تجارة الأذكياء

الشهيد والشهادة في كلام الإمام الخامنئي.


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2020-11

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدّمة

المقدّمة

كما إنّ بلوغ القمم العالية لا يتأتّى من دون تحمّل مشاقّ الطريق، كذلك الأهداف السامية لا يمكن بلوغها من دون تخطّي المشاقّ والصعاب. والهدف السامي للإسلام والنظام الإسلاميّ هو الوصول إلى الحياة الطيّبة، وتحقيق هذا الهدف غير مستثنًى من هذه القاعدة. فالحياة الطيّبة, تتحصّل بتربية أبناء المجتمع فردًا فردًا معنويًّا، وهذا نفسه دونه صعوبات وجهود خاصّة. من ناحية ثانية، تحقيق هذه الأهداف يتمّ عندما تكون الحياة المعنويّة مترافقةً مع الرفاهة المادّية، ومن الواضح أنّ إيصال المجتمع إلى التطوّر المادّي في الميادين الاقتصاديّة، السياسيّة، الثقافيّة والاجتماعيّة أيضًا يزيد من مشاقّ هذا الطريق.

 

الإنسان المؤمن الثوريّ الذي هو الدافع والمحرّك للمجتمع في الوصول إلى هذه الأهداف، قد أعدّ نفسه لكلّ مشاقّ الطريق وصعابه، وهو باكتسابه للروحيّة الجهاديّة وتقويتها، يتخطّى الموانع والعوائق واحدًا بعد آخر. فضلًا عن العوائق الطبيعيّة، تظهر بعض الموانع الأخرى في مسار الوصول إلى الحياة الطيّبة. إنّ أعداء الإسلام والثورة الإسلاميّة الذين يرون في تطوّر المجتمع الإسلاميّ تهديدًا لأهدافهم الشيطانيّة، يحيكون المؤامرات بشتّى الطرق الممكنة لإفشال برامج المؤمنين الثوريّين ومشاريعهم.

 

يقوم العدوّ بمحاربة الثورة الإسلاميّة من خلال الحظر الاقتصادي أحيانًا، وأحيانًا أخرى بالمقاطعة السياسيّة، وأحيانًا

 

13


1

المقدّمة

بالحرب الناعمة والغزو الثقافيّ، وطالما تعطيه هذه الأساليب ثمارها، فهو غالبًا لا يبادر إلى الحرب العسكريّة. وهو في الحرب العسكريّة، يسعى في البداية وقدر الإمكان، إلى الاستفادة من عملائه ومأجوريه، في شنّ الحرب بالنيابة عنه، وفي نهاية المطاف، يعمد إلى تنفيذ خيار الحرب المباشرة.

 

حتمًا هذه الأساليب كلها ليست جديدة أبدًا، فمنذ قديم التاريخ يستفيد "حزب الشيطان" من هذه الأساليب لمواجهة "حزب الله". يقول القرآن الكريم: ﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا﴾[1]. لكن، ما من طريق لمواجهة الأعداء سوى الاستقامة، والتجربة التاريخيّة أثبتت أنّ إظهار اللين والضعف أمامه لن يجلب شيئًا سوى ازدياد روح الطمع لديه. وهنا يتّضح دور روحيّة حبّ الشهادة في تطوّر المجتمع الإيماني. على العناصر المؤمنة الثوريّة أن تكون مستعدّة دومًا وفي كلّ الظروف لمحاربة العدوّ والتضحية، وأصل وجود هذه الروحيّة هو من أسباب ردع العدوّ في جميع جبهات الحرب.

 

العنصر المضحّي والثوريّ يعلم بناءً على نصّ القرآن الكريم بأنّ أمامه في معركة الحقّ والباطل إحدى الحسنيَين: فإمّا يزيح العدوّ من طريق تطوّر المجتمع، أو يستشهد ويصل إلى مقامه عند الله.

 

يتمتّع الشهيد في الثقافة الإسلاميّة بأهميّة ومنزلة خاصَّين، وقد ورد أنّ له أجرًا عظيمًا ودرجات عالية. يقول الإمام الخمينيّ قدس سره الذي هو قائد قافلة شهداء الثورة الإسلاميّة في هذا المجال: "وردت في الإسلام روايات كثيرة ومدهشة عن المعصومين عليهم السلام


 


[1] سورة آل عمران، 146.

 

14


2

المقدّمة

في فضل الشهيد. وقد جاء في رواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ الشهيد ينظر إلى وجه الله تعالى وهذا النظر إلى وجه الله هو سعادة كلّ نبيّ وكلّ شهيد.

 

وهذا غاية الغايات بالنسبة للإنسان، وآخر مراتب الكمال بالنسبة إليه"[1].

 

إنّ قائد الثورة الإسلاميّة المفدّى الذي بدأ مسيرة الجهاد والنضال لتحقّق حاكميّة الإسلام منذ العام 1342هـ.ش (1963م)، وقارب في ذلك حدّ الشهادة، تطرّق في خطابات متعدّدة إلى موضوع الشهيد والشهادة. لقد شارك لمرّات في تشييع جثامين الشهداء الطاهرة، وذهب لزيارة قبورهم، وكرّم المقيمين لمراسم ذكراهم. كما إنّه يولي اهتمامًا خاصًّا بعوائل الشهداء، وكانت له منذ بداية الثورة وإلى الآن لقاءات عديدة مع أسوات الصبر والاستقامة هؤلاء. فأحيانًا كان يستضيفهم وأحيانًا كثيرة كان يذهب بنفسه لزيارتهم. أحد اللقاءات الدائمة التي كان يعقدها أثناء سفره إلى المحافظات، كان اللقاء بجموع غفيرة من عوائل الشهداء وزيارة بيوت عدد منهم في تلك الديار.

 

إنّ باب الشهادة لا يزال مفتوحًا بوجود الجهاد والدفاع عن مراقد أهل البيت عليهم السلام. وبالتفات القائد المفدّى إلى أهمّيّة الدفاع عن المراقد الشريفة والثورة الإسلاميّة خارج الحدود، كانت له أيضًا لقاءات متعدّدة مع عوائل الشهداء المدافعين عن المراقد المحترمين.

 

لم يقتصر تكريمه للشهداء وعوائلهم المحترمين على الشهداء الإيرانيّين، فقد كان أيضًا يلتقي بالمجاهدين وعوائل الشهداء اللبنانيّين والأفغان والباكستانيّين والعراقيّين واليمنيّين ويهتمّ بهم.

 


[1] صحيفة الإمام، ج13، ص 513 ـ 514

 

15


3

المقدّمة

إنّ الكتاب الذي بين أيدينا يشتمل على كلماته في موضوع الشهيد والشهادة، وكذلك توجيهاته إلى المسؤولين، وعوائل الشهداء المحترمين وشرائح الشعب المختلفة في هذا المجال.

 

كلّنا أمل، من خلال الحفاظ على روحيّة حبّ الشهادة وتقويتها، أن لا يفكّر أيّ عدوّ باجتراح أيّ فعل تجاه الكيان الإسلاميّ.

 

ومسك الختام دعاء على لسان قائد الثورة الإسلاميّة المفدّى في حرم الإمام الرضا عليه السلام:

"إلهنا! اِجعل عواقبَ أمورِنا جميعًا إلى خيرٍ، واختمْ لنا بالخير؛ واجعلِ الشهادةَ لهذا العبد الفقير ولكلّ محبّ راغب، آخر درجة من درجات سلّم حياتنا".

 

ومن الله التوفيق

 

16


4

1- الفصل الأول: ماهيّة الشهادة

1- تعريف الشهادة

الشهيد هو الإنسان الذي يُقتل في سبيل الأهداف المعنويّة ويبذل روحه -التي هي الرأسمال الأصلي لكلّ إنسان-في سبيل الهدف والمقصد الإلهيّ، وإنّ الله سبحانه وتعالى يديم حضوره وذكراه وفكره في أمّته ويبقي على أهدافه حيّةً وماثلةً جزاءً لفدائه وتضحيته العظيمة. وهذه هي خصوصية القتل في سبيل الله، فالذين يقتلون في سبيل الله أحياء، وإنّ وجودهم الحقيقيّ حيّ وباقٍ وإن ذهبت أجسادهم[1].

 

الشهادة تعني أنّ الإنسان يقدّم أفضلَ وأحبَّ رأسمالِه الدنيويّ فداءً لهدفٍ، اعتقادًا منه بأنّ بقاء هذا الهدف ونموّه وانتشاره هو لمصلحة البشريّة، وهذه إحدى أجمل القِيَم الإنسانيّة[2].

 

الشهادة التي نعرفها في شرعنا المقدّس والتي نرى الإشارة إليها في الروايات والقرآن الكريم تعني أنّ الإنسان يتوجّه نحو هدف مقدّس هو واجب أو راجح، ويعرّض نفسه للقتل في سبيله. تلك هي الشهادة الإسلاميّة الصحيحة[3].

 


[1] في خطبتَي صلاة الجمعة (عاشوراء) 1 محرّم 1416هـ/ 31/5/1995م.

[2] في لقاء مع أبناء الشهداء المتفوقين، والمسؤولين عن الشؤون الثقافيّة في مؤسّسة الشهيد/13 محرّم 1410هـ/16/8/1989م.

[3] في خطبتي صلاة الجمعة (عاشوراء) 1 محرّم 1416هـ/31/5/1995م.

 

17


5

1- الفصل الأول: ماهيّة الشهادة

للشهادة في سبيل الله معنى خاصّ. في القرآن الكريم الموتُ في سبيل الله ليس موتًا، "أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ"[1]، ولا يعدّ الموت في سبيل الله كالموت العادي. في المعيار الإلهي ومن وجهة النظر الدينيّة والقرآنيّة، هو مفهومٌ آخر وهو معنى فاخر[2].

 

أيّها الأعزّاء! ليس كلُّ قَتلٍ شهادة. ذلك القتل في سبيل الله مع إخلاصٍ وشجاعة وسعي اسمه الشهادة في سبيل الله. الشهيد هو ذلك الشخص الذي يجاهد أي يسعى ويبذل بشجاعة ويتحرّك لأجل الله، لأنّه إذا لم يبذل بشجاعة لا يكون في الأساس في معرض الشهادة[3].

 


[1] سورة آل عمران، جزء من الآية 144.

[2] 5 جمادى الآخرة 1419هـ/27/9/1998م.

[3] في لقاء مع رئيس الجمهوريّة والهيئة الوزاريّة بمناسبة بدء أسبوع الحكومة 12 جمادى الأولى 1420هـ/24/8/1999م.

 

18


6

2- قيمة الشهادة ومكانتها

2- قيمة الشهادة ومكانتها

عندما يردُ الرجل المؤمن الشجاع إلى الميدان بهدف الجهاد في سبيل الله، فإنّ تقديم الروح في هذا الميدان يعدُّه فخرًا. إنّ القيمة العالية للشهادة في الإسلام هي من هذا المنطلق. عندئذٍ يصبح الشهيد نجمةً دائمةَ اللمعان في سماء حياة تلك الأمّة وتاريخها. إنّ مَن يقاتل في خدمة الظالمين والأثرياء يكون الموت بالنسبة إليه حفرة موحشة ومظلمة ويجب الهرب منها، بالنسبة إليه الموت والوقوع في تلك الحفرة مرعبٌ جدًّا وليس مشوِّقًا وليس فخرًا له. لهذا السبب إذا حصلت في أيّ نقطة من العالـَم مواجهةٌ بين القوات الباسلة أصحاب الأهداف والعقيدة مع القوّات التي تقاتل من أجل الشركات والظالمين وأصحاب الثروات ومن أجل المال، فإنّ النصر سيكون حليف المجاهدين الذين يعدّون الشهادة وتقديم النفس في سبيل الله فخرًا[1].

 

2-1. الموتُ الأجمل والأكثر قيمة

الشهادة وردٌ جميل الرائحة ومعطّر لا تصل إليه غير أيدي مَن اختارهم الله تعالى من بين الناس ولا يشمّ عطره إلّا أنوفهم[2].

 

الشهادة... إحدى أجمل القِيَم الإنسانيّة. إنّ هدفها المطلوب، إلهيٌّ وأمنيةُ كلّ أنبياء الله. هذه القيمة تحتلّ الصدارة بين كلّ الفضائل الإنسانيّة ولا يقدّرها أيّ ميزان ماديّ. تبني هذه الفكرة يشكّل عاملًا باهرًا يمنحُ المجاهدين في طريق الحقيقة، قوّةً

 

 


[1] في المراسم المشتركة لقسَم اليمين بين طلّاب جامعات الضبّاط في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة في جامعة الإمام علي(عليه السلام)/1 ذي القعدة 1424هـ/25/12/2003م.

[2] في لقاء عوائل شهداء القوّات المسلّحة/3 محرّم 1425هـ/23/2/2004م

 

19


7

2- قيمة الشهادة ومكانتها

لإبطالِ كلّ حسابات جبهة الخصم وقد ثبت بالتجربة أن هذا الفكر، يجعل عدوَّ الحقيقةِ في مأزقٍ وعجز وحيرة[1].

 

أفضل موتٍ هو الشهادة. إنّ أفضل أجرٍ للإنسان الذي يقاتل في سبيل الله هو شرابُ الشهادة اللذيذ. هنيئًا لهؤلاء، هنيئًا لهم هذه النعمة الإلهيّة الكبيرة! لقد نالوا أجرهم بالشهادة[2].

 

تلك الحالة التي يقضي فيها عرفاؤنا خمسين عامًا، ستّين عامًا، سبعين عامًا في التريّض والعبادة وبالتضييق على أنفسهم مبتعدين عن شهواتهم وأهوائهم، هي من أجل الوصول إلى تلك الحالة التي وصلها هذا الشاب ذات ليلة واختصر طريق خمسين عامًا ومئة عام في أيام معدودة في الجبهة وقبل الجبهة! تلك نعمةٌ معنوية، هذا ليس مزاحًا، هي نعمة لا تُمنح لأيٍ كان. أنتم لا تظنّون أن هذا البكاء وتلك التوسلات وتلك الحالات تُمنح للشخص بسهولة، لا، إنّ من يجتهد ويتعب ربّما يصل إلى تلك الحالات![3]

 

كم هي عظيمة هذه الظاهرة (الشهادة)! كلما اقترب الإنسان أكثر تزداد عظمتها. مثل الجبل العالي، الإنسان ينظر إلى الجبل من بعيد، لكن عندما يقترب أكثر، يرى عظمة هذه الظاهرة التي لا يستوعبها العقل[4].

 

الشهادة تعني الدخول إلى حريم الخلوة الإلهيّة، والجلوس على مائدة الضيافة الإلهيّة، هذا ليس بالشيء القليل، هذا شيء ذو عظمة[5].

 


[1] رسالة بمناسبة مؤتمر الشهداء الطلّاب/3 ذي القعدة 1423هـ/ 5/1/2003م

[2] في لقاء مع عوائل الشهداء الطلّاب/ 9 رجب 1422هـ/ 26/9/2001م

[3] في لقاء مع جمع من قادة الجيش/3 شعبان 1412هـ/6/2/1992م

[4] في لقاء مع جمع من عوائل الشهداء/5 جمادى الآخرة 1419هـ/26/9/1998م

[5] في لقاء مع عوائل شهداء إقليم بوشهر/25 جمادى الآخرة 1412هـ/31/12/1991م

 

20


8

2- قيمة الشهادة ومكانتها

الشهادة في سبيل الله ووضع الروح على الكف وتقديمها في سبيل الله هي قمّة الشرف الإنسانيّ[1].

 

إنّ اللّه أغدق على الشهيد بلطفه، فهذه الدنيا - كما ترون - ليس لأحد فيها بقاء، وكلّ مَن عليها فانٍ، والناس يهلكون بشتّى أنواع الموت، الذي لا يفرّق بين كهلٍ ولا شابٍّ - الموت مكتوب على الجميع شبابًا وشيوخًا، وصغارًا وكبارًا - الموت قدر محتوم جعله اللّه على الناس ولا بدّ لهم أن يعبروا هذا الباب، إلّا أنّه عزّ وجلّ جعل ميتةَ الشهيد على قدر كبير من الأهميّة لم يجعل مثلها لسائر أنواع الموت الطبيعيّ. فهل هناك لطف أعظم (من هذا)؟ وهل هناك فضل على الشهيد أكبر من هذا؟ كلّنا ميّتون، ولكن ما أعظم أن يجعل اللّه تعالى هذه الميتة وهذا الطريق وهذا المصير الحتمي في مسار يحظى بمثل هذا المقدار من الفضيلة! ولهذا يُكثر الشهيدُ وهو في عالم الملكوت والبرزخ من شكر اللّه والثناء عليه لِما أغدق عليه من لطف. ولحظة الشهادة من أطيب وأحلى اللحظات عند كلّ شهيد. فيا لها من فضيلة رفيعة سامية![2].

 

يمكن النظر إلى ظاهرة الشهادة من زوايا عدّة، فمن أي جهة نظرنا إليها نجدها زاخرة بالعظمة والتلألؤ. فإذا ما نظرنا إلى منزلتها عند اللّه تعالى نجد ألسنتنا عاجزة عن بيان ما لها من قيمة كبرى عنده عزّ وجلّ، وقد ورد في الحديث النبويّ الشريف، "إنّ فوق كل برٍّ برّ حتّى يُقتل الرجل في سبيل اللّه فليس فوقه برّ". وإذا ما تناولنا هذا الموضوع من زاوية الدين وفلسفة الدين نجد هذا المعنى صائبًا تمامًا، فما من شيء أسمى من أن يبذل


 


[1] في لقاء مع جمع من الشعراء 15 رمضان 1432هـ/15/8/2011م.

[2] في لقاء مع جمع من عوائل الشهداء 6 جمادى الآخرة 1419هـ/27/9/1998م.

 

21


9

2- قيمة الشهادة ومكانتها

المرء ذاته ووجوده وبملء إرادته في سبيل هدف إلهي وكبير. وهذا هو معنى الشهادة[1].

 

2-2. الهديّة الإلهيّة للشهيد مقابل

"القيام في سبيل الله" و"الجهاد"

كنتُ أنا العبدُ، قبل الثورة أصلّي في مسجدٍ في مشهد وأخطب في الناس، كان الشباب يأتون ويحضرون أيضًا. في ذلك الوقت لم تكن الشهادة سهلة المنال كما في زمن ما بعد الثورة، لكن كان لنا شهداء. كنتُ أقول لهم: أيّها الشباب! أيّها الإخوة! الشهادة، هي موت تجاري للناس الأذكياء. لمـَن يهبُ اللهُ تعالى هذه الهديّة؟ الله تعالى لا يهب هذه الهدية بثمنٍ قليل، إنّه يهبها لمن يجاهدون في سبيله. (يهبها) لشبّانكم، لشهدائكم، (أنتن) زوجات الشهداء! (يمنحها) لأزواجكنّ، (أنتم) الآباء والأمهات! (يمنحها) لأبنائكم، (أنتم) أولاد الشهداء! (يمنحها) لآبائكم الأعزاء، لا يحصلون على هذه الهديّة الإلهيّة بسهولة وبالمجّان، بل ينالونها مقابل الجهاد، جاهدوا في سبيل الله، تخلّوا عن أنفسهم فوهبهم الله تعالى هذه الهديّة[2].

 

هذه الشهادة لم ينلها (أصحابها) بسهولة. الشهادة نعمة وهديّة من الله تعالى، هذه الهديّة لا يعطيها لأحدٍ بسهولة. لماذا هي هديّة من الله تعالى؟ لأنّه يحوّل الموت المحتوم على جميع النّاس إلى أمرٍ (ووسامٍ) يفتخر به في الدّنيا والآخرة، أليست هذه هديّة؟ هل يمكن لأحدٍ أن يفرّ من الموت؟ عندما يصل الإنسان إلى لحظة الموت هل


 


[1] في لقاء مع جمع من عوائل الشهداء/6 جمادى الآخرة 1419هـ/ 27/9/1998م

[2] في لقاء مع جمع من الجرحى وأُسر شهداء إقليم كرمان/24 ربيع الأوّل 1426هـ/ 2/5/2005م.

 

 

22


10

2- قيمة الشهادة ومكانتها

يشكّل فرقًا إن كان قد عاش تسعين عامًا أو عشرين؟ أوليست أكبر هواجس الإنسان من الموت ناجمة عن كونه لا يعرف شيئًا ممّا سيحلّ به بعد بداية رحلة الموت؟ ضعوا هذه (المعطيات) بجانب بعضها وانظروا كيف بدّل إنسان هذه الميتة وهذا المصير الحتميّ والذي لا مفرّ منه، وهذا المستقبل المبهم والمقلق بحادثة تعبق بالفخر، بواقعةٍ مشهورة في الدنيا والآخرة، بوسيلة عزّة عند الله وأمام الملائكة المقرّبين في الملأ الأعلى، باطمئنان وسكينة قلبيّة وراحة، ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[1]، أليست هذه هديّة إلهيّة؟ أنْ يقدّم الإنسانُ عمره الفاني لمولاه، ويُقبل ذلك، أليست هذه نعمة إلهيّة؟ هذا الأمر الزائل، وهذا العمر الفاني، هذا الموت الذي لا مفرّ منه، وحينها على الإنسان أن يبيع هذا الموت المحتوم لله تعالى، بثمنٍ هو الجنّة والسعادة الأبديّة، ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾[2]، هذا وعد إلهيّ. هذه النفس الراحلة - حيث يفقدها الإنسان شاء أم أبى - يشتريها الله تعالى منكم ويمنحكم في المقابل الجنّة. هي ليست خاصّة بنا نحن المسلمين فقط، لقد كانت في الأديان الأخرى قبل الإسلام، ﴿وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ﴾[3]، هذا الوعد قطعه الله تعالى في التوراة والإنجيل والقرآن أيضًا. إذًا الشهادة هي هديّة إلهيّة[4].


 


[1] سورة آل عمران، جزء من الآية 170.

[2] سورة التوبة، جزء من الآية 111.

[3] المصدر نفسه.

[4] في لقاء مع جمع من الجرحى وعوائل شهداء إقليم كرمان/24 ربيع الأوّل 1326هـ/ 2/5/2005م.

 

23


11

2- قيمة الشهادة ومكانتها

أعزّائي، أرجو بفضل الحقّ تعالى غير المنقطع، وبمددٍ من أرواح شهدائكم، أن تضاعفوا جهودكم ومساعيكم كي يعلم الجميع شيئًا فشيئًا أنّ الشهادة بالنسبة إلينا توفيق إلهيّ ومصدر البركة والعروج الأسمى[1].

 

2-3. الشهادة مفهومٌ خاص بالأديان

إنّ الشهادة لمن المفاهيم التي لا يوجد لها معنًى إلّا في الأديان. فمع أنّ الذي يقتل في سبيل الأهداف الوطنيّة يسمّونه شهيدًا عند كلّ الشعوب والدول، ومع أنّ كلّ البلدان الذائعة الصيت اليوم والتي تتمتّع بتاريخ طويل لديها من تسمّيهم شهداء وتفخر بهم وتحيي ذكراهم، وهم أولئك الذين قاتلوا وقُتلوا في سبيل الأهداف الوطنية أو الحفاظ على الاستقلال القومي في حقبة من تاريخ ذلك البلد وذاك الشعب، ولكن الحقيقة هي أنّ اسم ومعنى الشهيد لا يتحقّق إلّا في الدين[2].

 

2-4. موتُ الأذكياء

إنّ الشهيد باع نفسه، فكان أجرُه الجنّة والرضى الإلهي وهو أعظم الأجر. فلننظر إلى الشهادة في سبيل الله من هذا البعد. فالشهادة هي موت الإنسان الكيّس الفطِن الذي لا يرضى بأن يخسر نفسه بلا مقابل. وهذه النفس هي رأسمالنا الأساسي. وإنّ الموت والشهادة لا يعرفان كهولةً أو شبابًا. فما أكثر الذين لا

 


[1] رسالة مواساة إثر العروج الملكوتيّ لشهداء جهاد الاكتفاء الذاتيّ لقوّات الحرس الثوريّ 20 ذي الحجّة 1432هـ/ 16/11/2011م

[2] في لقاء مع أبناء الشهداء المتفوقين، مسؤولي الشؤون الثقافيّة في مؤسّسة الشهيد 13 محرّم 1410هـ/16/8/1989م.

 

24


12

2- قيمة الشهادة ومكانتها

يُقتلون في سبيل الله، ولكنّهم يموتون في ريعان الشباب. وكم من الشباب يموتون فيفقدون أنفسهم في الحقيقة. فلو لم يسيروا في سبيل الله، ولو لم يكن مسيرهم إلهيًّا، ولو لم يكن موتهم في سبيل الله وهجرةً وجهادًا في سبيله، فسيفقدون متاع العمر - والذي هو غال جدًّا- من دون الحصول على ثمن. نعم، إنّ الله سبحانه وتعالى سيمنُّ على ذويهم بالأجر إذا صبروا، أمّا ذلك الميت فلن يتلقى ثمنًا لنفسه التي أُخذت منه[1].

 

﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾[2]. وفي الروايات (فلا تبيعوها بغيرها). إنّ ثمن نفس المؤمن الجنّة، فهذه هي قيمتها. إنّ المهم بالنسبة للإنسان هو النجاح في الدنيا والنظر إلى رضوان الله وجنّة الخلد في الآخرة، وهذا لا يتحقّق إلّا بالمجاهدة والصبر والتقوى والعفّة والسعي الدؤوب. إنّ الإنسان يتحمّل المصاعب في مواجهة تحدّيات الأعداء، ولكنّ القرآن الكريم يحثّنا على عدم الخوف من هذه المصاعب: ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ﴾[3] ولكن مع الفارق: ﴿وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ﴾[4]. فلديكم نظرة واضحة للمستقبل على عكس الأعداء. إنّ موضوع الشهادة والجهاد في الإسلام يعني العمل المكلل بالأرباح على الأصعدة كافّة من دون أدنى خسارة، والجهد الصادق الذي يضفي على حياة الإنسان معنى ومضمونًا، ويحدد جهة مساره، ويجعل مستقبل حياة الأمة مستقبلًا واضحًا ومشرقًا، ومستقبل ومصير الفرد


 


[1] المصدر نفسه.

[2] سورة التوبة، جزء من الآية 111.

[3] سورة النساء، 104.

[4] المصدر نفسه.

 

25


13

2- قيمة الشهادة ومكانتها

النهائي الرضوان الإلهيّ، فهذا هو الجهاد والشهادة في الإسلام، وهو شيء لا يضاهيه أي شيء آخر[1].

 

إنّ الموتَ حقٌّ على الجميع. فلو متنا في سبيل الله، لما فقدنا شيئًا، حتى طبقًا للموازين الماديّة والظاهريّة. فالموت هو قدرنا الذي لا مفرّ منه. إنه متاع سنُسلبه في النهاية، ولكنّ متاع النفس هذا يذهب منّا على إحدى صورتين: الأولى أن نفقده، والأخرى أن نبيعه، فأيّهما أفضل؟ إنّ الذين لا يُقتلون في سبيل الله قد فقدوا أنفسهم وهم لا يملكون متاعًا آخر، وأمّا الذين يبذلون هذا المتاع في سبيل الله ويضحّون بأنفسهم في سبيله، فهم أولئك الذين باعوا أنفسهم وحصلوا على المقابل ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾[2].[3]

 

الشهادة مفهوم عجيب، ومقولة عجيبة وعميقة. الشهادة تعني التجارة مع الله تعالى. تجارة ذات طرفين لا قلق ولا خوف فيها مع الله المتعال، البضاعة فيها معلومة، وكذلك الثمن. البضاعة عبارة عن النفس، النفس التي هي الرأسمال الأساسيّ لكلّ إنسان في هذا العالم المادّي، هذه هي البضاعة، وهذا ما تقدّمونه أنتم، علامَ ستحصلون في المقابل؟ ستحصلون على السعادة الأبديّة والحياة الخالدة في أفضل النعم الإلهيّة. حسنًا، هذه البضاعة التي تقدّمونها أنتم بالشهادة، ليست بضاعة أبديّة. إنّها بضاعة من قبيل ذلك الثلج الذي يعرضه بائع الثلج للبيع في


 


[1] في لقاء مع عوائل الشهداء والجرحى في إقليم سمنان 17 شوّال 1427هـ/ 9/12/2006م.

[2] سورة التوبة، الآية 111.

[3] في لقاء مع الأبناء الممتازين للشهداء، مسؤولي الشؤون الثقافيّة في مؤسّسة الشهيد 13 محرّم 1410هـ/16/8/1989م.

 

26


14

2- قيمة الشهادة ومكانتها

فصل الصيف ويقول: أيّها الناس، اشتروا منّي هذا الثلج، فإن لم تشتروه فإنّ أساس المادّة والبضاعة سيتلاشى ويذهب، هذه هي حقيقة المسألة. في الوقت الحاضر، يوجد ثلج في البيوت، لكن سابقًا كنّا نشتري الثلج من السوق، وكان بائع الثلج يضع الثلج على أكياس من الخيش وأمثالها ويتركه ليأتي من يشتريه. وإن لم يجد له شاريًا ماذا كان يحصل؟ كان الثلج يذوب ويتلاشى. هذا المشتري الذي يأتي ويشتري منك هذه البضاعة الفانية والزائلة هو مشترٍ عظيم جدًّا. وهذه الحياة التي نملكها أنا وأنتم هي الثلج بعينه، إنّها تزول وتتلاشى ذرّة ذرّة، أَليس كذلك؟ إنّها تنتهي شيئًا فشيئًا. كلّما مضى يوم اقتربنا أكثر من تلك النهاية، أي إنّنا نقترب من القبر أكثر فأكثر. والآن كم سيطول الأمر؟ البعض يمتدّ أجله إلى الأربعين عامًا، والبعض إلى الخمسين، والبعض إلى الثمانين عامًا، بالنهاية، سينقضي هذا الأجل، وعاجلًا أم آجلًا سيموت (الإنسان) ولا مفرّ من ذلك. وقد وُجد الآن لهذه البضاعة التي ستفنى سواءً بعتها أم لم تبعها، مشترٍ يقول لك أنا أشتريها منك، وبأغلى وأعلى ثمن. ما هو الثمن الأعلى هذا؟ هو الجنّة... ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾[1]، يشتري منكم هذه البضاعة ليعطيكم الجنّة (ثمنًا لها). ﴿يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾[2]، ولا يعني هذا أن تسلّموا أنفسكم للعدوّ حين تجاهدون في سبيل الله وتقولوا له اقتلنا، لا يا سيّدي! عليك أيضًا أن توجّه له ضربة. هذا الجندي المرابط على الحدود الذي استُشهد على حدود البلد، قد وجّه قبل ذلك ضربات كثيرة للعدوّ، وقد عمل على منع تسلل


 


[1] سورة التوبة، الآية 111.

[2] المصدر نفسه.

 

27


15

2- قيمة الشهادة ومكانتها

العدوّ، ووقف في وجه مؤامراته، وفي وجه فساده، وهذا الشابّ الذي وقف في البلد الأجنبي الكذائي في مقابل داعش واستُشهد دفاعًا عن المراقد، قد وجّه قبل أن يستشهد مئات الضربات إليهم، وحالَ دون تقدّمهم، وأفشل أهدافهم ومخطّطاتهم، وأنزل بهم المصائب، وها هو الآن يستشهد. فيَقتلون ويُقتَلون. "وعدًا عليه"، هذا وعد إلهيّ، فالله يعدكم ويقول: سأشتري منكم هذه البضاعة مقابل الجنّة، أي السعادة الأبديّة، سعادة ليست كالثلج هنا تذوب لحظة بلحظة، لا بل هي البقاء الدائم والأبديّ، واللذّة الدائمة، والنعمة الدائمة، يأخذ منك هذا البدن الزائل ويشتريه مقابل هذا الثمن، هذا وعد الله. هذا هو الوعد الحقّ الذي وعدكم الله تعالى به، وهو ليس مختصًّا بدينكم، بل جاء في الكتب السماويّة السابقة أيضًا: ﴿وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ﴾[1]، هذه هي الشهادة. ثمّ يقول: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾[2] وعليه، فالشهادة مفهوم من هذا القبيل. حينما تنظرون إليها في الظاهر، تجدونها مؤلمة، مُرّة، تفجع الأب، والأمّ، والزوجة، والابن، والأخ والأخت، وتجرّعهم الغصص، هذا هو ظاهرها، أمّا باطنها فهو عبارة عن شراء بضاعة زائلة وآيلة إلى الخراب، بثمن باهظ جدًّا. إنّني منذ القدم، حين كنت أتحدّث إلى الأصحاب في المحاضرات والخطابات وأمثالها، كنت أقول إنّ الشهادة هي الموت التجاريّ، أي يوجد فيه الذكاء، أولئك الذين يستشهدون، يغدق الله عليهم ويمنّ عليهم بلطفه الأكبر. هذه هي الشهادة[3].

 


[1] المصدر نفسه.

[2] المصدر نفسه.

[3] في لقاء مع عوائل شهداء الثغور والمدافعين عن الحرم/24 رمضان 1438هـ/ 18/6/2017م.

 

28

 


16

2- قيمة الشهادة ومكانتها

2-5. الشهادة لا تذوي مع مرور الزمن

كلّ شيء يبهتُ مع مرور الزمن ويتلاشى أثره، بينما هؤلاء كسائر الشهداء في سبيل الله، يزداد كل يوم من شهرتهم عند العشاق ويشعّون في تاريخنا أكثر[1].

 

لم تشأ سُنَّةُ اللَّهِ التي لن تجدَ تَبْدِيلًا، أن تبقى الزهراءُ المرضيّة مستترةً خلف حجاب الأوهام الغليظ، وتلك النجمة المشعّة الدامية، تحوّلت مع مضيّ الأيّام إلى شمس مشرقة، واليوم اسمها وذكرى مظلوميّتها، اجتازت كلّ حصون الكتمان ونالت ثقة القلوب والنفوس. وهذا السطوع والتدفّق سيستمرّان: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر﴾[2] إنّ أسماء شهدائنا الأعزاء وذكراهم ستكون، مع مرور الزمن، مثل سيّدة نساء العالمين، أكثر نورانيّة ونفاذًا[3].

 

وإنْ مرّت عقود أخرى من السنوات، فإنّ ما يُعدُّ عنوانًا لأسمى القيم هو قيمة شهادة شهدائنا الأعزاء وتضحياتهم. إنّ الزمن يجعل كلّ شيء قديمًا، إلّا دمَ الشهيد. تأمّلوا شهادة سيّد الشهداء عليه السلام لقد مرّ عليها قرون من الزمن، لكنّ ذكرى الشهداء تصبح يومًا بعد يوم أكثر ظهورًا[4].


 


[1] رسالة بمناسبة يوم تبجيل الشهداء في أسبوع الدفاع المقدّس/17 ربيع الأوّل 1412هـ/ 25/9/1991م.

[2] سورة الكوثر، الآية 1.

[3] رسالة بمناسبة إحياء يوم شهداء أسبوع الدفاع المقدّس/2 جمادى الآخرة 1419هـ/23/9/1998م.

[4] في لقاءٍ مع جمع من عوائل شهداء إقليم لرستان/10 صفر 1412هـ/20/9/1991م.

 

29


17

2- قيمة الشهادة ومكانتها

2-6. صبر الباقين وسكينتهم

لطالما التقيتُ عوائل الشهداء وما زلتُ ألتقي بهم، وأنا مطّلعٌ على ظروفهم المعنويّة. أحيانًا يكون فقدانُ عزيزٍ مصيبةً، إن لم يكن قد استشهد، فلا سُلوان لها، لكنّ الله تعالى قد وضع في الشهادة سرًّا، فهي جرحٌ وبلسمٌ في آن واحد يمنح للباقين السلوانَ والإشراق. لقد التقيت بعائلة شهيد، كان الشهيد ابنهم الوحيد، وقد أخذه الله تعالى. طبعًا رأيت الكثير من هذه الحالات، وهذه واحدة منها. عندما يرى الإنسانُ صورة ذلك الشاب وهو يودّع والده ويذهب إلى الجبهة، يظنّ: "إذا قُتل هذا الشاب، فإنّ والده ووالدته سيبكون إلى الأبد بدل الدمع دمًا." يعني هذا ما تظهره الصورة. محبة وتعلّق ذلك الأب والامّ بذلك الشاب يصوّره هذا المشهد بشكل كامل. لديَّ هذه الصورة. فقد قدموها لي لاحقًا. واحتفظتُ بها في إطار. لهذه الصورة وضع خاصّ. لكن الله تعالى منح هذين الوالدَين السكينة والسلوان لدرجة أنّ الوالد قال لي: "كنت أظنّ أنّه إذا مات هذا الولد فإنّي سأموت أيضًا!" أي إنّه عبّر عن إحساسي نفسه عندما نظرت إلى تلك الصورة، ثمّ قال: "ولكنّ الله تعالى منح قلبينا السكينة!"[1].


 


[1] في لقاء مع أسرة الشهيد آويني/29 شوّال 1413هـ/21/4/1993م.

 

30


18

3. تفاوت درجات الشهادة

3. تفاوت درجات الشهادة

3-1. العناصر المؤثّرة في تفاوت درجات الشهادة

إن ثواب وقدر الشهادة والتضحية في سبيل الله في زماننا هذا أعظم مما كانت عليه في كثير من أزمنة التاريخ. وإنّ للشهادة دائمًا قيمة، كما إنّ التضحية في سبيل الله هي دائمًا عمل عظيم ومجيد، غير أنّ هذا العمل الكبير والجليل يحظى بأهميّة أكبر وقيمة أكثر في بعض الظروف وبعض الأزمان. ففي صدر الإسلام مثلًا كانت للتضحية قيمةٌ مضاعفة في الحقيقة. والسبب في ذلك هو أنّ الإسلام حينذاك كان كنبتةٍ، فلو لم تُبذل التضحيات لاقتلعها أعداءُ الإسلام. كما إنّ تلك التضحية والشهادة العظيمة في زمان سيد الشهداء (عليه السلام) كانت لهما أيضًا قيمةٌ مضاعفة، لأنّ ثمار جهود الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانت معرّضة للزوال في تلك الأيام لولا تضحية الامام الحسين بن علي عليهما السلام وأصحابه.

 

وهكذا فإنّ الجهاد والشهادة في سبيل الله تضاعفت قيمتهما أضعافًا مضاعفة في بعض الأزمان. فمثلًا إناء الماء السائغ تكون له قيمة أيضًا في الأحوال العادية، ولكنّ هذا الإناء من الماء تكون له قيمة مضاعفة في الصيف الحار، وفي مكان يندر فيه الماء، وبالنسبة لإنسان يعاني من العطش، ولا سيّما إذا كان هذا الإنسان مريضًا. ولهذا فإنّ قيمة الأشياء ليست متساوية دائمًا، حيث إنّ الظروف تختلف. وعلى هذا فإنّ الجهاد والفداء لهما قيمةٌ مضاعفة في زماننا هذا، لأنّه من تلك الأزمنة التي تختلف بكثير عن سواها في الجهاد والشهادة في سبيل الله. وإذا أردنا أن نلخّص السبب في ذلك فإنّنا نقول بأنّ أعداء الإسلام أكثر عدّة الآن من أي زمن آخر على مرّ التاريخ.

 

31

 


19

3. تفاوت درجات الشهادة

فما يملكه أعداء الإسلام اليوم من معدّات ووسائل لم يملكوا مثلها على مدى التاريخ[1].

 

كلُّ شهدائنا أعزاء. للشهيد قيمةٌ في كلّ الأزمنة، لكنّ بعض الشهداء أكثر عزة من غيرهم. مَن هم هؤلاء الشهداء الأكثر عزة؟ إنّهم أولئك الذين حموا الإسلام ودافعوا عنه في مراحل حسّاسة وقدّموا أنفسَهم فداءً له. إن كان هذا الحساب صحيحًا، فبرأيي إنّ شهداء الثورة الإسلاميّة والحرب المفروضة هم من جملة الشهداء الأكثر عزة على مدى التاريخ. لماذا؟ لأنّ الإسلامَ في هذا الزمن، أكثر غربةً من بقيّة الأزمنة. فأعداء الإسلام، القوى العظمى، والمستكبرون، الدُّنيويّون والمتوحّشون، على مدى التاريخ حاربوا الإسلام وانقضّوا عليه وعلى المسلمين، لقد استخدموا كلّ الأدوات بغية سحق الإسلام، وكم أنفقوا من أموال، كم رسموا من خطط، وكم وجّهوا من ضربات على الشعوب الإسلاميّة طوال سنوات الاستعمار. في أيّام الغربة هذه نفسها قامت ثورتنا الكبيرة ونهض قائدنا العظيم الشأن وأمّتنا المجيدة. وقد تصدّى شبابكم هؤلاء وأبناؤكم وأعزّاؤكم الذين استُشهدوا في الجبهات وخلف الجبهات في وجه كلّ قوى العالم الظالمة، هذا ليس مزاحًا[2].

 

وهكذا ترون بأنّ المعدات والقوّة والإمكانات التي يستخدمها أعداء الإسلام اليوم للضغط على المسلمين وأتباع الإسلام باتت تختلف كثيرًا عمّا مضى. والآن، وفي مثل هذه الظروف، فإنّه لو


 


[1] في لقاء مع جمع كبير من الجرحى، عوائل الشهداء المعظّمين و.../16 ربيع الثاني 1410هـ/ 15/11/1989م.

[2] في لقاء مع جمع من عوائل شهداء إقليم لرستان/11 صفر 1412هـ/ 21/8/1991م.

 

32


20

3. تفاوت درجات الشهادة

ثار شعب للدفاع عن الإسلام وتقوية شوكته والجهاد في سبيل رفعته دون أن يخشى شيئًا ثمّ يتكلّل جهاده هذا بالشهادة، فإنّ هذه الثورة وهذا الجهاد وهذه الشهادة تحظى بقيمة تاريخية كبرى، وهو ما يتميّز به الشعب الإيرانيّ اليوم، ولا سيّما شهداؤنا وعوائلهم، حيث ثار أبناء شعبنا من أجل الإسلام وضحّوا بالدم والشهداء على الرغم من امتلاك أعداء الإسلام لأنواع السلاح المختلفة على المستوى العالميّ. إنّ الصمود في مواجهةِ عدوٍّ قويٍّ ومسيطرٍ ومتغطرسٍ وظالمٍ ووقحٍ وسليط لمن أكبر الأمور وأعظمها. وهو ما قام به شعبنا، وإنّ عظمة شعبنا هي ثمرة من ثمار استشهاد شبابكم وشجاعة أبنائكم[1].

 

في واقعة كربلاء، كان أُسّ القضيّة ولب لُباب الإسلام المقبول من الجميع أي الإمام الحسين عليه السلام في ميدان الحرب، ويعلم هو وأصحابه أنّه سيستشهد ولا أمل له في أيّ أحد في هذا العالم الواسع وهو غريب ووحيد... ومن رجالات الإسلام ذلك اليوم من لا يغتمّ لقتل الحسين عليه السلام بل يعدّ وجودَه مضرًّا بحاله، ومنهم من لا يبالي بالقضيّة وإن حزن لقتله عليه السلام (كعبد اللّه بن جعفر وعبد اللّه بن عبّاس وأمثالهم). فلم يكن للإمام عليه السلام أدنى أمل بمن هم خارج ميدان القتال المليء بالمحن، فما كان موجودًا فهو في ميدان القتال فقط. والأمل مقتصر على هذا الجمع، والجمع مسلّم للشهادة، وبعد الاستشهاد لا يقام لهم مجلس فاتحة حسب الموازين الظاهريّة، فيزيد متسلّط على كلّ شيء، وتُساق نساؤهم أسارى ولا يُرْحَم أطفالهم، التضحية في هذه الساحة صعبة جدًا.


 


[1] في لقاء مع جمع كبير من الجرحى، عوائل الشهداء المعظّمين و.../16 ربيع الثاني 1410هـ/ 15/11/1989م.

 

33


21

3. تفاوت درجات الشهادة

"لا يوم كيومك يا أبا عبداللّه"[1]. فلولا الإيمان والإخلاص والنور الإلهيّ في قلب الحسين بن علي عليه السلام والذي بعث الحرارة في قلوب الصفوة المؤمنة حوله لما تحقّقت تلك الواقعة، فانظروا إلى عظمة هذه الواقعة[2].

 

سلام الله على المجاهدين في سبيل الله، أولئك الذين مزجوا شرف الجهاد مع فضيلة العلم فغدوا مصداقًا للعالم العامل. إنّ تاريخ رجال الدين الشيعة الزاخر وعلى الرغم من أنّه كان في جميع العصور المليئة بالملاحم وعلى مدى عمر التشيّع المجيد مترافقًا مع التضحيات والجهاد الدموي إلّا أنّ البعض يحظون بقيمة أكبر، وهم أولئك الذين استطاعوا في هذا العصر - وهو عصر المعركة المصيريّة للقيم الإلهيّة ضدّ هجوم شياطين المال والقوّة في العالم - أن يُلبِسوا القامة الشامخة للحوزة الدينيّة رداء الجهاد والشهادة الأحمر وأن يصبحوا أسوةً في القتال في سبيل الله. إنّ المشاركة في ميادين الجهاد والشهادة تمنح مجتمع رجال الدين رونقًا وتألّقًا إلهيًّا وتجعل من سلاحهم في التبليغ والتعليم سلاحًا ماضيًا وقاطعًا. إنّ الحوزات العلميّة في عالم التشيّع مدينة بوجودها لرجال الدين المجاهدين في سبيل الله[3].

 

قد يصادف أن تقع حادثةٌ في أثناء مرورنا في الطريق، أو أن تصدمنا سيّارة، أو أن تنفجر قنبلة أمام أقدامنا، في العرف هذا يُعرف عادةً بالشهيد! إذا حصل هذا الأمر على يد العدوّ. لكنّ هذا الأمر يختلف عن تلك التضحية. هنالك تفاوت كبير بين هذا الشهيد

 


[1] معالي السبطَين، ج2، ص10.

[2] كلمته بمناسبة يوم الحرس، في جمع من آلاف الأفراد من الحرس الثوريّ ووحدات القوّات العسكريّة/3 شعبان 1414هـ/16/1/1994م.

[3] رسالة إلى علماء الدين المجاهدين/23 جمادى الأولى 1410هـ/22/12/1989م.

 

34


22

3. تفاوت درجات الشهادة

وذلك الشهيد الذي تخلّى عن شبابه واللذّات والمرأة والحياة والابن والأب والأم والماء البارد صيفًا والتدفئة شتاءً، ويقضي الصيف والشتاء على الثلوج فوق جبال "كرده رش"، أو في حرّ جنوب خوزستان، ليذهب ويستقبل الموتَ ويواجهه - المتربصّ له في كلّ خطوة له- وفي النهاية يصل إلى الشهادة. تلك التضحية والفداء يحتاجان إلى تدريب ومراقبة. تلك نقطة أخرى يجب أن يدركها الشبّان[1].

 

إنّ قيمة شهداء كربلاء تكمن في دفاعهم عن الحق في أشد الظروف التي يمكن للإنسان أن يتصوّرها. يمكن لشخص أن يذهب ويشارك في حرب كبيرة وخاسرة وقد يقتل فيها، وطبعًا هذا مقام كبير لا يناله كل شخص. فإن الشهداء والمجاهدين في سبيل الله معدودون، في زماننا لدينا والحمد لله شهداء بارزون، لكن الشهادة على هذا النحو في ساحة القتال يختلف اختلافًا كبيرًا عن الاستشهاد في ساحة كربلاء، بما تحمله من معاني الغربة والضغوط والعطش والتهديد بإيذاء ذوي الإنسان والتنكيل بهم، فغالبًا ما يُبدي شخص استعداده للتضحية لولا بعض الحجج التي يتذرّع بها من قبيل قوله: ماذا أصنع إنّ ابني يتضوّر جوعًا أو سيموت من دون دواء، وأحيانًا يقدّم صيانة عرضه على نفسه، ويفضّل العناية برضيعه أكثر من محافظته على روحه، في حين يقْدم شخص على التوجّه إلى ساحة الوغى مصطحبًا رضيعه وزوجته وأمّه وعرضه ويعرّض الجميع للخطر دون أن تهتزّ قدمه[2].


 


[1] في لقاء مع القادة وجمع من حرس الثورة في الذكرى السنويّة لمولد الإمام الحسين عليه السلام/3 شعبان 1411هـ/18/2/1991م.

[2] في ذكرى ولادة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام /20 جمادى الآخرة 1412هـ/ 27/7/2005م.

 

35


23

3. تفاوت درجات الشهادة

3-2. مراتب الشهداء ومقامهم

لقد أدهشتنا في التاريخ حياةُ الشهداء العظام في زمن حياة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، حنظلة غسيل الملائكة، حمزة، كلاهما أخوة شجعان في معركة أُحُد وآخرون وآخرون، لكن شبابنا هؤلاء، يُظهِرون لنا الآلافَ من حمزة سيّد الشهداء والآلافَ من حنظلة غسيل الملائكة، فنراهما بأعيننا وندرك عظمتهما. إنّ فدائيّينا وأحرارنا ومفقودي الأثر الغرباء الأعزّاء هم مثلهما[1]. قلت مرارًا إنّ بالإمكان مقارنة شهدائنا بشهداء بدر وحُنين وأُحُد وشهداء صفّين والجمل، بل شهداؤنا أرفع منزلة من كثير من هؤلاء الشهداء، لكن بالمقارنة مع شهداء كربلاء، فلا. فلا يقارن أحد بشهداء كربلاء، لا اليوم ولا في الماضي، لا في صدر الإسلام ولا أبدًا إلى أن يشاء الله. إنّ هؤلاء هم صفوة الشهداء، فلن يكون هناك نظير لعلي الأكبر ولحبيب بن مُظاهر[2].

 

من أكبر النعم الإلهيّة على مجتمعنا الإسلاميّ وجود رجال شجعان وشبّان فدائيّين تصدّوا منذ ما قبل انتصار الثورة الإسلاميّة إلى اليوم لأعداء الثورة بصدورهم ونصروا بأرواحهم ودمائهم الإسلام والثورة وسبيل الله. بعض هؤلاء الأعزّاء استُشهدوا في سبيل الله وفازوا بدرجاتٍ وبنِعم الله اللامتناهية على الشهداء، وسجّلوا في التاريخ أسماءهم بصفتهم سند افتخار لإيران والإسلام والثورة الإسلاميّة ومصدر عزٍّ لإمامنا وقائدنا الراحل العظيم الشأن.


 


[1] في لقاء مع عوائل شهداء إقليم بوشهر 25 جمادى الآخرة 1412هـ/1/1/1992م.

[2] بمناسبة يوم الحرس، في جمع من الآلاف من أفراد الحرس الثوريّ وبعض وحدات القوّات العسكريّة الخاصّة 3 شعبان 1414هـ/16/1/1994م.

 

36


24

3. تفاوت درجات الشهادة

لو أردنا أن نزينَ في ميزان القِيم الإسلاميّة الشهداءَ الجليلي القدرِ لوجدنا مكانتهم بلا شكّ في عداد شهداء صدر الإسلام، وربّما كانت مكانتهم أرفع منهم في بعض الحالات، لأنّ شهداء صدر الإسلام كانوا موجودين إلى جانب نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام وكانوا يسمعون صوت الوحي من النبي الأكرم ويلمسونه، أمّا شهداء زماننا، فمن دون أن يروا الإمامَ المعصوم عليه السلام والنبيَّ المكرّم صلى الله عليه وآله وسلم لبّوا دعوة إمامنا المبجّل الراحل، وحضروا في جبهات الخطر، عندما دعاهم نائب المعصومين عليهم السلام بحقّ لذلك، وأدّوا في سبيل الله دورَ المجاهدين على أفضل وجه[1].

 

على مدى تاريخ الإسلام، بعد شهداء كربلاء، لا نظير لشهدائنا وفدائيّينا في حقبة الدفاع المقدّس وقبلها وبعدها حتّى اليوم، وكذلك أُسرهم، في الحقيقة هم أظهروا رِفعتهم وجعلوا كلّ ما هو كالأسطورة بالنسبة إلينا - ما كنا نؤمن به، لكنّه كان شبيه بالأسطورة - يتحقّق ومنحوه الواقعيّة[2].

 


[1] في لقاء مع أُسر شهداء إقليم بوشهر/25 جمادى الآخرة 1412هـ/1/1/1992م.

[2] في لقاء مع جمع من أُسر شهداء إقليم همدان/8 جمادى الأولى 1425هـ/4/6/1996م.

 

37


25

4. حَمَلةُ رايةِ قافلةِ الشهادة

4. حَمَلةُ رايةِ قافلةِ الشهادة

4-1. أنبياء الله

لم تكن مهمّة الأنبياء مجرّد عرض المسائل، فلو اكتفى الأنبياء بهذا الجانب واكتفوا ببيان الحلال والحرام للناس، لما كانت ثمّة مشكلة ولما عارضهم أحد. في هذه الآيات الشريفة التي تلاها المقرئ المحترم بصوته الحسن وتجويده الجيّد: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ﴾[1] - لنا أن نتساءل: أيّ تبليغ هذا الذي تندرج فيه خشية الناس، وعلى الإنسان أن لا يخشاهم حينما يبلّغ؟ لو كانت القضيّة تقتصر على بيان جملة أحكام شرعيّة، لما كان هناك سبب للخوف، بحيث يثني الله تعالى على الذين لا يخشون الناس ولا يخشون أحدًا إلّا الله. ما هو سبب التجارب الصعبة التي عاناها الأنبياء الإلهيّون طوال أعمارهم المباركة؟ وما الهدف منها؟ ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا﴾[2]. ما هي الرسالة التي ينبغي القتال من أجلها؟ ويجب تعبئة جنود الله من أجلها والتقدُّم (التحرّك) بهم؟ هل كانت مجرّد ذكر بضع عبارات في الحلال والحرام وبعض المسائل؟ لقد ثار الأنبياء لإقامة الحق والعدل ومقارعة الظلم والفساد وتحطيم الطواغيت. ليس الطاغوت ذلك الوثن الذي يعلّقونه على الجدران أو الذي كانوا يضعونه في الكعبة أيّام الجاهلية، ذلك الوثن ليس بشيء حتى يطغى. إنّما الطاغوت هو ذلك الإنسان الطاغي الذي يفرض صنم وجوده على الناس، استنادًا إلى ذلك الصنم المعلّق


 


[1] سورة الأحزاب، 39.

[2] سورة آل عمران، 146.

 

 

38

 


26

4. حَمَلةُ رايةِ قافلةِ الشهادة

على الجدران. الطاغوت هو فرعون: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ﴾[1]، هذا هو الطاغوت. نهض الأنبياء لمحاربة هؤلاء ومقارعتهم ووضعوا أرواحهم على الأكفّ ولم يقعدوا ساكتين عن الظلم والعسف وتضليل الناس، هؤلاء هم الأنبياء[2].

 

في المرحلة الأولى من البعثة، وبعد مضي ثلاث سنوات أو أكثر -عندما كانت الدعوة سرًّا- استطاع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يجعل ثلاثين أو أربعين شخصًا يعتنقون الإسلام. وبعد ذلك جاء الأمر الإلهي: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾[3]. أعلنْ دعوتَك وانزلْ إلى الساحة وارفع الراية واجعلْ عملك علنًا. نزل الرسول إلى الساحة وحدث ما تعرفونه حيث فزع أكابر قريش وصناديدُها وأثرياء ذلك المجتمع وأشدّاؤه. الشيء الأوّل الذي فعلوه هو تطميع الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. جاؤوا لسيّدنا أبي طالب وقالوا له "إذا كان ابن أخيك يريد الزعامة جعلناه زعيمًا مطلقًا، وإذا أراد الثروة أعطيناه منها ما يجعله أثرانا، وإذا أراد أن يكون ملكًا اخترناه ملكًا علينا، ولكن قل له يقلع عن كلامه هذا". وكان أبو طالب يخاف على حياة الرسول ومؤامراتهم ضدّه، فجاء إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وروى له رسالةَ أكابر مكة، وربما نصحه وأوصاه بأن يتنازل بعض الشيء، لماذا الصمود والإصرار إلى هذه الدرجة، هذا غير ضروري. فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "يا عم، والله لو وضعوا الشمسَ في يميني والقمرَ في شمالي لأعرض


 


[1] سورة القصص، 4.

[2] في لقاء مع علماء الدين وطلاب الحوزة الشيعة والسنّة الكردستانيّين/18 جمادى الأولى 1430هـ/ 13/5/2009م.

[3] سورة الحجر، الآيتان 94 و95.

 

39


27

4. حَمَلةُ رايةِ قافلةِ الشهادة

عن هذا الأمر، لا أفعله حتى يُظهره اللهُ أو يذهب بما فيه".

 

وجاء في الرواية أيضًا: "ثم اغرورقت عيناه من الدمع".. فاضت عينا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المباركة بالدمع ونهض من مجلسه. وحين شاهد أبو طالب هذا الإيمان والثبات تغيّرت حاله بشدّة وقال: "يا ابن أخي اذهبْ وقل ما أحببت".. سر وراء هدفك وغايتك. "والله لا أسلمنّك بشيء". هذا الصمود يصنع صمودًا. وهذه الاستقامة من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كرّست جذور الاستقامة لدى أبي طالب. وهذا الالتزام بالهدف وعدم تهيّب العدوّ، وعدم الطمع بما في أيدي الأعداء، وعدم الاهتمام بالامتيازات التي يريد أن يمنحها له الأعداء مقابل إيقاف هذه الحركة تخلق صمودًا وسكينة وثقة بالطريق والهدف والإله الذي يختص به هذا الهدف.

 

لذلك استطاع المسلمون وهم يومئذ ليسوا أكثر من ثلاثين أو أربعين شخصًا أن يثبتوا مقابل كلّ تلك المشكلات والصعاب ويزداد عددهم يومًا بعد يوم. كانوا يشاهدون في مكة ما يصنع المشركون بعمّار وبلال وكيف يعاملون سميّة وياسر ويعذبونهم ويقتلونهم. كانوا يرون كلّ هذا ومع ذلك يؤمنون. هكذا هو تقدّم الحق. الحق لا يتقدم بمجرد الدعة والأمن والأمان ورفع رايته والمناداة به في حالة الرخاء. يتقدم الحق حينما يبدي صاحب الحق وتابعه في نفسه صمودًا وثباتًا في طريق تقدم الحق[1].


 


[1] في لقاء مع مسؤولي النظام بمناسبة المبعث النبويّ الشريف/29 رجب 1429هـ/ 30/7/2008م.

 

40


28

4. حَمَلةُ رايةِ قافلةِ الشهادة

4-2. الإمام الحسين عليه السلام

ارتبط أساس الدين بعاشوراء وبقيَ ببركة عاشوراء. لو لم تكن شهادة الإمام الحسين بن علي (عليه السلام)، الكبيرة -عندما لفتَ هذا الفداءُ وجدانَ التاريخ بكامله وأيقظه- في القرن الأوّل أو في منتصف القرن الثاني الهجريّ، لقُضي على الإسلام بكامله. وحتمًا هو كذلك. من يراجع التاريخَ ويعاين الحقائق التاريخيّة سيؤيّد ذلك. إنّ الأمرَ الذي استنفرَ ضمير المجتمع الإسلاميّ في ذلك الزمن وأصبح في ما بعد أُسوةً وقدوةً، هي تلك الواقعة العجيبة التي ليس لها سابقة في الإسلام حتّى ذلك اليوم. طبعًا، بعد ذلك اليوم حصلت وقائع مماثلة كثيرة، لكنْ أيّ منها لم يكن نسخةً طبقَ الأصلِ عنها. قدّمت أمّةُ الإسلام الكثير من الشهداء، قدّمت الشهداء جماعيًّا (بالجملة). لكن لم تصل أيٌّ منها إلى مستوى واقعة عاشوراء. تبقى واقعة عاشوراء، في قمّة الفداء والشهادة وستبقى كذلك إلى يوم القيامة "لا يومَ كيومك يا أبا عبد الله". نحن الشيعة، استفدنا كثيرًا من هذه الحادثة[1].

 

إنّ ذكرى مولد الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، ذكرى عظيمة.. لقد وُلد في هذا اليوم رجلٌ ارتبط مصير الإسلام به وبحركته، بانتفاضته، بتضحياته وبإخلاصه. لقد قدّم هذا العظيم للتاريخ وللبشرية حركةً -لا مثيل لها ولا نظير-حركةً يُحتذى بها ولن تُنسى أبدًا. هي قدوة. إنّ التضحية في سبيل هدف إلهيّ بذلك الحجم وبذلك المقياس العظيم، التضحية بالروح وبأرواح الأعزّاء، بسبي حريم (نساء) أهل البيت عليهم السلام، بتلك الطريقة وبتلك

 


[1] في لقاء مع جمع من العلماء، الطلبة وعلماء الدين، عشيّة شهر محرّم/25 ذي الحجّة 1413هـ/16/7/1993م.

 

41


29

4. حَمَلةُ رايةِ قافلةِ الشهادة

الفظاعة، وتَحَمُّلَ تلك الواقعة القاسية، من أجل بقاء الإسلام ومن أجل أن تبقى مقارعة الظلم كأصل في تاريخ الإسلام والبشريّة، لهو أمرٌ منقطع النظير. لقد استشهد الكثيرون في سبيل الله، في رَكْبِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، في ركب أمير المؤمنين عليه السلام، وفي ركب أنبياء الله عليهم السلام. لكن أيًّا منهم لا يُقارن بواقعة كربلاء. هناك فرق بين مَن يدخل ميدان الحرب وسط التهليل واستحسان الموالين، على أمل الفتح والنصر، ثم يستشهد ويُقتل - بالطبع له الأجر الكبير - وبين تلك الجماعة (ركب) في هذا العالم المظلم والظالم، التي دخلت الساح في حين أنّ زعماء ووجهاء عالم الإسلام الكبار آنذاك، قد امتنعوا عن مساندتهم، بل ولاموهم على تلك الخطوة. فقدوا الأمل في نصرة أيّ شخص، ويأتي شخص كعبد الله بن عبّاس، وآخر كعبد الله بن جعفر لردعهم (وحثّهم على الانصراف). كما امتنع الأصحاب والمخلصون والمحبّون في الكوفة عن مساندتهم. (كانوا) في غربة ووحدة، فيذهب (الامام عليه السلام) إلى ساحة الحرب مع قلّة من الأصحاب المخلصين والعائلة، الزوجة، الأخت، أبناء الأخت وأبناء الأخ، الشُبان والرضيع ذي الستة أشهر. إنّها واقعة عجيبة، ومشهد عظيم في التاريخ قد تراءى أمام أنظار البشريّة. كان الإمام الحسين عليه السلام، يُعدُّ نفسه ليوم كهذا[1].

 

كان مصير ذلك العظيم الشهادة، لكن لم يكن درسه لنا درس الشهادة فحسب. فهذه الحركة، مليئة بالبركات، يمكن في بعض الأحيان أن تنتهي حادثة كحادثة الحسين بن علي عليهما السلام بالشهادة، لكنّ هذه الحال، وهذه الروحيّة لإقامة دين الله، وكلّ ما ترتّب عليها من بركات لأمر مفيد. لقد نزل الشّعب الإيرانيّ


 


[1] في لقاء مع فئات الشعب المختلفة/4 شعبان 1434هـ/ 12/6/2013م.

 

42


30

4. حَمَلةُ رايةِ قافلةِ الشهادة

بهذه الروحيّة إلى الساح، ودمّر بناءَ الظلم الوطنيّ والدوليّ في إيران. وأنشأ مكانهما بناءً إسلاميًّا. ليس من المحتّم دائمًا أنّ كلَّ من سار على طريق الحسين بن علي عليهما السلام، لن يكتب له النجاح بالمعنى الظاهريّ والدنيويّ للتوفيق، لا أبدًا، لقد وضعوا هذا الطريق، وهذا الدرس أمام أنظار البشريّة وقالوا: "إذا أردت الدنيا والعزّة أيضًا، فعليك بالسير في هذا الطريق". لقد اختبر الشّعب الإيرانيّ هذا، ويجب تقدير ذلك. فقد نزل الشّعب الإيرانيّ بروحية حسينية وعاشورائية إلى الميدان، وانتصر في ثورة عظيمة، ربّما أمكن القول بأن لا نظير لها على مدى العقود الماثلة أمامنا، أو على الأقلّ نادرة الحدوث[1].

 

4-3. الإمام الخمينيّ قدس سره

... هو (الإمام الخميني) نفسه قائد قافلة الشهداء ومحركها وحبيب قلوب جميع الشهداء. هو ذاك الذي كان ذكره يمدّ شبابنا الطاهرين والنورانييّن بنشاط الجهاد ويعطيهم دروس الطهارة والنزاهة ويحشد الملائكة لمواجهة أتباع الشيطان، هو ذاك الذي كان يقول لله ويعمل لله ويعيش لله، ومن خلال قوله وفعله، يُعرّف الناسَ باللهَ.[2]

 

وللأسف، في الماضي كانت عادة الاستثمار من أجل الدين (التضحية) وتحمّل المشاكل في سبيل الله كانت قد أصبحت منسوخة أو نادرة جدًا في بلدنا وفي الكثير من بلدان العالم

 


[1] المصدر نفسه.

[2]  رسالة في تخليد الشهداء والجرحى في اليوم الثامن من عشرة الفجر المباركة/ 13 رجب 1410هـ/ 8/2/1990م.

 

43


31

4. حَمَلةُ رايةِ قافلةِ الشهادة

الإسلاميّ. ولذلك فإنّ إحياء روح التضحية في سبيل الله - سواء في إيران أو في سائر البلدان الإسلامية - تعدّ إحدى أكبر خدمات الثورة والإمام للأمّة والإسلام. وها هي اليوم نفوس طيبة كثيرة على أهبة الاستعداد للجدّ وتحمّل المشاق والآلام وبذل النفس في سبيل الله، والمظهر الجليّ لهذه الظاهرة هم شهداؤنا الأعزاء الذين أنتم أهلهم وذووهم[1].


 


[1] في لقاء مع أبناء الشهداء المتفوقين، المسؤولين عن الشؤون الثقافيّة في مؤسّسة الشهيد 3 محرّم 1410هـ/16/8/1989م

 

44


32

5. الملحقون بركب الشهداء

5. الملحقون بركب الشهداء

5-1. الجرحى، الشهداء الأحياء

الشهداء هم الذين يُظهرون شجاعةً وجرأةً أكثر من الآخرين، يتصدّون ولا يهابون الخطر ويُستشهدون، البعض منهم يحلِّقون إلى الجنّة، والبعض أيضًا يصابون بجراحات، في الواقع -كما يقال والعبارة صحيحة-هؤلاء هم الشهداء الأحياء[1].

 

﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ﴾[2]. الوعد الإلهي وعدٌ حق. يقف شهداؤنا في الصف الأوّل ومعهم المضحّون من الجرحى. هؤلاء هم روّادنا والسبّاقون منّا في جبهة الحق. ذهبوا وأثبتوا الإيمان بالشهادة والتجارة مع الله في ساحة العمل والفعل[3].

 

فأنتم[4] تاجرتم مع الله، ويجب أن نتوجّه إليكم بقوله تعالى: ﴿فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ﴾[5]. بالطبع، لو أردت أن أحكم، لقلت إنّ قضيّة الجريح بنسبة 70? والجريح في حال الشلل الرباعي وهو الوضع الذي أنتم عليه هو أهمّ من قضية الشهادة. لأنّ الشهادة تحدث دفعة واحدة وتتمّ، يعرج بواسطتها الإنسان. أما الحال التي أنتم عليها، وبحسب ما عندي من تحليل،

 


[1] في لقاء مع عوائل شهداء القوّات المسلّحة/8 رجب 1422هـ/26/9/2001م.

[2] سورة التوبة، جزء من الآية 111.

[3] في لقاء مع أُسر الشهداء والجرحى في قم/13 ذي القعدة 1431هـ/ 20/10/2010م.

[4] مخاطبًا الجرحى الذين تعرّضوا لإصابة في النخاع الشوكيّ.

[5] سورة التوبة، جزء من الآية 111.

 

45


33

5. الملحقون بركب الشهداء

فإنّها تبدو لي على مستوى الإيثار أكبر من الشهادة[1].

 

إننا مَدينون بكل ما أحرزناه من تقدم على الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعمرانية والعزة الوطنية طوال هذه السنوات السبع والعشرين الماضية لتضحيات أولئك الذين تصدّوا للمخاطر بصدورهم وقاوموا بوعي وصبر في أشد الأيام تأزّمًا وأصعب المواقف امتحانًا واختبارًا. ﴿فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ﴾[2]. إنّ أعظمهم شأنًا أولئك الذين نالوا الشهادة، وأما شهداؤنا الأحياء، هؤلاء الجرحى الأعزاء، فهم في الحقيقة شهداء. وهم أيضًا الأعظم (شأنًا ومكانة)[3].

 


[1] في لقاء جمع من الجرحى الذين أصيبوا في النخاع الشوكيّ 28 شوّال 1432هـ/ 26/9/2011م.

[2] سورة الأحزاب، جزء من الآية 23.

[3] في لقاء مع عوائل الشهداء والجرحى في خراسان 29 ربيع الثاني 1428هـ/17/5/2007م.

 

46


34

1- المزايا الفردية

الفصل الثاني

مزايا الشهداء

المزايا الفرديّة

 

1-1. الإيثار والتخلّي عن العواطف

والرغبات الشخصيّة

يستشفّ المرءُ من عموم القضية أن للشهداء حركتين وموقفين في منتهى الروعة والعظمة، وكل واحد منهما يحمل نداءً عميقًا، أحدهما، موقف من الإرادة الإلهية المقدسة، وإزاء دين اللّه وعباده ومصالحهم، والموقف الآخر أمام أعداء اللّه. ولو أنكم وضعتم موقف الشهيد ومعنويته ودوافعه، موضع التمحيص والدراسة لاتضح لكم هذان الموقفان. أمّا ما يتعلق باللّه وعباده وأوامره وكل ما له صلة بذاته المقدسة، يتلخّص بالإيثار والتضحية، فالشهيد قد آثر وضحّى للّه. الإيثار معناه إنكار الذات وعدم إدخالها في الحسبان. وهذا أول موقف للشهيد. فلو أنّه أقحم ذاته في الحسابات وضنَّ بها ولم يخاطر لَمَا بلغ هذه المنزلة.

 

الشبان الذين قصدوا ساحات الوغى وضحّوا بأنفسهم على رمضاء خوزستان التي تصل حرارتها إلى 65 درجة، أو على جبال كردستان وبردها القارص والثلوج، كانت لهم مساكن وأُسر، وكان لكلّ منهم أبوان عطوفان، وبعضهم لديه زوجة عزيزة، والبعض منهم كان لهم أطفال يمثّلون بالنسبة إليهم فلذات أكبادهم،

 

47


35

1- المزايا الفردية

وكانوا يعيشون حياة دعة واستقرار، كان لديهم آمال وأمنيات، إلّا أنّهم تخلّوا عن كلّ ذلك ورحلوا. ما هي الرسالة التي كان يحملها هؤلاء الشهداء ويفترض بنا استلهامها منهم؟ رسالتهم هي أنّ من يبتغي مرضاة اللّه، ويطمح لأن يكون وجوده نافعًا في سبيل اللّه على طريق تحقيق الغايات الإلهيّة السامية في عالم الوجود، عليه أن ينكر ذاته في مقابل الأهداف ذات الطابع الإلهيّ. وليس هذا من نوع التكليف الذي لا يطاق. حيثما تمسّكت فئة مؤمنة بهذه السمة انتصرت كلمة اللّه، وحيثما ارتعدت فرائص المؤمنين، كانت الغلبة بلا جدال - لكلمة الباطل.

