المهدويّة أمل البشرية

قبسات من خطاب الوليّ


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2021-03

النسخة:


الكاتب

مجلة بقية الله

بقية الله مجلة إسلامية جامعة متنوعة المواضيع متوجهة إلى جمهور القراء؛ لذا فهي تعتمد أسلوب اللغة الواضحة، والمفهومة، وبساطة التعبير، مع المحافظة على العمق والدقة؛ بحيث يمكن للجميع قراءة مضمونها مهما كانت مستوياتهم العلمية، حيث يجد كل منهم ما يستحق القراءة ويحقق الاستفادة.


المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على رسوله الأكرم محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين، ولا سيّما بقيّة الله في الأرضين(عجل الله تعالى فرجه الشريف).

يُمثِّل الاعتقاد بالإمام المهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف) محوراً أساسيّاً لدى أتباع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)، حيث يرتبط عشّاق هذا الإمام به في مناسبات عديدة، يحدوهم الأمل للقاء هذا المحبوب الدي طال غيابُه، وآلم فراقُه.

والحديث عن شخصٍ بعظمة إمام الزمان(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، الذي يحمل المشروع الإلهيّ الوارث لكلّ مَن تقدّمه من الحجج الإلهيّين، والمسمّى بِحقٍّ بقيّة الله في أرضه، لا يمكن أن يتصدّى له أيّ إنسان، إلّا أن يكون له الباع الطويل في مطالعة الروايات والبحث والتنقيب حولها، والاطلاع الواسع على حركة المجتمعات

 

8


1

المقدّمة

والسُنن الحاكمة على حركة التاريخ ومسار البشريّة، وسائر ما يتعلّق بذلك من أمور أخرى، سياسيّة واجتماعيّة ودينيّة وغيرها.

وقد تميّز الإمام القائد الخامنئي كفقيهٍ وعالمٍ بأمور زمانه، وخبرته الطويلة الواسعة في المجالات المختلفة، خصوصاً على الصعيدين السياسيّ والاجتماعيّ، ببصيرته النافذة ونظره الثاقب، وتحليله الدقيق وفهمه العميق، وقراءته الخاصّة للروايات الشريفة في سيرة أهل البيت(عليهم السلام)عموماً، والإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) خصوصاً، ورسمه للخطوط العامّة لنهجهم ومسارهم وأهدافهم التي وضعوها وساروا عليها، بما شكّل مدرسةً لها معالمها وخصائصها الفريدة والمميّزة عن سائر المدارس الأخرى والتي استقى منها أتباعهم الدروس عبر التاريخ، وصولاً إلى ثورة العصر التي قادها إمام الأمّة الراحل روح الله الخمينيّ(قدس سره).

وقد كان للإمام الخامنئيّ على مدى سنوات عديدة، مجموعة من الخطابات التي تعرّض فيها للحديث عن موضوع الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) في مناسبات مختلفة، رأينا في مجلة بقيّة الله أن نقوم بجمعها في كتاب واحد، ليتسنّى لقرّائنا الأعزاء الاطلاع عليها والاستفادة منها.

 

9

 

 


2

المقدّمة

عملنا في هذا الكتاب:

١- قمنا بجمع خطابات سماحة الإمام القائد الخامنئيّ التي تعرّض فيها لعقيدة المهدويّة، المنشورة في سلسلة إصدارات خطاب الوليّ الصادرة عن جمعيّة المعارف.

 

٢- أضفنا إلى ذلك: الخطابات المعرّبة من قبل مركز الترجمة والتعريب التابع لجمعية المعارف مشكورين، وما هو مذكور في كتاب (إنسان بعمر ٢٥٠ سنة) الصادر عن جمعيّة المعارف.

 

٣- رتّبنا الأفكار بشكل موضوعيّ، وقسّمنا ذلك إلى تمهيد وفصول ثلاثة...

 

ختاماً، نسأله تعالى أن يعجّل فرج مولانا صاحب العصر والزمان، وأن يجعلنا من الممهِّدين لظهوره، ومن أنصاره وأعوانه، والمستشهدين بين يديه، إنّه سميع مجيب.

 

مجلة بقيّة اللّه

 

10

 


3

المقدّمة

يوم ولادة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

١- النصف من شعبان وأهمّيّة المناسبة

يُعتبر يوم النصف من شعبان واحداً من أهمّ أيّام السنة، والذي تصادف فيه ذكرى ولادة ذي الجود المسعود بقيّة اللّه (أرواحنا فداه)، إضافة إلى ليلة ويوم النصف  من شعبان اللذين يُعدّان -ناهيك عن ولادة هذا الإمام الهُمام في مثل هذا اليوم والليلة- من الأيّام والليالي المباركة. ليلة النصف من شعبان ذات بركة كبيرة جدّاً، وتلي في أهمّيتها ليالي القدر، وهي من أوقات التوجّه والتوسُّل إلى اللّه والابتهال إليه. ولهذه الليلة أعمالها وأدعيتها الخاصّة، إذا وُفِّقتم لأدائها لعلّكم تحظَون بالقبول عند اللّه، وعلى مَنْ أغفلها ولم يلتفت إليها أن يتذكّر ويغتنمها في الأعوام القادمة في كلّ سنة.

كما تكتسب قضيّة ولادة الإمام المهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف) أهميّة أخرى حيث ترتبط بمسألة الانتظار، والعهد الموعود الذي بشّر به مذهبنا، بل وبشّر به أيضاً الدين الإسلاميّ الحنيف. وعلينا أن نستذكر هذا العهد الموعود به في آخر الزمان، وهو عهد المهديّ، ونؤكّد عليه على الدوام ونجري بشأنه دراسات دقيقة ونقدّم بحوثاً مفيدة[1].

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢٥/٩/١٣٧٦هـ.ش.

 

12


4

المقدّمة

٢- يوم الأمل

إنّ يوم ولادة المهديّ الموعود (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) يوم عيد حقّاً لكلّ الأطهار والأحرار في العالم. الكلّ يشعر بالفرح في هذا اليوم، إلّا مَنْ كان عماداً للظالم أو تابعاً للطواغيت والظَّلَمة؛ وهل هناك حرّ لا يشعر بالفرح بتحقيق القسط والعدل، أو لا يأنس لرفع راية العدل وزهوق الظلم في العالم؟ ومَنْ منهم لا يتمنّى ذلك؟

المسلّم هو أنّ جميع الأنبياء والأولياء جاؤوا لرفع راية التوحيد في حياة البشر؛ ولا معنى للتوحيد بدون استقرار العدل والإنصاف. إنّ رفع الظلم والجور هو أحد معالم أو أركان التوحيد؛ ولهذا ترون أنّ نداء استقرار العدالة هو نداء الأنبياء. إنّ السعي لأجل العدالة عمل الأنبياء الجبّار؛ لقد سعى العظماء على مرّ التاريخ في هذا السبيل، لأجل تفهيم البشريّة وتقريبهم يوماً بعد آخر إلى هذه الحقيقة، وهي أنّ العدالة على رأس مطاليب الإنسان.

إنّ سلسلة الأنبياء هي أطهر سلاسل البشريّة وأقدسها، وأشدّها نوراً على طول التاريخ، ومن بين العظماء والأطهار الذين يحظَوْن بمعنويّة إلهيّة وعرشية هو الوجود المقدّس لخاتم الأنبياء محمّد المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم)، فهو على رأس هؤلاء؛ وكذلك أهل بيته الأطهار -الذين صرّح بطهارتهم القرآن الكريم- فهم من أطهر وأعظم الناس وأشدهم نوراً على طول

 

13


5

المقدّمة

التاريخ. مَن مِن النساء -على مدى التاريخ- مثل فاطمة(عليها السلام)؟ ومَن مِن الرجال مثل عليّ المرتضى سجّله لنا التاريخ؟

إنّ عترة النبيّ الأكرم في التاريخ، شموس مضيئة، استطاعت من حيث المعنويّة أن تربط البشريّة بعالم الغيب وبالعرش الإلهيّ «السبب المتّصل بين الأرض والسماء»[1]. إنّ أهل البيت هم معدن العلم، ومعدن الأخلاق الحسنة، ومعدن الإيثار والتضحية، ومعدن الصدق والصفاء، ومنبع كلّ إحسان وجميل وإنارة تحلّى بها وجود الإنسان في كلّ عصر وعهد. وقد كان كلّ منهم شمساً مضيئة وحده[2].

 

٣- يوم عيد للبشريّة

إنّ يوم ميلاد الإمام المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو عيد للبشريّة جمعاء وللتاريخ وحتّى للماضين من الناس، فهو عيد للذين عاشوا في العصر المظلم لفرعون ونمرود وأبي جهل وباقي الحكّام الظلمة، وقضَوا حياتهم في الفقر والظلم وتحمُّل الآلام، ولو أنّ أرواح هؤلاء في عالم البرزخ تنال ما تناله بعض الأرواح في ذلك العالم فسيكونون فرحين ومسرورين في مثل هذا اليوم قطعاً.

وهذا اليوم يختلف عن غيره من الأيّام والأعياد، ولا نبالغ في ذلك لو أسميناه (عيد اللّه الأكبر).

 


[1] المزار، ابن المشهديّ، دعاء الندبة، ص ٥٩٧.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٣/٩/١٣٧٨ هـ.ش (٢٤/١١/١٩٩٩م).

 

14


6

المقدّمة

٤- الولادة والوعد الإلهيّ

﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾[1].

هذه الآية لافتة ومهمّة؛ إذ ثمّة نقطة فيها، حيث تُلقي أمّ موسى بوليدها النبيّ موسى(عليه السلام) عند بداية ولادته في الماء. ويوجد هنا وعدان: أحد الوعدين وعدُ إرجاع موسى إلى أمّه ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾، والوعد الثاني ﴿وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾؛ أي ذلك الوعد العامّ الذي أُعطي لبني إسرائيل الذين كانوا ينتظرون منقذاً، وأنّ هذا المنقذ هو من عند الله وسوف يأتي وينقذ بني إسرائيل من فرعون. وقد أعطى الله تعالى في وحيه لأمّ موسى هذا الوعد الثاني أيضاً ﴿وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾، بمعنى أنّنا نرسله من عندنا ونجعله المرُسَلَ الذي من المفترض أن يحقق ذلك الوعد الكبير ويتحقّق على يده ذلك الأمل العظيم. أعطى الله تعالى هذين الوعدين؛ أحد الوعدين وعد عاجل وقريب وهو ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾. وفي الآيات اللَّاحقة، يقول سبحانه وتعالى: ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾[2]. يقول سبحانه إنّنا حين نردّ موسى إلى أمّه سوف تقرّ عينها ولكي لا تحزن، ولكن هناك أثر آخر لهذا الردّ وهو ﴿وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾؛ أي لتعلم أنّ هذا الوعد الذي قطعناه وأعطيناه -وقلنا إنّنا سنبعث منقذاً وشخصاً من المقرّر أن يُخرج بني إسرائيل من حالة الاستضعاف في مصر- إنّما هو وعد

 


[1] سورة القصص، الآية ٧.

[2] سورة القصص، الآية ١٣.

 

15


7

المقدّمة

صادق وصحيح، وليطمئن قلبها إلى هذا الوعد؛ بمعنى أنّ وعداً صغيراً من الله يتحقّق من أجل أن يطمئنّ أيّ إنسان متدبّر في تحقُّق هذا الوعد الصغير إلى أنّ ذلك الوعد الكبير سيتحقّق أيضاً[1].

 

الارتباط المعنويّ بالإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

١- بركات صاحب الزمان وعنايته (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

لا زالت إحدى هذه الشموس تعيش بيننا وفي عهدنا هذا وبفضل من الله وعون وإرادة منه، فهي بيننا تحمل عنوان بقية الله في أرضه، وحجته على عباده، وصاحب للزمان، ووليّ إلهيّ مطلق على الأرض. إنّ البشريّة اليوم -برغم الضعف والابتلاءات والضلالات- تقتبس من بركات وإشعاعات تلك الشمس المعنويّة والإلهيّة التي هي بقية أهل البيت(عليهم السلام).

إنّ حضور ذلك الوجود المقدَّس الحجَّة (أرواحنا فداه) بين الناس، يُعدُّ مصدراً للبركة والعلم والنورانيَّة والجمال وجميع الخيرات. إنّ عيوننا المظلمة وغير المؤهَّلة لا يمكنها رؤية ذلك الوجه الملكوتيّ من قريب، لكنّه كالشمس المضيئة، يرتبط بالقلوب ويتَّصل بالبواطن والأرواح. ولا موهبة لإنسان عارف أفضل من شعوره بأنّ وليّ الله،

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٩/٧ /٢٠١١م.

 

16


8

المقدّمة

والإمام الحقّ، والعبد الصالح، والعبد المصطفى من بين جميع العباد، والمخاطَب بخطاب الخلافة الإلهيّة على الأرض، موجود إلى جنبه، فيراه ويتواصل معه.

إنّ أمل جميع البشر هو وجود عنصر فاضل بينهم يحلّ عُقد الإنسان المبطّنة على طول التاريخ، حيث ترنو العيون إلى نهاية هذا الأفق، وإلى مجيء مَن اصطفاه الله واختاره ليُمزِّق نسيج الظلم الذي حاكته أيدي الظلمة على مدى التاريخ.

إنّ البشريّة اليوم ابتُليت بالظلم أكثر ممّا ابتليت به في العصور الماضية، كما أنّ معرفتها تطوَّرت كثيراً؛ لقد قربنا من زمان ظهور إمام الزمان (أرواحنا فداه) محبوب الناس الحقيقيّ، وذلك لأنَّ معرفتنا تطوَّرت وازدادت[1].

 

٢- الالتفات إلى كونه حيّاً يعيش بيننا

فيما يتعلّق بضرورة الارتباط العاطفيّ والمعنويّ والروحيّ بإمامنا العظيم وليّ الله المعصوم، بالنسبة لكلّ واحدٍ منّا؛ القضيّة لا ينبغي أن نجعلها محدودة في إطار التحليل الفكريّ والاستنارة الفكريّة. فذاك المعصوم، الّذي هو صفيّ الله، يعيش اليوم بيننا نحن البشر في مكانٍ ما من هذا العالم ونحن لا نعلمه. إنّه موجودٌ، ويقرأ القرآن، ويبيّن المواقف الإلهيّة، إنّه يركع ويسجد ويعبد ويدعو ويظهر في المجامع ويساعد البشر. فله وجودٌ خارجيّ ووجودٌ عينيّ، غاية الأمر أنّنا نحن لا نعرفه. إنّ هذا الإنسان الّذي اصطفاه الله، موجودٌ اليوم، ويجب أن نقوّي

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٣/٠٩/١٣٧٨هـ.ش.

 

17


9

المقدّمة

علاقتنا به من الناحية الشخصيّة والقلبيّة والروحيّة، بالإضافة إلى الجانب الاجتماعيّ والسياسيّ والّذي بحمد الله صار نظامنا متوجّهاً نحو ما يريده هذا الإنسان العظيم، إن شاء الله[1].

٣- اهتمام ونظر إمام الزمان إلى سلوكنا وأعمالنا

إنّنا نعتقد أنّ الإمام المهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف) ناظر إلى أعمالنا وسلوكيّاتنا، وأنّ أعمالنا تُعرَض عليه.

