قبل الكلام
قبل الكلام
الهدف النهائي لخلق الإنسان هو الوصول إلى القرب الإلهيّ، وطريق الوصول إلى هذا المقام يكون من خلال طيّ الامتحانات والاختبارات المتعدّدة. الأنبياء العظام والأولياء الكرام(عليهم السلام) كانوا أيضًا يسعون إلى إيصال الإنسان إلى هذا المقام. لكنّهم على الرغم من اهتمامهم بالآخرة والمقامات المعنويّة لم يغفلوا عن الحياة الدنيويّة. فالإنسان المتكامل في الفكر الإلهيّ، يهتمّ بعمارة الدنيا وعمارة الآخرة على السواء، وحاصل هذين الأمرين هو الوصول إلى الحياة التي سُمّيت في الاصطلاح القرآني بـ “الحياة الطيّبة”. الحياة الطيّبة تتحقّق في ظلّ التكامل الأخلاقيّ الفرديّ والتطوّر المعنويّ، العلميّ، الثقافيّ، السياسيّ، الاقتصاديّ، الاجتماعيّ، وتحقيق العدالة الاجتماعيّة.
يمكن إحصاء عناصر عديدة لتحقيق هذا الهدف والمبدأ السامي، ولقد بيّن قائد الثورة الإسلاميّة المفدّى(دام ظله) من خلال إحاطته الكبيرة جدًّا بطرق الوصول إلى الحياة الطيّبة، الكثيرَ من هذه العناصر في خطاباته بصورة جذّابة وبليغة. وعلى هذا الأساس، ستقدّم مؤسّسة “منشورات الثورة الإسلاميّة”، وبهدف التعريف بهذه العناصر من خلال البحث في خطابات القائد المفدّى، وبالتدريج، كُتبًا موضوعيّة تحت هذا العنوان، إلى محبّي خطاباته والمهتمّين بها.
والله الموفق
152
1
المقدّمة
المقدّمة
إنّ الوصول إلى السعادة هو أحد الأهداف الفطريّة لجميع البشر. لكنّ تعريف السعادة هو من الأمور التي وقعت موضع الاختلاف، وقد أقلقت الفلاسفة والحكماء من الماضي وإلى يومنا هذا. الإسلام المحمّديّ الأصيل، بنظرته الجامعة للإنسان، يرى السعادة الحقيقيّة للإنسان في القرب من الله تعالى والتحلّي بالصفات والفضائل الإنسانيّة. والإسلام حتمًا، لم يعرّف الراحة والسعادة فقط في ميدان الحياة الآخرة. بل بتمثيله الدنيا كمزرعة للآخرة ويذكّر أتباعه دومًا بأنّ طريق الوصول إلى الكمال الحقيقيّ يمرّ بهذه الدنيا نفسها. ولم يكتفِ الإسلام بهذا، بل ألقى على البشر أيضًا مسؤوليّة عمارة الدنيا.[1]
منذ العهود القديمة والإنسان يتعاملُ مع الدنيا إمّا بإفراط أو بتفريط. أكثر الناس كانوا إمّا محبّين لجمع المال والثروة، في حين أنّ البعض منهم كانوا معرضين عن الدنيا بنحو إفراطي، فاتّجهوا نحو العزلة وأعرضوا عن جميع ملذّات الحياة وتركوا السعي والعمل.
لكنّ الإسلام من خلال نظرته القائمة على الفطرة الإنسانيّة، حذّر المسلمين من الإفراط والتفريط. فمن جهة، وعلى صعيد الحياة الفرديّة، يكلّف كلّ واحد من أبناء المجتمع بالسعي والعمل ويمنعهم من الكسل، ومن جهة أخرى، يحثّ المسؤولين
[1] سورة هود، 61
17
2
المقدّمة
في الحكومة الإسلاميّة على تحقيق الرفاه العامّ، ويدعو الناس إلى اجتناب الإسراف وحبّ الاستهلاك. وفي الوقت الذي يدعو المسلمين ليكونوا من أهل النظافة والترتيب في داخل بيوتهم وفي المجتمع، يعدّ من ناحية أخرى، الزهدَ وترك التعلّقات الدنيويّة فضيلةً، ويأمر الحكّام أن يساووا أنفسهم في المعيشة بالطبقة المتوسّطة من الناس.
طوال تاريخ الإسلام، وأينما عمل الحكّام، وعلماء الدين، وعامّة الناس بهذه التوصية النورانيّة والكاملة، رأوا نتائجها وثمارها في حياتهم المعنويّة وفي حياتهم المادّيّة، في حياتهم الفرديّة وفي حياتهم الاجتماعيّة، وكلّما ابتعدوا عن هذا البرنامج كانت حياتهم المادّيّة والمعنويّة والفرديّة والاجتماعيّة عرضة للانحطاط.
في إيران أيضًا، في عهد السلالة الملكيّة البهلويّة المشؤومة، أُودِعَتْ تعاليمُ الإسلام في مدارج النسيان. والعهد الأكثر شؤمًا وبلاءً كان عهد حكمِ الأب والابن البهلويّين الملعونين [رضا شاه، ومحمد رضا شاه]. فمن ناحية، قام الشاه وأهل البلاط والمسؤولون في الحكم بإنشاء طبقة أرستقراطيّة، ومن خلال استغلال مواقعهم ونفوذهم وامتيازاتهم زادوا من ثرواتهم، ومن ناحية أخرى، من خلال الترويج لحياة الترف والاستهلاك بين الطبقات الثريّة والمتوسّطة، نشروا هذه الآفة في مناطق البلاد كافّة. كان الشرخ الطبقي يحدث اضطرابًا، فبينما كان عدد كبير من الناس محرومين من الحدّ الأدنى من إمكانات الحياة، كان يوجد أشخاص آخرون لا يعلمون كيف يصرفون أموالهم التي حصلوا عليها بسهولة.
18
3
المقدّمة
مع انتصار الثورة الإسلاميّة تغيّر الوضع. ومرّة أخرى، وبعد مئات السنوات، صارت وصايا الإسلام على رأس لائحة سلوك الحكّام والشعب. وقد جاء على رأس الحكومة فقيهٌ عارفٌ وزاهدٌ اكتفى بالحدّ الأدنى من الإمكانات الدنيوّيّة، وتبعًا له استلم أشخاصٌ زمامَ السلطات الثلاث، كانوا يتمنّون أن يعيشوا حياة إسلاميّة، والشيء الوحيد الذي لم يكونوا يفكّرون فيه هو جمع المال والثروة واستغلال مناصبهم.
في هيكليّة الحكومة أيضًا، كان هناك مدراء ومسؤولون، إمّا إنّهم كانوا أنفسهم متخلّقين بالأخلاق الإسلاميّة، أو كانوا يظهرون أنفسهم على أنّهم من أهل الزهد خوفًا من الإتّهام بالنزعة الترَفيّة والأرستقراطيّة. كانت أوضاع الحرب وأجواء الجهاد والاستشهاد من جهة، والمشكلات الماليّة في البلد من ناحية أخرى، مانعًا جدّيًّا لظهور الهوس بالدنيا ولتشكّل الطبقة الأرستقراطيّة.
مع انتهاء الحرب وبدء عهد إعادة إعمار ما خلّفته من أضرار، وتراجع عهد الطاغوت، بدأت تُلاحظ شيئًا فشيئًا علاماتُ إقبال الناس والمسؤولين على الترف. حتّى لقد سُمع أنّ البعض رأى أنّ الإنتاج يقتضي الإنفاق، وبهذه الفكرة، إذا لم ترتفع نسبة الإنفاق، لا يتطوّر الإنتاج، فراج نمطُ عيشٍ جديد بين الحكّام(المسؤولين) والناس.
أمّا قائد الثورة المفدّى الآتي من بين الناس، فقد أوصى الجميع في الأيّام الأولى لقيادته، بالابتعاد عن الترف والنزعة الأرستقراطيّة. وفي الوقت عينه أكّد على إعادة إعمار البلد وزيادة مستوى الرفاه العامّ. لقد نهى عن إيجاد طبقة جديدة من الأرستقراطيّة ومنع الناس من الانجرار نحو الاستهلاك والترف والإسراف.
19
4
الفصل الأول: الزهد
الفصل الأول: الزهد
أ _ توضيح الزهد وبيان ضرورته؛
الزهد يعني عدم التعلّق بالدنيا
إنّ لنظرة الإسلام إلى الإنسان زاويتين تُكمل إحداهُما الأخرى. يمكن لهذه الحقيقة أن تكون قاعدة وأساسًا لكافة قضايا بلادنا ولجميع المشاريع التي نودّ القيام بها من أجل غدنا ومستقبلنا. إحدى هاتين الزاويتين هي تلك التي ينظر الإسلام من خلالها إلى الإنسان بصفته فردًا، بما في ذلك أنا أو أنتم أو زيدٌ أو عمرو، أي أنّ الإسلام يخاطبه بوصفه مخلوقًا يتمتّع بالعقل والإرادة، فيحمّله المسؤوليّة ويجعل له شأنًا وهذا ما سوف نشير إليه. أما الزاوية الأخرى فتتمثّل في النظرة للإنسان على أنه كلّ وأنه جماعة إنسانية. وهما نظرتان منسجمتان وتكمل إحداهما الأخرى.
...إنّ الإسلام يوصي الإنسان بالزهد من خلال نظرته إليه بصفته فردًا. ومعنى الزهد هو عدم الاستغراق في متاع الدنيا وزخارفها، ولكنّه في الوقت ذاته يحذّر من الابتعاد عن الدنيا وقطع الصلة بها. فما هي الدنيا؟ إنّها الطبيعة، وهذا الجسد الذي نعيش به، وهذه الحياة التي نحياها، وهذا المجتمع الذي ننتمي إليه، إنّها سياستنا، واقتصادنا، وعلاقاتنا الاجتماعيّة، وأولادنا، وثروتنا، ودارنا.
إنّ الانغماس في هذه الدنيا والتعلّق بهذه النماذج يُعدّ صفةً
21
5
الفصل الأول: الزهد
مذمومة في هذا الخطاب الفردي. فلا ينبغي الانسياق وراءها. عدم التعلّق بالدنيا هذا وعدم الافتنان بها يسمّى زُهدًا، ومع ذلك لا ينبغي تجاهلها. فليس من الجائز أن ندير ظهرنا لمتاع الدنيا وزينتها وللنِعَم الإلهية في الدنيا. ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ﴾[1]. أي إنه لا يجوز الإعراض عن الدنيا. وهذه من بديهيّات الدين ومعارفه الواضحة التي لا تحتاج إلى تفسير. إنّ هذه هي النظرة نحو الفردية. في هذه النظرة يبيح الإسلام للإنسان الفرد الاستفادة من ملذّات الحياة الدنيا ومباهجها، ولكنه يذكّره في الوقت ذاته بلذّة أسمى وأرفع، هي لذّة الأنس بالله ومتعة ذكر الله عزّ وجل[2].
الزهد يعني عدم الحرص على الدنيا ومتاعها
كنت قد دوّنت روايةً، سأتلوها بدايةً لتتبرّك ألسنتنا بذكر هذا الحديث الشريف، وليتعطّر المجلس بأريج أقوال أهل البيت (عليهم السلام). كذلك فإنّ سند الحديث جيد أيضًا؛ في وسائل [الشيعة]، ضمن أبواب جهاد النفس. قال أبو عبد الله (عليه السلام): “أَوْحَى اَللهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: إِنَّ عِبَادِي لَمْ يَتَقَرَّبُوا بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ ثَلاَثِ خِصَالٍ قَالَ: يَا رَبِّ وَ مَا هُنَّ. قَالَ: يَا مُوسى، اَلزُّهْدُ فِي اَلدُّنْيَا، وَ ...”[3].
الخصلة الأولى، هي الزهد. نحن نتلو هذه الأحاديث ونذكرها مرارًا وتكرارًا على المنابر وفي الخطب على مسامع الناس. وكما تفضّل بعض السادة الأعزاء بأنّ هذه الأقوال إذا لم تصدر من
[1] سورة الأعراف، الآية 32.
[2] في لقاءٍ مع أساتذة جامعات إقليم خراسان، في جامعة الفردوسي، مشهد، 25/2/1386هـ.ش [15/5/2007م]
[3] وسائل الشيعة، ج15، ص228.
22
6
الفصل الأول: الزهد
صميم قلوبنا، وتتجلّى في أعمالنا، فإنها لن تترك أيّ أثر. والزهد ليس بمعنى أن يعتزل الإنسان الحياة دفعة واحدة؛ فهذا لم يكن سيرة عظماء الدين، وليس هذا معنى الزهد. فالزهد هو عدم الرغبة، عدم الحرص، عدم التعلق بالدنيا والزخارف المادية. أي لا نتعلّق بالدنيا. وهذا أفضل إنجاز للإنسان في هذه الحياة؛ فلا يجعل نفسه لصيقةَ الدنيا، لا يعلّقها بالدنيا، ولا بهذه الزخارف؛ وحينها يكون الإنسان نفسه أكثر راحة. “إذا وجد ربح في هذا السوق فإنه مع الدرويش السعيد”. والدرويش ليس بمعنى مصطلح الصوفي والدرويش؛ إنما الحرمان وعدم الاكتراث والرغبة.
إن كان في هذه الدنيا منفعةٌ فهي مع القنوع الراضي/ فأنعمْ عليّ إلهي بالقناعة والرضى.[1]
فالتنعّم -الذي يرِد في التعابير الشعرية- والنعيم الحقيقي هو هذا. يُنقل عن نبي الإسلام الأكرم أنه قال إني سألت الله أن أجوع يومًا وأشبع يومًا؛ فإذا جعت سألت الله، وإذا شبعت شكرت الله؛ “العفاف والكفاف”[2].
لا تقتصر المسائل الدنيوية المطروحة في باب الزهد على الأموال وهذه الزخارف الحياتية المادية فقط، بل تشمل الشأن والمقام والرتبة والوجاهة والمحبوبيّة وأمثالها. العمل لأجل الدنيا، الدراسة لأجل الدنيا، السعي لأجل الدنيا، كل هذه الأمور هي نفسها ما يحويه باب الزهد، وقد تم التأكيد على هجرها والإعراض عنها.[3]
[1] من ديوان الشاعر حافظ الشيرازي.
[2] وسائل الشيعة، ج21، ص533.
[3] في لقاء مجموعة من نخبة أساتذة وفضلاء وطلاب حوزة قم العلميّة في المدرسة الفيضيّة 2/8/1389هـ.ش [24/10/2010م]
23
7
الفصل الأول: الزهد
عدم الرغبة في الدنيا وتكديس الثروة
كان أمير المؤمنين مثالًا في الزهد والإعراض عن دنياه. لعل أبرز أو أحد أبرز موضوعات نهج البلاغة هو الزهد. كذلك فإنّ أمير المؤمنين وعلى امتداد خمس وعشرين سنة ما بين رحيل النبي(صلى الله عليه وآله) ووصوله إلى الحكم، كان ينفق من أمواله الخاصة على أعمال الإعمار، يزرع البساتين، يحفر الآبار ويشقّ القنوات ويُحدثُ المزارع. والمدهش أنّه كان ينفق كلّ ذلك في سبيل الله!
لا ضير أن نعلم أنّ أمير المؤمنين كان أحد أكثر أهل زمانه دخلًا. يُنقل عنه قول: “وصدقتي اليوم لو قسمت على بني هاشم لوسعتهم”[1]؛ هكذا كان دخل أمير المؤمنين. أما هذا الإنسان الثري، فكان يعيش الحياة الأكثر فقرًا؛ لأنه كان ينفق كلّ شيء في سبيل الله. عمل في الأرض وحفر البئر. كان يقوم بهذه الأعمال بيديه أيضًا. يقول الراوي: رأيت الماء تتدفق من هذه البئر كأوداج الجمل. خرج أمير المؤمنين من البئر ملطّخًا بالطين وجلس على حافته وطلب ورقة. كتب في الورقة: هذه البئر وقف لفلان من قِبل علي بن أبي طالب![2] إنّ ما تلاحظونه خلال مدّة حكم أمير المؤمنين، هو استمرار لحياته الشخصية والخاصة والتي تظهر بهذا الشكل أيضًا خلال فترة حكمه.
إنّ الإعراض عن الدنيا، لا يتنافى مع إعمارها -والتي جعلها الله تعالى تكليفًا للجميع-، شيدوا الحياة، عمّروا الأرض، أوجدوا الثروة، لكن لا تعلّقوا القلوب بها، لا تصبحوا أسرى لها، لا تصيروا عبيد الثروة والمال والمنال، ولا تُقهروا لأجلها، لتتمكنوا بسهولة
[1] بحار الأنوار، ج41، ص43.
[2] المبرّد، الكامل في اللغة والأدب، ج3، ص153؛ مستدرك الوسائل، ج14، ص62.
24
8
الفصل الأول: الزهد
من إنفاقها في سبيل الله. وذلك هو التوازن الإسلامي. وفي هذا الصدد، يوجد الكثير من الأمثلة إذا أردت سردها، سيستغرق ذلك وقتًا طويلًا[1].
ضرورة دعوة مجتمع اليوم نحو الزهد
إنّ مجتمعنا اليوم يعيش ظروفًا تستوجب قراءة روايات الزهد عليه. لقد قيل الكثير عن الزهد في نهج البلاغة؛ لكن هذا لا يشير إلى أنّ الزهد هو أعلى تكليف على الإنسان؛ كلا. ففي مواضع يكون الزهد أعلى وفي مواضع أخرى يكون الجهاد والعبادة وتحصيل العلم أعلى. فالوضع هو الذي يحدد تكليف الزمان، وبرأينا إنّ زمننا اليوم هو زمن يستوجب دعوة مجتمعنا نحو الزهد؛ لأنّ المجتمع يتقدّم باتجاه التموّل، والثروة في البلد في ازدياد والساحة مهيأة لأمثال هؤلاء من أهل الدنيا، ليجنوا الثروة من خلال طرق مختلفة ويكتسبوها وينفقوها “على غير حلّه”[2]، وإذا جمعت الثروة من طريق الحلال أيضًا، فإنهم يُفتنون بالدنيا ويُبتلون بسوء عواقب الافتنان؛ ولا سيّما في الحوزات العلميّة ونطاقها حيث يعيش المعمّمون وعلماء الدين وطلبة العلوم الدينيّة والفضلاء[3].
زهد أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ (حاجة المجتمع المعاصر)
أبرز نقطة في نهج البلاغة هي الزهد، حينما تحدّث أمير المؤمنين ذاك اليوم عن الزهد، طرحه كعلاج للمرض الأساسيّ في
[1] في خطبة صلاة الجمعة طهران، 12/11/1375هـ.ش [31/11/1997م]
[2] وسائل الشيعة، ج5، ص315.
[3] في بداية درس فقه الخارج، 14/6/1374هـ.ش [5/9/1995م].
25
9
الفصل الأول: الزهد
المجتمع الإسلاميّ، وأنا قد كرّرت، واليوم أيضًا، أنّنا يجب أن نتلو آيات الزهد تلك. ذاك اليوم [عندما] قال أمير المؤمنين لا تجذبكم متع الدنيا وملذّاتها، كان أمير المؤمنين يخاطب أولئك الأشخاص الذين لم تطالهم هذه المتع والملذات، -ربما أغلب الناس كانوا كذلك-؛ وكان يوجّه خطابه [أيضا] إلى أولئك الذين جعلتهم الفتوحاتُ الإسلامية وتوسيع حدود الإمبراطورية خلال السنوات المتمادية والقوة الإسلاميّة العالميّة، أثرياءَ متموّلين وجعلتهم أصحاب نفوذ وثروة وامتيازات؛ كان الإمام يحذّرهم. نحن اليوم نتحدّث بخصوص الزهد بكلمتين -ونقول انتبهوا قليلًا- البعض يقول يا سيّد إنّ أغلب الناس تفتقد ما تتطرق إليه، الجواب أنّنا لا نخاطب هؤلاء؛ نحن نخاطب أصحاب النفوذ؛ هؤلاء الذين فَتحت لهم ملذّات الدنيا أحضانها؛ الذين يستطيعون الوصول إلى طيبات ومتع الدنيا عبر طرق الحرام. بالطبع في الدرجة التالية نوجّه حديثنا لمن يستطيعون جني هذه الملذات عبر طريق الحلال.
بالطبع فإن أعلى الزهد وأوجبه، هو أن يجتنب الإنسان الحرام، أن يتّقي، يعفّ عن الحرام ويزهد به. أما الزهد عن الملذات الحلال أيَضًا فيأتي في مرتبة عليا. بالتأكيد فإن فئة قليلة ممكن أن تُخاطَب بهذا الحديث. اليوم أيضًا هو نفسه “ذاك اليوم” -مع مراعاة الاختلافات في أحوال الزمان والخصوصيات التاريخية لكل عصر- ويجب أن يتذكّر أصحابُ الإمكانيّات، الذين يمكنهم الوصول إلى الطيبات، الترف، اللذات، النّعم، وسعة العيش المتزايدة، خطاباتِ أمير المؤمنين تلك حول الزهد[1].
[1] في لقاء فئات مختلفة من الشعب بمناسبة الميلاد السعيد لمولى المتقين علي(عليه السلام)،5/9/1375هـ.ش [25/11/l1996م].
26
10
الفصل الأول: الزهد
وجوب توجيه الحياة نحو الزهد
أيها الإخوة! يقول أمير المؤمنين بوجوب دفع الحياة نحو الزهد. اليوم في الجمهورية الإسلاميّة، إذا استشعرنا أنّ الحياة تتجه نحو الأرستقراطية، فهذا انحراف بلا شك؛ هذا أمرٌ مؤكّد. يجب أن نتحرك نحو الزهد. كذلك لا نقول إنّه كالزهد الخاص بأولياء الله؛ كلا، فإنّ مسؤولي الدرجة الأولى، مسؤولي الدرجة الثانية، وصولًا إلى مسؤولي الدرجات التالية يتوجب عليهم أيضًا إحراز الزهد ضمن حدودهم؛ ثمّ يصل [الزهد]بعد ذلك إلى عامة الناس. فعامة الناس أيضًا يجب عليهم ألّا يسرفوا ويترفوا. فليس الزهد مختصًا بالمسؤولين فقط[1].
كبح جماح النفس والإنفاق على الآخرين.
لقد التزم كثيرون منّا بالصوم والتشدّد على النفس والإنفاق على المعوزين بشتى الأشكال الممكنة. إنّ ممّا يُدخل السرور على قلب الإنسان أن يشاهد لافتةً معلّقة على أحد المخابز ليلة الخامس عشر من شهر رمضان، ذكرى مولد الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام). وقد كُتب عليها: الخبز هذه الليلة بالمجّان للجميع حبًّا بالإمام الحسن(عليه السلام) فخذوا منه ما شئتم. إنّ تلك الدعوات على الإفطار في المساجد وسواها من قِبَل أناس غير معروفين لهو من المبادرات الخيّرة التي يتميز بها شعبنا، وإنها تنطوي على درس آخر، وتمثل تمرينًا آخر. إنه كبح جماح النفس وإعطاء الآخَرين.
[1] في لقاء مع فئات مختلفة من الشعب في يوم التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك، 26/1/1370هـ.ش [15/4/1991م].
27
11
الفصل الأول: الزهد
ب_ سُبُل الحلّ والقدوات؛
التقوى علاجُ التعلّق بالدنيا
قدّم أميرُ المؤمنين عليه السلام علاجَ عبادةِ الدنيا في خطبة المتقين: “عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ”. علاج حبّ الدنيا والميل إليها هو أن يسلك الإنسان طريقَ التقوى، ومن خصائص التقوى أنّها تجعل الإنسانَ ممّن “عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أنْفُسِهِمْ” فيحتلّ الربُ في نفس الإنسان مكانةً تجعل كلَّ الأشياء حقيرةً في نظره ولا تحظى بأهميّة في مقابل عظمة ذكر الله في قلبه. تُصبح هذه المقاماتُ [المناصب] الدنيويّة وهذه الملذّاتُ المتنوّعة حقيرة في نظر الإنسان و تفقد أهميَّتَها على إثر ذكرِ الله في قلب الإنسان. هذه من خصوصيّات التقوى[1].
فتنة التعلّق بالمال
كذلك أوصيكم بالخشية والحذر من المنزلقات. حين كان الإمام السجاد(عليه السلام)، في الصحيفة السجادية، يدعو لمجاهدي الإسلام، من جملة ما اعتمد عليه، قوله “اللَّهُمَّ .. وَامْحُ عَنْ قُلُوبِهِمْ خَطَرَاتِ الْمَالِ الْفَتُونِ”[2]-أي المال المثير للفتنة-، فالمال والممتلكات شديدة الخطر ومفتنة وتعرّض الكثيرين للزلل. لقد رأينا عبر التاريخ أن المتغطرسين انزلقت أقدامهم حينما وصلت إلى هنا؛ لذا يجب عليكم أن تكونوا حذرين جدًّا وتراقبوا أنفسكم. ما هو اسم هذه المراقبة في الشرع المقدّس؟ إنّها التقوى. فما ورد في القرآن الكريم
[1] في خطبة صلاة الجمعة، طهران 30/6/1387هـ.ش [20/9/2008م]
[2] الصحيفة السجادية، الدعاء 27، دعاء الثغور.
28
12
الفصل الأول: الزهد
من أوله لآخره من توصية بالتقوى، معناه المراقبة والانتباه على النفس. فنفس الإنسان متطلبة[1].
مهاجمة الزهد؛ أحد أهداف العدو في الغزو الثقافي
الغزو الثقافيّ معناه أن يبدأ العدو وبطرقه الخاصة، بمهاجمة أمّهات العقائد وأصول ثقافة المجتمع، كي يزلزلها ويخمدها في القلوب. افترضوا أن تكون قضية الزهد والتقوى وحتى الاعتقاد بأصل الولاية وأمثال ذلك في معرض الهجوم[2].
بساطة عيش المسؤولين؛ سبيلُ مكافحة الإسراف
من الأعمال المهمّة جدًّا لنحولَ دون الإسراف، هو أن لا يكون مسؤولو البلاد أنفسهم والمحيطون بهم وأقرباؤهم والمرتبطون بهم، من أهل الإسراف والبذخ. إذا كنّا من أهل الإسراف كيف يُمكن أن نقول للناس: لا تسرفوا؛ ﴿أتأمرون النّاس بالبر وتنسون أنفسكم﴾[3]. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾[4].
المهمّة الأولى: هي أن نختار مسؤولي البلاد من بين الأفراد ذوي بساطة العيش والذين يعرفون آلام النّاس ويتألّمون لألم النّاس.
[1] في لقاء مع نواب الدورة السابعة لمجلس الشورى الإسلاميّ، 27/3/1383هـ.ش [16/6/2004م]
[2] في مراسم افتتاح التجمع العاشر لعموم أئمة الجمعة، 21/6/1373هـ.ش [12/9/1994م]
[3] سورة البقرة، الآية 44.
[4] سورة الصف، الآيتان 2-3.
29
13
الفصل الأول: الزهد
الزهد في الدنيا؛ زينةُ علي بن أبي طالب (عليه السلام)
ينقل الكاتب الشافعي المعروف، “ابن مغازلي”. رواية أخرى عن عمّار بن ياسر أنه قال: “سَمِعْتُ رَسُولَ اَللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يَقُولُ: يَا عَلِيُّ إِنَّ الله تَعَالَى زَيَّنَكَ بِزِينَةٍ لَمْ يُزَيِّنِ اَلْعِبَادَ بِزِينَةٍ هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْهَا”[1]. ما هي هذه الزينة؟ “الزهد في الدنيا”؛ فالزهد والإعراض عن الدنيا، أي عن المظاهر الخادعة التي يلتذّ بها الإنسان، هي الزينة التي قد حباها الله لعلي(عليه السلام). والدنيا ليست بمعنى إعمار الدنيا. فليس المقصود بها [هنا] إعمار الدنيا، تزيين الأرض بالزينة الإلهيّة، التوسعة على عباد الله؛ الأمر الذي كان أمير المؤمنين(عليه السلام) نفسه سبّاقًا إليه. الدنيا بمعنى أن ننهل أنا وأنت ممّا هو موجود على الأرض سواء من المأكل والملبس والمركب أو الشهوات الجنسيّة وذلك لحفظ أنفسنا ولذّاتنا. وهذه هي الدنيا الواردة في الروايات. بالطبع فإن مقدارًا من هذه الميزات الدنيوية جائز وربما يكون ممدوحًا؛ لكن الإفراط منها، هو الدنيا السيئة والخبيثة نفسها التي قد نُهينا عنها. لذا، فإنّ الزهد في الدنيا، هو زينة علي بن أبي طالب (عليه السلام).[2]
زهد أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ قمّةٌ لا يمكن بلوغها
إذا تأملنا خصوصيات حياة أمير المؤمنين في الحكم، أي إذا نظرنا إلى عليٍّ كحاكم، لرأينا عدة خصائص أساسيّة في هذه الحياة:
...البعد الثاني من حياة أمير المؤمنين، هو بعد زهده؛ وإذا
[1] المحاسن، ج1، ص291.
[2] في خطبة صلاة الجمعة، طهران، 7/1/1371هـ.ش [6/4/1993م].
30
14
الفصل الأول: الزهد
أردنا أن نتحدث حوله، لكان فصلًا موسّعًا عجيبًا. فزهد أمير المؤمنين، هو بحقّ زهدٌ عجيب جدًّا. بالطبع ذكرتُ سابقًا -وليس الأمر أني أدعي هذا، بل هو قول علي بن أبي طالب نفسه- بأنّ من غير المتوقّع أن أعيش أنا وأمثالي كعلي بن أبي طالب؛ فهذا الإمام العظيم بنفسه قال إنّكم لا تقدرون.
قبل عدة سنوات من مدّة رئاستي للجمهورية، تحدثت مرةً في صلاة الجمعة عن تلك القضية، وقلت إنه لم يُطلب منّا أن نكون كذلك، لأنّنا لا نقدر. بعدها كتب لي أحدهم رسالة يقول فيها: إنّك تتهرّب من تحمل المسؤوليّة، ولأنّك لا تعيش على هذا النحو، تتذرع وتقول إنّه لم يُطلب مناّ! كلا، فليست القضية أنا أقول أو أريد؛ فأمثالي أصغر من هؤلاء؛ فالإنسان العادي بالأساس أضعف من هذه الأقوال. كما أنّ أمير المؤمنين في ذلك الزمان لم يفرض على عياله هذا الزهد. فحينها كان علي نفسه المتحمل لهذا الزهد؛ وليس الإمام الحسن، أو الإمام الحسين، أو حتى زوجاته الجليلات. فلم يرد عندنا أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يعيش هكذا في بيته. كلا، فالطعام الخاص بأمير المؤمنين، كانوا يحضرونه في كيس مربوط، يفتح، يصب، يأكل، بعدها يربط الكيس ويضعه جانبًا؛ كما كانت لديه في المنزل حياته العادية. فشخص أمير المؤمنين، بالأصل هو فوق طبيعة البشر العادية. وإلّا فهل يستطيع أحد أن يعيش هكذا؟ إنه لدرس عجيب. لأجل أن أعي أنا وأنتم الهدف المنشود.
سمعت بنفسي عن المرحوم العلّامة الطباطبائيّ (رضوان الله تعالى عليه)؛ ولا أعلم إن كان قد دوّنه في أحد الكتب أم لا، كان يقول: عندما يقول لنا الإمام توجّهوا نحوي، فإنّه كالشخص المعتلي قمّة الجبل ويدعو الناس في السفح أن تقدّموا من هذه
31
15
الفصل الأول: الزهد
الجهة. وهذا لا يعني أنّ كلّ السائرين والمتسلّقين يمكنهم الوصول إلى القمّة. كلا، إنّه يقول الطريق من هذه الجهة، يجب أن تتقدّموا منها، لا ينحدر أحد، لا يذهب أحد نحو السقوط. أي إذا رغبتم أن تتحرّكوا بشكل صحيح، فالمسير هو إلى الجهة التي أقف فيها.[1]
الإدارة الزاهدة لأمير المؤمنين؛ قدوة للإدارة الإسلاميّة
يعدُّ الإسلامُ إدارةً كإدارة أمير المؤمنين ضروريّةً لإسعاد البشريّة، بالطبع فإنّ أمير المؤمنين في هذا المجال هو تلميذ النبيّ وتابع له. فأمير المؤمنين نفسه حينما تحدّث عن زهده، قال أين زهدي من زهد النبي! في الجهاد، في الصبر وفي جميع هذه المراتب أمير المؤمنين هو التلميذ النجيب والمتميّز لرسول الله. ومثل هذا الشخص جدير بأن نتخذه جميعًا قدوة؛ ليس فقط على مستوى بلدنا، بل على امتداد العالم الإسلاميّ؛ وهذا هو المطلوب، والمتوقع.
مثل هذا الإنسان الرفيع والعظيم وغير المبالي بالدنيا، ولا بالذهب والجواهر، مستعد للاستبسال في طريق الحق والحقيقة، حيث يستطيع إنقاذ مجتمعات إنسانيّة ضخمة. فهو غير مستسلم للرغبات النفسية، لا تقهره المصالح الشخصية الحقيرة، أمام أحداث الحياة الكبرى. نقول مرارًا إنّ رسالة الإسلام ورسالة الجمهوريّة الإسلاميّة التي نقدمها للعالم، هي رسالة جديدة، وهذا الزهد أحد نماذجها البارزة.
انظروا اليوم إلى مستوى الحياة البشريّة في العالم؛ انظروا
[1] في لقاء مع فئات مختلفة من الشعب في يوم التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك، 26/1/1370هـ.ش [15/4/1991م).
32
16
الفصل الأول: الزهد
إلى رؤساء البلدان، الزعماء السياسيّين للشعوب؛ أيّهم مستعدّ لغضّ الطرف عن منافعه الشخصيّة ومجافاتها؛ حين تكون في متناول أيديهم وتحت تصرفهم[1]؟
اعترافُ أعداء الإمام الخميني قدس سره بزهده وتقواه
كان شخص الإمام قدس سره إنسانًا صالحًا. فاستطاع صلاحه أن يجعل تمام عالم وجوده بديعًا ومتلألأً. كذلك حينما يكون المرء صالحًا، فإن محيطه يتأثّر ويُصلح بيته وأصدقاءه وبلده وعالمه. كان الإمام قدس سره مثل المصباح ينير كلَّ ما حوله؛ لأنّه كان نورانيًّا. حتى أعداء الإمام كانوا يعترفون لشخصه بالزهد والتقوى وعدم الطمع والاكتراث للدنيا وبصدق الادّعاءات (الحجج).
ربّما يصحُّ أن نوجّه لأنفسنا أیضًا الخطابَ نفسَه الذي وجّهَهُ أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى عثمان بن حنيف -والذي أشار إليه الإمام { أحد المرّات أيضًا- “أَلا وَإِنَّكُمْ لا تَقْدِرُونَ علَى ذلِكَ”، فنحن لا نقدر أن نكون على هذا النحو من الصلاح. بعدها يردف: “ولكِنْ أَعِينُوني بِوَرَعٍ وَاجْتِهَاد”[2]. كونوا ورعين، تجنبوا المنزلقات جدّوا واجتهدوا. هذا الاجتهاد سيدوم بعون الله. أيّها الإخوة! لا يصلح المرء بدون الاجتهاد والسعي.[3]
[1] في لقائه آلاف الأشخاص من طبقات الشعب المختلفة بمناسبة عيد غدير خم السعيد 9/11/1368هـ.ش [29/1/1990م]؛ لمزيد من الاطّلاع راجع: في لقاء فئات مختلفة من الشعب 26/1/1370هـ.ش [15/4/1991م]؛ راجع أيضًا: في لقاء أهالي محافظة إيلام في الذكرى السنويّة لولادة أمير المؤمنين (عليه السلام) في حسينيّة الإمام الخميني (ره) 23/2/1393هـ.ش [13/5/2014م].
[2] نهج البلاغة، الرسالة 45.
[3] في لقاء مع مسؤولي وموظّفي الدولة في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، 9/11/1368هـ.ش [8/2/1990م] ؛ لمزيد من الاطّلاع، راجع: في لقاء أعضاء هيئة عقد مراسم الذكرى السنوية لرحيل الإمام الخميني (ره)، 10/3/1384هـ.ش [31/5/2005م].
33
17
الفصل الأول: الزهد
ضرورة التزام أئمّة الجمعة ببساطة العيش
أؤكد على عدّة نقاط:
... النقطة الثانية، الوجود مع الناس وبساطة العيش. بالطبع فإنّكم كذلك، والحمد لله جميع السادة يعيشون في مستوى متوسط -بتفصيل متنوع نسبيًّا في نوعية المعيشة-؛ غاية الأمر أنّ باعتقادنا أن بعض من هذه الحراسة الزائدة والملاحظة في بعض المدن، غير ضروريّة وفي أماكن ليست للحراسة بالأساس. هذا العمل، يُبعد إمام الجمعة عن الناس. لا يجب أن يظهر إمام الجمعة وكأنه شخص معرّض للتهديد والخطر ويجب وضع حارس مرافق له.[1]
ضرورة كون المسؤولين قدوة في الزهد والإعراض عن الدنيا
هذا الحكم الإسلاميّ ذو معنى خاص. فالحكم الإسلاميّ غير الحكم الملكيّ؛ غير الحكم الدنيويّ؛ غير الحكم الطاغوتيّ؛ غير التسلط على الناس؛ غير عيش ذوي النفوذ والقدرة مغتنمين لفرصة الشهوات. الحكم الإسلاميّ، يعني أن يعمل موظفوه للإسلام ولله، لا لأنفسهم.
يجب أن نعدَّ أنفسنا خدامًا للناس بالمعنى الواقعيّ للكلمة، لا بالمعنى الحرفيّ للكلمة. يجب علينا، وفي أي مستوى من المستويات، أن نفكر بالابتعاد بشكل كامل عن فكرة: “طالما أنّنا نستطيع الاستفادة من الإمكانات المتاحة لنا لتأمين متطلباتنا ورغباتنا، فلنفعل”. يجب على مسؤولي البلد أن يكونوا قدوة للآخرين في الزهد؛ أي في الإعراض عن زخارف الدنيا؛ وحدّ ذلك، هو حدّ الورع أيضًا.
[1] في مراسم مبايعة عموم أئمّة جمعة البلد لرئيس مجلس الخبراء،12/4/1368هـ.ش [3/7/1989م]
34
18
الفصل الأول: الزهد
أمير المؤمنين في رسالته المعروفة لـ “عثمان بن حنيف” بعد أن يقول بأنّك كنت قد جلست على مثل هذه السفرة، وكذا وكذا، يصف حياته قائلًا: “أَلا وإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ، وَمنْ طُعْمِه بِقُرْصَيْهِ”[1]. ثم أتبع: “أَلاَ وإِنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ عَلَى ذلِكَ”[2]؛ أي إني لا أتوقّع منكم مثل هذه الحياة.
أيمكن أن يخطر ببالي وبالكم أنّنا قادرون على أن نحلّق إلى حدّ الذروة؟ أليست مزحة؟ القضيّة ليست أنّنا نتخلّى عن المسؤوليّة. كلا، فإذا استطاع شخص، فعليه أن يفعل. وليست القضيّة أنّنا نقدّم مبرّرات لأعمالنا. كلا، فليست الحياة عملًا تصنعيًا؛ بل إنّها تتكئ على روح صلبة؛ هذه الروح كانت لدى أمير المؤمنين.
