وقل اعملوا

﴿ وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ ﴾


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2020-12

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدّمة

المقدّمة

 

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله ربِّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

قال -تعالى- في كتابه الكريم: ﴿ وَقُلِ ٱعۡمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمۡ وَرَسُولُهُۥ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۖ ﴾([1]).

آيات عديدة، وأحاديث كثيرة وردت عن الرسول الأكرم - وأهل بيته الأطهار (، تؤكّد ضرورةَ أن يعملَ المرءُ في حياته، وأن يغتنم عمرَه في ما يُحبّه الله -تعالى- ويرضاه، أيّاً كان نوع هذا العمل، سواء أكان في ما يخصّ الطاعات والعبادات، أم في ما يتعلّق بكسب الرزق والتجارة والعلاقات الاجتماعيّة العامّة، التي يعيشها الإنسان في هذه الحياة الدّنيا، وأن يقرن العمل بالتوكّل على الله -سبحانه- والارتباط به، وأن يكون قانعاً راضياً بما قسمه الله له، ومواسياً لغيره من الفقراء والمساكين، وإنّ في ذلك كلّه ضوابط شرعيّة وأخلاقيّة لا بدّ من مراعاتها.

جاء هذا الكتاب تحت عنوان: «وَقُلِ اعْمَلُوا»، ضمن «سلسلة زاد الواعظ»، ليبيّن ضرورة اغتنام العمر وضرورة السعي والعمل وعدم الكسل، مؤكِّداً أهمّيّة القناعة ولزوم التوكّل على الله ومواساة الفقراء، استناداً إلى الآيات القرآنيّة المباركة والأحاديث الشريفة، على شكل مواعظ مبسّطة وسهلة، تُسهم -بإذن الله- في إرشاد قلوب المحبّين إلى المبادرة بأعمال الخير والصلاح، ونبذ أعمال السوء والفساد.

 

مركز المعارف للتأليف والتحقيق


 


([1]) سورة التوبة، الآية 105.

 

5


1

الموعظة الأولى: اغتنام العمر

الموعظة الأولى
اغتنام العمر

 

هدف الموعظة

الحثّ على اغتنام العمر، خصوصاً مرحلة الشباب.

 

محاور الموعظة

1. فرصة الشباب

2. يا كبار السنّ، التفتوا

 

تصدير الموعظة

أمير المؤمنين %: «إنّما أنت عدد أيّام، فكلّ يوم يمضي عليك يمضي ببعضك»([1]).

 


([1]) الليثيّ الواسطيّ، الشيخ كافي الدين أبو الحسن عليّ بن محمّد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق الشيخ حسين الحسينيّ البيرجنديّ، دار الحديث، إيران - قمّ، 1418ھ، ط1، ص178.

 

6


2

الموعظة الأولى: اغتنام العمر

العُمر منحةٌ إلهيّة أعطاها الله -سبحانه- للإنسان، وهو رأس ماله في هذه الحياة الدنيا، وسوف يُسأل عنه يوم القيامة.

 

عن رسول الله -: «لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتّى يُسأل عن أربع:

1. عن عُمُره في ما أفناه.

2. وعن شبابه في ما أبلاه.

3. وعن ماله من أين اكتسبه وفي ما أنفقه.

4. وعن حبّنا أهل البيت»([1]).

 

لذا، كان لزاماً على المرء أن يغتنم عمره بالعلم واكتساب الفضائل والعمل الصالح، وبما فيه صلاحه في الدنيا والآخرة، وبما فيه نفعٌ له وللمجتمع الذي يعيش فيه.

 

فرصة الشباب

مرحلة الشباب ليست طويلةً نسبيّاً قياساً إلى عمر الإنسان ككلّ، لكنّها تترك آثارها علی امتداد حياة الإنسان؛ فهي فرصة للبناء والعمل على الصعد كافّة؛ الجسديّة والروحيّة. ومن هنا، على الشابّ أن يسعى ليكون من المؤمنين الذين قال عنهم الله -تعالى- في سورة العصر: ﴿ وَٱلۡعَصۡرِ ١ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ ٢ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ ٣ ﴾([2]).

 

1. التعلُّم

يمتلك الشابّ أرضاً خصبىة للتعلّم وتلقّي المعارف والعلوم الدينيّة والدنيويّة، وتهذيب النفس، فعن أمير المؤمنين % موصياً ابنه

 


([1]) المجلسيّ، العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403ھ - 1983م، ط2، ج68، ص180.

([2]) سورة العصر.

 

7


3

الموعظة الأولى: اغتنام العمر

الإمام الحسن %: «وإنّما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما أُلقي فيها من شيء قبِلَتْه؛ فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبّك»([1]).

 

وعن الإمام الباقر %: «كان أبي زين العابدين % إذا نظر إلى الشباب الذين يطلبون العلم، أدناهم إليه، وقال: مرحباً بكم، أنتم ودائع العلم»([2]).

 

2. الطاعة والعمل الصالح

عن رسول الله -: «إنَّ أحبَّ الخلائق إلى الله -عزَّ وجلَّ-: شابٌّ حَدَثُ السنّ، في صورة حسنة، جعل شبابه وجماله لله وفي طاعته، ذلك الذي يباهي به الرحمن ملائكته، يقول: هذا عبدي حقّاً»([3]).

 

وعن الإمام الصادق %: «مَن قرأ القرآن وهو شابّ مؤمن، اختلط القرآن بلحمه ودمه، وجعله الله -عزَّ وجلّ- مع السفرة الكرام البررة، وكان القرآن حجيزاً عنه يوم القيامة»([4]).

 

يقول الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه): «كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب %، خلال فترة شبابه

 


([1]) الرضيّ، السيّد أبو الحسن محمّد بن الحسن الموسويّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ %)، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، لا.ن، لبنان - بيروت، 1387ھ - 1967م، ط1، ص393.

([2]) يوسف بن حاتم الشاميّ المشغريّ العامليّ، الدرّ النظيم، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، لا.ت، لا.ط، ص587.

([3]) المتّقي الهنديّ، علاء الدين عليّ المتقيّ بن حسام الدين، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، ضبط وتفسير الشيخ بكري حيّانيّ - تصحيح وفهرسة الشيخ صفوة السقّا، مؤسّسة الرسالة، لبنان - بيروت، 1409ھ - 1989م، لا.ط، ج15، ص785.

([4]) الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح عليّ أكبر الغفاريّ، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج2، ص603.

 

8


4

الموعظة الأولى: اغتنام العمر

في مكّة، عنصراً مضحّياً وذكيّاً، وشابّاً نشيطاً ورائداً وسبّاقاً. كان يرفع العقبات الكبرى عن طريق الرسول في الميادين كافّة. في ميادين الخطر، كان يتقدّم مضحّياً، ويتولّی أصعب المهام والأعمال»([1]).

 

3. تهذيب النفس

قال الإمام الصادق % لأبي جعفر الأحول أحد تلامذته -والذي كان يعمل في تبليغ الرسالة وبيان مقام أهل البيت (-: «عليك بالأحداث؛ فإنّهم أسرع إلى كلّ خير»([2]).

 

ويوصي الإمام الخمينيّ ! ابنه السيّد أحمد بضرورة إصلاح النفس، خصوصاً في أيّام الشباب، وعدم الاغترار بمكائد الشيطان، بقوله: «بُنيّ، اسعَ في إصلاح نفسك ما دمتَ تحظى بنعمة الشباب، فإنّك ستخسر كلّ شيء في الشيخوخة، فمن مكائد الشيطان -ولعلّها أخطر مكائده- هي الاستدراج؛ ففي أوائل الشباب يسعى شيطان الباطن -وهو أشدّ أعداء الشباب- في ثنيه عن إصلاح نفسه، ويُمنّيه بسَعَة الوقت، وأنّ الآن هو أوان التمتّع بالشباب، ويستمرّ في خداعِه بالوعود الفارغة ليصدّه عن فكرة الإصلاح تماماً. وساعةً بعد ساعة، ويوماً بعد يوم، يتصرّم الشباب، ويرى الإنسان نفسه فجأةً في مواجهة الهرم الذي كان يؤمِّل فيه إصلاح نفسه»([3]).

 


([1]) الشباب في توجيهات الإمام الخامنئيّ (دام ظلّه)، دار الولاية للثقافة والإعلام، على الرابط: https://alwelayah.net/post/13196

([2]) الحميريّ القمّيّ، قرب الإسناد، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت ( لإحياء التراث، إيران - قمّ، 1413ھ، ط1، ص28.

([3]) الإمام الخمينيّ !، السيّد روح الله الموسويّ، نفحات ملكوتيّة، إعداد مركز المعارف للتأليف والتحقيق، دار المعارف الإسلاميّة الثقافيّة، لبنان - بيروت، 2014م - 1435ھ، ط1، ص148.

 

9


5

الموعظة الأولى: اغتنام العمر

يا كبار السنّ، التفتوا

«نَفَسُ المرء خطاه إلى أجَله»([1])، كما عن أمير المؤمنين %. لذا، على كبير السنّ أن يكون أحرص من غيره في ما بقي من عمره، بأن يغتنمه بالطاعة والعبادة، وتجهيز الزاد ليوم المعاد، وأن يترك صغائر الأمور، وأن يزهد في الدنيا، وأن يصبر على ما يصيبه من الأمراض.

 

وهنا، بعض التوجيهات في أحاديث أئمّة أهل البيت (:

1. اغتنام ما بقي من العمر

عن رسول الله -: «مَن أحسن في ما بقي من عمره، لم يُؤاخذ بما مضى من ذنبه»([2]).

وعن أمير المؤمنين %: «احذروا ضياع الأعمار في ما لا يبقى لكم! ففائتها لا يعود»([3]).

 

2. الاستعداد ليوم المعاد

عن أمير المؤمنين %: «إنّ من عرف الأيّام، لم يغفل عن الاستعداد. لن ينجو من الموت غنيّ بماله، ولا فقير لإقلاله»([4]).

 

3. الحرص على حسن العاقبة

عن أمير المؤمنين %: «فيا لها حسرة على كلّ ذي غفلة، أن يكون عمره عليه حجّة، وأن تؤدّيه

 


([1]) السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ %)، مصدر سابق، ص480.

([2]) الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، مركز الطباعة والنشر في مؤسّسة البعثة، إيران - قمّ، 1417ھ، ط1، ص56.

([3]) الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، تحقيق ونشر دار الحديث، لا.م، لا.ت، ط1، ج3، ص2114.

([4]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج68، ص263.

 

10


6

الموعظة الأولى: اغتنام العمر

أيّامه إلى الشقوة!»([1]).

 

4. الاستعداد لتحمّل أنواع البلاء

عن الإمام الجواد %: «مَن أحبّ البقاء، فليُعدّ للبلاء قلباً صبوراً»([2]).

فـ «طوبى لمَن طال عمره، وحسن عمله، فحسن منقلبه؛ إذ رضي عنه ربّه، وويلٌ لمَن طال عمره، وساء عمله، فساء منقلبه؛ إذ سخط عليه ربّه»([3])، كما عن رسول الله -.

