي تمثل أشد مصائبنا"[1].

 

كما يقول  قدس سره: "إنَّ الأنانية والعمالة واستسلام بعض الحكومات العربية للنفوذ الأجنبي المباشر يمنع عشرات الملايين من العرب من إنقاذ فلسطين من يد الاحتلال الإسرائيلي".

 

3- انشغال اغلب الحكومات بالمفاوضات السياسية التي لا طائل منها والتي لا يمكن أن تؤدي إلى علاج القضية الفلسطينية في حين أن الجهاد هو الحل.

 

يقول الإمام الخميني  قدس سره: "إن أكثر الحكومات مشغولة بالقيام والقعود والمفاوضات التي لا نتيجة منها، تاركين المجاهدين الفلسطينيين الشجعان الذين يقاومون (إسرائيل) برجولة لوحدهم".

 

هذا من جهة الحكّام والأسباب المتعلقة بهم كأشخاص وممارسات وما يعتري


 


[1] صحيفة النور، ج2، ص452.

 

73


52

الدرس الثامن: فلسطين والقدس

أوضاعهم وما يحول دون توحدهم والتي أدت إلى مزيد من الإهمال والنسيان والتهاون بقضية فلسطين.

 

القسم الثاني: مشكلة الشعوب:

يتعلق بواقع الشعوب والأمة والمسؤوليات الملقاة على عاتقهم:

أما من جهة الشعوب وشرائحهم المختلفة، فهناك أيضاً الأسباب التي ترتبط بهم، صحيح أن المشاكل الكبرى والأساسية ناتجة عن واقع الحكام وتقاعسهم وتخاذلهم وأحياناً خيانتهم وعمالتهم، إلا أن ذلك لا يلغي ولا ينفي المسؤوليات الكبرى الملقاة على عاتق الشعوب، وعلى هذا الصعيد حدّد الإمام الخميني  قدس سره عدة أسباب ترتبط بواقع الشعوب والجماهير، أهمها:

1- البعد عن الالتزام بالإسلام والقرآن والاعتماد على المعسكر الشرقي أو الغربي، وذلك خلاف المفروض بحسب مفهوم النص الإلهي بضرورة الكفر بالمعسكرات المادية وبالطاغوت، والإيمان باللّه وبرسالته والاعتماد عليه سبحانه وعلى تعاليم دينه:

يقول الإمام الخميني  قدس سره: "لو أن الشعوب المسلمة وبدلاً من الاعتماد على المعسكر الشرقي أو الآخر الغربي اعتمدت على الإسلام ووضعت تعاليم القرآن النورانية والتحررية نصب أعينها وعملت بها لما وقعت أسيرة للمعتدين الصهاينة".

 

2- تفرّق المسلمين وتشرذمهم والتلهي بالمسائل الخلافية وترك الساحة وإخلاؤها للاستكبار ومشاريعه، مما أضعف قدرة هذا العدد الضخم والهائل من المسلمين وأطمع فيهم ثلة من الصهاينة الحاقدين.

 

يقول الإمام الخميني  قدس سره: "لو اجتمعت هذه القدرة، أي قدرة المائة مليون عربي فإن أمريكا لن تستطيع أن تفعل شيئاً"، ويقول أيضاً: "إن الاختلافات هي التي سببت وجود الصهاينة هنا وأتاحت لهم الفرصة لتثبيت أنفسهم".

 

3- الإتكال على الحكومات وانتظار مبادراتها وقراراتها وعدم المبادرة إلى اتخاذ ما يناسب الموقف، بل الاكتفاء بالأقوال دون الأفعال، يقول الإمام الخميني  قدس سره: "إن الشعوب

 

74


53

الدرس الثامن: فلسطين والقدس

إذا ما توقعت أن تبادر هذه الحكومات إلى الوقوف بوجه إسرائيل والقوى الأخرى فإنها واهمة بذلك".

 

كما يقول  قدس سره أيضاً: "يجب أن أقول إن أعداء الإسلام كانوا رجال عمل لا كلام، والمسلمون كانوا رجال كلام لا عمل، فلو كان الأمر يخرج عن حدود الكلام لما عجز أكثر من مائة مليون عربي إلى هذه الدرجة عن مواجهة إسرائيل".

 

كيفية استعادة القدس وفلسطين

بعد تشخيص المشكلة وأسبابها وعللها المتراكمة على مدى عقود من الزمن، عمل الإمام الخميني  قدس سره وعلى مدى سنين من عمره الشريف على معالجة هذه الأسباب ورفعها، وكان يوجّه المسلمين إلى الحقائق التي تساعد في حال الاعتماد عليها أو الاستفادة منها في استعادة القدس وفلسطين، ومن هذه الحقائق والمقولات والثوابت:

أولاً: العودة إلى الإسلام المحمدي الأصيل ومنابعه والالتزام بأحكامه، يقول الإمام الخميني  قدس سره: "ما لم نعد إلى الإسلام، إسلام رسول اللّه، فسوف تبقى مشاكلنا على حالها ولن نستطيع حل قضية فلسطين".

 

ثانياً: رفض المعاهدات واتفاقات الصلح أو المساومات والتنازلات مع هذا الكيان اللقيط، لأنَّ في ذلك إعطاء الشرعية لوجود هذا الكيان الغاصب (إسرائيل) واعتداءاته، بينما المطلوب اعتباره كياناً غاصباً محتلاً إرهابياً متسلطاً وغير شرعي.

 

يقول الإمام الخميني  قدس سره: "إن معاهدة كامب ديفيد وأمثالها تهدف إلى منح الشرعية لاعتداءات (إسرائيل) وقد غيرت الظروف لصالح (إسرائيل)".

 

كما يقول  قدس سره: "إنني اعتبر مشروع الاعتراف بـ"إسرائيل" بمثابة الكارثة بالنسبة للمسلمين وبمثابة الانفجار بالنسبة للحكومات، وإنني اعتبر الإعلان عن معارضة ذلك فريضة إسلامية كبيرة".

 

75


54

الدرس الثامن: فلسطين والقدس

ثالثاً: المبادرة لاقتلاع مادة الفساد التي يمثلها وجود الكيان الإسرائيلي وليس الوقوف فقط في وجه اعتداءاته وممارساته. يقول الإمام الخميني  قدس سره: "إن (إسرائيل) غاصبة، ويجب أن تغادر بأسرع وقت، وطريق الحل الوحيد هو أن يقوم الأخوة الفلسطينيون بالقضاء على مادة الفساد هذه بأسرع وقت".

 

رابعاً: الاستفادة من الإمكانات والوسائل العسكرية المستندة إلى الإيمان، يقول الإمام الخميني  قدس سره: "يجب ومن أجل تحرير القدس، الاستفادة من المدافع الرشاشة المتكلة على الإيمان وقدرة الإسلام، وترك اللعب بالسياسة التي يُشم منها رائحة الاستسلام، والتخلي عن فكرة إرضاء القوى الكبرى".

 

خامساً: الدعوة إلى الوحدة بين المسلمين من اجل مواجهة التحديات وعلى رأسها مواجهة "إسرائيل" والقضاء على بذرة الفساد التي تمثلها. يقول الإمام الخميني  قدس سره: "لقد أكدت دائماً على وحدة المسلمين في العالم لمواجهة الأعداء بما فيهم (إسرائيل)".

 

ويقول  قدس سره: "إنني أتمنى أن يتخلصوا من الاختلافات، وأن تتوجه الحكومات نحو القضايا الإسلامية وأن يقطعوا بمشيئة اللّه هذه الغدة السرطانية من أراضيهم".

 

سادساً: الدفاع عن الأهداف الفلسطينية الشريفة والمحقّة، وحماية المجاهدين ودعم انتفاضتهم، ففي ذلك السبيل إلى تحرير فلسطين. يقول الإمام الخميني قدس سره: "على البلدان الإسلامية أن تدافع بكل قواها عن الأهداف الفلسطينية، وأن تدافع عن الحركات التحررية في العالم" ويقول  قدس سره: "ينبغي أن نقدم الدعم لتظاهرات وانتفاضة الشعب الفلسطيني مقابل ظلم "إسرائيل" ليتغلب على هذا الغول الغاصب والمفترس"، كما يقول  قدس سره: "إنهم مجازون في الصرف إلى حد الثلث من سهم الإمام  عجل الله تعالى فرجه الشريف على اللاجئين والمشردين والمناضلين".

 

سابعاً: ضغط الشعوب المسلمة على الحكّام لإحراجهم ودفعهم نحو المواجهة مع "إسرائيل"، وباتجاه استخدام القوة العسكرية في مقابلها وسلاح النفط. يقول الإمام الخميني  قدس سره: "إذا أردتم أن تنقذوا فلسطين فعلى الشعوب أن تثور بنفسها وتدفع

 

76


55

الدرس الثامن: فلسطين والقدس

حكوماتها لمواجهة (إسرائيل)"، ويقول  قدس سره: "يجب على الشعوب دفع حكوماتهم للنهوض بجدية لمواجهة أمريكا و"إسرائيل" وذلك باستخدام القوة العسكرية وسلاح النفط".

 

يوم القدس العالمي

لأهمية قضية القدس وفلسطين أراد الإمام الخميني  قدس سره أن تبقى نابضة بالحياة، تعيش في وجدان الأمة وقلبها وعقلها، كما هَدَف  قدس سره إلى استمرارها بحيوية متصاعدة حتى تحقيق الغاية، وتحريرها من رجس الاحتلال وهيمنة الاستكبار، فكان أن أعلن الإمام  قدس سره عن يوم خاص بالقدس، اختاره بعناية من حيث توقيته ودلالاته الروحية والمعنوية، فقال  قدس سره: "أدعو جميع مسلمي العالم إلى اعتبار آخر جمعة من شهر رمضان المبارك التي هي من أيام القدر، ويمكن أن تكون حاسمة في تعيين مصير الشعب الفلسطيني يوماً للقدس، وأن يعلنوا من خلال مراسم الاتحاد العالمي للمسلمين دفاعهم عن الحقوق القانونية للشعب الفلسطيني المسلم"، فالإمام  قدس سره عيّن هذا اليوم ولاحظ الأبعاد المعنوية، فالزمان هو نهار الجمعة، المحفوف بليالي القدر والتي هي خير من ألف شهر، المحاط بأيام شهر رمضان المبارك، ثم ربطها بمكان هو من أقدس الأمكنة وأشرفها، وهو بيت المقدس، وأرادها بذلك عنواناً لقضية فلسطين كلها، فيستمد المسلمون عزمهم وإرادتهم وقوتهم المعنوية من رحاب هذا الشهر الفضيل، ومن أوقاته المباركة للمواجهة مع أعداء الدين والإنسانية.