ويتابع عليه السلام قائلًا: “ولكِنْ أَعِينُوني بِوَرَعٍ وَاجْتِهَاد”[3]؛ سارعوا بالورع واسعوا واجتهدوا في هذا الدرب بكلّ ما أوتيتم من قوّة. وإذا لم تقدروا على هذا، فتابعوا على قدر استطاعتكم. إذا كنا نطالب ونرفع الشعار ونقول بأنّه يجب على مجتمعنا أن ينصرف عن روحيّة الاستهلاك وأن يتحرّر مما تروّج له الثقافة الغربيّة، فإنّ إنجاز ذلك متوقّف على عملنا. نحن الذين يتوجّب علينا أن نعلّم الشعب هذه الأمور. وإلّا فهل يمكن أن نُبتلى بأنواع وأصناف من الشكليّات والرفاهيّات، ونتوقع من الشعب ألّا يكون مرفهًا في الوقت نفسه؟! فإذا أطلقوا شعارًا في أماكن أخرى، توجّب علينا الالتزام.[4]
[1] نهج البلاغة، الرسالة 45.
[2] المصدر نفسه.
[3] المصدر نفسه.
[4] في لقاء مع مسؤولي وموظفي نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، بحضور حجة الإسلام والمسلمين السيد أحمد الخميني، 14/9/1369هـ.ش [5/12/1990م].
35
19
الفصل الأول: الزهد
المجلس قدوة للشعب وللمؤسسات
لقد سررت حقًّا حينما قرأت في الصحافة أنّكم قرّرتم إعادة النظر حول بعض قضايا المجلس وبعض الامتيازات غير المبررة، ودعوت اللهَ ليحفظ القائمين على هذا العمل، مثلًا افترضوا أنّ شخصًا يمتلك منزلًا، يرغب أيضًا بمنزل ثانٍ؛ يمتلك امتيازًا، يرغب بامتياز آخر. في الواقع أشكركم لورودكم بقوّة وهمّة في هذا المسار. تابعوا هذا المسير وثابروا على إنجاز هذه الأعمال. وعلى قدر استطاعتكم عالجوا الأمور بشكل منطقيّ وصحيح. بالطبع نحن لا نوصي وكذلك لا نتوقع مثلًا من النواب في المجلس أن يجوعوا ويعطشوا ويزهدوا -فلسنا كذلك، ولا أنتم- نحن نقول لا للمبالغة والإسراف ولا لإنجاز الأعمال بعشوائية وببذل نفقات غير مبرّرة. ربّما ليست جميع نفقات المجلس مبالغَ خياليّة؛ لكن عندما تسلكون هذا الطريق، فإنّكم تقدّمون قدوة للناس وللأجهزة وتشخّصون الطريق والوجهة. إنّ عملكم ذو قيمة كبيرة وجيّد جدًا؛ واصلوا ذلك.[1]
ج_ الزهد في مجال الحكم والسياسة
1- توضيحات وضرورات
زهد المسؤولين يعني انتفاء المصلحة في الحياة الشخصيّة
كان إمامنا العظيم نفسُه تجليًا لهذا المعنى؛ كان بحق إنسانًا لا يولي أيّ قيمة للمظاهر الدنيويّة. فالإنسان يرى في ذلك الرجل
[1] في لقاء مع نواب الدورة السابعة لمجلس الشورى الإسلامي، 27/3/1383هـ.ش [16/6/2004].
36
20
الفصل الأول: الزهد
الروحانيّ والعظيم أنّ لا قيمة لديه للمغريات، والأهواء والملذّات الدنيويّة بالأساس! أنتم بحمد الله متنوّرون وأصحاب وعي وفهم، ولا أرى حاجةً لأن أوضح لكم هذه الأمور. إنّ ما أقوله، أعني به المصلحة الشخصيّة؛ وليس معناه ألّا يزدهر البلد ويعمَّر وألّا تعمَّر الدنيا. وهذه دائمًا كانت إشاعات وشبهات مغرضة يطلقها مخالفو الإسلام، فيقولون إنّ الإسلام يتعارض مع الدنيا؛ بمعنى ألّا نعمّرها!
كلا، إنّ تلك الدنيا المذكورة هي الدنيا الشخصيّة؛ يعني ألا تتهافتوا على رفاهية الحياة الدنيويّة، وعيشوا ببساطة. هذا هو المعنى المراد منها. أمير المؤمنين(عليه السلام)، كانت حياته الأكثر زهدًا، لكن في الوقت نفسه، كان يعمل أيضًا بشكل منتظم، فيعمر البساتين، يُجري مياه الآبار، يجاهد ويدير البلد، يرأس حكمًا بتلك العظمة، ويرسم السياسة ويمارسها.[1]
البساطة وعدم التكلّف في الأعمال؛ مصدر جماليّة النظام الإسلاميّ
لديّ عتب صغير، وكنت أنتظر منذ عدّة أيام الوقت المناسب كي أُعبّر عنه. وهذا العتب يتعلّق بالأمر التالي: عندما كنت أمرّ في شوارع كرمنشاه، رأيتُ وبشكل غريب وغير مألوف صورًا كبيرة لهذا العبد الحقير[2] وُزّعت على الطريق بإفراط وإسراف، وأعتقد أنّه في مسيرنا إلى باوه، كان هناك أيضًا بعض الصور على جانب الطريق.
[1] في لقاء المشاركين في مؤتمر علم آفات الثورة، 15/12/1377هـ.ش [6/3/1999م].
[2] يقصد الإمام القائد نفسه.
37
21
الفصل الأول: الزهد
لماذا كل هذه الصور؟! إنّ لهذا العمل إشكالات عديدة: الأولى هي أنّ هذه الصور مُكْلفة، تتطلّب دفع أموال. أنا أعرف وأدرك ذلك، وهذا العمل غير ضروري على الإطلاق بكلفته المرتفعة، حسنًا، لا مبرّر لهذا الأمر. ثانيًا، إنّ طريقة العمل هذه، وتوزيع الصور بهذا الشكل، لا ينسجم مع وضعنا، ومع شأن الجمهوريّة الإسلاميّة وشأننا كطلبة علوم دينيّة. إنّ هذه الأعمال هي لغيرنا، إنّ عملنا يجب أن يتوافق مع البساطة. إنّ هذه الأعمال المزخرفة لا تتناسب مع حالنا، حتى على المستوى التقني، إذا دقّق أحدٌ منّا فإنّها “منافية للتبليغ” أيضًا. إذا أراد أحدكم أن يعبّر عن حبّه حقًا، فإنّ هذه الأعمال لا تأثير لها، بل تأثيرها معكوس. على كلّ حال، كنتُ عاتبًا حقًا، ولكنّني لم أعرف إلى من أوصل عتبي، ومن هي الأجهزة التي تولّت تنفيذ هذا الأمر وقامت به، فوجدتُ أنّ هذا المكان هو الأفضل، إذ إنّ الفرصة لم تسنح لهذا الأمر في الأيام السابقة.
على كلّ حال، إنّ هذه الأعمال ليست حسنة، وليعلم الأصدقاء والمسؤولون والمعاونون ذلك. إنّ هذا النمط من العمل، والترويج بهذا النحو لا يليق بالثورة وبالنظام الإسلاميّ. ولكن، وللإنصاف والحق يُقال، إنّ في الأيام المعدودة التي كنا فيها ضيوفكم يا أهل كرمنشاه الأعزاء، قد عبّر الناس كما المسؤولون عن مشاعرهم تعبيرًا كاملًا وأظهروا مدى حبهم وصفائهم بأعلى المستويات.[1]
بساطة العيش؛ من مصاديق شكر الشعب
إنّني أذكّرُ مسؤولي البلد، سواء المنتخَبين لمجلس الشورى
[1] كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مسؤولي إقليم (محافظة) كرمنشاه (28/7/1390. (9/2011)
38
22
الفصل الأول: الزهد
الإسلاميّ ومجلس الخبراء أو أصحاب المناصب التنفيذيّة في القوى الأخرى أو سائر المسؤولين في المنظمات والمؤسسات، أن يقدموا الشكر اللائق من خلال الخدمة الصادقة للشعب والبلد والنظام الإسلاميّ؛ بساطة العيش، النزاهة، الحضور الدائم في مواقع المسؤوليّة، ترجيح المصالح الوطنيّة على الرغبات الشخصيّة والفئويّة... الطابع الجهاديّ في الفكر والعمل وبجملة واحدة: عدّوا برنامجكم الدائم خلال فترة هذه المسؤولية، هو العمل لله ولأجل خلق الله ولا تتجاوزوا ذلك بأي ثمنٍ كان[1].
ضرورة الحفاظ على حالة الزهد في مجلس الشورى الإسلاميّ
أذكر نقاطًا عدّة للسادة المحترَمين حول مجلس الشورى، وهي نقاط يُفترض أنّكم تعرفونها، فهذا إذًا تذكير. أحيانًا يكون للاستماع أثرٌ لا يوجد في [مجرّد] المعرفة. يعرف الإنسان أشياء، لكن من الحسنِ أن يسمعها مرّةً أخرى.
...هذه أيضًا مسألة الإسراف وأمثاله؛ الإسراف في النفقات، الإسراف في السفر؛ هذه أيضًا أمورٌ قد كتبها لي أو قالها لي بعضُ النوّاب المحترمين. يجب عليكم الاهتمام بهذه النقطة، لا تتصرّفوا بشكل يجعل مجلس الشورى الإسلامي يفقد تقواه وزهده. من الجيّد أن تهتمّوا بهذه المسألة.[2]
[1] رسالة بمناسبة مشاركة الشعب المـُبهرة في انتخابات مجلس الشورى الإسلامي ومجلس خبراء القيادة، 9/12/1394هـ.ش [28/2/2016م].
[2] في لقاءٍ مع نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ 3/4/1388هـ.ش[24/6/2009م].
39
23
الفصل الأول: الزهد
ضرورة امتناع المسؤولين عن رفاهية (كماليات) الحياة
أنا لا أريد التوقّع من الإخوة المقيمين في البلدان الأخرى الزهد والتقوى المطلقين؛ بل أريد القول بشكل عامّ إنّ مقدارًا من مراعاة الحرص في مظاهر الحياة أمرٌ ضروري. فإذا توفّر لشخصٍ الدخلُ، إمكانيةُ الانتفاع، وتجنّبَ بعضًا من هذه المنافع برغبته ومبادرته وإرادته الشخصيّة، فإنّ لذلك فائدة كبرى. فائدة عامّة على المستوى العام للثورة، وكذلك فائدة شخصيّة؛ أي أنّه يهبكم نورانيّة. وهذا العمل يختلف عن عملي -أنا العبد- حيث لا إمكانيّة لمنفعة فلانيّة لأجلي، فأنا لا أمتلك المكافآت؛ لكنكم وحيث تستطيعون، فإذا أمكن طلب العمل الكماليّ الفلانيّ، النفقات الزائدة الفلانيّة، الفائدة الإضافيّة الفلانيّة من المؤسسة حيث يمكن للمرء أن يفكر لنفسه في طريق مشروع ويقول مثلًا لأستفيد على هذا النحو؛ لكن لم يحصل وامتنعتم، فإنّ فضيلة وفائدة ذلك وتأثيره على أنفسكم عالٍ جدًّا.[1]
زوال الروحية الأرستقراطية لعهد الطاغوت ببركة الثورة الإسلاميّة
هنا، في هذا البلد كانت أجهزته المهيمنة عليه هي أكبر ناهب وسارق للأموال العامّة؛ فزعيم هؤلاء اللصوص كان الشاه شخصيًّا! هنا، في هذا البلد كان أثرى أثريائه سياسيًّا، الشخص الأوّل في المملكة، أي شاه المملكة، لكن من أين جاء بهذه الثروة؟
[1] في لقاء مع مسؤولي وزارة الخارجية والسفراء والقائمين بأعمال الجمهورية الإسلامية الإيرانية، 18/4/1370هـ.ش [9/7/1991م]
40
24
الفصل الأول: الزهد
إلّا إذا ورثها عن أجداده؟!.. هذا البلد كان مسؤولوه الأكثر سرقةً وفسادًا وثراءً... فموارد البلد كانت تحت قبضة هؤلاء ناهبي ثروات الشعوب. وقد أعزّ الإسلام هذا البلد؛ حيث استطاع الدينُ، الإيمان الديني للشعب والحافز المعنوي العظيم للملايين [من أبنائه] أن يصل إلى هنا.
بفضل الله فإنّ مسؤولي هذا البلد هم جزء من أفراد الشعب؛ من أفراد الشعب أنفسهم الذين كانوا قد ثاروا، وإذا أدّوا خدمة لا يسرقون الأموال [من جيوب الناس]. من الممكن أن يوجد أشخاص في الأقسام ذات الدرجات الأدنى ولا سمح الله لا يعيرون أهميّة لهذا التكليف العظيم ولزهد المسؤولين؛ بالطبع فإنهم معزولون وعلى الهامش. لكن مسؤولي البلد الأرفع فإنّهم أناس أصحاب أيدٍ نزيهة، قلوب نزيهة، أعين نزيهة، شهامة وغايتهم خدمة هذا الشعب وهذا البلد. وقد حبانا الله بهم.[1]
من بركات النظام الإسلاميّ، شعبيّة المسؤولين
وجود مثل هذا النظام قد فرض انتماءَ مسؤولي البلد إلى الشعب نفسه؛ يفهمون آلام الشعب ويدركون مشكلاتهم. الحكومة هي حكومة شعبية. رئيس الجمهورية شعبي. مجلس الشورى الإسلاميّ شعبي. فليس أحد من أفراد مسؤولي البلد، القوة القضائيّة، ومن الآخرين والآخرين، حفيدًا للوجهاء والأعيان؛ ليس منهم من لا يستشعر آلام الشعب، لا يفهم ولا يعرف القلق والجوع.[2]
[1] في الاجتماع الضخم بأهالي مدينة أراك، 24/8/1379هـ.ش [14/11/2000م].
[2] في لقاء علماء الدين والمبلغين في أجواء شهر رمضان المبارك، 23/9/1377هـ.ش [14/12/1998م].
41
25
الفصل الأول: الزهد
أحد إنجازات الإمام(قدس سره)؛ إبطال المعتقدات الخاطئة في باب أخلاق الفرد الحاكم
إمامنا العظيم أنجز أعمالًا كبرى تتناسب وشأنه العظيم وأنا اليوم أذكّركم ببعض منها: ... إنجازه الثامن، كان إبطال المعتقدات الخاطئة في باب أخلاق الفرد الحاكم. في العالم صار عرفًا أن يتحلّى رؤساء الاجتماعات بأخلاق فرديّة خاصة!.. غيّر هذا الإمامُ الاعتقادَ الخاطئ وأظهر أنه يمكن لقائد محبوب ومعشوق من الشعب وسائر مسلمي العالم، أن يعيش زاهدًا وأن يستقبل الزوار في إحدى الحسينيات بدل القصور الفخمة ويتعامل مع الناس بثياب الأنبياء ولسانهم وأخلاقهم.[1]
تغير اتجاه الترف نحو الزهد خلال الثورة الإسلاميّة
حينما أحرز جهادُ الشعب الإيراني نصرًا وسطَ الكفر العالميّ وقَبِل بالاندماج تحت قيادة وحكم (وراية) الإمام، أوجد الإمامُ بسلوكه وميزته، أكبرَ تحوّل في التاريخ السياسيّ لهذا البلد؛ أي أنّه استبدل المـُلك الذي كان حكومة الظالمين والجشعين الإستبدادية، بإمامةٍ هي كيان الحكم الإلهي وحكم الشعب عباد لله. فزيّن بالعدل والإنصاف قدرته وصلابته، ونوّر تفوّقه الذي يشهد له الجميع بالعبوديّة والتواضع، وعالج التمكّن والامتياز بالزهد والتقوى.[2]
[1] في خطبة صلاة الجمعة، طهران، 23/4/1368هـ.ش [14/7/1989م]
[2] رسالة بمناسبة العقد المئوي العظيم للميلاد المبارك للإمام الخميني (ره)، 31/6/1378هـ.ش [22/9/1999م]
42
26
الفصل الأول: الزهد
ميزات المسؤولين المسلمين؛ السعي الدؤوب والفاعليّة وعدم التعلّق بالدنيا
لو نظرتم في نهج البلاغة من أوّله إلى آخره لوجدتم أنّ ما قاله أمير المؤمنين حول النهي عن حبّ الدنيا والرغبة فيها وحول الزهد فيها يفوق حجمُه حجمَ كلّ ما قاله في نهج البلاغة. وهذا هو السبب. وإلّا فالإمام علي لم يكن ممّن يعتزل الدنيا، لا، كان من أنشط الناس لعمارة الدنيا.. سواء في زمن خلافته أو قبل ذلك. لم يكن أمير المؤمنين ممّن لا يعملون ولا يكدّون. معروف أنّه حين كان يعيش في المدينة قبل خلافته أحيا حقولًا بيديه وأجرى عليها المياه وزرع النخيل. الخوض في شؤون الدنيا والطبيعة التي وضعها الله تحت تصرف الإنسان، وإدارة معيشة الناس وشؤونهم الاقتصادية، وتوفير أسباب الازدهار الاقتصادي كل هذه ممارسات إيجابيّة لازمة ومن واجبات الفرد المسلم والإدارة الإسلاميّة. هكذا كان أمير المؤمنين، لكنه لم يكن هائمًا في الدنيا أبدًا. هذا هو وضع أمير المؤمنين وبرنامجه التربويّ الأخلاقيّ[1].
2- حلول وآثار
لزوم جعل حياة عامّة الناس معيارًا لحياة المسؤولين
في نظر أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ منصب الإدارة لا ينبغي أن يكون وسيلةً لراحة الشخص والعيش والكسب الدنيوي. فهذا العمل ليس كبقيّة الأعمال؛ إنّه قبول المسؤوليّة. وممارسة هذه
[1] في خطبة صلاة الجمعة، طهران، في الثامن عشر من شهر رمضان 1429هـ.ق [30/6/ 1387هـ.ش [20/9/2008م].
43
27
الفصل الأول: الزهد
المسؤوليّة لا يمكن أن تكون لتحقّق الربّح للإنسان [المسؤول]، وجمع الأموال، وتأمين المستقبل له ولأبنائه عبر هذا الطريق أو اللهو في الدنيا. إذًا; فما هو الهدف لقبول المناصب الحكومية في نظام الجمهورية الإسلامية والنظام الإسلاميّ؟ الهدف لا بدّ أن يكون إرساء العدالة، تأمين راحة الشعب، تهيئة الأرضية للمجتمع الإنساني لازدهار الإمكانيات والقابليات، لتسامي الناس ولهداية البشرية وصلاحها.
يقول أمير المؤمنين: “وَاللهِ لَأَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّدا، أَوْ أُجَرَّ فِي الْأَغْلَالِ مُصَفَّداً أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى الله وَرَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِ وَغَاصِباً لِشَيْءٍ مِنَ الْحُطَامِ”[1].
يقول أمير المؤمنين في موضع آخر من نهج البلاغة “إنّ اللهَ تَعالى فرضَ على أئمّةِ الحقِّ أن يقدّروا أنفسَهُم بِضَعْفَةِ الناسِ”[2]؛ أي أنّه لا يحقّ لأصحاب المناصب في نظام الحقّ، أن يقيسوا أنفسهم بالأعيان والأشراف ويقولون بما أنّ لدى هؤلاء الاشراف مثل هذه البيوت و هذه الحياة وهكذا يلهون، لذا وبما أننا أيضًا أصحاب هذا المنصب وهذه المسؤوليّة في الجمهورية الإسلاميّة أو في النظام والحكم الإسلاميّ، فلنسعَ أن نعيش حياتهم، أو لأنّ رؤساء ومسؤولي ووزراء البلدان الأخرى في النظم غير الإلهية وغير الحقّة هكذا يعيشون، هكذا يلهون وهكذا يستفيدون من الإمكانات المادية، نحن أيضًا لا بدّ وأن نحيا على هذه الشاكلة! كلا. فليس لهم الحق أن يقيسوا حياتهم بالأعيان والأشراف والمتمكّنين أو المنحرفين. لذا فبمن يجب أن يقيسوا حياتهم؟
[1] نهج البلاغة، الخطبة 224.
[2] نهج البلاغة، الخطبة 209.
44
28
الفصل الأول: الزهد
“أن يقدّروا أنفسَهم بضَعْفَةِ الناس”[1]؛ بعامّة الناس، بأضعفهم وأدناهم منزلة أيضًا. في هذه العبارة، لا يقصد بها أن نعيش مثلهم، فلعله لا يتمكّن الجميع من أن يضيّق عليه معيشته، لكن زِن نفسك وقارنها به؛ لا بالأعيان والأشراف أو بفلان الثريّ وبفلان صاحب الثروة. إنّ المسؤول وصاحب المنصب في النظام الإسلاميّ ونظام الحقّ، لا ينبغي أن تصنّف معيشته بالأعيان والأشراف والمتمكنين ومترفي المجتمع، أو مسؤولي البلدان غير الإسلاميّة. إنها لثقافة خاطئة أن يمتلك كلّ من يصل لمنصب أو مسؤولية في المواقع الحكومية، البيتَ الفلاني، أو وسيلة النقل الفلانيّة، أو الإمكانات المعيشيّة الفلانيّة؛ كلا. فوصيّةُ أمير المؤمنين ليست هكذا؛ وهي لا تختصّ بذلك الزمان؛ بل بكلّ الأزمنة. فحينها لم يكن الجميع فقراء. قامت الفتوحات الإسلاميّة؛ وُجدت الثروات في البلد الإسلاميّ والأثرياء والتجّار، ومن دون أن نتطرّق لنمط حياتهم، فقد توافرت حياة مترفة سواء من الحرام أو من الحلال. أمير المؤمنين في ذلك الزمان يقول لا ينبغي أن تكون حياتكم مترفة. وهذا مرتبط بمسؤولي وأصحاب المناصب في النظام الإسلاميّ، بألا يقارنوا أنفسهم بمترفي المجتمع، بل بالضعفاء.
يقول (عليه السلام) في رسالة أخرى لأشعث بن قيس: “وَإِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ، وَلكِنَّهُ فِي عُنُقِكَ أَمَانةٌ”[2]؛ أي إن هذه المسؤوليّة والمنصب لدى النظام الإسلاميّ، ليس طُعمة ورأس مال ومكسب؛ فلا مجال للخطأ، فالمسؤولية في النظام الإسلاميّ عبء ينبغي
[1] نهج البلاغة، الخطبة 200.
[2] نهج البلاغة، الرسالة 5.
45
29
الفصل الأول: الزهد
أن يتحمّله الإنسان على عاتقه من أجل هدف ونية. وهذا هو الفهم الصحيح للحكم والمسؤوليّة الإسلاميّة[1].
المقام والمنصب؛ تكليفٌ وليس بطعمة
التعلّق بالدنيا والسباق للحاق بركْبها، هو نقصٌ بالنسبة إلى المسؤول في الجمهورية الإسلاميّة وبالمعنى الذي أشير إليه هو نقطة سالبة. يجب أن يكون الأمر معاكسًا لذلك. فلا ينبغي أن يُنظر إلى الحكم والمقام والمنصب في الجمهوريّة الإسلاميّة بصفته غنيمة. لهذا فالناس في العالم يسعون للوصول إلى المناصب؛ لأي منصبٍ كان، فلا فرق؛ من استلام إدارة عضويّة أو رئاسة لمجموعة ومنظمة صغيرة، وصولًا إلى رئاسة أحد البلدان. يسعون خلال خمس، أو ست سنوات للوصول إلى الحكم وخلال هذه السنوات المعدودة يأملون بالحصول على أقصى المتع. فلا تتصوّروا أنّ أناسًا في العالم يسعون مثلًا للوصول إلى رئاسة الجمهورية أو لنيل مناصب عليا، بهدف الخدمة! هم أنفسهم لا يدّعون ذلك. فليس لديهم هذا الادعاء ويعتقدون أنه: أمَّا وقد تمكّنا من الوصول إلى هذا المنصب، فلا بد من الاستفادة من مُتعه. وكما قال أمير المؤمنين لعامله “وإن عملك ليس لك بطُعمة”[2]، فإنهم يعدّونها طُعمة. فالدنيا لديهم طعمة وعندما يصلون إليها لا بدّ وأن يستنزفوها بالمخالب والأسنان ويتمتعوا بها، وأن يستفيدوا بالحدّ الأقصى من أموالها، قوتها، نفوذها، تسهيلاتها، إمكاناتها ويلتهمونها ويقدّمونها لقمةً سائغة لأقاربهم وأصدقائهم.
[1] في خطب صلاة الجمعة، طهران، 25/9/1379هـ.ش [15/12/2001م].
[2] نهج البلاغة، الخطبة 5.
46
30
الفصل الأول: الزهد
وهذا هو عُرف الدنيا. لكن ماذا عن الجمهوريّة الإسلاميّة؟ هنا لا بدّ وأن تُتلقى هذه المسائل على أنّها عين المسؤوليّة والتكليف المحض. تتلقّى كوظيفة؛ وظيفة صعبة كلما ارتقت زادت صعوبة. فينبغي أن يُنظر إليها كمسؤولية ذات تعهّد والتزام. لا أن نتلقّاها على أّنها أفضل الفرص حينما نجد الإمكانات متاحة، فنستغلها للرفاهية الشخصيّة، الشكليّات، الإسراف والترف وغيره. فلا فرق بين أن يكون المنصبُ نيابةً في المجلس (النّيابي)، أو في الأجهزة الحكوميّة العليا، أو مسؤوليّات عسكريّة كبرى، أو مسؤوليّات قضائيّة عليا. لا ينبغي أن يُنظر إلى هذه الإمكانات كطُعمة وغنيمة ونقول: “الآن وقد وصلنا، فلنستغلّ الوضع!” ينبغي أن يخضع كلّ شيء للحقّ والحساب وأن يكون بالتحلّي بروحيّة الإعراض عن زخارف الدنيا. فإذا تحقّق هذا، يصبح الطريق والحركة أسهل.[1]
ضرورة اقتداء المسؤولين بزهد أمير المؤمنين (عليه السلام)
هناك نقطتان في حياة أمير المؤمنين(عليه السلام)، ينبغي أن يُلتفت إليهما أكثر خلال هذه الفترة من حياة وطننا وهذه الحقبة من الزمن. بالطبع فإنّ تلك النقطتين هما في الواقع فصلان من فصول حياة أمير المؤمنين(عليه السلام)، وفي الحقيقة هما صفحتان من كتاب ضخم. لكنّهما صفحتان مهمتان أيضًا.
... النقطة الثانية هي الزهد والحياة الشخصيّة. فينبغي أن أقيّمَ حياتي وأنظر إن كنت مُنصبًّا على حياتي الشخصيّة أم لا؟
[1] في لقاء الموظفين وفئات الشعب المختلفة في يوم ولادة حضرة أمير المؤمنين (عليه السلام)، 17/10/1371هـ.ش [7/1/1993م].ش.
47
31
الفصل الأول: الزهد
كلّ منّا يجب أن يحاسبَ نفسه. فحينما يدور الحديث بين المسؤولين أو عنهم، فإنّ القضيّة هي قضيّة شخصيّة. أي أنّه يتوجّب على كلّ مسؤولي البلد أن يسعوا ويجتهدوا لتتجلّى فيهم ملامح زهد أمير المؤمنين(عليه السلام). بالطبع فإنّنا لن نستطيع إدراك زهد علي(عليه السلام) ولا نقدر إن نتحمّله. فنحن لا نقدر أن نعيش هكذا! لكن ربّما يمكننا الحصول على شعاع وقبس من تلك العدالة وذلك الزهد. لا ندّعي أنّنا لا نقدر، فالإمام سلام الله عليه هو من قال ذلك. فلا أحد يقدر على ذلك والأمر ليس محصورًا فينا فقط. حتى بعض المعصومين(عليهم السلام) أيضًا حينما حاولوا، أظهروا عجزهم عن التصرف كأمير المؤمنين، القضيّة ليس البحث حوّل هذا النحو من العدالة. لكن ينبغي أن تكون هذه صبغتنا ولو في الحدّ الأدنى. ينبغي أن يكون هذا سلوكنا ولو بشكل أضعف وأقلّ. لا ينبغي أن نتحرّك في جهة معاكسة. يجب على المسؤولين أن يعلّموا الشعبَ هذا المعنى بشكل عمليّ.[1]
متابعة شعار بساطة العيش بعد الثورة
أعزائي! أحد شعاراتنا قبل انتصار الثورة -وهو لم يكن أحد شعارات الثورة، بل من شعاراتنا الوديّة في مجموعة الأصدقاء والمجموعات التي شكّلناها سويًّا، وكنا نفكّر معًا ونعمل ونجاهد- هو “بساطة العيش”؛ الحياة البسيطة وقلّة الاستفادة من زخارف الدنيا! بعد انتصار الثورة، سعينا كذلك كي نتبع هذا السلوك، هذا الشعار وهذا االأساس.[2]
[1] في لقاء الموظفين وفئات الشعب المختلفة في يوم ولادة حضرة أمير المؤمنين (عليه السلام)، 17/10/1371هـ.ش [7/1/1993م].
[2] في لقاء المشاركين في معرض علم آفات الثورة، 15/12/1377هـ.ش [6/3/1999م]
48
32
الفصل الأول: الزهد
التعلّقاتُ الدنيويّة؛ شَرَكٌ خطير للمسؤولين
كان إمامنا العظيم تجليًا لهذا المعنى؛ كان بحقّ إنسانًا لا يولي أي قيمة للاعتبارات والمظاهر الدنيويّة... أنتم بحمد الله مثقّفون وأصحاب وعي وفهم، ولا أرى حاجةً لأن أوضح لكم هذه الأمور. إنّ ما أقوله، أعني به المصلحة الشخصية؛ وليس معناه ألّا يزدهر البلد ويعمَّر وألّا تعمَّر الدنيا. وهذه دائمًا كانت إشاعات وشبهات مغرضة أطلقها مخالفو الإسلام، فيقولون إنّ الإسلام مخالف للدنيا؛ فهو يعني ألّا نعمّرها!
كلّا، فإن تلك الدنيا المذكورة هي الدنيا الشخصية؛ يعني ألّا تلهثوا وراء رفاهيّة الحياة الدنيويّة وعيشوا ببساطة.
...غرضنا ومقصودنا تعلّق القلب بالدنيا، وبالتأكيد فإنّ الكثير من مشكلاتنا ناجمٌ عن هذه المسألة! فأنا بصفتي مسؤولًا في الدولة أو بصفتي عالم دين يجب أن أكون متيقّظًا لهاتين الصفتَين، فلدينا خصوصيّة. لقد قيل ذات يوم: “الويل لمن يجمع بين المنصِبَين معًا؛ أي أن يكون مسؤولًا حكوميًّا وعالم دين، فمشكلات هؤلاء أكثر وتكليفهم أثقل!” للحق والإنصاف فإنّ توقّعات الناس منهم أكثر؛ والله تعالى سيسائلهم أكثر، لأنّ لعمَلهم تأثيرًا أكثر أيضًا.
يجب أن نكون أكثر حذرًا وانتباهًا، الآخرون أيضًا، وكذلك أنتم طلاب الجامعات، المدرسون يجب أن تتنبهوا، أنتم الرؤساء ينبغي أن تحذروا أيضًا، الجميع ينبغي أن يتنبّهوا كيلا يسقطوا في شرَك أعباء الحياة وواقعها وألّا يغرقوا في الأرستقراطّية وما شابهَ ذلك. وليتمنّوا للجميع زينة الدنيا بالقدر الذي جعله الله وأباحه.[1]
[1] في لقاء المشاركين بمعرض علم آفات الثورة، 15/12/1377هـ.ش [6/3/1999م].
49
33
الفصل الأول: الزهد
زهد أولياء الله؛ من عوامل الترويج للإسلام
أينما حل الإسلام، استقبله جماهير الناس وأزيحت بسهولة القوى الزائفة المتسلطة والمهيمنة. فما هو العامل الذي دفع بالإسلام نحو هذا التقدّم ومن ثمّ ثبّت دعائمَ الحضارة الإسلاميّة بعدها؟
... العامل الآخر، والذي كان على الأقلّ على رأس هذه الحركة يعود إلى انصراف الناس عن المصالح الماديّة الشخصيّة. وهو عامل مهمّ جدًّا. فكلّ ما وردنا في الروايات[1]، في نهج البلاغة[2]، في كلمات النبي الأكرم والأئمّة(عليهم السلام) والعظماء يؤكّد لنا ويوصينا بالإعراض عن الدنيا والانصراف عن زخارفها، نظرًا للتأثير العظيم لهذا العامل. بالطبع إنّ أعداء الإسلام وأعداء المسلمين المنحرفي الفهم ظنّوا أو ادّعوا أنّه إذا قيل الزهد في الإسلام، فإنّه يعني ألّا تهتموا بالدنيا بمعنى مظاهر عالم الوجود ومظاهر الحياة. في حين أنّ القضيّة ليست كذلك؛ بل المقصود هو الدنيا السيئة والمذمومة وما نتخذه أنا وأنت من منافعنا الماديّة هدفًا ونتبعه. وهو ذلك الشيء البائس والمدمّر وأصل كلّ تعاسة.
فأولياء الله الذين تمكّنوا من رفع هذه الراية بثبات والتقدم في هذا الطريق الصعب بيسر، من دون إعياء وتهاون، هم من تجاوزوا هذه العقبة. لذا ورد في بداية دعاء الندبة[3] العظيم المضمون: “اَللّـهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلى ما جَرى بِهِ قَضاؤكَ في أوْلِيائِكَ”؛
[1] بحار الأنوار (ط.بيروت)، ج67، ص309: باب الزهد ودرجاته.
[2] نهج البلاغة، الرسالة 27 و59، الخطبة 34.
[3] إقبال الأعمال، السيد علي بن موسى بن طاووس،ج1،ص504.
50
34
الفصل الأول: الزهد
فأحد أجمل وأعمق المفاهيم، ما ورد لا سيّما في هذه العبارات والجمل الأولى للدعاء: “بَعْدَ اَنْ شَرَطْتَ عَلَيْهِمُ الزُّهْدَ في دَرَجاتِ هذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ وَزُخْرُفِها وَزِبْرِجِها”[1]؛ فأوصلتهم إلى أعلى مراتب ومدارج التكامل والتسامي المعنوي، (و) منحتهم من النعم ما “لا زَوالَ لَهُ وَلاَ اضْمِحْلالَ” وخصصتهم بها. لكنك شرطت عليهم هذا الشرط. فالنبي في أعلى نقطة للتسامي الوجودي للإنسان. وهذا ليس ممكنًا من دون العون الإلهي، غير ممكن من دون المدد الإلهي؛ لكن الله منح هذا الامتياز في مقابل شرط واحد “بَعْدَ اَنْ شَرَطْتَ عَلَيْهِمُ الزُّهْدَ في دَرَجاتِ هذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ وَزُخْرُفِها وَزِبْرِجِها، فَشَرَطُوا لَكَ ذلِكَ”[2]؛ قبِلتُ وعملتُ. فيأتي شخص كالنبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين(عليه السلام) فولاذي، لا يتعب ولا يكلّ، ليحمل على عاتقه ثقلًا لا يختصّ بزمانه فقط بل يوجِدُ حركةً لا تنضب ولا تنتهي مع نهاية عُمرَيهما.[3]
تمسّك المسؤولين بالتقوى؛ العاملُ في هزيمةِ العدو
اعلموا أيضًا، وهذا بالتأكيد أمر موكَل أكثر إلى السادة أصحاب “عقيدتى-سياسى”[4]، أنّه ينبغي تعليم جميع الأفراد والموظفين كافّة عدم الاستفادة غير المشروعة من الإمكانات الحكوميّة والعامّة. ينبغي على السادة تعليم هذه المسألة. تعليمٌ
[1] المصدر نفسه.
[2] المصدر نفسه.
[3] في لقاء مع المسؤولين الرسميّين في النظام بمناسبة ذكرى المبعث النبويّ الشريف، 15/8/1378هـ.ش [6/11/1999م].
[4] وحدة التبليغ والتثقيف في الجيش.
51
35
الفصل الأول: الزهد
بالقول والفعل أيضًا. فينبغي للبعض ألّا يذهب باتجاه سلوك الترف والأرستقراطيّة والسيارات والبيوت [الفخمة]. فإذا تمّت مراعاة هذه المسائل وحققتم هذه التقوى وهذا الاهتمام بالهدف الأصليّ، عندئذٍ وبفضل الله، لن تتمكّن أمريكا -التي ليست شيئًا- بل ولا حتى عشر قوى عظمى مثل أمريكا وموجودة أيضًا في العالم، من ارتكاب أيّ حماقة بدافعٍ من عدائها للجمهوريّة الإسلاميّة.[1]
بساطةُ عيشِ المسؤولين تكذيبٌ لدعايات العدو المغرضة
الشعب يريد أن يشعر حقًّا بأنّ مسؤولي البلد في مختلف المستويات، أمناءُ على البلد ومراعون لأماناتهم، وهذا ما أريد منكم أن تنتبهوا إليه بشكل جدّي؛ ألّا تختل هذه الأمانة وهذه الروحيّة الأمينة على ما وضعه الناسُ بين أيدينا، من بيت المال وما هو متعلّق بثروات البلد العامّة. لا تدَعوا العدوَّ يتمكّن من ترويج الشائعات بأنّ طبقة جديدة وأرستقراطيّة جديدة تتشكل. العدوُّ يطلق مثل هذه الأقوال. فإذا لوحظ شيءٌ يؤيّد ما يطلقه العدو، فهذا يخدمه؛ لا يجب أن تسمحوا بهذا. فالعدوُّ عدوٌّ، وهو يطلق التهم. في هذه السنوات، كم أعلنت هذه الأبواقُ، وسائلُ إعلام العدو، العداءَ للجمهورية الإسلامية! في الواقع يصعب حصر ما قالوه من هراء وكذب، وخلافًا للواقع من خلال الاستغلال السيّئ وأمثال ذلك. والناس إذا رأوا تطابقًا في حالاتٍ -حتى ولو في حالةٍ
[1] في لقاء جمع من قادة وأفراد الجيش، بمناسبة يوم الجيش في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، 27/1/1376هـ.ش [16/4/1997م].
52
36
الفصل الأول: الزهد
واحدة- فإنهم يصدقون ويقبلون بـ 10 حالات. ينبغي أن تلتفتوا إلى هذا الأمر.[1]
اهتمام المسؤولين بالرفاهية الشخصيّة؛ أحد مصاديق عدم التقوى
اليوم إذا وُجد أشخاصٌ في مجتمعنا يفكرون في الاستغلال؛ يهتمون بالرفاهية الشخصيّة بدلًا من رفاهية الأمّة ولا يبالون بمنافعها، فإنهم غير أتقياء.[2]
بساطة العيش؛ شرط ضروري للحفاظ على الترابط الحقيقي بين المسؤول والناس
الإتّصال الحقيقيّ بالناس يتطلّب الحضور بينهم وعدم الابتعاد عن المستوى المتوسط لمعيشتهم. إنّ بساطة العيش والابتعاد عن الإسراف وتجنّب الإنفاق من بيت المال في الأمور الشخصيّة وغير الضروريّة، هي شرط لازم للحفاظ على هذا الترابط والإتّصال. فترويج ثقافة الأرستقراطيّة والترف والسفر للخارج الباهظ التكلفة وعديم الفائدة الذي تصرف تكاليفه من جيوب الناس، ليس من شأن النيابة، وهو سبب في قطع الترابط بين النائب والناس.[3]
[1] في لقاء مع مسؤولي وموظفي نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانيّة بمناسبة عيد الغدير السعيد، 6/2/1376هـ.ش [26/4/1997م].