 


([1]) السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ %)، مصدر سابق، ص95.

([2]) الإربلّيّ، الشيخ عليّ بن أبي الفتح، كشف الغمّة في معرفة الأئمّة، دار الأضواء، لبنان - بيروت، 1405ھ - 1985م، ط2، ج2، ص348.

([3]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج74، ص113.

 

11

 


7

الموعظة الثانية: مواساة النبيّ للفقراء

الموعظة الثانية
مواساة النبيّ - للفقراء

 

 

هدف الموعظة

حثّ الناس على التأسّي برسول الله - في معاملة الفقراء.

 

محاور الموعظة

1. مواساة النبيّ- للفقراء

2. الفقر فخري

3. النبيّ - مع الفقراء

 

تصدير الموعظة

رسول الله -: «اللهمّ أحيني مسكيناً، وتوفّني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين»([1]).


 


([1]) المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، مصدر سابق، ج6، ص489.

 

12


8

الموعظة الثانية: مواساة النبيّ للفقراء

عاش رسول الله - حياةً يواسي بها الفقراء، فكان «يأتي عليه الشهران والثلاثة، فلا توقَد في بيته نارٌ لمصباح، وتوفّي ودرعه مرهونة، ما ترك صفراء ولا بيضاء([1])، ولقد كان - يقسِّم في اليوم الواحد ثلاثمئة ألف وأربعمئة ألف، ويأتيه السائل بالعشيّ، فيقول: والذي بعث محمّداً بالحقّ، ما أمسى في آل محمّدٍ صاعٌ من شعيرٍ ولا صاعٌ من برّ ولا درهم ولا دينار»([2]). وكان - «يَأْكُلُ عَلَى الأَرْضِ، ويَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ، ويَخْصِفُ بِيَدِه نَعْلَه، ويَرْقَعُ بِيَدِه ثَوْبَه، ويَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعَارِيَ ويُرْدِفُ خَلْفَه... لَمْ يَضَعْ حَجَراً عَلَى حَجَرٍ حَتَّى مَضَى لِسَبِيلِه، وأَجَابَ دَاعِيَ رَبِّه»([3]).

 

مواساة النبيّ - للفقراء

هذه الحياة البسيطة لم تكن لتمنع رسول الله - من كثرة الإنفاق ومساعدة الفقراء؛ إذ إنّه - كان:

1. لا يردّ سائلاً

عن الإمام الصادق %: «إنّ رسول الله - كان لا يسأله أحدٌ من الدنيا شيئاً إلّا أعطاه»([4]). وقد جاءه - رجلٌ فسأله أن يعطيه، فقال له -: «ما عندي شيء، ولكن ابتَع عليَّ -أي اشترِ ما تحتاج إليه ويكون ثمنُه عليَّ- فإذا جاءني شيء قضيته»([5]).

 


([1]) كناية عن الدينار (الذهب) والدرهم (الفضّة).

([2]) المقريزيّ، إمتاع الأسماع، تحقيق وتعليق محمّد عبد الحميد النميسيّ، منشورات محمّد عليّ بيضون، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1420ھ - 1999م، ط1، ج4، ص223.

([3]) السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ %)، مصدر سابق، الخطبة 160.

([4]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص55.

([5]) ابن أبي الدنيا، مكارم الأخلاق، مجدى السيّد إبراهيم، مكتبة القرآن للطبع والنشر والتوزيع - القاهرة، لا.ت، لا.ط، ص118.

 

13


9

الموعظة الثانية: مواساة النبيّ للفقراء

2. يؤاكل المساكين ويناولهم بيده

كان النبيّ - «يجالس الفقراء، ويؤاكل المساكين، ويناولهم بيده»([1]).

 

3. يُنفق كلّ ما لديه

«كان - أسخى الناس، لا يثبت عنده دينار ولا درهم، وإن فضُل شيء ولم يجد مَن يعطيه وفجأه الليل، لم يأوِ إلى منزله حتّى يتبرّأ منه إلى مَن يحتاج إليه، لا يأخذ ممّا آتاه الله إلّا قوت عامه فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير، ويضع سائر ذلك في سبيل الله، لا يُسأل شيئاً إلّا أعطاه، ثمّ يعود إلى قوت عامه، فيؤثِر منه، حتّى إنّه ربّما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأتِه شيء»([2]).

 

4. يقضي حوائج المحتاجين

يذكر أمير المؤمنين % في صفة رسول الله -: «ومَن سأله حاجةً لم يرجع إلّا بها، أو بميسورٍ من القول»([3]).

 

5. يطلب إبلاغه الحاجة

كان - يهتمّ بمعرفة حاجات الناس حتّى يقضيها لهم إنِ استطاع، فقد أُثر عنه - قوله: «أبلغوني حاجةَ مَن لا يقدرُ على إبلاغ حاجته، فإنّه من أبلغ سلطاناً حاجةَ مَن لا يقدرُ على إبلاغها ثبّت الله

 


([1]) ابن شهر آشوب، مشير الدين أبو عبد الله محمّد بن عليّ، مناقب آل أبي طالب، تصحيح وشرح ومقابلة لجنة من أساتذة النجف الأشرف، المكتبة الحيدريّة، العراق - النجف الأشرف، 1376ھ - 1956م، لا.ط، ج1، ص146.

([2]) الطباطبائيّ، العلّامة السيّد محمّد حسين، سنن النبيّ - (مع ملحقات)، تحقيق وإلحاق الشيخ محمّد هادي الفقهيّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1419ھ، لا.ط، ص113.

([3]) البروجرديّ، السيّد حسين الطباطبائي، جامع أحاديث الشيعة، لا.ن، إيران - قمّ، 1399ھ، لا.ط، ج13، ص504.

 

14


10

الموعظة الثانية: مواساة النبيّ للفقراء

قدمَيْه يوم القيامة»([1]).

 

6. يُعين خادمَه

ذكر ابن شهر آشوب في المناقب أنّه - كان «يطحن مع الخادم إذا أعيى»([2])؛ أي يعينه إذا تعب.

 

7. يحذِّر من إهانة الفقير

لقد كان النبيّ - لا يحتقر مسكيناً لفقره([3])، وكان يحذّر من ذلك، فقد جاء عنه - قوله: «مَنِ استذلّ مؤمناً أو مؤمنة أو حقّره لفقره أو قلّة ذات يده، شَهَره الله -تعالى- يوم القيامة، ثمّ يفضحه»([4]).

 

8. يحثّ على إكرام الفقير

رُوي عنه -: «مَن أكرم فقيراً مسلماً، لقي الله يوم القيامة وهو عنه راضٍ»([5]).

 

الفقر فخري

لقد رفع رسول الله - شعار مواساة الفقراء وتشجيعهم معنويّاً، حين رفع - الفقر شعاراً له؛ بقوله: «الفقر فخري، وبه أفتخر»([6]).

 

النبيّ - مع الفقراء

جاء في سبب نزول قوله -تعالى-: ﴿ وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجۡهَهُۥۖ وَلَا تَعۡدُ عَيۡنَاكَ عَنۡهُمۡ تُرِيدُ زِينَةَ

 


([1]) العلّامة الطباطبائيّ، سنن النبيّ -، مصدر سابق، ص103.

([2]) ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، ج1، مصدر سابق، ص126.

([3]) العلّامة الطباطبائيّ، سنن النبيّ -، مصدر سابق، ص114.

([4]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج72، ص44.

([5]) المصدر نفسه، ج69، ص55.

([6]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج69، ص30.

 

15


11

الموعظة الثانية: مواساة النبيّ للفقراء

ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمۡرُهُۥ فُرُطٗا ﴾([1])، أنّ مجموعة من أشراف قريش ومن المؤلّفة قلوبهم جاؤوا إلى رسول الله -، وقالوا له: يا رسول الله، إن جلست في صدر المجلس ونحّيت عنّا هؤلاء وروائح صنانهم (كانت عليهم جباب الصوف) جلسنا نحن إليك، وأخذنا عنك؛ لأنّه لا يمنعنا من الدخول عليك إلّا هؤلاء.

لقد كان هؤلاء الأشراف والمؤلّفة قلوبهم يقصدون في كلامهم المستضعفين والفقراء من أصحاب رسول الله -، من أمثال سلمان الفارسيّ، وأبي ذرٍّ الغفاريّ، وصهيب، وعمّار بن ياسر، وخباب وغيرهم ممّن كان على شاكلتهم؛ إذ كان هؤلاء ممّن التفّ حول رسول الله -، وممّن قرّبهم رسول الله - إليه.

لذلك اشترط الأشراف على رسول الله - أن يطرد أمثال هؤلاء الفقراء عن مجلسه ونعتوهم بشتّى النعوت.

وهنا نزلت الآية الكريمة على رسول الله -: ﴿ وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ ﴾. فلمّا نزلت الآية، قام النبيّ - يلتمسهم، فأصابهم في مؤخّر المسجد، يذكرون الله -عزّ وجلّ-، فقال -: «الحمد الله الذي لم يمتني حتّى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمّتي. معكم المحيا ومعكم الممات»([2]).

 


([1]) سورة الكهف، الآية 28.

([2]) انظر: الشيرازيّ، الشيخ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط، ج9، ص256.

 

16


12

الموعظة الثالثة: الربا

الموعظة الثالثة
الربا

 

هدف الموعظة

بيان خطورة الربا، وعِظم مفاسده وآثاره على الفرد والمجتمع.

 

محاور الموعظة

1. حرمة الربا

2. آكل الربا

3. مآل الربا

4. حكمة تحريم الربا

5. من أضرار الربا

 

تصدير الموعظة

﴿ يَمۡحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَوٰاْ وَيُرۡبِي ٱلصَّدَقَٰتِۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾([1]).


 


([1]) سورة البقرة، الآية 276.

 

17


13

الموعظة الثالثة: الربا

نهى الله -سبحانه-، في كتابه العزيز، عن أكل الربا، فقال: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُواْ ٱلرِّبَوٰٓاْ أَضۡعَٰفٗا مُّضَٰعَفَةٗۖ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ﴾([1])، وقال: ﴿ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰاْۚ ﴾([2]). وحرمة الربا من ضروريّات الدين؛ بمعنى أنّ حرمته من الأمور الواضحة عند المسلمين، لا شكّ فيها. ومع ذلك، فقد تعرّض الله -تعالى- في كتابه العزيز، مضافاً إلى حرمته، إلى آثار التعامل به، وأنّه ليس من موارد نماء المال، كما يظنّ الإنسان، بل إنّه ممحوق عند الله؛ وما ذلك إلّا لخطورة هذه المسألة من الناحيتَين الفرديّة والاجتماعيّة.

 

حرمة الربا

1. أخبثُ المكاسب، فعن الإمام الباقر %: «أخبث المكاسب، كسب الربا»([3]).

2. شرُّ الكسب، فعن رسول الله -: «شرّ الكسب، كسب الربا»([4]).