 

دلالات يوم القدس العالمي وأبعاده

لإعلان هذا اليوم دلالات وأبعاد عدة، منها:

1- يوم مواجهة المستضعفين مع المستكبرين:

يقول الإمام  قدس سره: "يوم القدس يوم عالمي، ليس فقط يوماً خاصاً بالقدس، إنه يوم مواجهة المستضعفين مع المستكبرين"، كما يقول أيضاً: "يوم القدس، يوم يجب أن تتحدد فيه مصائر الشعوب المستضعفة، يوم يجب فيه أن تعلن الشعوب المستضعفة

 

77

 


56

الدرس الثامن: فلسطين والقدس

عن وجودها في مقابل المستكبرين"، فهو يوم لتجميع المستضعفين وتوحيد كلمتهم بما يمكن أن يؤسس لنهضة المستضعفين، وفي هذا البعد يقول  قدس سره: "لقد كان يوم القدس يوماً إسلامياً، ويوماً للتعبئة الإسلامية العامة، وآمل أن يكون هذا الأمر مقدمة لتأسيس حزب للمستضعفين في كل أنحاء العالم، وأتمنى أن يظهر حزب باسم المستضعفين في العالم".

 

2- يوم الإسلام:

فهو يحمل التعبير عن مكانة الإسلام كدين إلهي يريد إصلاح العالم ورفع الظلم وإقامة العدل، وأحد الرموز الفعلية لذلك هو القدس وما تدلل عليه في عملية إحيائها وتحريرها كعملية لإحياء الدين وإقامته ونشره. وفي هذا المعنى يقول الإمام الخميني  قدس سره: "يوم القدس يوم الإسلام يوم القدس يوم يجب فيه إحياء الإسلام وتطبيق قوانينه في الدول الإسلامية، يوم القدس يجب أن تحذر فيه كل القوى من أن الإسلام لن يقع بعد الآن تحت سيطرتهم وبواسطة عملائهم الخبثاء".

 

3- يوم الالتزام ونفي النفاق:

وهو يجسّد حقيقة الالتزام بالإسلام، وواقع الانتهاج بنهجه، والاحتكام إلى تشريعاته، بحيث إن هذا اليوم هو المميز بين المسلمين حقاً من غير المسلمين بالمعنى الفعلي، أو بالأحرى هو الذي يميّز المؤمنين عن المنافقين، يقول الإمام  قدس سره: "إنه اليوم الذي سيكون مميزاً بين المنافقين والكثيرين فالملتزمون يعتبرون هذا اليوم، يوماً للقدس ويعملون ما ينبغي عليهم، أما المنافقون فإنهم في هذا اليوم غير آبهين أو أنهم يمنعون الشعوب من إقامة التظاهرات".

 

78

 


57

الدرس التاسع: الوحدة الإسلامية

الدرس التاسع

الوحدة الإسلامية

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يشرح نظرة الإمام قدس سره لقضية الوحدة الإسلامية.

2- يتعرّف إلى العلاقة بين الثورة الإسلامية والوحدة الإسلامية.

3- يتبيّن المخاطر التي تواجه الوحدة الإسلاميّة.

 

 

79


58

الدرس التاسع: الوحدة الإسلامية

تمهيد

يقول الإمام الخميني  قدس سره: "إن الأيدي التي تريد أخذ ثرواتكم منكم ونهبها، ومصادرة كل ما تملكون من خيرات سواء فوق الأرض أو تحتها، إن هذه الأيدي لا تسمح باتّحاد إيران مع العراق، ولا إيران مع مصر، ولا إيران مع تركيا...، يريدون ألّا تتحقق وحدة الكلمة"[1].

 

في الوقت الذي كانت الأمة الإسلامية في حالة من الاحتضار على كل مستوياتها، قامت ثورة ميمونة مباركة، قام بها شعب أعزل بقيادة العالم الزاهد الشجاع القائد السيد روح اللّه الموسوي الخميني  قدس سره في إيران، والتي كانت مرتعاً للمخابرات الأجنبية ولا سيما الأمريكية والصهيونية، وأرضا مسلوبة الخيرات مسخرة لتنفيذ المآرب الكبرى لقوى الاستكبار العالمي وأذنابه من الحكام الذين باعوا ضمائرهم وشعوبهم ليصبحوا مجرد أداة بيد أسيادهم الإمبرياليين الطامعين بالسيطرة على مقدرات العالم.

 

الثورة الإسلاميّة والوحدة الإسلاميّة

إنّ قيام الثورة الإسلاميّة المباركة أحبط الكثير من المؤامرات، وأهمها التي كانت تحاك لتوسعة الشق الكبير في الأمة الواحدة، فلطالما كانت التفرقة بين مذاهب الأمة من الأساليب الدنيئة التي ينتهجها العدو الطامع للسيطرة على الأمم الأخرى، فقاعدة فرّق تسد تاريخياً لم يخل عهد ولا زمان من رموز انتهجت هذه القاعدة كأسلوب ناجح تتوصل به إلى الهيمنة في بعض الأحيان، ولاستتباب الهيمنة في موارد أخرى،


 


[1] من خطاب له قدس سره حول اتحاد الأمة الإسلامية ودعم فلسطين.

 

81


59

الدرس التاسع: الوحدة الإسلامية

فإن السيطرة على أمة ممزقة، ومتكالبة على أطرافها، غافلة عما يحاك لها أمر في غاية البساطة ولا يكلف العدو إلا أن يتكلف عناء جني الثمر.

 

ونتيجة وعي الإمام الخميني  قدس سره في تلك الفترة لخطورة الأمر على الأمة، فقد ركز في الكثير من توجيهاته وخطاباته على مسألة الوحدة الإسلامية، ولم يأل جهداً في تذكير الأمة دائماً بخطر الاختلاف والتشرذم، وهذا ما سنحاول الإضاءة عليه في هذا الدرس.

 

خطر التفرّق

لو دققنا النظر في ما يجلبه التفرق من المخاطر على الأمة لألفيت كل أفراد الأمة يتحملون المسؤولية في الحفاظ على توحدها وعدم حصول النزاعات فيها، فالمشكلة الأساسية هي في عدم الوعي لدى الكثيرين بأن هذه الإختلافات لا تستدعي نزاعا ولا الملاحاة بين أفرادها، هذا الأمر سهل العلاج نسبة للخطورة الكبرى المتمثلة في الرؤوس الكبيرة المسيطرة على مراكز المسؤولية فيها فهم واعون كل الوعي لهذه المؤامرة الكبرى التي تحاك في الليل والنهار، ورغم هذا فإنهم لا يهبون لمقارعة هذا المشروع الخطر على حاضرها ومستقبلها، ويخلص الإمام  قدس سره في نهاية المطاف إلى تشخيص مكامن الخطر على الأمة في مشكلتين أساسيتين يقول  قدس سره: "إننا نعلم، وكذلك المسلمون، بل المهم أن الحكومات الإسلامية تعلم أيضاً، أن ما لحق ويلحق بنا ناتج عن مشكلتين:

الأولى: الاختلاف بين الدول:

هي المشكلة بين الدول ذاتها، حيث لم تتمكّن حتى الآن. ومع الأسف. من حلها، وهي مشكلة الاختلاف في ما بينهم. ويعلمون أن سبب جميع مصائب المسلمين هي هذه الاختلافات، ونحن تحدثنا عن هذا الموضوع منذ ما يقرب من عشرين سنة، وقلنا وكتبنا ودعونا قادة هذه الدول للاتحاد، ولكن مع الأسف لم يحصل شيء حتى الآن.

 

82


60

الدرس التاسع: الوحدة الإسلامية

الثانية: الحكومات والشعوب:

هي مشكلة الحكومات مع شعوبها، فنرى أن الحكومات تعاملت معها بحيث أن الشعوب لم تعد سنداً للحكومات، وبسبب عدم التفاهم بين الطرفين فإن الشعوب لا تساهم في حل المشاكل التي تواجه الحكومات، والتي يجب رفعها بيد الشعوب، فتقف الشعوب موقف اللامبالاة، هذا إن لم تزد في مشاكل الدول"[1].

 

وقبل أن نسلط الضوء على نقاط القوة التي يمكن للمسلمين الالتفاف حولها والتمسك بها، لا بد وأن نلقي نظرة على الإسلام نفسه وما هو الموقف الإسلامي من مسألة التوحد بين المسلمين؟

 

موقف الإسلام من الوحدة

لا شك في أن الاختلاف في الرأي موجود بين فئات المسلمين، وهذا لا يشكل خطورة بنفسه، وإنما الخطورة في أن يتحول الاختلاف إلى عداوة والحوار إلى حرب، فحقيقة الحوار تختصر بأن لا يتحول الإختلاف بيننا وبين الآخر إلى عداوة، وهذا لبُّ الأمر الذي يغفل عنه الكثيرون في هذه الأيام، فينجر بعض الناس من هذا المذهب أو ذاك للتعنيف أو التكفير خلافاً لما أراده الإسلام من غرس الأخوة بين المؤمنين به، وما المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار إلا نموذج إنساني حضاري شاخص في تاريخنا يقول لنا تعالوا إلى سعة صدر الإسلام ورحابته التي تسع المسلمين على اختلاف وجهات نظرهم وفكرهم وطرقهم، ولهذا يؤكد الإمام الخميني  قدس سره على أن مسألة الوحدة بين المسلمين ليست مسألة نستنسبها أو نراها مفيدة لنا في الظرف الحالي، بل هي أمر إلهي بكل ما للأمر الإلهي من معنى، يقوله: "يجب أن نكون يقظين، وأن نعلم أن هذا الحكم ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾[2]، هو حكم إلهي، إنهم إخوة، وليست بينهم حيثية غير الأخوّة، وإننا مكلفون جميعاً بالتعامل كالإخوان. إن هذا حكم سياسي، فلو كانت


 


[1] من خطاب له قدس سره حول اتحاد الأمة الإسلامية ودعم فلسطين.

