إشارة

﴿وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ﴾(البقرة 282)

يرى الإمام الخميني[1] أنّ المعنوية هي أساسُ رشد المجتمع وصلاحه، وما لم تقترن الحياة الماديّة بالمعنوية ويقترن العلم بالمعنوية فلا صلاح له.

من أهم أركان ازدهار المعنوية “حضور التقوى” في المجتمع؛ وخاصة في دوائر الخواص والمقرّبين من الإدارة والقرار، وأوساط النخب وأهل المنبر والكلمة؛ على اختلاف ساحاتهم وتشعّب أعمالهم؛ فكلما ثَقُلت المسؤوليّة صارت التقوى أكثر لزومًا، وأصبح الانزلاق في المنحدرات أكثر خطورة على الفرد نفسه وعلى محيطه؛ فلكلّ ساحةٍ تقوى؛ فالتقوى التي شرحها الإمام الخامنئي ممزوجة بالبصيرة والمعرفة والقوة والشجاعة والرأفة والصبر في مواجهة المحن والعقد؛ الموانع الداخلية والخارجية؛ ومنجية من المنزلقات. ولمحوريّة دورها في رسم المصير كُرّرت الوصية بها وجُعلت ميزانًا للفلاح. .

سيلاحظ القارئ أسلوب الإمام الخامنئي السهل في تناول مواضيعها، وشرحه المبسّط لمعانيها ورسمه: لميادينها وآثارها؛ موانعها ومقاصدها؛ وشمولية دائرتها؛ فتتسع لتعمّ كل شؤون الحياة، وبالتالي ظهور بُعدها الاجتماعي كقيمة لا تُنافس.

فإذا كانت “التقوى الفردية” تغلّ أيدي الشياطين وتلجم النفوس الأمّارة وتعبّد طُرُق الروحانية وتشدّ حبل السماء إلى الأرض، فالتقوى الجماعيّة (تقوى المجتمع) إذا ما ازدهرت؛

[1] صحيفة الامام: اجزاء 3و4و7؛ صفحات: 403, 542,533.

13

سادت المحبة والرأفة وقلّت المنازعات وتقيّدَ الظلم والاستبداد واضمحلّ النزوع إلى الدنيا وطلب الدعة، وعمُرت البلاد وتفتّحت طاقات أبنائها وانتظمت إدارتها، واقتدرت في مواجهة الطاغوت المستكبر وأوليائه؛ وتفجرت كنوزها ونزلت بركات السماء ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ (الأعراف 96). هكذا تكون التقوى سبيلا للحياة الطيبة.

يرى الإمام القائد والعالِم؛ الذي استلهم من روح القرآن وحديث المعصوم (عليهم السلام)، والذي تتلمذ على يدي الإمام الخميني ونهل من روحه ومعين فكره مختبِرًا ميادين الحياة بأشكالها: تحديات الثورة والحرب والانتصار والسلم؛ والرئاسة والفتن؛ العلم والدرس؛ الاجتهاد والفتيا. . منزلة التقوى في الأمّة واقتدارها قائلًا: إنّ الأمّة التقيّة لا تغلبها أي قوة في العالم. ونترك للقارئ دخول أبواب التقوى التي شرّعها أو أشار إليها؛ بابًا تلو باب. .

يسرّنا أن نقدّم للقرّاء هذا الكتاب “حياة التقوى” أو “عيش التقوى”؛ ولا يسعنا إلا أن نشكر كل من ساهم في إعداده وترجمته ونشره، لا سيما: الجهة المعدّة التي نظمت فصوله، مؤسسة الثورة الاسلامية للثقافة والأبحاث(مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخامنئي)؛ فريق الترجمة، ونخصّ السيدتين مريم صفي الدين وتيسير نبيل، حيث ترجمتا القسم الأكبر من الكتاب؛ فريق المراجعة والتحرير في مركز المعارف الذي راقب النصوص وراجعها ووضع هوامش توضيحيّة واستخرج الخطابات المترجمة من مصادرها؛ والمدقق اللغوي الاستاذ عدنان حمود؛ والمخرج الفني الاخ علي عليق ولا ننسى دار المعارف الإسلاميّة الثقافية ناشر النسخة العربيّة.

ربيع الأول 1440هـ.

مركز المعارف للترجمة

مقدمة الكتاب

إنّ الهدف النهائي من خلق الإنسان هو الوصول إلى منزلة القرب الإلهي، وسبيل ذلك يكون باجتياز مختلف الامتحانات والاختبارات. لقد كان الأنبياء العظام والأئمة الكرام عليهم السلام، يسعون أيضاً لإيصال الإنسان إلى هذا المقصود. لكن، لم يؤدِ اهتمامهم بالآخرة والمقامات المعنوية إلى الغفلة عن الحياة الدنيا. فالإنسان الكامل في المنظار الإلهي، يعمر دنياه ويعمر آخرته، وتكون النتيجة بسبب هذا الإعمار الوصول إلى الحياة التي عبّر عنها القرآن الكريم بـ “الحياة الطيبة”. ويمكن أن نحصل على “الحياة الطيبة” في ظل الرشد الأخلاقي الفردي والتقدم المعنوي، والعلمي، والثقافي، والسياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، وكذلك بالوصول إلى (مرحلة) العدالة الاجتماعية.

فقد عُدّت الحياة الطيبة في المعارف الإسلامية واستناداً إلى الآية 97 من سورة النحل جزاءً من الله تعالى على الأعمال الصالحة لعباده المؤمنين من الرجال والنساء. إذاً، لا يمكن الحصول على الحياة الطيبة إلا بتطبيق أحكام وتكاليف دين الإسلام المقدس. ومن جهة أخرى، فإن التقوى هي أحد مفاهيم الثقافة الإسلامية التي تتمتع بقيمة عالية، بحيث عُدّت هدفاً وغاية العديد من العبادات والتكاليف الدينية، وشرطاً لقبول العبادات، وشرطاً للتّمكن من الاستفادة من هدي القرآن. ففي الثقافة الإسلامية، لا تقدّر قيمة الناس بالمال، والمنزلة،

15

والمكانة الاجتماعية، والأنساب، بل إن التقوى هي معيار التقويم. فإذا جُعلت التقوى معيار الأفعال على صعيد الحياة الفردية والاجتماعية سيرى المجتمع الصلاح والنجاح والفلاح.

إن التقوى تعني المراقبة الدائمة والمستمرة للأفعال والأقوال، وأبرز مصاديقها هو القيام بالواجبات وترك المحرمات. [1] وكما سيلاحظ القارئ المحترم، فإن قائد الثورة دام ظله يعرّف التقوى استناداً إلى الآيات الكريمة وأحاديث المعصومين بأنّها “تعني تلك الشدة من المراقبة بحيث لا يحيد الإنسان عن جادة الحق في ممارساته الشخصية”[2]. وقد ذكر لها بعض المصاديق كالتالي: “وهذا ما تعنيه التقوى؛ أي أن يراقب المرء نفسه مراقبة تامّة في تداوله للأموال، في معاملة الناس وكراماتهم؛ في الاستخدام والتّوظيف، أو في الصّرف والاستغناء، وكذلك في الكلام حتى لا ينطق بما يخالف الحق”[3]. “التقوى ليست سوى مراقبة النفس، مراقبة القول، والفعل، والمعاشرة، والقرارات، أي نحذر بأن لا يكون للإرادة الشيطانية مدخلية في قراراتنا وأفعالنا وفي أفكارنا وأقوالنا. وإنّ هذه هي التقوى”[4].

يضمّ الكتاب الموجود بين أيديكم باقة من خطابات القائد المفدّى التي تدور حول موضوع التقوى. فقد تناول سماحته الحديث عن التقوى في محاضراته المختلفة خاصة في خطبه في صلاة الجمعة، أو في لقاءاته بمسؤولي النظام، وأيضاً في لقاءات شهر رمضان المبارك. فأوصى سماحته مخاطبيه بمراعاة التقوى

[1]  وتترجم في اللغة الفارسية بكلمة پرهيزكاري (المحرر).

[2] في لقاء حشود شعبية بمناسبة ولادة أمير المؤمنين(عليه السلام) في 21/9/2002

[3] المصدر السابق

[4] من خطبة صلاة الجمعة، طهران، 13/2/2004

16

والالتزام بها من خلال تعريفه لهذا المفهوم الأخلاقي، وتبيين أهميته، وكذلك آثاره وعواقب تركه. ويتضمّن القسم الآخر من توصيات سماحته شرح أقسام التقوى، وميادينها، وطرق تحصيلها. وبالرغم من أن مراعاة التقوى واجبة على كافة أفراد المجتمع، إلا أنه وبنظر سماحته فإن المراعاة والالتزام بها من قبل الخواص تمتاز بأهمية أكبر.

بذلنا وُسعنا في هذا الكتاب في اجتناب ذكر المواضيع المتشابهة، وكذلك سعينا في تصنيف محاضرات سماحته، إلى تقديم بناء منظّم لهذا البحث، ووضعه في متناول القارئ. لكن امتنعنا في بعض الموارد عن تفكيك أقسام المحاضرة نظراً إلى أن سماحته كان في معظم محاضراته (عندما يتحدث عن التقوى) يذكر تعريفاً للتقوى وآثارها وأهميتها جنباً إلى جنب.

نأمل بالوصول إلى المجتمع الإسلامي المنشود بمراعاة التقوى الفردية والاجتماعية، وأن يستطيع كافة أفراد المجتمع الاقتراب من تحقيق الحياة الطيبة، إن شاء الله.

ومن الله التوفيق

17

الفصل الأول: مفهوم التقوى

أ _ ماهيّة التقوى:

ما هي التّقوى؟ وكيف يمكن الاتّصاف بالتّقوى في مختلف شؤون الحياة؟ إن التقوى تعني الابتعاد عن الخطأ والمعصية والإثم والفساد، وعن الانحراف عن الطّريق الصحيح واتّباع الأهواء، وهي تسليم النّفس لسبيل التّكاليف والواجبات. ينبغي على الجميع في مختلف المجالات الاتّصاف بالتّقوى لتحقيق النّجاح. فهي شرط التّوفيق في كل مسلك وطريق، ولا تختصّ بالدّين فقط، إلّا أن التّقوى الدّينية واضحة وبيّنة، وحلوة المذاق، ومحمودة العاقبة.

فعلى كل إنسان التّحلّي بالتّقوى ليستطيع سلوك الطريق الصّحيح والوصول إلى المقصد المرجو، سواءٌ كان صبياً صغيراً أو فتىً يتابع دراسته، أو ربّة منزل، أو أي إنسان آخر لديه وظيفته وعمله في بيئة معيّنة. فلا يمكن للحَدَث (الشاب) أن يصل إلى الهدف المرجو من الدّراسة من دون وجود التّقوى الخاصّة ببيئة دراسته ومجال عمله، فعليه أن يتجنب الوقوع في الأخطاء واللعب والشّغب والانشغال بما يمنعه من مزاولة نشاطه المدرسي المطلوب، وهذه هي تقواه. وكذلك المرأة داخل منزلها أو الرجل في بيئة عمله.

وأيّما مؤمن أراد السّير في الطريق إلى الله والسير على الصراط المستقيم الحقّ، عليه أن يتحلّى بالتقوى ليكسب رضى

19

الله، وليستفيد من النّورانية الإلهيّة ويصل إلى المراتب المعنوية العليا، وإلى تمكين حاكمية الدين الإلهي. مفهوم التّقوى لمن يسير في سبيل الدين والإيمان، يعني الالتزام بالتكاليف الدّينيّة وعدم الرضوخ للأهواء والشّهوات والانحراف عن سبيل الله.

يجب أن يكون جلّ اهتمامكم مصبوباً لإحراز رضى الله والقيام بالواجبات الإلهيّة أينما كنتم، مهما كان عملكم، ومهما كانت المسؤولية الملقاة على عاتقكم، أو مهما كان مركزكم الاجتماعي. وهذه هي التّقوى. فالتّقوى هي السّعي للقيام بالواجبات وتجنّب الانحراف عن المسار. فإذا ما ظهر هذا الشعور لديكم وقمتم بهذه المساعي، وخطوتم الخطوة الأولى، فإن الله تعالى سوف يساعدكم في الخطوة الثانية.

وكلّما كانت المسؤولية الملقاة على عاتقنا أكبر احتجنا إلى درجة أعلى من التقوى. فالتقوى هي التي تجعل الإنسان منتصراً في ميادين الجهاد. فهي التي نصرتكم في ميادين مواجهة الاستكبار التي خضتموها -أنتم الشعب- لسنوات، وانتصرتم في مثل هذه الأيام في عام 79. تقوى ذلك القائد الذي لم يكن همّه سوى الأوامر الإلهيّة والواجبات الشّرعيّة، وتقواكم أنتم أفراد الشعب الذين ضحّيتم بأهوائكم ومصالحكم الشخصية من أجل الله.

هل تذكرون كيف كان الجميع في تلك الأيام مسلّمين قلوبهم لهدفهم المقدّس (يسعون لتحقيق هدفهم المقدس)، فلا أحد يهتمّ بنفسه أو في جمع المال أو كنز الثروات، لم يكن أحد ليهتمّ بالوظيفة والمنصب، لم يكن همّ أحد التّقدم على الآخرين وسبقهم، فكلّ شخص كان يشعر بالواجب الشّرعي والإسلاميّ والثّوري ويقوم به. علينا اليوم أن نفعل كذلك.

20

إذا وُجدَ اليوم في مجتمعنا أشخاصٌ يريدون استغلال مناصبهم أو نفوذهم بأن تكون رفاهية أنفسهم نصب أعينهم بدلاً من الاهتمام برفاهية المجتمع والشعب، وأن يهملوا مصالح الشعب، يكونوا قد جانبوا التقوى وخالفوها. هناك بين الناس أشخاص يحملون على عاتقهم مسؤوليات كبرى، فإن صرفوا أعمارهم في غير طريق الحفاظ على الثورة ومسؤولياتهم الثوريّة الملقاة على عاتقهم، يكونوا قد جانبوا التقوى وخالفوها.

وكذلك فإن الاستسلام للأهواء وملذّات الحياة الفانية، واتباعها مع منافاتها للأهداف السامية هو مجانبةٌ للتقوى، وإن هذا الأمر (العمل خلاف التقوى) هو ما ينهك الأمة، ويذلّها، والتقوى هي ما يرفع رأس الأمة عالياً. نحن بحاجةٍ إلى التقوى. [1]

المراقبة المستمرة

مردّ كل هذا التّأكيد والتّشديد على التّقوى حتى لا يغفل الإنسان عن نفسه، ويراقبها، ويحترز من أن يخطئ، أو يغفل عن حاله، وهدفه، ومصيره، وسبيله، ووظيفته. ويمكن تشبيه هذه الحالة بقيادة السّيارة في طريق متعرّج، ومنزلِق، وخطِر، فمن الممكن أن تنحرفوا وتزلّ أقدامكم إذا ما غفلتم ونسيتم في أي حال أنتم. [2]

على الجميع أن يراقبوا أنفسهم. على الجميع أن يراقبوا أفعالهم، وإن هذه المراقبة لهي التقوى التي طُلب منّا في عيد الفطر أن نأمر بها أنفسنا والمستمعين لنا. [3] فلنتأمل في أعمالنا،

[1]  خطبة صلاة الجمعة في طهران، 8/2/1991.

[2] تأمل في دعاء وداع شهر رمضان المبارك 28/ 5/ 1987

[3] خطبة صلاة عيد الفطر في 9/2/1997

21

إذا وُجدَ اليوم في مجتمعنا أشخاصٌ يريدون استغلال مناصبهم أو نفوذهم بأن تكون رفاهية أنفسهم نصب أعينهم بدلاً من الاهتمام برفاهية المجتمع والشعب، وأن يهملوا مصالح الشعب، يكونوا قد جانبوا التقوى وخالفوها. هناك بين الناس أشخاص يحملون على عاتقهم مسؤوليات كبرى، فإن صرفوا أعمارهم في غير طريق الحفاظ على الثورة ومسؤولياتهم الثوريّة الملقاة على عاتقهم، يكونوا قد جانبوا التقوى وخالفوها.

وكذلك فإن الاستسلام للأهواء وملذّات الحياة الفانية، واتباعها مع منافاتها للأهداف السامية هو مجانبةٌ للتقوى، وإن هذا الأمر (العمل خلاف التقوى) هو ما ينهك الأمة، ويذلّها، والتقوى هي ما يرفع رأس الأمة عالياً. نحن بحاجةٍ إلى التقوى. [1]

المراقبة المستمرة

مردّ كل هذا التّأكيد والتّشديد على التّقوى حتى لا يغفل الإنسان عن نفسه، ويراقبها، ويحترز من أن يخطئ، أو يغفل عن حاله، وهدفه، ومصيره، وسبيله، ووظيفته. ويمكن تشبيه هذه الحالة بقيادة السّيارة في طريق متعرّج، ومنزلِق، وخطِر، فمن الممكن أن تنحرفوا وتزلّ أقدامكم إذا ما غفلتم ونسيتم في أي حال أنتم. [2]

على الجميع أن يراقبوا أنفسهم. على الجميع أن يراقبوا أفعالهم، وإن هذه المراقبة لهي التقوى التي طُلب منّا في عيد الفطر أن نأمر بها أنفسنا والمستمعين لنا. [3] فلنتأمل في أعمالنا،

[1]  خطبة صلاة الجمعة في طهران، 8/2/1991.

[2] تأمل في دعاء وداع شهر رمضان المبارك 28/ 5/ 1987

[3] خطبة صلاة عيد الفطر في 9/2/1997

21

وفي أفعالنا، وأقوالنا، وفي معاشرتنا، حتى فيما يجول في خواطرنا -من خواطر قلبيّة- فلنتأمّل فيها، ولنسعَ بأن لا نميل عن سبيل الله وطريق الحق. إن هذه هي التقوى، ولعلّ أحد أهداف صوم شهر رمضان المبارك، أو لعل الهدف الأساسي منه، هو أن نحصل بالصوم على ذخيرة من التقوى، وأن يحوّلنا (الصوم) إلى متّقين[1]. إن لهذه المراقبة بركات جمّة. وهذه المراقبة هي التي تحفظ الإنسان على الصراط المستقيم الإلهي. [2]

المراقبة الشديدة للأعمال الفردية

ماذا تعني التقوى؟ إنها تعني تلك الشِّدّة من المراقبة بحيث لا يحيد الإنسان عن جادة الحق في ممارساته الشخصية. وهذا ما تعنيه التقوى؛ أي أن يراقب المرء نفسه مراقبة تامّة في تداوله للأموال، في معاملة الناس وكراماتهم؛ في الاستخدام والتّوظيف، أو في الصّرف والاستغناء، وكذلك في الكلام حتى لا ينطق بما يخالف الحق. تصفّحوا نهج البلاغة فهو حافل بهذه المقولات. [3]

المراقبة في جميع شؤون الحياة

إنّ التقوى هي الدرس الخالد الذي يُعطيه أمير المؤمنين(عليه السلام)، فلو أنكم تراجعون نهج البلاغة ستدركون أنه لم يكرر أيّ توصية وطلب بالمقدار الذي دعا فيه إلى التقوى. إنّ التقوى في الواقع من أهم المفاصل في حياة أمير المؤمنين العملية، وفي إرشاداته وتوصياته.

[1] خطبة صلاة الجمعة في طهران 31/1/1997

[2] في لقاء مع قيادات ومسؤولي الحرس الثوري 17/9/1997

[3] في لقاء حشود شعبية بمناسبة ولادة أمير المؤمنين(عليه السلام) في 21/9/2002

22

والتقوى تعني: مراقبة النفس، فعلى العبد أن يراقب نفسه دائمًا، فيراقب أعماله وسلوكاته، أي أن يراقب عينه ولسانه وسمعه ويده، كما يراقب قلبه، أن يراقب عدم تغلغل الخصال الحيوانية الدنيئة [في وجوده]، وعدم الميل إلى الهوى، وعدم الانجذاب إلى المظاهر التي تؤدي به إلى الهاوية، فلا يضمر الحسد ولا يريد الشرّ لغيره، وأن لا يسمح للوساوس أن تصل إلى فؤاده، وعليه أن يجعل من قلبه مسرحًا للفضائل وذكر الله وحبّ أوليائه وعباده، وأن يراعي التقوى في الفكر والعقل، بأن يصون العقل من الانحراف والوقوع في الأخطاء والمزالق، وإنقاذه من الجمود، وتوظيف الذكاء في شؤون الحياة، إذاً فالمراقبة المستمرة للجوارح والقلب والفكر والعقل من التقوى. [1]

التقوى ليست سوى مراقبة النفس، فلنراقب قولنا وفعلنا ومعاشرتنا ومواقفنا، ولنحذر؛ لئلا تتغلغل إرادة الشيطان في مواقفنا وأعمالنا وأفكارنا.

هذه هي التقوى وإنّ الله ليُعين كلّ من يتمتّع بهذه المراقبة، لا أنه لن يرتكب الخطأ، ولا أنه يصبح معصومًا عن الذنب والمعصية، ولكن الله يعينه ويأخذ بيده، ومن هنا ندرك ضرورة الاهتمام بالتقوى، والتوصية بها في كل صلاة جمعة، فإمام الجمعة نفسه يحتاج هذه الوصية. ونحن أيضًا بحاجة إلى أن يوصونا بالتقوى، وينبّهوا قلوبنا ويذكّروها بعروة الإسلام الوثقى هذه. [2]

فعندما يوصي القرآن بالتقوى في جميع آياته، فإنه يعني الحذر ومراقبة النفس، فالطّمع من صفات النفس الإنسانية. [3]

[1] خطبة صلاة الجمعة في طهران 19/8/2005

[2] خطبة صلاة الجمعة في طهران 13/2/2004

[3] في لقاء نواب مجلس الشورى الإسلاميّة الثامن 16/6/2004

23

لم تتقيد التقوى في حياة إمامنا العظيم بمعنى القيام بالعبادات، فكانت التقوى (الملاك) في كل شيء. التقوى تعني المراقبة الصّحيحة للعمل والفعل، خاصّة فيما يرتبط بالأمور الهامّة. فكان من مظاهر التّقوى عنده: الدرس، والمعاشرة، والحضور في مراكز العلم، والحضور الفعّال في المجتمع والعائلة وفي مجالات الحياة. [1]

التقوى حصن الإنسان

هي التقوى التي ظلَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) يوصي بها طوال فترة حكمه -ربّما لا تجد في نهج البلاغة موضوعًا حظي بالاهتمام مثلما حظي به موضوع التقوى- وكَثُر  في الأدعية والروايات طلبُ التقوى، وكثيرًا ما كان الإمام الخميني (قدس سره) يحثّ في كلماته على التمسّك بالتقوى، على اعتبار أنها حصن. والمراقبة الدائمة لأنفسكم بمنزلة سياج يحيط بكم، فإيّاكم وأن يُكسر هذا الحصن. فأنتم تحتلّون حاليًا مكانة حساسة، وربّما يتسنى لكم -أو لا يتسنى- البقاء في المناصب ذاتها في السنوات القادمة. وليس هذا هو المهم، وإنّما المهم هو مراعاة هذا الجانب في كل لحظة إلى حين اليوم الأخير والساعة الأخيرة لوجودكم في هذه المسؤولية. [2]

أهمية مراعاة التقوى في مرحلة الشباب

التقوى تعني مراقبة أقوالنا وأفعالنا وذلك بروح التّجدد

[1]  في مراسم تخريج الضبّاط في مدرسة الإمام الخميني (رض) البحرية وجامعة العلوم والفنون البحرية في نوشهر 19/5/1999

[2] في لقاء النواب والعاملين في مجلس الشورى الإسلامي 31/5/1999

24

والابتكار وحيوية الشباب. فعندما تلازم التقوى روحكم الشابة وطاقاتكم الكامنة، ستظهر المعجزات.[1] لقد تكرّر في القرآن الكريم ذكر التقوى مراراً. وإن المثل المناسب لكم أنت الشباب، هو قصّة النّبي يوسف (عليه السلام). حيث كان خير مثال على تقوى الشباب. تسرد قصة النبي يوسف (عليه السلام) في سورة كاملة من القرآن الكريم، وعبّر عنها بـ”أحسن القصص”[2] أي أفضل قصّة، ولا تلتبس عليكم مفردة “القَصَص” بـ”القِصص”، فالقِصص جمع قِصّة، ويكون المعنى بها أفضل القِصص. لكن “القَصص” اسم مصدر، وهي مرادفة للقصة، وتعني أفضل قصة أو حكاية. ويعود سبب ذلك إلى أنكم تجدون في قصّة النبي يوسف نموذجاً كاملاً للتقوى، فتقوى إنسان أمضى ردحاً من الزمن ولديه تجاربه في الحياة تبدو أكثر واقعية من تقوى شاب هو في عنفوان شبابه (في غمرة الشباب). فالغمرة من خصائص فترة الشباب، وكل الشباب يتصفون بشيء منها، بالطبع فإن هذه الغمرة من النعم الإلهية، بحيث يمكن للشاب أن يجيد استعمالها، وهنا وفي هذه الحالة من الغمرة تظهر أهمية توظيف اليقظة والفطنة التي تُدعى بالتقوى. ولذلك تُعدّ قصة النبي يوسف (عليه السلام) أفضلَ وأبرز قصص القرآن. [3]

مراقبة الحدود والضوابط الإلهية

التقوى تعني أن نراقب أفعالنا، أن نمشي بحذر، وأن نعدّ

[1] في مراسم تخريج الضبّاط في مدرسة الإمام الخميني (قده) البحرية وجامعة العلوم والفنون البحرية في نوشهر 19/5/1999

[2] سورة يوسف، جزء من الآية 3.

[3] خطبة صلاة الجمعة في طهران بتاريخ، 8/5/1999

25

برنامج حياتنا وفقاً للضوابط والحدود الشرعية الإلهية، وهذا لا يختصّ بزمن معين، وإن مجتمع اليوم أيضاً بأمسّ الحاجة إلى التقوى، وكلّما تطورت العلوم وحضارة الشعوب تبقى هذه الأمور مصدراً لسعادتها. على الأمّة الإسلامية أن تضع هذه الأمور نصب عينيها وتلتفت إليها، فتطلبها وتسعى في تحصيلها. [1]

مزيّة المراقبة الدائمة والمستمرة: صفاء النفس

يتحقّق صفاء النفس أيضاً من خلال الالتزام بالواجبات واجتناب المحرمات، تجنّب الفساد وعدم الوقوع فيه، وبمراقبة النفس. بالطبع فإننا لن نصل بذلك إلى العصمة بحيث لا يصدر منا أي خطأ، لكن إن راقبنا أنفسنا، ستقلّ زلّاتنا وهفواتنا، وحتى إن زللنا وأخطأنا لن ينتج عنه سقوطٌ إلى الهاوية (لن نكبّ على وجوهنا)، هذه هي ميزة المراقبة. ما هو اسم هذه المراقبة في الثقافة الإسلامية؟ التقوى. وعندما يقولون التزموا بالتقوى (اتقوا الله) أي راقبوا أنفسكم، وراقبوا أفعالكم، وأقوالكم، وقراراتكم وإجراءاتكم. إن هذه المراقبة هي التي تحول دون الزلل، وحتى إن زلّت القدم فلن تكون الأضرار جسيمة. [2]

التقوى؛ تتبع خطوة بخطوة

لا يشعر الإنسان بالتغييرات غالباً. والكثير من هذا الإغفال ينتهي إلى خسائر كبيرة. لو فرضنا أن ماشيًا يسير على طريقٍ

[1] في لقاء المسؤولين والعاملين في النظام في ذكرى المبعث النبوي الشريف 24/2/2003

[2] في لقاء جمع من الشباب النخبة في 10/2/2004

26

يغفل وينحرف عن طريقه بزاوية خمس أو عشر درجات. هذا الإنسان لا يلتفت أبدًا، فخمس درجات ليست بشيء يُلفت انتباه الإنسان. ثمّ فيما بعد كلّما سار مع هذا الانحراف البسيط -هذا لو لم تصل هذه الخمس درجات إلى عشر درجات وخمسين درجة وبقيت خمس درجات- عن الخط الصحيح الذي ينبغي أن يسير عليه، فإن الانحراف يزداد شيئًا فشيئًا. ثمّ يأتي وقتٌ يتنبّه هذا الإنسان ويرى أنه يا للعجب! كم صارت الفاصلة كبيرة. عندما تُذكر التقوى فلأجل هذا الأمر. فإن التقوى تعني الالتفات والتوجّه إلى الذات لحظة بلحظة ومراقبة النفس والالتفات إلى ما نقوم به. إن هذه الصلاة التي كُتبت علينا خمسَ مرّات في اليوم هي في الواقع من أعظم نعم الله. فلو لم تكن هذه الصلاة، لغرقنا في غفلة عميقة. هذه الصلاة هي التي توجّهنا إلى أنفسنا. فهذا ما يقتضي أن نؤدّي الصلاة بشكلٍ صحيحٍ وبتوجّه. فإنا لو أدّينا الصلاة بتوجّهٍ، لكانت لنا خير معين على النفس[1].

المعنى الدقيق للتقوى

عندما نقول التقوى، فهي مختلفة ومغايرة لمفردة الاجتناب التي تترجم عملياً بالإحجام والامتناع عن تناول الطعام أو الذهاب أو الامتناع عن القيام بعمل. فالتقوى هي أن يكون الإنسان في حالة حذر، وتحرّز، وتوقٍّ، يحترز من أن تزلّ قدمه، ويحترز من أن ينقلب وضعه رأساً على عقب. فلو افترضنا أنكم تمارسون رياضة تسلق الجبال في درب جبلي، فستكون كل خطوة تخطونها مصيرية. فإن تجاهلتم خطوة ما تعرّضون بذلك أنفسكم للخطر،

[1] في لقاء المسؤولين والشخصيات العلمية – السياسية في 6/4/2010

27

لذا أنتم مضطرون بأن تخطوا كل خطوة بحذر، أي أن تنظروا إلى موضع أقدامكم قبل المسير، وهذا هو معنى التقوى، وهي تجري في كافة شؤون الحياة. [1]

التقوى تعني الالتفات إلى كل فعل يصدر منا. فتراقبون وتنتبهون لكل عمل تريدون القيام به؛ ماذا تفعلون. وكذلك في كل قول تقولونه، أو عملٍ تقدمون عليه، أو قرار تتخذونه، بأن لا يعود هذا القول والعمل والقرار بالضرر على الإنسانية، أو على المجتمع، أو على آخرتكم، أو دينكم. [2]

الانتباه لأنفسنا والآخرين في كل منزل ومقام

التقوى معناها أن يتحرّز على نفسه من ليس له سلطان إلا على نفسه، وأن يتحرّز على نفسه وعلى غيره من له سلطان على غيره أيضًا. أما الذين يقفون على رأس السلطة فيجب عليهم التحرّز على أنفسهم وعلى المجتمع كلّه لكي لا ينزلق نحو التهافت على الدنيا والتعلّق بزخارفها، وحتى لا يسقط في هاوية حب الذات. ولا نقصد بذلك عدم إعمار المجتمع، فليعمروا المجتمع وليفجّروا ثرواته وطاقاته، لكن لا يكون ذلك بهدف إرضاء أشخاصهم هم، فهذا هو السيّئ. [3]

السير بدقة

التقوى لا تعنى كثرة العبادة، نعم من الممكن أن تنجم كثرة العبادة عن التقوى، إلا أنها ليست معنى التقوى. التقوى تعني

[1] في لقاء جمع من الطلاب في 7/12/2000

[2] في خطبة صلاة الجمعة في طهران الموافق 30/10/1998

[3] في خطبة صلاة الجمعة في طهران الموافق 8/5/1998

28

بأن لا يغفل الإنسان عن نفسه في أي عمل، وقرار، وفعل. فيراقب نفسه ويدرس قراراته وخطواته ويدقق فيها (قبل القيام بها). فتارةً يقدم الإنسان على أعماله، ويتّخذ قراراته، ويتلفّظ بأقواله، ويقوم بأفعاله أو يتركها، وكل ذلك وهو في طيشٍ وعدم إدراك ووعي لما يقوم به. وتارةً ينجزها جميعاً مع علم بما يقوم به، والأخيرة هي التقوى.