بل ثمّة تشديد عظيم على حرمة هذه العمليّة، وحرمة المال منها، وإن كان درهماً واحداً، فعن الإمام الصادق %: «درهم ربا أعظم عند الله من ثلاثين زنية، كلّها بذات محرم مثل خالة وعمّة»([5]).

 

آكل الربا

1. شُعبة من الجنون، يقول -تعالى-: ﴿ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ ٱلرِّبَوٰاْ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مِنَ ٱلۡمَسِّۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡبَيۡعُ مِثۡلُ ٱلرِّبَوٰاْۗ ﴾([6]).

 


([1]) سورة آل عمران، الآية 130.

([2]) سورة البقرة، الآية 275.

([3]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص147.

([4]) الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص395.

([5]) المصدر نفسه، ص153.

([6]) سورة البقرة، الآية 275.

 

18


14

الموعظة الثالثة: الربا

في شرح هذه الآية، يقول الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ> : «الآية تشبّه المرابي بالمصروع أو المجنون الذي لا يستطيع الاحتفاظ بتوازنه عند السير، فيتخبّط في خطواته.

 

ولعلّ المقصود هو وصف طريقة «سير المرابين الاجتماعيّ» في الدنيا، على اعتبار أنّهم أشبه بالمجانين في أعمالهم، فهم يفتقرون إلى التفكير الاجتماعيّ السليم، بل إنّهم لا يشخّصون حتّى منافعهم الخاصّة، وأنّ مشاعر المواساة والعواطف الإنسانيّة وأمثالها لا مفهوم لها في عقولهم؛ إذ إنّ عبادة المال تسيطر على عقولهم إلى درجة أنّها تعميهم عن إدراك ما ستؤدّي إليه أعمالهم الجشعة الاستغلاليّة من غرس روح الحقد في قلوب الطبقات المحرومة الكادحة، وما سيعقب ذلك من ثورات وانفجارات اجتماعيّة تُعرّض أساس الملكيّة للخطر، وفي مثل هذا المجتمع سينعدم الأمن والاستقرار، وستصادر الراحة من جميع الناس بمن فيهم هذا المرابي؛ لذلك فإنّه يجني على نفسه أيضاً بعمله الجنونيّ هذا»([1]).

 

2. ملعونٌ على لسان الله، فعن رسول الله -: «إنّ الله -عزّ وجلّ- لعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهدَيه»([2]).

 

3. بطونهم كالبيوت فيها الحيّات، فعن رسول الله -: «أتيتُ ليلة أُسري بي على قومٍ بطونهم كالبيوت فيها الحيّات تُرى من خارج بطونهم، فقلتُ: مَن هؤلاء يا جبرئيل؟ قال: هؤلاء أَكَلةُ الربا».

 

4. ملأ الله بطنه ناراً، فعن النبيّ -: «مَن أكل الربا ملأ الله -عزّ وجلّ- بطنه من نار جهنّم بقدر ما أكل، وإن اكتسب منه مالاً لا يقبل الله -تعالى-

 


([1]) الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مصدر سابق، ج2، ص338.

([2]) الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص395.

 

19


15

الموعظة الثالثة: الربا

منه شيئاً من عمله، ولم يزل في لعنة الله والملائكة ما كان عنده منه قيراط»([1]).

 

مآل الربا

1. يمحق الله الربا

«المَحْق من لوازم الربا لا ينفكّ عنه، كما أنّ الإرباء من لوازم الصدقة لا ينفكّ عنها. فالربا ممحوق وإن سُمِّي ربا، والصدقة رابية، وإن لم تُسمَّ ربا»([2])، يقول -تعالى-: ﴿ يَمۡحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَوٰاْ وَيُرۡبِي ٱلصَّدَقَٰتِۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾([3]).

 

2. يمحق الله دِينَه

قيل للإمام الصادق %: قد نرى الرجل يُربي وماله يكثر، فقال: «يمحق الله دينَه، وإن كان ماله يكثر»([4]).

 

حكمة تحريم الربا

1. فساد الأموال، فعن الإمام الرضا %: «إنّما نهى الله -عزّ وجلّ- عنه لما فيه من فساد الأموال؛ لأنّ الإنسان إذا اشترى الدرهم بالدرهمين، كان ثمن الدرهم درهماً وثمن الآخر باطلاً... فحَظَر الله -تبارك وتعالى- على العباد الربا لعلّة فساد الأموال»([5]).

 


([1]) الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، ثواب الأعمال، تقديم السيّد محمّد مهديّ السيّد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضيّ، إيران - قمّ، 1368ش، ط2، ج2، ص336.

([2]) الطباطبائيّ، العلّامة السيّد محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1417ھ، ط5، ج2، ص421.

([3]) سورة البقرة، الآية 276.

([4]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج100، ص117.

([5]) الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، علل الشرائع، تقديم السيّد محمّد صادق بحر العلوم، المكتبة الحيدريّة، العراق - النجف الأشرف، 1385ھ - 1966م، لا.ط، ج2، ص483.

 

20


16

الموعظة الثالثة: الربا

2. لئلّا يذهب المعروف، فعن الإمام الباقر %: «إنّما حرّم الله -عزّ وجلّ- الربا لئلّا يذهب المعروف»([1]).

 

من أضرار الربا

1. يُخلّ بالتوازن الاقتصاديّ

يخلّ الربا بالتوازن الاقتصاديّ في المجتمع، ويؤدّي إلى تراكم الثروة لدى فئة قليلة، ويوسّع الهوة بين الدول الغنيّة والدول الفقيرة.

 

2. يغرس روح الحقد والضغينة

يُضعف الربا العلائق العاطفيّة، ويغرس روح الحقد في القلوب؛ لأنّه يقوم على أساس أنّ المرابي لا ينظر إلّا إلى أرباحه، ولا يهمّه الضرر الذي يصيب المَدين.

 

3. ارتكاب الجرائم

يرضخ دافع الربا لدفع المال الزائد نتيجةَ حاجةٍ قد ألجأته إلى ذلك، ولكنّه لن ينسى ظلم المرابي له أبداً. إنّه يرى بعينَيه كيف أنّ حاصل تعبه وثمن حياته يدخل إلى جيب هذا المرابي، في مثل هذه الحالة قد تُرتكب عشرات الجرائم المرعبة؛ فقد يقدم المدين على الانتحار، وقد تدفعه حالته اليائسة إلى أن يقتل المرابي شرّ قتلة([2]).

 


([1]) الحرّ العامليّ، الشيخ محمّد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (، إيران - قمّ، 1414ھ، ط2، ج20، ص120.

([2]) راجع: الشيخ الشيرازيّ، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مصدر سابق، ج2، ص349-350.

 

21


17

الموعظة الرابعة: الاحتكار

الموعظة الرابعة
الاحتكار

 

 

هدف الموعظة

تعرّف مفهوم الاحتكار وخطره على المجتمع، ومبغوضيّة المُحتكِر في الاسلام.

 

محاور الموعظة

1. مفهوم الاحتكار

2. ذمّ المُحتكِر

3. الحكم الشّرعيّ للاحتكار

4. مكافحة الاحتكار

5. عدم قبول صدقة المُحتكِر

6. التسامح في البيع والشراء

 

تصدير الموعظة

رسول الله -: «بئس العبد المُحتكِر! إنْ أرخصَ الله -تعالى- الأسعار حزن، وإن أغلاها الله فرح»([1]).

 


([1]) الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، مصدر سابق، ج1، ص666.

 

22


18

الموعظة الرابعة: الاحتكار

مفهوم الاحتكار

إذا كان الاحتكار على هذه الدرجة من القبح، وكان المُحتكِر على هذه الدرجة من الاستصغار، فحريّ بنا أن نتبيّن مفهوم الاحتكار كي نتجنّبه، فلا نقع في فخاخ آثاره السلبيّة على الفرد والمجتمع.

 

عُرِّف الاحتكار بأنّه: إمساك ما يحتاجه الناس وحبسه، رجاء أن يرتفع سعره، ويجني الأرباح المضاعفة([1]).

بملاحظة التعريف، نتبيّن النقاط الآتية:

1. أنّ الاحتكار نوع من حبس للسلع وتخزينها.

2. أنّ الاحتكار حبس السلع التي يحتاجها الناس.

3. أنّ حبس الأمور الكماليّة لا يكون احتكاراً.

 

ذمّ المُحتكِر

إنّ الاحتكار من الأعمال التي ورد ذمّها في الشريعة الإسلاميّة بشكل صريح وواضح، فعن رسول الله -: «المُحتكِر محروم نعمته»([2])، وعن أمير المؤمنين %: «الاحتكار شيمة الفجّار»([3]).

 

الحكم الشّرعيّ للاحتكار

اتّفق الفقهاء أنّ الاحتكار محرّم([4]) على تفصيل

 


([1]) محمود عبد الرحمن عبد المنعم، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهيّة، دار الفضيلة، لا.ت، لا.ط، ص76، 117.

([2]) الليثيّ الواسطي، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص26.

([3]) المصدر نفسه، ص23.

([4]) راجع: الإمام الخمينيّ !، السيّد روح الله الموسويّ، تحرير الوسيلة، دار الكتب العلميّة، العراق - النجف، 1390ھ.ق، ط2، ج1، ص501.

 

23


19

الموعظة الرابعة: الاحتكار

بينهم في حدوده بلحاظ السلعة المحتكَرة، وقد رُوي عن رسول الله -: «المُحتكِر في سوقنا كالمُلحِد في كتاب الله»([1])، ورُوي عنه - أيضاً: «المُحتكِر ملعون»([2]). وهذه الروايات إذ جعلت المُحتكِر ملعوناً، ونزّلته منزلة المُلحِد في كتاب الله، فهي تدلّ على الحرمة المشدّدة.

 

مكافحة الاحتكار

رُوي عن أمير المؤمنين % في عهده إلى مالك الأشتر حين ولّاه مصر، قال: «فامنع الاحتكار؛ فإنّ رسول الله - نهى عنه، وليكن البيع بيعاً سمحاً، بموازين عدلٍ وأسعار لا تجحف بالفريقين مع البائع والمُباع، فمن قارف حكرة بعد نهيك، فنكِّل به، وعاقب في غير إسراف؛ فإنّ رسول الله فعل ذلك»([3]). هذه الرواية تشير بشكل صريح إلى ضرورة عقاب المُحتكِر من قبل الوليّ تأسّياً برسول الله - ليكون عبرة لمن اعتبر، وهذا الإجراء هو من تطبيقات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تحمي البيئة الاجتماعيّة، وتحافظ على التوازن الاقتصاديّ.

 

عدم قبول صدقة المُحتكِر

رُوي عن رسول الله -، أنّه قال: «أيّما رجلٍ اشترى طعاماً، فحبسه أربعين صباحاً، يريد به غلاءَ المسلمين، ثمّ باعه، فتصدّق بثمنه، لم يكن

 


([1]) الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، مصدر سابق، ج1، ص666.