[2] سورة الحجرات، الآية 10.

 

83


61

الدرس التاسع: الوحدة الإسلامية

الشعوب الإسلامية البالغ عدد أفرادها مليار مسلم تقريباً، لو كانوا إخوة في ما بينهم، ويتعاملون بأخوّة، فإنه سوف لا يلحق بهم أي ضرر، ولا تتمكن أي قوة عظمى من الاعتداء عليهم. فانتبهوا لهذا المعنى أيها الأخوة.

 

توجد مجموعة من المسلمين شيعة وأخرى سنة، مجموعة حنفية وأخرى حنبلية وثالثة إخبارية، أساساً لم يكن صحيحاً أبداً طرح هذا المعنى منذ البداية، يجب أن لا تطرح مثل هذه المسائل في ذلك المجتمع الذي يهدف فيه الجميع إلى خدمة الإسلام، وأن يكونوا لأجل الإسلام. كلنا جميعاً إخوة، ويقف بعضنا إلى جانب بعض. غاية الأمر أن علماءكم، مجموعة منهم أعطوا فتوى لشيء، وأنتم قلّدتموهم، فأصبحتم حنفيين، بينما عمل قسم آخر بفتوى الشافعي وعمل قسم ثالث بفتوى الإمام الصادق، وصار هؤلاء شيعة. فهذه ليست دليلاً على الاختلاف، يجب أن لا نختلف مع بعضنا، وأن لا يكون بيننا تضاد، فكلنا إخوة.

 

يجب أن يحترز الأخوة السنة والشيعة عن أي اختلاف. إن اختلافنا اليوم هو فقط لصالح أولئك الذين لا يعتقدون بالمذهب الشيعي ولا بالمذهب الحنفي ولا بسائر الفرق الأخرى. إنهم يريدون أن لا يكون هذا ولا ذاك، ويعتقدون أن السبيل هو في زرع الفرقة بيننا وبينكم.

 

يجب أن ننتبه جميعاً إلى هذا المعنى، وهو أننا جميعاً مسلمون، وكلنا من أهل القرآن ومن أهل التوحيد، وينبغي أن نبذل جهدنا من أجل القرآن والتوحيد وخدمتهما"[1].

 

مراكز التوحّد في الإسلام

هناك نقاط تجمع المسلمين، نقاط يتفق عليها كل المذاهب: اللّه سبحانه تعالى، والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، والقرآن الكريم، والحج...

 


[1] من خطاب له قدس سره حول اتحاد الأمة الإسلامية ودعم فلسطين.

 

84


62

الدرس التاسع: الوحدة الإسلامية

تتفق المذاهب الإسلامية جميعاً حول الكثير من المسائل، وما يجمعها أكثر مما يفرقها، ولو أرادت الإجتماع حول ما يجمع لوجدت نفسها أقوى الأمم على الإطلاق. إن إثارة نقاط الخلاف في ما بينها هي العمل الأكبر الذي تقوم بها القوى الكبرى المسيطرة، وتسخر له الكثير من الوسائل الدعائية والإعلامية، والأبواق والأقلام المأجورة، فلماذا نترك هذا الكم الهائل مما يجعلنا الأمة الأكثر تماسكاً لنتلهى ببعض ما يشتتنا ويجعلنا أمماً متفرقة؟

 

يقول الإمام الخميني  قدس سره: "إن الذين يدّعون الإسلام، ويسعون من أجل زرع الفرقة والتنازع لم يجدوا ذلك الإسلام الذي كتابه القرآن، وقبلته الكعبة، ولم يؤمنوا بالإسلام. إن الذين آمنوا بالإسلام إنما هم الذين يقبلون القرآن ومحتوى القرآن الذي يقول ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾[1] فيلتزمون بكل ما تقتضيه الأخوّة. تقتضي الأخوة أن يتأثر جميع الإخوان أينما كانوا إذا ألمّت بكم مشكلة، وأن يفرحوا جميعاً لفرحكم"[2].

 

ويقول حول وسائل الإعلام التي تروج للمسائل الخلافية بين المذاهب الإسلامية: "إنهم يحاولون عبثاً زرع الفرقة. إن المسلمين أخوة في ما بينهم ولا يتفرقون من خلال الإعلام السيئ لبعض العناصر الفاسدة. أصل هذه المسألة وهي الشيعة والسنة، أن السنة في طرف والشيعة في طرف آخر، قد وقعت بسبب الجهل والإعلام الذي يمارسه الأجانب، مثلما نلاحظ بين الشيعة أنفسهم وجود أشخاص مختلفين في ما بينهم، يحارب أحدهم الآخر، ووقوف طائفة ضد أخرى بين نفس الإخوة أهل السنة.

 

جميع طوائف المسلمين تواجه اليوم قوى شيطانية تريد اقتلاع جذور الإسلام. هذه القوى التي أدركت أن الشيء الذي يهددها هو الإسلام، وأن الشيء الذي يهددها هو وحدة الشعوب الإسلامية.

 


 

[1] سورة الحجرات، الآية 10.

[2] من خطاب له قدس سره حول اتحاد الأمة الإسلامية ودعم فلسطين.

 

85


63

الدرس التاسع: الوحدة الإسلامية

على جميع المسلمين في كل بلدان العالم أن يتحدوا اليوم في ما بينهم، لا أن تقف طائفة هنا وتطرح نفسها، وتقف طائفة أخرى في مكان آخر وتطرح نفسها أيضاً"[1].

 

وسنتحدث عن بعض مراكز الوحدة التي يمكن للمسلمين استغلالها بشكل كبير ليرتقوا معاً إلى المكان الذي أرادهم اللّه تعالى أن يكونوا فيه:

1- الحج والوحدة الإسلامية:

"الحج هو تنظيم وتدريب وتأسيس لهذه الحياة التوحيدية، والحج هو ميدان تجلي عظمة طاقات المسلمين واختبار قواهم المادية والمعنوية.

 

الحج كالقرآن، ينتفع منه الجميع، ولكن العلماء والمتبحّرين والعارفين بآلام الأمة الإسلامية، إذا فتحوا قلوبهم لبحر معارفه، ولم يرهبوا الغوص والتعمق في أحكامه وسياساته الاجتماعية، فسيصطادون من أصداف هذا البحر جواهر الهداية والوعي والحكمة والرشاد والتحرر، ولارتووا من زلال الحكمة والمعرفة إلى الأبد"[2].

 

الحج فريضة إلهية لها أبعاد توحيدية كبيرة، وهو مؤتمر كبير يجمع المسلمين من كل الأقطار، وكما يقول الإمام الخميني  قدس سره، إنه لا تقدر أي دولة في العالم أن تنظم هكذا مؤتمر حاشد يوحد بين أصحاب المذاهب المختلفة في مناسك متحدة نحو قبلة واحدة وبيت واحد، في طاعة إله واحد مستنّين بسنة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، يقول  قدس سره: "الآن وبينما يتوجه مسلمو الدول المختلفة في العالم إلى كعبة الآمال وحج بيت اللّه الحرام وإقامة هذه الفريضة الإلهية العظيمة والمؤتمر الإسلامي الكبير، في أيام مباركة ومكان مبارك، فإنه يجب على المسلمين المبعوثين من قبل الخالق تعالى أن يستفيدوا من المحتوى السياسي والاجتماعي للحج إضافة إلى محتواه العبادي، ولا يكتفوا بالظاهر. فالكل يعلم أن أي مسؤول وأية دولة لا يمكنها إقامة مثل هذا المؤتمر العظيم، وهذه هي أوامر الباري جل وعلا التي أدت إلى انعقاد هذا المؤتمر. ومع

 


[1] المصدر نفسه.

[2] من كلمة للإمام الخميني قدس سره بعنوان: الحج وأبعاده.

 

86


64

الدرس التاسع: الوحدة الإسلامية

الأسف فإنّ المسلمين على طول التاريخ لم يتمكنوا من الاستفادة بشكل جيد من هذه القوة السماوية والمؤتمر العظيم لصالح الإسلام والمسلمين"[1].

 

ولأجل ما في الحج من القدرة على التوحيد بين المسلمين فمن هنا علينا أن نسعى بكل طاقاتنا لاستثمار هذه الفرصة التي تمر علينا في كل عام مرة، لتوحيد المسلمين وتحديد الخطر الذي يواجههم جميعاً للتعاضد والتكاتف في مواجهته، يقول: "ومن جملة الوظائف في هذا الاجتماع العظيم دعوة الناس والشعوب الإسلامية إلى وحدة الكلمة وإزالة الاختلافات بين طبقات المسلمين، ويجب على الخطباء والكتّاب المساهمة في هذا الأمر المهم وبذل الجهد من أجل إيجاد جبهة المستضعفين، فيمكن. من خلال وحدة الجبهة، واتحاد الكلمة، وشعار لا إله إلا اللّه. التخلص من أسر القوى الشيطانية للأجانب والمستعمرين والمستغلين، والتغلب على المشاكل من خلال الأخوة الإسلامية".

 

2- الوحدة الإسلامية والجهاد:

لا شك أن وحدة العدو الذي يواجهه المسلمون من أهم المسائل التي تلزمنا بالاتحاد ونفي الاختلاف، فقد توحد الأعداء ليطالوا هذه الأمة المتشرذمة بشكل أفضل كما نراه اليوم في الحروب التي يقوم بها الإستكبار العالمي على البلدان الإسلامية محاولاً الاستفراد بكل بلد منه على حدة ثم ينتقل منه إلى آخر، فإذا اتحدت الأمة وكانت صفاً واحداً شكلت بذلك سداً منيعاً يخلق الرعب في نفوس الأعداء يقول اللّه تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾[2]. وقد أكد الإمام الخميني  قدس سره على هذه المسألة في الكثير من الخطابات التي توجه بها للعالم الإسلامي، يقول  قدس سره: "في مرحلة هجوم القوى الكبرى على البلدان الإسلامية مثل أفغانستان وقتل المسلمين الأفغانيين دون رحمة وبوحشية لمعارضتهم تدخل الأجنبي في مقدراتهم، أو

 


[1] المصدر نفسه.