[2] في خطبة صلاة الجمعة، في طهران، 19/11/1369هـ.ش [8/2/1991م].
[3] بمناسبة بدء العمل للدورة السابعة لمجلس الشورى الإسلامي، 6/3/1383هـ.ش [26/5/2004م].
53
37
الفصل الأول: الزهد
بساطة العيش؛ من عوامل ميل الشعب نحو المسؤولين
أحد عوامل ميل الناس إلى الحكومة، هو هذا؛ فالناس يولون أهميّة لهذه القيم. إنّ مسألة الدعوة إلى العدالة، مسألة بساطة العيش، ابتعاد المسؤولين عن الترف، أشياء بالغة الأهميّة.[1]
صيانة النظام الإسلاميّ من المخاطر يكمنُ في رواج الزهد بين المسؤولين
يجب أن يتذكّر أصحاب الإمكانيّات، الذين بإمكانهم الاستفادة من الطيبات، الترف، اللذات، النعم، وسعة الحياة المتزايدة، خطاباتِ الزهدِ تلك لأمير المؤمنين...بالطبع إنّ هذا الخطاب أشدّ وأثقل بالنسبة إلى أصحاب المسؤوليّات. والخطاب نفسه يوجه لغير أصحاب المسؤوليّات الحكوميّة، لكن بدرجة أقل، وهم أغلب المخاطبين. إذا اهتم مجتمعنا الإسلاميّ بهذا الأمر والتفت إليه بدقّة، مع كلّ ما يواجهه من هذه المخاطر والعداوات، واحتواه كثقافة؛ الجميع يعلمها ويتحدث بها وينشدها، حينها فإنّ تفعيل مثل هذا العدل والزهد لن يوقع النظام الإسلاميّ في الخطر بأيّ وجه؛ بل سيقويه، ويجعله قويًّا ومصانًا من الخطر.
فالناس الذين لا تخدعهم ملذّات الدنيا ومطامعها وشهوات الحياة ولا تغيّبهم عن ذواتهم، قادرون على الصمود أمام الأعداء والعداوات وعلى إنقاذ مجتمعهم ونظامهم في لحظة الخطر. فكلّ
[1] في لقاء رئيس الجمهورية وأعضاء هيئة الحكومة، 2/6/1391هـ.ش [23/8/2012م]. الحكومة التاسعة.
54
38
الفصل الأول: الزهد
هذه العداوات منصبّة على نظام الجمهوريّة الإسلاميّة. وهذه المسؤولية الثقيلة للغاية تقع على كاهل الجميع؛ ولا سيّما الشباب وذوي المسؤوليّات. وبشكل خاصّ على عاتق علماء الدين المحترمين وفئات الشعب المختلفة وهؤلاء من ينظر الناس إليهم .....
55
39
الفصل الثاني: الرفاه
الفصل الثاني: الرفاه
أ- شرح وبيان الأهميّة
ضرورة تمتّع الناس بالحدّ الأدنى من الرفاه
الإخوة الأعزاء أبناء العشائر! أتيت لرؤيتكم. مع أني سمعت كثيرًا عن أوضاع العشائر، لكن وجدت من اللازم أن أراكم عن قرب في بيوتكم وحيث تعيشون.
وضع العيش والحياة هذا، ليس بإسلاميّ، في الإسلام يجب أن يتمتّع الناس بالحدّ الأدنى من الرفاه. وأنتم هنا لا بيوت، لا محلّ للسكن، لا غذاء جيّد، لا طرق ومواصلات، هذه ليست بحياة إسلاميّة.
يرافقنا هنا، مسؤولو عشائر البلاد، ووزير جهاد البناء المحترم، ومسؤولون من مختلف دوائر الدولة، جاؤوا ليطّلعوا على أوضاعكم عن كثب، ولخدمتكم إن شاء الله[1].
الصيحة في وجه تارك الدنيا
نهج البلاغة الذي هو كتاب زهد يصرخ في وجه من ترك الحياة الدنيا لظنّه أنّه بذلك يعدّ لآخرته، الإسلام ليس كذلك.[2]
[1] خطاب في لقائه جمعًا من أهالي قرية لبد بازفت التي تعيش حياة العشائر 17/7/1371هـ.ش [9/10/1992م]
[2] لقاء الشباب بمناسبة يوم وحدة الحوزة والجامعة 24/9/1372هـ.ش [15/12/2013م]
57
40
الفصل الثاني: الرفاه
الاختلاف بین الرفاه المادّي وروحيّة الاستهلاك
لا نعني بالرّفاه المادّي الترويج لروحيّة الاستهلاك -التي هي نفسها من النتاجات المشؤومة للثقافة الغربيّة- بل هو بمعنى أن يصل البلد من حيث العمران، واستخراج المعادن والاستفادة من الثروات الطبيعيّة، وتأمين سلامة المجتمع وصحّته، والازدهار الاقتصاديّ ورواج الإنتاج والتجارة بالاعتماد على طاقاتنا الذاتيّة وقوانا الإنسانيّة، إلى حدٍّ مقبول، وأن يصبح العلم والثقافة والتحقيق والتجربة شاملًا وعامًّا، وأن تُزال علائم الفقر والتخلّف.[1]
رفاهية الحياة هي استراتيجيّة الاقتصاد الإسلاميّ
الحياة المريحة ضروريّة ولازمة للبشر، والإسلام بقوانينه وأحكامه يأخذ بيد الناس نحو الرفاه والراحة، لكن الراحة في الحياة ليست هي الهدف في حدّ ذاتها. كثيرون هم الناس الذين ينعمون بحياة مريحة، وليس لديهم مشكلة من ناحية العيش والغذاء والراحة، لكن لم يشمّوا رائحة الإنسانيّة. المدنيّة الماديّة، تدعو البشر إلى هذه الحياة، وطبعًا يكذبون [كعادتهم]... لو أنّنا نعمل بالأحكام الإسلامية، لو أنّ المجتمع الإسلاميّ يجمع الإيمان والعمل بالمقرّرات والقوانين الإلهيّة، لتحقّق ذلك الشيء الذي كانت تبحث عنه البشريّة طوال التاريخ. يعني ماذا؟ يعني الراحة والرفاه الماديّ، مصحوبًا بالتطوّر والتقدّم والعروج المعنويّ. ليس
[1] رسالة إلى الشعب الإيرانيّ الشريف في ختام أربعينيّة رحيل الإمام الخميني (ره) 23/4/1368هـ.ش [14/7/1989م]
58
41
الفصل الثاني: الرفاه
الإنسان حيوانًا يكفيه أن تضع أمامه العلف. الإنسان يريد أن يكون من أهل الصفاء والنورانيّة. الإنسان يشعر باللذّة الروحيّة من النورانيّة والصفاء والعبوديّة لله[1].
الرفاه المادّي من بركات العمل بالقرآن الكريم
إن بركات القرآن الكريم لا تقتصر على هذه الأمور التي ذكرتها بلساني القاصر، وإنّما هي بركات لا نهاية لها. ففي القرآن وبالقرآن توجد العزّة، والقوّة، والتقدّم، والرفاه الماديّ، والتعالي المعنويّ، ونشر الفكر والعقيدة، والفرح وسكينة الروح.[2]
اهتمام الأديان الإلهيّة بتوفير الرفاهية
بالتأكيد جميع الأديان تريد تحقيق الازدهار الاقتصاديّ والرفاه في المجتمع، يعني من جملة ما تسعى الأديان لتحقيقه، أن يكون المجتمع مجتمعًا مرفهًا، فهي لا تريد مجتمعًا فقيرًا![3].
الرفاهية العامّة من أهداف الثورة الإسلاميّة
ما هي أهداف الثورة؟ حاكميّة الإسلام في الدرجة الأولى؛ فقد انطلقت الثورة أساسًا لتحقيق هذا الهدف، ولأجل أن يحكم الإسلام، وأن تكون له سيادته بمعناها الخاص. إذًا فأهداف الثورة هي: حاكميّة دين الله، والحريّة، والعدالة الاجتماعيّة،
[1] في اجتماع كبير مع أهالي مشهد وزوّار الإمام الرضا (عليه السلام) 29/1/1370هـ.ش [18/4/1991م]
[2] في محفل أنسٍ بالقرآن الكريم 18/3/1395هـ.ش [18/6/2016م]
[3] في لقاء مع رئيس الجمهوريّة والهيئة الوزارية 31/5/1371هـ.ش [22/8/1992م]
59
42
الفصل الثاني: الرفاه
والرفاه العام، واجتثاث جذور الفقر والجهل، والمقاومة أمام سيل الفساد الأخلاقيّ الجارف الذي انطلق من الغرب نحو العالم كلّه، وأنتم اليوم تشاهدون خصائصه. دولٌ تشرّع الشذوذ الجنسي[1].
الرفاه المادّي توأم مع النموّ المعنويّ
إنّ الدنيا والآخرة في هذا النظام وفي برنامجه توأمان. يجب أن يعيش الناس في حياتهم العزّة والرفاه، لكن هذا الرفاه وهذه الراحة وكلّ ما يساهم في توفيرهما من أمور، هي جميعًا مقدمة لنيل رضى الله. هذه الأمور هي بمثابة مقدمة، والهدف هو كسب رضى الله[2].
إنّ ميزة دين الإسلام المقدّس، وعلى وجه الخصوص المنظومة الفكريّة والعقائديّة للشيعة -التي لديها امتيازات- أنّه يحوي في نفسه سائر العوامل اللازمة لنموّ الإنسان الفرديّ والاجتماعيّ. وهذه مسألة غاية في الأهميّة. ففيه التطوّر المادّي، وكذلك التكامل المعنويّ. أي يوجد في الإسلام ﴿خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾[3]، ويوجد ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ﴾[4]. بالتأكيد، إلى جانب التطوّر المادّيّ للمجتمع، يوجد أيضًا النموّ المعنويّ. يقول بأنّه يجب أن تطرق باب الله تعالى بالدعاء وتدعوه: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾[5]، ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[6] عليكم أن تدعوا ليستجيب الله لكم. لا معنى لحياة الإنسان إلّا في
[1] في لقاء مع أعضاء مجلس خبراء القيادة 6/3/1395هـ.ش[ 26/5/2016م]
[2] في الذكرى الخامسة لرحيل الإمام (ره) 14/3/1373هـ.ش [4/6/1994م]
[3] البقرة، الآية 29.
[4] الأعراف، 32.
[5] الفرقان، 77
[6] المؤمن [غافر]، 60
60
43
الفصل الثاني: الرفاه
العلاقة مع الله... وهذا ما يعنيه الجمع بين السعي والبناء المادّيّ وبين السعي والبناء المعنويّ. لذا، ترون أنّ الشخص الذي هو من أهل البناء المادّيّ في الإسلام هو أيضًا أزهد خلق الله تعالى. لقد حفر أمير المؤمنين(عليه السلام) بيديه المباركتين بئرًا وقناة، وعندما فار الماء بحجم عنق الناقة خرج من البئر؛ وفي ثوب العمل ذاك نفسه الملطّخ بالطين، جلس إلى جانب البئر وكتب على ورقة: “لقد وقفتُ هذا الماءَ للفقراءِ وجعلتُه صدقةً”[1]، أي لأنّه قام بعمارة مكان، فإنّه ينفقه في اللحظة نفسها في سبيل الله. فقد كان الأكثر إنفاقًا، والأكثر بناءً، والأكثر تعاطيًا بالمادّة والأمور المادّيّة، ومن الناحية المعنويّة، كان الأفضل والأسمى. هذه نتيجة تربية برنامج الرفاه الإسلاميّ المادّي والمعنويّ، وانعكاسها.[2]
إنّ شعبنا العزيز، بفضل الله تعالى، قد استطاع أن يحيا حياة طيبة في ظلّ الإسلام، جَمَعَ فيها الدنيا والآخرة والماديّات والمعنويّات والعلم والعبادة والرفاهية، فإن استطعنا أن نشكّل مجتمعًا ونظامًا كهذا فإنّنا نكون قد أوجدنا يوم الانهزام الواقعيّ لأعداء الإسلام في العالم.[3]
عملُ العدوّ يهدف إلى الفصل بين الرفاهية والروحانية
إنّ العدو والأجانب يزعمون أنّه لو أرادت مجموعة أن تعمل على
[1] الكامل في اللغة والأدب للمبرّد، ج3، ص153؛ مستدرك الوسائل، ج14، ص62
[2] في لقاء مع علماء الدين والمبلّغين مع حلول شهر محرّم، لمزيدٍ من الاطلاع، انظر: في الاجتماع الكبير مع أهالي مشهد وزوّار الإمام الرضا (عليه السلام) 29/1/1370هـ.ش [18/4/1991م]
[3] في مراسم مبايعة أئمّة الجمعة، علماء الدين، المسؤولين، نوّاب مجلس الشورى الإسلاميّ، فئات الشعب المختلفة وعوائل شهداء أقاليم يزد وكهكيلويه وبوير أحمد العظماء 11/4/1368هـ.ش [2/8/1989م]
61
44
الفصل الثاني: الرفاه
تحقيق الرفاهية للناس وحلّ مشاكلهم فإنّ هذا يستدعي الابتعاد عن المعنويّات والأهداف! وهذا خطأ. إن هذا هو تصوّر السذّج والمغرضين ذوي المغالطة والتسويل. فالإسلام له خطّة وهدف من أجل دنيا الناس وآخرتهم. وعلى المسؤولين الإداريّين في البلاد أن يهتمّوا بأمور الناس الماديّة قدر اهتمامهم بأمورهم المعنويّة.
إنّ الأجانب يقولون في دعاياتهم: إنّه لو أرادت مجموعة أن تحلّ مشاكل الناس وترفع نسبة الإنتاج وتستخرج المعادن وتنشّط الصناعة وتنمّي الزراعة وتشغّل المصانع بكلّ طاقاتها، فلا بدّ أن هذا يعني تناسي أو إضعاف أو تهميش آمال ومعنويّات وأهداف الثورة. هذا الفكر هو فكر العدو الذي يريد إثارته في أذهان أبناء شعبنا، وإنه لممّا يبعث على الأسف الشديد أن يرى المرء بعض الأصدقاء وهم يردّدون كلام العدو هذا عن غفلة وسذاجة!
إنّ الدنيا والآخرة، والرفاهية والقيم العليا، يمكن أن يتقدّما معًا جنبًا إلى جنب. وإنّ التصور بأنّ المجتمع المنشد للقيم لن يتوصّل إلى حلّ المشكلات الماديّة والرفاهيّة هو بمعنى أن نقول بأنّ الأديان والمقدّسات والمعنويّات والقيم والمثل لا تفكّر في دنيا الناس وحياتهم! وهذا مخالف تمامًا لما يقول به الإسلام وكافة الأديان. من المتيقّن أنّ الانطلاق نحو حلّ عقد الناس وفتح الطريق أمام حياة مرفّهة وصحيحة وطيبة حتى يتمتّع الناس بالاستفادة من زيادة الإنتاج وانخفاض الأسعار والإمكانات الأخرى هو واجب إسلاميّ يقع على عاتق الجميع، ولا سيّما أنتم مسؤولي ومديري البلاد. إنّ هذا أمر عمليّ وهو بالتأكيد واحد من الأهداف الإسلاميّة وتطلّعات إمامنا العزيز.
إنّ المجتمع المؤمن والثوريّ سيحّل معضلة التعارض بين الدنيا العاجلة والدانية وبين الأهداف الخالدة والشاقّة(والبعيدة)
62
45
الفصل الثاني: الرفاه
لصالح هذه الثانية. إنّ الوصول إلى الأهداف أمر عسير، ولكنّ الشعب الإيرانيّ سيحقّق أهدافه ومعنويّاته الإسلاميّة إن شاء الله بخططه الشاملة والطويلة الأمد.[1]
ضرورة تأمين الرفاهيّة للفئات المحرومة
لكن في هذا المجتمع المرفّه، يجب أن لا يكون الشخص المستهدَف في خطط الرفاه لدينا، مرفّهًا بالأساس، بل يجب أن يكون المستهدف هو المحتاج وغير المرفه، علينا أن ننتبه لهذا الأمر. يعني على الحكومة أن تراعي في كلّ خططها هذا الموضوع، أن تعمل بطريقة يصل فيها نتاج العمل، بشكل مباشر إلى أيدي المحتاجين وأصحاب الظروف الاقتصاديّة الصعبة في المجتمع[2].
الفرق بين النظام الإسلاميّ والنظام الرأسماليّ
الأساس العامّ للسياسة الاقتصاديّة في البلاد، يقوم على تأمين شيئَين، الرفاه العامّ، والعدالة الاجتماعيّة. طبعًا ممكن للشخص المجدّ ومَن لديه مواهب وقابليّات أكثر، أن يحقّق لنفسه مكاسب أكبر، هذا لا مانع منه. لكن يجب القضاء على الفقر في المجتمع. يجب أن يكون هذا هو هدف المخطّطين، هيئة التخطيط في البلاد، يجب أن ترسم خططها على أساس هذه السياسة العامّة[3].
[1] في لقاء مع حجّة الله والمسلمين هاشمي رفسنجاني رئيس الجمهوريّة والهيئة الوزاريّة برفقة حجّة الإسلام والمسلمين الحاج السيّد أحمد الخمينيّ بمناسبة بدء عمل الحكومة 8/6/1368هـ.ش [/8/1989]
[2] في لقاء مع رئيس الجمهوريّة والهيئة الوزاريّة 31/5/1371هـ.ش [22/8/1992م]
[3] في إجراء مراسم تسليم السيّد هاشمي رفسنجاني مهام رئاسة الجمهوريّة 12/5/1372هـ.ش [3/8/1993م]
63
46
الفصل الثاني: الرفاه
الثبات على مبادئ الثورة يعني السعي من أجل رفاهية المستضعفين
تُصرُّ بعض وسائل الإعلام الخارجيّة المـُغرضة على الإيحاء بأنّ الالتزام بمبادئ الثورة يعني الابتعاد عن الرخاء العامّ وعدم معالجة معضلات الطبقات الضعيفة والمـُعدمة. تَصدر هذه الأقوال عمّن قادوا مجتمعاتهم لعشرات السنين في طريقٍ مُنتجٍ للكوارث تحت الظلال الثقيلة للفكر الشيوعيّ. وبينما كان زعماء تلك البلاد غارقين [كزعماء] الدول الرأسماليّة في حياةٍ مُتْرفةٍ؛ كانت طبقات المجتمع الدُّنيا تقضي حياتها ضمن أشكال مختلفة من الأزمات الماديّة والمعنويّة. يُعَدُّ القضاء على الفقر والحرمان في النظام الإسلاميّ من الأهداف ذات الأولويّة القصوى، والالتزام بمبادئ الثورة من دون الجهاد في سبيل إنقاذ المـُستضعفين والمحرومين؛ كلامًا لا معنى له وادّعاءً أجوف.
على الدولة والشعب أن يعدّا بناءَ البلد واجبًا ثوريًّا؛ وليجعلوا إيران عامرةً ومتطوّرة، بالتعاون وبتعبئة كافّة الطاقات والإمكانيّات والعقول والسواعد، بنحوٍ يُحيي الأملَ في قلوب الشعوب المظلومة، ويريها طريقَ الرخاء الماديّ والتسامي المعنويّ.[1]
الأهداف الروحيّة المرفقة بتنمية العدالة أنموذجٌ للبلد الإسلاميّ
إنّ لإيران الموحّدة بقوميّاتها المختلفة والمتعدّدة، هدفًا واحدًا
[1] رسالة بمناسبة مرور أوّل سنة على وفاة الإمام الخمينيّ (ره) 10/3/1369هـ.ش [31/5/1990م]
64
47
الفصل الثاني: الرفاه
ومسيرًا واحدًا. نعم، قد تختلف اللغات، وتتفاوت المذاهب، إلّا أنّ أهداف الشعب العليا واحدة، فالجميع يريد تقديم إيران العزيزة للعالم كأنموذجٍ لبلدٍ إسلاميّ. وأنموذج البلد الإسلاميّ لا يعني أن ينصرف الناس كلّهم فيه إلى الصلاة والصيام والدعاء والتوسّل. كلا، فهذا موجود وهو البعد المعنويّ، ولكن إلى جانب هذه المعنويّات، هناك التطوّر الماديّ، والتقدّم العلميّ، وتنمية العدالة، والحدّ من الفروق الطبقيّة، والقضاء على نماذج الأرستقراطية وقممها. هذه هي خصائص المجتمع الإسلاميّ. وحينئذٍ في مثل هذا المجتمع، يشعر الناس بالسعادة والأمن والاستقرار والهدوء، ويتقدّمون نحو أهدافهم العليا، يعبدون الله، ويكون التقدّم الدنيويّ أيضًا من نصيبهم، الشعب الإيرانيّ يسعى لتحقيق مجتمع كهذا.[1]
عجز الحضارة الغربيّة عن إيجاد الرفاهية العامّة
إذا ادّعى العالم الغربيّ الذي غزا الفضاء، وبما يمتلكه من الثروات الماديّة العظيمة والذي أغار على بلدان العالم الثالث ونهب ثرواته، بأنّه قضى على الفقر في البلدان المتقدّمة فاعلموا أنّ كلامه كذب. إذًا الحضارة الغربيّة لا يمكنها أن تمنح حياة الراحة الماديّة تلك والرفاهية لكلّ الناس.[2]
[1] في لقاء مع مختلف فئات الشعب 11/5/1395هـ.ش [1/8/1916م]
[2] في الاجتماع الكبير مع أهالي مشهد وزوّار الإمام الرضا (عليه السلام) 29/1/1370هـ.ش [8/4/1991م]
65
48
الفصل الثاني: الرفاه
ب- السُّبُل والآثار
الاقتصاد المقاوم هو الحلّ لإصلاح حياة الناس
أنا العبد أفكر كثيرًا في قضايا الناس المعيشيّة، وأحمل هاجسًا كبيرًا تجاه معيشة الناس، لكنّي كلّما فكّرت في هذا الموضوع، واستشرت الخبراء والمتخصّصين بالأمر، أجد أنّه لا سبيل للحلّ إلّا في الاتكاء بشكل حاسم على الطاقات الداخليّة. فما الفائدة والنفع من توافد التجّار الأجانب إلى بلادنا الذي لا ولم يُجدِ نفعًا حتى الآن؟ منذ سنة وهؤلاء يتردّدون على بلادنا باستمرار من دون أن يفعلوا شيئًا. ولو أرادوا فعل شيء، لكان ذلك هو السيطرة على الأسواق الإيرانيّة وهو ما يلحق بنا الضرر. فلا بدّ أن تكون نتيجة تردّد هذه الوفود هي الاستثمار، وتفعيل الإنتاج، والتكنولوجيا الجديدة في المجالات التي نحتاجها فيها. هذه هي الثمرة المطلوبة، وهي إمّا مفقودة أو قليلة. وعلى المسؤولين المحترمين الالتزام بهذه الأمور ومتابعتها، وهذا هو المراد من قولنا: “مبادرة وعمل”، بالتأكيد فإنّ المسؤولين مشغولون ويقومون بأعمالهم، ولكن ينبغي أن تكون حصيلة هذه الأعمال محسوسة وملموسة لدى الناس إن شاء الله، وهذا هو السبيل ... إذا أردنا إصلاح معيشة الناس، ومعالجة المشاكل التي يعانون منها، والقضاء على الفوارق الطبقية، علينا الاهتمام بالأمور المشار إليها.[1]
[1] في لقاء مع مختلف فئات الشعب 11/5/1395هـ.ش [1/8/2016م]
66
49
الفصل الثاني: الرفاه
الرفاه الاقتصادي متلازم مع الاستقلال السياسيّ والعدالة الاجتماعيّة
هل نريد “إيران” بعد عشرين سنة بهذه المواصفات التي أطرحها؟
إيران قوية؛ نريد إيران قويّة بعد عشرين سنة؛ أي أن لا تشعر بالخوف والرعب من تهديدات الأعداء، الصغار منهم أو الكبار، لا ينتابها القلق والتوهّم، تعتمد على مقدراتها الذاتيّة؛ ...
إيران مستقلة؛ أحيانًا، لا يشعر بلدٌ بالخوف من أعدائه الخارجيّين ولكنّه يعتمد على قوّة أخرى؛ تمامًا كالطفل الذي يشعر بالأمان اعتمادًا على قوّة أبيه. هل نريد أن نكون هكذا أم لا؟ نريد إيران قويّة بالاعتماد على نفسها، مستقلّة. نريد إيران متديّنة؛ إيران غنيّة؛ إيران تنعم بالعدالة؛ العدالة الاقتصاديّة والعدالة الاجتماعيّة والعدالة القضائيّة؛ إيران ذات حكومة شعبيّة؛ إيران ذات حكومة طاهرة ومجاهدة وحنونة وتقيّة؛ نحن نريد “إيران” كهذه؛ وبالطبع فإنّ هذه الأمور هي أهداف لازمة ومطلوبة.
إمّا أنّنا لا نولي أهميّة لهذه العناصر التي ذكرت؛ فلا نهتم كثيرًا بهذه المواصفات، أو حتى إنّنا نخالف بعضها؛ أي إنّنا نريد إيران تنعم بالازدهار الاقتصاديّ والرفاه، حتى لو كان ذلك على حساب تبعيّتها للآخر. وبالتأكيد فإنّه لا إمكان لهذا الأمر، وحاليًا فإنّ هذا البحث مطروح؛ بأنّ البلد التابع للآخرين من الناحية الاقتصاديّة لا يمكنه الوصول أصلًا للرفاه الاقتصاديّ. نعم، تتراكم الثروات عند البعض فيه، ولكن أن يصل الرفاه والهدوء الفكريّ والثبات الاقتصاديّ إلى هذا الشكل، فلا إمكان لهذا الأمر أبدًا. افرضوا الآن على سبيل المثال، أنّنا نريد أن نكون تابعين وأنّه لا يوجد مشكلة في التبعيّة من الناحية السياسيّة؛ كما يطرح البعض هذه الأفكار حاليًّا وبشكل
67
50
الفصل الثاني: الرفاه
صريح؛ فنصبح بلدًا يعتمد على إنتاج محصول واحد -تقريبًا كالوضع الحالي- فينتج النفط ويبيعه بشكل خام؛ بلدًا متفلّتًا من الناحية الأخلاقية، معرّضًا للانقسامات الاجتماعيّة والانقسامات القوميّة والدينيّة والمذهبيّة والسياسيّة؛ بلدًا تحكمه طبقة أرستقراطيّة، تمتلك ثروات ضخمة، كما هو الوضع في أمريكا -أي وول ستريت إيران[1]- في مقابل فقر وحرمان الأكثريّة؛ فهل نريد بلدًا بهذه المواصفات ومن هذا النوع؟ في أميركا، وفقًا للأخبار المعلنة، عندما ترتفع درجات الحرارة، يموت عدد من المواطنين من الحرارة؛ حسنًا، لا أحد يموت من شدة الحرارة في بيته؛ أي إنّ هؤلاء مشرّدون ولا يملكون بيوتًا، أو عندما تبرد الحرارة فإن الكثيرين يموتون من الصقيع، -تتسرب أحيانًا المعلومات والإحصاءات عن أمور كهذه وغالبًا لا تُعلن ويتمّ كتمانها- يعني أنّ هؤلاء ليس لديهم بيوت. في بلد يملك كلّ تلك الثروات -أمريكا بلد غنيّ- فإنّ هذا يدلّ على وجود ثروات مكدّسة في القمم وحولها وديان وسفوح من الفقر والحرمان والشقاء والإهمال.[2]
سياسات المبدأ 44؛ خطوة نحو الرفاه العام
هذه هي روح البند (الاصل) 44 [في قانون الجمهورية الاسلامية]؛ وسياسات البند 44. ليُعمل بنحو تصبح فيه مصادر دخل عامّة الناس، وخاصّة الطبقات الفقيرة منهم، متنوّعة. يمكن للناس أن يحدثوا انفراجًا؛ وهذه خطوة واسعة في طريق الرفاه العامّ.[3]
[1] وول ستريت شارع في مدينة نيويورك حيث تقع أكبر المراكز والبورصات الاقتصاديّة في أمريكا وهو رمز لأكثريّة الأغنياء الذين يشكلون واحدا في المئة من أميركا.
[2] في لقاءٍ مع جمع من أساتذة الجامعات 29/3/1395هـ.ش [18/6/2016م]
[3] خطابه في جمع من زوّار الحرم الرضويّ المطهّر ومجاوريه 1/1/1386هـ.ش [21/3/2007]
68
51
الفصل الثاني: الرفاه
الرفاه في إطار أحكام الإسلام هو إرادة أغلبيّة الناس
بديهيّ أنّ أغلبيّة الناس متديّنون وثوريّون، ويرغبون في القيام بما يوفّر لهم الرفاه والسعادة الدنيويّة في إطار الأحكام والتعاليم الإسلاميّة. ومن حسن الحظّ، أنّ كلّ هؤلاء السادة الذين ترشّحوا لرئاسة الجمهوريّة، قد أعلنوا أنّهم ينوون العمل بهذا النحو. ونحن أيضًا سنتوقّع منهم هذا.[1]
رفاه الطبقات المحرومة؛ هاجس الإنسان المؤمن والحكومة الإسلاميّة وهمّهما
إن هذه المجموعة التي نمثلها نحن -هذا الجمع الحاضر يمثل تقريبًا مسؤولي أهم القطاعات الرئيسيّة والمفتاحيّة في الجمهوريّة الإسلاميّة- بين يديها فرصة استثنائيّة لتتمكّن من تحقيق وتطبيق الأهداف الإسلاميّة الإلهيّة، في واحدة من المناطق المهمّة في العالم، وهي بلادنا العظيمة والعزيزة إيران.
.. بشكل عامّ على عاتقنا وظائف، سواء كنّا جزءًا من الدولة والحكومة، أو أفرادًا مسلمين. لكن هذه الوظائف لها مبناها الفكريّ.
مجموعة المعارف تلك أو الرؤية الكونيّة الإسلاميّة، التي نحصل من خلالها على الخطوط الرئيسيّة لعملنا ووظائفنا، لها فصول متعدّدة، جميعها لها تأثير على عمل وفعل الفرد والدولة، وأنا اخترت الخمس نقاط الأكثر أهميّة في هذا الإطار لأطرحها. الآن على أساس هذه المبادئ النظريّة تترتب نتائج
[1] من حوار صحفي له بعد التصويت في انتخابات رئاسة الجمهوريّة 2/3/1376هـ.ش [23/5/1997م]
69
52
الفصل الثاني: الرفاه
عمليّة ووظائف على عاتق الناس الذين يعتقدون بها. وهذا الأمر لا يختلف سواء كانت الحكومة إسلاميّة والحاكميّة والسلطة بيد أهل الحقّ، أو لم تكن حكومة إسلاميّة... الوظيفة الثانية، أن نتخذ من تكامل الإنسان هدفًا، تكامل أنفسنا وتكامل الآخرين. هذا التكامل يشمل التكامل العلميّ، والتكامل الفكريّ، والتكامل الروحيّ والأخلاقيّ والاجتماعيّ والسياسيّ- يعني تكامل المجتمع- والتكامل الاقتصاديّ، يعني تأمين الحياة المرفّهة للناس. وظيفة الجميع السعي لتحقيق هذه الأشياء: نشر العلم والتقدّم العلميّ ليكون في متناول الجميع، حاكميّة الفكر الصحيح والسليم، التكامل والسموّ الروحيّ والمعنويّ والأخلاقيّ، الأخلاق الكريمة ومكارم الأخلاق، تطوّر المجتمع البشريّ- ليس فقط من الناحية المعنويّة والعلميّة والأخلاقيّة للفرد، بل أخذ المجتمع ككلّ بالحسبان- التقدّم في الأمور الاقتصاديّة وعلى صعيد رفاه الناس، يجب أن نأخذ بأيدي الناس إلى الرفاه والتنعّم ما أمكن من إمكانات الحياة. هذه واحدة من وظائف الجميع، وليست خاصّة بمرحلة السلطة والحكومة، كما إنّ لهذه الوظيفة وجود وحيّز حتى في زمن الحكومات غير الإلهيّة.[1]
إيجاد الرفاهية بغية تأمين كرامة الشعب الإنسانيّة
كنت قد نبّهتُ إلى هذه النقطة في رسالة لكم أيّها الأعزّاء، بمناسبة افتتاح المجلس، وهو أنّه لا يمكن القيام بكلّ الأعمال دفعة واحدة، بل يجب مراعاة الأولويّات. اليوم يجري الحديث كثيرًا، ويُطرح موضوع شأن وشخصيّة وشرف وكرامة الإنسان في
[1] في لقاء مع المسؤولين والموظّفين الرسميّين في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة 12/9/ 1379هـ.ش [2/11/2000م]
70
53
الفصل الثاني: الرفاه
عمليّة ووظائف على عاتق الناس الذين يعتقدون بها. وهذا الأمر لا يختلف سواء كانت الحكومة إسلاميّة والحاكميّة والسلطة بيد أهل الحقّ، أو لم تكن حكومة إسلاميّة... الوظيفة الثانية، أن نتخذ من تكامل الإنسان هدفًا، تكامل أنفسنا وتكامل الآخرين. هذا التكامل يشمل التكامل العلميّ، والتكامل الفكريّ، والتكامل الروحيّ والأخلاقيّ والاجتماعيّ والسياسيّ- يعني تكامل المجتمع- والتكامل الاقتصاديّ، يعني تأمين الحياة المرفّهة للناس. وظيفة الجميع السعي لتحقيق هذه الأشياء: نشر العلم والتقدّم العلميّ ليكون في متناول الجميع، حاكميّة الفكر الصحيح والسليم، التكامل والسموّ الروحيّ والمعنويّ والأخلاقيّ، الأخلاق الكريمة ومكارم الأخلاق، تطوّر المجتمع البشريّ- ليس فقط من الناحية المعنويّة والعلميّة والأخلاقيّة للفرد، بل أخذ المجتمع ككلّ بالحسبان- التقدّم في الأمور الاقتصاديّة وعلى صعيد رفاه الناس، يجب أن نأخذ بأيدي الناس إلى الرفاه والتنعّم ما أمكن من إمكانات الحياة. هذه واحدة من وظائف الجميع، وليست خاصّة بمرحلة السلطة والحكومة، كما إنّ لهذه الوظيفة وجود وحيّز حتى في زمن الحكومات غير الإلهيّة.[1]
إيجاد الرفاهية بغية تأمين كرامة الشعب الإنسانيّة
كنت قد نبّهتُ إلى هذه النقطة في رسالة لكم أيّها الأعزّاء، بمناسبة افتتاح المجلس، وهو أنّه لا يمكن القيام بكلّ الأعمال دفعة واحدة، بل يجب مراعاة الأولويّات. اليوم يجري الحديث كثيرًا، ويُطرح موضوع شأن وشخصيّة وشرف وكرامة الإنسان في
[1] في لقاء مع المسؤولين والموظّفين الرسميّين في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة 12/9/ 1379هـ.ش [2/11/2000م]
71
54
الفصل الثاني: الرفاه
ضرورة تأمين الرفاه للطبقات المحرومة مرفقًا بالاعتماد على أنفسهم
- السياسات العامّة للبرنامج السادس لتنمية -الأمور الاقتصاديّة...
41- بناء القدرات والاعتماد على النفس لدى الطبقات والفئات المحرومة في البرامج المرتبطة بالرفاه والضمان الاجتماعيّ.[1]
لي تمنٍّ مؤكّد على الهيئة العليا والرئيس المحترم لهذه المؤسّسة الثوريّة[2] أن يخطوا، بالاستعانة بالله المتعال والاستفادة من التجارب المهمّة الموجودة، الخطوات الأساسيّة والتكميليّة في تحقّق الهدف النوارنيّ لهذه المؤسّسات الإلهيّة والذي هو بناء القدرات وتنمية الاستعدادات وتحقيق الاعتماد على النفس لدى المحتاجين والمحرومين وتقوية إيمانهم وعقائدهم وتطويرهما من خلال تقديم الخدمات الاجتماعيّة، والثقافيّة، والمعيشيّة وتوفير الدعم لهم.[3]
ضرورة بذل المسؤولين أقصى جهودهم من أجل تحقّق الرفاه العامّ
عليكم العمل مهما أمكنكم من أجل توفير الرفاه للناس، واسعوا مهما أمكن لزيادة الدخل الوطنيّ؛ ابذلوا ما بوسعكم لإنتاج الثروة في البلاد؛ أمّا لأنفسكم فلا. فعلى المسؤولين طالما
[1] الإعلان عن السياسات العامّة للبرنامج السادس للتنمية 9/4/1394هـ.ش [30/6/2015م]
[2] إشارة إلى لجنة إمداد الإمام الخميني (ره) 9/4/1394هـ.ش [[30/6/2015م]
[3] خطابه لدى تعيين الرئيس وأعضاء هيئة الأمناء في لجنة إمداد الخميني (ره) 16/1/1394هـ.ش [5/4/2015م]
72
55
الفصل الثاني: الرفاه
هم موجودون في مواقع المسؤوليّة بالحدّ الأدنى، أن لا يُقبلوا على الحياة المرفّهة.[1]
تأمين الرفاه في المجتمع في ظلّ تعاليم الإسلام
إنّ الحياة الماديّة تقع ضمن نطاق الإيمان بالله. فالإيمان بالله تعالى إذًا، لا يضمن السعادة المعنويّة فحسب، بل السعادة الماديّة أيضًا. إنّ الإيمان بالله تعالى يمكّن الناس من الحصول على كلّ الأشياء التي يحتاجونها في حياتهم الماديّة ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم﴾. لو أنّ الدين أقيم وعُمل بالتعاليم الإسلاميّة في المجتمع فإنّ الناس سيصلون من حيث الرفاهية إلى حيث لا يبقى أي شيء من حاجاتهم غير متوافر[2].