([2]) الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، الاستبصار، تحقيق وتعليق السيّد حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلاميّة - طهران، 1363ش، ط4، ج3، ص114.

([3]) السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ %)، مصدر سابق، ص438.

 

24


20

الموعظة الرابعة: الاحتكار

كفّارة لما صنع»([1]). هذه الرواية هي تطبيق للقاعدة القرآنيّة ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ ﴾([2])، فكيف للمُحتكِر الذي أضرّ بالناس حابساً عنهم ما يمسّ بحاجاتهم من طعام ودواء أن يتقرّب إلى الله متصدِّقاً بما كسبت يداه؟!

 

التسامح في البيع والشراء

في قِبال الاحتكار والتضييق على المسلمين، حثّ الإسلام على التسامح والتساهل في البيع والشراء، فعن رسول الله -: «غفر الله -عزّ وجلّ- لرجلٍ كان من قبلكم؛ كان سهلاً إذا باع، سهلاً إذا اشترى، سهلاً إذا قضى، سهلاً إذا اقتضى»([3])، وعن أمير المؤمنين % -لرجلٍ يوصيه، ومعه سلعة يبيعها-: «سمعت رسول الله - يقول: السماح وجه من الرباح»([4]).

 

وهذا الأمر مصداق لقاعدة التراحم بين المؤمنين، عن الإمام الصادق %: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يخونه، ويحقّ على المسلمين الاجتهاد في التواصل والتعاون على التعاطف والمؤاساة لأهل الحاجة وتعاطف بعضهم على بعض، حتّى تكونوا كما أمركم الله -عزَّ وجلَّ-:

 


([1]) الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قم، 1414ھ، ط1، ص289.

([2]) سورة المائدة، الآية27.

([3]) الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، مصدر سابق، ج1، ص327.

([4]) الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاريّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1414ھ، ط2، ج3، ص196.

 

25


21

الموعظة الرابعة: الاحتكار

﴿ رُحَمَآءُ بَيۡنَهُمۡۖ ﴾([1])»([2]).

 


([1]) سورة الفتح، الآية 29.

([2]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص175.

 

26


22

الموعظة الخامسة: الهمّ وعلاجه

الموعظة الخامسة
الهمّ وعلاجه

 

هدف الموعظة

تعرّف ما يرفع الهمّ في الآيات والروايات.

 

محاور الموعظة

1. الهمّ والغمّ

2. حزن القلب

3. علاج الهمّ

 

تصدير الموعظة

﴿ وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبٗا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقۡدِرَ عَلَيۡهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾([1]).


 


([1]) سورة الأنبياء، الآية 87.

 

27


23

الموعظة الخامسة: الهمّ وعلاجه

الهمّ والغمّ

يقول اللّغويون: (الهمّ) هو الحزن([1]). و(الغمّ) هو الكرب([2]). والمراد بهما ضيق النفس والأثر الحادث في القلب من مواجهة المصائب والبلاءات. قال -تعالى- مخاطباً نبيّه موسى %: ﴿ وَقَتَلۡتَ نَفۡسٗا فَنَجَّيۡنَٰكَ مِنَ ٱلۡغَمِّ ﴾([3]).

 

حزن القلب

في وصيّة النبيّ الأكرم - لأبي ذرّ الغفاريّ: «إنّ الله -تبارك وتعالى- لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»([4]).

 

وعن الإمام الباقر % موصياً تلميذَه جابر الجعفيّ: «وَاسْتَجْلِبْ نُورَ الْقَلْبِ بِدَوَامِ الْحُزْنِ»([5]).

 

إنّ الحزن الممدوح هو الحزن على ضياع العمر باللهو، والحزن على ارتكاب المعاصي وفوات الآخرة، والحزن على فراق ساحات المحبوب -جلّ وعلا-، قال ‑تعالى-: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَرِحِينَ ﴾([6])، وقد فُسِّر الفرحُ بالبطر، وهو لازم الفرح والسرور المفرِط بمتاع الدنيا؛ فإنّه لا يخلو من تعلّق شديد بها، يُنسي الآخرةَ ويُورِث البطرَ والأشر.

 

وإنّما يفرح المؤمنون بفضل الله وبرحمته ونعمه

 


([1]) راجع: الجوهريّ، إسماعيل بن حمّاد، الصحاح، تحقيق أحمد عبد الغفور العطّار، دار العلم للملايين، لبنان - بيروت، 1407ھ - 1987م، ط4، ج2، ص278.

([2]) راجع: الزبيديّ، تاج العروس، تحقيق عليّ شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414ھ - 1994م، لا.ط، ج17، ص522.

([3]) سورة طه، الآية 40.

([4]) الشيخ الطوسيّ، الأمالي، مصدر سابق، ص536.

([5]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج75، ص164.

([6]) سورة القصص الآية 76.

 

28


24

الموعظة الرابعة: الاحتكار

وإحسانه، قال -تعالى-: ﴿ قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ ﴾([1]).

 

علاج الهمّ

1. الالتجاء إلى الله، قال -تعالى- على لسان نبيّه يونس، وهو في الظلمات: ﴿ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٨٧ فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُـۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٨٨ ﴾([2]).

 

وعن الإمام الحسين %: «كم من همٍ يضعف فيه الفؤاد، وتقلّ فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق، ويشمت فيه العدوّ، أنزلتُه بك وشكوتُه إليك عمّن سواك، فكشفتَه وفرّجتَه، فأنت وليّ كلّ نعمة، ومنتهى كلّ رغبة»([3]).

 

2. ذِكر الله، قال -تعالى-: ﴿ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطۡمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ ﴾([4]).

 

أ. الاستغفار، رُوي عن رسول الله -: «مَن أكثر الاستغفار، جعل الله له مِن كل همّ فرجاً، ومِن كلّ ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب»([5]).

 

ب. الحوقلة، فعن الإمام الصادق %: «يا سفيان، إذا حزنك أمر من سلطان أو غيره؛ فأكثر من قول «لا حول ولا قوّة إلا بالله»؛ فإنّها مفتاح الفرج، وكنز من كنوز الجنّة»([6]).

 


([1]) سورة يونس، الآية 58.

([2]) سورة الأنبياء، الآيتان 87 و88.

([3]) الطبريّ، محمّد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبريّ)، مراجعة وتصحيح وضبط نخبة من العلماء، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1403ھ - 1983م، ط4، ج4، ص231.

([4]) سورة الرعد، الآية 28.

([5]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج74، ص172.

([6]) المصدر نفسه، ج75، ص201.

 

29


25

الموعظة الخامسة: الهمّ وعلاجه

ج. التهليل، فعن الإمام الصادق %: «... وعجبت لمَن اغتمّ كيف لا يفزع إلى قوله -تعالى-: ﴿ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾، فإنّي سمعتُ الله -عزّ وجلّ- يقول بعقبها: ﴿ فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُـۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ﴾»([1]).

 

3. التمسّك بكتاب الله، قال -تعالى-: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٞ وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارٗا ﴾([2]).

 

4. الاهتمام بالنظافة، فعن أمير المؤمنين %: «غسل الثياب يذهب بالهمّ والحزن، وهو طهور للصلاة»([3]).

 

5. تكوين الأسرة، فعن رسول الله -: «من سعادة المرء المسلم: الزوجة الصالحة، والمسكن الواسع، والمركب الهنيء، والولد الصالح»([4]).

 


([1]) الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص55.

([2]) سورة الإسراء، الآية 82.

([3]) الطبرسيّ، الشيخ رضيّ الدين أبي نصر الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق، منشورات الشريف الرضيّ، إيران - قمّ، 1392ھ - 1972م، ط6، ص103.

([4]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج73، ص155.

 

30


26

الموعظة السادسة: عزّة النفس

الموعظة السادسة
عزّة النفس

 

هدف الموعظة

بيان معنى العزّة وموجباتها للفرد والمجتمع.

 

محاور الموعظة

1. مفهوم العزّة

2. موجبات العزّة

3. عزّة المجتمع

 

تصدير الموعظة

﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِيعًاۚ ﴾([1]).


 


([1]) سورة فاطر، الآية 10.

 

31


27

الموعظة السادسة: عزّة النفس

مفهوم العزّة

 

العزّة حالة مانعةٌ لصاحبها من أن يُغلَب.

 

قال أمير المؤمنين %: «وَأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ وَإِنْ سَاقَتْكَ إِلَى الرَّغَائِبِ، فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضاً، وَلاَ تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللهُ حُرّاً»([1]).

 

وعن الإمام الصادق %: «إنّ الله -عزّ وجلّ- فوّض إلى المؤمن أمورَه كلّها، ولم يفوّض إليه أن يذلَّ نفسه»([2]).

 

موجبات العزّة

1. طاعة الله، فعن أمير المؤمنين %: «إذا طلبت العزّ، فاطلبه بالطاعة»([3]).

 

وعن الإمام الصادق %: «ما نقل الله -عزّ وجلّ- عبداً من ذلّ المعاصي إلى عزّ التقوى، إلّا أغناه من غير مال، وأعزّه من غير عشيرة، وآنسه من غير بشر»([4]).

 

2. كفُّ الأذى عن الناس، فعن الإمام الصادق %: «شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزّه كفّ الأذى عن الناس»([5]).

 

3. حفظ اللسان، عن الإمام الكاظم %: «احفظ لسانك، تُعَزّ»([6]).

 


([1]) السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ %)، مصدر سابق، ج3، ص51.

([2]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص63.

([3]) الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص134.

([4]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص76.

([5]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج72، ص52.

([6]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج74، ص400.

 

32


28

الموعظة السادسة: عزّة النفس

وعن أمير المؤمنين %: «وعزُّه [أي المؤمن] ترك القال والقيل»([1]).

 

4. الحلم والعفو، فعن رسول الله -: «من عفا عن مظلمةٍ، أبدله الله عزّاً في الدنيا والآخرة»([2]).

 

5. القبول بالحقّ، فعن الإمام الصادق %: «العزّ أن تذلّ للحقّ إذا لزمك»([3]).

 

عزّة المجتمع

1. الجهاد، عن أمير المؤمنين %: «فرض الله -تعالى-... الجهاد عزّاً للإسلام»([4]).

 

وعن الإمام الصادق %: «قال رسول الله - -في حديث-: فمن ترك الجهاد ألبسه الله -عزّ وجلّ- ذلّاً وفقراً في معيشته، ومحقاً في دينه، إنّ الله -عزّ وجلّ- أغنى أمّتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها»([5]).

 

2. طاعة الوليّ، قال -تعالى-: ﴿ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ﴾([6]).

 

وعن الإمام زين العابدين %: «طاعة ولاة الأمر تمام العزّ»([7]).

ونحن في لبنان اختبرنا هذين العنوانين، فأطعنا وليّ الأمر في بداية الاحتلال حينما حدّد

 


([1]) المصدر نفسه، ج68، ص178.

([2]) الشيخ الطوسيّ، الأمالي، مصدر سابق، ص182.