إنّ شبابنا المؤمنين الذين يعملون بإخلاص ونشاط في مختلف الميادين -سواءٌ في الميادين الروحيّة والعباديّة والمعرفيّة أو في ميادين العمل وبذل الجهود، أو في الميادين السياسيّة والجهاد حيث كان الجهاد ضرورة- إنّما يُدخلون السرور إلى قلب إمام العصر(عجل الله تعالى فرجه الشريف).

كما أنّ من جملة ما يُثلج صدر الإمام هو أن تَنْصَبَّ جهود شعبنا المسلم على الإشراف على إدارة البلد وتقدُّمه، وأن يمارس اتخاذ القرار ويتحرّك ويتواجد في الساحة، ولا يتخلّى عن مواقفه، ليأتي الآخرون فيقرِّروا نيابة عنه وأن لا يُجيز للإرادة الاستكباريّة والاستعماريّة داخل البلاد تحديد مصيره.

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢١/٠١/١٣٦٦ هـ.ش (١٠/٤/١٩٨٧م).

 

18


10

المقدّمة

فإمام العصر(عجل الله تعالى فرجه الشريف) حاضر وناظر، وقد شاهد انتخاباتكم واعتكافكم، كما شاهد جهودكم أيّها الشباب في نشر الزينة في مناسبة النصف من شعبان، كما شاهد حضوركم رجالاً ونساءً في مختلف الميادين، وإنّ الإمام(عجل الله تعالى فرجه الشريف) ليُسرُّ لأدنى بادرة مصبوغة بالإيمان والعزم الراسخ ولو صدر عنّا عكس ذلك، معاذ الله، فإنّ هذا سوف يسوء الإمام(عجل الله تعالى فرجه الشريف).

 

٤- الدعاء للإمام والتوسُّل والأنس المعنويّ به

إنّ لهذه التوسُّلات الموجودة في الزيارات المختلفة -والتي لبعضها أسانيد جيّدة- قيمة عالية. فالتوسُّل والتوجّه والأُنس بهذا الإنسان العظيم عن بُعد لا يعني أن يدّعي أحدٌ أنّني سأصل إلى محضره أو أسمع صوته؛ أبداً ليس الأمر كذلك، فأغلب ما يُقال في هذا المجال ادّعاءاتٌ: إمّا أن تكون كذباً، أو أنّ مَن يقولها لا يكذب ولكن يتخيّل. لقد شاهدنا أشخاصاً لم يكونوا كاذبين، ولكن كانوا يتخيّلون، وقد نُقلت تخيّلاتهم لهذا وذاك كوقائع! فلا ينبغي الإذعان لمثل هذه الأمور. إنّ الطريق الصحيح هو الطريق المنطقيّ. وذاك التوسُّل توسُّلٌ عن بُعد. والتوسُّل الذي يسمعه الإمام منّا سيقبله إن شاء الله ولو كنّا نتحدّث مع مخاطبنا عن بُعد، فلا إشكال في ذلك. والله تعالى يوصل سلام المسلّمين ونداء المنادين إلى هذا الجليل. فهذه التوسُّلات وهذا الأُنس المعنويّ جيدٌ جدّاً وضروريّ[1].

فليجعل كلّ واحدٍ من أبناء مجتمعنا توسُّله بوليّ العصر وارتباطه به، ومناجاته معه، وسلامه عليه، وتوجّهه إليه، تكليفاً وفريضةً، ولْيَدْعُ

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ١٨/٤/١٣٩٠ هـ.ش (٩/٧/٢٠١١م).

 

19


11

المقدّمة

له كما لدينا في الروايات، وهو الدعاء المعروف «اللهمّ كن لوليّك»، الّذي يُعدّ من الأدعية الكثيرة الموجودة، ويوجد زياراتٌ في الكتب هي جميعاً، بالإضافة إلى وجود البعد الفكريّ والوعي والمعرفة، يوجد فيها أيضاً بعدٌ روحيّ وقلبيّ وعاطفيّ وشعوريّ وهو ما نحتاج إليه أيضاً. إنّ أطفالنا وشبابنا ومجاهدينا في الجبهة يحصلون على الروحيّة والمعنويّات بالتوجّه والتوسُّل بإمام الزمان ويفرحون ويتفاءلون. وببكاء الشوق ودموعه المنهمرة يقرّبون قلوبهم إليه، وهم بذلك يعطفون نظر الحقّ وعنايته إليهم، مثلما أنّ ذلك يتحقّق مع الإمام ويجب أن يكون موجوداً[1].

يا إمام الزمان! أيّها المهديّ الموعود المحبوب عند هذا الشعب! يا سلالة الأنبياء الأطهار! ويا وارث كلّ الثورات التوحيديّة والعالميّة! إنّ شعبنا هذا قد انبعث بذكرك واسمك واختبر لطفك في حياته وفي وجوده. أيّها العبد الصالح لله! إنّنا اليوم بحاجة إلى دعائك الّذي ينبعث من قلبك الإلهيّ والربّانيّ الطاهر ومن روحك القدسيّة من أجل انتصار هذا الشعب وهذه الثورة، ونحتاج إلى يد القدرة الإلهيّة الّتي جُعلت فيك لتساعد هذا الشعب.

«عزيزٌ عليّ أن أرى الخلق ولا تُرى»، يا إمام الزمان إنّه لصعبٌ جدّاً علينا أن نرى أعداء الله في هذا العالم وفي هذه الطبيعة المترامية الّتي

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢١/٠١/١٣٦٦ هـ.ش (١٠/٤/١٩٨٧م).

 

20


12

المقدّمة

هي لعباد الله الصالحين، ونتلمّس آثار وجود أعداء الله ولكن لا نراك أنت ولا ندرك فيض حضورك.

اللهمّ! بمحمّد وآل محمّد نُقسم عليك أن تليّن قلوبنا بذكر إمام الزمان دائماً[1].

أوصي بالمداومة على الأدعية والمناجاة، التي كان وما زال أبناء شعبنا يمارسونها والتي تضاعفت -والحمد للّه- كثيراً بعد انتصار الثورة على نحو أفضل لكي يوفّقوا لنيل ألطاف ذلك الإمام العظيم. فالإمام المعصوم حاضر وغير غافل أو منعزل عن أمّته وشيعته، إنّه حاضر بيننا، ومن خلال التوسُّل والاستغاثة به سيوفق الناس لإصابة طريق الرشاد والهداية والفتح إن شاء اللّه[2].

 

٥- معرفة الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) ومكانته

إنّ أذهان البشر اليوم مؤهّلة للفهم والعلم واليقين بمجيء إنسان عظيم ينقذها من الظلم، الأمر الذي سعي لأجله جميع الأنبياء. وهو ذات الأمر الذي وعد به رسول الإسلام في آيات القرآن ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾. إنّ يد القدرة الإلهيّة تستطيع أن تحقّق هذا الأمل للبشريّة بوساطة إنسان عرشيّ، إنسان إلهيّ، إنسان متَّصل بعوالم الغيب والمعنويّة، العوالم التي لا يمكن لأناس قاصرين مثلنا أن يدركوها. ولهذا كانت القلوب والأشواق تتّجه نحو تلك النقطة وتزداد توجُّهاً كلّ يوم.

لم يكن الشيعة وحدهم ينتظرون المهديّ الموعود، بل المسلمون

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٠٦/٠٤/١٣٥٩.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٠٨/٠٢/١٩٩١م.

 

21


13

المقدّمة

جميعهم ينتظرونه، ويمتاز الشيعة من مذاهب المسلمين، بل من كلّ الأديان الإلهيّة في أنّهم يعرفونه بالاسم والخصائص والسيرة الذاتيّة.

لقد زار عن قرب الكثير من عظمائنا في زمن الغيبة ذلك العزيز ومحبوب قلوب العشّاق والمشتاقين، لقد بايعه الكثير عن قرب، ولقد سمع الكثير حديثاً مشجّعاً منه، لقد رأى الكثير تسكيناً وملاطفة منه، كما أنّ الكثير تلقّى منه الحبّ والإحسان بدون أن يعرفه. في الحرب المفروضة وفي لحظات حسّاسة، أحسّ بعض الشباب بنورانيّة ومعنويّة كبيرة تلامس قلوبهم من عالم الغيب بدون أن يعرفوا صاحبها، وقد حصل ذلك كثيراً، كما يحصل ذلك حاليّاً[1].

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٣/٩/١٣٧٨ هـ.ش (٢٤/١١/١٩٩٩م).

 

22


14

المقدّمة

من صفات الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 

١- داعي الله

إنّ هذا العظيم هو داعي الله. النظرة إلى هذا العظيم وسيلة لعرض المحبّة والإرادة والعبوديّة في محضر الحقّ تعالى. «اَلسَّلامُ عَلَیك یا داعيَ اللهِ ورَبّانيَّ آياتِه»[1]. إنّ كلّ شيءٍ، كلّ الأنبياء، كلّ الأولياء، كلّ المقدسات، كلّ الأرواح الطيبة التي تشعُّ وتنيرُ حياتنا وعالمنا وكلّ عالم الوجود، هي آيات الحقّ، وتجليات الربّ. هذه نقطة يجب الالتفات إليها. نحن حين نتوجَّه إلى إمام الزمان، نتوسَّل به، نعرض فقرنا وترابيتنا أمام ذلك العظيم، إنّما نكون قد عرضنا فقرنا أمام الذات الأحديّة وأظهرنا العبوديّة لله تعالى[2].

 

٢- الغوث والرحمة الواسعة

إنّ اسم هذا العظيم وذكره، تذكيرٌ دائم لنا، بأن شروق شمس الحقّ والعدل هو أمر حتميّ في نهاية هذا الليل المظلم. عندما يشاهد الناس أمواج الظلم والظلام، قد يشعرون باليأس أحياناً. إنّ ذكر إمام الزمان هو علامةٌ بأن الشمس ستشرق والنهار سيطلع. نعم، هناك ظلمات، والظالمون يسبِّبون الظلام، وقد انقضت قرون متمادية، ولكنّ شروق الشمس أمر حتميّ في نهاية هذا الليل المظلم والأسود. هذا ما يعلّمنا إياه الاعتقاد بإمام الزمان. هذا الوعد اليقينيّ التحقُّق من الله تعالى: «اَلسَّلامُ عَلَيك أيّها العَلَمُ المَنصوبُ، والعِلمُ المَصبوبُ، والغَوثُ

 

 


[1] الاحتجاج، الطبرسيّ، ج ٢، ص ٣١٦.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ١٠/٠٥/٢٠١٧م.

 

23


15

المقدّمة

والرَّحمَةُ الواسِعَةُ، وَعداً غَيرَ مَكذوب»[1]. هذا الوعد الحتميّ هو ظهور هذا العظيم. بناءً على هذا فهذه نقطة ثانية.

إنّ المؤمنين بظهور وليّ العصر ووجود وليّ العصر(أرواحنا فداه) لا يُصابون أبداً باليأس وفقدان الأمل، ويعلمون جيّداً بأنّ الشمس ستشرق حتماً وستزول حينها هذه الظلمات والمظالم[2].

 

 


[1] الاحتجاج، الطبرسيّ، ج ٢، ص ٣١٦.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ١٠/٠٥/٢٠١٧م.

 

24


16

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

الاعتقاد بالمهدويّة في المذاهب والأديان

اتّفقت کلّ الأديان الإبراهيميّة على موضوع المنجي المخلّص في آخر الزمان، وأجمعت على أنّه سيظهر ذلك الرجل الذي يُنقذ العالم من مستنقع الظلم والجور. وقد تحدّد اسم هذا المنقذ في الإسلام، وباتت كلّ المذاهب الإسلاميّة تعرف هذا الرجل الإلهيّ وهذا الإنسان العظيم الاستثنائي باسم المهديّ.

ولربّما لا توجد بين الفرق الإسلاميّة فرقة لا تؤمن بظهور المهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف) وبكونه من ذريّة النبيّ، بل وحتّى إنّهم يُحدّدون اسمه وكنيته. وأمّا الخصوصيّة التي تُميّز اعتقاد الشيعة فهي أنّهم يعرّفون هذه الشخصيّة بصورة معيّنة ومحدّدة، ويعتبرونه ابن الإمام الحادي عشر من أئمّة أهل البيت -الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام)-. وقد حدّد المؤرّخون والمتكلّمون الشيعة تاريخ ولادته بصورة واضحة جليَّة، وسائر الفرق الإسلاميّة غالباً ما لم تذكر هذا الموضوع أو لم تقبل به، بيد أنّ الشيعة يثبتون حضور الإمام ووجوده وولادته بالأدلّة القاطعة والمسلّمة. استبعد البعضُ ولادة إنسان وبقاءه حيّاً لهذه المدّة الطويلة، وهذا هو الاستبعاد الوحيد الذي يطرحه ويكرّره المخالفون بشأن قضيّة الإمام المهديّ. غير أنّ القرآن الكريم قد أزال هذا الاستبعاد بالنصّ الصريح قائلاً في شأن النبيّ نوح (عليه السلام): ﴿فَلَبِثَ فيهِم أَلفَ سَنَةٍ إلّا خَمسينَ عاماً﴾[1]؛

 


[1] سورة العنكبوت، الآية ١٤.

 

26


17

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

الاعتقاد بالمهدويّة في المذاهب والأديان

 

اتّفقت کلّ الأديان الإبراهيميّة على موضوع المنجي المخلّص في آخر الزمان، وأجمعت على أنّه سيظهر ذلك الرجل الذي يُنقذ العالم من مستنقع الظلم والجور. وقد تحدّد اسم هذا المنقذ في الإسلام، وباتت كلّ المذاهب الإسلاميّة تعرف هذا الرجل الإلهيّ وهذا الإنسان العظيم الاستثنائي باسم المهديّ.

ولربّما لا توجد بين الفرق الإسلاميّة فرقة لا تؤمن بظهور المهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف) وبكونه من ذريّة النبيّ، بل وحتّى إنّهم يُحدّدون اسمه وكنيته. وأمّا الخصوصيّة التي تُميّز اعتقاد الشيعة فهي أنّهم يعرّفون هذه الشخصيّة بصورة معيّنة ومحدّدة، ويعتبرونه ابن الإمام الحادي عشر من أئمّة أهل البيت -الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام)-. وقد حدّد المؤرّخون والمتكلّمون الشيعة تاريخ ولادته بصورة واضحة جليَّة، وسائر الفرق الإسلاميّة غالباً ما لم تذكر هذا الموضوع أو لم تقبل به، بيد أنّ الشيعة يثبتون حضور الإمام ووجوده وولادته بالأدلّة القاطعة والمسلّمة. استبعد البعضُ ولادة إنسان وبقاءه حيّاً لهذه المدّة الطويلة، وهذا هو الاستبعاد الوحيد الذي يطرحه ويكرّره المخالفون بشأن قضيّة الإمام المهديّ. غير أنّ القرآن الكريم قد أزال هذا الاستبعاد بالنصّ الصريح قائلاً في شأن النبيّ نوح (عليه السلام): ﴿فَلَبِثَ فيهِم أَلفَ سَنَةٍ إلّا خَمسينَ عاماً﴾[1]؛

 


[1] سورة العنكبوت، الآية ١٤.

 

26


18

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

أي أنّه عاش بين قومه ٩٥٠ سنة، والظاهر أنّ هذه الفترة لم تكن فترة عمره وإنّما هي فترة دعوته، ومن هنا فلا يبقى مجال لهذا الاستبعاد[1].