إيجاد الرفاه في المجتمع مقدّمة للتعريف بفكر الثورة
الشعب الذي يتحرّك ويسير وفق الإيمان الإسلامي الصادق والصحيح، سيتمتّع بالعزّة والراحة والرفاه المادّي، ولن يستطيع أحد بعدُ فرض شيء عليه. إنّنا بفضل الله، وفي ظلّ إيمان شعبنا العميق سنتمكّن من إيجاد مجتمع عامر وحرّ ومرفّه ومرتاح في هذه البقعة من العالم، ستكون مشاهدته درسًا للشعوب، وتؤدّي إلى تقديم فكر الثورة وتعريفه [لهذه الشعوب].[3]
[1] خطابه لدى لقائه القادة والمسؤولين في نظام جمهوريّة إيران الإسلاميّة 16/5/1390هـ.ش [7/8/2011م]
73
[2] في اجتماع مع زوّار ومجاوري الحرم الرضويّ المطهّر 1/1/1389هـ.ش [21/3/2010م]
[3] خطابه في مراسم بيعة شرائح الناس المختلفة في محافظة كرمانشاه ومدن رشت، آراك، سربند، فردوس ، طبس، خوانسار، بيدخت، كناباد وجويبار 14/4/1368هـ.ش [5/7/1989م]
56
الفصل الثاني: الرفاه
هم موجودون في مواقع المسؤوليّة بالحدّ الأدنى، أن لا يُقبلوا على الحياة المرفّهة.[1]
تأمين الرفاه في المجتمع في ظلّ تعاليم الإسلام
إنّ الحياة الماديّة تقع ضمن نطاق الإيمان بالله. فالإيمان بالله تعالى إذًا، لا يضمن السعادة المعنويّة فحسب، بل السعادة الماديّة أيضًا. إنّ الإيمان بالله تعالى يمكّن الناس من الحصول على كلّ الأشياء التي يحتاجونها في حياتهم الماديّة ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم﴾. لو أنّ الدين أقيم وعُمل بالتعاليم الإسلاميّة في المجتمع فإنّ الناس سيصلون من حيث الرفاهية إلى حيث لا يبقى أي شيء من حاجاتهم غير متوافر[2].
إيجاد الرفاه في المجتمع مقدّمة للتعريف بفكر الثورة
الشعب الذي يتحرّك ويسير وفق الإيمان الإسلامي الصادق والصحيح، سيتمتّع بالعزّة والراحة والرفاه المادّي، ولن يستطيع أحد بعدُ فرض شيء عليه. إنّنا بفضل الله، وفي ظلّ إيمان شعبنا العميق سنتمكّن من إيجاد مجتمع عامر وحرّ ومرفّه ومرتاح في هذه البقعة من العالم، ستكون مشاهدته درسًا للشعوب، وتؤدّي إلى تقديم فكر الثورة وتعريفه [لهذه الشعوب].[3]
[1] خطابه لدى لقائه القادة والمسؤولين في نظام جمهوريّة إيران الإسلاميّة 16/5/1390هـ.ش [7/8/2011م]
[2] في اجتماع مع زوّار ومجاوري الحرم الرضويّ المطهّر 1/1/1389هـ.ش [21/3/2010م]
[3] خطابه في مراسم بيعة شرائح الناس المختلفة في محافظة كرمانشاه ومدن رشت، آراك، سربند، فردوس ، طبس، خوانسار، بيدخت، كناباد وجويبار 14/4/1368هـ.ش [5/7/1989م]
73
57
الفصل الثالث: الترف
الفصل الثالث: الترف
أ - ضرورة الاجتناب؛ البيان والتبيان
النزعة الاستهلاكيّة تعني إنفاق المدخول في الأمور غير الضروريّة
لماذا تنتشر النزعة الاستهلاكيّة بين كثيرين من أبناء شعبنا؟ وهل النزعة الاستهلاكيّة مفخرة؟ النزعة الاستهلاكيّة تعني أن نصرف كلّ ما نجنيه في أمور ليست من ضروريّات حياتنا.[1]
الإسلام يدعو إلى إنتاج الثروة ولكن من دون النزعة الاستهلاكيّة
إنّ الإسلام لا يحرّم إنتاج الثروة، فهناك فرق بين إنتاج الثروة ونهب ثروات الآخرين. فأحيانًا يمدّ الإنسان يدهُ إلى الأموال العامّة، أو يحصل على أرباح ماديّة من دون ضابطة قانونيّة، فهذا ممنوع ومحرّم، وأمّا إذا كانت الطرق قانونيّة فإن إنتاج الثروة يكون مستحسنًا ومطلوبًا في نظر الإسلام، وفي رأي الشارع المقدس. فلتنتج الثروة، ولكن دونما إسراف. فالاستهلاك المفرط لا يقبله الإسلام؛ وما يمكن الحصول عليه من خلال إنتاج الثروة
[1] خطابه في لقاء الشباب في محافظة خراسان الشماليّة 23/7/1391هـ.ش [14/10/2012م]
75
58
الفصل الثالث: الترف
يمكن توظيفه بالأسلوب نفسه في إنتاج آخر للثروة. فلا تجمّدوا الأموال -وهو ما يعبّر عنه في الإسلام بالاكتناز- ولا تبذّروها تبذيرًا بأن تنفقوها في ما لا ضرورة له في الحياة، بل أنتجوا الثروة لأنفسكم مع الالتفات إلى هذا الأمر. ثروة الأفراد من الشعب هي ثروة البلد كلّه؛ والجميع يستفيد منها.[1]
من بين قيم الثورة ابتعادُ المسؤولين عن الكماليّات
تُعدّ الثورةُ تحوّلًا أساسيًّا بناءً على سلسلة من القيم، وحركةً نحو الأمام. ما حدث في بلدنا هو ثورة إسلاميّة كانت تحوّلًا عظيمًا في الأركان السياسيّة والاقتصاديّة والثقافيّة للمجتمع، وحركة إلى الأمام، ومبادرة نحو تقدّم هذا البلد وهذا الشعب. بالتأكيد، في النظام الذي تشكّل على أساس الثورة، لم نحتذِ حذوَ الشرق ولا الغرب ... قدوتنا كانت قيمًا أخرى وقد أشرت إلى بعضها.
هناك قيمة أخرى هي الابتعاد عن الإسراف والكماليّات على مستوى المسؤولين. حتمًا، الترف والإسراف مذمومان في كلّ مكان وبالنسبة إلى الجميع؛ لكنّ الشيء الذي يجعل الناس يظهرون حساسيّة تجاه هذا الأمر، هو السلوكيّات الإسرافيّة والمترفة وهدر أموال الناس على مستوى الحكومة. هذا من جملة الأمور التي لم يكن الناس يريدونها. وقد تشكّل النظام الإسلاميّ على أساس هذه القيمة وهي أن لا يكون مثل هذا الأمر موجودًا.
[1] في اجتماع كبير مع زوّار ومجاوري الحرم الرضويّ المطهّر 1/1/1386هـ.ش [21/3/2007م]
76
59
الفصل الثالث: الترف
الخطر الكبير على المسؤولين
ممثّل الشعب هو من جنس الشعب. أنتم لم تذهبوا إلى المجلس النيابيّ من القصور الفارهة والعائلات الأرستقراطيّة، بل من بين الناس، ومن المدرسة والحوزة والجامعة ومن ميادين العمل. حافظوا على هذه العلاقة وهذه السيرة واحتفظوا بها لأنفسكم. فالعادات الأرستقراطيّة والنزوع إلى الإسراف وعدّ هذه المسؤوليّة طعمةً، بلاءٌ كبير، قد لا يستطيع حتّى من كان فيما مضى من أهل التقوى والعفّة، تجنّبه واتّقاءه. علينا جميعًا مراقبة أنفسنا بقوّة، وأن نجعل “مدة مسؤوليّتنا” حسنةً جارية، لا سيّئة مكبِّلة مقيِّدة.[1]
التوصية إلى ممثّلي المجلس عدم الاهتمام بالكماليّات
أوصي الإخوةَ والأخوات النوّاب بمراعاة التقوى، والتوكّل على الله، والاهتمام بالأمور المعنويّة والأخلاق والعبادة، وعدم الاهتمام بالشكليّات الزائدة والكماليّات المصحوبة بالإسراف، واجتناب التحزّبات، وتقديم مصلحة البلد والشعب على المصلحة الخاصّة والحزبيّة، والإذعان للحقّ، وتجنّب [إصدار] الواسطة الخاصّة والتوصيات الشخصيّة [للبعض]، والابتعاد عن الإسراف من بيت المال، والمحبّة والمودّة للمنافسين في مرحلة الانتخابات، والحذر من وسوسة الشيطان وإغواء النفس الأمّارة.[2]
[1] رسالة بمناسبة شروع أعمال الدورة الثامنة لمجلس الشورى الإسلامي 7/3/1387هـ.ش [27/5/2008م]
[2] رسالة بمناسبة افتتاح الدورة الرابعة لمجلس الشورى الإسلاميّ 7/3/1371هـ.ش [28/5/1992م]
77
60
الفصل الثالث: الترف
تغيير ديكور غرف المسؤولين إثم وخطأ
انتبهوا قليلًا؛ مصاريف الحكومة كثيرة وكبيرة. ومصاريف الحكومة الكثيرة قد تؤدّي إلى رفع الدعم مثلًا عن القسم الكذائي. هذه سياسة صحيحة وقويّة ومنطقيّة؛ لا شكّ فيها، وينبغي أن تؤدّى، ولا بدّ من ذلك، ومن وقوع بعض الضغوط على الناس؛ لكن لنجعل هذه المصاريف والنفقات منصفة، ولا نضيف بأنفسنا شيئًا على هذه المصاريف.
وإذا ما صُرف مبلغ من نفقات الحكومة بهدف تغيير ديكور غرفة المدير العامّ ومعاون الوزير والوزير والمسؤول القضائيّ الفلانيّ، والمسؤول الفلانيّ في الأقسام المختلفة الأخرى، فإنّ هذا إثمٌ وخطأ. إذا كانت إحدى مصاريف الحكومة شراء عدد من السيّارات الجديدة وتقسيمها بين الأجهزة، فليس من حقّنا عدّ هذا الأمر جزءًا من مصاريف الحكومة ونقطع من أجل ذلك المساعدات عن الناس. لا، فهذا يُعدّ مخالفة. ولتضعوا حدًّا لهذه الأعمال. على الأجهزة أن تعمّم هذا الأمر وتضع حدًّا معيّنًا لتغيير الديكورات هذه وتغيير البيوت والنفقات الإضافيّة. أنا لا أقول بأن نكون كما يقول بعض المتشدّدين: لنجلس في المسجد ونقوم هناك بأعمالنا الوزاريّة؛ لا، لا يمكن القيام بالأعمال الوزاريّة في المسجد. فالقيام بالأعمال الوزاريّة يتطلّب مبنى مؤلّفًا من عدّة غرف وعددًا من المسؤولين، وبالنهاية بعض الإمكانات لمعيشة ذلك السيّد الذي يريد الخدمة؛ لكن يجب أن يكون ذلك بمقدارٍ معيّن وضمن حدود معيّنة.[1]
[1] خطابه لدى لقائه القادة والمسؤولين في نظام جمهوريّة إيران الإسلاميّة 23/5/1370هـ.ش [14/8/1991م
78
61
الفصل الثالث: الترف
إنتاج القمح في البلاد - تنفق الحكومة المال العام ومن ميزانيّة الشعب؛ لتستورد القمح من الخارج، وتحوّله إلى دقيق ثم عجين؛ ثم يكون خبزًا؛ وبعد ذلك، تُرمى ثلث هذه الثروة بعيدًا! كم هو مؤسف هذا الوضع! هذا -للأسف- واقع موجود.
وحول المياه، تقول الدراسات التي أجريت: إنّ إهدار المياه في الاستهلاك المنـزليّ يصل إلى نحو 22٪. بلدنا ليس بلدًا غنيًّا بالمياه، وعلى شعبنا الاقتصاد في استهلاك المياه إلى أقصى درجة. ثم إنّ هذا الماء الذي يتمّ إنتاجه بكلّ هذه الجهود والمشاقّ، ويُجَرّ عبر طرق ومسافات بعيدة؛ وتبنى السدود بتكاليف عالية، وتُستخدم كلّ هذه العلوم والتجارب والجهود؛ لكي يصل الماء إلى بيوتنا، وإذا بـ 22٪ من هذا الماء يُهدر! هذا بالنسبة إلى الاستهلاك المنـزليّ فقط، وأمّا الاستهلاك الخاص بالزراعة والصناعة، فيشهد، أيضًا، تبذيرًا من نوع آخر. فالإحصاءات التي أفادتنا بها الدراسات، تقول إنّنا نستهلك من الطاقة أكثر من ضعفَي متوسّط استهلاك الطاقة في العالم، سواء بالنسبة إلى الكهرباء أم حوامل الطاقة، أي: النفط، والغاز، والديزل (السولار)، والبنـزين. استهلاك هذه المواد في بلادنا أكثر من ضعفي متوسط الاستهلاك العالمي؛ هذا إسراف.. أليس إسرافًا؟!
ثمّة مؤشّر يسمّى مؤشّر “كثافة الطاقة”، أي: نسبة الطاقة المستهلكة إلى البضائع المنتجة. وكلّما كان استهلاك الطاقة أقلّ، كان ذلك أنفع للبلد. في هذا المجال، تصل كثافة الطاقة عندنا أحيانًا إلى أكثر من ثمانية أضعاف كثافة الطاقة، لدى بعض البلدان المتقدّمة! هذه نماذج للإسراف الموجود في المجتمع.[1]
[1] في الاجتماع الكبير مع زوّار ومجاوري حرم الإمام الرضا (عليه السلام) 1/1/1388هـ.ش [21/3/2009م]
80
62
الفصل الثالث: الترف
النزعة الاستهلاكيّة؛ من جملة العلاقات الاقتصاديّة الخاطئة
بإمكاننا القيام بتنمية نموذجيّة تقوم على ثقافتنا الإسلاميّة والوطنيّة، وهذه ليست مجرّد أمنية واهية، فبالإمكان تحويل إيران إلى بلد متطوّر من خلال مواصلة الطريق الذي سلكته الثورة حتى الآن، ولكن بسرعة أكثر، وتوجيه أقوى وأفضل، إلاّ أنّ هذا رهن بشروطه من تضافر الجهود الوطنيّة على نطاق واسع. إنّ هذه الجهود الشاملة تقوم على ثلاث محاور أساسيّة.
... المحور الثالث: إصلاح العلاقات الاقتصاديّة والاجتماعيّة، ويقع هذا على عاتق المسؤولين في البلاد والسلطات الثلاث، وعلى عاتق أفراد الشعب كافّة. إنّ العلاقات الاقتصاديّة والاجتماعيّة الخاطئة تعني شيوع التهريب، وأكل الربا، والإسراف في الاستهلاك والنزوع إلى التباهي [التفاخر] باستعمال المنتوجات الأجنبيّة في مقابل المنتجات الوطنيّة، وهذا يعني تعطيل العامل الإيرانيّ عن العمل لصالح العامل الأجنبيّ، فلا بدّ من التفاخر بالاستفادة من المنتوجات الوطنيّة لدى الشعب والمسؤولين. في الدرجة الأولى؛ ليهتمّ المسؤولون أنفسهم وأجهزة الدولة والسلطات الثلاث بهذه النقطة، وفي الدرجة الثانية أفراد الشعب أيضًا وليولونها كلّ الأهميّة.[1]
العدوّ ينتظر تسلّلَ نزعة البهرجة والترف إلى حياة العناصر الثوريّة
إنّ أهمّ مخطّط للعدوّ اليوم هو الانتظار، إنّهم ينتظرون ظهور أعراض هذه الجرثومة في جسد النظام الإسلاميّ السليم
[1] في الاجتماع الكبير مع أهالي همدان 15/4/1383هـ.ش [5/7/2004م]
81
63
الفصل الثالث: الترف
والقوي. لذا يجب علينا الحذر. إنّ الأعداء ينتظرون اليوم تنامي الفساد داخل البلاد وخلق الشكوك في أذهان الشباب وتغلُّب اللهو الفاسد والمانع للخير على الأهداف السامية، وإثارة النوازع الدنيويّة وحبّ الجاه والدّعة، وظهور معالم البهرجة والترف بين العناصر الثوريّة.[1]
ضرورة تجنّبِ سَوقِ الشعب باتجاه النزعة الاستهلاكيّة
إنّ الجنوح نحو الاستهلاك وبالٌ عظيم بالنسبة إلى لمجتمع، فالإسراف يضاعف ويُعمِّق الفوارق الطبقيّة بين الفقير والغني يومًا بعد يوم، وإنّ من الأمور التي يتعيّن على أبناء الشعب اعتبارها واجبًا بالنسبة إليهم هو تجنّب الإسراف، وعلى الأجهزة المسؤولة في مختلف مرافق الدولة لا سيّما الأجهزة الإعلاميّة والثقافيّة -وعلى وجه الخصوص الإذاعة والتلفزيون- أن ترى من واجبها ليس عدم جرِّ الجماهير باتجاه الإسراف والاستهلاك والبهرجة فحسب، وإنما سَوْقهم بالاتجاه المعاكس، ودعوة الناس وسوقهم نحو القناعة والاكتفاء والإنفاق بحسب الحاجة وتجنّب الإفراط والإسراف، فروح الاستهلاك تدمِّر المجتمع. إنّ المجتمع الذي يفوق استهلاكه على إنتاجه ستحيق به الهزيمة، وعلينا أن نتعوّد على موازنة استهلاكنا والحدِّ منه، وأن نسعى للتقليل من الإسراف.
ليبادر الشباب إلى إقامة التجمّعات العائلية وجمع معونات أبناء الأُسرة وإنفاقها على الفقراء والمعوزين من أبناء تلك العوائل بالدرجة الأولى، أو إنفاقها على سائر الفقراء إن لم تكن ثمّة حاجة.
[1] في لقاء مع قادة وأعضاء الحرس الثوري بمناسبة يوم الحرس 15/10/1373هـ.ش [6/3/1995م]
82
64
الفصل الثالث: الترف
ضرورة مراعاة الانضباط الاقتصاديّ والماليّ
وصيتي الثانية المهمّة أيضًا لمجتمعنا هي: “الانضباط الاقتصاديّ والمالي”، وهو أمر أتمنّاه من أفراد الشعب ومسؤولي الدولة وموظّفي الحكومة لهذا العام. الانضباط الاقتصاديّ والمالي يعني التصدي للبَعْثَرة والإسراف والتبذير. بَعْثَرَة الأموال والإسراف في الإنفاق والإفراط في الاستهلاك. ليست هذه خِصالًا حَميدة أبدًا، ولا اسمها جُودٌ وسخاء ولا كرم ولا طَبْعٌ كريم، اسمها “عدم الانضباط الاقتصاديّ والماليّ” فقط. إنّ الذين ينفقون عَبَثًا ويُبَذّرون في إنفاقهم على أنفسهم بإفراط، ولا يُراعون في ذلك ما هو مُتوافر في المجتمع من إمكانات اقتصاديّة؛ هم في نظري أشخاص غير منضبطين من ناحية الإمكانات الاقتصاديّة والماليّة. إذا استمرّ الوضع على هذا المنوال فإنّ هذا الشعب سيواجه مشكلة. إذا سُئِل أولئك الذين يُنفِقون عبثًا وبلا هوادة عن سبب هذا الإنفاق الباهظ، وعن سبب تلك الولائم العبثيّة وغير المـُبرّرة التي يُنظّمونها بكلّ ما فيها من بعثرة للمال؟ فسيكون جوابهم: نملك [المال] ونفعل [به ما نشاء]! فهل هذا دليلٌ كافٍ: إنّي أملك وأستطيع أن أنفق [كيفما شئتُ]؟ لا، ليس هذا سببًا مُقنِعًا أبدًا. يجب الإنفاق والاستهلاك بمقدار الضرورة والحاجة، لا سيّما بالنسبة إلى أولئك الذين ينفقون المال العام. هذا الكلام مُوجّهٌ إليهم أيضًا، كما لأولئك الذين يُنفقون أموالهم الشخصيّة بلا هوادة، لا ينبغي عليهم الإسراف. بعض الناس هم أثرياء، ولديهم دخلٌ حلالٌ، إن شاء الله -أولئك الذين يكسبون المال من الحرام وضعهم أسوأ- فهؤلاء إذ يُسرِفون ويُبَعْثِرون المال وإن كان وضعهم المادي مُرفّهًا بِعَبَثِيّة غير مُبرّرة ويعيشون كَعِلْيَة القوم؛ فهم يتصرّفون دون ضابط
83
65
الفصل الثالث: الترف
ماليّ واقتصاديّ. هذه التصرّفات اسمها بَعْثرة، وهي أمرٌ مذمومٌ ومُسْتَقْبَحٌ. وهي تشوّش على حياة الآخرين نفسيًّا. فمثلًا عندما تُنفقون مبالغ باهظة على المواد الغذائيّة في وليمة عادية؛ بينما لا ضرورة لذلك، وبينما يوجد إلى جانبكم وفي جِواركم أو في مكان بعيد، ولو في أقصى أنحاء البلد؛ من هم بأشدّ الحاجة إلى هذا الطعام لاستمرار حياتهم وحياة أبنائهم وأحبّائهم؛ فهل هذا التصرُّف تصرُّفٌ صحيحٌ في مثل هذه الظروف؟ إذًا، فالبَعْثرة في الأموال الشخصيّة والمـُكتَسبة من طريق حلال هي خطأٌ وتتعارض مع الانضباط. وأمّا أولئك الذين ينفقون أموال الدولة؛ فالأمر أشدُّ [عليهم]. أريد من مسؤولي الأمور [المالية] أن يُحْجِموا بشدّة عن إنفاق المال العام حيث لا أولوية لذلك، حتّى وإن كان ثمّة احتياج لذلك ولكنّه ليس مُلِحًّا. عليهم أن يُحجِمُوا عن انفاق ما لا أولوية له والتركيز على ما له أولوية. وحيثُما لا توجد ضرورة ولا حاجة فلا يُنفقْ البتّة. وعندما تقتضي الحاجةُ الإنفاقَ بينما توجد حاجة أكثر إلحاحًا؛ فلا يُنفق هُنا أيضًا، ولْيَكُن الإنفاقُ للحاجة الأكثر إلحاحًا وأشدّ. هذه أيضًا وصيّتي لهذا العام، وأرجو من مسؤولي الدولة أن يُولوا المسألة الاهتمام أيضًا. بعبارة أخرى، على المعنيين بالشؤون الثقافية الاهتمام بالشأن الثقافيّ، وعلى المعنيين بقضايا الاقتصاد والإدارة والحكومة والأمور التنفيذية الاهتمام بالشأن التنفيذيّ.[1]
معارضة النزوع المفرط نحو الكماليّات
إنّني لا أعارض التظاهر بالكماليّات والنزوع نحو الكماليّات في حدّه المعتدل والقليل والضروري؛ لكن إن أصبح أساسًا لظهور
[1] رسالة النيروز بمناسبة حلول العام الجديد 1/1/1374هـ.ش [21/3/1995م]
84
66
الفصل الثالث: الترف
المنهج الإفراطيّ، فهو أمر غير مقبول أبدًا. ينبغي للسيدات أن يولين الأهميّة الكبرى للاقتصاد في الملبس، والزينة، والديكور والذهب والمجوهرات، ولعدم الاعتناء بهذه الأمور، عسى إن شاء الله يتمّ التوجّه والاهتمام بالتأنّق والجماليّات الأكثر واقعيّة، بدل هذه الجماليّات الظاهريّة.[1]
من علامات المرأة المسلمة عدم الاهتمام بالكماليّات والمظاهر
على المرأة المسلمة أن تسعى في طريق التألّق والعلم؛ في طريق بناء النفس المعنويّ والأخلاقيّ؛ وأن تكون السبّاقة في ميادين الجهاد والكفاح، من أيّ نوع كانا؛ أن لا تهتمّ بزخارف الدنيا والمظاهر والكماليّات غير ذات الأهمّيّة.[2]
ب- الأسباب الموجبة لروحيّة النزوع نحو الكماليّات
النزعة الاستهلاكيّة من المواريث السابقة
المنهج الإسلاميّ هو [منهج] التبيين، وهذا التبيين هو الذي جعل الثورة الإسلاميّة تتغلب على كثير من الخلفيات التاريخية وحالات التربية المغلوطة. طبعًا لم نستطع التغلب على بعضها
[1] خطابه لدى لقائه عضوات المجلس الثقافي ـ الاجتماعي النسائيّ، وجمع من الطبيبات المختصّات، ومسؤولي المؤتمر الأوّل للحجاب الاسلامي، بمناسبة مولد السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام 4/10/1370هـ.ش [25/1/1991م]
[2] خطابه في لقائه مع جمع من النساء بمناسبة مولد السيّدة الزهراء (عليها السلام)، ويوم المرأة 25/9/1371هـ.ش [16/12/1992م]
85
67
الفصل الثالث: الترف
حتّى الآن، وتلك لها محفّزات أخرى - كهذه النـزعة الاستهلاكيّة والإسراف وما شاكل- هذه من موروثاتنا من الماضي وما زلنا نحتفظ بها للأسف. علينا نحن الشعب الإيرانيّ أن نخلع هذا الرداء النشاز القبيح عن أجسادنا. نحن استهلاكيّون جدًا. وهذه مشكلة يجب حلّها. على الجميع أن يتعاضدوا ويعالجوا هذه القضيّة. طبعًا للإذاعة والتلفزيون دورها في هذا بلا شك.[1]
ترويج النزعة الاستهلاكيّة أحد أهداف العدوّ في الغزو الثقافيّ
الصنم الذي يُرغَم على عبادته وإطاعته -اليوم- كثيرون من الناس في العالم ومن بينهم كثيرون من المسلمين -بالجبر والفرض- هو صنم القوة الأميركيّة التي تسلّطت على جميع الشؤون الثقافيّة والسياسيّة والاقتصاديّة للمسلمين وغدت تحرّك الشعوب -سواء بإرادتهم أو رغمًا عنهم- باتجاه مصالحها وأهدافها التي تقف في مواجهة مصالح المسلمين. العبادة هي هذه الطاعة العمياء نفسها التي تُفرض اليوم على الشعوب استجابةً لإرادة الاستكبار وعلى رأسه أمريكا ويتمّ سوقهم بطرق مختلفة إلى التسليم بهذه الطاعة.
ثقافة الفساد والفحشاء التي يتمّ ترويجها بين الشعوب بواسطة أيادي الاستعمار وثقافة الاستهلاك التي، يومًا بعد يوم، تجذب شعوبَنا أكثر فأكثر نحو مستنقعها حتى يزداد ربح الشركات الغربيّة التي تشكّل عقل وقلب محور الاستكبار، السلطة السياسيّة للغرب المستكبر التي شُيّدت قواعدها بواسطة الحكومات العميلة
[1] في لقاء مع أساتذة وطلّاب جامعات شيراز 14/2/1387هـ.ش [3/5/2008م]
86
68
الفصل الثالث: الترف
والمعادية للشعوب، الحضور العسكريّ الذي يتّخذ شكلًا أكثر وضوحًا تحت أي ذريعة كانت، هذه الأمثال وغيرها هي جميعها مظاهر لذلك الشرك ولعبادة الأصنام التي تخالف تمامًا النظام التوحيدي والحياة التوحيديّة التي أرادها الإسلام للمسلمين.[1]
إذا تمكّن العدوّ من تحويل الأمّة إلى أمّة لا تتمتّع بعقيدة النضال، ويائسة من الانتصار، وتفتقد إلى الزهد أمام المظاهر الشهوانيّة والماديّة، عندئذٍ يكون العدوّ قد انتصر. من هنا فإنّ النضال الثقافيّ هو أكثر النضالات وجوبًا.[2]
التركيز على النزعة الاستهلاكيّة مع دخول الثقافة الغربيّة
أرى أنّ مسؤوليّة فريقكنّ اليوم[3]، وواجب كلّ فريق نسائيّ يعمل بطرق وأهداف مختلفة، هي أن يمحو القناعات الخاطئة التي غزت عقل المرأة الإيرانيّة عبر الثقافة الغربيّة والأوروبيّة. بالتأكيد كان هناك أيضًا قناعات خاطئة في الماضي، يعني الميل إلى بعض أشكال البذخ والترف، كان موجودًا في الماضي. وازداد انتشارًا مع دخول الثقافة الأوروبيّة، والميل إلى الموضة، والتجديد في الاستهلاك، هذا محسوب ومحضّر له، القائمون على السياسات الغربيّة -وأغلبهم من الصهاينة والمستعمرين- قاموا بذلك عن قصد ونية مبيّتة، هذه القناعات الخاطئة يجب أن تزيلوها [أيها الحضور]، وهذا غير ممكن ما لم تقدمّوا أبحاثًا وأعمالًا إسلاميّة. اذا ما حصل هذا، فإنّ جذور المشكلات
[1] رسالة إلى حجّاج بيت الله الحرام 26/3/1370هـ.ش [16/6/1991م]
[2] في لقاء مع المسؤولين والثقافيّين في البلاد بمناسبة يوم العمل ويوم المعلِّم 15/2/1372هـ.ش [5/5/1993م]
[3] مخاطبا عضوات المجلس النسوي الثقافي-الاجتماعي.
87
69
الفصل الثالث: الترف
التي تطرح عادة، مثل سوء الحجاب وانتشار الفساد والفحشاء وأمثالها، ستزول بنفسها. لأنّها غالبًا ما تكون معلولة [نتائج]؛ وعللها [واسبابها] هي هذه القناعات والثقافات التي يجب أن يُعمل عليها.[1]
الترف في المجتمع انعكاس للترف في حياة المسؤولين
أيّها الإخوة والأخوات! أينما كنتم وفي أيّ مسؤوليّة كنتم، عليكم أن تكونوا حذرين. فأيّ سلوك تسلكونه، وأيّ كلمة تقولونها، وأيّ حركة تأتون بها يمكنها أن تترك أثرًا باقيًا؛ يمكنها أن تترك تأثيرًا كبيرًا في حياة الناس. منذ سنوات وأنا أذكّر مرارًا بما يتعلّق بحياة الترف والمظاهر. وهذه الحياة لها جانبان: جانب بلحاظ أصل التعلّق بالكماليّات والمظاهر، وهذا أمر سيّئ ودون شأن الإنسان السامي؛ أي أحيانًا يتعلّق الإنسانُ بشيء غير ضروريّ هو دون شأن الإنسان؛ وعلاوة على ذلك هو عمل إسرافيّ؛ فيه تضييع لرؤوس الأموال، وهدر للأموال وهدر للثروات. هذا بُعد للقضيّة وهو أنّ أصل الإسراف قبيح؛ أصل الكماليّات المصحوب بالإسراف والإفراط أمر سيّئ؛ إلّا أنّ له جانبًا آخر لا يقلّ أهمّيّة عن الجانب الأوّل وهو تأثير ترفكم في حياة الناس. البعض يغفل عن هذا. عندما تجعلون وضع غرفكم ومكاتبكم ومحيط عملكم وحياتكم أمام أعين الناس على هذا النحو، فإنّ هذا سيكون درسًا عمليًّا، وسيترك أثرًا في كلّ من يراه. عليكم بالحدّ الأدنى مراعاة هذا الأمر.[2]
[1] في لقاء مع عضوات المجلس الثقافي ـ الاجتماعي النسائيّ 16/10/1369هـ.ش [6/1/1991م]
[2] خطابه لدى لقائه المسؤولين والعاملين في جمهوريّة إيران الإسلاميّة 4/10/1378هـ.ش [25/12/1999م]
88
70
الفصل الثالث: الترف
آفات وأضرار ابتلاء المسؤولين بحبّ الدنيا
قبل خمس أو ستّ سنوات أعلنتُ في رسالة إلى الهيئة الإسلاميّة للطلبة الجامعيّين -لأنّني حينها كنت ألاحظ بعض المسائل- وقلت: على بعض الأشخاص أن ينتبهوا لئلّا يصيروا أسرى لملذّات الدنيا. وإذا ما ابتُلي الشخص، الذي يرى لنفسه مسؤوليّة، بحبّ الدنيا والرفاه، فإنّ عمله سيؤول إلى الخسران والذلّ، وسيودي بأعمال الناس إلى الخراب والذلّ.[1]
البناء تبرير لعبادة الدنيا
البناء كان عمل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، لربّما كان هذا عمله حتّى في عهد الخلافة ـ وهذا أمر مشكوك به بالنسبة إليّ -لكنّه أمرٌ محسوم وقطعي في مرحلة ما قبل الخلافة، حيث كان يزرع بيديه كروم النخيل؛ ويحيي الأراضي الموات، ويزرع الشجر، ويحفر الآبار ويسقي الأراضي. هذا بناء! أمّا طلب الدنيا وحبّ المادّة هو العمل الذي كان يقوم به عبيد الله بن زياد ويزيد. متى أوجدَ هذان شيئًا وبنوه؟! هذان كانا يخرّبان، يأكلان، ويعيشان حياة الترف الكبير. لا ينبغي الخلط بين هذين الأمرين. هناك أشخاص اليوم يغرقون أنفسهم، باسم البناء، في المال والدنيا والمادّيات. هل هذا بناء؟! إنّ ما يفسد مجتمعنا هو الاستغراق في الشهوات؛ وتضييع روح التقوى والتضحية.[2]
[1] خطابه في لقاء شباب إقليم أصفهان 12/8/1380هـ.ش [3/12/2001م]
[2] خطابه في لقاء قادة الكتائب، والسرايا، والهيئات العاشورائيّة التابعة لقوّات التعبئة من كلّ أنحاء البلاد، بمناسبة استشهاد الإمام السجّاد(عليه السلام) 22/4/1371هـ.ش [13/7/1992م]
89
71
الفصل الثالث: الترف
خطر النزوع نحو الترف والكماليّات في مرحلة البناء
ما أريد قوله للمسؤولين وللشعب هو أن مخاطر حبّ الدنيا أكثر ما تكون في مرحلة إعادة البناء؛ ففي هذه المرحلة تتراكم الثروات، وتتهيّأ فرص ثمينة للعمل والنشاط الاقتصاديّ، والأبواب مشرّعة أمام أيّ جهد وعمل اقتصاديّ. وفي مثل هذه المرحلة ينفسح المجال أمام من أسرهم حبُّ الدنيا وخدعتهم زخارفُها، ومن يرجّحون مصالحهم الخاصّة على مصالح الوطن والشعب والثورة، وتسنح أمامهم الفرصة للإثراء والاستغلال واكتناز الأموال والانسياق وراء حياة الرفاه والبذخ. مرحلة البناء هي مرحلة الازدهار والتقدم وإعمار البلد، ولكن في الوقت نفسه تنطوي هذه المرحلة على خطر انسياق الناس الضعفاء وراء حياة الرغد والبذخ وتكديس الثروة وانتهاز الظرف الاقتصاديّ، ولهذا يتعيّن على الجميع توخّي الحذر سواء المسؤولين أم أبناء الشعب.[1]
الحرص على متاع الدنيا إحدى نقاط الضعف في المجتمع
نحن نعاني اليوم، للأسف، من الإسراف والنزعة الاستهلاكية. لقد قلتُ هذا مرارًا وأقوله مرّة أخرى، هذا خطر يعترض طريقنا. يجب التقليل من النزعة الاستهلاكيّة والحرص على الدنيا ومتاع الدنيا. ما إن تنتشر إشاعة بأنّ الشيء الفلانيّ قد ندر وشحّ حتى يهجم الناس لجمعِه وامتلاكه خوفًا من أن يفقدوه، والحال أنّ ذلك الشيء قد لا يكون من الأشياء الضروريّة في الحياة. وحتى لو لم تكن تلك البضاعة
[1] في الاجتماع الكبير مع الشعب في صحن الإمام الخمينيّ (ره) مشهد المقدّسة 1/1/1376هـ.ش [21/3/1997م]
90
72
الفصل الثالث: الترف
شحيحة فإنّ هجوم الناس عليها سيجعلها شحيحة، ونحن لا نتنبّه لهذه النقطة. هذه من مواضع ضعفنا، ويجب علينا التخلّص من هذا النقص والضعف.[1]
الترويج للنزعة الاستهلاكيّة من جملة الترويجات القبيحة لوسائل الإعلام في النظام البائد
من جملة الترويجات القبيحة التي عمل عليها النظام السابق وانتشرت في المجتمع وتجذّرت عبر الإذاعة والتلفزيون والصحف أمران؛ أحدهما الإسراف وثقافة الاستهلاك، والثاني الفحشاء والفساد الجنسي.[2]
النزوع نحو الموضة أحد أكبر عوامل انحراف المجتمع والنساء
باعتقادي، النزوع نحو الموضة والتبرج والتفنن بذلك والإفراط في التزيّن وإظهار النفس في مقابل الرجال هو أحد عوامل انحراف المجتمع وانحراف النساء. في مقابل ذلك، على النساء أن يبدين مقاومةً تجاه ذلك ويصمدن.
..هؤلاء محتاجون لتسويق نماذج جديدة من الموضة دائمًا وأن يشغلوا الأنظار والأذهان والقلوب بهذه الأمور الظاهرية والتافهة ليجعلوا من المرأة ذلك الكيان الذي يحلو لهم ويرونه مناسبًا لهم. كيف لمن شُغِل بهذه الأمور أن يصل إلى القيم الحقيقية؟ لن يجد وقتًا لذلك. المرأة التي تفكر دائمًا بأن تكون وسيلة لجذب أنظار
[1] في خطبتي صلاة الجمعة في طهران 14/11/1390هـ.ش [3/2/2012م]
[2] في خطبتي صلاة الجمعة في طهران 14/9/1365هـ.ش [5/12/1986م]
91
73
الفصل الثالث: الترف
الرجال لها كيف سيتسنّى لها أن تفكر بالطهارة الأخلاقية ويشغل بالها ذلك؟ هذا ما يريده هؤلاء.[1]
الظلم الأكبر بحقّ النساء
كم من المظالم التي أُبيحت بحق المرأة، بعضها سمّي ظلمًا، وبعضه لم يسمّ ظلمًا. لكنّه في الحقيقة ظلم، مثل دفعها إلى الاهتمام بالكماليّات والبذخ وزينة اللهو والمصاريف الباهظة والتحوّل إلى وسيلة للاستهلاك، هذا ظلم كبير للمرأة، ربما يمكن القول لا يوجد ظلم أكبر منه، لأنّه يجعلها غافلة ويصرفها بشكل كامل عن مبادئ وأهداف تطوّرها، ويلهيها بأشياء صغيرة وتافهة جدًّا. هذا ما تمّ فعله في زمن نظام الشاه الظالم والآن يجب أن يمنع. بالتأكيد في أوائل الثورة، كان الوضع جيّدًا جدًّا، لكن في ما بعد حصلت إهمالات يجب التخطيط لها جيّدًا.[2]
انحطاط النساء من خلال بلاء الاندفاع نحو التجديد في موضة الأزياء
يجب أن لا يكون الجمال والزينة مدعاةً لتفشّي الفساد والرذيلة في المجتمع، وأن لا يقود إلى إشاعة التحلل الخُلقيّ. ولكن كيف يشيع التحلّل الخلقيّ؟ لا شكّ في أنّ أساليب شيوعه واضحة؛ فإذا كانت علاقات الرجل والمرأة لا تخضع لحدود أو قيود، فهي
[1] في لقاء مع جمع كبير من الممرّضين بمناسبة مولد السيّدة زينب (س) ويوم الممرض 22/8/1370هـ.ش [13/11/1991م]
[2] في لقاء مع عضوات المجلس الثقافي ـ الاجتماعي النسائيّ 16/10/1369هـ.ش [6/1/1991م]
92
74
الفصل الثالث: الترف
تؤدّي تلقائيًّا إلى نشر الفساد. وكذلك فإن الغلوّ في الاندفاع نحو التجديد (الموضة) في الثياب والملابس ينتهي بإشاعة الفساد. إذا أصبح الاهتمام بالزينة والظاهر الجميل وأمثال ذلك هو الهاجس الأساسيّ والهمّ الرئيسيّ في الحياة فهو عين الانحطاط والانحراف، كما كان حال النساء من طبقة الأشراف ممن كُنَّ يجلسن خلف طاولة التجميل في عهد النظام البائد، هل تتصوّرون كم ساعة كُنَّ يجلسن على تلك الهيئة؟ كُنَّ يجلسن ست ساعات. وهذه حقيقة كانت لدينا معلومات دقيقة عنها حيث كانت بعض النساء تستهلك مثل هذا الوقت من أجل تجميل وجهها وتصفيف شعرها وإعداد نفسها للذهاب إلى حفلة زواج مثلًا. فإذا بلغت الأمور هذا الحدّ فهي عين الانحراف والانحطاط. ولكن لا إشكال في ترتيب المظهر والملبس بالشكل المناسب بعيدًا عن مظاهر التبرج والمباهاة.[1]
خطر النزوع نحو الترف والكماليّات عند النساء
هذا النزوع إلى الترف والكماليّات الذي ساد لعهود في مجتمعنا، كان قد ضعف شيئًا فشيئًا في أوائل الثورة ، أو أنّ النساء -بتعبير آخر- لم يكنّ يعتنين بالترف والزينة، لكن وللأسف قد عاد هذا الأمر .. ليروح في مجتمعنا. على النساء المفكّرات وذوات الفكر والمعرفة في مجتمعنا أن يحسبن هذا الأمر خطرًا. لا ينبغي جرّ النساء نحو النزعة الترفيّة. بالتأكيد هذا الخطر موجود بالنسبة للرجال أيضًا، غاية الأمر أنّه في النساء أكبر وإمكانيّاته
[1] في لقاء جمع من الشباب بمناسبة أسبوع الشباب 7/2/1377هـ.ش [27/4/1998م]
93
75
الفصل الثالث: الترف
أوسع. علاوة على هذا، في هذه المسألة يقع الكثير من الرجال في حالات كثيرة تحت تأثير زوجاتهم. عليكنّ حقيقة محاربة هذه المسألة؛ ومراقبة أنفسكنّ أيضًا.[1]
ج- النتائج
ضرورة تبيين أضرار النزعة الاستهلاكيّة للناس
الفقر موجود في مجتمعنا الآن. إنّ واجبنا كنظام إسلامي هو اقتلاع جذور الفقر؛ فيجب أن يمحى الحرمان من المجتمع، وهذه هي مسؤوليتنا نحن كدولة وكنظام إسلاميّ وجماهير شعب “كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته”[2] إنّه واجب الجميع أن يبادر كلٌّ منّا إلى تقليص حالة البهرجة والإسراف والإفراط بأي نحوٍ كان. وهذا هو الدرس من شهر رمضان؛ وهذا ما يستدعي همّةً وتضحيةً وبصيرةً ووعيًا، فلنطلب العونَ من الله سبحانه وتعالى[3].