([3]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج75، ص228.

([4]) الشيخ هادي النجفيّ، موسوعة أحاديث أهل البيت (، دار إحياء التراث العربيّ للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1423ھ - 2002م، ط1، ج2، ص405.

([5]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص2.

([6]) سورة الأنفال، الآية 46.

([7]) الشيخ الريشهريّ، ميزان الحكمة، مصدر سابق، ج3، ص1958.

 

33


29

الموعظة السادسة: عزّة النفس

تكليفنا بجهاد العدوّ الإسرائيليّ الغاصب، فنلنا العزّة والكرامة، ورأينا سلوك غيرنا في تولّي أعداء الله من الكافرين وما لحق بهم من ذلّ ومهانة ونهب، فعلمنا معنى قوله -تعالى-: ﴿ ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ أَيَبۡتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلۡعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلۡعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعٗا ﴾([1]).


 


([1]) سورة النساء، الآية 139.

 

34


30

الموعظة السابعة: النفاق

الموعظة السابعة
النفاق

 

هدف الموعظة

إظهار أنواع النفاق وعاقبته، والفارق بينه وبين المداراة.

 

محاور الموعظة

1. النفاق العمليّ والقوليّ

2. عاقبة النفاق

3. المداراة

4. المداهنة

 

تصدير الموعظة

﴿ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَٰدِعُهُمۡ وَإِذَا قَامُوٓاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلٗا ﴾([1]).


 


([1]) سورة النساء، الآية 142.

 

35


31

الموعظة السابعة: النفاق

النفاق العمليّ والقوليّ

النفاق هو أن يظهر الإنسان غير ما يبطن من الاعتقاد والأخلاق، فيتظاهر بالإيمان واتّباع الفضيلة والأخلاق الحسنة. والنفاق قسمان، عمليّ وقوليّ.

 

عن الإمام الصادق %: «من لقي المسلمين بوجهين ولسانين، جاء يوم القيامة وله لسانان من نار»([1]).

 

النفاق العمليّ: هو لقاء المسلمين بوجهين، بأن يبدي المرء ظاهر حاله وصورته الخارجيّة لهم على خلاف ما تكون في باطنه وسريرته، كأن يبدي أنّه من أهل المودّة والمحبّة لهم، وأنّه مخلص حميم، بينما يكون في الباطن على خلاف ذلك، فيتعامل بالصدق والمحبّة في حضورهم ولا يكون كذلك في غيابهم.

 

أمّا النفاق القوليّ: فهو ذو اللسانين، بأن يثني على كلّ من يلقى من المسلمين ويمتدحه ويتملّق له، لكنّه في غيابه يعمد إلى تكذيبه واستغابته.

 

عاقبة النفاق

قال رسول الله -: «يجي‏ء يوم القيامة ذو الوجهين دالعاً لسانه في قفاه وآخر من قدّامه، يلتهبان ناراً حتّى يلهبا جسده، ثمّ يُقال: هذا الذي كان في الدنيا ذا وجهين ولسانين، يُعرف بذلك يوم القيامة»([2]).

 

ويكون مشمولاً بالآية الشريفة: ﴿ وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱللَّعۡنَةُ وَلَهُمۡ سُوٓءُ ٱلدَّارِ ﴾([3]).

 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص343.

([2]) الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص38.

([3]) سورة الرعد، الآية 25.

 

36


32

الموعظة السابعة: النفاق

المداراة

المدارة مراعاة الناس وتحمّلهم والتعامل معهم بلين ولطف، وحقيقة المداراة لم يؤخذ في مفهومها إخفاء شيء وإظهار ما يتراءى أنّه خلاف واقع الشخص؛ لأنّ الذي يداري يدور أمره بين أن يعتمد اللطف واللين أو العنف والقسوة بنحوٍ يؤذي الآخرين. فهي ترتبط بالجانب السلوكيّ، ولا تحكي عن إيمانٍ مخالفٍ للظاهر. والمداراة ليست من نقص الإيمان، كما في النفاق، بل هي إكمال للإيمان، وعدمها نقص، فقد ورد عن رسول الله -: «ثلاثٌ من لم يكنّ فيه لم يتمّ له عمل: ورع يحجزه عن معاصي الله، وخُلُق يداري به الناس، وحلم يردّ به جهلَ الجاهل»([1]).

 

قال الله -تعالى- مخاطباً رسوله الكريم: ﴿ فَبِمَا رَحۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ ﴾([2]).

 

المداهنة

من النفاق المداهنة، وهي إظهار الرضا بعمل الفاسق من غير إنكار عليه.

 

فعن أمير المؤمنين %: «شرُّ إخوانك من داهنك في نفسك وساتَرَك عيبَك»([3]).

 

وعن الإمام الباقر %: «أوحى الله -عزّ وجلّ- إلى شعيب %: إنّي مُعذِّبٌ من قومك مئة ألف؛ أربعين ألفاً من شرارهم، وستّين ألفاً من خيارهم، فقال %: يا ربِّ، هؤلاء الأشرار، فما بال

 


([1]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج26، ص116.

([2]) سورة آل عمران، الآية 159.

([3]) الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص294.

 

37


33

الموعظة السابعة: النفاق

الأخيار؟! فأوحى الله -عزّ وجلّ- إليه: داهَنوا أهلَ المعاصي، ولم يغضبوا لغضبي»([1]).

 

التملّق

وما يشترك مع المداهنة في السوء التملّق، الذي عرّفه أمير المؤمنين % بقوله: «الثناء بأكثر من الاستحقاق، ملق»([2])، وعنه %: «ليس من أخلاق المؤمن التملّق»([3]).


 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص56.

([2]) الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص177.

([3]) السيّد البروجرديّ، جامع أحاديث الشيعة، مصدر سابق، ج13، ص553.

 

38


34

الموعظة الثامنة: التوكّل والارتباط بالله

الموعظة الثامنة
التوكّل والارتباط بالله

 

 

هدف الموعظة

تعرّف الأبعادِ الإيمانيّة للتوكّل، ومدى انعكاس ذلك على السلوك الإنسانيّ، وتعزيز العلاقة المطلقة بالله.

 

محاور الموعظة

1. التوكّل على الله

2. التوكّل والعمل بالأسباب

3. الاعتصام بالله

4. من آثار التوكّل

 

تصدير الموعظة

﴿ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ ﴾([1]).


 


([1]) سورة الطلاق، الآية 3.

 

39


35

الموعظة السابعة: النفاق

التوكّل على الله

التَّوكُّل على الله هو انقطاع العبد في جميع ما يأمله من المخلوقين، والاعتماد على الله -تعالى- في جميع الأمور، وتفويضها إليه، والإعراض عمّا سواه. وباعثه قوّة القلب واليقين، وعدمه من ضعفهما أو ضعف القلب، وتأثّره بالمخاوف والأوهام.

وهو من دلائل الإيمان، وسمات المؤمنين ومزاياهم الرَّفيعة، الباعثة على عزّة نفوسهم، وترفّعهم عن استعطاف المخلوقين.

سُئل الإمام الكاظم % عن قول الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ ﴾، فقال %: «التَّوكُّل على الله درجات، منها أن تتوكّل على الله في أمورك كلِّها، فما فعل بك كنت عنه راضياً تعلم أنّه لا يألوك خيراً وفضلاً، وتعلم أنّ الحكم في ذلك له، فتوكَّل على الله بتفويض ذلك إليه، وثق به فيها وفي غيرها»([1]).

التوكّل والعمل بالأسباب

ليس معنى التوكُّل إغفال الأسباب والوسائل الباعثة على تحقيق المنافع، ودرء المضارّ، وأن يقف المرء إزاء الأحداث والأزمات مكتوف اليدين.

إنّما التوكُّل هو الثِّقة بالله -عزَّ وجلَّ-، والركون إليه، والتوكُّل عليه دون غيره من سائر الخلق والأسباب، باعتبار أنّه -تعالى- مصدر الخير، ومسبّب الأسباب، وأنّه وحده المُصرِّف لأمور العباد، والقادر على إنجاح غاياتهم ومآربهم.

فالاعتماد التامّ على الأسباب والوسائل وحدها، يعد نوع من الشرك الناتج عن ضعف الإيمان،

 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص65.

 

40


36

الموعظة الثامنة: التوكّل والارتباط بالله

والثقة بالله -تعالى-، ولا ينافي ذلك سعي الإنسان، والاستفادة من الأسباب الطبيعيَّة، والوسائل الظاهريَّة لتحقيق أهدافه ومصالحه كالتزوُّد للسفر، والعمل للكسب والربح والعيش والتوسعة على العيال. وقد أبى الله -عزَّ وجلَّ- أن تجري الأمور إلّا بأسبابها، فلا بدّ من الأخذ بأسباب الحياة والالتزام بقوانينها، ثمّ نتوكّل على الله -تعالى-.

 

فال -تعالى-: ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ ﴾([1]).

 

ورُوي أنّ أعرابيَّاً أهمل عقلَ بعيره، متوكِّلاً على الله في حفظه، فقال رسول الله - له: «اعقل وتوكّل»([2]).

 

وعن الإمام الصادق %: «لا تدع طلب الرزق من حلّه؛ فإنّه عون لك على دينك، واعقل راحلتك وتوكّل»([3]).

 

الاعتصام بالله

عن الإمام الصادق %: «أوحى الله -عزّ وجلّ- إلى داوود %: ما اعتصم بي عبدٌ من عبادي دون أحدٍ من خلقي، عرفتُ ذلك من نيّته، ثمّ تكيده السماوات والأرض ومن فيهنّ، إلّا جعلتُ له المخرجَ من بينهنّ، وما اعتصم عبدٌ من عبادي بأحدٍ من

 


([1]) سورة الأنفال، الآية 60.

([2]) الأحسائيّ، ابن أبي جمهور، عوالي اللئالي العزيزيّة في الأحاديث الدينيّة، تقديم السيّد المرعشيّ النجفيّ، تحقيق الحاجّ آقا مجتبى العراقيّ، لا.ن، لا.م، 1403ھ - 1983م، ط1، ج1، ص75.

([3]) المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان، الأمالي، تحقيق حسين الأستاد وليّ، عليّ أكبر الغفاري، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414 - 1993م، ط2، ص173.

 

41


37

الموعظة الثامنة: التوكّل والارتباط بالله

خلقي، عرفتُ ذلك من نيّته، إلّا قطعتُ أسبابَ السماوات والأرض من يديه، وأسختُ الأرضَ من تحته، ولم أبالِ بأيّ وادٍ هلك»([1]).

 

من آثار التوكّل

1. التقوى، فعن الإمام الصادق %: «قال رسول الله -: من أحبّ أن يكون أتقى الناس، فليتوكّل على الله»([2]).

2. قوّة القلب، فعن أمير المؤمنين %: «أصل قوّة القلب، التوكّل على الله»([3]).

3. الغنى والعزّ، فعن الإمام الصادق %: «إنّ الغنى والعزّ يجولان، فإذا ظفرا بموضع التوكُّل أوطنا»([4]).