 

مبدأ الأمل حقيقة مشتركة بين الجميع

يوم النصف من شعبان يوم الأمل. وهو أمل لا يختصّ بالشيعة ولا حتّى بالأمّة الإسلاميّة. مبدأ الأمل بمستقبل مشرق للبشريّة وظهور شخص موعود منقذ ويدٍ تنشر العدالة في كلّ العالم شيء تُجمع عليه كافّة الأديان التي نعرفها في العالم تقريباً. فالدين الإسلاميّ والمسيحيّ واليهوديّ، حتّى أديان الهند، والبوذيّة، والأديان التي لا يعرف الناس حتّى أسماءها بشّرت بمثل هذا المستقبل. هذا في الواقع بثٌّ للأمل في نفوس البشر كافّة على طول التاريخ واستجابة لحاجة الإنسان إلى الأمل.

لم تزرع الأديان الإلهيّة والسماويّة -وغالبيّة الأديان ذات جذور إلهيّة وسماويّة- أملاً واهياً في نفوس البشر، إنّما عبّرت عن حقيقة واقعة. ثمّة في خلقة البشريّة وعلى امتداد تاريخها الطويل حقيقة هي أنّ الصراع بين الحقّ والباطل سينتهي يوماً لصالح الحقّ وبهزيمة الباطل، ومنذ ذلك اليوم فما بعد سيبدأ العالم الحقيقيّ للبشريّة وحياة الإنسان المنشودة، ولن يكون

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٠٤/٠٦/٢٠١٥م.

 

27


19

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

الصراع هناك بمعنى الكفاح والنضال، بل بمعنى التسابق في الخيرات. هذه حقيقة مشتركة بين جميع الأديان[1].

إنّ أصل المهدويّة هو محلّ اتّفاق جميع المسلمين. وفي عقائد الأديان الأخرى، يوجد أيضاً انتظار المنجي في نهاية الزمان. فقد فهموا هذا المطلب أيضاً بنحوٍ صحيح في بُعدٍ من أبعاد القضيّة، ولكن في البُعد الأساسيّ المتعلّق بتحديد ومعرفة الشخص المنجي، ابتُلوا بنقص المعرفة. والشيعة يعرفون المنجي بالاسم والعلامة والخصائص وتاريخ الولادة، من خلال الأخبار المسلّمة والقطعيّة عندهم[2].

ولهذا تلاحظون أنّ هذه القضيّة ليست من مختصّات الشيعة، بل إنّ جميع الأديان والمذاهب تؤمن بحتميّة ظهور منقذ وبروز يدٍ إلهيّة مقتدرة في فترة من فترات التاريخ، وأنّه سيأتي بالمعجزة من أجل إنقاذ البشريّة من الظلم والجور.

إلّا أنّ الفارق بيننا نحن الشيعة وغيرنا من الفرق الإسلاميّة وغير الإسلاميّة هو، أنّنا نعرف اسم ذلك الإنسان العظيم والعزيز، وتاريخ ولادته ونعرف آباءه وأُمّه العزيزة، والقضايا الأخرى المرتبطة به، في حين أنّ الآخرين لا يعرفون هذه الأمور ولم يعتقدوا بها، أو أنّهم لم يطَّلعوا عليها، وهذا هو الفارق بيننا وبين غيرنا، ولهذا السبب، فإنَّ أدعية ومناجاة الشيعة أكثر حيويّة ومعنويّة وهدفيّة[3].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢٥/٧ /١٣٨٧ هـ.ش (١٦/١٠/٢٠٠٨م).

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢٩/٦/١٣٨٤ هـ.ش (٢٠/٩/٢٠٠٥م).

[3] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٠٨/٠٢/١٩٩١م.

 

28


20

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

ميزة الاعتقاد بالمهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) لدى الشيعة

 

١- واقعيّة الأمل المنشود:

الميزة في عقيدتنا نحن الشيعة هي أنّها أخرجت هذا الأمل من حيّز الأمر الذهنيّ المحض إلى حيّز الحقيقة الواقعة. الحقيقة هي أنّ الشيعة حينما ينتظرون المهديّ الموعود إنّما ينتظرون اليد المنقذة ولا يتخبَّطون في عالم الذهنيّات.. يبحثون عن واقع موجود.

إنّ حجَّة الله حيٌّ بين الناس يعيش معهم ويراهم، فهو معهم ويشعر بآلامهم وأوجاعهم. والسعداء من البشر ومن يتحلّون بالقابليّة والموهبة اللازمة يرونه في بعض الأحيان بشكل خفيّ. إنّه موجود.. إنسان واقعيّ محدّد له اسم معيّن وأبٌ وأمٌّ معلومان؛ إنّه بين الناس ويعيش معهم. هذه ميزة عقيدتنا نحن الشيعة.

والذين لا يوافقون على هذه العقيدة من أبناء المذاهب الأخرى، لم يستطيعوا أبداً الإتيان بدليل عقليّ لدحض هذه الفكرة وهذا الواقع. كلّ الأدلّة الناصعة الراسخة والتي صدّق أهل السنة الكثير منها تشير، على نحو القطع واليقين، إلى وجود هذا الإنسان السامي وحجَّة الله والحقيقة الناصعة المتألِّقة -بهذه الخصائص التي نعرفها أنا وأنتم- ويمكنكم ملاحظة ذلك في العديد من المصادر غير الشيعيّة.

 

29


21

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

الابن المبارك الطاهر للإمام الحسن العسكريّ (عليه الصلاة والسلام) تاريخ ولادته معلوم، والمرتبطون به معروفون، ومعجزاته مشخّصة، وقد حباه وسيحبوه الله عمراً طويلاً. هذا هو تجسيد ذلك الأمل الكبير لدى كلّ أمم العالم وجميع القبائل والأديان والقوميّات والعصور. هذه هي ميزة المذهب الشيعيّ فيما يتّصل بهذه القضيّة[1].

 

٢- استمرار النبوّات والدعوات الإلهيّة:

إنّ الوجود المقدّس لحضرة بقيّة الله أرواحنا فداه، هو عبارة عن استمرار النبوّات والدعوات الإلهيّة منذ بداية التاريخ وإلى يومنا هذا؛ أي كما تقرأون في دعاء النّدبة من: «وبعضهم أسكنتهم جنّتك»، الّذي هو آدم، وإلى: «أن انتهيت بالأمر»؛ أي الوصول إلى خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ ومن بعدها قضيّة الوصيّة وأهل بيت هذا النبيّ العظيم إلى أن يصل الأمر إلى إمام الزمان، فالجميع عبارة عن سلسلة متّصلة ومرتبطة ببعضها في تاريخ البشريّة. وهذا بمعنى أنّ تلك الحركة العظيمة للنبوّات وتلك الدعوات الإلهيّة بوساطة الرّسل، لم تتوقّف في أيّ مقطعٍ من الزمان. فالبشريّة تحتاج إلى الأنبياء والدعوات الإلهيّة، والدُعاة الإلهيّين، وهذا الاحتياج باقٍ إلى يومنا هذا، وكلّما مرّ الزمان فإنّ البشر يصبحون أقرب إلى تعاليم الأنبياء.

لقد أدرك المجتمع البشريّ اليوم من خلال التقدّم الفكريّ والمدنيّة والمعرفة، الكثير من تعاليم الأنبياء -والّتي لم تكن قابلة للإدراك من

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢٥/٧ /١٣٨٧ هـ.ش (١٦/١٠/٢٠٠٨م).

 

30


22

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

قبل البشر قبل عشرات القرون من هذا- فقضيّة العدالة هذه، وقضيّة الحريّة، وكرامة الإنسان، وهذه الألفاظ الرائجة في العالم اليوم، هي كلماتُ الأنبياء. في ذلك الزمن، لم يدرك عامّة الناس والرأي العامّ هذه المفاهيم. وبعد مجيء الأنبياء وانتشار دعوتهم، غُرست هذه الأفكار في أذهان الناس وفي فطرتهم وفي قلوبهم جيلاً بعد جيل. فالدّعاة الإلهيّون لم تنقطع سلالتهم اليوم، والوجود المقدّس لبقيّة الله الأعظم أرواحنا فداه، هو استمرار سلالة الدعاة الإلهيّين حيث تقرأون في زيارة آل ياسين: «السلام عليك يا داعي الله وربّانيّ آياته»؛ أي أنّكم اليوم ترون تجسيداً، لدعوة إبراهيم ودعوة موسى، ودعوة عيسى، ودعوة جميع الأنبياء والمصلحين الإلهيّين ودعوة النبيّ الخاتم في وجود حضرة بقيّة الله. فهذا الإنسان العظيم هو وارثهم جميعاً، وبيده دعوتهم ورايتهم جميعاً، وهو يدعو البشريّة ويعرض عليها تلك المعارف الّتي جاء بها الأنبياء عبر الزمان الممتدّ[1].

لو لم تكن المهدويّة لكان معنى ذلك أنّ جميع مساعي الأنبياء وكلّ هذه الدعوات والبعثات وهذه التضحيات والجهود المضنية ستكون بلا فائدة وتبقى بلا أثر[2].

 

٣- القيادة الإلهيّة للأمّة

أقول لكم وأقول للجميع أيضاً وقد قلته وأكرّره: فَلْنحذر من أن ننزّل تلك الصفات والخصال والمناقب، التي تتناسب مع وجود وليّ العصر (أرواحنا فداه)، إلى مستوى أشخاصٍ صغارٍ وناقصين مثلي أنا...

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢٩/٠٦/١٣٨٤ ه.ش (٢٠/٩/٢٠٠٥م).

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ١٨/٤/١٣٩٠ هـ.ش (٩/٧/٢٠١١م).

 

31


23

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

وأمثالي، ذاك الذي يُقال إنّ الذين يركبون هذه السفينة لا يخشون الطوفان:

ما يهمّ الأمّة إذا كان لها مثلك سند

وهل يخشى الموج من كان نوحٌ ربان سفينته[1]

ونوحٌ هنا هو إمام الزمان (في عصره)، لكن عندما ننظر نظرةً عامّة على مرّ تاريخ الإسلام، فإنّ وجود خاتم الأنبياء(صلى الله عليه وآله وسلم) المقدّس هو نوح ربّان سفينة هذه الأمّة. أجل، لقد كان لهذه الأمّة على مرّ تاريخها صعود وهبوط، فأحياناً كانت تتمرّغ بالوحول وأخرى تُبتلى بالمذلّة، وأحياناً تواجِه مشكلات لا توصف، كلّ ذلك كان ناشئاً من أنّها لم تركب سفينة، فإذا تمسّكنا في الواقع وتوسُّلنا بسفينة نجاة الإسلام وتابعنا النبيّ لكان النصر من نصيبنا حتماً. إنّ للبحر طوفاناً ولا شكّ، وفيه صعابٌ ومشكلات وأحياناً تجتاحه أهوال كبرى، لكن عندما يكون ربّان السفينة عبداً اصطفاه الله ومعصوماً فلا خوف عندئذٍ. هذه هي النقطة المختصرة التي أردتُ ذكرها. فاعتبروا هذه الصفات مختصّةً بأولئك العظماء. إنّ نوح هذه السفينة هو (الإمام المهديّ)، إنّه سند هذه الأمّة، إنّ واسطة الفيض الإلهيّ إلى كلّ واحدٍ منّا وإلى قلوبنا وأرواحنا وأذهاننا وأجسامنا، وإلى حياتنا الفرديّة والاجتماعيّة، هي الوجود المقدّس لخاتم الأوصياء، وفي المرتبة السابقة الوجود المقدّس لخاتم الأنبياء(صلى الله عليه وآله وسلم)[2].

 

 


[1] بيت من ديوان الشاعر سعدي.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ١٩/٠٩/٢٠١٢م.

 

32


24

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

٤- أساس للمعارف الدينيّة السامية

أمّا قضيّة المهدويّة التي تتناسب في هذه الأيّام مع اقتراب ذكرى النصف من شعبان وهذا العيد الإسلاميّ الكبير، بل الإنسانيّ، فاللازم أن أعرض لهذا المقدار وهو: إنّ قضيّة المهدويّة هي في عِداد المسائل الأصليّة التي تدور في سلسلة المعارف الدينيّة العليا كقضيّة النبوّة مثلاً، حيث إنّ أهمّيتها ينبغي أن تُقارن بأهميّة النبوّة. لماذا؟ لأنّ ذاك الشيء الذي تبشّر به المهدويّة هو نفس الأمر الذي جاء من أجله جميع الأنبياء وانطلقت من أجله جميع البَعَثات، وهو عبارة عن إيجاد عالمٍ توحيديّ مبنيّ وقائم على أساس العدالة وبالاستفادة من جميع الاستعدادات التي أودعها الله تعالى في الإنسان؛ ومثل هذا العصر هو عصر ظهور الإمام المهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، هو عصر المجتمع التوحيديّ، عصر حاكميّة التوحيد، عصر الحاكميّة الحقيقيّة للروحانيّة والدين على كلّ مجالات حياة البشر، وعصر استقرار العدل بمعناه الكامل والجامع. حسناً، لقد جاء الأنبياء من أجل هذا[1].

لهذا فإنّ قضيّة المهدويّة هي قضيّة أساس، وتُعدّ من المعارف الإلهيّة الأساس[2].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ١٨/٤/١٣٩٠ هـ.ش (٩/٧/٢٠١١م).

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ١١/٠٦/٢٠١٤م.

 

33


25

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

٥- الرؤية الكونيّة لمسير قافلة البشريّة

إنّ الاعتقاد بالإمام المهديّ المنتظر جزءٌ من الرؤية الكونيّة للأديان؛ أي أنّ الأديان الإلهيّة كما تطرح رؤية كونيّة عامّة بشأن العالم والإنسان ونشأة الخليقة ونهاية مسار الحياة البشريّة -رؤيتها حول الله والمعاد- فإنّ من أجزاء هذه الرؤية الكونيّة -هذه المجموعة الهائلة العظيمة التي تمثِّل البنى التحتيّة لكلّ الأفكار والرؤى والأحكام والقوانين والأنظمة في الأديان- قضيّة نهاية مسار قافلة البشريّة في هذه الدنيا. إنّ قضيّة ذلك العالم وتلك النشأة هي قضيّة أخرى، فهي قضيّة عالم الآخرة. إنّ من القضايا التي يُطرح حولها السؤال: إلى أين تذهب البشريّة؟ إذا شبّهنا المجتمع الإنسانيّ، على مرّ التاريخ، بقافلة تسير في مسار معيّن، سيُطرح هذا السؤال: إلى أين تسير هذه القافلة؟ ما هو مقصد هذه القافلة؟ إلى أين تنتهي هذه المسيرة؟ هذا سؤال جدِّيّ ويجب الإجابة عنه في أيّة رؤية كونيّة. وقد أجابت الأديان عن هذا السؤال. وإجابات المذاهب والمدارس الفكريّة غير الدينيّة ليست على شاكلة واحدة في هذا الصدد، لكنّ إجابة الأديان عن هذا السؤال واحدة ومتشابهة تقريباً، فلديها إجابة محدّدة. في حدود ما نعرفه عن الأديان الإلهيّة والأديان التي استُنسخت عن الأديان الإلهيّة -حتّى لو لم تكن هي نفسها إلهيّة، ولكن من الواضح أنّها استقت أصولها وقواعدها من الأديان الإلهيّة- تعتقد كلّها بأنّ هذه القافلة ستصل، في نهاية الطريق، إلى منزل منشود وصالح ومحبوب ومفرح.