يُكرّر في كلمات عظمائنا هذا المثال، والبعض يقول إنّه حديث، لكن آخرين يقولون إنّه منقول عن أحد عظمائنا، بأن سئل أحدهم: ما التقوى؟ فأجاب: “أما سلكت طريقاً ذا شوك؟”.

فأحياناً يسير الإنسان في طريق معبّدة، ولهذا الطريق كيفيةُ سيرٍ مختلفة عن غيرها، ولكن أحياناً يجد الإنسان في كل خطوة يخطوها أشواكاً يمنةً ويسرة، فاحذر عندما تمرّ بصحراء مليئة بالأشواك أن يصيب الشّوك رداءك أو يجرح قدمك، هذه هي التقوى: السير بدقة. لذلك يصل الإنسان إلى الإيمان إذا ما اتّصف بالتقوى، ولن يكون مؤمناً ما لم يكن تقيًّا. إن من لا يراعي التقوى يقول إذا ما سُئل أو طُلب منه التّفكير في الوجود، أو الخلق، أو هدف الوجود: “دعك من هذا!” هذا مجانب للتقوى وترك لها. إن المتقي هو الذي يغوص في التّفكير ليجد الطّريق الصّحيح إذا ما سئل عن هدف الوجود، أو عن الله، والمعاد، أو إذا ما طُرح بحثٌ في هذا المجال. إن التّفكّر في هذا الموضوع تقوى. أحياناً عندما يصل الإنسان إلى الإيمان (عندما يصبح مؤمنًا) يعتمد على إيمانه ويعلّق آماله عليه، هذا خلاف التقوى. وأحياناً يراقب إيمانه، فهذه تقوى[1].

[1] في لقاء الاتحادات الطلابية في جامعة طهران الموافق 14/1/1999

29

السير بأعين مفتحة

علينا توخّي الحذر: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾[1]؛ فقد قلنا مراراً إنّ التقوى تعني مراقبة النفس؛ أيّ مراقبة النفس بأعين مفتّحة؛ حتّى لا نخطئ.

إنّ أعيننا مفتوحة في أحيان كثيرة تجاه أخطاء الآخرين، حيث نقوم بالبحث عن مواطن الخطأ والعيب عندهم، وما صدر عنهم من خطأ أو شبه خطأ -لنحمله على الخطأ أيضًا- مع أنّ عيوننا تغضّ النظر عن أخطائنا، وهذا أمر قبيح.

يجب على كل واحد منّا باعتباره شخصاً أو مسؤولاً أو مديراً -في أي مجال من المجالات- أن يلتفت إلى أخطائه، وطبعًا فإنّ ذلك أمرٌ عسير، فليس من السهل على الإنسان الإقرار بأخطائه والبحث عنها وإدانة نفسه، لكن عليه النزول عند هذا الأمر العسير والقيام به. [2]

اليقظة والفطنة

وإن الله سبحانه لا يرتضي للمؤمن أن تستحوذ عليه الغفلة فيما يتعلق بشؤونه الحياتية، بل على المؤمن أن يتحلّى باليقظة والوعي، وفائدة هذه اليقظة والوعي والحذر على صعيد شؤون الحياة بالنسبة للإنسان تتمثّل في احترازه بأن لا يكون العمل الذي يقوم به مخالفًا للإرادة الإلهية ومنهجية الدين ومبتغاه (شريعته)، وإذا ما تبلورت لدى الإنسان هذه الحالة من المراقبة

[1]  سورة البقرة جزء من الآية 183

[2] في لقاء المسؤولين والعاملين في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية في 10/10/2006

30

بحيث ينسجم قوله وفعله وسكناته وقيامه وقعوده وكل خطوة يخطوها وتصرف يُقدم عليه مع الخط الذي رسمه الله تعالى؛ فإن تلك الحالة من التيقّظْ والحيطة والنباهة عند الإنسان تسمى التقوى؛ والمراد من التقوى أن يعيش الإنسان حالة دائمة من الحذر والخشية. [1]

الوعي وحسن الاختيار عند مفترقات الطرق

كثيراً ما نصادفُ في مسير حياتنا مفترقات طرق، كأن نتفوه بالكلام أو نعرض عن ذلك، نتّخذ القرار أو نمتنع عن ذلك، نتكلّم بهذه الطّريقة أو بتلك. إذاً نحن دائماً بحاجة إلى الهداية الإلهية. فالتّقوى تعني بأن ننتبه بأن لهذا الطريق المستقيم تشعّبات عديدة، فحذارِ أن نضلّ الطّريق ونسير في أحدها. [2]

عندما يريد أحدهم رسم صورة للتّقوى، يتبادر إلى ذهنه الصّلاة، والصوم، والعبادات، والأذكار، والأدعية. من الممكن أن تتضمّن التّقوى جميعها، لكنها لا تعني التّقوى. فالتّقوى تعني الاحتراز والمراقبة. التّقوى تعني أن يعي الإنسان أعماله التي يقوم بها، وأن يختار خطواته بإرادة وعزم وفكر. ومثل ذلك كمن يمتطي صهوة جواد مطيع يمسك لجامه بيده يعرف وجهة السير. هذه هي التقوى. فالإنسان الذي لا تقوى له، لا يتحكّم بتصرّفاته، وقراراته، ومستقبله. وكما يعبّر نهج البلاغة عن ذلك: “وإن الخطايا خيل شُمُس[3] حُمل عليها أهلها وخُلعت لجمها

[1] خطبة صلاة الجمعة في طهران في 30/3/1990

[2] في لقاء مسؤولي المحاكم العامة ومحاكم رجال الدين في 4/11/1990

[3] أي عنيد؛ خيل نفور عسر الصحبة لا تنقاد لصاحبها (المحرر).

31

فتقحَّمت بهم في النار . . . . ”[1].[2]

فإن أخذنا هذا المعنى للتقوى بعين الاعتبار، يمكننا حينها عبور الطريق بسهولة. طبعاً الأمر ليس بهذه السهولة. على كل حال، فمن الممكن أن يجد الشّاب النّمط الإسلامي للحياة وهو قابل للتّطبيق فعلاً. فليراقب نفسه إن كان متديناً. هل هذا العمل، هذا الكلام، هذه الصّداقة، هذا الدّرس، والفعل والإدراك، صحيح أم لا؟ هذه هي التقوى. وإن لم يكن متديناً فإن اتبع هذا الطريق، سيكون كفيلًا بهدايته إلى الدين.

ورد في القرآن الكريم: ﴿هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾[3]، ولم يرد: “هدىً للمؤمنين”. تعني آية “هدىً للمتقين” أنه إذا اتّقى أحدهم الله بالطريقة التي ذُكرت، وإن لم يكن مؤمناً، سيهتدي بالقرآن وسيصبح مؤمناً. لكن إن لم يكن المؤمن متقيًا، فلربما لن يكون ثابت الإيمان أيضاً. وهذا مرتبط بحظّه ونصيبه: فإذا حظي ببيئة سليمة، يثبت على الإيمان. وأما إذا لم يحظَ ببيئة سليمة لا يثبت على الإيمان. [4]

تقوى الإيمان: القيام بالواجبات الدّينية وعدم الرّضوخ والتّسليم للشّهوات

أيّما مؤمن أراد السّير في الطريق إلى الله والسير في الصراط المستقيم الحقّ، عليه أن يتحلّى بالتقوى ليكسب رضى الله

[1] نهج البلاغة، الخطبة رقم 16

[2]  في جلسة حوار مع جمع من الشباب بمناسبة أسبوع الشباب 27/4/1998

[3] سورة البقرة، جزء من الآية 2.

[4] في جلسة حوار مع جمع من الشباب بمناسبة أسبوع الشباب 27/4/1998

32

وليستفيد من النّورانية الإلهيّة، ويصل إلى المراتب المعنوية العليا، وإلى تمكين حاكمية الدين الإلهي. مفهوم التّقوى لمن يسير في سبيل الدين والإيمان، يعني الالتزام بالتكاليف الدّينيّة وعدم الرضوخ للأهواء والشّهوات والانحراف عن سبيل الله.

فعليكم أنتم أن يكون جلّ اهتمامكم إحراز رضى الله والقيام بالواجبات الإلهيّة أينما كنتم، مهما كان عملكم، ومهما كانت المسؤولية الملقاة على عاتقكم، أو مهما كان مركزكم الاجتماعي. وهذه هي التّقوى. فالتّقوى هي السّعي للقيام بالواجبات وتجنّب الانحراف عن المسار. فإذا ما ظهر هذا الشعور لديكم وقمتم بهذه المساعي، فمتى ما خطوتم الخطوة الأولى، فالله تعالى سوف يساعدكم في الخطوة الثانية.[1] التقوى تعني أن نحترز من أن نخطو خطوة خلاف المراد الإلهيّ. [2]

التقوى هي العامل الذي يصوننا في طريق الإسلام، التقوى تعني أن نراقب أنفسنا، وهذا لا يختص بفئة دون أخرى، بل يشمل كافة الأفراد باختلاف حيثيّاتهم، سواء كانوا من ذوي الرّتب العليا في جهاز الدولة، أو من الموظّفين العاديّين. على كل فرد من الشعب في أي بقعة من هذا البلد، أن يحذر الانحراف عن طريق الإسلام. لقد وعد الإسلام بالنصرة، ووعد القرآن بالتطوّر والنجاح في كافة مجالات الحياة، وبإعمار الدنيا والآخرة. [3]

[1] خطبة صلاة الجمعة في طهران 8/2/1991

[2]  خطبة صلاة الجمعة في طهران في 14/7/1969.

[3] في لقاء المسؤولين والعاملين في النظام وضيوف مؤتمر الوحدة الإسلامية في 26/8/1994

33

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذاتي

على كل إنسان أن يكون واعظاً لنفسه، مراقباً لها، رادعاً لها من الانحراف، آمراً لها بالمعروف ناهياً إيّاها عن المنكر، وأمرُ النفس بالمعروف ونهيُها عن المنكر، وموعظة النفس، لأهمّ وأولى من أمر ونهي ووعظ الآخرين. هذه هي التقوى الإلهية التي أُمرنا بها. [1]

التقوى الملازمة للمثابرة والسعي (حركية التقوى)

التقوى تعني الحذر مع الحركة (الحذر الملازم للحركة) لا الحذر الجامد، فأحياناً أنتم تحذرون من دون حركة، وهذا يعني “الزم عقر دارك، ولا تتدخّل في أي أمر”، فتكون قد حققت الحذر والاجتناب. كيف يمكن أن تحذر من الاصطدام بالجبال أو الهوي في المنحدرات؟ بالامتناع عن القيادة أو بالامتناع عن تسلّق الجبال، أو بالسكون والجمود والامتناع عن الحركة؟ كيف تحذر من أن يصيبك أذىً من أشواك الصحراء؟ بالامتناع عن السير في الطريق المحفوفة بالأشواك؟ نعم [الجلوس والجمود] أحد أنواع الحذر. لكن الإسلام لا يوصينا به أبداً، فالإسلام يأمرنا بالغوص في عمق القضايا والأحداث، ومواجهتها، والحذر منها في آن واحد. كالسائق الذي يقود، لكنه يقود بحذر. فما المقصود من هذا الحذر؟ يعني كما قلنا سابقاً: المراقبة، الالتفات والانتباه للنفس، فالحذر كلمة مناسبة في هذا المقام (مع ملاحظة معناها هذا).

إذاً اعرفوا معنى التقوى: التقوى هي الحذر والاحتراز مع الحركة، المراقبة مع الحركة. هذا هو معنى التقوى. تحرّكوا في مختلف المجالات، لكن احذروا الاصطدام، احذروا الزّيغ،

[1] خطبة صلاة عيد الفطر في 20/2/1996

34

أو السقوط في الهفوات، احذروا الانحراف عن المسير، احذروا إيذاء النّفس أو الآخرين، وتجاوز الحدود التي وضعها الله للناس، والتي تؤدي بالإنسان إلى الهلاك، احذروا، لأن الطريق خطر، طويل، ومظلم. [1]

الفرق بين التقوى والخشية من الله

فالتقوى تعني كل شيء للإنسان، وهي دنيا الأمة وآخرتها والزاد الحقيقي في هذا الطريق الطويل الذي لا بدّ للبشريّة أن تعبره، فقد بدأ أمير المؤمنين(عليه السلام) وصيته بالتقوى وختم بها. فكأنه(عليه السلام) يريد أن يقول عليكم يا أولادي بمراقبة أنفسكم وأعمالكم ووزنها بالمعيار الإلهي الحقّ.

وليس كلامه(عليه السلام) في مسألة الخوف من الله كما فسّرها البعض. صحيح أنّ “خشية الله” و”الخوف من الله” من القيم الدّينية؛ لكن الكلام هنا عن التقوى، وهي تعني مراقبة الإنسان المستمرّة لأعماله لتكون متطابقة مع المصالح الإلهية التي يقدرها المولى سبحانه وتعالى له. والتقوى ليست بالشيء الذي يمكن للإنسان أن يستغني عنه ولو للحظة واحدة.

فإذا استغنينا عنها فالطريق محفوف بالمخاطر والوادي عميق، فستزلّ الأقدام وننزلق بلا ريب؛ إلا أنه قد نعثر على حجر أو شجر نتشبّث به لعلّه يعيننا على الصعود إلى الأعلى من جديد ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾. [2]

[1] الجلسة السابعة لتفسير سورة البقرة في 16/6/1991

[2] سورة الأعراف، الآية 201

35

فالإنسان المتّقي عندما يشعر بمسّ الشيطان له يتذكّر الله ويعود إلى نفسه حالًا بالمراقبة والمحاسبة. فالشيطان لن يتركنا أبدًا؛ إذاً فلا بد أن تكون الوصيّة الأولى هي تقوى الله سبحانه وتعالى. [1]

التقوى هي المبنى [الأساس] والملاك

لا ينبغي أن نراقب الآخرين وأفعالهم، بل علينا أن نعرف ما علينا نحن القيام به. ومنذ بداية الثورة وهذه عقيدتنا، حيث كنا نقول أننا لا نأخذ الأوامر ممن لا نرضى بأفعالهم. نحن نتبع في أفعالنا أوامر عقائدنا وتشخيصنا. يجب أن تحمل أفعالنا طابعًا دينيًا، وأن نراعي فيها التقوى والاعتدال والمداراة، بحيث يكون (أُسّس على التقوى)[2] حقاً، فيكون مبنى وملاك العمل هو التّقوى. فإن صادف وعلمنا أن هناك في المجتمع من لا يراعي التقوى ولا يجعلها الملاك في أعماله، أفنقول ولم هو يخالف التقوى (وعلينا نحن الالتزام بها)؟ إن ترك هو التقوى وكان عمله خلافها، فهذا لا يعني أن نجيز لأنفسنا مخالفتها. [3]

التقوى: تخطّي العوائق الذاتية للحرية

إن مفردة التّقوى المقدّسة وكذلك مفردة التّزكية، والتي كثيراً ما أوصى الإسلام بها، هي في الواقع تخطّي العوائق الذّاتية للحريّة. التقوى تعني أن يصون الإنسان نفسه بوعي، وأن يحول دون تأثير الأهواء والرّغبات، والشطحات، والمنعطفات في طريقه في سبيل الله والإنسانيّة فلا ينحرف عنه. والتّزكية تعني تطهير

[1] خطبة صلاة الجمعة في طهران الموافق 4/3/1994

[2] سورة التوبة، جزء من الآية 108.

[3] في لقاء مع أعضاء جامعة «فرهنكيان» الإسلامية في 9/1/1990

36

النّفس من الفساد، والتلوّث، والتعلّقات النّفسية والقلبية. فيطهر نفسه من كل دناءة، ورذالة، وانحطاط. فمن يزكِّ نفسه ويتّقِ ربّه يكنْ في الحقيقة حراً، يمكنه التفوق على القوى العالمية الكبرى. وكذلك الشعب إذا ما وُجدت التقوى والتزكية في أفراده، ولو بشكل نسبي (بنسب متفاوتة) يمكنه التّغلب على القوى المهددة لحرياته بنفس تلك النسبة. ولربما قد سمع الكثير منكم بالقصة التي ينقلها “ديوجانس” الحكيم الشهير، فيقول: أراد الإسكندر المقدوني، الذي يعدّ فاتحاً عظيماً في زمانه، عبور طريق ما متبختراً، وكان الجميع يقعون له إجلالاً وتعظيماً، وينهالون عليه بالمدائح. صادف أن رأى رجلاً عجوزاً مرتدياً ثياباً رثة يظهر الفقر عليه جالساً على قارعة الطريق، ولا يبالي بقدوم الإسكندر، فسأل عنه، اقتربوا منه، ووجدوا أنه عجوز فقير لا يهتم بقدوم الإسكندر، فطلب إحضاره، فسأله: لماذا لم تحترمني؟ فأجاب: ليس من واجبي أن أحترمك، فأنت عبد لعبيدي. تعجّب الإسكندر وقال: وهل جننت، أتقول لمن هو مثلي عبد؟ بل عبد العبيد؟ فأجابه العجوز: لا تعجب يا إسكندر! فأنت أسير وعبد لشهواتك وغضبك، وأما أنا فقد أسرتُ الشهوة والغضب وقيّدتهما.

. . . الخطوة الأولى، هي التحرر من الأهواء والرّغبات النّفسانية، وهذه هي التقوى، وأنا أوصي أخوتي وأخواتي المصلّين الأعزاء، أن يسعوا لتحرير أنفسهم من قيود الأهواء، والرغبات، والشهوات، والرذائل، والأنانيات والغرور والتشاؤم. وأطلب من الرب المتعال، التوفيق لنا جميعاً كي نستطيع أن ننقذ وننجي أنفسنا، ونفسي، من المستنقع الذي تنبع منه الأهواء، والرّغبات النّفسانية. [1]

[1] خطبة صلاة الجمعة في طهران في تاريخ 9/1/1987

37

التقوى: المطايا المطيعة

يشبّه أمير المؤمنين(عليه السلام) التّقوى بالحصان المطيع الأصيل[1]، يجلس عليه فارسه ويهديه، وهذا الحصان يسير معه أينما وجّهه صاحبه. كما يشبّه الخطايا، التي تقابل التقوى، بالخيول الشُمُس العنيدة غير الأصيلة، يُسيّر فارسه عندما يمتطيه، فيأخذه حيث لا يريد؛ وعلى سبيل المثال يرميه أرضاً. [2]

التقوى: سعي لتجنب الذنوب

عندما نقول الابتعاد عن الذنوب، لا نعني بذلك أن علينا في المرحلة الأولى ترك الذنوب بالكامل حتى نستطيع أن نلج المرحلة الثانية، كلا، فالمرحلتان متلازمتان. يجب أن نشحذ الهمم، فنبذل قصارى جهدنا كي لا يصدر منا أي ذنب. وهذا معنى التقوى. [3]

التقوى العمليّة

اجعلوا التّقوى نصب أعينكم في كافة أعمالكم اليوميّة، أي راقبوا أقوالكم، وأفعالكم، وقراراتكم، وإجراءاتكم. ولا تدَعوا الأهواء النّفسانية تبعدكم عن سبيل الله، وعن الواجبات الإلهية. إن الشّيطان يسعى معتمداً على النّفس الأمّارة، والأهواء النّفسانية، والأنانيات، والرّغبات، أن يصرفنا عن الصّراط المستقيم ويخرجنا عنه. علينا كمن يسير في طريق جبلي متعرج، أن نتوخى الحذر في

[1]  نهج البلاغة، الخطبة رقم 16

[2] في لقاء قيادات الحرس الثوري الإسلامي في 17/9/1997

[3] في لقاء معلمي وأساتذة جامعة خراسان الشمالية في 11/10/2012

38

كل خطوة، وكل حركة، وكل قدم نخطوها. هذه هي التقوى، تعني مراقبة النفس، أن نلحظ أن الله شاهد وناظر في جميع الأمور، والإسراع في التّوبة عند الخطأ والزلل، والاتكال على الله، وطلب العون منه واللجوء إليه.[1]

بث التفرقة، مصداق مخالفة التقوى

أرى داخل بلدنا جماعة همّهم أن يُوجِدوا الاختلافات والعداوات بين التيارات المختلفة وكأنهم يستمتعون بذلك، وهذا خلاف التقوى، لأن التقوى تعني (إطفاء النائرة)[2] فمثلما أنكم تطفئون النيران المندلعة في المكان المادي فعليكم أن تسيطروا على النيران التي تندلع في الأجواء الإنسانية والمعنوية والأخلاقية وتطفئوها، وهكذا: “ضمّ أهل الفرقة”.

لقد قلنا بجذب أكبرَ عددٍ ممكن ودفعِ أقلّ عددٍ ممكن*[3]. بالطبع المعيار والميزان هو الأصول والقيم. فالناس ليسوا سواءً بلحاظ الإيمان. ففينا من هو ضعيف الإيمان ومن هو أقوى إيمانًا. وعلينا أن نسعى، فلا يصح أن نبعد ضعيف الإيمان، ولا يصح أن نركّز على الأقوى إيمانًا، كلّا، فضعفاء الإيمان ينبغي أن يحوزوا عنايتنا. فالذين يعدّون أنفسهم أقوياء ينبغي أن يعتنوا

[1] خطبة صلاة عيد الفطر في 27/4/1990

[2] الصحيفة السجادية؛ الدعاء العشرون.

[3] * - يذكر الامام الخامنئي في لقاءاته المسؤولين هذه القاعدة: جذب الحد الأكثر ودفع الحد الأقل؛ إنه في ظل وجود الاختلافات والتعارضات؛ والتيارات الموافقة والمخالفة ينبغي الحرص على أن يكون مستوى استقطاب وجذب الناس في أعلى نسبة والدفع أي ما يؤدي إلى إعراض الأفراد ومخالفتها كليًا للنظام والأصول وفي أقل نسبة ممكنة.

39

بمن يرونه ضعيفًا ويراعوه. الذين كانوا مع الجماعة (وفي الخط) لكنهم بسبب الاشتباه والغفلة ابتعدوا وانفصلوا، فلنُعِدهم إلينا، ننصحهم، نبيّن لهم الطريق، ونستعيدهم. وهذه قضايا أساسية.

فهكذا تكون التقوى وهكذا تكون طريق التوبة والإنابة، (شهر التوبة)، (شهر الإنابة). ومن اللافت أن هذا الصيام وهذا الشهر هو عملٌ جماعي لا ينحصر بالفرد. فكلنا صائمون وداخلون في هذا الشهر، وقد جلسنا حول هذه المائدة، جميع أفراد المجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية. وعندما نريد أن نعمل بهذه النصائح والوصايا المهمة للكتاب والسنّة، فإننا لو اعتبرنا أنفسنا معنيين بالخطاب، فانظروا ماذا سيحدث عندئذ في العالم الإسلامي، وفي نطاق أضيق على مستوى البلد. علينا أن نعرف قدر هذا الشهر. وتقديره هو أن نكون في الواقع في شهر التوبة والإنابة والتطهير والتمحيص، فنتحرك باتجاه هذه الأمور. [1]

مساعدة العدو، مصداق مجانبة التقوى

على الجميع أن يحذروا من مساعدة عدو الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأي شكل من الأشكال، إن كان بمماشاته، أو مسايرته، أو باتخاذ المواقف والكلام والقيام ببعض الأعمال. إن هذا الموضوع هو من المواضيع التي تنافي التقوى. [2]

[1] في لقاء المسؤولين والعاملين في النظام بتاريخ 18/8/2010

[2] في لقاء المسؤولين والعاملين في النظام في 2/11/2003

40

ب _ ما يقابل التقوى الغفلة

الغافل لا يفكر بالاستغفار بتاتًا، بل ولا يخطر بباله أنه يرتكب ذنبًا، وهو غارق بالذنوب، وسكران غارق في سبات عميق، وهو أشبه ما يكون بمن يؤدي بعض الحركات وهو نائم.

ولهذا أطلق أهل السلوك الأخلاقي -في بيانهم لمنازل السالكين في طريق تهذيب النفس وتحصيل الأخلاق- على المنزل الذي يروم المرء فيه الخروج من الغفلة، اسم منزل اليقظة.

أما في المصطلح القرآني فيطلق على الحالة المقابلة للغفلة، اسم التقوى. التقوى تعني: التنبّه واليقظة الدائمة والمواظبة. قد تصدر عن الغافل عشرات الذنوب وهو لا يشعر أساسًا أنه ارتكب ذنبًا، أما الإنسان المتقي فهو في الجهة المقابلة له تمامًا؛ فلا يكاد يرتكب ذنبًا حتّى ينتبه إلى أنه ارتكب ذنبًا، فيبادر إلى إصلاحه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾.[1] فبمجرد عبور الشيطان من مقربة منه وهبوب ريح شيطانية، يشعر بأن شيئًا من الشيطان أصابه، وأنه وقع في خطأ وغفلة، فـ(تذكروا)، و(فإذا هم مبصرون) فإنسان كهذا يكون مبصراً متيقظاً. [2]

[1]  سورة الأعراف، الآية 201.

[2] خطبة صلاة الجمعة في طهران بتاريخ 17/1/1997

41

التساهل في الفكر والعمل

التساهل والتسيّب، سواء في الفكر ـ أي أن ينجذب الإنسان نحو كل ما يطرح في الساحة من فكر وينبهر به من دون رويّة وتقويم ونقد وفَهْم دقيق مع ما في الأمر من حساسية [وهذا خلاف التقوى] ـ أو في العمل، والتقوى هي نقيض التساهل؛ والتقوى تعني: الدقّة والمراقبة والمواظبة؛ خشية أن يبدر من الإنسان عمل مخالف للموازين، سواء كان ذلك في القول أو الفعل، وسواء كان ذلك العمل من الجوارح أو الجوانح؛ فهذه هي التقوى.

وأما التساهل والتسيّب فهو نقيض ذلك. فيا لها من مصيبة أن يكون ذلك التساهل في مجال الفكر، أو العلم، أو في أي مجال آخر! فحيثما كان التساهل والتسيّب ـ والذي يستتبعه التساهل في الفعل وفي الفهم ـ فإن العواقب تكون وخيمة. [1]

الحركة من دون بصيرة

الغفلة وعدم الاكتراث، والسير بلا بصيرة تقابل التقوى. إن الله لا يرضى بغفلة المؤمن في شؤون حياته. فعلى المؤمن أن يكون مبصراً وبصيراً في كافة شؤون الحياة. وفائدة هذا الأمر بالنسبة للإنسان المؤمن أن يكون حين العمل الذي يقوم به ملتفتاً وفطناً إلى أنه لا يخالف به مشيئة الله، وسبيل الدّين ومسلكه. [2]

[1]  في جمع من الأساتذة وطلاب الحوزة العلمية في قم في المدرسة الفيضية في 5/10/2000

[2] خطبة صلاة الجمعة في طهران في 30/3/1990

42

طلب الدنيا

“وأن لا تبغيا الدنيا وإنْ بغتكما”[1]. أي لا تسعوا وراء الدنيا وإن سعت هي وراءكم. وهي من لوازم التقوى، وكلّ الأعمال الصالحة هي من لوازم التقوى، ومن جملة هذه الأعمال هو الأمر الذي ذكره، فلم يقل اتركوا الدنيا، بل أوصى بعدم اتّباع الدنيا، وبالتعبير الشائع عدم الركض وراءها.

فماذا تعني هذه الدنيا التي لا ينبغي السعي وراءها؟ هل هي إعمار الأرض وإحياء الثروات الطبيعية؟ وهل هذه هي الدنيا التي ذمّها أمير المؤمنين وحذّر منها؟ لا، ليس الأمر كذلك، فالدّنيا التي لا ينبغي اللهث وراءها تعني طلب اللّذات والسعي وراء الشهوات، أمّا إذا كان الهدف من إعمار الأرض خير البشرية وصلاحها، فهو الآخرة بعينها، وهو أمر يجب السعي إليه.

أمّا الدنيا المذمومة التي نُهي الإنسان عن السعي وراءها فهي الأعمال التي تصد عن السير في طريق الخير والصلاح، وتسلب منه إرادته وتستهلك قواه وسعيه وهمّته، وهي تعني الأنانية وحبّ الذات والسعي وراء جمع الأموال والسعي وراء اللّذات. [2]

ج _ صفات (خصائص) المتقين
1- الإيمان بالغيب

إن أوّل شرط للتقوى هو الإيمان بالغيب والاقرار به وتحرير الوجود من القيود (الماديّة)، بمعنى عدم حدّ الكائنات (الموجودات)

[1] بحار الأنوار، ج42، ص 256

[2] خطبتا صلاة الجمعة في طهران في 21 رمضان 1414 هجرية؛ الموافق لـ4/3/1994

43

بالمحسوسات والإدراك الناقص للبشر[1]. وبالطّبع فإن للإيمان بالغيب، والذي يعدّ الحد الفاصل بين الرّؤية الكونية الإلهيّة والرؤية الكونية الماديّة، آثارًا جمّة على رؤية الإنسان وأفعاله.

دور الإيمان بالغيب في تغيير نمط حياة الإنسان

تختلف طريقة تفكير، ونمط حياة الإنسان الذي لا يعتقد بالغيب مع ذلك الذي يؤمن بالغيب، بمعنى أنّ هذا الإيمان لا يفارقه، فعندما يؤمن الإنسان بالغيب يظهر فرق واضح في رؤيته، وطريقة تصرفاته، وكيفية سعيه وجدّه مقارنةً مع الإنسان الماديّ الذي لا يتحلّى بهذا الإيمان. وسأشير هنا إلى بعض هذه السّمات:

الهدفيّة، فالإيمان بالغيب يمنح الإنسان هدفاً، فعندما تنكرون الغيب لن يكون بمقدوركم القبول بهدف حقيقي. من الممكن أن تعترضوا وتقولوا: هناك الكثير من الماديين أصحاب هدف! أقول: يجب تقويم هذا الهدف بعيدًا عن غلبة المشاعر والعواطف أو العادات، أو الحاجات. وعندما تفتقد المشاعر، والعادات، والحاجات تتوقف جهود الإنسان المادي. طبعاً فإن البعض ممن يحمل فكراً مادياً يضطر للسعي تحت ضغط العوز والحاجة. والبعض لديه مشاعره، مثلاً مشاعر وميول وطنية، وهذه المشاعر تجبره على الحركة، والسعي، حتى وإن كان ثمن ذلك أن يضحّي بحياته. هذه ليست سوى مشاعر، ليس لها علاقة بالعقل والمنطق. [2]

[1] أي عدم الوقوف عند الادراكات الحسية وحسب.