4. الأمن من الزلل والخطأ، فعن أمير المؤمنين %: «من توكَّل على الله، أضاءت له الشبهات، وكُفي المؤونات، وأمِن التبِعات»([5]).

5. النصر، فعن الإمام الباقر %: «من توكّل على الله لا يُغلب، ومن اعتصم بالله لا يُهزم»([6]).


 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص63.

([2]) الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص381.

([3]) الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص120.

([4]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص65.

([5]) الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص463.

([6]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج68، ص151.

 

42


38

الموعظة التاسعة: القناعة

الموعظة التاسعة
القناعة

 

 

هدف الموعظة

تكريس مبدأ القناعة في الحياة الإنسانيّة.

محاور الموعظة

1. مفهوم القناعة

2. فضل القناعة

3. الفقر والغنى في الرؤية الإسلاميّة

 

تصدير الموعظة

الإمام الصادق %: «من قنع بما قسم الله له استغنى، ومن مدّ عينيه إلى ما في يد غيره مات فقيراً، ومن لم يرضَ بما قسم الله -عزّ وجلّ- اتّهم اللهَ -تعالى- في قضائه»([1]).


 


([1]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج75، ص202.

 

43


39

الموعظة التاسعة: القناعة

مفهوم القناعة

القناعةُ هي تحرّر الإنسان من عبوديّة المادّة، والاكتفاء من المال والأملاك بقدر الحاجة والكفاف، وعدم الاهتمام في ما زاد عن ذلك، وهي صفة كريمة، تُعرِب عن عزّة النفس، وشرف الوجدان، وكرم الأخلاق.

 

فضل القناعة

للقناعة فضائل ومحاسن كثيرة، تكلّمت عليها الروايات والأحاديث، نذكر منها:

1. أغنى الناس

إنّ حقيقة الغنى هي عدم الحاجة إلى الناس، والاقتناع والاكتفاء برزق الله، عن الإمام الباقر %: «من قنع بما رزقه الله، فهو من أغنى الناس»([1]).

 

كتب المنصور العباسيّ إلى الإمام الصادق %: لِمَ لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس؟ فأجابه: «ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنّئك، ولا تراها نقمة فنعزّيك بها، فما نصنع عندك؟!»، فكتب إليه: تصحبنا لتنصحنا، فأجابه: «من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك»([2]).

 

2. رضا الله منه بالقليل من العمل

فعن الإمام الصادق %: «من رضي من الله باليسير من المعاش، رضي الله منه باليسير من العمل»([3]).

 

3. العون على صلاح النفس

 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص139.

([2]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج47، ص185.

([3]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص138.

 

44


40

الموعظة التاسعة: القناعة

فعن أمير المؤمنين %: «أعون شيء على صلاح النفس القناعة»([1]).

 

4. يُكتَب من الصدّيقين

إنّ الله لا يقضي لعبده المؤمن إلّا بما فيه خيره وصلاحه، فعن الإمام الصادق %: «قال الله -عزّ وجلّ-: عبدي المؤمن، لا أصرفه في شيء إلّا جعلته خيراً له؛ فليرضَ بقضائي، وليصبر على بلائي، وليشكر نعمائي، أكتبه -يا محمّد- من الصدّيقين عندي»([2]).

 

الفقر والغنى في الرؤية الإسلاميّة

1. موقف الإسلام من الفقر

حدّد الإسلام أسلوباً تربويّاً رفيعاً في التعامل النفسيّ والاجتماعيّ مع قضيّة الفقر، يمكن إيجازه بما يأتي:

أ. أن لا يطمح المرء إلى من هو فوقه ممّن رزقه الله المال والثروة، فعن رسول الله -: «انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من فوقكم؛ فإنّه أجدر أن تزدروا نعمة الله»([3]).

 

وعن الإمام الباقر %: «إيّاك أن تطمح بصرك إلى من هو فوقك، فكفى بما قال الله -عزّ وجلّ- لنبيّه -: ﴿ وَلَا تُعۡجِبۡكَ أَمۡوَٰلُهُمۡ وَأَوۡلَٰدُهُمۡۚ ﴾([4])، وقال: ﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا ﴾([5])، فإن دَخَلَك من ذلك شيء، فاذكر عَيْشَ رسول الله -، فإنّما كان

 


([1]) الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص112.

([2]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص61.

([3]) النيسابوريّ، الشيخ محمّد بن الفتّال، روضة الواعظين، تقديم السيّد محمّد مهدي السيّد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضيّ، إيران - قمّ، لا.ت، لا.ط، ص454.

([4]) سورة التوبة، الآية 85.

([5]) سورة طه، الآية 131.

 

45


41

الموعظة التاسعة: القناعة

قوته الشعير، وحلواه التمر، ووقوده السعف إذا وجده»([1]).

 

ب. الفقر ليس منقصةً، وليس الغنى مقربةً من الله، قال -تعالى-: ﴿ وَمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُم بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمۡ عِندَنَا زُلۡفَىٰٓ ﴾([2])، بل إنّ الفقرَ قد يكون مظهرَ الرحمة الإلهيّة لعبده المؤمن، رُوي عن رسول الله -: «إذا أحب الله عبداً في الدنيا يوجعه» قالوا: يا رسول الله، وكيف يوجعه؟ قال: «في موضع الطعام الرخيص والخير الكثير، وليُّ الله لا يجد طعاماً يملأ بطنه»([3]) وعنه - أيضاً: «أبواب الجنّة مفتّحة على الفقراء»([4]).

 

ج. عدم الطمع بما في أيدي الناس؛ فإنّ الطمع منقصةٌ للإنسان ومُخرِجٌ له عن حدّ الإيمان، فقد سأل بعضهم الإمامَ الصادقَ %: ما الذي يثبّت الإيمان في العبد؟ قال: «الورع»، والذي يخرجه منه؟ قال: «الطمع»([5])، وعن الإمام السجّاد %: «رأيت الخير كلّه قد اجتمع في قطع الطمع عمّا في أيدي الناس»([6]).

 

د. الفقر قد يكون من عوامل التقرّب إلى الله؛ فالإنسان يلجأ إلى الله -عزّ وجلّ- ويشتدّ تعلّقه به في الأزمات والملّمات، إذ لا كاشف للضرّ والسوء إلّا هو، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله -تعالى-: ﴿ وَإِذَا مَسَّ ٱلۡإِنسَٰنَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنۢبِهِۦٓ أَوۡ قَاعِدًا أَوۡ قَآئِمٗا ﴾([7])، ﴿ وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرّٞ دَعَوۡاْ رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيۡهِ ﴾([8]).

 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص137.

([2]) سورة سبأ، الآية 37.

([3]) النيسابوريّ، روضة الواعظين، مصدر سابق، ص454.

([4]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج69، ص46.

([5]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص320.

([6]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص320.

([7]) سورة يونس، الآية 12.

([8]) سورة الروم، الآية 32.

 

46


42

الموعظة التاسعة: القناعة

2. موقف الإسلام من الغنى

إنّ الموقف الإسلاميّ من الغنى، ليس الذمّ والمنع، بل هو موقف تأييد ومدح، بشرط أن الالتزام بأهداف الشريعة الإسلاميّة وضوابطها وغاياتها، وذلك من خلال:

1. عدم اكتساب المال من الطرق المحرّمة والمنهيّ عنها، كالربا وبيع الأعيان النجسة... والتدقيق في شرعيّة السبل والموارد التي يقصدها الإنسان لجني المال.

 

2. عدم صرف الأموال وإنفاقها في الوجوه المحرّمة، كإعانة الظالمين وإنشاء مراكز الفساد واللهو...

 

3. إخراج الحقوق الشرعيّة منها، من خمسٍ وزكاة...

 

4. الإنفاق في وجوه الخير والصلاح، كالصدقة والإعانة والتكافل، وهي من الأمور المستحبّة التي حثّت الروايات عليها بشكل كبير.

 

أمّا ما ورد في ذمّ الغنى من الروايات، فهو ناظر إلى الحالة الغالبة لذوي الثروات في الابتعاد عن الشريعة وأهدافها وضوابطها، والتي تظهر في:

أ. الطغيان والتجبّر، قال -تعالى-: ﴿ كَلَّآ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَيَطۡغَىٰٓ ٦ أَن رَّءَاهُ ٱسۡتَغۡنَىٰٓ ٧ ﴾([1]).

 

وعن الإمام الصادق %: «من استذلّ مؤمناً واستحقره لقلّة ذات يده ولفقره، شَهَرَه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق»([2]).

 

ب. خلود النفس إلى شهوات الدنيا وملذّاتها؛ لذا كان الذمّ والوعيد لهؤلاء في قوله -تعالى-: ﴿ وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖ ٣٤

 


([1]) سورة العلق، الآيتان 6و7.

([2]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص353.

 

47


43

الموعظة التاسعة: القناعة

يَوۡمَ يُحۡمَىٰ عَلَيۡهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكۡوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمۡ وَجُنُوبُهُمۡ وَظُهُورُهُمۡۖ هَٰذَا مَا كَنَزۡتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡنِزُونَ ٣٥ ﴾([1]).

 

من طريف ما أُثِر عن القناعة

ورد في كشكول البهائيّ: أرسل عثمان بن عفان مع عبد له كيساً من الدراهم إلى أبي ذرّ -رحمه الله-، وقال له: إن قَبِل هذا فأنت حرّ، فأتى الغلام بالكيس إلى أبي ذرّ، وألحّ عليه في قبوله، فلم يقبل، فقال له: اقبله، فإنّ فيه عتقي، فقال: نعم، ولكن فيه رقّي([2]).

 

وكان ديوجانس الكلبيّ من أساطين حكماء اليونان، وكان متقشّفاً، زاهداً، لا يقنى شيئاً، ولا يأوي إلى منزل، دعاه الإسكندر إلى مجلسه، فقال للرسول: قل له: إنّ الذي منعك من المسير إلينا، هو الذي منعنا من المسير إليك؛ منعك استغناؤك عنا بسلطانك، ومنعني استغنائي عنك بقناعتي([3]).


 


([1]) سورة التوبة، الآيتان 34 و35.

([2]) القمّيّ، الشيخ عبّاس، سفينة البحار ومدينة الحكم والآثار، دار الأسوة، إيران - قمّ، 1414ھ، ط1، ج3، ص198.

([3]) الشيخ عبّاس القمّيّ، سفينة البحار ومدينة الحكم والآثار، مصدر سابق، ج7، ص375.

 

48


44

الموعظة العاشرة: العمل والبطالة

الموعظة العاشرة
العمل والبطالة

 

 

هدف الموعظة

بيان قيمة العمل في الإسلام ومساوئ البطالة، والحثّ على الكسب الحلال.