 

هذه الثورة انتصرت بفعل عوامل الإيثار والتضحية التي تمسّك بها عباد اللّه المؤمنون، ووقع ما لم يكن يخطر بحسبان أيِّ محلِّل، وتلك هي إقامة الحكم الإسلاميّ وفي هذه النقطة من العالم بالذات، من كان يتوقّع هذا؟ ومن كان يصدّق بحدوثه؟ ولكن بفعل مواقف الإيثار والتضحية تحقّق على يد المؤمنين هذا الأمر الذي ما كان متوقّعًا تحققه، إذ إنّ فئة مصطفاة من المؤمنين - ولا نقول كل المؤمنين - أنكرت ذاتها، والجميع مطالبون بالسعي لأن يكونوا ضمن هذه الفئة، لنيل هذه المـَنْقَبة. كلّ موضع انعدم فيه عنصر الإيثار، ... وكما هو الحال على امتداد التاريخ، وكذلك في عهد الإمام الحسين (عليه السلام)، حين تنصّلت الأكثرية العظمى من المؤمنين والخواصّ عن واجبها، وتخلّت وتراجعت، انتصرت حينها كلمة الباطل، وتسلّط يزيد على الرقاب واستمرّ الحكم الأمويّ تسعين سنة، وجاء عهد بني العباس ودام حكمهم بين خمسة وستة قرون. وكان السبب الأساسيّ لكلّ هذا هو انعدام الإيثار. وكانت النتيجة أنّ المجتمعات الإسلامية تكبّدت الكثير من العناء، وذاق المؤمنون أمرَّ أنواع الظلم. إنّ الساحة

 

48


36

1- المزايا الفردية

واضحة غاية الوضوح. وعصرنا هذا يا أعزائي شبيه بمعركة أُحُد، فإن أحسَنّا ستكون الهزيمة من نصيب العدو، ولكن إذا وقعت أبصارنا على الغنائم ولاحظنا بضعة أشخاص يتكالبون على جمع الغنائم، وغلبتنا مشاعر الطمع وتركنا مواضعنا وانهمكنا في الاستحواذ على الغنائم، تنعكس المعادلة حينذاك. أنتم تعلمون كيف انعكست القضيّة في معركة أُحُد، ولقد تكرّرت معركة أُحُد على مدى تاريخ الإسلام.

 

القائد الربانيّ الذي يرى بصفاء قلبه صفحة الحقيقة انتدب لذلك الموضع فئةً من المسلمين وأوصاهم بعدم مغادرة أماكنهم، وأن يحرسوا هذه الجبهة. ولكن ما إن وقعت أبصارهم على الغنائم وشاهدوا أفرادًا يحوزون الغنائم، تزلزلت القلوب (طمعًا). ولو استُنطق كلّ منهم لقالوا: نحن أيضًا بشر، وقلوبنا تهوى مستلزمات العيش الرغيد. هذا صحيح، ولكنكم لاحظتم النتائج التي أدّى إليها هذا الخنوع أمام الأهواء البشريّة التافهة، فقد كُسر ضرس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأُصيب بجراح، وغُلبت جبهة الحقّ، وانتصر العدوّ واستُشهد الكثيرون من أكابر المسلمين. نداء الشهداء يدعو إلى عدم الانصياع لهواجس الغنائم. هذا هو نداؤهم لي ولكم ولجميع من يكرّم هذه الدماء الطاهرة المسفوكة ظلمًا. لا تنظروا إلى من يعصي ويتجه إلى جمع الغنائم ﴿لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾[1]، عليكم بأنفسكم ولا يشغلنّكم مَن اختار طريق الغواية. هذا ما يأمر به الإسلام وما تدعو إليه دماء الشهيد. يوم استشهد هؤلاء الأعزاء في الجبهة، كان بعض المتخلّفين عن الجبهة منهمكين في الكسب، وبعضهم


 


[1] سورة المائدة، شطر من الآية 105.

 

49


37

1- المزايا الفردية

الآخر غارقًا بجمع الأموال، وآخرون منكبّين على انتهاز الفرص، وبعضهم الآخر كان منغمسًا في الخيانة. أمّا الشهداء فقد ساروا نحو الجبهات من دون الالتفات إلى هؤلاء. وكانت النتيجة أنهم استطاعوا حفظ النظام الإسلامي، وغدا كلّ واحد منهم اليوم كوكبًا منيرًا ونجمًا ساطعًا. وعلى هذا يكون النداء الأوّل هو نكران الذات أمام اللّه تعالى، وأمام عباده، وأمام الإرادة الإلهيّة. ويجب علينا استيعاب هذا النداء، يا أعزائي، لا يمكن التغافل عن هذه الحقائق والمرور عليها مرور الكرام، إنّها تستدعي من الإنسان العزم والإرادة[1].

 

أنتم تتحمّلون هذه المصائب بسبب المهمّة الكبيرة التي تحمّلوهم وقبلوا بها. ليس الجميع مستعدّين للتضحية، إنّ مَن ضحّوا هم البارزون المرموقون في أمّتنا. ولقد كان الأمرُ على هذا النحو منذ البداية. البعضُ يؤمنون بالإسلام وبالله تعالى وبالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، لكنّهم ليسوا مستعدّين ليتقبّلوا المصاعب والمشاكل. وهؤلاء ليسوا مثل أولئك الذين تحمّلوا في سبيل الله الجهاد الكبير والصعب[2].

 

إنّ السبب الذي يجعل ذكرى شهدائنا الأعزاء هؤلاء لا تغيب عنّا هو أنّهم ضحّوا برأس المال هذا (أي بروحهم). إنّ أهل الدنيا لا يتمسّكون فقط بأرواحهم بل برغباتهم الحقيرة أيضًا. رجالُ الحق، المغاوير، المدافعون عن القيم المعنويّة مستعدّون أن يضعوا أرواحهم على أكفّهم ويقتحموا هذا الميدان[3].


 


[1] في لقاء مع جمع من عوائل الشهداء/30 ذي الحجّة 1417هـ/ 7/5/1997م.

[2] في لقاء مع جمع من عوائل الشهداء المدافعين عن الحرم/18 جمادى الآخرة 1437هـ/27/3/2016م.

[3]  في كلّيّة العلوم البحريّة في نوشهر/17 شوّال 1430هـ/ 6/10/2009م.

 

50


38

1- المزايا الفردية

إنّ ما قرأناه في التاريخ، وما رأيناه في زمننا، في الحرب، كان الجريح الظمآن يحمل الماء بين شفتيه ويوصله إلى شفتَي الجريح الآخر الذي ينقله بدوره إلى الجريح الثالث ولم يكونوا يجدون الفرصة لريّ عطشهم عند الشهادة، وبسبب الإيثار، كانوا (الجميع) يُستشهدون عطاشى. إن كلّ من قرأ هذه القصص التي تُعد أنّها انتهت في التاريخ، لا يعتقد بأنّها قد تتكرّر، لكنّ تجلّيات هذه الفضيلة ظهرت مئات وآلاف المرّات على أيدي التعبويّين الأتقياء والطاهرين في جبهات الحرب[1].

 

إنّ هذه الثورة العظيمة التي استغرقت مراحلها العملية خمس عشرة سنة، تمتدّ جذورها إلى أعمق من ذلك، وكذلك الإيثار والتضحية والاستشهاد في سبيل اللّه لأجلها كان قد بدأ قبل ذلك. كم هي عديدة نماذج الإيثار التي حصلت في هذه الثورة! فالقضيّة جدّيّة وليست مزاحًا! لا تتصوّروا بأنّ الإيثار هو أمر سهل، فأنت عندما تقف في الدور لتستقِلَّ الحافلة -مثلًا-فإنّك ستشعر بالسرور وتنال استحسان الآخرين إذا آثرت أحدًا على نفسك بالسماح له بالركوب قبلك. فالإيثار على قدر عالٍ من الأهميّة، حتى وإن كان بمقدار إيثارٍ في الدور لركوب الحافلة، الأمر الذي قد لا يبدو في ظاهره ذا قيمة. ففي النهاية ستأتي حافلة أخرى بعد ربع ساعة وتستقلّها. عندئذٍ سترون كم هو مهمّ التخلّي عن الروح وعن الأعزّاء وعن كلّ مظاهر الحياة وزينتها! أهذه المسائل مزاحٌ[2]؟!


 


[1]  في جمع ضمَّ 110 آلاف فرد من قوات التعبئة في معسكر العلويّين العسكري-الثقافيّ/26 شعبان 1422هـ/ 12/11/2001م.

[2] في لقاء مع الجنود بمناسبة يوم الجيش/3 ذي القعدة 1414هـ/ 13/4/1994م.

 

51


39

1- المزايا الفردية

إنّ ما حصل في إيران، وهو بلا شكّ لا سابقة له في كلّ الحقب التاريخيّة لهذا البلد -بقدر ما قرأنا ورأينا- كان الثبات والفداء العام نفسه لدى الشعب في سبيل الله تعالى في مقابل تجاوزات العدوّ وجُبنه، وكانت ذروة ذلك هذه الحادثة الاستثنائيّة والفريدة من نوعها، هي الحركة الساطعة نفسها التي انبثقت من نجوم سماء إنسانيّة زماننا، أي من شهدائنا الأعزّاء. هؤلاء الشباب الذين توجّهوا إلى الجبهات بحماسة وشوق غير مبالين أبدًا بأمانيهم وبشهوات الشباب وبذلوا في الحقيقة أرواحهم بعشقٍ ومحبّة إلهيّة. هؤلاء بنظري البارزون في زماننا، لا نظير لهم منذ صدر الإسلام وما بعده في أيّ عهدٍ من العهود، من حيث الكميّة والنوعيّة[1].

 

شهداؤنا الأعزّاء وجرحانا هم أولئك الذين تخلّوا عن كلّ رغباتهم الشخصيّة. هذا سهل قولُه. هو ليس فقط التخلّي عن المال والأملاك والرأسمال، هو التّخلّي عن العواطف. الشهيد يتخلّى عن حنان الأمّ، عن ظلّ الأب، عن بسمة الطفل، عن عشق الزوج ويتوجّه لأداء المهمّة[2].

 

إنّ سر الانتصار الكبير في كلّ الميادين هو من التضحية بالنفس، وإنّ المضحّين بأنفسهم والفدائيّين هم من يوصلون أمّتهم إلى قمة المجد والعظمة. التحرّر من الأهواء الماديّة الصغيرة هو الذي يؤدّي بمثل هؤلاء الناس إلى مثل تلك المقدرات المثيرة للدهشة وتمنحهم قوةً ما فوق الماديّة[3].

 


[1] في لقاء مع جمع من عوائل شهداء قم/24 جمادى الآخرة 1413هـ/ 19/12/1992م.

[2] في لقاء مع عوائل شهداء وجرحى إقليم خراسان الشماليّة/28 ذي القعدة 1433هـ/ 13/10/2012م.

[3] رسالة بمناسبة يوم تخليد الشهداء وأهل الإيثار/12 ذي القعدة 1433هـ/27/9/2012م.

 

52


40

1- المزايا الفردية

التضحية بالنفس، كلمة سهلة ممتنعة. يقول البعض: "نحن مستعدّون للتوجه إلى جبهة الحرب وللقتل في شدّة الحرّ. "يقولون هذا، عن التضحية بأنفسهم، لكن ليس على هذا النحو. التضحية بالنفس، أصعب بكثير من هذا الكلام، ثانيًا يبدأ من الآن ومن هذه اللحظة. يبدأ من التضحية بالنفس، من الإحساس الذي يبدأ في ذهني وذهنكم إلى أن يصل إلى حيث يمكن للإنسان أن يتخلّى عن روحه في ساحة المعركة.

 

الخطوة الأولى، التخلّي عن ما هو أقلّ من الروح، عن شيء صغير، عن اسم، عن ميدالية، عن احترام، عن قيمةٍ ماديّة، عن بيت جيّد، عن سيّارة، عن مال. إذا تمكّنّا من التخلّي عن هذه الأشياء، نتخلّى بسهولة عن الروح أيضًا. ليس على هذا النحو بحيث يكون الإنسان أسيرًا لغرائزه - أكانت غرائز شهوانيّة أم غرائز حياتيّة أخرى - التي تجرّه كريشةٍ أحيانًا إلى هذه الجهة وأحيانًا إلى تلك، ثمّ يفكّر ويقول، نحن مستعدّون لتقديم أرواحنا في سبيل الله! ليس بهذه البساطة، نحن نتخيّل[1].

 

إنّ دفاع الشعب الإيرانيّ على مدى ثماني سنوات هو مجموعة متشابكة وعظيمة من تجلّيات الجلال والجمال بحيث يمكن لأمّةٍ أن تعرضها في مسرح حياتها التاريخيّة. ولكن الشهيد والشهادة، هو ذلك الخاتم اللامع والباهر الأبرز في هذه المجموعة العجيبة والأغلى ثمنًا من أي ظاهرة أخرى. هذا البروز هو حصيلة العمل الفدائيّ الإنسانيّ المخلص بحيث أغفلَ نفسه وغضّ الطرف عنها وعن كلّ شؤون الحياة الماديّة مقابل الرضى الإلهيّ، وقدّم كلّ شيءٍ فداءً لهذا السبيل الذي يفيضُ فخرًا. عوائل الشهداء، الآباء،


 


[1] في لقاء مع القادة وجمع من حرس الثورة ولجنة الثورة الإسلاميّة، و... في الذكرى السنويّة لمولد الإمام الحسين (عليه السلام) ويوم الحرس/4 شعبان 1411هـ/18/2/1991م.

 

53


41

1- المزايا الفردية

الأمهات، الأزواج، الأبناء، والآخرون الذين يحبّون الشهيد أيضًا لهم دور في هذا الفخر والعزّة المعنويّة. سلام الله والملائكة والعباد الصالحين على هؤلاء البارزين في المجتمعات البشريّة[1].

 

سلامٌ منبعثٌ من أعماق القلب وتحيةٌ بلطافةِ روح الملائكة على الأرواح المطهرة للشهداء الذين استحبّوا رضى الله وإجابة دعوة عبده المنتجب والدفاع عن الوطن الإسلامي وكيان الحكم القرآنيّ على الحياة الدنيا ولذّتها القليلة، فحملوا أرواحهم على الأكفّ يحثّون الخطى بلهفة وشوق إلى ساحة الجهاد، وفي طريق الجهاد المقدّس وضعوا أقدامهم في جنة الشهادة وتلقّفوا السعادة الأبديّة. إنّ استقلال إيران وعزّتها اليوم رهينة ذلك الجهاد[2].

 

1-2. الإخلاص والتحرّك في سبيل الله

إنّ مَن يسعى في ميدان الجهاد خلف رغبةٍ شخصيّة، أو طلبًا للغنيمة ويُقتَل، ليس بشهيدٍ. شرطُ الشهادة وشرط الجهاد في سبيل الله أن يكون التحرّك في سبيل الله ولله، أي أن يكون فيه إخلاص[3].

 

وثورتنا التي انتصرت قد انتصرت ببركة النقاء، والإخلاص، والعمل لله، والترفّع عن المصالح الماديّة والشخصيّة. وهكذا كانت المقاومة في الحرب المفروضة، حيث كان قد سار شهداؤنا الأعزّاء هؤلاء، وهم يتمتّعون بقِمة النقاء، والإخلاص، واستُشهدوا. وهكذا كان جَرحانا أيضًا. فما حفِظ الثورة، وأعزّ الإسلام، وقوّى

 


[1] رسالة بمناسبة أسبوع الدفاع المقدس 25/9/2014م.

[2] رسالة بمناسبة يوم الإيثار والشهادة/22 شعبان 1414هـ/ 3/2/1994م.

[3] في لقاء مع آلاف الأفراد من تعبويّي إقليم قم/17 ذي القعدة 1431هـ/24/10/2010م.

 

54


42

1- المزايا الفردية

المسلمين، وأذلّ أمريكا، وبقيّة أعداء الإسلام، هي هذه الشهادة، والمقاومة، واقتحام الخطر[1].

 

لقد بقيَ أثرُ تلك الدماء - التي أُريقت ظلمًا - خالدًا على مدى التاريخ، لأنّ الشهيد - الذي يضع روحه على طبق الإخلاص ويجود بها في سبيل الغايات النبيلة للدين - لا بدّ وأن يتّسم بالإخلاص والنقاء. وأيّ مخاتِل ومُخادع مهما بلغت به القدرة على تطويع اللغة والبيان على إظهار نفسه وكأنّه مناصر للحق، لا بدّ وأن يتراجع عندما تتعرّض مصالحه الذاتية لأيّ تهديد، وخاصة إذا كان في ذلك التهديد خطورة على نفسه وأنفُس أعزائه، ولا يبدي عند ذلك أيّ استعداد للتضحية والبذل. أمّا من يسير على طريق التضحية والفداء ويجود بنفسه بصدق وإخلاص في سبيل الله، كان حقًّا على الله أن يكتب له الحياة، فقد قال في كتابه الكريم: ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَات﴾[2]. وقال أيضًا: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا﴾[3]. فالذين يُقتلون في سبيل لله باقون. وأحد أبعاد حياتهم هو هذه المعالم التي لا يُمحى أثرها ولا ينتكس لواؤها. أجل، إنّها قد تبهت ألوانها لمدّة من الزمن بفعل أساليب القهر والعنف التي تمارسها القوى المتجبّرة المستبدة، إلّا أنّ الله تعالى كتب لها البقاء والخلود. وقد قضت سنّة الله بديمومة سبيل النزهاء والصالحين والمخلصين، فالإخلاص صفة ذات آثار مدهشة، ولهذا بقي الدين حيًّا بفضل تضحية الحسين بن علي

 


[1] في لقاء مع مسؤولي مؤسّسة الشهيد، جمع من أساتذة وطلّاب الجامعات ومختلف فئات الشعب/24 محرّم 1411هـ/15/8/1990م.

[2] سورة البقرة، شطر من الآية 154.

[3] سورة آل عمران، شطر من الآية 169.

 

55


43

1- المزايا الفردية

عليه السلام وبفضل دمه ودماء أصحابه التي أريقت ظلمًا وعدوانًا. وبعد ذلك استمرّت هذه السلسلة أيضًا[1].

 

إنّ الوجود المقدّس لسيد الشهداء عليه السلام وعلى الرغم من كونه معروفًا أكثر ببعده الجهاديّ والاستشهاديّ لكن ذلك العظيم هو في الحقيقة مظهر الإنسان الكامل والعبد الخالص والمخلِص والمخلَص لله. أساسًا إنّ الجهاد الواقعيّ والشهادة في سبيل الله لا يمكن حصولهما إلّا بمقدمة من هذا الإخلاص والتوجّه وبحركة باتجاه الانقطاع إلى الله. ورد في المناجاة الشعبانيّة السامية المضامين: "إلـهي هَبْ لي كَمالَ الانْقِطاعِ إلَيْكَ"[2]. إنّ كمال الانقطاع إلى الله والانقطاع عن كلّ شيء وقطع كلّ القيود والتبعات في سبيل التحرك باتجاه المحبوب الواقعيّ والتحليق إليه، كلّ هذه الأمور كيف تحصل للإنسان؟ الشهادة التي هي قمة التضحية عند الإنسان لا يمكن أن تتحقّق لهذا الإنسان من دون الحركة نحو الانقطاع ومن دون السعي والجهاد من أجل إيجاد "الانقطاع إلى الله". كلما سعى الإنسان وقدّم الخطوة الأولى بهمّة وعزم وإرادة فإنّ الله تعالى يفتح الطريق وتبدأ الخطوات خطوة بعد أخرى بالتقدّم باتجاه نورانيّة القلب ونورانيّة وجود الإنسان[3].

 

ذات يومٍ بعد إعلان قبول القرار (598)، انتابني الغمُّ في الواقع، شعرتُ أنّ البابَ الكبير الذي كان مفتوحًا في وجه كلِّ مَن ذهبوا بطيبة خاطر ودخلوه، قد أُغلقَ الآن وأنّ البقيّة ظلّوا خلف


 


[1] في لقاء مع العلماء وعلوم الدين والمبلّغين عشيّة شهر محرّم/26 ذي الحجّة 1419هـ/ 12/4/1999م.

[2] الإقبال، ج2، ص 299.

[3] في لقاء مع جمع كبير من حرس الثورة، في ذكرى مولد الإمام الحسين(عليه السلام)ويوم الحرس/27 جمادى الآخرة 1410هـ/ 24/1/1990م.

 

56


44

1- المزايا الفردية

هذا الباب. لا يُتصوّر أنّ باب الشهادة يبقى مفتوحًا. لقد تحقّقت آمال بعض عباد الله المخلصين واستُشهدوا[1].

 

1-3. التمتّع بالإيمان والتقوى والقدرة المعنويّة

تربيةُ جيلٍ من الناس على الصلاح، والعفّة، وعُلوّ الهمّة، وبُعد النظر والأفكار العظيمة، الناس الذين كان يسطع نور الإيمان والتقوى من جِباههم الطاهرة، واستنارت قلوبُهم النقيّة والخالية من الدَنَس بشعاعِ المعرفة، والذين كان جهادهم الواعي في سبيل الله، وتهجّدهم في ظلام الليل، يُعيدان إلى الأذهان ذكرى أصحاب الإمام الحسين عليه السلام، لا شك أنّ (هذه التربية) كانت (بِجُهود) أعظم رموز الثورة وقائدها العظيم، الإمام الخمينيّ قدس سره. وقد كانوا (أبناء ذاك الجيل) هم أنفسهم الذين رصُّوا الصفوف الفولاذيّة المنيعة، بحُكمٍ من إمامهم المحبوب، لمواجهة أعتى المخاطر التي كانت تهدّد الثورة، وحافظوا، بإذن الله، على الثورة والنظام الإسلاميّ. منهم من تجرّع كأس الشهادة العَذْب في سبيل الله، وكثيرٌ منهم يُدافعون الآن عن الوديعة الإلهية، وسيستمر كثيرٌ منهم في الدفاع عنها[2].

 

يقول أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة نهج البلاغة: "فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ"[3]، مَن لا يهوى فؤادُه الذهابَ إلى الجنّة؟ مَن لا يتمنّى الوصول إلى الرضوان الإلهيّ والنعمة الإلهيّة؟ يقول


 


[1] في لقاء مع جمع من عوائل الشهداء المدافعين عن الحرم/12 محرّم 1437هـ/ 25/10/2015م.

[2] رسالة إلى عوائل الشهداء العظام في الثامن من عشرة الفجر/23 رجب 1411هـ/7/2/1991م.

[3] نهج البلاغة، خطبة "فضل الجهاد".

 

57


45

1- المزايا الفردية

هذا الباب. لا يُتصوّر أنّ باب الشهادة يبقى مفتوحًا. لقد تحقّقت آمال بعض عباد الله المخلصين واستُشهدوا[1].

 

1-3. التمتّع بالإيمان والتقوى والقدرة المعنويّة

تربيةُ جيلٍ من الناس على الصلاح، والعفّة، وعُلوّ الهمّة، وبُعد النظر والأفكار العظيمة، الناس الذين كان يسطع نور الإيمان والتقوى من جِباههم الطاهرة، واستنارت قلوبُهم النقيّة والخالية من الدَنَس بشعاعِ المعرفة، والذين كان جهادهم الواعي في سبيل الله، وتهجّدهم في ظلام الليل، يُعيدان إلى الأذهان ذكرى أصحاب الإمام الحسين عليه السلام، لا شك أنّ (هذه التربية) كانت (بِجُهود) أعظم رموز الثورة وقائدها العظيم، الإمام الخمينيّ قدس سره. وقد كانوا (أبناء ذاك الجيل) هم أنفسهم الذين رصُّوا الصفوف الفولاذيّة المنيعة، بحُكمٍ من إمامهم المحبوب، لمواجهة أعتى المخاطر التي كانت تهدّد الثورة، وحافظوا، بإذن الله، على الثورة والنظام الإسلاميّ. منهم من تجرّع كأس الشهادة العَذْب في سبيل الله، وكثيرٌ منهم يُدافعون الآن عن الوديعة الإلهية، وسيستمر كثيرٌ منهم في الدفاع عنها[2].

 

يقول أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة نهج البلاغة: "فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ"[3]، مَن لا يهوى فؤادُه الذهابَ إلى الجنّة؟ مَن لا يتمنّى الوصول إلى الرضوان الإلهيّ والنعمة الإلهيّة؟ يقول


 


[1] في لقاء مع جمع من عوائل الشهداء المدافعين عن الحرم/12 محرّم 1437هـ/ 25/10/2015م.

[2] رسالة إلى عوائل الشهداء العظام في الثامن من عشرة الفجر/23 رجب 1411هـ/7/2/1991م.

[3] نهج البلاغة، خطبة "فضل الجهاد".

 

57


46

1- المزايا الفردية

أمير المؤمنين عليه السلام: "الجهادُ في سبيل الله بابٌ من أبواب الجنّة"، تلك الأبواب ليست أبوابًا عاديّة، "لها ثمانية أبواب"، ميزة هذا الباب كما يقول عليه السلام: "فَتَحَهُ اللَّهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ"، فإنّ عبارة الإمام هذه تشمل أبناءكم، أزواجكم، آباءكم الذين استُشهدوا فهم: "خَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ". هل كنتم تظنّون أنّ ابنكم أو زوجكم أو أباكم عندما كانوا أحياءً هم من أولياء الله؟ هل كان لديكم هذا الاحتمال؟ ومن خواصّ أولياء الله، لكن كانوا من تلك الفئة، من خاصّة أولياء الله الذين مضوا في هذا السبيل واستُشهدوا[1].

 

للحقيقة إنّ معجزة الفاو وشلمجه لم تتحقّق بقوّة نيران الحرب وأدواتها، بل بحبّ الشهادة والعزم الراسخ وقوّة الإرادة الإنسانيّة والاتكال على الله ودمجها مع الإمكانات التي كانت بحوزة المجاهدين. اليوم شعب إيران والقوّات المسلّحة -الجيش والحرس الثوريّ والتعبئة - مستعدّون لتقديم قواتهم وإمكاناتهم المادّيّة، مع مساندة هذه القوّة المعنويّة وهذا الإيمان وهذه الإرادة، حيثما تطلّب الأمر، وأن يوظّفوها لمواجهة أيّ عدوّ يريد التعرّض لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة والاعتداء عليها. الانتصار يعود لهذه القوّة والمقدرة المعنويّتَين[2].

 

لو ذهبتم بأنفسكم إلى جبهات المعركة، سترون في الليالي قبيل العمليّات منظرًا عجيبًا. هناك - كم سمعتُ وكم رأيتُ أيضًا! - المنظرُ مشوّقٌ جدًّا جدًّا. شبابُنا هؤلاء، إخوتنا المخلصون، المؤمنون، أصحاب القلوب النقيّة، الصافية والنورانيّة، عندما

 

 


[1] في لقاء عوائل الشهداء المدافعين عن الحرم/28 ربيع الثاني 1436هـ/17/2/2015م.

[2] في جولةٍ تفقّديّة للأجهزة العسكريّة للقوّات الجويّة في الجيش/20 جمادى الأولى 1424هـ/20/7/2003م.

 

58


47

1- المزايا الفردية

يشعرون بدُنوِّ موعد لقائهم بالله تعالى وبإمكانيّة استشهادهم وارتقائهم إلى جوار الله تعالى يكونون بحالة عجيبة من الدعاء والصلاة وصلاة الليل والذكر، هي حالٌ فاخرة لا تُقدَّر بثمن، ويشاهِدُ البعضُ هذا الأمرَ عندما يقرأ وصاياهم. قبل أيّامٍ قرأتُ إحدى هذه الوصايا رأيتُ ما نقله إخوة الشهيد وأصدقاؤه عن صلاة الليل وكيف كانت تلك الليالي، وكيف كانت الهمسات والتمتمات والآهات في تلك الدّشم والسواتر الترابيّة! كان ذلك بسبب توجّه الإنسانِ إلى الله في تلك الحالات إذ يعيش آخر ساعاته وأيّامه وقد سنحت الفرصة، حال إقبال، فضلًا عن شوقِ مَن يتحرّكون للقاء الله، لعلّ تلك الحال نفسها كانت تعتري خِيامَ أبي عبد الله عليه السلام في ليلة عاشوراء، بأبعادٍ أسمى وأرفع وبشكل مضاعف[1].

 

يا أعزائي، إنّنا في لحظة الاحتضار نرِدُ عالمـًا آخر، وينبغي لنا إعداد أنفسنا لذلك اليوم. فهذه الدنيا، وهذه الثروات، وهذه الطاقات التي أودعها الله في وجودكم في هذا العالم، وكلّ ما أراده اللّه لبني الإنسان من حكم عادل وحياة زاخرة بالرفاه، وما شابه ذلك، هو لأجل أن يعدّ الإنسان ذاته للنشأة الآخرة، فاستعدوا لذلك اليوم، ناجوا ربكم وأنَسوا به واذكروا اللّه واستغفروه. (ومن الطبيعي أنّ) الإنسان الذي يتوجّه إلى ربّه بهذه الصورة ويطهّر قلبه ويُعرض عن المعاصي ويعقد العزم على فعل الخير هو إنسان عظيم وقادر على مجابهة المعضلات في هذا العالم. ومثال ذلك هو إمامنا الكبير والمثال الآخر هم المؤمنون من أبناء هذا الشعب، هؤلاء الشبان المؤمنون المِقدامون، هؤلاء النسوة والرجال، ومن


 


[1] في اليوم التاسع والعشرين من شهر ومضان المبارك 1407هـ/28/5/1987م.

 

59


48

1- المزايا الفردية

الشهداء والجرحى، ومن الذين تحمّلوا السجن في فترة الأسر، ومن الذين تحملوا فراق أعزّتهم، ومن الذين تحملوا مصاعب ساحات الحرب من الذين تشيّعونَ اليومَ ألفًا منهم. كلّ واحد من هؤلاء مثالٌ رفيع، وخليق بكلّ شعب لديه شخص واحد من هؤلاء الشهداء أن يكرّمه ويمجّده ويجعله مثالًا يُحتذى به[1].

 

أعزائي! اعلموا أنّه يكمن في وجودكم ذهبٌ نفيس وثمين جدًّا، وللأسف قد مُزج في كثير من الحالات بالتراب والنحاس وبأشياء أخرى لا قيمة لها، وإنّ في داخل نفوسكم كنزٌ ممزوج بالأشواك، وإنّ جميع الجهود والمساعي الّتي بذلها الأنبياء عليهم السلام كان الهدف منها هو أن نتمكّن من تنقية ذلك الذهب وذلك العنصر الثمين في نفوسنا من الشوائب، كما إنّ الاختبارات الإلهيّة كلّها من أجل تحقيق هذا الهدف، والشدائد الّتي نتعرض لها في الدّنيا هي من أجل تحقيق هذا الهدف، والتكاليف الشاقّة الّتي يضعها الباري على الناس هي لتحقيق هذا الهدف، والجهاد في سبيل الله لتحقيق هذا الهدف أيضًا. وإنّ السبب الذي جعل الشهيد يحظى بكلّ هذه المنزلة العظيمة عند الله عزّ وجلّ هو أنّه بجهاده العظيم قد وضع نفسه في طريق التضحية، وبهذا استطاع تنقية نفسه من جميع الشوائب التي تعلق بها. فالتنقية هنا هي كتنقية الذهب ممّا يعلق به من شوائب[2].

 


[1] في خطبتَي صلاة الجمعة في طهران/23 رمضان 1417هـ/31/1/1997م

[2] في خطبتَي صلاة الجمعة/2 شعبان 1415هـ/3/2/1995م.

 

60


49

1- المزايا الفردية

1-4. الهدفيّة والرؤية الإلهيّة للعالـَم

إنّ حبّ القيم والأهداف الإلهيّة والإسلاميّة (والاعتقاد بها)، هو الحبّ الذي يجعل القتلَ في سبيل الله ليس سهلًا فحسب، وإنّما حلوَ المذاق أيضًا بالنسبة إلى مَن يحمل جذوةَ هذا الحب. يروى أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لأمير المؤمنين عليه السلام: فَكَيْفَ صَبْرُكَ إذَاً يا عَليّ (وَدِدْتُ أَنَّهُ قَدِ انْبَعَثَ أَشْقَاكُمْ فَخَضَّبَ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، يَعْنِي لِحْيَتَهُ مِنْ دَمِ رَأْسِهِ؟) فقال أمير المؤمنين عليه السلام: "يَا رَسُولَ اللَه! لَيْسَ هَذَا مِنْ مَوَاطِنِ الصّبْرِ وَلَكِنْ مِنْ مَوَاطِنِ البُشْرَى والشكر"[1].

 

إنّ أفضل شاكر لنعمة الشهادة هو من يُقتل في سبيل الله، لأنّ الله تعالى مَنّ عليه بهذه الشهادة. ما هو الشيء الذي يوصل الشاب المقاتل في سبيل الله أو أي إنسان آخر في أي ميدان من ميادين الحياة إلى هذه الدرجة من البصيرة؟ إنّه الإيمان الواعي[2].

 

إنّ ذلك الضابط الشاب الذي له زوجة وطفلان، وكان أبواه يتمنّيان رؤيته ببزّته العسكريّة ويشعران بالغبطة لذلك، وكانت قد تهيّأت له سبل راحته بشكل مقبول، عندما يتوجّه إلى جبهات القتال ليقود كتيبة ما، فإنّه لا يفكّر بتعاقب الليل والنهار ولا بانصرام الأسابيع والأشهر، إنّه لا يعبأ بغبار المعارك ولا يأبه بالجوع والظمأ وبالحصص العسكريّة، بل يستقبل كلّ ذلك بصدر رحب وإيمان عميق، يصغي إلى انفجارات القنابل وهي تدوّي خلف خيمته أو خلف دشمته وإلى أزيز الرصاص وهو يمرّ بين رجليه وأمام عينيه، وهو مع هذا لا يندم على وجوده في خطوط القتال بل ولا يحنّ إلى

 


[1] شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد، ج 9، ص 205.

[2] في لقاء مع جمع كبير من القادة والمجاهدين في عمليّات بيت المقدس بمناسبة الذكرى السنويّة لتحرير خرّمشهر/9 صفر 1420هـ/24/5/1999م.

 

61


50

1- المزايا الفردية

حياة الدعة في العاصمة أو المدن الأخرى. إنّه لا يفكر إلّا بمعنويات جنوده، فإذا رأى انحسارًا فيها، حمل بندقيته ليتقدّم الصفوف، ويقاتل مع قوّاته، ثم لا يلبث أن يهويَ إلى الأرض شهيدًا. إنّ إنسانًا كهذا لو لم يحمل تلك الرؤية عن فلسفة الكون والوجود وذلك الهدف لما أقدم على مثل هذا العمل. وأمّا والداه، فبدلًا من البكاء وذرف الدموع والمجيء إليّ أو إلى الآخرين والشكوى، وقفا بصلابة وإيمان وتحمّل، ووزّعا الحلوى بشهادة ابنهما الشاب الشجاع وأملِ حياتهما، ثمّ يقولان: لو كان عندنا أولاد آخرون لقدّمناهم في سبيل الله.

 

فقط في ظلّ هذه الأهداف التي حملها الإمام قدس سره يظهر أشخاص بهذه الرؤية وهذه الممارسة، ولولا ذلك لما أمكن تحقّق هذا الأمر على الإطلاق. إنّ أهداف الإمام لا تزال حيّة أكثر من الماضي... ونحن أيضًا نسير على نهج هذا العظيم ونحافظ على دوامه، لأنّنا ليس لدينا سوى طريق واحد هو طريق الإمام، إنّه معلّمنا الوحيد الذي نستلهم من وصاياه وهداه وأهدافه الاستمرار في ذات الطريق وسنبقى أوفياء حتى النهاية[1].

 

عندما يدرك الإنسان أنّ الموتَ عروج إلى الملكوت الإلهيّ والالتحاق بأرواح الأولياء، فما أهميّة متى سيأتي هذا الموت؟ الموت بالنسبة إليه عبور مرحلة: "حان وقتُ الموت والتحرّر من البدن (البشريّ)[2]"، الإنسان يرحل عن فضاء الدنيا، مهما كان، سيأتي (الموتُ) في لحظةٍ، ثمّ النعيم الإلهيّ الذي لا بديل له ولا مثيل، ... إذا لم يفكّر الشخصُ على هذا النحو، لا يُعرِّض نفسَه للقتل عشقًا[3].

 


[1] في مراسم مبايعة نائب الإمام في الجيش، وزير الدفاع، القادة والطاقم المنتخب للقوّات الثلاثة ووزارة الدفاع/5 ذي القعدة 1409هـ/8/6/1989م.

[2] مولانا جلال الدين البلخي.

[3] في لقاء مع جمع من قادة الجيش 3 رجب 1412هـ/ 7/2/1992م.

 

62


51

1- المزايا الفردية

1-5. الريّادة في فهم الدين والتديّن

عندما تتدفّق خيول التعبويّين بإيمانهم وحماستهم وشوقهم، نحو هدفٍ في ميدان الحرب، لا يمكن لأيّ قوّةٍ أن تتقدّم عليهم... داخل المدن أيضًا منذ أوّل يوم للثورة أصبحت قواعدُ هذه المقاومة دشمًا للدفاع عن الثورة والإسلام ولا زالت... الشباب الذين لم نحظَ بنظيرٍ لهم بهذا التعداد على مدى تاريخنا، منذ أوّل الإسلام إلى يومنا الحاضر، الشباب الذين في أوج شبابهم يتحرّكون وفقًا للشعور بالتكليف والرغبة في خدمة الخلق، وبذل الجهد والعمل لأجل تحقيق الأهداف والدّفاع عن الإسلام بدلًا من أن يكونوا مثل الشباب اللامبالين والشباب ذوي الحياة الرتيبة في كلّ مناطق العالم حيث يسعون خلف اللّهو واللّعب. الشباب الذين يأنسون بالقرآن الكريم، الشباب الذين تثير عبادتُهم تعجُّبَ الكبار والآباء والأمّهات. في جميع زياراتنا لبيوت الشهداء، أغلب الآباء والأمهات قالوا إنّهم أخذوا دينهم عن هؤلاء الشباب.

 

نعم، هذا هو إنجازُ الثورة، وهذا ما أنجزهُ الإمام العظيم الذي عمل وربّى شبابه كالوردِ طاهرًا نظيفًا في مجتمعٍ عَمِلَ العدوُّ عليه -بشكل مباشر وغير مباشر لمدّة خمسين أو ستين عامًا - ليجرّه إلى مستنقعات الرذائل، وقد قال ذلك الإمام العظيمُ: "إنّ هذا هو فتحُ الفتوح". نعم، لقد كان فتحُ فتوحِ الإمام هو بناء الشباب المؤمن المخلص السليم الصّادق، الذي لا يبالي بالشهوات، وقلبُه متوجّهٌ إلى الله تعالى. على مدى التاريخ، في هذه البلاد أو سائر البلدان الإسلاميّة، متى كان لدينا شبابٌ جيّدون وصالحون كما هو الحال في زمن الثورة؟[1]

 


[1] في المراسم الخاصّة بيوم التعبئة في ثكنة الإمام الحسن المجتبى/9 جمادى الأولى 1411هـ/ 26/11/1990م.

 

63


52

1- المزايا الفردية

1-6. الاقتداء بالمعصومين عليهم السلام

كان أمير المؤمنين عليه السلام، منذ أوّل الإسلام حتّى آخر عمره يفكّر بالله المتعالي وقد اختار سبيل الله ولو عارضه كلّ الناس. كان لأمير المؤمنين عليه السلام العشرات من هذه الصفات، وهذه واحدة منها...

 

نحن المتمسكون بالطعام والشراب والراحة والعشرة والحياة والبيت والجاه والجلال والمقام والسلطة ومختلف الأهواء والرغبات البشرية الدنيويّة، لا يمكننا أن نُخرجَ أنفسنا من هذه القيود والتحرّك على هذا النحو في ذلك السبيل، والنتيجة هي ما تشاهدونه في الدنيا. لو ظهرت من هذه الروحيّة بارقةٌ في كيان الإنسان، سيكون على ذلك النحو الذي رأيتموه في جبهات الحرب، كما رأيتموه لدى الشهداء في الأسر ولدى الآباء والأمّهات، وكما رأيتموه في هذا الشعب طيلة أيام الثورة والحرب وحتى يومنا هذا، ورأيتم ما أحدث من اضطراب في العالم. كان هذا شيئًا ناقصًا وصغيرًا، كان قطرةً ممّا هو موجود في بحر روح أمير المؤمنين العظيمة[1].

 

1-7. العقلانيّة والدليل (المنطقيّة)

المسألة المهمّة في موضوع شهدائنا هي أنّ شهداءنا على الرغم من أنّهم يحلّقون بأحاسيسهم، لكنّ دليلهم العقل والمنطق والاستدلال. لهذا، تمكّنت حركة الإيثار العظيمة والجهاد والفداء في بلادنا لدى فئات الشعب كافّة أن تحتلّ حيّزًا بين أفضل الأفكار والعقول والكفاءات. أرى أنّه ينبغي لأبناء الشهداء أن يفتخروا


 


[1] في لقاء مع فئات الشعب المختلفة، في ذكرى مولد ذي السعادة الإمام علي (عليه السلام) 15 رجب 1412هـ/ 19/1/1992م.

 

64


53

1- المزايا الفردية

بآبائهم، كذلك انطلاقًا من كونهم معالم الإيثار والفداء والشموخ والفخر للأمّة، فهم أيضًا ينابيع متدفّقة وجارية بالمعرفة والإدارك. لا ينبغي الظنّ بأنّ شبابَ ميدان المعركة وأبطالها، كانوا يخرجون من مدنهم وقراهم إلى ميدان الحرب ويتحمّلون الصعوبات، فقط بسبب غلبة الأحاسيس. لا، ليس على هذا النحو. طبعًا إنّ المشاعر الإلهيّة والإسلاميّة والثوريّة والمعنويّة مباركة جدًّا وغنيمة، لكن لم تكن الأحاسيس فقط (هي المحرّك)، بل كانت الهداية العقلانيّة، كانوا يدركون ما يفعلون[1].

 

1-8. العمل بالتكليف إلى جانب التخطيط

بغية الوصول إلى النتيجة

شهداؤنا العظام هؤلاء، هم الشهداء الأعزّاء، الشهداء المشهورون، الإخوة زين الدين -الذين تحدّثت والدتهم الفاضلة وبقيّة قادة الشهيد-عندما وطؤوا هذا الميدان لم يكن في نيّتهم أن يُذكر اسمُهم ذات يوم عبر مكبّرات الصوت العظيمة في هذا البلد وهذه الدنيا، لا، فقد ذهبوا إلى الجبهة لأداء مهمّتهم وواجبهم، كأيّ إنسان عاديّ. وأينما شعروا بتكليف وبواجب تواجدوا هناك أيضًا[2].

 

في الدّفاع المقدّس وفي جميع الحروب التي وقعت في صدر الإسلام زمان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أو بعض الأئمّة عليهم السلام، فإنّ الذين كانوا ينزلون إلى ميدان الجهاد إنّما كانوا يفعلون ذلك من أجل أداء التكليف. كان الجهاد في سبيل الله تكليفًا، وهكذا كان الأمر في الدفاع المقدّس،


 


[1] في لقاء مع عوائل شهداء كاشان وآران وبيدكل/25 شعبان 1422هـ/11/11/2001م.

[2] في لقاء مع جماعة كبيرة من الحرس والتعبويّين بمناسبة مولد الإمام الحسين عليه السلام ويوم الحرس/4 شعبان 1419هـ/ 23/11/1998م.

 

65


54

1- المزايا الفردية

فالنزول إلى الميدان كان انطلاقًا من الشعور بالتكليف، وأولئك الذين كانوا يشاركون كانوا في الأعمّ الأغلب يشعرون بالمسؤوليّة والتكليف. فهل يعني هذا الشّعور والإحساس بالتكليف أن لا يفكّروا بالنتيجة؟! وهل يعني أن لا يحسبوا حساب طريق الوصول إلى النتيجة؟ وأنّهم لم يكن لديهم غرفة عمليّات؟ لم يكن لديهم تخطيط وتكتيك وغرفة قيادة وفرق وتشكيلات عسكريّة؟! ليس الأمر كذلك. لهذا، فإنّ محوريّة التكليف لا تتنافى أبدًا مع السعي نحو النتيجة، وبأن ينظر الإنسان ليرى كيف يحصّل النتيجة، وكيف تصبح قابلةً للتحقّق، وبأن يخطّط من أجل الوصول إلى النتيجة على أساس الطرق المشروعة والميسّرة[1].

 

1-9. الوعيُ الذاتيّ والبصيرة

في بستان الشهادة والإيثار المليء بالثمار والبركةِ الذي ملأ جوَّ إيران الإسلاميّة بعطر الصفاء والروحيّة، بستان الشقائق وروضة الطلّاب (2) تجلّياتٍ خاصّة وفضاء معنويً يؤثّر على الإنسان. الفتيان واليافعون الذين سمعوا في فجر عمرهم القصير نداءَ ﴿ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّة﴾[2] أُذن قلوبهم النورانيّة حلّقوا إلى جنّة الرضوان الإلهيّة بخفّةٍ كالحمام. طالما ينتشر في الأمّة تفكيرٌ سليم ومنقذ وعميق على مستوى واسع بين الفتيان اليافعين، فإنّ فلاح وخلاص هذا المجتمع وهذه الأمّة محتوم ومؤكّد[3].


 


[1] في لقاء مع الطلّاب/21 رمضان 1434هـ/ 28/7/2013م.

3 المقبرة الخاصة بالشهداء من طلّاب الثانويات.

[2] سورة الفجر، الآية 28.

[3] رسالة في المؤتمر الأوّل "طريق كربلاء" الخاصّ بتخليد الشهداء طلّاب الجمعيّات الإسلاميّة/19 ذي الحجّة 1418هـ/ 13/4/1998م.

 

66


55

1- المزايا الفردية

في سنة 1357هـ.ش (1978م) نزل شبابنا والناشئة وطلاب الثانويات كأطهر وأنقى الشرائح إلى الساحة وقُتلوا. يوم الثالث عشر من آبان (3 تشرين الثاني - نوفمبر) يوم مذبحة الطلاب في شوارع طهران. حينما نزل هؤلاء الناشئة والشباب إلى الساحة، وردّدوا نداء الإمام (الذي أطلقه) قبل أربعة عشر عامًا، انتقم منهم الجلادون مرتزقة أمريكا، وفتحوا النار عليهم، وأريقت دماؤهم على أسفلت الشوارع في طهران فخضّبتها. هذه أيضًا قضية مهمّة لا لمجرد أنّ عددًا من الشباب والناشئة قد استُشهدوا - وهذا أمر مهمّ طبعًا - بل لنقطة أهمّ هي أنّ الحركة العظيمة التي بدأها الإمام سنة 1342 و1343هـ.ش (1963 و1964م) كانت من الحيويّة والفاعليّة والتوثّب إلى درجة جعلت الشباب الطاهر وطلّاب المدارس ينزلون إلى الساحة من أجلها ويشعرون بالمسؤوليّة والالتزام ويقفون بوجه حِراب الأجهزة الطاغوتيّة المتجبّرة. هذا شيء نادر في العالم.

 

... خلال حقبة الدفاع المقدّس كان طلّاب المدارس من الروّاد والسبّاقين في الخطوط الأماميّة. لو اتصلتم بعوائل الشهداء - وأنا على اتصال بالكثير منهم وألتقيهم - وسألتموهم كم كانت أعمار أبنائكم لقالوا ستة عشر عامًا وسبعة عشر عامًا وأربعة عشر عامًا.

 

ما معنى هذا؟ معناه أنّ الشعور بالالتزام والروح الثوريّة والشعور بالمسؤوليّة الناجم عن البصيرة وصل إلى درجة أنّ الشاب الطالب من هذا الشعب ينزل إلى وسط الساحة ويفتح صدره للأهوال ويتخلّى عن كلّ طموحات الشباب من أجل أن يحقّق المبادئ الكبرى والأهداف الإلهيّة والإسلاميّة في المجتمع[1].

 


[1] في لقاء مع الطلّاب عشيّة 13 آبان (3 تشرين الثاني - نوفمبر)، 27 ذي القعدة 1431هـ/ 3/11/2010م.

 

67


56

2.مزايا الشهداء في التعامل مع المجتمع

عندما نصل إلى اسم شهيدٍ طالبٍ يعترينا يقينٌ بأنّ قبول الشهادة والإقدام على الجهاد الذي كانت الشهادة منتهاه نابعٌ من الوعي الذاتيّ من خلال الإرادة والبصيرة، وقد ضاعف قيمةَ العمل. ولهذا فإنّ الطلّاب الشهداء الذين كانوا في عِداد نخب الإيمان والإيثار الواعي، هم نجوم دائمة السطوع بحيث يمكن لكلّ باحث عن الحقيقة أن يجد سبيله معهم (ويسترشد بطريقهم)[1].

 

2.مزايا الشهداء في التعامل مع المجتمع

2-1.تفضيل مصالح الأمّة الإسلاميّة

على الرغبات الشخصيّة

اللهم اجعل صلواتك وسلامك، وأسمى مراتب تحيّات ملائكتك وعبادك الصالحين على أرواح الشهداء المـُطهّرة، الذين وهبوا أرواحهم في سبيل الله، وأعرضوا عن تعلُّقات الحياة رِضًى برضى الحبيب، وآثروا مصالح الأمّة الإسلاميّة على ما تشتهيه أنفسهم. إنّ راية الإسلام تُرفرف اليوم في العالم ببركة تضحيات الشهداء الأعزاء، ولأجل إيثارهم ونضالهم هم وأمثالهم من مجاهدي سبيل الحق، فإنّ اسم الله تعالى الأقدس وعظمة الإسلام ملَآ أركان العالم[2].

 

سلام الله وعبادِه الصالحين على أولئك الذين حملوا أرواحهم بلهفة إلى ميدان الدفاع عن دين الله وعزّة الوطن الإسلامي واستقلاله.. وضحّوا بعشقٍ بوجودهم ليبقى وجود

 


[1] رسالة بمناسبة مؤتمر الشهداء الطلّاب/3 ذي القعدة 1423هـ/ 5/1/2003م.

[2] رسالة بمناسبة يوم الإيمان، الإيثار والشهادة/8 شهر رمضان 1415/ 8-2-1995.

 

68


57

2.مزايا الشهداء في التعامل مع المجتمع

الأمّة الإسلاميّة ويثبت، وغضّوا أبصارهم عن لذّات العيش وأهوائه لتتنوّر بصائرهم بجمال المحبوب الأزليّ، وخطوا في درب الشهادة لتبقى سبيل الله وطريق سعادة الخلق مشرّعة وممهَّدة أمام الناس على الدوام. إنّ حقّ شهداء الثورة الإسلاميّة والحرب المفروضة ليس عظيمًا جدًّا على أهل بلدنا فحسب، بل على جميع عشّاق الإسلام وعلى جميع أنصار الحريّة والقيم الإلهيّة[1].

 

2-2. البصيرة، معرفة احتياجات اللحظة

والشجاعة في الإقدام عندما تحين الفُرص

نحن نشاهد، عادة، جوانب محدودة في قضية الشهادة والشهداء ومجاهدة المضحّين والجرحى، والواقع إنّ لهذا العمل نفسه وحركة الإيثار في المجتمع وما يتبعها من شهادة أو جراح، معاني متعدّدة وجهات عديدة، يستحقّ كلّ منها البحث والمطالعة. إحدى هذه الجهات هي معرفة الفرصة وتلبية الحاجة الراهنة. فمن الممكن أن يكون لدى بعض الأشخاص إحساس بالمسؤوليّة، ولكن عند الحاجة، لا يحدّدون المسؤوليّة ولا يقومون بالعمل (المطلوب)، وهذا يختلف كثيرًا عن تلك الحركة وذلك الإقدام الذي ينجز بدقّة وفي وقت الحاجة. الشباب الشجاع والغيور والمؤمن والفدائيّ والذي أحسّ بحاجة البلاد، تحرّك مسرعًا نحو الخطر. هذا الشباب، لديه هذه الميزة البارزة حيث عرف الحاجة في الوقت المناسب وقام بتلبيتها. هذا بُعدٌ مهمّ جدًّا، إنّه درس لنا. هذا الفهم السريع، وفي الوقت المناسب، العمل وتلبية الحاجة في


 


[1] رسالة بمناسبة يوم تخليد شهداء وجرحى أسبوع الدفاع المقدّس/16 ربيع الثاني 1415/ 22-9-1994

 

69


58

2.مزايا الشهداء في التعامل مع المجتمع

 وقتها، هو تلك النقطة البارزة التي لا ينبغي الغفلة عنها.

 

تتلقّى البلدانُ والمجتمعات غالبًا ضربات جراء عدم معرفتها للوضع الراهن والفرصة المناسبة. عندما ينصب العدوُّ كمينًا ونحن لا نعلم هذا، أو أننا علمنا بكمينه ولكن لم نعالج الوضع بسرعة وفي الوقت المناسب، حينها نتلقى الضربة. لقد قال هذا الأخ العزيز هنا جملة جيدة. قال إنّ الأُسر وعوائل الشهداء كانت تقول إنّنا لو لم نقم نحن بإرسال هذا المقاتل من بيوتنا، لَوَصَل العدوُّ في اليوم التالي إلى أبواب بيوتنا. يجب أن نحارب، هذه نقطة مهمّة جدًّا. وهي النقطة التي عناها أمير المؤمنين عليه السلام في قوله: "مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ إِلَّا ذَلُّوا". ينبغي رؤية العدوِّ من بعيد، ينبغي معرفة العدوِّ من بعيد[1].

 

الشهداء الأعزاء جزءٌ ممّن كانوا قد رأوا نور الحقيقة بين طيّات الظلمات المتراكمة وأسرعوا إليه. هذا أمر مهمّ. الكثيرون لا يرون الحقيقة ولا يفهمونها، الكثيرون يرون الحقيقة ولكنّهم لا يملكون الشهامة وجرأة الإقدام من أجلها، لكنّ مَن يملك أيضًا المقدرة على الوصول إلى الحقيقة ورؤيتها ولديه الجرأة والشجاعة للإسراع نحو الحقيقة وتأدية مهمّته في هذا السبيل، مهما كان الزمن (الذي يعيش فيه) يكون إنسانًا بارزًا. أكان عجوزًا أم شابًّا أو يافعًا أو امرأة أو رجلًا، وإلى أي فئةٍ اجتماعيّة انتمى[2].

 

فلماذا تتصف الشهادة بهذا القدر من العظمة والأهميّة؟ إنّ السبب في ذلك هو أنّ الذي يضحّي بنفسه في سبيل الله يبذل هذا المسعى في الحقيقة عند وقت الحاجة وفي الآونة التي يتشوّق فيها


 


[1] في لقاء جمع من عوائل شهداء كرمانشاه وجرحاها/9 ذي الحجّة 1434هـ/ 13/10/2013م.

[2] في لقاء مع عوائل شهداء كاشان وآران وبيدكل/9 شوّال 1400هـ/ 20/8/1380م.

 

70


59

2.مزايا الشهداء في التعامل مع المجتمع

دين الله وسبيله لمن يضفي عليه هذا الرونق.

 

وإنّ الذي يكدح في سبيل الله صارفًا نظره عن الراحة والزوج والولد ووسائل الرفاه التقليديّة والامتيازات الماديّة سيلقى الأجرّ الإلهيّ وهو الشهادة. وهذا هو الدليل على عظمة كفاحه. ولهذا فقد قلت مرارًا إنّ الشهادة هي أعظم هبة وأجر للجهاد في سبيل الله[1].

 

أهمّ نقطة قوّة لدينا في الجمهوريّة الإسلاميّة، هي نقطة القوّة الإنسانيّة. نحن الذين لم يكن لدينا سلاح ولا مال ولا تنظيم ولا حزب ولا دعم عالميّ، نحن الأمّة الإيرانيّة لم يكن لدينا في كلّ بلدان العالم نقطة لحماية الانتفاضة والثورة والدفاع عن حركتنا. إنّ ما جعل هذه الأمّة تنتصر هو قوّة الطاقات الإنسانيّة، أي الوعي والمعرفة والصمود، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في معركة صفّين: "ولَا يَحْمِلُ هَذَا الْعلمَ إِلَّا أَهْلُ الْبَصَرِ والصَّبْرِ"[2] البصر يعني البصيرة والاطلاع، الصبر يعني الثبات، فقط معهما يمكن التمسّك بهذا العَلَم والتقدّم. قمّةُ هذا الصبر والبصر هم شهداؤنا[3].

 

إنّ أسبوع الدفاع المقدّس يبيّن مجموعة من أبرز مفاخر شعب إيران في الدفاع عن حدود الوطن الإسلاميّ والتفاني بشجاعة تحت راية الإسلام والقرآن الكريم المرتفعة. في هذه المجموعة المشرقة تُعدُّ ذكريات الشهداء الأكثر تلألؤًا والأغلى ثمنًا، فقد كان أولئك الشباب أصحاب رشد وطاهري السريرة وقد فهموا الأهميّة الحسّاسة لبلدهم بوعيهم وإدراكهم العالي وقبلوا بكلّ شوقٍ وظيفةَ الجهاد في سبيل الله العظمى، ومن دون هذه

 


[1] في لقاء مع الأبناء الممتازين للشهداء، مسؤولي الشؤون الثقافيّة في مؤسّسة الشهيد وجمع من طلّاب باكستان الإماميّين/14 محرّم 1410هـ/ 16/8/1980م.

[2] نهج البلاغة، الخطبة 173.

[3] في لقاء مع عوائل شهداء إقليم همدان/19 جمادى الآخرة 1425هـ/5/8/2004م.

 

71


60

2.مزايا الشهداء في التعامل مع المجتمع

المجاهدات لن يصل أيّ شعب أو بلد إلى العزّة والتسامي. إنّ بلدنا مدين لتضحيات هذه الأرواح العزيزة وعائلاتهم الصبورة[1].

 

لقد فرضَ نظامنا الإسلاميّ نفسَه في الدنيا، في المحيط، في برهةٍ من الزمن، وأوجد لنفسه حضورًا وسط البشريّة إذ إنّ الهيمنة الظالمة كانت قد أرخت بظلالها على كلّ أبعاد وجود البشر. لم تكن المسألة أنّ الحكم الظالم له وجود هنا وفقط أرادوا تنحيته. الحكم الظالم الذي حكم الشعبَ في بلدنا بسلطته وعنفه وجهله، كان يستمدّ الدعمَ والتأييد من النظام الدوليّ ومن قادة القوّة العالميّة، ولقد كان النضالُ ضدّه نضالًا ضدَّ كلّ مراكز القوّة العالميّة في ذلك الزمن. عندما انتصرت الثورة واقتُلع هذا العائق من طريق الأمّة الإيرانيّة بدأت مراكز القوّة العالميّة نفسُها العملَ ضدّ هذه الأمّة. أظهروا أنّ شبكة قوّة الظلم الأخطبوطيّة هذه كانت تدعم النظام الدمويّ البهلويّ. وهي عدوّة الحقيقة، عدوّ الأمّة الإيرانيّة، العدوّ والخصم لكلّ كلمة حقّ تخرج من فم أحدٍ أو من حنجرته. لذا في حرب الثماني سنوات المفروضة، تعاونت مراكز القوّة هذه ضدّ الأمّة الإيرانيّة. أيّ شخص يمكنه أن يفهم ويدرِك بعمق هذه الحقائق التي حصلت في زمنه، على الرغم من الدعايات العالميّة الواسعة وأن يجد في كيانه الإيمان وهذا الإيمان يحثُّه على التحرّك؟ إنّه ذلك الإنسان الذي قلبه مُضاءٌ بنور المعرفة وفكره مشرقٌ وحيّ. شبّانكم الأعزّاء - الذين توجّهوا إلى الجبهة واستُشهدوا، هم من هذا القبيل[2].


 


[1] رسالة بمناسبة أسبوع الدفاع المقدّس/22 جمادى الآخرة 1421ه/21/9/2000م.

[2] في لقاء مع عوائل شهداء كاشان وآران وبيدكل/24 شعبان 1422هـ/10/11/2001م.

 

72


61

2.مزايا الشهداء في التعامل مع المجتمع

2-3. عدم الخوف من الغربة واستقبال الموت

سلام الله على هؤلاء الأعزّة وعلى كلّ شهداء هذا البلد الذين كسروا الحصار المفروض من عَبَدةِ المادّة والمستكبرين وفتحوا أمام البشريّة طريقًا إلى ملكوت الإنسانيّة السامية. سلام الله على هؤلاء الأوفياء الذين هبّوا في عصر غربة الفضائل والقيم الإسلاميّة إلى نصرة دين الله والدفاع عن الثورة الإسلاميّة، واستشهدوا غرباء. سلام الله وملائكته وعباده الصالحين على هذه الأجساد الطاهرة والنورانيّة التي ضحّت بنفسها لتصون بلدها وشعبها من اعتداءات المعتدين. سلامي إلى فلذات أكباد هذا الشعب الذين تخلّوا عن الحياة والراحة ليضمنوا راحة قلب الأمّة والإمام، استقبلوا الموت ليبقى الإسلام حيًّا، وسقطوا إلى الأرض طوعًا لتبقى إيران عزيزة. سلام الله وسلام أوليائه والشعب الإيراني كافّة عليهم[1].

 

2-4. العمل في الخفاء والتواضع

كان هنالك مَن استُشهدوا أو لديهم شهداء، وذلك بكلّ تواضع ومن دون مزاعم، ولم تدوّن أسماؤهم في مكان، لكنّهم معروفون في السماوات، وهم مشهورون عند الملأ الأعلى. ففي الحسابات الإلهيّة لا تضيع حتى أصغر الأعمال[2].


 


[1] رسالة بمناسبة تشييع الجثامين الطاهرة لألفٍ من شهداء الحرب المفروضة 19 رمضان 1413هـ/ 12/3/1993م.

[2] في لقاء مع أهالي أصفهان في يوم عيد الأضحى وفي اليوم السنوي 25 آبان 1361هـ.ش (30 محرّم 1403هـ/ 16/11/1982م)، تشييع جثامين 370 شهيدًا من إقليم أصفهان 11 ذي الحجّة 1431هـ/ 17/11/2010م.

 

73


62

3.مزايا الشهداء في التعامل مع الأعداء

3.مزايا الشهداء في التعامل مع الأعداء

3-1. الثبات والمقاومة في وجه الأعداء

وجعلهم يشعرون بالعجز

يستشف المرء من عموم القضية أنّ للشهداء حركتين وموقفين في منتهى الروعة والعظمة، وكلّ واحد منهما يحمل نداءً عميقًا، أحدهما، موقف من الإرادة الإلهيّة المقدّسة، وإزاء دين الله وعباده الصالحين، والموقف الآخر أمام أعداء الله تعالى... النداء الثاني في مقابل أعداء الله، ومعناه الصمود والثبات المطلق بوجه العدو وعدم خشيته، وعدم التهيّب منه، أو الانفعال أمامه، ومن المهمّ جدًّا أن لا ينفعل المرء مقابل عدوّه. واليوم تتركّز جميع مساعي العالم المادي المستكبر - أي الدول الاستكباريّة الممسكة بزمام شؤون الاقتصاد والتسليح في العالم، والتي تهيمن في كثير من الحالات أيضًا على ثقافة كثير من البلدان - على تحطيم أيّة مقاومة حيثما كانت، عن طريق إثارة انفعالها، الانفعال أمام العدو من أفدح الأخطاء القاتلة. العدوُّ يجب أن يؤخذ في الحسبان من حيث عداوته، أي الاستعداد له وعدم الاستهانة به، ولكن لا ينبغي خشيته ولا الوقوع تحت تأثيره، ولا اتخاذ مواقف انفعاليّة إزاءه. العدو يحرص على إثارة انفعالات المجتمعات الأخرى[1].

 

في أسبوع الدفاع المقدّس هذا، ومن بين الذكريات العزيزة والنيّرة للشعب الإيرانيّ خلال مرحلة الدفاع المقدّس وأكثرها تلألؤًا، هي ذكريات الشهداء الغالين والسامين، إنّهم تلك النجوم المشعّة التي نوّرت هذا المقطع من التاريخ، إنّهم أولئك الرجال

 


[1] في لقاء مع جمع من عوائل الشهداء/30 ذي الحجّة 1417هـ/ 7/5/1997م.

 

74


63

3.مزايا الشهداء في التعامل مع الأعداء

العظماء الذين تلحّفوا رداء المجهوليّة الشريف، وقدّموا للإسلام والقرآن أغلى الهدايا، إنّهم أولئك الشجعان الذين حطّموا سدّ الجهل والضلال، وبلغوا بشعاع شمس الهداية إلى أبعد نقاط العالم، إنّهم أولئك المظلومون الذين دافعوا عن الحق بشجاعة، وأعجزوا ظالمي العصر. إنّ إيران الإسلاميّة وشعب هذا البلد العظيم والشريف سيتذكّر هؤلاء الأعزّاء دومًا، وستُخلّد السنّة الإلهيّة الثابتة ذكراهم. إنّي بدوري أبعث بسلامي وتحيّاتي الخالصة من أعماق روحي إلى التربة المطهّرة لأولئك الأعزاء، وأسأل الله تعالى أن يمنّ عليّ وعلى كلّ المشتاقين لتحقيق أمنياتنا الجميلة بنيل مصير كالذي نالوه[1].

 

3-2. عدم الرهبة من تجهيزات العدو الفتّاكة

أدوات العدوّ هي المعدّات العسكريّة. هذه المعدّات لا أثر لها في مقابل قوّة الإيمان والحَمَاسة والعشق وإرادة الشّعب، وهذه يمكنها أن تُخيفَ الأشخاصَ الذين يعتمدون في قتالهم على مُعدَّاتهم العسكريّة فقط‌‌‌‌‌‌، وإنّ أشخاصًا من هذا القبيل من الممكن أن يشعروا بالرعب إذا رأوا معدّاتٍ عسكريّة أكثر تطوّرًا وارتقاءً من معدّاتهم، ولكن في مقابل الشعب المتسلّح بالإيمان والإخلاص، فإنّ المعدات العسكريّة الحديثة التي يمتلكها العدوّ لا تأثير لها في مواجهتهم. إنّ أحدث المعدات العسكريّة في مقابل مقاومٍ صامدٍ طالبٍ للشهادة لا يمكن أن تحقّقَ شيئًا. أيمكن لأي عدوّ أن يتسبب في عرقلة مسير الملايين من أبناء الشعب؟ هذه


 


[1] رسالة بمناسبة يوم تخليد الشهداء والجرحى في أسبوع الدفاع المقدّس/23 جمادى الأولى 1418هـ/ 25/9/1997م.

 

75


64

3.مزايا الشهداء في التعامل مع الأعداء

جماهير أمّة حزب الله التي انطلقت في شوارع البلاد قد صمدت أمام الأسلحة الحديثة التي أخذها نظام الشاه من الأعداء، لماذا لم تقدر تلك المعدّات العسكريّة على التفوّق عليهم؟ مع أنّ تلك المعدات قادرة على قتل الطرف الآخر.

 

إنْ خافَ المرءُ من الموت فإنّه سوف يخافُ من تلك المعدات، أما إنْ كان يرى الإنسانُ الموتَ شهادةً، فإنّه لن يخاف من تلك الأسلحة القاتلة[1].

 


[1] في المراسم الخاصّة بيوم التعبئة في ثكنة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)/29 جمادى الأولى 1411هـ/ 26/11/1990م.

 

76


65

1- الآثار الفرديّة للشهادة

الفصل الثالث

آثار الشهادة

 

1- الآثار الفرديّة للشهادة

1-1. نزول ملائكة الله والتمتّع بعطرهم

ترون أنّ حال الشباب ليلةَ الهجوم تكون أفضل من الليلة السابقة! إنّني حقًّا أرى في هذه الذكريات والوصايا التي أقرأها مشهدًا عظيمًا عجيبًا. وكلّما تقدّم الزمن، تجلّت هذه الحوادث والحقائق أكثر. أيّ حال هي! أيّ حالات معنويّة! هو ليس سوى ذلك العطر الذي تنثره الملائكة والروح الأمين على رؤوس عباد الله الخلّص، فيذهلون عن أنفسهم، وإلّا، هل يمكن للإنسان المادّي والبشر العاديّين أن ينجذبوا بهذا الشكل؟[1]

 

1-2. نيلُ أفضل المكافآت البشريّة

والوصول إلى أعلى قمم الكمال والعزّة

لقد طلبتُ مرارًا، بكلّ كياني ومن صميم القلب، من أهالي الشهداء أن ندعو الله تعالى أن يحشرنا مع أحبّتكم وشهدائكم، هؤلاء لهم مقام عند الله. لقد حاز شهداؤكم أكبر مكافأة يمكن لإنسان أن ينالها[2].


 


[1] خطابه لدى لقاء جمع من قادة الحرس/3شعبان 1412هـ/ 7/2/1992م.

[2] خطابه لدى لقاء عوائل شهداء كاشان، آران وبيدكل/24 شعبان 1422هـ/ 10/11/2001م.

 

77


66

1- الآثار الفرديّة للشهادة

سلامٌ من أعماق القلب على الأرواح النورانيّة والذكرى المباركة للشهداء المضرّجين بدمائهم الذين وُفّقوا للجهاد الكبير في سبيل الله، فكافأهم الربّ الكريم والرحيم بالشهادة التي هي أسمى مكافأة في هذه النشأة، وأنارَ جباههم بهذه النجمة الساطعة[1].

 

والشكر لله تعالى الذي فتح باب الجهاد والشهادة، التي هي أفضل منصّة لتحليق الإنسان إلى أعلى قمم كماله، أمام هذا الشعب المخلص والمضحّي، وجعل من شبابنا وناشئتنا ورجالنا ونسائنا أنجمًا متألّقة في الأجواء المظلمة في حياة البشر المعاصرة. وجعل الجهاد الخالص دأبهم والشهادة المظلومة جوهرة لامعة على رؤوسهم[2].

 

إن كانت النهاية الحتميّة لهذه الحياة هي الشهادة في سبيل الله، فهذه قمّة الفخر... إنّ السعادة والشرف والفخر الكبير، ليس فقط في أيّام الحياة القصيرة، بل في كل تاريخ البشر وأبعد منه، في وعاء العلم الإلهيّ اللانهائيّ الذي لا يُقارن به أيُّ شيء آخر[3].

 

سلام الله على الشهداء، على الأحرار والعُظماء، الذين ضحّوا بأرواحهم وفاءً لعهدهم (مع الله)، في سبيل الله، ووصلوا بهذا الفِداء إلى أسمى درجات الإنسانية. وذاقوا أعذبَ الثواب الإلهي: "فلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أَعْيُنٍ"[4].[5]

 


[1] رسالة بمناسبة يوم تخليد الشهداء وتكريم الجرحى/14 جمادى الأولى 1417هـ/ 26/9/1996م.

[2] بمناسبة تخليد الشهداء/11 شعبان 1413هـ/ 3/2/1993م.