[2] الجلسة الثامنة من تفسير سورة البقرة في 16/10/1991

44

2- إقامة الصلاة

﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ﴾.[1] ذكرت مراراً أن هناك فرقًا بين إقامة الصلاة وأدائها. إن إقامة الصّلاة تختلف عن أدائها، والإقامة أعلى رتبة، وبالطبع فالإقامة تشمل الأداء أيضاً. أي إذا أردتم أن تكونوا في عداد مقيمي الصلاة لا يمكنكم أن تتركوها. إقامة الصلاة تعني إيجاد هذه الحقيقة العذبة في البيئة المحيطة، وفي المجتمع: فتصبح البيئة بيئة صلاة، وندعو الآخرين إلى الصلاة، ونؤدي الصلاة بخشوع، وكذلك نترجم مفاهيم الصلاة في الحياة العملية. وإن المفهوم الأساسي للصلاة هو خشوع الإنسان لله وامتثاله لأمره، هذا هو أساس الصلاة الذي يحمل في طياته أموراً أخرى. إذاً الشرط الثاني للتقوى والمتقين هو إقامة الصلاة. يعدّ الشرط الذي ذكرناه في البداية “الذين يؤمنون بالغيب” من مقوّمات التقوى على مستوى النّظرة الكونيّة، وهذا الشّرط الثّاني هو من مقومات التقوى على مستوى تهذيب النفس. إن إقامة الصلاة هي سبيل لتهذيب النفس، وتهذيب النفس على درجة عالية من الأهمية. [2]

3- اليقين بالآخرة

﴿وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾[3]، إن اليقين بالآخرة هو العلامة السادسة، وإن الآخرة هي الحياة، والمرحلة التي تلي الدنيا، فسميت بالآخرة لتأخّرها عن الدنيا. والدنيا سميت بذلك لأنها

[1] سورة البقرة، جزء من الآية 3

[2] الجلسة الثامنة من تفسير سورة البقرة بتاريخ 16/10/1991

[3] سورة البقرة، جزء من الآية 4

45

المرحلة الأقرب لنا نعيش فيها الآن. إذاً اليقين بالآخرة، إحدى سمات المتّقي، ولقد قلنا مراراً: إن اليقين بالآخرة هو أحد الأركان والأصول، وهو من الأسباب والدّواعي الرّئيسية للتديّن والتقوى. وهو مرحلة رفيعة المستوى، ولهذا لا يكفي الظنّ بالآخرة (بل يجب اليقين بها). [1]

د _ تعليقات
عدم كفاية التقوى اللسانية

من جملة أهمّ فصول صلاة الجمعة التوصية بالتقوى. ولا تتحقق مثل هذه التقوى -بالطبع- بالقول والتوصية بالرغم من الدور الهام للقول والتوصية وضرورة عدم إغفال دور البيان والنصح والإنذار والتبشير -الذي هو عمل الأنبياء- والوصية الحقيقية لنا -نحن خطباء الجمعة والعاملين والقائمين على الخدمة في صلاة الجمعة والمبرمجين والمنفذين لمختلف أقسام صلاة الجمعة- هي بذل أقصى الجهود في أعمالنا وتصرفاتنا كي لا تكون هذه التقوى مجرد كلام يجري على ألسنتنا فحسب، بل أن تتجلّى في أعمالنا أيضًا، وهذه تمثل سبلًا طبيعية مؤكدة في الإسلام العزيز لهداية المجتمع والبلاد وإدارتهما. [2]

[1] الجلسة الثامنة من تفسير سورة البقرة بتاريخ 23/10/1991

[2] في لقاء هيئة (ستاد) إقامة صلاة الجمعة في كافة المناطق الإيرانية 27/2/2002

46

الإرادة: شرط ضروري لاجتياز خارطة التقوى

إن هذا البلد، وهذا النظام، وهذه النّهضة الإسلاميّة العظيمة التي تجاوزت الحدود ووصلت إلى أرجاء العالم، ستحتاج إليكم. فمن الناحية المعنوية، عليكم ببناء أنفسكم. طبعاً فإن الخارطة سهلة، لكنها تحتاج إلى الإرادة لاجتيازها. الخارطة هي التقوى، التقوى تعني تجنّب المعصيّة، وأداء الواجبات وترك المحرمات، يتمّ هذا العمل بالإخلاص والابتعاد عن الرّياء والمراوغة. وبخلاف ما يظن البعض، فإن القيام بهذه الأمور هو أكثر سهولة في مرحلة الشباب. [1]

[1] في تجمع طلاب وفضلاء حوزة قم العلمية بتاريخ 20/2/1992

47

الفصل الثاني: أهمية ومكانة التقوى

أ _ المكانة القيميّة للتقوى على الصعيد الفردي:
التقوى وتعظيم الإنسان في الرؤية الإلهية

إنّه لشيء جميل، أنّ أفراد مجتمعنا يتعاملون باحترام وتعظيم وتقدير مع بعضهم البعض، وإذا كانت هذه العلاقة موجودة، فهي علاقة معنوية. أي إنّهم يشعرون بالتواضع لمن يظنّون أنه أتقى منهم، وأنه على ارتباط أعمق بالله، ومعرفة أكثر بالدّين والأحكام الإلهيّة، لأنهم يَرَون أنه أقرب منهم إلى الله. لكن لا يمكن للمناصب والمراتب الماديّة أن تجبر النّاس على التواضع لها. إن هذه رؤية إلهية. [1]

محورية التقوى، سر نجاح الإمام الخميني (قدس سره)

اعملوا على تدعيم وترسيخ روح التقوى في أنفسكم، وتقوية الاتكال على الله في قلوبكم. إن سبب صمود الإمام العظيم الذي كان يوماً ما وحيداً وعدم استسلامه أمام عظمة العدو الظاهرية، هو توكّله على الله واتصاله به، فكان يرى نفسه ممدوداً بالقدرة

[1] تفسير الآيتين (1 و2) من سورة الملك بتاريخ: 9/11/1984

49

الإلهية. فمن المؤكد أنه عندما يتّصل الإنسان بالقدرة الإلهيّة الأزليّة، يصبح قوياً بحيث لا يمكن هزيمته. [1]

التقوى، زاد الآخرة الوحيد

إن التقوى هي الزّاد الوحيد الذي ينفع الإنسان في رحلة الموت الصعبة، والموحشة، والمحفوفة بالمخاطر. كما تعدّ التّقوى العامل الوحيد الذي يبشّر الإنسان بالنّجاح، والظفر في طريق الحياة المتعرّج المليء بالمطبّات والمنخفضات، والذي يتطلّب النضال، والجدّ والسعي. اجعلوا الالتزام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في قائمة أولوياتكم دائماً، وقدّموا مشيئة الله وحكمه على أهوائكم ورغباتكم، ومروا أنفسكم وقلوبكم بالخضوع لحكم الله ومشيئته، ونوّروا قلوبكم بذكر الذات الإلهية المقدسة. [2]

قبول الأعمال الحسنة مشروط بالتقوى

وعد القرآن المجاهدين الذين أصيبوا في الحرب بالأجر. وهل هناك تضحية أكبر من أن يذهب الإنسان إلى ساحات الجهاد، ويصاب فيها، كأعزائنا الجرحى المضحين، يقول القرآن: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ﴾[3]، ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَوْاْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾[4]. إنّ لهؤلاء أجراً وجزاءً عظيماً بشرط أن يتقوا الله ويحسنوا. وإلا فإذا جاهد أحدهم، وحصل على هذه المكانة المعنوية، ولكن -لا سمح الله- لم يحافظ

[1] خطبة صلاة الجمعة في 3 رمضان 1415 هجرية، الموافق لـ3/2/1995

[2]  خطبة صلاة الجمعة في طهران بتاريخ 1/1/1988

[3] سورة آل عمران، الآية 172

[4] سورة آل عمران، الآية 172

50

عليها، يكون قد خسر خسراناً مبيناً. وما هو الشيء الذي يحفظ لنا هذه المكانة؟ إنّه التقوى. [1]

التقوى، “أوكسيجين” الدين

لقد كنت أكرّر هذا الكلام للإخوة الذين يعيشون خارج البلاد. فأنتم -في إيران- تستنشقون هواء بيئة ثورية وإسلامية، وكل شيء موسوم بطابع ديني. وما يُذكر عن المظاهر المنافية للدين، وما هو موجود منها هو بحكم لا شيء ولا يمكن الأخذ به مقابل البيئة الدينية السائدة في كل البلد. لا تظنّوا أنني لست على علم بها -كالوضع الظاهري لبعض الناس في بعض المناطق- لكن هذه الأمور لا تعار أهمية مقابل الحركة العامة في البلد التي تعدّ تياراً دينياً، قرآنياً، وإسلامياً. نعم ليس بالأمر المهم، وإن كان له آثار سلبية (فتّاكة). فالبيئة، بيئة دينية. لكن، عندما تسافرون من هنا، يكون حالكم كرائد الفضاء الذي يبتعد عن الأرض ويصل إلى مكان ينعدم فيه الهواء، ورئتاه تحتاجان إليه، فينبغي عليه أن يأخذ معه حاجته من الهواء والأوكسيجين، وأن يحافظ على الاتصال بينه وبين الأرض التي يحتاجها. ستكونون أنتم كذلك. احذروا أن ينقصكم الهواء، أوكسيجين التّديّن، أوكسيجين التّقوى والورع، والإيمان، والتّوكل. عليكم أن تكونوا على تواصل دائم مع الجمهورية الإسلامية الإيرانيّة، وأن يكون هذا التواصل كافيًا لمدّكم بالسّمات المعنويّة التي ذكرتها، أي الإيمان، والتّدين والتّقوى. [2]

[1] في لقاء جمع من المنتسبين لمؤسسة شاهد، خريجي الاختصاصات الجامعية 29/12/1991

[2] في لقاء مسؤولي وزارة الخارجية وسفراء وقناصل الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الخارج 9/7/1991

51

التقوى منشأ الانتظام الفردي والجماعي ومن لوازمهما

إنّ دائرة النظم واسعة بطبيعة الحال، فهي تبدأ من الحياة الخاصة للإنسان من داخل غرفته التي يحيا ويعمل فيها -فيما إذا كانت تتميّز بالترتيب أم بعدمه- ومرورًا بالتصرفات الفردية في الوسط الوظيفي أو الدراسي، وانتهاءً بالوسط الاجتماعي وبُنية المجتمع؛ أي إنها بُنْيَة تنبع من نظم خاص تابع لفلسفة خاصة، وكل ذلك مُضمّن بعبارة “ونظم أمركم” التي صرَّح بها أمير المؤمنين في هذا المقطع من وصيته.

تحدّث الإمام (عليه السلام) عن التقوى قبل أن يشير (عليه السلام) للنظم، فجاءت التقوى في البداية “أوصيكما بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا وإن بغتكما”، لكنه أردف بعد سطرين قائلاً “أوصيكما وجميع ولدي بتقوى الله ونظم أمركم”[1] ، وهنا تكررت التقوى من جديد؛ ولعل في ذلك إشارة إلى أنّ النظم المنشود في الحياة الفردية ونظام الحياة العامة والاجتماعية للإنسان هو النظم المستمدّ من التقوى والممزوج والمتجانس معها. [2]

دور التقوى في كفاءة الأفراد واختيارهم

إن كل الأمور والمسائل التي نريد وضعها بعهدة شخصٍ ما، هي بمنزلة الرجوع إلى الطبيب، وينبغي على الإنسان أن يعهد بها إلى من يحسن أداءها، أو يُحتمل على الأقل أن يكون هذا الشخص أكثر خبرة من الباقين في هذا المجال. يجب أن يكون هذا الأمر

[1] نهج البلاغة، أول عبارة في وصية الإمام علي (عليه السلام) لولديه، الرسالة رقم 47

[2] خطبة صلاة الجمعة في طهران بتاريخ 22/11/2002

52

حاكماً. وهنا تظهر أهمية الاتصاف بـالتقوى، والرحمة، والابتعاد عن المظاهر، وكذلك تظهر أهمية الدافع في العمل، أي أن لا يكون الدافع شخصيًّا محضًا والهدف البحت منه جني المال. فعلى الناس أن يبحثوا عن الأشخاص الصالحين1[1]. وأن يبحثوا في المستويات المتقدّمة، عن الأشخاص المؤمنين المخلصين. بالطبع، فأنا لا أقصد بكلامي هذا، الجدال المعروف حول “الخبرة أو الأخلاق”*[2] ، كلا، فالكلام يدور حول الخبرة والكفاءة. نحن لا نقول اذهبوا إلى المسجد واختاروا (من بين الناس) أيّهم أكثر ورعاً! بل نقول، اختاروا من بين القادرين على القيام بالعمل من هو أتقى وأشدّ التزاماً وإخلاصاً، واجعلوه على رأس العمل، حتى يثق بكم الأفراد القريبون منكم والعاملون معكم، وتستطيعوا القيام بالأعمال (على أحسن وجه). 2[3]

محورية التقوى في القيام بالوظائف

إن الأمر الذي يعدّ ذا قيمة واقعية وحقيقية بالنسبة إلي وإليكم، هو إنجاز المهام والوظائف. إنّنا نطوي مسير هذه الحياة العابرة بأي شكل كان، لنصل إلى بوابة الدّخول إلى عالم آخر، فنحن لسنا خالدين هنا. إن لحظة الموت هي بداية المساءلة والمحاسبة. فمنذ اللحظة الأولى والأسئلة تنهال علينا بأن ماذا فعلتم، لم فعلتم؟ كيف فعلتم؟ وينبغي أن نملك إجابة عن هذه الأسئلة. هنا، تظهر أهميّة الإيمان والتقوى. إذ إنّ ملذات الحياة

[1] جلسة حوار مع مدراء ومحرري المنشورات الطلابية 23/2/1999

[2] * - أو: التخصص والالتزام. أو الخبرة والتديّن. (المحرّر)

[3] 2 - في لقاء رئيس الجمهورية وهيئة الوزارة بمناسبة أسبوع الحكومة بتاريخ 25/8/1991

53

مسألة معروضة على الجميع، إنها هفوات الإنسان على الصراط المستقيم، فعلى الإنسان توخّي الحذر. وليس الأمر كما نظن بأنّ ثمة أشخاصًا يفهمون معنى الملذات ويدركون قيمتها: لذة المال، لذة السلطة، والشهوة، ولذة الصداقة، والوجاهة، والاسم، وثمة أشخاص لا يفهمونها ولا يدركون قيمتها. إن هذه الملذّات معروضة على الجميع وهي أداة للاختبار. ونحن علينا أن نعبر مسيراً معيناً. مسيراً مرسوماً على أساس العقيدة والإيمان، وعلينا اجتيازه بسلام. إذًا ينبغي الاحتراز من أن تزلزلنا الهفوات، أو تنحّينا عن السبيل، فتغيّر وجهة سيرنا، فنصبح مجافين للحق في أعمالنا، بالرغم من أننا نؤيد الحقّ قلبياً وعاطفياً. [1]

التقوى خير رأسمال دنيوي وأخروي

أتساءل أحياناً في قرارة نفسي، ما هو الشيء الذي ينبغي على الشاب الذي يقضي أفضل أوقات عمره في البحث عنه، فيما لو أراد أن يحصل على رأسمال يضمن به النجاح في الدنيا والآخرة؟ إنه سؤال هام حقاً؛ أولاً، إنّ المطلوب هو النجاح في الدنيا والآخرة، و[على مستوى] الجسم والروح، والعقل والقلب. وثانياً؛ هذا السؤال لا يختصّ بفئة من الشباب دون أخرى.

والإجابة التي تخطر على ذهني أيضاً ليست مختصّة بفئة من الشباب دون أخرى، أي ليس الأمر بأن نقول ونفترض أن هذه الإجابة مختصّة بالشباب المتدين والملتزم جداً، كلا، فهذه الإجابة تصدق على الشباب ولو لم يكن على درجة عالية من التدين والعبادة. حتى إنها تصدق على الشاب الذي يعاني من

[1] في لقاء مسؤولي وزارة الخارجية وممثّلي البعثات الدبلوماسيّة في الخارج بتاريخ 15/8/2004

54

مشكلة في بعض عقائده.

والإجابة التي توصّلت إليها مختصرة في كلمة واحدة: التقوى! -والمراد من التقوى هو التعريف الموجود في التفاسير القرآنية والدينية- أي إذا سعى الشاب إلى أن يتقي الله يكون قد حصل على أكبر رأسمال للدرس، وللنشاطات البنّاءة، ولعزّته الدنيوية، وللحصول على الإنجازات المادية والمعنوية؛ إن كان من أهل المعنويات. إن التقوى رأسمال هام أيضاً لآفاق المعنويات[1]، تلك الرفيعة جداً والبراقة، والتي عادة ما يكون الأشخاص العاديّون من حيث التديّن بعيدين شيئاً ما عنها، الآفاق العرفانية والمعنوية التي يشير إليها العرفاء والكبار وأصحاب العشق المعنوي في كلماتهم. [2]

إعمال التقوى في مرحلة الشباب

إن مرحلة الشباب هي مرحلة القدرة والقوة. فكيف نوظّف هذه القدرة؟ برأيي يجب توظيفها بشكل رئيسي في: تحصيل العلوم، وإيجاد صفاء النفس وترسيخ التقوى فيها، وكذلك إيجاد قوة بدنيّة، أي القيام بالتمرينات الرياضية. إن هذه الأمور الثلاثة هي أمور أساسية. أي إذا طُلب مني أن أنصح الشباب في جملة قصيرة بما ينبغي عليهم القيام به، أجيب: الدراسة [تحصيل العلم]، التهذيب [تهذيب النفس]، الرياضة [الرياضة البدنيّة]. أظن أنه ينبغي على الشباب السعي لتحصيل هذه الخصال الثلاث. [3]

إن ما نتوقعه من شباب اليوم، هو نفس ما كنا نتوقعه منهم في

[1] أي لذلك المستوى العالي المشع من المعنويات. (المحرر)

[2] في لقاء الاتحادات والتنظيمات الطلابية المختلفة في جامعة طهران بتاريخ 14/1/1999

[3] في جلسة حوارية مع الشباب بمناسبة أسبوع الشباب بتاريخ 27/4/1998

55

بدايات الثورة، بل وحتى قبلها. نحن نطلب من الشباب أن يتّصفوا بالعفة، والنزاهة، والطهارة، والتقوى، والتدين، وبالإبداع، والابتكار في آن واحد. وأن يعملوا ويبتعدوا عن الكسل والبطالة. وكذلك أن يجعلوا التقوى شعاراً لهم، ويسعوا في تحقيقها فعلاً. [1]

ضرورة تدعيم أسس التقوى في النفس

فيما يخصّ مسائل السياسة الخارجية، هناك من المسائل ما يمكن حلّه بالمفاوضة والبحث والاستدلال والحوار، بغضّ النظر إذا كانت مسائل كليّة، أو مصاديق، ومواضيع جزئية في السياسة الخارجية. لكن منها ما لا يمكن حلّه إذا لم نعزم نحن ونقرر. نصيحتي الهامة لكم في هذا المجال هي: لن نتمكن من تحقيق ما نريده مهما كانت سياساتنا أو الأفكار التي نؤمن بها إذا لم نكن أقوياء في قرارة أنفسنا، وإذا لم ندعم أسس التقوى في قلوبنا وأنفسنا، وتبعاً لذلك، إذا لم نكن ثابتي القدم أقوياء في أعمالنا. فأحياناً يؤدي الانحراف الداخلي إلى تغيير نظرتنا إلى المسائل، ويبدّل إيماننا وعقيدتنا. على كل حال فإن التخلي عن التقوى يسري إلى العقائد، وهذا مضمون آيات متعددة من القرآن الكريم. فقد حذر (الله تعالى) في القرآن الكريم طلاب الدنيا والملذات والشهوات والأهواء النفسانية -من أي نوع كانت- بأن يحترزوا، لأن هذه الحالة توجد فجوةً في قلوبكم، وفي أفكاركم، وأذهانكم وإيمانكم، فينبغي اللجوء إلى الله وطلب العون منه. [2]

[1] في ثاني أيام عشرة الفجر (يوم الثورة الإسلامية والشباب) بتاريخ 2/2/1999

[2] في لقاء مسؤولي وزارة الخارجية ومسؤولي البعثات الديبلوماسيّة للجمهورية الإسلامية الإيرانية في الخارج بتاريخ 15/8/2004

56

ب- المكانة القيميّة للتقوى على الصعيد الاجتماعي

التقوى: أهم أساس للحكومة الإسلامية

الشعب في الإسلام أحد أركان المشروعية، وهو لا يمثّل كل الشرعية. يقوم النظام السياسي في الإسلام على أساسٍ وركنٍ آخر إضافة إلى رأي وإرادة الناس، ألا وهو التقوى والعدالة. فإذا لم يتّصف من تم اختياره للحكومة بالتقوى والعدالة، ستكون هذه الحكومة من الوجهة الإسلامية، حكومة غير شرعية، ولو اجتمع رأي جميع الناس عليها. عندما دُعي الإمام الحسين(عليه السلام) إلى الكوفة برسالةٍ تعدّ من الوثائق التاريخية الباقية في الإسلام، كتبوا فيها: “ولعمري ما الإمام إلا الحاكم بالقسط”1[1]. فلا يعد الحاكم حاكماً في المجتمع الإسلامي إلا إذا كان قاسطاً، يحكم بالعدل والقسط. فإن لم يحكم بالعدل يكن حكمه غير شرعي، ولا فرق فيمن اختاره وعيّنه. 2[2] فليس الأساس في شرعية الحكومة رأي الناس فقط، إن الأساس هو التقوى والعدالة. كما إنّ هذه التقوى والعدالة ليست عمليّة ومجدية من دون رأي وقبول الناس. [3]3

مكانة التقوى في رسم النظام الإسلامي

إن المسير الذي بدأ في 19 دي4[4] من خلال أهالي قم وشبابهم، هو مسيرٌ محفوفٌ بالمخاطر، لكنه كان يحمل في نهاية المطاف

[1] 1 - مناقب أبي طالب (عليه السلام)، ج4، ص90

[2] 2 - في لقاء أستاذة وطلاب جامعة قزوين بتاريخ 17/12/2003

[3] 3 - المصدر السابق

[4] 4 - الموافق لـ9/1/1978 انتفاضة أهل قم ضدّ حكومة الشاه الطاغوتيّة.(المحرر)

57

هدفاً، ألا وهو تأسيس الحكومة الإسلامية؛ حكومة تقوم على أساس التقوى والعدالة ببركة الأحكام والشريعة الإلهية. ولقد كان هدف جميع الأنبياء (عليه السلام) هو تأسيس دنيا كهذه، دنيا تعمّ فيها التقوى والعدل.[1]

دور التقوى في إصلاح المجتمع

عندما نؤكد على قضية [مواجهة] الفساد والفحشاء و[ضرورة] الجهاد والنهي عن المنكر وأمثال هذه الأمور، فإنّ أحد أسبابها الرئيسة هو دورها*[2] في تخدير المجتمع، فالمدينة المنوّرة التي كانت القاعدة الأولى لتأسيس الحكومة الإسلاميّة تحولت بعد فترة قصيرة إلى مركز لأفضل الموسيقيّين والمغنّين وأشهر الراقصات، بحيث عندما كان يراد دعوة أفضل المغنّين إلى بلاط الشام، كانوا يرسلون إلى المدينة للحصول على المغنّين والعازفين. وهذه الجرأة لم تحدث بعد مئة أو مئتي عام، إنّما في الفترة المتصلة بزمن استشهاد [الإمام الحسين] بضعة فاطمة الزهراء(عليها السلام) وقرّة عين الرسول (صلى الله عليه وآله)، بل حتى قبل ذلك، أي في زمن معاوية، ولهذا أصبحت المدينة مركزًا للفساد والفحشاء، ووقع أبناء الشخصيات والأعيان، حتى بعض شباب بني هاشم في الفساد والفحشاء أيضًا، وقد أدرك رجال الحكومة الفاسدة أنّ الترويج لهذا الأمر هو ما يجب عليهم فعله، وهذه البليّة لم تنفرد بها المدينة فقط، بل وقعت في مناطق أخرى.

[1] في لقاء حشود شعبيّة بمناسبة الذكرى السنوية لانتفاضة أهل قم (19 دي) الموافق لـ9/1/2002

[2] * - أي المنكرات والفساد.

58

ومن هنا تظهر أهمية التمسّك بالدين والتقوى والمعنوية والورع والعفّة، ولأجل ذلك كنّا نكرّر ونكرّر لصفوة شباب هذا العصر -وهم أنتم- توصياتنا وتأكيداتنا بالحذر من تيار الفساد. [1]

دور التقوى في ممانعة جبهة الحق وتقدّمها

لا تتحقّق حركة هذا النظام ولا يتألّق إلا ببركة التقوى. وهذه خصوصية النظام الإلهي فنظام الحق لا يتقدم إلا بالتقوى، أما نظام الباطل -المقابل لنظام الحق- فله شأن آخر. وهناك ثمة أصول وقواعد يجب الالتزام بها أيضًا حتى يمكن التقدم، أما التقوى التي هي بمعنى الطهارة والنقاء والورع ورعاية كل القيم؛ هي المطلوبة في مجتمع إسلامي عقائدي وقيمي ملتزم. وهي غير مطلوبة في جبهة الباطل، فهؤلاء لمّا كانوا غير ملتزمين، فلا يتورّعون عن الأساليب الباطلة، ولا تهمّهم النتائج القبيحة. فهم يقتحمون ويتحركون ويفقدون شيئًا ويكسبون آخر. أما جبهة الحق فليست كذلك، إذ لا يمكنها الوقوف بوجه الباطل والتقدم إلا عندما تكون مع الله، ومتحلّية بالتقوى والطهارة ولا غير. [2]

يا شعب إيران! إن الأنظار اليوم مصوّبة باتجاهكم. لقد بدأت الشعوب اليوم تحركاتها العظيمة بذكر تحركاتكم وإنها تقتدي بإيمانكم. فإذا أردتم أن تكمل الشعوب هذا الطريق الذي هو طريق الله والإسلام، عليكم أن تكملوا الطريق بقوة وخطىً ثابتة،

[1] في لقائه حشدًا من قيادات ومسؤولي وعناصر الحرس الثوري الإسلامي وقوات الأمن وجمع من جرحى الثورة الإسلامية بمناسبة يوم الحرس الموافق 26/12/1995

[2] في لقاء المسؤولين والعاملين في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتاريخ 14/8/1991

59

ومن هنا تظهر أهمية التمسّك بالدين والتقوى والمعنوية والورع والعفّة، ولأجل ذلك كنّا نكرّر ونكرّر لصفوة شباب هذا العصر -وهم أنتم- توصياتنا وتأكيداتنا بالحذر من تيار الفساد. [1]

دور التقوى في ممانعة جبهة الحق وتقدّمها

لا تتحقّق حركة هذا النظام ولا يتألّق إلا ببركة التقوى. وهذه خصوصية النظام الإلهي فنظام الحق لا يتقدم إلا بالتقوى، أما نظام الباطل -المقابل لنظام الحق- فله شأن آخر. وهناك ثمة أصول وقواعد يجب الالتزام بها أيضًا حتى يمكن التقدم، أما التقوى التي هي بمعنى الطهارة والنقاء والورع ورعاية كل القيم؛ هي المطلوبة في مجتمع إسلامي عقائدي وقيمي ملتزم. وهي غير مطلوبة في جبهة الباطل، فهؤلاء لمّا كانوا غير ملتزمين، فلا يتورّعون عن الأساليب الباطلة، ولا تهمّهم النتائج القبيحة. فهم يقتحمون ويتحركون ويفقدون شيئًا ويكسبون آخر. أما جبهة الحق فليست كذلك، إذ لا يمكنها الوقوف بوجه الباطل والتقدم إلا عندما تكون مع الله، ومتحلّية بالتقوى والطهارة ولا غير. [2]

يا شعب إيران! إن الأنظار اليوم مصوّبة باتجاهكم. لقد بدأت الشعوب اليوم تحركاتها العظيمة بذكر تحركاتكم وإنها تقتدي بإيمانكم. فإذا أردتم أن تكمل الشعوب هذا الطريق الذي هو طريق الله والإسلام، عليكم أن تكملوا الطريق بقوة وخطىً ثابتة،

[1] في لقائه حشدًا من قيادات ومسؤولي وعناصر الحرس الثوري الإسلامي وقوات الأمن وجمع من جرحى الثورة الإسلامية بمناسبة يوم الحرس الموافق 26/12/1995

[2] في لقاء المسؤولين والعاملين في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتاريخ 14/8/1991

60

الأهميّة طبعًا- هي أقل من أن نعطيها ذلك الاهتمام الكبير. فكلما ازداد التآلف والاتحاد من كلّ الجهات كان ذلك أجمل وأزهى، وكان أشدّ إيلامًا للعدو وأعظم أملًا للصديق. [1]

دور التقوى في هداية المجتمع الإنساني

تستطيع الأمة الإسلامية إذا ما تمسّكت بالإسلام أن تنقذ العالم الغارق في الشهوات والعنف والجاهلية والأنانية وعبادة النفس. إن روح كافّة المعارف والتعاليم الإسلامية [تفيد] أن زمام حركة البشر وأفعالهم لا يُعطى إلى الشهوة والغضب، والانسان والمجتمع البشري لا تقوده الأنانيات. إنما العقل والتقوى هما الهاديان والمسيّران. انظروا إلى عذابات البشر. ما سبب الفقر والحرمان، والتمييز العنصري، والفساد، والجهل، والعصبيّات التي لا أساس لها؟ من أين ظهر القتل، والحروب، والمظلومية، والظلم، والقسوة في المجتمع البشري؟! فأيّما جماعة من الناس تسلّطت على بقعة من بقاع الأرض وكانوا أسرى أنفسهم وأرخوا لها القياد، وسيرتهم الشهوة والغضب والأنانية، وحب الجاه، والمقام، وجمع المال، جرّوا الناس نحو الفقر والحرب والجهل والتمييز العنصري والفتنة والفساد. إن الإسلام يسعى لعلاج هذه الأمراض. الإسلام يقول لا تسلّموا زمام الإرادة والعزم والاختيار، التي تعد من أكبر النعم التي وهبها الله للناس، للجهل والشقاء وحب الدنيا، والأنانية وعبادة الأنا، بل سلّموها للعقل والتقوى. [2]

[1] في لقاء جمع من علماء أئمة الجمعة والجماعات، ومسؤولي ومديري النظام بمناسبة أسبوع الوحدة الإسلاميّة وميلاد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) والإمام الصادق (عليه السلام) بتاريخ 18/10/1989

[2] في لقاء مع الشعب بتاريخ 14/4/2004

61

مشكلة المجتمعات، انعدام المتّقين من المديرين والحكام

تبلورت مشكلة المجتمعات البشرية في أهم الفترات، في هذه المسألة؛ فكانت المجتمعات تسير نحو التقدم عندما اتصف حكّامها بالحنكة والتدبير والتقوى والشجاعة. وظهرت المشاكل عندما استلم زمام الحكم مديرون وحكام لم يعرفوا للتقوى والعفة معنًى، ولم يكن ضمن مفرداتهم تقديم مصالح الناس على مصالحهم، وغاب خوف الله من وجدانهم -وكانوا ضعاف النفوس، تكبّلهم مصالحهم وشهواتهم- وحلّت بها المشاكل المادية والأخلاقية والمعنوية، وهذا هو سبب خضوع ورضوخ المجتمعات الإسلامية في بعض الفترات التاريخية تحت القوى الظالمة والغاشمة، فحينما بدأ الزحف الاستعماري الغربي على البلدان الإسلامية، لو كان الحكام المسلمون يتمتعون بالدين والعفّة والغيرة والشجاعة، لما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، ولو أنهم لم يكونوا عبيدًا لشهواتهم، ولم يكن همّهم بقاءهم في الحكم أيامًا معدودات، لكان الأمر مختلفًا.

إن ضعف المسلمين والمجتمعات الإسلامية كان في الأغلب ناشئًا من ضعف ساستهم وحكّامهم، وطبعًا هناك تأثير متبادل. [1]

تحصيل التقوى، أهم من تحصيل العلوم

هذه الآية الشريفة التي تُليت، ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾[2] ، قد جعلت الخشية من خصائص العلماء. حسنًا،

[1] في لقاء مع أهالي منطقة باكدشت في ذكرى عيد الغدير 29/1/2005

[2] سورة فاطر، جزء من الآية 28.

62

للعلماء خصائص عديدة، لكن الاختيار وقع على الخشية. فبعد ذكر الآيات الإلهية في الجبل والوادي والصحراء والبستان والهضاب الموجودة في الآيات يقول: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾[1]. إنّ من خاصّية العلم أنّه يشمل الإنسان بهذه النعمة الكبرى، فإنّ الخشية الإلهية تظلّل قلب الإنسان، ويجب علينا أن نحصل عليها. أنتم الشباب يمكنكم أن تقوموا بهذا العمل بيسرٍ أكثر منّي. وعندما يتقدّم العمر بكم مثلي، فإنّ الذي يكون قد قام بهذا العمل في أيّام شبابه سينفعه ذلك، وإلا سيكون عمله صعبًا.