القيم الإسلاميّة في ظلّ المظاهر والكماليّات
هذه المهور العالية جدًا التي يطلبونها في عقد زواج بناتهم، خطأ. لا نقول حرام، لكنّها ظاهرة سيئة وقبيحة في المجتمع، لأنّها تجعل قيمة الذهب والمال تطغى على القيم الإنسانيّة. لا ينبغي أن يكون الأمر كذلك في البيئة والمجتمع الإسلاميّ. هذا العمل نفسه وإن كان مباحًا لكنّ النبي (صلى الله عليه وآله) لم يفعله. البعض يقول النبي (صلى الله عليه وآله) حلّل
[1] خطابه لدى لقائه عضوات المجلس الثقافي-الاجتماعي النسائيّ، وجمع من الطبيبات المختصّات، ومسؤولي المؤتمر الأوّل للحجاب الإسلامي، بمناسبة مولد السيّدة فاطمة الزهراء (س) 4/10/1370هـ.ش [25/11/1991م]
[2] بحار الأنوار (ط.بيروت)، ج72،ص38.
[3] في خطبتي صلاة عيد الفطر 15/9/1381هـ.ش [6/12/2002م]
94
76
الفصل الثالث: الترف
أوسع. علاوة على هذا، في هذه المسألة يقع الكثير من الرجال في حالات كثيرة تحت تأثير زوجاتهم. عليكنّ حقيقة محاربة هذه المسألة؛ ومراقبة أنفسكنّ أيضًا.[1]
ج- النتائج
ضرورة تبيين أضرار النزعة الاستهلاكيّة للناس
الفقر موجود في مجتمعنا الآن. إنّ واجبنا كنظام إسلامي هو اقتلاع جذور الفقر؛ فيجب أن يمحى الحرمان من المجتمع، وهذه هي مسؤوليتنا نحن كدولة وكنظام إسلاميّ وجماهير شعب “كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته”[2] إنّه واجب الجميع أن يبادر كلٌّ منّا إلى تقليص حالة البهرجة والإسراف والإفراط بأي نحوٍ كان. وهذا هو الدرس من شهر رمضان؛ وهذا ما يستدعي همّةً وتضحيةً وبصيرةً ووعيًا، فلنطلب العونَ من الله سبحانه وتعالى[3].
القيم الإسلاميّة في ظلّ المظاهر والكماليّات
هذه المهور العالية جدًا التي يطلبونها في عقد زواج بناتهم، خطأ. لا نقول حرام، لكنّها ظاهرة سيئة وقبيحة في المجتمع، لأنّها تجعل قيمة الذهب والمال تطغى على القيم الإنسانيّة. لا ينبغي أن يكون الأمر كذلك في البيئة والمجتمع الإسلاميّ. هذا العمل نفسه وإن كان مباحًا لكنّ النبي (صلى الله عليه وآله) لم يفعله. البعض يقول النبي (صلى الله عليه وآله) حلّل
[1] خطابه لدى لقائه عضوات المجلس الثقافي-الاجتماعي النسائيّ، وجمع من الطبيبات المختصّات، ومسؤولي المؤتمر الأوّل للحجاب الإسلامي، بمناسبة مولد السيّدة فاطمة الزهراء (س) 4/10/1370هـ.ش [25/11/1991م]
[2] بحار الأنوار (ط.بيروت)، ج72،ص38.
[3] في خطبتي صلاة عيد الفطر 15/9/1381هـ.ش [6/12/2002م]
94
77
الفصل الثالث: الترف
ذلك، ولكن أنتم تحرّمونه؟! لا، نحن أيضًا لا نحرّمه. النبي لم يشأ أن يضيّق [على الأمّة]، ولم يضيّق. إن شئتم اذهبوا وافعلوا ما يحلو لكم، اجعلوا كلّ ما تملكونه في هذه الحياة جهازًا لابنتكم ومهرًا لعروسكم. البحث يدور حول أنّ هذا العمل غير صحيح ولا ينسجم مع العقل ومع التوجّهات والمصلحة [العامّة] الإسلاميّة.
النبي (صلى الله عليه وآله) زوّج ابنته، وأمير المؤمنين(عليه السلام) زوّج بناته، وعائلة النبي (صلى الله عليه وآله) كذلك، بمهر قدره خمس وعشرون أوقية[1] -مثقال الفضة المعمول به في ذلك الزمان-، كنّا قد حسبناه قبل سنة أو سنتين، هذا المقدار من الفضة، يعادل تقريبًا مبلغ اثني عشر ألف تومان فعليًّا.
وضع حياة الترف هذا، الزيادة في مظاهر البذخ يومًا بعد يوم على مستوى الحياة الشخصية، هذا خطأ. طبعًا في بعض الأحيان قد يتطلّب الأمر بعض المظاهر العامّة، كأن يتمّ تزيين الشوارع أو الساحات بشكل جميل، هذا ليس محلّ نقاش، البحث حول شخصي أنا وشخصك أنت.[2]
النزعة الاستهلاكيّة مضرّة بالجوّ الروحيّ
هذا هو ما أُوصي به كلَّ عام المسؤولين عن الحجّ والقائمين على شؤونه. إنّ النزوات التافهة والوضيعة من شأنها تلويث كلّ هذه الأجواء الروحيّة الصافية. إنّنا لا ندعو الناس إلى زهد أبي ذرّ فنحن أقلّ وأصغر من أن نفكّر في مثل هذا النوع من الزهد، بل
[1] معادل سبعة مثاقيل.
[2] في لقاء مع فئات الشعب المختلفة في التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك 26/1/1370هـ.ش [15/4/1991م]
95
78
الفصل الثالث: الترف
ندعو أنفسنا وندعوهم إلى عدم الإغراق في مثل هذه الأمور. إنّنا نفرط في الاستهلاك، وشدّة التعلّق، والملاحقة، وإيلاء الأهميّة للأشياء التافهة، وإنّ مثل هذا الإفراط يضرّ بالأجواء الروحيّة والمحيط الروحيّ.[1]
مفسدة رواج ثقافة الترف على جسم البلد الغضّ
إنّ انتشار ثقافة الإسراف والترف في المجتمع، وتنامي الميل نحو العنف أو عدم توقّفه، مضرّ ببعض أجزاء جسم البلد الغضّ.[2]
عدم انسجام روحيّة التعاطف مع روحيّة النزوع نحو الترف والكماليّات
لا نجعلنّ الأجواءَ أجواءَ مظاهر وترف واعتياد على الزخارف والبهارج؛ فاليوم إذا انتشرت روحيّة الترف هذه في مجتمعنا، والتي للأسف قد انتشرت أيضًا إلى حدّ كبير، فلن تُحلّ أساسًا كثير من مشاكل البلد الاقتصاديّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة. فالنزوع نحو حياة الترف والحياة الأرستقراطيّة له أضرار ومخاطر كثيرة: لن تتحقّق أبدًا العدالة الاجتماعيّة؛ ولن تتحقّق روحيّة الأخوّة والأُلفة والأنس والتعاطف التي هي كالماء والهواء بالنسبة لكثير من البلدان والمجتمعات، وعلى وجه الخصوص مجتمعنا. وهو نفسه التأثير [الذي يلقيه] كلامي وكلامكم وسلوكنا وعملنا في روحيّة
[1] في لقاء مع المسؤولين الثقافيّين والتنفيذيّين عن الحجّ 23/8/1386هـ.ش [14/11/2007م]
[2] في لقاء مع مسؤولي النظام في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة 16/5/1390هـ.ش [7/8/2011م]
96
79
الفصل الثالث: الترف
الناس. وهذا ما يزيد من أهميّة تقوانا كثيرًا. والسبب أنّني في هذه الأيّام الأخيرة أوصيت مرارًا وتكرارًا بتعاطف المسؤولين فيما بينهم، هو لتعلمَ التيّاراتُ والمناهج وأتباعهم بأنّ ما هو موجود بينهم ليس موجودًا بين المسؤولين. فالمسؤولون يختلفون فيما بينهم في السليقة، لا إنّهم غير مختلفين، لكنّ اختلاف السلائق أمر، وجعل اختلاف السلائق ذريعة من أجل النزاع أمرٌ آخر. وهذه الأخيرة تجعل حياة الناس مريرة.[1]
ميول المسؤولين نحو الترف أحد أسباب عدم حلّ بعض المشكلات
علينا -نحن المسؤولين- أن نحافظ على الروح الإسلاميّة في داخلنا والنأي عن النزعة الأرستقراطيّة، وأن نضع عن أيدينا وأقدامنا أغلال النفعية وحبّ الثراء واللهاث وراء المنافع الشخصيّة وحبّ البهرجة وما شابه ذلك؛ فإذا استعصى علاج مشاكلنا في أيٍّ من الحقول، فهذه هي أسبابه وعلينا إصلاحها.[2]
النزعة الاستهلاكيّة تمنع من إنفاق المال في طريق رضى الله
اهتمّوا بالجيران والفقراء، فإنَّ من الأمور التي تحول دون أن تَمتدَّ يد القادرين على المساعدة لتقديم العون للفقراء، تفشّي
[1] في لقاء مع مسؤولي النظام في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة 4/10/1378هـ.ش [25/12/1999م]
[2] في لقاء مع فئات الشعب المختلفة بمناسبة سنويّة تحرير خرمشهر 1/3/1381هـ.ش [22/5/2002م]
97
80
الفصل الثالث: الترف
روح الاستهلاك والبهرجة في المجتمع، فوبالٌ على المجتمع أن يتفاقم فيه الجنوح نحو الاستهلاك يومًا بعد يوم، بحيث يُرغَّبُ الجميع بالإفراط في الاستهلاك والإكثار والتنويع بالأكل والشرب واللباس والسعي وراء الصرعات (الموضات) وكلّ ما استجدّ من مستلزمات الحياة وكماليّاتها، فكم هي الثروات والأموال التي تُهدَر بهذا الاتجاه وتحول دون الإنفاق في المـَواطن التي تفضي إلى رضى الله وعلاج مشاكل فئات من الناس.[1]
الكماليّات من عوامل هدر بيت المال
إيلاء الأولويّة للمناطق المستضعفة، عدم التأثّر بنفوذ الأثرياء وجاذبيّة الثروة، المراعاة الدقيقة للقوانين وعدم تجاوزها بالحيل شبه القانونيّة، الرعاية الخاصّة للمحرومين، عدم التلوّث بالإسراف، وعدم هدر بيت المال عبر الكماليّات الزائدة والأسفار والمراسم غير الضروريّة، وبكلمة مختصرة، مراعاة التقوى والتدبير والسعي والجدّ والاستفادة من العلم والتجربة، هي المواد الأساسيّة في أولى توصياتي.[2]
دور الإسراف في تضرّر البلد
إنّنا شعب يتّسم بالإسراف، سواء أكان ذلك في الماء أو الخبز أو الأطعمة والمكسرات أو البنزين. إنّنا بلد نفطيّ، ولكنّنا نستورد أحد المنتجات النفطيّة، وهو البنزين! أفلا يبعث هذا على الدهشة
[1] في خطبتَي صلاة عيد الفطر 15/9/1381هـ.ش [6/12/2002م]
[2] رسالة إلى المجالس الإسلاميّة في المدن والقرى 5/2/1382هـ.ش [25/4/2003م]
98
81
الفصل الثالث: الترف
والعجب؟! إنّنا ندفع المليارات كلّ عام من أجل استيراد البنزين أو البضائع والسلع الأخرى، ولا لشيء سوى أنّ البعض منّا يهوى التبذير! فهل هذا صحيح؟! إنّ علينا النظر إلى هذه الظاهرة بصفتها عيبًا وطنيًّا. إنّ الإسراف مذموم، وحتى في الإنفاق في سبيل الله كما يقولون. إنّ الله تعالى يخاطب نبيّه في القرآن الكريم بالقول: ﴿لاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾.[1] فلا إفراط ولا تفريط حتى في الإنفاق في سبيل الله، بل إنّ خير الأمور أوسطها، فلنجعل من ذلك ثقافة وطنيّة. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾[2] فلا إسراف ولا تقتير؛ لأنّ الإسلام لا يوصي بذلك. إنّ الإسلام لا ينادي بالعيش في التريّض والزهد، بل ينادي بالحياة العاديّة والمتوسّطة. إنّ بعض القوى والحكومات الأجنبيّة تهدّدنا بالمقاطعة والحصار منذ سنوات -ولقد فعلوا ذلك مرات ومرات- وذلك لأنّهم يريدون استغلال هذه العادة السلبيّة والسيّئة. إنّ الحصار الاقتصادي يمكن أن يضّر كثيرًا بالمـُسرفين والمـُبذّرين، ولكنّه لا يشكّل أيَّ خطر على مَنْ يعيشون حياتهم بدقّة واعتدال بلا إسراف ولا تقتير. حسنًا، فليحاصروا. فلن يصيب الحصارُ مثلَ هذه الأمّة بأيِّ ضرر.[3]
أخذ أصحاب الفضيلة إلى المذبح من خلال الترويج للترف
عندما يأتي شخص مثل الإمام ويتسلّم زمام الأمور، فهذا يعني
[1] سورة الإسراء، الآية 29.
[2] سورة الفرقان، الآية 67.
[3] في خطبتَي صلاة عيد الفطر 21/7/1386هـ.ش [13/10/2007م]
99
82
الفصل الثالث: الترف
أنّ الأوضاع قد تغيّرت؛ فالشهوات وطلب الدنيا قد انزويا، والتعلّقات والفساد قد انزوت، والتقوى قد دخلت في العمل، وعلا شأن الزهد، وحلّ الإخلاص والنورانيّة، وراج الجهاد، والرأفة ببني البشر، وسادت الرحمة والمروءة والأخوّة والإيثار والتضحية. عندما يتسلّم الإمام زمام الأمور، فهذا يعني أنّ هذه الخصال ستسود، وأنّ هذه الفضائل ستعمّ؛ وأنّ هذه القيم ستُطرح. إن حافظتم على هذه القيم سيبقى نظام الإمامة. وعندئذ لن يجرّ أمثال الإمام الحسين (عليه السلام) إلى المذبح. لكن إذا فقدنا هذه الصفات فماذا سيحدث؟ إذا فكّرنا بترفنا الشخصيّ بدلَ الاهتمام بالتكليف والواجب والهدف الإلهيّ فماذا سيحصل؟ إذا ما نحّينا وعزلنا الشابّ التعبويّ، المؤمن، المخلص الذي لا يريد شيئًا سوى ساحة ليجاهد في سبيل الله، وسلّطنا الشخص الوقح الطمّاع المتطلّب الذي يفتقد للإخلاص والمعنويّات فماذا سيحلّ؟ حينذاك سيتغيّر كلّ شيء. وإذا كانت المدّة الزمنيّة الفاصلة بين رحيل الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) وبين استشهاد فلذة كبده خمسين سنة، فقد تكون هذه المدّة الزمنيّة في زماننا هذا أقصر، وستؤخذ الفضائل وأصحاب الفضيلة عندنا بأسرع من هذا الوقت إلى المذبح. علينا أن لا نسمح بهذا، وأن نقف في وجه الانحرافات التي قد يفرضها العدوّ علينا.
إذًا، الدرس المستفاد من عاشوراء هو أن لا ندع روح الثورة في مجتمعنا تذوي وأبناء الثورة يعتزلون. البعض اشتبهت عليهم الأمور. اليوم، بحمد الله، المسؤولون المشفقون والمحبّون ورئيس الجمهوريّة[1] الثوريّ والمؤمن على رأس الحكومة، ويريدون بناء البلد. لكنّ البعض خلط بين البناء والنزعة المادّيّة. فالبناء شيء،
[1] حجّة الإسلام هاشمي رفسنجاني
100
83
الفصل الثالث: الترف
والنزعة المادّيّة شيء آخر. البناء يعني أن يُعمّر البلد وأن تحصل الطبقات المحرومة على أسباب عيشها.[1]
التوجّه نحو الترف عائق في وجه البقاء على الثوريّة
الذين يتخلّفون عن طريق الثورة ومسيرتها ليسوا بالضرورة أفرادًا ناصَبوا الثورةَ العداء منذ البداية. حينما تتغلّب الدوافع الماديّة على الإنسان سوف يتوقّف عن مواصلة المسيرة. وعندما تتحوّل الأهداف الصغيرة التافهة الشخصيّة كالحصول على المال والثروة والبهارج، والوصول إلى الرئاسة والسلطة إلى هدفٍ رئيسٍ للإنسان فسينسى هدفَه الرئيس.[2]
الترف يزلزل عزيمة الجيوش
لا ينبغي للكماليّات والرفاه وحبّ الترف التي هي بحمد الله بعيدة عن ساحة الجيش أن تنفذَ تحت أيّ ذريعة إلى هذه المجموعة العفيفة الطاهرة، ولا ينبغي للوساوس أن تزلزل عزيمتَكم أيّها الرجال الطالبون للحقّ.[3]
حبّ الترف يؤدّي إلى إيجاد طبقة أرستقراطيّة
للأسف اليوم، وكما قال هؤلاء الشباب، النزعة الاستهلاكيّة
[1] في لقاء مع قادة الكتائب، والسرايا، والهيئات العاشورائيّة التابعة لقوّات التعبئة من كلّ أنحاء البلاد، بمناسبة استشهاد الإمام السجّاد (عليه السلام) 22/4/1371هـ.ش [13/7/1992م]
[2] في لقاء مع تعبويّي جهاد البناء 31/6/1389هـ.ش [22/9/2010م]
[3] رسالة إلى الملتقى الكبير الرابع للقادة ومسؤولي مكاتب ممثّليّة الوليّ الفقيه في حرس الثورة الإسلاميّة 25/6/1370هـ.ش [16/9/1991م]
101
84
الفصل الثالث: الترف
والتسابق في الترف وفي تحصيل المال والسعي إلى جمعه، قد صنع طبقةً جديدة. النظام الإسلاميّ لا يعارض إنتاج الثروة وإيجادها، بل يشجّع على ذلك. وإن لم يكن هناك من إنتاج للثروة فإنّ حياة المجتمع وبقاءه سيتعرّضان للخطر، ولن يحقّق المجتمع الاقتدار اللازم؛ هذا مبدأ إسلاميّ. أمّا أن تتعلّق قلوب الناس بالتسابق نحو الأرستقراطيّة، والترف فهو شيء مذموم جدًّا؛ وهذا شيء موجود فينا للأسف؛ وكما قلت سابقًا [إنّه] الإسراف والنزعة الاستهلاكيّة الإفراطيّة.[1]
الإسراف مكمِّلٌ لضربة العدوّ الاقتصاديّة
لاحظوا مضاعفات التبذير؛ سواء كان التبذير في الخبز أم في الماء أم في الكهرباء أم في المواد الإنشائيّة أم في سائر البضائع والسلع الأخرى، وفي لعب الأطفال، وغيرها من الكماليّات الأخرى. فالتبذير والإسراف يؤدّي بالبلد إلى الأضرار نفسها التي يهدف العدوّ إلى تحقيقها. فالعدوّ يحاول توجيه الضربات للشعب الإيرانيّ عبر تخفيض أسعار النفط وبواسطة الحصار الاقتصاديّ من جهة، ونحن من جهة أخرى نعينه على إتمام هذه الضربات عبر ما نقوم به من تبذير وإسراف![2]
أضرار الاهتمام بالاستهلاك أكثر من الإنتاج
يجب أن نعترف بهذه المسألة. إنّ عاداتنا وتقاليدنا وأساليبنا
[1] خطابه في لقاء الأساتذة والطلّاب في جامعات شيراز 14/2/ 1387هـ.ش [3/5/2008م]
[2] في صحن الحرم المطهّر للإمام الرضا (عليه السلام) 1/1/1377هـ.ش [21/3/1998م]
102
85
الفصل الثالث: الترف
والتسابق في الترف وفي تحصيل المال والسعي إلى جمعه، قد صنع طبقةً جديدة. النظام الإسلاميّ لا يعارض إنتاج الثروة وإيجادها، بل يشجّع على ذلك. وإن لم يكن هناك من إنتاج للثروة فإنّ حياة المجتمع وبقاءه سيتعرّضان للخطر، ولن يحقّق المجتمع الاقتدار اللازم؛ هذا مبدأ إسلاميّ. أمّا أن تتعلّق قلوب الناس بالتسابق نحو الأرستقراطيّة، والترف فهو شيء مذموم جدًّا؛ وهذا شيء موجود فينا للأسف؛ وكما قلت سابقًا [إنّه] الإسراف والنزعة الاستهلاكيّة الإفراطيّة.[1]
الإسراف مكمِّلٌ لضربة العدوّ الاقتصاديّة
لاحظوا مضاعفات التبذير؛ سواء كان التبذير في الخبز أم في الماء أم في الكهرباء أم في المواد الإنشائيّة أم في سائر البضائع والسلع الأخرى، وفي لعب الأطفال، وغيرها من الكماليّات الأخرى. فالتبذير والإسراف يؤدّي بالبلد إلى الأضرار نفسها التي يهدف العدوّ إلى تحقيقها. فالعدوّ يحاول توجيه الضربات للشعب الإيرانيّ عبر تخفيض أسعار النفط وبواسطة الحصار الاقتصاديّ من جهة، ونحن من جهة أخرى نعينه على إتمام هذه الضربات عبر ما نقوم به من تبذير وإسراف![2]
أضرار الاهتمام بالاستهلاك أكثر من الإنتاج
يجب أن نعترف بهذه المسألة. إنّ عاداتنا وتقاليدنا وأساليبنا
[1] خطابه في لقاء الأساتذة والطلّاب في جامعات شيراز 14/2/ 1387هـ.ش [3/5/2008م]
[2] في صحن الحرم المطهّر للإمام الرضا (عليه السلام) 1/1/1377هـ.ش [21/3/1998م]
102
85
الفصل الثالث: الترف
الخاطئة التي تعلّمناها من هذا وذاك- تقودنا إلى التمادي في الاستهلاك إلى درجة الإسراف. لا بدّ أن يكون هناك في المجتمع تلاؤم بين الإنتاج والاستهلاك. لا بدّ أن تكون العلاقة لصالح الإنتاج، بمعنى أن يكون إنتاج المجتمع -دائمًا- أكثر من استهلاكه؛ وينبغي أن يكون استهلاك المجتمع من الإنتاج المحلّي، ويُخصّص الفائض منه لرقيّ البلاد. واليوم ليس الوضع على هذا الشكل في بلادنا؛ فاستهلاكنا أكثر من إنتاجنا نسبيًّا؛ وهذا ما يتسبّب في تأخّر البلاد ويكبّدنا خسائر اقتصاديّة مهمّة، ويخلق للمجتمع مشكلات اقتصاديّة. أكّدت الآيات القرآنيّة مرارًا، على اجتناب الإسراف في الشؤون الاقتصاديّة، والسبب هو أنّ الإسراف يوجّه ضربةً اقتصاديّةً وضربةً ثقافيّةً أيضًا. حينما يُصاب مجتمعٌ بداءِ الإسراف، فسيترك هذا تأثيراته السلبيّة عليه، من الناحية الثقافيّة أيضًا. إذًا، قضيّة الاقتصاد واجتناب الإسراف ليست قضيّة اقتصاديّة صرفة؛ بل هي قضيّة اقتصاديّة، واجتماعيّة، وثقافيّة في الوقت نفسه، والإسراف يهدّد مستقبل البلاد.[1]
الآثار السيّئة للنزعة الاستهلاكيّة نفسيًّا، أخلاقيًّا واجتماعيًّا
وأوصي، خاصةً، بأن يتجنّب الناس الإسراف، سواء في أيام العيد أو طوال العام، خاصةً في أثناء المـناسبات التي يُبتَلون فيها عادةً بالإسراف. يحصل عادةً الإنفاق الزائد واللامُنضَبط من قِبَل الطبقات المـُرفّهة؛ فالطبقات الفقيرة عاجزة عن الإفراط في الإنفاق. إنّ الاستهلاك [الزائد] الذي يتحقّق من قِبَل طبقة
[1] في الاجتماع الكبير مع زوّار ومجاوري الإمام الرضا (عليه السلام) 1/1/1388هـ.ش [21/3/2009م]
103
86
الفصل الثالث: الترف
[محدّدة] يسبب خسائرَ للوطن. أيْ كما أنّ في ذلك خسائر اقتصاديّة، ففيه خسائر اجتماعيّة ونفسيّة وأخلاقيّة أيضًا. لطالما قلتُ وأكرر ما قلتُ: أرجو [من الجميع] أن يتخلّوا عن ثقافة الاستهلاك. يجب أن يكون الإنفاق بمقدارٍ لا يصل فيه إلى الإسراف والإفراط. ويتفاوت هذا المقدار من عصر لآخر.[1]
الدخول في التنافس على الترف هو من آفات العيش بإيمان
الآفة الأخرى -وسأكتفي بهذا المقدار- هي الدخول في منافسات والتباري حول الإمكانات الدنيويّة وزخارفها، فهي مسابقة بالتالي، حيث المسارعة والجري بحثًا عن زخارف الدنيا وبهارجها، وعن المزيد من الأمور الكماليّة، وعن الرفاه والعيش الأفضل، والربح الأكثر. والجري يكون في التسابق، أهل الدنيا يخوضون هذا السباق، علمًا بأنّ البعض في هذا السباق أذكى وأدهى، فيتقدّم نحو الأمام حتى ينهب المليارات، والبعض الآخر لا يبلغ هذا المستوى من الدهاء والذكاء. غير أنّ أهل الدنيا وعبيد الدنيا في سباق. فلا تخوضوا هذه الساحة التنافسيّة، ولا تقولوا بأنّ فلانًا قد حصل على شيء، وأنا صفر اليدين، ولا بدَّ لي أن أكون مثله! كلا، فإنّ هذه ليست من آفات [تشكيلات]التعبئة فحسب، بل هي آفة كلّ مؤمن. ولقد شاهدنا الكثير ممن كانوا موسومين بالخير والصلاح وكانوا من الموالين، ولكنّهم عندما غرقوا في بحر ملذّات الدنيا، شيئًا فشيئًا وهنُوا
[1] رسالة عيد النوروز بمناسبة حلول العام (1371هـ.ش) 1/1/1371هـ.ش [21/3/1992م]
104
87
الفصل الثالث: الترف
واستكانوا وصارت قدراتهم ضئيلة، ودوافعهم ضعيفة. فإذا ضعفت الدوافع ضعفت العزائم، وإذا ضعفت العزائم ظهرت آثارها في العمل، وأخيرًا ضاعوا وتاهوا.. هذه هي الآفات.[1]
انشغال المرأة بالكماليّات يشكّل عائقًا أمام أداء مهمّتها
تحتاج المرأة اليوم في عالمنا الواقعيّ إلى أنموذج وأسوة. فإذا كانت الأسوة زينب والزهراء L فيكون السلوك حينها هو الفهم الصحيح وإدراك الموقف واختيار أفضل الأعمال، حتى ولو تطلّب الأمر التضحية والفداء والصمود في وجه كلّ شيء للقيام بالتكليف الكبير الذي وضعه الله على عاتق البشر. هذه هي المرأة المسلمة التي تتأسى بفاطمة الزهراء وزينب الكبرى (عليهما السلام).
إذا شغلت المرأة ذهنها بالكماليّات والمتع والأهواء الوضيعة وسلّمت نفسها للمشاعر السطحيّة وغير العميقة فإنّها لن تستطيع المضي في هذا الطريق. عليها أن تُميط عن نفسها هذه التعلّقات التي تبدو كخيوط العنكبوت وتعيق حركة الإنسان، لتتمكّن من التحرّك في ذلك الطريق، كما أنّ المرأة الإيرانيّة قد قامت في مرحلة الثورة وفي مرحلة الحرب بهذا الأمر؛ والمتوقّع أن تمضي في هذا الطريق نفسه في جميع مراحل الثورة.[2]
[1] في لقاء مع قادة كتائب التعبئة عشيّة يوم تعبئة المستضعفين 4/9/1394هـ.ش [25/11/2015م]
[2] في لقاء مع جمع كبير من الممرّضين بمناسبة مولد السيّدة زينب الكبرى (س) ويوم الممرّض 22/8/1370هـ.ش [13/11/1991م]
105
88
الفصل الثالث: الترف
حبّ التفاخر والأبّهة عائق أمام الزواج
يا أعزائي، لا تستهينوا بالعقبات الثقافية التي تقف بوجه الزواج، فالزواج ضروري للشباب وهم يطمحون إليه، ولكن ثمّة عقبات في طريقه لا تقتصر على المشاكل الاقتصاديّة، بل هي جانب من المشكلة، والمشكلة الأساس ثقافيّة وتتمثّل في العادات والتفاخر والتكاثر والتقليد وحبّ الأبّهة، فهي التي تحول إلى حدّ ما دون حصول الزواج كما ينبغي. فعليكم أنتم وعوائلكم معالجة هذه المعضلات، وإنّني أشعر بالغبطة والسرور لمراسم زواج الطلبة التي تقام سنويًا، وإذا درجت العادة على إقامة مراسم الزواج على بساطتها وبعيدًا عن البهرجة والأعمال الشكليّة، فإنّني أتوّقع حلّ الكثير من المشاكل. وأساس الزواج في الإسلام يقوم على البساطة، وهذا ما كان سائدًا في مطلع انتصار الثورة، غير أنّ ثقافة التكاثر والتفاخر والثراء عقّدت الأمور إلى حدّ كبير، وممّا يؤسف له أنّ بعض المسؤولين اختلقوا المشاكل بسبب مراسم الزواج التي أعدوها لأبنائهم.[1]
د- طرق مواجهة النزعة الترَفيّة
ضرورة الاستفادة من كلّ الطاقات لمحاربة النزعة الترَفيّة
السياسات العامّة لإصلاح طريقة الاستهلاك:
... إصلاح ثقافة الاستهلاك الفرديّ، الاجتماعيّ والمؤسّساتيّ،
[1] في لقاء مع طلّاب أساتذة جامعة أمير كبير للتكنولوجيا 9/12/1379هـ.ش [27/2/2001م]
106
89
الفصل الثالث: الترف
الترويج لثقافة ترشيد الاستهلاك، والقناعة، ومحاربة الإسراف، التبذير، الترف واستهلاك البضائع الأجنبيّة، بالاستفادة من الطاقات الثقافيّة، التعليميّة والفنّيّة ووسائل الإعلام، خاصّة وسائل الأعلام العامّة...
-5 أسبقيّة الحكومة، الشركات الحكوميّة والمؤسّسات العامّة إلى العمل بترشيد الاستهلاك.
-6 محاربة الترويج لثقافة الاستهلاك وإظهار حساسيّة عمليّة إزاء المنتوجات والمظاهر الأجنبيّة المروّجة للإسراف والترف.[1]
ضرورة إصلاح نمط الاستهلاك في المجتمع
علينا إصلاح أنفسنا. يجب إصلاح نمط الاستهلاك في المجتمع والبلاد. نموذجنا للاستهلاك نموذج خاطئ. كيف نأكل؟ وماذا نأكل؟ وماذا نلبس؟ نضع في جيوبنا هاتفًا جوالًا، وبمجرّد أن ينـزل إلى الأسواق طراز أحدث نرمي جهازنا جانبًا، ونشتري النسخة الأحدث، لماذا؟! أيّة نزوة هذه التي أُصبنا بها؟![2]
جعل الثروة في مسير الإنتاج هو إصلاحٌ لنمط الاستهلاك
الكثير من أولئك الذين يمتلكون رؤوس الأموال والمداخيل الكبيرة لا يعرفون كيف يستعملون هذه الثروات. وهنا تبرز قضيّة ترشيد الاستهلاك. فبدلًا من أن يضعوا أموالهم في الاستثمارات الإنتاجيّة
[1] تحديد السياسات العامّة لإصلاح طريقة الاستهلاك والإعلان عنها 15/4/1389هـ.ش [6/7/2010م]
[2] في الاجتماع الكبير مع زوّار ومجاوري الإمام الرضا (عليه السلام) 1/1/1388هـ.ش [21/3/2009م]
107
90
الفصل الثالث: الترف
يستهلكونها في الكماليّات والرحلات الخارجيّة العبثيّة وغير المنتجة والتي تكون أحيانًا فاسدة، ويجدون مبررًا لتغيير الأثاث وتجهيزات المنزل، إنّ مثل هذه الأشياء تُعد تصرّفات مسرفة في ما يتعلّق بالثروة. فيمكن أن يُستثمر بهذا المال وبهذا المدخول.[1]
توجيه مداخيل البلد نحو الإنتاج؛ لا الإسراف
لدينا أموال خارج البلد؛ فقد بعنا النفط ولم يعطونا ثمنه. جرى الاتّفاق ضمن الاتّفاق النوويّ على إعادة هذه الأموال إلينا... عندما تُعاد إلينا هذه الأموال الموجودة خارج البلاد وهي تقريبًا 10 مليارات دولار، علينا أن لا نودعها في المصارف والبنوك لئلّا تُهدر. البلد بحاجة إلى هذه الأموال التي ستردّ، وفي مجال الإنتاج بالدرجة الأولى؛ حاذروا لئلّا تُهدر هذه الأموال الواردة وتتلاشى. فلا تُصرف على المشتريات غير الضروريّة، والأعمال العبثيّة، والأمور الإسرافيّة؛ أي [عليكم] إدارة الثروات الماليّة الواردة إلى البلد من البنوك والمراكز الأجنبيّة.[2]
ترشيد الاستهلاك يعني الاستهلاك بطريقة صحيحة
من الأعمال والإجراءات الأساسيّة في مجال التقدّم والعدالة -ما ذكرته في رسالة النوروز وخاطبت بها الشعب الإيرانيّ العزيز- ألا وهي مكافحة الإسراف، والسير نحو إصلاح نمط الاستهلاك، والحؤول دون البذخ، وتضييع أموال المجتمع؛ هذه قضيّة على جانب
[1] في الاجتماع الكبير مع زوّار ومجاوري الإمام الرضا (عليه السلام) 1/1/1389هـ.ش [21/3/2010م]
[2] في الاجتماع الكبير مع زوّار ومجاوري الإمام الرضا (عليه السلام) 1/1/1395هـ.ش [20/3/2016م]
108
91
الفصل الثالث: الترف
كبير من الأهميّة. طبعًا، هذه ليست المرة الأولى التي نطرح فيها هذه الفكرة. إنّني في لقائي بالجماهير بداية السنة وفي مرّات عدة، خاطبت شعبنا العزيز، وذكرت بعض النقاط حول الإسراف، والتبذير، وإتلاف الأموال، وضرورة الاقتصاد، بيد أنّ هذه المسألة لم تنتهِ، ولم يتحقّق هذا الهدف كما يجب. من الضروري أن نطبّق مسألة “الاقتصاد”، كسياسة، في الخطوط العريضة لخططنا على شتّى المستويات. ليتنبّه شعبنا العزيز إلى أنّ الاقتصاد لا يعني عدم الاستهلاك؛ بل يعني الاستهلاك بنحوٍ صحيح ومناسب، وعدم تبذير الأموال، وجعل الاستهلاك مثمرًا ومفيدًا. فالإسراف في الأموال وفي الاقتصاد هو أن يستهلك الإنسان المال، من دون أن يكون لهذا الاستهلاك تأثيرٌ وفاعليّة. الاستهلاك العبثيّ والتبذير هو في الحقيقة إهدارٌ للمال. على مجتمعنا أن يجعل هذا الأمر شعاره الدائم نصب عينيه، ذلك أنّ واقع مجتمعنا من حيث الاستهلاك ليس واقعًا جيّدًا.[1]
الدور النموذجيّ للمسؤولين في القضاء على ثقافة الاستهلاك
لقد سجّلت 10 خصائص لأعرضها عليكم، وهي خصائص سياسات الاقتصاد المقاوم الذي طُرح، وهي في الواقع مكوّنات هذه المجموعة.