[3] في مراسم تقديم الكتفيّات في جامعة الإمام علي للضبّاط/22 رجب 1420هـ/ 31/10/1999م.

[4] سورة السجدة، شطر من الآية 17.

[5] رسالة إلى عوائل الشهداء/23 رجب 1411هـ/ 7/2/1991م.

 

78


67

1- الآثار الفرديّة للشهادة

1-3. التمتّع بالنور في القيامة والنظر في وجه المحبوب

لقضية الشهيد خصوصية استثنائية. كلّ ما يرتبط بالوجود النير للشهيد مدهش. حافزه للسير نحو الجهاد -أنْ ينهض شاب في العالم المادي ووسط كلّ هذه الألوان والبهارج الجذّابة ويقوم لله ويسير إلى ساحة الجهاد-فهذا بحدّ ذاته أمر مدهش. وبعد ذلك تأتي مساعيه وتعريضه نفسه للأخطار في سوح القتال، وأفعاله المميزة في الجبهات وشجاعته وبسالته التي بوسع كلّ سطر منها أن يكون نموذجًا خالدًا نيرًّا وأمرًا عجيبًا مدهشًا، وبعد ذلك بلوغه الشوق الوافر وتساقط الأستار والحجب الماديّة ومشاهدة وجه المعشوق المحبوب - وهو ما كان يتجلّى دائمًا في سلوك الشهداء وكلامهم خلال الأيام القريبة من الشهادة، وثمة الكثير من الروايات والقصص عن ذلك - هذا أيضًا من الأمور المذهلة[1].

 

الاستشهاد بنظرنا نحن أهل الدنيا الذين نعيش فيها، ولا سيّما أنتم الآباء والأمّهات والزوجات الذين تكنّون له محبّة استثنائيّة، مرٌّ، لأنّه خسارة وفقدان. في ظاهر الأمر هو فقدان وخسارة، لذا هو مرّ. هذا هو ظاهر الشهادة، فقدان الشهيد وخسارته وعدم رؤيته وافتقاده. لكنّ باطنها أعمق من هذا. باطن الشهادة هو أن يحصل إنسان ما فجأة على الدرجات الإلهيّة الرفيعة، ويصبح مقامه أعلى من مقام الملائكة، وتعلو درجته ومكانته في تلك الحياة الأصليّة والأبديّة -التي سنردها جميعًا شئنا أم أبينا بعد أربعين، خمسين، ستّين أو سبعين سنة - ويتمتّع بمرتبة عالية ويكون فيها محطّ الاهتمام، ويصل فيضُه يوم القيامة إلى الآخرين، ﴿يَسْعَى


 


[1] في لقاء مع المعوّقين والجرحى وعوائل شهداء إقليم فارس/26 ربيع الآخر 1429هـ/ 2/5/2008م.

 

79


68

1- الآثار الفرديّة للشهادة

نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم﴾[1]. من خصائص يوم القيامة ظلمة الجوّ، حيث لا وجود للشمس، ولا وجود لأيّ وسيلة من وسائل النور، وكلّ بني البشر يكونون في حالة من الظلمات. فعندما يتحرّك ويسير عباد الله هؤلاء - وأفضلهم شهداؤكم - يسطع نورهم أمامهم ومن حولهم. ينظر إليهم أشخاص آخرون بحسرة ويقولون: أفيضوا علينا من نوركم - وبما أنّ هؤلاء لا يستحقّون هذا النور - يأتي الجواب إليهم: ﴿ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا﴾[2] أي انظروا خلفكم - أي إلى حياتكم الدنيا تلك - فإن كان من المفترض أن يكون لكم نور، فلتحصلوا على النور من هناك، هنا لا يُمنح النور لأحد. فالنور الذي قدّموه هناك يظهر ويتجلّى هنا[3].

 

المعيار الإسلاميّ يُخرج الشهيدَ من زمرة الناس العاديّين ويجعله في جوار الأولياء والصدّيقين، تلك نظرة سامية لا يحيطها عقلنا جيّدًا[4].

 

1- 4. نيلُ الرضوان والقرب الإلهيّ

... (الشهيد) يحلّق في الدرجات العلى عند الله تعالى. أي إنّ ذلك الشيء الذي سعى إليه سائر العرفاء وأهل السلوك والتائهون في أودية العشق والحماسة المعنويّة والعرفانيّة عمرًا، قد ناله هو بهذه التضحيات وهذه الشهادة ونال الرضوان والقرب الإلهيّ[5].

 


[1] سورة الحديد، شطر من الآية 12.

[2] سورة الحديد، شطر من الآية 13.

[3] كلمته في لقاء عائلة الشهيد أحمدي روشن/25 صفر 1433هـ/ 19/1/2012م.

[4] خطابه لدى لقاء عوائل الشهداء والجرحى في محافظة خراسان/1 جمادى الأولى 1428هـ/ 17/5/2007م.

[5] في لقائه عائلة الشهيد آويني/25 ذي الحجّة 1418هـ/ 22/4/1998م.

 

80


69

1- الآثار الفرديّة للشهادة

1-5. رؤية الوعد الإلهيّ والابتعاد عن الخوف والحزن

ثمّة خطّ فاصل بين هذه النشأة وتلك النشأة. البعض يقيّدونهم بالسّلاسل ويعبرون بهم هذا الخطّ الفاصل، هؤلاء هم الملتصقون بالحياة الدنيا. والبعض يقفزون بأنفسهم إلى الجهة الثّانية، لماذا؟ لأنّهم يرون ما هناك، يشاهدون الوعد الإلهي. لذلك كان الشّهداء الأعزّاء الذين سمعتم بأسمائهم، وتعرفون الكثيرين منهم، وكان بعضكم رفاقهم وممّن عاشوا معهم، كانوا لا يهابون الموت. كانوا يعشقون الحياة، وهذا ما يمكن للمرء أن يدركه حين يقرأ وصاياهم. هذا هو طريق الشّعب، وقد بدأ شعبنا مسيرته في هذا الطّريق[1].

 

يقول الله تعالى عن الشهداء إنّهم أحياء: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ﴾[2]، ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ﴾[3]. هذه آيات قرآنيّة، وهي معارف صريحة لا يمكن لأيّ مسلم أن يغضّ الطرف عنها. وإنّ كلّ من يعتقد بالإسلام والقرآن الكريم يجب أن تتجلّى هذه المعارف أمام عينيه. تقول هذه الآية القرآنيّة الشريفة إنّهم أحياء وإنّ حياتهم لهي حياة واقعيّة، وحياة معنويّة، وهم يُرزقون عند الله تعالى، بمعنى أنّ فضل الله تعالى وبركاته تنهمر عليهم دون انقطاع، ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ﴾[4].

 


[1] كلمته في لقاء حشد من أهالي أذربيجان بمناسبة اليوم 29 بهمن/9 محرّم 1429هـ/ 17/2/2008م.

[2] سورة البقرة، شطر من الآية 154.

[3] سورة آل عمران، الآية 169 وشطر من الآية 170.

[4] سورة آل عمران، الآية 170.

 

81


70

1- الآثار الفرديّة للشهادة

ماذا يحدث عند الجانب الآخر من الحدّ الفاصل ما بين الحياة والموت؟ ما الذي يعرفه البشر عن ذلك العالم وتلك النشأة المجهولة؟ في ما يتعلّق بالشهداء، نعلم أنّهم راضون مسرورون فرحون، ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّه مِن فَضْلِهِ﴾[1]، وفوق ذلك ﴿وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم﴾[2]، أي إنّهم يتحدّثون معنا ويخاطبوننا: ﴿أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[3]. هذا شيء مهمّ للغاية. يجب أن نوجد في أنفسنا هذه الأذن التي يمكنها أن تسمع نداء الشهداء الملكوتي. إنّهم يبشّروننا ويخبروننا بأن لا نخاف ولا نحزن: ﴿أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[4].

 

فنحن نصاب بالخوف نتيجة حالات الضعف عندنا، ونحزن، وهم يقولون لنا (يجب) أن لا نخاف ولا نحزن، فهم إمّا يتحدّثون عن أنفسهم أو عنّا - بحسب الاختلافات الموجودة بشأن تفسير هذه الآية الشريفة - وهم ينفون الخوف والحزن، سواء في هذه النشأة أو تلك النشأة. من المهمّ أن لا يصاب المجتمع بالخوف والحزن في مسيرة تقدّمه، وأن يسير ويتحرّك بأمل. هذه هي رسالة الشهداء لنا، وينبغي الاستماع إلى هذه الرسالة. إنّ تكليفكم - من خلال الملتقيات والنشاطات التي تقيمونها - هو إيصال هذه الرسالة للأسماع[5].


 


[1] المصدر نفسه.

[2] سورة البقرة، شطر من الآية 154.

[3] سورة آل عمران، شطر من الآية 170.

[4] المصدر نفسه.

[5] كلمته في لقاء مع أعضاء لجنة مؤتمر شهداء الشؤون التربويّة، مؤتمر شهداء الطلّاب الجامعيين، مؤتمر شهداء الفن والسينما/27 ربيع الآخر 1436هـ/ 16/2/2015م.

 

82


71

1- الآثار الفرديّة للشهادة

1-6. الإشراف على عالم الدنيا وأعمال البشر

شهداؤنا أحياء، كما أخبر الله تعالى عنهم: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾, فهم عند الله أحياء، ومشرفون على هذا العالم، ويشاهدون الأحداث، ويرون المصائر، ويطّلعون على أعمالي وأعمالكم. هنالك عندما تعيق الحواجز أقدامنا وعندما نعجز عن توجيه أنفسنا توجيهًا صحيحًا على طريق الهداية، أو عندما نسقط أرضًا فإنّهم يقلقون. حينما نفهم ونرى ونخطو بإحكام، ونتحرّك على الطريق المستقيم، ونقترب من الهدف، فإنّهم يشعرون بالسرور. عندما ينتصر شعب إيران في أيّ ميدان، فإنّ تلك الأرواح الطيّبة تستبشر. وعندما يتأخّر الشعب لا سمح الله، بسبب غفلتنا وتقصيرنا، ويعاني من مشاكل أساسيّة وعامّة فإنّهم يضطربون[1].


 


[1] في لقاء مع جمع من الأهالي وعوائل الشهداء والجرحى/7 ربيع الآخر 1433هـ/ 29/2/2012م.

 

83


72

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

2- الآثار الاجتماعيّة للشهادة

الأمر العجيب في المعارف الإسلاميّة - ولعلّ جميع الأديان على هذه الشاكلة - هو كونها توفّق بين السعادة الفرديّة والسعادة الاجتماعيّة - على الرغم من عدم تلازم السعادة الفرديّة على الدوام مع السعادة والفلاح الاجتماعيّ -، من قبيل الشخص الذي يجاهد في سبيل الله فيستشهد وينال سعادته الفرديّة، لكنّ النهضة تخفق. إلّا أنّ غالبًا ما يتطابق هذان الخطان مع بعضهما البعض. أي إنّ الإنسان حتّى إذا كان طالبًا لسعادته الفرديّة ويعمل في سبيل الله لينال رضاه ويدخل الجنة، حتى وإن كان لا يقصد أمرًا آخر سوى هذا، وقال على سبيل الفرض لا شأن لي بشؤون البلد ولا أبالي إلّا بما يبيّض وجهي عند الله لكنّه يجلس ناظرًا بعينٍ بصيرة ومعلومات وفيرة ليتأمل ويرى ما الذي يبيّض وجهه عند الله لكي يؤدّيه ويعمل به، لو أنّ هذه الحال حصلت فإنّ البلد سيبلغ  - شأنه شأن الأفراد - مرحلة الازدهار.[1]

 

إنّ العزّة التي يتمتّع بها نظام الجمهوريّة الإسلاميّة وشعب إيران في الوقت الحاضر، إنّما تحقّقت بفضل تلك الدماء. حينما تجدون الشعوب الإسلاميّة وعموم أطياف الناس، في كافّة الأقطار الإسلاميّة، معجبةً بشعب إيران، وتنظر إلى نظام الجمهوريّة الإسلاميّة بعين العظمة، فليس ذلك إلّا ببركة هذه الدماء. وإنّ الأمن المستتبّ حاليًّا في بلادنا، والحركة العظيمة نحو البناء، والأعمال الكبيرة المنجزة، والتقدّم العلميّ والتقنيّ، وزيادة أعداد العلماء والطلبة الجامعيّين والباحثين، هذا كلّه إنّما هو ببركة دماء الشهداء. هذه الصحوة العامّة التي يتمتّع بها


 


[1] في لقاء مع نوّاب دورة مجلس الشورى الإسلاميّ الخامسة/1 صفر 1417هـ/ 17/6/1996م.

 

84


73

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

بلدنا وشعبنا في الوقت الراهن، إنّما هي بفضل دماء الشهداء. لقد استطاعت دماء شهدائكم تغيير هذا البلد وتنميته كما يفعل الإكسير، والفخر في ذلك يعود إلى شهدائكم وإليكم.

 

سيبقى الشعب الإيراني رهنًا بالشهداء وعوائل الشهداء إلى الأبد. ينبغي على شعبنا كلّه أن يعلم هذا. كلّ ما نكسبه من عزّة ومن تقدّم، ندين به لدماء شهدائكم الأبرار وفلذات أكبادكم. هؤلاء هم الذين منحونا، ومنحوا بلادهم وشعبهم وإسلامهم، العزّة. ليعرف الجميع قدر ذلك، وعلى المسؤولين - أيضًا - معرفة قدر ذلك. وعليكم أنتم أيضًا -عوائل الشهداء-معرفة قدر ذلك، وأنتم تعرفونه طبعًا[1].

 

2-1.صناعة القدوة للشباب وطالبي الحقّ

إعداد القدوة هو أحد أهم أساسات العمل. نحن لدينا الكثير من هؤلاء القدوة. ففي هذا الزمان لدينا من الشباب الجيدين ومن النماذج النورانية - الخالدة على مرّ التاريخ - بحيث يكفي من خلال تعريف كلّ منهم، أن نضع نماذج مميزة وقدوةً أمام شبابنا. هؤلاء شباب سبقوا من كان متقدّمًا عليهم، شبابٌ حضروا درسَ هذا العبد وأمثاله، لكنّهم سبقونا بمئة خطوة، نحن ذكّرنا وهم عملوا، ولكن نحن لم نعمل. كم من هؤلاء الشباب، وكم من هؤلاء الشهداء من كانوا قد تعلّموا من أمثالنا، ولكنّهم أصبحوا أفضل منّا، وتقدّموا علينا، ومنحوا هذا البلد عزّته، ونالوا عند الله تعالى المزيدَ من العزّة، "فلماذا أنت وعدتَ، وهو أدّى"[2]، نحن


 


[1] في لقاء مع جمع من عوائل الشهداء/30 جمادى الأولى 1430هـ/ 24/5/2009م.

[2] الشاعر حافظ الشيرازي.

 

85


74

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

وَعدَنا وهو عمل. لدينا كلّ هؤلاء الشباب، فاستحضِروا كلّ واحدٍ منهم واجعلوه أمامَ أعين الجيل الحاضر، وعرّفوا هؤلاء الشباب - من الجيل الحالي - نخوةَ أولئك وهمّتهم وصدقهم وصفاءهم وتضحياتهم ووعيهم المميزّ، وسلوكهم الحسن مع الناس والزملاء والوالدين والأسرة والأصدقاء، كلّ هذا يُعدّ ملهمًا[1].

 

لا ينبغي تعريفنا بالقدوة من خلال القول بأنّ هذا قدوتكم. هذه القدوة الجعليّة والمفروضة، لا تكون قدوة جذّابة. ينبغي أن نجد القدوة بأنفسنا، أي أن ننظر حولنا ونرى من هو الأكثر مقبوليّة من بين هذه الشخصيّات التي تظهر أمامنا، وحتمًا سيكون هو قدوتنا... في زماننا أيضًا كان لنا قدوتنا. الإمام هو القدوة. شبابنا التعبويّون هؤلاء هم قدوة، بمن فيهم الشهداء والأحياء. بالتأكيد، طبيعة الإنسان تجعله يتكلّم براحة أكبر عن الذين رحلوا واستشهدوا. انظروا أيّ قدوات يمكن أن تجدوها! لقد رأينا في الحرب أشخاصًا قد جاؤوا من قراهم أو مدنهم، وكانوا يبدون أناسًا عاديّين جدًّا. وقد أشرت (سابقًا) إلى أنّ النظام السابق لم يستطع تنمية الاستعدادات أو إظهارها. هؤلاء كانوا في ذلك النظام أناسًا عاديّين، لكنّهم في هذا النظام التحقوا بساحة الحرب التي هي ساحة عمل، وفجأة ظهرت مواهبهم واستعداداتهم وأصبحوا قادة كبارًا، ومن ثمّ نالوا الشهادة. لدينا الكثير من أمثال هؤلاء.

 

قبل سنوات، كُتبت سيرة هؤلاء ضمن سلسلة كتيّبات باسم "فرمانده من" (قائدي)[2]، وكانت عبارة عن ذكريات الشباب عن

 

 


[1] في لقاء مع جمع من عوائل الشهداء/11 جمادى الآخرة 1433هـ/ 2/5/2012م.

[2] تُرجم هذا الكتاب ونشر في بيروت صادرًا عن دار المعارف 2013، ضمن سلسلة سادة القافلة.

 

86


75

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

قادتهم في الجبهة... فقد رووا قصّةً قصيرة، مع ذكرى صغيرة عنه تظهر للمرء عظمة هذه الشخصيّة. يمكن لهؤلاء أن يكونوا قدوة. بالتأكيد، يمكن إيجاد قدوات في شخصيّاتنا العلميّة، وشخصيّاتنا الرياضيّة، وشخصيّاتنا الأدبيّة، وشخصيّاتنا الفنّيّة، شخصيّات، للإنصاف، متألقة تتمتّع بامتيازات[1].

 

جهاد هذا الشعب العظيم الذي كان دفاعًا غيورًا عن الإسلام والجمهوريّة الإسلاميّة، وأعزّ الإسلامَ والأمّة الإسلاميّة، قد استُمدّ من الإيمان بأهمّيّة الشهادة ومنزلة الشهيد، فتدفّق الشوق للتضحية مع هذه المعرفة الواضحة البيّنة في قلوب المجاهدين وعوائلهم. لقد نال البعض هذا المقام الرفيع، والبعض التحق بميدان الجهاد بجسمه وروحه، وهو في حال انتظار ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾[2]، وهذا ما حصل، حيث أصبح جهاد الشعب الإيرانيّ الفريد من نوعه قدوةً ومثالًا للأمّة الإسلاميّة جمعاء، وأظهر للجميع عمليًّا سرَّ العزّة والاستقلال والسعادة الذي هو ذلك الجهاد الفدائيّ نفسه.

 

الشهداء نقاط مشعّة في هذه الصفحة المتألّقة كالنجم القطبيّ، إنّهم كالنجوم الدالّة على الطريق تهدي الجميع إليه. رحمة الله وصلواته عليهم[3].

 

هنالك حوادث إذا سُردت اليوم ظُنَّ من شدّة غرابتها أنّها أساطير، لكنّها حوادث حقيقية. وقد رأينا وسمعنا أمثلة كثيرة لها في الوقت الحاضر. ومن جملة الملاحم التي سُطّرت في هذا


 


[1] في حوار له مع جمع من الشباب بمناسبة أسبوع الشابّ/29 ذي الحجّة 1418ه/ 26/4/1998م.

[2] سورة الأحزاب، الآية 23.

[3] نداؤه بمناسبة ذكرى شهداء الدفاع المقدّس/5 رمضان 1427هـ/ 28/9/2006م.

 

87


76

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

العصر هي شهادة هذا الفتى التعبويّ[1] الذي كان يبلغ الثالثة عشرة من عمره، ولكنّه كان واعيًا مدركًا وذا إرادة وعزيمة، وكان يعرف بلدَه وإمامَه وعدوَّه، وكان مستوعبًا أيضًا لأهميّة وجوده ولقيمة عمله، فانبرى لتقديم هذا الرأسمال قربانًا لعزّة البلد ولمستقبل الثورة ولمصالح الشعب. فذهب جسمه إلّا أنّ روحه بقيت حيّة، وتَخلّد اسمه، وتحوّلت ذكراه إلى أسطورة. وصار مثالًا يُحتذى به[2].

 

2-2. بيان الطريق والهدف للجميع

من الخطأ أن يتصوّر البعض بأنّ الإمام الحسين عليه السلام قد هُزم. فالقتل ليس هزيمة. وذاك الذي يُقتل في ساحة الحرب ليس مهزومًا. المهزوم هو الذي لا يحقّق هدفه. وهدف أعداء الإمام الحسين عليه السلام كان القضاء على الإسلام وبقيّة النبوّة في الأرض. هؤلاء هُزموا، لأنّهم لم يحقّقوا هدفهم. (أمّا) هدف الإمام الحسين عليه السلام فكان أن يحدث ثغرة في خطّة أعداء الإسلام المنسّقة (الموحّدة)، الذين كانوا قد صبغوا كلّ شيء بالصبغة التي يريدونها، أو كانوا ينوون ذلك، فصدح الإسلام ونداء مظلوميّته وحقّانيّته في كلّ مكان، وانهزم بالنهاية أعداء الإسلام. وهذا ما حصل. فالإمام الحسين عليه السلام قد انتصر على المدى القصير وعلى المدى الطويل. فعلى المدى القصير، أن هذه الثورة والشهادة المظلومة للإمام وأسر آل بيته، قد زلزلت نظام حكم بني أميّة. فبعد هذه الواقعة وقعت في العالم الإسلاميّ أحداث متتالية في


 


[1] الشهيد حسين فهميده.

[2] في خطبتَي صلاة الجمعة في طهران/9 رجب 1419هـ/ 29/10/1998م.

 

88


77

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

العصر هي شهادة هذا الفتى التعبويّ[1] الذي كان يبلغ الثالثة عشرة من عمره، ولكنّه كان واعيًا مدركًا وذا إرادة وعزيمة، وكان يعرف بلدَه وإمامَه وعدوَّه، وكان مستوعبًا أيضًا لأهميّة وجوده ولقيمة عمله، فانبرى لتقديم هذا الرأسمال قربانًا لعزّة البلد ولمستقبل الثورة ولمصالح الشعب. فذهب جسمه إلّا أنّ روحه بقيت حيّة، وتَخلّد اسمه، وتحوّلت ذكراه إلى أسطورة. وصار مثالًا يُحتذى به[2].

 

2-2. بيان الطريق والهدف للجميع

من الخطأ أن يتصوّر البعض بأنّ الإمام الحسين عليه السلام قد هُزم. فالقتل ليس هزيمة. وذاك الذي يُقتل في ساحة الحرب ليس مهزومًا. المهزوم هو الذي لا يحقّق هدفه. وهدف أعداء الإمام الحسين عليه السلام كان القضاء على الإسلام وبقيّة النبوّة في الأرض. هؤلاء هُزموا، لأنّهم لم يحقّقوا هدفهم. (أمّا) هدف الإمام الحسين عليه السلام فكان أن يحدث ثغرة في خطّة أعداء الإسلام المنسّقة (الموحّدة)، الذين كانوا قد صبغوا كلّ شيء بالصبغة التي يريدونها، أو كانوا ينوون ذلك، فصدح الإسلام ونداء مظلوميّته وحقّانيّته في كلّ مكان، وانهزم بالنهاية أعداء الإسلام. وهذا ما حصل. فالإمام الحسين عليه السلام قد انتصر على المدى القصير وعلى المدى الطويل. فعلى المدى القصير، أن هذه الثورة والشهادة المظلومة للإمام وأسر آل بيته، قد زلزلت نظام حكم بني أميّة. فبعد هذه الواقعة وقعت في العالم الإسلاميّ أحداث متتالية في


 


[1] الشهيد حسين فهميده.

[2] في خطبتَي صلاة الجمعة في طهران/9 رجب 1419هـ/ 29/10/1998م.

 

88


78

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

المدينة ومكّة، أدّت إلى زوال حكم آل أبي سفيان، وذلك في ظرف ثلاث أو أربع سنوات. من كان يظنّ بأنّ هذه العداوة التي أدّت إلى قتل الإمام الحسين عليه السلام مظلومًا في كربلاء، ستُغلب هكذا بفعل صدى نداء الإمام الحسين عليه السلام، وذلك أيضًا في ظرف ثلاث أو أربع سنوات؟! على المدى الطويل أيضًا، انتصر الإمام الحسين عليه السلام. انظروا في تاريخ الإسلام لتروا كم انتشر الدين في العالم! وكم تجذّر الإسلام! كيف ظهرت الشعوب الإسلاميّة وتطوّرت ونمت! لقد تطوّرت العلوم الإسلاميّة والفقه الإسلاميّ، وبالنهاية، وبعد مضيّ قرون، ها هي اليوم راية الإسلام ترفرف عالية في سائر أنحاء العالم.

 

... لذا، نقل عن قادة كبار في العالم المعاصر، حتّى عمّن ليسوا بمسلمين أنّهم قالوا: "لقد تعلّمنا الكفاح من الإمام الحسين عليه السلام". لقد فهموا ووعوا أنّ القتل ليس دليلًا على الهزيمة. أدركوا أنّ التراجع أمام العدوّ المسيطر والمهيمن في الظاهر، يؤدّي إلى التعاسة والذلّ. مهما كان العدوّ عظيمًا، إذا ما جاهده التيّار المؤمن والفئة المؤمنة، بالتوكّل على الله، ستكون بالنهاية الهزيمة من نصيب العدوّ، والنصر من نصيب الفئة المؤمنة. هذا ما أدركه شعبنا ووعاه[1].

 

يوم الشهداء فرصة ثمينة ينبغي اغتنامها للتعبير عن مشاعر الشكر للأرواح الطاهرة التي تحرّرت من أبدانها ومن جميع ألوان الانجراف إلى المغريات الماديّة في سبيل أن توفر لبني الإنسان الحريّة وأسباب النجاة، ولتلك النفوس النبيلة التي سقطت على الأرض مضرّجة بدمائها لينقى وجه الأرض من الظلم والعدوان

 


[1] خطابه لدى لقائه جمعًا من شرائح الشعب المختلفة بمناسبة حلول شهر محرّم الحرام/30 ذي الحجّة 1412هـ/ 30/6/1992م.

 

89


79

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

والهمجية. سلام منّا عليهم وعلى جميع شهداء طريق الله الذين أضاؤوا سبيل الحياة الإنسانيّة وغدوا مشعلًا للهداية الإلهيّة. هؤلاء هم هديّة الأنبياء لأهل الأرض ومنهم اقتبسوا نورهم[1].

 

...أمّا بالنسبة إلى التيار الأول - أي تيار الثورة والدين والإسلام - فقد كان له منطقه ورأيه، ووقف بصلابة بوجه الغوغائية التي أثارها التيارُ المقابل. من الطبيعي أنّ كلّ من كان يبدي مقدرةً أكبر في هذه المجابهة، كان يتعرّض لمزيد من التهجّم، ولو نظرنا إلى فترة السنتين وبضعة أشهر الأولى[2] التي نشطت فيها تلك التيارات المعارضة في هذا البلد، لرأينا على مَنْ تآمروا، ولمن كالوا السباب والشتائم، ومع من دخلوا في صراعات ومباحثات فكريّة. لقد تركّز عداؤهم أكثر ما تركّز على الشخصيات التي كانوا يجدون لديها مقدرة أكثر على توعية الشعب فكريًا، فأخرجوا البعض من الساحة من خلال التهم والبهتان، وأزاحوا البعض الآخر بالتحجيم والإهانة، ولكن كانت هناك شخصيات كالشهيد بهشتي لا يمكن إزاحتها من الساحة بمثل هذه الأساليب، ولهذا لجأوا إلى انتهاج أسلوب الاغتيال، وأودوا بحياة الشهيد بهشتي وغيره في تلك الواقعة الغادرة، ثم اغتالوا من بعد ذلك الشهيدين باهنر ورجائي وغيرهما. وهؤلاء هم شهداء الهويّة الإسلاميّة الأصيلة للنظام، لأنّهم وقفوا بوجه الأعداء. ثمّ إنّ دماءهم الزكية قد تركت تأثيرها وأدّت إلى توعية أبناء الشعب على مدى سنوات طويلة، وتعدُّ اليومَ مُلهِمةً لهم[3].

 

 


[1] خطاب بمناسبة اليوم السابع من عشرة الفجر المباركة لفجر الثورة الإسلاميّة ويوم الإيمان والإيثار والشهادة/28 رمضان 1417هـ/ 5/2/1997م.

[2] التي تلت انتصار الثورة عام 79.

[3] في لقاء مه مسؤولي الجهاز القضائيّ/14 ربيع الأوّل 1420هـ/ 27/6/1999م.

 

90


80

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

وهنا أجد من الضروريّ أن أقدّم احترامي وسلامي لعوائل الشهداء الأعزّاء، وأهدي الصلوات لأرواحهم المطهّرة، فالشهيد الذي جعل كلّ وجوده، أي رأسماله الأساسيّ، في سبيل الله وأنفقه في هذا الطريق قد قبل اللهُ تعالى منه ذلك. وبالطبع، هناك الكثير ممّن ذهب ليقدّم ولم يُقبل. ولعلّ هذا لأسبابٍ عديدة، فبعضهم لم يعدّه الله تعالى مؤهّلًا، وبعضهم الآخر حفظه اللهُ تعالى لمسؤوليات وأعمالٍ ضرورية أخرى. وها هنا نقول إنّ أولئك الذين كانوا مؤهّلين ورحلوا، فإنّ قيمتهم عالية جدًّا جدًّا. إنّ الشهداء في الحقيقة هم الأنوار الساطعة التي تضيء المجتمع والمستقبل والتاريخ[1].

 

2-3. الحريّة، الثقة بالنفس والاستقلال من التبعيّة

استيعاب معنى الشهادة يدعم حياة الإنسان الماديّة والمعنويّة. وإذا فهم الشعب معنى الشهادة وتعرّف كيف يمكن التضحية بالأرواح في سبيل الأهداف عندها سيتمكّن من العيش باستقلال ولا ينتابه قلق، لأنَّ الموت سوف لا يشكّل عقبة أمامه، وإلّا فإنّ العدو سيخوّفه بالموت ويغدو مصيره كمصير بعض الدول والشعوب التي تتخاذل أمام الأعداء[2].

 

نحن نؤمن بحريّة البيان وحريّة النشاطات الاجتماعيّة. بل إن هذه المفاهيم والمعاني جاءت بها الثورة وأنصارها في حين لم يكن لها أي وجود في هذا البلد من قبل، ولم يكن هناك أي

 


[1] في لقاء مع القوّات المسلّحة لمنطقة شمال البلاد وعوائلهم/4 ذي القعدة 1433هـ/ 19/9/2012م.

[2] في لقاء مع علماء الدين والمبلّغين عشيّة شهر محرّم/26 ذي الحجة 1416هـ/ 14/5/1916م.

 

91


81

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

ذكر لا لحريّة البيان ولا لحريّة النشاطات الاجتماعيّة.

 

والإمام الخميني قدس سره هو الذي قدّم هذه المفاهيم كهديّة للشعب، ودماء الشهداء هي التي منحت هذه القيم للبلد. وكلّ من يتولّى حراسة دماء الشهداء والسير على نهج الإمام، هو الذي يتولّى حماية هذه المفاهيم. وهذا أمر بديهيّ لاشكّ فيه. لكن هذه الحريّة بطبيعة الحال محدودة. فأين تتناهى حدودها؟ تنتهي حدود هذه الحرية عند الحدود التي عيّنها الإسلام[1].

 

أعزّائي هناك نقطة أساسيّة يجب على الجميع أخذها بالحسبان، وهي أنّ أيّ بلد إذا أراد الحياة الحرّة الكريمة الخالية من قيود التبعيّة للأجنبيّ وللقوى الغاشمة في العالم، لا بدّ له من التمسك بنهج الصمود.

ولكن من هو الذي يضطلع بمهمة الصمود في الملمّات؟ لا بدّ وأن الذين يضطلعون بهذه المهمّة هم خيرة أبناء الشعب وأكثرهم إخلاصًا واستعدادًا للبذل والتضحية في المواقف الصعبة، وهم الذين يذودون عن استقلال البلد وعن كرامته وهويّته الوطنيّة. وفي ظلّ النظام الإسلاميّ انبرى للقيام بهذا الواجب أولئك الشّباب المضحّون الذين صمدوا طوال سنوات الحرب المفروضة وما قبلها، في ميادين الحرب في مواجهة الأعداء، وأعني بهم شهداءنا الكرام رفيعي القدر[2].

 

علاوة على الدرجات المعنويّة الرفيعة للشهداء التي تعجز الألسنة والأقلام عن وصفها، والأنظار والقلوب عن النظر إليها، هم حملة مشعل نصر الشعب وحرّيّته واستقلاله، وحقّهم في

 


[1] في لقاء مع قادة حرس الثورة الإسلاميّة/23 جمادى الأولى 1419هـ/14/9/1998م.

[2] في لقاء مع شرائح المجتمع المختلفة وجمع من المحرّرين والجرحى وعوائل الشهداء العظام/24 ربيع الثاني 1419هـ/17/8/1998م.

 

92


82

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

أعناق هذا الشعب عظيم جدًّا[1].

 

إنّ استقلال شعبنا وعزّته مدينة للدماء الطاهرة لرجال أحرار ذوي مروءة، الذين قدّموا أنفسهم وجهودهم في سبيل مبادئ النظام الإسلاميّ السامية وقيمه العالية، وحافظوا على راية الإسلام المحمّدي الأصيل التي رفرفت خفّاقة على يدي الإمام والأمّة[2].

 

لقد فرض الاستكبارُ حربَ السنوات الثماني على شعبنا، كي يتمكّن من استعباد إيران الإسلاميّة والهيمنة عليها. وقد أفشل الشهداءُ الأعزّاء والمضحّون الآخرون في جبهات الحرب مؤامرةَ العدوّ هذه ومكائده[3].

 

كان الشهداء شبابًا مؤمنين ومضحّين، وضعوا دماءهم على أكُفّهم من أجل الدفاع عن البلد والشعب في مواجهة المعتدين على هذه الأرض، والتحقوا بميدان الحرب باسم الله وفي سبيله. إنّ شعبنا اليوم، وخاصّة الشباب منهم مدين للشهداء. فبفضل تضحيات أولئك الصادقين، مُنح الشعب الإيرانيّ الإسلام والاستقلال والحريّة، وإن أداء حقّهم الكبير وتكريم ذكراهم علامة ولاء وثبات على القيم السامية[4].

 


[1] من رسالة له في تخليد الشهداء وتكريم الجرحى في اليوم الثامن من عشرة الفجر المباركة/11 جمادى الآخرة 1410هـ/ 8/2/1990م.

[2] من رسالة له بمناسبة يوم شهداء الدفاع المقدّس/20 رجب 1423هـ/ 26/9/2002م.

[3] من رسالة له بمناسبة يوم تخليد الشهداء وتكريم الجرحى في أسبوع الدفاع المقدّس/17 ربيع الآخر 1415هـ/ 22/9/1994م.

[4] رسالة بمناسبة تشييع جثامين خمسة من الشهداء المجهولي الهوية ودفنهم في جامعة أمير كبير/27 صفر 1430هـ/ 22/2/2009م.

 

93


83

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

اعلموا أنّ ما حصلنا عليه حتى الآن كان بفضل جهاد وإيمان وتضحيات شباب في مثل أعماركم، فإن ّكثيرًا من شهدائنا كانوا ينتسبون إلى الجامعات والإعداديات، إلّا أنّهم توجّهوا إلى القتال وسطّروا الملاحم وضحّوا بأنفسهم، فَحُرِمَ الشعب من علمهم وكفاءاتهم العلمية، لكنّ ما قدّموه لهذا الشعب يفوق بكثيرٍ تلك الكفاءات العلميّة، إذ إنّهم أوجدوا لنا هذا المناخ الآمن، وهذا الأمل، وهذه الإمكانيّات[1].

 

سلام على روح مؤسّس الجمهوريّة الإسلاميّة وشهداء طريق حرّيّة إيران وعزّتها، الذين جسّدوا الإسلام وكسروا قيود الأسر، وعبّدوا طريق استقلال الشعب وعزّته، وحطّموا قلعة الاستبداد القديمة، وأقاموا بناء السيادة الشعبيّة الدينيّة بالهمّة العالية للشعب العظيم[2].

 

هؤلاء الناس رفيعو المقام والسعداء الذين وُفّقوا لطريق الجهاد ونالوا أجر الشهادة، هم على طريقة الملائكة تجاوزوا متاع الدنيا، لقد قدّموا الفداء في سوق الأرباح المعنويّة والإلهيّة، ونالوا مكانها الرضوان الإلهي وهو أعلى الأرباح المعنويّة، هؤلاء هم الصفوة الذين استطاعوا أن يخلّدوا عمرهم الفاني في خدمة السعادة الأبديّة. اليوم في أعناق الشعب والبلد والثورة دَين كبير لهؤلاء الأعزّاء وعائلاتهم. عزّة إيران اليوم وكلّ ما يحدث من رقيّ للبلد والأمن والاستقلال، وكلّ الإنجازات الكبيرة هي هدية ثمينة قدّمها الشهداءُ وأمّهاتهم وآباؤهم وأزواجهم الصابرون


 


[1] في لقاء مع جماعة من الشباب المخترعين والمبدعين/10 ربيع الأوّل 1426هـ/ 18/4/2005م.

[2] رسالة بمناسبة بدء أعمال الدورة السابعة لمجلس الشورى الإسلاميّ/7 ربيع الآخر 1425هـ/ 26/5/2004م.

 

94


84

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

للشعب الإيراني[1].

 

كلّ هذه الإنجازات تعود لدماء أعزائكم هؤلاء، هذه العزّة الوطنيّة، هذا التقدّم العلميّ، هذا الاستقلال السياسيّ، بقاء هذه الأهداف الثوريّة ووصايا الإمام، كلّ هذه الأمور التي لا تتحقّق بسهولة، وهذا الثبات على هذا السبيل، ومدارج الرقيّ التي تُطوى يومًا بعد يوم والتقدّم والتحول من شعب ضعيف ومتخلف ومجهول إلى شعب يُشار له بالبنان على المستوى الدولي[2].

 

إنّ عزّة واستقلال بلدنا اليوم وحركته المتصاعدة باتجاه المجد والكمال، كلّها يجب أن تُعدّ رهنًا بدماء الشهداء، إنّ إخلاص هؤلاء الشباب المعروفين في ذلك الوقت جوهرة متوقّدة استطاعت أن تظهر للعالم قدر شخصيّة الإمام وعظمة الشعب وأن تعطي معنى لجهاد الشعب الإيراني. إنّ هذا الشعب العظيم، الذي تجاوز اليوم جميع هذه القمم وسوف يتجاوزها، مرهون بالعزم الراسخ والهمة العالية لهؤلاء الشهداء الذين أزالوا من طريقه بثمن أرواحهم صخورًا عظيمة، وأروا الجميع معجزة الإيمان والتضحية. ليعلم خفافيش الظلام أنّ شهداءنا ما زالوا أحياء في فكرنا وقلبنا ولن يستطيع غبار نفاقهم وخيانتهم أن يخفي هذه النجوم اللامعة عن قلوبنا وعيوننا[3].

 

 


[1] رسالة بمناسبة يوم تخليد الشهداء وتكريم الجرحى/7 شوّال 1418هـ/ 4/2/1998م.

[2] في لقاء مع عوائل شهداء إقليم سمنان وجرحاه/17 شوّال 1427هـ/ 8/11/2006م.

[3] رسالة تبجيل شهداء الثورة الإسلاميّة وجرحاها/7 ذي القعدة 1421هـ/ 31/1/2001م.

 

95


85

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

2 4-. استحالة هزيمة الثورة والوطن،

وإبعاد خطر العدوّ عنهما

في الذكرى السنويّة لأسبوع الدفاع المقدّس، لا يوجد أي شيء أكثر جدارة من أن نعظّم ذكر واسم الشهداء الكرام والمضحّين في سبيل الله، أولئك الذين وفوا بعهدهم ووعدهم مع الله تعالى ومع إمامهم العزيز وجاؤوا بكلّ وجودهم إلى ساحة المعركة ودافعوا بكلّ صدق وإخلاص عن حريم الإسلام والنظام الإسلاميّ وأبعدوا -ببذلهم مهجهم وأرواحهم-خطرَ العدوّ عن الثورة وعن الوطن العزيز. هؤلاء هم الخالدون في تاريخنا ونجوم الإسلام المضيئة[1].

 

ذات يوم من أيّام شهر رمضان، كانت طهران هذه تُقصف بوابل من الصواريخ. ولم تكونوا تأمنون وأنتم في بيوتكم على أنفسكم، ليلًا ولا نهارًا، من هذا العدوّ الغاشم. واليوم، قد أصبح هذا العدوّ بفضل تضحيات شباب هذا الشعب، والمجاهدين، والشهداء والجرحى والأسرى المحرّرين، عاجزًا قصير اليد، وعاد من حيث أتى. وعاد الأمن إليكم[2].

 

إنّ تضحياتهم في ساحة الثورة والدفاع العسكريّ هي من صانت الاستقلال الوطنيّ والحدود الجغرافيّة ومنحت البلد الأمن والأمان[3].

 

أعزّائي! طالما أنّ الشهادة بهذا المستوى من الاحترام والتقدير،

 

 


[1] رسالة بمناسبة يوم تخليد الشهداء في أسبوع الدفاع المقدّس/18 ربيع الأوّل 1412هـ/ 26/9/1991م.

[2] في خطبتَي صلاة الجمعة في جامعة طهران/8 رمضان 1414هـ/ 18/2/1994م.

[3] رسالة بمناسبة يوم تخليد شهداء الدفاع المقدّس وتكريم جرحاه/6 رمضان 1427هـ/ 28/9/2006م.

 

96


86

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

موجودة في قاموسنا، وفي ثقافتنا، وفي منطقنا، فاعلموا أنّ أيّ قوّة -سواءً القوى المستكبرة الحاليّة، أم الأقوى منها بدرجات - لن تستطيع التغلّب على الجمهوريّة الإسلاميّة والشعب الإيراني[1].

 

يجب أن نعمل بالدرجة الأولى على تقوية روح الإيمان وعنصر التضحية والإيثار في أنفسنا ومن ثمّ لدى الشعب، هذا ما يجب أن يُضمّ إلى الخطط ويشاهد فيها، فالجانب المهمّ الذي شكّل قدرتنا الوطنيّة هي روحيّة الإيمان التي برزت في أثناء الحرب بصورة حبّ الشهادة، ولا بدّ من بروز قوّة الإيثار والتضحية -التي تطيح بكلّ المعادلات - في الميدان الذي نواجهه ومن المسلّم به أنّه ميدان أكثر تعقيدًا وصعوبة من ميدان الحرب، وإذا استطعنا تقويتها في نفوسنا فإنّ موازين القوّة في العالم كافّة ستميل لصالحنا[2].

 

فلا فائدة لأمريكا أو غيرها من الحرب ضدّ مثل هذا الشعب، ولقد جَرّبونا في ميدان الوغى ويعلمون كيفية قتالنا حيث رأوا فينا روح التضحية وحبّ الشهادة وعدم الخوف من الموت، وهذه صفات لا تقتصر على شرائح معيّنة من الشعب، بل هكذا هو أيضًا حال المسؤولين وكلّ كبير وصغير وشيخ عجوز في السبعين من عمره، وكلّ شاب يافع يتمتع بإيمان إسلاميّ، وإنّ عدم الخوف من الموت كصخرة تلقى في آلةٍ بالنسبة إلى أمريكا، فألقوا صخرة كبيرة في آلةٍ وانظروا كيف تتوقّف هذه الآلة عن العمل! ونحن صخرة تواجه حفنة من البشر، فلا يمكن مواجهة شعب لا يرهب


 


[1] خطابه لدى لقائه الرئيس والمسؤولين في السلطة القضائيّة، بحضور عوائل شهداء السابع من شهر تير/17 رجب 1431هـ/ 28/6/2010م.

[2] في لقاء مع المسؤولين السياسيّين في النظام/7 جمادى الآخرة 1424هـ/ 5/8/2003م.

 

97


87

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

الموت ويتحلّى بالشجاعة حياله[1].

 

يريد الأعداء أن يسلبونا هذه المفاهيم. بعض هذه الأقلام المأجورة - التي ترغب باستمالة قلوب الأجانب بدل استمالة قلوب أولياء الله - تكتب أشياء، وتتناول مواضيع في بعض هذه الصحف، والمجلّات، أو الفضاء الافتراضي، هؤلاء لا يدركون ماذا يفعلون. إنّ مفهوم الشهادة، ومفهوم الجهاد في سبيل الله، ومفهوم الصبر عليه، هي مفاهيم عظيمة، ولها أثرها في الحياة اليوميّة للمجتمع الإسلامي. أيّها الإخوة والأخوات! هذه المفاهيم هي التي حفظت الثورة.

 

(لقد وقفت) الجمهوريّة الإسلاميّة بقدرة تامّة، وهذا ما ستفعله في ما بعد. ليعلم الجميع - بمن فيهم العدوّ والأصدقاء المخلصون، وكذلك الأصدقاء الذين قد ترتجف قلوبهم (لتهديدات كهذه) - إنّ الجمهوريّة الإسلاميّة ثابتة وصامدة، واعلموا أنّهم لا يستطيعون أن يوجّهوا لنا صفعة، بل نحن من سيوجّه إليهم صفعة.

 

وهذا ليس بفضل التجهيز الماديّ، فالتجهيزات الماديّة ليس لها دور أساسيّ وحاسم، بل بفضل التجهيزات (الاستعدادات) المعنويّة، وتلك الإرادة والعزم الراسخَين، وأسباب القوّة الداخليّة في قلب كلّ فرد من أفراد الشعب، وتلك القدرة على تربية شباب في إيران يقفون بقوّة وثبات على الصراط المستقيم في وجه هذا الإعصار العجيب من الفساد الذي يُروّج له على أيدي الصهاينة وأمثالهم في العالم اليوم.

 

فالجمهوريّة الإسلاميّة، والحكومة الإسلاميّة، والنظام الإسلامي، يمكنها أن تربّي مثل هؤلاء الشباب، وقد ربّتهم وهم الآن موجودون. هذه هي قوّة الجمهوريّة

 


[1] في لقاء مع زوار الحرم المطهّر الرضوي ومجاوريه 17 محرم 1424هـ/ 20/3/2003م.

 

98


88

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

الإسلاميّة، ومع هذه القوّة، لن يكون لأيّ قوّة ماديّة قدرة الوقوف بوجهها. وروح (هذه القوّة) هي روح الشهادة[1].

 

علينا أن نعرف قدر الشهداء، وقدر عوائلهم. أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء! إنّ كلّ من يسعى لإيداع ذكرى الشهداء في مدارج النسيان هو خائن لهذا البلد، وكلّ من يسعى لإهانة عوائل الشهداء، ولإهمالهم، أو للتهجّم عليهم بالقول، يكون خائنًا لهذا البلد، (لأنّ) المسألة هنا ليست مسألة النظام، وإنّما مسألة البلد، ينبغي احترام الشهداء ومعرفة قدرهم، ينبغي احترام عوائل الشهداء، وليكونوا ممتنّين للشهداء. حسنًا، ماذا يعني أن يكون (المرء) ممتنًّا للشهداء؟ يعني أن تكون ممتنًّا لتلك الزوجة التي رضيت بأن يذهب زوجها للقتال ويُستشهد. أن يكونوا أيضًا ممتنّين لذلك الأب وتلك الأمّ اللذين رضيا بذهاب ولدهما، أن يمتنّوا لهؤلاء، وليعلم الجميع بأنّ هؤلاء هم من حفظوا القيم حيّةً في بلدنا[2].

 

2 5-. انتشار الصفاء والمعنويّة

والعمل الثوري في المجتمع

أينما رقدت جثامين الشهداء الطاهرة والعطرة، تنثر ذكراها المباركة الباعثة على الراحة والبهجة في الأجواء، وتخلق حالًا من الصفاء والمعنويّة[3].

 

إنّنا نعزّيكم أيّها الأعزّاء الذين قدِمتم إلى هنا، نواسيكم لأنّكم

 


[1] في لقاء مع عوائل شهداء حرس الحدود والمدافعين عن المراقد 20 ربيع الثاني 1438هـ/ 18/1/2017م.

[2] المصدر نفسه.

[3] من رسالة له بمناسبة تشييع الشهداء ودفنهم في جامعة شاهد 28 ذي القعدة 1431هـ/ 4/11/2010م.

 

99


89

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

بالنهاية مفجوعون، وقد فقدتم هؤلاء الشباب الأعزّاء، بالرغم من أنّهم لا يرحلون، هم موجودون، موجودون معكم، وموجودون في المجتمع. في الواقع، إنّ الفضل في حياة مجتمعنا ونشاطه الثوريّ يعود إلى هؤلاء، إلى أبنائكم هؤلاء. ولو أنّنا نسينا ذكرى الشهداء، لما كان لنا اليوم هذا العمل الثوريّ والدينيّ. لقد سعى البعض كثيرًا لمحو ذكرى الشهداء من أذهان هذا الشعب ومن ذاكرته التاريخيّة، والحمد الله أنّهم لم يستطيعوا ذلك، فشهداء الحرب المفروضة، والشهداء الذين استشهدوا قبل ذلك، وبعد ذلك أيضًا، وهؤلاء الشهداء الذين استشهدوا مؤخّرًا، أحياء (فينا)، في مجتمعنا، جميعنا نستلهم الدروس منهم، ونستمدّ منهم الروحيّة والدافع.

 

على أيّ حال، نرجو من الله تعالى أن يعلي من درجات هؤلاء الشهداء، وأن يحشرهم مع أوليائهم، مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وشهداء صدر الإسلام، وهذا ما سيحصل إن شاء الله تعالى[1].

 

2 -6. بثّ الحركة في الباقين وتقويتهم

إنّ قضيّة الشهيد والتضحية لا يعتريها القِدم، فهي الموتور المحرّك للمجتمع[2].

 

الخصوصية الطبيعية للشهادة هي إيجاد البركة ورفد الحركة واستمرارها وتسهيلها نحو التسامي والكمال. حينما يعدُّ اللهُ في القرآن الكريم الشهيدَ حيًّا، ويقال في العرف الإسلاميّ وحسب مصطلح المتشرعة لمن يقتل في سبيل الله شهيدًا أي


 


[1] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل الشهداء المدافعين عن المراقد الشريفة/7 جمادى الأولى 1437هـ/ 15/2/2016م.

[2] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل شهداء همدان/18 جمادى الأولى 1425هـ/5/7/2004م.

 

100


90

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

شاهدًا ومراقبًا وحاضرًا، فمعنى ذلك أنّ دمَ الشهيد لن يذهب هدرًا. شخصية الشهيد وهي تَبلوُر مبادئه وطموحاته وآماله لن تفارق حياة الناس. هذه هي خصوصية الشهادة. الذين أدركوا هذه الحقيقة ووعوها وصدقوها من الأعماق لا يعدّون القتل في سبيل الله عندهم بحال من الأحوال خسارةً، بل هو فخر وفوز عظيم، لذلك يطلبونه من الله تعالى، ويطالبون به كحاجة كبرى في أذكارهم ومناجاتهم لله عزّ وجلّ[1].

 

ذات يوم، كان بعضهم يفكّر وبعضهم يردد هذه الفكرة على لسانه فيقول: يا سيدي، أنتم تأخذون هؤلاء الشباب من الطلبة الجامعيّين إلى الجبهات فتبقى الجامعات خالية وتتوقف مسيرة العلم!.. في حين أنّنا لم نكن نأخذهم، بل هم أنفسهم كانوا يتوجّهون بشوق وبملء إرادتهم إلى الجبهات، حتى إن الذين كانوا يمنعهم المحيطون بهم، كانوا يقومون بشتّى الحيل والأساليب ليتمّ السماح لهم بالالتحاق بالجبهة، علمًا أنّ أعمال الطلبة الجامعيّين وجهادهم ومساعيهم، ساهمت أكثر من غيرها من الحركات التي وُجدت في الجامعة، في جعل تقدّمنا على الصعيد العلميّ أكبر وأسرع من تقدّمنا على الصعد الأخرى. الحمد لله إنّ مسيرتنا العلميّة اليوم وعلى مختلف مستويات البلاد مسيرة مقبولة ومبعث فخر واعتزاز.

 

في ذلك اليوم لم يكن هذا الأمر متصوّرًا، بل كان يُتصوّر أنّه لو توجّه هؤلاء النخبة والفنّانون والطلبة الجامعيّون والأساتذة والمعلّمون إلى الجبهات واستُشهدوا فستكون هناك ثغرة، (لكن) ظهر جليًّا أنّ بركات الشهادة والجهاد في سبيل الله هي أكبر من ذلك بكثير، فقد ذهب أولئك إلى

 

 


[1] في لقاء مع رئيس مسؤولي السلطة القضائيّة، بحضور عوائل شهداء السابع من شهر تير/17 رجب 1431هـ/ 28/6/2010م.

 

101


91

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

الجبهات، وظهر لدينا اليوم أشخاص مميّزون في ساحة العلم ومجالات الفنّ ومختلف الميادين، ويمكن أن يكون لهم أداؤهم الجيّد على المستوى الدوليّ والعالميّ. كلّ ذلك من بركات مسيرة هذا الشعب وجهاده، وهو سيستمر ويتقدّم إلى الأمام[1].

 

إنّ كل قطرة من دماء شهدائنا استطاعت أن تكون إكسيرًا لتحويل عناصر وجودنا الرديئة السيّئة إلى عناصر سامية وشريفة. لقد تحوّل الشهداء أنفسهم، ثم ضخّوا دماء التحوّل في أرواح شبابنا وشعبنا. إنّ شباب اليوم لم يعاصروا إمامنا الراحل الذي كان تجسيدًا للقداسة والشرف ونموذجًا لأصلح الأولياء بعد المعصومين، ولم يكتووا بنار الحرب المفروضة، ولم يعانوا من مصاعب ما قبل الثورة، ومع ذلك فإنّهم صمدوا بروح متأهّبة قوية، ونظر ثاقب، وعزم راسخ. فلماذا؟ إنها آثار تلك الدماء التي ضخّها شهداؤنا في كيان هذه الثورة، فأحيوا بذلك شهداءنا، وهذا ذخر عظيم ينبغي على الشعب الإيرانيّ الحفاظ عليه[2].

 

إنّ البعد الآخر للحوادث (اغتيال العناصر البارزين في النظام) والذي لا يقل شأنًا عن افتضاح العدو، هو بروز عمق إيمان وإخلاص واستقامة شعبنا، إنّ تلك الحوادث التي جرت لم تزلزل قلوب شعبنا ولم تحرفه عن صحّة أهدافه ولم تدفعه إلى الشكّ، بل على العكس عملت كلّ حادثة من الحوادث التي جرت على تعميق الإيمان لدى الناس وإلى ازدياد وضوح الأهداف في قلوب شعبنا

 


[1] في لقاء مع أعضاء لجنة مؤتمر شهداء الشؤون التربويّة، مؤتمر شهداء الطلّاب، ومؤتمر الشهداء الفنيّين/27 ربيع الثاني 1436هـ/ 16/2/2015م.

[2] في لقاء مع عوائل شهداء خراسان وجرحاها/29 ربيع الثاني 1428هـ/ 17/5/2007م.

 

102


92

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

وزادتهم اطمئنانًا إلى سلامة الطريق التي يمشون فيها[1].

 

هناك فرقٌ أساسيٌّ طبعًا بين اليوم، وبين ما قبل ثماني أو عشر سنواتٍ أو اثنتي عشرة سنةً خلت. وهو أنّ أعداء الإسلام والمسلمين كانوا يأملون في تلك الفترة، ويسعَون، لاقتلاع هذه الغرسة من جذورها، إلّا أنّ جذورها قد تمدّدت، وأصبحت شجرةً ضخمةً، وسقتها دماء الشهداء. ورعايةُ الأمهّات وتربيتهم، والآباء، والمظلومين، والمجاهدين في سبيل الله، وصبرُ أبناء الإسلام، وبواسل طريقه، وثباتُهم قد جعل عودَها صلبًا. اليوم، فقد يئس الأعداءُ من التمكّن من قلع هذه الشجرة الضخمة، والقضاء عليها[2].

 

وقد تمكّن جهاد الصالحين، والمجاهدين من غرس هذه النبتة المثمرة[3] في الوطن الكريم، وحفظها من نوائب الأحداث، وإيصالها إلى مرحلة الصمود، والإخضرار، والإثمار. اليوم الثورة الإسلاميّة العظيمة، والنظام المرموق الذي أقيم على أُسسها القويّة، هي في العشرين من العمر، أي في عنفوان الشباب، والرقيّ. وعلى الرغم من المؤامرات كلّها، والحملات العسكريّة، والاقتصاديّة، والثقافيّة، لم يتمكّن أعداء الإسلام، وإيران من منع هذه الكلمة الطيّبة من النموّ، والتكامل. كما تمكّن الشعب الإيرانيّ بفضل ريادة شهدائه، والمجاهدين، وأهل الإيثار فيه، وبفضل التمسّك بالإسلام، والإيمان الصادق والواعي، من الحفاظ على مكتسباته الثمينة، وإيصالها إلى مرحلة الثبات والقوّة[4].

 


[1] في لقاء ومبايعة مسؤولين وجمع من أهالي أقاليم يزد وكهكيلويه وبوير أحمد/29 ذي القعدة 1409ه/ 2/7/1989م.

[2] في لقاء مع جماعة كبيرة من الأسرى المحرّرين/2 صفر 1411هـ/ 23/8/1990م.

[3] الثورة الإسلاميّة.

[4] رسالة بمناسبة تخليد يوم الشهداء في عشرة فجر الثورة الإسلاميّة/18 شوّال 1419هـ/ 4/2/1999م.

 

103


93

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

2-7. تنحّي الفتنة، النفاق، الكفر

والفساد في المجتمع

في حقبة الدفاع المقدّس كانت حوافز وجود الشباب في ميادين الإيثار والتضحية والتقوى واضحة لدى الجميع، وبقيت شعلة الشهادة والجهاد تُضيء الأجواء بحيث طغت على كل معالم الغيوم القاتمة لفتنة النفاق، والكفر، والفساد. ولا يعني هذا طبعًا إنّ هذه الزوائد المشرذمة عن الكيان الإنسانيّ الشريف لم يكن لها وجود في بلدنا في حقبة الدفاع المقدّس، لقد كانت موجودة ولكنّها اندثرت تحت تأثير ذلك النور الساطع الذي انبجس من النفوس الطاهرة للمؤمنين في ميادين التضحية والشهادة، وأضاء عليكم واقتبس الجميع قبسًا من ذلك النور[1].

 

إنّ حادثة "7 تير"، مرتبطة بمصير الثورة ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة، وهي حادثة مصيريّة للجمهوريّة الإسلاميّة. صحيح أنّ شهداء هذه الحادثة هم من أهمّ وأبرز عناصر نظام الجمهوريّة الإسلاميّة والثورة الإسلاميّة، وأنّ ذكراهم لن تُمحى أبدًا، لا سيّما الشخصيّة البارزة والنورانيّة للمرحوم آية الله بهشتي (رضوان الله عليه) ، وغيره من الشهداء، لكن مع كلّ هذا، تبقى أهميّة حادثة "7 تير"، في أنّها كشفت وجه النّفاق في البلاد، وكُشفت من خلفهم وجوه الاستكبار، وانكشفت وجوه الأعداء. إنّ كشفَ نظامٍ حديثِ التأسيس وجهَ الأعداء ليس بالأمر الهيّن. فقد فَضح المنافقون الذين ادّعوا الولاء لله تعالى وللرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم والإسلام ونهج البلاغة، أنفسَهم في هذه الحادثة، وأظهروا مدى معارضتهم


 


[1] في مراسم البرنامج الصباحيّ لفرقة سيّد الشهداء/(عليه السلام) 27 جمادى الآخرة 1419هـ/ 18/10/1998م.

 

104


94

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

وعدائهم لأركان النّظام الإسلامي، للوجوه المسؤولة، والشخصيّات البارزة، والعلماء الكبار، والخدّام الصادقين والكفوئين. لقد افتُضح أمرهم. لولا بعض الحوادث كحادثة "7 تير"، وخسارة تلك الثروة الوطنيّة، فباليقين إنّ الشعب الإيرانيّ العزيز لم يكن ليقدر على كشف وجه المنافقين بهذا الوضوح، إذ كانوا أقدر على النّفوذ والتغلغل، ﴿وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ﴾[1] ولاستطاعوا أن يبرّروا وجودهم. لقد كشفت هذه الحادثة خبث المنافقين. كان أعداء الإسلام، أي الاستكبار والصهيونيّة يقدّمون لهم الدّعم، لذا فقد افتُضح أمرهم أيضًا. صحيح أنّ هذه الحادثة سلبتنا الثروات، لكن هذه الشهادة، وهذه الدماء التي أريقت بغير حقّ، جلبت معها مكتسبات عظمية للشعب الإيرانيّ، مثل أيّ شهادة أخرى، هكذا هي الشهادة. إنّ للقتل في سبيل الله، ولإراقة دماء المظلومين في سبيل الله، أثره الجبري والطبيعيّ الذي يقدّم مع تلك المكتسبات إلى الأمّة الإسلاميّة، وإلى الشّعوب الإسلاميّة، وإلى التاريخ الإسلامي. لن ننسى ذكرى هذه الحادثة. إنّ قيمة التضحيات في ذلك الجمع الذي انعقد في سبيل الله، وتعرّض لذلك الهجوم الظالم والوحشيّ، سيبقى محفوظًا عند الله المتعال وعند الشّعب الإيراني[2].

 

2-8. تخليد الأهداف الإلهيّة وترسيخ القيم في المجتمع

إن حقيقة كلّ إنسان، هي مبتغاه وفكره وهدفه وطريقه. فالذي يُقتل في سبيل المآرب الشخصيّة والدنيويّة تُدفن أهدافه معه وتزول. إنّ كلّ هدف يقوم بكيان الإنسان وشخصه يتعلّق به،

 


[1] سورة التوبة، شطر من الآية 47.

[2] في لقاء مع مسؤولي وجهاز القوّة القضائيّة/15 جمادى الأولى 1434هـ/ 26/3/2013م.

 

105


95

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

فيموت ويفنى بذهابه وموته، أمّا الهدف الإلهيّ والقائم بالغيب والإرادة الإلهيّة والذي يضحي الإنسان في سبيله فلا يموت بموت الإنسان. نعم هذه الأهداف الإلهيّة يمكن أن تزول إن لم تقترن بالجهاد في سبيلها.

 

إنّ كلّ من يجاهد ويكابد ثمّ يُقتل في سبيل الأهداف الإلهيّة السامية يكون سببًا في إحياء هذا الهدف، فيكون وجوده هو هذا الهدف نفسه وتكون شخصيته وهويّته الحقيقية قائمة بهذا الهدف - وعلى العكس من ذلك، عندما لا يكون الهدف قائمًا به، ولكنّه هو القائم بالهدف - فإنّه حينئذ يبقي ولا يزول. ولذلك فإنّ الأنبياء ودعاة الحقّ هم أحياء اليوم، لأنّ ما كانوا ينادون به بين الناس من فضائل وتكامل وأهداف لم تمت بذهابهم، فتحقّقت أهدافهم تدريجيًّا في واقع العالم ومجرى التاريخ. مع أنّ كلّ هذه الأهداف لم تتحقّق بعد، إلّا أنّكم تستمعون اليوم إلى نداء العدالة والحريّة في العالم، وتجدون أنّ الأهداف التي يسمّيها مثقّفو العالم بالأهداف السامية هي أهداف الأنبياء نفسها وإن كانوا لا يعلمون[1].

 

في يوم عاشوراء لم يعلم أحد ما الذي حدث، ولم يكن واضحًا لدى أحد عظمة تلك الواقعة وعظمة الجهاد الذي خاضه فلذةُ كبد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وأقاربه، وكذلك هول فاجعة قتل أبناء الرسول وأحفاده. معظم الذين كانوا هناك لم يدركوا هم أيضًا هذه الحقائق. الذين كانوا في جبهة العدو كانوا ثملين غافلين مغتربين عن ذواتهم إلى درجة لم يفهموا معها ما الذي حصل! إنّ من أثملتهم الدنيا والغرور والشهوات والغضب والحيوانيّة لا يدركون ما يحدث في عالم الإنسانيّة، أجل، زينب عليهم السلام أدركت


 


[1] في لقاء مع الأبناء الممتازين للشهداء، مسؤولي الشؤون الثقافيّة في مؤسّسة الشهيد/14 محرّم 1410هـ/ 16/8/1989م.

 

106


96

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

الأمر جيدًا، وكذلك سكينة، وسائر النساء والفتيات المظلومات. كان هذا خاصًا بيوم عاشوراء. ولكن مع كلّ يوم مضى على يوم عاشوراء - يوم الثاني عشر في الكوفة، وبعد أسابيع في الشام، وبعد أسابيع أخرى في المدينة، وبعد مدّة في كلّ العالم الإسلاميّ - برزت عظمة وأهميّة هذه الواقعة بسرعة كبيرة جدًّا. ولم تمضِ سنتان حتى سقط الطاغية المتفرعن الذي سبّب الواقعة، ولم تمض سنوات حتى سقطت تلك الأُسرة، وحلّت أُسرة أخرى من بني أمية محلّها. ولم تمض سوى عقود من الزمن حتى انقرضت تلك الأسرة أيضًا. اقترب العالم الإسلاميّ يومًا بعد يوم من مدرسة أهل البيت وانجذب إليها وأحبّها، واستطاعت هذه الواقعة ترسيخ أركان العقيدة والمدرسة الإسلاميّة على مدى التاريخ. لولا واقعة كربلاء لما اطّلعنا اليوم على مبادئ الإسلام وأصوله، وربما لم يكن قد طرق أسماعنا من الإسلام سوى اسمه. ذلك الدم المقدس وتلك الواقعة الكبرى لم تصغر أبدًا ولم تبهت ولم تضمحل، وليس هذا وحسب، بل ازدادت قوّة وبروزًا وتأثيرًا يومًا بعد يوم، هذا نموذج ساطع بارز.

 

وكذلك هو الحال بالنسبة إلى ثورتكم وشهادة شهدائكم. كانت حدثًا يشبه الزلزال في بدايته. قال كثير من المحلّلين إنّها زلزال يمضي ويُنسى. لكن هذا لم يحصل، بل حصل العكس. مفاهيم الثورة الإسلاميّة تترسّخ اليوم في أعماق قلوب الشعوب المسلمة أكثر فأكثر. وهذا ليس كلامي بل هو حصيلة تحليلات الذين يعدّون الشعبَ الإيرانيّ والثورة الإسلاميّة ألدَّ أعدائهم! هم من يقولون هذا ويشهدون به. حين ترونهم يهدّدون ويعربدون ضدّ الشعب الإيرانيّ فهذا بسبب هذه التحليلات، يخافون، يرون هذا الحدث لم ينطفئ، وهذه الموجة لم تبهت بل هي آخذة بالاتساع

 

107

 


97

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

والبروز والتعمّق باستمرار، لذلك يخافون[1].

 

إخواني وأعزائي، فيما يتعلّق بعالم شهدائنا الأعزاء لديّ أنا العبد الحقير- لديّ اعتقاد قويّ وعميق بمسألة، وهي أنّنا اليوم جميعًا نجلس على مائدة الشهداء. فبقاء هذه الثورة، إنّما كان بدماء الشهداء. وهذه من النقاط التي استند إليها أعزّاؤنا الذين تحدّثوا وأنشدوا الشعر هنا. أجل، هذا صحيحٌ. الشهادة هي التي توقِّع على ثبات وبقاء واستمرار القيم. إنّ أعظم أجرٍ يُعطى للشهيد في هذا العالم هو بقاء ورسوخ تلك الحقيقة التي ضحّى هذا الشهيد بنفسه من أجلها، والله تعالى يحفظ هذه الحقيقة ببركة دمه[2].

 

ولطالما كان الأمر كذلك: إذ تَعُمُّ الحَسَنات وتَخْلُد بتضحيات أهل الإحسان، ودماء أهل الفِداء المـُقدّسة هي التي تجعل غِراس الفضيلة في العالم مُتَجَذّرةً وفي مأمَنٍ من الضرر. في نظام الجمهورية الإسلامية المقدس، حيث أن رُكن الإسلام فيه هو الأساس، وهو منبع عظمته وافتخاره الجديدَين، فإنّ كلّ شيء اليوم مَدينٌ لدماء الشهداء الأعزاء، وكلّ يوم هو يوم الشهداء والجرحى[3].

 

إنّني كرئيس جمهوريّة وخادم لبلدي، وباسم شخص كان هو نفسه هدفًا لإحدى هذه الجرائم العنيفة والتي فشلت بفضل الله تعالى، أفتخر بأنّ شعبي لم يهتزّ ولم يتزلزل إزاء هذه الحوادث

 

 


[1] في لقاء مع المعوّقين والجرحى وعوائل شهداء إقليم فارس/26 ربيع الثاني 1429هـ/ 2/5/2008م.

[2] في لقاء مع عوائل شهداء وفدائيّي إقليم خراسان الشماليّة/28 ذي القعدة 1433هـ/ 13/10/2012م.

[3] رسالة بمناسبة يوم الإيمان والإيثار والشهادة/18 رمضان 1416هـ/ 7/2/1996م.

 

108


98

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

القاسية، وأنّ توكلّه على الله، وإيمانه به، في الحوادث المنقطعة النظير التي استشهد في واحدة منها فقط، 72 نفرًا من قادة الثورة والمسؤولين الرفيعين فيها ومن ضمنهم عدد من الوزراء، وعدد من نوّاب المجلس، وعدد من المسؤولين الكبار وشخصيّة فريدة كالشهيد بهشتي، وفي الحادثة الأخرى قضى رئيس الجمهوريّة ورئيس الوزراء. إنّ هذه الحوادث قد زادت من غضب الشعب الثوري[1].

 

المعلّم يعلّم العلم، ويعلّم التفكير، ويعلّم الأخلاق والسلوك أيضًا. إنّ تعليم الأخلاق والسلوك ليس من قبيل تعليم العلم بحيث يقرأ الإنسان ويدرّس من الكتب فقط. درس الأخلاق لا يمكن نقله بواسطة الكتب، السلوك مؤثّر أكثر من الكتاب والكلام. أي إنّكم في الصف وبين التلاميذ تدرّسونهم بسلوككم. بالطبع يجب القول والبيان بالكلام أيضًا، ويجب إسداء النصيحة، لكنّ السلوك تأثيره أعمق وأشمل. سلوك الإنسان يبيّن صدقَ الكلام... أحيانًا أقرأ بعض هذه الكتب التي تتحدّث عن المعلّمين، إنّ تأثيرَ معلّمٍ شارك في جبهات الدفاع المقدّس واستُشهد له تأثير عجيب على فكر طالبي العلم، وهذا ما يشاهده المرء[2].

 

 


[1] خطابه في الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة/29 محرّم 1408هـ/ 22/9/1987م.

[2] في لقاء مع المعلّمين والمثقّفين في كلّ أنحاء البلاد/28 رجب 1435هـ/ 7/5/2014م.