وإذا أردنا التشبيه يجب القول إنّ مسافراً أو قافلة تعبر منعطفات صعبة ومعابر عسيرة وجبالاً وأوديةً ووحولاً وأشواكاً، وتقطع الطريق

 

34


26

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

من أجل أن توصل نفسها إلى نقطة معيّنة، فأين هي هذه النقطة؟ هذه النقطة هي طريق أو جادّة مهمّة مفتوحة أو طريق مستوية وسهلة. كلّ ما نشاهده في تاريخ البشريّة إلى اليوم هو مسيرة في طرق وعرة ومنعطفات صعبة ووسط أشواك جارحة ووحول ومستنقعات. وتسير البشريّة على هذا الدرب لتصل إلى تلك الجادّة، وتلك الجادة هي عصر المهدويّة ومرحلة (عصر) ظهور الإمام المهديّ المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف)[1].

 

آثار الاعتقاد بالمهدويّة

حينما يقوم الإنسان بالبحث على محورين في مسألة ولادة الإمام المهديّ والاعتقاد به(عجل الله تعالى فرجه الشريف) فسيشاهد آثاراً ونتائج مهمّة وكبيرة على هذا الصعيد:

 

المحور الأوّل: في التكامل الفرديّ لدى الإنسان:

الذي يؤمن بالمهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف) سيوفّق أكثر للحصول على وسائل الكمال الروحيّ والتقرّب إلى اللّه (سبحانه وتعالى)؛ لأنّه سيكون مرتبطاً ارتباطاً روحيّاً بمحور الألطاف الإلهيّة ومركز إشعاع رحمة الباري (عزّ وجلّ).

ولذا نرى أصحاب التوجّهات الروحيّة والمعنويّة يتوسَّلون دوماً في مناجاتهم وتوسُّلاتهم المعنويّة بهذا الإمام العظيم، فنفس الارتباط القلبي والتوجّه الروحيّ نحو ذلك الإمام الذي يُعتبر المظهر لرحمة وقدرة وعدل الباري (جلّ وعلا) يمنح الإنسان كمالاً روحيّاً ويهيّئ له وسيلة الصعود روحيّاً ومعنويّاً.

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ١١/٠٦/٢٠١٤م.

 

35


27

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

وهذه المسألة ذات أفق واسع جدّاً؛ لأنّ كلّ من يرتبط بقلبه وروحه بهذا الإمام المعصوم(عجل الله تعالى فرجه الشريف) سينال نصيبه من هذا الارتباط قطعاً. طبعاً يجب أن يكون ارتباطاً حقيقيّاً؛ لأنّ لقلقة اللسان لا تنفع كثيراً في هذا المجال. لو أنّ الإنسان توجّه بروحه ووفّر لنفسه معرفة كافية في هذا المجال فسيحصل على نصيبه من ذلك كما قلت.

إذاً، هذا المحور يمثِّل ساحة فرديّة واتجاهاً للتكامل الشخصيّ والمعنويّ للإنسان.

 

المحور الثاني: ساحة الحياة الاجتماعيّة العامّة وما يرتبط بمصير الشعوب والبشريّة بصورة جمعاء.

وفي هذا المجال أيضاً يُعتبر الاعتقاد بالمهديّ الموعود(عجل الله تعالى فرجه الشريف) وموضوع الظهور والفرج والانتظار كنزاً ثميناً تستطيع الشعوب والأمم أن تأخذ منه الكثير.

 

١- الأمل والمصير:

افترضوا أنّ هناك سفينة قد حاصرتها الأمواج في بحرٍ هائج، وركّابها لا يعتقدون بوجود شاطئ للأمان حتّى على بُعد آلاف الأميال، ولا يمتلكون من الطعام والماء ووسائل الحركة سوى الشيء اليسير، فكيف سيكون موقف ركّاب هذه السفينة؟ هل يمكن تصوّر أنّهم سيبذلون جهودهم من أجل قيادة هذه السفينة إلى الأمام؟ قطعاً لا؛ لأنّ الإنسان حينما يشعر بأنّ هلاكه

 

36


28

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

حتميّ فأيّ جهد ونشاط سيبذله؟ سيفقد كلّ أمل له في هذه الحالة.

فأحد الأمور التي يمكن لركّاب السفينة القيام بها هو أن ينشغل كلّ شخص منهم بما يخصّه.

فمن كان يحبّ الموت بهدوء يستلقي حتّى يأتيه الموت، ومَن كان من المعتدين على حقوق الآخرين سيسلب حقوق الركّاب الآخرين ليبقى حيّاً لساعات أخرى.

والصورة الأخرى هي أنّ ركاب هذه السفينة على يقين من وجود شاطئ، قريباً أو بعيداً، يمكنهم الوصول إليه، ولا يعلمون كم يبذلون من الجهد للوصول إليه، إلّا أنّهم على يقين من وجود ذلك الشاطئ وإمكانيّة الوصول إليه.

ففي مثل هذه الحالة ماذا سيصنع ركّاب تلك السفينة؟ طبعاً سيبذلون كلّ ما بوسعهم من أجل الوصول إلى شاطئ الأمان، وحتى لو منحوا ساعةً من الوقت فسيستثمرون تلك الساعة في الحركة والنشاط الصحيح والهادف ويتعاونون فكريّاً وجسديّاً لبلوغ الشاطئ.

إذاً، فللأمل مثل هذا الدور. فبمقدار ما يتواجد الأمل في قلب الإنسان سيجمع الموت شتاته ويرحل عن ذلك القلب؛ لأن الأمل يدفع الإنسان إلى الحركة والنشاط، ويجعله يتقدّم ويكافح ليبقى حيّاً.

افترضوا أنّ شعباً يرزح تحت سيطرة حكومة ظالمة وليس لديه أيّ أمل بالمستقبل، فسيضطّر إلى الاستسلام، ولو لم يستسلم فإنّه سيقوم

 

37


29

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

بأعمال عشوائيّة وغير هادفة، وأمّا إذا كان هناك أمل في قلب هذا الشعب ويعلم أنّ أمامه مستقبلاً مشرقاً، فماذا سوف يصنع؟ من الطبيعيّ أنّه سيكافح وينظِّم كفاحه ويزيل العقبات التي تعترض طريقه[1].

 

٢- عنوان مكافحة الظالمين

عانت البشريّة في حياتها الاجتماعيّة على مرّ التاريخ من المشاكل والصعاب التي وضعها الظلمة والمتسلِّطون على رقاب المظلومين في طريقها كـ(ركّاب) تلك السفينة.

إنّ الأمل يدفع بالإنسان لأن يكافح ويفتح الطريق ويتقدّم، فحينما يقال لكم انتظروا فهذا يعني أنّ الظروف التي تؤلمكم اليوم وتعتصر قلوبكم بسببها، آلامٌ ليست أبديّة، بل إنّها ستنتهي يوماً ما. فانظروا كم يكتسب الإنسان نشاطاً وحيويّةً من خلال هذه الفكرة، وهذا هو دور الاعتقاد بالإمام الحجَّة (صلوات اللّه عليه وأرواحنا له الفداء) الإيمان بالمهديّ الموعود، وهذه هي العقيدة التي جعلت الشيعة يتجاوزون كلّ تلك العقبات والمنعطفات العجيبة والغريبة التي اعترضت طريقهم إلى اليوم.

 

٣- سدّ الطريق أمام الاستكبار والاستعمار

من أهم خطط الاستعمار وأياديه هي القضاء على الاعتقاد بالأمل

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٠٨/٠٢/١٩٩١م.

 

38


30

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

والكفاح في قلوب أبناء الأمّة، فقد بذلوا الكثير من أجل إطفاء هذا النور، إلّا أنّهم لم يجنوا من خططهم تلك إلّا الفشل، ونحن على علم بحجم الجهود التي يبذلها الاستعمار -ليس في إيران فحسب، بل على مستوى العالم الإسلاميّ أجمع- من أجل إطفاء هذا النور.

إذاً، الاعتقاد بالمهديّ الموعود يُعتبر عقبة في طريق الاستعمار، في حين أنّ الاعتقاد بهذه المسألة لدى إخواننا من أبناء تلك المناطق ليس بوضوح الاعتقاد الذي نمتلكه اليوم، بل إنّ اعتقاد أولئك الإخوة يكتنفه كثير من الإبهام وفقدان الجزئيّات، ولم يتضمّن مسألة تحديد المصداق والاسم والخصوصيّات الأخرى.

وعلى الرغم من ذلك، انتاب المستعمرين الخوفُ من هذا الأمل الذي كان موجوداً لدى الناس هناك[1].

 

٤- عدم الخضوع للقوى المتسلّطة

إنّ الاعتقاد بالمهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف) يُعتبر حائلاً أمام استسلام أبناء الأمّة؛ شريطة أن يُفهم هذا الاعتقاد بالشكل الصحيح، فحينما تترسّخ هذه الحقيقة بصورة حقيقيّة في القلوب سيشعر الناس بتواجد الإمام الغائب فيما بينهم.

فبالرغم من أنّ الإمام العظيم والعزيز والمعصوم وقطب رحى الوجود ما زال غائباً ولم يظهر إلى الآن إلّا أنّه حاضر بيننا، وهل

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٠٨/٠٢/١٩٩١م.

 

39


31

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

يمكن أن لا يكون حاضراً؟ فالمؤمن يشعر بهذا الوجود والحضور بقلبه ووجوده، والمؤمنون حينما يجتمعون ويناجون ويقرأون دعاء الندبة بحضور قلب، ويقرأون زيارة آل ياسين ويضجّون بالبكاء فإنّهم في تلك اللحظات يدركون ما يقولون ويشعرون بحضور ذلك الإمام العظيم، وإن كان لا زال غائباً.

فغيبته لا تنفي الشعور بحضوره وتواجده، صحيح أنّه لم يظهر ولكنّه حاضر ومتواجد في القلوب وفي صميم حياة الشعب، وهل يمكن أن لا يكون حاضراً؟ الشيعيّ المؤمن هو الذي يشعر بهذا الحضور ويشعر بحضوره بين يديه(عجل الله تعالى فرجه الشريف). وهذا الشعور يبعث في الإنسان الأمل والنشاط.

وشعبنا العظيم الذي يجاهد ويكافح في سبيل اللّه ومن أجل عظَمة الإسلام، وأصبح مفخرة لتاريخ البشريّة والإسلام، ورفع راية الإسلام خفّاقة في هذا العصر، مثل هذا الشعب بحاجة إلى هذا الأمل المشرق أكثر من أيّ شيء آخر، والاعتقاد بالمهديّ الموعود هو الذي يبعث فيه هذا الأمل.

فالشعب الذي يؤمن باللّه ويعتمد عليه سبحانه وتعالى، والشعب الذي يمتلك الأمل بالمستقبل، والشعب الذي يرتبط بما وراء الغيب، والشعب الذي أشرقت في قلبه شمس الأمل بالمستقبل وبالحياة وبالإمداد الإلهيّ، هذا الشعب لن يستسلم ولن يخاف أبداً، ومثل هذه الصيحات الخافتة لن تبعده عن ساحة المواجهة.

وهذه هي خصوصيّة الجانب المعنويّ للاعتقاد بالإمام المهديّ (عليه آلاف التحيّة والثناء)، فالاعتقاد بإمام العصر(عجل الله تعالى فرجه الشريف) له هذا المستوى

 

40


32

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

من التأثير العظيم سواء في باطن الإنسان أو في حركة المجتمع حاضراً ومستقبلاً، ولذا يجب معرفة قيمة وأهميّة هذا الإيمان وهذا الاعتقاد[1].

 

٥- مداواة للآلام المعنويّة والروحيّة والاجتماعيّة

هذا المولد العظيم وهذه الذكرى العظيمة ينبغي أن تلهمنا الدرس. إنّ العواطف مطلوبة؛ إذ إنّها تمثِّل السند والعماد لكثير من الأعمال الخيِّرة والصالحة لأبناء البشريّة، والإيمان والاعتقاد القلبيّ بوجود هذا المنقذ العظيم للعالم علاج ناجع لكثير من الأمراض والمشاكل المعنويّة والروحيّة والاجتماعيّة، إلّا أنّنا يجب أن نستلهم الدرس من هذه الذكرى والواقعة العظمى.

في كلّ عام تُقام هذه المهرجانات وتُعطَّر القلوب، فإذا أصبحت الدروس العميقة -التي تكمن في إحياء هذه الذكرى- خير معلّم لنا في مجال إصلاح سلوكنا وتصرّفاتنا، فإنّ تقدُّم مجتمعنا صوب تحقيق الكمالات سوف يكون سهلاً وسريعاً[2].

 

٦- تحرّك العالم نحو الصلاح والآفاق المضيئة

إنّ أحد الدروس هو أن يذعن الجميع ويعتقد بأنّ حركة العالم تتّجه نحو الإصلاح وصوب الآفاق الرحبة. دعُوا مستكبري العالم يقولوا ما يشاؤون، ويتشدّقوا ويتظاهروا بقدراتهم، إلّا أنّ جيش الحقّ والحقيقة، والقافلة التي تقود البشريّة صوب تحقيق العدل، تشهد يوماً بعد آخر كثرة وازدياداً. إنّ مضيّ الأعوام وانصرامها لا يمكن أن يزيل

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٠٨/٠٢/١٩٩١م.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢٢/٨/١٣٧٩ هـ.ش (١٢/١١/٢٠٠٠م).

 

41


33

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

٨- القضاء على بنيان الظلم في العالم

فقدان العدالة أكبر همّ تعانيه البشريّة اليوم؛ إذ مارست أنظمة الظلم والجَور في أرجاء العالم الإجحاف بشتّى صوره بحقّ الإنسانيّة، وأرهقت البشريّة بضغوطها وسلبتها حقوقها الطبيعيّة. بيد أنّ الأمر تفاقم اليوم أكثر ممّا مضى من التاريخ، والإنسان إنّما ينشد إزالة هذا الواقع وينتظره من ظهور المهديّ الموعود. فالقضيّة هي طلب للعدالة وأنّ أوّل درس نستقيه من هذا الموضوع هو تدمير صرح الظلم على المستوى العالميّ، وهو ليس ممكناً فحسب، بل حتميّ، وأنه لأمر في غاية الأهميّة أن لا تتصوّر الأجيال البشريّة المعاصرة استحالة فعل شيء في مواجهة الظلم العالميّ، إذ إنّنا حينما نتحدّث الآن مع الشخصيّات السياسيّة في العالم حول الظلم الذي تمارسه مراكز القدرة في العالم والنظام الدوليّ الجائر -الذي يسود العالم بأسره ويتزعمه الاستكبار- نراهم يقولون: نعم صحيح ما تقولون، وإنّ هؤلاء يمارسون الظلم حقّاً، ولكن من المتعذّر فعل شيء؛ أي أنّ طائفة كبيرة من الشخصيّات السياسيّة التي تمسك أيضاً بزمام الأمور على المستوى العالميّ قد استحوذ عليها اليأس والقنوط، وبدورهم يفرضون على شعوبهم هذا اليأس والقنوط ويبدِّدون آمالهم في القدرة على تغيير الخارطة الشيطانيّة الظالمة لعالم اليوم. ومن الطبيعيّ أنّ اليائسين يعجزون عن القيام بأيّة حركة في طريق الإصلاح[1].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٣٠/٧/١٣٨١ هـ.ش (٢٢/١٠/٢٠٠٢م).

 

43


34

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

٩- تغذية وريّ القلوب بنور الأمل

ما يدفع البشر نحو العمل والحركة هو النور وقوّة الأمل.