[2] من كلمة الإمام الخميني بعنوان: الجمع وأبعاده.

 

87


65

الدرس التاسع: الوحدة الإسلامية

أمريكا الضالعة في كل فساد، ومع الهجوم الشامل الذي تشنه إسرائيل المجرمة على المسلمين في فلسطين ولبنان العزيز، ومع تنفيذ المشروع الإسرائيلي الإجرامي الرامي إلى نقل عاصمتها إلى بيت المقدس وتوسيع جرائمها ومذابحها الوحشية بين المسلمين المشردين من أوطانهم، وفي هذا الوقت الذي يحتاج فيه المسلمون أكثر من أي وقت آخر إلى وحدة الكلمة، يعمد عملاء قوى الاستكبار في مركز القوة في بلاد المسلمين، إلى التفرقة بين المسلمين، ولا يألون جهداً في ارتكاب كل جريمة على هذا الطريق، يأمر بها سيّدهم.

 

إن هجوم أمريكا المتوالي على ايران وإرسال الجواسيس لإسقاط ثورتنا الإسلامية، ولإيجاد الاختلاف، وبث دعايات السوء والأكاذيب والافتراء على القائمين بأمر الحكومة الإسلامية، كلها من نسيج واحد.

 

على المسلمين أن يتنبّهوا إلى خيانة هؤلاء العملاء لأمريكا بالإسلام والمسلمين"[1].

 

مخاطر على طريق الوحدة

1- القومية بالمعنى السلبي:

من الطبيعي أن يعمل العدو الذي يتربص بالأمة ليل نهار لبثّ الفرقة فيها، ومن أهم المسائل التي حذرنا الإمام الخميني  قدس سره منها هي مسألة القومية بالمعنى السلبي، أي القومية في مواجهة الآخر من نفس الأمة، كمسألة العرب والعجم من المسلمين أنفسهم، وقد أستطاع العدو أن يجيّش في هذا الإطار بعض الأدوات التي تفعل هذا الأمر، وقد نجح في أكثر من مرة في هذا السعي، يقول لنا الإمام الخميني  قدس سره:

"من المسائل التي طرحها المخططون لإيجاد الاختلاف بين المسلمين وهمّ عملاء المستعمرين بنشرها، هي القومية والوطنية، وحكومة العراق تضرم نيرانها منذ سنوات، وانتهجت فئات (أخرى) أيضاً هذا الطريق، جاعلين المسلمين مقابل بعضهم الآخر، وحتى

 


[1] سورة الصف، الآية 4.

 

88


66

الدرس التاسع: الوحدة الإسلامية

جروهم إلى العداء، غافلين أن حبّ الوطن، وحبّ أهل الوطن وصيانة حدود البلاد مسألة لا نقاش فيها، ورفع شعار القومية أمام الشعوب المسلمة الأخرى مسألة تخالف الإسلام والقرآن الكريم وتعاليم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، والقومية التي تؤدي إلى العداء بين المسلمين والانشقاق بين صفوف المؤمنين مخالفة للإسلام ولمصلحة المسلمين، وهي من حيل الأجانب الذين يؤلمهم الإسلام وتوسّعه"[1].

 

2- أهل الفتنة والتكفيريون:

وهذا ما برز جلياً في أيامنا الحاضرة حيث برزت بعض الجماعات لبث التكفير بين الفرق الإسلامية، وهذا ما كان يحذر منه الإمام الخميني  قدس سره دائماً:

"أخطر من القومية وأمضّ منها، إيجاد الاختلاف بين أهل السنة والجماعة وبين الشيعة، وبث الدعايات المثيرة للفتنة والعداء بين الأخوة المسلمين. وبحمد اللّه لا يوجد اختلاف بين الطائفتين في الدولة الإسلامية، ويعيش الجميع متعايشين بودّ وأخوة. وأهل السنة، الذين يعيشون بكثرة في أطراف إيران وأكنافها ولهم علماؤهم ومشايخهم الكثيرون، أخوة لنا ونحن أخوة لهم ومتساوون معهم، وهم يعارضون النغمات المنافقة التي يعزف عليها بعض المجرمين والمرتبطين بالصهيونية وأمريكا.

 

ليعلم الأخوة أهل السنة في البلدان الإسلامية، أن العملاء المرتبطين بالقوى الشيطانية الكبرى لا يريدون خير الإسلام والمسلمين، وعلى المسلمين أن يتبرأوا منهم، وأن يعرضوا عن دعاياتهم المنافقة"[2].

 

نداء الوحدة

حرص الإمام الخميني  قدس سره في كل عام على نداء يوجهه إلى حجاج بيت اللّه الحرام وسماه بنداء الوحدة، يحث فيه المسلمين على نفي الخلافات في ما بينهم، في نداءاته


 


[1] نداء الإمام الخميني قدس سره إلى حجاج بيت اللّه الحرام 2 ذي الحجة 1400هـ.ق.

[2] المصدر نفسه.

 

89


67

الدرس التاسع: الوحدة الإسلامية

هذه الخلاص للأمة فيما لو عملت بها، ولقد خلدت هذه الكلمات في قلوب المحبين للإسلام، وفي قلب كل حريص على إعلاء رايته، ومن هذه الكلمات يقول  قدس سره: "يا مسلمي العالم المؤمنين بحقيقة الإسلام!

 

انهضوا، وتجمعوا تحت لواء التوحيد وفي ظل تعاليم الإسلام، واقطعوا الأيدي الخائنة للقوى الكبرى عن بلدانكم وخزائنكم الطائلة، وأعيدوا مجد الإسلام، وكفوا عن الاختلافات والأهواء النفسية، فأنتم تملكون كل شيء، اعتمدوا على ثقافة الإسلام، وحاربوا الغرب والتغرّب، وقفوا على أقدامكم، وهاجموا أنصاف المثقفين الذائبين في الغرب أو الشرق، واستعيدوا هويتكم، فأنصاف المثقفين المأجورين أنزلوا المآسي بشعوبهم وبلدانهم، فإن لم تتحدوا ولم تتمسكوا دقيقاً بالإسلام الصحيح فسينزل بكم ما نزل بكم حتى الآن. إن هذا عصر ينبغي أن تضيء الشعوب فيه الطريق لأنصاف مثقفيها، وتنقذهم من الذوبان والضعف أمام الشرق والغرب، فاليوم يوم حركة الشعوب، وهي الهادية مَنْ كان يهديها من قبل.

 

اعلموا أن قدرتكم المعنوية تفوق كل القدرات، وبعددكم البالغ مليار إنسان، وبما تملكونه من خزائن طائلة، قادرون على تحطيم جميع القدرات. انصروا اللّه كي ينصركم"[1].


 


[1] نداء الإمام الخميني إلى حجاج بيت اللّه الحرام 2 ذي الحجة 1400هـ.ق.

 

90


68

الدرس العاشر: الشعب

الدرس العاشر

الشعب

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يعرف حق الشعوب في تقرير مصيرها.

2- يشرح علاقة الحاكم بالشعب.

3- يعدّد واجبات الشعب.

 

91


69

الدرس العاشر: الشعب

تمهيد

تحتل الجماهير والشعب في فكر الإمام الخميني  قدس سره مكانة كبيرة، فالشعب بالنسبة إليه هو الأساس في قيام الثورات الكبرى التي يمكن أن تغير الأنظمة الطاغوتية والفاسدة، وعلى هذا الاعتقاد كان عمله منذ الأيام الأولى للثورة الإسلامية في إيران، والتي أصبحت نموذجاً يحتذي به كل عشاق التحرر من قيود العبودية والتبعية، ومن هنا كان للإمام  قدس سره أسلوبٌ خاص، ونظرة إكبار إلى الشعب ولا سيما الشعب الإيراني الشجاع، والذي كان عماد ثورته المباركة التي غيّرت وجه القرن العشرين، وسنتحدث في هذا الدرس عن الشعب ومكانته في فكر الإمام الخميني وخطه وما هي الإرشادات التي كان يعتبرها من وظائف الأمة.

 

الشعوب حرة في تقرير مصيرها

إن حرية تقرير الشعوب لمصيرها، وكون هذا الحق حقها المشروع الأول هو الحجر الأول في أساس نظرة الإمام الخميني  قدس سره إلى الشعب، فمن حق أي شعب في أي مكان في العالم أن يقرر مصيره بيده، ومن حقه أن يختار أي نظام يشاء من الأنظمة، وهذا الحق حق ثابت غير قابل للتنازل عنه، وأما لو سلب الخيار من الأمة في تقرير المصير الذي تريده فإن الأمة ستصبر على مضض إلى حين وفي أي فرصة سوف تهب للتخلص من النظام الذي يشكل عبئا عليها، ويعمل بخلاف إرادتها، يقول الإمام الخميني  قدس سره عن هذه النقطة الرئيسية:

"من الحقوق الأولية لأي شعب أن يمتلك حق تقرير المصير، وتعيين شكل ونوع الحكومة التي يريدها"[1].


 


[1] من خطاب للإمام الخميني قدس سره بعنوان: مكانة الجماهير.

 

93


70

الدرس العاشر: الشعب

علاقة الحاكم بالشعب

العلاقة بين الحاكم والشعب يركز الإمام الخميني  قدس سره في مسألة علاقة الحاكم بالشعب على العديد من الأمور تنطلق من المعاني الإسلامية والأخلاق الرسالية، وهذه العناوين منها:

1- الحكومة من الشعب:

إن القاعدة بين المؤمنين هي القاعدة التي أرساها اللّه تعالى في كتابه حيث يقول: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾[1].

 

وانطلاقاً من الأخوة، لا بد وأن تحكم الأخلاق الإسلامية العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فلا أفضلية للحاكم على المحكوم في الإنسانية بشيء، وكلٌّ من جانبه له دور يؤديه في خدمة الدين، إقامة القسط والعدالة، يقول الإمام قدس سره:

"اليوم هو يوم ينبغي عليكم فيه أن تحفظوا الإسلام، وحفظ الإسلام هو أن تصلحوا أعمالكم، وتتعاملوا مع الناس بسلوك حسن، وتكونوا أخوة للجماهير. لقد كانت الأنظمة السابقة تعتبر الجماهير منفصلة عنها، إذ كانوا في طرف والشعب في طرف آخر. وكانوا يسحقون الشعب، والشعب يسحقهم أيضاً لو تمكن من ذلك.