أوجدوا خشية الله في قلوبكم، قوموا اليوم، بتهيئة (مقدمات) الخشوع لله، وفتح أبواب التضرع إلى الله، ابدأوا بالنوافل التي تقربكم من الله، إن هذه الأمور تعود بالنفع عليكم. الأعمار ستنتهي، ويصل البعض إلى الشيخوخة، والبعض الآخر لا يصل. واعلموا أنتم أيضاً، بأن الفاصل الزمني بين عمر العشرين أو الثلاثين أو السبعين قصير، يمر مرّ السحاب، يظن الإنسان عندما يكون في عمر العشرين أو الثلاثين، بأن عمر السبعين بعيد؟ كلا، سيمر مر السحاب، وبعد ذلك المغادرة. فإن كان ولا بد أن نستعدّ في هذه المدة القصيرة وهذه الفرصة القليلة، ونعدّ زاداً أو نقوم بعمل ما أو نغتنم فرصة ما، يجب العمل على ذلك في سن الشباب. أرى أن توصية الطلاب بالخشوع والذكر والتقوى والسعي للتقرب من الله أهم وأوجب من الوصية بالعلم، بالرغم من أن أساس عملهم هو العلم. حيث إنّه لا فائدة من العلم من دون التقوى، وأحياناً يكون [العلم] مضراً. فهناك من العلماء، علماء دين وغير دين، لم يستفيدوا من علمهم ولم يعودوا

[1]  الآية نفسها.

63

بالفائدة به على أحد، لا بل كان وبالاً ووزراً عليهم. لا بدّ إذاً من وجود هذه الروح المعنوية في قلب العلم والعالم. [1]

التقوى، أهم الحاجات في كافة المراحل

تعدّ التقوى من أهم الحاجات في جميع مراحل حياة مجتمع  أو فردٍ ما، وهي أساسية وضرورية في كافة الفترات، سواء كانت فترة نضال وانتصار، أو عند الجهاد، أو البناء أو في مختلف مراحل المجتمع المتدين والأمة المسلمة. اليوم، وبعد مرور 12 سنة من الانتصار[2]، يوجد بين أيدينا تجارب قيّمة، ولقد اكتشفنا القسم الأعظم من الطريق، ورسمنا الأهداف في قالب محدد ومعين، وها نحن نسير باتجاهها. ولربما، يمكننا أن نقول، بأن أكثر ما نحتاجه هو التقوى. [3]

المجتمع المتقي وجهاد النفس

ترفع الجمهوريّة الإسلاميّة اليوم راية الإسلام؛ راية البعثة، أي راية هذه القيم الكامنة في البعثة، والتي يجب السعي لتحصيلها. الإسلام لا يعني الاكتفاء بالاسم فقط، بل يجب الترويج للتوحيد بمعناه الحقيقي، والتسليم لله، ويجب أن يكون النظام الاجتماعي نظامًا عادلاً؛ وبناء نظام أخلاقي للمجتمع يعتمد على الإنسانيّة ومرتكزاً على الفضائل والمحبة، وعدم التسليم والعبوديّة لغير الله، وعدم التبعية والانهزام خصوصًا أمام أعدى أعداء الإنسان

[1] في جمع من علماء دين الشيعة والسنة في كرمانشاه بتاريخ 12/10/2011

[2] انتصار الثورة الإسلاميّة عام 1979م وكلمته في العام 1991م.

[3] في خطبة صلاة الجمعة في طهران بتاريخ 8/2/1991

64

أي “نفسك الّتي بين جنبيك”[1] ، والدعوة لمقارعة الأصنام، ومنها أقوى وأعتى الأصنام، أي صنم النفس.

وليس المقصود أن يتبدّل النّاس فجأة إلى ملائكة، بل أن يتبدّلوا فجأة إلى أناس يجهدون ويجاهدون في هذا الطريق، ونفس هذه المجاهدة هي التقوى، فأي فرد وأيّ مجتمع يجهد في هذا الطريق فهو [فرد ومجتمع] متّق. [2]

تقدّم النظام مرهون بمراعاة التقوى

إن هذه الجبهة لن تتقدم إلا بالتقوى، ولن يتقدم هذا النظام (ولن يحقق أهدافه) إلا بمراعاة التقوى، والطهارة، والمحاسبة الدقيقة والصحيحة، ومحاسبة كلّ منا لنفسه “حاسبوا أنفسكم”[3]. مخطئ من يظن أنّ بإمكاننا القيام بالأعمال نفسها التي تقوم بها سائر الحكومات والحكام في العالم. فلدينا أصول وطرق ومناهج خاصة بنا، وهذه الأصول والمناهج مختصة بالإسلام. يجب أن تهيمن هذه الأصول على الدنيا، لا أن تُفرض علينا الأصول الخاطئة لعالم الجاهلية والاستكبار. [4]

[1] أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك (نهج الفصاحة، ص66، حديث33)

[2] في لقاء المسؤولين والعاملين في النظام في ذكرى المبعث النبوي بتاريخ 31/12/1994

[3] بحار الأنوار،ج67، ص 265.

[4] في لقاء المسؤولين والعاملين في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بتاريخ 14/8/1991

65

إيجاد الحياة الطيبة الإسلامية، رهن برعاية التقوى

قال أمير المؤمنين (عليه السلام): “ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورعٍ واجتهاد وعفّةٍ وسداد”[1] بعد أن بيّن أسلوب حياته -حيث كان في ذلك المقام السامي، ومع كلّ تلك الإمكانات يعيش حياة زهد- قال: لن تقدروا أن تعيشوا مثلي، لكن يمكنكم أن تعينوني عليه، كيف ذلك؟ “بورع”؛ بورعكم، باجتناب المعاصي، بالاجتهاد والسعي والجهد. هذا واجبي وواجبكم. لقد وضعوا لنا الأهداف، ورسموا الأهداف الفرديّة والشخصيّة، وأيضًا الأهداف الاجتماعيّة والسياسيّة والعامّة. في مجال الأهداف الشخصيّة، فإنّ الوصول إلى أوج مقام الكرامة الإنسانيّة يبقى هدفنا الأسمى. وقد قُدّمت الكثير من الوعود، كي نتمكّن من التحليق عاليًا والذهاب إلى أبعد الحدود في هذا الأمر. قدراتكم أنتم الشباب أكبر بكثير من قدراتنا؛ هذا بالنسبة إلى الأهداف الشخصيّة.

إنّ الأهداف الاجتماعيّة الكبيرة، وإيجاد حياة طيبة إسلاميّة، ومجتمع إسلامي، مجتمع يهيّئ لأفراده الفرصة [المقدّمات] للوصول إلى تلك الأهداف: مجتمع عامر، مجتمع حرّ، مستقلّ، مجتمع يتمتّع بالأخلاق السامية، مجتمع متّحد مترابط، مجتمع تقي زاهد، هذه هي أهداف المجتمع الإسلامي: [إيجاد] الدنيا التي هي دار عبور للآخرة، الدنيا التي لا بدّ أن ترسل الإنسان إلى الجنّة؛ إيجاد هذه الدنيا هو من الأهداف الاجتماعيّة والسياسيّة الكبرى والمهمّة للإسلام؛ لقد رسموا خطوطها أمامنا. كيف السبيل إليها؟ وكيف نُحقّق أهدافها؟ كما قال (عليه السلام): “أعينوني”، القول لأمير المؤمنين(عليه السلام): ساعدوني؛ يعني أنّ كلّ ما سعى وجهد

[1] نهج البلاغة، الرسالة رقم 45.

66

إليه أمير المؤمنين في حياته، قد أنفقه في سبيل هذا الهدف، وهو الوصول إلى دنيا بشريّة كهذه على مرّ التاريخ. ساعدوني (أعينوني) على تحقيق هذا الهدف. كيف؟ “بالورع” و”الاجتهاد”، بالسعي والجدّ، فالكسل ممنوع، البطالة ممنوعة، التعب ممنوع واليأس أيضًا ممنوع. عندما تتحقّق هذه الحركة العظيمة، تكونون قد أسعدتم قلب السيدة فاطمة الزهراء (عليه السلام) المبارك وقلب أمير المؤمنين؛ لأنّهما سعيا كلّ هذا السعي، وجاهدا كلّ هذا الجهاد، في سبيل تحقّق ذلك الهدف. [1]

ضرورة تكرار الوصيّة بالتقوى

في هذه الجلسة الطيبة للغاية، إذا أردت أن أنظر إلى أموركم ومسائلكم من منطلق أبوي، وأن ألخّص كلامي في جملة واحدة، فلن تكون نصيحتي لكم سوى النصح بالتحلّي بالتقوى. من الممكن أن يخطر على أذهانكم، بأن هذا ليس بكلام جديد، فقد كررته وقلته مراراً. أولاً، يوجد كثير من الكلام المكرّر -ولو لألف مرة- هو أكثر جاذبية وأعمق معنًى من الكلام الجديد الذي لم تسمعوا به مسبقاً. فليس صحيحاً أن كل كلام مكرر لا فائدة من ذكره مجدّدًا، أو أنّ ما لم يُتحدث به هو جدير بالحديث به ويجب ذكره. لقد أمر القرآن الكريم بالتقوى مراراً، فكان يمكنه أن يذكر ذلك مرة واحدة، فيقول: “اتقوا الله” لكنه لم يكتفِ بذلك.

نجد أن أمير المؤمنين في نهج البلاغة -والذي تعدّ شخصيته اليوم الراسمة لتطّلعات كل إنسان طاهر، طالبٍ للحقيقة والسمو والرفعة. ولن نتحدث الآن عن شخصية أمير المؤمنين- أكثر ما

[1] في لقاء جمع من مدّاحي أهل البيت (عليهم السلام) في ذكرى ولادة السيدة فاطمة(عليها السلام) بتاريخ 20/4/2014

67

يأمر به مخاطبيه هو التقوى، كان بإمكانه أن يتكلم مرة عن التقوى بشكل مفصل، وينتهي الأمر. ونحن مأمورون أيضاً بأن نأمر الناس في كل خطبة من خطب الجمعة بالتقوى، “فالموضوع هام حتى طال الحديث فيه”[1]، وهذا الأمر بحد ذاته مبعث للتأمل، فلماذا أعطيت التقوى كل هذه الأهمية. أوصيكم هذه الليلة بالتقوى وأقول: يا أعزائي، يا أبنائي، تحلّوا بالتقوى، وحصّلوها.

إنّ التقوى هي السّمة المطلوبة لكافة الناس، ولكل أطياف المجتمع، وفي كافة الفعاليات والنشاطات. فإن الفائدة ستعود في الدرجة الأولى على من يمكنه تحصيلها والحفاظ عليها. لذلك فإن مصداق الأمر بالتقوى في كافة الأزمان هو واحد. وإنّ “كبرى التقوى” (المقدمة الكليّة) دائماً هي واحدة، وتحمل مفهوماً واحداً، إلا أنها تتعدّى وتحمل عشرات المعاني من حيث الموارد والجزئيات التي يجب على الإنسان مراعاة التقوى فيها. ولذلك يبقى الأمر والنصح بالتقوى أمرًا ضروريًّا ولازمًا. [2]

حاجة الناس للموعظة بالتقوى

لا تنسوا زاد التقوى، وتواصوا بالتقوى. ليوصِ الآباء والأمهات في البيت أبناءهم بالتقوى، وكذلك الأبناء والديهم، وإخوتهم، وإخوانهم. وفي بيئة العمل، فليوص الزملاء بعضهم البعض، ولتتواصوا بهدف النصح بالتقوى في المجتمع أيضاً. ولا تسمحوا -معاذ الله- أن تتجذر مخالفة التقوى في أنفسنا أو تنتشر في مجتمعنا. [3]

[1] ترجمة لشعر فارسي للشاعر علاء الدولة السمناني

[2] في لقاء جمع من الطلاب بتاريخ 7/12/2000

[3] خطبة صلاة الجمعة في طهران بتاريخ 30/10/1998

68

عندما نوصي بالتقوى فليس معنى ذلك عدم وجود التقوى. كلا، بل هي وصية بالحفاظ على هذا المكسب المعنوي إن كان فينا، وتكميله إن كان ناقصًا، وتوفيره إن كان مفقودًا، وهذا هو معنى الوصية بالتقوى.

ليس صحيحاً أن الذي يوصي بالتقوى -وأنا الذي أوصي بالتقوى في هذا المجلس وصلوات الجمعة والمحاضرات والكلمات الوعظية- أقل حاجة للتقوى من الموصَى بها. بل الموعظة والقول والوصية ضرورية، فقد يكون المُوصِي نفسه أكثر حاجةً لهذه الوصية؛ لذلك فقد جاء ذكر التواصي في الشريعة الإسلامية المقدسة، فحريّ بالجميع إيصاء بعضهم البعض. أن نتواصى بالحق والصبر والحفاظ على صراط الله المستقيم، وأن لا ننحرف عن هذا الصراط. [1]

[1] في لقاء المسؤولين والعاملين في النظام بتاريخ 2/11/2003

69

الفصل الثالث: التقوى؛ آثارها ومضار عدمها

أ- الآثار والفوائد الأخروية:
فوز المتقين في الامتحانات الإلهية

يستطيع الإنسان المتّقي صيانة نفسه من منزلقات ومطبّات الحياة، بينما يعجز غير المتّقي. فإذا تمكن الإنسان من إيجاد روح التقوى بداخله والتي هي عبارة عن المراقبة الدائمة لنفسه والالتفات المستمر لأعماله وحتّى أفكاره وفعله وتركه، فإنه سيحصّل الفوز في الامتحانات الإلهية. فمعنى التقوى عدم الغفلة عن مراقبة النفس والبدن من خلال التنبه وصيانة النفس[1].

إنّ عقبة (دوامة) الاختبار صعبة للغاية، فالناس الذين تحملوا الشدائد إلى جانب نوح (عليه السلام)، قد وصلوا إلى مرحلة الراحة والسلام ﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ﴾.[2] انتهت مرحلة جريان السفينة في موج البحر حيث انصبّ طوفان الغضب الإلهي.

بدأ أصحاب نوح حياتهم الإسلامية والإلهية في عالمٍ سالم خالٍ من المستكبرين والمترفين. يقول القرآن الكريم: ﴿قِيلَ يَا

[1] خطبة صلاة الجمعة في جامعة طهران، 18/2/1994.

[2] سورة هود جزء من الآية 48.

71

نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ﴾.

إذًا من يستطيع أن يخرج مرفوع الرأس من هذا الاختبار الإلهي هم الناس المتّقون كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): “من فارق التقوى أُغرِي باللذات والشهوات ووقع في تيه السيّئات ولزمه كثير التبعات”[1]. [2]

تأثير التقوى في الاهتمام بالحقائق الأخروية

إنّ ثمرة العمل الملائكي[3] (الحسن) في الدنيا، إيجاد الهوية الملائكية للإنسان في الآخرة. فالصلاة التي تؤدونها، تكون في الآخرة سلّم معراجكم وقربكم من الساحة المقدسة وسبب وصالكم. فالإنسان لا بدّ وأن يلتفت إلى هذه الأمور. ويتحقق هذا الاهتمام من خلال المراقبة. لذلك إذا لاحظتم الآيات الأخيرة من سورة الحشر ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَد﴾[4] ، لوجدتم تعبير الآية السابقة نفسه، التي وردت في سورة النبأ.[5] ففي آية سورة الحشر يقول: تمسكوا بالتقوى وانظروا إلى ما تبعثون إليه؛ أي اجعلوا من دنياكم محلًّا لتشكيل عناصر هويتكم الأخروية والواقعية والخالدة. فكل عمل نؤديه هو هكذا. فلعملنا الدنيوي هوية حقيقية تبرز نفسها في الآخرة -أي في الحياة الأبدية اللامتناهية وفي حياتنا الحقيقية- التفتوا إلى هذا. [6]

[1] غرر الحكم حديث رقم 3625.

[2] خطبة صلاة الجمعة في جامعة طهران، 18/2/1994.

[3] المقصود العمل المتسم بالطهارة والاخلاص..

[4] سورة الحشر، جزء من الآية 18.

[5] ﴿يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا﴾ سورة النبأ، الآية40.

[6] في لقاء وزير الخارجية والسفراء والقائمين بالأعمال، 18/7/2003.

72

السموّ المعنوي باجتناب المعاصي ومراعاة التقوى

العمل الأهم للسمو المعنوي والروحي هو اجتناب الذنب، فهو أهم الأعمال. اسعوا لاجتناب المعاصي على اختلافها، حيث توجد ذنوب مختصّة باللسان وذنوب مختصة بالعين وذنوب مختصة باليد، ولها أنواع مختلفة. تعرّفوا إلى الذنوب وراقبوا أنفسكم، فإن التقوى تعني المراقبة. إنكم حينما تسيرون في مسير خطير، وتراقبون أنفسكم بدقة، هذه هي التقوى. راقبوا أنفسكم وتجنّبوا الذنوب، وهذا أهم سبل التسامي المعنوي. [1]

عدم ضياع أجر المتقين

ما أشعر به أنّ الوعد الإلهي لنا ما زال صادقاً ومحققاً على امتداد تجربتنا الشخصية والقصيرة المدى؛ ﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾[2]. فحيثما تمسكنا بالتقوى وصبرنا وأظهرنا الثبات فإنّ الله تعالى لا يضيّع أجرنا، لكننا متى أبدينا انهزاماً تلقينا صفعة ووقع الاضطراب، وهكذا الحال الآن. [3]

﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾[4]؛ فكل من يتقِ ويصبر -الصبر يعني ثبات الخطى على الموضع الصحيح، أي الاستقامة- “فإن الله لا يضيع أجر المحسنين”.

[1] في لقاء جمع من طلاب الجامعات في الرابع والعشرين من شهر رمضان المبارك، في حسينية الإمام الخميني (قده)، 23/6/2015.

[2] سورة يوسف، جزء من الآية 90.

[3] في لقاء مسؤولي نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، 6/7/2003.

[4] سورة يوسف، جزء من الآية90.

73

كذلك في دعاء الإمام السجاد نقول: “يا ضامن جزاء المحسنين، ويا مستصلح عمل المفسدين”[1].  [2]

الهداية القرآنية؛ تختص بالمتقين

اليوم حيث تشاهدون هذا الظلام العالمي، فأي خراب ودمار أوجدته اليوم القوى المادية لأصحاب النزعة المادية في العالم؟ هؤلاء يعربدون، يصرخون، يقررون، وينفذون. الناس عرضة بشكل كبير للتيه والانحراف بين هذه السبل، يجب الانتباه. إلى أي مدى اليوم تقرّ قلوب الناس في العالم بمشروعية طرق الاستكبار! كذلك هذا الترويج للأفكار الغربيّة العامة، وهذا السعي الحثيث لإشاعة وتثبيت الرأي العام الغربي في قبال أحد المفاهيم وإحدى الحقائق، لأجل ماذا؟ لأجل هذا الأمر؛ أي اجتذاب إيمان الناس، وللأسف يستطيعون ويجتذبون اعتقاد الكثيرين. فيصبح تقبل الضلال والانحراف نفسه طريقاً للحقيقة وطريقاً للحياة. (نعم) إذا غفل الناس لحظةً سيرون أنهم ضلّوا. ولهذا تعدّ التقوى لازمة وضرورية في هذا الطريق. فإذا تحلّى شخص بالتقوى، فسيهديه القرآن، أما إذا لم يتحلَّ بهذا النوع من التقوى، وخطا مطبق العينين، من دون التفات، يتحرك ثملاً، فهل يمكن للقرآن أن يهديه؟ أبداً، لا يمكن لأي خطاب حق أن يأخذ بيد أمثال هؤلاء نحو الهداية. إنّ الإنسان الذي لا ينصت قلبه لشيء، لا يؤمن بأي حقيقة، ويتحرّك خاضعاً لشهواته أو شهوات غيره -البعض يخضع

[1] الصحيفة السجادية، الدعاء الأربعون.

[2] 14/1/1999.

74

لشهوات الآخرين- ثملاً مسروراً، [صحيح] أنّ للقرآن نداءً لكنه لا يصل إلى أسماع أمثال هؤلاء. في أحد المواضع يتحدّث القرآن مشيراً إلى أمثال هؤلاء الناس قائلاً: ﴿أُؤلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾[1]، فأنتم أحياناً تسمعون موسيقى قادمة من بعيد، شخص يؤدي إنشاداً رقيقاً ولطيفاً مع نغمة عذبة، لكن من مسافة بعيدة افترضوها كيلومتراً؛ فصوته يصل المسامع، الصوت موجود، لكن من دون تمييز لما يقوله؛ فقط الصوت مسموع من دون اللفظ؛ كذلك من خلال هذا الصوت القادم لا يمكن إدراك الجماليات الموجدة له؛ إلا أنّه صوت وحسب. مثلما ترون من بعيد أحد الخطوط المرسومة على جدار، فيبدو خطاً واحداً، لكن حينما تقتربون ترونه مضرساً ومسنناً؛ فالجماليات المنتجة لهذا الخط لا تُرى من بعيد. ﴿ أُؤلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾، فالقرآن هو على هذا النحو بالنسبة لأمثال هؤلاء الناس؛ كأنهم ينادون من بعيد؛ لكن لا شيء مسموعًا. لذا تستوجب اليقظة حتى يفهم الإنسان، وحتى ينال الهداية. [2]

التقوى؛ سبب الهداية الإلهية في كافة المراحل

طبيعة هذا الإيمان أنه حينما يقترن بالعمل، يزداد يوماً بعد يوم. كما إنّ الوعي الذي أشرت إلى وجوب تحصيله من أهل المعرفة ومن المطالعة والموعظة، إذا اقترن بالعمل الصالح، فإنّه يزداد عمقاً وسعة. ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾[3]،

[1] سورة فصلّت، جزء من الآية44.

[2] الجلسة الثامنة لتفسير سورة البقرة، 16/10/1991.

[3] سورة الطلاق، جزء من الآية 2.

75

﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾[1]، ﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾[2]. هذه الآية التي قصدتها تؤكد أن التقوى نفسها والمراقبة تهدي الإنسان، وتجعل إيمانه أكثر رسوخاً. [3]

أما أهل التقوى فهم أهل الورع، وكما أوردنا خلال شرح الآيات القرآنية المتعلقة بالمتقين: إنهم أهل الذكر، أي التنبه والالتفات والوعي. هم الذين استجابت فطرتهم، وقبلوا وصاروا مؤمنين بقبولهم هذا التلقي. كما إنّ الله تعالى، ولأنهم كانوا أهل التقوى (التقوى في مراحلها المتدنية) يراعون عدم الانزلاق في المسار الخطأ ويراقبون أنفسهم، لم تطمس عليهم الحقائق، ولم تأسرهم موانعُ فهم الحقائق، ولذلك أصبحوا أهل الهداية. بالطبع ذكرنا: أنّ هذه التقوى تؤدي دورها ووظيفتها في كافة المراحل. أي بعد انقضاء المرحلة الأولى -حيث تكون تقواهم سبباً للإيمان وتغليب الحق-، كلما ارتقوا إلى درجة أعلى ولازمتهم التقوى، أكسبتهم المزيد من الهداية ووهبتهم البصيرة الأعمق. [4]

إنّ الله تعالى يعدكم إذا اتقيتم؛ أي إذا راقبتم سلوككم، وحديثكم، وراعيتم حركاتكم ضمن مسيرة الحياة، ولم تتجاوزوا الأوامر والنواهي الإلهية، أن يهبكم الهداية والنورانية والفرج والرزق والسعادة في الدنيا والآخرة. [5]

[1]  سورة الطلاق، جزء من الآية3 .

[2] سورة التغابن، الآية 11.

[3] في لقاء جمع من طلاب الجامعات الجرحى، في حي الجامعة، 26/6/1999

[4] الجلسة العاشرة لتفسير سورة البقرة، 30/10/1991.

[5] خطبة صلاة الجمعة، طهران، 5/4/2002.

76

التقوى، طريق الوصول إلى ملكوت النفس والعالم

إنّ جميع الأحداث التي شاهدتموها في الثورة وتحدّث الإمام بشيء حولها وتحقّقت، كانت على هذه الشاكلة [أي إدراك المسائل بحس معنوي]، ولا تتصوروا أنه كان يلجأ للحسابات المادية والسياسية، فلم يكن يعتمد هذه المحاسبات، وبالطبع كان يتمتع بفكر سياسي ناضج للغاية ويدرك الحقائق، لكن الأمر لم يكن على ذلك النحو بأن يركن إلى الحسابات التي كانوا يقومون بها، فهذا هو الغيب وملكوت العالم، وملكوت[1]وجودكم في وجودكم الذي يجب الإيمان به، والتقوى هي سبيل الوصول إليه. [2]

التقوى، رأسمال أبدي

التقوى زاد الإنسان لما بعد الممات، والتقوى هي رأسمال الإنسان في السير على النهج القويم في الحياة، وأجلّ منفعة يجنيها العبد من الصيام هي التقوى، وأهم عطاء (واكتساب) ينجم عن مجاهدة النفس ومحاربة الأهواء النفسية هو التقوى. وهكذا يجب أن تتركز همّة المؤمنين جميعًا؛ شيوخًا وشبابًا ورجالًا ونساءً، ومن أي شريحة أو طبقة كانوا، على اكتساب التقوى. والتقوى حصن للمرء في وجه الأعداء، وهي هدي لسواء السبيل ولما فيه رضى الله. [3]

[1]  وردت العبارة هكذا في كلمات السيد القائد؛ ويمكن صياغتها بعبارة أخرى: هذا هو عالم الغيب وعالم الملكوت..

[2] في لقاء قادة الحرس الثوري الإسلامي ورؤساء مكاتب نواب الولي الفقيه في هذه المؤسسة، 20/7/1990.

[3] خطبة صلاة الجمعة في طهران، 8/1/1999.

77

التقوى، طريق نجاة البشر

إنّ الكثير من الأعمال التي نقوم بها والهفوات التي نرتكبها تنشأ من عدم المراقبة، وكثير من المعاصي تصدر عنا لا بنيّة مبيّتة، وإنما نغفل عن أنفسنا فنقع في الغيبة والتهمة وبثّ الشائعات والكذب، وهكذا الأمر بالنسبة إلى أيدينا وأعيننا. إذًا الغفلة هي التي توقعنا في البلاء.

فلو أننا راقبنا أعيننا وألسنتنا وأيدينا وما نمضيه (من قرارات) وأحكامنا وكتاباتنا وكلامنا، فسنكون بمنأى عن كثير من الأخطاء والذنوب الكبيرة والصغيرة.

ولو أننا راقبنا أفئدتنا، لَما ترسّخ في قلوبنا الحسد وإرادة الشر وسوء الظّنّ والحقد والبخل والمخاوف الواهية والطمع بالأمور الدنيوية، والتعرّض لأعراض الآخرين وممتلكاتهم.

إنّ هذه المراقبة تعتبر طريق العبد إلى النجاة، وإنّ العبد ليحصل على حسن العاقبة من خلال هذه المراقبة ﴿وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ ولو وُجدت هذه المراقبة لدى العبد، فَسَتَقِلّ نسبة احتمال وقوعه في المعصية، كما تثبت العدالة للعبد من خلال هذه المراقبة، وتنشأ استقامة الإنسان والأمة وكذلك المطالبة بالحق واتّباعه من هذه المراقبة.

إنّ هذه المراقبة وهذه التقوى أُمّ كلّ الفضائل، كما تحصل الهداية من خلال هذه المراقبة، وإنّ التقدّم في الدنيا والآخرة ناشئ من هذه المراقبة. فعندما نلتزم بهذه المراقبة لا تتعطل أفكارنا، ولا تتيه أفئدتنا ولا تخطئ جوارحنا وأعضاؤنا وتقلّ هفواتنا، إن (تحصيل) الدنيا والآخرة مرهون بمراعاة التقوى.

78

دور التقوى في استقرار الإيمان

ومن كلام له (عليه السلام) في الإيمان: (فمن الإيمان ما يكون ثابتًا مستقرًا في القلوب، ومنه ما يكون عواري بين القلوب والصدور إلى أجل معلوم)[1].

هناك نوعان من الإيمان: إيمان ثابت ومستقر، وإيمان مستودع سريع الزوال.

والإيمان المستودع إيمان أيضاً فلا يعد صاحبه منافقًا، إلا أن إيمانه يفقد الرسوخ والاستقرار، فهو سريع الزوال. فالأول هو الناتج عن دراسة واستدلال ورؤية ثاقبة، ويكون مدعومًا بالعمل الصالح، والثاني هو الناشئ عن العواطف من دون المنطق، وصاحبه لم يوجده بالعمل الصالح، بل ردد شعار الإيمان، وأحياناً كانت هتافاته عالية، لكن لم يصحبها شيء من صالح الأعمال التي يضطر معها إلى مجاهدة نفسه، أي لم يروِ إيمانه بالعمل الصالح فيصبح إيماناً مستودعاً. يقول عليه السلام: “ومنه ما يكون عواري بين القلوب والصدور إلى أجل معلوم”. فمتى يكون هذا الوقت المعلوم؟ إلى حين بقائه مستودعا وعارية، أي حتى زوال إيمانه. فعندها يتحرر ذاك العصفور الصغير والضعيف الأسير في جوف صدره، لعدم تأصل هذا الإيمان فيه، ويكون أجل زوال هذا النوع من الإيمان عند ظهور الصعاب وغلبة الأهواء، فإذا كان محباً للمال مثلًا، وصار في مفترق طريق الإيمان والمال سلك طريق المال، وهناك من ينساق وراء الشهوات الجنسية أو المناصب، وذلك على اختلاف أهواء وميول الناس. فلكلٍّ منّا هفوة، وحسب قول الأجانب، لكلٍّ منّا عقب أخيل وعين اسفنديار. وتكون تلك الهفوات هي القاضية علينا، فعلينا أن نلجأ إلى الله ونعوذ به

[1] نهج البلاغة، الخطبة 189.

79

من الهفوات المضلة، والطريق إلى ذلك هو التقوى والاستمرار في مراقبة النفس.

ومن هنا يدرك الإنسان سرّ التحوّل البالغ 180 درجة في بعض الشخصيات منذ بداية الثورة إلى يومنا هذا، فتحوّل من مؤمن مخلص صادق إلى عدوّ معاند معارض لدود! لدينا أشكال وأنواع من الأعداء، فبعض الأعداء بالرغم من عداوتهم إلا أنهم لا يصيبون الثورة الإسلامية بسهامهم على الدوام، بخلاف الفئة الثانية التي أصبح الإضرار بالثورة الإسلامية همّها الوحيد. وعندما تتمعّن تجد أن بعضهم كانوا حادّين ومتلهبين لا يقبلون الآخرين، كالنار المضطرمة في الحشائش اليابسة والأشواك، بالطبع فالأخشاب توقد ناراً ضارمة أيضاً، لكن أيضاً الحشائش والأشواك توقد ناراً ويتطاير منها الشرر بالرغم من هشاشة الأشواك، نعم، هذه النار سريعة الخمود. فهناك من يكون إيمانه من هذا القبيل، مستودعًا وسريع الزوال، حيث إنّ بنيانه هشّ غير مدعم بالأدلة المحكمة.