إنّ الإيمان بالمهديّ الموعود يملأ القلوب بنور الأمل، ولا معنى لهذا اليأس الذي يستحوذ على الكثير من النخب في هذا العالم. بالنسبة لنا نحن المؤمنين بالظهور الحتميّ للمهديّ الموعود(عجل الله تعالى فرجه الشريف) في المستقبل فنحن نقولها : كلّا، بالإمكان تغيير الخارطة السياسيّة للعالم وبالإمكان مقارعة الظلم ومراكز القوّة، وهذا المعنى ليس ممكناً فقط في المستقبل بل هو حتميّ وإذا ما آمن شعب بإمكانيّة تغيير الخارطة الشيطانيّة الظالمة القائمة اليوم في العالم تملّكته الشجاعة والشعور بأنّ يد القضاء لم تكتب بشكل محتوم هيمنة الظالمين إلى الأبد، ولدى بني الإنسان القدرة على السعي لرفع راية العدل ولو في ربوع بقعة محدودة. انظروا ما الذي سيحدث في العالم وكيف سيعمّ الوعي الشعوب فيما لو غرست شعوب العالم -الرازحة الآن تحت نير الظلم والجور- في قلوبها الأمل بإمكانيّة مقارعة الظلم فلقد ابتُلي الشعب الإيرانيّ بهذا اليأس يوم كان رازحاً تحت هيمنة نظام طاغوتي. بيد أنّ إمامنا العظيم وببركة التعاليم الإسلاميّة بدّد هذا اليأس عن القلوب ومنح الجماهير الأمل والشجاعة فكانت النتيجة أن هبّ الشعب ونهض مقتحماً الشدائد وخاض الكفاح باذلاً المهج واستطاع مقارعة عناصر الظلم ونظام الجور والشيطنة في هذه البقعة من العالم ومن ثَمَّ إسقاطه واقتلاعه[1].

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٣٠/٧ /١٣٨١ هـ.ش (٢٢/١٠/٢٠٠٢م).

 

44


35

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

١٠- اجتناب التحجُّر والانزواء وعدم الاكتفاء بنصح الحكّام

الدرس الآخر الذي ينبغي أن يعلّمنا إيّاه الاعتقاد بالمهدويّة وأعياد النصف من شعبان هو أن العدالة التي ننتظرها، عدالة الإمام المهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف) التي تشمل العالم بأسره، لا تتأتّى عبر الموعظة والنصيحة؛ أي أنّ المهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف) موعود الأمم لا يأتي ليقدِّم النصح للظلمة في العالم ليكفّوا عن ظلمهم وأطماعهم وسلطويّتهم واستغلالهم، فالعدالة لا تتحقّق في أيّة بقعة من العالم عن طريق لغة النصح وإنّما إقرار العدل على ربوع المعمورة -بالنحو الذي سيُرسيه وارث الأنبياء- أو في أيّ من بقاع العالم يحتاج إلى أن يمسك العادلون والصالحون ودعاة العدل من الناس بالقوّة ويخاطبوا الجبابرة بلغة القوّة، فلا يصحّ الحديث بلغة النصح مع الذين أسكرتهم قوّتهم الغاشمة بل يجب مخاطبتهم بلغة القوّة، فلقد ابتدأ الأنبياء دعوتهم بلغة النصح غير أنّهم لمّا استطاعوا استجماع وتجهيز أنصارهم أخذوا يخاطبون أعداء التوحيد وأعداء البشريّة بلغة القوّة.

لاحظوا في هذه الآية القرآنيّة التي تتحدّث عن القسط وتقول إنّ الله سبحانه وتعالى بعث النبيّين }لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ{[1] فإنّها تقول مباشرة }وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ{[2]؛ أي أنّ الأنبياء بالإضافة إلى دعوتهم باللسان فإنّهم يواجهون الأقوياء والعتاة المدجّجين بالسلاح والمتغطرسين والسلطويّين الفاسدين ويقارعونهم فالنبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) عندما حلّ في المدينة وأقام النظام الإسلاميّ كان يتلو

 

 


[1] سورة الحديد، الآية ٢٥.

[2] الآية نفسها.

 

45


36

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

على الناس آيات القرآن ويوصلها إلى مسامع الأعداء أيضاً، لكنّه لم يكتفِ بذلك فلا بدّ لأنصار العدالة من التزوُّد بالقوّة في مواجهة المتعسّفين والطامعين والمعتدين على حقوق الإنسان؛ لذا فإنّكم تشاهدون أعداء الإسلام ومنذ اليوم الأول لقيام النظام الإسلاميّ؛ أي الإسلام المعزّز بقدرات شعب عظيم وإمكانيّات بلد ودولة كبيرة، قد أخذوا على محمل الجدّ حركة الإسلام وكذلك فإنّ التوّاقين للإسلام وأنصاره في كافّة أرجاء الدنيا قد عمّهم الأمل.

 لقد اقتحم الكثير من الأنبياء الميدان المقدّس للجهاد والحرب }وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ{[1]، وإنّ الذين يتوهّمون أنّ على الإسلام أن ينزوي وعلى رجاله التوسُّل بمنطق النصح فقط إنّما هم يردِّدون عن علم أو جهل ما تصبو إليه دوائر السلطة العالميّة وتريده فدوائر الهيمنة الاستكباريّة لا يرهبها أن يقبع زعماء الإسلام في زوايا العالم ويبادروا بين الفينة والأخرى لإصدار بيان أو تصريح -كما يفعل أحبار المسيحيّة في إصدار بيان وإسداء موعظة التفوه بكلمة في أيّ

 

 


[1] سورة آل عمران، الآية ١٤٦.

 

46


37

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

من القضايا- فهم يعلمون بأنّ ذلك لا يُشكِّل خطراً بالنسبة إليهم، بل إنّهم يرهبون ويخافون أن يستيقظ المسلمون ويقيموا حكومة واحدة وأن يتجسّد الإيمان الدينيّ لدى أبناء الأمّة في إطار نظام واحد ودولة واحدة وحكومة واحدة. ولقد خطا النظام الإسلاميّ والشعب الإيرانيّ المسلم الخطوة العملاقة في هذا الدرب وبفضل جهاد شباب هذا الشعب والمؤمنين من رجاله ونسائه برز الإسلام كقوّة على الصعيد العالميّ، وكلّما استطاعت هذه القوّة أن تزداد ثباتاً ورسوخاً تضاعف الخطر الذي يهدّد النظام الظالم والشيطانيّ في العالم.

يتحدّث بعضهم دون وعي عن فصل الدين عن السياسة، بمعنى دفعهم الدين إلى أقبية الانعزال وأن يكتفي المتديِّن بالنصيحة فقط. إنّ النصيحة هنا لا تقوى على فعل شيء، وإنّ ما يقوى على كبح جماح القوى الكبرى وتهديدها ومقاومة الظلم والفساد واستئصالهما أو زعزعتهما هو القدرة الإلهيّة والإسلاميّة وما يتمتع به الحاكم الإسلاميّ من اقتدار سياسيّ، وإمام الزمان (أرواحنا فداه) -وبفضل ما يتمتع به من اقتدار وقوّة ومنعة يرفده بها إيمانه السامي وإيمان أتباعه وأنصاره- يتوجّه نحو الظالمين الدوليّين ليقضي عليهم ويحطّم قصور الجور[1].

 

١١- بناء الذات، الوعي والبصيرة لدى المنتظرين

ومن الدروس الأخرى المستقاة من الإيمان بالمهديّ ومن احتفالات النصف من شعبان بالنسبة لي ولكم هو أنّه بالرغم من أنّ الإيمان بالمهديّ (أرواحنا فداه) يمثّل غاية سامية لا يتطرّق إليها الشكّ، ولكن يجب أن لا

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٣٠/٧/١٣٨١ هـ.ش (٢٢/١٠/٢٠٠٢م).

 

47


38

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

تنتهي القضيّة عند حدود بُعد التمنّي فيها -أي تبقى طموحاً قلبيّاً أو تتّخذ طابعاً احتفاليّاً أو تتردّد على اللسان على أحسن تقدير- كلّا فهي أمنيّة لا بدّ من أن يردفها العمل فالانتظار الذي تحدّثوا عنه ليس الجلوس وذرف الدموع، بل الانتظار إنّما يعني وجوب إعداد أنفسنا جنوداً لإمام الزمان(عجل الله تعالى فرجه الشريف) فالجنديّة عند إمام الزمان ليست بالأمر الهيّن، بل الجنديّة عند منقذٍ عظيمٍ يصبو لمقارعة دوائر الهيمنة والفساد الدوليّين تحتاج إلى بناء ذات ووعي وبصيرة. وبعضٌ يتَّخذون هذا المعتقد وسيلة لتخدير أنفسهم أو الآخرين وإنّه لخطأ فينبغي أن لا يراودنا التصوُّر أنّه بما أنّ إمام الزمان سيأتي ويملأ الدنيا عدلاً وقسطاً فلا تكليف علينا الآن. كلّا، بل العكس؛ إذ إنّنا مكلّفون الآن بالتحرُّك باتجاه الاستعداد لظهوره(عجل الله تعالى فرجه الشريف). ولقد سمعتم فيما مضى أنّ هنالك أناساً كانوا من المنتظرين، فكانوا يحملون سيوفهم على الدوام وهذا فعل استعراضي معناه أن على الإنسان بناء ذاته علميّاً ونظريّاً وعمليّاً والتأهّب للمشاركة في ميدان العمل والجهاد[1].

 

١٢- المدد الغيبيّ والقدرة المضاعفة

لقد كنا نشاهد -أيّام الدفاع المقدَّس- اعتقاد أبنائنا المؤمنين بالإمدادات الغيبيّة وألطاف وليّ العصر(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، فقد كانوا يوظّفون هذا الإيمان وقوّة الجنان، وبذلك تتضاعف قواهم ويمضون قُدُماً.

وطبعاً، لا يذهب التوهّم بأحد إلى أنّ الإمداد الغيبيّ يعني جلوس الإنسان في زاوية من داره وغلق الأبواب على نفسه منتظراً تَدَخّل

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٣٠/٧/١٣٨١ هـ.ش (٢٢/١٠/٢٠٠٢م).

 

48


39

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

الغيب لإسعافه؛ فإنّ الغيب إنّما يتدخّل في ساحة القتال وميادين الصراع السياسيّ وفي ظلِّ صمود الشعوب؛ للشدِّ على أفئدة أبنائها وفقاً لقوله تعالى: }وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم{[1] [2].

 

١٣- تلبية حاجة الشعوب المعنويّة والقلبيّة إلى المهدويّة

يُعتبر يوم ميلاد الإمام المهديّ المنتظر(عجل الله تعالى فرجه الشريف) عيداً حقيقيّاً للبشريّة جمعاء، ولأولئك الذين ظُلِموا أو عُذِّبوا، أو الذين حُرقت قلوبهم، أو سالت دموعهم، أو الذين عاشوا الانتظار، وأولئك الذين تحمّلوا الآلام طوال حياتهم في أيّ بقعة من العالم وفي أيّة فترة من التاريخ البشريّ، كلّ هؤلاء شعروا بالفرح والسرور والأمل في مثل هذا اليوم وفي ذكرى هذا اليوم.

إنّ هذا الميلاد الكبير وهذه الحقيقة العظيمة لا تختصّ بأمّة معيّنة ولا بفترة زمنيّة محدّدة، بل تخصّ البشريّة جمعاء؛ لأنّ هذه الحقيقة هي ميثاق اللّه الذي أخذه ووكّده، ميثاق اللّه مع الإنسان، وهي وعد اللّه الذي ضمنه.

وقد شعرت البشريّة على طول التاريخ بالحاجة المعنويّة والقلبيّة لهذه الظاهرة العظيمة والعجيبة؛ لأنّ التاريخ البشريّ منذ البدء وإلى اليوم وحتّى إشراقة تلك الشمس امتزج بالظلم والشر والفساد، وأنّ

 

 


[1] سورة آل عمران، الآية ١٢٦.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢٩/٦/١٣٨٤ هـ.ش (٢٠/٩/٢٠٠٥م).

 

49


40

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

الأمل يدبُّ في قلوب المظلومين -سواء أولئك الذين تعرّضوا للظلم مباشرة أو الذين تحمّلوا الآلام لمشاهدتهم مظلوميّة الآخرين- حينما تُذكَر ولادة ذلك المنقذ العظيم الذي سينقذ التاريخ والبشريّة.

 

١٤- العدالة؛ الهدف والمقصد

والخاصيّة الأساسيّة لهذا الهدف أو المقصد هي «العدالة»، العدالة مطلب عامّ للبشريّة منذ فجر تاريخها وإلى اليوم وإلى آخر يوم من عمرها. إنَّ الذين يحاولون في مرتكزاتهم وأفكارهم وأصولهم أن يجنحوا إلى التنويع والتغيير والتحوّل وما إلى ذلك، لا يمكنهم إنكار أنّ من أهمّ مطالب الإنسانيّة منذ يومها الأول وإلى اليوم هو «العدالة». البشريّة تنشد العدالة، ولم تغضّ الطرف يوماً عن هذا المطلب، وسوف يتحقّق هذا المطلب في نهاية المطاف، وقد ورد في آثارنا: «يملَأُ الله بِهِ الأرضَ قِسطاً وعَدلاً كما مُلِئَت جَوراً وظُلماً»[1] في معظم النصوص «كما مُلِئَت» وفي بعض النصوص «بَعدَ ما مُلِئَت»- وهذه إجابة كلّ الأديان. في الواقع إنَّ كلّ واحد من أبناء البشر يعلم إلى أين ستُفضي هذه المسيرة العامّة للبشريّة[2].

 

١٥- المجتمع المهدوي يتمتع بقوّة الجَنان[3]

إنّ المجتمع المؤمن بالمهدويّة يتمتّع بقوّة الجَنان، وقوة الجَنان هذه في غاية الأهميّة للشعوب. عليكم أن تَعُوا أنّ استيلاء الاستعمار على الشعوب الإسلاميّة كان بعد أن أفرغ جَنانها من هذه القوّة، ممّا

 


[1] بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج٣٨، ص١٢٦.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ١١/٠٦/٢٠١٤م.

[3] المراد بالجَنان القلب.

 

50


41

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

أشعرها بالضعف وفقدان الثقة بقدرتها وهكذا هو الوضع حاليّاً. إنّنا في علاقاتنا السياسيّة والدبلوماسيّة مع العالم نرى بأعيننا أنّ من أكبر أساليب الاستكبار العالميّ هي محاولتهم إخافة المسؤولين في مختلف البلدان، وخاصّة البلدان الإسلاميّة، وإشعارهم بأنّه لا مُعين لهم ليذهب بهم التصوّر إلى أنّه لا سبيل لهم إلّا الرضوخ للولايات المتّحدة مثلاً. إنّ هذا الشعور بالضعف بلاءٌ مُبرَم. فالشعوب تقعد عن الحركة بسبب شعورها بالضعف؛ وهكذا أُركن الشعب الفلسطينيّ إلى السكون لعقودٍ من الزمن بسبب إحساسه بالضعف، وحينما أدرك الشعب الفلسطيني أنّه قادر بادر إلى الثورة، وحقّق كلّ هذه النجاحات بفضل هذه الثورة. صحيح أنّه يعاني إلّا أنّ هذا العناء مصحوب بالتقدّم. هناك فرق بين الشعب الخانع الذي لا يتلقّى الصفعات، إلا أنّه في تخلّف مستمرّ، ويزداد بؤساً وخنوعاً يوماً بعد يوم، ولكنّه سعيد من عدم تلقّي الصفعات، وبين ذلك الذي يتحمّل الصعاب ويتعثّر بالعقبات ويتضمّخ بالدماء، ولكنّه يتقدّم في طريق النجاح والسعادة والاعتزاز. لقد تسلّح الشعب الفلسطينيّ بالأمل، وهو آخذ حاليّاً بالتقدّم، وما دام هذا التقدّم قائماً، فإنّه سيؤدّي إلى فتح أبواب الفرج أمامه، وسيقطعون الطريق بالتدريج حتّى يصل -إن شاء الله- لأهدافه النهائيّة. إنّ الشعور بالضعف شعور خطير وسمٌّ زعاف. إنّ من جملة بركات الاعتقاد بالمهدويّة شعور الإنسان بالاطمئنان والجَلَد والقوّة. وهذا هو ما عليه شعبنا ولله الحمد[1].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٣٠/٧/١٣٨١ هـ.ش (٢٢/١٠/٢٠٠٢م).