... الموضوع الثامن، هو موضوع إصلاح طريقة الاستهلاك؛ موضوع ترشيد الاستهلاك، واجتناب الهدر، واجتناب
[1] في الاجتماع الكبير مع زوّر ومجاوري الإمام الرضا (عليه السلام) 1/1/1388هـ.ش [21/3/2009م]
109
92
الفصل الثالث: الترف
الإسراف، واجتناب المصاريف الزائدة. وبالتأكيد، كلامي الأوّل في هذا المجال موجّه للمسؤولين؛ ليس في حياتهم الشخصيّة فحسب ـ وهذا الآن يأتي في الدرجة الثانية من حيث الأهمّيّة ـ [بل] ينبغي لهم في الدرجة الأولى أن يجتنبوا بجدّيّة الهدرَ في نطاق مهمّاتهم وعملهم. وإذا حصل هذا، أي كنّا نحن المسؤولين ملتزمين بهذا الأمر، عندها ستعمّ وتنتشر هذه الروحيّة، وهذه الخصلة، وهذه الأخلاق بين الناس. إنّنا اليوم نرى بين الناس والأشخاص الذين يتمتّعون بأوضاع ماليّة لا بأس بها، الكثير من الإسراف، والإسراف موجود في كثير من الموارد؛ إنّنا نوجّه خطابنا إلى الناس، لكن هذه من جملة المواضع التي تقول: “كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم”[1]. على جماعة المسؤولين في البلاد أن يلتفتوا فيما يتعلّق بشؤون المجموعة التي يديرونها، بأن لا يكون هنالك إسراف في عملها؛ أن تكون طريقة الإنفاق حقيقة، نموذجًا عقلانيًّا، تدبيريًّا، إسلاميًّا. نحن لا نقول للناس بأنّ عليهم أن يرتاضوا كما يوحي البعض إلى ذلك. بعد أن تمّ الإعلان عن سياسات الاقتصاد المقاوم، وقبل أن يجفّ حبر هذا الإعلان شرع البعض بالقول: “هؤلاء يدعون الناس إلى الارتياض”؛ لا، الأمر ليس كما يدّعون بتاتًا، بل بالعكس؛ إنّنا نؤمن بأنّه إذا طُبّقت هذه السياسات، فإنّ أوضاع الناس ستتحسّن، وستنفرج أمور الطبقات الفقيرة. البلد الذي يكون فيه التضخّم في الحدّ المعقول، والشغل في الحدّ المطلوب، سيعيش عموم الناس فيه براحة ورفاه. إنّنا لا نطلب بأيّ وجه من الناس أن يرتاضوا، نحن نطلب منهم عدم الهدر. الاستهلاك شيء، وسوء الاستهلاك شيء آخر.
[1] بحار الأنوار، ج67، ص 309
110
93
الفصل الثالث: الترف
قبل سنوات، تحدّثتُ حول هذا الموضوع بالتفصيل في خطاب بداية السنة الجديدة.[1] علينا نحن المسؤولين أن نجعل هذا الأمر وجهةَ إرادتنا وعزيمتنا؛ فالإسراف في الماء، في الخبز، وفي المواد الغذائيّة، وفي الدواء، وفي وسائل الحياة، وفي الكماليّات والزينة وما شابه، يهدر قسمًا مهمًّا من الثروات الحيّة للبلد؛ وهذه أيضًا من الأمور التي ينبغي أن تُلاحظ؛ الاستهلاك الجيّد هو غير الإسراف ورمي الأشياء والهدر.[2]
بساطة عيش المسؤولين من أسباب استئصال النزعة الترَفيّة
بساطة المعيشة -لا سيّما لدى السيد رئيس الجمهوريّة نفسه- حالة جيدة ومميّزة وشيء له قدره. وهي مشهودة بدرجات متفاوتة لدى بقية المسؤولين أيضًا والحمد لله. بساطة المعيشة شيء قيّم جدًّا. إذا أردنا استئصال البذخ والنـزعة الأرستقراطية والإسراف والتبذير من مجتمعنا -وهو بلاء كبير حقًا-، فلن يتسنى ذلك بمجرّد الكلام والأقوال، فنتحدّث من جهة ويلاحظ الناس من جهة ثانية أنّ أعمالنا على شاكلة أخرى! ينبغي أن نعمل. يجب أن يكون عملنا شاهدًا ودليلًا على أقوالنا حتى يكون لها تأثيرها. وهذا الشيء متحقّق لحسن الحظ. قرّبتم المسافة بينكم وبين الطبقات المستضعفة فأبقوا عليها قريبة وقرّبوها أكثر فأكثر.[3]
[1] في الاجتماع الكبير مع زوّار ومجاوري الإمام الرضا (عليه السلام) 1/1/1377هـ.ش [21/3/1998م]
[2] في اجتماع تبيين سياسات الاقتصاد المقاوم بحضور جمع من مسؤولي الأجهزة المختلفة، الناشطين الاقتصاديّين، ومديري المراكز العلميّة والإعلاميّة والرقابيّة 20/12/1392هـ.ش [11/3/2014م]
[3] في لقاء مع رئيس الجمهوريّة وأعضاء الهيئة الوزاريّة 2/6/1387هـ.ش [23/10/2008مٍ]
111
94
الفصل الثالث: الترف
وظيفة المسؤولين مواجهة الإسراف على مستوى الأمّة
المسؤولون في أعناقهم واجبات ووظائف. ليس الإسراف في المجالات الفرديّة فقط، فهناك إسراف على المستوى الوطنيّ! في ما يخصّ الكهرباء والطاقة التي قلنا إنّهما يُهدران؛ هناك شطر كبير من هذا التبذير لا يتعلّق بالناس، وإنّما بمسؤولي البلاد. حينما تهترئ شبكات الاتصالات، وشبكات نقل الكهرباء، وأسلاك الكهرباء فسوف تُهدر الكهرباء. ننتج الكهرباء ثمّ نهدر قسمًا كبيرًا منها في هذه الشبكة القديمة التالفة. وشبكات نقل المياه كذلك، إذا اهترأت فسوف تهدر المياه. هذه نماذج للإسراف الوطنيّ وعلى المستوى الوطنيّ، والمسؤولون عنه هم مديرو البلاد. وقد يحصل الإسراف على مستوى المؤسّسات. مديرو المؤسّسات المختلفة لا يستهلكون استهلاكًا شخصيًّا، ولكن يحصل استهلاك منفلت وغير منضبط في مؤسّساتهم؛ الترف والأبّهة في الإدارة، وغرف العمل، والزينة، والأسفار والزيارات غير الضروريّة، وأنواع الأثاث؛ ينبغي الحيلولة دون هذه الظواهر عبر المراقبة والإشراف. ينبغي النظر إلى الإسراف على أنّه عيب، سواء كان على مستوى الدولة أم على مستوى أبناء الشعب، أم على مستوى المؤسسات.[1]
ضرورة وضع خطط لمكافحة الإسراف
كما ذكرنا، فإنّ هذه الأمور لا تتحقّق بمجرّد الكلام، بل ينبغي وضع برامج لها. والسلطتان التشريعيّة والتنفيذيّة مكلّفتان
[1] في الاجتماع الكبير مع زوّار ومجاوري الإمام الرضا (عليه السلام) 1/1/1388هـ.ش [21/3/2009م]
112
95
الفصل الثالث: الترف
بمتابعة الأمر. يجب عليهما البرمجة والتقنين لذلك، ويجب تنفيذ القانون بكلّ حزم، فإنّ التقدّم الذي سنحرزه خلال الأعوام العشرة القادمة، يرتبط جزءٌ كبيرٌ منه بهذه القضيّة.
هذا هو الاقتصاد المطلوب واللازم؛ ابتداءً من الإنتاج، إلى الاستهلاك، وإلى إعادة الاستهلاك. لنقتصد في الماء، أي، نصون سدودنا، ونصلح شبكات نقل المياه، ونؤهِّل الفلاحين لإتقان الأساليب الاقتصاديّة في الرّي، وكيفيّة سقاية الأراضي. طبعًا، تمّ إنجاز هذه الأعمال بنسبة كبيرة خلال الأعوام الماضية لحسن الحظ، لكن هذا لا يكفي ويجب تطويره. لنمهّد الأرضيّة لخفض معدّلات استهلاك المياه في المنازل. أن يقال: يجب استيفاء ضرائب أكبر، وتقديم دعم أقلّ لأصحاب الاستهلاك العالي، فهذا كلام معقول وجيّد. وأن يتمتّع أصحاب الاستهلاك القليل بمساعدات الحكومة والمساعدات العامة. البعض يستهلك الماء بنسبة قليلة جدًّا، بحيث لو لم تقبض الحكومة منهم رسوم الماء، لما كان في ذلك أيّ ضير. والبعض يستهلك عشرة أضعاف أو عشرين ضعفًا ممّا يستهلك هؤلاء، ولا بدّ أن يسدّد هؤلاء فواتير أكبر.
أمّا بخصوص الخبز، فمن الضروري إنتاج القمح الجيّد، والدقيق الجيّد، وحفظه بطريقة جيّدة، وطحنه بطريقة جيّدة، ومن ثمّ استهلاكه بطريقة صحيحة. كان هذا ما يتعلّق بقضيّة الإسراف والاقتصاد التي ينبغي الحديث عنها.[1]
[1] في الاجتماع الكبير مع زوّار ومجاوري الإمام الرضا (عليه السلام) 1/1/1388هـ.ش [21/3/2009م]
113
96
الفصل الثالث: الترف
توجيه الأنشطة والأعمال الإجرائيّة والإعلاميّة للحؤول دون الإسراف
إنّ ما يشكّل السياسات الحاكمة على البرامج الثانية...هو على الشكل التالي بالترتيب:
6 - توجيه سائر الأعمال الإجرائيّة والإعلاميّة نحو تنامي الأمور المعنويّة والفضائل الأخلاقيّة في المجتمع، تعميق الميول والمعتقدات الدينيّة ونشرها... والقناعة والحؤول دون الإسراف والنزعة الاستهلاكيّة والاهتمام بالكماليّات.[1]
حذر المسؤولين الدائم للحؤول دون نفوذ المظاهر والكماليّات في الأجهزة التي يديرونها
إنّ مناراتكم ينبغي أن تدور بشكل دائم، فلا يكون هناك أيّ إهمال، لأنّ الفساد في الواقع مثل الأرضة، فلا تسمحوا للفساد والرّشوة والإسراف والواسطة والتّرف والمصاريف الزّائدة وأمثالها بالنّفوذ إلى أجهزتكم. وقد أشار الدكتور روحاني إلى قسمٍ من هذا العلاج في المجال الاقتصاديّ والذي يتحقّق في الاقتصاد ومحاربة الفساد. فقد يحدث أن يُنفَق الكثير بلا طائل، لا يكون الأمر في الحرام، لكنّه زائدٌ عن الحدّ، ولعلّ الزّائد هنا حرامٌ وإن كان في النّهاية ليس حرامًا بوضوح لكنّه إنفاق زائد، فعليكم أن تحولوا دونه، وهو ممكنٌ، يمكن القيام بأعمالٍ كبرى وكثيرة بهذه الطّريقة.[2]
[1] من رسالة إلى حجة الإسلام والمسلمين الشيخ هاشمي رفسنجاني حول تحديد أطر سياسات النظام في البرنامج الثاني 18/8/1372ه.ش [9/11/1993م]
[2] في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الهيئة الوزاريّة في اليوم الخامس من أسبوع الحكومة 6/6/1392هـ.ش [28/8/2013م]
114
97
الفصل الثالث: الترف
لزوم توجيه الميل نحو الموضة غير الإفراطيّة
التقليد الثقافيّ خطر كبير جدًّا. لكن [أرجو أن]لا يُفهم كلامي بشكلٍ خاطئ وبأنّني أعارض الموضة والتنوّع والتغيير في أساليب الحياة؛ لا، فالتوجّه نحو الموضة والتحديث إن لم يكن إفراطيًّا ومبالغًا فيه، ولم يكن من باب التنافس الصبياني، لا إشكال فيه. لا مانع من تغيير اللباس والتصرّفات والتزيّن؛ لكن حاذروا أن تكون قِبلة هذه الموضة أوروبا. فهذا أمر سيّئ. فإذا ما صمّم المصمّمون الأوروبيّون والأميركيّون في مجلّات الموضة اللباس الفلانيّ لرجالهم أو نسائهم، فهل يجب علينا نحن في همدان أو طهران أو مشهد أن نقلّدهم؟ هذا شيء سيّئ. صمّموا أنتم واصنعوا موضتكم.[1]
ضرورة تحويل الإسراف في الحياة الشخصيّة نحو الإنتاج
ويحصل الإسراف الفرديّ أيضًا، في الاستهلاك الشخصيّ والعائليّ المتنوّع. [من قبيل:] نزعة البذخ، والتنافس مع الآخرين، وأهواء أفراد العائلة: ربّ العائلة، أو ربّة العائلة، وشباب العائلة، وشراؤهم أشياء غير ضروريّة -هذه كلّها من نماذج الإسراف؛ فأدوات الزينة والترف [الكماليّات]، وأدوات وأثاث المنـزل، والزينة والزخارف داخل البيت- هذه أشياء ننفق الأموال لأجلها؛ هذه الأموال التي يمكن إنفاقها على الإنتاج والاستثمار، فتساعد على تطوير البلاد، ومساعدة الفقراء، وزيادة الثروة العامّة للوطن؛
[1] خطابه لدى لقائه الأساتذة والمعلّمين والطلّاب في جامعات إقليم همدان 17/4/1383هـ.ش [7/7/2004م]
115
98
الفصل الثالث: الترف
نستهلكها على هذه الأمور المنبعثة من الأهواء، والتنافس، والحفاظ الوهمي على السمعة. [فالبعضُ] يسافرون ويرجعون، فيقيمون الولائم والضيافات؛ وأحيانًا، تكون تكاليف تلك الضيافة أضخم من تكاليف السفر إلى مكّة! يقيمون عرسًا أو عزاءً فينفقون على الضيوف أموالًا طائلة، ويقدّمون شتّى صنوف الطعام! لماذا؟! ما الداعي لذلك؟! لا يزال في بلادنا من هم محرومون من ضروريّات العيش. يجب أن نساعد على تقدّم البلاد. لا نقول: انفقوا الأموال بالضرورة على الفقراء -وطبعًا أفضل الأعمال أن ينفق الإنسان في سبيل الله- ولكن، حتى لو لم ينفقوا، فليستثمروا هذه الأموال التي ينفقونها على الترف [والكماليّات]، في الإنتاج من أجل أنفسهم، وليساهموا في المصانع والمعامل والإنتاج؛ وسيكون ذلك نافعًا للبلاد. لكنّنا بدل هذه الأعمال نقيم الولائم، والمجالس، والمآتم، واصطناع العادات، والمراسم، لماذا؟! ما الضرورة لذلك؟! عقلاء العالم لا يفعلون هذا! هذا ليس رأي الدين فقط. يقول القرآن الكريم: ﴿وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾[1]، ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا﴾[2]. ويقول في آية شريفة أخرى: ﴿كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾[3]. نحن عباد الله، وهذا كلام الدين، وثمّة الكثير من الأحاديث في هذا المضمار. جاء في إحدى الروايات أنّ شخصًا أكل فاكهة، وبقي نصفها فرماه، فنهره الإمام (عليه السلام) وقال له: لقد أسرفت! لِمَ رميته؟! ولدينا في الروايات أوامر بالاستفادة حتى من نواة التمر.. القضية جدّية إلى هذا الحدّ! استهلكوا كِسَر
[1] سورة الأعراف، الآية 31.
[2] م.ن
[3] سورة الأنعام، الآية 141.
116
99
الفصل الثالث: الترف
الخبز المتفرّقة. يقدّمون الطعام في الفنادق لعدد من الناس، ثم يرمون كلّ ما يتبقّى من الطعام في صناديق النفايات، بحجّة أنّه غير صحّي! هل هذا ممّا يناسب مجتمعًا إسلاميًّا؟ هل يمكن بلوغ العدالة بهذه الطريقة؟[1]
الانتقال إلى الإنفاق [في سبيل الله] علاجٌ للنزعة الترَفيّة
إنّي أشعر بالأسف والقلق الكبير لأنّ هناك من يسعى أن يشيع بين شعبنا الإسراف والتبذير وعادة العيش المترف وإنّي ألجأ إلى الله وألوذ به من أن يُساق شعبنا المضحّي والثوري في إيران نحو الإسراف في الأمور الشخصيّة ومن أن تزول القناعة الثوريّة من ذاكرته. أدعو أولئك الّذين يصرفون أموالهم على الترف والكماليّات غير الضروريّة ويبذّرون في الصرف نتيجة لعدم شعورهم بالألم ولسعة ذات يدهم ولقدرتهم الماليّة أن يرجعوا إلى أنفسهم وليتّجهوا نحو الإنفاق في سبيل الله. كما أدعو أولئك الّذين يفرضون على أنفسهم هذه الأمور على الرغم من ضيق ذات اليد وصعوبة عيشهم أن يرتدعوا عن هذا الأمر المتوّج بالخسارة. إنّ الاعتدال للمتمكّنين والقناعة في الأمور الشخصيّة للفئات المتوسّطة والسعي والعمل والإنتاج والازدهار في الأمور العامّة بالنسبة إلى الجميع هي فريضة ثوريّة ورسميّة وإسلاميّة.[2]
[1] في الاجتماع الكبير مع زوّار مجاوري الإمام الرضا (عليه السلام) 1/1/1388هـ.ش [21/3/2009م]
[2] رسالة إلى التجمّع العام لقادة التعبئة بمناسبة سنويّة صدور رسالة قائد الثورة وفقيدها من أجل تشكيل تعبئة المستضعفين وتمجيد أسبوع التعبئة 2/9/1368هـ.ش [23/11/1989م]
117
100
الفصل الثالث: الترف
الإنفاق؛ علاج في مقابل جمع الثروة والنزعة الترَفيّة
إنّ جمع الثروة وعدم الإنفاق أمر مخالف للقيم ومعصية، وربّما معصية كبيرة من وجهة نظر الإسلام. وليس لأنّ مسألة تشغيل رأس المال جائزة ومباحة، يحقّ للإنسان -ولو من خلال الطرق الشرعيّة والحلال- أن يجمع الثروة ويدّخرها، في حين أنّ المجتمع بحاجة إلى ثروته وإمكاناته وأمواله، فلا ينفقها في المصالح العامّة وفي سبيل الله؛ هذا الجائز والمباح ليس شيئًا كهذا. فالإنفاق في الإسلام مبدأ؛ وينبغي الإنفاق في سبيل الله. لا يُقال لا تتاجروا ولا تكتسبوا المال، فلتفعلوا ذلك؛ لكن أنفقوا. يعوّد الإسلامُ الناسَ بأن ينفقوا ممّا يكسبونه من مال على أنفسهم وذلك على قدر الحاجة المعيشيّة ـ الحاجة المتوسّطة، لا المترافقة مع العسر والضيق، [بل] الحاجة العاديّة والمتوسّطة، ولو كانت مترافقة مع بعض الرفاه والراحة والسعة في المعيشة ـ وما عدا ذلك وما يزيد فينفقه في المصالح العامّة للمجتمع. إذا اكتسب شخص ثروة وأنفقها كلّها بالإسراف، وبالنفقات غير الضروريّة، وبأنواع التبذير، والترف، وبالطريقة الأرستقراطيّة، وبالإسراف في المأكل والملبس والمركب والمسكن، أو ادّخرها وجمع الثروة، فهذا مذموم من وجهة نظر الإسلام ومستقبح؛ عدم الإنفاق مستقبح ومذموم، وإذا ما ترافق بجمع الثروة فهو حرام.[1]
[1] في خطبتَي صلاة الجمعة في طهران 15/8/1366هـ.ش 15/8/1366هـ.ش [6/11/1987م]
118
101
الفصل الثالث: الترف
تكليف الطلبة الجامعييّن في البحث والدراسة حول طرق مواجهة النزعة الاستهلاكيّة
فلنبحث في المشكلات الاجتماعيّة الموجودة في البلد ولندرسها، ولنجد طريقًا لحلّها، ولنفتّش عن سبيل لمواجهة الإسراف. الإسراف آفة اجتماعيّة. ما هو طريق محاربة النزعة الاستهلاكيّة؟ وما هو سبيل مواجهة تفضيل البضائع الأجنبيّة على البضائع الوطنيّة؟ هذه الأمور تتطلّب دراسة وبحثًا. فلتعدّوا في الجامعات المشاريع التحقيقيّة، وعلى الأساتذة والطلبة أن يعملوا، ويقدّموا نتيجة دراساتهم إلى المسؤولين في البلد؛ قدّموها لوسائل الإعلام لتنتشر وتصبح ثقافة. هكذا يكون التقدّم.[1]
علاج الإسراف والنزعة الاستهلاكيّة طريق مواجهة التهديدات الاقتصاديّة
أعين العدو اليوم تحدّق في النقطة الاقتصاديّة الحساسة كي يتمكّنوا من زعزعة البلد اقتصاديًّا. إنّهم يفعلون كلّ ما يستطيعون؛ وإن لم يستطيعوا سيظهرون في إعلامهم أن هناك خللًا. وهو ما يحصل الآن بكلّ قوّة في إعلام أعدائنا بأشكال مختلفة. وسبيل المواجهة هو الانضباط الماليّ، والاقتصاديّ، ومواجهة النـزعة الاستهلاكيّة من طريق تجنّبها. أريد أن أؤكد لشعبنا العزيز أنّ النـزعة الاستهلاكيّة على نحو الإسراف من الأمراض الخطيرة لكلّ شعب. ونحن مصابون بعض الشيء
[1] في لقاء مع الأساتذة والطلّاب الجامعيّين في جامعات إقليم سمنان 18/8/1385هـ.ش [9/11/2006م]
119
102
الفصل الثالث: الترف
بمرض الاستهلاك المفرط هذا. ومن نماذج ذلك -أقولها بمناسبة شحّ المياه حيث ابتُليت لحدّ الآن عدّة محافظات في البلد ومنها إقليمكم بشحّ المياه، ونتمنّى أن يمنّ الله تعالى وينـزل أمطار رحمته عليكم- الإسراف في الماء؛ لا الماء الذي يُستهلك في البيوت كمياه شرب وحسب؛ نمط الريّ الزراعيّ عندنا نمطٌ مسرف؛ نحن نهدر الماء. إنّه واجب المسؤولين والمعنيّين في هذا القطاع أن يولوا هذه المسألة اهتمامًا خاصًّا. يجب أن ينظروا بمزيد من الاهتمام لقضيّة الإسراف؛ سواء في مجال الماء أو في المجالات الأخرى.[1]
لا تغبطوا الآخرين بسبب ما يملكونه من وسائل الترف
“ولا تغبط أحدًا بكثرة المال”[2] وهذه من موارد الابتلاء الموجودة في مجتمعنا عند ذوي النفوس الضعيفة. فهم يغبطونهم بسبب المنازل الفخمة والترف الكبير وسياراتهم! “فإنّ مع كثرة المال تكثر الذنوب لواجب الحقوق”[3] أي عندما تكثر أموال المرء تكثر الحقوق التي عليه ممّا يؤدّي إلى كثرة الذنوب؛ فيتضح من ذلك أنّ الحقوق والواجبات إذا كثرت فإنّ الإنسان سيعجز عن تأديتها، ولو لم يكن ليعجز عن تأديتها لما ترتّب عليه ذنب من الذنوب. هذا إذا كان المال قد اكتسب من الحلال ولو كان من طريق الحرام فإنّ الموقف سيسوء أكثر فأكثر. ويحتمل أنّ الحديث يشير إلى خصوص كثرة المال عن حرام: أي أنّ الإنسان
[1] في لقاء مع أهالي شيراز 11/2/1387هـ.ش [30/4/2008م]
[2] الكافي (ط- الإسلاميّة)، ج2، ص135.
[3] م.ن
120
103
الفصل الثالث: الترف
عندما يحصل على المال من طريق الحرام فإنّه لا بدّ وأن يكون قد ضيّع حقوقًا كثيرة.[1]
ضرورة الحفاظ على البنية المعنويّة في وجه متاع الدنيا
أودّ أن أقول لكم: أيّها الشباب وقوّات الحرس الأعزّاء في مؤسّسة حرس الثورة الإسلاميّة العظيمة. أيّها المتطوّعون، أيّها الجنود المؤمنون والمخلصون للثورة والجمهوريّة الإسلاميّة، وأيّتها الفئات والشرائح المختلفة للشعب سواءً من الطبقات المتوسّطة أو الأدنى منها أو الأرفع، أيّها الأعزّة! إنّ حفظ هذا الحمل الثقيل وهذه الأمانة الإلهيّة الّتي هي أمانة الأنبياء وُضع على عاتقكم. إنّ الجمهورية الإسلاميّة أمانة تاريخيّة لأنبياء الله العظام، إنّها أمنية موسى وعيسى L وأمنية جميع الأولياء والأئمة العظام عليهم السلام الّتي تحقّقت اليوم ولو بشكل ناقص، وسوف تتحقّق بصورة كاملة إن شاء الله في عهد الحكومة الكبرى والولاية العظمى لبقية الله في الأرضين (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، فإنّها حملٌ عظيم ونفيس جدًّا، فعليكم حفظه، ولا يتمّ ذلك إلاّ بحفظ النفس، فإنّ مُتع ولذائذ الدّنيا والمال والثروة الدنيويّة والبهرجة وفي الحدود التي يمكن لأمثالي بلوغها، أقلّ قيمة وأحقر من أن يُضعف ويُزلزل الإنسان بُنيته المعنويّة لأجلها ويعرّض هذا الحمل للخطر، فاحذروا وألقوا اليأسَ في قلوب الأعداء.[2]
[1] في بداية درس خارج الفقه 14/6/1374هـ.ش [5/9/1995م]
[2] في لقاء مع قادة وأعضاء الحرس الثوري بمناسبة يوم الحرس 15/10/1373هـ.ش [6/3/1995م]
121
104
الفصل الثالث: الترف
ضرورة تجنّب الإذاعة والتلفزيون توجيه الناس نحو النزعة الاستهلاكيّة
في خطاب العدالة الاجتماعيّة تُعرض الأفلام والمسلسلات تدور أحداثها غالبًا في قصور فارهة! فهل حقًا يعيش غالب الناس في مثل هذه القصور؟ إذًا، فما هي ضرورة ذلك؟
إنّ المسلسلات القديمة وإنْ لم تكن بالمستوى الكيفيّ الذي عليه المسلسلات الجديدة، إلّا أنّها كانت أقرب إلى الواقع حيث تعكس حياة الناس على واقعها وفي البيوت المتواضعة، وهذا هو الصحيح، فلا ضرورة إلى تعريف الحياة بأنّها حياة ترف وبذخ. هكذا يجب أن يكون الجوّ التبليغيّ للإذاعة والتلفزيون. طبعًا أحيانًا يذكّروننا بذلك ويذكُرون مواضيع. إنّ بثّ وسائل الإعلام للدعايات، وأحيانًا الدعايات الكثيرة الألوان المبهرجة التي تدعو الناس إلى الاستهلاك، تتناقض والبرنامج الذي اخترتموه لنقد الاستهلاك وشجبه. وهما غير منسجمَين.[1]
مقارنة حياة فاطمة الزهراء (عليها السلام) مع ما طرأ من مظاهر الترف على الحياة
إنّ حياة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في جميع الأبعاد كانت مليئة بالعمل والسعي والتكامل والسموّ الروحيّ للإنسان، وكان زوجها الشاب في الجبهة وميادين الحرب دائمًا، وكانت مشاكل المحيط والحياة قد جعلت فاطمة الزهراء (عليها السلام) مركزًا لمراجعات الناس والمسلمين.
[1] في لقاء مع رئيس الجمهوريّة ومديري مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون 11/9/1383هـ.ش [31/12/2004م]
122
105
الفصل الثالث: الترف
وقد أمضت البنت المـُعِينة للنبي (صلى الله عليه وآله) حياتها بمنتهى الرفعة في تلك الظروف، وقامت بتربية أولادها الحسن والحسين وزينب وإعانة زوجها علي (عليه السلام) وكسب رضى أبيها النبي (صلى الله عليه وآله)، وعندما بدأت مرحلة الفتوحات والغنائم لم تأخذ بنت النبي ذرّة من لذائذ الدّنيا وزخرفها ومظاهر الزينة والأمور التي تميل لها قلوب الشابّات والنساء.[1]
ضرورة أن تكون زوجات المسؤولين قدوةً في تجنّب الإسراف
أقول للنساء المسلمات -الشابّات وربّات البيوت- لا تذهبنّ وراء الإعلام الاستهلاكيّ الذي يروّج له الغرب كالأرَضَة في روح المجتمعات البشريّة ومجتمعات الدول النامية ومنها دولتنا. فالاستهلاك جيد بالمقدار اللازم وليس في حدّ الإسراف، وعلى نساء المسؤولين اللواتي لدى أزواجهن أو لديهنّ مسؤوليّات في المجالات المختلفة أن يكنّ أُسوة للأخريات من حيث الابتعاد عن الإسراف. ويجب عليهن أن يعطين الأخريات درسًا في أنّ المرأة المسلمة هي أرفع من أن تصبح أسيرة المجوهرات والمسكوكات الذهبيّة وأمثال هذه الأشياء. ولا نريد أن نقول إنّها حرام، بل نريد أن نقول إنّ شأن المرأة المسلمة هو أرفع من أن يقوم البعض -في الفترة التي يعيش كثير من أبناء مجتمعنا في وضع هم بحاجة فيه إلى المساعدات المادّية- في شراء الذهب والزينة ووسائل الحياة المتنوّعة ويسرفون في مجالات الحياة المختلفة.[2]
[1] في لقاء مه جماعة من النساء، بمناسبة مولد السيّدة الزهراء عليها السلام ويوم المرأة 25/9/1371هـ.ش [16/12/1992م]
[2] في لقاء مع جماعة من النساء، بمناسبة ولادة السيّدة الزهراء (س) ويوم المرأة 25/9/1371هـ.ش [16/12/1992م]
123
106
الفصل الثالث: الترف
معرفة المرأة، عامل في ابتعاد الأسرة عن الترف والكماليّات
اليوم، إنّ أكثر فتياتنا ونسائنا الشابّات تديّنًا وثوريّة وإخلاصًا وإيمانًا، هم من بين الشرائح المتعلّمة. إنّ أهل الترف والكماليّات والتعلّق بوسائل الزينة، أو الذين يريدون تقليد النماذج الغربيّة تقليدًا أعمى في الملبس ونمط العيش، هم غالبًا لا يتحلّون بالعلم والمعلومات والمعرفة بالنحو الوافي. فالشخص ذو المعرفة يمكنه ضبط تصرّفاته ومسلكه، ومطابقته بكلّ ما هو حقّ وحقيقة وصلاح. لذا، ينبغي في الميدان العلميّ، فتح كلّ طرق الفعاليّة والنشاط أمام النساء. وعلى الفتيات، حتّى في القرى أن يتابعن تعليمهن. توصيتي إلى الآباء والأمّهات أن يسمحن لبناتهنّ بالالتحاق بالمدارس وبأن يتعلّمن. وإذا كنّ يمتلكن الاستعداد ويرغبن، فليتابعن بعد طيّ المراحل الابتدائيّة دراستهنّ العالية والجامعيّة، ولا تمنعوهنّ. دعوهنّ يكنّ في عداد المتعلّمات وذوات المعرفة في مجتمعنا الإسلاميّ.[1]
قطع شِراك ثقافة الاستهلاك
على النساء في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة أن يعرفن قدرَ العظمة التي منحها الإسلام لهنّ. وليقطعن بالكامل شراكَ ثقافة الاستهلاك التي لفّها الرأسماليّون العالميّون الناهبون حول عنق المرأة في هذا العصر. ولينظرن نظرة استحقار ونفور إلى الثقافة الغربيّة المنافية للقيم، كالعريّ، والاختلاط المتفلّت بالرجال، والتلوّث بأنواع الفساد المهيمنة على حياة النساء في الدول المتطوّرة ومعظم الدول المتخلّفة.[2]
[1] خطابه في جمع من الأخوات في أرومية 28/6/1375هـ.ش [18/9/1996م]
[2] رسالة إلى الأمّة الإيرانيّة الشريفة، في ختام أربعينية رحيل الإمام الخمينيّ (ره) 23/4/1368هـ.ش [14/8/1989م]
124
107
الفصل الثالث: الترف
ضرورة حذر النساء المفكّرات والعاقلات من انتشار النزعة الترَفيّة
على النساء المفكّرات والواعيات في إيران الإسلاميّة أن يواصلن طريقهنّ الواضح، وأن يخطين خطوات متينة وثابتة. وحذارِ أن يتوجّه الجيل الثوريّ والنساء المؤمنات من جديد، كما شاهدنا لدى الأفراد السطحيّين والغافلين، إلى الاستهلاك والمظاهر الترَفيّة الفارغة، والميول غير الثوريّة، أو أن يُحيوا مجدّدًا سنّةَ الاختلاط الجاهليّ غير المنضبط.[1]
ضرورة الحفاظ على ساحة الزواج بعيدة عن الكماليات والتفاخر
بناءً عليه، ينبغي أن يكون هنا دورُ المادّيّات ضعيفًا جدًّا. ولهذا السبب نطلب بأن لا يرفعوا قيمة المهور. وإذا قلنا ينبغي للمهر أن لا يتجاوز القيمة الفلانيّة، فلا يعني هذا أنّه إذا تجاوز هذا المقدار، فإنّ العقد سيكون باطلًا أو حرامًا؛ لا هذا أمر جائز، لكنّه عمل خاطئ.
لقد حوّل البعضُ الزواج الذي هو أمرٌ عاطفي وإنسانيّ ووجدانيّ إلى ساحةٍ للتفاخر. مثلًا يقولون لقد كلّف جهازنا المبلغ الفلانيّ، هل كلّف جهاز ابنتكم أيضًا مثل هذا المبلغ؟! إنّه التفاخر والتنافس! أو مثلًا يقولون لقد أقمنا مراسم العقد في الصالة الفلانيّة.
حتمًا، لقد أصبح من المتعارف عليه، وللأسف، أن يقيموا
[1] رسالة في ندوة عن دراسة شخصيّة المرأة من وجهة نظر الإمام الخمينيّ (ره) 3/8/1368هـ.ش [25/10/1989م]
125
108
الفصل الثالث: الترف
الأعراس في الأوتيلات؛ وهو أمر سيّئ للغاية. حتّى إنّنا نسمع أو نرى بعض الأفراد الذين لا يُتوقّع منهم ذلك، يقيمون مراسم العقد في الأوتيلات والصالات، وذلك من أجل التفاخر على بعضهم البعض! لا، فلتقيموا مراسم العقد في بيوتكم، وفي باحات منازلكم أو منازل جيرانكم، وأدعوا الناس إليها؛ وذلك كما جرت عليه العادة دائمًا. فمثل هذه الأجواء، هي أجواء عائليّة أنيسة. حيث يجتمع بعض الأصدقاء، والأقارب، وبعض رفاق العروس أو العريس، رفاق الدراسة، زملاء العريس في العمل أو المدرسة، فيفرحون ويقضون وقتًا ممتعًا؛ هذا أمر صائب.
إنّ ما جعلناه هنا ساحةً للتفاخر هو غلط فوق غلط. حتّى إنّهم يلوّثون محيط الزواج بالماديّات، كما وأنّهم جعلوا هذه الساحة النقيّة واللطيفة والوجدانيّة ساحةً للتفاخر والتنافسات والتجاوزات، ثمّ إنّ هذه الفتاة وهذا الشاب يعتادان منذ بداية حياتهما على الترف الشكليّات؛ لماذا؟ فلتعتادوا منذ بدء حياتكم على نمط الحياة المتوسّطة.[1]
دخول الترف في ساحة الزواج خطأ في خطأ
إنّ الترف مضرّ بالمجتمع وسيّئ. إنّ مَن يعارضون الترفَ لا يعني أنّهم لا يعرفون ملذّاتهم ومرحهم؛ كلّا، إنّه [الترف] عمل مضرّ بالمجتمع؛ إنّه مثل الدواء أو الطعام المضرّ. إنّ المجتمع يصاب بالضرر الكبير جرّاء الإفراط في الترف. طبعًا لا مشكلة في الالتزام بالحدّ المعقول والعاديّ؛ لكن عندما يتعلّق الأمر بالتنافس يتجاوز حدَّه ويصل إلى أماكن أخرى؛ وهذا مضرّ بالمجتمع. الآن
[1] كلمته في مراسم إجراء خطبة عقد زواج 20/4/1370هـ.ش [11/7/1991م]
126
109
الفصل الثالث: الترف
لو أنّنا نقلنا العمل المضرّ إلى الساحة الزوجيّة وأردنا استغلاله سيكون هذا غلطًا آخر فوق الغلط، وهو سيّئ جدًّا.
تلك الاحتفالات الصاخبة والضيافات في الفنادق والإنفاق المفرط كانت أعمالًا طاغوتيّة. أخيرًا كتبوا في الصحيفة حول هذا الموضوع، وكم كان جميلًا ما كتبوه؛ كي يفهم الناسُ أنّ هذه الأعمال قبيحة. لقد كنّا نقيم حفلَ عقد الزواج في منازلنا المؤلّفة من غرفة أو غرفتين. إن لم يكن لدينا متّسع كنا نستفيد من الجيران. كان مقدارٌ من الحلوى والفواكه يُرتّب ويُقدَّم. نتحدّث ونضحك، ونمزح؛ نفرح كثيرًا. طبعًا تلك الطواغيت وأولئك الناس السيّؤون وقد زالوا بحمد الله، لم يفعلوا ذلك. هم لم يقنعوا بهذا الوضع؛ يذهبون إلى تلك الفنادق ويقيمون الاحتفالات المكلفة جدًّا.
حاليًّا ونحن نقوم بعملنا، لا ينبغي لنا تكرار ذلك العمل. إذا كرّرناه فسنكون مثلهم؛ وذلك سيّئ. وليست المسألة بأنّه إذا لم يستطع المرء القيام بعمل فيه الكثير من الإنفاق لا يقوم به، وإذا ما أمكنه فليذهب وليقم به! فماذا حصل إذًا؟! إنّ المنطق الصحيح لا يوجب هذا الأمر. علينا تأسيس البناء على البساطة. اجعلوا "الجهيزيّة" بسيطة، إذا ما كانت الجهيزيّة تؤمّن حاجيّات العروس فهي أمر جيّد؛ لكن لا تصل إلى الترف.[1]
المهور العالية لا تتوافق مع ادّعاء اتّباع الرسول(صلى الله عليه وآله)
أولسنا نقول بأنّ مهر تلك السيّدة العظيمة كان أشياء يبكي الإنسان عند سماعها؟ أولسنا نقول بأنّ تلك المرأة الرفيعة الشأن لم تكن ترى أيّ أهميّة للدنيا وزينتها وزخارفها؟ أَوَيصحّ أن
[1] كلمته في مراسم إجراء خطبة عقد زواج 20/4/1370هـ.ش [11/7/1991م]
127
110
الفصل الثالث: الترف
نكثر يومًا فيومًا من المظاهر والنزعة الترَفيّة وزخارف الحياة وبهارجها وأشيائها الفارغة، ونجعل مهور بناتنا عالية؟!