 

109


99

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

2 9-. الحفاظ على عزّة الشعب وشرفه

في مقابل الحكّام الظالمين المعتدين

من الجيّد للجميع أن يتذكّروا بأنّ هذا البلد، وهذه الثورة، وهذا التاريخ، قد نجا ببركة هذا الجهاد وهذه الدماء[1].

 

﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾[2] الاختيار في يد الشعب. إذا ما وُجد بين أبناء الشعب الذي يرضخ لحكم الجور، أناسٌ عظماء، ورجال أحرار، ووردَ الميدانَ علماءُ بارزون شجعان، وكان عموم أفراد الشعب مستعدّين للتخلّي عن اللذّات العابرة وراحة الحياة اليوميّة التافهة، ومستعدّين للجهاد وحبّ الشهادة، فيمكنهم إخراج أنفسهم من ذلّ الهيمنة. وهذا هو الخيار الذي اختاره الشعب الإيرانيّ بثورته الإسلاميّة[3].

 

لقد انتصر الشعب الإيرانّي بعون الله المتعال وعناية الإمام بقيّة الله (أرواحنا فداه)، وسلاح الإيمان والجهاد وعشق الشهادة، على النظام البهلويّ المجهّز بأقوى أنواع التجهيزات، وأطاح بنظام الملكيّة المتآكل بعد قرون من الحكم الظالم والمذلّ، وأقام البنيان الشامخ للنظام الإسلاميّ القائم على الإيمان والمعرفة والمنطق والإرادة الشعبيّة[4].

 

بصرف النظر عن العوامل المعنويّة وما وعده الله تعالى


 


[1] خطابه لدى لقاء مسؤولي الجهاز القضائي/3 ربيع الأوّل 1419هـ/27/6/1998م.

[2] سورة الرعد، الآية 11.

[3] خطابه لدى لقاء التلامذة والطلّاب الجامعيّين التعبويّين/9 شوّال 1428هـ /20/10/2007م.

[4] رسالة إلى الشعب الإيراني بمناسبة الذكرى العشرين لانتصار الثورة الإسلاميّة 24 شوّال 1419هـ/ 10/2/1999م.

 

110


100

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

للمؤمنين والمجاهدين في سبيل الحق، بحسب القوانين العاديّة لحياة المجتمعات البشريّة، فإنّ عزّة أيّ مجتمع وقوّته وسمعته ومكانته وهويّته كلّ ذاك يرتبط بالجهاد والسعي الدؤوب. لا يمكن لأيّ شعبٍ أن يكتسب منزلةً لائقةً بين شعوب العالم أو في التاريخ، بالكسل والتراخي. وما يجعل الشعوب - في التاريخ وفي العصور التي تعيشها - شامخة بين سائر شعوب العالم هو الجهاد والسعي. ولهذا السعي طبعًا أشكال متنوّعة، فهناك السعي العلميّ وهناك السعي الاقتصاديّ وهناك السعي بمعنى التعاون الاجتماعيّ بين الأفراد، هذه كلّها أمور لازمة وضروريّة.

ولكن يأتي على رأس كلّ هذه المساعي، الاستعداد للتضحية بالأرواح، فهذا هو الذي يجعل الشعب شامخًا مرفوع الرأس بين الشعوب. إذا لم يكن بين أفراد شعب من الشعوب، من هم على استعداد للتضحية بأرواحهم وراحتهم في سبيل الوصول إلى الأهداف والمقاصد، فإنّ هذا الشعب لن يصل إلى أيّ نتيجة. العمل الذي قامت به الثورة من أجل شعب إيران هو أنّها أضاءت هذا الطريق أمامنا، فشعر كلّ واحد من أبناء الشعب بضرورة الجهاد في سبيل المبادئ والأهداف العُليا، والصمود بوجه أعداء هذه المبادئ، وقد صمدوا[1].

 

فإذا كان هناك شعب يؤمن بمبدأ الشهادة يعني أنّ مسألة الشهادة في سبيل الله ميسّرة بالنسبة إليه، لا بمعنى أن يريدوا من الناس أن يذهبوا كلّهم نحو القتل ويقتلون، بل بمعنى أنّه إذا استلزمت الضرورة، وإذا اقتضت عزّة وتاريخ ومصلحة ذلك الشعب أن ينفر بعض أبنائه ويضحّوا بأنفسهم، تكون هناك ثلّة مستعدّة للتضحية، فهو لا يواجه أيّة مشكلة في هذا السبيل.

 


[1] 17 جمادى الثاني 1431ه 26/3/2014م.

 

111


101

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

فالشعب الذي يكون هكذا أو منجبًا للشهداء، والشعب الذي يؤهّل أبناءه شبابًا ورجالًا ونساءً للقتل في سبيل الله، هل يخضع للتهديد؟ وهل يرتشي؟ وهل يستسلم للجبابرة؟ وهل يداهن الاستكبار؟ كلا أبدًا. وإذا نظرتم إلى ما لهذه الدولة اليوم من عزّة وعظمة فهي بفضل دماء أعزّتكم، ولا تجدون أحدًا في الحكومة أو من المسؤولين أو من أي فئات الشعب يرضى بأدنى مساس يصيب عزة هذا الشعب، وهم يقفون جميعًا كالطود. ولن يجني الاستكبار من وراء ضغوطه سوى الخيبة. وهذا ما ثبت على مدى عشرين سنة - منذ مطلع الثورة وحتى اليوم - حيث مارس الاستكبار خلالها الضغوط كتألّب الدول المجاورة ضدّنا وشنّ الحرب علينا، ومحاصرتنا اقتصاديًّا، وإثارة الدعايات ضدّنا وكيل التهم لنا، والسعي لزرع الاختلاف والانشقاق بين أبناء شعبنا، وتجريد الناس من معتقداتهم!

 

لقد اندحر الاستكبار في كلّ هذه الهجمات الغادرة وسيندحر في ما يأتي منها لأنّ هذا الشعب أصبح بفضل دماء الشهداء شعبًا شهمًا ومنجبًا للشهداء.

 

لاحظوا مدى تأثير الشهادة في سيادة الشعوب وسعادتها. إن وجود أمثال هؤلاء الرجال والنساء والشباب هو الذي يضمن للشعوب سعادتها في الدنيا والآخرة[1].

 

إنّ من حق أبناء الشهداء أن يفتخروا بآبائهم، أولئك الذين وقفوا صامدين في مواجهة هجمات الأعداء حفاظًا على تراب الوطن ودفاعًا عن استقلاله، وليس اعتداءً على بلد أجنبي أو مجاور، بل قاتلوا دفاعًا عن الشرف الوطني. لقد قام النظام

 


[1] في لقاء مع جمع من عوائل الشهداء / 5 جمادى الآخرة 1419هـ/26/9/1998م.

 

112


102

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

البعثي الشرّير بالاعتداء على إيران، وكانوا يريدون احتلال إيران أو الاستيلاء على جزءٍ من ترابها، ومن ثم تحويلها إلى ما يشبه العراق في الوقت الحاضر، حيث يسلب المحتل المواطنين شيبًا وشبابًا راحتهم، ويوجّه لهم الإهانات، ويسخر منهم، ويدوس جنوده أعناقهم بأقدامهم. لقد كانوا يريدون أن يفعلوا ذلك بالشعب الإيراني. انظروا ماذا يفعل المحتلّون الآن في العراق! إنّ الجنود الأجانب يفتّشون الزوجات والأخوات في الأماكن الحساسة على مشهد من عيون الرجال الغيارى العرب، ماذا يفعل أولو الحميّة إزاء مثل هذا المشهد؟ إنهم يأخذون شابًّا عربيًّا غيورًا ويطرحونه أرضًا على مرأى من عيون زوجته وأبنائه، ثم يركلونه بأحذيتهم. فماذا تفعل العوائل العريقة ذات الشرف والحسب حيال مثل هذا الوضع؟ هذا ما كانوا يريدون فعله مع أبناء الشعب الإيراني.

لقد كان يحلم صدام وحزب البعث وحلفاؤهم من الأمريكيّين والسوفييت والأوروبيّين بأن ينزلوا نفس الكارثة بأبناء الشعب الإيراني. ولكنّ شبابنا المجاهدين حالوا دون ذلك. فأيّ فخر أسمى وأرفع من كلّ هذا؟[1]

 

يا أبناء الشهداء! لتفتخروا بآبائكم. فهؤلاء أشخاص قد غيّروا مجرى التاريخ، هؤلاء أشخاص أخضعوا أقوى وأعتى مستكبري العالم وأكثرهم وحشيّة، أعزّوا شعبهم، وأقاموا دين الله تعالى[2].

 

شهداؤنا ليسوا ممن قتلوا في حرب توسعيّة، فثمة فارق يميزّهم عن أولئك القتلى في حروب عاديّة وقعت في الكثير من بقاع الدنيا،

 


[1] في لقاء مع عوائل شهداء وفدائيي خراسان/1 جمادى الأولى 1428هـ/ 17/5/2007م.

[2] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل الشهداء الجرحى في محافظة كرمان/24 ربيع الأوّل 1426هـ/ 2/5/2005م.

 

113


103

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

أو قاتلوا بقصد الاعتداء على أراضي الغير وحدودهم.. أين هؤلاء من شهدائنا! لقد جرى الاعتداء على بلدنا واستقلال هذا الشعب وكرامته، وعربدوا ضدّنا، وتظافرت القوى الكبرى علينا، وقام المتشدّقون دومًا بالسلام –وها هم اليوم يتشدّقون بالأمن والسلام أكثر من أيّ وقت مضى - بتأليب أعتى الحكومات ضدّنا، فانبرت تهاجم ديارنا وقرانا ومدننا وطرقنا ومنشآتنا واخترقت حدودنا، وأنتم على دراية بما كان سيحلّ بالبلاد لولا استعداد القوّات المسلّحة لردع العدو ومواجهته بصدور مشرّعة، وتعلمون ماذا كان سيصيب هذا البلد لولا وقوف أبناء الشعب الإيرانيّ إلى جانب القوّات المسلّحة في إطار التعبئة الشعبيّة ووثبتهم للتضحيّة! وأنتم الأعلم كيف كان الأعداء سيسحقون عزّة هذا الشعب العظيم وشرفه وشخصيّته وعنفوانه! إنّ لمقاتلينا - لا سيّما الشهداء الأعزاء منهم - دَينًا في أعناقنا وفي أعناق شعبنا[1].

 

من بين أيّام عشرة الفجر والنور هذه، خُصّص هذا اليوم للشهداء. وفي الحقيقة ينبغي عدّ سائر أيّام عشرة الفجر هذه، وكلّ أيّام العام متعلّقة بالشهداء، ذلك أنّه لو لم يكن ذلك الجهاد الفدائيّ لشباب هذا البلد والذي انتهى بهذه الشهادات، لكانت سائر أيّام هذا الشعب تحوّلت إلى ليالٍ حالكة في ظلّ ظلم أعداء الإسلام وإيران واعتداءاتهم وتدخّلاتهم[2].

 

إنّ كلّ إنجازات الثورة الإسلاميّة مرهونة بجهاد وصبر الشهداء وعوائلهم المكرمين. اليوم تحقّقت عزّة الأمّة الإيرانيّة واستقلالها وتقدّم البلد المادّيّ والمعنويّ الذي يشكّل شعبه

 


[1] في لقاء مع عوائل شهداء القوّات المسلّحة/8 رجب 1422هـ/ 25/9/2001م.

[2] رسالة بمناسبة يوم الشهداء في عشرة الفجر/11 شعبان 1413هـ/ 3/2/1993م.

 

114


104

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

ومسؤولوه مصدرًا حقيقيًّا لفخره وعزّته، ببركة تضحيات أفضل أبناء البلد في سبيل استقرار النظام الإسلاميّ والدفاع عن قيمه. ينبغي على المسؤولين عن البلد أن يعدّوا أنفسهم أمناء على هذه الوديعة الإلهيّة وأن يبذلوا كلّ ما بوسعهم لحمايتها[1].

 

إنّ شعبنا اليوم هو شعب شريف ومرفوع الرأس وذلك بفضل الشهادة وببركة دم الشهداء، وهكذا ينبغي أن تكون الشعوب الباحثة عن عزتها وكرامتها. فالقوى الاستكباريّة لا تعترف لشعوب الدول المماثلة لنا، أي الدول الإسلامية وسائر الدول المستضعفة، بحقّ الحياة والتعبير عن الرأي، بل إنها لا تعترف لهذه الشعوب بحق الاستفادة من مصادر ثرواتها. لا يمكن التعامل مع القوى الشيطانية بمنطق الضعف والمذلّة، لأنّهم لا يرحمون الضعفاء. فيجدر بكلّ شعب أن يقوّي نفسه وأن يحصل على قوته الحقيقيّة، وهذا يستحيل تحقيقه إلّا ببركة الإيمان والعمل في سبيله إلى حدّ الجهاد والشهادة. وهذا ما فعله شعبنا وشهداؤنا حيث أجبروا عالم الاستكبار والدول المستكبرة - وليس البشر والشعوب لأنّهم معنا-على تقبّل وتحمّل الإسلام والجمهوريّة الإسلامية. وبالطبع فإنّهم لا يتخلّون عن الممارسات العدوانيّة والمؤامرات والمكر، فلا تغفلوا عن ذلك[2].

 

إذا ما كان هذا الشعب اليوم يتمتّع بالعزّة والاقتدار والأمن، وإذا ما أُتيح للجامعة والمصنع والحكومة والأجهزة المختلفة في البلاد أن يتابعوا أعمالهم اليوميّة العاديّة، فهذا ببركة هذه الجثامين القادمة التي وُجدت جرّاء التقصّي عن آثار الشهداء. هؤلاء ذهبوا وأخرجوا


 


[1] رسالة بمناسبة مراسم رشّ العطر وإزالة الغبار عن مزار الشهداء/13 ذي الحجّة 1424هـ/4/2/2004م.

[2] في لقاء مع أبناء الشهداء المتفوقين، والمسؤولين عن الشؤون الثقافيّة في مؤسّسة الشهيد/14 محرّم 1410هـ/ 16/8/1989م.

 

115


105

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

العدوّ من البلاد، هؤلاء ذهبوا وحقّقوا العزّة الوطنيّة، هؤلاء ذهبوا ومسحوا عن جبين هذا الشعب العزيز عارَ هيمنة جنود العدوّ على الحدود.

 

لذا ينبغي معرفة قدرهم. على كلّ من يعيش في هذا البلد أن يعدَّ نفسَه مدينًا لهؤلاء الشهداء الأعزّاء[1].

 

في ما يتعلّق بقضيّة الإيثار، هناك عظمة خفيّة، فلا يمكن لأيّ مجتمع من دون امتلاك مثل هذه الميزة المهمّة والمصيريّة أن ينال العزّة والعظمة[2].

 

لقد تمكّنت الأمّة الإيرانيّة من خلال تضحيات شهدائها وبصبر وثبات المحرّرين والجرحى، ومن خلال تضحية وعظمة عوائلهم أن تصل إلى ذُرى العزّة وتشقّ طريقها الواضح نحو المستقبل[3].

 

في ذلك اليوم الذي حدثت فيه تلك الحرب الدمويّة على أطراف جزيرة آبادان وعندما كان شبابنا المقاتلون من الجيش والحرس والتعبئة يسقطون كالأنجم الزاهرة ويقعون في نهر بهمنشير ويستشهدون ولكنّهم لم يكونوا يتراجعون بل كانوا يذهبون ويتقدّمون حتى أهلكوا العدوَّ وسحقوا رأسه بالحجارة وفتحوا جزيرة آبادان وكسروا الحصار وأجبروا العدوَّ على الانسحاب، كان الشيءُ الوحيد الذي لم يفكّر به هؤلاء الشبان وهؤلاء المقاتلون وعناصر التعبئة والضباط وأصحاب الرتب وأفراد الحرس هو أرواحهم. هكذا يمكن الوصول إلى الأهداف الكبيرة، هكذا يمكن تقليص شرّ الاستكبار. بهذه الطريقة يؤمّن

 


[1] خطبتي صلاة الجمعة في طهران/24 صفر 1422هـ/ 17/5/2001م.

[2] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل شهداء والجرحى في محافظة كرمانشاه/17 ذي الحجّة 1432هـ/ 13/11/2011م.

[3] رسالة بمناسبة تخليد الشهداء وتكريم الجرحى/11 ذي القعدة 1433هـ/ 26/9/2012م.

 

116


106

2 - الآثار الاجتماعيّة للشهادة

شعب لنفسه حياة رغيدة وشريفة وكريمة. هذه الحياة لا يمكن مقارنتها مع الحياة الرغيدة للشعوب الأسيرة. هل الراحة في السجن وفي الزنزانة وفي أي مكان يغلقون فيه الأبواب عليكم ويقدمون لكم طعام الغداء ظهرًا وطعام العشاء ليلًا وكالكثير من السجناء يجبرونكم على العمل، هل هذه الراحة هي نفسها تلك الراحة التي تتمتّعون بها في بيوتكم وبقليل من الإصرار والتعب يمكن الحصول عليها؟[1]

 

هؤلاء الرجال الإلهيّون، قد أنقذوا بقلوبهم المزيّنة بالإيمان والإخلاص والشجاعة، بلدهم وشعبهم من الهلاك في واحدة من أكبر الحوادث التاريخيّة، ودفعوا التهديد الذي كان يمكن أن يؤدّي إلى ذلّ إيران وارتهانها وهزيمة الإسلام. هؤلاء بتضحياتهم الشجاعة أبقوا على الصحوة الإسلاميّة في العالم، وحافظوا على راية انتصار الإسلام خفّاقة بعد أن رفرفت بثورة الشعب الإيراني الكبرى. كان العدوّ البعثي قد شنّ هجومًا على بلدنا لتحقيق أهداف الغرب الاستعماريّة، فهُزم على أيدي أبطالنا المؤمنين الغيارى، وبعد ثماني سنوات من الحرب، أُجبر ذليلًا على التراجع والاستقرار خلف الحدود. لقد دفع الشعب الإيراني في اختبار الموت والحياة هذا ثمنًا باهظًا، لكنّه حافظ على استقلاله وعزّته الوطنيّة وهويّته الإسلاميّة التي هي بالنسبة إلى الشعوب أغلى من كلّ شيء، وأبقى على راية الصحوة الإسلاميّة التي يتطلّع إليها العالم الإسلامي مرفوعة عالية[2].

 


[1] في لقاء مع مسؤولي مكاتب محو الأُمّيّة/5 صفر 1411هـ/ 26/8/1990م.

[2] رسالة بمناسبة يوم الشهداء في أسبوع الدفاع المقدّس/28 رجب 1424هـ/ 24/9/2003م.

 

117


107

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

3. الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

3-1. الحفاظ على الإسلام وعزّته في العالـَم

هذه هي القاعدة الراسخة والمتينة[1] التي حفظت الإسلام على مدى ألف وثلاثمائة وعدّة سنوات على الرغم من كلّ العداء له. فهل تتصوّرون أنّ الإسلام يبقى لولا تلك الشهادة وذلك اليوم وتلك الواقعة العظمى؟ بل تيقّنوا بمحو الإسلام في أُتون الأحداث، نعم قد يبقى العنوان كدِين تاريخيّ مع عدد قليل من الأتباع في زاوية من زوايا العالم، وقد يبقى اسم وذكر للإسلام لكن حقيقته تُمحى. انظروا إلى الإسلام في هذا العصر كيف أنّه حيّ وبنّاء. وكيف تتفاءل الشعوب بأنواره الساطعة بعد 1400 سنة، وكلّ هذا من بركات واقعة كربلاء ومن استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وتضحياته[2].

 

أقول لكم، يا عوائل الشهداء الأعزّاء، الشكر لله أنّ دماء شهدائكم لم تذهب هدرًا. الشكر لله، وإن كانت أجسام شهدائكم الأعزاء قد ضرّجها التراب والدماء إلا أنّ أرواحهم سعيدة. إنّهم قاتلوا وقُتلوا من أجل أن يصبح الإسلام عزيزًا، وقد صار الإسلام عزيزًا، كما إنّ دماء الحسين بن علي لم تذهب هدرًا. ذلك العظيم الذي قتلوه بذلك الوضع المفجع، بحسب الظاهر استطاع العدو أن يقتل هؤلاء الأعزاء - كان ظاهر الأمر أن يزيد انتصر-لكن بحسب الباطن، الحسين بن علي (عليه السلام) هو الذي انتصر. الحسين


 


[1] واقعة عاشوراء.

[2] في جمع من آلاف الأعضاء في حرس الثورة ومن الوحدات الخاصّة في القوّات العسكريّة بمناسبة يوم الحرس/4 شعبان 1414هـ/ 16/1/1994م.

 

118


108

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

بن علي عليه السلام قدّم دمَه في سبيل بقاء الإسلام، وقد وُفِّق على هذا الطريق واستطاع أن يضمن سلامة الإسلام. أعزاؤكم أيضًا قد ضمنوا سلامة الإسلام والجمهوريّة الإسلاميّة[1].

 

في زماننا، لم تكن القضيّة قضيّة مئة مسلم أو ألف مسلم ومليون مسلم، (بل) كانت قضيّة كلّ العالم الإسلاميّ. لقد كان هؤلاء يريدون القضاء على الإسلام ومحو اسم الإسلام من الوجود، وإزالة كلّ أثر من آثار الإسلام في العالم، وذلك لأنّ الإسلام كان يواجه غطرستهم واستبدادهم. كانت أميركا تخاف من الإسلام. المتغطرسون وقطّاع الطرق المهمّون في العالم - أي هذه القوى العالميّة - تخاف من الإسلام، لذا، عقدوا العزمَ على القضاء عليه. فقام شبابكم ووجّهوا صفعةً للقوى العظمى وأفشلوا مخطّطاتهم. شبابكم هؤلاء أنفسهم، هؤلاء الشباب أبناء الثمانية عشر عامًا، والعشرين عامًا، والخمسة والعشرين عامًا، هؤلاء الشباب التعبويّون وشباب الجيش والحرس والمجاهدون في ميادين الحرب وخلف الجبهات، استطاعوا هزيمة كلّ القوى العالميّة المهيمنة في عصرنا، وفعلوا ما من شأنه رفع راية الإسلام في العالم[2].

 

هل تعلمون ما العظمة التي جسّدها وصنعها شهداؤنا العظام هؤلاء، شبابنا المضحّون هؤلاء، تعبويّونا المؤمنون المفعمون بالحماسة العاشقون، أو أبناء الجيش والحرس، في العالم وفي التاريخ؟ كانوا قد وضعوا الإسلام في زاوية العزلة، وكان الاستعمار وناهبو ثروات العالم يعملون على أن لا يبقى للإسلام اسم في صفحات التاريخ


 


[1] في جمع من عوائل شهداء إيلام/17 جمادى الآخرة 1411ه/ 3/1/1991م.

[2] خطابه لدى لقاء جمع من عوائل شهداء إقليم لرستان/11 صفر 1412هـ/ 21/8/1991م.

 

119


109

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

ولا في قلوب الناس، كانوا يهدفون إلى اجتثاث الإسلام كلّيًّا ومن جذوره. ولم يقوموا بهذا العمل بسهولة، فقد أنفقوا المليارات، وفكّر مخطّطوهم ومفكّروهم المأجورون لهم ليلًا ونهارًا ولسنوات متمادية، قتلوا الناس، وخرّبوا المدن، أطاحوا بحكومات وجاؤوا بأخرى، وقتلوا العلماء في سائر أنحاء البلدان الإسلاميّة، هدموا المدارس والحوزات. محوا اسم الدين من على جدران المدن، لعلّهم يستطيعون القضاء على الإسلام. متى قاموا بهذه الأعمال؟ هذه الأعمال لم تُنجز قبل ألف سنة وخمسمائة سنه ومئتي سنة، بل في عمري وعمركم هذا نفسه. كانت تُنجز في عهد النظام البهلوي المشؤوم، في هذا البلد نفسه، وهذه المدن نفسها، وحتّى في هذه القرى، وفي سائر أنحاء العالم الإسلاميّ، كانوا يحاربون الإسلام بعداوة وقلوب حاقدة وذلك ليقضوا عليه كلّيًّا ويمحوه من صفحة الوجود. لِمَ؟ لأنّ الإسلام كان يعارض طلبهم للسلطة، وهيمنتهم، وسطوهم، ونهبهم للثروات، وفسادهم، وفحشهم، وقتلهم للبشر، ومؤامراتهم على الإنسانيّة. كانوا يريدون أن يبقوا مطلقي العنان، وأن يفعلوا كلّ ما يحلو لهم، لكنّ الإسلام كان مانعًا لهم من ذلك، فرأوا أنّ من اللازم القضاء على الإسلام، وكادوا يفعلون، فسطعت هذه الثورة الإلهيّة كفجر النور. قبل انتصار هذه الثورة، لم يكن المسلمون في الأماكن التي يعيشون فيها يفخرون بكونهم مسلمين. وكثير من المسلمين لم يكونوا يعلنون عن إسلامهم بسبب الحقارة التي كانوا يشعرون بها أمام غير المسلمين. والشعوب المسلمة في أيّ مكان عاشت، كانت تشعر بأنّها ذليلة، مهيمَن عليها، وحقيرة. وجاءت الثورة كبركان هادر هزّ العالم وغيّر كلّ شيء، غيّر المعتقدات، المشاعر والأحاسيس، والمسلمين، ليس في إيران فحسب، بل في سائر أنحاء العالم الإسلاميّ. إنّ حكّام البلدان الإسلاميّة

 

120


110

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

اليوم، حتّى أولئك الذين لا يستفيدون كثيرًا من الإسلام، يرون أنفسهم مضطّرين للتظاهر به! لِمَ؟ لأنّ الشعوب تريد الإسلام. إنّ أجهزة الكفر والاستكبار العالميّ اليوم، تشعر بالرعب من المسلمين، لأنّهم لم يعودوا يشعرون بالحقارة. المسلمون اليوم في أيّ مكان في العالم، لا يشعرون بالخجل من إسلامهم، بل يفخرون به، وهذا ما فعلته الثورة.

 

إنّ دور أولادكم، وشهدائكم، وهؤلاء الذين أُريقت دماؤهم في جبهات الحرب، وسائر الجبهات، هو الدور الأساس في هذه الحركة العظيمة. وإنّنا اليوم لا نزال غير قادرين على إدراك هذه العظمة، وسيحكم التاريخ ويقول كلمته بشأنهم[1].

 

لم نعد ذلك الشعب الذي يقف عاجزًا أمام هجوم الأعداء (كما حصل في العشرين من شهر شهريور). حيث عصفت رياح الحرب بهذا البلد وسلبت منّا كلّ شيء. لم نستطع الصمود لساعتين! فاحتلّ العدوّ شمال البلاد وشرقها وجنوبها. أيّ شهيد يمكن أن نستذكره من تلك الفترة؟ وأيّ مجموعة من الشعب يومذاك، يمكنها القول بأنّنا كنّا حاضرين ودافعنا؟ وما هو الحال اليوم، أي في عهد (حكومة) الإسلام؟

 

وأيّ منطقة من مناطق البلاد لا يمكنها الافتخار بأنّها دافعت دفاعًا مستميتًا جديرًا بالثناء؟ فالمرء إذ يدخل أيّ قرية من قرى مازندران هذه يرى صورَ عدد من الشهداء هناك. وهكذا الأمر في كلّ مناطق البلاد. إذًا، بحركتنا هذه أصبح الإسلام عزيزًا[2].

 


[1] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل الشهداء ومفقودي الأثر، الأسرى المحرّرين والجرحى في محافظة بوشهر/26 جمادى الآخرة 1412هـ/ 1/1/1992م.

[2] خطابه لدى لقائه علماء الدين وأئمّة الجمعة والجماعة في إقليم مازندران/17 شوّال 1410هـ/ 12/5/1990م.

 

121


111

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

هؤلاء الشهداء بإيثارهم، أبقوا رايةَ الإسلام التي رفعتْها يدُ قائدنا العظيم الإمام الخمينيّ قدس سره القويّة، مرفوعةً عالية، وأعزّوا الإسلام والمعنويّة في جميع أقطار العالم[1].

 

أعزّائي، آباء الشهداء وأمّهاتهم، يا من قدّمتم فلذات أكبادكم وأزاهير حياتكم في سبيل الله وصبرتم على شهادتهم! الشباب الجرحى الأعزّاء، يا من بذلتم في بداية شبابكم سلامتَكم وعافيتَكم من أجل الله وفي سبيله! زوجات الشهداء، أبناءهم، يا من تحمّلتم المصائب الصعبة! أقول لكم شيئًا وهو، لو لم تحدث هذه المعجزة، ولم يبرز شبابكم وضياء أبصاركم بهذا النحو وهم مجذوبون للحقّ إلى مضاجعهم ومقتلهم، ولم يضحّوا بأنفسهم، لما بقي اليوم من الإسلام أثر، وهذا كان هدف الاستكبار[2].

 

لو لم تكن هذه الدماء الطاهرة والعطرة التي أُريقت في سبيل الله، يقينًا لما بقي اليوم من النظام الإسلاميّ أثر، ولما ارتفعت رايةُ القرآن الكريم بهذا النحو[3].

 

واليومَ، إذا كان الإسلام في العالم عزيزًا، فببركة الشهداء. وإذا قُدّمت الجمهوريّة الإسلاميّة اليوم إلى العالم كقوّة شعبيّة، فبفضل دماء الشهداء. وإذا اتخذت الشعوبُ الإسلاميّة الأخرى في مختلف بلدان العالم، الشعبَ الإيرانيّ نموذجًا لها في المقاومة والكفاح، فببركة تضحيات الشهداء[4].


 


[1] رسالة بمناسبة يوم تكريم الشهداء في أسبوع الدفاع المقدّس/3 صفر 1411هـ/ 24/8/1990م.

[2] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل شهداء قم/16 شعبان 1412هـ/ 19/2/1992م.

[3] رسالة إلى عوائل الشهداء والجرحى على أعتاب أسبوع الدفاع المقدّس/13 صفر 1410هـ/ 14/9/1989م.

[4] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل شهداء إيلام/17 جمادى الآخرة 1411هـ/ 3/1/1991م.

 

122


112

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

إذا رأيتم اليومَ رايةَ الإسلام مرفوعة، وإذا رأيتم الشعوبَ المسلمة تشعر بشخصيّتها وهويّتها، وإذا رأيتم صيحة الله أكبر الصادحة من حناجر الشباب المسلم في سائر أنحاء البلدان الإسلاميّة، تهزّ عروش القوى المستكبرة، والإسلام عزيزًا وحديث الناس في العالم، فاعلموا أنّ هذا الفخر إنّما حصل بفضل أبنائكم وهذه الدماء الطاهرة وهذه التضحيات والإيثار، ولم يكن ليحصل لولاها[1].

 

لولا شهداؤنا الأعزّاء وتضحياتهم، لما كانت اليوم هذه العزّة وهذه العظمة للإسلام موجودة. عندما تنظرون اليوم في الساحة العالميّة، ترون أنّ رايةَ الإسلام خفّاقةٌ، والإسلامَ عزيزٌ، والشعوبَ المسلمة تعمل وتسعى من أجل الحكومة الإسلاميّة، قلوبَ المسلمين مفعمةٌ بالأمل، مستقبلَ المسلمين واضح نيّر، والشعوبَ لا تهاب ولا تخاف القوى الجهنّميّة العالميّة. ذلك الشعور بالذلّ والحقارة التي ابتُليت به الشعوب المستضعفة طوال عشرات السنين الماضية، بل القرون الماضية، لا أثر له اليوم، فقد أصبحت الشعوب اليوم شجاعة قويّة ومن أهل المبادرة والعمل.

 

إذا أراد امرؤ منصف تحليلَ هذه الظاهرة العظيمة في العالم، سيصل إلى هذه النتيجة، وهي أنّ كلّ هذه البركات هي بفضل دماء شبابكم وأبنائكم هؤلاء، وبفضل هؤلاء المجاهدين الذين كانوا حاضرين لسنوات بعد انتصار الثورة في الجبهات المختلفة، لم يكترثوا لأرواحهم، وجعلوا الأهداف الإلهيّة محطّ اهتمامهم وتوجّههم، فبعضهم نال الشهادة، والبعض الآخر جُرح وحُرم في عزّ شبابه من العافية الجسديّة، والبعض وقع أسيرًا بيد العدوّ،

 


[1] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل شهداء قم/16 شعبان 1412هـ/ 19/2/1992م.

 

123


113

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

وتحمّل لسنوات عذابات السجن وعناءات تسلّط العدوّ الغاشم، هؤلاء هم من منحوا الإسلام تلك العزّة والعظمة[1].

 

ما أريد قوله لكم أيّها الشباب الأعزّاء وأهالي هذه القرية وعوائل الشهداء المحترمون، إنّ جهادكم هذا هو الذي أدّى إلى إعلاء (كلمة) الإسلام والقرآن الكريم واسم الله تعالى في العالم[2].

 

2-3. تحقيق القدرة للبلد والنظام بين الشعوب

أعزائي، قضية الشهادة قضية عميقة ومهمّة جدًّا. وشعبنا حلَّ هذه القضية عمليًّا بإيمانه ومشاعره الدينيّة وشجاعته.. قدّم الشهداء وكان ثمّة آباء وأمّهات لم يبكوا على شهدائهم حتى، وكانت هناك عوائل ارتدت ثياب الفرح في مراسم تأبين شهدائها. إذًا قضية الشهادة مفروغ منها عمليًّا في أذهان الشعب، لكنّ المجال أمامنا واسع جدًّا للتفكير في الشهادة.

 

لو أردنا عرض قضيّة الشهادة وأهميّتها في جملة واحدة لقلنا إنّ الاعتقاد بالشهادة والإيمان بعظمة الشهداء يمثل بالنسبة إلى أيّ شعب العمقَ المعنويّ لشخصية ذلك الشعب وهُويّته. كيف يمكن لشعب أن يُعرف بالعظمة في أعين شعوب العالم؟ وكيف يمكن للشعب بدل أن يتأثّر بشتى العوامل السياسيّة في العالم أن يترك تأثيره في جميع الأحداث في العالم؟ كيف يمكن للشعب بلوغ هذه المكانة؟ كيف يمكن لشعب من دون أن تتوافر له المعدّات والأدوات العسكريّة المعقّدة، ومن دون أن تكون لديه

 


[1] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل الشهداء ومفقودي الأثر، والأسرى المحرّرين والجرحى في محافظة بوشهر/26 جمادى الآخرة 1412هـ/ 1/1/1992م.

[2] خطابه لدى لقائه جمعًا من أهالي قرية ليلك، من توابع منطقة دلوار في بوشهر/9 رجب 1412هـ/ 3/1/1992م.

 

124


114

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

إمكانيّات إعلاميّة واسعة أن يؤثّر في العالم وبين الشعوب بحيث تنجذب الشعوب إليه؟ لاحظوا الاستقبال الذي خرج به الشعب اللبنانيّ للقاء رئيس جمهورية الشعب الإيرانيّ. هذا ليس بالشيء الصغير. إنّه شيء جدير بالدراسة والتحليل. كيف يمكن لرئيس جمهوريّة شعب في بلد آخر وبين أبناء شعب آخر ليست له صلة قرابة بهم إطلاقًا أن يحظى بكلّ هذا الاهتمام؟ من أين جاءت عظمة هذا الشعب؟ الإجابة عن كلّ هذه الأسئلة تستدعي التنبّه لأهميّة قضيّة الشهادة.

 

حينما يتقبل شعب بجميع أبنائه وشبابه وآبائه وأمّهاته الإيثار في سبيل الله والتضحية بالنفس في سبيل الهدف الإلهيّ ويؤمنون به فسوف يكتسب هذا الشعب عمقًا هائلًا من العظمة. ومن الطبيعي أن يكون هذا الشعب مقتدرًا وقويًّا ومتفوّقًا من دون أن يكون له سلاح ومن دون أن يمتلك ثروة نقديّة مميّزة.

 

لاحظوا أنّ مئة شخص من حيث العدد متساوون مع مئة شخص آخرين في مقابلهم. مئة شخص مقابل مئة شخص، أو ألف شخص مقابل ألف شخص. عشرة ملايين مقابل عشرة ملايين، هؤلاء متساوون طبعًا. وقد يكون أحدهم أقوى من غيره من حيث القوة البدنيّة والقدرات الجسميّة والماديّة، ولكن حين تكون الفئة المقابلة التي لا قوّة لها من الناحية الجسميّة والماديّة متسلّحة بالإيمان بالله تعالى، ومقتنعة بأنّها إذا ضحّت في سبيل الله فسوف لن تخسر شيئًا بل ستكسب شيئًا فسوف يتحلّى هؤلاء المئة نفر بقوة لا يمكن للفئة المقابلة لهم حيازتها. في معركة بدر كان أعداء النبي أضعافَ المسلمين من حيث العدد، ومعدّاتهم وأسلحتهم أضعاف المسلمين أيضًا، وأموالهم وإمكانيّاتهم الماديّة أضعاف ما لدى المسلمين، لكن المسلمين انتصروا، لماذا؟ أليس

 

125


115

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

النصر بالقوّة والسواعد؟ أليس بالسيف؟ أليس بالأموال؟

أليس بالاقتدار الظاهريّ؟ كلا، ليس النصر بهذه الأمور. النصر منوط باقتدار لا يتأتّى بالمال والإمكانيّات الماديّة والسلاح النوويّ، إنّما ينبع من الإيمان بالشهادة والإيثار والاعتقاد بأنّ الإنسان حينما يضحّي إنّما يتاجر ويتعامل مع الله تعالى... الشعب الإيرانيّ اليوم لا يخشى التهديدات والعربدات التي يطلقها رؤساء الجمهوريّات الغارقون في الماديّات والشهوات. إنّه شعب صامد بقوّة على مبادئه.

والأمر كما ذكره الآباء والأمّهات المحترمون الأعزّاء الذين جاؤوا وتحدّثوا هنا.. هذه كلمات صادقة. عوائل الشهداء واقفة صامدة والشعب الإيرانيّ واقف صامد بفعل الاقتدار المعنويّ والقوّة التي يشعرها في نفسه بفضل الإيمان بالله تعالى. ينبغي تعزيز هذا الإيمان[1].

 

أرأيتم الفتى الذي قتل في حضن والده[2]؟! لم تكن هذه الحالة الأولى، هناك حالات أخرى مماثلة. عظمة هذه الحركة كبيرة جدًّا بحيث إنّهم لا يرون هذه التضحيات كبيرة. كما إنّكم في مرحلة الحرب المفروضة قدّمتم تضحيات كبيرة وكنتم ترونها صغيرة، لكنّ تضحياتكم قد أذهلت العالم. هكذا هو الشعب الفلسطينيّ اليوم، يستصغر التضحيات التي يقدّمها. لكنّه

 


[1] في لقاء مع عوائل شهداء قم وجرحاها/13 ذي القعدة 1431هـ/ 20/10/2010م.

[2] إشارة إلى استشهاد الطفل الفلسطينيّ "محمّد الدرّة". في الأوّل من تشرين الأوّل/أكتوبر 2000م في الأيام الأولى من الانتفاضة الثانية المعروفة بانتفاضة الأقصى، كان محمّد الدرّة متوجهًا بصحبة والده إلى البيت في منطقة "نتساريم" في قطاع غزّة واستشهد برصاص الجنود الصهاينة. كان الجنود الصهاينة يطلقون النار على الفلسطينيّين على مدى 45 دقيقة وكان والد محمّد الدرّة قد خبّأ ابنَه خلف ظهره ليحميه، لكن في النهاية استشهد على أيدي الصهاينة. لقد انتشرت صورة قتل محمّد الذي كان يختبئ خلف ظهر والده التي التقطها مصوّر عربي لقناة فرانس 2 التي بثّتها.

 

126


116

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

أذهل العالم. شهادة كشهادة ذلك الفتى في حضن والده ألهبت أحاسيس شعوب العالم. هذه أمور بالغة الأهمّيّة[1].

 

وإن النضال الذي انطلق به الشعب الفلسطينيّ الآن ليس نضالًا بين جيش وآخر، كي نتساءل كم يمتلك هذا من الدبابات وكم يمتلك ذاك؟ ومَنِ المتفوق، هذا أم ذاك؟ إنه صراع أبدان وأجساد وأرواح أناس لا يرهبهم الموت، وإنّ كلّ شاب فدائيّ يقف أمام الكيان الغاصب فهو يُدخل فيهم الرعب بقدر ما يُدخله جيش بأكمله، ولم تعد الدبابة والصاروخ ومروحيّات الأباتشي تمثّل الردّ على هذا الإنسان، فعندما لا يرهب الموتَ إنسانٌ -ولو كان لوحده-وتأهّب للتضحية في سبيل الله، وأداءً لواجبه، فهو يمثّل أعظم خطر بالنسبة إلى أهل الدنيا عديمي الإنصاف. ولهذا فإنّكم تشاهدون الأمريكيّين وعلى أعلى المستويات قد بادروا لاتّخاذ موقفهم في مواجهة هؤلاء الشباب الاستشهاديّين[2].

 

لقد عقد الشعب الفلسطينيّ العزم ووضعت الفصائل الفلسطينيّة المجاهدة من قبيل منظمّة فتح وحماس والجبهة الشعبيّة وحركة الجهاد وحزب الله في لبنان وغيرهم يدًا بيد وعقدوا العزم وتوصّلوا جميعهم إلى محصلة واحدة وتلمّسوا طريق الفداء وأدركوا أنّ السبيل لخلاص فلسطين هو الاستعداد للتضحية، وجرّبوا الشهادة ففهموا أنّ العدوّ عاجز أمام الشهادة وحبّ الاستشهاد وعدم الرهبة من الموت. فالذي يستشهد في سبيل الله هو المخلّد وفكره وشخصيّته هما الخالدان، أمّا من لا يسلك طريق التضحية في سبيل مبادئه


 


[1] في الاجتماع الكبير للتعبويّين المشاركين في مخيّم أصحاب الإمام علي(عليه السلام) الثقافيّ-الجهاديّ 22 رجب 1421هـ/ 20/10/2000م.

[2] في الاجتماع الكبير لزوّار حرم الإمام الخمينيّ قدس سره /23 ربيع الأوّل 1423هـ/ 3/6/2002م.

 

127


117

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

مختارًا فلربما يعيش بجسمه أيامًا معدودات لكنّ شخصيّته وهويّته مصيرهما الفناء، والشعب الفلسطينيّ قد أدرك الشهادة، والأمل يحدونا أن يصمد المسؤولون في سلطة الحكم الذاتيّ الفلسطينيّة على ما قالوا ويواكبوا أبناء شعبهم في هذا الدرب ولا يستسلموا، فالعدو يسير نحو الضعف يومًا بعد يوم[1].

 

إذا كان شعب مثل الشعب الإيراني المكافح الرشيد، قد خبر ميادين الكفاح وقدّم كلّ هؤلاء الشهداء، وعبر أنهارًا من الدماء، وكان نساؤه ورجاله كأسد زائرة في ميادين الوغى، فإن تقدّمت أميركا خطوة، سيوجّه لها صفعة لا تبقي لها باقية[2].

 

إنكم تعلمون أيّها الإخوة والأخوات أنّ العظمة والقوّة المعنويّة التي يتمتّع بها النظام الإسلاميّ والأمّة المسلمة اليوم في العالم وفي عيون القوى الشيطانيّة تعود إلى الشهادة وإلى ما قدّمه أعزاؤكم من فداء.

فليعلم أبناءُ الشهداء أنّ آباءهم هم الذين جعلوا الإسلام يمتاز بهذه العظمة في عيون الشياطين وطواغيت العالم. لقد مرّ زمان كانوا لا يعيرون فيه أدنى أهميّة ولا يقيمون وزنًا للإسلام والمجتمع الإسلاميّ، كما كانوا يعدّون المسلمين قومًا بلا فكر، لكنّهم أدركوا اليوم أنّ الإسلام زلزل قصور قوتهم الشيطانيّة في أرجاء العالم كافّة. إن الإمام العظيم، الذي كان اسمه وذكره يذيب قلوب القوى الطاغوتيّة ويهزّ معاقلها، قد أخذ عظمته من الإسلام. لقد كان عظيمًا لأنّه كان يعدّ نفسه خادمًا للإسلام والمسلمين، وقد أسبغ جهاده وجهاد شعبه العظمة على الإسلام[3].

 


[1] في خطبتَي صلاة الجمعة في طهران/22 محرّم 1423هـ/ 4/4/2002م.

[2] خطابه في حشد كبير من الناس بمناسبة ولادة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف/16 شعبان 1416هـ/7/1/1996م.

[3] في لقاء مع أبناء الشهداء المتفوقين، مسؤولي الشؤون الثقافيّة في مؤسّسة الشهيد/14 محرّم 1410هـ/ 16/8/1989م.

 

128


118

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

3-3. علوّ شأن النظام وإثبات حقّانيّته للعالم

عندما يتغاضى مجتمع عن نفسه، عن وجوده، عن راحته من أجل قيمة ما، وحقيقة ما، فإنّه يثبت حقّانيّته للعالم، فالحقّانيّة هي التي تبقى، والحقّ هو الذي يبقى، هذه سنّة إلهيّة... شهداؤنا الأعزّاء ومضحّونا هم أشخاص انقطعوا عن كلّ رغباتهم الشخصيّة[1].

 

فلتعلموا أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء وكلّ الشعب الإيرانيّ العظيم بأنّ كربلاء هي أسوتنا ومثالنا الدائم. كربلاء مثال على أن لا يتردّد الإنسان أمام عظمة العدوّ. هذا مثال ونموذج قد اختبرناه. صحيح أنّ الإمام الحسين بن علي عليه السلام قد استُشهد في عصر صدر الإسلام مع 72 نفرًا من أصحابه، لكنّ هذا لا يعني أنّ على كلّ من يسلك طريق الحسين عليه السلام وكلّ الذين يسيرون في طريق الكفاح، أن يستشهدوا، لا. لقد اختبر الشعب الإيرانيّ اليوم، بحمد الله، طريق الحسين عليه السلام وهو حاضر ومرفوع الرأس وعزيز بين الشعوب الإسلاميّة وشعوب العالم. وكما فعلتم أنتم قبل انتصار الثورة وسلكتم طريق الحسين عليه السلام الذي يعني عدم الخوف من العدوّ وتقبّل محاربة العدوّ المتسلّط، هكذا كان الأمر أيضًا في مرحلة الحرب. لقد أدرك شعبنا أنّ الشرق والغرب وكلّ قوى الاستكبار يقفون في مواجهته، لكنّه لم يخف. حتمًا، قدّمنا شهداء كبارًا، فقدنا أحبّاء لنا، وأحبّاء لنا خسروا صحّتهم وسلامتهم الجسديّة وأصبحوا جرحى دائمين، وقضى آخرون سنوات في الأسر... لكنّ الشعب قد وصل بهذه التضحيات إلى ذروة العزّة والعظمة، وأصبح الإسلام عزيزًا، ورُفعت راية


 


[1] خطابه  لدى لقاء عوائل الشهداء والجرحى في محافظة خراسان الشماليّة/28 ذي القعدة 1433هـ/ 13/10/2012م.

 

129


119

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

الإسلام. هذا بفضل ذلك الصمود[1].

 

يعترف قادة الاستكبار العالمي اليوم بأنّهم في فترة الدفاع المقدّس كانوا يجهّزون الجيش المهاجم بكلّ أنواع التجهيزات، وأنّهم كانوا يظهرون حقدهم على النظام الإسلاميّ والشعب الإيرانيّ الثوريّ المؤمن والشجاع من خلال الدعم الشامل للمهاجمين البعثيّين. لقد أفشلت اليد القويّة للشعب الإيرانيّ، أي الشباب والرجال المضحّين والمؤمنين، ومن خلفهم العوائل والأقرباء، مساعي الأعداء، وعطّلت فاعليّة تجهيزات إمبراطوريّات الاستكبار، ورفعت رأس النظام الإسلاميّ وهذا الشعب المقاوم في العالم والتاريخ. إنّ دماء شهدائنا الأعزّاء ثمن عظيم دفعه الشعب الإيراني في سبيل حفظ شرفه واستقلاله ودينه وعزّته. واليوم، إنّ تكريم هؤلاء المجاهدين في سبيل الله وتعظيمهم هو تكليف وجدانيّ وأخلاقيّ وواجب على كلّ مسلم وكلّ إيرانيّ[2].

 

3 4-. إدانة المجرمين في أعين المنصفين

في العالم وظهور قوّة الإسلام الأصيل

إنّ الذين أريقت دماؤهم الطاهرة في حادثة السابع من تير والحوادث الأخرى والذين استشهدوا خلال الثورة هم نخبة هذه الأمّة وطلائعها، كان من بينهم علماء ومفكرون ومقاومون قدامى وجماهير مضحّية وأشخاص كانوا يفدون شعبهم ووطنهم وقيمهم وثورتهم، ففي أي ميزان من الموازين يُعدّ قتل أولئك مُجازًا، ومن

 

 


[1] خطابه لدى لقائه حشدًا من شرائح الشعب المختلفة بمناسبة حلول شهر محرّم الحرام، 1/محرّم 1413هـ/ 1/7/1992م.

[2] رسالة بمناسبة يوم الشهداء في أسبوع الدفاع المقدّس/19 رجب 1423هـ /25/9/2002م.

 

130


120

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

هو الذي لا يستطيع أن يعدَّ قاتليهم من الإرهابيين ثم لا يحاسبهم ولا يحاكمهم؟ هذه حقيقة واضحة...

 

إنّ المحافل الغربيّة كالبرلمان الأوروبيّ وغيره والتي تدعم أولئك (المنافقين) ماليًّا وسياسيًّا، فإنّهم بذلك يسوّدون صفحات تاريخهم، أدانوا أنفسهم بأنفسهم أكثر فأكثر لدى الإنسانية المنصفة وستبقى أعمالهم وصمة عار على جبينهم. وهذا من بركات تلك الدماء الزاكية لأولئك الشهداء الأعزاء التي أُريقت في مذبحة السابع من تير، لقد جسّدت تلك المذبحة مظلوميّة الشهداء وفضحت دماؤهم الطاهرة وحشيةَ أولئك الزمر القتلة[1].

 

يومًا بعد يوم تفقد قوى العالم وإمبراطوريّاتُ المال والعنف تصوّرَها بأنّها ستتمكّن، من خلال عمليّات تضييق الخناق كتلك التي تُمارس في أوروبا والبلدان الإسلاميّة وأماكن أخرى ضدّ المسلمين، من إخراج الإسلام من الساحة. لقد حلّ فجر الإسلام وهو باقٍ في ساحة البقاء. لقد ولّى ذلك الزمن الذي كان يمكنهم فيه عزل الإسلام. لقد جعلوا الإسلام منزويًا لسنوات طويلة وكان ذلك الانزواء كبيرًا لدرجة أنّهم لم يعودوا يخشونه، لأنّه لا يشكّل خطرًا عليهم. الإسلام المطارد، الإسلام المخفي، الإسلام الذي كان أتباعه يخجلون من قول نحن مسلمون ويخجلون من قول "بسم الله الرحمن الرحيم" في بدء كلامهم، لا يشكّلون أيّ خطر على قوى الاستكبار... كان الإسلام الذي من هذا النوع في غربة!

 

بناءً على ذلك، إنّهم لا يخشون من مثل هذا الإسلام، كذلك لا يخافون من إسلامِ مَن يكنزون الذهب والفضة كالسعوديّين

 


[1] في مراسم مبايعة مسؤولي الجهاز القضائيّ/21 جمادى الآخرة 1409هـ/ 28/1/1989م.

 

131


121

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

وأمثالهم. أمريكا لا تخشى من إسلامِ الخاضعين أمثال بعض الدول الأخرى - لا تخشى ذلك الإسلام - الإسلامُ الذي تخشاه هو الإسلام الأصيل، الإسلام القرآنيّ، إسلام الجهاد والنضال وإسلام التوكّل على الله تعالى، أي الإسلام الذي بين أيدي شعبنا الثوريّ وبين أيديكم وأيدي شبابكم الذي يذهبون ويقاتلون ويُستشهدون. من هذا الإسلام يخافون[1].

 

أجل، إنّ الاستكبار وحاشيته الإعلاميّة والدعائيّة والأقلام والأبواق العميلة له ليسوا فقط غير قلقين بل يسعدهم جدًّا البلد الذي يقبع في أعماق الرجعيّة، وشعب يعيش في أهوائه وتقاليده الجاهليّة ويفتح أبواب خزائنه الماديّة أمامهم ويستسلم لجشعهم وطمعهم وتسلّطهم ويقبل منهم ثقافة الفساد والفحشاء والاستهلاك المفرط وشرب الخمر والفجور. إنّهم ساخطون ومرتبكون من عودة الشعوب إلى الماضي الذي يذكرهم بالعزّة والعظمة ويفتح أمامهم طريق الجهاد والشهادة ويعيد لهم الكرامة الإنسانيّة ويقطع يد المتسلّطين عن نهب وسرقة أموالهم وأعراضهم، ويعلّمهم آية: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾[2] ويقرأ عليهم الآية الكريمة: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾[3] ويوصل إلى آذانهم وقلوبهم خطاب: ﴿وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ... ﴾[4] ويطبّق في عيشهم دستور ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلا

 


[1] في مراسم مبايعة المسؤولين في الجهاز القضائيّ/21 جمادى الآخرة 1409هـ/ 28/1/1989م.

[2] سورة النساء، شطر من الآية 141.

[3] سورة المنافقون، شطر من الآية 8.

[4] سورة النساء، شطر من الآية 75.

 

132


122

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

لِلَّهِ﴾[1] وباختصار يجعل الله تعالى والدين والقرآن الكريم محورًا لحياتهم ويقطع يد الطواغيت المستكبرين والمستبدّين والمتسلّطين عن حياتهم، أجل إنّهم خائفون من العودة إلى هذا التاريخ ومن الارتباط مع هذا الماضي ولذلك إنّهم يريدون ويسعون أن يحولوا دون ذلك مهما كان الثمن[2].

 

من هذه المرحلة[3] سيتغيّر مجرى الأحداث وسيبتدأ مسار زوال الدولة الغاصبة وزوال السيطرة المطلقة لأميركا في المنطقة، التي كانت طوال السنوات المتمادية شريكة للدولة المحتلّة في جرائمها. والمجموعات الجهاديّة المؤمنة بالإسلام في فلسطين ولبنان بدأت بالظهور، وهم يصنعون جيلًا من المجاهدين الصادقين والأشدّاء، الجهاد والشهادة قد أُحييا من جديد، والقوّة الحقيقيّة - أي قوّة الشعب الذي ترسخ فيه إرادة الصمود والتضحية-تستعيد مكانتها في معادلات فلسطين والمنطقة. إنّ الدماء الطاهرة للشباب العاشقين للشهادة، والحضور الميدانيّ للمجاهدين المضحّين بأرواحهم، يخلط أوراق أهل الدنيا والسلطة المادّيّين والطالبين للّذة، ويفتح ميدانًا جديدًا ينتصر فيه الدم على السيف[4].

 

إنّ صبركم لعشرين يومًا[5] أنتم والمجاهدون الشجعان والمضحّون وعموم أبناء غزّة في مقابل أفظع جرائم حروب العالم والتاريخ، قد جعل راية العزّة ترفرف فوق رأس الأمّة الإسلاميّة.

 


[1] سورة يوسف، شطر من الآية 40.

[2] رسالة إلى حجّاج بيت الله الحرام/3 ذي القعدة 1411هـ/ 16/6/1991م.

[3] انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران.

[4] كلمته في المؤتمر الدولي الثالث للقدس والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينيّ/16 ربيع الأوّل 1427هـ/ 14/4/2006م.

[5] حكومة حماس.

 

133


123

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

لقد أثبتّم بأنّ القلب المفعم بالإيمان بالله والقيامة وروح المسلم المنيعة والعزيزة التي تأبى الخضوع والخنوع للظلم والجور، تخلق قدرة وقوّة كبيرة تقف الحكومات الجبّارة والمستكبرة والجيوش المجهّزة بأفضل العتاد أمامها عاجزة ذليلة.

 

والجيش الذي أرغمته تضحياتكم وحبّكم للشهادة على التوقّف لعشرين يومًا ذليلًا خلف بوّابات غزّة، هو نفسه ذلك الجيش الذي احتلّ في ظرف ستّة أيّام أجزاءً كبيرة من ثلاث دول عربيّة. فلتفتخروا بإيمانكم وتوكّلكم، بحسن ظنّكم بالوعد الإلهيّ، بصبركم وشجاعتكم وتضحياتكم، التي يفتخر اليوم بها جميع المسلمين. إنّ جهادكم إلى اليوم، قد فضح أميركا والكيان الصهيونيّ وحماته ومنظّمة الأمم المتّحدة ومنافقي الأمّة الإسلاميّة.

 

اليوم، ليس الشعوب الإسلاميّة فحسب، بل الكثير من أبناء الشعوب الأوروبيّة والأميركيّة يؤمنون في الصميم بأحقّيّتكم. أنتم اليوم منتصرون، واستمرار هذا الصمود العزيز، سيودي بالعدوّ الذليل المعادي للإنسانيّة إلى ذلّ وهزيمة أكبر. إن شاء الله تعالى[1].

 

سلام الله ورحمته على أرواح الشهداء الطيّبة، منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا، لا سيّما شهداء الحرب المفروضة، الذين رووا بدمائهم الطاهرة شجرة الإسلام المباركة فآتت أُكلها، وأعزّوا المؤمنين وأذلّوا المعاندين[2].

 

 


[1] رسالة إلى إسماعيل هنيّة رئيس وزراء حكومة حماس الشرعيّة/19 محرّم 1430هـ/ 15/1/2009م.

[2] رسالة بمناسبة الذكرى التاسعة للحرب المفروضة/20 صفر 1410هـ /21/9/1989م.

 

134


124

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

3 - 5. اتّخاذ القدوة وصحوة الشعوب

ونزوعها نحو الأمور المعنويّة

إنّ الحقيقة التي ينبغي أن نفخر بها، هي أنّ حال وأجواء الشهادة والسنّة الإلهيّة للقتل في سبيل الله قد أُحييت من خلال النظام الإسلاميّ. ففي الماضي كان الذين يعانون في سبيل الله قلّة، حتى إنّ البعض كان لا يتحمّل أدنى تجهّم (أدنى عناء) في سبيل الله خلال عمرٍ متوسّطه سبعون عامًا، ولم يكونوا مستعدّين لتحمل تجهّم في سبيل الله، فكيف ببذل حياتهم ورأس مال وجودهم في سبيل الله؟!

 

إنه لمن القبيح جدًا بالنسبة إلى شعب يعيش باسم الإسلام أن لا يواجه مشكلة في سبيل تحقيق هذا الهدف العظيم. وسنجد أن الإسلام في مجتمع من هذا النوع سيتلاشى ويفقد لونه وأثره يومًا بعد آخر[1].

 

إنّ إمامنا العزيز والكبير ليس بيننا الآن، وكذلك الشهداء ليسوا بيننا الآن لكنّهم هم يعيشون جميعًا في قلوبنا وعقولنا، هم حاضرون في طريق حياتنا وعلى صراط ثورتنا المستقيم وأحياء وناشطون. إنّ الأثر الوجوديّ لذلك الرجل العظيم وأصحابه الشهداء لم يقتصر فقط على مرحلة حياتهم، كما إنّه لم يكن متعلّقًا بإيران حصرًا. اليوم وببركة وجوده والشهداء وعمرهم المبارك يصبح الإسلام أكثر تألّقًا يومًا بعد يوم ويصبح سحاب التحريفات والجهالات والفتن المتراكم أكثر تداعيًا وضعفًا. إنّ الثورة التي صنعها الإمام ومنحها الشهداءُ بدمائهم لونَ ورائحة


 


[1] في لقاء مع أبناء الشهداء المتفوقين، مسؤولي الشؤون الثقافيّة في مؤسّسة الشهيد/14محرّم 1410هـ/ 16/8/1989م.

 

135


125

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

الوردة الحمراء تُظهر نفسها الآن وفي جميع أنحاء العالم في يقظة الشعوب المظلومة وفي تجديد حياة المجتمعات الإسلاميّة وفي القوة المتزايدة يومًا بعد يوم للأسس المعنويّة وفي انهيار النزعة الماديّة الواضحة والممزوجة بالنفاق، وفي الخلاصة، فإنّ هذه الثورة تظهر نفسها في إعلاء الحقّ وإذلال الباطل. إنّ راية عروج الإنسان إلى سماء الروحانيّة والتي يتمّ رفعها اليوم في زوايا وأطراف العالم هي في الحقيقة راية إمامنا وشهدائنا، إنّهم أحياء وسيصبحون أكثر حياة يومًا بعد يوم[1].

 

في كلّ مكان وكلّ زمان يذكر فيه انتصار يوم الثاني والعشرين من شهر بهمن أو يؤتى على ذكر هذا اليوم تتراءى أمام الأعين وجوه الشهداء والصورة الدمويّة للشهادة. وذلك لأنّ ذلك الانتصار الكبير الذي غيّر مسار التاريخ ليس فقط في وطننا بل على مستوى العالم أجمع لم يكن ليحصل إلّا بإحياء روح الجهاد والشهادة في شعبنا البطل[2].

 

لن يستطيع شعب الدفاع عن هويّته وعزّته وكرامته الوطنيّة وعن القيم والمعتقدات والحقوق، من دون تقديم التضحيات. ولن تكون عاقبة الهروب من الميادين التي يفرضها الظالمون ومستكبرو العالم على الشعوب الحرّة، سوى الذل، ومن ثمّ المحاصرة في دائرة الظلم والاعتداء على الإنسان. هذا الدرس علّمه شعبُنا الرشيد والواعي للجميع وخلّده في التاريخ. وإنّ الجهاد العظيم للفلسطينيّين المظلومين اليوم، الذين بأيديهم العزلاء أعجزوا وأرعبوا الصهاينة الأجلاف وقساة القلوب والمجهّزين بأقوى الأسلحة، هو استمرار


 


[1] رسالة في تخليد الشهداء وتكريم الجرحى في اليوم الثامن من عشرة الفجر المباركة/13 رجب 1410هـ/ 8/2/1990م.

[2] المصدر نفسه.

 

136


126

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

لذلك الدرس الخالد، وإنّ تخبّط القوّات المحتلّة للعراق في الوحل هو نتيجة لهذا المثال التعليميّ في تلك الديار[1].

 

اعرفوا قدرَ شهداء جبهتكم، وقدرَ تلك المقاومة المظلومة، قدر صمود الإمام الراحل وصلابته الأشدّ من الفولاذ، هؤلاء هم الذين أثّروا في الشعب الفلسطينيّ بنحو، وفي لبنان بنحو، وفي شعوب أميركا اللاتينيّة بنحو، وفي شعب أفريقيا الجنوبيّة بنحو، وفي شعوب الشرق الأوسط بنحو، وفي شعوب كثيرة من الدول العربيّة - التابعة حكوماتها لأميركا - بنحو[2].

 

من أجل أن يطيح أعداءُ الإسلام براية الحكم الإسلاميّ المرفوعة، ويبعدوا هذه العلامة الباعثة على الأمل من أمام أنظار الشعوب المسلمة، توسّلوا بالهجوم العسكريّ، وأرسلوا النظام البعثيّ الفاسد الضالّ بتجهيزات شاملة لمحاربة الشعب الإيرانيّ المؤمن الشجاع. جهاد هذا الشعب العظيم الذي كان دفاعًا غيورًا عن الإسلام والجمهوريّة الإسلاميّة، وأعزّ الإسلام والأمّة الإسلاميّة، قد استُمدّ من الإيمان بأهمّيّة الشهادة ومنزلة الشهيد، فظهر شوق للتضحية مع هذه المعرفة الواضحة البيّنة في قلوب المجاهدين وعوائلهم. وقد نال البعض هذا المقامَ الرفيع، والبعض في حال انتظار، والتحق البعض بميدان الجهاد بجسمه وروحه، وهو في حال انتظار ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ... ﴾[3] وهذا ما حصل، حيث أصبح جهاد

 

 


[1] رسالة بمناسبة تخليد الشهداء وتكريم الجرحى في أسبوع الدفاع المقدّس 10 رمضان 1425هـ/ 23/10/2004م.

[2] خطابه لدى لقائه آلاف العناصر من الطلبة الجامعيّين التعبويّين في سائر جامعات البلاد/5 جمادى الأولى 1428هـ/ 21/5/2007م.

[3] سورة الأحزاب، الآية 23.

 

137


127

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

الشعب الإيرانيّ الفريد من نوعه قدوةً ومثالًا للأمّة الإسلاميّة جمعاء، وأظهر للجميع عمليًّا سرَّ العزّة والاستقلال والسعادة الذي هو ذلك الجهاد وتلك التضحية عينها[1].

 

إنّ الشهيد بالنسبة إلى هذا الشعب، والبلد، وعائلته، وأولاده، وزوجته، وأبويه، هو نوع من التذكار، وسبب للعظمة والافتخار. كلّ هؤلاء الشهداء هم شهداء الشعب الإيرانيّ، بل إذا دقّقنا النظر، هم شهداء الأمّة الإسلاميّة. فالأشخاص الذين استُشهدوا إمّا في جبهة الحرب المفروضة علينا - كآبائكم - أو اغتالهم المنافقون في الأزقّة والطرقات، كانوا مؤثّرين في خلاص العالم من سلطة الشيوعيّين. في الحقيقة، كلّ هذه البلدان التي خرجت من تحت نير سلطة الشيوعيّين المفروضة عليهم والنظام الإلحاديّ، مَدينة لشهدائنا. وهذا أمر يمكن إثباته بالدليل التاريخيّ والعلميّ، وهو ليس مجرّد شعارات.

 

اليوم، إذ ترون نسيمَ الصحوة الإسلاميّة يهبّ في شمال أفريقيا، وأركان الحكومات التابعة والعميلة في تلك المنطقة تهتزّ، فإنّما هذا بتأثير دماء شهدائنا هؤلاء. إذًا، هؤلاء شهداء الأمّة الإسلاميّة. أو لنأخذ مثالًا القضيّة الفلسطينيّة التي أصبحت غريبة.... لقد تصوّر الجميع بأنّ القضيّة الفلسطينيّة قد انتهت ولن يدافع أحدٌ بعدُ عن حقّ ذلك الشعب.

 

لكن فجأة ظهر شباب مسلمون مؤمنون مضحّون ثوريّون في قلب فلسطين المحتلّة وبيت المقدس السليب - لا في الخارج ولا في الدول الأوروبيّة والآسيويّة وفي المؤتمرات - وأطلقوا الشعارات وبدأوا بأيديهم الخالية كفاحًا مريرًا، لا يزال مستمرًّا إلى الآن، وإن شاء الله سيبقى مستمرًّا

 


[1] رسالة بمناسبة يوم تكريم شهداء الدفاع المقدّس وجرحاه/6 رمضان 1427هـ/ 28/9/2006م.

 

138


128

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

حتّى تحقيق النصر. من أين ظهر هذا الكفاح الإيماني الحيّ؟ من دماء شهدائنا. وعليه، فشهداؤنا الأعزّاء ليسوا شهداء الشعب الإيرانيّ فحسب، بل شهداء الأمّة الإسلاميّة. وهم ليسوا مرتبطين بعوائلهم فحسب[1].

 

اليوم، مع تقدّم البلد وتألّقه، وتأثيره العميق في صحوة العالم الإسلاميّ، عادت وظهرت من جديد أهمّيّة جهاد شهدائنا الأعزّاء وتضحيتهم. نشكر الله الحكيم والقدير أنّ دماء شهدائنا لم تضع، وأنّ هذه التضحيات قد أمدّت الأمّة الإسلاميّة بروح جديدة. علينا جميعًا أن نشكر الله تعالى على ألطافه الظاهرة والخفيّة، ونسأله دوامها واستمرارها، والتوفيق لأداء التكليف[2].

 

لقد حافظ هؤلاء الشهداء بإيثارهم وتضحياتهم على بقاء راية الإسلام مرفوعة إلى الأعلى بعد أن رفعتها اليد القديرة لقائدنا الكبير الإمام الخمينيّ الجليل في هذا البلد، وعلى إعزاز الإسلام والمعنويّة في جميع أقطار العالم. فاليوم إذا كان يُسمع صوت مسلم في مشارق الأرض ومغاربها، وإذا كانت الشعوب المسلمة قد عادت إلى هويّتها الإسلاميّة، وبدأت تشعر بوطأة سلطة المستكبرين، وإذا ما عاد الجهاد الإسلاميّ الذي تمّ نسيانه لأعوام مديدة مرة أخرى إلى موقعه وقيمته الرفيعة، فإنّ الفضل في ذلك كلّه يعود إلى تأسيس نظام الجمهوريّة الإسلاميّة واستمرار الثورة الإسلامية التي هي مرهونة بدورها بشهادة هؤلاء الأفراد وعوائلهم وتضحياتهم وتضحيات الجرحى والمعوّقين الأعزاء


 


[1] في لقاء له (دام ظلّه) مع التلامذة والطلبة الجامعيّين النموذجيّين التابعين لمؤسّسة شاهد/5 ربيع الأوّل 1413هـ/ 2/9/1992م.

[2] تكريم قائد الثورة لمقام الشهداء وصبر عوائل الجرحى وصمودهم/24 شوّال 1432هـ/ 22/9/2011م.

 

139


129

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

والعظماء أيضًا. يجب على أمّتنا أن تعرف قدرَ هؤلاء الأعزّاء وأن تحفظ نتائج نضالاتهم وكلّ نجاحاتهم وانتصاراتهم من خلال بذل أرواحهم الغالية[1].

 


[1] رسالة بمناسبة يوم تخليد الشهداء في أسبوع الدفاع المقدّس/8 ربيع الأوّل 1411هـ/ 27/9/1990م.

 

140


130

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

الفصل الرابع

واجبنا تجاه الشهداء

 

 

1. تكريم الشهداء وتقدير عوائل الشهداء والجرحى

إنّ تكريم الشهداء وتخليد ذكرى هؤلاء الرجال العظام، يعزّ أكثر من الشهداء أنفسهم الشعبَ الذي ربّى بين أحضانه هذه الجواهر الأصيلة. وليس لنا في هذا التكريم أيّ منّة عليهم، بل هم من لهم المنّة علينا إذ أعزّونا ونوّرونا بنورهم وتألّقهم[1].

 

إنّ تكريم الشهداء هو تكريم للإيثار والإخلاص، تكريم للقلوب النورانيّة والأرواح المفعمة بالصفاء والنورانيّة[2].

 

الشهداء جوهرة ساطعة على جبين الدفاع المقدّس، وعليه، فصاحب القلب الواعي والضمير الصافي يعدّ تكريم الشهداء وشكرهم واجبًا عليه، وكلّ راج لعلوّ راية الإسلام، وكلّ مؤمن ببشارات القرآن الكريم يحييهم ويدعو لهم بالخير[3].

 

إنّ تشييع جثامين الشهداء -الذي جرى في بداية هذه الجلسة-كان عملًا مفيدًا جدًّا وبنّاء[4]. فأنْ يرى الناس

 


[1] رسالة بمناسبة يوم تكريم الشهداء والجرحى/22 ذي القعدة 1434هـ/ 26/9/2013م.

[2] من رسالة له في مراسم تشييع عدد من الشهداء ودفنهم في جامعة تربية المدرّس/25 شوّال 1429هـ/ 25/10/2008م.