وكما قلت: فإن هذا الإيمان لا يستأذن الشخص عند زواله، ولا يخبره بذلك كأن يقول سأتركك اليوم في الساعة الفلانية وسأصبح كافراً تارك الصلاة، بل يزول تدريجًا من دون وعي والتفات من الإنسان، فلا بدّ إذًا من مراقبة النفس والاستعاذة بالله. [1]

التقوى نور لعبور سبيل الحياة

يقول الله تعالى في آية أخرى من سورة الحديد: ﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله؛ وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورًا تمشون به﴾؛ فالتقوى مدعاة لأن ينير

[1]  في لقاء أعضاء هيئة الدولة 10/11/2004

80

الله سبحانه أفئدتكم وحياتكم وطريقكم كي يتيسر لكم وفي ضوء هذا النور، التحرك وعبور طريق الحياة. الإنسان الحائر عاجز عن الحركة، ومن المتعذّر أن تتحقق الحركة الإنسانية من دون معرفة للهدف والمقصد، والنور الذي يدلّنا على الهدف والمآل والطريق هو ذلك النور المنبثق عن التقوى، فالتقوى هي وصية الأنبياء جميعًا. [1]

الفلاح والصلاح على أثر رعاية التقوى

إنّ هذه التقوى وسيلة لبلوغ غاية أعلى: ﴿واتقوا الله لعلكم تفلحون﴾[2]، ﴿واتقوا لعلكم ترحمون﴾[3]، ﴿واتقوا الله ويعلمكم الله﴾[4].

ينال العبد العلم والفلاح والرحمة الإلهية بفعل التقوى وأهمها نيل الفلاح، فإذا كنّا قد حصلنا على التقوى في هذا الشهر الشريف [شهر رمضان] فعلينا أن نحتفظ بها، فإنها ثمرة ثمينة، وهي شبيهة بالثمرة التي يحصل عليها زارع شجرتها بعد عناء طويل فيحصدها ويحفظها في مكان أمين؛ لتكون قُوته خلال السنة.

ينبغي أن تكون التقوى التي حصلنا عليها في هذا الشهر ذخيرة لنا طوال السنة، وعلينا أن نصونها من الأخطار التي تهدّدها، والتي تتمثل بأنواع الوساوس والزبارج والشهوات والأهواء والذنوب. فهذه آفات هذا المحصول الثمين، استفيدوا من هذه الذخيرة للقضاء على هذه الآفات، وحافظوا عليها. [5]

[1] خطبة صلاة الجمعة في طهران30/3/1990

[2] سورة آل عمران، الآية 200.

[3] سورة الأنعام، الآية 155.

[4] سورة البقرة، الآية 282.

[5] خطبة صلاة عيد الفطر 14/11/2004

81

ب - مانعية التقوى للمفاسد والمضار

التقوى علاج التعلق بالدينا

وضّح أمير المؤمنين(عليه السلام) علاج عبادة الدنيا في خطبة المتقين: “عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم[1]. إن علاج حب الدنيا والميل إليها هو أن يسلك الإنسان طريق التقوى، ومن خصائص التقوى أنها تعظّم الخالق في نفس الإنسان فيكون للرب في نفس الإنسان مكانة تجعل كل الأشياء حقيرة في نظره ولا تحظى بأهمية في مقابل عظمة ذكر الله في قلب الإنسان. هذه من خصوصيات التقوى. وقد كان -أمير المؤمنين نفسه- المظهر التام لهذا المعنى. [2]

التقوى؛ تمنع الإقبال على الدنيا

طلب الدنيا أحد المنزلقات التي لا يحدّها إلا التقوى، أو المراقبة المحكمة والشديدة التي تجبر الإنسان على مراعاة الأمور. [3]

تمنع نفوذ الشيطان

نحن لسنا بعيدين أبداً عن حبائل الشيطان. فالشيطان يغوينا في جميع الأحوال. حتى إنّ الأنبياء لم يسلموا من إغواء الشيطان؛ فماذا عن أمثالنا! إنّ ما يميز العباد المخلصين عن غيرهم، أنهم دائماً يمرّغون أنف الشيطان ويصدّون طمعه. فكيف يتحقق هذا

[1] نهج البلاغة، الخطبة 193.

[2] خطبة صلاة الجمعة في طهران في 18 شهر رمضان من عام 1429 هـ. الموافق لـ24/8/2008

[3] جلسة أسئلة وأجوبة مع مديري وأمناء منشورات طلاب الجامعات، 23/2/1999.

82

الأمر؟ من خلال التقوى. إنّ التقوى ليست بالأمر المعضل والمحال حتى يصعب على الإنسان إدراكه[1]. معنى التقوى أداء كل ما كلّف الله به الإنسان؛ أي الإتيان بالواجبات وترك المحرمات. وهذا أول مراتب التقوى. فلا بد من معرفة المحرمات الإلهية وعدم الالتفاف حولها والاقتراب منها، فالشيطان وسواس خنّاس. حينما تسود وتنمو روحية التقوى والاتكال على الله والتعامل مع الله وذكر الله والتوجه والدعاء والتوكل، قلوبَ هؤلاء الشباب الثوري المؤمن؛ سواء كان طالب جامعة أو طالب علوم دينيّة، أو الفئات الأخرى، سواء المدنية أو الريفية، فيتكوّن هذا الصف المرصوص المحكم الذي لا تتمكن أي قوة من زعزعته. وهذا هو ضمانة تقدّم أهداف الإسلام والثورة؛ لا بد وأن يُقدّر هذا الأمر. [2]

التقوى درعٌ واقية من سهام الفساد المسمومة

التقوى درع إن ارتداها الإنسان فلن تضره سهام الفساد والمعاصي المسمومة على الإطلاق ولن تسقطه أرضًا. التقوى حصن الإنسان المنيع. لهذا أوصونا بالتقوى كل تلك التوصيات. الكثير من الأخطاء والانحرافات التي تلاحظونها ليست لها جذور فكرية، لا تظنوا أنها إيديولوجيا معينة تحضّ الإنسان على هذا اللون من الممارسات، لا، جذور الكثير من هذه الممارسات هي أهواء الإنسان النفسية. تنزلق قدم الإنسان في موضع ما ولا يتماسك، فيستمر هذا الانزلاق ويتخذ الإنسان موقف التسويغ (والتبرير) فيصطنع لنفسه الفكرة والرؤية (الأيديولوجيا).

[1]  في لقاء قادة فئات النخب من التعبئة وجمع من طلاب الجامعات وطلاب التعبئة، 25/10/1991

[2] المصدر نفسه.

83

أحيانًا ينحت الإنسان أسسًا فكرية ليصلح أخطاءه. لنسد جميع الطرق والمنافذ على أخطائنا وزلّاتنا، والأفضلية لـ”بداية العمل” قبل أي شيء آخر، والأفضل من بداية العمل هو الوقاية. هذا ما يعزّز فينا روح التقوى. [1]

المتقون مصانون من الفساد

إنّ الرغبة (والانشغال) في الدنيا والشهوات وحبّ المال واكتنازه، والانشغال بحب النفس أكثر من التفكير بالله والدين والهدف والمجتمع؛ والابتلاء بالمفاسد الأخلاقية؛ -أعمّ من الماليّة والجنسية والإدارية، والصراع الداخلي الذي هو من المفاسد الخطيرة للغاية-، وطلب المنصب والمقام غير المشروع كالرائج في الغرب، كلها من العوامل التي من شأنها تدمير مباني الإسلام والثورة وكل حقيقة. وبدلًا منها تُقام مبانٍ جديدة لكنها طاغوتيّة غير إلهيّة ومخالفة للإسلام وللقيم التي أُريقت دماء شهدائنا من أجلها، وهذه من معالم الارتداد والردّة وهذا ما يطمح إليه العدو. فإن رأيتم أنّ العدو يتابع بشدة قضية الهجوم الثقافي أو الإغارة (الغزو) الثقافية والمذبحة الثقافية الجماعية في هذا البلد، وإن شاهدتم تركيز الإعلام المعادي على الجمهورية الإسلامية أكثر من أي دولة أخرى -لا أنّهم لا يعادون الآخرين، بل إنّ الإعلام المعادي المضادّ لغيرنا لا يساوي شيئًا قياساً بما هو ضدّ الجمهورية- وإن وجدتم أنهم يحاولون باستمرار احتلال مواقع في أذهان أفراد الشعب وبالخصوص الشباب والمؤمنين، ذلك كي يُصاب مجتمعنا الثوري بداء الردّة -طبعًا إنّ العدو ليس شخصًا

[1] في لقاء أعضاء شورى البلد والبلديات في طهران 8/12/2003

84

فحسب، بل هناك مؤسسات أيضًا- إن الأعداء يعلمون جيداً بما لديهم من تجربة، أنّ كل إنسان معرضٌ للفساد فيقولون: “إنّه يمكنهم إفساد كل إنسان” بالطبع صحيح ما يقولون؛ غير أنهم يجهلون استثناءً واحدًا وهو “إلا المتقين” فلا يمكن إفساد المتقين، إنهم لا يفهمون معنى التقوى، نعم يمكن إفساد الناس، ويمكنهم عرض زينة الدنيا عبر طرق غير مشروعة عليهم لاستمالة قلوبهم وجذب أفئدتهم فيرغبون عن جميع القيم ويضحّون بجميع القيم في سبيل المظاهر المادية (إلا المتقين).

[كل هذه الأمور يمكنها أن تحدث مع غياب التقوى]، فللتقوى تأثير في الدنيا وفي الآخرة، وكما إنّ للتقوى تأثيرًا في السياسة كذلك لها تأثير في حفظ النظام الإسلامي وفي الحرب، وهذا ما قد أدركتموه ولامستموه بأنفسكم. [1]

التقوى؛ عامل صيانة الأمة وعدم ضياعها

شاهدتم الفتنة التي حصلت والأعمال والجهود التي بذلت، ودفاع أمريكا وبريطانيا عن عناصر الفتنة، ودافعت عنهم كذلك القوى الغربية والمنافقون وأنصار نظام الملكية [الشاهنشاهي]، فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أمام كل هذا التحالف والاتحاد المشؤوم أن أبدى الشعب الإيراني عن نفسه في يوم التاسع من دي[2]* والثاني والعشرين من بهمن[3]* عظمة أذهلت العالم. إن إيران اليوم -بشبابها ومتعلميها والإيرانيين عمومًا-

[1]  في لقاء قادة الحرس الثوري الإسلامي في يوم الحرس 5/1/1995

[2] * المظاهرات المليونية التي أعقبت فتنة انتخابات العام (2009) وادعاء التزوير.

[3] * ذكرى انتصار الثورة الإسلامية.

85

في وضع يستطيعون فيه بتوفيق من الله إحباط أي مؤامرة يمهّد لها الأعداء ضد نظام الجمهورية الإسلامية. ولكن دققوا جيدًا في أننا يجب أن نعمل بالتقوى. التقوى هي التي تقوّينا، وهي التي تجعلنا لا نتأثر بالضربات، وهي التي تبعث فينا الأمل لمواصلة هذا الدرب حتى الوصول إلى الأهداف النهائية. [1]

دور التقوى في محاربة الفساد

هنالك فئة في مختلف مرافق العمل بالبلاد تحاول فبركة عمليّة التصدّي للفساد، فيما تقابلها فئة أخرى تحاول تضخيم الفساد؛ والاثنتان على خطأ في نظري. . فالإنسان يُصاب بالفساد في كافة أرجاء الدنيا، وإنّ كل إنسان لا يراقب نفسه يصيبه الفساد. من هنا، يأتي التركيز على التقوى في القرآن ونهج البلاغة والأحاديث الشريفة، فالتقوى إنما تعني مراقبة النفس لئلّا يفسد الإنسان وينحرف، وإنّ لكل إنسان قابليّة الانزلاق والفساد إن لم يراقب نفسه. [2]

الإيمان، التقوى، والعمل الصالح تمنع مؤامرات العدو المختلفة

إنّ جميع سنن ونواميس الطبيعة وكافة الإمكانات والقدرات التي تتمتّع بها الصفوة الخيّرة هي معكم ما دمتم متسلّحين بالإيمان والتقوى والعمل الصالح. ولن يجرؤ الأعداء على ارتكاب أي حماقة

[1] خطبة صلاة الجمعة في طهران في حرم الإمام الخميني (رح) في الذكرى 21 من وفاته الموافق 4/6/2010

[2] في لقاء أعضاء الدولة بمناسبة أسبوع الدولة 26/8/2002

86

بحقّكم في جميع ميادين الصراع والمواجهة، سواء في ميدان الإعمار والبناء، أو في مجال الغزو الثقافي والحملات الدعائية والإعلامية المسعورة التي تُشنّ على شعبنا لغرض إفساده، أو الغزو العسكري، وإن كان يبدو بعيدًا جدًّا، أو أي مجال آخر.

إنّ العدو الذي دخل الصراع ضدّنا في الجولة السابقة بكل قواه التسليحيّة والإعلاميّة وخسر الجولة، هو اليوم أعجز من أن يحقّق شيئًا من مخطّطاته الخبيثة، لا سيّما وهو اليوم يفتقد الكثير من بريقه ولمعانه الزائف الذي كان عليه آنذاك، أضف إلى ذلك حدوث الكثير من المتغيرات السياسية والجغرافية على الصعيد العالمي التي هي لمصلحة الإسلام والمسلمين. كل ذلك يجعل العدو غير قادر على القيام بأي شيء مقابل شبابنا المؤمن البطل. [1]

صيانة الناس من الانحراف عبر حفظ التقوى

إنّ شبابنا المؤمن الذي يحمل روحه على كفه، والمتأهب للجهاد، في خضم هذه الدعايات الشرسة؛ يتعرض لسيل من الدعايات المضلة والمنحرفة التي لن تتمكن من جرفه وزعزعته، لأنه يبصر الحقيقة، كما إنّ الباطن المظلم المستتر للدعايات المبهرجة وخبث هذه المراكز التي تدفع بهذه الدعايات، جلي بالنسبة إليه. وهذه النقطة لا يستطيع العدو معالجتها [في مواجهة] الشباب المسلم والمؤمن الثوري بأي كيفية، ولا التصدي لها. إنّ القلب المفعم بالإيمان، الذي هو منشأ التقوى في الفكر والعمل، لا تضله دعايات الأعداء. إنّ دعايات العدو تتمركز غالباً على محاولة

[1] في لقاء قادة ومسؤولي الحرس الثوري 20/9/1995

87

إضعاف روح الجهاد والمقاومة لدى الشعب الإيراني العظيم. إنهم يدركون جيداً أنه عندما يصمّم شعبٌ على الصمود أمام جشع الاستكبار، ستعجز كل القوى أمامه؛ هم أدركوا ذلك ويدركونه جيداً. هؤلاء يسعون لإزالة (لإنهاء) روح الجهاد والمقاومة لدى الشعب الإيراني. [1]

التقوى؛ عائق في طريق المعاصي

أستعرض مسألة مرتبطة بحياتنا العملية، والتي لعلّها تكون بإذن الله دافعاً لي ولجميع الإخوة والأخوات للتحرك بنحو أفضل وأقوى. وهي قضية ترك المعاصي من أجل القرب الإلهي. فأداء المستحبات والنوافل والتوسل والدعاء هي فرع. أما أصل القضية فهو امتناع الإنسان عن ارتكاب الذنب ومخالفة (كبح) نفسه. أي أن يطلب التقوى، فالتقوى والورع أهم، بل لنقل هي أوّل مظهر يجب أن يمتاز به وجود الإنسان. هذا هو الذي يمنع الإنسان من المعصية. إنّ المعصية تعيق الإنسان من الوصول إلى شاطئ فيض المغفرة الإلهية العظيم والاستفادة منه. والمعصية تعيقنا من أن نظفر بحالة الدعاء والتوجه إلى الله. والمعصية تعيقنا من إعادة التفكير بأنفسنا وإعادة إصلاحها. فلنجتهد ولنسعَ للابتعاد عن المعاصي. وهذا هو الشرط الأول للقضية.

لا بد من تهيئة الأرضية المناسبة للاستفادة من الرحمة والمغفرة والفيوضات الإلهية، وذلك عبر ترك المعصية. لذلك ترون في دعاء كميل حيث يقول أمير المؤمنين(عليه السلام) ”اللهم اغفر

[1] في اجتماع تعبئة وحرس فرقة كربلاء25، 20/9/2003.

88

لي الذنوب التي تحبس الدعاء”[1]. إنّ الذنوب تمنع إجابة الدعاء. تقرأون في هذه الليالي والأسحار في الدعاء الشريف لأبي حمزة: “فرّق بيني وبين ذنبي المانع لي من لزوم طاعتك”[2]؛ يا الله! افصل بيني وبين ذنبي؛ هذا الذنب الذي يمنعني من أداء تكليفي ويحول بيني وبين قربك. فأصل القضية مسألة ترك المعصية. [3]

اعلموا أن أحد أسلحة العدو -الذي ندعو عليه بالموت- هو نثر بذور المعصية، وبذور مغريات المعصية، وبذور مغريات الفساد أمام شبابنا، اليوم، لمحاولة اجتذاب هؤلاء الشباب. لا بد للنفس القوية أن تثبت ولا تستسلم أمام هذه المغريات. انتبهوا! فشبابنا التعبوي مؤمن، طاهر، ونقي. لكن من الممكن أن يوجد فيما بينهم بعض الأفراد من ضعاف النفوس والمستسلمين لحيل العدو والشيطان. وهنا تفيد التقوى، فالتقوى معناها أن نراقب أنفسنا بشكل دائم ولا نسمح لها بارتكاب الخطأ. [4]

التقوى تمنع (تغلغل) العرفان الكاذب

إنّ أحد البرامج [المشبوهة] هو أن يتسلّل العرفان الكاذب إلى داخل الجامعات، وهو من الأشياء التي تتسبّب بالشلل. فلو أنّ شخصًا أصبح أسيرًا وابتُلي بهذه المنسوجات الفاقدة للأصل والأساس من هذا العرفان الكاذب، والتي تأتي في الأغلب من

[1]  مفاتيح الجنان، دعاء كميل.

[2] مفاتيح الجنان، دعاء أبي حمزة الثمالي.

[3] في لقاء الفئات المختلفة من الشعب (يوم الحادي عشر من شهر رمضان المبارك)، 7/4/1999.

[4] في لقاء قادة «التعبئة» على نطاق كل البلد، 18/11/1992.

89

مناطق خارج البلد، فإنّها في الواقع ستشلّه. إنّ المعيار الذي نتبعه في حركتنا نحو السموّ المعنويّ، والتقرّب إلى الله هو التقوى والنّزاهة والورع. فشبابنا -سواء بناتنا أم أبناؤنا- إذا ما كانوا منزّهين وأتقياء وسعوا للابتعاد عن المعصية، وأدّوا الصلاة بتوجّهٍ واهتمام وفي وقتها، ولم يقطعوا أنسهم بالقرآن، فلن يصبحوا أسرى لهذا العرفان الكاذب. [1]

التقوى؛ تمنع الخسائر

إذا تحلّى مسؤولو أي نظام بالتقوى، فلا يجد الفساد إلى ذلك النظام سبيلاً. وإذا كان مسؤولو وقادة جبهة الحرب يتّصفون بالتقوى -بما تعنيه من المراقبة الدائمة لأنفسهم-، فلن تقع في جبهتهم أي خسائر. ولا يعني هذا أن العدو عند اختلال ميزان القوى لا يقدر على إحراز أي نصر، أبداً؛ سينتصر، إلاّ أن التقوى تقود المرء في تلك الحال أيضاً إلى اتباع نفس العمل الذي يمارسه في حال تعادل القوى. أي إنكم إذا لم تغفلوا ولم تتصرفوا بأسلوب مغلوط، وأديتم ما عليكم في أوانه، لن تقع الخسارة. [2]

التقوى؛ نبع الصلاح، ومانع دون الدمار

مهما كنتم، إلى أي جامعة انتسبتم؛ وإلى أي جناح سياسي أو فكري انتميتم، لستم في غنىً عن التقوى والورع. وهذا أساس ومبدأ العمل. عندما يتحلى الإنسان بالتقوى، أي يراقب نفسه -بما تعنيه التقوى من مراقبة الإنسان لأعماله وسلوكه، فلا

[1] في لقاء أساتذة ومعلمي جامعة خراسان الشمالية 11/10/2012

[2] في لقاء قادة ومسؤولي الحرس الثوري، 17/9/1997.

90

يصدر عنه عمل غير صحيح وعشوائي- أياً كان هذا الشخص، بغض النظر عن أي فكر يحمل، وأي مذاق سياسي يستسيغ، فإنه لن يُحدث خطراً؛ لن يسدّد أي ضربات ولن يحصل منه خراب، بل سيتدفق منه الصلاح. لذلك أرى أن المبدأ هو أن تبذلوا قصارى جهدكم لتربوا أنفسكم والآخرين، من الرفقاء والأصدقاء وأولئك الذين يقرأون منشوراتكم، على التقوى والتدين والطهارة. [1]

الفارق بين الإنسان المتقي وغير المتقي

الفرق بين الإنسان المتقي وغير المتقي، أنّ الإنسان غير المتقي يُفلت لجام نفسه أمام المعصية؛ مثلما تلقون بإحدى الأوراق في معرض الأمواج وتيار الماء، فإنّ هذا التيار سيجرف هذه الورقة من دون أيّ مقاومة تذكر. أما الإنسان المتقي فهو كمن إذا سقط في تيار حادّ فإنه يسبح، يقاوم، يستجمع نفسه، يسيطر عليها؛ ولا يسمح للماء بجرّه. ومع فرض أنه انجرّ خطوة للوراء، وانزلقت أقدامه عند أحد المواقع، فإنه يراقب نفسه.

إنّ الإنسان المتذكر لا يعني أنه لا يرتكب أي معصية ولا يقع في خطأ؛ أبداً؛ فمن الممكن أن يخطئ ويعصي أيضاً؛ الإنسان المتقي ليس على النحو الذي لا تتلوث يداه بأي ذنب؛ كلا، إنّه يذنب، لكن هناك فرق بين معصية الإنسان المتقي وغير المتقي. فمعصية غير المتقي كمن يضع قدمه ويغرسها في المنزلق [2]فتنزل إلى آخرها. فذنب واحد يجر إلى ذنب آخر. فيستلذ

[1] جلسة سؤال وجواب مع مديري وأمناء نشريات طلاب الجامعات، 13/5/1998.

[2] كمن يعبر منحدرًا شديداً فينجرف كلياً.

91

بالمعصية؛ وينجذب لها، ويزول قبح الذنب عن ناظريه (ولا يبصر قبح الذنب)؛ الإنسان غير المتقي يكون على هذا النحو. أما الإنسان المتقي حينما يقترف الذنب، يلتفت فوراً، يدرك أنه قد أخطأ، ويسعى لاستدراكه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾. [1] فالإنسان المتقي بالتعبير القرآني بمجرد أن “يمسّه” الشيطان؛ أي يتلوث بوساوس الشيطان، فإنه يلتفت فوراً لخطئه، ولا يتهاوى في الطريق المنحدر المنزلق إلى أسفل السافلين، بل يحفظ نفسه ويسيطر عليها. إن الإنسان المتقي والمتذكر، كمن يجرفه تيار قوي إلى إحدى الجهات وعليه أن يسبح عكس التيار، ليصل إلى شاطئ النجاة. فأيّ لحظة من لحظات الغفلة، قبض اليد (إفلات اليد)، الكسل، الانشغال بالمشاهدة هنا وهناك، ستجرفه إلى المزيد من التراجع (التقهقر). إنّ ذلك التيار الحاد يتمثل في حياتنا بالغرائز، الأهواء، الشهوات، والميول البشرية المنافية لتكاملنا، والذي يأخذ بنا إلى التراجع والانحدار. فإذا كنا متيقظين ومتذكرين، وتراجعنا قيد أنملة، ندرك مباشرة أننا قد أخطأنا، نعزم على معاودة السباحة ونتمسك بالمضي قدماً؛ أما إذا لم نكن أتقياء ولا متذكرين، فعندما نتراجع وننحدر، نغفل ولا ندرك أن التيار يجرفنا، بل لأننا لم نهتز ولم نتفاعل، نستشعر الراحة أيضاً؛ نسلّم أنفسنا للتيار، وفي وقت ما نتنبه فنرى أنفسنا قرب الدوامة أو داخلها وقد انتهى أمرنا[2]*.  [3]

إنه لفرق بين جسد ميت تحمله المياه أو فاقد للوعي تجرفه

[1] سورة الأعراف، الآية201.

[2] وقد سبق السيف العذل.

[3] تأمل دعاء وداع شهر رمضان المبارك، 28/5/1987.

92

المياه بعيداً، وشخص يسعى للنجاة، وعلى فرض أن الماء قد دفع به مقداراً للوراء أيضاً. فمعصية المتقي تكون على هذا النحو. [1]

ج- الآثار والفوائد الدنيوية

من ثمرات التقوى؛ تشخيص الحقّ والباطل، الفرج والرزق.

أحد الأثار المترتبة على التقوى، أنّ الله تعالى يبارك أعمالنا. فإذا تتبّع الإنسان الآثار المترتبة على التقوى من خلال الكلام الإلهي في القرآن، سيكتشف الجواب الشافي لكل حيرته وخواطره ووساوسه الذهنية ﴿إِن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً﴾[2]؛ أي إذا اتقينا، فإن الله سيجعل لنا فرقاناً يفرق بين الحق والباطل. فلا يشتبه علينا طريق الحق والباطل؛ أي سينجلي الطريق. فحينما يميز الإنسان الحق من الباطل، يتحرك بشجاعة أكبر: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾[3]؛ أي إنّ التقوى تُخرج الإنسان من المعسرات، وتوفر له (وتهبه) الفرج والملاذ: ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾[4].  [5]

إنّ شهر رمضان في ثقافتنا الدينيّة، هو شهر المواجهة بين الشيطان والسلوك الشيطانيّ من جهة، والسلوك الرحماني والطاعة والعبوديّة، من جهة أخرى. يُقال إنّ الشيطان ملجوم -هذا من جانب- ويُقال إنّ شهر رمضان شهر الطاعة والعبوديّة،

[1] في جمع من الحرس الثوري وتعبئة فرقة «سيد الشهداء» 10، 18/10/1998.

[2] سورة الأنفال، جزء من الآية 29.

[3] سورة الطلاق، جزء من الآية2.

[4] سورة الطلاق، جزء من الآية3.

[5]  في لقاء رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الوزراء بمناسبة بداية أسبوع الحكومة، 24/8/1999.

93

حيث إنّ أقصر كلمة وأعمقها معنًى هي كلمة “التقوى”: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.[1] المسألة هنا في مواجهة الشيطان، والتقوى؛ إنّ عمل الشيطان هو الغواية. ما معنى الإغواء؟ يعني إيجاد الخلل في جهاز [نظام] المحاسبة لديكم -هذا هو عمل الشيطان- النقطة المقابلة، هي وظيفة التقوى؛ يسعى الشيطان لغوايتكم، أي أن يعطّل نظام العقل، نظام الفطرة، نظام القياس السليم المودع في وجود الإنسان؛ أي أن يُوقع الإنسان في خطأ المحاسبة. عمل التقوى هو النقطة المقابلة: ﴿إن تتّقوا يجعل الله لكم فرقانا﴾[2]؛ بمعنى أنّ التقوى تهبكم الفرقان أي العلم والفهم لفصل الحق عن الباطل؛ في الآية الكريمة الأخرى: ﴿واتقوا الله ويعلّمكم الله[3]﴾ تؤدّي التقوى إلى أن يفتح الله أمامكم منافذ العلم والفهم والمعرفة والإدراك. [4]

التقوى: الطريق إلى السعادة الدنيوية والأخروية

لو تحلّى قوم أو فرد من الناس بالتقوى فإن خيرات الدنيا والآخرة ستنهال عليه؛ فلا تنحصر فائدة التقوى في نيل رضى الله ودخول الجّنة في الآخرة، بل إن الإنسان يلمس فائدتها في الدنيا أيضًا؛ والمجتمع الذي تزينه التقوى، والمجتمع الذي يختار سبيل الله عن تمعّنٍ [بنحو دقيق] ويسلكه بنحو صحيح أيضًا

[1] سورة البقرة؛ جزء من الآية 183

[2] سورة الأنفال؛ جزء من الآية 29

[3] سورة البقرة؛ جزء من الآية 282

[4]  في لقاء مسؤولي النظام في التاسع من شهر رمضان المبارك في سنة 1435 هجرية الموافق 7/7/2014

94

سيكون نصيبه التنعم بالمواهب الإلهية في الدنيا، ويظفر بالعزة الدنيوية، ويمنحه الله العلم والمعرفة على صعيد الشؤون الدنيوية أيضًا، والمجتمع الذي يسلك طريق التقوى تكون أجواؤه سليمة مفعمة بالمحبة ويكلله التعاون والتلاحم بين أبنائه.

التقوى مفتاح السعادة في الدنيا والآخرة، والبشرية الضالة التي تئن من شتى صنوف الشدائد والآلام على الصعيدين الفردي والاجتماعي إنما هي تتجرع عاقبة عدم التزامها بالتقوى واللاأبالية والانغماس في مستنقع الشهوات الذي أعدّته بيديها، ومعلوم حال المجتمعات المتخلّفة. أما المجتمعات المتطورة فإنها وإن بلغت السعادة في بعض الجوانب نتيجة تحلّيها باليقظة والوعي في بعض مجالات الحياة، فإنها تعاني نقصًا وفراغًا قاتلًا، وهذا ما يبوح به كتّابهم وخطباؤهم وفنّانوهم بعشرات الأساليب.

التقوى هي أول وآخر ما أوصى به الأنبياء؛ وإننا نقرأ في مختلف السور القرآنية أن أول ما يخاطب به الأنبياء أقوامهم هو التوصية بالتقوى، فإن سادت التقوى سادت معها الهداية الإلهية، وإلا فإن الفرد والمجتمع لن ينالا نصيبهما كاملًا من الهداية الإلهية. والصيام مقدمة لهذه التقوى. [1]

توأمة العمل الصالح بالتقوى؛ تؤمّن الدنيا والآخرة

لا شكّ في أنّ الله تعالى يجزي ويثيب كل أمة بحسب عملها، حيث ندرك آثار ذلك حيناً ونجهلها حيناً آخر. وتدلّ الآيات القرآنية الكريمة على أنه إذا صلح عمل أمة؛ وخاصة إذا كان مقترناً بالإيمان والتقوى؛ ستتأمن معيشتهم ودنياهم وعزتهم

[1] خطبة صلاة الجمعة في طهران 30/3/1990

95

واستقلالهم؛ حتى لو لم تكن أعمالهم مقترنة بالإيمان والتقوى، فإنّ الله تعالى سيجزيهم أيضاً؛ ﴿كُلًّا نُّمِدُّ هؤُلَاءِ وَهؤُلَاءِ﴾[1]؛ فالله تعالى سيجزي الجميع سواء من يعمل لأجل الدنيا، وأيضاً من يسعى لأجل الآخرة. إنّ ما ترونه في بعض الشعوب أنها فاقدة للدين والتقوى، لكنها تنعم بحياة ماديّة جيدة ومتناسبة في ظاهرها، وذلك لأنهم يحسنون العمل الدنيوي؛ لكن نهاية هذا النوع من الحياة لا تحظى بحسن العاقبة، ويلازمها الفساد ومآلها الزوال. إنّ الحضارة المادية لعالم اليوم تنتخب هذه الأساليب في الحياة؛ لكن الأمة المؤمنة التي تسعى وتعمل مثل سعيكم، لا شكّ بأن الله تعالى سيجزيها. وهذا الجزاء ليس مقتصراً على الآخرة فقط، ولكنه في الدنيا كذلك. فالجزاء الدنيوي -الذي هو طبق عملهم الذي أدّوه-، تحقيق السعادة والعزّة والخروج من براثن الذلّة والاستكبار. [2]

التقوى تدير الحياة الدنيوية

إنّ التقوى هي ذاك العامل العظيم المؤثر في كافة ميادين الحياة. انظروا كم تحدث القرآن حول التقوى. كل ذلك ليس لأجل أن يوفيكم الله جزاءكم حينما تموتون وترحلون عن تلك الدنيا؛ كلا، فالتقوى تدير حياة هذه النشأة الدنيوية، إنّ الإدارة الصحيحة لحياة هذه الدنيا كفيلة ببناء الآخرة. بالمقابل فإن فقدت التقوى يُبتلَ الإنسان بالغفلة التي تطرح رأس الإنسان أرضاً. [3]

[1] سورة الإسراء، جزء من الآية20.