 

واليوم، فإن الجماهير ليست منفصلة عن حراس الإسلام، إن حكومة الإسلام ليست منفصلة عن الجماهير فهي من هذا الشعب ومن هذه الجماهير، أنتم أيضاً من هؤلاء الناس"[2].

 

2- كسب قلوب الجماهير:

إن كسب قلوب الجماهير ضمانة بقاء لأي حكومة قائمة، وإن نذير انفراط الحكومات يبين من خلال ابتعاد الناس وقلوبها عن هذه الحكومات، وكسب قلوب الناس لا يأتي من اللاشيء، بل من خلال التواضع والبذل والخدمة، وهذا ما كان يؤكد عليه الإمام الخميني  قدس سره: "حاولوا أن تكسبوا قاعدة جماهيرية لكم، وهذا لا يتحقق إلا عندما لا


 


[1] سورة الحجرات، الآية 10.

[2] من خطاب للإمام الخميني قدس سره بعنوان: مكانة الجماهير.

 

94


71

الدرس العاشر: الشعب

تظنون بأنكم أصحاب منصب ومقام، وينبغي لكم أن تمارسوا ضغوطاً على الجماهير، بل يجب أن تزداد الخدمة ويزداد التواضع للناس كلما ارتفع المنصب، فإذا استطعنا أن نحقق ذلك وانتبهنا إلى هذه الأمور، وأخذنا العبر من التاريخ، فإن جميع القوى يمكنها أن تكسب قاعدة جماهيرية تحفظها"[1].

 

3- عدم إخافة الناس:

إنّ إخافة الناس ليست وسيلة من وسائل المحافظة على بقاء النظام الإسلامي أو أي نظام آخر. إن القمع والترهيب والأساليب الديكتاتورية لن تجلب إلا غضب الشعب على الحاكمين، بينما الرفق والرأفة والتوجيه والنصح والعقوبة العادلة والعدالة بين الناس تجعل الأمة النصير الأول للحكومة التي تقيم هذه المفاهيم، يقول الإمام  قدس سره:

"يجب أن يشعر الناس عند ذهابهم إلى مراكز الشرطة بأنهم ذاهبون إلى منازلهم، والى ذلك المكان الذي فيه العدل ولا وجود فيه للظلم، وإلى ذلك المكان الذي يحب الناس ولا يعاديهم. ولو حصل هذا فإن قلوب الناس ستنجذب، إن قلوب الناس سريعة الرضا، إن نفوس الناس هكذا، إنها ترضى سريعاً ويمكن كسبها بسرعة ولمدة طويلة عند أقل مداراة من صاحب منصب. اكسبوا قلوب الناس، ولتكن لكم قاعدة جماهيرية. وعندما تكون لكم مثل هذه القاعدة فإن اللّه يرضى عنكم والشعب كذلك، ويظل الحكم في أيديكم، ويبقى الناس سنداً لكم.

 

لا تجعلوا الناس يخشونكم، بل اعملوا ما يجعلهم يلتفون حولكم ويحبونكم ويكونون لكم سنداً، فلن تنهار الحكومة لو كانت الجماهير خلفها، إذا كان الشعب سنداً لنظام فإن ذلك النظام لن يسقط"[2].


 


[1] من خطاب للإمام الخميني قدس سره بعنوان: مكانة الجماهير.

[2] المصدر نفسه.

 

95


72

الدرس العاشر: الشعب

واجبات الشعب

كما على الحاكم أن يراعي ما تقدم من الأمور التي دعا لها الإسلام، كذلك فإن على الشعب أن يقوم بالمهام التي ألقيت على عاتقه، ومن أهم هذه المهمات التي نبه إليها الإمام الخميني  قدس سره:

1- مصلحة الإسلام والبلد:

رضا اللّه هو الأصل في كل الأمور، ولو لم يكن رضا اللّه تعالى أساس أي عمل فإن من الطبيعي أن لا ينتج إلا ما هو خلاف المصلحة، فعندما يكون رضا اللّه تعالى نصب عيني الإنسان فإن ذلك الإنسان سيقوم بأداء مسؤولياته بالشكل الأمثل والأكمل، ولا سيما في الأمور التي تتطلب منه اتخاذ قرارات، لها بعد سياسي أو اجتماعي، كالإنتخابات، فيصبح الانتخاب حينذاك انتخاباً لمن يحافظ على الشرع والدين والقيم الأخلاقية، يقول الإمام مخاطباً شعبه:

"إنني وفي أيام عمري الأخيرة أهاجر إلى دار الرحمة وكُلّي يقين وفخر بنبوغكم، وسوف يصل الفخر إلى حدّ الكمال عندما تكشفون عن كمال رشدكم الإنساني الإسلامي في انتخابات مجلس الشورى الإسلامي وانتخابات رئاسة الجمهورية.

 

أنت أيها الشعب العزيز الذي انتفضت لأجل اللّه ولأجل تحقيق رضاه وقد حققت معجزة الانتصار بتأييده وتوفيق ذاته المقدسة، حاول الآن في هذه المرحلة التي هي مقام امتحان أن لا تجعل مصلحة الإسلام والبلد الإسلامي فداءً لمصالحك الشخصية أو الفئوية"[1].

 

2- الشعور بالمسؤولية:

أول الواجبات الملقاة على عاتق الشعب هو الشعور بالمسؤولية، والشعور بالمسؤولية يكون من خلال الأمور التالية:


 


[1] الوصية الإلهية الخالدة.

 

96


73

الدرس العاشر: الشعب

أ- الحفاظ على روح الإسلام في كل الأمور.

 

ب- تقديم الصورة الناصعة عن الإسلام من خلال السلوك على النهج الإسلامي والأخلاق الإسلامية.

 

ج- توجيه المسؤولين الذين ينحرفون عن خط الإسلام، وتنبيههم إلى هذا الأمر.

 

وهذه النقاط أكد عليها الإمام الخميني قدس سره حيث يقول:

"هذه نصيحة عامة لها أهمية عندي، وهي لجميع أبناء الشعب، انتبهوا بدقة حتى لا تخطوا خطوة مغايرة للإسلام، انتبهوا بدقة تامة للّجان التي تحت كفالتكم لئلّا يكون فيها أشخاص يعملون خلاف الإسلام. انتبهوا حتى لا يرتكب أشخاص باسم الإسلام وباسم المسلمين عملاً يسيء للوجه الناصع للإسلام، فهذا في نظري أهم من جميع الأمور.

 

كلنا مسؤولون عن إداء هذا العمل، أي أن نبذل ما في وسعنا حتى لا يُظن بأن الإسلام مثل سائر الحكومات الأخرى، وأنه لم تكن لهم القدرة من قبل، وبعد أن أصبحوا مقتدرين بقوا على حالهم. إن هذه المسألة مهمة، فليحذر السادة كثيراً. إن جميع أبناء الشعب مكلفون بالإشراف على جميع الأمور المرتبطة بالإسلام الآن، فلو شاهدوا أن أحد أعضاء اللجان الثورية. لا سمح اللّه. ارتكب عملاً مغايراً لمقررات الإسلام لوجب على الفلاح أن يعترض، وعلى الكاسب أن يعترض، يجب على المعممين وعلماء الدين الاعتراض، أن يعترضوا ليصححوا الانحراف.

 

بناءً على ذلك فإن الشيء المهم من وجهة نظري هو أن نلتفت جميعاً، وجميع الفئات إلى هذا الأمر... (كلكم راع) ولينتبه الجميع لهذه المسألة"[1].

 

3- إصلاح المجتمع:

وهنا تظهر أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه الفريضة الإلهية التي تُعنى أساساً بصيانة المجتمع والحفاظ على قيمه وأخلاقه وسلوكه القويم، يقول الإمام  قدس سره:

"لو أن فرداً ذا مرتبة دنيا في أعين الناس، شاهد انحرافاً من شخص ذي مرتبة عليا


 


[1] من خطاب للإمام الخميني قدس سره بعنوان: مكانة الجماهير.

 

97


74

الدرس العاشر: الشعب

في أعين الناس، فإن الإسلام يأمره بالذهاب إليه ونهيه. يجب أن يقف أمامه ويقول له بأن عملك هذا انحراف، فكفّ عنه...

 

فالتربية الإسلامية تؤكد عدم محاباة أي شخص في سبيل تنفيذ الأحكام الإلهية، والقيام بالنهضات الإسلامية. فهذا سيد وذاك ليس بسيد، وهذا أب وذاك ابن، وهذا رئيس وذاك مرؤوس، فهذه أمور غير مطروحة أبداً. الموضوع هو هل يعمل هذا ضمن النهج الإسلامي أم لا؟

 

فإذا كان في طريق الإسلام فإنه يجب تشجيعه أياً كان وإبداء الودّ له. أما لو لم يكن كذلك، أي إنه عمل خلافاً للإسلام فإن الجميع مكلفون بمنعه سواء كان عالماً كبيراً أو رئيساً أو متشرداً.

 

حاولوا أن تطبقوا أحكام الإسلام، وأن تدفعوا الآخرين أيضاً للعمل بها، فكما أن كل إنسان مكلف بإصلاح نفسه فإنه مكلف بإصلاح الآخرين، وهذا هو الهدف من مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكي يتم إصلاح المجتمع"[1].

 

4- عدم التأثر بالإعلام المعادي:

فإن وسائل الإعلام المعادية للأمة تحاول أن تمارس على الشعوب حرباً نفسية لتهزم بذلك النفوس، وتحبط العزائم، فعلى الأمة أن تحذر كل الحذر من محاولات إيجاد الشرخ بينها وبين المخلصين من مسؤوليها، والتنبه جيداً لما يحاك من المؤامرات عليها، والتي تجنَّدُ لها كلُّ الوسائلِ والأبواقِ الدعائيةِ المغرضة، وينبهنا الإمام الخميني  قدس سره من هذه الأساليب بقوله:

"كما أوصيهم مؤكداً أن لا يستمعوا إلى الأبواق الإعلامية لأعداء الإسلام والجمهورية الإسلامية، فجميع أولئك جاهدون لإخراج الإسلام من الساحة حفاظاً على مصالح القوى الكبرى"[2].