[3] رسالة بمناسبة يوم تكريم الشهداء والجرحى في أسبوع الدفاع المقدّس/9 شعبان 1425م/ 23/9/2004م.

[4] ضمن أعمال التفحّص والتقصّي خارج الحدود، عثرت لجنة البحث عن المفقودين التابعة للقيادة العامّة للقوّات المسلّحة، على 92 شهيدًا في مناطق من العراق من بينها مناطق عمليّات الفاو وجزيرة مجنون ونُقلت في 24 مرداد من العام 1392ه.ش (15/8/2013م) عن طريق شلمجة إلى جمهوريّة إيران الإسلاميّة، وضمن مراسم رسميّة، جرى تبادلها بـ 61 جثّة لجنديّ عراقيّ. وفي يوم 11 من شهريور (2 آب/أغسطس) ومقارنة مع شهادة الإمام الصادق عليه السلام جرى تشييع هؤلاء الشهداء في طهران.

 

141


131

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

 شخصيّات محترمة وجليلة، رئيس المجلس المحترم وآخرين، يظهرون الاحترام لجثامين الشهداء ونعوشهم -شهداء لم يكونوا يعرفونهم، ولمجرّد أن يكونوا شهداء طريق الثورة وطريق الحق- فيذهبون ويمشون خلف هذه النعوش ويشيّعونها، لهو درس لمجتمعنا. وأقولها لكم بأنّ بلدنا ومجتمعنا لطالما كانا بحاجة إلى أن تبقى ذكرى الشهداء حيّة وطريق الشهداء ظاهر واضح[1].

 

اليوم هو فرصة للجميع لتجديد العهد مع الشهداء، لتقديرهم من صميم القلب، لإحناء الرأس إجلالًا لصبر عوائلهم وتضحياتهم، ولملء الأجواء باحترام الشهادة والشهيد وعوائل الشهداء. وطالما أنّ شعبنا يتحلّى بروحيّة الإجلال والاحترام للمضحّين في الخطوط الأماميّة، ستكون راية عزّته مرفوعة خفّاقة[2].

 

إنّ مسألة الشهادة والتضحية لا يعتريها القِدم، بل هي أداة الحركة في المجتمع، إلّا أنّ البعض يغفل عن هذه الحقيقة، وإنّ ما ترونه من النظرة السلبية تجاه الشهادة والإيثار لدى بعض ناشئ عن غفلتهم، فإنهم لا يدركون ما لصيانة حرمة الشهداء والمضحين من التأثير على واقع المجتمع والأمّة والبلاد.

 

فكلنا يعلم أنّ دم الإمام الحسين عليه السلام سُفك في كربلاء، فنال شرف الشهادة العظيم حتى غدا سيد الشهداء، وكان بالإمكان

 


[1] خطابه لدى لقاء الرئيس والأعضاء في مجلس خبراء القيادة/1 ذي القعدة 1434هـ/ 5/9/2013م.

[2] رسالة بمناسبة يوم الشهيد في عشرة الفجر 11 شعبان 1413هـ/ 3/2/1993م.

 

142


132

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

الاكتفاء بهذا الوسام، إلّا أنه لم يكتف بذلك حيث أُلقيت المسؤولية الكبرى منذ اللحظة الأولى على عاتق الإمام السجّاد عليه السلام وزينب الكبرى عليها السلام فحملا رسالة الإمام وندائه إلى كافة أنحاء العالم الإسلاميّ بمختلف الأشكال، وذلك بغية إحياء الدين الحقيقيّ والهدف الذي استُشهد الإمام الحسين عليه السلام من أجله، فأخذ الإمام السجّاد طيلة ثلاثين عامًا من عمره الذي عاشه بعد استشهاد أبيه، لا يفتأ يذكر الإمام الحسين ودمه واستشهاده في كلّ مناسبة، ولم يكن ذلك بهدف الانتقام من بني أميّة، فحتى بعد أن طويت صفحة بني أميّة وزال أمرهم، واستتبّ الأمر لبني العباس، كان الإمام الرضا عليه السلام يحثّ الريّان بن شبيب بعقد مأتم لذكر مصائب سيّد الشهداء، فلم يكن ذلك إلّا بهدف بقاء نهج الإمام الحسين عَلمًا لحركة الأمّة الإسلاميّة نحو أهداف الإسلام، فلا بدّ أن يبقى هذا العَلَم قائمًا، كما أنّه لا يزال قائمًا ولا يزال هاديًا إلى يومنا هذا.

 

شهداء الثورة مثال للفضائل الإنسانيّة

إنّ أهمّ مصدر قوّة لنا في قيام الجمهوريّة الإسلاميّة، هي القوّة البشريّة، حيث لم يكن عندنا سلاح ولا أموال ولا تنظيم ولا حزب، ولا دعم عالميّ، فلم ينهض هذا الشعب إلّا بقوّته الإنسانيّة، وما يملكه من الوعي والاستقامة، وهو ما أشار إليه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في حرب صفّين عندما قال: "وَلَا يَحْمِلُ هَذَا الْعَلَمَ إِلَّا أَهْلُ الْبَصَرِ وَالصَّبْرِ وَالْعِلْمِ بِمَوَاضِعِ الْحَقِّ"[1]، البصر يعني البصيرة والوعي، والصبر يعني الثبات، وإنّ قمِّة هذا البصر

 


[1] نهج البلاغة، الخطبة 173.

 

143


133

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

والصبر والوعي والاستقامة هم شهداؤنا وأسرانا المحرّرون والمعوّقون من أبنائنا، وهُم قمّة التضحية والإيثار فقد ضحّوا بأرواحهم في سبيل استمرار هذه الحركة وهذه النهضة الكبيرة والإنسانيّة، إنّهم مظهر الوعي والثبات. ألا يحتاج بلدنا للوعي؟ ألا يحتاج تحقيقُ طموحات هذه الأمّة وهذه الثورة إلى الثبات؟ ألا تحتاج هذه الأمّة، في وجهِ مكرِ ناهبي العالـَم وعداوتهم وبغضهم، إلى أن تتمسّك بسلاحها هذا دائمًا، أي بسلاح الإرادة والثبات والإيمان والوعي؟ إن كانت أمّتنا بحاجة إلى ذلك - وهي لا تزال بحاجة إلى التسلّح بهذه الأمور - فإنّ ذلك لا يكون إلّا من خلال صيانة رموز حمَلة هذه الصفات ورموزها في شعبنا، وهم الشهداء والأسرى المحرّرون والمعوّقون.

 

إنّ احترامي للشهداء وإخلاصي لأسرهم ليس ناشئًا من عواطف جافّة، وإنما لكونهم الرمز والقيادة الحقيقية لأمّتنا، فلا بدّ من الحفاظ على ذكراهم، هؤلاء الشبّان الأعزّاء وهذه الأُسَر المفعمة بالطاقة، هؤلاء الآباء والأمّهات والزوجات والأبناء يجب إجلالهم لأنّهم تمكّنوا من اجتياز هذا الطريق الطويل والمليء بالعقبات والمنعطفات بصبرهم واستقامتهم، لتبقى هذه الراية خفّاقة لأجيالنا ومستقبل بلادنا. إنّ عدونا يعي ما يفعل، وإنّ الذين يسعون إلى محو ذكريات المضحّين، والمجاهدين والشهداء والصبر والاستقامة في بلادنا من الأذهان إنما يُسدون خدمة للأعداء. وإنّ الذين يجلّون ذكر الشهداء هم الذين يخدمون شعبنا، فإنّ صبر الأعزة من شهدائنا هو الذي حقق العزّة لهذه الأمّة... وأنا أوصي جميع المتكلّمين المثقّفين والكتّاب وكلّ أصحاب المنابر، أنّهم إذا أرادوا إصلاح هذه البلاد وشعبها فما عليهم إلّا

 

144


134

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

أن يحيوا ذكر الشهداء وذويهم والمعوّقين[1].

 

شهداؤنا الكرام والمضحّون الأعزاء والأحرار الأُباة، وعوائلهم، والمفقودون هم القوّة الحقيقيّة للبلد المستمدّة من وجود كلّ من صمدوا على هذا السبيل من عسكريين وحرّاس ثورة وقوّات تعبئة. وكل شعب لديه مثل هؤلاء الشباب لا يمكن لأية قوّة عالميّة غاشمة أن تتحدّاه أو تفرض هيمنتها عليه أو تتحكّم بزمام أُموره. على الشعب الإيراني أن يشكر قلبًا ولسانًا كلَّ هذه التضحيات، ونحن جميعًا نستشعر آيات الامتنان لهؤلاء المضحّين[2].

 

إذا ما اقتربنا من أجواء الشهادة والشهيد وعائلة الشهيد، فمن أجل أنفسنا. إنّني نفسي - أنا العبد الفقير- أشعر أنّني بحاجة إلى ذلك. وإنّه لفخر لنا بأن نقرّب أنفسنا مهما استطعنا من أجواء الشهادة والشهيد[3].

 

لا شيء أكثر جدارة ولزومًا من أن نكرّم ونجلّ مضحّي مرحلة الحرب وجنود الإسلام الذين حملوا أرواحهم على أكفّهم، والأشخاص الذين رهنوا أنفسهم في وسط معركة الحقّ والباطل ليحفظوا سمعة الإسلام وسمعة هذا الشعب وحيثيّة الجهاد في سبيل الله، لا سيّما الصادقين الذين بذلوا كلّ ما يملكون في هذا الميدان، أعني بهم شهداءنا الأعزّاء وعوائلهم الصابرين المضحّين[4].

 


[1] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل الشهداء والمعوقين والأسرى المحرّرين في همدان/18 جمادى الأولى 1425هـ/ 2004/7/6م.

[2] خطابه لدى لقائه جمعًا من الأسرى المحرّرين/26 ربيع الثاني 1419هـ /18/8/1998م.

[3] كلمته لدى لقائه بأسرة الشهيد آويني/ 1 ذي القعدة 1413هـ/1993/4/22م.

[4] خطابه لدى لقائه جمعًا من المجاهدين، الطاقم والمسؤولين في قيادة أركان القوّات المسلّحة، هيئة الأركان المشتركة والقوّات الجويّة في جيش جمهوريّة إيران الإسلاميّة/17ربيع الأول 1412هـ/1991/9/25م.

 

145


135

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

فعلى عوائل الشهداء الأعزاء والأسرى الأعزاء وعلى معوّقينا الأعزاء وعوائلهم الكريمة أن يعرفوا قدر أنفسهم، وأن يثقوا بأنّ عملهم له قيمة كبرى اليوم ودائمًا، كما كان وسيكون له أثر كبير في إعلاء كلمة الإسلام. كما إنّ على الشعب كافّة أن يعرف قدر هؤلاء الأعزّاء وأن تكون الأجهزة الحكوميّة وأوساط الشعب على علم بأنّ الشهيد وعائلته والمضحّي وعائلته والأسير وعائلته يعدّون من أبرز وأشرف وأعزّ الناس جميعًا وينبغي التصرّف معهم على هذا الأساس، وإن كان الثواب والأجر الإلهيّ أكبر وأفضل وأبقى من كلّ شيء آخر[1].

 

فإنّ واجب الامتنان والشكر للمضحّين وخاصة الشهداء هو تكليف عينيّ وتعيينيّ ودائم[2].

 

2- تذكّر عداوة الأعداء وتضحيات الشهداء

الحق إنّ شعبنا العظيم مدين على مدى الأيام وطوال التاريخ لهؤلاء الفتية الذين استطاعوا بحضورهم المضحّي في صفوف الدفاع عن الوطن العزيز أن يوصلوا ثورتهم العظيمة إلى النصر وشعبهم العريق إلى العزة والكرامة. يجب ألّا ينسى شعبنا أبدًا تلك الأيام الصعبة التي كان فيها البلد الإسلاميّ هدفًا لغزو الأعداء وكانت العداوة والاضطهاد والخيانة تُمارس على شعبنا وبلدنا من الداخل والخارج بملابس مختلفة وتحت أسماء متعدّدة. ولقد كان إيثار الشهداء وتحمّل العوائل وحضور مجاهدينا هو

 

 


[1]  في لقاء ضمّه وجمع كبير من المعوّقين وعوائل الأسرى المعظّمين و.... 17 ربيع الثاني 1410هـ/1989/11/15م.

[2] رسالة بمناسبة اليوم الثاني من أسبوع الدفاع المقدّس، يوم الإيثار والشهادة 7 ربيع الثاني 1414هـ/1993/9/23م.

 

146


136

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

الذي أزاح الغيوم المظلمة لتلك الأيام الصعبة عن أفق حياة هذا الشعب وأنقذ البلاد باسم الله الأكبر وعناية ولي الله الأعظم (أرواحنا فداه) وقيادة الإمام الأغرّ الراحل[1].

 

يا حبّذا لو نضع نصب أعيننا على الدوام أنّ هذا التاريخ وهذه الثورة جاءا كحصيلة لذلك الجهاد ولتلك الدماء، لكي نتنبّه إلى طبيعة وماهية الأعداء السفّاكين الظالمين الذين كانوا - ولا يزالون - يتربّصون لهذه الثورة ولهذا البلد ولهذا الشعب ولا سيّما للشخصيات البارزة في هذه النهضة. هؤلاء الأعداء هم الذين اختطفوا الشهيد بهشتي من يد هذا الشعب، ولا يزالون في الوجود، والذين كانوا يقدّمون لهم العون لا زالوا يقدّمونه لهم حتّى اليوم. وعسى أن لا ينتهي بنا السذّج أو المنحرفون فكريًا إلى التصوّر بأنَّ عهد الأعداء والعداوات قد ولّى. لأنّ مثل هذا التصوّر يوقعنا في خطر جسيم. فليس ثمّة خطر أفدح من نسيان المرء أنّه يعيش في مواجهة مع عدوّه[2].

 

الأعداء الذين جعلوا المجاهدين ورجالنا ونساءنا الرشيدين والمضحّين، يقدّمون أرواحهم وأعزّ أحبابهم في مواجهته، هم اليوم يتربّصون بنا. وإنّ أدنى غفلة منّا ستودّي إلى هيمنة العدوّ علينا، وستذهب برأس المال الكبير للشعب الإيرانيّ هدرًا. علينا جميعًا أن نسعى من أجل إعمار إيران ورفعتها وحاكميّة الإسلام، ورضا القلب المبارك لوليّ الله الأعظم (أرواحنا فداه) عنّا، إن شاء الله[3].

 


[1] المصدر نفسه.

[2] في لقاء مع مسؤولي الجهاز القضائيّ/4 ربيع الأول 1419هـ/ 28/6/1998م.

[3] رسالة بمناسبة مراسم تعطير قبور الشهداء ورفع الغبار عنها/14 ذي الحجة 1424هـ/ 5/2/2004م.

 

147


137

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

إنّ عوائل الشهداء هم التذكار ومظهر الافتخار لهذا الشعب، لكن يوجد شيء آخر إلى جانب هذا، وهو أنّ عوائل الشهداء يجعلوننا دومًا نتذكّر هذه العداوات التي مورست على هذا الشعب. لا ينبغي نسيان العدوّ أبدًا[1].

 

3- تذكّر الدرس الذي علّمنا إيّاه الشهداء

والعمل برسالتهم

أعزّائي! أيّها النساء والرجال المسلمون المفتدون هذا البلد المربّي للشهداء! اعلموا أنّ دماء شهدائكم بحمد الله لم تذهب هدرًا. شبابكم كمولاهم وسيّدهم الحسين بن عليعليهما السلام استطاعوا بأرواحهم أن يعزّوا الإسلام والمسلمين. اليوم، أصبح المسلمون في العالم أقوياء، والشباب في مختلف مناطق العالم الإسلاميّ قد قاموا ونهضوا تحمّسًا للإسلام. من الذي فعل هذا؟ ومن الذي منح الإسلام هذه العزّة والمهابة والعظمة؟ ومن الذي أوجد هذه السمعة الحسنة للأمّة الإسلاميّة العظيمة؟ إنّهم شبابكم هؤلاء، أعزّاؤكم هؤلاء، بأرواحهم ودمائهم. هذا هو الدرس الذي علّمنا إيّاه الشهداء. يجب أن لا ننسى هذا الدرس أبدًا ولن ننساه[2].

 

 


[1] خطابه لدى لقائه جمعًا من الجرحى وعوائل الشهداء في محافظة كرمان 23 ربيع الأوّل 1426هـ/5/2/2005م.

[2] خطابه في لقاء جمع من عوائل شهداء محافظة لرستان 11صفر 1412هـ/ 21/8/1991/م.

 

148


138

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

3- 1. الحفاظ على روحيّة الإيمان وعزّة النفس

اليوم، ليس فقط إيران ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة وكرامة الشعب الإيرانيّ وعزّته وشرفه مديونين لتضحيات أولئك الأعزّة، بل إنّ العالم الإسلاميّ مدين لهذه التضحيات. وإذا ما كان للإسلام اليوم هذه الحيثيّة، حيث يمكنه جذب جماهير الناس والشباب المتنوّر في البلدان الإسلاميّة، فذلك بفضل هذه التضحيات. وإن كانت إيران والجمهوريّة الإسلاميّة تُشاهد اليوم عزيزةً ومحترمة في العالم، وأعمال البناء في البلد تسير على قدم وساق، والشعب الإيراني يسير يومًا فيومًا باتّجاه العزّة والسعادة، فهذا أيضًا ببركة هذه التضحيات. وعليه، يجب على الشعب الإيرانيّ أن لا ينسى أبدًا هذه الذكرى العظيمة، وعلى عوائل الشهداء أيضًا الذين هم أصحاب الثورة، أن يحفظوا دماء الشهداء الأعزّاء، وأن تتجلّى فيهم عزّة النفس نفسها، والتضحية نفسها، والإيمان نفسه[1].

 

3- 2ـ الحفاظ على روحيّة الإيثار

والتضحية وتقويتهما

إنّ الأمر المهمّ بالدرجة الأولى بالنسبة لهذا العبد الحقير، بعد التجليل والاحترام وتقديم أعلى درجات الشكر والامتنان للعوائل العزيزة، هو أن ينتبه جميع شعبنا العزيز إلى أنّ روح الإيثار هي المنجية لأيّ بلد، المنجية لأيّ شعب. إنّ سبيل النجاة هي في روح التضحية، روح الفداء، معرفة زمن القيام بالواجب، إنجاز العمل

 

 


[1] خطابه لدى لقاء جمع من عوائل الشهداء ومختلف شرائح الشعب 28 جمادى الأولى 1412هـ/ 12/4/1991م.

 

149


139

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

في الوقت المناسب، والموقع السليم[1].

 

إنّ الدفاع عن الإسلام اليوم هو أيضًا كما كان عليه زمن صدر الإسلام لا يمكن تحقّقه إلّا من خلال الإيثار والتضحية ويجب أن يبذل مال وأرواح ومساعي وعلم وحيثيّة المسلمين الصادقين وكلّ أموالهم ومدّخراتهم - كلّما دعت الحاجة -في سبيل الدفاع عن تلك الحقيقة المشرقة والمقدّسة. ويتوجّب على جميع أفراد الشعب وخصوصًا على المسؤولين في الحكومة الإسلاميّة أن يتذكّروا دائمًا هذا الدرس الذي سطّره الشهداء وأن يطلبوا من الله تعالى التوفيق والنجاح في هذا الطريق[2].

 

3- 3 . الجهوزيّة الدائمة للدفاع عن القيم

وحاكميّة الإسلام

إنّ الدرس الكبير الذي نتعلّمه من الشهداء الأعزّاء هو أنّه يجب أن نجعل أرواحنا وكلّ ما نعتبره عزيزًا علينا - كلّما دعت الحاجة لذلك - درعًا في سبيل الدفاع عن القيم الإسلاميّة وأيضًا أن ندافع بكلّ وجودنا عن حاكميّة الإسلام الذي يُعدّ سببًا للعزّة والشرف والحريّة[3].

 

3-4. تشخيص التكليف والتلبية عند الحاجة

لقد ترك لنا الراحلون الذين ساعدونا بإيمانهم ووعيهم

 


[1] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل شهداء كرمانشاه وجرحاها/15 ذي القعدة 1432هـ/ 13/10/2011م.

[2] رسالة تخليد شهداء الثورة الإسلاميّة والحرب المفروضة وتكريم الجرحى وعوائلهم المعظّمة /3 شعبان 1412هـ/ 2/6/1992م.

[3] المصدر نفسه.

 

150


140

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

وشجاعتهم وتضحياتهم، على طيّ هذا الطريق الباعث على الافتخار، وطريق عظمة الإسلام وإيران، دروسًا لا تُنسى. وتكليفنا هو أن نستفيد من هذه الدروس. علينا بالالتفات إلى موقعيّتنا، وبالالتفات إلى حاجات البلد، وبالالتفات إلى التهديدات التي تواجهنا وتواجه مصالح البلد في كلّ عصر، أن نشخّص تكليفنا ونقويّ أنفسنا روحيًّا وجسديًّا، لمتابعة هذا الطريق المجيد الذي فتحه شهداؤنا الأعزّاء أمامنا بالتضحية بأرواحهم[1].

 

إنّ ذكرى الشهداء هي ذكرى القيم الإنسانيّة، وتكريمهم هو إجلال لأسمى الخصال البشريّة. يجب أن يكون تكريم الشهداء مصحوبًا بالتدبّر والاعتبار. فهؤلاء هم الحكماء الذين استبدلوا أنفسهم المستعارة وبضاعتهم العابرة والزائلة بالنعيم الإلهي الدائم، وتخلّصوا من الخسران الذي يُبتلى به كلّ إنسان عن إرادة أو من دون إرادة أي الاضمحلال التدريجي لرأسمال الحياة واستبدلوه بأفضل وجه. وأعمالهم الصالحة التي تنبع من إيمانهم الراسخ هي أفضل الأعمال الصالحة.

 

هذا هو الدرس الكبير الذي يقدّمه لنا دومًا الشهيد من خلال حضوره وكرامته والأجر العظيم الذي وُعد به، إنّه يقدّمه لنا نحن الذين لا نزال سجناء خلف أسوار الماديّة والأنانيّة، ويدعونا إلى الجهاد والهجرة إلى الله والسعي المخلص في سبيل الله أي إلى أداء التكليف الذي يقتضيه كلّ زمان وتلبية المطلوب في كلّ لحظة[2].

 


[1] كلمته في المراسم المشتركة للقوّات المسلّحة في قاعدة الشهيد “نوجه” الجوّيّة في همدان 20 جمادى الأولى 1425هـ/ 2004/7/8م.

[2] رسالة بمناسبة يوم تخليد الشهداء وتكريم الجرحى، 11 ربيع الأول 1417هـ/ 26/7/1996م.

 

151


141

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

3ـ 5. اليقظة وعدم الانحناء أمام المستكبرين

لا يظنّنّ أحدٌ بأنّ القوى الكبرى قد تصالحت مع الإسلام. لا يتصوّرنّ أحدٌ بأنّ الأمّة الإسلاميّة ليست بحاجة للوقوف والمقاومة ضدّ المستبدّين العالميّين. كلّ ما لم يفعلوه ضدّنا، لم يستطيعوا القيام به. وكلّ عمل يتأتّى لهم ضدّ الأمّة الإسلاميّة لا يتوانون عنه. علينا أن نكون يقظين. علينا أن نقف على أرجلنا ونكون أقوياء، ولا ننسى ما يريده منّا القرآن الكريم، علينا أن لا ننسى رسالة هذه الدماء الطاهرة. علينا دائمًا أن نجعل وصيّة إمامنا الراحل كحلقة في آذاننا. فهو قد عرف أعداء الإسلام جيّدًا. والأعداء هم أنفسهم الذين تحدّث عنهم الإمام. العدوّ يكون ضعيفًا أمام الشعب الذي يقف على رجليه، كشعبنا. العدوّ في المقياس المادّي قوي، لكنّه في المقياس المعنوي ضعيف جدًّا. على شعبنا أن يبقى في الميدان بالمعنويّة نفسها، والإيمان نفسه، والوحدة نفسها، والوعي والذكاء نفسه الذي أظهره منذ بداية الثورة[1].

 

إنّ تكريم الشهداء يتجلّى أيضًا في أن لا يحني هذا الشعب رأسه أبدًا أمام المتسلّطين المستكبرين وأن لا يستسلم في مواجهة وساوس أعداء عظمة الإسلام. إنّ سلوك هذا الطريق هو الذي سيخوّل شعبنا وجميع المسلمين العزّة والتوفيق والنجاح في الدنيا والفلاح ورفعة الرأس في الآخرة وسوف يقطع أيادي الشياطين المتنوّعة[2].

 

إنّ طريق العزّة والكرامة والرفعة في الدنيا ونيل رضا الله في الآخرة، هو طريق الثورة والثبات والصمود في مواجهة أعداء الله. يريد العدوّ للشعب الإيراني أن يتعب، غافلًا عن أنّ هذا الشعب مع هذه العظمة وهذه الدماء التي أُريقت في سبيل الله، لن يتعب من الاستمرار في طريق الله.

 


[1] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل شهداء محافظة لرستان/11 صفر 1412هـ/ 21/8/1991م.

[2] رسالة بمناسبة يوم تخليد الشهداء في أسبوع الدفاع المقدّس/18ربيع الأول 1412هـ/ 1991/9/26م.

 

 

152


142

3. تذكّر الدرس الذي علّمنا إيّاه الشهداء والعمل برسالتهم

يريد العدوّ أن يسلب هذا النموذج من الشعوب المسلمة، يريد إظهار أنّ هذا الشعب قد تعب وتزلزل في طريقه ونهجه. وقد أثبتم دومًا بأنّ العدو يكذب، وعليكم أيضًا أن تثبتوا ذلك مجدّدًا، عليكم أن تبيّنوا خطأ ادّعاء العدوّ الكاذب، وهذا يكون بالحضور في ميادين الثورة[1].

 

4ـ اتّخاذ الشهداء قدوة وصناعة القدوة

منهم للجيل الشاب

فقد كان أولئك الشباب أصحاب رشد وطاهري السريرة وقد فهموا الأهميّة الحسّاسة لبلدهم بوعيهم وإدراكهم المرتفع وقبلوا بكلّ شوق وظيفة الجهاد العظمى في سبيل الله، ومن دون هذه المجاهدات لن يصل أي شعب أو بلد إلى العزّة والتسامي. إنّ بلدنا مدين لتضحيات هذه الأرواح العزيزة والعائلات الصبورة. يحق لأيّ شعب يقوم بتربية مثل أولئك الفرسان الشجعان وأصحاب الوعي في حضنه أن يفتخر بهم ويعتبرهم نموذجًا (مثالًا) لتربية الشباب فيه في مختلف الأزمنة.[2]

 

عندما تعرّض الشهيد (أملاكي) مساعدُ فرقة جيلان للقصف الكيمياويّ كان إلى جانبه تعبويٌّ لم يكن لديه قناع للوقاية، فخلع الشهيد أملاكي قناعه وألبسه لذلك التعبوي! هذه هي البطولة، وكلاهما استشهد، غير أنّ الخلود كان نصيب هذه البطولة.. وهؤلاء

 


[1] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل الشهداء ومفقودي الأثر، الأسرى المحرّرين والجرحى في محافظة بوشهر/26 جمادى الآخرة 1412هـ/ 1/1/1992م.

[2] رسالة بمناسبة أسبوع الدفاع المقدّس/23 جمادى الآخرة 1421هـ/ 21/9/2000م.

 

153


143

3- الآثار العالميّة والتاريخيّة للشهادة

هم الذين لا يطويهم الفناء ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾[1]، إنّهم أحياء عند الله وفي قلوبنا وعقولنا وفي أوساط حياتنا. وثمّة أب لأحد الشهداء في مدينتكم جيلان عندما جاؤوا بابنه شهيدًا محزوز الرقبة قبّل ابنه من عنقه ولم يتأوّه أبدًا! هؤلاء هم قدوتنا[2].

 

عند ذكر الشهادة والشهداء وتمجيد عظمة الشهداء، فإنّ كلّ إنسانٍ وكل قلبٍ يشعر بالعظمة، ويشعر بالغنى عن ما سوى الله تعالى.. فكلّ هؤلاء الشهداء الذين تعرفونهم، هؤلاء أعزّاؤكم وشبابكم هم جميعهم قدوة. إنّ كلّ شاب، اندفع بالإيمان المقدّس والطهارة، وخرج من بيته، وتخلّى عن راحته وحضن الأب والأم، وآثر تلك الأحداث الدمويّة المليئة بالاضطراب والأهوال على النسائم الباردة في حرّ الصيف، والأجواء الدافئة في عزّ الشتاء، ووضع جسمه وروحه على كفّه ليجعلها فداءً للتكليف والمسؤوليّة، هذا يُعدّ نموذجًا وقدوةً. هذه عظمةٌ تجسّمت مقابل أعيننا[3].

 

إنّ الوجوهَ النورانيّة والجذّابة للشهداء الرفيعي المقام هي نموذج لكلّ الشبّان الذين يقدّرون هويّتهم الإسلاميّة ويعدّون هيمنة الأجانب السياسيّة والثقافيّة والاقتصاديّة مذلّةً كبيرة لا يمكنهم تحمّلها[4].

 

الشهيد معنى كبير وحقيقة تثير الدهشة، ولكن بما أننا اعتدنا

 

 


[1] سورة آل عمران، الآية 169.

[2] في لقاء مع الشباب والمثقّفين في مصّلى رشت/10 ربيع الأول 1422هـ/ 2/6/2001 م.

[3] خطابه لدى لقائه جمعًا من الناس وعوائل الشهداء والجرحى/7 ربيع الثاني 1433هـ/ 29/2/2012م.

[4] رسالة بمناسبة يوم الشهداء في أسبوع الدفاع المقدّس/19 رجب 1423هـ/ 2002/9/26م.

 

154


144

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

على مشاهدة الشهداء، وكثيرًا ما شهدنا معالم التضحية والفداء والعظمة والطريق الذي انتهى بهم إلى الشهادة، بقيت هذه الحقيقة الوضّاءة خافية عنّا، كحقيقة الشمس التي تبقى لشدّة ظهورها خافية على من يراها على الدوام. في ما مضى، حينما كان الحديث يدور حول مثال من شهدائنا في العصر الحاضر، أو من شهداء صدر الإسلام ويشار إلى سلوكه وسيرته، كان يحصل ثمة تغيّر واضح ومدهش في القلوب وفي النفوس، وحتى في الأعمال والنوايا. فكلّ واحد من هذه الكواكب المنيرة بإمكانه أن يُضيء عالمـًا بأسره، ومعنى هذا أنّ حقيقة الشهادة حقيقة عظمى[1].

 

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

5-1.أهميّة إبقاء ذكرى الشهداء حيّة

لديّ اعتقاد راسخ بأنّ إحدى الحاجات الأساسيّة للبلد هي إحياء ذكرى الشهداء، وأنّ هذه الحاجة تبدو ضرورية وحيويّة لمستقبل البلاد، سواء كنّا أناسًا متديّنين متعبّدين، أم لم نكن كذلك إلى هذا الحدّ لكنّنا نحرص على مصير هذا البلد وهذا الشعب. إنّ ثقافة الشهادة هي ثقافة السعي والتضحية وبذل النفس في سبيل الأهداف البعيدة الأمد المشتركة بين جميع الناس. وطبعًا، ليست تلك الأهداف خاصة بشعب إيران ولا بالعالم الإسلامي، بل هي أهداف عالم الإنسانيّة. وإذا ما تكرّست هذه الثقافة لدى شعب لأصبحت في الجهة المقابلة تماما لثقافة النزعة الفرديّة السائدة[2] في الغرب، والتي تقيس كل شيء

 


[1] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل الشهداء، 1 محرم 1418هـ/ 7/5/1997م.

[2] أو ثقافة الاتجاه الفردي، الناشئة من محورية الفرد (المعرّب).

 

155


145

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

بمعيار المصلحة الخاصة والنفع الشخصي، وتقيّم كل شيء بمعيار مالي وبقيمة العملات النقدية، وكلّ هذا الأمر بهدف الحصول على المال والنفع المادي. وهذا مناقض لثقافة ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ﴾[1]. فهؤلاء أفراد يعملون بالإيثار وبثقافة الإيثار والصفح والتضحية بالنفس من أجل مصير المجتمع والشعب. إذا انتشرت هذه الثقافة وعمّت، وإذا توفّرت لأيّ بلد وأيّ مجتمع فلن يتوقّف أبدًا، ولن يتراجع إلى الوراء، بل سيتقدّم إلى الأمام. إنّ عملكم هذا يحيي هذه الثقافة. وعليه، فإني أتقدم بالشكر لكلّ الإخوة والأخوات المتعاونين والمشاركين في هذا العمل الصالح، وأتمنى لهم التوفيق جميعًا[2].

 

ولعل حفظ دماء الشهداء لا يقلّ في مشقّته أحيانًا عن الشهادة ذاتها. والمشاقّ التي تحمّلها الإمام السجّاد (عليه السلام) على مدى ثلاثين سنة، والصعوبات التي كابدتها السيّدة زينب الكبرى عليها السلام سنوات طويلة، تدخل في هذا السياق، فقد كابدا الكثير حتى استطاعا حفظ هذه الدماء، ومن بعدهما لقي جميع الأئمة عليهم السلام مثل هذا العناء حتى عصر الغيبة. اليوم هذه هي مهمّتنا[3].

 

أريد اليوم أن أتحدث حول بعض المواضيع، وبمناسبة اقتراب ليلة أربعين سيد الشهداء عليه السلام التي لها علاقة وثيقة بهذه الجهود القيمة التي تُبذل في عصرنا هذا إحياءً لذكرى الشهداء واسمهم. إن أهمية الأربعين تعود في الأصل إلى أنّ النهضة الحسينية، وبفضل التدبير الإلهيّ لآل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، تخلّدت في هذا اليوم

 


[1] سورة الحشر، شطر من الآية 9 .

[2] في لقاء مع أعضاء لجان مؤتمر شهداء الشؤون التربويّة، مؤتمر الطلّاب الشهداء ومؤتمر الشهداء الفنّيّين 27 ربيع الثاني 1436هـ/ 16/2/2015م.

[3] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل الشهداء 1 محرم 1418هـ/ 7/5/1997م.

 

156


146

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

وإلى الأبد وأصبحت أساسًا وقاعدة. فلو لم يهتم ذوو الشهداء وعوائلهم بالحفاظ على ذكريات وآثار الشهادة في الأحداث المختلفة - من قبيل شهادة الحسين بن علي عليه السلام في عاشوراء - لما استطاعت الأجيال التالية أن تستفيد كثيرًا من معطيات الشهادة. صحيح أنّ الله تعالى جعل الشهداء أحياءً حتى في هذه الدنيا وأنّ الشهيد خالد بطبيعته في التاريخ وفي ذاكرة البشرية، إلّا أنّ الأدوات الطبيعية التي قيضها الله تعالى لهذا العمل - وككلّ الأعمال - كامنة في اختيارنا وإرادتنا نحن. إنّنا نحن الذين نستطيع بفضل عزمنا الأكيد وقرارنا المناسب أن نحيي ذكرى الشهداء وفلسفة الشهادة وأن نُبقيَ عليها حيّة دائمًا.

 

سر الخلود في واقعة عاشوراء:

لو لم تجِدّ زينبُ الكبرى عليها السلام والإمام السجّاد عليه السلام في الجهاد وتبيين وإيضاح حقيقة فلسفة عاشوراء وهدف الحسين بن علي عليهما السلام وظلم الأعداء، وذلك على طوال أيام الأسر - سواء في عصر يوم عاشوراء في كربلاء أو في الأيام التالية في الطريق إلى الشام والكوفة وفي الشام نفسها وبعد ذلك عند زيارة كربلاء والعودة إلى المدينة ثم على مدى الأعوام التي عاشها هؤلاء العظماء- لما بقيت حادثة عاشوراء نابضة وحيّة وملتهبة حتى اليوم.

 

لماذا قال الإمام الصادق عليه السلام، - طبقًا لبعض الروايات - : "من قال في عاشوراء بيتًا من الشعر فأبكى به، أوجب الله له الجنة"[1] لأنّ جميع الأجهزة الإعلاميّة قد أعدّت من أجل جعل قضيّة عاشوراء وقضيّة آل البيت بصفة عامّة منعزلة عن الواقع

 


[1] بحار الأنوار، ج44، ص282.

 

157


147

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

ومنطوية تحت أستار الظلام حتى لا يفهم الناس ماذا حدث وما هي القضية. وهكذا هو الإعلام. فما أشبه اليوم بالبارحة، حيث تستغل القوى الظالمة والجائرة وسائل الإعلام الكاذبة والمغرضة والشيطانية على أوسع نطاق. فهل كان من الممكن أن تخلد قضيّة عاشوراء مع ذلك الوضع - الحادثة التي وقعت بهذا القدر من العظمة في صحراء في ركن من أركان العالم الإسلامي - على ما هي عليه من التدفق والحيويّة وفي جو كهذا؟ إنها كانت ستُمحي بالتأكيد لولا هذه الجهود.

 

إنّ الذي أحيا هذه الذكرى هو ما بذله آل بيت الحسين بن علي عليهم السلام من جهود. فبقدر ما تحمّله جهاد الإمام الحسين بن علي عليهما السلام وأصحابه بصفتهم حَمَلةً للواء، كان جهاد زينب عليها السلام وجهاد الإمام السجاد عليه السلام وباقي هؤلاء العظماء شاقًا كذلك. وبالطبع فإنّ ساحتهم لم تكن عسكريّة، بل كانت إعلاميّة وثقافيّة. وهذا ما ينبغي أن نهتمّ به.

 

إن الدرس الذي نتعلّمه من الأربعين هو وجوب الحفاظ على ذكرى الحقيقة وخاطرة الشهادة حيّةً في مقابل إعصار إعلام العدو. انظروا إلى حجم الإعلام الهائل ضدّ الثورة والإمام والإسلام وهذا الشعب منذ بداية الثورة وحتى اليوم. إنّهم لم يتركوا شيئًا إلّا استنفدوه بغزارة ضدّ الحرب، هذه الحرب التي فُرضت علينا فخضناها دفاعًا عن الإسلام والوطن وكرامة وشرف الشعب. وانظروا ماذا فعل الأعداء - بشكل مباشر أو غير مباشر-ضد شهداءنا الأعزاء الذين حملوا أرواحهم، وهي أغلى ما لديهم، على أكفهم وبذلوها في سبيل الله، وما هي الإشاعات التي أثاروها في أذهان البسطاء في شتى أرجاء العالم، عن طريق الإذاعات والصحف والمجلات والكتب التي كانوا يقومون بنشرها.

 

158

 

 


148

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

وحتى بعض الأشخاص من السذّج والجهلة، والوجهاء وغير الوجهاء في بلادنا أيضًا كانوا يتحدثون في ذلك الجوّ الملتهب أيام الحرب بما يدلّ على جهلهم وعدم إحاطتهم بالحقائق. وهذه هي الأمور التي كانت تغضب الإمام العزيز فتدفعه إلى الإفصاح عن الحقائق بتلك الصيحة الملكوتية. فلو لم يقف الإعلام الحقّ في مواجهة تلك الدعايات ولو لم يوظَّف وعي الشعب الإيرانيّ وكذلك جهود المتحدثين والكتّاب والفنانين في خدمة الحقيقة الكائنة في هذا البلد، لتغلّب علينا العدو في الساحة الإعلاميّة.

 

إنّ الساحة الإعلاميّة هي ساحة واسعة وخطرة. ولكنّ الأغلبيّة الساحقة من أبناء شعبنا وأفراد جماهيرنا قد أمّنت نفسها وحصلت على مناعتها في مواجهة دعايات العدو ببركة الوعي الذي أحدثته الثورة. فمن كثرة ما افترى العدو من أكاذيب وما بذل من مساعٍ لقلب الحقائق السافرة أمام العيان، فقد فَقَدَ شعبنا تمام الثقة في ما يبثّه الإعلامُ العالميّ من تقوّلات وادعاءات وثرثرة. وهكذا كان إعلام "يزيد" وجهازه الظالم الجبار الذي كان يسعى إلى إدانة الحسين بن علي عليهما السلام وإظهاره بمظهر المحبّ للدنيا الذي ثار ضدّ جهاز العدل والحكومة الإسلاميّة!!

 

لقد كان البعض أيضًا يصدّق مثل هذه الدعايات الكاذبة. وحتى بعد أن استشهد الحسين بن علي عليهما السلام بذلك الوضع المدهش وتلك الصورة المفجعة على أيدي اللئام في صحراء كربلاء، فإنّهم حاولوا التعبير عن ذلك بأنّه غلبةٌ لهم وفتح! ولكن الإعلام الصحيح لجهاز الإمامة فنّد كلّ هذه المزاعم. وهكذا هو الحق[1].


 


[1] في لقاء مع مختلف شرائح المجتمع في نائين وابرده خراسان و ...... 20 صفر 1410هـ/ 20/9/1989م.

 

159


149

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

ينبغي مواصلة طريق هؤلاء الأعزّاء، ليس فقط من قبل عوائل الشهداء، بل من قبل الشعب الإيراني كلّه، وبالرغم من قساوة العدوّ، سيُواصَل هذا الطريق. فهذا الطريق هو طريق القيم، طريق رفعة إيران والشعب الإيرانيّ، طريق رفع راية الإسلام[1].

 

إنّ حقيقة الشهادة حقيقة عظمى. ولو بقيت هذه الحقيقة حيّة على يد مَن تقع على عاتقهم اليوم مسؤوليّة إزاء الشهداء، وتحفظ لها قدسيّتها ومكانتها، سيبقى تأريخنا المقبل يستقي العبر من تضحياتهم الكبرى، مثلما بقي التأريخ إلى يومنا هذا يستقي المثل السامية من دماء سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه والسلام التي أريقت ظلمًا، لأنّ ورثة تلك الدماء استثمروها في غاية الحكمة والتدبّر وبأروع الأساليب وأبدعها للحفاظ على ثمارها[2].

 

يجب ألا ننسى ذكرى شهدائنا، وأن نُبقي على ذكراهم حيّة وخالدة في ذاكرة الأجيال في كافة أنحاء البلاد. لقد بلغ عدد الشهداء في محافظة خراسان - بما فيها المحافظات الثلاثة الحالية - ثلاثة وعشرين ألف شهيد، وهي نسبة عالية جدًا تدعو إلى التقدير والفخر. فلا تدعوا غبار النسيان يحجب بريق هذه الذكريات الكريمة، وحافِظوا على بقائها بعناية، فلربما تعمّد البعض قاصدًا إهالة التراب على هذه الذكريات الحميمة. وهذا هو أيضًا واجب المسؤولين، بما في ذلك مسؤولي مؤسسة الشهيد وأجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة. وعلى عوائل الشهداء أن يعملوا أيضًا على الحفاظ

 

 


[1] خطابه لدى لقاء عوائل الشهداء، الجرحى والأسرى المحرّرين في محافظة همدان/18 جمادى الأولى 1425هـ/ 6/7/2004م.

[2] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل الشهداء/1 محرم 1418هـ/ 7/5/1997م.

 

160


150

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

على إحياء ذكرى شهدائهم ما استطاعوا[1].

 

الشهداء الأعزّاء ورفيعو المقام هم من أحكموا بالتضحية بأرواحهم وأنفسهم هذا البناء الشامخ، وأظهروا الجوهر المتألّق للشعب المؤمن. وذكراهم مانحة للحياة كالدم الذي يُحقن في جسد كلّ إيرانيّ. ينبغي لهذه الذكرى أن تبقى دائمًا حيّة ومستمّرة[2].

 

هذا من واجبنا وواجبكم، أحيوا ذكرى الشهداء الأبرار الذين ضحّوا بأعزّ وأثمن ما يملكون، إذ أعزّ شيء عند كلّ ذي روح - سواء الإنسان وغيره - هو نفسه، وهذا الموضوع بشأن الإنسان أوضح من أن يحتاج إلى بيان. ومع كلّ هذا تراه يحمل أثمن ما يملك، ويخاطر به. لو كانت لدى أحدكم جوهرة ثمينة فهو لا يأخذها معه إذا كان عازمًا على سفر شاق. الذين يحملون أثمن ما يملكون لأجل الدفاع عن الحق وعن الحقيقة وعن استقلال البلد وكرامته، وللذود عن شرف الشعب، وللتصدي لأطماع العدو المتربص على الدوام، ويقصدون بها سوح الوغى، يخاطرون بهذه الثروة العظيمة، نعم لا تذهب جميع هذه النفوس من أيدينا، ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾[3] إلّا أنّه يُخاطَر بالجميع، وهذا الأمر على قدر كبير من الأهمية. أكرموا ذكرى الشهداء، فالذين قتلوا في هذا الطريق لهم السبق والنصيب الأوفر[4].

 

إنّ كلّ ما تملكه الثورة الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية

 

 


[1] في لقاءٍ مع عوائل شهداء خراسان وجرحاها/30 ربيع الثاني 1428هـ/ 17/5/2007م.

[2] رسالة بمناسبة يوم تخليد ذكرى الشهداء وتكريم الجرحى/5 شوال 1430هـ/ 24/9/2009م.

[3] سورة الأحزاب، شطر من الآية 23.

[4] خطابه لدى لقائه جمعًا من القادة وطاقم الجيش، عشيّة يوم جيش الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة/9 ذي الحجة 1417هـ/ 1997/4/16م.

 

161


151

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

المقدّس من حياة وبهاء وثبات وتعالٍ، فهو من هذه التضحيات وهذا الإيثار، وإنّ هذا لأمرٌ جَلَلٌ وحقيقة بيّنة في ميزان العدل الإلهي، ويترتّب عليه ثواب إلهيّ هو أسمى من كلّ الدنيا وما فيها. كذلك فإنّه من الطبيعي أن تقع على عواتق أفراد المجتمع، لا سيّما مديريه ومسؤوليه، تكاليف حيال هذه الشخصيات الكريمة، والتي أهمها المحافظة على أسمائهم وذكراهم ونهجهم حيّة. وإنّ سبيل الله لا يمكن له أبدًا أن يكون في غِنًى عن التضحيات الكبرى التي يقدّمها الناس الأجلّاء، جعلنا الله جميعًا من زمرة هؤلاء الناس[1].

 

إنّ قضيّة الحرب المفروضة وآثارها - ومنها هذه التضحيات والإيثار والشهادة - ليست قضيّة عاديّة ومتعارفة، هي قضيّة استثنائيّة. إذا نظرنا جيّدًا، يمكن لهذه الحوادث التي حصلت في هذه السنوات وهذه التضحيات التي جسّدها شبابنا، أن تكون ذخرًا خالدًا لديمومة الثورة. فلا ينبغي لنا أن ندع هذا الذخر دونما استفادة، والسبيل إلى ذلك هو أن تبقى ذكرى الشهداء حيّة.

 

إنّ تكريم الشهداء اليوم والحفاظ على الذكرى الجليلة لهؤلاء الأعزّاء واجب. البعض يريد أن يضع هذه القضيّة طيّ النسيان، الأشخاص أنفسهم الذين لا ينسجمون مع ثقافة الثورة ومبادئها وأهدافها، لا ينسجمون أيضًا مع الحفاظ على ذكرى الشهداء ولا يروق لهم ذلك. لكنّ شعبنا يحبّ الشهداء، لأنّ الشهداء آثروا على أنفسهم، وتركوا حياتهم وراحتهم الشخصيّة، وذهبوا وقدّموا أرواحهم في جبهات الحرب. هذا ليس بالشيء القليل، هذا شيء غاية في العظمة. يمكن للإنسان في مقام الكلام أن يتكلّم كثيرًا، لكن في مقام العمل، فالعمل ليس من شأن الجميع. والأمر يتطلّب

 


[1] - رسالة بمناسبة اليوم الثامن من عشرة فجر الثورة الإسلاميّة المباركة ويوم الإيمان والإيثار والشهادة/28 رمضان 1417هـ/ 16/2/1997م.

 

162


152

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

إيمانًا عاليًا، وعزيمة راسخة وإرادة حديديّة، ليتمكّن الإنسان من ورود هذا الميدان، وهذا ما فعله الشهداء[1].

 

لا يتصوّرنّ أحد أنّ عهد الحديث عن الشهداء والجنود المضحّين ومجاهدي ساحات الحرب قد انقضى! هذا العهد لا ينقضي أبدًا[2].

 

على الحرس، الجيش، التعبئة، جهاد البناء والأجهزة الحكوميّة أن يحيوا ذكرى الشهداء، وأن يحيوا مفهوم الشهادة، هذا المفهوم العظيم والمهمّ والمؤثّر جدًّا، ويحافظوا عليه في إيران الإسلاميّة وبين أبناء الشعب الإيراني المكافح. هذا على الرغم من أنّ دماء شهدائنا الطاهرة قد أحيت هذا المفهوم (الشهادة) على مستوى العالم[3].

 

5-2. أساليب الحفاظ على ذكرى الشهداء حيّة

5ـ 2ـ 1. إقامة مجالس لتكريم الشهداء

تعتبر مؤتمرات (ملتقيات) إحياء ذكرى هؤلاء الشهداء استمرارًا لمسيرة الجهاد والشهادة. لو لم يتكرر ذكرُ أسماء شهدائنا ويكرّموا ويعظّموا، ولو لم يتحوّل احترامهم واحترام أُسرِهم في مجتمعنا إلى ثقافة - ولحسن الحظ فقد غدا ثقافة


 


[1] كلمته لدى لقائه أعضاء هيئة مؤتمر تكريم ثلاثة آلاف شهيد في محافظة سمنان/15 رجب 1436هـ/ 2015/5/4م.

[2] خطابه في لقاء القادة وطلّاب جامعة قوّات المشاة في الجيش/5 جمادى الأولى 1414هـ/ 20/10/1993م.

[3] خطابه في لقاء عوائل القادة الشهداء في محافظة طهران/1 محرم 1418هـ/ 7/5/1997م.

 

163


153

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

عندنا - لطوى النسيان الكثيرَ من هذه الذكريات القيّمة والثمينة، ولكان هذا التعظيم الكبير الذي يظهر في المجتمع بفضل مسيرة الشهادة قد غاب في مطاوي النسيان. لا تسمحوا بحدوث مثل هذا الأمر بعد الآن. ينبغي أن تصبح ذكرى الشهداء وذكر أسمائهم والبحث في سيرهم والتدقيق في زوايا حياتهم يومًا بعد يوم أكثر رواجًا في أوساط المجتمع. وإذا ما حصل هذا الشيء فستبقى قضية الشهادة - وهي الجهاد الحقيقيّ في سبيل الله - قوية راسخة في مجتمعنا. وإذا تحقّق هذا الأمر فلن يُمنى المجتمع بالهزيمة ولن يكون للهزيمة معنى بالنسبة له، بل سيتقدم باستمرار. وهذا الأمر هو تمامًا كمسيرة الإمام الحسين بن علي عليهما السلام وما حدث له، وها قد مضى اليوم 1300 عامًا أو أكثر على استشهاد سيدنا أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وما زالت قضيته تتعاظم وتكبر يومًا بعد يوم. ثمة معانٍ ومضامين داخل هذه القصة (القضية) وهي مضامين ضروريّة لكي يحيا المجتمع حياةً إسلامية. لولا انتشار هذه المضامين ورواجها لما كان اليوم ثمة أثر للإسلام والقرآن وحقائق المعارف الإسلامية. والأمر كذلك في الوقت الحاضر. لا تدعوا أسماء الشهداء وذكرياتهم يلفّها النسيان أو تُصاب بالقِدَم، وبالطبع فليكن ذلك بأساليب مبتكرة، فهذه المؤتمرات التي تقيمونها أيها السادة -وهي قيمة جدًا-ليست مجرد مجالس عريضة (لقراءة) الفاتحة، وإنما هي ملتقيات ذات مضامين خاصة، يجب أن تفسّر فيها معاني الشهادة، ويُعرّف الشهداء وتبيّن وتكرِّس ثقافة الشهادة في المجتمع[1].

 

أتوجّه بالشكر، من صميم قلبي إلى الأخوة الأعزّاء، الذين


 


[1] في لقاء مع أعضاء لجان مؤتمر شهداء الشؤون التربويّة، مؤتمر الطلّاب الشهداء ومؤتمر الشهداء الفنيّين/17 ربيع الثاني 1436هـ/ 6/2/2015م.

 

164


154

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

بذلوا جهودًا لأجل تكريم من كانوا -للحقّ والإنصاف-قدوةً للناس ومثالهم في عصرنا، وأقصد بهم الشهداء والمجاهدين. فإنّ هذا العمل بنفسه عمل قيِّم، وإنّ تكريم الشهداء، وإحياء أسمائهم، والبحث في أعمالهم، وإنتاج ما تركوا من آثار كتابةً وتصويرًا وصوتًا وما شاكل، في مجال حياتهم وجهادهم وأفعالهم - لعمل قيِّم جدًّا. وإنّ اللائحة التي تقدم بها الأخوة القيِّمون المحترمون[1] حول فعاليّات هذا المؤتمر ممّا هم بصدد القيام به لأمر جيّد جدًّا. إنّ هذه الأعمال جيّدة جدًّا، على أن تتنبّهوا إلى لزوم القيام بها بتعمّق، فلا تقتصر على مجرّد إيجاد العناوين فحسب، بل بتعمّق وباغتنام الفرص وبالدّقة اللازمة وبالوقت الكافي، وبالاستفادة من الفنّ من ناحية ومن روح التحقيق والبحث من ناحية أخرى. قوموا بهذه الأعمال لتُخلّد ولتترك آثارها، وعليه فإنّ هذا العمل جيّد جدًّا، وعمل قيِّم. والحقيقة أنّني على اطّلاع بأنّ أهل مازندران -وإلى اليوم-قاموا بمؤتمرات عديدة وكثيرة، في مجال الشهداء وعلى أكثر من صعيد، على ساحة المحافظة، وهذا العمل الجَمَاعي عمل كبير ومهمّ. وإن شاء الله تُوفَّقون[2].

 


[1] أشار السيد محمد تقي شاه چراغي (المدير العام للمؤتمر) إلى النقاط التالية:

البحث والتحقيق حول آثار الشهداء والمضحّين في أربعة أمور: البحث حول العمليات (العسكرية)، والتحقيق حول الشهداء، والتاريخ المؤرّخ شفهيًا (استنطاق المجاهدين والمشاركين في الحرب وتدوين مذكراتهم وخواطرهم)، والمذكرات المتوفرة شفهيًّا. وإصدار نشرة دورية عن فعاليات المؤتمر تحت عنوان (الأخضر القاني)، وإنشاء مركز للمعلومات تحت عنوان (الحرب وكنوزها) ودعم المواقع الإلكترونية المواكبة. وتعليم فنّ الرواية، وإحياء مناسبات تذكر بالشهداء. ولقاء أهالي الشهداء. وإنتاج برامج تلفزيونية وكذلك في الراديو. وبناء وإحياء الأبنية التي تذكّر بالدفاع المقدس. وحديقة خاصة بمتحف الدفاع المقدس حول ما يتعلق بمازندران.

[2] في لقاء مع أعضاء لجنة تكريم القادة وتخليد ذكرى عشرة آلاف شهيد في محافظة مازندران 13 صفر 1435هـ/ 16/12/2013م.

 

165


155

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

5ـ2ـ2. الحضور في المناطق القتالية (الجبهة)

وإقامة مخيّمات سالكي طريق النور

أقول لكم: لا تدعوا ذكرى فترة الدفاع المقدس تُمحى من الخواطر والأذهان. إنّ المجيء إلى هذه المناطق الحربيّة -سواء في عطل النوروز أو على مدى العام، عمل حسن جدًّا وصحيح وعقلاني يقوم به شعب إيران والحمد لله أنّ هناك من يأتي إلى هذه المناطق على طول السنة ويزور هذه الأراضي والأماكن. حافظوا على ذكرى هذه الأماكن حيّة. هذه الأراضي وهذه الصحاري ونهر كارون هذا وطريق أهواز - أبادان أو أهواز - إلى خرمشهر، هذه الأماكن المتنوّعة التي تعرّف لكم نفسها اليوم بأسماء مختلفة، شاهدة على أرقى التضحيات والجهاد والفداء. إنّني لا أنسى في الأشهر الأولى من الحرب -في شهور المحنة وعدم توافر القوّات وانعدام الإمكانيّات والمعدّات والتدريب، وعدم توفّر التنسيق والتنظيم، في تلك الشدائد على المستويات الماديّة المختلفة-كان شبابنا يأتون بمعنويّات عالية من الأهواز هذه إلى مختلف المناطق، بما في ذلك هذه المنطقة، منطقة دارخوين. جاءت جماعة من الشباب المؤمنين المتديّنين، وأنا على معرفة ببعض منهم، إلى قرية "محمدية" القريبة من هنا، وحفروا خنادق فردية، وكانوا يخرجون في ظلام الليل من خنادقهم الفرديّة ويتقدّمون مئة متر أو مئتي متر إلى الأمام، ويحفرون هناك الخنادق ثانية، ويبقون في تلك الخنادق طول النهار تحت شمس خوزستان الحامية، ويتحمّلون الصعاب والشدائد، ويقتربون من العدو، إلى أن حان موعد العمليّة في شهر مهر من السنة التالية لهجوم العدو الذي حصل في آخر شهر شهريور 59 (1980م)، في منطقة دارخوين هذه وكل هذه المناطق

 

166

 

 


156

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

المحيطة بها، بقوّات مقاتلة من الجيش والحرس الثوري والتعبئة وغيرها، وقد نالوا أجر تلك الشدائد وجزاء الصعوبات وأهدوه إلى الشعب الإيرانيّ. هذه ذكرياتٌ قيّمة، ويجب أن لا تسمحوا بنسيانها ومحوها من الخواطر.

 

لقد حصلت في كلٍّ من هذه المناطق أمورٌ يحصلُ مثل إحداها في أيّ بلدٍ وأيّ أمّة، وهذه الأمور تكفي لرفع رأس الأمّة بعزّة في التاريخ. هذه الأمور التي حصلت في عمليّات بيت المقدس، أو في عمليّات الفتح المبين، أو بعد ذلك في عمليّات خيبر، يمكن لهذه العمليّات والشخصيّات التي قدّمت هذه التضحيات وصنعت هذه الأحداث أن تقدّم للشعب الإيرانيّ شيئًا فشيئًا مجموعة من المفاخر الكبيرة والخالدة التي لا تُنسى[1].

 

أعود وأقول للشعب الإيرانيّ بأن يغتنم تحرّك "قوافل النور"[2]، وأتقدّم بالتقدير والشكر لكم أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء الذين قدِمتم من طرق بعيدة إلى هذه المنطقة وشكّلتم جزءًا من المجموعة العظيمة لتحرّك "قوافل النّور"، وأتمنّى أن تكونوا جميعًا مأجورين، وأن تعودوا كلّكم من هذه المنطقة إن شاء الله بأيدٍ ممتلئة وزاد وفير وتجارب جمّة وبصيرة وأنوار إلهيّة معنويّة[3].

 

 


[1] في النصب التذكاريّ لشهداء شرق كارون/25 جمادى الأولى 1435هـ/ 26/3/2014م.

[2] الترجمة الحرفيّة: “السائرون إلى النّور”: هي تشكيل شعبي أو تجمّع حملات تطوّعيّة تحت عنوان “راهبان نور” تقوم بتنظيم قوافل ورحلات لزيارة المناطق الحربيّة والمحاور العسكريّة، التي كانت خلال الحرب المفروضة في ثمانينات القرن الماضي، وهي من الحملات الواسعة جدًّا الموجودة في كلّ إيران، في الجامعات، والمدارس، والمؤسّسات. يوجد كلّ سنة عدّة مواسم لهذه الزيارات أهمّها عند العطل الرسمية والمناسبات الرئيسة.

[3] في النصب التذكاريّ لشهداء شرق كارون 25 جمادى الأولى 1435هـ/ 26/3/2014م.

 

167


157

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

5ـ2ـ3. البحث حول الشهداء وعرض سيرتهم

لا ينبغي التوهّم، أنّه مع مرور اثني عشر عامًا على انتصار (الثورة)، وعامين على انتهاء الحرب المفروضة، فإنّ ذكرى شهداء الثورة والحرب الأعزاء، سيَخفُت وهجُها، وستزول من الأذهان. بل على العكس، ينبغي أن تتعاظم في أذهان شعبنا، يومًا بعد يومٍ، ذكرى تلك الوجوه القُدسيّة، مُحاطةً بهالةٍ من النور والطهارة، وأن تصير أرفَعَ شأنًا ومحبوبةً أكثر، كما الشخصيات الأسطوريّة للأبطال العِظام. ولْتُعطِ، وستُعطي، أسماؤهم وذكراهم للجميع، لا سيّما للشباب واليافعين، درسَ العَظمة، والشجاعة، والتقوى، والنقاء، والطهارة. إنّ قسمًا مهمًّا من هذا العمل، هو وظيفة الكتّاب والفنّانين[1].

 

إنّ تكريم الشهداء وتخليد أسمائهم والبحث والتحقيق حول أعمالهم وإنتاج آثار مكتوبة وتصويريّة وصوتيّة وما شابه ذلك عن حياتهم وعن إقدامهم وجهادهم هي أعمالٌ قيّمة جدًّا[2].

 

العمل الذي قمتم به إلى الآن والتقارير التي قدّمتموها، جيّد جدًّا، هذه الأعمال نفسها أعمال جيّدة، أي تسجيل ذكرياتهم، والاحتفاء بذكراهم وتخليد أسمائهم[3].

 

 


[1] رسالة إلى عوائل الشهداء المعظّمين في اليوم السابع من عشرة الفجر/23 رجب 1411هـ/ 7/2/1991م.

[2] في لقاء مع أعضاء لجنة تنظيم تخليد القادة وعشرة آلاف شهيد/5 ربيع الأول 1437هـ/ 16/12/2015م.

[3] كلمته لدى لقائه أعضاء هيئة مؤتمر تكريم ثلاثة آلاف شهيد في محافظة سمنان 15/رجب 1436هـ/ 4/5/2015م.

 

168


158

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

5ـ2ـ4. تسمية الأيّام والأماكن بأسماء الشهداء ونشر صورهم وكلماتهم

الشهيد والشهادة في الثقافة الإسلاميّة مظهر الحياة والبقاء والحضور والتألّق. وها نحن ذا من خلال الارتباط والاتّصال بهذا المفهوم الراقي والخالد، نحقّق الرفعة والبقاء لنا ولمجتمعنا وبلدنا. وإنّ تسمية يوم من أيّام أسبوع الدفاع المقدّس بهذا الاسم المبارك هو أداء لواجب ومسؤوليّة في هذا الطريق[1].

 

يوم الشهداء في أسبوع الدفاع المقدّس هو يوم يظهر فيه شهداؤنا الرفيعو المقام مرّة أخرى، بوجوههم القدسيّة في سائر أنحاء إيران الإسلاميّة أمام أعيننا نحن الغرباء والغافلون. وكأنّ شعبنا كلّه يرى أمام عينيه من جديد وبنحو جماعي آلاف الأناس الشجعان والمضحّين وذوي المروءة في صورة ملائكة نورانيّين، ويؤدّون لهم تحيّة الإجلال والتعظيم[2].

 

إنّ الكثير من كلّ هؤلاء الأعلام في ساحة الدفاع المقدّس في إيران أو غالبيتهم -الذين ازدانت شوارعنا ومراكزنا بأسمائهم، وتجمِّل صورُهم محيطنا وأماكن عيشنا- كانوا من الطلبة الجامعيين. وكان بعضهم نوابغَ حقًا، كانوا فنّانين، ومعلّمين، وأساتذة، فقد ذهبوا إلى الجبهات وقدّموا أرواحهم واسترخصوا الأعمار في سبيل الله ومن أجل الأهداف. وهو أثمن ما يمتلكه الإنسان من الأمور الماديّة. إنّ هذا لأمر مهمّ جدًّا[3].


 


[1] - رسالة بمناسبة أسبوع الدفاع المقدّس ويوم تكريم الشهداء والجرحى/11 ذي الحجة 1436هـ/24/9/2015م.

[2] رسالة بمناسبة يوم الشهداء في أسبوع الدفاع المقدّس/10 رجب 1422هـ/ 27/9/2001م.

[3] في لقاء مع أعضاء اللجان المنظّمة لمؤتمر شهداء الشؤون التربويّة، مؤتمر الجامعيين الشهداء ومؤتمر شهداء الفن والمسرح/27 ربيع الثاني 1436هـ/ 16/2/2015م.

 

169


159

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

هذه الأعمال أعمال جيّدة، أي تسجيل ذكرياتهم والاحتفاء بذكراهم وأسمائهم، نشر صورهم أو أقوالهم المنقولة عنهم، هي أعمال جيّدة. هذه اللائحة التي ذكرتموها بشأن الأعمال المنجزة، جيّدة جدًّا، لكن، ليكن هدفكم نفوذ هذه المعارف المرتبطة بالشهادة، ومعنى الإيثار والإيمان في مخاطبيكم المعاصرين بالمعنى العميق للكلمة[1].

 

5ـ2ـ5. المشاركة في تشييع جثامين الشهداء الطاهرة

صلوات الله وسلامه على الشهداء الأعزاء الذين أوقدوا بإيثارهم، مشعل التوحيد على قمّة الوطن الإسلامي. وصلوات الله وتحيّاته على الشهداء المظلومين الغوّاصين الذين ساهموا بظهورهم وحضورهم في إضاءة هذا النور الذي لا يخبو، ورفعوا راية تلك الذكريات العزيزة والقيمة وتلك الكنوز المعنويّة للأمّة خفّاقة في البلد بكلّ مجد وشموخ.

 

السلام على أيديكم المغلولة وأجسادكم المعذبة..

 

السلام على أرواحكم الطيّبة وأجنحتكم المحلّقة إلى رضوان الله.

 

السلام عليكم يا من نشرتم العطر من جديد في أرجاء الحياة ورويتم أرواحَ الأحياء الظمأى.

 

نحمد الله الحكيم الرؤوف حمدًا لا غاية له حيث ينزل البشائر الواضحة على القلوب اليَقِظة ويزيل الغبار في أوقات حاجة هذا الشعب الطالب لله والمؤمن بالله.

 

 


[1] كلمته لدى لقائه أعضاء هيئة مؤتمر تكريم ثلاثة آلاف شهيد في محافظة سمنان 15 رجب 1436هـ/ 4/5/2015م.

 

170


160

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

والسلام عليكم أيها الشعب العظيم الوفيّ المتحمل للمسؤولية الذي يدرك نداء الله اللطيف وينهل من منهله ويلبيه على أكمل وجه.

 

إن حضوركم المفعم بعمق المعنى اليوم في تشييع هؤلاء العظماء العائدين إلى الوطن هو حدث خالد من أروع أحداث الثورة.

 

رحمة الله عليكم وحمدٌ لا غاية له لله مالك القلوب وسلامٌ لا نهاية له لبقية الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف صاحب هذه الثروة العظيمة[1].

 

6. محاربة معارضي ثقافة الإيثار والشهادة

ونشر روحيّة حبّ الشهادة

لشهدائنا هذا الحقُّ الكبير على الثقافة الإسلاميّة وسائر المرتبطين بها والمحبّين لها في مختلف أنحاء العالم، وهو أنّهم أحيوا أحد العناوين المهمّة، المنسيّة، لهذه الثقافة في العالم المادّي المعاصر، ألا وهو التضحية والإيثار من أجل الأهداف الإسلاميّة والإنسانيّة العالية. الانشغالات الماديّة للناس وأنانيّتهم وطلبهم للمنفعة في جميع عصور التاريخ أدّت إلى الانحرافات والسلوكيات السيّئة الكبرى في المجتمعات البشريّة، وأصبح العالم الماديّ اليوم أكثر من ذي قبل ضحيّة لطلب المنافع والأنانيّات هذه. لقد أحيا شهداؤنا في ظلمات هذا العصر المادّي مرّة أخرى ثقافة الشهادة التي هي أعلى درجات التضحية في سبيل الأهداف الإنسانيّة، وأظهروا نور الاستقامة لأصحاب الفطرة الصافية وطلّاب الحق. وإذا استُفيد جيّدًا من هذا الدرس العظيم، ستتعطّل كلّ أسلحة القوى الكبرى، وستفشل أساليب المهيمنين العالميّين من أجل

 


[1] رسالة على إثر تشييع جثامين الشهداء المطهّرين بحضور حماسيّ لأهالي طهران 29 شعبان 1436هـ/ 16/6/2015م.

 

171


161

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

السيطرة على المجتمعات البشريّة[1].

 

يسعى العدوّ في هجومه الثقافيّ أن يسقط حيثيّة المقاومة واعتبارها بين أبناء شعبنا، وفي الحقيقة، ليكسر المقاومة ويهدم الحصون. والحصن الأهمّ للإنسان هو إيمانه ودافعه وعشقه. فلا ينبغي أن تسمحوا لهذه الحصون بالانهيار والزوال من القلوب[2].

 

تعلمون الآن أنّ سعي الأميركيّين منصبّ على حذف آيات الجهاد من الكتب الدراسيّة في بعض بلدان منطقتنا، وقد أكّدوا على هذا الأمر وأنّ عليكم القيام به، استجابت بعض الدول الضعيفة والذليلة لهذا الطلب. إنّهم يريدون حذف الجهاد من آيات القرآن الكريم والتعاليم الدينيّة، لأنّ الجهاد في سبيل الله هو الضامن لعزّة الشعوب الإسلاميّة والأمّة الإسلاميّة، والمتراس الأكبر والحصن الحصين للمقاومة. لقد عرّفوا الشهادة كعمل ساذج، وهي القيمة الأفضل الناتجة عن الجهاد. ويمكن للجهاد أن يؤثّر تأثيرًا كاملًا عندما يكون مقترنًا بحبّ الشهادة[3].

 

أعزّائي! للجوّ الثوري في البلاد أعداء ألدّاء حاقدون، يعارضون سيادة الأجواء الثوريّة في البلاد، يريدون القضاء على هذا الجوّ. ورأيتم أنّهم في مرحلة من المراحل راحوا يشكّكون في مقولة الشهادة، والجهاد، والشهيد، وآراء الإمام، وفي الأنبياء! والمسألة ليست أنّ فلانًا من الناس يخالف هذه المفاهيم، المسألة أنّ هذه المخالفة، بنظر العدوّ، يجب أن تُطرح في المجتمع، فيُصنع

 

 


[1] رسالة بمناسبة يوم الشهداء في أسبوع الدفاع المقدّس/10 رجب 1422هـ/ 27/9/2001م.

[2] خطابه في لقاء عوائل شهداء القوّات المسلّحة/9 رجب 1422هـ/26/9/2001م.

[3] كلمته في مراسم رفع العلم في مقر قوّات التعبئة/19 رجب 1426هـ/ 24/8/2005م.

 

172


162

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

جوّ ويُقضى على الأجواء الثوريّة. على الجميع في الحوزة العلميّة الالتفات إلى هذا الأمر. هكذا هو الأمر في صلب المجتمع، وهو بالتأكيد كذلك في الحوزات العلميّة. هم يعلمون بأنّكم أنتم علماء الدين لستم فردًا واحدًا، بل لديكم مستمعوكم ومريدوكم، لذلك تؤثّرون في محيطكم. يريدون القضاء على الجوّ الثوري، وعزل عالم الدين الثوري. إذا انتشرت - لا قدّر الله - إهانة التعبئة، وإهانة الشهيد، والحطّ من قيمة الشهادة، والتشكيك في الجهاد الطويل لهذا الشعب، في أرجاء الحوزة، ستكون فاجعة. على فضلاء الحوزة وكبارها الانتباه والمراقبة والحؤول دون ظهور هذا الأمر[1].