 

51


42

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

البحث في القضيّة المهدويّة

 

١- الأساس في مصادر القضيّة المهدويّة

قضيّة القرآن الكريم والحديث قضيّة على جانب كبير من الأهميّة. وفي قضيّة المهدويّة وما يرتبط بها -كقضيّة الانتظار، وقضيّة طول العمر، وقضيّة فترة الحكم، وقضيّة الواجبات المترتِّبة على منتظريه، وباقي الأمور والقضايا في هذا النطاق- هي الحديث وما رُوي عن الأئمّة(عليهم السلام)ممّا لا يُبقي مجالاً للشكّ والتردّد، وهذا هو أهمّ شيء. إنّني أعتقد أنّ الشواهد العقليّة والاعتباريّة يمكن النظر إليها باعتبارها مؤيّدات، لكنّ الشيء الحاسم والقاطع هو المصادر الروائيّة والحديثيّة والقرآنيّة، والتي يجب الاعتماد عليها والاستفادة منها. طبعاً، يجب تنقيحها، وعدم الاعتماد على الكلام الضعيف. وإنّ ما نملكه من كلام قويم متين ليس بالقليل، فالكلام القويّ والرصين والركائز الفكريّة المتينة -والحمد لله كثيرة جدّاً في هذا المضمار- ويمكن الاعتماد عليها والانتفاع منها[1].

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ١١/٠٦/٢٠١٤م.

 

  52


43

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

٢- العمل العلمي والموثّق

بحمد الله، ثمّة اليوم من يقوم بأعمالٍ علميّة. فلا ينبغي الغفلة عن هذه الأعمال العلميّة المتلازمة مع الدقّة بما يتعلّق بقضيّة الانتظار وقضيّة عصر الظهور. ويجب اجتناب عمل العوامّ والجهلة بشدّة؛ فمن الأشياء التي يمكن أن تُشكّل خطراً كبيراً مثل هذه الأعمال التي هي بعيدة عن المعرفة، ولا ترجع إلى سندٍ ومدركٍ بما يتعلّق بقضيّة إمام الزمان(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، وهو ما سيُشكّل فرصة مناسبة للأدعياء الكاذبين. فالأعمال غير العلميّة وغير الموثّقة والتي لا تعتمد على المصادر المعتبرة هي أوهامٌ وخيالاتٌ صرفة، ومثل هذه الأمور تُبعد الناس عن حالة الانتظار الحقيقيّة، وتُهيّئ الأرضيّة للأدعياء الكاذبين والدجّالين؛ فيجب اجتناب هذه الأمور بشدّة.

على مرّ التاريخ ظهر مدّعون؛ بعض المُدّعين قاموا بتطبيق إحدى العلامات على أنفسهم أو على أحد الأشخاص، وكلّ هذه أخطاء. إنّ بعض الأشياء التي ترجع إلى علامات الظهور ليست قطعيّة، وهي أمورٌ لم ترد في الروايات المعتبرة التي يمكن الاعتماد عليها، وهناك روايات ضعيفة لا يصحّ الاستناد إليها، وتلك الموارد التي يمكن الاستناد إليها لا يُمكن تطبيقها بسهولة. لقد وُجد دوماً من كان يُطبّق هذه الأشعار الصادرة عن شاه نعمة الله وليّ على مرّ السنين وفي موارد عديدة على أشخاصٍ مختلفين على مرّ القرون وهذا ما شاهدته بنفسي؛ قد يأتي شخص ويقول لقد رأيتُ رجلاً بطريقة ما؛ وما قد رآه في الواقع هو شخص ما. ثمّ يأتي زمان آخر -لنفرض بعد مئة سنة- فيجد شخصاً آخر ينطبق عليه الأمر نفسه! هذا خطأٌ وهذه أعمالٌ مُضلّة وتُوقع في الأخطاء. فعندما يقع

 

53


44

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

الانحراف والخطأ فسوف تُهجر الحقيقة ويُشتبه الأمر فيها، وتتهيّأ الوسيلة لإضلال أذهان الناس. لهذا ينبغي اجتناب عمل العوامّ والاستسلام للشائعات العامّيّة بشدّة، وليكن العمل علميّاً قويّاً موثّقاً بالمدارك والأسانيد، وهو بالطبع عمل أهل هذا الفنّ، وليس عمل أيّ إنسان، بل ينبغي أن يكون من أهله ومن أهل الحديث والرجال والأسانيد، ومن أهل الفكر الفلسفيّ؛ فليعلم ويتعرّف إلى الحقائق وعندها يمكن أن يدخل في هذا الميدان ويقوم بالأعمال التحقيقيّة. ويجب الاعتناء بجدّيّة في هذا القسم من العمل مهما أمكن لكي يُفتح الطريق بمشيئة الله أمام الناس، وكلّما استأنست القلوب بمقولة المهدويّة وتعرّفت إليها وأضحى حضور هذا العظيم بالنسبة لنا نحن الذين نعيش في عصر الغيبة، محسوساً أكثر ونشعر به أكثر ويتعمّق ارتباطنا به، فسيكون أفضل بالنسبة لعالمنا ولتقدّمنا نحو تلك الأهداف[1].

 

٣- هذا العمل مسؤوليَّتنا

إنّ جميع الأديان الإلهيّة تقريباً إلى الحدّ الذي وصلت إليه دراساتنا، لديها ما يُمثّل اللبّ والمعنى الحقيقيّ للمهدويّة، لكن بأشكالٍ تمّ تحريفها وأشكالٍ مُبهمة بدون أن يتّضح المراد منها بالدقّة[2].

إنّ قضيّة المهدويّة في الإسلام من المسلّمات وهي لا تختصّ بالشيعة. فإنّ جميع المذاهب الإسلاميّة تقبل بأنّ غاية العالم عبارة عن إقامة حكومة الحقّ والعدل على يد المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف). فقد تمّ نقل رواياتٍ معتبرة بطرقٍ مختلفة في المذاهب المتعدّدة عن النبيّ الأكرم والأجلّاء. لهذا، لا يوجد في ذلك أيّ شكٍّ. غاية الأمر أنّ امتياز الشيعة

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ١٨/٤/١٣٩٠ هـ.ش (٩/٧/٢٠١١م).

[2] المصدر نفسه.

 

54


45

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

في هذا الأمر أنّ قضيّة المهدويّة عندهم لا يعتريها الإبهام، وليست مسألة معقّدة يصعب على الناس فهمهما، بل هي مسألة واضحة ولها مصداقٌ واضح نعرفه، ونعرف خصائصه ونعرف آباءه وأُسرته وولادته وتفاصيل أخباره. وفي مثل هذه المعرفة لا ينحصر الأمر بروايات الشيعة، فهناك رواياتٌ جاءت عن طرقٍ غير شيعيّة توضّح لنا مثل هذه المعرفة، ويجب على أتباع المذاهب الأخرى أن يلتفتوا ويدقّقوا حتّى تتّضح لهم هذه الحقيقة. لهذا، إنّ أهميّة المسألة هي بهذا المستوى ونحن أولى من الآخرين أن ننهض لمعالجتها، ويجب القيام بالأعمال العلميّة والدقيقة والمتقنة على هذا الصعيد[1].

 

ادعاءات في المهدويّة

 

ككلّ الحقائق التي تتحوّل في فترات معيّنة من الزمن إلى ألعوبة بيد الانتهازيّين، تتحوّل هذه الحقيقة أيضاً إلى ألعوبة بيد الانتهازيّين والنفعيّين بعض الأحيان. هؤلاء الذين يطلقون ادعاءات غير واقعيّة -ادعاء رؤيته، وادعاء لقائه، بل وبنحو خرافيّ تماماً ادعاء الاقتداء به في الصلاة -وهي ادعاءات مخجلة حقّاً تُعَدّ إضافات باطلة قد تشوب هذه الحقيقة الناصعة في أعين وقلوب الناس الطيّبين.. ينبغي عدم السماح بذلك. ليتفطّن كلّ أبناء الشعب إلى أنّ ادعاءات الاتصال والارتباط واللقاء بالإمام المهديّ وتسلُّم الأوامر منه لا يمكن تصديقها أبداً. كبراؤنا، ومبرّزونا والشخصيّات العظيمة التي تزيد لحظة واحدة من أعمارهم أيّاماً وشهوراً وسنوات على أعمار أمثالنا، لم يدَّعوا هكذا ادعاءات. قد تنالُ عينا أو فؤاد إنسان سعيد إمكانيّة الاكتحال بأنوار ذلك الجمال المبارك، لكنَّ هؤلاء لا يطلقون ادعاءات وأقوالاً ولا يفتحون

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ١٨/٤/١٣٩٠ هـ.ش (٩/٧/٢٠١١م).

 

55


46

الفصل الأول: العقيدة المهدوية

لأنفسهم دكاكين. الذين يفتحون لأنفسهم دكاكين بهذه الطريقة يمكن للمرء أن يقطع ويتيقّن بأنّهم كاذبون مفترون. ينبغي إبعاد هذه العقيدة الواضحة الساطعة عن هذه الآفة[1].

 

خطّة الشاه المشؤومة في طمس القضيّة المهدويّة

 

وفي بلادنا هذه نقل لي أحد كبار العلماء المحترمين -والذي ما يزال على قيد الحياة والحمد للّه وينعم ببركة وجوده أبناء شعبنا- أنّه في أوائل وصول رضا شاه البهلوي إلى الحكم -ذلك المتآمر الجاهل والفاقد لكلّ معنويّة ومعرفة- استدعى رضا شاه أحد علماء البلاط العملاء وسأله: ما هي قضيّة الإمام صاحب الزمان التي خلقت لنا كلّ هذه المشاكل؟ ويجيب ذلك العالم العميل بما يرضي ميل ورغبة الشاه، ثمّ يقول له الشاه: اذهبوا وانهوا هذه المسألة وأخرجوا هذا الاعتقاد من قلوب الناس، فيجيبه واعظه العميل، إنّ الأمر ليس بهذه السهولة وتعترضه كثير من المشاكل، ويجب علينا إعداد مقدّماته والبدء به تدريجيّاً، طبعاً هذه المقدّمات أُجهضت في تلك البرهة من الزمان بفضل اللّه تعالى وببركة وعي العلماء الربّانيّين والواعين من أبناء البلد.

إذاً، ففي بلادنا أوكلت الدوائر الاستكباريّة إلى شخص متآمر غاصب مهمّة السيطرة على إيران وثرواتها ومن ثَمَّ تقديمها بالكامل للدول الاستعماريّة.

وقد كانت إحدى وسائل سيطرة ذلك الظالم على أبناء الشعب هي القضاء على الاعتقاد بالإمام المهديّ الموعود في أذهان الناس[2].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢٥/٧/١٣٨٧ هـ.ش (١٦/١٠/٢٠٠٨م).

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٠٨/٠٢/١٩٩١م.

 

56


47

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

تلازم الانتظار والقضيّة المهدويّة

 

قضيّة الانتظار قضيّة لا تنفكّ عن قضيّة المهدويّة. فالانتظار من المصطلحات المفتاحيّة الأساس لفهم الدين والحركة الأساس والعامّة والاجتماعيّة للأُمّة الإسلاميّة نحو الأهداف الإسلاميّة السامية؛ الانتظار يعني الترقُّب، يعني ترصّد حقيقة قطعيّة؛ الانتظار يعني ذاك المستقبل الحتميّ والقطعيّ، وخاصّة انتظار موجود حيّ وحاضر، فهذه مسألة في غاية الأهميّة. فلا يُكتفى بالقول إنّ هناك من وُلِد ووُجِد؛ كلّا، فهذا الموجود له حضور بين الناس. وفي الروايات أنّ الناس يرونه وهو يرى الناس ولكن لا يعرفونه. وفي بعض الروايات شُبّه بالنبيّ يوسف الذي كان يراه إخوته وكان بينهم وجلس مجلسهم ولكنّهم لم يعرفوه. فهو حقيقة بارزة واضحة ومستنهضة؛ هذا ما يُعين على فهم معنى الانتظار. فهذا الانتظار ممّا تحتاج إليه البشريّة والأُمّة الإسلاميّة بطريقٍ أولى. هذا الانتظار يضع على عاتق الإنسان تكليفاً. فعندما يكون الإنسان على يقين من مثل هذا المستقبل كما جاء أيضاً في الآية القرآنية ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عباديّ الصَّالِحُونَ﴾[1]،﴿إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾[2]، فمن كان من أهل العبوديّة لله يفهم وعليه أن يُهيّئ نفسه ويكون مُنتظراً وُمترصّداً[3].

 

 


[1] سورة الأنبياء، الآية ١٠٥.

[2] سورة الأنبياء، الآية ١٠٦.

[3] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ١٨/٤/١٣٩٠ هـ.ش (٩/٧/٢٠١١م).

 

59


48

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

من صفات المنتظرين

 

١- التوجّه نحو المعنويّات

في أيّ موضع من العالم تجد اليوم شباباً يسحقون شهواتهم المادّيّة ويتّجهون نحو الآفاق المعنويّة؟ مثل هذا العدد الهائل على هذه الشاكلة ومن أبناء جيل واحد، لا نظير لهذا التوجُّه المعنويّ وبهذا الزخم، في العالم كلّه إلّا على هذه الأرض.

كان بعضهم يتصوّر أنّ هذه الظاهرة تختصّ بفترة الحرب! صحيح أنّ ظروف فترة الحرب كانت أكثر خصوبة، وكانت إفرازاتها في هذا الجانب أسمى وأبرز، لكنّ هذه الظاهرة غير مختصّة بفترة الحرب، بل هي مشهودة اليوم أيضاً. فالشبّان الخيّرون المؤمنون من أبناء حزب اللّه قد سحقوا شهواتهم النفسيّة وتجاوزوا مطامع المال والثروة -وإن وُجد بعض آخر ممّن يلهث وراء هذه المغريات، ويلوّثون الأجواء- وساروا بكلّ ورع وهمّة وبصيرة غير آبهين لأمثال هذه الزخارف. وأمثال هؤلاء يقتصر وجودهم على هذا البلد. إذاً، يمكن التقدّم في ظلّ هذه الأوضاع نحو الصلاح خطوة بعد أخرى. وهكذا الحال بالنسبة للنساء أيضاً.