[2] في مراسم مبايعة جمع غفير من فئات مختلفة من أهالي جهرم والمناطق التابعة لها، كاشان، فريمان، ... 9/7/1998.

[3] في لقاء قادة ومسؤولي الحرس الثوري الإسلامي، 17/9/1997.

96

التقوى؛ توجب نجاح الفرد والمجتمع

تُعدّ التقوى سبباً لنجاح الفرد أو المجتمع في كل ميدان يرده. ﴿والعَاقِبَةُ للمُتّقِينَ﴾[1]؛ فعاقبة هذا المسير التاريخي العظيم والعالمي ترتبط بالتقوى. كذلك فإنّ الآخرة ترتبط بالمتقين، كما إنّ عاقبة هذه الدنيا ترتبط بالمتقين أيضاً. فلو لم يكن الإمام الخميني تقياً، لما تمكن طوال مسيره الجهادي من إبراز شخصيته وهويته، والتي كانت المحور والمرتكز لمثل هذه الحركة العظيمة، والتي أفضت إلى هذا المطاف. فتقواه أوصلته إلى هنا، وصانته. [2]

فحيثما تغلغل حس التقوى وروحها في وجودنا، وورد الميدان، حظينا بالسداد والتوفيق. وحيثما انهزمنا، وانزلقنا، وتخلّفنا، ثم تفحصنا أمرنا، وجدنا أن سبب ذلك هو مجانبتنا للتقوى. إذا اتقى شخص أو جماعة أو أمّة، فلن يحرموا من الهداية والفرج الإلهي أبداً. [3]

ازدهار الحياة في ظل التقوى

إنّ التقوى الإلهية تعني أن يلاحظ كل إنسان في الأعمال التي قد ذُكرت، ما عليه من واجبات ويؤديها؛ ويمتنع عما هو محرّم عليه. فإذا حصل الناس على هذا التوفيق في حياتهم وعاشوا على هذه السجية، فإنّ ازدهار حياتهم سيفوق كل ما يشاهدونه من ازدهار للشعوب المعاصرة والشعوب في الأزمنة الغابرة. لذلك يقول القرآن: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ

[1] سورة الأعراف، جزء من الآية 128.

[2] في لقاء قادة ومسؤولي الحرس الثوري الإسلامي، 17/9/1997.

[3] خطبة صلاة الجمعة في طهران، 13/2/2004.

97

السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾[1]؛ أي إنّ خاصية الإيمان والتقوى لا تُعنى فقط بإحياء قلوب الناس، بل تُغدق على أيديهم وتملأ جيوبهم أيضاً، كما تعمّر سفرتهم بالخيرات وتضاعف إمكاناتهم. وهذه خصوصية الإيمان والتقوى. وهذا يُعدّ هدفاً سامياً بالنسبة للنظام الإسلامي. [2]

تنزّل البركات على المتقين

ينبغي أن نلتفت إلى هذه الظواهر الإلهية التي تحيطنا من كل جانب. والتي إحداها شهر رمضان هذا. إنّ ضيافة الله ليست بالأمر القليل. “ضيافة الله”! هي ضيافة يكون المضيف فيها هو الله العظيم العليم الكريم القدير الذي كل المخلوقات في قبضة قوّته وإرادته.[3] ”فهي بمشيئتك دون قولك مؤتمرة”[4]. هذه الضيافة الإلهية؛ قد دُعينا إليها: “دعيتم فيه إلى ضيافة الله”. لا بد وأن يُستفاد من ذلك. بماذا تتم الاستفادة من هذه الضيافة؟ بما جعله الله تحت تصرفنا: هذا الصيام، هذه الصلوات، هذه النوافل، هذا الدعاء، هذا الذكر، هذا التوجه، هذا الخشوع وهذا التضرّع. فإذا ولجنا هذا الميدان، وسعينا نحن علماء الدين أن ندخل جماهيرنا إلى هذا الميدان أيضاً، فإنّ هذا البلد سيتبدّل إلى روضة من رياض الجنة. وستصْلُح أمور الدنيا والآخرة، حيث: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾[5]، وهذا

[1] سورة الأعراف، جزء من الآية 96.

[2] في اجتماع أهالي قائن، 30/8/1999.

[3] في لقاء بعثة العلماء والمبلغين بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، 6/2/1994.

[4] مفاتيح الجنان، دعاء الفرج.

[5]  سورة الأعراف، جزء من الآية96.

98

هو الوعد الإلهي. إنها ليست من قبيل المبالغة ولا الإغراق، فالله تعالى يفتح بركات الأرض والسماء على البشر من خلال التقوى. فالتقوى توصل إلى ذلك[1]. فصيامكم ليس صياماً شخصياً يختص بكم، فكل واحد منكم تجسيد عظيم لهذه الأمة وهذا الشعب. إنّ صيامكم يسهل أعمالكم ويهيّئ الإمكانات لكم. فالله تعالى في بعض الأحيان يبارك المال القليل. وأحياناً أخرى تُسلب بركة المال الكثير والدخل الوفير. فحينما يتقي الإنسان، وحينما يسعى لأجل الله ويُظهر الإخلاص، فإن الله تعالى يبارك أعماله. [2]

دور التقوى في انتصارات الثورة الإسلامية

لقد نهض الشعب الإيراني، وأطاح بالسلطة الديكتاتورية العميلة[3]، طرد العدو الناهب من بلاده، وبذل كل ما بوسعه لمحو النظام الثقافي المغلوط وهيمنة الثقافة الأجنبية المفروضة، وحكّم تيار الحق. رحل الطاغوت وجاءت القوى المعتمدة على الجماهير الشعبية والمتسلحة بالإيمان الديني. وأنزل الله بركاته كما وعد؛ ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾[4]؛ وقد تحقق ذلك.[5] فكلما ارتقى ميزان تقوى شعبنا بلحاظ نوعية وكمية الأفراد المتحلّين بالتقوى، فإن انتصارنا

[1] في لقاء بعثة العلماء والمبلغين بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، 6/2/1994.

[2] في لقاء رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء بمناسبة بدء أسبوع الحكومة، 24/8/1999.

[3] حكومة الشاه محمد رضا بهلوي المقبور.

[4] سورة الأعراف، جزء من الآية 96.

[5]  في لقاء أهالي محافظة قم بمناسبة (19 دي)، 8/1/2005.

99

وتوفيقنا سينجز بشكل أسرع. لذلك فإن مسؤولية خطباء صلاة الجمعة، دعوة الناس إلى التقوى في كل أسبوع؛ ومثل هذا الكلام لا يبلى ولا يذهب مع الزمن، فأمير المؤمنين(عليه السلام) غالباً ما كان يتحدّث حول التقوى ويوصي بها في الخطبة الأولى للصلاة. [1]

دور التقوى في إيجاد روح الجهاد والمقاومة مقابل العدو

أعزائي! إن روح الجهاد والمقاومة في قبال العدو، تبقى مكتملة وسالمة لديكم أنتم فئة الشباب من خلال التقوى، والرجوع إلى الله وتموضع الجهاد الأكبر في وجودكم وحياتكم. حينما نوصي الشباب بأن يجعلوا أولوياتهم الطهارة، التقوى، الاستغفار، اجتناب المعاصي، القرب من الله، والالتفات إلى المعنويات، فهذا لأجل أنه بالإضافة إلى تحصيل السعادة الشخصية لكم، فإنّ بلدكم بحاجة أيضاً إلى الشباب الذي يتمكن من إدراك الحقائق، والصمود في الميادين، ومعرفة مؤامرات العدو ومواجهتها. فالجامعة والحوزة العلمية والمحيط العلمي والتحصيلي هو مكان ومركز هذا الصمود والمقاومة والوعي والجهاد. وهذا هو المؤمل (المنتظر) من جيل الشباب. [2]

دور التقوى في تحصيل المستقبل المطلوب

لكي نتمكن من الوصول إلى المستقبل المطلوب، نحتاج إلى جيل شباب عالي الهمّة، حماسي، مؤمن، مجتهد، كفوء، حاذق. فأحد شروطه الأصلية هو الإيمان والتقوى؛ ما نقوله إنّه لا بد وأن

[1] خطبة الجمعة في طهران، 8/2/1991.

[2] في لقاء طلاب المدارس والجامعات، 1/12/1995.

100

تعمّق الهيئات (الاتحادات) الإسلامية والبيئات الطلابية المعارف الإسلامية ومعرفة الإسلام بداخلها، ليتسنّى لها وضع هذا الحمل الثقيل على الأكتاف وإيصاله إلى المنزل؛ وإلا لما تحقق ذلك. هذه هي النقطة الرئيسية ورسالتنا إلى مجموعات طلاب الجامعات. [1]

تقوى المتقين؛ سبب النصر والتقدّم

إخواني وأخواتي! إن التقوى توجهكم نحو اللطف والرحمة الإلهية. فالتقوى واجتناب المعاصي والجدّ في طريق الله تستجلب البركات الإلهية. ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾[2]. إن التقوى تنصركم في مواجهة الاستكبار والقوى الظالمة. والتقوى تجمّل رسالتكم لدى الشعوب المظلومة[3]3. إن كل نصر وتقدّم أُحرز ضمن هذه المسيرة، يعود فضله إلى تقوى المتقين والورعين. [4]

أشرت إلى هذه النقطة مراراً، وهي أنه لو اجتمع الشرق والغرب، أوروبا والناتو والروس، وعلى امتداد المنطقة والجميع بكل ما لديهم، ودفعوا الأموال وقدّموا السلاح والإعلام والدعاية، لأجل فصل جزء واحد من بلادنا، أو إسقاط حكومتنا، أو إزالة الجمهورية الإسلامية، وعجزوا بعد ثماني سنوات، فهذه أكبر هزيمة لهم. لقد تمكنا من تحقيق هذا النصر من خلال التحلي

[1] في لقاء طلاب الجامعات المتفوقين وممثلي التشكلات الطلابية المختلفة، 17/10/2006.

[2] سورة الأعراف، جزء من الآية 96.

[3] 3 - أو: تجعل الشعوب المظلومة تتذوق حلاوة رسالتكم.

[4] خطبة صلاة الجمعة، 8/2/1991.

101

بالتقوى، وكذلك الأمر فيما بعد. [1]

فلو لم يكن الإمام الخميني متحلّياً بتلك العوامل المعنوية الرئيسية، والارتباط بالله، والعمل لمرضاة الله، والتقوى وأداء التكليف، لما انتصرت الثورة، ولما ذبتم في عشقه إلى هذا الحدّ، ولما استطاع أن يوجد هذا الإعصار الذي هزّ العالم، ولما استطاع أن يتصدى كالجبل الشامخ ويقف أمام تهديد وإرعاب العدو. [2]

التقوى ملاك تقدم وتأخر الشعوب

إذا ابتعدت الشعوب عن سبيل التقوى، فإّنها ستبتلى بما ابتليت به الأمم المستكبرة السابقة عندما أصيبوا بالاستكبار والغرور والظلم والطغيان والانحراف، فأضلّوا الناس وخربوا الدنيا وأفسدوها، وأخيرًا سقطوا هم أيضًا. كما نجد ذلك في أماكن عديدة من التاريخ، وكنموذج لذلك ما حدث لإحدى الامبراطوريات العظيمة في السنوات الأخيرة كنتيجة طبيعية لانحرافها عن طريق التقوى. إنّ كلّ البعيدين عن طريق التقوى في العالم سواء كانوا أفرادًا أو شعوبًا يجب عليهم أن ينتظروا سقوطهم الحتمي الذي لا بد له أن يتحقّق، فالسقوط هو النتيجة الحتمية للابتعاد عن طريق التقوى، ومن الطبيعي فإن السقوط الكامل يسبقه الانحراف والخراب والفساد. [3]

[1]  في لقاء عوائل الشهداء والجرحى في مدن خوى، بندركناوه ومحافظات مزندران وآذربيجان غربي، مجموعات من طلاب الجامعات،23/5/1990.

[2] في مراسم مبايعة قادة وأعضاء لجان الثورة الإسلامية، 7/6/1989.

[3] خطبة صلاة الجمعة في جامعة طهران 18/2/1994

102

تأثير التقوى على ازدهار البلد

من علامات الإيمان: اجتناب المعصية، الخوف من الله، الإحسان إلى عباد الله، الشدة على أعداء الله، غضّ النظر عن الخلافات الصغيرة الناشئة بين الإخوة، عدم التهاون مع الأعداء. والتواضع والتذلل أمام المؤمنين؛ ﴿أذلّةٍ على المؤمنين﴾.[1] وهذا لا يُبنى بالعراك والجدال. بل بالمحبة والتسامح والمداراة. وهذه هي التقوى. فاعملوا على مراعاة التقوى في المسائل المالية، والتقوى في المسائل الدينية، والتقوى في المسائل الشخصية، والتقوى في المسائل السياسية، وخاصة التقوى في قضايا العمل والشغل. واعلموا أنه في ظل حركة التقوى لهذه البلاد وهذا الشعب، ستبلغ هذه الحركة أوجها ورونقها التي ستبهر العالم.

حيثما شاهدنا مظاهر التقوى، سنرَ هذا الأثر. هكذا كان حال فتوحات ميدان الحرب. فبالتقوى استُعيدت خرمشهر. وبواسطة التقوى والتوكل على الله انهزم العدو في حرب الثماني سنوات، فكانت هزيمتهم أكبر هزيمة لحقها الخزي والعار، وهذا ليس من قبيل المبالغة. [2]

الانتصار في الميادين العصيّة من خلال التسلّح بالتقوى

إنّ انتصار هذه الثورة يعود لصفاء وإخلاص مجموعات منكم أيها الناس. وإن استمرارية هذه الثورة تعود إلى صفائكم وصدقكم وإيمانكم يا أبناء الشعب. إن الانتصار في الحرب المفروضة ودحر

[1] سورة المائدة، جزء من الآية 54.

[2] في لقاء عوائل الشهداء والجرحى مدن خوى، بندركناوه ومحافظات مزندران وآذربيجان غربي، مجموعات من طلاب الجامعات،23/5/1990.

103

العدو تحقق بفضل التوكل على الله والتقوى والورع. اليوم أيضاً ما يسددنا قطعاً في الميادين العصيّة، هو التوكل على الله والتوجه إليه، وحفظ التقوى والإعراض عن زخارف ومغريات الحياة المادية. وهذا لا يعني عدم التفكير بحاجاتنا المادية؛ فلكل إنسان الحق بل تكليفه، تأمين احتياجاته المادية ومعاشه وحتى لذّته المشروعة. لكن كل ذلك مغاير لتعلّق المرء بالدنيا، ونسيان طريق الله، وأن تتجه وتتشكل جميع أنشطته وفكره وحركته وسكونه نحو الأمور المادية. [1]

حل المشكلات الطبيعية والعالمية من خلال التقوى

أعزائي! أرى أنّ طريق التدين، هو طريق التوكل على الله والاعتماد على الوعد الإلهي. ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾[2]؛ أي إنّ الإيمان والتقوى أيضاً يفتحان الطرق الطبيعية. ويحلان المشكلات الطبيعية كذلك؛ وحتى المشكلات العالمية؛ ويقضيان على المخاطر الكبرى، ويوجدان السعة الوفيرة[3]. فإذا رجعتم إلى القرآن لرأيتم أنّ كل الخيرات مترتبة على التقوى؛ سواء كانت الخيرات الأخروية والمعنوية والروحية، أو الخيرات المادية والاجتماعية.[4] فإذا التزم مجتمعنا بالتقوى والدعاء والمعنوية، ستحل بشكل

[1] خطبة صلاة الجمعة في طهران، 3/6/1993.

[2] سورة الأعراف، جزء من الآية 96.

[3]  في لقاء رئيس الجمهورية وهيئة مجلس الوزراء بمناسبة بدء أسبوع الحكومة، 24/8/1999.

[4] في لقاء مجموعة من العاملين في جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية بمناسبة يوم الجيش، 14/4/1999.

104

قاطع الكثير من مشكلاته المادية أيضاً. [1]

العون الإلهي مرهون بمراعاة التقوى

قال الله تعالى في الآيات الأخيرة من سورة الحشر ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾[2]، اتقوا الله -أي راقبوا أنفسكم- واحذروا الوقوع في المزالق والأخطاء والانحرافات، وثمرة هذه المراقبة المتمثلة في قوله تعالى (ولتنظر نفس ما قدمت لغد)، ثم يقول تعالى مباشرة في هذه الآية: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.

إذًا علينا مراقبة أنفسنا، وهذا برأيي هو الاتجاه والخط الأساس، وأرى أن هذا سيؤدي إلى وضع خطط ناجحة في البرلمان، وتتم المصادقة على المواد في الوقت المناسب، وتنجز الوظائف الرقابية بشكل جيد، وستؤخذ أحوال الناس بعين الاعتبار، كما تؤخذ تنمية البلد والعدالة بعين الاعتبار أيضًا؛ سندرك نحن شطرًا منه، والشطر الآخر يهدينا الله إليه ويعيننا عليه. وإذا لم نسلك هذا المسلك من البداية، فإننا لن نكون بمأمن ممّا يخبّئه المستقبل لنا. [3]

التقوى سبيل النجاة من الطرق المسدودة

نحن المسؤولين غافلون عن الحساب الإلهي وعن صعوبته وعن فزع يوم الحساب، وكلّما كبرت مسؤوليتنا، ازداد معها هذا الأمر

[1] خطبة صلاة الجمعة في طهران، 25/12/1998.

[2]  سورة الحشر جزء من الآية 18

[3] في لقاء النواب 29/5/2009

105

العظيم فداحةً. يجب أن ندرك أن الباري تعالى إذا لم يعاملنا بلطفه وفضله ورحمته فسنكون في موقف عسير؛ فلكلّ واحد، من تفاصيل نفقاتنا ومصاريفنا وتعاملنا وسلوكنا مع الناس حساب عند الله.

وفضلًا عن وجوب التفكير في الحساب الإلهي، يجب أن ندرك أيضًا أنّ التقوى تفتح أمامنا السبل: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾[1]. فالتقوى تساعد على التخلص من جميع الطرق المسدودة أمام الإنسان وخاصة في المجال الاجتماعي. وفي المعضلات الكبرى تفتح التقوى أمام المسؤولين سبل الخلاص: ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾. إنّ حساباتنا وحساباتكم لا تأتي على الدوام دقيقة ومتقنة؛ إذًا فأساس القضية هو التقوى. ونحن أيضًا نوصي بالتقوى، وصيام هذا الشهر هو من أجل المساعدة على التقوى؛ فيجب عليكم الاهتمام بمشاكل الناس على أساس هذه الروحية من التقوى. [2]

دور التقوى في أسلمة المجتمع[3]

عندما يكون المعيار هو الله والتقوى والإعراض عن الدنيا والجهاد في سبيل الله، فإن الأفراد المحرزين لهذه المعايير يحضرون في الساحة، ويأخذون مقاليد الأمور بأيديهم، ويصبح المجتمع مجتمعاً إسلامياً. ولكن عندما تتبدل المعايير الإلهية، فسوف يستلم الأمور كل مَنْ هو أحرص على الدنيا وأشد في اتباع الشهوة وأكثر دهاءً في تحصيل المنافع الشخصية وأبعد عن

[1] سورة الطلاق جزء من الآيتين 2و3

[2] في لقاء المسؤولين والعاملين في نظام الجمهورية الإسلامية 25-11-1999(17 رمضان 1420ه).

[3] صيرورة المجتمع مجتمعًا إسلاميًّا.

106

الصدق والحقيقة، حينذاك تكون النتيجة وصول أمثال عمر بن سعد والشمر وعبيد الله بن زياد إلى سدّة الحكم، وذهاب أمثال الحسين بن عليعليه السلام إلى المذبح، واستشهاده في كربلاء! وهذه قضية منطقية اثنان زائد اثنين تساوي أربعة.

ينبغي ألا يسمح الحريصون [على الإسلام] بتبدل المعايير الإلهية في المجتمع. وإذا ما تبدّل معيار التقوى في المجتمع (وافتقد) فالنتيجة تكون أن يراق دم إنسان تقي كالإمام الحسين بن علي(عليه السلام). فإذا ما أصبح الدهاء والانغماس في الأمور الدنيوية والإيقاع بالآخرين والكذب وإهمال القيم الإسلامية ملاكاً (ومعياراً) في الأفضلية، فإنه من المؤكد أنّ شخصاً كيزيد سيكون على رأس السلطة، وسيكون شخصاً مثل عبيد الله الرجل الأول في العراق. لقد كان مقصد الإسلام تغيير هذه المعايير الباطلة، كذلك فإنّ هاجس ثورتنا وشغلها الوقوف بوجه المعايير الباطلة، والممارسات المادية العالمية الخاطئة والعمل على تغييرها. [1]

التقوى؛ عامل إبعاد منغصات الحياة عن الفرد والمجتمع

ولو كانت الأمة الإسلامية تقية، لأمكنها التحرك في الأزمات، والتغلّب على المشاكل، وعدم سيطرة المشاكل عليها. التفتوا إلى جملة أمير المؤمنين(عليه السلام): “من أخذ بالتقوى عزبت عنه الشدائد بعد دنوّها”، فلو أنّ فرداً -وأقول لو أن شعباً- اتّخذ من التقوى طريق عمل له واتقى، فسوف تبتعد عنه شدائد الحياة حتى لو

[1] في لقاء قادة الكتائب والسرايا والفصائل العاشورائية لقوات التعبئة المقاومة على امتداد البلد، بمناسبة شهادة الإمام السجاد(عليه السلام)، 13/7/1992.

107

كانت قريبة منه. “واحلوّت له الأمور بعد مرارتها، وانفرجت عنه الأمواج بعد تراكمها، وأسهلت له الصعاب بعد إنصابها”[1]. [2]

التقوى عامل تقدم الشباب

تتضاعف قدرات مجتمع النخبة في البلاد -سواء من الفتيات أم من الفتيان والشّباب عمومًا ومن أساتذتهم- في ظل التقوى والورع والعفّة والتوجّه إلى الله، وتسهّل تقدّمهم وصعودهم. من أكبر الامتيازات التي تمتلكونها هو نقاء الشّباب. هذا شيء يبقى مع الإنسان دومًا. ثمّة في فترة الشّباب نقاءٌ ونورٌ يسهّل استنزال الرحمة الإلهيّة على الإنسان، وإذا سهّل الله تعالى الطريق على الإنسان ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى[3]﴾ أي إذا تيسّر العمل ومُهِّدت الأسباب للإنسان ووُفِّرت له المقدمات، فسيصل الإنسان إلى أهدافه بسهولة كبيرة. اعرفوا قدر التقوى والعفّة والإيمان والنقاء والنور الذي تتحلّون به وهو أرضيّة المعنويّة، واطلبوا من الله تعالى أن يعينكم ويعين بلدكم، لنستطيع إن شاء الله الوصول إلى المحطَّات التي نتمنَّاها لبلادنا وشعبنا. [4]

التقوى؛ توجب إصلاح الفهم، والخطاب والعمل

الكلام الأساسي والمهم في جمعنا هذا، أن نتفكّر في

[1] نهج البلاغة، ص313.

[2] خطبة صلاة الجمعة في طهران، 19/8/2005.

[3] سورة الليل، الآية 7

[4] في لقاء المشاركين في المعرض الوطني السابع للنخب الشابة في حسينية الإمام الخميني9-10-2013.

108

مسؤولياتنا، فهي أمر بالغ الخطورة وثقيل، وذو قيمة عالية في نفس الوقت. هذا الأمر لا بدّ من مراعاته والتعهد به. ويجب أن يكون هذا مبلغ سعينا، والذي يتحقق فقط من خلال رعاية التقوى الإلهية. فبمراعاتنا للتقوى تصلح أعمالنا وتتقدّم وتتحقّق نتائجه المرجوة من خلال توافر الظروف اللازمة والابتعاد عن الشوائب والاضطراب الذي يظهر نتيجة فساد أي عمل. فالتقوى تجعلنا نفهم بشكل جيد، وكذلك تصلح أقوالنا وأعمالنا. حينما يفهم الإنسان ويعمل ويبين بالشكل الصحيح، ينال التوفيق الحتمي والرضى والقبول الذي لا مفرّ منه. لذلك فإن التوصية بالتقوى، هي الأكثر في القرآن والروايات للمؤمنين. نحن بحاجة قبل الجميع للتقوى؛ لأنّ مسؤوليتنا ثقيلة، ويقع على عاتقنا جانب من الاقتدار الوطني. فإذا لم توجد التقوى، فإنّ هذه السلطة (الاقتدار) المتعلّقة بالشعب والتي يمسك بأطرافها كل فرد من أفراد المسؤولين الحاضرين هنا، قد تصرف في غير طريقها ومكانها الصحيح. لذلك فإنّ التقوى أهم مسألة بالنسبة إلينا. [1]

آثار تقوى المتكلم والمستمع

إذا كان المتكلم تقياً، فإن الله تعالى يسدده في القول؛ وإذا كان المستمع والعامل مراعياً للتقوى، فإنّ الله تعالى يؤنس قلبه بالحق والحقيقة، ويهديه لاستعمال قوّته وقدرته في تحقيق الحق والعدل. فالتقوى تبعث على الهداية والفرج وقوة العزيمة والإرادة الإنسانية. فلنعدّ هذا الاجتماع مغنماً لأجل الاهتمام بالتقوى. [2]

[1] في لقاء مسؤولي وموظفي النظام، 2/11/2003.

[2] خطبة صلاة الجمعة في طهران، 13/2/2004.

109

إحياء روح النشاط الإسلامي عبر مراعاة التقوى

لا بد وأن تبقى العلاقة القلبية مع الله متينة وقوية. يجب أن تحفظوا وبقوة حال التقوى والورع والمعنوية التي كانت في ثورتنا وما زالت، والتي يجب أن تستمر. في هذا المجال، لا بد وأن يتقدّم الشباب؛ لأنّ أحبّ الناس عند الله، هم الشباب الطاهر والورع والمؤمن. وهذا يستجلب البركات الإلهية، ويُحيي روح النشاط الإسلامي في المجتمع. صونوا هذه العلاقة القلبية والارتباط المعنوي بالله. والله يمدّكم بألطافه وفضله وفيضه وعونه.[1]

التقوى: شرط الاستقامة وثبات القدم

لا بدّ وأن نعمل، لنكون مؤثّرين. أرأيتم الإمام الخميني؟ كان الإمام في فترة المرحوم آية الله البروجردي[2] أستاذاً مرموقاً يعرفه طلبة العلوم الدينية فقط في هذه المدينة[3]. فالطلاب الشباب فضلاً عن الارتباط بالإمام، كانوا يحضرون درسه بكثافة؛ لكن خارج نطاق الحوزة العلمية لم يكن أحد في مدينة قم المقدسة يعرفه بشكل جيد؛ فلم يصل صيته إلى كلّ البلاد إلا لبعض الخواص القلّة والمعدودين الذين خبروا أخلاقه وحضروا درسه الأخلاقي، أو كانوا من معارفه، أو ممّن يسمعون عنه. هذا الإنسان نفسه الذي كان يعيش في زاوية الحوزة العلمية، شبه منقطع عن الناس ومتفرغاً للعلم فقط، حينما تقدّم للميدان،

[1] في لقاء أئمة الجمعة، العلماء، والمسؤولين وفئات مختلفة من أهالي نيشابور، قصر شيرين، سربل ذهاب، كيلان غرب، نفت شهر، سومار... 23/11/1989.

[2] (1253-1340) ه.ش

[3] مدينة قم المقدّسة.

110

كان صلباً ثابتاً، وزلزل القوى العالمية الفولاذية وفتتها حقاً. ولم يستطع أصحاب القوى المادية العالمية بكل تلك الغطرسة، والمظاهر والأبهة، وبكل ما لديهم من أعوان وتابعين لهم، المقاومة أمام ذلك النفس الحماسي، والقدم المحكمة والإنسان الثابت الخطى والصلب؛ نعم وجّهوا سهامهم وأحقادهم، لكنهم أُجبروا على التراجع الواحد تلو الآخر. كيف اكتسب هذا الرجل تلك الاستقامة؟! عبر إيمانه وتقواه وإخلاصه وطهارته. لقد كان إنساناً طاهراً ومخلصاً، ولم تكن الدنيا بذات أهمية بالنسبة له؛ ولم يشكّل له المنصب قيمة أو هدفاً؛ بل كان يفكر بالتكليف الإلهي. [1]

التقوى؛ تفتح الأبواب الموصدة

يخاطب الله تعالى نبيّه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّه﴾[2]. فالتقوى، وضرورة التقوى، ومراعاة التقوى، فخطاب التقوى موجه أيضاً للوجود المقدس للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. لنتذكّر الله ولا ننسَه، ولنراقب أعمالنا وسلوكنا وأقوالنا وحتى أفكارنا وتصوّراتنا. هذا هو معنى التقوى. إذا تحقّق هذا (الأمر) فسوف تنفتح كلّ الطرق المغلقة، وسيُعين الله تعالى الشعب الملتزم بالتقوى في كلّ المراحل والأطوار. [3]

[1] في اجتماع طلاب وفضلاء حوزة قم العلمية، 20/2/1992.

[2] سورة الأحزاب، جزء من الآية 1.

[3] خطبة صلاة الجمعة في طهران في ذكرى شهادة الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) 4/2/2011

111

دور التقوى في تقدّم الأهداف العسكرية للبلاد

نهتمّ في جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بالدين والتقوى، إلى جانب العلم. أقول لكم وخاصة أنتم أيها الشباب: إنّ الشعب الذي يتحرك على أساس الإسلام والدين والقرآن، لا بدّ وأن يكون جيشه متديناً. أنتم تمتازون بالشباب والطهارة والإخلاص. فاسعوا قدر استطاعتكم لتقوية الروح الدينية والنقاء الديني والتقوى في أعمالكم ووظائفكم، وانقلوها معكم إلى داخل الوحدات والأقسام والإدارات حيث مأمورياتكم. [1]

اليوم بحمد الله جيشنا جيش متديّن إجمالاً، وقد اختلف كثيراً عن الماضي؛ لكن لا بد أيضاً وأن يتحرك بشكل أكبر نحو روحية التدين والنقاء والإخلاص. إنّ دور الجيش القوي بالنسبة لبلد ما هو دور حيوي. [2]

قوة جهاز المعلومات؛ مرهونة بالإيمان والتقوى

بشكل عام يوجد مجموعة من الأفراد في الأجهزة المعلوماتية (المخابراتية) العالمية التي تمارس الطغيان والفساد نتيجة سلطتها المعلوماتية. لحسن الحظ، فإنّ جهاز معلومات بلادنا له خصوصية تبعث على الكثير من الأمل. بحمد الله فإن الإيمان والتقوى والالتفات إلى التكليف ومراعاة الحق جزء أصلي من تعليمات جهازنا المعلوماتي؛ حتى إنّ هذه الروحية فيها تفوق ما هو لدى الأجهزة الإجرائية الأخرى. فمن الطبيعي أن يكون هذا

[1] في مراسم مبايعة الأجهزة المعلوماتية، 19/5/1989.

[2] في مراسم توزيع الجوائز، وتخريج ضباط معهد القيادة والأركان وطلاب كلية العلوم العسكرية للقوات البرية، 4/10/1989.

112

الجهاز أكثر إنتاجية من مراكز المعلومات العالمية.

صحيح أنّ جهازنا المعلوماتي (ما زال) شاباً، وفريداً في العالم، ولا يتلقى المساعدات المعتادة والرائجة -التي تستفيد منها أجهزة المعلومات بشكل عام-، لكن نفس روح الإيمان وإخلاص النية واستشعار التكليف والالتزام والاعتناء والتمسك بالقيم الأخلاقية، سيحسّن من أدائكم، وسيعوض النقائص الأخرى؛ قدّروا هذه الروحية.