 

ينبغي لذكرى ملحمة الدفاع المقدّس أن تبقى دومًا وتخلّد في بلدنا. ولقد سعى البعض لتبهيت رونق ذكرى الدفاع المقدّس وتلك الشجاعات الكبرى وتلك التضحيات العظيمة بالتدريج، ولمحوها من الأذهان. هؤلاء إن كانوا يقومون بهذا العمل جهلًا، فهم غافلون تمامًا، وإن كانوا يقومون به - لا سمح الله - عن علم، فهو خيانة[2].

 

إذا تكلّمنا مع الناس، في الصحف وفي تصريحاتنا وعلى منابرنا، بهذا النحو، وقلنا "ماذا تعني التضحية! أن أموت أنا من أجل أن يبقى الآخرون أحياء؟!" وسخرنا من طلب الشهادة وروحيّة التضحية، وأهنّا عوائل الشهداء، فهذا هو الأمر الذي تريده أميركا، فهذا يعني إضعاف قوّة الصمود والاقتدار في الداخل التي يمكن أن تقف في وجه هجوم أميركا[3].

 


[1] خطابه لدى لقائه الطلّاب، الفضلاء، والأساتذة في حوزة قم العلميّة/13 ذي القعدة 1431هـ/ 21/10/2010م.

[2] خطابه لدى لقاء جمع من عوائل الشهداء/29  جمادى الأولى 1430هـ/ 24/5/2009م.

[3] خطابه لدى لقاء أعضاء الهيئة المشرفة على إقامة مراسم الذكرى الرابعة عشر لارتحال الإمام الخميني (ره)/23 ربيع الأول 1424هـ/ 24/5/2003 م.

 

173


163

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

البعض يضربون جهلًا -ونرجو ونأمل أن يكونوا جاهلين- جذرَ الجهاد والشهادة في سبيل الله من أصله. وهم لا يدركون ماذا يفعلون، وعملهم هذا كمن يجلس على غصن الشجرة ويقطع جذعها. هؤلاء لا يدركون المعجزات التي يجترحها الشعب عندما يكون متسلّحًا بسلاح الجهاد العظيم والشهادة في سبيل الله، ولا التوفيقات الكبرى التي ينالها. يريدون أن يسلبوا الشعب هذا الأمر. هؤلاء يريدون للثورة والنظام الإسلاميّ أن يكونا كموجود ضعيف في يد القوى الكبرى، ليمزّقوه ويقطّعوه بكلّ إمكاناتهم السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة. بالتأكيد، عندما يتكلّم العدوّ بهذا الكلام، فهو هادف تمامًا، ويدرك ويعلم ما يقول، أمّا البعض فهم كما يبدو يردّدون كلامَ الأعداء من دون أن يدركوا ما يفعلون[1].

 

الخيانة العظمى لشعب ما هي أن يريد أشخاص مع قوى الإعلام الكبرى، الحؤول دون الشموس الساطعة التي أضاءت حياة الشعب وتاريخه. إنّ مَن يستصغر شأن الشهداء، ويتجاهل حركة الشهادة العظيمة - التي حصلت في تلك المرحلة على أيدي شبابنا الأعزّاء-في بلدنا ويستخفّ بها، فقد خان تاريخ هذا الشعب[2].

 

أهمّيّة الجهاد، ومقام الشهادة الرفيع، من جملة الأشياء التي كانت موضع تشكيك من قبل عناصر، أشخاص، وأجهزة. هذا أحد المؤشرات، وينبغي أن يُعمل على إبرازه. الاحترام للشهداء، والاحترام للجهاد والمجاهدين ينبغي أن يكون جزءًا من الأقسام البارزة لراية الجمهوريّة الإسلاميّة. فالجمهوريّة الإسلاميّة


 


[1] خطابه لدى لقائه حشدًا كبيرًا من عناصر الحرس بمناسبة ذكرى مولد الإمام الحسين ويوم الحرس/13 شعبان 1424هـ/ 9/10/2003م.

[2] خطابه  لدى لقاء عوائل شهداء كاشان وآران وبيدكل/26 شعبان 1422هـ/ 11/11/2001م.

 

174


164

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

تُعرف بالجهاد والشهادة[1].

 

على الحوزة أن تتذكّر دومًا الحقّ العظيم للثورة والإمام والشهداء ونفوس الجرحى الطيّبة، وأن تحافظ على قيم الثورة فيها كسرٍّ لتجديد الحياة، وأن لا تتيح الفرصة للأشخاص الذين يريدون، جهلًا أو عمدًا، جرّها نحو أهداف الاستكبار[2].

 

يريد الأعداء أن ننسى، يريدون لقضيّة الدفاع المقدّس أن تُمحى من أذهاننا، وأن ننسى التضحيات، وأن لا نعرف الشخصيّات التي كان لها دور في هذه التضحيات، أو أن ننساها، هذا ما يريدونه. ويريد البعض تخطئة تلك الفترة وتخطئة أولئك النفر، وتخطئة ذلك الاتّجاه والمسار الذي رسمه الإمام الخميني الجليل الحكيم وعبد الله الذي منّ عليه ربّه بالبصيرة، لأنّهم يعلمون أنّ كلّ ذرة وكل جزء من تلك الأحداث ممّا لا يمكن للشعب الإيرانيّ نسيانه، وله تأثيرات بنّاءة كبيرة[3].

 

إنّ الأيدي المجرمة التي سعت منذ بداية الثورة، لا سيّما في حقبة الدفاع المقدّس، لكتمان أحقيّة أنصار الخمينيّ الحبيب ومظلوميّتهم، هي اليوم في صدد جعل ذكريات حقبة الحرب في مهبّ رياح الدعايات المغرضة العاتية، وتركها في وادي النسيان. ولا شك في أنّهم لن يفلحوا في ذلك. وإنّ العزيمة والغِيرة والإيمان الصادق لقسم كبير من مؤمني الثورة والإسلام - لا سيّما الشباب


 


[1] خطابه لدى لقاء الأساتذة والطلبة الجامعيّين في جامعة العلم والصناعة/16 ذي الحجة 1429هـ/ 14/12/2008م.

[2] رسالة إلى جماعة المدرّسين في الحوزة العلميّة في قم بمناسبة تشكيل مجلس شورى تحديد السياسات في الحوزة/21 جمادى الأولى 1413هـ/ 15/12/1992م.

[3] في النصب التذكاريّ لشهداء شرق كارون/25  جمادى الأولى 1435هـ/ 26/3/2014م.

 

175


165

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

الغيور والصالح، الذين يشكّلون القسم الكبير من شعب إيران - ستختبر مرّة أخرى تجربة إحياء ذلك الحقّ المظلوم وذكراه. وستخرق شمس الشهادة المتوهّجة - بتوفيق الله - حجبَ التحريف والخداع كلّها[1].

 

علينا الحفاظ على شعور الافتخار الذي يمدّنا به اسم الشهيد وذكراه، وكما نفتخر ببطولات رجال صدر الإسلام الكبار، لنفتخر ببطولات هؤلاء الرجال الكبار في زماننا. هذا ما لا يريده العدوّ. العدوّ يريدنا أن ننسى ذكرى شهدائنا، ويريد لذكرى هذا الجهاد والتضحيات والشهامات أن لا تبقى في ذاكرة هذا الشعب. على الجميع أن يتحرّك تمامًا في الاتّجاه المقابل لهذا الاتّجاه. فنحترم ذكرى الشهداء، ونحييها، ونحفظ ذكراهم[2].

 

فلا تتغافلوا أبدًا عن ذكرى الشهداء وأسمائهم والفخر بهم، حيث إنّ أجهزة الإعلام المعادية المشاكسة والعنيدة تسعى جاهدةً للحدّ من قيمة الشهداء شيئًا فشيئًا، بل ولربما حاولت جعلها سلوكًا مخالفًا للقيم أحيانًا! لقد حدث هذا في بلدنا، وبُذلت محاولات بهذا الصدد، ولكنها باءت بالفشل. ومع ذلك فإنّ البعض لا يزالون يتجاسرون لإثارة التساؤلات حول الشهداء ومعنى الشهادة. فانظروا كيف يعمل الأعداء وإلى أي حدّ يتآمرون ثقافيًّا وسياسيًّا، وكيف أنه يتعيّن علينا إحباط مثل هذه المؤامرات. إنّ المعيار الإسلامي يسمو بـ (الشهيد) خارج نطاق البشر العاديين، ويجعله في عداد الأولياء والصدّيقين، وهذه نظرة

 


[1] رسالة بمناسبة تخليد يوم شهداء أسبوع الدفاع المقدّس/4 جمادى الآخرة 1419هـ/ 24/9/1998م.

[2] خطابه لدى لقاء عوائل الشهداء والجرحى في محافظة كردستان/17 جمادى الأولى 1430هـ/ 12/5/2009م.

 

176


166

5.إبقاء ذكرى الشهداء حيّة في المجتمع

متعالية تستعصي على إدراكنا العقلي. وحتى لو فكّرنا في القضية ونظرنا إليها من زاوية ماديّة عاديّة، فإنّ الشهيد هو الذي يضحّي بنفسه في سبيل شرف أمّته واستقلالها، فهل يمكن لأيّ ضمير حيّ وقلب واعٍ وسليم أن ينكر هذه الحقيقة؟ لقد حاول البعض هنا في إيراننا الإسلاميّة إنكار ذلك في فترة من الزمان. إنّ من حق أبناء الشهداء أن يفتخروا بآبائهم... فأيّ فخر أسمى وأرفع من كلّ هذا؟ لقد وقف شبابنا كالجبل الراسخ وصمدوا كالطود الأشم في مواجهة جحافل الأعداء. فهل يمكن مقارنة هذا الفخار بأي فخر آخر؟ إنّكم بنات وأبناء وزوجات وآباء وأمهات أولئك الشباب الغيارى، ولكم أن تفخروا بأمجادهم. إنّ علينا جميعًا أن نجعل أمجاد الشهداء وكرامتهم وذكراهم نَصْبَ العين دائمًا، وألّا ننساهم مدى الزمان.

 

إنكم إذا تغافلتم، وتغافلت قوى الثورة والقوى الشعبية المؤمنة، دخل عليكم الأعداء من ذلك الباب، ثم أخذوا يمنّون عليكم ﴿فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ﴾[1].

 

فلا تدعوا أعداء الثورة وأعداء الإمام، وأعداء خط الجهاد، وأعداء نهج الإيمان بالله، يعاملونكم وكأنهم أصحاب الحق[2].

 

إنّ الأعداء المتربّصين بنظامنا الإسلاميّ بأساليبهم المختلفة، يعملون اليوم على إضعاف رونق الجهاد والشهادة في أعين أبناء شعبنا خاصّة الشباب منهم، وعلى وجه الخصوص الطلبة الجامعيّين. وهذا أمر مقبول وجذّاب جدًّا للأشخاص الذين


 


[1] سورة الأحزاب، شطر من الآية 19.

[2] في لقاء عوائل شهداء خراسان وجرحاها/ 30ربيع الثاني 1428هـ/ 17/5/2007م.

 

177


167

7. الحفاظ على دماء الشهداء يكون بالحفاظ على توجّهات الشهداء وأهدافهم

اعتادوا أن يمضوا الحياة في طلب الراحة، والتغذّي من مؤونة العزّة والشجاعة والغيرة التي جسّدها مجاهدونا الأبرار، لذا، تراهم يساعدون هذا النهج المعادي علموا أم لم يعلموا. توصيتي لكم أيّها الطلبة الجامعيّون الأعزّاء، وشباب هذا البلد الأحبّاء، أن لا تفقدوا سبب القوّة الوطنيّة هذا، ومؤشّر الإيمان الخالص، وأن تعظّموه[1].

 

7. الحفاظ على دماء الشهداء

يكون بالحفاظ على توجّهات الشهداء وأهدافهم

المهمّ بالنسبة إلينا، هو أن تكون التوجّهات في الجامعة والبيئات التعليميّة، وكذلك في سائر أجواء البلاد، هي التوجّهات نفسها التي سار فيها شهداؤنا المضحّون والشجعان والمؤثرون، وبذلوا أرواحهم بشوق وحماس. على كلّ شخص في أيّ منطقة من مناطق البلاد، وفي أيّ مستوى وموقع كان، أن يتجنّب بشدّة ارتكاب عمل مخالف للتوجّهات الثوريّة والإسلاميّة التي سار فيها شهداؤنا. وعلى الجامعة أيضًا، ومراكز دوائر البلاد بمستوياتها المختلفة، أن تكون في هذا الاتّجاه[2].

 

إنّ الجميع مكلّفون بحراسة دماء الشهيد. ولكن ما معنى حراسة دم الشهيد؟ معناه وجوب حماية الهدف العظيم الذي سعى إليه هذا الشاب وهذه الأسرة وهذا الأب وهذه الأم، والذي كُرّست له الهمم العالية والمعنويات التي لا تعرف الهزيمة. حافظوا على هذا الهدف أكثر من أرواحكم.

 


[1] رسالة بمناسبة مؤتمر شهداء الطلبة الجامعيّين/2 ذي القعدة 1423هـ/ 5/1/2003م.

[2] خطابه لدى لقائه جمعًا من أبناء الشهداء، وخرّيجي المراحل الجامعيّة المختلفة 23 جمادى الآخرة 1412هـ/ 29/12/1991م.

 

178


168

7. الحفاظ على دماء الشهداء يكون بالحفاظ على توجّهات الشهداء وأهدافهم

لقد جاهد شهداؤنا في سبيل الله، وتحملوا المصاعب والشدائد من أجل إقامة حكم الله في هذا البلد -لما في هذا الحكم من سعادة في الدنيا والآخرة - كما وأظهر آباء الشهداء وأمهاتهم وعوائلهم أفضل معاني الصبر وأجملها في سبيل الله. هذا هو نهج الشهداء[1].

 

يا أعزائي، إذا كان الشهداء أعزاء وهم أعزاء، إذا كانوا كرامًا علينا وهم الأكرم، فإنّ معنى تكريمهم هو أن نواصل طريقهم ونتابع أهدافهم. ومواصلة طريقهم معناه أن ننظر لأهداف الجمهورية الإسلامية والقيم الإسلامية -الأركان المتينة والمؤشرات الواضحة التي بوسعها الأخذ بأيدي هذا الشعب إلى ذروة الفخر الدنيوي والأخروي-ونتابعها. والنساء والرجال متساوون في هذا المجال، أبناء وبنات الشهداء، إخوان الشهداء وأخواتهم، والذين لهم قرابة بالشهداء متساوون جميعًا في هذا المجال. كلما كنتم أقرب إلى الشهداء كلما كان فخركم أكبر، ومسؤوليتكم أثقل. البلد لكم، البلد للشباب، والمستقبل لكم. الذين رحلوا رحلوا وفتحوا الطرق. وعلينا أنا وأنتم - الذين بقينا - أن نسير في هذه الطرق المفتوحة ونتقدم إلى الأمام. وإلّا لو فتحوا الطريق وقعدنا نحن وتفرجنا فقط لكان هذا جفاءً وكفرانًا. معرفة قيمة الشهداء هو أن نسير ونتقدم في الطريق الذي فتحوه. هذا هو واجبنا اليوم[2].

 

 


[1] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل الشهداء/7 جمادى الآخرة 1419هـ /27/9/1998م.

[2] في لقاء معوّقي محافظة فارس وجرحاها وعوائل شهدائها/26 ربيع الثاني 1429هـ/ 5/2/2008م.

 

179


169

7. الحفاظ على دماء الشهداء يكون بالحفاظ على توجّهات الشهداء وأهدافهم

الأهمّ من كلّ شيء بالنسبة للشعب الواعي والمستقلّ الذي يسير نحو قمّة أهدافه، هو مشاركة الشباب الذين يستفيدون من قوّة شبابهم ونشاطهم في خدمة عزّتهم وإيمانهم وكرامتهم واستقلالهم الوطني... واليوم أيضًا، شعبنا وشبابنا حاضرون في الميادين كافّة للدفاع عن مفاخرهم والتقدّم ببلدهم نحو الأهداف الإسلاميّة العليا. وعلى القوى المهيمنة والمستكبرة أن تعلم بأنّ هذا الشعب وشبابه قد وقفوا بإصرار وثبات في ميدان مواجهة الأطماع الاستكباريّة، وسيدافعون بالعزم والروحيّة الراسخة نفسيهما عن منجزات دماء شهدائهم[1].

 

إذا ما قلنا بأنّه ينبغي مواصلة نهج الشهداء، فهذا يعني الإحساس بأنّ الإسلام والثورة الإسلاميّة بحاجة إلى سعينا وجهادنا وصبرنا. هذا الإحساس، هو الإحساس نفسه الذي فصل شهداؤنا الأعزّاء عن بيوتهم وراحتهم ودرسهم وعملهم ومساعي الحياة اليوميّة، وقادهم إلى جبهات القتال[2].

 

إنّ حراسة دماء الشهداء وتكريم جهود عشر سنوات من جهود شعبنا، يكون في أن تصبح حركتنا في سبيل الإسلام، يومًا فيومًا، أسرع وأصحّ، وفي أن يصبح مجتمعنا وشعبنا وسائر أجهزتنا أكثر قربًا من الإسلام عملًا وقولًا[3].


 


[1] رسالة بمناسبة الاحتفاء بيوم الشهداء في عشرة الفجر وانتصار الثورة الإسلاميّة /24 ذي القعدة 1422هـ/ 7/2/2002م.

[2] خطابه في جمع من عوائل شهداء الثورة الإسلاميّة في قم وجرحاها وأسراها المحرّرين ومفقودي الأثر ، بمناسبة ذكرى مولد الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف /16 شعبان 1412هـ/ 19/2/1992م.

[3] رسالة بمناسبة  تكريم يوم الشهداء في أسبوع الدفاع المقدّس /18 ربيع الأول 1412هـ/ 26/9/1991م.

 

180


170

7. الحفاظ على دماء الشهداء يكون بالحفاظ على توجّهات الشهداء وأهدافهم

عندما يُكرّم شعبُنا العزيز في المناسبات المختلفة، خاصةً في عشرة الفجر المـباركة، ذكرى الشهداء، ويُطلقون الهِتافات باسمهم، فيجب، قبل كلّ شيء، أن تكون الثمرةُ القيّمة لجهاد وشهادة أولئك الأعزاء، حاضرةً في الأذهان، وأنْ يعدّ الجميعُ أنّهم مُكلّفون بحمايتها، وأن يوصي بعضهم بعضًا بذلك. نَحْمَدُ الله أنّ دماء الشهداء وفَلَذات أكباد هذا الشعب قد أينعَت، وتذوّق الشعب، في ميادين شتّى، حلاوة تلك الثمرة الطيّبة. ويجب علينا جميعًا، الآن، أن نعدّ أنفسَنا مسؤولين عن حماية مُنجزات الثورة، التي هي في الحقيقة مُنجزات دماء شهدائنا، وألّا نألو جُهدًا في هذا السبيل[1].

 

المهمّ هو حفظ طريق الشهداء، أي حفظ دماء الشهداء. هذا هو تكليفنا الأساس. ففي مقابل الشهداء، كلّنا مكلّفون. لا أنّ البعض مكلّف والبعض الآخر غير مكلّف. بالتأكيد، الأشخاص الذين هم في موقع المسؤوليّة، ويتحمّلون مسؤوليّات كبيرة أو صغيرة، مسؤوليّتهم أكبر[2].

 

ليعلم الجميع بأنّ حياة المجتمع وعزّة إيران الإسلاميّة واقتدارها، بل صحوة المسلمين ورفعتهم في سائر أنحاء العالم مدين لتضحيات أبناء هذا الوطن البارّين وعوائلهم، وعلى الجميع أن يروا أنفسهم مكلّفين بأداء حقّهم المعنوي[3].


 


[1] رسالة إلى عوائل الشهداء المعظّمين في اليوم السابع من عشرة الفجر/23 رجب 1411هـ/ 7/2/1991م.

[2] خطابه  لدى لقائه جمعًا من عوائل الشهداء/16 ذي القعدة 1413هـ/ 7/5/1993م.

[3] حكم تعيين حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد حسن رحيميان كممثّل للوليّ الفقيه في مؤسّسة الشهيد/6 جمادى الأولى 1413هـ/ 31/10/1992م.

 

181


171

7. الحفاظ على دماء الشهداء يكون بالحفاظ على توجّهات الشهداء وأهدافهم

8. تجميع سير الشهداء، ونشرها ومطالعتها

8 1-. إعداد ذكريات الشهداء ونشرها بأسلوب

وقالب فنّيَّين وترجمتها إلى اللغات الأخرى

باعتقادي إنَّ المؤسس لحفظ هذه الحوادث بلغة الأدب والفن هي سيدتنا زينب الكبرى سلام الله عليها، فلو لم تقم السيدة زينب (عليها السلام) بحركتها، ولم يأتِ بعدها بقيّة أئمّة أهل البيت عليهم السلام من الإمام السجاد ومن تلاهُ من الأئمّة (عليهم السلام) لَمَا كُتب الخلود لحادثة عاشوراء في التاريخ. صحيح أنَّ السنّة التاريخية قائمة على تخليد مثل هذه الحوادث، إلّا أنَّ ذلك يتمّ عبر آليات وأسباب معيّنة، وإنَّ آلية بقاء هذه الحقائق في التاريخ أن يقوم أصحاب السرّ والألم، والمطّلعون على هذه الحقائق بنقلها إلى الآخرين. وعليه لا بدّ من وضع تدوين الخواطر ونشرها في موضعها الحقيقيّ، وهو موضع عالٍ وسامٍ وخطير جدًّا. إنَّ البيان الفني من الشروط الأساسيّة في ذلك، كما كانت خطبة السيدة زينب الكبرى في الكوفة والشام آيةً من الآيات الفنيّة من الناحية الجماليّة والإبداعيّة، مما لا يمكن لأيِّ شخصٍ أن يتجاهله، وحتى المخالف والعدو إذا استمع لهذا البيان فإنّه سيترك أثرُه عليه عميقًا شاء أم أبى. فإنَّ الفنَّ لا يتوقّف في تأثيره على رغبة السامع، وهذا ما قامت به السيدة زينب الكبرى عليها السلام والإمام السجاد عليه السلام في الخطب البليغة والمدهشة التي دوّت في مسجد الشام، وها أنتم تقومون بالدور ذاته[1].

 

كما أوصي السادة المحترمين في مؤسّسة "حوزة هنرى"

 


[1] خطابه لدى لقائه جمعًا من روّاد الجهاد والشهادة ورواة الذكريات في مكتب أدب المقاومة وفنّها/18 شعبان 1426هـ/ 22/9/2005م.

 

182


172

7. الحفاظ على دماء الشهداء يكون بالحفاظ على توجّهات الشهداء وأهدافهم

(الدائرة الفنّية) وجميع دور النشر: عليكم أن تقدّروا هذه الكتابات، هذه الظواهر ومكتسبات (نتاجات) تاريخ الثورة، عليكم أن تقدّروا تاريخ حرب الدفاع المقدّس، عليكم أن تقدّروا هذه الأمور كثيرًا. أن تنشروها بين الناس أيضًا. شبابنا هؤلاء، لم يشهدوا الحرب، ولم يسمعوا قصّة جيّدة عن الحرب، الرواية الجيّدة، هي هذه الروايات، هذه الكتب، اسعوا قدر الإمكان لأن تكون هذه الكتب بين أيدي الشّباب، ليتعرّفوا على الحرب، ليعرفوا ما حدث، وما جرى، وما هي الجمهوريّة الإسلاميّ، ومن هو الشّعب الإيرانيّ. لا تستهينوا بتلك الطاقة العظيمة الموجودة في الشّعب الإيرانيّ لمواجهة هذه الامتحانات الكبيرة. إحدى الأمور التي تذلّ الشعوب وتجعلها خاضعة لسلطة الآخرين، هي أن تبقى نقاط قوّتهم مخفيّة عن أعينهم، أن لا يعرفوا ماذا لديهم من قيم، وطاقات ونقاط قوّة، ولا يدركوها. ينبغي أن يرى الشّباب، ويفهموا ما كانت عليه واقعة الحرب، وكيف ذهب شبابنا إليها من دون العتاد الكافي، ومن دون الاستعدادات والتحضيرات المسبقة اللازمة لمثل هذه الأعمال، وماذا صنعوا. كما يجب أن تُترجم. بالطبع، أرى أنّه ينبغي، في ترجمتها، أن تكون اللغة المترجَم إليها هي اللغة الأمّ للمترجم، لا يمكن الأمر بغير هذا، ينبغي أن يكون كاتبًا، وأيضًا أن تكون اللغة المترجَم إليها هي لغته الأمّ. الآن، قد لا يكون العثور على مثل هكذا أشخاص في بعض اللغات أمرًا سهلًا، لكن (في) بعض اللغات الأمر سهل، يمكنكم مثلًا أن تجدوا أشخاصًا لغتهم الأمّ أو اللغة التي نشأوا عليها ولو لم تكن لغتهم الأمّ، كالإنكليزيّة على سبيل المثال. فإن كانوا من أهل الذوق، ومن أصحاب القلم، فليحملوا القلم ويترجموا هذا الكتاب. مهما أنفقتم على هذا الأمر فهو يستحقّ ذلك. حتمًا

 

183

 

 


173

7. الحفاظ على دماء الشهداء يكون بالحفاظ على توجّهات الشهداء وأهدافهم

بشرط أن تتمكّنوا من نشره. فأحد أعمال أجهزة الاستكبار أنهم - بخلافنا نحن حيث نصبح أحيانًا متنوّرين كثيرًا ونقول ينبغي أن يصل كلّ شيء إلى متناول الجميع، هم ليسوا كذلك، إنّهم متعصّبون جدًّا، ومتشدّدون في هذا المجال - لا يقبلون بسهولة أن يصل ما ترجمتموه إلى مخاطبيهم، ولكن حسنٌ، عليكم أن تجدوا طريقةً، يمكنكم هذا، بناءً على هذا، الترجمة أمر مهمّ جدًّا[1].

 

8 2-ـ الترويج لمطالعة سِيَر الشهداء ووصاياهم

لا تغفلوا عن سِيَر القادة وعن الاطلاع على حياة شهداء طريق الحق. القادة العسكريّون بالدرجة الأولى، بيدَ أنّ هذا الأمر لا يقتصر عليهم. قرأت كتابًا عن سيرة مجموعة تمثل جزءًا من كتيبة تعبوية شاركت في إحدى هجمات الدفاع المقدس، تواجد أفراد مجموعة داخل ساحة المعركة، وقد انعكس نشاطهم المؤثّر جدًا، وشوقهم، وإيمانهم، والضربة التي وجّهوها للعدو، وبالتالي تلك الهالة من النور التي اكتسبوها في ساحات الوغى، في كلامهم وفي وصاياهم بالنسبة لمن استشهد منهم. أنا انتفع من هذه الكتب كلما قرأتها. افتحوا باب هذه المنفعة على أنفسكم[2].

 

يجب أن تبقى ذكرى الدفاع المقدّس وذكرى الشهداء، حيةً دومًا بين شعبنا ومجتمعنا. لا يزال الكثير من الكلام غير مطروح، والكثير من ذكريات وخواطر أبنائكم لم تُدوّن بعد. وإنّ المقدار المنشور يدلّ على عظمةٍ لا حدود لها، وليس بمقدور الذهن البشريّ العادي، ولا الفكر والعقل الماديّين أن يحيط بها. و

 

 


[1] خطابه في لقاء مع الراوي والكاتب وبعض العاملين على كتاب لشكر خوبان/2 ذي الحجة 1434هـ/7/10/2013م.(الكتاب مترجم بالعربية ومنشور بعنوان فرقة الاخيار ضمن سلسلة سادة القافلة عن دار المعارف 2017).

[2] كلمته لدى لقاء تعبويّي محافظة فارس/27 ربيع الثاني 1429هـ/3/5/2008م.

 

184


174

7. الحفاظ على دماء الشهداء يكون بالحفاظ على توجّهات الشهداء وأهدافهم

كم احتوت الأشياء التي كُتبت عن عمليّات "بيت المقدس" و"الفتح المبين" وباقي الفتوحات والعمليّات من الشأن العظمة. هذا ما قام به شبابكم[1] أنفسهم[2].

 

من حسن الحظّ أنّنا قريبون من عصر الشهداء، لدينا وصاياهم، آباء الكثيرين منهم وأمّهاتهم موجودون، ورفاق دربهم المجاهدون موجودون، الإنسان يرى. كنت أطالع في أحد هذه الكتب التي تتحدّث عن الشهداء، والذي جرى فيه حوار مع رفاق الشهيد المجاهدين وذكروا تفاصيل عنه، بعض هؤلاء الرفاق قد استُشهدوا أيضًا وبعضهم لا يزالون أحياء، إنّ المرء ليبكي عند قراءة الكتاب! لم يكن من الضروريّ أبدًا أن يقيم أحدهم مجلس عزاء (حتّى يبكي المرء). هكذا هي قضيّة الشهداء. قضيّتهم قضيّة كبرى[3].

 

هذه الذكريات التي تُنشر عن هؤلاء الأحبّة، هذه الأحداث العظيمة جدًّا والتي تُكتب اليوم بقلم المجاهدين، وأحيانًا بقلم شهدائنا، والموجودة في متناول الجميع، تشكّل درسًا لنا[4].

 

ما أوصي به الجميع - وأوصيكم به أنتم الذين خبرتم هذه المشاهد بأجسامكم وأرواحكم، وعايشتم هذه الساعات الصعبة لحظة بلحظة وأحسستم بها، وكذلك الآخرين - أن لا تودِعوا (هذه الذكريات) طيّ النسيان. منذ اللحظات الأولى لشروع حرب الدفاع المقدّس، وانبعاث هذه الملحمة العظيمة من خلال

 


[1] مخاطبًا عوائل الشهداء.

[2] خطابه في لقائه جمعًا من عوائل الشهداء/29 جمادى الأولى 1430هـ/24/5/2009م.

[3] كلمته لدى لقاء المسؤولين في مؤسّسة رواية سيرة الشهداء/1 ربيع الثاني 1432هـ/ 6/3/2011م.

[4] خطابه في جمع من عوائل الشهداء والجرحى والأسرى المحرّرين ومفقودي الثورة الإسلاميّة في قم، بمناسبة ذكرى مولد الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف/16 شعبان 1412هـ/ 19/2/1992م.

 

185


175

8. تجميع سير الشهداء، ونشرها ومطالعتها

نَفَس الإمام الحارّ، وهروع الشّباب للالتحاق بالجبهة، كانت جميع الأيادي الشيطانيّة تعمل على عدم انعكاس جماليّات هذه الواقعة وعظمتها، الجميع، كان يسعى لمنع تلك العظمة الموجودة في هذا الأمر من الظهور. علاوة على ذلك، الكثير من الأمور العظيمة لا يمكن للإنسان إدراكها ما لم يقترب منها، يتلمّسها، أو على الأقلّ يطّلع عليها من خلال أسلوب فنّيّ. وهذا ما حصل بعد ذلك أيضًا، فعلى امتداد سنوات ما بعد الحرب - في هذه الخمسة والعشرين عامًا التي مرّت منذ انتهاء الحرب إلى اليوم - سعى الكثيرون إلى الحؤول دون إحياء هذه الملحمة. عليكم أنتم أن تعملوا بخلاف هذا العمل، أن تعملوا عكسه[1].

 

8ـ2ـ1ـ آثار مطالعة وصايا الشهداء والتدبّر فيها

8ـ2ـ1ـ1. أخذ الدروس من الانقلاب المعنويّ

والروح العرفانيّة للشهداء

مرحلة الحرب والظروف الخاصّة بتلك الفترة، أحدثت انقلابًا معنويّة وحقيقيّة لعدد من شباب هذا البلد. والسبب وراء توصية إمامنا الراحل قدس سره بقراءة وصايا الشهداء هو أنّ كلّ واحدة من هذه الوصايا تبيّن انقلاب إنسان ما. عندما يقرأ المرء كلّ واحدة من هذه الوصايا وذكريات هؤلاء الشباب، يرى فيها صورة ثورة لإنسان ما، وهي بنفسها محدثة للانقلاب (في نفس المرء) ومفيدة

 

 


[1] خطابه في لقاء مع الراوي والكاتب وبعض العاملين على كتاب لشكر خوبان 2 ذي الحجة 1434هـ/7/10/2013م.

 

186


176

8. تجميع سير الشهداء، ونشرها ومطالعتها

للدروس والعبر. علينا أن نعمّم هذه الحالة وهذا أمر ممكن[1].

 

تلك الروح العرفانية والمعنوية نفسها التي يفتقد إليها الكثير من المؤمنين ممن يجاهدون وينالون الشهادة بكلّ ما لها من كرامة، تلك الروح العرفانية والمعنوية نفسها تجدها في شهادة أخرى نابعة من روح الإيمان، ومنبثقة من قلبٍ يتحرّق شوقًا، وصادرة عن روح متلهّفة للقاء الله، ومستغرقة في ذات الله. هذا اللون الآخر من المجاهدة له طعم ونكهة أخرى، ويضفي أثرًا آخر على التكوين.

 

نحن شهدنا في فترة الحرب نفحات من تلك النسمة المقدّسة، ولم يكن ما سمعتموه من تأكيدات سماحة الإمام على قراءة وصايا الشهداء وصايا صرفة لا يبتغي شيئًا وراءها - حسب ظني -. فهو نفسه كان قد قرأ تلك الوصايا، وأثّرت في قلبه المبارك تلك الجمرات المتلظّية، فرغب في أن لا يُحرم الآخرين من هذه الفائدة. كما أنني والحمد لله كنت طوال فترة الحرب وما بعدها وحتى يومنا هذا أستأنس بقراءة هذه الوصايا، ولاحظت كيف أنّ بعضها نابع من أعماق روح العرفان.

 

فالمرحلة التي يبلغها العارف والسالك على مدى ثلاثين أو أربعين سنة، يتعبّد ويرتاض، ويواصل الدراسة على يد الأساتذة، ويكثر من البكاء والتضرّع ويكابد المشاقّ لأجلها، يستطيع أن ينالها شاب في مدّة عشرة أيام أو خمسة عشر يومًا، أو عشرين يومًا في الجبهة. أي منذ اللحظة التي يتوجّه فيها ذلك الشاب إلى الجبهة بأي دافع كان مع وجود الدافع الدينيّ الممتزج بحماس الشباب ثمّ يتحوّل ذلك الاندفاع لديه بالتدريج إلى عزم على التضحية والجود بكلّ وجوده، ويسطر ذكرياته أو وصيّته، وهو

 


[1] كلمته لدى لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة 6 شعبان 1411هـ/ 20/2/1991م.

 

187


177

8. تجميع سير الشهداء، ونشرها ومطالعتها

من تلك اللحظات وحتى لحظة استشهاده يزداد تحمسًا وشوقًا، ويصبح سيره أسرع وقربه أدنى، إلى أن تأتي الأيام الأخيرة وتحلّ الساعات واللحظات الأخيرة، فإن يكن قد بقي منه شيء حينذاك، فهو كجمرة تتلظّى، تلسع قلوب من يقرأون تلك الوصايا. يلاحظ المرء بكل وضوح في ذكريات من استشهدوا نفحة فوّاحة من نفس تلك الروح الحسينيّة[1].

 

قرأت في وصية أحد شهدائكم الأعزاء أهالي شيراز وفارس: أنا مشتاق.. مشتاق، ثمّة في قلبي نارٌ تجعلني مضطربًا، لا أهدأ بأيّ شيء سوى لقائكَ يا إلهي الحبيب العزيز! هذا كلام إنسان شاب! إنّه الشيء الذي قد يصله السالك العارف بعد سنين من الجهاد والرياضة. لكنّ شابًا يافعًا في ساحة القتال والجهاد يشمله الفضل الإلهيّ بحيث يقطع في ليلة طريق مائة عام، ومشاعر الشوق وعدم الاستقرار هذه تُستجاب من قبل الرب استجابة مناسبة. هذا الشوق بحدّ ذاته لطف من الله وانجذاب إلى الحقّ تعالى. هذه دهشة كبرى[2].

 

كنت في مرحلة الحرب أقرأ أحيانًا وصايا هؤلاء الشباب الذين كانوا يجاهدون بعشق ويستشهدون، فكانت مفيدة جدًّا بالنسبة إليّ. هذه الوصايا كانت تبعث النور الساطع في قلوبنا السوداء المظلمة وأعماق نفس الإنسان. عندما كنت أقرأ هذه الوصايا كنت أرى هذا الشابّ ذا الثمانية عشر أو العشرين ربيعًا، يجلس في الأيّام الأخيرة أو الأسابيع الأخيرة من حياته - وهو لا يعلم

 


[1] خطابه لدى لقائه جمعًا كبيرًا من حرس الثورة الإسلاميّة بمناسبة يوم الحرس/4 شعبان 1418هـ/ 4/12/1997 م.

[2] خطابه لدى لقائه معوّقي محافظة فارس وجرحاها وعوائل شهدائها/26 ربيع الثاني 1429هـ/ 2/5/2008م.

 

188


178

8. تجميع سير الشهداء، ونشرها ومطالعتها

أنّه سيستشهد - ويكتب وصيّته لمجرّد أنّه كان لديه احتمال بأن يُستشهد، وكانت هذه الوصايا أحيانًا غاية في الرقّة، والعرفان، والصفاء والنورانيّة، بحيث يرى المرء بأنّه أمام عارف كامل.

 

يجهد شيوخنا، وأساتذة السلوك والعرفان ما بين الثلاثين والأربعين والخمسين عامًا، يرتاضون، يعبدون الله إلى أن تحصل لهم في نهاية أعمارهم حالة الفناء هذه، ويرون وجه الله تعالى ويصلون إلى مرحلة لقاء الله. أحد العرفاء السالكين المعروفين، وكان من العلماء الكبار وقد ذهبت لزيارته ذات يوم، كان يعيش في السنوات الأخيرة من حياته في النجف وحيدًا، قال لي ابنه الذي كان يعيش في طهرن بأنّه كتب له من النجف بأنّ الله تعالى أعطاني هذه الأيّام ما كنت أنتظره لسنوات طوال وقد حصلت عليه. لقد حصلت له هذه الحال بعد أربعين أو خمسين سنة من الرياضة، عدم ارتكاب الذنوب، العبادة، القيام بالمستحبّات، الصيام، تحمّل العناءات، تحمّل جوع النجف وفقرها، التخلّي عن العناوين والألقاب والمناصب وعدم النظر إليها، وعيش حياة الزهد والتوجّه الدائم إلى الله، لكنّني كنت أرى أنّ شابًّا في الثامنة عشر أو التاسعة عشر أو العشرين من العمر، لم يرتض كثيرًا، ولا قضى خمسين سنة من عمره في هذا الأمر، ولا رأى أستاذًا، إنّما قام بعمل واحد فقط، وهو أنّه ضحّى بنفسه، فأعطاه الله تعالى هذه الموهبة المعنويّة، بحيث صار هذا الشابّ النوراني يتكلّم بالنحو الذي كان يتكّلم به الملّا حسين قلي الهمداني، والمرحوم الميرزا علي القاضي، والمرحوم الميرزا جواد ملكي التبريزي. كان يُستشمّ في كلام هذا الشابّ كلام هؤلاء (العظام)، والحال أنّه

 

189


179

8. تجميع سير الشهداء، ونشرها ومطالعتها

لربّما لم يسمع هذا الشابّ بأسمائهم. هل هذه فرصة قليلة؟[1] وصايا الشهداء هي نافذة لفهم الحالات المعنويّة للمجاهدين الذين أصبحوا قادرين على القيام بأعمال كبيرة، والانتصار في ميادين لا يمكن حسابها في حساب المعادلات المادّيّة والعسكريّة الرائجة في العالم[2].

 

8ـ2ـ1ـ 2. التمتّع بالهداية الإلهيّة

وطريق السعادة المبيّن في كلام الشهداء

كرّموا شهداءكم وقدّسوهم، اقرأوا آخر وصاياهم التي غالبًا ما تكون رشحات من الفيض والهداية الإلهيّة بتدبّر[3].

 

اقرأوا هذه الوصايا وانظروا من أجل ماذا ضحّى الشهداء بأنفسهم في جبهات الحرب؟ وخلف ماذا كانوا يسعون؟ أيمكن للشخص أن يغسل يديه بسهولة من مجموع تضحيات شعب ما ومبادئه، هؤلاء مصدر سعادتنا الذي يجب أن نسعى خلفه[4].

 


[1] خطابه لدى لقائه الوزير، المديرين، والموظّفين في وزارة الأمن/20 شعبان 1425هـ/ 4/10/2004م.

[2] كلمته لدى لقائه المسؤولين في مخيّمات سالكي طريق النور/16 جمادى الأولى 1435هـ/71/3/2014م.

[3] رسالة بمناسبة إقامة مؤتمر الشهداء الجامعيّين/2 ذي القعدة 1423هـ/ 5/1/2003م.

[4] خطبتا صلاة الجمعة في طهران/17 رمضان 1423هـ/ 22/11/2002م.

 

190


180

8. تجميع سير الشهداء، ونشرها ومطالعتها

8ـ2ـ1ـ3. الاستفادة من تجارب الشهداء

العمليّة في ميدان الحرب

أوصي الشباب الأعزّاء بقراءة سير القادة الشهداء. ففي طيّات حديثهم مقاطع عاطفيّة ومعنويّة وما شابه - وهذه بدورها لها منافعها - لكن هناك مقاطع تحكي عن تجاربهم العمليّة وكيف كانوا يتصرّفون في ميدان الحرب[1].


 


[1] خطابه لدى لقائه الطلبة الجامعيّين من جامعات محافظة يزد/24 ذي الحجة 1428هـ/3/1/2008م.

 

191


181

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

الفصل الخامس

عوائل الشهداء العظماء

 

1- خصائص عوائل الشهداء المحترمين

1-1. الخصائص العامّة

1-1-1. الانسجام الفكريّ والإيمانيّ مع الشهداء

في الثالث من شهر خرداد[1]، في الساعات الأولى التي استعاد فيها مجاهدونا خرّمشهر، اتّصل بي الشهيد صيّاد شيرازي -وكنت حينها رئيسًا للجمهوريّة - وقدّم لي تقريرًا عن أوضاع الجبهة. وقال: لقد اصطفّ آلاف الجنود والضبّاط العراقيّين (أمامنا) من أجل أن نكبّل أيديهم ونأسرهم! هذه هي القوّة المعنويّة لشعب ما. هذا لم يحدث في خرّمشهر وحدها، فخرّمشهر مثال، وقد حدث هذا في كربلاء 5، وفي والفجر 8، وحدث ذلك في فتوحاتنا الكثيرة الأخرى، في عمليّات خيبر وبدر وفي مجموع سنوات الدفاع المقدّس الثماني. حتمًا كانت لدينا إخفاقاتنا وهزائمنا وقدّمنا الشهداء، إنّها ساحة حرب. فببركة إيمان شهدائنا وإيمانكم أيّها الآباء والأمّهات والزوجات - يا من كنتم تقفون خلف الشهداء، فلو لم يكن أب الشهيد وأمّه وزوجته منسجمين فكريًّا وإيمانيًّا معه، فهو لن يستطيع الذهاب والقتال - استطعتم الانتصار في هذا القتال. وهذا هو الدرس الذي يجب أن يكون دومًا نصب أعيننا وأن ننظر إليه[2].


 


[1] حزيران/يونيو.

[2] خطابه لدى لقاء عوائل الشهداء 16 ربيع الآخر 1426هـ/ 24/5/2005م.

 

193


182

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

1-1-2.تمنّي مشاركة الشهداء

في جهادهم في ميدان المواجهة

لقد تسابق الآباء مع أبنائهم، والأبناء في ما بينهم في الذهاب إلى ميدان الحرب! والزوجات تجرّعن الغصص وبكين لأنّهنّ لا يستطعن الالتحاق بجبهات القتال، فصبرن وجلسن في البيوت وحرسن الخطوط الخلفيّة، ومن ثمّ بعد أن يستشهد هذا المجاهد، يشكر الآباءُ والأمّهاتُ والزوجاتُ والأبناءُ اللهَ تعالى ويفتخرون بشهادة شهدائهم![1]

 

1-1-3.صبر عوائل الشهداء وثباتهم المنقطع النظير

سلامٌ على الأسر التي كانت مهدًا لتربية هؤلاء الأعزّة، وعلى الأمهات والآباء الذين تربّت في حجورهم الطاهرة مثل هذه الجواهر الزاهرة الثمينة، وقدموهم وهم في ريعان الشباب إلى مذبح الشهادة، وصبروا على هذه التضحية الفريدة[2].

 

لولا تحمّل عوائل الشهداء، لما قوبل تيّار الشهادة بهذا التألّق والنشاط في مجتمعنا. ولعوائل الشهداء هؤلاء المنّة الكبرى على هذا المجتمع أن جعلوا الشهادة جميلة جدًّا في أعين الناس[3].

 

فعائلة الشهيد، أمّ الشهيد، والد الشهيد، زوجة الشهيد وأبناؤه، إخوته وأخواته وأقاربه وأصدقاؤه كانوا يظهرون أمام


 


[1] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل الشهداء ومفقودي الأثر، والأسرى المحرّرين والجرحى في محافظة بوشهر/26 جمادى الآخرة 1412هـ/ 1/1/1992م.

[2] رسالة بمناسبة اليوم الثامن من عشرة الفجر المباركة، فجر الثورة الإسلاميّة ويوم الإيمان والإيثار والاستشهاد/29 رمضان 1417هـ/6/2/1997م.

[3] خطابه لدى لقاء القوّات المسلّحة في منطقة الشمال وعوائلهم/3 ذي القعدة 1433هـ/ 18/9/2012م.

 

194


183

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

دماء هذا الشهيد الكثير من الصبر والقوّة والهدوء والاستقامة، ما يحيّر الإنسان.

 

قالت لي والدة شهيدين: لقد دفنت أبنائي بيدي... وضعتهم في التراب ولم ترتجف يداي! ويقول والدٌ لعدة شهداء: لو كان عندي أضعاف هؤلاء الأبناء لكنت على استعداد لتقديمهم في سبيل الله! أي معدن هذا؟ أي جوهر هذا؟ أي نور لامع أودعه الله في واقعة الشهادة فراح يضيء العالم المظلم؟[1]

 

كنّا نقرأ عن أشياء في التاريخ تعود إلى حقبة صدر الإسلام، ولم نكن ندرك أعماقها وتبدو لنا كالأقاصيص، لكنّنا نرى اليوم في شعبنا وإلى جوارنا أفرادًا[2] أسمى، من حيث التضحية، من أولئك النساء والرجال الذين بقيت ذكراهم في تاريخ الإسلام منذ ألف وأربعمئة سنة، فهؤلاء صبرهم أكبر من أولئك. كان أولئك يتزوّدون من الأنفاس الدافئة لرسول الله، ويرونه بأعينهم، ويقاتلون معه وفي ركابه، أمّا هؤلاء فتفصلهم عن أولئك ألف وأربعمئة سنة: "وآمنّا به ولم نره صدقًا وعدلًا" - العبارة الواردة في دعاء السمات -. هكذا وقفوا صامدين بإيمانهم المتين. هل هذا بالشيء القليل؟ هكذا انتصر الشعب الإيرانيّ أيّها الأعزاء![3]

 

لا ريب أن أية فئة تقاسي المصائب في سبيل أهداف وغايات نبيلة وسامية ومقدسة - لا أن تكون مجرد غايات تافهة وعقيمة - وتتحملها بصبر وصلابة، يكون لها نصيب من تلك الفضائل. وهذا هو السبب الذي يجعلنا ننظر بإجلال وإكبار لعوائل الشهداء

 


[1] في لقاء مع المعوّقين والجرحى وأُسر شهداء محافظة فارس/26 ربيع الآخر 1429هـ/2/5/2008م.

[2] مثل عوائل الشهداء.

[3] في لقاء مع جمع من أُسر الشهداء/26 ربيع الآخر 1429هـ/2/5/2008م.

 

195


184

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

والأسرى والمفقودين والمعوّقين ولذات المعوقين والأسرى. فالشعب والتاريخ لا يسجل منقبة لفئة من الناس دونما سبب، فلولا الصبر لما تحققت هذه الفضائل[1].

 

إنّ عوائل الشهداء والمضحّين لا يمكن مقارنتها إلّا بالشهداء أنفسهم على نطاق التأثير والقيمة والسلوك والحركة، ولا يمكن مقارنتها بأية فئة اجتماعيّة أخرى في تاريخ الثورة. إنّ قَدْر هؤلاء الأمهات والآباء، والزوجات والأبناء وأهالي الشهداء الذين راعوا حرمة دماء شهدائهم وحافظوا عليها، فأصبحوا مظهرًا آخر من الفداء والتضحية في تحقيق أهداف الثورة، بفضل صبرهم وتسامحهم، إنّ قدرهم هو أن يكونوا من أبرز العناصر الشعبية تأثيرًا وفاعليّةً ونشاطًا. وإننا لا نبتغي من وراء ذلك المجاملة أو المبالغة في الترحيب، بل إنّنا نريد أن تتضح حقيقة الأمور على ما هي عليه[2].

 

1-1-3-1. سبب صبر عوائل الشهداء على فقدان الشهيد

1-1-3-1-1. التحلّي بالإيمان بالله والاعتقاد بالإسلام

هذا الإيمان المتين، وهذه الإرادات الفولاذيّة، وهذا الإيثار والتضحيات الكبرى التي أظهرها الآباء والأمّهات وعوائل الشهداء قد جذّرت أركان هذا الصرح القويّ، إلى درجة أنّه لم يستطع أيّ طوفان - ولن يستطيع بعد اليوم، أيضًا بإذن الله - زعزعة هذا

 

 


[1] في لقاء مع العوائل العظيمة للأسرى ومفقودي الأثر في الحرق المفروضة 14 محرم 1418هـ/21/5/1997م.

[2] في لقاء مع عوائل شهداء خراسان وجرحاها/1 جمادى الأولى 1428هـ/17/5/2007م.

 

196


185

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

البناء السامق وهدمه. وإنّ أساس هذا الصرح المتين للجمهوريّة الإسلاميّة، هو صبركم وإيمانكم واستقامتكم[1].

 

وإنّه حقًّا، لمبعث فخرٍ لشعبٍ أن يقدّمَ آباؤه وأمهاته فلذاتِ أكبادهم، ويبعثوهم بهذه الكيفيّة، في سبيل الله ليستشهدوا، فيتذوّقون طعم هذه اللوعة الكبيرة والألم الثقيل بعذوبة وحلاوة، من أجل رضى الله. خصوصًا الآباء والأمّهات الذين قدّموا شهيدين أو ثلاثة شهداء أو أربعة شهداء. إنّ هذا ليس بالشيء القليل، ولا يختصّ بناحيةٍ من بلادنا وفئة من شعبنا[2].

 

البعض استشهد له ولدان، والبعض الآخر ثلاثة أولاد، وبعضهم استشهد له أربعة أولاد. لقد رأينا الأمهات اللاتي كان قد استشهد أعزاؤهن، كيف أظهرن درجة من الصبر والاستقامة تجعل الإنسان حيران. أنا بحمد الله، كان لي دائمًا زيارات ولقاءات وجلسات عديدة مع عوائل الشهداء الكرام، ولا أزال. ما خلصت إليه، هو أنّ أمهات الشهداء لا نظير لهنّ حقيقةً من حيث القوة والقدرة. ما هذه القوة التي تجعل امرأة، هي كتلة من المشاعر والعاطفة والحب لابنها، تُظهر كلّ هذه الدرجة من الصلابة والقدرة أمام استشهاد واحد أو اثنين أو أكثر من أولادها؟. هذا من الإيمان، الإيمان هو الذي جعل شعبنا ينتصر في ثورته، الإيمان هو الذي أوصل شعبنا إلى هذه الانتصارات الباهرة في الحرب. إيمان الناس هو الذي رفع رأس الإسلام والقرآن الكريم في الدنيا، وأوصل الجمهوريّة الإسلاميّة إلى هذه العزّة والعظمة، إنّه الإيمان الذي يمنح عوائل الشهداء هذا الصبر وهذه القوّة

 

 


[1] في لقاء مع عوائل الشهداء والجرحى/30 جمادى الأولى 1430هـ/ 24/5/2009م.

[2] في لقاء مع عوائل الشهداء والجرحى/30 جمادى الأولى 1430هـ/ 24/5/2009م.

 

197


186

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

والاستقامة. اعرفوا قدرَ هذا الإيمان واحفظوه، فهو الشيء الذي لا ينفع أمامه أي سلاح[1].

 

لقد أظهر عوائل الشهداء اليوم، الكثير من العزّة والعظمة، بحيث عُرّف وجه الإسلام النيّر بواسطتهم إلى الكثير من شعوب العالم. لقد خاضت البلدان الأخرى حروبًا، وقدّمت ضحايا، ولديها أيضًا أمّهات للضحايا وآباء وعوائل، ولكن، هل صبر هؤلاء كما صبرتم؟ وهل احتسبوا ما حلّ بهم عند الله كما فعلتم أنتم؟ وهل أظهروا وعيًا مثلما أظهرتم؟ أبدًا. لقد قرأت تاريخ الشعوب التي خاضت حروبًا وخسرت شبابها. لربّما يمكن القول إنّه لا يوجد مثل عوائل شهدائنا في أيّ شعب من الشعوب، وهذا بفضل الإسلام وبركته. تلك الأمّ التي قدّمت شهيدين، ثلاثة، أو أربعة من أبنائها في سبيل الله، تقف وتقول: لديّ أبناء آخرون - أو لو كان عندي أولاد آخرون - لقدّمتهم فداء للإسلام. إنّنا لا نجد مثل هذه الروحيّة في أيّ مكان آخر، وهذا أمر خاصّ بكم[2].

 

1-1-3-1-2. جذور صبر عوائل الشهداء في الأخلاق الإسلاميّة والتوكّل على الله ومحبّتهم للإسلام

عندما تكون مجموعة عسكريّة تقاتل العدوّ في الخطوط الأماميّة، فإنّ طعامها، عناصر الدعم، جميع المستلزمات، ورسائل المحبّة من الوالدين والأصدقاء تأتيها من الخطوط الخلفيّة. طالما أنّ الخطوط الخلفيّة سالمة، يمكن لهذا العنصر الموجود في الخطّ الأمامي أن يقاتل. وإذا ما جاء العدوّ وقصف الخطوط الخلفيّة، فسيتمّ القضاء على الطعام، والمستلزمات،

 

 


[1] في لقاء مع جمع من عوائل شهداء إيلام 17 جمادى الآخرة 1411هـ/ 3/1/1991م.

[2] خطابه لدى لقائه حشدًا من عوائل شهداء محافظة 11 صفر 1412هـ/ 21/8/1991م.

 

198


187

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

وعناصر الدعم، ورسائل المحبّة، والآباء والأمّهات المـُثنين على أفعال أبنائهم، وكيف ستكون للشخص المقاتل في الخطوط الأماميّة القدرة على القتال؟! سيصمد يومين، ثمّ ما يلبث أن يقضي. لقد كانت خطوطنا الخلفيّة في كفاح الشعب الإيرانيّ ضدّ قوى الاستكبار العالميّ عبارة عن ثقافتنا.

 

خطوطنا الخلفيّة كانت عبارة عن الأخلاق الإسلاميّة، التوكّل على الله، الإيمان بالإسلام ومحبّته. أي محبّة تلك الأمّ التي قدّمت أربعة من أبنائها وتقول: "لقد قدّمتهم في سبيل الإسلام" وهي راضية بذلك. أنا العبد الفقير، رأيت عوائل عن قرب، أي ذهبت إلى منازلهم وتحدّثت إلى الآباء والأمّهات. هي ليست رواية، شاهدت ذلك بنفسي. العائلة التي لديها ولدان وقد استُشهد كلاهما. والعائلة التي لديها ثلاثة أبناء وقد استُشهدوا ثلاثتهم. هل هذه مزحة؟! وهل هذه المصيبة ممكنة التحمّل؟! ينبغي لهذا الأب وهذه الأمّ أن يُصابا بالجنون غصّةً على ما أصابهما. عندها، (نرى) الأمّ ذات المشاعر والأحاسيس الملتهبة تقول بكلّ قواها العقليّة: "لقد قدّمتهم في سبيل الإسلام ولا كلام لديّ" عجبًا![1]

 

كلّما رأيتم أنّ عدد المضحّين في طريق الإسلام من الشهداء والجرحى كبير، فاعلموا أنّ قلوب النساء والرجال والآباء والأمّهات قد أُفعمت بعشق الله وعشق الإسلام وعشق الإمام والثورة. أمّهات الشهداء هؤلاء، هؤلاء الآباء المفجوعون، هذه العوائل المربّية للشباب والتي تُرسلهم إلى ميادين الحرب، قد جاهدوا جهادًا كبيرًا[2].

 

 


[1] خطابه لدى لقاء وزير التربية، والمعاونين التربويّين، ومسؤولي القطاعات التربويّة في كافّة أنحاء البلاد 13 صفر 1413هـ/ 12/8/1992م.

[2] خطابه في جمع أهالي نوشهر 17 ذي القعدة 1413هـ/8/5/1993م.

 

199


188

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

1-1-3-1-3. اتّباع السيرة التربويّة لأهل البيت عليهم السلام

اعلموا أنّه لا يوجد في هذه الدنيا نساء مثل أمّهات شهدائنا هؤلاء، أكنَّ أمهّات لشهيدين، أو ثلاثة أو أربعة شهداء. فالأمّهات اللواتي يتحلّين بهذه الصفات في مجتمعنا، ووقفنَ بنحو أفضل وأقوى وأوعى من الآباء، كثيرات في هذا الميدان. هذه هي التربية الإسلاميّة، وهذا هو الحضن المطهّر والنقيّ والنوراني لفاطمة الزهراء عليها السلام، أنتنّ بنات فاطمة، أبناء فاطمة الزهراء، أتباع السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام[1].

 

إنّ ثورتنا هي ثورة زينبيّة. منذ بداية الثورة قامت النسوة بأحد أبرز الأدوار فيها، سواء في واقعة الثورة الكبرى نفسها أو في تلك الواقعة العظيمة للدفاع المقدّس طيلة السنوات الثماني، ودور الأمهات، ودور الزوجات، وإذا لم يكن أكثر ثقلًا من دور المجاهدين وأكثر إيلامًا وتحمّلًا فهو يقينًا ليس بأقل. إنّ الأم التي ربّت ولدها وعزيزها طيلة ثماني عشرة أو عشرين سنة حتى نضج بتلك العاطفة الأموميّة، ها نحن نراها ترسله إلى ميدان الحرب حيث لا يَعلم أحد إذا كان جسده سيرجع أم لا، فأين هذا العمل من ذهاب هذا الشاب نفسه؟ إنّ هذا الشاب يتحرك بحماسة مع الإيمان والروحيّة الثوريّة. فلو لم يكن عمل هذه الأم أكبر من عمل هذا الشاب فهو ليس بأقل. وإذا أرجعوا جسده فإنها تفتخر بأنّ ولدها شهيد. فهل هذه الأمور قليلة؟ إنّ هذه الحركة النسويّة هي حركة زينبيّة في ثورتنا.

 

أعزائي، أخواتي، إخواني! إنّ ثورتنا قد مضت في هذا الطريق قُدُمًا. وقدرتها وعظمتها إنّما كانت بهذه الأمور، بالتمسك


 


[1] خطابه لدى لقائه حشدًا كبيرًا من النساء 21 جمادى الآخرة 1421هـ/ 20/9/2000م.

 

200


189

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

بالمعنويات المدعومة من اللطف الإلهيّ. وعندما أراد العدو أن يشمت بزينب الكبرى عليها السلام لما جرى عليها قالت: "ما رأيت إلّا جميلًا"[1]، فقد قطّعوا إخوتها وأبناءها وأعزاءها وأقرب أنصارها أمام ناظريها إربًا إربًا، وسفكوا دماءهم ورفعوا رؤوسهم فوق الرماح وهي تقول: جميل! فأي جميل هو هذا؟ لاحظوا هذا الجميل بما نُقل من أنّ زينب الكبرى (عليها السلام) لم تترك صلاة الليل حتى في الليلة الحادية عشرة. طوال مرحلة الأسر لم يضعف انقطاعها إلى الله وتوجّهها إليه وتعلّقها به، نعم، لم يقلّ بل ازداد. هذه المرأة هي القدوة.

 

إنّ تلك الرشحات الربّانيّة التي تنزّلت من هذه الحقيقة في مجتمعنا وفي ثورتنا هي التي أعطت العظمة لهذه الثورة. فهذه الأمور هي التي جعلت شعب إيران في هذا الزمان - وعلى الرغم من كل العداوات - ملهمًا للشعوب ورغم أنف العدو. إنّ شعب إيران اليوم يعدّ شعبًا ملهمًا بين الشعوب المسلمة. ولا شكّ بأنّ الأعداء لا يعجبهم هذا الأمر ولهذا يسعون إلى خنق صوته، ولكن واقع القضية هو هذا[2].

 

أمّهات الشهداء في عصرنا هذا، حقيقة، يعملون بوصفة زينب عليها السلام ويطبّقونها! إنّني لم أرَ، أو قلّما رأيت أمًّا - أمًّا لشهيد، أمًّا لشهيدين، أمًّا لثلاثة شهداء - يشعر المرء بعجزها وضعفها حين يراها! أمّهات لبوات في الحقيقة، يرى الإنسان أنّ زينب الكبرى هي النسخة الأصليّة لسلوكهنّ وتصرّفاتهن. فقد قدّمت زينب عليها السلام اثنين من أبنائها - عون ومحمّد - شهيدين، ولم تظهر أيّ

 


[1] اللهوف، ص 160.

[2] في لقاء مع جمع كبير من الممرّضين بمناسبة ذكرى ولادة السيّدة زينب الكبرى (س) 8 جمادى الأولى 1431هـ/ 21/4/2010م.

 

201


190

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

ردّة فعل، لكنّها في حالتَين أخريين - غير حالة ابنَيها - ألقت بنفسها على جسد الشهيد. إحدى هاتين الحالتين عندما وقفت فوق رأس علي الأكبر ودون إرادة منها رمت بنفسها عليه، والثانية في عصر يوم عاشوراء...[1]

 

1-1-3-2. آثار صبر عوائل الشهداء وبركاته

1-1-3-2-1. التحوّل إلى نموذج الصمود بالنسبة إلى الآخرين

لولا الصبر والمقاومة والاستقامة والصلابة التي أظهرتها أسر وعوائل الشهداء، لكان الوضع شيئًا آخر. لقد قرأنا في القصص التاريخية، أنّ ذوي الشهداء في صدر الإسلام كانوا يصبرون ويصمدون عندما كان يستشهد آباؤهم أو أزواجهنّ أو أبناؤهم أو إخوانهم. في معركة أُحُد عندما استشهد عدد من المسلمين، إحدى النساء ومع أنها كانت تحمل معها جثامين ثلاثة شهداء، عندما وصلت على مقربة من المدينة، أوّل سؤال سألته للمسلمين، هو عن سلامة النبي. يعني سلامة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، كان بالنسبة إليها أهم بكثير من أرواح أعزائها. هذه القصص كنا قد قرأناها في التاريخ، أمّا ما حصل في بلادنا، إن لم نقل أهميّته أكبر من صدر الإسلام فمن المؤكد أنّه ليس بأقل منه[2].

 

وإذا نظرنا إلى الشهادة من زاوية أخرى نراها ظاهرة باهرة وذلك لأنّ كلّ عمل خيري سواها وأيّ برّ آخر يفعله الإنسان إنّما هو


 


[1] في خطبتَي صلاة الجمعة في طهران (عاشوراء 1416هـ)/10 ذي الحجّة 1415هـ/ 9/6/1995م.

[2] في لقاء مع جمع ضمّ عوائل شهداء ايلام/17 جمادى الآخرة 1411هـ/ 3/1/1991م.

 

202


191

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

عمله بمفرده، إلّا الشهادة فهي حصيلة جهود جماعة من الناس. فالشاب الذي يمّم وجهَه صوب الجبهة واستشهد هناك، لم يكن وحده قد جاهد فحسب، بل أنتَ والده قد جاهدت إذ ذهب. وتوجّه الشاب نحو مكامن الخطر - حيث يتهدّد الخطرُ حياته - لا يعدّ جهادًا له فقط، وانّما يشاطره والداه جهاده، وتشاطره زوجته جهاده، ويشاطره أولاده جهاده، ويشاطره كلّ من يودّه جهاده. العجيب في الأمر هو أن هذا الجهاد لا نفاد له، فإذا ما توجّه هو إلى جبهة القتال ورابط هناك وصبر وجاهد إلى أن استقبل الشهادة وانتهى جهاده، لا ينتهي عند ذاك جهاد والدته ووالده. فصبرهما جهاد، ولا ينقطع عند هذا الحدّ جهاد أولاده وزوجته، لأنّ صبرهم جهاد. وهم إذا لم يتذمّروا، واحتسبوا كلّ ذلك في عين الله، وعدّوا ذلك الدم مفخرة لهم، فإنّهم بشكرهم وصبرهم يغرسون بذور الشهادة ليتواصل غرسُها بين سائر الناس، ويكونوا مصدر تحفيز لهم للتسابق نحو الجهاد، وتصبح الحكايات التي يروونها عن صمودهم وبسالتهم مفخرة للشعب، ومدعاة لبروز الشعب والبلد على صعيد الرأي العام العالميّ بشكل مثاليّ[1].

 

عملاء أعداء الثورة وأعداء البلاد أوجدوا لعوائل الشهداء في هذه المحافظة وخصوصًا في السنوات الأولى وضعًا وظروفًا ربّما كانت أحيانًا أصعب لآباء الشهداء وأمهاتهم وأخوتهم وأخواتهم من شهادة أبنائهم نفسها. أعداء الثورة والأصابع القذرة التي أرادت تحويل كردستان إلى ساحة حرب داخليّة واقتتال بين الإخوة في البلاد لم تكتف بقتل وإراقة دماء خيرة شباب هذه المحافظة وهؤلاء الأهالي، وإنّما مارست الضغوط على عوائلهم


 


[1] في لقاء مع جمع ضمّ عوائل الشهداء/6 جمادى الآخرة 1419هـ/ 27/9/1998م.

 

203


192

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

لفترة طويلة نسبيًا. عوائل الشهداء في سائر محافظات البلاد تلخّصت مصائبها في فقدان أحبّتها، وبقيت الأجواء التي أحاطت بهذه العوائل حميمة وحماسيّة وحيويّة حيث ترفع الجماهير أسماء الشهداء الأبرار على رؤوسها وتفخر بهم، أمّا في كردستان فكثيرًا ما حدث وقد اطلعنا على ذلك وكنّا في مجريات الأمور أن يمارس الأعداء في هذه المحافظة وأعداء هذا البلد الضغوط على عوائل الشهداء.. ضغوط نفسيّة، وضغوط جسديّة، وضغوط أمنيّة. طبعًا لم تتمخض هذه الضغوط عن نتائج ولم تحسّن سمعة فاعليها في أنظار هؤلاء الأهالي بل زادتها سوءًا.

 

..في زيارتي السابقة لسنندج زرت ربّ عائلة استشهد ستة من أولاده. وقلّما شاهدت نظيرًا لهذا في البلاد. ستة أولاد! ثلاثة منهم استشهدوا في ساحات القتال وثلاثة أثناء التظاهرات التي قصفها العدو البعثي. يستشهد ستة من فلذات كبده ويبقى هذا الوالد صامدًا قويًا إلى درجة أنّني شعرت بالصغر أمام عظمة تلك الروح. شهدت هذا في كردستان...عوائل قدمت ثلاثة شهداء وشهيدين. سيدات فقدن أزواجهنّ وأبناءهنّ ولم يستسلمن لضغوط العدو النفسيّة والسياسيّة بعد فقدهنّ لفلذات أكبادهنّ ولم يبدين ضعفًا وخورًا أمام تلك الضغوط. هذه عظمة كبيرة[1].

 

لهذا الصبر العظيم الذي أظهرته عوائل الشهداء، أهمّيّة كبيرة. فلو كانت عوائل الشهداء قد أظهرت شيئًا من عدم الصبر والمعرفة، وعدم البصيرة، لأصبحت أجواء الجهاد بلا روح، ولما بقيت القلوب المشتاقة للتضحية والإيثار. لقد أظهرت العوائل صبرًا. ولقد مضت سنوات طويلة على مرحلة الدفاع المقدّس، لكنّ


 


[1] في لقاء مع عوائل الشهداء والجرحى في كردستان/18 جمادى الأولى 1430هـ/12/5/2009م.

 

204


193

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

باب الشهادة لم يُقفل، فنشاهد أيضًا عوائل مفجوعة بأحبّائها الذين فتح أمامهم وبمناسبات مختلفة باب الشهادة، فاستشهدوا ورحلوا. إذا ما كانت هذه البصيرة وهذا الصبر موجودَين في الشعب، فمن دون شكّ سيقتحم هذا الشعب القمم[1].

 

1-1-3-2-2. نزول الرحمة الإلهيّة عليهم

واللطف الإلهيّ بهذا الشعب

صلوات الله القدير والرحيم وسلامه على القلوب الصابرة والرحبة لأمّهاتٍ علّقن الآمال بعد رحيل فلذات أكبادهن وأحبابهنّ على (العثور على) أثر من جثامينهم الطاهرة، ولكنّهنّ لم ينلن ذلك، ومع ذلك، أدّين بصبرهن وتحمّلهنّ دورًا فريدًا واستثنائيًّا. إنّ جزاء صبرهن الكبير هذا سيكون - إن شاء الله - قرّة أعينهنّ بالرحمة الإلهيّة[2].

 

إنّ مستكبري العالم اليوم يخافون من الإسلام، لأنّهم رأوا شبابكم، ورأوا جبهات قتالكم، ورأوا التعبئة، رأوا كيف أنّ هذا الشعب هبّ كبحر هائج ولم يخَف من شيء في سبيل الله، لأنّهم رأوا الآباء والأمّهات، رأوا أنّ الأمّ مع كلّ هذه العاطفة والمشاعر الرقيقة والجيّاشة - وما من أمّ تحتمل انغراز شوكة في قدم ابنها - تتخلّى في سبيل الله عن ابنها بسهولة، بحيث تذهل الجميع. (وتقدّم) شهيدًا، وشهيدين، وثلاثة وأربعة شهداء، لقد تحمّل آباء هؤلاء الأحبّة والشباب وأمّهاتهم وزوجاتهم وأقاربهم كثيرًا، بحيث إنّ المرء أينما نظر، مذهولًا ومتعجّبًا، لا يجد لهم نظيرًا. هذا الصبر هو الذي

 

 


[1] خطابه لدى لقائه حشدًا من عوائل الشهداء والجرحى في كرمانشاه/17 ذي الحجّة 1432هـ/ 13/10/2011م.