في السابق، عندما كان البعض أحيانًا يزيد في مقدار مهر الزواج، كنّا نمازحه ونقول: أنت تريد أن تضع المقدار الفلانيّ من المسكوكات الذهبيّة كمهر، فقلْ إذًا، ودفعة واحدة بأنّك تريد أن تجعله 72 مسكوكة! أمّا الآن فإنّنا نرى بأنّ تحديد المهور العالية قد أصبح واقعيًّا! حقيقة ماذا يجري؟ أنت يا والد تلك الفتاة، هل يمكنك الادّعاء بأنّك من أتباع والد فاطمة الزهراء(عليها السلام)؟ هذا لا يصحّ؛ علينا أن نفكّر في أحوالنا، فلماذا أقول لكم هذا الكلام؟[1]
[1] خطابه لدى لقائه مع المنشدين ومدّاحي أهل البيت عليهم السلام بمناسبة ولادة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام 5/10/1370هـ.ش [5/6/1992م]
128
111
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
أ- توضيح وضرورة الحذر
قيمة الشبّان الثوريّين نسبةً إلى الشبّان الذين يلهثون وراء الأرستقراطية والشهوات
إنّي أحبّ الشبّان الثوريّين المتديّنين الحاضرين في كلّ أرجاء البلد، وهذا هو واجبنا. إذ لا يمكننا من حيث القيمة، أن نعدَّ الشبّان الذين يقضون شبابهم وقوّتهم وطاقتهم ودوافعهم في سبيل أهداف النظام العليا، والشبّان الذين يلهثون وراء الشهوات والمظاهر الأرستقراطية وأمثال ذلك، على حدّ سواء. أجل، فإنّهم جميعًا من حيث الحقوق الاجتماعيّة سواسية، ولكنّهم من حيث المبادئ لا يستوون أبدًا. فإنّ الشابّ الذي يكدّ، ويسعى، وينفق وقته، وطاقته، وأحيانًا أمواله المتواضعة -وهذا ما هو موجود ونتابعه ونعرفه- في سبيل الأهداف والجهاد، من الواضح أنّه يختلف عن غيره. أنا دائمًا كنتُ أدعمهم، وسأدعمهم أيضًا.[1]
ابتعاد المسؤولين عن نزعة الأرستقراطية من ضروريّات نظام الجمهوريّة
للجمهوريّة الإسلاميّة بُعدان: الجمهوريّة بمعنى الشعب [الشعبيّة]،
[1] في لقاء مع مسؤولي النظام 25/3/1395هـ.ش [15/8/2016م]
129
112
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
والإسلاميّة بمعنى أنّها قائمة على القيم والشريعة الإلهيّة.
الصفة الشعبيّة معناها أنّ الشعب له دور في تشكيل هذا النظام وفي تعيين وتنصيب مسؤوليه. إذًا، الشعب يشعر بالمسؤوليّة. وهم [أبناء الشعب] ليسوا بمعزل عن هذه الأمور. النظام نظام شعبيّ جمهوريّ بمعنی أنّ مسؤولي النظام من الشعب وقريبون منه، وليس لديهم نزعات أرستقراطية أو بُعدٌ عن الناس، أو عدم اكتراث بالناس أو استهانة بهم. لقد جرّب شعبنا لقرون طويلة طباع الأرستقراطية والاستبداد والدكتاتوريّة في الحكّام غير الشرعيّين في البلاد، ولا يمكن أن يكون عهد الجمهوريّة الإسلاميّة كتلك العهود. إنّ معنى عهد الجمهوريّة الإسلاميّة هو عهد سيادة أفراد هم من الشعب ومع الشعب ومنتخبون من قبل الناس وإلى جانب الناس ولهم سلوك شبيه بسلوك الناس. هذا هو معنى الجمهوريّة والشعبيّة. الشعبيّة بمعنى الاهتمام بعقائد الشعب، وحيثيّته، وهويّته، وشخصيّته، وكرامته؛ هذه خصائص الحالة الشعبيّة.[1]
تحذير الإمام قدس سره للمسؤولين حول الميلِ إلى العيش في القصور
في البُعد الداخليّ هو دفاع الإمام ونصرته ودعمه للمحرومين والمستضعفين، فقد كان يرفض التمييز والفروقات الاقتصاديّة رفضًا باتًّا، ويواجه النزعة الأرستقراطية بمرارة، وكان مناصرًا حقيقيًّا للعدالة الاجتماعيّة بالمعنى الحقيقيّ للكلمة. ولعلّ الدفاع عن المستضعفين من أكثر المواضيع التي تناولها الإمام في كلماته، وهذا من الخطوط البيّنة في رؤية الإمام، ومن الأصول المسلمة،
[1] في لقاء عامّ مع أهالي جالوس ونوشهر 15/7/1388هـ.ش [7/10/2009م]
130
113
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
حيث يدعو الجميع إلى العمل وبذل الجهد لاستئصال الفقر، والسعي لمساعدة المحرومين لإنهاء حالة الحرمان، ومساندة المحرومين بكلّ ما بوسعهم، وكان من جانب آخر يحذّر المسؤولين من التخلّق بأخلاق أهل القصور والذي وردت الإشارة إليه في القرآن الكريم أيضًا: ﴿وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾[1]، وكان يؤكد مرارًا على الاعتماد والثقة بوفاء الطبقات الضعيفة، ويكرّر القول بأن سكّان الأكواخ والفقراء والمحرومين هم الذين ملأوا الساحات على الرغم من حرمانهم من دون اعتراض، وهم الذين يحضرون في ميادين الخطر. بينما الطبقات المترفة هي أكثر من تبدي استياءها وتبرّمها حين تقع الحوادث وتظهر المشاكل في كثير من الأحيان. لقد برزت قضيّة وفاء الطبقات المتوسّطة والمحرومة من أبناء الشعب في رؤية الإمام وكان دومًا يؤكّد عليها. وكان يشدّد أيضًا على استخدام بيت المال بشكل صحيح، وتجنّب الإسراف. وهذا بدوره أحد الخطوط الأساسيّة المتمثّلة بالعدالة الاجتماعيّة ومناصرة المحرومين والابتعاد عن النزعة الأرستقراطية والنزوع إلى البذخ والكماليّات والعمل في هذا الاتجاه.[2]
من مبادئ سياسة الإمام{ عدم كون المسؤولين أرستقراطيّين
في السياسة الداخليّة، كانت مبادئ الإمام قدس سره هي ... أن يكون الحكّام ومن يمسكون بزمام الأمور شعبيّين وبعيدين عن
[1] سورة إبراهيم، جزء من الآية 45.
[2] في مراسم إحياء الذكرى السادسة والعشرين لرحيل الإمام الخمينيّ (ره) 14/3/1394هـ.ش [4/6/2015م]
131
114
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
الأرستقراطية؛ واهتمام المسؤولين بمصالح الأمّة؛ السعي الشامل والعمل الدؤوب في سبيل تقدّم البلد وتطوّره.[1]
حثّ الإمام قدس سره المسؤولين على تجنّب الأرستقراطية
منذ بداية انتصار الثورة كان الإمام يصرّ على الاعتماد على الشرائح المستضعفة فيُكرّر ذلك ويُوصي به، فالتعبير بـ “الحفاة وسكّان الأكواخ” من العبارات التي تكرّرت كثيرًا في كلمات الإمام. وكان يُصرّ على المسؤولين أن يصلوا إلى الطبقات المحرومة. ويُصرّ على المسؤولين أن يجتنبوا حياة الأرستقراطية. كان هذا من الوصايا المهمّة للإمام العظيم، وعلينا أن لا ننساها. إنّ آفة المسؤوليّة في أيّ نظامٍ يعتمد على آراء الناس وإيمان الشعب هي: أن يتحوّل المسؤولون إلى التفكير برفاهيتهم الخاصّة والبحث عن الثروة وتجميع المال والهوس بالحياة الأرستقراطية وطرق هذا الباب وذاك؛ فهذه هي الآفة العظمى. وقد جنّب الإمام نفسه هذه الآفة بشكل تامّ وكان يُوصي مسؤولي البلاد مرارًا بأن لا يتّجهوا نحو حياة القصور والأرستقراطية، وأن لا ينشغلوا بتكديس الثروة بل بإيجاد روابط قريبة مع الشعب[2].
التقدّم البارز جدًّا في مجال العدالة الاجتماعيّة
نحن قد حققنا تقدّمًا جيدًا خلال السنوات الـ 37 أو 38 التي
[1] في مراسم إحياء الذكرى الرابعة والعشرين لرحيل الإمام الخمينيّ (ره) 14/3/1392هـ.ش [4/6/2013م].
[2] في مراسم إحياء الذكرى الثانية والعشرين لرحيل الإمام الخمينيّ (ره) 14/3/1390هـ.ش [4/6/2011م]؛ لمزيد من الاطّلاع، انظر، في لقاء مع رئيس الجمهوريّة وأعضاء الهيئة الوزاريّة 6/6/ 1390هـ.ش [28/8/2011م].
132
115
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
مضت منذ بداية الثورة... أحرزنا تقدّمًا في المسائل المتنوّعة من وجهة نظر الإسلام. من ناحية العدالة الاجتماعيّة اختلفت الأمور بين الحاضر والماضي، كالفرق بين السماء والأرض، وبالطبع فإنّ بيننا وبين تلك العدالة الإسلامية المنشودة مسافة بعيدة. للأسف، فإنّ مظاهر النزعة الأرستقراطية والكماليّات وبعض حالات الانحراف حاليًّا ليست بالقليلة في أوساط مجتمعنا، ولكن إذا ما قارنّا أوضاعنا بما كانت عليه قبل الثورة -أنتم الشباب لم تشهدوها، نحن الذين شهدنا فترة ما قبل الثورة- لوجدنا أن تقدم الشعب الإيرانيّ والبلد الإسلاميّ هو تقدمٌ باهر بالمقارنة مع ما كان عليه في ذلك الوقت.[1]
ضرورة تمسّك المسؤولين بالعيش كبقيّة الشعب
ولله الحمد فأنتم، أعضاء الحكومة، أصحاب مناصب الدرجة الأولى تتصفون بالشعبية وتنتمون إلى الطبقة المتوسطة في المجتمع وبعيدون كلّ البعد عما يتصف به المترفون من غرور وتكبّر، بل أنتم متواضعون وتعيشون كما يعيش أبناء الشعب، وهذه نعمة كبيرة يجب الحفاظ عليها وترويجها. وإذا كان هناك من سلك طريقًا غير هذا وشذّ عن هذا المسار فعليكم أن تتصدّوا له وتقوّموا فيه هذا الانحراف.[2]
التوقّع من المسؤولين أن يحافظوا على الطابع الشعبيّ
نقول للمسؤولين إنّ أوّلَ ما أنتظره منهم هو ألّا يضعفوا؛ وأن
[1] في لقاء مع مختلف فئات الشعب 11/5/1395هـ.ش [2/10/2016م]
[2] في اجتماعٍ مع رئيس الجمهوريّة والهيئة الوزاريّة بمناسبة أسبوع الحكومة 8/6/1374هـ.ش [30/8/1995م]
133
116
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
لا يتخلّوا عن الاعتماد على الله تعالى؛ فليعتمدوا على الله وعلى هذا الشعب؛ ليحافظوا على طابعهم الشعبيّ؛ ولا يسقطوا في فخ الكماليّات الذي سقط فيه بعض الأشخاص.[1]
محبّة الشعبِ لشعارِ الابتعاد عن الأرستقراطية
لقد تعلّق قلب الشعب بهذه الشعارات، إنّهم يحبّونها. إنّ شعار العدالة يجذب الشعب، شعار الابتعاد عن صنع الوجاهات هو شعار مطلوب للنّاس وجذّاب، أو شعار خدمة الناس، أو شعار مقارعة الاستكبار، أو شعار بساطة العيش، أو شعار العمل والسعي وخدمة النّاس، هذه أشياء يحبّها الشعب ويريدها. إنّ مجتمعًا وبلدًا وشعبًا واعيًا سيطلب هذه الأمور من مسؤوليه: المطالبة بالعدالة، المطالبة بالإنصاف، المطالبة بالخدمة، المطالبة بالعلاقة الوطيدة مع الشعب، المطالبة بالدِّين، والالتزام بالقيم الدينيّة، والالتزام بالشرع. هذه أمور يطلبها الشعب ويحبّها.[2]
ضرورة منهجة بساطة الحياة في النظام الإداريّ
إنّ “السياسة العامّة للنظام الإداري” التي أُبلِغت لرؤساء السلطات الثلاث، رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام ورئيس
[1] في الاجتماع الكبير مع زوّار ومجاوِري الحرمِ الرضويّ المطهّر 1/1/ 1386هـ.ش [21/3/2007م]
[2] في لقاء مع أعضاء الحكومة 8/6/1389هـ.ش [30/8/2010م]؛ لمزيد من الاطّلاع، انظر: رسالة بمناسبة المؤتمر الثاني للحركة الطلّابيّة 6/8/1381هـ.ش [28/10/2002م]؛ انظر أيضًا: في مراسم إحياء الذكرى الثانية والعشرين لرحيل الإمام الخمينيّ (ره) 14/3/1390هـ.ش [4/6/2011م]؛ انظر أيضًا: في اجتماعٍ مع رئيس الجمهوريّة والهيئة الوزاريّة 6/6/1374هـ.ش [28/9/1995م].
134
117
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
عام أركان القوّات المسلّحة، تعني ما يلي: ...
21 - منهجة الضمير المهني، الانضباط الاجتماعيّ، ثقافة المراقبة الذاتيّة، الأمانة، التوفير وترشيد الاستهلاك، بساطة العيش والحفاظ على بيت المال.[1]
من المزايا الأكثر صلاحًا عدمُ اللهاث وراء الأرستقراطية
لكن المهمّ هو أن تبحثوا بين هؤلاء الأفراد الصالحين وتحدّدوا الأصلح. هذا ليس مقامًا نستطيع فيه أنا وأنتم الاكتفاء بالحدّ الأدنى. اطلبوا الحدّ الأعلى وانتخبوا الأفضل.
من هو الأفضل. إنّني لا أبدي أي رأي حول الأشخاص ولكن ثمّة مؤشّرات وسمات. الأفضل هو الذي يفهم آلام البلد ويعرف أوجاع النّاس ويكون متّحدًا مع الناس وقريبًا منهم ومحبًّا لهم. ويكون بعيدًا عن الفساد ولا يسعى وراء الأرستقراطية لنفسه؛ آفتنا الكبيرة هي الأرستقراطية والبذخ. فإذا كان المسؤول الفلاني من أهل البذخ والأرستقراطية، سيدفع النّاس باتّجاه الأرستقراطية والإسراف. حين قلنا: إنّ هذا العام هو عام المضِيّ نحو إصلاح نموذج الاستهلاك، فمعنى ذلك أنّ هذا العام هو العام الذي يقرّر فيه الشعب الإيرانيّ مكافحة الإسراف. لا نقول بنحو قاطع ودفعة واحدة، وخلال سنة واحدة سوف ينتهي الإسراف؛ لا، نحن أكثر واقعيّة من هذا ونعلم أنّ هذه العمل يتطلّب سنوات متعاقبة وينبغي العمل حتّى نصل إلى هذه الثقافة. يجب البدء بهذه العمليّة.[2]
[1] السياسات العامّة للنظام الإداري 31/1/1389هـ.ش [20/4/2010م].
[2] في جمع من أهالي إقليم كردستان في ميدان آزادى سنندج 22/2/1388هـ.ش [13/7/2009م].
135
118
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
أن يكون المسؤولون صالحين فهذا يعني أنّهم لا يسعون وراء الأرستقراطية
إخواني الأعزاء! إذا استطعنا أن نكون صالحين على المستوى الشخصيّ وكان حكمنا أيضًا حكمًا صالحًا فإنّنا نستطيع نشر الإصلاح في أرجاء الدنيا كافّة وفي بلدنا قبل كلّ الدول الأخرى. لكن إذا لم نكن من الصالحين فلن يتحقّق أيّ أمر إيجابيّ متعلّق بأهدافنا، وكلّ مَن سیسعى سيكون سعيه بلا طائل. لذا وجب عليّ وعليكم أن نكون من الصالحين، فإنّ الصلاح لیس أمرًا معقّدًا، بل معناه أن نكون متديّنين وأتقياء ولا نكذب ولا نغتاب ولا نحرص على مال الدنيا ولا نكون من أهل البذخ والشكليّات والإسراف والحقد ولا ندّعي كذبًا.[1]
ضرورة تجنّب المسؤولين مرض الميل نحو الرفاهية وحبّ اللهو
كذلك يجب على مسؤولي النظام بمن فيهم نوّاب المجلس المحترمين والمسؤولين التنفيذيّين والقضائيّين أن يكونوا على حذر من مضاعفات الوباء الذي يشمل حال جميع العاملين في الأنظمة الطاغوتيّة وغير الشعبيّة فيبعدوا أنفسهم عن هذا الوباء بدقّة وحذر شديدين، هذا الوباء هو مرض الميل نحو الرفاهيّة والترف، هو مرض الدسائس غير المشروعة والفساد الماليّ والإداريّ، هو مرض التكبّر والبعد عن الناس واللامبالاة بحوائجهم ومطالبهم
[1] في لقاء مع المسؤولين والرسميّين في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، عند أعتاب السنويّة الحادية عشرة لانتصار الثورة الإسلاميّة الإيرانيّة 9/11/ 1368هـ.ش [8/2/1990م].
136
119
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
وإرادتهم وحضورهم، هو مرض التجمّعات السقيمة وترجيح الأهداف الفئويّة على المصالح العامّة وما شابه ذلك، إنّ الابتلاء بهذه الأمراض هو كالنمل الأبيض يوهن ويجوّف قواعد وأُسس أي نظام، وكذلك مرض الانجذاب إلى السنن الطاغوتيّة والرغبة في إحيائها وعدم الاهتمام أو الازدراء بالقيم الثوريّة والإسلاميّة الأمر الذي يميت القلبَ ويسلب النشاط والحماسة لخدمة الناس الذين قدّموا -مخلصين- أرواحَهم وأموالهم في سبيل الثورة، ويصيبهم باليأس والحزن.[1]
ضرورة تلاؤم سلوك المسؤولين مع أهداف الثورة والنظام الإسلاميّ
أنتم الذين جئتم إلى هذا الإقليم، رئيس الجمهوريّة والوزير أنتم مظهر نظامكم. إنْ كان النظام شعبيًّا عامًّا، فأنتم أيضًا شعبيّون. إن كان النظامُ نظامَ المستضعفين، فينبغي أن يبدو هذا الموضوعُ نفسُه جليًّا في عملكم وكلامكم وسلوككم. إنْ كان النظام نظام اجتناب الترف والبزخ فيجب أن تظهر هذه الميزة في حياتكم. أنتم مَظهر النظام في الإقليم، لذا فالمسألة الأولى هي أنّه ينبغي على المحافظ أن يتمتّع بتلك الذهنيّة والصورة التي تتّصف بها الثورة ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة، [الموجودة] في ذهن الناس وذهني وذهنكم -أنتم مسؤولو النظام- وأن يتجلّى ذلك في العمل والسلوك والنهج ومحلّ المعيشة ونمط العيش والتصرف والانحياز والمواقف.[2]
[1] رسالة بمناسبة الذكرى السنويّة الثانية لرحيل الإمام الخمينيّ(ره) 13/3/1370هـ.ش [4/8/1991م]
[2] في لقاء مع الوزراء والمسؤولين في وزارات الدولة مسؤولي الأقاليم 1/11/1368هـ.ش [21/1/1990م].
137
120
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
أرستقراطية عيش المسؤولين في الأنظمة الشيوعيّة
لماذا لا نعتمد أنموذج النظامَين العالميَّين النظام الشرقيّ الشيوعيّ والنظام الغربيّ الرأسماليّ؟ لأنّها كانت أنظمةً باطلة. كانت الأنظمة الشيوعيّة أنظمةً مستبدّة قامت على أساس شعار حكم الشعب؛ لكنّها كانت أرستقراطية! مع أنّها تدّعي معاداة الأرستقراطية، لكّنها عمليًّا كانت حكومات أرستقراطية.[1]
ادعاء العدالة في البلدان الشيوعيّة مع وجود الأرستقراطية لدى المسؤولين
في كلّ البلدان التي حكمَتْها الشيوعيّةُ بشكلٍ من الأشكال -الثورات أو الانقلابات- كان محور شعاراتهم يدور حول (العدالة)، مع أنّ واقعيةَ حياتهم لم تكن العدالة أبدًا، بل كانت تعمل على العكس من العدالة تمامًا، فجاءت جماعة باسم العمال، ولم تكن سوى الطبقة الأرستقراطية للأنظمة الطاغوتيّة ولم تكن لتختلف عنها أبدًا. كانت حياة قادة البلدان الاشتراكية على هذه الشاكلة. كنتُ قد وقفت إبّان رئاستي للجمهوريّة على أوضاع الطبقات السفلى في بعض البلدان الشيوعيّة، فلم يكن هناك ما يطلق عليه اسم العدالة ومفهومها أبدًا، إذ كانت هناك طبقة أرستقراطية جديدة تعمل وفقًا لموازينها الحزبيّة والسياسيّة الخاصّة بها، وكانت تتمتّع بجميع الإمكانات في حين كان أبناء الشعب يعيشون في بؤس وفقر مدقع، وقد كان هذا الوضع يشاهد
[1] في خطبة الجمعة في طهران 23/2/1379هـ.ش [12/5/2000م].
138
121
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
حتى في بلدانهم المتقدّمة. وعليه فإنّ هذا النوع من العدل سوف لا يكتب له الدوام، وسينحرف عن طريقه ويغدو رياءً وزيفًا.[1]
ب- أضرار الأرستقراطية
أضرارُ أرستقراطية المسؤولين في العصر البهلويّ
في حين كان الفقر وضيق المعيشة، والجوع والمستوى المعيشيّ المتدنّي، يضيِّق الخناقَ على أكثريّة الشعب الإيرانيّ، كان إسراف الشاه أيضًا وترفه وعيشه الأسطوريّ وقصوره هو وأسرته ورجال البلاط وقادته العسكريّين من جهة؛ وسلب مصادر الأمّة من قِبل الشركات الأجنبيّة والوسطاء في الداخل من جهة أخرى، يضيّق الخناقَ يومًا بعد يوم أكثر وأكثر على هذا الشعب.[2]
الأضرار الناجمة عن نشوة النزعة الأرستقراطية
ثمة نقطة بشأن هذه الحقوق[3] والرواتب غير المنصفة والظالمة من بيت المال -الأمر الذي شاع اليوم بين الناس وراحت تتناقل أخباره- فإنّ هذا التصرّف عمل غير شرعيّ وجريمة وخيانة لمـُثُلِ الثورة الإسلاميّة وأهدافها. من المؤكّد أنّه حصلت في الماضي بعض حالات التساهل والتغافل التي يجب تداركها، ولا يكون الأمر بأن نثير الضجيج والصخب في هذا المجال، ثم
[1] في لقاء مع أعضاء الهيئة الحكوميّة 8/6/1384هـ.ش [30/8/2005م].
[2] رسالة إلى الشعب الإيرانيّ بمناسبة الذكرى العشرين لانتصار الثورة الإسلاميّة 21/11/1377هـ.ش [10/2/1999م].
[3] المعاشات النجومية التي جُعلت لمجموعة من الموظفين في المصارف والمؤسسات المالية وغيرها... في العام 2016.
139
122
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
ننهي الموضوع بشكل كامل، ونتركه في مطاوي النسيان، بل لا بد من متابعته... فإنّنا على اطلاع على الآفات الناجمة عن الفقر، ونخطّط لها، ونعقد الاجتماعات لأجلها، ولكن، وكأنّنا لا نعرف الأضرار الناتجة عن نشوة النزعة الأرستقراطية بشكل صحيح، إن استشرت ظاهرة الأرستقراطية والإسراف والبذخ وثقافة الكماليات في المجتمع، ستتبعها هذه القضايا، وسيبادر الجميع إلى اللهاث وراء لقمةٍ تشبعهم، وأن يملأوا بطونهم من المال الحرام. يجب مواجهة هذه الظاهرة بحزم وجدّيّة.[1]
حسنًا، حاليًّا طُرحت مسألة الرواتب العالية. حتمًا ينبغي علينا القول إنّ الجميع يعرفون ذلك، تلك استثناءاتٌ في أجهزة الدولة؛ فلا يظنّ أنّ [الجميع على هذا النحو]. الآن إن كان الأمر كذلك، عشرة أشخاص، خمسون شخصًا، مئة شخصٍ، ألف شخص من المسؤولين الحكوميّين يرتكبون مثل هذا الخطأ، فيجب ألّا يعمّموه على الجميع. إنّ الكثير من الأوامر نصدرها وإذا لم نتابعها فإنّها تدريجيًّا ستضعف مع مرور الزمن. لا تتصرّفوا بهذا الشكل. اسعوا كي تصبح هذه المسألة مسألةَ متابعة بكلّ ما للكلمة من معنى، وليطّلع عليها الشعب أيضًا؛ ليس أغلب ما نقوله يواجَه بسوء استغلال من قِبل أكثر مدراء الحكومة. إنّما لدى عدد معدود من مديرينا مع الأسف يوجد مثل هذا الأمر، حسنًا فلنواجهه[2].
[1] في خطبة عيد الفطر 16/4/1395هـ.ش [6/9/2016م]
[2] في لقاء مع رئيس الجمهوريّة وأعضاء الهيئة الوزاريّة 2/4/1395هـ.ش [22/6/2016م]
140
123
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
أرستقراطية المسؤولين سببُ فقدان ثقة الناس بهم
كيف تريدون كسبَ محبّة الناس وثقتهم؟ يجب أن يثق الناس بنا أنا وأنتم، فاذا انحدرنا صوب قضايانا الشخصيّة، وانصبّ تفكيرنا على أنفسنا، وانشغلنا بالمظاهر البرّاقة ورحنا نلهث وراءها من دون أن نضع حدًّا معيّنًا لما ننفق من بيت المال فهل ستبقى للناس ثقة بنا؟ أم أنّ الناس عمي لا يبصرون؟ شعبنا الإيرانيّ كان ولا يزال من أذكى شعوب العالم وقد أصبح اليوم ببركة الثورة الإسلاميّة من أذكى الأذكياء. أيّها السادة، ألا يرى هذا الشعب كيف نحيا؟
عندما كان شباب حزب الله يذهبون للعمل في جهاد [البناء]أو حرس الثورة الإسلاميّة أو الوزارة هذه أو تلك، ويُسأل كم تريد أن يكون راتبك الشهري؟ كان يجيب مستنكرًا هذا الكلام ويقول أنا لم آت لأجل المال. وكانوا كثيرًا ما يصرّون على الواحد منهم لكي يأخذ قدرًا من المال لزوجته وأطفاله وتيسير أمور معاشه. أتحسبون أن هذه أسطورة؟ فإنّكم لو نقلتم هذا الكلام إلى مَن يعيشون في الخارج غير مطّلعين على وضعنا في السنين المنصرمة لظنّوا أنّ هذا الأمر أسطورة؟ لكنّها حقيقة حصلت في إيران هذه بل وفي طهران وفي هذه الوزارات بالذات. ولم تحدث هذه الأمور مرّة أو مرّتين، فقد كان عضو مجلس الشورى يخجل إذا أُعطي له راتبه أن يأخذه، هكذا كان أصدقاؤنا في الدورة الاُولى للنيابة في المجلس يخجلون من قبض رواتبهم! كانوا يقولون أنأخذ أجورًا؟!.
أيّها الإخوة! أنا وأنتم نأكل من هذا الاحتياطيّ؛ لا تنسوا، فقد اطّلع الشعبُ على هذا الأمر فلا ينبغي أن ننغمس في الحياة
141
124
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
الماديّة مثل الحيوان نجترّ ونخزّن وندعو المحرومين من ضروريات العيش لينظروا إلينا على أساس أسوة وقدوة لهم.
في هذا السبيل، يجب علينا الترفّع عن أمور كثيرة لا عن المحرمات فحسب، بل عن المحلّلات أيضًا. أنا لا أدّعي أن نكون مثل النبي(صلى الله عليه وآله) أو أمير المؤمنين(عليه السلام) الذي كان تلميذه، فإنّ الإنسان يرتعد فرقًا حين يطالع سيرتهم. فهذا أمير المؤمنين قد أصبح زهده مضربًا للأمثال لدى المسلمين وغيرهم وعندما يصف النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: “قَدْ حَقَّرَ الدُّنْيَا وَصَغَّرَهَا - وَأَهْوَنَهَا وَهَوَّنَهَا”[1].
وقد جاؤوا ذات مرّة إلى النبي(صلى الله عليه وآله) في قُباء بطعامين أحدهما عسل والآخر شيء خليط بماء، فقال(صلى الله عليه وآله): “إني لا أحرمهما لكني لا آكلهما جميعًا إمّا العسل وإما الماء”؟ لكنهما لم يريدوا منّا هذا. ولو طلباه منّا لهلكنا فهل نطيق العيش هكذا؟ إذ من الواضح أن تلك النفس القدسيّة الملكوتيّة أمر آخر: يقول الإمام امير المؤمنين (عليه السلام) ما مضمونه: إنّ الله سبحانه وتعالى أعلمَ النبي(صلى الله عليه وآله) أنّه سيأخذ منه الدنيا ليبدله بما هو أحلى فذلك الأحلى يراه الأولياء لا أنا ولا أنتم، لكن يجب علينا مواصلة السير في هذا الطريق والتقليل من نفقاتنا وتجنب التبذير والترفّع وعدم الاهتمام بكثير من أمورنا الخاصة.[2]
النهج الأرستقراطيّ نقطة ضعف المسؤولين
ممنوع على المسؤولين الطمع. اِتّباعُ المسؤولين النهجَ الأرستقراطيّ يعدّ نقطة ضعف. إذا كان الآخرون يعدّون هذا
[1] نهج البلاغة، الخطبة 109.
[2] في لقاء مع المسؤولين والموظّفين الرسميّين في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة 23/5/1370هـ.ش [14/8/1991م]
142
125
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
الأمر لازمًا للوصول إلى المناصب العالية في البلد، فإنّه في النظام الإسلاميّ أنه لا يعدّ ضرورة وحسب، بل يُعدّ نقطة ضعف.[1]
عدم خوف الاستكبار من الإسلام الغارق في الأرستقراطية
إنّهم[2] لا يخافون من إسلامِ عبدةِ الدولار؛ لا يخشون من الإسلام الغارق في الفساد والأرستقراطية؛ لا يخشون من اسمِ الإسلام الذي لا امتداد ولا نهائيّة له في العمل وفي الشعبيّة.[3]
عيبا أرستقراطية المسؤولين
أعزّائي! إنّ ما أذكره الآن هو من بين العناصر المثبطة لحركة المجتمع باتجاه العدالة، فاجتنبوا ظاهرة الارستقراطية التي تضرب بأطنابها بين كبار المسؤولين في البلاد، ففيها عيبان، وثانيهما أدهى من أولهما؛ العيب الأول فيها، الإسراف. وإنّنا إذ نرى حلّية الثراء فبمعنى اكتساب المرء لثروته عن طريق الحلال، بَيْدَ أنّ العيب الآخر فيها هو الأسوأ من سابقه، ويتمثّل في اختلاقه لثقافة أخرى تفتح الميدان للتنافس في كلّ شيء، وبطبيعة الحال فإنّ لكبار المسؤولين دورهم المهمّ في هذا المجال، وكذا الاعلام المرئي والسلوك الذي نتبعه أنا وأنتم.
[1] في لقاء مع جمع كبير من أهالي إقليم جيلان في محافظة رشت 11/2/1380هـ.ش [1/5/2001م]
[2] الأعداء والمستكبرون.
[3] في لقاء مع المشاركين في المؤتمر العالمي لأساتذة جامعات العالم الإسلاميّ والصحوة الإسلاميّة 21/9/1391هـ.ش [10/12/2012م]
143
126
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
تناهى إلى سمعي ذات مرّة: أنّ أحد الذين تصدّوا لوزارة المعادن -ولا أصرّح هنا في أيّ سنة تصدّى فيه للوزارة- كان قد جاء بأنواع الأحجار النفيسة التي تزخر بها بلادنا وزيّن بها مبنى وزارته، فاستدعيته إلى هنا وسألته: لِمَ فعلت هذا؟! فأجاب: إذا ما حلّ الزوّار الأجانب هنا، ووقعت أعينهم عليها إذ ذاك سنحصل على الزبائن! ناشدتكم الله، هل هذا منطق جدير بالقبول؟! إذ نقوم باستهلاك كلّ هذه النفقات ولملمة ما في مبنى الوزارة من أحجار- إن وجدت - والاستعاضة عنها بأحجار جديدة بغية كسب الزبائن! بوسعكم نصب لوحة كبيرة طولها 5 أمتار وعرضها 3 أمتار في الصالة الرئيسيّة لبناية الوزارة لعرض أنواع الأحجار بشكل رائع وجميل - وهنالك مختصّون بعملية العرض- ومن ثم تصطحبون كل زائر باحترام لمشاهدة هذه الأحجار، فتكونون قد عرضتموها للتفرّج ولاستقطاب الزبائن معًا، وهذا أفضل. فليس مناسبًا التعلّل من أجل البهرجة! وإنني أرى أنّ البهرجة والتزويق في حياتكم لو انعكست إلى الخارج سيتخللها الإشكال الثاني: إذ إنها ستتمخّض عن ثقافة تدفع بمن هم حديثو عهد بالغنى وارتقوا سلم الحياة توًّا نحو الإسراف في الزركشة، وإذا ما رأوا أقطاب النظام يتهافتون بهذا المنحى إذ ذاك سيتهافتون أسرع منكم، وذلك لأنّكم في النهاية ستلاحظون أنّكم تمتلكون أكثر من كثيرين منهم. ولقد سبق لي أن قدّمت وصاياي بهذا الشأن للإخوة الأعزاء.
خلال الأشهر القليلة المنصرمة وصلني تقريران كل على حدة من بوشهر وأصفهان سلبا النوم من عينيّ بكل ما للكلمة من معنى؛ لأنهما يتعلّقان بالدوائر الحكوميّة. فالتقرير الوارد من أصفهان: يدور حول محلّة السدّ، وهو مظهر للهوّة والفجوة العميقة الفاصلة بين الوضع المعاشي الذي عليه الطبقات الفقيرة وبين حياة الكوادر
144
127
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
الحكوميّة. فلقد شيّدوا دُورًا وفيلّات هناك -وإن كان من قِبَل القطاع الخاص، بَيْدَ أنّ القطاع الحكوميّ قام بمثل هذه الأعمال أيضًا- إلى جوار أناس تعوزهم الحياة البسيطة، ويفتقرون للقمة الخبز التي تسدّ جوعهم، ثم إنهم وضعوا بوابة لمنع من يحاول العبور إلى الجانب الآخر! وفي إحدى الجزر التابعة لبوشهر حصل ما هو على غرار ذلك أيضًا ومن قِبَل القطاع الحكوميّ! إنّ هذا مرفوض رفضًا باتًّا، ولم أكن على علم به، ولو كنت قد اطّلعت على نيّتهم بإقامة مثل هذه الإنشاءات في أصفهان وبوشهر لكتبت إلى المحافظ أو الوزير المسؤول، أو لخاطبته شفهيًا: مؤكِّدًا له أنّهم لا حق لهم في القيام بمثل هذا العمل على الرغم من عدم نيّتي التدخّل في العمل التنفيذي. على أي حال، فقد أقدموا على عملهم هذا وشيّدوا البناء وفرغوا منه، فكان له بالغ التأثير[1]!
الأرستقراطية أحد آلام العالم الإسلاميّ المزمنة
يعاني العالم الإسلاميّ اليوم من آلام مزمنة. لعلّ أهمّ هذه الآلام العشرة: .... التبعيّة السياسيّة والاقتصاديّة، الإسراف والأرستقراطية والغرور في مقابل الفقر والجوع والمذلّة.[2]
الأرستقراطية: سبب الابتعاد عن ذكر الله
أحيانًا يقترب الإنسان في حياته الشخصيّة على إثر المـِحن والشدائد والمصائب؛ وفي حياته العامّة من خلال الأحداث التي تؤدّي إلى التغيير مثل التحرّك العام نحو الجهاد أو الإنفاق
[1] في لقاء مع رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة 5/6/1380هـ.ش [27/8/2001م]
[2] رسالة إلى حجّاج بيت الله الحرام 23/12/1380هـ.ش [13/3/2000م]
145
128
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
أو مساعدة المحتاجين، من عاملِ الذِّكر، وأحيانًا من خلال الاستسلام للنزوات والغرق في النشوة والأرستقراطية والترف، يبتعد عنه(.[1]
أخلاق الإنسان تتأثّر بالنزعة الأرستقراطية
أحد الأماكن التي يمكنها أن تكون أنموذجًا وقدوةً في اجتناب الإسراف، مدينتكم وإقليمكم. طبعًا نحن نعرض هذا بين قوسين؛ فهذه نزعة طبيعيّة لدى هذا الشعب، شرط أن لا تفرض عرضيّةُ الأرستقراطية نفسَها. الأرستقراطية مثل الوباء وأينما حلَّ يؤثّر على الكثير من النزعات المستحسَنة والمرغوبة ويُضعفها شيئًا فشيئًا وقد يزيلها. يجب علينا نحن الشعب الإيرانيّ أن لا نقع أسرى للأرستقراطية.[2]
تعرّض الإنسان للشلل من خلال الميل نحو الترف والبهرجة
القلوب المليئة بالإيمان والمعرفة والتبصّر لا يمكن أن تُغلب وتُصاب بالرعب أبدًا. كي يُصاب الإنسان بالرعب ويُغلب ويستسلم ويخضع، يجب أوّلًا إيجاد الشكّ في قلبه. لا ترد هذه الشكوك دائمًا من طريق العقل؛ أحيانًا ترد من طريق الجسم أيضًا. الرغبات والأهواء الجسمانيّة، الرغبة بالمال -التي وردت في الصحيفة السجّاديّة[3]؛ في ذلك الدعاء الذي يقرأه الكثيرون من شبابنا في
[1] رسالة إلى الاجتماع الوطني للصلاة 15/6/1380هـ.ش [6/9/2001م]
[2] في اجتماع كبير مع أهالي يزد 12/10/1386هـ.ش [2/1/2008م]
[3] الصحيفة السجّاديّة، الدعاء 27، دعاء أهل الثغور.
146
129
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
أيّام الجبهة: “وحصِّنْ ثغورَ المسلمين”[1]. لربما يدبّ التفكير بالمال الفتون إلى القلوب - المال مثيرٌ للفتنة. وإنّ حب الجاه والمنصب والدعة والرفاه والبهرجة من الأمور التي تولج الشكَّ في قلب الإنسان وعقله عبر بدن الإنسان وشهواته، فاحذروها.
إنني لا أدعو أحدًا للتحلّي بالزهد العلوي، فهو أرفع من أن نتحدّث عنه -ولا أنسى ما رمتُ التنويه إليه في البداية من أنّ هذه التشبيهات التي ساقتها الأخوات العزيزات تؤذيني في واقع الأمر، فدعوها ولا تشبّهوا أمثالي بهؤلاء العظام الخالدين في الملك والملكوت، ونحن، والحمد لله، مع عدم رضانا بهذه التشبيهات، نرى أنّ ذكرها ليس صالحًا من الأساس، حيث يتمّ التشبيه بأمير المؤمنين أو نبي الإسلام الأكرم(صلى الله عليه وآله)- لكنّني أدعو للقناعة، وأن لا تسمحوا للمطامع والمطامح أن تباغتكم وأن تحذروها؛ فحبّ الدعة والراحة والرفاه أمورٌ تترك أثرًا سيئًا على الإنسان الذي لا يدركها للوهلة الأولى، إذ إنّها تترك أثرها تدريجيًّا، فإذا بالإنسان يحاول الحركة والعروج لكنّه لم يعد قادرًا.[2]
التعلّق بالشكليّات طريق لا نهاية له
أحيانًا يدخل الإنسان ساحةً وهو طاهرٌ لكنّه قد لا يخرج من هناك طاهرًا لا سمح الله. الحوافز الماديّة جذّابة وخطيرة. المال شيء خطير يا أعزائي! لاحظوا أنّ الإمام السجاد(عليه السلام) في دعاء أهل الثغور من الصحيفة السجادية حيث يدعو للجنود وحراس الحدود
[1] م.ن.