 


[1] من خطاب للإمام الخميني قدس سره بعنوان: مكانة الجماهير.

[2] الوصية الإلهية الخالدة.

 

98


75

الدرس الحادي عشر: الشباب

الدرس الحادي عشر

الشباب

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يشرح رؤية الإمام الخميني قدس سره للشباب.

2- يلخِّص دور الشباب.

3- يتبيّن مسؤولية الأمّة تجاه شبابها.

 

99


76

الدرس الحادي عشر: الشباب

تمهيد

يقول الإمام الخميني  قدس سره: "أراكم تنشطون لأجل الإسلام بصدق وبسلامة روح، وتضعون أنفسكم في معرض الموت، أتباهى وأفتخر أن بين المسلمين هكذا شباب راشدين وملتزمين بهذه الجهة نحن لا ينبغي أن نخاف من القوى التي ليس لديها توكل على اللّه وتتوكل على الرشاش"[1].

 

إن جيل الشباب هو الجيل المعول عليه في بناء مستقبل الأمة، فهم الأمل الصاعد والحلم الواعد لأي مجتمع في طور النمو، أو يحمل همّ الإستمرار.

 

ومن هذا المنطلق كان الإمام الخميني قدس سره، يولي مسألة الشباب الكثير من الاهتمام، ويندر أن نجد خطاباً توجيهياً من الإمام للشعب لم يذكر فيه أهمية الشباب وضرورة استثمار الطاقات الشابة لما فيه خير الأمة وصلاحها.

 

وسنتعرض في هذا الدرس إلى نظرة الإمام الخميني قدس سره إلى هذا الجيل، والمسؤوليات التي تلقى على عاتقه تجاه أمته، وعلى مسؤولية الأمة في المقابل عن جيل شبابها.

 

مزايا الشباب

سنتحدّث في ما يلي عن بعض المزايا التي تحدّث عنها الإمام الخميني  قدس سره والتي يجب أن يتحلّى بها الشباب ومن هذه المزايا:

1- الإيمان:

إن تمسك الشباب بالقيم الدينية والمبادى الأخلاقية مسألة في غاية الأهمية لأن


 


[1] بحثاً عن الطريق في كلام الإمام، ج4، ص 16.

 

101


77

الدرس الحادي عشر: الشباب

الشباب هم روح الأمة النابض وهم أمل البناء لمستقبلها كما وأنهم الوجه الذي نرى المجتمع من خلاله غالباً، ومن هنا كان الإمام الخميني يؤكد على أن إحدى وسائل العدو لإخضاع الأمة هي إبعاد الشباب المؤمن عن إيمانه وتدينه، يقول  قدس سره:

"إن الشباب الملتزم في طول التاريخ وخصوصاً الجامعيين المسلمين في الجيل الحاضر وجيل المستقبل، هؤلاء هم الذين يستطيعون بإلتزامهم وسلاحهم واستقامتهم وصبرهم أن يكونوا سفينة نجاة الأمة الإسلامية وبلدانهم، وهؤلاء الأعزاء هم الذين يكون استقلال وحرية ورقي وتعالي الأمم مرهوناً بجهودهم. وهؤلاء هم الهدف الأساسي للاستعمار ومستثمري العالم. وكل قطبٍ يعمل بقصد صيدهم، وبصيدهم تجر الأمم والبلدان إلى الهلاك والاستضعاف".

 

وكان قدس سره يؤكد على الشباب أنفسهم لكي يحافظوا على تدينهم ويجاهدوا أنفسهم في هذه المرحلة العمرية المفصلية، والتي تكون فيها إرادة الإنسان وعزيمته في أفضل حالاتهما، يقول  قدس سره:

"أنتم الشباب يجب أن تبدأوا من الآن بهذا الجهاد، لا تَدَعوا قوى الشباب تذهب من أيديكم، بقدر ما تذهب قوى الشباب من يد الإنسان تزداد جذور الأخلاق الفاسدة فيه، ويصير الجهاد أصعب.

 

أنتم الشباب المستعدون الآن للجهاد، في سبيل صناعة أنفسكم يجب البدء من هذه السنين بصنع أفرادٍ يخلصون بلداً. إذا صنعتم أنفسكم وزرعتم الفضائل الإنسانية في أنفسكم، في ذلك الوقت ستكونون منتصرين في جميع المراحل".

 

2- اندفاع الشباب وحبُّ الشهادة:

يعتبر الاندفاع من صفات الشاب البارزة، ويتجلى جمال هذه الصفة عندما تتصل بالالتزام والتدين، فحينئذ تشكل صورة من أروع صور التفاني في خدمة الإسلام وهذا ما كان يؤكد عليه الإمام  قدس سره:

"عندما أشاهد هؤلاء الشباب الأعزاء في عنفوان الشباب الذين يطلبون مني مع

 

102


78

الدرس الحادي عشر: الشباب

البكاء، أنا المقصّر، الدعاء لأجل الشهادة، أيأس من نفسي وأخجل منهم، وعندما أنظر إلى صور هؤلاء الشهداء أغبطهم على قيمهم الإنسانية ومقاماتهم الإلهية التي أنا بعيد عنها بمراحل، وعندما ألتقي بأمهات وآباء هؤلاء الشباب والفتية صانعي الشهداء أحس بالضعة. أبارك لمقام نبي الإسلام العظيم صلى الله عليه وآله وسلم وحضرة بقية اللَّه الأعظم روحي لمقدمه الفداء والأمة والأتباع الملتزمين والمجاهدين، وأشكر اللَّه تعالى ولي النعمة وحافظ الأمة".

 

فمن أهم آثار الإندفاع الإيماني حب الشهادة وعشقها، وهذا ما كان يتأثر له الإمام  قدس سره بشدة فكان كثيراً ما يحدّث الناس عن الشباب الذين يأتونه في حالة من البكاء ويطلبون الدعاء منه ليوفقوا للشهادة في سبيل اللّه عز وجل على جبهة الحق ضد الباطل، يقول  قدس سره:

"إن قدرة اللَه تبارك وتعالى هي التي جعلت شبابنا عشاق شهادة، كي يأتوا إلى هنا وبينهم أشخاص يصرون أن ادعو لهم ليصيروا شهداء، وأنا أقول لهم انتصروا، إن شاء اللَّه يكون لكم ثواب الشهيد".

 

3- الثقافة:

رصيد الأمم ثقافتها، ورصيد الشاب وقيمته تتكوّن من نوع ثقافته، فلو كانت ثقافة الشباب ثقافة إيمانية جهادية أصبح الشباب رصيداً لصون الأمة وحصناً منيعاً لها، وأما لو كانت ثقافة الشباب ثقافة فاسدة أو مستوردة فهذا يعني أن الأمة تسير بأقدامها نحو نهايتها القريبة. هذا باختصار ما كان يؤكد عليه الإمام الخميني  قدس سره في الكثير من توجيهاته ومنها قوله:

"الثقافة مبدأ جميع سعادات وشقاوات الأمة، إذا صارت الثقافة غير صالحة فهؤلاء الشباب الذين يربّون تربية الثقافة غير الصالحة، هؤلاء سيوجدون الفساد. الثقافة الاستعمارية تعطي البلد شاباً استعمارياً، الثقافة التي توضع بتخطيط الآخرين إذا كانت الثقافة ثقافة صحيحة فإن شبابنا سيكونون أصحاء".

 

103


79

الدرس الحادي عشر: الشباب

دور الشباب

1- اغتنام الشباب:

من الأمور التي أولاها الإمام الخميني قدس سره أهمية بالغة مسألة اغتنام الشباب لفترة شبابهم في إصلاح النفس ومجاهدتها، وأن يحذر الشاب كل الحذر من الأحابيل التي ينصبها له إبليس وجنوده في هذه المرحلة، ومن أجمل ما أوصى به الإمام الخميني  قدس سره في هذا المجال ما ورد في وصيته لابنه السيد أحمد  قدس سره، حيث يقول له:

"وصية من أبٍ عجوز أهدر عمره ولم يتزوّد للحياة الأبدية ولم يخطُ خطوةً خالصةً لله المنان، ولم ينجُ من الأهواء النفسانية والوساوس الشيطانية، لكنه غير آيسٍ من فضل وكرم الكريم تعالى وهو يأمل بعطف وعفو الباري جلّ وعلا، ولا زاد له سوى هذا.. إلى ابنٍ يتمتّع بنعمة الشباب متاحة أمامه فرصة لتهذيب النفس وللقيام بخدمة خلق اللّه، والأمل أن يرضى عنه اللّه تعالى، كما رضي عنه أبوه"[1].

 

ثم يقول له في قسم آخر من الوصية محذراً إياه من حيل الشيطان ومكائده:

"يقول لكم (أي الشيطان): أنتم شبان، ووقت الشباب هذا هو وقت التمتع والحصول على اللذات، فاسعوا الآن بما يساهم في إشباع شهواتكم، ثم توبوا - إنّ شاء اللّه - في أواخر أعماركم، فإن باب رحمة اللّه مفتوحة واللّه أرحم الراحمين، وكلما زادت ذنوبكم، فإن الندم والرغبة في الرجوع إلى الحق سيزداد، وسيكون التوجه إلى اللّه تعالى أكبر والاتصال به جلّ وعلا أشدّ، فما أكثر أولئك الذين تمتعوا في شبابهم، ثم أمضوا آخر أيامهم بالعبادة والذكر والدعاء وزيارة مراقد الأئمة عليهم السلام والتوسل بشفاعتهم، فرحلوا عن هذه الدنيا وهم سعداء!"[2].

 

2- جهاد الشباب:

"يا أعزائي الشباب الذين عين أملي متعلقة بكم، احملوا القرآن بيد وباليد الأخرى


 


[1] وصية الإمام الخميني قدس سره لابنه السيد أحمد الخميني قدس سره.

[2] المصدر نفسه.

 

104


80

الدرس الحادي عشر: الشباب

السلاح، ودافعوا عن كرامتكم وشرفكم حتى تسلبوا منهم قدرة التفكير في التآمر عليكم. رحماء مع أصدقائكم ولا تقصروا بإيثارهم بكل ما لديكم، كونوا واعين فعالم اليوم هو عالم المستضعفين، وآجلاً أو عاجلاً سيكون النصر لهم، وهم وارثو الأرض والحكام بأمر اللّه".