[2] رسالة إلى مؤتمر تكريم أمّهات الشهداء المجهولي الهوية/8 رجب 1435هـ/ 7/6/2014م.

 

205


194

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

جعل الله تعالى ينظر بعين اللطف إلى هذا الشعب[1].

 

1-1-3-2-3. إيجاد العزّة وتشكيل هويّة الشعب وروحيّته

لقد عانى الشهداء في لحظةٍ ثمّ حلّقوا، إنّهم الذين لا خوف عليهم ﴿لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾[2]، المسألة هي مسألة الأُسَر، الآباء والأمّهات والزوجات والأبناء والإخوة والأخوات، المفجوعون، لقد صبروا وافتخروا. هنالك أُسرٌ في إصفهان سقط لهم شهداء، منهم أيضًا من استُشهد ابنهم الوحيد، إنّهم إبراهيميّو هذا الزمن، إنّهم الذين منحوا الأمّةَ هُويّتها، إنّهم من أوصلوا الأمّة إلى العزّة[3].

 

من المتيقّن أنّ فضل عوائل الشهداء الكرام من حيث العظمة يأتي مباشرة بعد فضل الشهداء أنفسهم. لقد كنتم أيّها العوائل، حُرّاس الشهادة وحماة حدود الفضيلة طوال مرحلة الدفاع المقدّس، وإنّ روحيّتكم وروحيّة أبناء الشهداء - التي سمعنا للتوّ عن جوانب جميلة منها في كلام أمّ فاضلة لثلاثة شهداء، وفي كلام الابن العزيز للشهيد القائد- استطاعت طوال مرحلة الدفاع المقدّس وفيما بعدها، الحفاظ على عظمة النظام الإسلاميّ والروحيّة العالية للشعب الإيرانيّ العظيم، وإضعاف روحيّة الأعداء[4].


 


[1] خطابه لدى لقاء جمع من عوائل شهداء قم/1 شعبان 1412هـ/19/2/1992م.

[2] سورة يونس، شطر من الآية 62.

[3] في لقاء مع أهالي أصفهان في عيد الأضحى وفي الذكرى السنويّة للخامس والعشرين من شهر آبان 1361هـ.ش (16/11/1982م)، تشييع الجثامين الطاهرة لـ 370 شهيدًا من أصفهان/11 ذي الحجّة 1431هـ/17/11/2010م.

[4] خطابه لدى لقاء عوائل القادة الشهداء في محافظة طهران/30 ذي الحجّة 1417هـ/7/5/1997م.

 

206


195

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

لقد قلتها مرارًا!. إنّني في زياراتي لعوائل الشهداء غالبًا ما أجد أمّهات الشهداء أشجع وأكثر مقاومة من آباء الشهداء. وهل يمكن مقارنة محبّة الأم وعاطفتها بعاطفة الأب؟ فالمشاعر النسويّة الرقيقة، ولا سيّما تجاه فلذة كبدها بعد أن ربّته وكبّرته وأنشأته كباقة ورد، ثم ترضى بأن يتوجّه لساحات الحرب ويستشهد، ثم لا تبكي على جنازته كي لا يفرح أعداء الجمهوريّة الإسلاميّة! وقد قلت - أنا العبد - لعوائل الشهداء مرارًا ابكوا! لماذا لا تبكون؟ لا عيب في البكاء. لكنّهم لا يبكون، ويقولون نخشى أن يفرح بذلك أعداء الجمهوريّة الإسلاميّة. لا تسمّها امرأة بل سمّها صانعة رجال العصر[1]... هؤلاء هنّ نساء إيران، وقد خرجن من الامتحان مرفوعات الرؤوس[2].

 

إنّ المرء ليعجب ويحتار. لقد زرت الآن أمًّا مؤمنة لشهداء. فقد قدّمت ثلاثة شباب في سبيل الله، ولديها ابن جريح، وهي نفسها طاعنة في السنّ، لكنّها مع كلّ ذلك، ومن حيث الروحيّة، تقف كالجبل الشامخ. ينبغي تقبيل أيدي هؤلاء، هذه هي العظمة الحقيقيّة. على الشعب عندما يمتلك في نفسه مثل هذه العظمة الإنسانيّة، أن يكون واثقًا بأنّه سيفلح في كلّ عمل عظيم يقوم به[3].

 

أيّها الإخوة الأعزّاء! لا يُنال أيّ عمل عظيم سوى بالتضحية والصبر، ولا يتحقّق أيّ هدف سوى بالسعي والجهد. في اليوم الذي انصرف فيه المسلمون لتأمين دنياهم وآخرتهم دون أن يأتوا بأيّ حركة، سرعان ما خسروا دنياهم، وفيما يتعلّق بآخرتهم فعلمه


 


[1] عمّان السامانيّ، الديوان .

[2] في لقاء مع جمع من المدّاحين في كلّ أنحاء البلد/21 جمادى الآخرة 1433هـ/12/5/2012 م.

[3] خطابه لدى لقائه بأهالي دامغان/1 ذي القعدة 1427هـ/21/11/2006م.

 

207


196

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

عند الله! أمّا الشعب في ثورتنا الذي حرّك المسلمين أيضًا بفضل الله، فقد نال العزّة والشرف والتطوّر في الدنيا، ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾[1]، وستقرّ أعينهم عند الله وفي الآخرة.

 

أقول لكم أيّها الشباب على وجه الخصوص، بأنّ ميادين الكفاح والثورة لربّما تتواصل بأشكال أخرى. إنّ الاستكبار العالمي وأعداء الإسلام الألدّاء، أولئك الذين يخافون من الإسلام ويعلمون بأنّه مانع لنهبهم وسطوتهم، لم يجلسوا عاطلين من دون عمل. فأعداؤنا الكبار والماكرون ليسوا مستعدّين للتغاضي عن هذا الإسلام العزيز والأصيل، وعن نظام الجمهوريّة الإسلاميّة هذا - إذ لأوّل مرّة في العالم بعد صدر الإسلام يُشكّل نظام على أساس أحكام الإسلام -وعن هذه الحركة العظيمة التي أدّت إلى كفّ يد العدوّ عن هذا البلد. علينا أن نكون حذرين وواعين وأن نشعر دومًا بأنّنا في ساحة معركة. أينما كنتم، في المدرسة، في الجامعة، في السوق، في الحوزة العلميّة، في المسؤوليّات الحكوميّة، في المدينة، وفي القرية، عليكم أن تمتلكوا إحساس الجنديّ والتعبوي. إنّ هذا الإحساس مقرون بفضل الله بأمل أكبر، لأنّ الشعب الإيراني قد خبر هذا الأمر وأدرك أنّ كيد العدوّ ومساعيه لا يمكن أن يهزم المؤمنين ويؤثّر فيهم. بحمد الله، الجمهوريّة الإسلاميّة اليوم أقوى من ذي قبل، وأحسن سمعة، وأكثر استعدادًا للأعمال الكبرى التي قدّرها الله لها، وهذا كلّه قد حصل رغم أنف الأعداء ومشيئتهم، وهذا كلّه نتيجة لصبر الأصدقاء المخلصين، والشعب الإيرانيّ المقاوم العظيم الشأن، وهؤلاء الشباب والآباء والأمّهات وجهودهم، وهذا ليس سوى


 


[1] سورة الشورى، 36.

 

208


197

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

بالفضل والمنّة الإلهيّة[1].

 

1-1-3-2-4. الراحة من كلّ أنواع الخوف والحزن

﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا﴾[2]، أي إنّهم يكونون على اتصال بالملكوت الأعلى في دنياهم هذه، حيث يحصلون على معين لا ينضب روحيًا وفكريًّا ونفسيًّا فلا يستحوذ عليهم خوف ولا حزن، فالخوف إنّما يأتي من الأخطار التي ربّما تتهدّد الإنسان أحيانًا، وإذا تحرّر المرء من الخوف فحينها يمضي في طريقه ويتقدّم نحو هدفه بمزيد من الجرأة والاقتدار وبروحيّة عالية، ومن لا يعتريه الحزن لما يفقده فسيحقّق نجاحات جمّة في هذا الطريق أوّلًا، ولأنّ ما يفقده كان في سبيل ما هو على عاتقه من واجب وأداء التكليف الإلهيّ فإنّه يعيش مطمئنّ الضمير ثانيًا، كما هو الحال بالنسبة لعوائل الشهداء الذين استشهد أبناؤهم وفُجعوا بهم، لكنّ قلوبهم عامرة بالسرور، فشتّان ما بين هؤلاء وبين أولئك الذين تصادفهم مثل هذه الحادثة في غير طريق الشهادة[3].

 

1-1-4. التحلّي بالتربية الإسلاميّة الصحيحة

والفضائل الأخلاقيّة

إذا استطاع المجتمع الإسلاميّ تربية المرأة وفقًا للأسوة الإسلاميّة، اقتداءً بالسيّدة الزهراء والسيّدة زينب عليهما السلام، وأن


 


[1] خطابه في جمع من عوائل الشهداء والجرحى والأسرى المحرّرين ومفقودي الثورة الإسلاميّة في قم، بمناسبة ذكرى مولد الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف /16 شعبان 1412هـ/ 19/2/1992م.

[2] سورة فصّلت، شطر من الآية 30.

[3] في لقاء مع جمع من مسؤولي النظام في الجمهوريّة الإسلاميّة/16 شعبان 1412هـ/ 12/2/2001م.

 

209


198

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

ينشئ نساءً عظيمات قادرات على التأثير على العالم وعلى التاريخ، حينذاك تبلغ المرأة مقامها الحقيقي والشامخ. وإذا حصلت هي على نصيبها، الذي فرضه الله والشريعة الإلهيّة للناس جميعًا رجالًا ونساء، من العلم والمعرفة والكمالات المعنويّة والأخلاقيّة، فستكون تربية الأطفال عند ذاك أفضل، وأحضان العائلة أكثر دفئًا ونقاءً، والمجتمع أكثر تقدّمًا، ومشاكل الحياة أسهل حلًا، بمعنى أنّ الرجل والمرأة يذوقان طعم السعادة. لهذه الغاية يجب أن تبذل الجهود، وهو الهدف المنشود، ليست الغاية حشد النساء في خندق في مجابهة الرجال أو لإثارة تنافس عدائيّ بينهما. الغاية هي أن تسلك النساء والفتيات المسار نفسه الذي إذا سلكه الرجل يغدو إنسانًا عظيمًا وكبيرًا، ليصبحن هنّ عظيمات أيضًا. وهذا الأمر يسير المنال وقد وقع في الإسلام.

 

يا أخواتي، ويا بناتي، ويا سيّدات هذا البلد الإسلاميّ، اِعلمن أنّ أيّ امرأة متى نشأت على هذه التربية وحيثما كانت وفي أيّ أسرة كانت، يمكنها بلوغ تلك العظمة التي لا تختصّ بعصر صدر الإسلام، بل يتيسّر بلوغها حتى في عهود الكبت وفي عهود تسلّط الكفر. وكلّ أسرة تربّي فتاتها تربية سليمة، تصبح تلك الفتاة امرأة عظيمة... نساء عظيمات استطعن تربية أبناء مستعدين للبذل والتضحية، وقدّمن أبناءهن وأزواجهن للدفاع عن البلد وعن الثورة، وللدفاع عن كيان وكرامة الشعب، ومثل هذا العمل الكبير استطاعت أن تنجزه المرأة. وقد شاهدتُ أنا بنفسي حالات متعددة من هذا القبيل[1].

 


[1] في المؤتمر الكبير للأخوات في ملعب الحريّة بمناسبة عيد مولد السيّدة الكوثر/20 جمادى الآخرة 1418هـ/ 22/10/1997م.

 

210


199

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

اليوم جاء حتى الظهيرة آلاف الأشخاص وسلّموا عليّ وصافحوني وذهبوا. من بين هؤلاء الآلاف -أنا على يقين بأنّ ثمّة مئات من عوائل الشهداء والأسرى المحرّرين وجرحى الحرب-كان مَن قال لي بأنّه أب شهيد أو ابن شهيد أو معوّق ومجروح أو محرر أو ابنه محرر أو زوجة محرر لا يتجاوز عددهم عشرة أشخاص. هذه هي العفة والمناعة. هذه خصال وصفات عجيبة جدًّا وذات قيمة كبيرة للأهالي، يرغب المرء هنا في أن يعمل شيئًا لهؤلاء أن يقدّم شيئًا لجدارتهم وحسنهم[1].

 

هذه، كلّ زوجات الشهداء، زوجات الجرحى، أمّهات الشهداء، البقيّة الرائدة للذّين ضحّوا بأنفسهم في سبيل الله، ممّن تحلّوا بالإرادة المتينة والعزم الراسخ والصبر فجعلوا كلّ إنسانٍ يخشع فيخضع أمام تضحياتهم. في الحقيقة، إنّني -العبد لله-كلّما ألتقي هؤلاء النساء أشعر بالخضوع في محضرهنّ. إنّني أتواصل كثيرًا مع أمّهات الشهداء وزوجاتهم ومع زوجات الجرحى. هذه السيدّة المضحّية التي تقضي سنوات عمرها لتدبير وتحسين حياة جريح قربةً إلى الله، هذا ليس بالأمر البسيط، إنّ ذكر هذه المسائل سهلٌ على اللّسان ولكن الواقع شيءٌ أرقى، تلك الأمّ التي قدَّمت اثنين أو ثلاثة أو أربعة من أبنائها في سبيل الله وبقيت بعدهم صلبة ثابتة، وتدعونا نحن إلى الصمود والثبات! إنّ الإنسان ليشعر أمام كلّ هذه العظمة بالخشوع حقًّا. إنّ هذه حقائق عن واقع النساء في مجتمعنا وهي مهمّة وتبعث على الافتخار[2].

 

 


[1] في جمعٍ من أعضاء المجلس الإداري لمحافظة بوشهر/27 جمادى الآخرة 1412هـ/2/1/1992م.

[2] في لقاء مع جمع من النساء المنتخبات في البلد/19 جمادى الآخرة 1435هـ/ 19/4/2014م.

 

211


200

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

1-1-5. الإحساس بالعزّة والفخر بسبب شهادة أبنائهم

لقد زرت أمّهات شهداء كنّ يقلن بجدّ وصدق لو كان لنا عشرة أبناء لكنّا على استعداد لتقديمهم في سبيل الله، ولم يكنّ يكذبن. التقيت بأمّهات وآباء كانوا يشعرون بالعزّة والفخر لأنّهم قدّموا أبناءهم شهداء في سبيل الله.. وهم محقّون طبعًا.. إنّها عزّة وفخر. وكما قالت عمّتنا زينب الكبرى عليها السلام: "ما رأيتُ إلّا جميلًا". ليست واقعة كربلاء بالشيء البسيط. هذه العين الناظرة إلى الله تشاهد حقيقةً جميلة من تلك الواقعة ومن تلك الدماء المسفوحة ومن تلك المصيبة الجسيمة "ما رأيتُ إلّا جميلًا". هذا ما يمنح الشعب الاقتدار، وهو ما يوجد الثقة بالنفس لديه. هؤلاء هم الذين لا ترعب قلوبَهم تهديداتُ القوى الماديّة في العالم والعربدات الثملة للحكومات المعتدية والمستكبرة في العالم[1].

 

قلّما رأيت عائلة شهيد لا تفخر باستشهاد ابنها، ولا تشعر بالشموخ والرفعة لذلك. أبدًا. وربّما لم أرَ أبدًا عائلة شهيد (كهذه). تفخر عوائل الشهداء بشهدائها، وهذا هو الحقّ والموضع المناسب للفخر والاعتزاز. وليس أنتم وحسب، بل نحن جميعًا وكلّ الشعب الإيرانيّ وكافّة المسؤولين، يجب أن يفخروا بهؤلاء الرجال الشجعان والشباب الباسل. كما يتحتّم أن تبقى ملحمة الدفاع المقدّس وذكراها حيّة خالدة في بلادنا[2].


 


[1] في لقاء مع جمع من عوائل شهداء قم وجرحاها/13 ذي القعدة 1431هـ/ 20/10/2010م.

[2] في لقاء مع جمع من عوائل الشهداء 30 جمادى الأولى 1430هـ/ 24/5/2009م.

 

212


201

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

1-2. ميّزات أمّهات الشهداء وزوجاتهم

لو أنّ النساء لم تشاركن في الحركة الاجتماعيّة لأيّ شعبٍ فإنّ تلك الحركة لن تصل إلى أيّ مكان ولن تنجح. ولو ساهمت النسوة في أيّة حركة مساهمة جادّة وواعية وعن بصيرة فإنّ تلك الحركة ستتقدّم بنحوٍ مضاعف. وفي هذه الحركة العظيمة للصحوة الإسلاميّة فإنّ دور النساء هو دورٌ لا بديل عنه، ويجب أن يستمرّ. فالنساء هنّ اللواتي يهيئن أزواجهنّ وأبناءهنّ ويدفعنهم للمشاركة في أخطر الميادين والجبهات. نحن في زمن النضال ضدّ الطاغوت في إيران، وكذلك بعد انتصار الثورة وإلى اليوم، كنا نشاهد عظمة الدور النسائيّ بشكلٍ واضحٍ وملموس. فلو لم يكن لنسائنا في هذا البلد في أثناء الحرب، التي فُرضت علينا طيلة ثماني سنوات، حضورٌ في ميادين الحرب وفي الساحات الوطنيّة العظيمة لما انتصرنا في هذا الاختبار الصعب والمليء بالمحن. فالنساء هنّ اللواتي نصرننا، أمّهات الشهداء وزوجاتهم وزوجات المعوّقين والأسرى والأحرار، فبصبرهنّ أشاعت الأمّهات مناخًا في نطاقٍ محدودٍ كان يدفع بالشباب والرجال للحضور بشوق ورغبة عارمة، وقد انتشر هذا في سائر البلد واتّسع. وكانت النتيجة أنّ الجوّ العام لبلدنا أضحى دفعةً واحدةً مناخ الجهاد والتضحية والإيثار وبذل النفوس وانتصرنا. واليوم الوضع هو كذلك في العالم الإسلاميّ، في تونس وفي مصر والبحرين وليبيا واليمن وفي كلّ نقطة أخرى. لو أنّ النساء استطعن تقوية حضورهنّ في الصفوف الأماميّة واستمررن على ذلك ستكون الانتصارات المتلاحقة من نصيبهن. ولا شكّ في ذلك[1].

 


[1] في لقاء مع المشاركين في المؤتمر العالميّ “النساء واليقظة الإسلاميّة” 22 شعبان 1433هـ/ 11/7/2012م.

 

213


202

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

في سنوات الحرب المفروضة، فلولا أمثال هذه الأمّ التي ضحّت بأبنائها الثلاثة وسواها من أمّهات وزوجات الشهداء -اللائي كان لي شرف الجلوس والحديث والتعرّف إلى خصوصيّات الآلاف منهن عن قرب-ولولا ما يتمتعن به من إيمان وصبر وصلابة ومعرفة لما وقفن هذا الموقف المحمود أمام خسائر الحرب وتضحيات الشباب والرجال. إنّ أمهات وزوجات الشهداء لو كنّ قد أظهرن اليأس والامتعاض لما حقّقنا الانتصار في الحرب ولجفّ شوق الجهاد في سبيل الله وغاض ينبوع الشهادة في قلوب الرجال، ولما كانت هذا الحماسة، ولما أضفت هذه النضارة على المجتمع[1].

 

انظروا إلى تلك الأمّ الّتي جهّزت ابنها وأرسلته إلى الجبهة، وإلى تلك الأسرة التي لم يكن لديها سوى شابّين قدّمتهما قربانًا للإسلام، وبعد استشهادهما كانت الأسرة تقول: بعد أن استشهد ولدانا أصبحنا لوحدنا كما كنّا في السابق، أهذا أمرٌ اعتباطيّ؟[2]

 

لقد كان زمنًا صعبًا، وفي هذا الزمن الصعب كان دور النساء دورًا استثنائيًا، دور أمهات الشهداء، دور زوجات الشهداء، دور النساء المباشر المتصل بساحة الحرب مباشرة في أعمال الدعم والمؤازرة، وأحيانًا وبشكل نادر في الأعمال العسكريّة والعمليّات. ولقد شاهدتُ عن قرب أعمال الدعم الحربيّ للنساء في الأهواز حيث كان دورًا منقطع النظير. لقد كانت النساء فاعلات حتى في الأقسام العسكريّة. القصة "دا" التي كتبتها السيدة حسيني تدلّ على هذا الأمر، لقد شكّلن فريق عمل لا يمكن قياسه بأيّ معيار ولا ميزان. أن تكون أمًّا، أمًّا لشهيد، أمًّا لشهيدين، لثلاثة شهداء،


 


[1] في لقاء مع مجموعة كبيرة من النساء 21 جمادى الآخرة 1421هـ/ 20/9/2000م.

[2] في لقاء مع قادة ومسؤولي حرس الثورة الإسلاميّة 25 ربيع الثاني 1416هـ/ 20/8/1995م.

 

214


203

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

لأربعة شهداء، ليس الأمر بالطرفة التي يسهل ذكرها على اللسان. إذا تعرّض طفل للزكام وسعل عدّة مرات، كم نقلق عليه؟ فماذا لو ذهب الولد فقُتل، ثم قُتل الثاني، ثمّ الثالث، هل هذه طرفة؟ وهذه الأمّ بكل عواطفها الأموميّة المرهفة والملتهبة تؤدّي دورها بشكل تتشجّع معه مئة أمّ أخرى لإرسال أولادهن إلى ساحة الحرب، لو أنّ تلك الأمهات - حين وصلتهن جثامين أبنائهن أو لم تصل - صدرت منهنّ آهات وأنين، عتاب وشقّ للجيوب أو اعتراض على الإمام (الخمينيّ) وعلى الحرب، فلا شكّ أنّ الحرب كانت ستُشلّ في تلك السنوات والمراحل الأولى للحرب، وهذا هو دور أمّهات الشهداء، والزوجات الصابرات للشهداء. نساء شابات يفقدن أزواجهنّ في بداية الحياة الجميلة التي كنّ يتمنّينها، أن يرضين أوّلًا بأن يذهب أزواجهنّ الشباب إلى حيث من الممكن أن لا يرجعوا، ومن ثمّ يتحمّلن شهادتهم، ثم يفتخرن بهذا ويرفعن رؤوسهنّ شموخًا، هذه أدوار لا بديل لها ولا مثيل[1].

 

زوجات الشهداء اللاتي ربين الشباب الأعزاء، لهم مكانة جد سامقة. لاحظت في سير شهداء شيراز أن بعض أبنائهم حققوا مراتب علمية وبحثية رفيعة. كيف تأتى ذلك؟! بجهاد الأم، بجهاد زوجة الشهيد، تلك اللبوة المجاهدة في الله، هذا هو جهادها: "حسن التبعل"، هذا هو حسن التبعل، معناه حفظ ماء وجه الزوج، حفظ شخصية الزوج، هذا هو حسن التبعل، من نماذجه أن الزوج قضى في سبيل الله، فتربي زوجته أولاده وصغاره في حجرها وترعاهم بحيث يشعرون بالفخر ويواصلون طريق الشهيد[2].


 


[1] في الاجتماع الثالث للأفكار الاستراتيجيّة 20 صفر 1433هـ/14/1/2012م.

[2] في لقاء مع المعوّقين والجرحى وعوائل شهداء محافظة فارس 26 ربيع الثاني 1429هـ/ 2/5/2008م.

 

215


204

1. خصائص عوائل الشهداء المحترمين

كان لي مع أسر الشهداء لقاءات وجلسات كثيرة. غالبًا ما كانت روحيّة الأمّهات في هذه العوائل أعلى من روحيّة الآباء. هذا أمر لا نظير له. هذا يظهر دور النساء المؤمنات في هذه الثورة، النساء اللائي صمدن لانتصار الثورة والرقي بأهدافها، وضَحّين بالغالي والثمين لأجل الأهداف الإلهيّة والإسلاميّة[1].

 

الأمّ التي تحمل هذه الهويّة، ولها هذه الكرامة، الأمّ التي تعيش هذا الشعور الذي لا يمكن وصفه - لأنّ شعور الأمّ تجاه ولدها غير قابل للوصف أبدًا، ونحن الذين لا نستطيع أن نكون أمًّا، لا ندرك واقعًا عظمة هذا الشعور - هذه الأمّ التي تحمل هذا الشعور، تتحمّل هجرة ولدها إلى جبهات الحرب، وتتحمّل شهادته وتفتخر بذلك. مرّت ثماني سنوات من الدفاع المقدّس ولم نسمع أي شكوى من الأمّهات خلالها أو بعدها، بل على العكس، ألفينا الأمّهات أشجع من كثير من الآباء. لقد وفّقني الله تعالى للقاء بعض عوائل الشهداء والجلوس على سجادتهم، وتحت سقف بيتهم، والتحدّث معهم بصدق، ولم أرَ إلى الآن - لا أذكر أنّ مرةً واحدة حتى من بين الآلاف - أُمًّا اشتكت من شهادة ولدها، بل على العكس تمامًا، كنّا نرى الأمهات يعبّرن عن فخرهن، واعتزازهنّ ويرفعن رؤوسهنّ، هذا الأمر مهمٌّ جدًّا. هذه الأم المستعدة للتضحية من أجل ولدها، بحيث لا تتحمّل أن يجوع ولدها في مكان عمله أو ما شابه ذلك، هذه المرأة المفعمة بمشاعر الأمومة هي نفسها تصبر على شهادته، تصبر على هجرته، تصبر على فراقه ولا تتأفّف ولا


 


[1] في لقاء مع جمع كبير من الممرّضين بمناسبة مولد السيّدة زينب الكبرى(س) ويوم الممرّض 7 جمادى الأولى 1412هـ/ 13/11/1991م.

 

216


205

2. آثار الشهادة على عوائل الشهداء

تشتكي، هذه برأيي أمور مهمّة للغاية[1].

 

لديّ لقاءات كثيرة نسبيًّا بأهالي الشهداء. ولقد كرّرت هذه الملاحظة وقلت: غالبًا ما تتحلّى أمّ الشهيد من بين عوائل الشهداء، بروحيّة أكبر وصبر أشدّ واستعداد أكثر لتحمّل هذا الحادثة الأليمة، مقارنة بوالد الشهيد. حتمًا هناك أمثلة معاكسة، لكنّ مثل هذه الحالات هي الأكثر تقريبًا وغالبًا ما شاهدتها. نتيجة لحادثة الثورة العظيمة هذه، تقدّمت النسوة وتطوّرن جدًّا. وكان دور المرأة في الثورة دورًا مصيريًّا، وفي الحرب كان دورها دورًا مصيريًّا، وسيكون دورها في المرحلة القادمة أيضًا دورًا مصيريًّا إن شاء الله، بشرط أن نراعي هذه الجوانب القيميّة في المرأة[2].

 

2. آثار الشهادة على عوائل الشهداء

2-1. نيل الأجر الأعظم والدرجة المعنويّة مباشرة

بعد الاستشهاد

لقد نال أحبّاؤكم الذين استُشهدوا في سبيل الله على أيدي أعداء الله تعالى، المقامَ والدرجة الرفيعة عند الله تعالى، المصحوبة بمكاسب عظيمة لهؤلاء الشهداء، ومعاناة فقد الأحبّة في بلاد الغربة على أيدي أعداء الدين، لكم عليه عند الله تعالى


 


[1] في لقاء مع العاملين على إنتاج الفيلم السينمائي “شيار 143” 18 شعبان 1435هـ/ 16/6/2014م.

[2] لدى لقاء عضوات المجلس الثقافيّ-الاجتماعيّ النسائيّ، القائمات على المؤتمر الأوّل للحجاب الإسلاميّ و...بمناسبة ذكرى مولد السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام 19 جمادى الآخرة 1412هـ/ 25/12/1991م.

 

217


206

2. آثار الشهادة على عوائل الشهداء

أجر وثواب كبير يمكن الحصول عليه بأقلّ قدر من العبادة[1].

 

أهدي سلامي وتحيّاتي الحارّة لشهداء الثورة والحرب المفروضة الكرام والجرحى والمفقودين والأسرى وأسأل الله لهم علوّ الدرجات والمراتب المعنويّة. وأنا الآن أوّجه تحيّاتي إلى آباء الشهداء وأمّهاتهم، زوجاتهم وأبنائهم، أخواتهم وإخوانهم وسائر أقرباء الشهداء الأعزّاء والجرحى والأسرى والمفقودين، وأقول لهم إنّهم في المرتبة والشأن المعنويّ يأتون بعد أعزّائهم المضحّين مباشرة[2].

 

إنّ أجركم يأتي مباشرة بعد أجر الشهيد. لطالما قلت إنّ الخندق الأوّل في مقابل أعداء الدين والحقيقة هو خندق الشهداء، والخندق الثاني هو خندق عوائل الشهداء. أنتم تأتون في الدرجة الثانية بعدهم. فهذه العناءات وهذا الفراق والغصّة والحرمان من رؤية أحبّائكم والإحساس بحضورهم، له أجره عند الله تعالى. والله سبحانه سيعطي عوائل الشهداء الأجر الجزيل، لا سيّما أولئك الذين لم يقنطوا ولم يجحدوا النعمة. طوال مدّة الحرب، تحدّث عوائل الشهداء عن شهادة أحبّائهم بعزّ وافتخار بحيث شجّعوا الآخرين على إرسال أبنائهم إلى ميدان الشهادة[3].

 

لطالما قلت لعوائل الشهداء بأنّ شهداءنا هم الخطّ الأماميّ، وبعد الشهداء، يأتي عوائلهم، هؤلاء الآباء والأمّهات والزوجات

 


[1] خطابه لدى لقاء عوائل شهداء طاقم القوّات الجوّيّة في الحرس الذين استُشهدوا في باكستان 6 جمادى الآخرة 1418هـ/8/10/1997م.

[2] خطابه في تكريم الشهداء والجرحى في اليوم الثامن من عشرة الفجر المباركة 13 رجب 1410هـ/8/2/1990م.

[3] خطابه لدى لقائه عوائل شهداء كاشان وآران وبيدكل/16 شوّال 1421هـ/ 11/11/2001م.

 

218


207

2. آثار الشهادة على عوائل الشهداء

الذين افتخروا بجهاد شبابهم وأرباب أسرهم وأحبّائهم، ولم يخافوا من أن يُقتلوا، ولم يمنعوهم من الذهاب، حتّى إنّ الأمّهات كنّ يشجّعن أبناءهنّ على ذلك! ما هذا الذي نسمعه ونراه؟! ما هذه الأحداث العظيمة التي وقعت في زماننا وأمام أعيننا؟! ولو كانت هذه الأحداث وقعت في الماضي لكنّا نقلناها بشيء من الشكّ والتردّد. والكثيرون خارج حدود هذا البلد أيضًا يسمعون هذه الوقائع بتعجّب كبير، لكنّكم قد لمستموها لمسَ اليد. لقد تسابق الآباء مع أبنائهم، والأبناء في ما بينهم في الذهاب إلى ميدان الحرب! والزوجات تجرّعن الغصص وبكين لأنّهنّ لا يستطعن الالتحاق بجبهات القتال، فصبرن وجلسن في البيوت وحرسن الخطوط الخلفيّة، ومن ثمّ بعد أن يستشهد هذا المجاهد، يشكر الآباء والأمّهات والزوجات والأبناء اللهَ تعالى ويفتخرون بشهادة شهدائهم! هذا ما يبقي شعلة نهضة ما متّقدة حيّة. وهذا ما جعل إمامنا العظيم يفتتح قمّة عزّة الإسلام وعظمته. وهذا ما جعل الشعوب تقول بصراحة: "يا شعب إيران! لقد تعلّمنا منكم، وأنتم معلّمونا"[1].

 

إنّ عائلات هؤلاء الذين شروا أنواع البلاء بأرواحهم في سبيل الله، هم جميعًا يقفون في الصفوف الأولى خلف شهدائنا في موقعهم الشامخ والسامي. إنّ هذه التضحيات الكبيرة إلى جانب الحضور المستمرّ لمجاهدي شعبنا على الجبهات المختلفة لمعركة الثورة قد استطاعت أن تجعل الإسلام مرفوع الرأس وأن تقطع يد الأجانب عن المسّ بالوطن وأن تجعل من إيران بلدًا مشهورًا ومعروفًا ومصدرًا للعزّة والشرف. لقد استطاعت هذه الجهود أن تفتح طريق الشعب الإيراني نحو أهداف الإسلام المتعالية وأن

 


[1] خطابه لدى لقاء عوائل شهداء محافظة بوشهر/26 جمادى الآخرة 1412هـ/ 1/1/1992م.

 

219


208

2. آثار الشهادة على عوائل الشهداء

تشرع في وجهه، في قلب هذا العالم المظلم وأسير المادّة والشهوة، نافذةً على الأمور المعنويّة وأن تمنح إيران عزّة وهويّة[1].

 

﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ﴾[2]. الوعد الإلهيّ وعد حق. يقف شهداؤنا في الصف الأوّل ومعهم المضحّون من المعوّقين.. هؤلاء هم روّادنا والسبّاقون منّا في جبهة الحق. ذهبوا وأثبتوا الإيمان بالشهادة والتجارة مع الله في ساحة العمل والفعل. ويأتي في الصف الثاني عوائل هؤلاء.. أنتم آباء الشهداء وأمهاتهم وأبناؤهم وزوجاتهم. أنتم الذين صبرتم وتحمّلتم هذا الحدث المرّ في ظاهره. فقدان الأحبّة أمر مرّ وصعب. الأب والأم يكدّان ويجهدان ويسقيان هذه الباقة من الورود وهذه الغرسة العزيزة المباركة بدماء قلوبهم ويكبّرانها وينشآنها ثم يأتيان بجسده من جبهة القتال.. هذا شيء صعب وليس سهلًا. وقد تقبّل آباء الشهداء وأمهاتهم وزوجاتهم وأبناؤهم هذا الحدث المرير في ظاهره بأذرع مفتوحة وأثبتوا أنهم يؤمنون بالتجارة مع الله[3].

 

إنّ الله تعالى يحاسب على أدقّ الأعمال. هذا الشابّ الذي لديه زوجة شابّة، وولد صغير، ووالدان يعلّقان عليه الآمال لمساعدتهما، يتركهم ويذهب في طريق الله ويضع روحه على كفّه، وهل هذا بالشيء القليل والحقير؟ إنّ فهمَنا وإدراكَنا لا يكفيان لفهم أهمّيّة هذا العمل وعظمته. وأنا نفسي هكذا، فما أقوله

 


[1] رسالة بمناسبة يوم تخليد الشهداء في أسبوع الدفاع المقدّس 18 ربيع الأوّل 1412هـ/ 26/9/1991م.

[2] سورة التوبة، شطر من الآية 111.

[3] في لقاء مع عوائل شهداء قمّ ومعوّقيها/13 ذي القعدة1431هـ/ 20/10/2010م.

 

220


209

2. آثار الشهادة على عوائل الشهداء

أقلّ وأصغر بكثير ممّا هو عليه الأمر في الواقع. الله تعالى يمكنه احتساب هذه الأمور، وبدقّة. فجهاز (حساب) الله تعالى جهاز عجيب....

 

جهاز المحاسبة دقيق. هناك "تُسحب الشعرة من العجين"، ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾[1] لا يضيع مثقال ذرّة من عمل الخير، وهو محفوظ عند الله تعالى. يومذاك، صبرتم أنتم الآباء والأمّهات والزوجات، فكانت تضيق صدور الأطفال، وكانوا يتألّمون، فكانت ضغوطات هذا الأمر تُلقى عليكم، وكنتم تتحمّلون، لهذا كلّه أجره عند الله، وهو محتسَب عنده. وهذا ما تعنيه عبارة "صبرًا واحتسابًا"[2] التي نقرأها في بعض الأدعية والزيارات، أي إنّ الإنسان نفسه يصبر ويحتسب الأمر عند الله، هذا هو معنى الصبر والاحتساب[3].

 

2-2. الرعاية والرحمة الإلهيّة الخاصّة

واهتمام الشهيد الخاصّ بعائلته

واعلموا يا أعزائي أنّ كلّ مصيبة تقع للإنسان له في إزائها أجر كبير عند ربّه. والقضيّة ليست ذات طرف واحد، وإنّما يتلقّى الإنسان العوضَ من ربّه إزاء كلّ معاناة وكلّ محنة، ولا يُبخَس عند ربّه شيئًا، ولا يستوي عنده من استشهد ولده، مع من يعيش ولده إلى جانبه بهناء، ولا يتساوى لديه مَن ضحى بنفسه أو


 


[1] سورة الزلزلة، الآية 7.

[2] ومنها دعاء كلّ يوم من شهر رمضان والذي يبدأ بـ "اللَّهُمَّ هذا شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أَنْزَلْتَ فِيْهِ القُرْآنَ".

[3] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل الشهداء المدافعين عن المراقد الشريفة 15 ربيع الثاني 1437هـ/ 25/1/2016م.

 

221


210

2. آثار الشهادة على عوائل الشهداء

بأحد أعزّائه مع مَن لم يكابد أيّ مشقّة، والذي فقد ولده ولا علم له بمصيره لا يستوي مع الآخرين. فلكلّ مجهود أو عمل يؤدّيه الإنسان أو المجتمع أجرٌ عند الله، ﴿وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ﴾[1]. واعلموا أنّ هذا امتحان إلهيّ لكم، ونسأله العون للجميع[2].

 

أرحّب بكم يا عوائل الشهداء المحترمين، أيّها الآباء، الأمّهات، الزوجات والأبناء. لقد بيّن الله تعالى البشارة الإلهيّة في القرآن الكريم، وقال لكم أيّها المفجوعون: ﴿أولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾[3]، فالله تعالى يرسل رحمته وسلامه لأشخاص أمثالكم تحمّلوا الصعاب، والمصائب، وفقدوا أحبّاء لهم - لا سيّما أنتم الذين فقدتم أحبّاءكم في سبيل الله - ومقام العزّة والعظمة الإلهيّة والجلال والرفعة الربوبيّة تعالى، وكذا ملائكة الله يصلّون عليكم ويرسلون السلام إليكم أنتم الآباء والأمّهات والزوجات والأبناء، إنّه لمقام رفيع. لأنّكم متأثّرون جدًّا وفي الصميم بالمصائب التي حلّت بكم، وفقدتم شبابكم الأعزّاء، فإنّنا نبشّركم بهذه البشرى الإلهيّة. واعلموا أنّ الله تعالى قد أعطاكم هذه البشرى الكبيرة، فقدّروا هذا الأمر.

 

مصائب الدنيا موجودة، والكثيرون يفقدون شبابهم، إخوانهم، أخواتهم، أبناءهم، آباءهم وأمّهاتهم بنحو عاديّ، لكنّكم فقدتم أحبّاءكم في طريق الله... هذه نعمة كبرى، وسعادة كبرى. حتمًا الأمر صعب، وإنّني أدرك تمامًا حرقة قلب الأب، والأمّ، والزوجة والأولاد الذين فقدوا أحبّاءهم، المرء يدرك ذلك. لكنّ الأجر الإلهيّ

 


[1] سورة هود، شكر من الآية 15.

[2] في لقاء مه عوائل الأسرى والمفقودي الأثر العظماء في الحرب المفروضة 13 محرّم 1418هـ/20/5/1997م.

[3] سورة البقرة، شطر من الآية 157.

 

222


211

2. آثار الشهادة على عوائل الشهداء

هو أيضًا أعلى وأكثر من هذا بكثير. نرجو أن يكون هذا الأمر ذخرًا لآخرتكم، وإن شاء الله تتمكّنون من الحفاظ على هذا الإنجاز الكبير الذي نلتموه. لا يقولنّ أحد بأنّهم جاهدوا، لماذا نتمتّع نحن بالإنجاز؟ هذا كلام غير صحيح. إنجازكم بسبب صبركم، بسبب فجيعتكم. الله سبحانه وتعالى عادل، هذا الميزان الإلهيّ لا يسمح لأحد أن يأخذ نعمة أكثر من الآخر، فكلّ شخص أصابته مصيبة وفجع بأحد أحبّائه، ترجح كفّته الأخرى، هكذا هو الله تعالى. كلّما واجهتم مشكلة هنا، وكلّما فقدتموه في هذه الكفّة، يضع لكم عوضه في الكفّة الأخرى، أسأل الله تعالى أن يثيبكم جميعًا ويحفظكم، ويعطيكم الخير، وأن يحشر شهداءكم مع النبيّ[1].

 

إنّ شهيدكم ليس موجودًا في بيتكم، ولا إلى جانبكم، ولن تشاهدوه بعد إلى آخر العمر في هذه الدنيا، لكنّه موجود، وهو لكم ويخصّكم، إنّه هناك، وفي أيّ موطن يفيدكم وينفعكم؟ في يوم يكون فيه الإنسان أفقر وأكثر احتياجًا من أي وقت مضى[2].

 

﴿وبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْرَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾[3]. إن هذه الآية تعتبر من الآيات النادرة في القرآن الكريم لأنّها تصوّر الصلوات والرحمة الكبرى التي ينزلها الله تعالى على عباده الصابرين الذين يتحمّلون المصائب والآلام ويواجهون المصائب بصدر رحب. إنّ الأمّ التي سهرت الليالي الطويلة في سبيل تربية ولدها الحبيب والعناية به، والأب الذي

 


[1] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل الشهداء المدافعين عن المراقد الشريفة 26 جمادى الأولى 1436هـ/ 16/3/2015م.

[2] كلمته لدى لقائه عائلة الشهيد مصطفى أحمدي روشن 25 صفر 1433هـ/ 19/1/2012م.

[3] سورة البقرة، شطر من الآيات 155، 156، 157.

 

223


212

2. آثار الشهادة على عوائل الشهداء

تحمّل المشاق على مدى سنوات طويلة حتى يرى ولده فتيًّا يرفل في ريعان الشباب، وجلسا يمتعان ناظريهما بطراوة وإيناع هذه الزهرة التي تفتّحت، وعندئذ يطرق أذنيهما فجأة ذلك الخبر الذي ينعى لهما عزيزهما الذي سقط شهيدًا في جبهة القتال، فيتذرّعان بالصبر وتلك الزوجة التي يفاجئها خبر استشهاد زوجها، فتستعيد ذكريات الأيام الخوالي بحلوها ومرّها مع رفيق عمرها الحبيب، ثم تواجه وحدها الواقع الأليم. حقًّا إنّه لموقف من الصعوبة بمكان، ولكن الأهالي قابلوا كلّ ذلك بصدور رحبة، وتعاملوا معه كأحلى ما يكون، وتحمّلوا تلك المآسي والمصاعب. وإنّنا لن نكون فعّالين إذا قلنا بأنّ هذا الأمان الذي تجاوزناه معًا لا نظير له في أيّ من الأمم والحروب الأخرى. إنّ الحرب وحدها تُعدّ من أعظم الكوارث. وعندما تضع الحرب أوزارها ثم نمعن في ما خلّفته - أي عوائل المقاتلين وذوي الشهداء، وأهالي المعوقين، والمعوقين أنفسهم - فإننا نجد أن ما خلفته الحرب أشدّ وطأة من الحرب ذاتها في أغلب الأحيان. إنّ صبر الآباء والأمهات وزوجات وأبناء الشهداء على فقدان أحبّائهم في جبهات القتال لربما كان أشدّ وأقسى ألمـًا من صبر ذلك المقاتل في مواجهة رصاصات الأعداء الملتهبة. لقد تميّز أبناء شعبنا بهذا الصبر، ولقد كانت وما زالت لي لقاءات متعدّدة بآباء وأمهات وزوجات الشهداء، وسمعت منهم قصصًا وحكاياتٍ مثيرةً للعجب والدهشة.. إن ذلك الأب الذي التحق مع اثنين من أبنائه بجبهات القتال، ما لبث أن استشهد ولداه في يوم واحد: وعندما سأل مسؤول الحرس الثوريّ عن عدد وأسماء الشهداء، ووجد ولديه من بينهم فإنّه تلقى النبأ دون أن يرف له جفن، ولم يقل لهم سوى أنّه يود مشاهدة رفات ولديه الشهيدين ليبثّهما مشاعره. إنّ قصة من هذا الطراز تعدّ

 

 

224


213

2. آثار الشهادة على عوائل الشهداء

الأسطورة، ولكنها حقيقة واقعة[1].

 

أنتم عوائل الشهداء، حتمًا تعانون، تفقدون أبناءكم، إخوانكم، آباءكم، أزواجكم، أنتم تحبّونهم، من الطبيعي أن تُفجعوا بهم. لا شكّ في ذلك. لكن عندما تنظرون إلى المسألة من هذا المنظار، سترون أنّكم أيضًا رابحون. لماذا؟ لأنّه حين يعرج ويرتقي إلى الدرجات العلا، سيصبح بإمكانه الشفاعة، وسيتمكّن من لعب دور في البرزخ والقيامة. يوجد الآن أشخاص في هذه الدنيا، يأنسون بالشهداء أنسًا كبيرًا، يتوسّلون بهم لحلّ مشاكل الحياة، ويجيبهم الشهداء في مطالبهم تلك. ونرى في هذه السِّيَر التي نقرأها عن عوائل الشهداء الكثيرَ من قبيل هذه الأمور، وأنّه عندما تقع زوجة الشهيد، أو أبوه، أو أمّه في مشكلة ما، يتوسّلون بالشهيد ويقولون له: "إنّك مبسوط اليد، أنت تقدر على مساعدتنا"، فيساعدهم. وهكذا الأمر في البرزخ. فأنتم لا بدّ راحلون، ولستم دائمين، أنا وأنتم جميعًا راحلون، أمامنا عالم البرزخ هذا، وهذا المعبر، وهذا الوادي، وسنصل إليه. وحين ترحلون عن هذا العالم، سيكون بانتظاركم شدائد كثيرة، فإن استطاع المرء أن يجد له شفيعًا هناك ينفعه، لهو أمر غاية في الأهمّيّة. وهؤلاء الشهداء هم شفعاؤكم[2].

 

حتمًا، لديّ الكثير من الكلام لأقوله عن عوائل الشهداء، وقد سبق لي وتكلّمت كثيرًا عنهم. إنّ قضيّة عوائل الشهداء لا تقتصر على استشهاد فرد منهم في سبيل الحقّ، إنّ صبرهم بنفسه هو

 

 


[1] في لقاء مع عوائل شهداء محافظة سمنان وجرحاها 18 شوّال 1427هـ/ 9/11/2006م.

[2] في لقاء مع عوائل شهداء حرس الحدود والمدافعين عن المراقد الشريفة 22 شعبان 1438هـ/18/6/2017م.

 

225


214

2. آثار الشهادة على عوائل الشهداء

جبل كبير، وبمجرّد أن يصبر أبو الشهيد، أمّ الشهيد، زوجة الشهيد، وابن الشهيد على هذه المصيبة، فهذا بنفسه قيمة كبيرة جدًّا، ﴿أولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾[1]، أتصدّقون أنّ الله يصلّي عليكم؟ أنتم عوائل الشهداء حين تصبرون على هذه المصيبة وتشكرون الله تعالى وتتحمّلونها وتحتسبونها عند الله، فصبركم هذا سيوجب تنزّل الصلوات عليكم من الله تعالى الذي هو مالك الملك والملكوت، ومالك عالم الوجود. هذه قيمة، علينا أن نعي هذه المفاهيم جيّدًا. فهذه المفاهيم تخلق في وجودنا طاقات وقوى عجيبة، وتهيّؤنا للكثير من الأعمال الكبرى[2].

 

2-3. التوفيق للجهاد الطويل

في الدفاع عن وجهة الشهادة

لو كان آباء وأمهات وأزواج الشهداء يتذمّرون ويتأوّهون ويشكّكون ويظهرون معالم المنّة، هل كانت تنعكس عن هذا الشعب مثل هذه الصورة الوضّاءة؟! الحقيقة هي أنّكم رفعتم رأس هذا الشعب وأبرزتم صورته الناصعة من خلال كلامكم وسلوككم ومن خلال شموخكم واعتزازكم باستشهاد أبنائكم. وما زال هذا الجهاد قائمًا حتى يومنا هذا. لقد مرّت سنوات على التحاق الشهداء برضوان ربّهم، وأدّوا ما عليهم، بيد أن جهادكم ما زال متواصلًا. فأيّ فضيلة وأيّ مأثرة


 


[1] سورة البقرة، شطر من الآية 157.

[2] في لقاء مع عوائل شهداء حرس الحدود والمدافعين عن المراقد الشريفة 22 شعبان 1438هـ/18/6/2017م.

 

226


215

2. آثار الشهادة على عوائل الشهداء

تتألف من مثل هذا التركيب المتداخل من شتى ألوان المجاهدة وتستمر لمثل هذه المدّة المديدة؟! كلّ منقبة أو مأثرة تُؤدّى مرّة واحدة وينتهي الأمر، فمن يتصدّق في سبيل الله يدفع تلك الصدقة وينتهي الأمر، إلّا الشهادة فإنّها أسمى من هذا[1].

 

2-4. كونهم شركاء في كلّ مفاخر البلد

ونجاحاته إلى الأبد

ما أريد قوله للشباب، لأبناء الشهداء وعوائلهم، بأنّ العظمة التي أظهرها عوائل الشهداء والآباء والأمّهات والزوجات لا تقلّ عن عظمة الشهداء أنفسهم. فلقد رأينا أمّهات وآباء تلقّوا حدث فقدان أبنائهم الأليم والساحق كبشارة، ذلك أنهّم كانوا يعلمون في أيّ طريق يسير ابنهم. وأنا اليوم أقول: يا آباء شهدائنا! يا أمّهات شهدائنا! وزوجاتهم المفجوعات! وأبناءهم الذين لم يرَ الكثير منهم آباءهم أو عايشوهم لمدّة قصيرة! أيّها الجرحى الأعزّاء الذين خسروا عافيتهم لسنوات طوال! إنّ جهودكم لم تذهب هدرًا بتوفيق الله تعالى وبحوله وقوّته، وقد بارك الله بمساعيكم وجهودكم وخلّص عملكم وبلدكم وشعبكم من مضائق كبرى... هذا فخر أبدي. هذا شيء لا يعفو عليه الزمن ولا يصبح قديمًا بمرور الأيّام[2].

 

كان الشهداء سباقين وروادًا، والخندق الثاني هو عوائل الشهداء وسائر المضحين. تقدّموا إلى الأمام ورفعوا الموانع من الطريق واستطاعوا تحويل الشعب – الذي عوّدوه طوال قرون على الخمول والاستسلام مقابل المتجبرين - إلى شعب متوثّب شامخ

 

 


[1] في لقاء مع جمع من عوائل الشهداء 6 جمادى الآخرة 1419هـ/ 27/9/1998م.

[2] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل شهداء محافظة همدان/19 جمادى الأولى 1425هـ/ 6/7/2004م.

 

 

227


216

3. وصايا لعوائل الشهداء

فخور ذي عزيمة وإرادة قويّة راسخة. هذا ما فعله شهداؤنا وجنودنا... هذا ما فعلتموه أنتم يا عوائل الشهداء. حقكم في عنق إيران والإيرانيّين باقٍ إلى الأبد. ولا بدّ لتاريخ إيران من أداء حقوق عوائل الشهداء[1].

 

الفاجعة كبيرة، والقلوب محزونة، لا شكّ في هذا. ندعو الله لكم أن يلهمكم الصبر والسكينة واطمئنان القلب، وعليكم أن تصبروا إن شاء الله، لكن اعلموا أنّ لهذه المصيبة الأليمة مثل هذا الأجر عند الله تعالى، ولها مثل هذه المنزلة، "فَتَحَهُ اللهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ"[2].

 

نأمل من الله تعالى أن يسعد قلوبَ المؤمنين والمسلمين بانتصار أهل الحقّ في الجمهوريّة الإسلاميّة، في العراق، في سوريا، في لبنان، في فلسطين، في أفغانستان، في باكستان، في اليمن وفي كلّ مكان. حتمًا لهذه الانتصارات الكبيرة ثمنًا، وثمن هذه الخسائر التي تكبّدتموها. وهذه الأثمان مختصّة بكم[3].

 

3. وصايا لعوائل الشهداء

3 1-. الاهتمام ببناء النفس مهما أمكن

لمواصلة طريق الشهداء

إذا ما بقي الإنسان المسلم في الميدان بروحيّة حبّ الشهادة

 


[1] في لقاء مع معوّقي محافظة فارس وجرحاها وعوائل شهدائها 26 ربيع الثاني 1429هـ/ 2/5/2008م.

[2] نهج البلاغة، الخطبة 27.

[3] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل الشهداء المدافعين عن المراقد الشريفة 28 ربيع الثاني 1436هـ/17/2/2015م.

 

228


217

3. وصايا لعوائل الشهداء

وطلبها، فلن تستطيع أيّ قوّة التغلّب عليه. ينبغي الحفاظ على هذه الروحيّة. أوصي عوائل الشهداء الأعزّاء، وخاصّة أبناءهم هؤلاء الشباب والفتية الأعزّاء: اعملوا مهما أمكنكم على بناء أنفسكم وتهذيبها. على الجميع أن يبنوا أنفسهم ويهذّبوها، لكنّ الأولويّة لكم[1].

 

أنتم صالحون ما دمتم تسيرون في طريق الله، فإذا ما انحرفتم ينتهي كلّ شيء. هذا ينطبق علينا جميعًا، وعليّ أنا العبد الفقير أيضًا. إذا ما زلّت قدمنا، فلا يمكن لنا (بعد) أن نقول: نحن الذين أنجزنا العمل الفلاني يومًا ما. فالأشخاص الذين جاهدوا في سبيل الله، جهادهم محفوظ، هذه هي الذخيرة التي حفظها الله لهم في ذلك العالم.

 

سمع رجلٌ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "مَن قالَ سُبْحَانَ اللهِ والحَمْدُ للهِ ولا إله إلّا الله واللهُ أكبر" غرس الله له شجرةً في الجنّة. فقال: يا رسول الله! إنّ لنا لشجرًا كثيرًا في الجنّة" لأنّنا نردّد هذا الذكر كثيرًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "بلى، لكن لا ترسلوا عليها نارًا تحرقها!" فأحيانًا نرسل صاعقة تحرق أشجارنا. وأحيانًا نفعل مثل ذلك الدرويش الذي ضرب بعصاه على جرّة السمن فكسرها وأراق ما فيها. أحيانًا نسقط بذنب. وأحيانًا نسقط أنفسنا بانحراف ما عن الاعتبار. علينا أن نراقب أنفسنا[2].

 

أنتم أبناء الشهداء، وآباؤكم قد ضحّوا بأنفسهم في هذا الطريق، وأنتم أحقّ وأولى بمتابعة هذا الطريق والسير في هذا

 


[1] خطابه لدى لقاء عوائل الشهداء في محافظة بوشهر 26 جمادى الآخرة 1412هـ/1/1/1992م.

[2] خطابه لدى لقائه جمعًا من الجرحى وعوائل الشهداء في محافظة كرمان 24 ربيع الأوّل 1426هـ/ 2/5/2005م.

 

229


218

3. وصايا لعوائل الشهداء

الاتّجاه. عليكم أن تراقبوا أنفسكم وتوجّهكم هذا كثيرًا. وأقول لكم أيّها الأعزّاء إنّ الإنسان معرّض للابتلاء دومًا، ولا شيء يصونه للأبد، لا العلم، ولا الجهاد، ولا حتّى التديّن والتقوى إن لم يسعَ إلى الحفاظ عليها. وليست المسألة بأن نقول لأنفسنا، لقد أنجزنا هذا العمل الكبير في سبيل الله وجاهدنا هذا الجهاد، وعليه، فإنّنا في مأمن ولن نكون عرضة للآفات، لا ليس الأمر كذلك. فحتّى الأشخاص الذين قاموا بأعمال كبرى في سبيل الله، سيتضرّرون ويكونون عرضة للآفات إن لم يراقبوا أنفسهم. وعلى الإنسان أن يراقب نفسه دومًا.

 

يقول الله تعالى في القرآن الكريم عن المجاهدين الذين جُرحوا في الحرب - وهل هناك أرقى من هذا؟ أن يذهب المرء إلى ساحة الحرب ويُجرح هناك، كما فعل أعزّاؤنا الجرحى -: ﴿الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾[1]، هذا الأجر والثواب الكبير سيبقى لهم في حال اتّقوا وأحسنوا. وإلّا إذا ما جاهد شخص ونال تلك المرتبة المعنويّة، لكنّه - لا قدّر الله - لم يحافظ عليها، فهذا هو الخسران. ما هو الشيء الذي يمكنه حفظ هذه المرتبة بالنسبة لنا؟ إنّها التقوى. لذلك نُذكّر في كلّ صلاة جمعة وفي كلّ سورة من سور القرآن الكريم بالتقوى، في بداية القرآن الكريم - في هذه الآيات التي تُليت للتوّ - جرى الحديث عن التقوى: ﴿ذلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾[2]، أنتم أعزّاء، أعزّاء في الدنيا والآخرة لأنّكم تحمّلتم في سبيل الله مصيبة كبيرة، ألا وهي فقدان الأب، هذا أمر بالغ


 


[1] سورة آل عمران/ 172.

[2] سورة البقرة، الآية 2.

 

230


219

3. وصايا لعوائل الشهداء

الأهمّيّة، وعليكم أن تحافظوا عليه. هذه المرتبة ليست دائمة وباقية، والأمر مرهون بأن تحافظوا عليها بأنفسكم، والحفاظ عليها يكون بمراعاة التقوى. حافظوا على طريق هؤلاء الآباء وهؤلاء الشهداء. ستطوون إن شاء الله المراتب العلميّة العالية، وستصبحون باحثين، علماء، أساتذة، أطبّاء، تمارسون الأعمال الفنّيّة والتقنيّة، تديرون المصانع، والأقسام الحكوميّة والوطنيّة. أينما كنتم - سواءً في الجامعة أم في محيط العمل - عليكم أن لا تنسوا بأنّ الطريق هو طريق ذلك الشهيد الذي أنتم ورثته. عليكم أن تتابعوا طريقه، وهذا هو الشيء الذي سيحفظ ثورتنا إذا ما بقي في أذهاننا وذاكرتنا[1].

 

3-2. الحفاظ على عزّة النفس والفهم المتنامي للإسلام

أقول لكم يا عوائل الشهداء، أن حافظوا على انتباهكم ويقظتكم وعزّة أنفسكم ووعيكم المتنامي بالإسلام، وقد حافظتم على هذه الأمور بحمد الله[2].

 

وأقول لكم أيضًا أيّها الأبناء الأحبّاء ونور العيون، إنّ آباءكم جاهدوا في سبيل عزّة هذا البلد ورفعته وواجهوا الموت ونالوا الشهادة في سبيل الله. بالتأكيد آباؤكم اليوم مرفوعو الرأس، وهم إن شاء الله ينعمون في محضر الله بالنعم الإلهيّة، وفرحون. ينبغي أن يكون هدفكم، أيّها الشباب واليافعون والفتية والفتيات، مواصلة طريق آبائكم. إنّهم استُشهدوا في هذا الطريق، وأنتم إن شاء الله ستبقون من الأحياء، وتسعون وتعملون، وتقضون

 


[1] خطابه لدى لقاء جمع من أبناء الشهداء 23 جمادى الآخرة 1412هـ/ 29/12/1991م.

[2] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل شهداء محافظة لرستان/11 صفر 1412هـ/ 21/8/1991م.

 

231


220

3. وصايا لعوائل الشهداء

حياة عزيزة في هذا الطريق. الإسلام بحاجة إليكم. وأنتم أبناء الإسلام، عليكم أن تكونوا جنود الإسلام وتجاهدوا في طريقه[1].

 

3-3. الحفاظ على دماء الشهيد

والقيم الإلهيّة للشهداء

فلتحفظوا أيّها الأعزّاء - العوائل المحترمة، الآباء، الأمّهات، الزوجات، الأبناء وسائر أقرباء الشهداء - هذا الفخرَ في أنفسكم، وهو أنّكم الحافظون لدماء الشهداء والمواصلون لطريقهم، والحارسون لراية الشهيد، وهي راية الله ودينه وراية الحفاظ على القيم الإلهيّة والإسلاميّة[2].

 

ينبغي على ذوي الشهداء بمَن فيهم الشباب والأبناء والبنات أن يكونوا حُماةً حقيقيين لقيم الشهادة. إنّ العديد من أبناء الشهداء والمعوّقين يحتلّون مراتب عليا في جامعاتنا والحمد لله، فمنهم من أنهى دراسته الجامعيّة، ومنهم من على وشك إنهائها، فلا ينبغي أن يتأثروا بالتيارات المختلفة التي تسعى لحرفهم عن قيمهم الأصيلة، أي قيم الشهادة.

 

إنّ من حق أبناء هؤلاء الأعزاء وزوجاتهم وذويهم أن يفخروا بهم أيّما فخر. إنّ بوسعكم أنتم أن تكونوا حُماة لهذه القيم والأمجاد، فلا تتأثروا بالدعايات المغرضة. لقد لاحظت في لقاءاتي مع عوائل الشهداء أنهم يشتكون من بعض التصريحات

 


[1] خطابه لدى لقاء أبناء الشهداء المميّزين، والمديرين والمعلّمين النموذجيّين في مدارس شاهد، والمسؤولين في مؤسّسة شهيد الثورة الإسلاميّة و... 25 صفر 1412هـ/ 4/9/1991م.

[2] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل الشهداء 6 جمادى الآخرة 1419هـ/ 27/9/1998م.

 

232


221

3. وصايا لعوائل الشهداء

التي قد تُطلق هنا وهناك، ولكن لا ينبغي لذوي الشهداء الأعزاء أن يتأثروا بمثل هذه الأقاويل الصاخبة. إنه لا يمكن إخفاء الحقيقة، وهي: أنّ أعزاءكم استطاعوا الحفاظ على استقلال بلادهم وعزّتها وكرامتها الوطنية. إنّ هذه المسألة تخصّ عوائل الشهداء والمعوّقين[1].

 

3 4-. حراسة حدودنا وحدود الشعب الفكريّة

والروحيّة والعقائديّة والإيمانيّة

يجب أن لا يشعر شعبنا وشبابنا ونساؤنا ورجالنا أنّ زمن الجهاد قد انتهى، وأنّه لا خطر يهدِّدنا.. بيد أنّ الهجوم ليس عسكريًّا وحسب، يركّز العدوّ على المواقع والنقاط التي تمثّل رأسمال صمودنا الوطنيّ. يستهدف الأعداء وحدتنا الوطنيّة وإيماننا الدينيّ العميق، يستهدفون روح الصبر والاستقامة لدى رجالنا ونسائنا. وهذا الهجوم أخطر من الهجوم العسكريّ. في الهجوم العسكريّ، تستطيعون معرفة الجانب الذي تواجهونه، وتستطيعون مشاهدة عدوّكم، أمّا في الهجوم المعنويّ والغزو الثقافيّ والهجوم "الناعم"، فلا تشاهدون العدوّ أمامكم، لذلك لا بدّ من التيقّظ والوعي. أرجو من عموم الشعب الإيرانيّ، لا سيّما أُسر الشهداء، وأطلب منكم جميعًا أيّها الأعزّاء، لا سيّما الشباب، أن تحرسوا الحدود الفكريّة والروحيّة بمنتهى اليقظة. لا تسمحوا للعدوّ أن ينال من أسس الناس الفكريّة والعقائديّة، والإيمانيّة، ويتغلغل إليها كَتَغلْغُل الأَرَضَة[2]، هذه مسألة على


 


[1] في لقاء مع عوائل شهداء خراسان وجرحاها 1 جمادى الأولى 1428هـ/17/5/2007م.

[2] الأَرَضَةُ أو دابة الأرض: دودة بيضاء تشبه النملة.

 

233


222

3. وصايا لعوائل الشهداء

جانب كبير من الأهميّة. كلّنا مكلّفون بحماية حدودنا الإيمانيّة، والروحيّة، والمعنويّة[1].

 

3-5. الاستقامة، الحضور في ميادين الدفاع

عن الثورة ودعم مسؤولي النظام

أقول لكم يا آباء الشهداء وأمّهاتهم وزوجاتهم وأبناءهم وإخوتهم وأخواتهم! حافظوا على هذه السمعة وهذه الروحيّة، وقد حفظتموها بحمد الله دائمًا. العالم مظلم ومليء بالظلم. الشعوب وحيدة تحتاج إلى المعتمد. إنّ روحيّتكم واستمرار نهضتكم واستقامتكم تشكّل مصدر الروحيّة والمعتمد بالنسبة إلى الشعوب. أنتم النساء المسلمات مصدر الروح المعنويّة لنساء فلسطين والبلدان الإسلاميّة. إنّهم يقولون بصريح القول: لقد تعلّمنا منكم، وعلى وجه الخصوص منكم أيّها الشباب. حافظوا على هذه المقاومة وعدّوا هذا الصمود غنيمة. فباستقامتكم، ووحدتكم، وحضوركم في الميادين المختلفة، السياسيّة منها والاقتصاديّة والإعماريّة وإدارة البلاد، وبالتقدّم بالأعمال، والسير خلف المسؤولين، تضفون الاستمراريّة على السمعة الحسنة التي قدّمتموها للإسلام، فأنتم من أحييتم الإسلام[2].

 

على شعبنا أن يبقى في الميدان بالروح المعنويّة نفسها، والإيمان نفسه، والوحدة نفسها، بالوعي والذكاء نفسه الذي أظهروه في أوائل الثورة. يا عوائل الشهداء الأعزّاء، أيّها الشباب، أنتم شباب استُشهد


 


[1] في لقاء مع عوائل شهداء كردستان وجرحاها/18 جمادى الأولى 1430هـ/ 12/5/2009م.

[2] خطابه لدى لقاء عوائل الشهداء في محافظة بوشهر/26 جمادى الآخرة 1412هـ/1/1/1992م.

 

234


223

3. وصايا لعوائل الشهداء

إخوانكم، وضحّى آباؤكم بأنفسهم في جبهة الحرب بين الحقّ والباطل، عليكم أن تكونوا في المقدّمة، وأنتم بحمد الله كذلك[1].

 

على هذه العوائل الكريمة نفسها أيضًا أن تشعر بأنّها في الخطّ الأمامي للثورة، وأنّها أخذت على عاتقها جزءًا مؤثرًا ومهمًّا من جهود الشعب الإيرانيّ المجيدة، وعليها دومًا أن تأمل بالله وتعتمد على معونته من أجل العمل بتكاليفها الثوريّة، وعلى والدي الشهداء وزوجاتهم وأبنائهم، من خلال المعرفة بالمنزلة الرفيعة للشهادة والتقيّد بمستلزمات هذه القيمة الإسلاميّة الكبرى، أن يستشعروا الحياة الخالدة والحضور الدائم لشهدائهم في ساحة الحياة[2].

 

إنّ ذوي الشهداء لهم أن يفخروا بهؤلاء الشهداء، ولكنهم لا ينبغي أن يكتفوا بهذا. بل يجب عليهم أن يواصلوا دربَ الشهداء والذي كان درب الدين والفداء للإسلام والتعبئة من أجل الثورة وتقوية النظام الإسلاميّ. إنّ على ذوي الشهداء أن يسبغوا الاحترام على الإسلام ويمنحوا الصلابة للنظام وأن يجعلوا من التعبئة الثورية شعارًا لهم أكثر من بقية فئات الشعب، وأن يتحركوا على هذا الطريق. إن البعض يتخيلون أنّ عوائل الشهداء قد انتهى دورهم ولم يعد لهم واجب يؤدّونه بعد تقديمهم للشهداء. وربما يكون هذا التصور نابعًا من كونهم موضع احترام وعطف الشعب والأجهزة الحكوميّة. وهذا خطأ. فكلّ من ضحّى أكثر من أجل النظام يكون واجبه أكبر في الحفاظ عليه، وكلّ من له سهم أكبر في شركة ما تصبح حساسيّته أعلى إزاء مصالح هذه الشركة.

 


[1] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل شهداء محافظة لرستان/11 صفر 1412هـ/ 21/8/1991م.

[2] حكم تنصيب حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّد حسن رحيميان كممثّل للولي الفقيه في مؤسّسة الشهيد 23 ربيع الآخر 1412هـ/31/10/1991م.

 

235


224

3. وصايا لعوائل الشهداء

ولأنّ عوائل الشهداء لهم السهم الأكبر في بقاء النظام، فينبغي أن تكون حساسيّتهم أكثر من الجميع للحفاظ على النظام الإسلاميّ وحفظ كرامته، وإنّهم كذلك والحمد لله، ولحسن الحظّ فإنّ حال ذوي الشّهداء يبعث على الرّضى، وإن شاء الله يكون سلوكهم هذا موجبًا لرضى أرواح شهدائنا الأطهار[1].

 

3-6. الافتخار بتقديم شهيد في سبيل الله

إنّه لفخر حقًّا أن يقدّم الإنسان عزيزه وابنه الشاب في سبيل الله ويعلم أنّه أرضى الله تعالى بعمله هذا، "صبرًا واحتسابًا".. يحتسب ذلك عند الله. أنْ يعلم أنّ هذا الإنسان العزيز الذي ضحّى به في سبيل الله كان خندقًا انتصب مقابل هجوم الأعداء على عزّة هذا الشعب واستقلاله. كلّ واحد من شهدائكم خندق. هذا شيء يبعث على الفخر... عوائل الشهداء، وآباؤهم وأمهاتهم، وزوجاتهم، وأبناؤهم، وإخوتهم، وأخواتهم، وأقرباؤهم، وآباء المعاقين وأخواتهم وزوجاتهم يجب أن يفخروا[2].

 

يجب أن يعلم كلّ مَن شارك في الحرب المفروضة لثماني سنوات - أكانت مشاركتهم شخصيًّا أم مشاركة أبنائهم وأعزّائهم- لا سيّما عوائل الشهداء الأعزّاء والمعوّقين والأسرى الأفاضل، أنّهم شاركوا في الامتحان الكبير وخرجوا منه مرفوعي الرؤوس. فليشكروا الله تعالى على هذا التوفيق الكبير وليحافظوا


 


[1] في لقاء مع أبناء الشهداء المتفوقين، المسؤولين عن الشؤون الثقافيّة في مؤسّسة الشهيد/14 محرّم 1410هـ/ 16/8/1989م.

[2] في لقاء مع المعوّقين والجرحى وعوائل شهداء محافظة فارس 26 ربيع الثاني 1429هـ/ 2/5/2008م.

 

236


225

3. وصايا لعوائل الشهداء

على روحيّة الدفاع عن الإسلام التي هي نعمة عظيمة[1].

 

ليفتخر عوائل الشهداء بشهدائهم. لقد عانت الزوجات المكابدات، والآباء والأمّهات المفجوعون، والأبناء الذين لم ينعموا بظلّ آبائهم فوق رؤوسهم، لكنّهم الآن يشعرون بالعزّة. إنّ آباءكم وأزواجكم وأبناءكم هم من أوصلوا البلد -الذي هو اليوم عزيز بحمد الله-إلى هذه العزّة. ولولا هؤلاء لكان وضعنا مختلفًا[2].