 

محاور الموعظة

1. العمل والعامل في الإسلام

2. التحذير من البطالة

3. إيّاك والكسب الحرام

4. عاقبة أكل الحرام

 

تصدير الموعظة

قيل للإمام الصادق %: رجلٌ قال: لَأقعدنَّ في بيتي، ولَأصلّينَّ، ولَأصومنَّ، ولَأعبدنّ ربّي، فأمّا رزقي فسيأتيني، فقال الإمام %: «هذا أحد الثلاثة الذين لا يُستجاب لهم»([1]).


 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص77.

 

49


45

الموعظة العاشرة: العمل والبطالة

العمل والعامل في الإسلام

للعمل والعامل أهمّيّة خاصّة في الشريعة الإسلاميّة، فقد ندب الإسلام إلى طلب الرزق بالعمل، وجعل له أجراً كبيراً، وربط به كرامة الإنسان وشأنه عند الله، بل حتّى عقله.

 

عن أبي عمرو الشيبانيّ: رأيتُ أبا عبد الله % وبيده مسحاةٌ، وعليه إزارٌ غليظٌ يعمل في حائطٍ له، والعرقُ يتصابُّ عن ظهرهِ، فقلتُ: جُعِلتُ فداك! أعطني أكفِكَ، فقال % لي: «إنِّي اُحبُّ أنْ يَتأذَّى الرّجُلُ بِحرِّ الشَّمسِ في طَلبِ المعيشَةِ»([1]).

 

وممّا ورد في ضرورة العمل وأهمّيّته ومنافعه في الدنيا والآخر، ما يأتي:

1. العمل أفضل العبادة، فعن رسول الله -: «العبادة سبعون جزءاً، أفضلها طلب الحلال»([2]).

 

2. العمل جهاد، فعن الإمام الصادق %: «الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل اللّه»([3])، بل قد يزيد على أجر المجاهد، كما عن الإمام الرضا %: «الذي يطلب من فضل اللّه -عزَّ وجلَّ- ما يكفّ به عياله، أعظم أجراً من المجاهد في سبيل اللّه!»([4]).

 

3. في العمل عون على الرزق والمعيشة، فعن الإمام الصادق %: «عليكم بالجدّ والاجتهاد، وإذا صلّيتم الصبح فانصرفتم، فبكِّروا في طلب

 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص86.

([2]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج100، ص9.

([3]) الفيض الكاشانيّ، المولى محمّد محسن، الوافي، تحقيق ضياء الدين الحسينيّ الأصفهانيّ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليّ % العامّة، إيران - أصفهان، 1406ھ، ط1، ج17، ص97.

([4]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص88.

 

50


46

الموعظة العاشرة: العمل والبطالة

الرزق واطلبوا الحلال؛ فإنَّ الله سيرزقكم ويعينكم عليه»([1]).

 

4. في العمل حفظ النفس وإكرامها، عن الإمام الصادق % لمولًى له: «يا عبدَ اللّهِ، احفظْ عِزَّكَ». قال: وما عزِّي؟ جُعِلتُ فداك! قال %: «غُدُوُّكَ إلى سُوقِكَ، وإكرامُكَ نَفسَكَ»([2]).

 

ورُوي عن زرارة: أنّ رجلاً أتى الإمامَ الصادقَ %، فقال له: إنّي لا أُحسن أن أعمل عملاً بيدي، ولا أُحسن أن أتّجر, وأنا محارفٌ([3]) محتاجٌ! فقال له الإمام %: «اعْمَلْ، فَاحمِلْ على رَأسِكَ، واسْتغنِ عَن النّاسِ, فإنَّ رَسولَ اللّهِ - قَد حَمَلَ حَجَراً عَلى عُنُقِهِ، فَوَضَعَهُ في حائطٍ مِن حيطانِهِ...»([4]).

 

5. وجه العامل يوم القيامة كالبدر، فعن الإمام الباقر %: «من طلب الدنيا استعفافاً عن الناس وسعياً على أهله وتعطّفاً على جاره، لقي الله -عزّ وجلّ- يوم القيامة، ووجهه مثل القمر ليلة البدر»([5]).

 

6. يد العامل لا تمسّها النار، جاء في التاريخ أنّ النبيّ - عندما عاد إلى المدينة بعد غزوة تبوك، استقبله أحد الصحابة، فصافحه النبيّ -، ثمّ سأله: «ما هذا الذي أرى بيدك؟»، قال: من أثر المَرّ([6]) والمسحاة، أضرب وأنفق على عيالي، فقبّل - يده! وقال: «هذه يدٌ لا تمسّها النار»([7]).

 

 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص79.

([2]) الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج17، ص13.

([3]) المحارف: المحروم.

([4]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص76.

([5]) المصدر نفسه، ج5، ص78.

([6]) أداة تُستخدم في حفر الأرض.

([7]) الخطيب البغداديّ، تاريخ بغداد، دراسة وتحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلميّة، لبنان - بيروت، 1417 - 1997م، ط1، ج7، ص354.

 

51


47

الموعظة العاشرة: العمل والبطالة

التحذير من البطالة

في قِبال الحثّ على العمل والجدّ والاجتهاد، يرى الإسلام أنّ البطالةَ عاملٌ أساس من عوامل الفساد والانحراف؛ لما لها من عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع، كالإدمان على المخدِّرات...

 

يقول أمير المؤمنين %: «إن يكن الشغل مَجهَدة، فاتّصال الفراغ مفسدة»([1]).

 

وروى ابن عباس، قال: كان رسول الله -، إذا نظر إلى الرجل فأعجبه، قال: «هل له حرفة؟» فإن قالوا: لا، قال: «سقط من عيني»، قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟! قال: «لأنّ المؤمن إذا لم يكن له حرفة، يعيش بدينه»([2]).

 

وقد حذّر الأئمّة ( شيعتَهم من ترك الكسب والعمل، فعن عليّ بن عبد العزيز أنّ الإمام الصادق % سأله: «ما فعل عمر بن مسلم؟»، فأجابه: جُعِلتُ فداك! أقبل على العبادة، وترك التجارة. فتألّم الإمام % وأزعجه ذلك! واندفع يقول: «ويحه! أما علِم أنّ تارك الطلب لا تُستجاب له دعوة؟!»([3]).

 

وسأل العلاء بن كامل الإمامَ الصادق % أن يدعو له اللّه في أن يرزقه في دعة([4])، ويوسّع عليه، فقال له الإمام %: «لا أدعو لك، اطلب كما أمرك

 


([1]) المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان، الإرشاد، تحقيق مؤسّسة آل البيت ( لتحقيق التراث، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414ھ - 1993م، ط2، ج1، ص298.

([2]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج100، ص9.

([3]) الحرّ العامليّ، الشيخ محمّد بن الحسن، هداية الأمّة إلى أحكام الأئمّة (، تحقيق ونشر مجمع البحوث الإسلاميّة، إيران - مشهد، 1412ھ، ط1، ج6، ص13.

([4]) أي في راحة.

 

52


48

الموعظة العاشرة: العمل والبطالة

الله»([1]).

 

وهذا إن دلّ على شيء، إنّما يدلّ على مبغوضيّة البطالة والعاطل عن العمل عند الله.

 

إيّاك والكسب الحرام

نهى القرآن الكريم عن اتّباع الطرق غير المشروعة في الكسب نهياً شديداً، كأكل المال بالباطل والرّبا والفساد... قال -تعالى-: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٖ مِّنكُمۡۚ ﴾([2]).

 

أمّا الأحاديث والروايات، فإنّها عدّت هذه الطرق من الكبائر، بل شبّهت بعضه، مثل: الاحتكار، والخيانة، والرّبا، بأقبح الذنوب، كالقتل؛ لأنّ هذه الأعمال تشلّ النشاط الاقتصاديّ للإنسان، وتسوقه إلى الهلاك التدريجيّ.

 

يقول الإمام الرضا % في كلامٍ يذكر فيه ما حرّم الله -تعالى-: «واجتنابُ الكبائرِ، وهي قَتلُ النَّفسِ التي حرَّمَ اللهُ -تعالى-، وأكلُ الرِّبا بَعدَ البيِّنَةِ، والبَخسُ فِي المكيالِ والميزانِ، والإسرافُ، والتَّبذيرُ، والخيانَةُ»([3]).

 

عاقبة أكل الحرام

1. تضييع الأعمال وعدم قبولها، قال رسول الله -: «مَن أكَلَ حَراماً، لَم يَقبَلْ اللهُ مِنهُ صَرفاً ولا عَدلاً»([4]).

 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص78.

([2]) سورة النساء، الآية 29.

([3]) ابن بابويه، محمّد بن عليّ بن الحسين الصدوق، عيون أخبار الرضا %، منشورات الأعلميّ، إيران - طهران، لات، لاط، ج2، ص125.

([4]) ابن فهد الحلّيّ، عدّة الداعي ونجاح الساعي، تصحيح أحمد الموحّديّ القمّيّ، مكتبة وجداني، إيران - قمّ، لا.ت، لا.ط، ص140.

 

53


49

الموعظة الحادية عشرة: الكسل

2. يمنع استجابة الدعاء، فعن رسول الله -: «مَن أحبَّ أن يُستجابَ دُعاؤهُ، فليُطَيِّب مَطعَمَهُ ومَكسَبَهُ»([1]).

 

3. يوجب لعنة الملائكة، فعن رسول الله -: «إذا وَقَعت اللُّقمَةُ مِن حرامٍ فِي جَوفِ العَبدِ، لَعَنَهُ كُلُّ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ والأرضِ»([2]).

 

4. الكفر والضلال، وإنّ خطاب الإمام الحسين % يوم عاشوراء لعسكر عمر بن سعد، خير دليلٍ على هذه الحقيقة، إذ قال %: «فَقَدْ مُلِئتْ بُطونُكُم مِن الحرامِ، وطُبِعَ عَلَى قُلُوبِكُم، وَيْلَكُم ألا تنصتُونَ؟! ألا تسمعُونَ؟!»([3]).

 


([1]) المصدر نفسه، ص128.

([2]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج63، ص314.

([3]) المصدر نفسه، ج45، ص8.

 

54


50

الموعظة الحادية عشرة: الكسل

الموعظة الحادية عشرة
الكسل

 

هدف الموعظة

بيان أضرار الكسل وعاقبته، والحثّ على علوّ الهمّة والعمل.

 

محاور الموعظة

1. الكسل مضرّ بالدين والدنيا

2. عاقبة الكسل

3. الهمّة

 

تصدير الموعظة

﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَا لَكُمۡ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلۡتُمۡ إِلَى ٱلۡأَرۡضِۚ أَرَضِيتُم بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ فَمَا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾([1]).


 


([1]) سورة التوبة، الآية 38.

 

54


51

الموعظة الحادية عشرة: الكسل

الكسل هو التّغافل عمّا لا ينبغي التّغافل عنه؛ ولذلك عُدّ مذموماً، وضدّه النّشاط.

 

قال -سبحانه- في ذمّه: ﴿ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَٰدِعُهُمۡ وَإِذَا قَامُوٓاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلٗا ﴾([1]). والذمّ في الآية الكريمة واقع على الكفر والنفاق، فإنّ الكفرَ والنفاقَ موجبان للكسل، والإيمانَ والإخلاصَ باعثان على التحرّك والنشاط.