 

الجهاد في أيام الشباب نقطة مهمة من النقاط التي ترتبط بدور الشباب في بناء الأمة، ومن خلال الكلام الذي ذكرناه أعلاه، نعلم كم يولي الإمام أهمية لجهاد الشباب، وكم يضع من الآمال الكبرى عليهم، فهم كما يقول  قدس سره:

"نحن لدينا أمل أن يكون شبابنا في هذه الأوقات كما كانوا منذ البداية، وأن يذهبوا إلى الحرب، لإيصال الإسلام إلى النصر، وإخراج الإسلام من شر القوى الكبرى الأجنبية والأفكار العوجاء الداخلية الموجودة في داخل البلدان الإسلامية".

 

مسؤولية الأمة تجاه شبابها

كما أن للشباب دوراً في بناء الأمة، فإن في المقابل على الأمة مسؤولية كبرى في رعاية الشباب من الجهة الثقافية والدينية والحياتية، ولهذا كثيراً ما كان يوصي إمامنا الراحل  قدس سره المسؤولين بالرعاية الدائمة للشباب، ويؤكد باستمرار على الاهتمام بشؤونهم وملاحظة همومهم، كما يؤكد على العلماء إيلاء الشباب هذه الأهمية الاستثنائية:

"أوصي جميع علماء البلد، سواءً في القرية أو المدن أو في أي مكان هم، أن يرغّبوا هؤلاء الشبّان، وأن يذهبوا باتجاه هؤلاء الشبان، أن يتكلموا معهم، يلاطفوهم... هؤلاء الشباب الذين أنفقوا جميع قواهم لأجل خدمة هذا الإسلام وخدمة هذا البلد".

 

ومن يتأمل في خطاب الإمام  قدس سره للشباب يشعر بمدى الحب الكبير الذي يحتلونه في قلبه الكبير، فمن خطاباته في حضور جمع منهم يقول:

"كذلك أنا أشكركم أنتم الشباب الأعزاء، فعلاقتي بكم كعلاقة الأب بولده، والأخ بالأخ، أشكركم لأنكم شرفتموني بزيارتكم كي أرى جمالكم عن قرب".

 

105

 


81

الدرس الثاني عشر: المرأة

الدرس الثاني عشر

المرأة

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يتعرّف إلى مكانة المرأة في فكر الإمام قدس سره.

2. يشرح حقوق المرأة في الإسلام.

3. يبين دور المرأة في المجتمع الإسلامي.

 

107


82

الدرس الثاني عشر: المرأة

تمهيد

أراد اللّه تعالى للمرأة أن تكون إنساناً وأراد لها أهل الجاهلية في كل عصر أن تكون تمثالاً بلا روح ولا مغزى ولا معنويات!

 

فمن هو الذي راعى حقها. ومن هو الذي ظلمها؟ ومن هو الذي ارتفع بها إلى قمم الكمال والعزة، ومن أسقطها وأفرغها من كل معنى وسلب منها كل عزة؟

 

أين عزة المرأة وكيف يكون كمالها؟ حول هاتين النقطتين الأساسيتين سيكون محور هذا الدرس.

 

مكانة المرأة في الإسلام

في غضون سنوات قليلة استطاع النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بمعجزة وتسديد إلهيين أن يقلب المجتمع الجاهلي المتحجر الذي هضم حق المرأة واحتقرها حتى وصل إلى الوأد المادي بعد وأد مكانتها معنوياً وتحويلها إلى عنصر فساد في المجتمع.

 

هذا المجتمع الذي استطاع أن يحوله الإسلام من مجتمع: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ  * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ﴾[1]، حوّله إلى مجتمع "الجنة تحت أقدام الأمهات"[2] ومجتمع "فاطمة أم أبيها"[3] ومجتمع "خير الأولاد المخدّرات، من كانت عنده واحدة جعلها اللّه ستراً له من النار"[4].


 


[1] سورة النحل، الآيتان 58 ـ 59.

[2] الطبرسي، الشيخ الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، لبنان. بيروت، 1415هـ.ق. 1995م، ط1، ج8، ص11.

[3] أبو الفرج الأصفهاني، علي بن الحسين، مقاتل الطالبيين، تقديم وإشراف كاظم المظفر، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها. النجف الأشرف، 1385 - 1965م، ط2، ص29.

[4] الفتال النيسابوري، روضة الواعظين، مصدر سابق، ص369.

 

109


83

الدرس الثاني عشر: المرأة

هذا بعض ما قدمه الإسلام للمرأة بمجرد ظهوره، وعن هذا يتحدث الإمام الخميني قدس سره فيقول: "لقد منّ الإسلام على الإنسان بإخراجه المرأة من تلك المظلومية التي كانت تغط فيها في الجاهلية. فلقد كانت في نظرهم أدنى من الحيوان وكانت مظلومة، والإسلام هو الذي أخرجها من مستنقع الجاهلية"[1].

 

وما يؤكد هذا الكلام أنك ترى المكانة المرموقة للمرأة حيث تجد الإسلام مطبقاً بحذافيره، وبمجرد أن يخلو أي مكان من القيم الإسلامية العظيمة فإنك ستجد المرأة قد أخذت لمكان غير المكان الطبيعي لها أن تكون فيه، فتصبح سلعة رخيصة في يد تجار الدنيا، والأغراض التافهة العابرة، يقول الإمام الخميني  قدس سره: "ومع كل غياب للإسلام عن المجتمع عبر التاريخ، تنحط مكانة المرأة، ومع كل إشراقة جديدة له ترتفع مكانتها في المجتمع مجدداً لترجع إلى إنسانيتها، لقد استعادت اليوم المرأة، هذا العضو الفاعل في المجتمع مكانتها - إلى حد ما - ببركة النهضة الإسلامية"[2].

 

وسنتحدث عن الإمتيازات التي حظيت بها المرأة في الإسلام من خلال تسليط الضوء على العديد من المفاهيم منها:

حرية المرأة

الحرية هي فتح الخيارات أمام الإنسان وتعريفه بها وكشف حقائقها أمامه ليختار بعد ذلك ما رأى فيه مصلحة له، هذه هي الحرية الحقيقية.

 

أما الغرب فقد أخذ مفهوم الحرية إلى مكان آخر، واستعملها غطاءً للانفلات والتحلل الاجتماعي، وعن هذا يقول الإمام الخميني  قدس سره:

"لو رأيتم النساء في تلك الأوضاع التي كانوا يريدونها لهن باسم (تحرير النساء وتحرير الرجال) لأدركتم أن كل ذلك لم يكن غير خدعة وتضليل، لم يكن الرجال أحراراً


 


[1] من كلمة بمناسبة يوم المرأة بتاريخ 6 ـ 5 ـ 1979م.

[2] من كلمة بمناسبة يوم المرأة بتاريخ 5 ـ 5 ـ 1980م.

 

110


84

الدرس الثاني عشر: المرأة

ولا النساء، ولا حتى الصحف أو الإذاعة، أو أي شيء آخر، لم تكن الحرية هدفهم مطلقاً، صحيح أن اسمها والحديث عنها والدعاية لها كان يتردد بكثرة، إلا أن الحرية التي تقود شبابنا من الفتيان والفتيات إلى التيه والضياع، أنا أسمي هذه الحرية التي كانوا يدعون إليها بالحرية المستوردة... الحرية الاستعمارية، أي الحرية التي تسود البلدان التي يريدون لها أن تكون تابعة، هذه الحريات يأتون بها هدايا"[1].

 

حقوق المرأة في الإسلام

إن حقوق المرأة هي من الأمور التي يكثر طرحها والحديث عنها والسؤال عن مدى ملاءمة أحكام المجتمع معها، فما هي هذه الحقوق في النظام الإسلامي، ومن هو القادر على توفيرها؟ يقول الإمام الخميني  قدس سره:

"إن المرأة في النظام الإسلامي تتمتع بالحقوق ذاتها التي يتمتع بها الرجل، بما في ذلك حق التعليم والعمل والتملك والانتخاب والترشيح، وفي مختلف المجالات التي يمارس الرجل دوره فيها، للمرأة الحق في ممارسة دورها. بيد أن هناك أموراً تعد مزاولتها من قبل الرجل حراماً لأنها تقوده إلى المفاسد، وأخرى يحظر على المرأة مزاولتها لأنها توجد مفسدة. لقد أراد الإسلام للمرأة والرجل أن يحافظا على كيانهما الإنساني، فهو لا يريد للمرأة أن تصبح ألعوبة بيد الرجل، وإن ما يرددونه في الخارج من أن الإسلام يتعامل مع المرأة بخشونة وعنف لا أساس له من الصحة وهو دعاية باطلة يروج لها المغرضون، وإلا فإن الرجل والمرأة كلاهما يتمتع بصلاحيات في الإسلام. وإذا ما وجد تباين فهو عائد إلى طبيعتهما"[2].

 


[1] من حديث في جمع من عوائل الشهداء بتاريخ 71 ـ 9 ـ 1979م.

[2] من لقاء له بتاريخ 7 ـ 12 ـ 1978م.

 

111


85

الدرس الثاني عشر: المرأة

الإسلام وعمل المرأة

إن الإسلام لا يمنع من عمل المرأة مع الاحتشام ومراعاة الأحكام الشرعية يقول الإمام  قدس سره: "فلتعمل المرأة ولكن بالحجاب. لا مانع من عملها في الدوائر الحكومية ولكن مع مراعاة الحجاب الشرعي والحفاظ على الشؤون الشرعية"[1].

 

إذن فللمرأة الحق بأداء دورها الفعّال في المجتمع مع التزامها بالخطوط الشرعية العامة التي تمكنها من تفعيل دورها بشكله الإيجابي.

 

الإسلام وتعليم المرأة

إن القرآن الكريم لم يعتبر في آية من آياته أن العلم خاص بالرجال، ولا طالب بحرمان المرأة من العلم ومنعها من التعلم، بل على العكس من ذلك لقد أمر بالعلم وأكد على التعلم وردده في أكثر من 770 مرة في القرآن الكريم! واعتبره حقاً، بل واجباً للمجتمع كله بكل ما فيه من شرائح وطبقات وأعمار ورجال ونساء. حيث لم يذكر في آية واحدة اختصاص العلم بالرجال دون النساء.