هذه الظواهر وأمثالها نادر وجودها في العالم، وهي ذات قيمة عُليا، وجاءت نتيجة للتربية الإسلاميّة. وهي طبعاً تزرع الأمل في النفوس، وقد أدّت بحمد اللّه، إلى ما تشاهدون نتائجه اليوم، وهو ما أكّدنا عليه

 

60


49

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

مراراً وتكراراً. واليوم أخذ أبناء الشعب الإيرانيّ يلمسون تدريجيّاً عزّتنا السياسيّة في العالم. وكنّا كثيراً ما نردِّد أنّ الشعب الإيرانيّ -وبتبعه الحكومة والمسؤولون- عزيز على الصعيد العالميّ[1].

 

٢- الإعداد الذاتيّ

من لوازم الانتظار الإعداد الذاتي؛ أن نعلم أنّ هناك واقعة كبرى ستَحدُث ونكون منتظرين دوماً. فلا يصحّ أبداً أن يُقال إنّه قد بقي سنواتٌ أو فترات محدّدة لوقوع الأمر، ولا يصحّ أبداً أن يُقال إنّ هذه الحادثة قريبة وسوف تقع في هذه الأيّام المقبلة. وعلينا أن نكون مترصّدين دائماً ومنتظرين دوماً. الانتظار يوجب على الإنسان أن يُعدّ نفسه بطريقة وهيئة وخُلُقٍ يُقارب الشاكلة والهيئة والخُلُق المتوقّع في الزمان الذي ينتظره. فهذا من لوازم الانتظار. فعندما يكون ذلك العصر المُنتظَر هو عصر الحقّ والتوحيد والإخلاص والعبوديّة لله وهو منتظَرٌ فعلينا أن نُقرّب أنفسنا من مثل هذه الأمور ونُعرّف أنفسنا إلى العدل ونُهيّئها للعدل ولقبول الحقّ. إنّ الانتظار يُوجد مثل هذه الحالة. ومن الخصائص المُودعة في حقيقة الانتظار أن لا يقنع الإنسان بمقدار التقدّم الحاصل في وضعه الحاليّ، بل يسعى للإكثار منه يوماً بعد يوم، وأن يزيد من تحقّق الحقائق ومن الخصال المعنويّة والإلهيّة في نفسه وفي المجتمع. إنّ هذه من الانتظار[2].

 

٣- معرفة قيمة الأمل والحفاظ عليه

إنّ النصف من شعبان هو مظهر الأمل بالمستقبل؛ أي أنّ كلّ الآمال

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢٥/٩/١٣٧٦ هـ.ش (١٦/٢/١٩٩٧م).

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ١٨/٤/١٣٩٠ هـ.ش (٩/٧/٢٠١١م).

 

61


50

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

التي نعلّقها على شيء، قد تتحقّق وقد لا تتحقّق؛ أمّا الأمل بالإصلاح النهائي على يدي الوليّ المطلق للحقّ تعالى، صاحب الزمان(عجل الله تعالى فرجه الشريف) فهو أمل لا يقبل الخلف.

«السلام عليك يا وعد الله الذي ضمنه، السلام عليك أيّها العَلَم المنصوب، والعلم المصبوب، والغوث والرحمة الواسعة، وعداً غير مكذوب». هذا هو وعد الله الذي لا يقبل الخلف. لسنا وحدنا نحن الشيعة من نقول بهذا، ولسنا وحدنا نحن المسلمين من نقول بهذا، بل جميع أديان العالم تنتظر مثل ذلك اليوم. ميزتنا أنّنا نعرف الشخص، نحسّ بوجوده، نسلّم بحضوره، نتكلّم معه، نخاطبه، نطلب منه ويجيبنا؛ هذا ما يميّزنا من الآخرين. الآخرون -المسلمون غير الشيعة، والمتديّنون من غير المسلمين- يؤمنون بشيء مبهم؛ [أمّا] نحن الشيعة؛ فواضح ومعلوم ما نريد، مع من نتكلّم؛ [النصف من شعبان] يوم الأمل. أعزائي، أيّها الشباب الأعزّاء، العمّال الأعزّاء! فلتعرفوا قيمة الأمل؛ ولتحافظوا على الأمل في قلوبكم؛ الأمل بتغيير وجه الدنيا المظلم والمعتم والمَعيب، المحكوم اليوم لسلطة القوى الكبرى. اعلموا وثقوا بأنّ هذا الوضع سيتغيّر، ثقوا بأنّ جوّ الظلم والجور هذا الذي تشاهدونه اليوم في العالم، من الاستبداد، والافتراء، والخبث والرذيلة -ومظهره الأتمّ رؤساء أميركا والكيان الصهيونيّ- سيتغيّر من دون أدنى شكّ؛ هذا هو الأمل الذي لدينا. علينا أن نساعد، ونطلب من الله ونسعى أنفسنا من أجل تقريب ذلك اليوم إن شاء الله تعالى[1].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٣٠/٤/٢٠١٨م.

 

62


51

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

أهميّة مسألة الانتظار

 

أعتقد أنّه من الواجب عليَّ أن أعرض مسائل عدّة في هذه العجالة، وهي مسائل أساسيّة فكريّة وسياسيّة تخصّنا وترتبط ببعضها:

 

١- البُعد العقائديّ

المسألة الأولى تتعلّق بجزء اعتقاديّ عظيم من اعتقادنا، وهي عبارة عن مسألة انتظار ظهور وليّ العصر والمهديّ الموعود ومنجي البشريّة. يؤمن المسلمون جميعهم بحقيقة المهديّ الموعود التي وصلت إلينا عن طريق روايات لا تقبل الشكّ على لسان النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمّة الدين، لكنّ هذه الحقيقة لم تأخذ في أيّ مكان من العالم الإسلاميّ هذه الصورة المنيرة وهذا التألُّق وهذه الروح الرائعة والمليئة بالأمل كما أخذته في مثل محيط مجتمع أمَّتنا العزيزة والمحيط الشيعيّ. ويعود ذلك إلى أنّنا نحن نعرف شخص المهديّ الموعود بمشخّصاته ببركة رواياتنا المتواترة. إنّ أهل مجتمعنا يعرِفون وليّ الله الأعظم، وخليفة الله في أرضه، وبقيّة أهل بيت النبيّ، باسمه وبمشخّصاته، ويرتبطون به من الناحية العاطفيّة والفكريّة، ويتوسَّلون به، ويشكون له، ويطلبون منه، وينتظرون عصر حكومته الفاضلة، عصر حكم قِيَم أولياء الله على حياة البشر، ولهذا الانتظار فائدة عظيمة.

 

63


52

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

وهذا الانتظار معناه أنّ وجود الظلم والجور في العالم لا يُطفِئ ولا يزيل شعلة الأمل من قلوب المنتظرين. فإنْ لم تكن شعلة الأمل هذه موجودة في حياة الشعوب، لن تكون النتيجة حينئذٍ سوى التشاؤم بشأن مستقبل البشريّة[1].

 

٢- نافذة الفرج

يجب الانتظار: إنّ نظرة الأديان هذه لنهاية مسار القافلة البشريّة نظرة جدّ متفائلة وباعثة على الأمل. الحقّ أنّ روح الانتظار وروح التواصل مع وليّ العصر(عجل الله تعالى فرجه الشريف) وانتظار ظهوره وانتظار ذلك اليوم من أكبر منافذ الفرج على المجتمع الإسلاميّ. إنّنا ننتظر الفرج، وهذا الانتظار في حدّ ذاته فرجٌ. هذا الانتظارُ نفسُه نافذة للفرج ومبعث أمل ومصدر طاقة ويحول دون تفشّي الشعور بالعبثيّة والضياع واليأس والقنوط والتيه والحيرة حيال المستقبل. إنّه يمنح الأمل ويرسم الخطّ والمسار. هذه هي قضيّة إمام الزمان(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ونتمنّى أن يجعلنا الله تعالى من منتظريه بالمعنى الحقيقيّ للكلمة، ويقرّ أعيننا بتحقُّق هذا الوعد الإلهيّ[2].

 

٣- انتظار العدالة

تعلمون أيُّها الإخوة والأخوات أنّ أبرز شعارات المهدويّة عبارة عن

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢٠/٢/١٩٩٠م.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ١١/٠٦/٢٠١٤م.

 

64


53

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

العدالة فعندما نبدأ في دعاء الندبة -مثلاً- ببيان وسرد صفاته (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بعد نسبته إلى آبائه العظام وآله الطاهرين، فإنّ أوّل جملة نذكرها هي «أين المُعَدّ لقطع دابر الظلمة أين المُنتَظَر لإقامة الأمْت و العِوج أين المرتجى لإزالة الجَور والعدوان»؛ أي أنّ أفئدة البشريّة تظلّ تخفق إلى أن يأتي ذلك المنقذ ليقطع دابر الجور ويحطّم بناء الظلم الذي كان قائماً على مرّ التاريخ البشريّ منذ سالف الأزمنة وما زال قائماً حتّى يومنا هذا بكلّ قسوة ويوقف الظالمين عند حدودهم وهذا أوّل ما يَنشده المنتظرون للمهديّ الموعود من ظهوره. أو حينما تذكرون مناقبه(عجل الله تعالى فرجه الشريف) في زيارة آل ياسين، فإنّ أبرزها هي «الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجَوراً»[1]، فالانتظار يتمثل في أنّه(عجل الله تعالى فرجه الشريف) يملأ الدنيا -وليس بقعة معيّنة- عدلاً ويبسط القسط في كافّة الأرجاء وهذا هو المفهوم الذي تحمله الروايات المتواترة بشأنه(عجل الله تعالى فرجه الشريف). وبناء على هذا، فإنّ انتظار المنتظرين للمهديّ الموعود إنّما هو انتظار لاستتباب العدل[2].

 

من آثار الانتظار ونتائجه

 

١- الأمل بتحقّق الوعد

أكبر ميزة وأهمّ خصوصيّة لهذا الاعتقاد في أوساط الشيعة، أنّه يبعث الأمل. فإنّ مجتمع التشيّع لا يعتمد على مآثره التاريخيّة في الماضي وحسب، بل يركّز نظره على المستقبل. فإنّ المُعتقِد بالقضيّة المهدويّة على أساس العقيدة الشيعيّة، لا يزول الأمل من قلبه في أشدّ الظروف

 

 


[1] الخصال، الصدوق، ص ٣٦٩.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٣٠/٧/١٣٨١ هـ.ش (٢٢/١٠/٢٠٠٢م).

 

65


54

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

وأحلكها، بل يبقى الأمل متوهّجاً مشتعلاً في وجوده؛ لأنّه يعلم أنّ مرحلة الظلام والظلم والحكم بغير حقّ والهيمنة الباطلة ستنقضي لا محالة. هذه واحدة من أهمّ ثمار هذه العقيدة ومعطياتها. علماً بأنّ عقيدة الشيعة بالقضيّة المهدويّة لا تُختصر بهذا الأمر، بل تحمل في شأنه مثل هذه العقيدة القائلة: «بِيُمنِهِ رُزِقَ الوَری وَبِوُجُودِهِ ثَبَتَتِ الأرضُ والسَّماء»[1]. ولقد كان هذا الضياء المشرق وهذا النور المتألّق وهّاجاً في المجتمعات الشيعيّة منذ قرون خلت ولا يزال وسيبقى هكذا دوماً وستبلغ مرحلة انتظار المنتظرين نهايتها السعيدة إن شاء الله[2].

هذا الظلم العظيم المسلّط على العالم، وهذه الحكومات غير المشروعة، وهذا التضليل للشعوب على مستوى العالم، وهذا النزف الدموي بلا وجه حقّ، وهذا السحق لأشرف وأعزّ القيم الإنسانيّة، وهذه الأكاذيب والأضاليل التي يبثّها زعماء الاستكبار العالميّ كلّ يوم، وكلّ هذا السوء وكلّ هذا الاستغلال والظلم، كلّها سوف تؤدّي بشكل طبيعيّ إلى يأس الإنسان إنْ لم تكن شعلة الأمل موجودة في قلبه؛ لذا تجدون أنّ جيل الشباب في الدول الغربيّة غارق في العبث، جيل الشباب الرافض للتقاليد التي لم يُلزم نفسه بها. وعندما يشاهد هذا الجيل هذه الويلات وهي تحيط بالحياة البشريّة سوف يُصاب باليأس، ولذا يلجأ إلى العبث. إنّ العديد من شبّان وشابّات البلاد الغربيّة انجرّوا إلى السفاهة والعبث والغرق في الشهوات الآنيّة وعدم الاعتناء بمظاهر

 

 


[1] الشيخ عباس القمي، مفاتيح الجنان ص ٤٢٢، دعاء العديلة المنسوب لبعض أهل العلم.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٠٤/٠٦/٢٠١٥م.

 

66


55

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

الحياة، وهذا كلّه مسبَّب عن اليأس، حتّى إنّ العديد من علماء وكتّاب وخطباء البشريّة ابُتلوا بهذه الحالة؛ لكنّ ذلك الشعب الذي يمتلك أملاً بالمستقبل يعرف أنّ فترة الظلم والجور والتضليل والطغيان والاستكبار والتجاوز بحجمها العظيم المنتشر اليوم على مستوى العالم، هي فترة لا تدوم، وسيأتي اليوم الذي تتمكن فيه قدرة الحقّ القاهرة من إبادة قِمَم الفساد، والظلم ومن إنارة مشهد الحياة البشريّة بنور العدالة، وهذا هو معنى انتظار عصر إمام الزمان(عجل الله تعالى فرجه الشريف)[1].

قد تصل القوى المتغطرسة المتجبّرة بالشعوب الضعيفة إلى درجة تُفقدها الأمل؛ وإذا فقدت الأمل لا تستطيع القيام بأيّ عمل، وتَفقد الثقة بجدوى أيّ إجراء قد تلجأ إليه، متصوّرة أنّ الوقت قد فات، وأنّها لا قدرة لها على مجابهة هذا الخصم بأيّ نحو كان.

هذه هي روح اليأس التي يَنشُدها المستعمر. وكم يتمنّى الاستكبار العالميّ اليوم أن تُمْنَى الشعوب الإسلاميّة، ومنها الشعب الإيرانيّ العزيز، بهذه الحالة من اليأس، فترى مَن يقول: فات الأوان. لا يمكننا فعل شيء! لا فائدة من التحرُّك! يُلقُون هذه المفاهيم في أذهان الناس بالإكراه والقوّة.

ونحن المطّلعين على الدعايات الإعلاميّة المعادية المسمومة، نلمس بكلّ جلاء أنّ معظم الأخبار التي يبثّونها تهدف إلى إشاعة اليأس في قلوب أبناء الشعب. يحبطون أمل الناس تجاه الاقتصاد والثقافة، والمتديّنين من اتّساع نطاق الدين، ودعاة الحريّة والشؤون

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢٠/٢/١٩٩٠م.

 

67


56

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

الثقافيّة والسياسيّة من إمكانيّة العمل السياسيّ أو الثقافيّ، ويصوّرون مستقبلاً مظلماً مبهماً أمام أبصار الطامحين نحو المستقبل!

ولكن ما هو الدافع من وراء ذلك؟ إنّهم يحاولون تحويل الكيان الفعّال -بقتل الأمل في القلوب- إلى كتلة ميتة أو شبه ميّتة، ليتاح لهم عند ذلك التعامل معه كما يحلو لهم؛ إذ ليس بمقدورهم التعامل مع الشعب إذا كان حيّاً، كما يرغبون. الجسم الميّت يمكن لكلّ من هبَّ ودبَّ أن يتصرّف فيه كيف يشاء، ولكن لا يمكن لأحد أن يفعل ذلك مع الوجود الحيّ الفاعل المفكّر.