 

الكسل مضرّ بالدين والدنيا

عن الإمام الباقر %: «الكسل يضرّ بالدين والدنيا»([2]).

 

لا يُتوهّم أنّ العمل في سبيل تحصيل المعاش هو طلب للدنيا، وأنّه منافٍ للدين، ففي الحديث عن الإمام الكاظم %: «اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً»([3]).

 

فالعمل في سبيل المعاش أمر ضروريّ، والإسلام يبغض من يكون كلّاً على غيره، يُلقي على غيره مسؤوليّة إعالته، عن الإمام الباقر %: «ليس منّا من ترك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه»([4]).

 

عاقبة الكسل

1. تضييع الحقوق، فعن الإمام الصادق %: «إيّاك وخصلتين: الضجر والكسل! فإنّك إن ضجرت لم تصبر على حقّ، وإن كسلت لم تؤدِّ حقّاً»([5]).

 


([1]) سورة النساء، الآية 142.

([2]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج75، ص180.

([3]) الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج1، ص76.

([4]) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص156.

([5]) الطبرسيّ، الميرزا حسين النوريّ، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت ( لإحياء التراث، لبنان - بيروت، 1408ھ - 1987م، ط1، ج12، ص65.

 

56


52

الموعظة الحادية عشرة: الكسل

2. التقصير في طاعة الله، فعن أمير المؤمنين %: «إيّاكم والكسل! فإنّه من كسل لم يؤدِّ حقّ الله -عزَّ وجلَّ-»([1]).

 

3. الفقر، فعن أمير المؤمنين %: «إنّ الأشياء لمّا ازدوجت ازدوج الكسل والعجز، فنتج بينهما الفقر»([2]).

 

4. خسران الدنيا والآخرة، فعن أمير المؤمنين %: «إيّاك والكسل والضجر! فإنّهما يمنعانك من حظّك من الدّنيا والآخرة»([3])، وعن الإمام الباقر %: «إنّي لأبغض الرجل أن يكون كسلان عن أمر دنياه، ومن كسل عن أمر دنياه فهو عن أمر آخرته أكسل»([4]).

 

5. مبغوضيّة الله، فعن الإمام الصادق %: «إنّ الله -عزَّ وجلَّ- يبغض العبدَ النوّام الفارغ»([5]).

 

الهمّة

في قِبال الكسل، حثّت الروايات على ضرورة السعي والكدّ والهمّة. والهمّة العزم الجازم المتأكّد في تحصيل الإنسان ما ينبغي أن يحصّله من تعرّف الأمور واختيارها، والنظر في مصادرها ومواردها، وتحديق البصيرة نحو الأمور المعقولة، وإرسال الوهم والخيال وسائر الحواسِّ نحو المعاني والصور المحسوسة المعيّنة لدرك المقاصد والمطالب، مع التألّم والغمّ والهمّ

 


([1]) المصدر نفسه.

([2]) الشيخ الكلينّي، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص86.

([3]) المصدر نفسه، ج5، ص85.

([4]) المصدر نفسه، ج5، ص88.

([5]) المصدر نفسه، ج5، ص85.

 

57


53

الموعظة الحادية عشرة: الكسل

بسبب فقدها([1]).

 

بالهمّة يرتقي الإنسان من الحضيض إلى أوج الكمال، ويخرج من الذلّة إلى العزّة، كما ورد في الروايات عن أمير المؤمنين %: «قَدْرُ الرَّجُلِ عَلَى قَدْرِ هِمَّتِه»([2])، «ولا شرف كبُعد الهمّة»([3])، و«كمال الرجل بستّ خصال: بأصغرَيه وأكبرَيه وهيئتَيه، فأمّا أصغراه: فقلبه ولسانه، إن قاتل قاتل بجنان، وإن تكلّم تكلّم بلسان، وأمّا أكبراه: فعقله وهمّته، وأمّا هيئتاه: فماله وجماله»([4]).

 

وبالهمّة يتحقّق عزّ اليأس عمّا في أيدي الناس، فعن الإمام الباقر % أنّه قال لجابر بن يزيد الجعفيّ: «واطلب بقاء العزّ بإماتة الطمع، وادفع ذلّ الطمع بعزّ اليأس، واستجلب عزّ اليأس ببعد الهمّة»([5]).

 

وإنّ مَن لم تعرف الهمّة طريقاً إليه، وكان حظّه الفتور والخمول، فلن يصل إلى معالي الأمور،

 


([1]) المازندرانيّ، المولى محمّد صالح بن أحمد، شرح أصول الكافي، تعليقات الميرزا أبو الحسن الشعرانيّ، ضبط وتصحيح السيّد عليّ عاشور، دار إحياء التراث العربيّ للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1421ھ - 2000م، ط1، ج3، ص270.

([2]) السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ %)، مصدر سابق، ص477.

([3]) الحرانيّ، الشيخ ابن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول -، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاريّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1404ھ - 1363ش، ط2، ص286.

([4]) الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، معاني الأخبار، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاريّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1379ھ - 1338ش، لا.ط، ص150.

([5]) الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج12، ص69.

 

58


54

الموعظة الحادية عشرة: الكسل

كما عن الإمام الصادق %: «ثلاث يحجزن المرء عن طلب المعالي: قصر الهمّة، وقلّة الحيلة، وضعف الرأي»([1]).

 

 


([1]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج75، ص231.

 

59


55

الموعظة الثانية عشرة: الحسد وآثاره

الموعظة الثانية عشرة
الحسد وآثاره

 

هدف الموعظة

تعرّف بواعث الحسد وعاقبته والفارق بينه وبين الغبطة.

 

محاور الموعظة

1. بواعث الحسد

2. من أصول الكفر

3. عاقبة الحسد

4. بين الحسد والغبطة

 

تصدير الموعظة

﴿ أَمۡ يَحۡسُدُونَ ٱلنَّاسَ عَلَىٰ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۖ ﴾([1]).


 


([1]) سورة النساء، الآية 54.

 

60


56

الموعظة الثانية عشرة: الحسد وآثاره

الحسد حالة نفسيّة، يتمنّى بها الحاسد زوال النعمة التي يتصوّرها عند الآخرين، ويكره وصول تلك النعمة إليهم، فيصيبه غمٌّ إنْ وصلت.

 

عن الإمام الصادق %: «آفة الدين: الحسد والعجب والفخر»([1]).

 

بواعث الحسد

1. خبث النفس وشحّها بالخير، قال -تعالى-: ﴿ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ﴾([2]).

 

وقال -سبحانه- حكايةً عن ابنَي آدم: ﴿ وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ ﴾([3]).

 

2. التكبّر والعجب، قال -تعالى- حكايةً عن إبليس: ﴿ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسۡجُدَ إِذۡ أَمَرۡتُكَۖ قَالَ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِي مِن نَّارٖ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِينٖ ﴾([4]).

 

من أصول الكفر

عن الإمام الصادق %: «أصول الكفر ثلاثة: الحرص والاستكبار والحسد»([5]).

 

فالحسد هو حالة تعبِّر عن الاعتراض على عدالة الله -تعالى-، فعن الإمام الصادق %: «قال رسول الله -: قال الله -عزّ وجلّ- لموسى بن عمران %: يابن عمران، لا تحسدنّ الناس على ما آتيتهم من فضلي، ولا تمدَّنّ عينيك إلى ذلك، ولا تتبعه نفسك؛ فإنّ الحاسد ساخط لنعمي صادّ لقسمي الذي قسمت بين

 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص307.

([2]) سورة الحشر، الآية 9.

([3]) سورة المائدة، الآية 27.

([4]) سورة الأعراف، الآية 12.

([5]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص289.

 

61


57

الموعظة الثانية عشرة: الحسد وآثاره

عبادي، ومن يكُ كذلك فلست منه وليس منّي»([1]).

 

عاقبة الحسد

إنّ حسد الحاسد لا يضرّ المحسود، فلن تزول عنه النعمة لمجرّد أنّه يحسده، بل ستنعكس آثاره السيّئة على الحاسد في الدنيا والآخرة. عن الإمام الصادق %: «الحاسد مضرّ بنفسه قبل أن يضرّ بالمحسود، كإبليس، أورث بحسده لنفسه اللعنة، ولآدم الاجتباء والهدى والرفع إلى محلّ حقائق العهد والاصطفاء. فكن محسوداً ولا تكن حاسداً؛ فإنّ ميزان الحاسد أبداً خفيف بثقل ميزان المحسود، والرزق مقسوم، فماذا ينفع الحسد الحاسد، وماذا يضرّ المحسود الحسد. والحسد أصله من عمى القلب والجحود بفضل الله -تعالى-، وهما جناحان للكفر، وبالحسد وقع ابن آدم في حسرة الأبد، وهلك مهلكاً لا ينجو منه أبداً، ولا توبة للحاسد؛ لأنّه مصرّ عليه، معتقد به مطبوع فيه، يبدو بلا معارض به ولا سبب، والطبع لا يتغيّر عن الأصل، وإن عولج‏»([2]).

 

بين الحسد والغبطة

الحسد هو ما ذكرناه من تمنّي زوال النعم المتصوّرة عند الآخرين, وهو غير الغبطة؛ لأنّ الغبطة هي أن يتمنّى الإنسان الحصول على هذه النعم التي رآها عند غيره، ولكنّه لا يتمنى زوالها عن الآخرين، وفي الحديث عن الإمام الصادق %: «إنّ المؤمن يغبط ولا يحسد، والمنافق يحسد ولا يغبط»([3]).

 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص307.

([2]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج70، ص255.

([3]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص289.

 

62


58

الموعظة الثانية عشرة: الحسد وآثاره

إنّ مجرّد تمنّي الحصول على النعم لا يُعَدّ حسداً على الإطلاق, ما لم يتضمّن تمنّي زوال النعم عن الآخرين. والغبطة ليست مذمومة، بل هي في الواجب واجبة، وفي المندوب مندوبة وفي المباح مباحة، قال الله -سبحانه-: ﴿ وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ ﴾([1]).

 

وعليها يحمل قول النبيّ -: «لا حسد إلّا في اثنين: رجل آتاه الله مالاً، فسلّطه على ملكه في الحقّ، ورجل آتاه الله علماً، فهو يعمل به ويعلّمه الناس»([2])؛ أي لا غبطة إلّا في ذلك، سُمّيت الغبطة حسداً كما يُسمّى الحسد منافسة، اتّساعاً لمقارنتهما.

 


([1]) سورة المطفّفين، الآية 26.

([2]) النراقيّ، الشيخ محمّد مهدي، جامع السعادات، تحقيق وتعليق السيّد محمّد كلانتر، تقديم الشيخ محمّد رضا المظفر، دار النعمان للطباعة والنشر، لا.م، لا.ت، لا.ط، ج2، ص151.

 

63


59
وقل اعملوا