القوة العسكرية تحت لواء التقوى

إنّ هذه العلوم التي تدرسونها في معهد القيادة والأركان، وكذلك في الكليات الأخرى -مثل كلية الضباط ومراكز من هذا القبيل- تعدّ وسيلة جيدة لا بد وأن تدرج إن شاء الله ضمن ترتيبات وتنظيمات الحرس الثوري، والإخوة في الحرس الثوري عند بداية انضمامهم لا بد وأن يتعرفوا بالشكل المناسب إلى قوانين وفنون الدفاع عن النفس. بالطبع فإلى جانب هذه العلوم، فإن تحصيل الدين والمعتقد والإيمان يفوقها في الأهمية.

من هنا، أنطلق إلى هذه النقطة؛ وهي أنّ الحرس الثوري الإسلامي إذا تحلى بالدين والتقوى والإيمان المرتجى منه، فإنه سيحصّل هذه الفضائل والمناقب التي ذكرتها والتي لم أذكر الكثير منها. أي إنّ أبناء وإخوة الحرس الثوري هم مظهر الإيمان والتقوى. ولأجل هذا العمل، فإن ممثلي الولي الفقيه في الحرس الثوري هم المحور والنقطة المركزية والأصلية. من البدايات، -وحتى قبل تدوين قانون الحرس الثوري الإسلامي- حظي ممثلو

113

الإمام في الحرس الثوري بالمكانة العالية والمرموقة. وهذا حتى يتسنى للحرس حفظ الارتباط المعنوي اللازم بنقطة ومركز القيادة والولاية، وليُفعّل درس الإيمان والتقوى عبر أجيال هذا الجسد العظيم. [1]

د- مضار ومصاديق مجانبة التقوى
مجانبة التقوى؛ خطر يهدّد البشرية

يتوجب علينا نحن المسؤولين مراقبة أنفسنا قبل الجميع؛ وأن نسيطر قبل الجميع على أيدينا، ألسنتنا، أفكارنا، أعيننا، وأعمالنا؛ فالتقوى واجبة علينا قبل الجميع. حينما تغلب على الإنسان مجانبة التقوى، يزداد خطره (بطشه) على البشرية كلما ازدادت قوته. فحينما يُوضع زر إطلاق قنبلة نووية في يد شخص لا يأبه لحياة الناس ولا لحقوق الشعوب، ولا يحسب قيمة للارتداع عن الشهوات النفسية، فإن الأمر يكون خطيراً على البشرية. هؤلاء الأشخاص الذين يتسلحون بالقوى النووية والأسلحة الفتاكة في عالم اليوم، يجب أن يتغلّبوا على أنفسهم ومشاعرهم ويسيطروا عليها، وهذا ما لا يحدث للأسف. لقد نبّه الإسلام إلى هذه القضايا، وهذا سبب عداء المستكبرين للإسلام. [2]

[1] في مراسم الدورة السادسة قيادة وأركان جامعة الإمام الحسين(عليه السلام)، 19/12/1989.

[2] في حشود من عشرات الآلاف من الأفراد في قوافل النور ومن مختلف أطياف الشعب في معسكر دوكوهه، 29/3/2002.

114

انحراف المجتمع بسبب انعدام التقوى لدى الحكام

عندما تقرأون تاريخ الإسلام تشاهدون فترة تحوّلت فيها الخلافة -أي الحكومة القائمة على أسس الدين - إلى مُلك، وكانت هذه المرحلة من أخطر مراحل التاريخ الإسلامي.

طبعًا كان من أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله) الكبار مَنْ حذَّر المجتمع الإسلامي آنذاك من وقوع هذا المحذور، إلّا أنَّ المحذور قد وقع. أما لماذا وقع، وما هي علله، ومن الذي تسبب في وقوعه؟ فلسنا بصدد بحثه، وكانت نتيجة هذه الحادثة أنّ المجتمع الذي بُني على أسس وقيم دينية وإسلامية ـ لغرض صَلاح الإنسان ولإسعاد البشرية ـ قد تغيّر مساره بشكل لا تُحمد عقباه.

عندما تنعدم التقوى في مراكز ومؤسسات حكومة مجتمعٍ ما، ولا يتعزّز وجود الصلاح والدين وأسس المعرفة والهداية، بل تصدر عن ذلك المجتمع مظاهر حب الدنيا والأرستقراطية والمادية واتباع الغرائز والشهوات، فسيكون مصير القيم الأصلية فيه معلوم النتيجة وواضحاً. وهذا ما حدث في برهة زمنية في صدر الإسلام بعد سنوات من رحيل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله). [1]

مجانبة التقوى؛ توجب فساد المجتمع

اليوم وتحت عنوان التجديد تقوم مجموعات بإغراق نفسها بالأموال والدنيا وعبادة الملذات المادية. فهل يعدّ هذا تجديداً؟! إنّ ما أفسد مجتمعنا هو الانغماس بالشهوات؛ بمعنى فقد روح التقوى والإيثار؛ أي فقد تلك الروحية التي يتحلّى بها التعبويّون.

[1] في لقاء مع التعبئة بمناسبة أسبوع التعبئة 28/11/2005

115

لذلك لا بد وأن تبقى التعبئة وسط الميدان لتصون الفضائل الأساسية للثورة. [1]

مجانبة التقوى تؤدي إلى تخلف المسلمين

تبدو الشعوب المسلمة اليوم، ضعيفة أمام تسلّط القوى العالمية، فهي لا تملك علماً كافياً أو تقنيةً متطورةً، أو مهارة في المجالات السياسية المختلفة، لماذا؟ ما هو سبب تخلفنا؟ لأننا فقدنا التقوى، هذه هي الشدائد التي تزول بالتقوى.

فقد قمتم أنتم شعب إيران، بمراعاة التقوى في ثورتكم وفي دفاعكم عن نتائجها، وعن هذا البلد وعن الأصالة الإسلامية والدينية والوطنية. لهذا أنتم اليوم وبحمد الله بنفس النسبة في عزة واقتدار. فبنظر سائر شعوب ودول العالم، وحتى الأعداء، لا يمكن مقارنة عزتكم واقتداركم وعظمتكم مع أكثر البلاد الإسلامية، وكل هذا بسبب التقوى. وسبب كل ما ينقصنا هو عدم التقوى، ويعود فضل كل مقاومة وصمود للتقوى. [2]

ضرر العالِم البعيد عن التقوى

إن الاهتمام بالعلم هو مفتاح مختلف الأقفال. وبالطبع فلا ينبغي أن نغفل عن أن العالِم والعلم يمكنهما أن يكونا مضرّين بالقدر نفسه الذي يكونان مفيدين. “فعندما يمتلك السارق ضوءاً

[1] في لقاء قادة الكتائب والسرايا العاشورائية لقوات التعبئة في البلد، بمناسبة شهادة الإمام السجاد(عليه السلام)، 13/7/1992.

[2] خطبة صلاة الجمعة في طهران في 14 رجب 1421

116

يمكنه اختيار المسروقات بدقة أكثر” .[1] عندما يحصل الإنسان على علم وهو يفتقد التقوى والأمانة والصدق، يمكن أن يتحول إلى كائن ضار، وأن يوظف علمه في غير منافع بلده. لذا من الضروري التحلي بالثقافة والتزكية والأخلاق والمعنويات إلى جانب العلم. ولا شك في ذلك. فما أهون الجاهل وأقل خطره في قبال العالِم العديم التقوى! فالعلم خطر جدًّا إذا لم تلازمه التقوى. [2]

العالِم الذي لديه حرص على الدنيا مرفوض، والعالِم الذي لا يجتنب المحرمات مرفوض، وهذا الأمر لا يعني أنّ على العالم أن لا يتمتّع بملذات الحياة. طبعًا هناك بعض المراتب التي يجب فيها -عقلًا وإنصافًا- غض النظر عن الملذات، والعلماء هم أيضًا مثل بقية الناس يستفيدون من بعض المتع الدنيوية، وقد قال النبي (صلى الله عليه وآله): (قل إنما أنا بشر مثلكم)، حيث ينبغي أن يتمتعوا بالملذات العادية في الحياة، ولكن هناك أمران ممنوعان- الحرص على الدنيا وعدم التورع عن الحرام-، أن يظهر الحرص على الدنيا حتى لو لم يقم بفعل حرام في الظاهر، ولكنّه يسعى جاهدا لجمع مال الدنيا وهذا مخالف للقدسية [الطهارة الروحية والمناقبية العلمية]، أو أن لا يكون لديه [أساسًا] ورع عن الحرام. فيُلاحظ أنّ الغيبة والكذب وارتكاب بعض المحرمات المختلفة -لا سمح الله- تكون لديه سهلة. فوظيفة هذا الجيل هي المحافظة على كرامة الماضين، سواء من حيث الاستمراريّة والتقدم العلمي، أو من حيث المحافظة على الحيثية التقوائيّة والطهارة الأخلاقية. [3]

[1]  مثل فارسي «چو دزدی با چراغ آید گزیده تر برد کالا.»

[2] في مراسم «تعميم» [ارتداء الزي الديني] لمجموعة من طلاب الحوزة وتكريم الطلاب المميزين في قم في ذكرى ولادة الإمام المهدي (عج) المباركة.30/11/1370 هـ

[3] في لقاء أئمة صلاة الجماعة ورجال الدين والمبلغين في رحاب شهر رمضان المبارك. 14/2/1993

117

دور مجانبة التقوى؛ في إذلال الشعب

إن كان في مجتمعنا اليوم من يستغلون مناصبهم أو نفوذهم بأن تكون رفاهية أنفسهم نصب أعينهم بدلاً من الاهتمام برفاهية المجتمع والشعب، وأن يهملوا مصالح الشعب، فهم قد جانبوا التقوى وخالفوها. كما إنّه يوجد بين الناس من يحمل على عاتقه مسؤوليات كبرى، فإذا ما صرفوا أعمارهم في غير طريق الحفاظ على الثورة ومسؤولياتهم الثوريّة الملقاة على عاتقهم، يكونون قد جانبوا التقوى وخالفوها.

وكذلك فإن الاستسلام للأهواء وملذّات الحياة الفانية، واتباعها مع منافاتها للأهداف السامية هو مجانبة للتقوى، وإن هذا الأمر (العمل خلاف التقوى) هو ما ينهك الأمة، ويذلّها، والتقوى هي ما يرفع رأس الأمة عالياً. نحن بحاجةٍ إلى التقوى. [1]

[1] خطبة صلاة الجمعة في طهران، 8/2/1991.

118

الفصل الرابع: أقسام التقوى

التقوى في الشؤون الشخصية شيء، وفي الشؤون الاجتماعية والسياسية والقضايا العامة شيء أصعب وأهم وأكثر تأثيرًا وخطورة بدرجات ودرجات. ما الذي نقوله لأصدقائنا ولأعدائنا؟ هنا تترك التقوى أثرها. قد نخالف شخصًا وقد نعاديه، فكيف نحكم عليه؟ إذا كان حكمكم على الشخص الذي تخالفونه أو تعادونه حكمًا غير واقعي، فهذا انحراف عن جادة التقوى. أكرر هنا الآية الكريمة التي ذكرتها في البداية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾[1] القول السديد هو القول المتين الصحيح الصائب. . هكذا يجب أن نتكلم. أريد أن أقول لشبابنا الأعزاء، الشباب الثوري المؤمن العاشق للإمام أن يراعوا التقوى مراعاة تامة حينما يتحدثون ويكتبون ويبادرون ويعملون. مخالفتنا لشخص يجب أن لا تدفعنا للخروج عن جادة الحق وممارسة الظلم فيما يخص ذلك الشخص، كلا، يجب عدم ارتكاب الظلم.[2] وينبغي عدم ممارسة الظلم ضد أيٍّ كان. إن أصغر أفعالنا تسجّل، ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن

[1] سورة الاحزاب؛ الآية 70

[2] خطبة صلاة الجمعة في طهران في حرم الإمام الخميني في الذكرى الواحدة والعشرين لرحيل الإمام بتاريخ 4/6/2010

119

يعمل مثقال ذرة شراً يره﴾[1] فجميع أفعالنا وأقوالنا وألفاظنا تسجّل ثم نسأل عنها، حيث يوجد محكمة عدل يحاكم الإنسان فيها، وعليه أن يجيب عن الأسئلة. (لربما) أخفقنا عن الإجابة، فالتقوى تعني مراعاة هذه الأمور، والاحتراز في هذه الأمور. [2]

أ- ميادين مراعاة التقوى:
التقوى الفردية والاجتماعية (الجمعية)

على المرء في هذه الساحة الدولية الواسعة أن يرى نفسه في ميدان الحرب. فليس البحث حول السلام والتودّد وأمثالهما. حتى إنّهم حينما يطلقون الكلام اللين فإنهم يحملون خلف ظهورهم خنجرًا مسلولًا، وينتظرون أدنى غفلة لكي يغرزوه في كبد الخصم. لهذا، يجب اليقظة والحذر. إنّني أوصي وأؤكد أن نحفظ هذه اليقظة وهذا الحذر.

في التقوى الفردية ينبغي أن يجعل كلّ واحدٍ منّا نفسه تحت المراقبة الدائمة. التقوى الكاملة هي أن يجعل الإنسان نفسه تحت المراقبة بصورة دائمة؛ كالذي يتحرّك في فناءٍ مليء بالأشواك المؤذية وهذا المثال موجودٌ في الروايات أيضًا وكذلك في كلمات العظماء حيث ينبغي أن يكون حذرًا دومًا؛ فينظر تحت قدميه لأنه إذا غفل فإنّ الأشواك ستخترقه وتمزّق ثيابه وتجرح قدميه. شُبّهت التقوى بالحركة في حقل الأشواك. حسنًا، هذه هي التقوى الفردية، وهي ضرورية؛ وطريق الوصول إلى الفوز والفلاح هو هذا فقط. لو أراد الإنسان أن يصل إلى الفلاح والفوز والنجاة

[1] سورة الزلزلة، الآيتان 7- 8.

[2] في لقاء رئيس ومسؤولي القوة القضائية في 27/6/2011

120

الأبدية فعليه أن يصل إلى التقوى. وكلّما ازدادت هذه الحال ازدادت [فرص] الفوز والفلاح.

ولدينا تقوى جماعية. التقوى الجماعية هي أن تراقب الجماعات نفسها، أن تراقب الجماعة نفسها -من حيث كونها جماعة- . فعدم مراقبة المجموعات أنفسها كمجموعة يؤدّي إلى زلل الأقدام، حتى لمن لديهم تقوى فردية ضمن الجماعة، بسبب هذه الحركة العامة لهذا الجمع، فيصلون إلى حيث لا يريدون. وطوال هذه السنوات الثلاثين تلقّينا ضربات من هذه الجهة. وكان هذا أحد الجوانب التي أظهرنا فيها الضعف. [1]

يجب على أي شعب أن يكون متنبّهًا بشكل جيّد ليعلم أين يضع قدميه ـ وهذه هي التقوى الجمعيّة ـ وليعلم ما ينبغي أن يقوم به، وليلتفت من أين يمكن أن تأتيه الضربة. فإذا كنّا أتقياء في العمل الفرديّ فسنراقب أعمالنا وسنراقب أنفسنا، فلا نضع أقدامنا في المنزلقات والمواضع التي يخشى السقوط فيها. هذا هو الأمر المطلوب. [2]

أما التقوى الاجتماعية فهي تعني أن يتّسم التعامل مع الناس في مختلف الأوساط -سواء في محل الكسب أو في المعاشرة أو في الوسط العائلي أو المدرسي والجامعي أو الوظيفي- بالإنصاف والخشية من الله والأمانة والصدق. وإذا ما تحققت هذه المثل في المجتمع وطُبقت عمليًّا ستجد أغلبُ مشاكل الناس الماديّة والمعنوية طريقها إلى الحلّ. فالتقوى والورع إنما تعني الامتداد الواسع للأعمال الصالحة،

[1] في لقاء نواب مجلس الشورى الإسلامي 29/5/2011

[2] في لقاء أهل قم في ذكرى ( 19 دي) 8/1/2013

121

والمبادرات الخيرة، للأفعال الحسنة والتروكات الحسنة .[1]

لا فرق بين التقوى العامة والاجتماعية وبين التقوى الفردية؛ ففي التقوى الفردية -والصوم هو للتقوى، وشهر الصيام شهر اكتساب التقوى- من يلتزم بالتقوى، يحصل على صيانة وحصانة داخلية، كالذي يتحصّن بالتلقيح، بحيث إذا دخل بيئة ملوثة بالجراثيم، لا يتأثر بها، وهكذا هي التقوى؛ فإنها تحول دون أن تؤثر عليكم البيئة الخارجية أو تحول دون أن تترك أثرها عليكم بسهولة على أقل تقدير. هذه هي التقوى الفردية. وكذلك الحال في التقوى الوطنية، فلو قام شعب بتقوية نفسه من الداخل، وتقوية علمه وصناعته وإيمانه وثقافته، لا يمكن للقوى الخارجية أن تترك أثرها عليه. هذه هي الخطّة التي يجب علينا جميعًا وكذلك على العالم الإسلامي العمل بها. [2]

النسبة بين الموقع الاجتماعي والتقوى

ليس لأحد في نظام الجمهورية الإسلامية الخروج عن جادة التقوى بما يتناسب وموقعه، فالتقوى التي تقتضيها مسؤوليتي الحالية -وحريّ بي أن أستجير بالله لمواطن الضعف والمساوئ الكثيرة الكامنة فيّ- تختلف عن التقوى الضرورية للأخ الذي يقود أحد أفواج الحرس، فعليه الالتزام بالتقوى بالحد اللازم (الموافقة) لموقعه وإلّا فليطمئن من تحت إمرته بأنّ قيادته لن تدوم. وهكذا بنفس الترتيب صعوداً ووصولاً إلى منصبي، فإذا

[1]  في لقاء أعضاء هيئة إقامة صلاة الجمعة في كافة المناطق 8/1/2013

[2] في لقاء مسؤولي النظام وسفراء البلدان الإسلامية بمناسبة عيد الفطر 18/7/2015

122

ما حصلت مخالفة ستتلاشى تلك المواهب التي وهبها الله لي كما يذوب الجليد تحت أشعة الشمس من دون تدخّل من أحد. [1]

التقوى العامة (عامة الناس)

من المؤكد أنّ التقوى العامة، وتقوى الأمة، مغايرة للتقوى الفردية. فالتقوى العامة تعني كما في الحالة التي كانت تصدر فيها إشارة من الإمام الخميني، يلبي المجتمع قاطبة وبصورة مدهشة. هذه الأمة التي نصفها بأنها تقية. وهذا لا يعني أننا سنجد ميزان الورع والتقوى عند كل فرد بنحو كامل، كلا، فالأغلبية لديها فراغ ونقص. لكن المجموعة هي مجموعة مؤمنة وتقية، وهذا حتماً فخر كبير للأمة، لكن لا بد وأن نهتمّ ونفكّر جميعاً بأنفسنا.

إذا قيل إنّ إحدى الأمم تتصف بالتقوى والإيمان والإخلاص، فلا يحق لأي فرد من الأمة أن ينسب ذلك لنفسه، ويُعدّ نفسه تقياً ومخلصاً لأنه جزء من هذه الأمة التقية والمخلصة! كلا، “عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ”[2] ؛ زنوا أنفسكم فرادى. الجميع قادر على ذلك، فلا أحد يجهل وزن نفسه إجمالاً. [3]

التقوى السياسية

التقوى السياسية تعني أن يسعى كل شخص يعمل في المجال السياسي لمراعاة الصدق والمواساة والرحمة في القضايا السياسية. أن تكون السياسة بمعنى الوشاية والخديعة والكذب

[1]  في لقاء مسؤولي وقادة الحرس الثوري الإسلامي وممثلي الولي الفقيه في هذه المؤسسة 20/9/1990

[2] سورة المائدة، جزء من الآية 105.

[3] في لقاء مسؤولي وقادة الحرس الثوري الإسلامي 20/9/1990م.

123

على الرأي العام الشعبي، فهي أمر غير مقبول في الإسلام. السياسة تعني الإدارة الصحيحة للمجتمع، وهذا جزء من الدين. التقوى السياسية تعني أن يعمل الإنسان صادقاً في المجال السياسي. [1]

أهمية مراعاة التقوى في التحليل السياسي

ليس صحيحاً أن تكون كل المواقف التي يتّخذها أفراد الشعب -ومن جملتهم الطلّاب الجامعيّون الذين هم من الفئات الرائدة- متماثلة، وصدى للآراء التي يطرحها القائد! كلّا، أنتم بعنوان أناس مسلمين ومؤمنين وأهل فكر، يجب أن تنظروا وتستشعروا تكليفكم، وأن يكون لديكم تحليل ورأي -وسأوضح الأمر لاحقًا- حول الأشخاص والتيارات والسياسات والحكومات، أن تمتلكوا مواقف وآراء. وليس صحيحاً أن تبقوا منتظرين لتروا ما هو الموقف الذي يتّخذه القائد بالنسبة إلى الشخص الفلانيّ، أو الحركة الفلانيّة، أو العمل الفلانيّ، أو السياسة الفلانية، ومن ثمّ تتخذون موقفًا على أساس ذلك الموقف؛ كلّا، فبهذا الشكل ستصل الأمور إلى حائط مسدود. لدى القائد واجبات، وسيقوم بها إن أعانه الله تعالى ووفقه لإنجازها؛ وكذلك أنتم لديكم واجبات، أيضًا.

انظروا إلى الساحة ومن ثم خذوا الموقف المناسب؛ منتهى الأمر أنّ المعيار ينبغي أن يكون التقوى، فلتكن التقوى معياراً للمواقف والآراء. التقوى هي أن لا يصبح الإنسان أسير هوى النفس في تأييده ودعمه أو في مخالفته ومعارضته ولا في انتقاده أو

[1] في لقاء أعضاء هيئة إقامة صلاة الجمعة في كافة أنحاء البلاد، 5/5/1381ه.ش، 27/7/2002م.

124

مدحه [للأشخاص أو التيارات]، راعوا التقوى في مواقفكم، فإذا فعلتم، فسيكون الانتقاد جيدًا وكذلك التأييد والمدح، سواء كانا للشخصيات أو للحكومة أو للتيار السياسي الفلاني أو للحادثة السياسية الفلانية؛ لا يوجد أي إشكال في هذا. [1]

التقوى الاقتصادية

التقوى الاقتصاديّة تعني إذا ما اضطرّ المرء للقيام بنشاط اقتصادي لإمرار معيشته وتحسين وضعه فعليه أن ينتخب الطريق الصحيح، فالغصب وأكل الحرام والتطاول على أموال الآخرين -لا سيما الأموال العامة- واستغلال إنجاز عامة الشعب للمصالح الشخصية، والتوسّل بالحيل التي قد يستنبطها القانون بظاهره أحيانًا، لكنّ المرء يعلم مدى فساد باطنها وانحرافها، هذه جميعًا تتنافى مع التقوى الاقتصادية. [2]

وأبدأ بالحديث حول القضية الاقتصادية بأن شهر رمضان شهر التقوى، ولكن ما هي التقوى؟ التقوى هي عبارة عن حال المراقبة المستمرة التي تؤدي بالإنسان إلى عدم الدخول في المتاهات وعدم الوقوع في الأراضي الشائكة. والتقوى في الحقيقة هي درع تقي الإنسان من ضرر السهام المسمومة، التي تصونه من الضربات المعنوية المهلكة، ولا يتلخص هذا بالطبع في المسائل المعنوية، ﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يجعَل لَه مَخرَجًا * وَيَرزُقهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِب﴾، بل تترك آثارًا بالغة الأهمية في الشؤون الدنيوية

[1] في لقاء مع الطلاب في 25/رمضان 1435ه 23/7/2014م.

[2] في لقاء مع أعضاء ستاد صلاة الجمعة في مختلف أنحاء البلاد، 27/7/2002م.

125

أيضًا، وهذه هي التقوى الشخصية.

والكلام ذاته يجري حول المجتمع والبلد. فما هي تقوى المجتمع؟ وما هي تقوى البلد؟ إن المجتمع الذي يتعرض للهجوم، ويصبح غرضًا للسهام المسمومة، لا سيما إذا كان يحمل ـ كالمجتمع في نظام الجمهورية الإسلامية ـ أهدافًا عالية وسامية، يحتاج إلى تقوى، ولكن ما هي تقوى المجتمع؟ يمكن تحديد التقوى الاجتماعية في شتى المجالات، وفي المجال الاقتصادي تتمثل تقوى المجتمع في الاقتصاد المقاوم. فإن أردنا في حقل الاقتصاد صيانة أنفسنا من أضرار الهزات الناجمة عن الأحداث العالمية ومن السهام المسمومة لسياسات العالم المناهضة، لا مناص لنا سوى اللجوء إلى الاقتصاد المقاوم. فإنه عاملٌ للتحصين أمام أولئك الأشخاص وتلك القوى التي باتت توظّف كل طاقاتها الاقتصادية والسياسية والإعلامية والأمنية للنيل من هذا الشعب وهذا البلد وهذا النظام، وإن من السبل التي عثروا عليها في الحال الحاضر النفوذ من خلال الاقتصاد. [1]

التقوى في الوسط الرياضي

لا بد وأن يكون الوسط الرياضي وسطاً معنوياً. كما محيط أبطالنا الرياضين القدامى؛ فقد كانوا يقبّلون تراب الحلبة، عندما كانوا يردون الملعب الرياضي؛ كانوا يبدأون رياضتهم دائماً باسم الله وينهونها باسم الله، يفتتحون باسم الله ويختمون بالدعاء؛ بلدنا على هذا النحو هو من البلدان التي يتميز وسطها

[1] في لقاء مع مسؤولي النظام في السادس من شهر رمضان المبارك عام 1436ه في حسينية الإمام الخميني (رح) في 23/6/2015

126

الرياضي بأنه فضاء معنوي، شهم، مؤمن، تقي، عفيف، وورع، وهو فضاء المعنوية والتألق الروحي والنفسي. [1]

ب- مصاديق التقوى
1- الصمود والمقاومة

إن الأمة الإسلامية بأجمعها وخاصة الشعوب الناهضة بحاجة إلى عنصرين أساسَين:

الأول: مواصلة النهوض، والحذر الشديد من وهن العزم الراسخ. الأمر الإلهي للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن الكريم هو: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ﴾.

و﴿فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾وفي الكتاب الكريم على لسان موسى قوله سبحانه:

﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾.

إنّ مصداق التقوى البارز للشعوب الثائرة في هذه الفترة يتمثل في عدم توقّف حركتها المباركة، وأن لا تُشغلنا منجزات هذه المرحلة. هذا هو القسم الأعظم من التقوى التي وُعد أصحابها بعاقبة الخير العميم.

الثاني: الوعي واليقظة أمام ما يكيده المستكبرون الدوليون والقوى التي صُفعت جرّاء هذه الثورات والنهضات. هؤلاء سوف

[1] في مراسم افتتاحية المناورة الثقافية الرياضية للجرحى ومعوّقي البلد، 15/6/1376ه.ش، 6/9/1997م.

127

لن يقفوا مكتوفي الأيدي، بل سيتوجهون إلى الساحة بكل قواهم السياسية والأمنية والمالية لاستعادة نفوذهم واقتدارهم في هذه البلدان. [1]

2- معرفة العدو

لا بد وأن يتحلى كل فرد من الإخوة في الحرس الثوري بالتدين والتقوى؛ أي الطهارة والعمل وفق المعايير الدينية. وهذه هي المسؤولية الأساسية؛ أي العلم والعمل والمعرفة والوعي الديني. من المؤكد أنّ المعرفة والوعي الديني يشمل القضايا السياسية أيضاً ولا ينحصر بالصلاة والصوم وأمثالهما فقط. إنّ معرفة العدو ومعرفة الصديق، ومعرفة القضية والقدرة على تحليل القضايا السياسية جزء من المعرفة والعمل الديني أيضاً. وهذا هو التكليف الأساسي للنواب، حيث لا بد وأن يكون حضورهم وفق هذه القضية في كافة مستويات الحرس الثوري. [2]

3- إجراء العدالة

إذا صدق عنوان جرمي على حركة ما أو كلامٍ ما، فمثل هذا العنوان الإجرامي بالطبع يستحق التعقب؛ وعلى الأجهزة المسؤولة تعقبه ومعاقبته؛ ولكن عندما لا يصدق عليه هذا العنوان الجرمي، وإنما يخالف أسلوبنا السياسي ونهجنا ومذاقنا، من دون أن يكون بصدد الإطاحة [ بالنظام] والخيانة وتطبيق

[1] رسالة إلى مؤتمر الحج العظيم 5/10/2011

[2] في لقاء مسؤولي مكاتب ممثليات الولي الفقيه في الحرس الثوري الإسلامي، 7/11/1368ه.ش، 27/1/1990م.

128

أوامر العدوّ في البلد، فلا يمكننا أن نحرمه الأمن والعدالة، ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ﴾. فالقرآن يأمرنا قائلًا: لا ينبغي أن تكون مخالفتكم لقومٍ ما سببًا للدّوس على العدالة وتناسيها؛ ﴿اعْدِلُواْ﴾، أجروا العدالة حتى بما يتعلّق بمن يخالفكم؛ ﴿هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾، إيّاكم أن تتصوّروا أنّ التقوى تعني أن نسحق من يُخالفنا. كلا، فإنّ إجراء العدالة يتوافق مع التقوى. فعلينا جميعًا أن نكون حذرين وواعين. [1]

[1] في الذكرى الثانية والعشرين من وفاة الإمام الخميني 5/11/2011

129

الفصل الخامس: أهمية التقوى للخواص

1- رجال الدين (علماء الدين)

مراعاة التقوى؛ من التكاليف الأساسية لرجال الدين

أما السؤال: “هل نحن علماء الدين ندرك التكاليف الملقاة على عاتقنا اليوم، أم لا؟” إنّ هذه مسألة غاية في الأهمية. فمع هذا الشعاع الممتد، ومع هذه الأهمية (الأثر) التي أوجدها اليوم هذا الزي (العلمائي) في العالم، ما هي وظيفتنا؟ إنها الوظائف الثلاث نفسها المذكورة لأهل العلم: أولاً، الوظيفة العلمية؛ [أي] الصيرورة عالماً، والحديث عن العلم[1]؛ لأن هذا اللباس هو لباس العلم.

ثانياً: وظيفة التقوى؛ أي بسط الخطى على طريق التقوى بشكل حقيقي وامتلاك المبنى القطعي والعملي على صحة العمل.

ثالثاً: الوعي السياسي؛ حيث إنّ خطأي وخطأكم ليس خطأً فردياً؛ هو خطأ جماعي كما يُنظر إلينا [كجماعة العلماء]. اليوم أنظار القوات المسلحة، تتوجه إلى رجل الدين؛ أنظار الدوائر الحكومية تتوجه إلى رجل الدين، أنظار مصانعنا تتوجه نحو رجل الدين؛ وكذلك أفراد الشعب، تتوجه أنظارهم نحو رجل الدين. فالناس يريدون أن يتعلّموا من رجل الدين حيثما كان. وهذا ما يزيد في ثقل المسؤولية والوظيفة علينا كثيراً. [2]

[1] عن علم ووعي.

[2] في لقاء جمعٍ من علماء ورجال الدين من مدينة تبريز، 5/5/1372ه.ش، 26/7/1993م.

131

الشخصيات والوجوه التي نعرفها ونراها خلال هذه السنوات لها وجود وحديث وسجية مؤثرة، زاهدون في زخارف الدنيا، ولا يستجيبون لأهوائهم وشهواتهم، بل يتصدون لها ويحتقرونها.