 

وهذا ما تصرح به الروايات كالرواية عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة"[2].

 

وقد أكد الإمام الخميني  قدس سره على تعليم المرأة في الكثير من كلماته، يقول  قدس سره: "من الآثار العظيمة لهذه النهضة هذا التحوّل الذي حصل لكم جميعاً، للنساء وللإخوة والأخوات، وهذا الشعور بالمسؤولية، إذ أن لدى كل واحد منا مسؤولية في هذا البلد، ومن ذلك مسؤولية التعليم... تعليم ما هو نافع في الدين والدنيا"[3].

 

فالإمام لم يعتبر العلم حقاً للمرأة بل اعتبره مسؤولية، وبالتالي فهو يدخل في الواجبات لا في الحقوق فحسب، بل نجده يعتبر التعلم للرجال والنساء عبادة،

 


[1] من حديث في جمع من علماء الدين وطلبة العلوم الدينية في قم بتاريخ 6 ـ 3 ـ 1979م.

[2] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص30.

[3] من حديث في جمع من أعضاء مجمع لنكود التعليمي بتاريخ 16 ـ 9 ـ 1979م.

 

112


86

الدرس الثاني عشر: المرأة

يقول قدس سره: "أيها الأخوة والأخوات في الإيمان، انطلقوا في تعبئة طاقاتكم لإزالة هذا النقص المؤلم، استأصلوا جذور هذه المشكلة، التعليم والتعلم عبادة دعانا إليها اللّه تبارك وتعالى"[1].

 

دور المرأة في المجتمع الإسلامي

يريد الإسلام أن يفعّل طاقات المرأة في الاتجاه الصحيح، لتكون عنصراً فعالاً له دوره الإيجابي والبنّاء في المجتمع، فالفعالية في المجتمع ليست خاصة بالرجال بل هي تكليف للمؤمنات كما كانت تكليفاً للمؤمنين، يقول تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾[2].

 

فالمرأة إذن ليست عضواً خارج المجتمع أو على هامشه، بل هي في قلب المجتمع لها دورها الأساسي والفعّال، ويشير الإمام الخميني  قدس سره إلى هذا الدور بشكل إجمالي في الكثير من كلماته، ومن هذه الكلمات: "إن للمرأة دوراً كبيراً في المجتمع، والمرأة مظهر لتحقق آمال البشر"[3].

 

ومن كلمات الإمام التي تتناول مظاهر أدوار المرأة في المجتمع الإسلامي:

1- المساهمة في تحديد المصير:

"على المرأة أن تساهم في مقدرات البلاد المصيرية"[4].

 

"نحن ندعو لأن تحتل المرأة مكانتها الإنسانية السامية، ينبغي للمرأة أن تساهم في تحديد مصيرها"[5].

 


[1] من كلمة بشأن التعبئة العاملة لمكافحة الأمية بتاريخ 28 ـ 12 ـ 1979م.

[2] سورة التوبة، الآية 71.

[3] جمعية المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، الكلمات القصار للإمام الخميني قدس سره، مصدر سابق، ص279.

[4] من حديث في جمع من نساء قم بتاريخ 6 ـ 3 ـ 1979م.

[5] المصدر نفسه.

 

113


87

الدرس الثاني عشر: المرأة

"للمرأة حق تقرير مصيرها كما هو الحال بالنسبة للرجل"[1].

 

فالمرأة إذن لها دور قبل مرحلة الإجراء والتنفيذ، لها دور في القضايا المصيرية، وعليها أن تبادر للتصدي لمثل هذه الأمور وإبداء رأيها بها، وبالأخص الأمور المصيرية التي تتعلق بالمرأة.

 

2- المساهمة في بناء المجتمع من داخل الأسرة:

إن بناء المجتمع الصغير وهو الأسرة ما هو إلا صورة مصغرة عن المجتمع الكبير، وبناء الأسرة أمر في غاية الأهمية، وتضطلع المرأة فيه بالدور الأكبر والأخطر، وهذا الدور المهم والخطير هو شرف كبير للمرأة كما يعبر الإمام الخميني  قدس سره:

"إنكن أيتها النساء تحظين بشرف الأمومة... وإنكن بهذا الشرف مقدمات على الرجال... إن أول مدرسة يتعلم فيها الطفل هي حضن الأم، الأم الصالحة تربي طفلاً صالحاً. وإذا كانت الأم منحرفة - لا سمح اللّه - سوف ينشأ الطفل منحرفاً في أحضان هذه الأم، لأن العلاقة التي تربط الأطفال بالأم دونها أي علاقة أخرى، وما داموا في أحضان الأم، فإن كل ما يفكرون به وكل ما يتطلعون إليه يتلخص في الأم، وينظرون إليه من خلالها. إن كلام الأم وخْلقها وأفعالها تترك تأثيرها في الأطفال.. وسوف ينشأ هذا الطفل على تلك الأخلاق والأفعال بوحي من تقليده لأمه التي هي أسمى من يقلد"[2].

 

3- المشاركة السياسية:

لقد أكد الإمام على ضرورة مشاركة المرأة في الأمور السياسية وبناء النظام ومؤسساته بفعالية، وفي جميع المجالات، ومن هذه المجالات:

أ- المشاركة في الاستفتاء والانتخابات والترشيح:

"من الأمور المهمة التي ينبغي التأكيد عليها مشاركة النساء الفاضلات والشجاعات في مختلف أنحاء إيران في الاستفتاء العام"[3].

 


[1] جمعية المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، الكلمات القصار للإمام الخمينيقدس سره، مصدر سابق، ص283.

[2] من حديث حول دور الأمهات بتاريخ 13 ـ 5 ـ 1979م.

[3] من كلمة بمناسبة الاستفتاء العام بتاريخ 24 ـ 3 ـ 1979م.

 

114


88

الدرس الثاني عشر: المرأة

ب- الخوض في الشؤون السياسية:

الشؤون السياسية والأعمال السياسية ليست مختصة بالرجال، بل للمرأة دور في هذا الإطار عليها أن تقوم به، بل يرى الإمام أنه من اللازم على المرأة المساهمة في القضايا السياسية، يقول  قدس سره:

"مثلما يجب على الرجال المساهمة في القضايا السياسية والحفاظ على مجتمعهم، يجب على النساء أيضاً المشاركة والحفاظ على المجتمع، يجب على النساء أيضاً المشاركة في النشاطات الاجتماعية والسياسية على قدم المساواة مع الرجال، بالطبع مع المحافظة على الشؤون التي أمر بها الإسلام والتي هي بحمد اللّه متحققة بالفعل في إيران"[1].

 

المرأة والجهاد

لعل الجهاد العسكري هو من أكثر الأمور التي تثار حولها علامات استفهام بالنسبة للمرأة. فهل للمرأة دور في الجهاد، أم هو مختص بالرجال؟ وإذا كان لها دور فما هي طبيعة هذا الدور؟

أ- المشاركة في الحروب:

ميز الإسلام بين الحروب العادية التي يمكن أن تقع بين البلدان، وبين تعرض بلاد المسلمين للغزو والخطر على الوجود والهوية، وبعبارة أخرى ميز بين الجهاد الابتدائي والجهاد الدفاعي. ففي الحروب العادية يسقط الجهاد عن المرأة ولا يجب إلا على الرجل. وأما في النوع الآخر، وعندما تتعرض البلاد للغزو فالدفاع واجب على الرجل والمرأة بلا فرق بينهما.

 

يقول الإمام الخميني قدس سره: "الجهاد غير واجب على النساء، ولكن الدفاع واجب على كل فرد في حدود القدرة والاستطاعة"[2].


 


[1] من حديث في جمع من نساء قم بتاريخ 8 ـ 4 ـ 1984م.

[2] الاستفتاءات، ج1، ص503.

 

115


89

الدرس الثاني عشر: المرأة

ب- المشاركة في التدريب العسكري:

عندما نتحدث عن عمل عسكري يمكن للمرأة أن تقوم به، خصوصاً في حالة الدفاع، فمن الطبيعي أننا سنتقبل مستلزمات العمل العسكري وأهمها التدريب العسكري. فالتدريب هو مقدمة ضرورية لأي عمل عسكري، ولا يمكن السماح للمرأة بالعمل العسكري ومنعها من التدريب تطبيقاً لنداء العقل ولقوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾[1].

 

ويشير الإمام الخميني  قدس سره إلى ذلك في بعض كلماته حيث يقول  قدس سره: "إذا ما كان الدفاع واجباً على الجميع، ينبغي أن تهيأ مقدمات الدفاع أيضاً، من جملة ذلك موضوع التدريب العسكري، وتعليم فنون القتال لمن لا يجيدها، فالأمر ليس بهذه الصورة بأن يجب علينا الدفاع ولكن لا ندري كيف ندافع، بل يجب أن نتعلم كيف ندافع. ومن الطبيعي أن المحيط الذي تتدربون فيه على الفنون العسكرية يجب أن يكون محيطاً سالماً، محيطاً إسلامياً، وأن تراعى فيه جوانب العفاف وجميع الشؤون الإسلامية"[2].

 

ج- دعم الجبهات:

كل جبهة تحتاج لخطوط خلفية تؤمن لها حوائجها ومستلزماتها وتدعمها. وهذا الدور يمكن أن تقوم به المرأة أكثر من غيرها. وقد أثبتت جدارتها فيه عملياً على الدوام. يقول الإمام الخميني  قدس سره: "لقد غاب عن هؤلاء الذين يزرعون الخوف في نفوسكن من الحكومة الإسلامية، ويزعمون أنه إذا ما قامت الحكومة الإسلامية فسوف تحجر على النساء في البيوت، غاب عنهم أن النساء في صدر الإسلام كن يخرجن إلى الحرب، وكان معظمهن يعمل طوال الوقت في إسعاف المصابين ومداواة الجرحى"[3].

 


[1] سورة الأنفال، الآية 60.

[2] من حديث في جمع من النساء بمناسبة يوم المرأة بتاريخ 10 ـ 2 ـ 1986م.

[3] من حديث حول التوبة بتاريخ 8 ـ 11 ـ 1978م.

 

116


90
خطّ الإمام الخميني قدس سره