[2] في لقاء جمع كبير من أفراد الحرس الثوري، 24/6/1381هـ.ش [15/9/2002م]
147
130
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
والمجاهدين في جبهات القتال، يقول ضمن دعائه “اللهم أنسِهم المالَ الفَتون”. الفتون بمعنى الشيء الذي يتسبب في الفتنة. وهو تعبير استخدم في هذا الدعاء للمال فقط “المال الفَتون” المال فتّان[1].
الفتنة لا تعني دومًا الفتنة في المجال الاجتماعي. فالأسوأ منها الفتنة في قلب الإنسان. إذا فتحتم للقلب طريقَ حبّ المال وحياة الشكليّات والجاه والجلال وما إلى ذلك فلن يقف عند حدٍّ معين.[2]
خطر إيجاد طبقة أرستقراطية في المجتمع الإسلاميّ
أنا وأنتم لا زلنا أولئك الطلبة الذين كنا قبل الثورة، فالبعض منكم كان معلّمًا أو طالبًا جامعيًّا أو من أهل المنبر أو من طلبة العلوم الدينيّة، هكذا كنّا، فما بالنا الآن وتجري عندنا الحفلات والأعراس كما تجري عند الأعيان؟ وما بال بيوتنا قد صارت كبيوت المترفين ولماذا حين نمشي في الشارع نمشي كمشية المترفين؟ حسنًا فمن هم المترفون؟ أوَ يكفي فارقًا بيننا وبينهم أننا أطلقنا لِحانا وهم حلقوها؟ لا يا سادة، فنحن قد نكون مترفين أيضًا. والله قد يوجد في هذا المجتمع الإسلاميّ مترف أيضًا. وعندئذ نخشى من الآية الكريمة القائلة: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾[3]. فعاقبةُ الترف الفسق أيضًا.[4]
[1] الصحيفة السجّاديّة، الدعاء 27، دعاء أهل الثغور.
[2] في أوّل لقاء مع نوّاب المجلس الثامن 2/3/1387هـ.ش [22/5/2008م]
[3] سورة الإسراء، لآية 16
[4] في لقاء مع المسؤولين والموظّفين الرسميّين في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة 23/5/1370هـ.ش [14/8/1991م]
148
131
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
تأثير بلاء الأرستقراطية على جسم المجتمع
يجب مواجهة النزعة الأرستقراطية؛ إنّها من البلايا الحالّة على البلد. فإن سادت هذه النزعة في قمم المجتمع، فسترشح إلى القاعدة أيضًا، وعندها ستلاحظون أنّ الأسرة الفلانيّة التي لا تتمتع بوضعٍ معيشيٍّ مناسب، إذا ما أرادت تزويج ابنها أو ابنتها أو أرادت دعوة ضيوف إليها، ستضطر إلى التشبه بالأثرياء والنمط الأرستقراطيّ. فإن تبدّلت النزعة الأرستقراطية إلى ثقافة، يكون هذا هو الناتج. ولذا لا بدّ من مواجهة هذه النزعة ومنعها، ويجب أن تكون أفعال المسؤولين وأقوالهم وإرشاداتهم وأوامرهم على الضدّ من ظاهرة الأرستقراطية هذه، فإّن الإسلام ضدّ هذه النزعة أيضًا.[1]
ج- عوامل ترويج الأرستقراطية
ممارسة المسؤولين لحياة الأرستقراطية يروّج لثقافة الأرستقراطية
على المسؤولين في النظام الإسلاميّ أن لا يتخذ سلوكُهم وممارساتهم طابعَ البذخ والبهرجة، والأدهى من ذلك أن تتّسم به حياتهم بحيث يتحوّل ذلك إلى ثقافة، وهذه المرحلة تفوق من حيث الخطورة المرحلة التي تسبقها أو لا تقلّ عنها على أقلّ تقدير؛ فلو فرضنا أنّ أحد كبار المسؤولين ومن ذوي المناصب العليا في الحكم الإسلاميّ سلك سبيل البذخ في حياته وطغت البهرجة
[1] في لقاء مع فئات الشعب المختلفة، 11/5/1395هـ.ش [1/8/2016م]
149
132
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
على محلّ سكنه أو محلّ عمله، أو طبيعة حياته العائليّة، أو كيفية تزويج الأبناء -المهر والجهاز- وما شابه ذلك ممّا يُعدّ خروجًا عن النهج الإسلاميّ، إذ ذاك يتحوّل هذا التصرف إلى ثقافة تلفت أنظار الآخرين نحوها فيتعلّمون منه، وحينها ترتفع معدّلات المهور ويصعب الزواج فتتعقّد الحياة، وهكذا تسري آثار هذا التصرف في ثنايا المجتمع شيئًا فشيئًا، سواء على المدى البعيد أو القريب. إنّ أهمّ ما يركّز عليه أمير المؤمنين(عليه السلام) هو: على الحاكم أن لا يتخذ من الحكومة وسيلةً للاعتياش وجني العوائد المالية وجمع الثروات، وعليه أن يعدَّها مسؤوليّة وعبئًا ملقى على عاتقه، وأن يصبّ جلّ اهتمامه على البلوغ بهذا العبء إلى الغاية المرجوّة.[1]
ضرورة عدم جعل حياة الترف أُسوةً ونموذجًا يحتذى
إلى جانب ذلك ينبغي إظهار عيوب حياة الترف والزخارف والبهارج التافهة، وعدم الترويج لها، بل لا بدّ من القضاء عليها وعدّها أمرًا غير إيجابيّ، فقد يكون هناك من يهوى حياة الترف، إلّا أنّ هذا لا يفرض عليَّ أن أعمل على ترويج هواه؟! إذًا، علينا أن نقوّي في الفقير شعور العفّة ومناعة الطبع وعزّة النفس، وأن نشجّع الغنيّ على الأخذ بيد الفقير، وأن لا نصنع من حياة الترف أُسوةً ونموذجًا يحتذى.[2]
[1] في خطبة صلاة الجمعة في طهران 25/9/1379هـ.ش [15/11/2000م]؛ لمزيد من الاطلاع، انظر: في لقاء مع مسؤولي النظام في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة 16/5/1390هـ.ش [7/11/2011م]
[2] في لقاء مع رئيس ومديري مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون 11/9/1383هـ.ش [1/1/2004م].
150
133
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
تأثّر المجتمع والناس بإظهار المسؤولين لأرستقراطيّتهم
أحيانًا فيما بيننا وبين ربّنا تكون لنا حياتنا المترفة والمفعمة بالرخاء، فإن كانت حرامًا فهي حرام، وإن كانت مكروهة فهي مكروهة، وإن كانت مباحةً فهي مباحة. ولكن أحيانًا نقوم بإظهار هذا الترف على مرأى من أعين الناس، وهذا لا يمكن تصنيفه ضمن المباح والمكروه، بل هو الحرام بعينه؛ لأنّ فيه إشاعة ثقافة الترف والبذخ بين مَنْ هم دوننا هذا أولًا، وثانيًا: فيه تشجيع لعامّة الناس على الترف، ولا يصحّ لنا تشجيع الناس على الترف. فقد يكون في المجتمع أثرياء يقومون بتبذير أموالهم ـ وهو عمل يخصّهم وإن كان سيّئًا ـ إلّا أنّ تبذيرنا كمسؤولين ليس تبذيرًا لمالنا الخاصّ، إنّما هو تبذير لبيت مال المسلمين، هذا أوّلًا، وثانيًا: إنّ تبذيرنا يعدّ عاملًا مشجّعًا للآخرين على التبذير، فإنّ "الناس على دين ملوكهم"[1]. ملوك هنا ليست بمعنى الملوك، فنحن لا نقول لدينا ملوك، الملوك هم أنتم؛ والناس على ديننا.
قرأت في أحد [كتب] التاريخ أنّه عندما أصبح الوليد بن عبد الملك خليفةً وكان مولعًا بجمع الثروة والمجوهرات والتحف، أخذ الناس في الزقاق والسوق يتحدّثون فيما بينهم حول شراء وبيع الثياب والأقمشة والأحجار الكريمة وغير ذلك من الأشياء الثمينة، وحينما أصبح بعده سليمان بن عبد الملك خليفةً كان اهتمامه منصبًّا على العمارة وبناء القصور، فذكر المؤرخ أنّ الناس أخذوا يتحدثون حول البناء والعمارة واقتناء الأراضي وتوسيع الدور حتى وهم في المساجد، فيقول أحدهم: أيّها السيّد! هل انتهيتَ من بناء
[1] كشف الغمّة في معرفة الأئمّة (ط. القديمة)، ج2، ص21.
151
134
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
منزلك؟ يقول الآخر: أيها السيّد! هل بعتَ البيتَ الفلانيّ أو الأرض الفلانيّة؟ يقول آخر: أيها السيّد! هل أضفت تلك الغرفتين؟ أصبح كلامهم كلّه من هذا القبيل. بعد هذين الخليفتَين جاء عمر بن عبد العزيز وكان عابدًا. يقول المؤرِّخُ إنّ الناس في الزقاق والسوق كانوا يتحدّثون فيما بينهم فيقول أحدهم: أيها السيّد! هل قرأت حقًّا يوم أمس دعاءَ شهرِ رجب؟ يقول الآخر: هل أدّيتَ تلك الركعتين؟ وبناءً على ذلك فإنّ سلوكياتنا تترك آثارًا تلقائيّة على الناس. إنّ حياة الزهد شيء جميل للغاية[1].
التطوّر؛ اصطناع البديل الكاذب والنموذج المزيّف عن الأرستقراطية
إنّ الغرب خلال عقود اليقظة الإسلامية ولا سيّما في السنوات الأخيرة، بعد أن مُني بهزائم متلاحقة من إيران وأفغانستان حتى العراق ولبنان وفلسطين، والآن من مصر وتونس وغيرها، سعى بعد فشله في نهج محاربة الإسلام واللجوء إلى العنف العلني، إلى نهج آخر وهو اصطناع البديل الكاذب والنموذج المزيّف، كي يجعل الإرهابَ المعادي للإنسانيّة بدلًا عن العمليّات الاستشهاديّة، [ويجعل التعصب والتحجّر والعنف بدلًا عن التوجّه الإسلامي والجهاد، والتعصبّ القوميّ والقبليّ بدلًا عن الشعور بالانتماء الإسلاميّ والانتماء إلى الأمّة الإسلاميّة، ويجعل التغرّب والتبعية الاقتصاديّة والثقافية بدلًا عن التطوّر القائم على أساس الاستقلال، والعلمانيّة بدلًا عن العِلميّة، والمداهنة بدلًا عن العقلانيّة، والفساد والفوضى بدلًا عن الحرية، والدكتاتورية
[1] في لقاء مع أعضاء الهيئة الوزاريّة 8/6/1384هـ.ش [30/8/2005م]
152
135
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
باسم حفظ الأمن والنظام]، والروح الاستهلاكيّة والالتصاق بالأهداف الدنيويّة التافهة والبذخ باسم التنمية والرقي، والفقر والتخلّف باسم الزهد والمعنويّة.[1]
عدم التلازم بين التأنّق والأرستقراطية
خطأُ البعض الذين يتصوّرون أنّ الظاهرَ المرتّب يجب أن يكون توأمًا مع الأرستقراطية والإسراف؛ كلّا. فمع اللباس المرقّع والقديم يمكن أن يكون [المرء] مرتّبًا ومتميّزًا. لباس النبي (صلى الله عليه وآله) كان مرقّعًا وقديمًا؛ لكنّ لباسه ورأسه ووجهه كان مميّزًا.[2]
تجنب التذرّع بالقضايا الأمنية من أجل الإجراءات الشكليّة
أحيانًا تصلني من بعض الأماكن تقاريرُ مخزية وفي بعض الأحيان يندى لها الجبين، فراعوها. أنا أسأل لماذا كلّ هذه السيارات الفخمة المتطورة الراقية؟ يقولون: بسبب وجود مخاطر أمنية؟! أية مخاطر؟!. تعالوا أيّها السادة الأعضاء في مجلس الأمن الوطنيّ، وابحثوا في الأمر، وتدارسوه فإن استدعى الأمر أن أتدخّل فأخبروني لأتدخل. أيّ وضع هذا الذي نراه؟ ما لنا نجد عشرات السيارات من مختلف الألوان مركونةً أمام الوزارات قد وُضعت كلها في خدمة المسؤولين من دون حساب ولا كتاب، فمن أوصاكم بهذا.
لقد وصلني تقريرًا بأنّ أحد طلبة القسم العقائديّ السياسيّ
[1] في خطبة صلاة الجمعة في طهران 14/11/1390هـ.ش [3/2/2012م]
[2] في خطبة صلاة الجمعة في طهران 23/2/1379هـ.ش [13/7/2000م]
153
136
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
في أحد الأجهزة لديه سيارة شخصيّة ومع ذلك فهو يستفيد أيضًا من سيارة الدولة، فكتبت له: إنّ ذلك ليس من حقّك. فأجابني بأنّ هذا أمر عادي لدى الجميع. هذا السيّد لديه سيّارة، وهي لازمة له؛ كذلك لزوجته سيارة ولا يجب أن تستخدم زوجته هذه السيارة! عجيب! ما هذا الكلام؟
فأنا أعلن الآن وقد كتبته من قبل: إنّ الانتفاع من إمكانات الدولة لا يجوز ما دام الشخص يمتلك إمكانات شخصيّة مثلها. فإذا كان لدى البعض سيارة فليستقلّ سيارته وليأتِ إلى الوزارة ومحلّ عمله. فلماذا تستخدم سيارة الدولة؟ والله لولا ملامة الناس والتوصيات الأمنيّة لاستفدتُ من سيارة “بيكان” في تنقّلاتي.
اكتفوا بقدر ما تمليه الضرورة وراعوا الحدود فهذه الأمور تباعد بيننا وبين الناس، وبينهم وبين الروحانيين، فهم إنّما كبروا في أعين الناس وأحبوهم لأنهم وجدوهم أتقياء ورعين لا يبالون بالدنيا. من دون التقوى والورع والإعراض عن الدنيا لا تبقى ثمّة محبة لهم في قلوب الناس. الناس لا يجاملون أحدًا كما إنّ الله لا يجامل أحدًا كذلك.
وقد كرّرت القول مرارًا بأنّ الله تعالى قال عن بني إسرائيل في آيات عدّة من القرآن الكريم: ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾[1]ولعل هذه العبارة وردت ثلاث أو أربع مرّات. وبنو إسرائيل هؤلاء أنفسهم يقول سبحانه وتعالى عنهم ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ﴾[2]. لماذا؟ لأنّ سلوكهم هو الذي قادهم إلى ذلك. أتحسبون أنّ الله تربطه بي وبكم
[1] سورة الجاثية، الآية 16.
[2] سورة البقرة، الآية 61.
154
137
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
قرابة أم تحسبون أن بين الله والجمهوريّة الإسلاميّة وبينه وبين هؤلاء القوم رابطة قربى؟ أنا وأنتم الذين يجب أن نعيّن أنّ هذه الجمهوريّة إسلاميّة أو غير إسلاميّة فذلك يتعلّق بسلوكنا نحن.
الكثيرون فهموا، طبعًا، هذا المعنى ولمسوه [واقتلعوا هذه الأمور وجذورها من نفوسهم] هؤلاء ليسوا بقلائل بل هم موجودون بين العلماء وغيرهم ويحيون في غاية البساطة ولم ينقادوا لوساوس النفس. وهم جمع ليس بقليل لكنهم لا يشكلون الأكثرية طبعًا. بل هم مجموعة لا يستهان بها لم تستهوها هذه الأمور ويعيشون كما كانوا قبل الثورة وفي بداية انتصارها. هذا هو الصحيح. إذًا إنّ ما يجلب محبّة الناس وثقتهم هو التعبير الصادق والواقعيّ.[1]
لو ابتُلينا نحن مسؤولو البلد -ولا سيّما ما يتعلّق بنا نحن المسؤولين- بمحورية الذات والتكبّر والعجب، فإننا سنُكَبّ على مناخرنا. هذا هو العالم وهذه هي السنّة الإلهيّة. فلا ينبغي أن نسعى لنحظى بالمحبوبيّة ومتاع الدنيا، ولنيل الحياة الأرستقراطية والحصول على الكماليّات. علينا -نحن المسؤولين- أن نصون أنفسنا كما صان هذا الرجل الجليل نفسه. فإذا أخطأنا هنا سنكون مصداقًا لتلك الآية الشريفة: ﴿وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ.
[1] في لقاءٍ مع المسؤولين والموظّفين الرسميّين في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة 23/5/1370هـ.ش [..........
155
138
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُة﴾[1]. إنّ التوقّف على طريق التقدّم ممنوعٌ، والعجب والانبهار بالذات ممنوع. والغفلة ممنوعة، والنزعة الأرستقراطية ممنوعة، والسعي وراء الملذات ممنوع. وكذلك الرغبة في نيل زخارف الدنيا، كل ذلك ممنوعٌ على المسؤولين، فمع هذه الممنوعات يمكننا أن نصل إلى القمّة. إنّنا نسير على السفح ولم نصل إلى القمّة بعد؛ وتفصلنا عنها مسافة.[2]
بساطة العيش من شروط تحقّق العدالة
العدالة مبدأٌ وحاجة حتميّة. العدالة لا تنسجم ولا تصح مع الاستجداء والرجاء؛ العدالة لا تصحّ مع المجاملات؛ أوّلًا تتطلّب الحتمية، ثانيًا تتطلّب الارتباط بالشعب، ثالثًا تتطلّب بساطة العيش والمعرفة بحال الشعب، والأهم من ذلك كلّه، إنّها تتطلّب بناء النفس.[3]
بساطة عيش المسؤولين تجلب ثقة الشعب بهم
إننا نؤكّد دائمًا على المسؤولين أن يعيشوا ببساطة؛ كي يبرهنوا للمواطنين أنّهم لا يسعون إلى الكسب الماديّ والحصول على الغنى والثراء، فهذا يجلب ثقتهم ويزرع الأمل في قلوبهم. إنّ ثمة بونًا شاسعًا بين هذا المسؤول الذي يقضي فترة مسؤوليّته القصيرة في تأمين مستقبله الماديّ ونهب الأموال والمخصصات من هنا
[1] سورة إبراهيم/ الآيتان 28 و29.
[2] في مراسم سنويّة رحيل الإمام الخمينيّ { 14/3/1391هـ.ش [3/6/2012م]
[3] في لقاء مع المسؤولين والموظّفين الرسميّين في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة 29/3/1385هـ.ش [19/6/2006م]
156
139
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
وهناك. ربما استطاع تحسين مستقبله الماليّ وحياته الماديّة، وذلك المسؤول الذي لا يفكر في أثناء مدة مسؤوليّته لا في نفسه ولا في حياته الشخصية. إنّ هناك فرقًا كبيرًا بين الاثنين.
إنّ كل من يتسلّم وزارة أو رئاسة أو إدارة في العالم اليوم يضع على رأس أولوياته وأهدافه تأمين مستقبله، ويتوسّل لذلك بكلّ الطرق والأساليب -حتى ولو كانت قانونية في الظاهر- فإذا تنحّى عن منصبه في الغد أصبحت له أسهمٌ في هذه الشركة أو تلك المؤسّسة الاسثتماريّة. نحن لا يروق لنا في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة أن يكون مسؤولونا على هذه الشاكلة.[1]
بساطة عيش المسؤولين من أسباب رضى الله تعالى والشعب
كان توجّهكم[2] مُنصبًّا على العدالة. لا تتخلّوا عن مسألة العدالة؛ تابعوا قضيّة العدالة هذه؛ وكذلك قضيّة مكافحة الفساد، ودعم الطبقات الضعيفة، والبساطة في العيش، والاهتمام بالمناطق البعيدة والنائية، والاهتمام بمشاكل الناس المختلفة. هذه مبادئ إذا روعيت وجرى الإصرار عليها فسوف ترضي الله وترضي الشعب عن أي مسؤول وأي نظام، تابعوا هذه الأمور.[3]
[1] في لقاء مع أهالي كرمسار 21/8/1385هـ.ش [12/11/2006م]
[2] الحكومة التاسعة.
[3] في لقاء مع أعضاء الهيئة الوزاريّة 18/6/1388هـ.ش [9/9/2009م]
157
140
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
من مزايا الحكومة الإسلاميّة عدم الميل نحو الأرستقراطية
إلّا أنّ الحكومة الإسلاميّة التي يمكنها تلبية أهداف الشعب الإيرانيّ وثورته العظيمة، هي التي تخلو من الرشوة والفساد الإداريّ والمحسوبيّات، والاستخفاف بالعمل وإهمال الناس، والميل إلى الأرستقراطية وتبذير بيت المال، إلى غير ذلك ممّا هو ضروريّ للحكومة الإسلاميّة. وجميع ذلك موجود في تعاليم أمير المؤمنين(عليه السلام) في نهج البلاغة.[1]
الابتعاد عن الأرستقراطية من صفات المسؤولين في النظام الإسلاميّ
تتجلّى شعبيّتنا في أنّنا اليوم شعبٌ لا نشعر بمسافة بيننا وبين مسؤولي البلد. هذه نعمةٌ كبيرة. اليوم إذا التقى أحدٌ من الشعب برئيس جمهوريّة هذا البلد لا يشعر بوجود فرقٍ بينهما. ربّما يمكنني القول إنّ تلك الحالة الأرستقراطية والذروة الكاذبة للطبقات لا وجود لها في كلّ حكوماتنا التي عرفتُها حتّى الآن في الجمهوريّة الإسلاميّة. الوزراء جزءٌ من هذا الشعب نفسه وهم عادةً من عامّة الشعب. فهم لم ينحدروا من أسرة أرستقراطية ويتسلّموا الوزارة. من أجل المسؤوليّة والتخصّص والاطّلاع، دخلوا الجامعات أو تخرّجوا من العمل الفلانيّ وأصبحوا وزراء. وعندما يتركون هذا العمل سيعودون إلى عملهم السابق.
قبل عامَين تنحّى أحدُ وزراء زماننا عن الوزارة. بعد أسبوع
[1] في خطبة صلاة الجمعة، طهران 28/5/1384هـ.ش [19/8/2005م]
158
141
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
من ذلك أجلسَ عيالَه فوق دراجته الناريّة واصطحبهم معه إلى صلاة الجمعة! أي إنّ شأنه الاجتماعي لم يكن يسمح له بامتلاك سيارة بيكان يُجلِس زوجته فيها ويأخذها إلى صلاة الجمعة. هذا أمرٌ مهمّ جدًّا.
في أجهزة الدنيا الأخرى، الوزير، إمّا هو وزير، أو مطرود ومعدوم. الوزير، يأتي من عائلة أرستقراطية ويصبح وزيرًا. في الماضي، كان الأمر كذلك في إيران. كان وزراء ورجال العهد البهلويّ غالبًا الباقين من العهد القاجاريّ. كان العهد قد تغيّر ولكنّ هؤلاء كانوا أبناء أولئك. أي إنّ الباقين من أُسَر العهد القاجاريّ، كانت بأيديهم زمام الأمور في العهد البهلويّ أيضًا.[1]
البُعد عن الأرستقراطية علامةٌ على كون النائب شعبيًّا
يحاول السادة والسيدات النواب أن يبقوا شعبيّين جماهيريّين. وليست الحالة الشعبيّة مجرد أن يذهب المرء مرةً في كلّ فترة إلى مكان الانتخابات. ذلك طبعًا ضروريّ جدًا، إذ ينبغي الذهاب واللقاء بالجماهير وتفقّدهم وعدم الانقطاع عنهم. لا شكّ في هذا. لكن هذا ليس كلّ شيء. نحن في الجمهوريّة الإسلاميّة يجب أن لا نساعد على إيجاد طبقة جديدة أرستقراطية. يجب أن لا نسمح بهذا الشيء. وهذا لا يحصل بإصدار الدساتير والأحكام والقرارات، إنما يحصل بالقلوب والإيمان والدافع.[2]
[1] في لقاء مع أئمّة الجمعة في أنحاء البلاد 7/3/1369
[2] في أوّل لقاء مع نوّاب المجلس الثامن 2/3/1387هـ.ش [22/5/2008م]
159
142
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
هـ) سُبُل مواجهة الأرستقراطية
الصفاء المعنويّ للمسؤولين يحول دون الاتجاه نحو الأرستقراطية
إذا أشرقت قلوب الحكّام والممسكين بزمام الأمور بنور المعرفة، فلن يغدو الترف والشكليّات والإسراف والمتع الكثيرة وصفة الآمر الناهي والتكبّر والاستكبار جزءًا من اللوازم الحتميّة لمـَن يمسك بزمام الأمور. من معجزات ذلك العظيم[1] أنّه وجد في حياته الخاصّة وأيضًا في ذلك الجهاز الذي استحدثه، تجلّي نور المعرفة والحقيقة.[2]
ضرورة تجنّب النظر إلى المسؤولية كفريسة من أجل الوصول إلى الثروة والامتيازات الخاصّة
“وقال عليه السلام: أَزْرَى بِنَفْسِهِ مَنِ اسْتَشْعَرَ الطَّمَعَ”[3]، أي حقّر نفسَه من صاحبَ الطمعَ وكان ملازمًا للطمع. استشعرَ؛ مادّة استشعرَ من شِعار. الشِّعار هو غير ذلك المعنى المعروف بيننا والذي هو بمعنى العَلَم والعلامة، بل له معنى أصليّ آخر وهو “اللباس الداخليّ الذي يلتصق بالبدن” مقابل الدثار وهو لباس فوقيّ، اللباس الذي يلبسه الإنسان كي يتدفّأ، مثلًا افترضوا أنّه الزينة، والمعطف، فذلك هو الدثار. الشِّعار يعني ذلك اللباس الذي
[1] الإمام الراحل (ره)
[2] في خطبة الجمعة، طهران 23/4/1368هـ.ش [14/6/1989م]
[3] نهج البلاغة، الحكمة 2.
160
143
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
يلتصق بالبدن مثل قميص الإنسان، ما تحت قميص الإنسان، ما تحت البنطال. استشعر يعني اصطحب الشيء معه دائمًا. فإنّ من يلازم الطمع يحقّر نفسه. لا تدعوا الطمع يسيطر عليكم.
...طبعًا إنّ مجموعة المسؤولين في جهاز النظام هي مجموعة طاهرة؛ في كلّ الدورات كانوا على هذا النحو؛ هي مجموعة تراقبُ نفسها؛ لا نريد المبالغة في القول، لكنّها مجموعة تراقب نفسها؛ الطمع موجود أحيانًا؛ كما كان الطمع موجودًا أيضًا لدى المجموعة ما تحت أمير المؤمنين (عليه السلام). قال أمير المؤمنين(عليه السلام) للأشعث بن قيس العبارة المعروفة: “إِنَّ عَمَلَكَ لَيْسَ لَكَ بِطُعْمَةٍ وَلَكِنَّهُ فِي عُنُقِكَ أَمَانَةٌ”[1] إنّ هذا العمل الذي أوكلناك به ليس طعمة لك -طبعًا مادة طعمة تختلف عن مادّة الطمع؛ يعني لا نخلط بين الطعمة والطمع- لكن أن يقبل الإنسان مسؤولية عملٍ ما في الدولة وهدفه منه جمع مال الدنيا ومنالها؛ فتلك هي الطعمة. يقول إنّ عملك -هذا العمل الذي أوكلناك به، هذه المسؤوليّة التي كلّفناك بها- ليست طعمة، إنّها مسؤوليّة في عنقك؛ يجب أن تراقبها. إنّ الطمع، بالنسبة إلينا نحن المسؤولين هو أنّ العمل الذي وضعوه على عاتقنا، هذا العمل الذي جعلناه وسيلةً لجمع الثروة وتحقيق غاياتنا الدنيويّة ومال الدنيا ومنالها؛ هذا هو الطمع المقصود من “اسْتَشْعَرَ الطَّمَعَ”[2] أي الطمع الذي يحقّر هذا الإنسان ويصغّره؛ الإنسان أسمى من هذا الكلام. يقول الشاعر العربيّ: “وكَمْ دَقَّتْ وَرَقَّت واسْتَرَقَّتْ فُضُولُ الرِّزْقِ أَعْنَاقَ الرِّجَالِ”؛ إنّ لفضلات الحياة والنفقات غير الضروريّة -بتعبيرنا الشائع- يعني الإنفاق الزائد الذي يسمّى “فضول الرزق” ثلاث خصائص: دَقَّتْ وَرَقَّت واسْتَرَقَّتْ؛ أي إنّ
[1] نهج البلاغة، الرسالة 6، ص 366.
[2] المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
161
144
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
الإنسان متى ما سعى وراء فضول الرزق إذًا يكون مثالًا لـ “وكَمْ دَقَّتْ وَرَقَّت واسْتَرَقَّتْ فُضُولُ الرِّزْقِ أَعْنَاقَ الرِّجَالِ”[1].
ضرورة أن يكون متولّو القيادة بعيدين عن الأرستقراطية
طبعًا إنّ بساطة العيش جميلة جدًّا، نحن أيضًا لا نرى خلاف ذلك لدى الأخوة؛ أمّا أنا (هذا العبد) فلا أصرّ على مَن يعمل معنا -بحسب قولكم المـُعيّنين- وأقول له: يتحتّم عليكم أن تعيشوا بحالة الزهد؛ كلّا، إنَّما الحياة العاديّة. نعم، إن كانوا يعيشون حياة الشكليّات فأنا أذكّرهم. هنالك حدٌّ بين حياة الزهد وحياة الشكليّات هو الحدّ الوسطيّ: لتكن حياتهم عاديّة، ولا حياة شكليّات وأرستقراطية، ولا ذلك النحو من حياة الزهد. إذا عاش أحدٌ على هذا النحو لا اعتراض لنا عليه. ولا نصرّ عليه أن يحيا حياة الزهد لأنّنا عيّناه في منصبه. طبعًا إن كان أحدٌ يعرف أنّ المـُعيَّنين من قبلنا يحيون حياةً أرستقراطية فليخبرنا لنقوم بما يلزم.[2]
مكافحة الأرستقراطية من خلال صياغة الثقافة
إن السؤال المثار هنا يتحدّث عن ظاهرة الأرستقراطية، وهو سؤال وجيه جدًا؛ وإذا كان مثل هذا السؤال وهذه المطالب تراود أذهان الشباب الطلبة فإنّي أشكر الله تعالى من أعماق قلبي. اِعلموا أنّ النزعة الأرستقراطية ليست بالشيء الذي يمكن معالجته بالقانون والمحاكم والاستجواب أو ما شابه ذلك، وإنّما
[1] في لقاء رئيس الجمهوريّة والوزراء في الحكومة 2/4/1395هـ.ش [12/7/2016م]
[2] في الردّ على أسئلة طلّاب جامعة الشهيد بهشتي 22/2/1382هـ.ش [12/5/2003م]
162
145
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
القضية أصعب من هذا بكثير. إنّها من جملة القضايا التي يجب أن ترفضها الأجواء العامّة والمشاعر الشعبيّة والإرادة الجماهيريّة، أو بتعبير أوضح من قبل عموم الثقافة الجماهيرية إلى أن تُعالج. ومن جملة الممارسات التي يحرص عليها الأشخاص الذين يميلون إلى نمط الحياة الأرستقراطية وتهفو قلوبهم إلى هذا النمط من الحياة في المأكل والملبس والعيش والسلوك، وبشكل بعيد عن حياة متوسط الناس، هو أنّهم يحاولون الإيحاء إلى الناس بأنّ هذا النوع من العيش صحيح ويُعدّ قيمة وفضيلة، مثلما كانت عليه الحال قبل الثورة؛ فقبل الثورة على الرغم من أنّ المسؤولين الحكوميّين كانوا يبالغون في التشريفات والظهور بمظاهر الجاه والجلال والأبّهة والتكبر والتفرعن والثياب الفاخرة، كان عدد من عوام الناس يزدادون بهم إعجابًا؛ وسبب ذلك هو أنهم صاغوا ثقافة الشعب على هذه الشاكلة! أمّا في مرحلة ما بعد الثورة فقد انعكست القضية؛ ولهذا فحتى الذين كانوا يحملون نزعة أرستقراطية أخذوا يتجنّبون الظهور بتلك المظاهر مخافة التوجّه الشعبي العامّ، أمّا اليوم فيحاولون تدريجًا عكس القضية.[1]
تعليم الابتعاد عن الحياة الأرستقراطية منذ سنّ الطفولة والشباب
أنا هذا العبد الحقير، تحدّثتُ أحيانًا عن إصلاح نمط الإنفاق... لكنّ نمط إنفاقنا لم يتمّ إصلاحه بعد؛ نحن ننفق بطريقة سيّئة... إصلاح نمط الإنفاق. هذا ما يجب أن نذكّر به
[1] في الإجابة عن أسئلة الطلاب في جامعة شريف للتكنولوجيا 1/9/1378هـ.ش [22/11/1999م]
163
146
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
[الأبناءَ] منذ سنّ الطفولة والحداثة والشباب. التديّن؛ فلا تنمية في ظلّ الأرستقراطية؛ لا لحَقْنِهم بالحياة الأرستقراطية.[1]
ضرورة توجيه المجلس نحو العدالة الاجتماعيّة ومكافحة الأرستقراطية
المجلس مهمّ جدًّا؛ يتمتّع مجلس الشورى الإسلاميّ بمكانة مهمّة جدًّا؛ لماذا؟ لأنّ المجلس يرسم سكّة تحرّك الحكومة. انظروا إلى الحكومات كقطارٍ يجب أن يسير على سكّة واحدة؛ مجلس الشورى الإسلاميّ تجاوزَ هذه السكّة بقوانينه، ... إذا توجّه المجلس في سبيل رفاهية الشعب، العدالة الاجتماعيّة، الانفتاح الاقتصاديّ، التقدّم العلمي، التقدّم التكنولوجيّ، عزّة الأمّة واستقلال الأمّة، فإنّه سيوجّه سكّته نحو هذه الأهداف؛ إذا كان المجلس مرعوبًا من الغرب، مرعوبًا من أمريكا، يسعى لتسليط وهيمنة التيّار الأرستقراطيّ، فإنّه سيوجّه سكّته نحو هذه الجهات؛ وسيجرّ البلاد إلى البؤس.[2]
معالجة الأرستقراطية يكون من خلال الترويج الفكري وإشاعة التوجّهات السليمة
أعتقد أن الأرستقراطية تُعدّ آفةً بالنسبة إلى البلاد، وأرستقراطية المسؤولين آفة مضاعفة؛ وسبب ذلك هو أن الأرستقراطيّين إذا كانوا ينفقون من أموالهم بغض النظر عن
[1] في لقاء مع المعلِّمين والثقافيّين 13/2/1378هـ.ش [2/5/2016م]
[2] في لقاء مع أهالي أذربيجان الشرقيّة 28/11/1394هـ.ش [13/2/2016م]
164
147
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
حلالها وحرامها ويتظاهرون بمظاهر الأرستقراطية والأبّهة فذلك يقع على عاتقهم. أمّا إذا تظاهر المسؤولون بمظاهر الأرستقراطية وكانوا ينفقون من أموال الشعب فهذا ليس مالهم. إنّ ظاهرة الأرستقراطية يمكن معالجتها من خلال المشاعر العامّة ومن خلال الكتابات والخطب، ومن خلال إشاعة التوجّهات السليمة، وتحويلها إلى ثقافة عامّة، إذ لا يمكن معالجة مثل هذه الظاهرة السلبيّة بالمحاكم الخاصّة، والاستجواب وما شابه ذلك.[1]
مهمّة الحركة الطلّابيّة المناهضة لبقاء الأرستقراطية
هذه هي تصوراتي ونظرتي للحركة الطلابية: حركة معادية للاستكبار، ضدّ الفساد، ضدّ الأرستقراطية، ضدّ هيمنة الميل إلى الترف وقول الزور، وضد الميول الانحرافيّة. هذه هي سمات الحركة الطلابيّة.
...اجتناب الحالة الأرستقراطية ظاهرة كانت مشهودة في ثورتنا، وقد حاول البعض حلحلتها تدريجيًا. لهذه القضية تأثيرها في قضايانا الاقتصاديّة والنفسيّة. النـزعة الأرستقراطية كانت قيمة سلبيّة في الثورة أي إنّ الأشخاص وعلى شتى المستويات كانوا يتجنّبون بشدّة أن يُنسبوا إلى الأرستقراطية أو أن تُلاحظ عليهم أمور تعدّ من مميزات النـزعة الأرستقراطية. مسؤولو البلاد بالدرجة الأولى ملتزمون بهذه الحالة ويجب أن يكونوا كذلك. لكنّ هذه الحالة ضعفت شيئًا فشيئًا. واليوم عاد لحسن الحظّ ولله الحمد تيّار مناهضة النـزعة الأرستقراطية واعتبارها قيمة سلبيّة،
[1] في الإجابة عن أسئلة الطلاب في جامعة شريف للتكنولوجيا 1/9/1378هـ.ش [22/11/1999م]
165
148
الفصل الرّابع: النزعة الأرستقراطيّة
بمعنى أنّ الحكومة ومسؤوليها شعبيّون وبسيطون في معيشتهم وهذه فرصة جيّدة جدًّا، وهي نعمة كبيرة وواحد من المعايير.[1]
ضرورة استمرار واتساع مكافحة الأرستقراطية
من أهم المسائل: مكافحة ومنع الفساد الداخلي الذي طُرح وذُكر في الآونة الأخيرة. وقد أعلن المسؤولون بصراحة والحمد لله، أنّهم يقفون في وجه هذه المفاسد والمطامع وحالات الجشع والرواتب الباهظة -وهذا ما تم تنفيذه عمليًّا في بعض الأماكن والقطاعات والمؤسسات بحسب التقارير التي بلغتنا- ولا بدّ من اتساع دائرة هذه المكافحة ومتابعتها وعدم التخلي عنها، يجب الوقوف أمام الفساد ومواجهته.[2]
قُبح الأرستقراطية بين المسؤولين
نقاط ضعفنا هي الأخطار التي تعترض طريقنا، ولقد كانت موجودة خلال هذه المدة وينبغي لنا بعد ذلك أن نتغلّب عليها: نقطة ضعفنا الأولى هي النزوع إلى طلب الدنيا، حيث تتمكّن من بعضنا وتسيطر عليهم. فطلب الدنيا والماديّات أصاب بعضنا -نحن المسؤولين- وشيئًا فشيئًا سقط من قاموسنا قبح الميل للثروة والبذخ والشكليّات والعيش برفاهية والنزعة الأرستقراطية. وحينما نصبح هكذا فإنّ هذه الحالة تتسرّب إلى الناس، فالميلُ إلى الأرستقراطية والبذخ وجمع الثروات، والتمتّع بها بشكل غير
[1] في لقاء أساتذة وطلّاب جامعة العلم والتكنولوجيا 24/9/1387هـ.ش [4/12/2008م]
[2] في لقاء مع فئات الشعب المختلفة 11/5/1395هـ.ش [1/8/2016م]
166