نحن لا يمكننا أن نكون في قبال الأهداف العظيمة كأمير المؤمنين علي(عليه السلام) -وهو نفسه ذكر ذلك-، لكننا نستطيع أن نحفظ ونقوي بداخلنا الورع والتقوى وعدم الحرص وعدم الطمع. اليوم تعدّ هذه المهمة وظيفةً مطلوبةً لرجال الدين، ولا بد وأن تُولى اهتماماً كبيراً من قبل الطلاب والفضلاء ومن يحمل مسؤولية رجال الدين والعاملين في هذا المجال؛ فهذا الطريق هو مسير أنبياء الله، وأيضاً مسير شخصيات مثل أمير المؤمنين(عليه السلام) الذي لم يكترث -ولو قليلاً- لأمر هذه الدنيا. هذا الطريق لا بد وأن يُقطع بهذا النحو، فيقابل المستكبرين بالشجاعة والشهامة ويحرك ضمائر الناس.

ضرورة مراعاة شأنية علماء الدين

اليوم إذا خرج رجل الدين من ثوبه واستبدّ وتسلط وأساء الاستفادة، وإذا صدر عنه عمل نتيجة ضعف التقوى والورع وكان الناس ملتفّون حوله ويثقون به، فكلّ عمل من تلك الأعمال مثل صفعةٍ يوجّهها لا جبران لها. من هذه الجهة، فإنّ وضعنا نحن رجال الدين اليوم وضع استثنائي؛ أي مختلف عما كان عليه قبل الثورة. كما إنّه في فترة ما قبل الثورة أيضًا كان فساد أحد من رجال الدين يطال الجميع، أما اليوم ولأن النظام هو نظام إسلامي ولأن رجال الدين هم مظهر الإسلام، فإن الفساد لن يمسّ مجموعة من رجال الدين [وحسب] -أو حتى جماعة رجال الدين- بل سيطال الإسلام؛ الأمر الذي لا يمكن إصلاحه بسهولة أيضاً.

132

الدعوة إلى التقوى؛ من مهام رجال الدين

من الجيد أن يقوم العلماء الأعلام وأئمة الجمعة والجماعة المحترمون والخطباء والمبلغون بتوصية الناس بالتقوى والتوكل والصبر وذلك من خلال تأثير كلامهم بين الفئات المختلفة، كذلك توعيتهم أمام مكر وخدع الأعداء، وإحياء وظيفة الإسلام وثورة الدفاع عن الجمهورية الإسلامية في وجدانهم دائماً.

أعزائي! ذكرت اليوم في اجتماع شعبي مسألتين في غاية الأهمية: إحداهما تشجيع الناس وإكسابهم مهارة المشاركة في إعادة الإعمار، والأخرى تهذيب أخلاق الناس والعمل على تدينهم. لا بد وأن يصبح الناس أهل دين وعبادة وعقيدة؛ أي لا بد من الترويج للتقوى والبعد عن المعصية والخوف من الله ومراقبة النفس بينهم وفي أوساطهم. وهذا يتحقق من خلال علماء الدين. . . اليوم لا بد وأن يعمّر هذا البلد، فهنا مملكة الإسلام ومملكة القرآن ومملكة صاحب الزمان، مملكة أهل بيت النبي، ومملكة الأئمة المعصومين(عليهم السلام). إنّ صيت الإسلام والقرآن وأهل بيت النبي يتحقق في ازدهار وإعادة إعمار هذا البلد الإسلامي. فإذا عجز نظام الجمهورية الإسلامية عن إعمار هذا البلد، فإن أصحاب الذرائع سيتهمون الإسلام بالعجز، ويُذهبون ماء وجه الإسلام والقرآن وأهل البيت في بلدنا كما في العالم أيضاً. اليوم إعادة إعمار هذا البلد تُعدّ فريضة. لا بد وأن يعمر هذا البلد. [1]

أدّلة حاجة علماء الدين المضاعفة إلى التقوى

الكلّ يحتاج إلى التقوى؛ أنا وأنتم نحتاج إلى التقوى لأمرين:

الأمر الأوّل؛ إذا عملنا من غير تقوى وأُصبنا إثر ذلك بخسارة

[1] في لقاء رجال دين محافظة مازندران، 22/7/1374ه.ش، 14/10/1995م.

133

فإنها تنزل بالإسلام لا بنا، وعندها يكون الوزر والوبال علينا.

لقد ذكرت على ما يخطر ببالي في إحدى خطب صلوات الجمعة قصة لمولوي [الحكيم والشاعر المعروف] ما زلت كلما تذكرتها اهتزّ [كياني]، وحاصلها أنه كان في إحدى المدن الإسلاميّة محلّة يقطنها النصارى، وقد تعلّق قلب إحدى الفتيات المسيحيات بالإسلام ورغبت في اعتناقه، وقاطعت الكنيسة والمراسيم الدينيّة فيها، وقد احتار والدها في أمرها، وحدث أن عثر على قارئ قبيح الصوت، فأعطاه الأب مالًا، وقال له: أذّن عند بيتنا، فعندما أذّن ذلك الشخص وارتفع صوته النكر أصاب الذعر أهالي المحلّة، فسألت الفتاة ما الخبر؟ فأجابها الأب لا شيء إنه أذان المسلمين فقالت الفتاة: أهؤلاء هم المسلمون؟. . وزال حبّ الإسلام من قلبها.

هذه القصة يذكرها مولوي في كتابه (مثنوي) وهو كتاب مليء بالحكمة وهذه من حكمه، فإن من يريد النظر إلى الإسلام ]ينظر [من خلالنا، وبواسطتنا يتعرّفون إلى الحقائق الإسلاميّة، وعندما نخطئ يحسب خطأنا على الإسلام، وإخفاق المسلمين لا سمح الله يحسب على الإسلام أيضًا، فيقولون إنّ الإسلام فشل، ولا يقولون إنّ مجموعة من الناس لم تفهم الإسلام، ولم تعمل به بالشكل الصحيح وهي قد أخفقت. .

إنّ أقلّ فشل تُصاب به أمّتنا اليوم يؤدي إلى تراجع الصحوة الإسلاميّة خمسين سنة أو أكثر إلى الوراء، فهؤلاء الشباب في أفريقيا وآسيا وغرب آسيا، وحتى في مدن البلدان الأوروبيّة يهتفون باسم الإسلام ويتحرّكون باسم الجمهورية الإسلاميّة؛ هؤلاء قد شاهدوا (عاينوا) تقدّم الإسلام مع ذلك الإمام، مع تلك الشخصية النورانية، مع تلك الكلمات النورانيّة، مع تلك الإدارة الإلهيّة للمجتمع، ومع تلك التقوى التي تدفّقت من قمة

134

المجتمع وشملت جميع أطيافه ببركة الثورة. فإن حصل إخفاق أو فشل أو عمل سيّئ سيتغير الجميع، ويتجرّأ العدو.

الأمر الثاني: إنّ حركة هذا النظام ونجاحه لا تتحقّق إلا ببركة التقوى.

وهذه خصوصيّة النظام الإلهي، فنظام الحق لا يتقدم إلا بالتقوى، أما نظام الباطل المقابل لنظام الحق فهو شكل آخر، وهناك ثمة أصول وقواعد يجب الالتزام بها أيضًا حتى يمكن التقدم، أما التقوى فهي بمعنى الطهارة والنقاء والورع ورعاية كل القيم المطلوبة في مجتمع إسلامي عقائدي. أما في جبهة الباطل فهذه الأمور ليست لازمة، فهؤلاء لما كانوا غير ملتزمين، لا يتورّعون عن الأساليب الباطلة ولا تهمهم النتائج القبيحة. فهم يقتحمون ويتحركون ويفقدون شيئًا ويكسبون آخر. أما جبهة الحق فليست كذلك، فهي لا تستطيع الوقوف بوجه الباطل والتقدم إلا عندما تكون مع الله ومتحلّية بالتقوى فقط لا غير. [1]

2- المسؤولون

التقوى ونمط الإمام علي (عليه السلام) السياسي

من خصائص الإمام علي في هذه السياسة أنّه بعيد عن المكر والخداع. رُويت عبارةٌ عنه (عليه السلام): “لولا التقوى لكنت أدهى العرب”.[2] لولا أنّ التقوى تقيّدني لكنت أشدّ حيلةً ومكرًا من كلّ دهاة العرب وماكريهم. وفي موضع آخر حين يقارن بينه وبين معاوية - لأنّ

[1]  في لقاء المسؤولين والمديرين في نظام الجمهورية الإسلامية 14/8/1991

[2] الكافي، ج8، ص22.

135

معاوية كان مشهورًا بالدهاء والمكر في الحكومة - يقول حسب ما يروى: “والله ما معاوية بأدهى منّي”[1] ، ولكن ماذا يفعل علي في النهاية؟ عندما يراعي التقوى والأخلاق، يكفّ لسانه ويده. هذا هو منهج أمير المؤمنين. حين لا تكون هنالك تقوى يُطلق لسانُ المرءِ ويداه فيستطيع أن يقول أيّ شيء؛ يمكنه أن يقول أشياء على خلاف الواقع؛ يستطيع القذف، وتوجيه التهم، والكذب على الناس، ونقض العهود، والميل [محاباة] لأعداء الصراط المستقيم. هكذا ستكون الحال حينما لا يكون هنالك تقوى. يقول أمير المؤمنين: لقد اخترت السياسة بمعيّة التقوى. لذلك لا نجد في منهج الإمام علي مكرًا وحيلًا وأعمالًا قذرة؛ فهو إنسانٌ طاهر. [2]

حاجة المسؤولين المضاعفة للتقوى

بالرغم من أن الجميع مسؤولون في مجتمعنا الإسلامي بيد أن المسؤولية كلما تضاعفت وازداد العبء ثقلًا تضاعفت الحاجة للتقوى وزادها ومتاعها؛ وعلى الذين ينهضون بعبء المسؤولية في المجتمع أن يضاعفوا من زاد تقواهم ليعلموا ما هم صانعون، وليدركوا ما إذا كان قولهم وعملهم مدعاة لرضى الله أم لا! وليتخذوا من ذلك معيارًا وملاكًا لهم؛ فتالله لئن اعتصمنا بالتقوى لن تفلح أعتى القوى المادية في حرفنا قيد أنملة عن الطريق القويم الذي نسلكه. [3]

[1]  نهج البلاغة، الخطبة رقم 200.

[2] خطبة صلاة الجمعة في طهران 11/9/2009

[3] في خطبتي صلاة الجمعة طهران 30/3/1990

136

تقوى الموظفين

بالنسبة إليّ وإليكم، نحن الذين تقع على كواهلنا مسؤوليات في قطاعات العمل الحكومي أو لدينا نفوذ في بعض الدوائر الاجتماعية المحدّدة، إن تكليفنا فيما يتعلق بالاستغفار والتوبة إلى الله والإنابة إلى الله أشد ثقلًا، وعلينا أن نكون مراقبين جدًا، فأحيانًا قد تحصل مخالفة ضمن المجموعة العاملة عندي أو عندكم، فإذا تعلّقت هذه المخالفة بنحوٍ ما بنا، نكون مسؤولين. كأن نقصّر في الإبلاغ عنها، أو نقصّر في اختيار هذا الشخص، أو نقصّر في التعامل مع هذه المخالفة، وهو ما يؤدي إلى وقوع هذه المخالفة. ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾(التحريم، الآية6).

والنتيجة، فإن علينا أن نراقب أنفسنا في شهر رمضان مهما أمكن، ونصلح سلوكاتنا وأفكارنا وأقوالنا وأعمالنا، ونبحث عن الإشكالات الموجودة فيها لنتخلص منها. ومثل هذا الإصلاح يكون على طريق التقوى. فالله تعالى يقول في آية الصيام الشريفة:﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة، الآية 183) الصيام لأجل التقوى.

لهذا فإن ما نسعى إليه في شهر رمضان المبارك يكون باتجاه التقوى. وقد دوّنت في باب التقوى جملة أذكرها هنا: ففي أغلب الأوقات عندما تُذكر التقوى ينصرف ذهن الإنسان إلى مراعاة ظواهر الشرع والمحرمات والواجبات المطروحة أمامنا، أن نصلّي وندفع الحقوق الشرعية، أن نصوم ولا نكذب. ولا شك بأن هذه الأمور مهمّة، لكن للتقوى أبعادًا أخرى غالبًا ما نغفل عنها، ففي دعاء مكارم الأخلاق يوجد فقرة تبيّن هذه الأبعاد: “اللهم صلِّ على محمد وآله وحلّني بحلية الصالحين وألبسني زينة المتقين”، فما هو لباس المتقين؟ فيأتي الشرح اللافت: “في بسط العدل وكظم

137

الغيظ وإطفاء النائرة” أي في إخماد الغضب وإطفاء النيران التي تندلع (تتأجج) بين أفراد المجتمع، “وضمّ أهل الفرقة” أولئك الذين كانوا منكم وانفصلوا عنكم اسعوا إلى أن تستعيدوهم.

فهذه من موارد التقوى التي أشير إليها في دعاء مكارم الأخلاق، الدعاء العشرين للصحيفة السجادية المباركة. وهذا الدعاء دعاء مهمٌّ جدًّا. وفي رأيي إنّه يجب علينا جميعًا وخصوصًا العاملين أن نقرأ هذا الدعاء وندقق في مضامينه الملهمة، “وإصلاح ذات البين”، فبدلًا من إشعال النيران والإذاعة وإلقاء الخلاف والتفرقة نقوم بإصلاح ذات البين بين الإخوة المؤمنين والمسلمين ونوجد الائتلاف، هذه هي التقوى.

لاحظوا: إن هذه كلها تُعدّ من قضايانا المعاصرة: إشاعة العدل وبسطه في القضاء والاقتصاد والخيارات [1]وتوزيع الثروات والفرص الموجودة في البلاد بين أطياف الشعب، العدالة الجغرافية، هذه جميعها قضايا مهمة جدًا، وهي مورد حاجتنا. فبسط العدل يُعدّ أرفع أنواع التقوى، فهو أعلى مقاماً من صلاة جيدة وصوم يوم في صيف حار. فقد ورد في حديثٍ: إن كل أميرٍ -الأمير يُقصد به أنتم، كل من يدير جهازًا ويكون حكمه نافذًا فيه- يحكم يومًا واحدًا بالعدل فكأنه قد عبد الله سبعين سنة، ومثل هذه القضايا الفائقة الأهمية تدلنا على أهمية العدالة والسلوك العادل. [2]

[1]  ربما المقصود: في الاستخدام والمشاريع.

[2]  في لقاء مع موظفي النظام 18/8/2010.

138

ضرورة تحلي المسؤولين بالتقوى

متى ستنعم الدنيا بالعدالة والتقوى؟ عندما يتحلّى صنّاع القرار في العالم ــ زعماء الدول وقادة الشعوب ــ بالعدالة والتقوى، وإلّا فلو ابتعد مسؤولو أي بلد -كما في النظام الطاغوتي- أميالًا عنهما فلن يتحقق هنالك أي معنًى للعدالة والتقوى.

وبناءً على هذا، فلا بدّ من صلاح الأساس؛ وذلك ما يتمثّل في النظام والحكم الذي تُرسى قواعده على أساس الأحكام الإلهية، ويتمتع المسؤولون فيه بالعدالة والتقوى؛ وهذا ما كان يسعى إليه أبناء الشعب -وكذا شأنهم في الوقت الحاضر- وإذا ما أردنا لديننا ودنيانا الخلاص من الأزمات فعلينا التمسّك بهذا المبدأ، وهو إرساء قواعد العدل والتقوى. [1]

التقوى؛ نصيحة خيرة إلى المسؤولين

توقعي من المسؤولين هو التالي؛ أنه الآن وقد ازداد العدو بطشاً، فإن مؤازرتكم بعضكم بعضاً تمنحكم القوة وتدعمكم. التقوى، التقوى، التقوى، والصبر، عدم التقهقر في الميدان، ملاحظة مصالح البلاد، وتركيز كل الطاقات والقدرات لأجل حلّ مشكلات الشعب ومشكلات البلاد؛ هذا هو توقعنا. نأمل إن شاء الله أن تكون هذه النصيحة الخيرة والودودة محل اهتمام السادة المسؤولين، وخاصة أصحاب القرارات العليا؛ وأن يلتزموا بهذه المسألة.

من مصاديق تقوى المسؤولين: الالتزام بالقانون

من حالات التقوى التي ينبغي أن تتجلّى في المسؤولين والنظام هي الالتزام بحدود القانون في كافة المجالات، وعدم تجاوز ما وضعه الدستور والقوانين المعتبرة لمختلف الدوائر والأجهزة، فتجاوز هذه

[1] في لقاء الشعب بمناسبة 19 دي ذكرى انتفاضة قم الموافق 9/1/2002

139

القوانين ينجم عنه في بعض الحالات المشكلة الكبرى المتمثّلة بالفساد الاقتصادي وفساد الأجهزة المسؤولة، أو أنه يؤدّي إلى التضارب بين شتّى الأجهزة وتشتتها، وإلى سجالات مضرّة مفسدة. [1]

الالتزام بالتقوى من لوازم المسؤولية في مختلف المؤسسات

هنالك ثلاث خصال يتعيّن توافرها لدى المسؤولين، وما إن توافرت هذه الخصال فيهم حينها يتسنّى لهذه القوة الشعبية العملاقة الوقوف بوجه خبث الأعداء وممارساتهم الدنيئة، وهذه الخصال عبارة عن: التقوى والشجاعة والبصيرة؛ فلا بدّ لمسؤولي البلاد ــ ولا فرق بينهم حيثما كانوا في سلطات البلاد كافة، سواء كان المسؤول حكوميًا أو قاضيًا أو نائبًا في المجلس أو عضوًا في مجلس صيانة الدستور أو في مجلس الخبراء أو من القادة في القوات المسلحة ــ من التحلّي بهذه الخصال الثلاث من أجل منعة البلاد؛ فلو فقدت التقوى؛ حلّ الدمار بكل شيء، وبالتقوى يسير كلّ ما يتخذه الإنسان من مواقف وما ينطق به لمصلحة الشعب ولنيل رضى الله سبحانه. وفي مثل هذه الحال سيغدو الصراط المستقيم سالكًا؛ أما إذا فُقدت التقوى؛ فإنّ ما يتفوّه به المرء، أو يقْدم عليه، أو ما يصدر عنه من قرارات سيكون صدوره عن عصبية وضغينة وطمع. [2]

تقوى المسؤولين: ترجمة أهداف الثورة عملياً

إذا ما أردنا إبراز التقوى في حياتنا وأعمالنا وسلوكنا -إذ ليس كافيًا ادعاء التقوى والتلفّظ بها، ولا بدّ من التحلّي بالتقوى والورع حقًا- فإن أهم ميادين تجلّي التقوى بالنسبة إلينا نحن المسؤولين

[1]  في لقاء مسؤولي وموظفي النظام 2/11/2003

[2] في لقاء وفد شعبي بمناسبة ذكرى انتفاضة أهالي قم (19 دي) 9/1/2002

140

هو ميدان المسؤوليات الاجتماعية، ففيها ينبغي تجسيد التقوى، والعمل بجدّية من أجل أهداف الثورة، فللثورة الإسلامية أهداف وشعارات، وقد بُذلت أرواح طاهرة ودماء من أجل تحقيقها؛ وهذه الأهداف تتمثّل في التكامل المعنوي والمادي والرقي الأخلاقي، وبلوغ البلاد والمجتمع تلك النقطة التي تليق بكرامة الإنسان، وبناء البلاد وتوفير مناخ يكفل تنامي الاستعدادات، واستفادة الأفراد من الهبات الإلهية، سواءٌ كانت ماديةً أو معنوية، ومن بينها الحرية والعلم والفضائل الأخلاقية. [1]

مراعاة الانضباط المنطقي والعملي إلى جانب التقوى

نحن نعتقد بضرورة الانضباط الشديد والنظم المنطقي والعمل العلمي والتعليم الحديث والتدريب لقواتنا المسلحة ما أمكننا ذلك؛ لكن كل ذلك [ينبغي أن يكون] إلى جانب التقوى والتوكل ومحبة الأهداف والناس. إنّ قدوتنا هو “مالك الأشتر”؛ القائد الأعلى والرائد المتقدم في حروب أمير المؤمنين المتخمة بالأحداث؛ وأشجع رجال العرب. كان يجهله أحد الشبان في أحد أزقة المدينة؛ وقام بإهانته، حتى إنّه بصق عليه! لم يكتفِ هذا القائد الرفيع والأمير العالي المقام بعدم العبوس بوجه الشاب، بل ذهب إلى المسجد، وصلّى لأجله واستغفر له حتى يعفو الله عن جهله! بعد ذلك عرّف مالك الأشتر نفسه إلى الشاب، فتقدّم ليعتذر منه. أجابه: لا حاجة للاعتذار فقد جئت لأستغفر لك الله. تلك الصلابة، مع تلك الشجاعة، وتلك العظمة في ميدان الحرب تترافق مع العظمة في ساحة المعنوية؛ إنها عظمة الروح. [2]

[1]  في لقاء مسؤولي ومديري النظام 2/11/2003

[2] في المراسم المشتركة لتحليف طلاب جامعات ضباط الجيش في جامعة الإمام علي(عليه السلام)، 4/10/1382ه.ش، 25/12/2003م.

141

مراعاة التقوى في مجلس الشورى الإسلامي

لو أنّنا جميعًا حافظنا في مسيرتنا العامة -ومنها نشاطنا أثناء المسؤولية- على رعاية التقوى والشعور بالمسؤولية، فإنّ الله تعالى سيشملنا بتوفيقه ومغفرته ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ . . . ﴾[1]، وإذا تمسّكنا بالتقوى فإنّ الله سيصلح أعمالنا ويهدينا ﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ﴾[2]. ولوْ أنّنا لم ننحرف عن التقوى والتزمنا بأوامر الله ونواهيه وراقبنا أنفسنا، فلا شكَّ في أنّ الله تعالى سيهدينا ويغفر لنا ذنوبنا ﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ. . . ﴾. وإذا صدر منّا ذنبٌ جهلًا أو سهوًا فإن الله سيغفره لنا ويستر علينا.

إذًا، التقوى معيار قيّم يتحقّق فيه التفاضل أمام الله، ومن خلالها نميّز الأعمال -الجيدة المنتجة من غير المنتجة- وما ينبغي فعله أو تركه، فالمعيار هو التقوى. فإذا تحلينا بالتقوى ستكون أفعالنا وأقوالنا في المسير الصحيح بفضل الهداية والعون الإلهي. إذاً كل الكلام مردّه للتقوى. [3]

وجوب مراعاة التقوى في ساحة المجلس

إنّ مجلس الشورى الإسلامي هو منصّة علنيّة أمام أعين أفراد الشعب الإيراني، بل كل العالم. فالنقل المباشر لمناقشات المجلس هو أحد افتخارات النظام الإسلامي وعلامة بارزة لحرية الفكر والخطاب. إنّ كافة نواب الشعب مع كل موقف سياسي واقتصادي وببركة هذه الحرية التي يندر نظيرها، قادرون من على منبر

[1] سورة الليل، الآية:12.

[2] سورة الصف، الآية 12.

[3] في لقاء نواب مجلس الشورى الإسلامي 29/5/2005

142

المجلس على مخاطبة أفراد الشعب الإيراني. ومن جهة أخرى فإنّ هذه الفرصة والإمكانية الكبيرة، تثقل مهمّاتكم؛ أنتم أيها النواب المحترمون؛ وتجعلها خطيرة. إذا تحدث أحد النواب لا قدّر الله من على منبر المجلس بخلاف الواقع، أو سبّب اضطراباً وتشويشاً لأذهان الناس، أو وجّه إهانات وافتراءات للآخرين، أو أفشى أسرار البلاد، أو تسبّب بنشر حالة من اليأس والإحباط بين الناس، فإن الذنب الناشئ عن ذلك يوازي موقعية (حجم) هذه المؤسسة الهامة، فإنّ الناس لن تغفر لشخص كهذا. كم من الجيد أن يتقدّم المجلس المحترم بخطوة من خلال التقديرات القانونية الضرورية، وأن يُخرج فردًا غير مسؤول مثل هذا من غفلته. كذلك فإنّ مراعاة التقوى والأخلاق والآداب الإسلامية خلال المحادثات والمباحثات من جملة المسائل الهامة، ومحلّ اهتمام النواب والمجلس المحترم. النواب الأعزاء لا بد وأن يلتفتوا إلى أنّ كل عمل أو قول صادر عنهم له انعكاس على المجتمع وله تأثير سياسي وأخلاقي؛ وخاصة على فضاء البلد. بدون أدنى شك، حينما تظهر التقوى والصدق والالتزام بالقيم الأخلاقية وحسّ المسؤولية خلال مناقشات المجلس، فإنّ فضاء البلد يتعطر بهذه الخصال الحميدة. [1]

روح التقوى؛ سبب تحسين أداء المجموعة

كنت أشاهد فتىً بعمر الثامنة عشرة، التاسعة عشرة أو العشرين لم يجاهد تلك المجاهدة ولم يصرف خمسين عامًا من عمره في هذا العمل ولم يرَ أستاذاً، وإنما قام بعملٍ واحدٍ فقط، وضحى بنفسه، وأودع الله تعالى هذه الموهبة المعنوية في فطرته وقالبه، يتحدث

[1] رسالة موجهة بمناسبة افتتاح الدورة الرابعة لمجلس الشورى الإسلامي، 7/3/1371ه. ش، 28/5/2005م.

143

بكلام نوراني كحديث العلامة “الملا حسين قلي همداني”؛ وحديث المرحوم “الميرزا علي السيد قاضي”؛ وحديث المرحوم “الميرزا جواد ملكي”. فينبع من حديثه عطر هؤلاء، في حين أنه ربما لم يسمع هذا الشاب بأسماء هؤلاء، فهل ذلك بالفرصة القليلة؟

تلك الفرصة، الآن موضوعة بين أيديكم. من المؤكد أن عملكم أشق من ذلك الفتى. صحيح أنّ عمر جهاد هذا الفتى كان قصيرًا، لكن النوعية كانت عالية جداً، أما عمر جهادكم فهو طويل. حينما يمتد المسير، تزيد احتمالات الانزلاق حتماً، والاصطدام والخطأ؛ لذلك يجب توخّي الحذر. إذا ألزمتم أنفسكم وراقبتموها؛ أي تحليتم بالتقوى -التقوى بمعنى أن يُلزم الإنسان نفسه دائماً- فاغتنموا تلك الفرص التي لا نظير لها ويقلّ نظيرها؛ فإذا وجد الإيمان في إحدى المجموعات، فسيتحسن أداء تلك المجموعة؛ ولن تتمكن الأجهزة والتقنيات المتطورة والنظم المعقدة وطرق المعلومات المنتشرة التي يمتلكها المنافسون، من محاربة هذه المجموعة. [1]

سلامة المديرين؛ سبب هداية المجتمع

لعلّنا أشرنا إلى هذا الحديث مراراً وسمعنا ونقلنا: “لأعذّبنّ كل رعيّة في الإسلام أطاعت إماماً جائراً ليس من الله (عزّ وجلّ) وإن كانت الرعية في أعمالها برّة تقية، ولأعفونّ عن كل رعيّة في الإسلام أطاعت إماماً هادياً من الله (عزّ وجلّ) وإن كانت الرعيّة في أعمالها ظالمة مسيئة”[2] المحصّلة، أنّه إذا صلُح وسلم جهاز إدارة المجتمع، فيمكن التغاضي عن الأخطاء داخل المجتمع، ولن تعترض المشكلات مسيرته. لكن إذا ابتعدت الإدارة ورأس المجتمع

[1] في لقاء وزير، ومديري وموظفي وزارة المعلومات 13/7/1383ه.ش، 4/10/2004م.

[2] بحار الأنوار، ج5، ص110.

144

عن الصلاح والسلامة والعدل والتقوى والورع والاستقامة، حتى لو كان هناك صلاح بين الناس، فإن صلاح جسد المجتمع لن يتمكن من أخذ هذا المجتمع نحو الهداية المطلوبة. أي إنّ تأثير رأس وقمة وهرم مجموعة الإدارة وأجهزة إدارة المجتمع تأثيرٌ استثنائي. إنهم لن يتمكنوا من محاربة هذه المجموعة. [1]

التقوى؛ ملاك ترجيح المؤسسات

في الأساس؛ ليس كلّ ما هو معنوي وروحي يكون مستحسناً. أحياناً لا يكون الشيء مادياً، إلا أن فيه اتجاهًا ماديًّا خاطئًا (يحمل بين طياته خطأً مادياً). حسناً، علاوة على تلك الخصوصيات، ما الذي يميز الحرس الثوري الإسلامي عن الجيوش! حتى المضحية منها؟ الفرق هو أنكم تملكون عامل التقوى والورع والتوجه إلى الله والإخلاص والعمل لتحقيق أهداف الأنبياء، والتي هي غريبة عن عالم اليوم. وهو الأمر الذي يميزكم.

اليوم تعدّ الجمهورية الإسلامية بلحاظ الموقف الثوري والسياسي والعسكري والموقعية والحيثية، إحدى المجموعات الناجحة في العالم. وبتعبير سياسيّي العالم: لقد ركع العدو أمامكم. وقد حققتم تلك الأهداف. من أين لكم الوصول إلى تلك الأهداف؟ عبر الإيمان والتقوى والالتزام. قبل الاستدلال فإننا أكثر حاجة إلى هذا المعنى، وهو أن نستدل على وجود ذلك الفعل والتأثيرات الغيبية. أي العوامل الخارجة عن الاعتبار الإنساني. إذا توكل الإنسان على الله، فإنّ هذه الاعتبارات تتهيأ له ويتلقّى العون الإلهي. لقد سدد الله الشعب الإيراني. ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ

[1] في لقاء وزير، ومديري وموظفي وزارة المعلومات 13/7/1383ه.ش، 4/10/2004م.

145

يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾[1].  [2]

ضرورة حاكمية روح التقوى في الإدارات

إن أيّ شخص، لديه أدنى ارتباط بالجهاز الحكومي، لا بد وأن يكون أكثر تميزاً بلحاظ التدين. وأن يكون تدينه خلال أعماله أكثر حضوراً. لا بد وأن نعمل بشكل تدريجي على أخذ موظفي الدولة إلى الجهة التي يكونون فيها مثالاً للتقوى والورع؛ لا بد وأن يكون الوضع كذلك وسيصبح كذلك؛ ولا نقول: “لا يمكن ذلك”. الآن انظروا إلى بعض هذه الكيانات الثورية، مثل الحرس والجهاد وبعض الأماكن الأخرى، لوجدتم أن موظفيهم -وهم موظفون حكوميون- أكثر تديناً والتزاماً من الأفراد العاديين، إنهم أهل صلاة الليل؛ فأكثرهم أهل تهجّد، وأهل توجه، وأهل تضحية في سبيل الله.

لا بد وأن يكون النظام الإسلامي على هذا النحو. أحيوا دينكم في أوساط عملكم؛ وقد ذكرت ذلك أمام عناصر الجيش أيضاً؛ وأوجّهه للإدارات أيضاً، كما ذكرته أيضاً لأعضاء الجامعات من الطلاب والأساتذة؛ اجعلوا بيئتكم بيئة دينية. من المعيب أن يوجد مصلى داخل مبنى الإدارة، وأنتم رؤساء الإدارة لا تذهبون إليه. اذهبوا وأدّوا الصلاة في المصلى. أفضل الصلاة تلك التي تكون أول الوقت لا في ثانيه؛ والجماعة أفضل من الفرادى؛ فصلاة الفريضة في الملأ أفضل منها في الخلوة. نعم، تؤدى صلاة النافلة وغيرها في الخلوة؛ لكن صلاة الفريضة لا بد وأن تؤدى في الملأ. [3]

[1] سورة الطلاق، أجزاء من الآيتين 2و3.

[2] في لقاء قادة الحرس الثوري الإسلامي ورؤساء مكاتب نواب الولي الفقيه في مؤسسة الحرس، 29/6/1369ه.ش، 30/9/1990م.

[3]  في لقاء مسؤولي «آذربيجان شرقي»، 7/5/1372ه.ش، 28/7/1993م.

146