 

إنّ ما هو ملقى على عاتقكم[3]، هو أن تُبقوا اسم الشهداء وذكراهم عزيزة وجليلة بعملكم وروحيّتكم وأقوالكم. ينبغي للعدوّ أن يسمع شيئًا من أبناء الشهداء يكون أثره كالرصاصة في قلبه. وأبناء الشهداء اليوم موجودون في كلّ مكان، في الجامعات، في المدارس، في مراكز العمل والمسؤوليّة، وفي المستويات المختلفة. أعزّائي! لا تسمحوا لتألّق نور الشهادة الموجود في طينتكم، أن يخمد وينطفئ عبر حيل الأعداء. ولتفتخروا بالشهادة وبالطريق الذي استُشهد آباؤكم وأحبّاؤكم فيه، واعلموا أنّه لو لم يكن الشهداء والجرحى، ولو لم يكن ذلك الإيثار وتلك التضحيات، لكان شعبنا اليوم أتعس شعوب المنطقة. وما ترونه من أنّ شعوب بعض الدول، على الرغم من أنّهم يمتلكون الدين والمشاعر وعندهم ما يقولونه، ليس لديهم الجرأة والمجال لإظهاره، وعلى رأسهم حكّام لا يسمحون لهم بإظهار عقائدهم وأحاسيسهم الإسلاميّة. هذا الوضع في بلدنا كان ليصبح أكثر سوءًا بسبب

 


[1] رسالة إلى عوائل الشهداء والجرحى في عشيّة أسبوع الدفاع المقدّس/13 صفر 1410هـ/14/9/1989م.

[2] خطابه لدى لقائه عوائل شهداء القوّات المسلّحة/9 رجب 1422هـ/ 26/9/2001م.

[3] عوائل الشهداء

 

237


226

3. وصايا لعوائل الشهداء

الهيمنة الطويلة لأميركا - والأكثر بدرجات - من تلك البلدان، ولسحقَت أهواءُ الأعداء وأطماعهم حياة الشعب المادّيّة والمعنويّة. وذلك العنصر الذي منح الشعب العزّة والسمعة الحسنة، وفي الواقع، حفظ حيثيّة الشعب الإيرانيّ وحرمته، هم أحبّاؤكم أنتم وهؤلاء الشهداء والجرحى[1].

 

3-7. تحصيل أبناء الشهداء العلم

وحيازتهم على الدرجات العلميّة العالية

بالتأكيد، ينبغي لكم أنتم بشكلٍ خاص أن تسعوا أكثر في طلب العلم، لكي لا يستطيع الذين في قلوبهم مرض قول شيء ولا اتّخاذ الأعذار. عليكم أن تتابعوا دراستكم أكثر من الجميع، وتجتازوا أعلى المراتب العلميّة أكثر من الجميع. الشهادة هي علامة الثبات والصمود. وغالبًا ما كان الشهداء عناصر جبهة الحرب الفولاذيّة، ومن العناصر الفولاذيّة في المجتمع. ينبغي لهذه الروحيّة وهذه الإرادة أن تظهر في دراستكم وفي أعمالكم. وإنّني سعيد للغاية لكوني أراكم اجتزتم -بحمد الله- هذه المراحل المختلفة، وإن شاء الله تتابعون دراستكم هذه أيضًا. وليتابع الذين لا يزال المجال أمامهم مفتوحًا دراستهم، لكي يصبحوا أكثر تعلّمًا وأكثر علمًا، ويصبحوا مفيدين في المجتمع وفي النظام، كما هو لائق وجدير بهم. هذه الثورة متعلّقة بكم، وبالشباب، وبالشعب المؤمن وبالحزب الإلهيّ، ملك لعوائل الشهداء، لأبناء الشهداء، عليكم أنتم أن تديروها، وأنتم من ستستلمون إن شاء الله زمامَ أمور هذا البلد وهذه الثورة. أنتم من


 


[1] خطابه لدى لقاء عوائل الشهداء في كاشان وآران وبيدكل 25 شعبان 1422هـ/ 11/11/2001م.

 

238


227

3. وصايا لعوائل الشهداء

يجب أن تتابعوا الطريق الذي بدأه إمامنا الكبير، وعبّده آباؤكم وأن تسيروا فيه بقدم ثابتة إن شاء الله[1].

 

3-8. الجهوزيّة لتأمين حاجات البلد المستقبليّة

أمثالكم ينبغي أن يبقوا. هذا البلد يحتاج إلى شباب أمثالكم، اعلموا أنّه اليوم بحاجة، وربّما كان في الغد أكثر حاجة من اليوم (إلى شباب أمثالكم)، فلتضعوا هذا في بالكم. قد يكون البلد في الغد القادم بحاجة كبيرة لأمثالكم. بالتأكيد، لله تعالى من فترة لأخرى نماءات جديدة، وهذا أمر حتميّ ومؤكّد، لكن خسارة أيضًا أن تسقطوا شهداء. الآن، لا إشكال في أن يسقط من فترة لأخرى شهيد في سبيل الله، وهو أمر جيّد. وعلى حدّ تعبيركم يلقى أجره، وهذه الأمور مكافأة للخدمات التي أدّوها، لكن اليوم ليست الشهادة فحسب هي مورد حاجة، قد تكون في الغد أيضًا مورد حاجة[2].

 


[1] خطابه لدى لقائه جمعًا من عوائل الشهداء 23 جمادى الآخرة 1412هـ/ 29/12/1991م.

[2] خطابه لدى لقاء عوائل الشهداء المدافعين عن المراقد الشريفة 5 صفر 1437هـ/ 17/11/2015م.

 

239


228

1.حَمَلةُ راية الثورة الإسلاميّة وطلائعها

الفصل السادس

الشهداء المميّزون والبارزون

 

 

1.حَمَلةُ راية الثورة الإسلاميّة وطلائعها

1-1. الشهيد بهشتي

كان السيد بهشتي عظيمًا جدًّا جدًّا، وبرأيي إنّ الناس لا يعرفونه حتّى الآن. سيُعرف السيد بهشتي في المستقبل. نحن عرفنا بهشتي إذ شهدنا جهوده على مدى سنوات طويلة في سبيل تقدّم هذه الثورة ورأينا عن قرب كيف نصرَ هذه الثورة خطوةً خطوة. لا شأن لنا (بما يتهمونه)، لا ضرورة للإثبات، فإنّ الأيّام ستُثبت ذلك[1].

 

إنّ حادثة السابع من تير[2] دليلٌ على قوّة هذه الأمّة وثباتها، لأنّ مَن يعرف الشهيد بهشتي وقدرته الفكريّة وإرادته ويعرف إبداعَ هذه الشخصيّة في اتخاذ القرارات وعزمها وشجاعتها يدرك ماذا يحمل القضاءُ على مثل هذه الشخصية وحذفها من جهاز إدارة البلاد من المعاني، لقد كان الشهيد بهشتي حقيقةً قطبَ الرحى التي تنفّذ من خلال دورانها عشرات الأعمال (في أجهزة الدولة)، لقد كان بهشتي مصدرَ الطاقة الذي يعطي زخمًا للعمل، فكان يتقدّم بالأمور ويطرح أفكارًا. فإذا تمّ سحبُ مثل

 


[1] في المستشفى إثر حادثة الاغتيال 7 رمضان 1401هـ/ 8/7/1981م.

[2] 26 شعبان 1401هـ/ 28/6/2004م.

 

241


229

1.حَمَلةُ راية الثورة الإسلاميّة وطلائعها

هذه الشخصية بمرتبتها الإداريّة والتنفيذيّة مع ما لها من قوّة في الإقدام والفكر، وما تتمتّع به من الأسس الفقهيّة والفلسفيّة، إضافةً إلى ما اتخذته من تجربة ووعي وسعة نظر، من قلب إدارة النظام اليافع والقضاء عليه، فلا بدّ أن يؤدّي ذلك إلى شلّ حركة هذا النظام، إلّا أنّ غيابَ بهشتي وغيره من الشخصيّات التي استُشهدت معه أو قبله أو بعده، لم يؤدِّ إلى شلّ حركة النظام، بل إنّ جميع هذه الدماء التي أُريقت ظلمًا، جرت في عروق هذا النظام اليافع وزوّدته بالحيويّة والنشاط والاندفاع، هذا هو معنى تماسك النظام الذي لا يزال قائمًا. لهذا لا يقوم شعبنا بمواساة ذوي الشهداء كسائر الموتى بتقديم التعازي، وإنمّا يبارك استشهادهم، فعندما استُشهد بهشتي كان الناس يقدّمون "التهاني والتعازي" جمعًا بين النصر والحزن، ممّا يوضّح هويّة هذا النظام وهذه الثورة[1].

 

الحقيقة إنّ الموت العاديّ وعلى الفراش بالنسبة إلى أمثال شهيدنا المظلوم المرحوم بهشتي، مع كلّ جهوده ومع كلّ ما كان يتصّف به من همّة وحميّة لم يكن يليقُ به، بل كان ينبغي له أن يمضي شهيدًا. والشّهادة كرامة كبرى له ولأصحابه من الله. ونحن نسأل الله تعالى لهم النعيمَ الأبديّ وعلو الدّرجات. وأن يلحقنا بهم على الطّريق نفسه وللهدف نفسه[2].

 


[1]  في لقاء مع المسؤولين في السلطة القضائيّة وعوائل شهداء السابع من تير 26 شعبان 1401هـ/ 28/6/2004م.

[2] في لقاء مع المسؤولين في الجهاز القضائيّ في البلد وعوائل شهداء السابع من تير 10 جمادى الأولى 1425هـ/ 27/6/2004م.

 

242


230

1.حَمَلةُ راية الثورة الإسلاميّة وطلائعها

1-2. الشهيد مطهّري

إنّ ذكرى بعض الشهداء الرفيعي المقام هي أيضًا من جملة المناسبات لمثل هذا اللقاء وهذا اليوم. في الصدارة كان شهيدنا العزيز المرحوم الشهيد مطهّري، مفكّرنا الكبير ومعلّمنا والمجاهد في سبيل الفكر والعقيدة الإسلاميّة، ولقد نال بشهادته، توفيقَ قبولِ هذا الجهادِ الطويلِ من الله تعالى، فهنيئًا له![1]

 

ينبغي علينا دائمًا تخليد ذكرى الشهيد مطهري، شهيد ثورتنا الحيّ، ولقد قال الإمامُ إنّه (أي آية الله الشهيد مطهّري) هو حصيلة عمره المبارك، وأن نشير إلى أنّ الشهيد مطهّري (رضوان الله عليه) كان نبعًا فيّاضًا ومتدفّقًا. وإن كنّا نأسف لشهادته - مع أنّ الشهادة خِلعةٌ قيّمة يُلبسها الله تعالى لأخصّائه وذلك الرجل العظيم قد عرج بشهادته إلى المقامات العليا والمعنويّة التي يشتاق إليها الجميع - فذلك لأنّ هذا النبع يمكنه أن يمنح العالمَ الإسلاميّ بركاتٍ جديدة. إنّ كلّ ساعة وكلّ يوم من عمر شخصٍ مبارك كالشهيد العظيم، هو ذو فائدة بالنسبة إلى أمّة الإسلام ووحدة المسلمين، وبالنسبة إليه (الشهيد) حَسَنة[2].

 

في ما يخصّ الشهيد مطهّري أريد أن أقول أمرًا، صحيح أنّنا لمدّة ثلاث عشرة، أربع عشرة سنة قد تحدّثنا وسمعنا الكثير من الكلام مرارًا وتكرارًا في عظمة هذا الرجل، ولكنّه كتابٌ لم يكتمل. حقًّا، إنّ فضيلة رجلٍ مثل الشهيد مطهّري، لا يمكن التعبير عنها على مرّ السنين بالشكل الذي يوفيها حقّها، لذا

 


[1] في لقاء المعلّمين والتربويّين في كلّ أنحاء البلاد/8 رجب 1435هـ/ 7/5/2014م.

[2] في لقاء مع جمع كبير من العمّال والمعلّمين في كلّ أنحاء البلد بمناسبة اليوم العالميّ للمعلّم 17 شوّال 1411هـ/ 1/5/1991م.

 

243


231

1.حَمَلةُ راية الثورة الإسلاميّة وطلائعها

فليسمع شعبنا العزيز مجدّدًا عن مطهّري العزيز وهذا الشهيد العظيم. وما أريد قوله هو أنّ الشهيد مطهّري كان مناضلًا في سبيل الله ومجاهدًا في سبيله. إلّا أنّ الجهاد أنواع، وأحد أصعب أنواع الجهاد هو الوقوف أمام غزو الأفكار والثقافات الخاطئة والانحرافيّة وسوء الفهم العام لدى الناس، فيقف إنسانٌ يعرف الحقّ، ويريد الدفاع عنه (ويواجه الغزو) ببيانه، وفكره، وبسلاح اللسان والقلم ويهدي العقول نحو الصواب. وهذا النوع من أكثر أنواع الجهاد صعوبة، والشهيد مطهّري قد مارس هذا الجهاد الصعب لسنواتٍ مديدة. لقد كان إنسانًا بصيرًا ونافذ البصيرة، لم يكن إنسانًا عاديًّا، كان يملك نظرةً ثاقبة، كان ينظر إلى مستوى المجتمع وكان يرى ما هي الشبهات المهيمنة على الفهم العام لشعبنا والمتأثّرة بتلقين الأعداء، وكان يبدأ بالكفاح ضدّها. إنّ هذا النضال نفسُه كان في سبيل الله، أوّلًا لقد ساعد كثيرًا في انتصار هذه الثورة، فطالما لم يكن فكر الناس صحيحًا، لن يصدر عنهم عملٌ صحيح. عندما يصلح الفكر، سوف يعمل الإنسان الصواب. عندما يعتقد الإنسان بطريقٍ صحيح، سوف يسير في هذا الطريق، ويطوي ذلك الطريق. لقد ساعد الشهيدُ مطهّري الناسَ كي يعرفوا الطريق. إذًا، لقد ساعد في انتصار هذه الثورة وبتوجيه هذه الحركة الجماهيرية[1].

 


[1] في لقاء مع العمّال والمعلّمين في البلد بمناسبة عيد العمّال والمعلّم 14 ذي القعدة 1413هـ/ 5/5/1993م.

 

244


232

1.حَمَلةُ راية الثورة الإسلاميّة وطلائعها

1-3. الشهيدان رجائي وباهنر

قضى الشهيدان رجائي وباهنر عمرهما بالتعليم والتربية بشكل أساسيّ. لقد شهدنا شخصيًّا عن قربٍ ما بذله هذان الشخصان المجاهدان والتقيّان والمخلصان في خدمة التعليم والتربية في بلدنا وعلى مدى سنوات طويلة وخلال مدّة قصيرة بعد الثورة[1].

 

نُحيي اليومَ ذكرى شهيدَينا العزيزَين، في الواقع عند تكرارنا لاسمَي الشهيد رجائي والشهيد باهنر يصبح هذان العَلَمان اللذان رسما خطَّ مسار الحكومة ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة، أكثر وضوحًا أمام أعيننا، كي لا ننسى أيّ طريقٍ يجب علينا أن نسلكه ولا إلى أين يجب أن نصل[2].

 

نحن نُحيي ذكرى شهيدَينا العزيزَين رجائي وباهنر. ومع أنهما شخصان، إلّا أنّ فضائلهما الثوريّة والدينيّة وتقواهما كانت على درجة كبيرة جعلتهما يُعَدّان في مجتمعنا تيّارًا (له شأنه).

 

عندما يطل أسبوع الحكومة ويتكرّر فيه ذكر الشهيد رجائي والشهيد باهنر، لا تنصرف الأذهان إلى مجرّد تكريم شهيدين فحسب، إنما يُنظر إلى أنّ المراد تكريمه هو تيار فكريّ وعمليّ وثوريّ. واجتماعكم هذا أيضًا هو تكريم لهاتين الشخصيّتين الكبيرتَين. نسأل الله تعالى أن يشمل برحمته الشهداء جميعًا وهذين الشهيدَين، وأن يثيبهما أعلى درجات العليين جزاءً لما

 


[1] في لقاء مع المعلّمين والتربويّين في كلّ أنحاء البلاد 8 رجب 1435هـ/ 7/5/2014م.

[2] في لقاء مع رئيس الجمهوريّة وأعضاء الهيئة الحكوميّة 10 رجب 1425هـ/ 25/8/2004م.

 

245


233

1.حَمَلةُ راية الثورة الإسلاميّة وطلائعها

بذلاه من جهد وإخلاص[1].

 

لا نغفل عن ذكر شهدائنا الأعزّاء المرحوم الشهيد رجائي، والشهيد باهنر، وكذلك الشهيد العراقي، هؤلاء في الحقيقة ممّن رهنوا أنفسهم وقلوبهم لقيم الثورة. ولعلّ هذا هو السبب وراء حفظ الله تعالى لأسمائهم وذكراهم. هذا نوع من أنواع شكر الله، شكر ربّ العالمين لعباده ﴿فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾[2]. سيشكرنا الله، حتى لو لم يكن لنا أيّ طلب. إنّ الله تعالى يشكر عباده الذين عملوا بإخلاص، وقدّموا جميع ما يملكون، وأحد أقسام الشكر هو هذه السمعة الطيبة التي تبقى لهم طوال سنين مديدة. آمل أن تبقى إن شاء الله هذه الشخصيّات النورانية حيّةً هكذا في مجتمعنا، فهؤلاء هم مظهر القيم. إنّ إحياء أسماء هؤلاء يعني بقاء القيم حيّةً، أو هذا ما ينبغي أن يحصل إن شاء الله[3].


 


[1] في لقاء مع رئيس الجمهوريّة وأعضاء الهيئة الحكوميّة بمناسبة بدء أسبوع الحكومة 20 ربيع الآخر 1418هـ/ 24/8/1997م.

[2] سورة البقرة، شطر من الآية 158.

[3] في لقاء مع رئيس الجمهوريّة وأعضاء الهيئة الحكوميّة 21 رمضان 1431هـ/ 30/8/2010م.

 

246


234

2. شهداء النقابات والشرائح الخاصّة

2. شهداء النقابات والشرائح الخاصّة

2-1. شهداء النقابات والسوق

إنّ مسألة السوق والنقابات ودخول هذا الجمع وهذه الشريحة الاجتماعيّة إلى ميدان النضال هي إحدى المسائل المهمّة في تاريخ ثورتنا. أنا العبدُ أصدِّق، وقد كنت شاهدًا، أنّ جزءًا من أوّل الجماعات، وربّما يمكن القول إنّ أوّل الجماعات التي لبّت نداء الإمام في النهضة كانوا العاملين في السوق المتديّنين - في كلّ انحاء البلد ولا سيّما في طهران وبعض المدن الكبرى - هم الذين هيّأوا الأجواء في البلد في العام 41ه.ش[1]، وكذلك على مدى السنوات الطويلة. حاليًّا أنتم ذكرتم أسماءَ البارزين في النقابات[2]، ولكن عدد الأشخاص المشهورين والبارزين أكثر بكثير من هؤلاء والكثيرون منهم غير معروفين، إنّ مؤتمركم هذا يساعد حقًّا في إحياء أسماء شرفاء النظام الإسلاميّ وشرفاء الثورة هؤلاء وتخليدها، هذا عمل مناسب وجيّد جدًّا. في النقابات أيضًا عملَ بعض أفرادها وكرّسوا عملهم لخدمة الثورة ولخدمة الحرب، ولقد رأيناهم عن قُربٍ، بعضهم ذهبوا إلى الجبهة، وبعضهم نقلوا مهنتهم إلى الجبهة، البعض موّلوا الجبهات بمساعداتهم الماليّة، وقاموا بأعمال قيّمة جدًّا وللإنصاف إنّ (مِن) حقّهم ونصيبهم (القيام بـ) مجلس تأبيني كبير، أو مؤتمر جيّد كالذي، والحمد لله، أنتم في صدده حاليًّا في هذا المجال. وإن شاء الله

 


[1] 1341هـ.ش (1962م).

[2] إشارة حجّة الإسلام أحدي نجاد إلى أسماء بعض شهداء النقابات البارزين، ومن بينهم: الحاج مهدي العراقي، الحاج صادق أماني، الحاج السيّد أسد الله اللاجورديّ، الحاج إسماعيل رضائي، الحاج طيّب، المرحوم عسكر أولادي.

 

247


235

2. شهداء النقابات والشرائح الخاصّة

يكون بعونكم كي تتمكّنوا من إنجاز ذلك العمل بمضمونه الجيّد - كما أشاروا -...إن شاء الله ستحظون بتأييد الله وتوفيقه[1].

 

2-2. الشهداء العسكريّون

2-2-1. شهداء جيش الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة

إنّ لجيش جمهوريّة إيران الإسلاميّ المجيدة، وعلى وجه الخصوص، القوّات الجوّيّة - والتي تُقام هذه المراسم بضيافتها -ذكريات لا يمكن أن تُمحى من تاريخ هذا البلد. نعم، لقد عرج شهداء ومضحّون ومضوا، ولكنّ طريقهم، الذي هو طريق الجهاد المقدّس في سبيل أهداف الإسلام والقرآن والحفاظ على وطننا العزيز إيران، لا يزال مستمرًّا. إنّ روحيّة طيّارينا في مدّة الحرب المفروضة، كانت من جملة الظواهر التي لا نظير لها أو التي قلّ نظيرها في القوّات المسلّحة لدول العالم... إنّ ذكرى طيّار كالشهيد بابايي وضابط تقني عالي القدر كالشهيد ستّاري لن تُمحى من ذاكرة الشّعب الإيرانيّ أبدًا[2].

 

لقد كانت القوّات البحريّة أيضًا بالنسبة إلى القوّات المسلّحة وبالنسبة إلى البلد مصدر عزّ وكبرياء، وستبقى ذكرى شهداء هذه القوّات، ومن جملتهم شهداء فرقاطة بيكان الفدائيّين، حيّة دائمًا في تاريخ هذا البلد[3].

 


[1] في لقاء مع جماعة من القيِّمين على تنظيم المؤتمر الوطنيّ لشهداء النقابات والسوق العشرة 13 ربيع الأوّل 1435هـ/ 14/1/2014م.

[2] في مراسم أداء طلاب جامعات الضبّاط في جيش الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة القَسَم ومنحهم الكتفيّات 1 ذي الحجّة 1434هـ/ .5/10/2013م

[3] في لقاء مع قادة القوّات البحرية في الجيش 8 صفر 1436هـ/ 30/11/2014م.

 

248


236

2. شهداء النقابات والشرائح الخاصّة

2-3. شهداء النُّخَب العلميّة-الفنيّة

لدينا في العـِلم والبحث نُخَبٌ بارزة، مثل المرحوم كاظمي الأشتيانيّ الذي أطلق هذه الخلايا الأساسيّة وهذه التشكيلات العظيمة وربّى الكثيرين - وكان زملاؤه على هذا النحو أيضًا، والحمد لله إنّ هذه الحركة مستمرّة اليوم أيضًا - أو مثل الشهيد شهرياري، عندما نذكر اليوم اسم الشهيد شهرياري فذلك لأنّ هذه الأيام تصادف ذكرى استشهاده، البقيّةُ أيضًا على مثاله: رضائي نجاد، علي محمّدي، أحمدي روشن، هؤلاء كانوا من النُّخَب وفي وادي العلم والبحث الذين عملوا تعبويًّا، الشهيد شهرياري عمل تعبويًّا. عندما أرادوا أن يقفلوا الأبواب في وجه الأمّة الإيرانيّة - بالأساليب نفسها إذ إنّ الكثيرين من أفراد الشعب يسمعون أشياء في نشرات الأخبار على شاشات التلفزة، الكثير منها في الكواليس أيضًا ويتّضح في ما بعد مدى خداعهم - كي لا يصل إنتاج هذه الأدوية النوويّة إلى الشعب وتواجه الجمهوريّة الإسلاميّة مشكلةً وقالوا "لا نبيعها" حتى يتعطّل مركز طهران، هؤلاء - المرحوم الشهيد شهرياري - انشغلوا أيضًا وبذلوا الجهود فجاؤوا في ما بعد وقالوا لنا بأنّنا استطعنا أن ننتج عشرين في المئة، ثمّ جاؤوا وأخبرونا أنّنا صنعنا أنبوب الوقود وصفحة الوقود أيضًا، بقي العدوّ (متحيّرًا). هذا العمل، كان من عمل التعبئة، هذا العمل، لم يكن عملًا عاديًّا. في جميع هذه المجالات التي ذكرناها، كان آلاف من الأشخاص العظام الذين ذكرنا أسماء بعضهم قد سعوا ولا يزالون يبذلون الجهود[1].

 


[1] في لقاء مع أعضاء المجمع العالي للتعبويّين المستضعفين 5 صفر 1436هـ/ 27/11/2014م.

 

249


237

2. شهداء النقابات والشرائح الخاصّة

فالشهداء الذين ذُكروا في هذه الجلسة هم من الشرائح المتفوّقة ونخبة المجتمع، هم من الطلّاب الجامعيّين والفنانين والمعلّمين وتلامذة المدارس، وهذا يدل على أن دوافع التضحية والشهادة في سبيل الله رائجة منتشرة في مختلف ساحات مجتمعنا، وهذا شيء على جانب كبير من الأهمية. أستاذٌ جامعي يتوجّه إلى جبهات القتال ويستشهد، وفنانٌ يلتحق بالجبهات ويستشهد، وطالبٌ جامعي يقاتل ويستشهد. إن الكثيرين من هؤلاء الأعلام في ساحة الدفاع المقدس في إيران أو غالبيتهم - الذين ازدانت شوارعنا ومراكزنا بأسمائهم، وتجمّل صورُهم محيطنا وأماكن عيشنا -كانوا من الطلّاب الجامعيّين. وكان بعضهم نوابغَ حقًا، كانوا فنانين، ومعلمين، وأساتذة، فقد ذهبوا إلى الجبهات وقدموا أرواحهم واسترخصوا الأعمار في سبيل الله ومن أجل الأهداف، وهو أثمن ما يمتلكه الإنسان من الأمور المادية. إنّ هذا لأمر مهمّ جدًا[1].

 

نعم هناك مسألة لم يأتِ على ذكرها في حديثه حول القضايا المرتبطة بالمهندسين في البلاد، وهي دور المجموعات الشبابيّة من المهندسين خلال الثورة وتأثيرها في القضايا الثوريّة، سواء خلال مرحلة النضال الثوري، حيث كانت معاهدنا الفنيّة على امتداد البلاد سبّاقة إلى التصدّي والمواجهة، أو في المرحلة التي تلت انتصار الثورة لا سيّما خلال سنوات الدفاع المقدّس، حقيقة كان المهندسون حينها جنودًا فدائيّين، ولقد شهدنا كيف قاموا باستثمار وتسخير كلّ قدراتهم وقابليّاتهم "وفنونهم" ونبوغهم في هذا الطريق، يمكنني القول إنّنا كنّا ومع كلّ يوم جديد نشاهد ظاهرة جديدة وإبداعًا جديدًا يقدّمه هؤلاء الشباب الذين


 


[1] في لقاء مع أعضاء لجان مؤتمر شهداء الأمور التربويّة، مؤتمر شهداء الطلّاب ومؤتمر الشهداء الفنّانين 26 ربيع الأوّل 1436هـ/ 16/2/2015م.

 

250


238

2. شهداء النقابات والشرائح الخاصّة

تخصّصوا في الفروع الهندسيّة المختلفة من خلال المواهب والإمكانات التي توافرت فيهم[1].

 

في كلّ هذه المراكز لدينا نماذج، نماذج بارزة أبرزت نفسَها وعظمتها. في الحرب كان لدينا قادة كبار، شخصيّات بارزة، بعضهم كانوا نُخَبًا علميّة، جاؤوا إلى الحرب جنودًا نشيطين حاملين البنادق، مثل المرحوم الشهيد شمران. شمران الذي كان من النخب العلميّة كان أيضًا من النخب الفنيّة، قال لي بنفسه: "أنا حاذقٌ في التصوير". كان قد جاء من الحرب يرتدي لباسًا عسكريًّا، كان قد أصبح عسكريًّا، لكن قبل أن يرد الميدان، كان من النخبة. إنّ البعض قبل أن يدخلوا الميدان لم يكونوا من النُّخَب، ولقد أوصلهم هذا الميدان إلى الفلك، مثل أوستا عبد الحسين البنّاء[2] الذي كان تلميذًا لدى بناء، وقد ورد ميدان الحرب ووصل إلى الشمس، الذروة، فأصبح من النخبة، وأيُّ نخبة! هؤلاء هم البارزون[3].

 

إنّ الشهيد شمران كان واحدًا من النخبة العلميّة، والجميع يعرفونه جنديًّا وقائدًا ومقاتلًا، إلّا أنّه كان أيضًا أحد النُخَب العلميّة في الدرجة الأولى - أنا سمعت منه شخصيًا ومن الآخرين أيضًا - أنّه كان من الأشخاص والطلّاب أصحاب الدرجات العالية في المراكز العلميّة التي كان يدرس فيها في أميركا، لقد كان نخبةً علميّة بكلّ ما للكلمة من معنى. إلّا أنّه شعر بالحاجة للمجيء والعمل

 


[1] في لقاء مع أعضاء لجنة تخليد يوم المهندس الوطنيّ/15 ربيع الأوّل 1436هـ/ 5/2/2015م.

[2] الشهيد عبد الحسين برونسي.

[3] في لقاء مع أعضاء المجمع العالي للتعبويّين المستضعفين 5 صفر 1436هـ/ 27/11/2014م.

 

251


239

2. شهداء النقابات والشرائح الخاصّة

في هذا المجال، فجاء واستفاد من تلك المواهب ومن تلك القدرة والهمّة التي يمتلكها، ودخل إلى هذا العمل وقام بأعمال عظيمة جدًّا، هذا واحدٌ من النخبة. مثالٌ آخر هو الشهيد مجيد شهرياري، الذي كان أيضًا واحدًا من النخبة. لم يكن عمل شهرياري متعلّقًا بالحرب، ولكن كان هناك مكانٌ خال ونقطةٌ فارغة هي موضع حاجة. فذهب هذا الشهيد النخبة إليها وبدأ العمل فيها، وهكذا سائر شهدائنا النخبة الذين عملوا في الواقع[1].

 

هذه الجامعة المـُزدانة بالاسم المبارك لأمير المؤمنين، لديها الكثير من الإنجازات ودواعي الافتخار. هؤلاء الشهداء الذين نُشاهد هنا صورهم النورانيّة جميعهم برزوا من هذه الجامعة ونشأوا فيها وتمكّنوا من أداء دور. من بين مجاهدينا وشهدائنا الأعزّاء عددٌ من الشباب طلّاب هذه الجامعة، هذه الجامعة مكانٌ مبارك هي مكانٌ لتربية وتنشئة الطلّاب الذين تفتخر بهم الأمّة الإيرانيّة وتعدّهم رأسمالَ قوّتها المعنويّة، قدِّروا ذلك وافتخروا بأنّكم نشأتم وتدرّبتم في مثل هذا المركز[2].

 

لقد استمتعتُ ببيانات السيد ستّاري. هو نفسه من النخبة أيضًا، حتّى إنّ والد الشهيد أيضًا - الشهيد منصور ستّاري - كان في الحقيقة من النخبة أيضًا، من الناحية الفكريّة، الذهنيّة، العلميّة والعمليّاتيّة، ومن حيث الدافع والإيمان والحضور في الساحات الصعبة. إن شاء الله يحشر شهيدنا العزيز ستّاري مع أوليائه ويوفّقهم أيضًا[3].

 


[1] - في لقاء المشاركين في المؤتمر الوطنيّ السابع للشباب النُّخَب 28 ذي الحجّة 1435هـ/ 22/10/2014م.

[2] في الاحتفال الثامن لتخريج طلّاب جامعات الضبّاط في الجيش 25 محرّم 1436هـ/ 17/11/2014م.

[3] في لقاء مع المشاركين في المؤتمر الوطنيّ الثامن للشباب النُّخَب 28 ذي الحجّة 1435هـ/ 22/10/2014م.

 

252


240

3. الشهداء البارزون من مختلف قوميّات بلادنا

3- الشهداء البارزون من مختلف قوميّات بلادنا

جميلٌ أن نرى وجوهًا وشخصيّات متألّقة بين مختلف قوميّات بلادنا ونعرّفها، ومن الظلم الكبير القبول بإغفال شخصيّات بارزة ومضحيّة، وكان لها الكثير من الميّزات ويُغفل عن تضحياتهم وجهادهم[1].

 

3-1. قوّات البيشمركة الأكراد المسلمون

نعم، الأمر كما ذكرتم، فالإخوة الأبطال والمخلصون في المنطقة الكرديّة ليسوا بالقلائل، والإخوة المؤمنون والمخلصون الذين بذلوا ما لديهم فداءً للثورة موجودون على امتداد هذه المنطقة. وفي طليعتهم هؤلاء الشباب الذين اجتمعوا تحت لواء قوّات البيشمركة المسلمة الكرديّة، حملوا السلاح، ونزلوا إلى ساحة الحرب، فخاطروا بأرواحهم وبأرواح عائلاتهم، وهذه نقطة مهمّة. ففي أصفهان وفي طهران وفي يزد وفي مشهد وفي تبريز، إذا ما شارك شابٌّ من عائلةٍ في المعارك ونال الشهادة، كان الناس يعبّرون عن محبتهم لهم، ولم يكن أحد يجرؤ بل لم يكن أحد ليرغب بتهديدهم، خلافًا لما كان يجري في كردستان، حيث كانت بعض عوائل الشهداء أو المجاهدين، تتعرض لتهديد من قِبل العناصر المعادية للثورة. فالشاب من قوّات البيشمركة المسلمة الكرديّة الذي كان ينزل إلى وسط ساحة المعركة ببسالة - وأنا أتذكّر ذلك وأعرف هذه المجموعة جيّدًا، وقد ذهبت مرارًا إلى تلك المناطق وعاينت الأمر، كانوا يأتون ويذهبون - كان يعرّض


 


[1] في لقاء مع أعضاء لجنة مؤتمر تخليد شيرعلي مردان خان البختياري 6 جمادى الأولى 1435هـ/ 17/3/2014م.

 

253


241

3. الشهداء البارزون من مختلف قوميّات بلادنا

حياته ويعرّض أمن عائلته للخطر، كانوا مدركين لهذه الأمور وظلّوا يشاركون، وهذا بمنتهى الأهميّة، ولقد نجحوا في هذا الامتحان بجدارة، وإنّهم للحقّ والإنصاف قد حققوا نجاحًا كبيرًا[1].

 

3-2. المجاهدون البختياريّون

أنتم أهالي إقليم جهارمحال وبختياري، لقد رأيناكم في الجبهة وخلف الجبهة، بهاماتكم المرفوعة وبكلّ فخر. لقد كان جنودكم والتعبويّون منكم وقادتكم والمختارون منكم في جبهات الحرب، ضمن إطار "لواء قمر بني هاشم" حقًّا مصدر فخر وعزّة عصيّة على النسيان. أنتم الشعب الذي كان خلف خطوط الجبهة نظرًا إلى المساعدات الشعبيّة التي قدّمتموها، ونظرًا للتعبئة الشعبيّة ولمشاركتكم في ميادين الثورة المختلفة تُعدّون من الفئة النموذجية في بلدنا. نشكر الله الذي نوّر قلوبكم بنور المحبّة والصفاء والإيمان وعشق الثورة، لقد ملأ قلوبكم بالأمل وسدّد خطاكم وجعل النصر حليفكم في ساحات الحرب. وهذا لطفٌ من الله تعالى[2].

 

لقد أظهرت العشائر البختياريّة في هذه المنطقة وبعضُ العشائر الأخرى على مدى التاريخ أنّهم قوم أوفياء للدين والإيمان وأوفياء لاستقلال البلد ومهتمّون بمصير هذه الأمّة. كان بين مجموعات العشائر في هذه المنطقة أشخاصٌ كان لهم دور قيّم في الثورة وسطعوا في سنوات الحرب المفروضة، لذا فإنّ هذه المنطقة هي أرض صانعة للشهداء[3].

 


[1] في لقاء مع لجنة مؤتمر تخليد شهداء البشمركة الأكراد المسلمين 16 رجب 1436هـ/ 4/5/2015م.

[2] في جمع من أهالي جهارمحال وبختياري في الملعب الرياضي في مدينة كرد 10 ربيع الثاني 1413هــ/ 7/10/1992م.

[3] في لقاء مع أهالي إيذه 12 ذي الحجّة 1419هـ/ 29/3/1999م.

 

254


242

3. الشهداء البارزون من مختلف قوميّات بلادنا

3-2-1. الشهيد شير عليمردان خان البختياريّ

لا تقتصر أهميّة وتألّق عليمردان خان على مشاركته في حرب البختياريّين في الثورة الدستوريّة -فقد كان في ذلك الوقت شابًّا يتراوح عمره بين ثمانية عشر أو عشرين عامًا-ولكن كان من أهمّ أعماله صموده ومواجهته لرضا خان التي أُسِرَ من بعدها وأُعدم على يد رضا خان. وقد أشار السيّد رضائي أنّ أمّ عليمردان خان-بي بي-كانت ضدّ الإنجليز وضدّ الأجانب، وهذا في الواقع مؤشّر إلى كيف تقوم تربية الأمّ ببناء وصقل شخصيّة ابنها، بمعنى أنّ هذه الأمّ قد استطاعت أن تربّي هذا الابن بحيث يصبح شخصيّة لامعة. يُعدُّ تكريمُ شخصٍ مثل عليمردان خان وأمّه وشخصيّات من هذا القبيل، ممّن واجهوا الاستبداد ورضا خان وسلسلة البهلويّين المستبدّين عملًا جيّدًا ولائقًا وتوضيحًا لتوجّهاتهم. وأنا اعدُّ هذه الراية التي رفعوها (راية لا إله إلّا الله)[1]، أمرًا مهمًّا جدًّا ويعكس أنهم كانوا ممن حاربوا وناضلوا بعقائدهم الدينيّة ومشاعرهم النابعة عنها والمقبولة منها[2].

 


[1] آغا محسن رضائي.

[2] في لقاء مع لجنة تخليد ذكرى شير علي مردان خان البختياريّ 16 جمادى الأولى 1435هــ/ 17/3/2014م.

 

255


243

4. الشهداء المدافعون عن المراقد

4. الشهداء المدافعون عن المراقد

إنّ مَن استُشهدوا في سوريا جعلوا العدو، في الواقع، يبقى بعيدًا عن بلدنا، لو لم يتم ردع الأعداء في سوريا والعراق لوصلوا إلى طهران وتبريز وأصفهان ومشهد. أي إنّ هؤلاء الشهداء فضلًا عن دفاعهم عن المرقد المبارك للسيّدة زينب قد دفعوا بشهادتهم أيضًا العدوَّ عن حريم بلدنا. لو سيطر أولئك الخبيثون على سوريا، لدمّروا (مقام السيّدة زينب). هم من هذا النوع. هؤلاء الشهداء هم شهداء رفيعو المقام[1].

 

إنّ لأعزّائكم هؤلاء الذين استشهدوا حقًّا كبيرًا على الأمّة الإيرانيّة، لأنّهم في تلك النقطة من العالم حاربوا ذلك العدوَّ، ولو لم يمنعوه لتوجّبَ علينا أن نحارب ذلك العدوَّ في عقر دارنا، ولكان علينا محاربتهم في مدنكم. شبابكم هؤلاء ذهبوا بشجاعة وإيمان قويّ وضحّوا في هذا السبيل، جاهدوا واستُشهدوا، وتصدّوا للعدوّ. هذا فخرٌ لبلدنا ولشبابنا ولعوائلنا[2].

 

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، في البداية أُقدّم احترامي لكم يا آباء الشهداء وأمّهاتهم وزوجاتهم وأبناءهم وإخوانهم وأخواتهم، ثمّ أقدّم تعازيّ لكم. فليعلم كلّ الآباء والأمّهات والزوجات والأبناء أنّ دماء هؤلاء الشهداء - شهداء الدفاع عن مراقد أهل البيت - لم تذهب هباءً، فليعلم الجميع ذلك. هؤلاء شهداؤنا، شبابكم وأعزّاؤكم والأضعاف أمثالهم الذين انطلقوا من هنا إلى أماكن أخرى، لو لم يذهبوا ويدافعوا لكان أعداء أهل البيت اليوم قد دمّروا

 


[1] في لقاء مع عوائل الشهداء المدافعين عن المراقد/5 صفر 1437هــ/ 17/11/2015م.

[2] في لقاء مع عوائل الشهداء المدافعين عن المراقد/3 ربيع الثاني 1437هــ/ 13/1/2016م.

 

256


244

4. الشهداء المدافعون عن المراقد

مقامَ السيّدة زينب وسامرّاء، ولو وصلت أياديهم إلى الكاظميّين والنجف وكربلاء لدمّروها أيضًا، هذا ما فعلوه أيضًا خلال التاريخ ونحن نعرف ذلك. إنّ كبار هؤلاء وأسلافهم هم الذين قبل مئتَي سنة تقريبًا جاؤوا إلى كربلاء ونهبوها وأبادوا الناس وذهبوا إلى مقام الإمام الحسين عليه السلام، داخل مرقده المطهّر - حيث تلك القبّة عرشٌ إلهيّ، ومركز مَهبط الملائكة الربّانيّين - حطّموا ضريحَ الإمام، وكسروا الصندوق الخشبيّ، وأضرموا فيه النيران وغلوا القهوة فوقها ثمّ جلسوا يرتشفون القهوة، إنّهم هم أنفسهم. لو لم يذهب شبابكم ولم يدافعوا لكانت تكرّرت القضيّةُ نفسُها. لقد ذهبوا ودافعوا عن حدود الولاية، عن حدود الدين وحريم أهل البيت، وحسنًا استُشهدوا. الجميع كانوا يتصوّرون أنّ بابَ الشهادة أُقفل بعد الحرب المفروضة، لكن أصبح معلومًا أنّ هذا غير صحيح، "كلّ يومٍ عاشوراء وكلّ أرضٍ كربلاء"، إنّ باب الشهادة مفتوحٌ دائمًا، طبعًا لا يصل الجميعُ إلى هذه السعادة، البعض كانوا ونحن كنّا في عمليّات في الحرب، حسنًا لكن لم يكن لنا نصيب[1].

 

شبابنا هؤلاء، أبناؤكم الذين ذهبوا إلى هناك، في أيّ نقطة من العراق أو سوريا استُشهدوا في وجه داعش هم مدافعون عن مرقد السيّدة زينب وعن كربلاء والنجف، هم المدافعون عن المراقد. لو لم يقف الرجال المجاهدون في سبيل الله في وجه أولئك الخبثاء الذين لو وصلت أيديهم إلى الأماكن المباركة لدمّروها -هم خبيثون ووقحون لهذه الدرجة- لما بقيَ بالتأكيد أثرٌ من التشيّع ومعالمه.

 


[1] في لقاء مع عوائل الشهداء المدافعين عن المراقد 7 ربيع الأوّل 1436هـ/ 28/12/2014م.

 

257


245

4. الشهداء المدافعون عن المراقد

طبعًا نحن لم نُرسل شبابنا للمشاركة في جبهات الحرب خارج بلدنا (مثل) سوريا والعراق، لقد ذهبوا من أجل ما هو أسمى وأهمّ من القتال، لكنّ البعض مثل أبنائكم استُشهدوا. هؤلاء في الواقع هم المدافعون عن مرقد السيّدة زينب والمدافعون عن سامرّاء وعن الكاظميّين وعن مرقد أمير المؤمنين ومرقد الحسين عليهم السلام. إنّ أسلاف هؤلاء التكفيريّين هاجموا منذ سنوات بعيدة جدًّا النجف وكربلاء ولم يتمكّنوا من أن يطالوا النجف، لكنّهم دخلوا كربلاء وحطّموا مرقد الإمام الحسين، وأحرقوا ضريح الإمام الحسين، أشعلوا النيران في صندوق قبر الإمام الحسين، أولئك أسلاف هؤلاء. إنّ دماء هؤلاء الشباب التي أُريقت إن كانوا لبنانيّين أم سوريّين أم إيرانيّين، أم عراقيّين، فقد أريقت دماؤهم دفاعًا عن حريم التشيّع، هذه الدماء أريقت دفاعًا عن أهل البيت عليهم السلام، لذا هي دماء غالية وقيّمة. نحن نُقدِّرُ هؤلاء الشهداء كثيرًا، أبناءكم، والبعض منهم أزواجكم أو آباؤكم[1].

 

اعلموا أنّ أيًّا من هؤلاء الشهداء، شبابكم في أيّ منطقة من سوريا استُشهدوا، أو في أي مكان في العراق، فهم استُشهدوا في مقام الدفاع عن مراقد أهل البيت، لا فرق في أيّ مكان من العراق أو سوريا، لأنّ أبناءكم هؤلاء صمدوا في وجه مَن لو تمكّنوا من تنفيذ ما أرادوه لما بقي أثرٌ من آثار أهل البيت. ما هو المانع الذي حال دون ذلك؟ إنّهم هؤلاء الشباب المضحّون ومن جملتهم أبناؤكم، أزواجكم الذين ذهبوا وصمدوا واحتسوا شرابَ الشهادة. إنّ باب الشهادة مفتوح على هذا النحو في وجه من يحالفهم التوفيق. حتّى أولئك أيضًا الذين كانوا يقدّمون

 


[1] في لقاء مع عوائل الشهداء المدافعين عن المراقد/13 جمادى الأولى 1436هـ/ 3/3/2015م.

 

258


246

4. الشهداء المدافعون عن المراقد

الدعم ولم يكونوا في الحرب، في أيّام الحرب كلّ مَن اصطدمت سيارتهم في طريق الجبهة هم أيضًا شهداء، هم أيضًا من أجل الله وفي سبيل الله. يجب أن نعرف قدْرهم، علينا أن ندرك ذلك من أعماق كياننا. إذا فهمنا، فهذا يُحدث فرقًا في نظرتنا إلى المسائل الدنيويّة. أينما استُشهد أبناؤكم فكأنّهم استُشهدوا عند قدم ضريح الإمام الحسين أو عند قدم ضريح أمير المؤمنين أو عند قدم ضريح السيّدة زينب عليهم السلام. لا فرق بين أن يستشهدوا في الفلاة الفلانيّة في الإقليم الفلاني في سوريا أو في الفلاة في الإقليم الفلاني في العراق أو في أي مكان، هذا لا يُحدثُ ذلك فرقًا. كأن يُستشهد أمامَ باب مرقد الإمام الحسين عليه السلام في مقام الدفاع، هذه نعمة كبيرة، هذه سعادة كبيرة[1].

 

هؤلاء لا يُعرفون ولا يشتهرون، بعضهم يذيع صيته ويشتهر، لكن أكثرهم غير معروفين، لكنّهم يحافظون على (استقرار) أمني وأمنكم. لو لم يكن هنالك أمانٌ لما كان هنالك جامعة ولا بحثٌ ولا دراسات ولا إعدادٌ للنخب. فحيث لا أمان لا شيء موجود في الواقع[2].

 

لقد تصدى أبناؤكم بأرواحهم كي لا يتمكّن أصحاب النوايا السيئة أولئك الخبيثون من الوصول إلى مراقد أهل البيت، لهذا السبب لهم شأنٌ رفيع جدًّا. طبعًا الأمر صعبٌ بالنسبة إلى الآباء والأمّهات والزوجات والأبناء، هذا أمرٌ بديهيّ، لكنّكم تحمّلتم هذا الأمر الصعبَ من أجل الله، وإن شاء الله تعالى سينير بصركم بلطفه وبفضله في عالم الآخرة، في النشأة الأخرى، يوم القيامة،

 


[1] في لقاء مع عوائل الشهداء المدافعين عن المراقد 16/3/2015م.

[2] في لقاء مع المشاركين في المؤتمر الوطنيّ التاسع لـ "نُخَب الغد"/1 محرّم 1437هـ /14/10/2015م.

 

259


247

4. الشهداء المدافعون عن المراقد

عندما تستغيث كلّ الخلائق مضطرّة أمام المحنة، فإنّ شهداءكم إن شاء الله يلبّون نداءكم وإن شاء الله يُذهِبون ألمكم.

 

تحمّلتم هذه المصائب بسبب المهمّة الكبيرة التي تحمّلوها هم وقبلوا بها. ليس الجميع مستعدّين للتضحية، أولئك الذين يضحّون هم البارزون في هذه الأمّة. هكذا كانوا منذ البداية، بعضهم يؤمنون بالإسلام وبالله تعالى وبالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لكنّهم ليسوا مستعدين لتحمل المتاعب، فهؤلاء ليسوا مثل مَن جاهدوا الجهاد الكبير في سبيل الله وتحمّلوا المشاق[1].

 

4-1. مزايا الشهداء المدافعين عن المراقد

أتناول موضوعًا يتعلّق بهؤلاء الشهداء الذين استُشهدوا في العراق أو في سوريا. إنّ شهداءكم هؤلاء الذين استشهدوا في الحقيقة دفاعًا عن حدود العقيدة والحدود الحسّاسة يتمتّعون بمزايا عدّة، إحدى هذه المزايا أنّهم ذهبوا متطوّعين لاستقبال الشهادة، أحيانًا يكون الإنسان جالسًا في بيته فيهاجمه العدوّ، ويُصاب بصاروخ ويُستشهد، هذا أيضًا شهيد، لكن هنالك فرق بينه وبين مَن يخرج من بيته مهاجرًا هجرةً قيّمة ﴿وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ﴾[2].

 

إنّهم يخرجون من بيوتهم، متخلّين عن الراحة، يتركون نساءهم وأبناءهم وآباءهم وأمّهاتهم قاصدين الجهاد في سبيل الله. هذه ميزة عظيمة. طبعًا كان لدينا الكثيرون منهم في أثناء الحرب المفروضة، لكن هذا


 


[1] - في لقاء مع جمع من عوائل الشهداء المدافعين عن المراقد 18 جمادى الآخرة 1437هـ/ 27/3/2016م.

[2] سورة النساء، شطر من الآية 100.

 

260


248

4. الشهداء المدافعون عن المراقد

المعنى - في حالة الشهداء الأعزّاء الذين استشهدوا في العراق أو في سوريا دفاعًا عن المراقد المطهّرة - يشملهم وجميعهم من هذا القبيل.

 

ثانيًّا إنّ الكثيرين من هؤلاء الشهداء هم أشخاصٌ عبروا مرحلة الحداثة ومرحلة الشباب ولا يمكن القول إنّ حماس واندفاع الشباب استهواهم، لا، إذا توجّه رجلٌ في الأربعين سنة ونيّف أو تجاوز الخمسين سنة أو تجاوز الثلاثين سنة، لمواجهة الخطر، لمواجهة عدوٍّ جرّار، فهذا أمر آخر ناجم عن عقل وعقيدة وتضحية.

 

الميزة الأخرى هي أنّهم في معظمهم - ليس كلّهم - لديهم نساء وأبناء والتزامات دنيويّة. إنّهم يشكّلون فرقًا مع مَن يفتقد إلى تلك الالتزامات، ليس لديهم هذه الالتزامات، إنّهم غالبًا من هذا القبيل. وهذه ميزة أخرى تجعل أجرَ الشهيد مضاعفًا.

 

هنالك ميزة أخرى هي من أسمى المزايا. هذه الميزة تكمن في كونهم ذهبوا للدفاع عن مراقد أهل البيت، ذهبوا للدفاع عن المراقد، لو انّهم لم يذهبوا لنصرة الشباب المحلّيّين هناك - في العراق أو في سوريا - لا أحد يعلم كيف كانت ستنتهي الأمور. إنّ مَن تصدّوا لهذا التيّار التكفيريّ تصدّوا في الواقع لجبهة جرّارة يفوق خطرُها خطرَ الصهاينة. فإن لم يكونوا أسوأ من الصهاينة فهم ليسوا أفضل منهم.

 

إنّ ما يحصل في منطقتنا هذه - في منطقة غرب آسيا - هو جزء من خريطة استثنائيّة لأعداء في غاية الخطورة، أي الأمريكيّون والصهاينة والغربيّون. لقد قاوم هؤلاء (الشهداء) في وجه مخطط الاستكبار هذا وصمدوا. مَن لم يفهموا هذه الحقائق، لم يفهموا حقائق المنطقة. إنّ كلّ مَن ينكرهم لم يفهم الواضحات والبيّنات

 

261

 


249

4. الشهداء المدافعون عن المراقد

العقليّة والسياسيّة. لهذا السبب قدرهم كبير جدًّا. لدينا في رواياتنا عن الأئمّة (عليهم السلام) أنّهم أشاروا إلى عدد من الشهداء، وقالوا إنّ لهم أجر شهيدين، فلقد ورد في بعض الأحاديث أنّ كلّ شهيد منهم له أجر شهيدَين... .

 

ورد في رواية حول جماعة من المجاهدين في زمن الأئمّة عليهم السلام أنّ هؤلاء يعبرون يوم القيامة فوق أكتاف بقيّة الناس ويذهبون إلى الجنّة، وإنّ الله يجعلهم يحلّقون. أنا أيضًا لديّ حول شهدائكم هؤلاء التصوّرُ نفسُه، وأعتقد أنّهم مثلهم ولكلّ واحد منهم أجر شهيدَين. أظنّ أنّنا جميعًا يوم القيامة نعاني، جميعنا مبتلون -في يوم القيامة الأولياء أيضًا مبتلون- شبابكم هؤلاء، أبناؤكم هؤلاء، أزواجكم هؤلاء وآباؤكم من جملة مَن يحلّقون إلى الجنّة باللطف الإلهيّ والآخرون يغبطونهم، إنّهم من هذا القبيل[1].

 

هؤلاء الشهداء الذين تجتمع عوائلهم هنا اليوم، هؤلاء الشهداء المدافعون عن المراقد، يتمتّعون بمزايا سأشير الآن إلى ميزتَين أو ثلاث منها.

 

الميزة الأولى هي أنّهم دافعوا عن مراقد أهل البيت في العراق وسوريا واستُشهدوا في هذا السبيل. لو لم يكن هنالك دفاعٌ عن هذه المراقد - طبعًا شهداؤنا كانوا جزءًا من الجيل العظيم من الشباب الناشطين من العراقيّين وغير العراقيّين - لكان هؤلاء الأعداء العنيدون والخبيثون قد أهانوا مراقد أهل البيت عليهم السلام. ربّما لو تمكّنوا من الوصول إلى هذه الأمكنة المباركة التي يحفّ بها ملائكةُ السماء لدمّروها، لكنّ هؤلاء الشباب لم يسمحوا

 


[1] في لقاء مع جمع من عوائل الشهداء المدافعين عن المراقد 15 ربيع الثاني 1437هـ/ 25/1/2016م.

 

262


250

4. الشهداء المدافعون عن المراقد

بذلك. طبعًا قلتُ إنّ شبابنا ومجاهدينا قليلون جدًّا، عددهم قليل أكان في العراق أم في سوريا، معظمهم شبابهم، لكن مشاركة هؤلاء الشباب في هذه الحادثة المهمّة هي واحدة من مزايا العظام منهم الذين ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ﴾[1]، استشهد عددٌ منهم وهؤلاء هم شبابكم، والبعض لا يزالون ينتظرون وهم مستعدّون للشهادة. هذه ميزة، ميزة الدفاع عن مراقد أهل البيت عليهم السلام، عن مرقد سيّد الشهداء، عن مرقد أمير المؤمنين، عن مرقد الكاظميّين، عن مرقد السيّدة زينب عليهم السلام.

 

الميزة الثانية لشهدائكم هؤلاء الذين ناضلوا في وجه العدوّ والذين لو لم يناضلوا ضدّه لكان هذا العدوّ قد دخل إلى البلد ولتوجّب النضال ضدّه هنا. ذلك العدو الذي تمّ صدّه في إقليم العراق الفلانيّ أو في إقليم سوريا الفلانيّ، لو لم يتمّ صدّه لتوجّبَ علينا أن نقاتلهم ونصدّهم في كرمانشاه وهمدان وبقيّة الأقاليم. في الواقع شهداؤنا الأعزّاء هؤلاء ذهبوا وقدّموا أرواحهم في سبيل الدفاع عن البلد، الأمّة، الدين الثورة الإسلاميّة وعن الجمهوريّة الإسلاميّة.

 

الميزة الثانية هي أنّهم استُشهدوا في الغربة، وهذه أيضًا ميزة كبيرة، هؤلاء لن ينساهم الله تعالى ولن يتمّ تجاهلهم، فاللهُ تعالى يحصي دقائق الأمور وتفاصيلها[2].

 

لو لم يكن شهداء الدفاع عن المراقد، لكان علينا الآن أن نحارب العناصر الفتنويّة الخبيثة المعادية لأهل البيت عليهم السلام وللشيعة، في المدن الإيرانيّة. وكان هذا من مخطّطات الأعداء،

 


[1] سورة الأحزاب، شطر من الآية 23.

[2] في لقاء مع جمع من عوائل الشهداء المدافعين عن المراقد 15 ربيع الثاني 1437هـ/ 25/1/2016م.

 

263


251

4. الشهداء المدافعون عن المراقد

حين كانوا في العراق، سعوا لكي يمتدّوا نحو المناطق الحدوديّة مع الجمهوريّة الإسلاميّة، والوصول إلى المناطق الشرقيّة في العراق المحاذية للجمهوريّة الإسلاميّة، وإلى المحافظات الحدوديّة، فتمّ التصدّي لهم، وتمّ توجيه ضربة إليهم، وأُبيدوا، وفُرّق جمعهم. ويُعمل الآن على إزالتهم والتخلّص منهم كلّيًّا. وهكذا الحال في سوريا أيضًا، فلو لم يقم قادتنا الأفاضل بما قاموا به، لكنّنا الآن، على حدّ تعبير رادودنا العزيز، مضطّرين إلى محاربتهم في هذه الأنحاء، ولكان علينا أن نقاتلهم في شوارعنا ومدننا هذه. إنّ جزءًا مهمًّا من الأمن الذي تعيشونه الآن، هو بفضل هؤلاء المدافعين عن المراقد[1].

 

4-2. أهميّة شهداء حرس الحدود ومظلوميّتهم

الجزء المهمّ الآخر من الأمن مرتبط بحرس حدودنا هؤلاء، سواءً كانوا من قوّات الشرطة المستقرّين عند الحدود، أو من القوّات البريّة للحرس الموجودة هناك، أو من باقي القوّات التي تتردّد إلى الحدود والتي تتواجد وتنشط وتسعى وتجدّ هناك، وهذا ناجم عن بركات هؤلاء. وهؤلاء المساكين أيضًا يبقون في الظلّ مجهولين! أنتم تجلسون في بيوتكم مرتاحي البال، ماذا تعرفون عن الحدود؟ وترسلون ابنكم أو بنتكم إلى المدرسة، يذهبون ويرجعون، لستم قلقين عليهم تذهبون إلى مراكز عملكم وترجعون مطمئنّي البال، تذهبون إلى المتنزّه وتجلسون فيه من دون أيّ شعور بالقلق، تقيمون المسيرات وأنتم مطمئنّون، وغير

 


[1] في لقاء مع عوائل شهداء الحدود والمدافعين عن المراقد 24 رمضان 1438هـ/ 18/6/2017م.

 

264


252

4. الشهداء المدافعون عن المراقد

قلقين من الوضع الأمني، إنّكم تعيشون بأمان. ماذا تعرفون عمّا يعانيه ذلك الذي يقف عند الحدود ويحول دون دخول العدوّ البلد؟ هذا لا يعرف به الناس، إنّه مظلوم. شهداء المناطق الحدوديّة مظلومون، سواءً في الحدود الجنوبيّة الشرقيّة، أي في منطقة بلوتشستان وكرمان وأمثالها، أو في منطقة الشمال الغربيّ (أي) منطقة كردستان وكرمانشاه وسائر المناطق، أو في المناطق الأخرى التي تشهد فيها الحدود مشاكل، في كلّ هذه المناطق، يدافع حرس حدودنا بكلّ وجودهم. لو لم يكن هؤلاء الحرّاس، لكانوا أدخلوا من بعض هذه المناطق الحدوديّة إلى البلاد آلاف الكيلوغرامات من المخدّرات، والتي يمكن لكلّ كيلوغرام منها أن يفسد ويدمّر مئة شابّ ويتسبّب بهلاكه. ومن الذي يقف بوجه هؤلاء؟ إنّهم حرس حدودنا! هم الذين يضحّون ومن ثمّ يُستشهدون، لهذا الشهيد قيمة كبيرة. فالشهداء المدافعون عن المراقد (يقفون ويضحّون) بتلك الطريقة. وشهداء المناطق الحدوديّة بهذه الطريقة[1].

 

4-3. دور شهداء الأمن والمعلومات في أمن البلد

شهداء الأعمال الأمنيّة والمعلومات داخل البلاد أيضًا بطريقة ما، هؤلاء الذين يجولون بأعينهم الثاقبة، ويعثرون على المجموعات المخرّبة، والخلايا الإرهابيّة، التي لا تختلف أشكالها عن أشكال الناس العاديّين، (إلّا أنّ) قلوبهم جهنّميّة غير مرئيّة. هذا العاملُ الأمنيّ (في أجهزتنا) بما يتمتّع به من الخبرة والذكاء، وبالمساعدة التي يتلقّاها من الناس، وبالهداية التي يستمدّها من

 


[1] في لقاء مع عوائل شهداء حرس الحدود والمدافعين عن المراقد 4 شوّال 1438هـ/ 28/6/2017م.

 

265


253

4. الشهداء المدافعون عن المراقد

الله تعالى، يمكنه أن يجد هؤلاء ويكشفهم. وأحيانًا تسمعون أنّه تمّ القضاء على أربعين خليّة، وعشرين خليّة، ويمكن لكلّ واحدة من هذه الخلايا أن تقتل مئات الأشخاص وتجزّر بهم، أحيانًا يستشهد أحد هؤلاء (الأمنيّين)، ولهؤلاء أهميّة كبيرة[1].

 

4-4. الحقّ الكبير للشهداء المدافعين عن المراقد

وحرس الحدود وحقّ عوائلهم على إيران

بما أنّكم عوائل شهداء، وأنتم مفجوعون وقد خضتم هذه التجربة، أريد أن أقول هذا الشيءـ وليُنشر هذا الكلام وليُردّد حتّى يعلم الناس كم من الخدمات يقدّمها هؤلاء الشهداء للبلد ـ وهو أنّ الخدمة، لا تنحصر بتأمين الماء والخبز، فالأهمّ من الخبز والماء هو الأمن، هؤلاء يوفّرون الأمن للبلاد. هكذا هو الحال في جميع مناطق البلاد الحدوديّة، وسواء أولئك الذين يدافعون عن المراقد المشرّفة خارج البلاد، أو أولئك الذين يعملون عند الحدود، أو الذين يعملون على الأمن داخل المدن وفي الطرقات، فالبلد (والشعب) يدين لكلّ منهم بحياته[2].


 


[1] في لقاء مع عوائل شهداء حرس الحدود والمدافعين عن المراقد 4 شوّال 1438هـ/ 28/6/2017م.

[2] المصدر نفسه.

 

266


254

5. شهداء حزب الله اللبنانيّ

5. شهداء حزب الله اللبنانيّ

5-1. شهداء قادة حزب الله

5-1-1. السيّد عبّاس الموسويّ

تلقّيت بألم وأسف كبيرين خبر استشهاد العالـِم المجاهد الذي لم يكن يملّ ولا يتعب، إنّه القائد المضحّي في حزب الله اللبنانيّ حجّة الإسلام السيّد عبّاس الموسويّ الذي استُشهد وزوجته وطفله الصغير على يد النظام الصهيونيّ المجرم.

 

رحمة الله على هذا السيّد الجليل والشجاع والمخلص والعالـِم، ولعنة الله وخلقه وغضبه على الصهاينة الوحشيّين ومصّاصي الدماء الذين لا يتوّرعون عن ارتكاب أي جريمة في سبيل مقاصدهم الخبيثة والعدائيّة، ولعنة الله وغضبه أيضًا على حماتهم وداعميهم الخبيثين والمستكبرين الذين يُظهرون يومًا بعد يوم وأكثر من أي وقت سبق وجهَهم الخائن والمعادي للإنسانيّة من خلال غضّهم الطرف عن جرائم ذلك النظام الفظيعة وبمساعدتهم على استمرارها ولا يتورّعون عن أي مؤامرة أو خيانة ضدّ المسلمين الساعين وراء حقوقهم. إنّ سفك دماء هذا الشهيد الكبير والعزيز ومرافقيه المظلومين، بغير وجه حقّ، سوف يجعل المواجهة المحقّة للشعبين اللبناني والفلسطيني ضدّ المحتلّين الصهاينة أكثر جديّة وأكثر عمقًا. إنّ هذا السيّد الجليل، الذي مزج العلم بالعمل والقول بالصدق والتضحية بالكياسة والحكمة والوعي، قد نال شرف الشهادة في سبيل هدفه الإلهي والمقدّس الذي تجلّى في الدفاع عن الإسلام ومواجهة الظلم والعدوان فحاز على السعادة الأبديّة وسوف يستمرّ أصحابه ورفاقه والشعب

 

267


255

5. شهداء حزب الله اللبنانيّ

المسلم المظلوم في لبنان وفلسطين في طريقه وعلى خطاه[1].

 

برأيي إنّ ما حدث لشهيدنا العزيز السيّد عبّاس الموسويّ هو أفضل خاتمة بالنسبة إلى المجاهد في سبيل الله. بالنسبة إلى الساعي في سبيل الله لا شيء أفضل من هذا المصير. نحن أيضًا نتمنّى ذلك، لكنّ شهيدنا وُفِّقَ وسرعان ما وصل إلى مقصده. طبعًا إنّ فقدانه بالنسبة إلينا مصيبة، وبالنسبة إلى الساحة اللبنانيّة ولا سيّما بالنسبة إلى حزب الله إنّه تقديم قربان في سبيل الله. لقد كان المرحوم الشهيد السيّد عبّاس الموسويّ شخصًا بارزًا، لقد جمع في كيانه مزايا حسنة كثيرة، جمعَ الدينَ والتقوى والصلابة بالذكاء والشجاعة. لقد شهدنا تضحيته في الساحة اللبنانيّة. لقد لمسنا بأنفسنا هنا وعن قرب فعاليته ونداءاته وهمّه وغمّه من أجل القضيّة اللبنانيّة. لا أنسى تلك الأيّام الصعبة وعبء المحنة والصراعات الداخليّة في لبنان، وكان السيّد قد زارني هنا وضمّتنا جلسةٌ امتدّت لسبع ساعات للوصول إلى نتيجة، لقد رأيت كم كان نشيطًا ومهتمًّا بقضايا الناس والمجاهدين. رحمه الله وحشره مع أوليائه، وليوفّيه فضلًا عن الشهادة الأجرَ الوافر على مظلوميّته أيضًا.

 

5-1-2. الحاج عماد مغنيّة

إنّ شهادة الأخ الحاج عماد مغنيّة المجاهد المخلص والمضحّي، التي هي منتهى العشق والشوق للجهاد في سبيل الله، فوزٌ عظيم ومنتهى السعادة وهو مصدر فخر وعزّ بالنسبة إلى شعب لبنان الذي ربّى مثل هؤلاء الرجال العظام وقدّمه في ساحة المطالبة بالحريّة والنضال في وجه الظلم. إنّ فقدان هذا الرجل الحرّ والمضحّي، على


 


[1] رسالة بمناسبة استشهاد حجّة الإسلام السيّد عبّاس الموسويّ، أمين عام حزب الله اللبنانيّ 13 رجب 1412هـ/ 17/2/1992م.

 

268


256

5. شهداء حزب الله اللبنانيّ

الرغم من أنّه مؤلمٌ جدًّا بالنسبة إلى كلّ إنسان شريف وبالنسبة إلى كلّ مَن عرفوه لا سيّما والديه وزوجته وأبنائه الأعزّاء والآخرين من أصحابه، لكن حياةَ ووفاة أمثاله من الناس ملحمة أيقظت الشعوب وتقدّم قدوةً للشباب وتنير الآفاق وترسم للجميع طريق الوصول إليها. فليعلم الصهاينةُ مصاصو الدماء المجرمون أن الدماء الطاهرة لأمثال عماد مغنيّة ستولّد المئات من عماد مغنيّة وستُضاعفُ المقاومةَ ضدّ الظلم والفساد والطغيان. لقد ضحّى الرجال العظماء أمثال هذا الشهيد العظيم بحياتهم وراحتهم والمنافع الماديّة في سبيل الدفاع عن المظلوم والنضال في وجه الظلم والاستكبار. وهذه قيمة سامية تقدّرها وتعظّمها كلّ الضمائر الإنسانيّة. فرضوان الله تعالى عليه وعلى جميع المجاهدين في سبيل الله[1].

 

5-2. بقيّة شهداء حزب الله اللبنانيّ المميّزين

5-2-1. الشهيد هادي نصر الله

أتقدّم من سماحة حجّة الإسلام العالـِم المجاهد السيّد حسن نصر الله (دامت معاليه) ومن والدته الفاضلة بأسمى آيات التبريك والمواساة بالشهادة الداعية للاعتزاز والفخر التي نالها ابنكم العزيز الشاب. هذا امتحان كبير آخر تخوضونه في سبيل الله بعزّة وفخر، بالإضافة إلى قائمة الامتحانات الأخرى التي طويتموها بصبر وزيّنتموها في الفترات المؤلمة والمليئة بالجهاد والمقاومة. إنّ الكيان الصهيوني الغاصب والمعتدي والشرس بإجرامه الذي أدّى إلى استشهاد خيرة شباب لبنان وفلسطين

 


[1] رسالة إلى الأمين العام لحزب الله اللبناني بمناسبة شهادة الحاج عماد مغنيّة 7 صفر 1429هـ/ 14/2/2008م.

 

269


257

5. شهداء حزب الله اللبنانيّ

لن يحقّق أيّ منفعةٍ له لأنّ دماء الشهيد هادي ودماء الشهداء الآخرين من أبناء الإسلام في لبنان سيزيد من تأجّج نيران المقاومة في وجه الكيان المحتلّ لفلسطين ولبنان[1].

 


[1] رسالة تبريك ومواساة إلى حجّة الإسلام السيّد حسن نصر الله بمناسبة شهادة ابنه 12 جمادى الأولى 1418هـ/ 14/9/1997م.

 

270


258

دعاء ختاميّ

دعاء ختاميّ

إلهي، نقسم عليك بمحمّد وآل ومحمّد، بأن تجعل ذكرى شهدائنا في بلادنا أكثر حياةً يومًا فيومًا. إلهي زد شهداء البلاد وعوائل الشهداء عزّة ورفعة يومًا فيومًا. إلهي! لا تطفئ نور الشهادة هذا، ولا تخمد جوّ الشهادة هذا، وطلب الشهادة هذا، والحماسة والشوق للشهادة هذا الموجود في قلوب البعض. إلهي! آتِ هذه الفضيلة لكلّ مَن في قلبه هذا الشوق والحماسة بالمعنى الواقعي للكلمة، وضاعف بركاتك عليهم. احشر الشهداءَ مع الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ومع شهداء كربلاء. اجعلِ الروحَ المطهّرة لإمامنا العظيم الذي كان الهاديَ لحركة الشهادة راضيةً عنّا وأسِرَّها بنا. اجعلِ القلبَ المطهّر لوليّ العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف راضيًا عنّا، وقرّبنا يومًا فيومًا من رضى ذلك العظيم[1].

 

 


[1] في لقاء مع عوائل شهداء حرس الحدود والمدافعين عن المراقد 24 رمضان 1438هـ/ 18/6/2017م

 

271


259
تجارة الأذكياء