والمثل ينطبق على الشعوب أيضاً، فهم لا يستطيعون القيام بأيّ عمل ضدَّ الشعب الإيرانيّ المسلم الثوري الذي يعيش تحت راية الجمهوريّة الإسلاميّة، الشعب الحي الواعي والمتيقّظ الذي يعرف قدر نفسه وقدر عزّته ويتعامل مع الآخرين -على الصعيد العالميّ- كما يليق بشأنه. ونتائج هذا ملموسة لديكم.

إذا كان الشعب خاملاً لا يرى لذاته قيمة ومستقبلاً، يتمكّن الأعداء وبكلّ سهولة أن يرسموا له مستقبله ويجعلوا أنفسهم أوصياء عليه؛ يقرّرون له ويعملون بدلاً منه بلا أيّ رادع أو مانع. وهذا مبعثُه الخمول. والخمول يأتي كنتيجة لفقدان الأمل، ولهذا تنصبّ مساعي الأعداء على انتزاع الأمل من نفوس أبناء الشعب.

اعلموا أنّ أيّ صوت يستهدف اليوم إشاعة اليأس في نفوس أبناء الشعب فهو صوت موجّه من العدوّ؛ سواء علم أم لم يعلم، وأيُّ قلم

 

68


57

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

يخطُّ كلمة على الورق على طريق انتزاع الآمال من قلوب الشعب، فهذا القلم مسخّر للأعداء سواء علم صاحبه أم لم يعلم.

 إنّ الاعتقاد بالمهدويّة، وبفكر المهديّ الموعود (أرواحنا فداه)، يحيي الأمل في القلوب، والإنسان الذي يؤمن بهذه العقيدة لا يعرف اليأس طريقه إلى قلبه أبداً؛ وذلك لثقته بحتميّة وجود نهاية مشرقة، فيحاول إيـصـال نفسه إليها بلا وجل من احتمالات الإخفاق[1].

إنّ هذا العيد هو مصدر الأمل، وهو يقابل تماماً تلك الأجواء المليئة باليأس والتي يريد الاستكبار العالميّ أن يصنعها أمام مرأى مستضعفي العالم. إذا نظرتم اليوم إلى أرباب السياسة وصانعي المشاريع الاستكباريّة فسوف ترون أنّ من أهمّ أعمالهم وأهدافهم هو إيجاد أجواء من اليأس أمام مرأى الناس في ما يتعلّق بالإصلاحات التي يجب أن تُنجَز. يجب أن تيأس الشعوب من الإصلاح كي يستحكم سلاح الاستكبار، وإلّا فإن أصيبت الشعوب

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢٥/٩/١٣٧٦ هـ.ش (١٦/٢/١٩٩٧م).

 

69


58

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

بالأمل، وبقيت كذلك، فإنّ سلاح الاستكبار لا يجدي كثيراً. إنّهم يسعون لصنع أجواء مظلمة أمام مرأى الجميع، والمراد من الفضاء المظلم هو أنهم يُفهِمون الشعوب أنّ قواكم الذاتيّة وثقافتكم ومعتقداتكم وشخصيّتكم وهويّتكم الوطنيّة لا تستطيع كلّها أن تفيدكم شيئاً، بل يجب أن تساعدكم القوى العظمى كي تتمكّنوا من التحرّك.

إنّ الفكر الانتظاريّ يقع تماماً مقابل ذلك الفكر بمئة وثمانين درجة، فالفكر الانتظاري هو المسيطر على بيئتنا وعلى بيئة محبّي مذهب أهل البيت(عليهم السلام). الانتظار يعني كون القلب مليئاً بالأمل في ما يتعلّق بخاتمة طريق حياة البشر. من الممكن أن لا يرى الناس تلك الحقبة ولا يستطيعون إدراكها لبُعدها، لكنّ تلك الحقبة موجودة بلا شكّ؛ لذا، إنّ التبريك بهذا العيد، وهو عيد الأمل وعيد انتظار الفرج والهناء، يُعتبر تماماً تلك النقطة المعاكسة للشيء الذي يريد العدوّ إيجاده[1].

عندما يُقال لنا انتظار الفرج، فلا يعني انتظار الفرج النهائيّ، بل يعني أنّ كلّ طريقٍ مسدود قابلٌ للفتح. الفرج يعني هذا، الفرج يعني الشقّ والفتح. فالمسلم يتعلّم من خلال درس انتظار الفرج أنّه لا يوجد طريق مسدود في حياة البشر ممّا لا يمكن أن يُفتح، وأنّه لا يجب عليه أن ييأس ويُحبط ويجلس ساكناً ويقول لا يمكن أن نفعل شيئاً؛ كلّا، فعندما يظهر في نهاية مطاف حياة البشر ومقابل كلّ هذه الحركات الظالمة والجائرة، عندما تظهر شمس الفرج، فهذا يعني أنّه في كلّ هذه العقبات والسدود الموجودة في الحياة الآن، هناك فرجٌ متوقّع ومحلّ

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢٠/٢/١٩٩٠م.

 

70


59

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

انتظار. هذا هو درس الأمل لكلّ البشريّة. وهذا هو درس الانتظار الواقعيّ لجميع النّاس.

لهذا ينبغي انتظار الفرج النهائيّ، مثلما ينبغي انتظار الفرج في جميع مراحل الحياة الفرديّة والاجتماعيّة. لا تسمحوا لليأس أن يسيطر على قلوبكم، فانتظروا الفرج واعلموا أنّ هذا الفرج سيتحقّق؛ وهو مشروطٌ في أن يكون انتظاركم انتظاراً واقعيّاً، وأن يكون فيه العمل والسعي والاندفاع والتحرّك[1].

 

٢- العمل للفرج

انتظار الفرج مفهوم واسع جدّاً، فإذا كانت الإنسانيّة تشهد تَقَحّم الطغاة وتجاوزهم على حقوق الناس بدون كابح أو لجام، لا يذهبنّ بها التصوّر أنّ هذا هو مصير العالم، وعليها أن لا تركن إلى هذا الوضع، بل عليها أن تعي أنّ هذه الحالة زائلة وأنّ (للباطل جولة)، وأنّ الذي ينسجم مع هذا العالم ويلائم طبيعته عبارة عن قيام حكومة العدل، وأنّ القائم بها سيظهر.

إذاً، فالانتظار في عصرنا هذا، الذي تتعرّض فيه البشريّة لأنواع من الجور والظلم من المصاديق البارزة لانتظار الفرج، إلّا أنّ لانتظار الفرج مصاديق أخرى، فحينما يُقال لنا: انتظروا الفرج لا يعني ذلك مجرّد الانتظار المحض للفرج النهائيّ، بل معناه أنّ من الممكن فتح كلّ الآفاق المغلقة وهذا هو معنى الفرج.

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢٩/٠٦/١٣٨٤ هـ.ش (٢٠/٩/٢٠٠٥م).

 

71


60

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

والإنسان المسلم يستلهم الفرج من دروس الانتظار ويدرك حقيقة أن ليس هناك عقبة لا يمكن تجاوزها في حياة الإنسان، وأن ليس هناك ما يدعو إلى اليأس ورمي الحبل على الغارِب، بل يدرك أنّه إذا كان من الضروريّ أن تبزغ شمس الفرج في مواجهة هذا الكمّ الهائل من الظلم والجور، فلا بدّ أن نتوقّع نفس الفرج هذا فيما يواجهنا من العقبات في حياتنا.

وهذا درس يبعث الأمل في قلوب جميع الناس، وهو درس في الانتظار الواقعيّ تستلهمه البشريّة جمعاء. ومن هنا كان انتظار الفرج من أفضل الأعمال والعبادات. وبذلك يتّضح أنّ الانتظار عمل، وليس تركاً للعمل وتقاعساً عنه.

فلا ينبغي الاشتباه والظنّ بأنّ الانتظار يعني الجلوس وعدم القيام بأيّ عمل، بل الانتظار عمل وإعداد، ودعم للدوافع في الأفئدة والنفوس وتحرّك وتقدّم على جميع الأصعدة، وهذا في الحقيقة تفسير لقوله تعالى: }وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ{[1] أو قوله تعالى: }إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ{[2]، بمعنى أنّه لا ينبغي للأمم والشعوب أن تقنط من الفرج[3].

إنّ هذا الانتظار مستلزمٌ للصلاح والعمل. يجب علينا أن نصلح أنفسنا. يجب أن نكون أهل عمل، فنقوم بالعمل الذي يُرضي قلب ذلك العظيم. إذا أردنا أن نعمل بهذا ونؤمِّن هذا الصلاح والإصلاح لأنفسنا،

 

 


[1] سورة القصص، الآية ٥.

[2] سورة الأعراف، الآية ١٢٨.

[3] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢٩/٦/١٣٨٤ هـ.ش (٢٠/٩/٢٠٠٥م).

 

72


61

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

فمن المؤكد أنّه لا يمكننا الاكتفاء بالعمل الفرديّ. هناك مسؤوليّات وواجبات في أجواء المجتمع والبلد والعالم ويجب أن نقوم بها. ما هي هذه الواجبات؟ إنّه ذلك الأمر الذي يلزمه بصيرة، يحتاج إلى معرفة، يحتاج إلى رؤية عالميّة، إلى نظرة واضحة، هو ذلك الأمر المتوجِّب عليكم والمطلوب منكم اليوم أيّها الشباب العزيز الفعّال[1].

لهذا، عُدّ انتظار الفرج من أفضل الأعمال، ويُعلم من ذلك أنّ الانتظار هو عملٌ لا بطالةٌ[2].

يجب أن نُعِدّ أنفسنا كجنودٍ مستعدّين لتلك الظروف والشرائط، ونجاهد في هذا المجال. لا يعني انتظار الفرج أن يجلس الإنسان ولا يفعل أيّ شيء، ولا ينهض لأيّ إصلاحٍ، بل يمنّي نفسه بأنّه منتظرٌ لإمام الزمان عليه الصلاة والسلام، فهذا ليس انتظاراً[3].

 

٣- الجهوزيّة الدائمة

الانتظار يعني الترصّد والجهوزيّة. في الأدبيّات العسكريّة لدينا أمر باسم «الجهوزيّة». الانتظار يعني هذه «الجهوزيّة»! يجب أن نكون في وضعيّة «الجهوزيّة». الإنسان المؤمن والمنتظر هو ذلك الذي يكون بحالة «جهوزيّة» تامّة.

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ١٠/٠٥/٢٠١٧م.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢٩/٠٦/١٣٨٤ هـ.ش (٢٠/٩/٢٠٠٥م).

[3] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢٧/٠٥/١٣٨٧ هـ.ش (١٧/٨/٢٠٠٨م).

 

73


62

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

إذا ظهر اليوم إمامكم المأمور بإيجاد العدالة والأمان في كلّ العالم، يجب علينا، أنا وأنتم، أن نكون جاهزين مستعدّين، «الجهوزيّة» هذه مهمّة جدّاً. الانتظار يحمل هذا المعنى. ليس الانتظار هو قلّة الصبر والتذمّر والملل و«لماذا لم يأتِ بعد» وما شابه، معنى الانتظار أن تكونوا دوماً في جهوزيّة[1].

 

٤- رفض النظام البشريّ غير العادل

معنى انتظار الفرج كتعبير آخر لانتظار الظهور، هو أنّ المؤمن بالإسلام وبمذهب أهل البيت (عليهم السلام)يُعتبر الواقع الذي يعيشه العالم عقدةً تعاني منها الحياة الإنسانيّة. وهذه هي حقيقة الأمر. إنّه بانتظار انفراج هذا الانغلاق الذي تتّسم به شؤون الإنسانيّة وحلّ هذه المعضلات العامّة التي تعانيها البشريّة. ليست القضيّة قضيّة معضلة في شؤوني الشخصيّة أو شؤونكم الشخصيّة أنتم. الإمام المهديّ (عليه الصلاة والسلام) يظهر من أجل الفرج لكلّ البشريّة ولكي ينقذها من مغاليقها ويُنَجّي المجتمع الإنسانيّ، بل تاريخ المستقبل البشريّ كلّه.

 

معنى هذا أنّ الشيء الموجود اليوم وهذا النظام البشريّ غير العادل الذي يُظلم فيه الكثيرون وتضِل فيه قلوب كثيرة، ولا تتاح فيه للكثيرين فرصة عبوديّة الله، إنّما هو نظام مرفوض وموضع اعتراض ينتظر ظهور الإمام المهديّ. انتظار الفرج معناه رفض وعدم قبول الوضع الذي ساد الحياة الإنسانيّة بسبب جهل البشر وأغراضهم.

 

انظروا إلى أوضاع الدنيا الراهنة، الصورة الموجودة في روايات


 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ١٠/٠٥/٢٠١٧م.

 

74


63

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

ظهور الإمام المهديّ (أروحنا فداه) تسود العالم اليوم.. امتلاء العالم بالظلم والجور.. العالم اليوم طافح بالظلم والجور. ورد في الروايات والأدعية والزيارات المختلفة الخاصّة بالإمام المهديّ (أرواحنا فداه) أنه: «يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»[1]. كما امتلأ العالم يوماً بالظلم والجور -في يوم ما كان الظلم والجور هو الوضع السائد على الإنسانيّة- كذلك سيجعل الله تعالى العدل والقسط وضعاً سائداً على البشريّة في زمانه. وهذا هو الوضع الآن؛ الظلم والجور يحكمان البشريّة. الحياة الإنسانيّة اليوم خاضعة للظلم والاستبداد في كلّ العالم. هكذا هو الوضع في كلّ مكان. تعاني الإنسانيّة اليوم من مشكلات كثيرة نتيجة غلبة الأغراض والأهواء النفسيّة. وجود ملياري جائع في العالم اليوم، ووجود ملايين البشر تحت سيطرة الأنظمة الطاغوتيّة الخاضعة لأهواء الجبابرة الطاغوتيّين، وحتّى الضغوط على المؤمنين والمجاهدين في سبيل الله والمناضلين في سبيل الحقّ، وشعب مثل الشعب الإيرانيّ استطاع رفع راية العدالة والقسط داخل نطاق محدود ومناخ معيّن، كلّها علامات سيطرة الظلم والجور على العالم. وهذا هو ما يفسِّر انتظار الفرج في العصور المختلفة[2].

 

٥- الحركة باتجاه الأهداف المهدويّة

تأسيس نظام الجمهوريّة الإسلاميّة إحدى مقدِّمات هذه الحركة التاريخيّة العظيمة. أيّة خطوة باتجاه تكريس العدالة هي خطوة باتجاه ذلك الهدف السامي. هذا هو معنى الانتظار. الانتظار حركة وليس

 

 


[1] الخصال، الصدوق، ص ٣٦٩.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢٥/٧/١٣٨٧ هـ.ش (١٦/١٠/٢٠٠٨م).

 

75


64

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

سكوناً أو إهمالاً أو قعوداً كي تجري الأمور وحدها. الانتظار حركة. الانتظار جهوزيّة. علينا الحفاظ على هذه الجاهزيّة داخل وجودنا وفي بيئتنا المحيطة بنا. وقد أنعم الله تعالى على شعبنا العزيز شعب إيران حيث استطاع قطع هذه الخطوة الكبرى وإعداد أجواء الانتظار. هذا هو معنى انتظار الفرج. الانتظار معناه شدّ الأحزمة والجاهزيّة الكاملة للهدف الذي سينهض الإمام المهديّ (عليه الصلاة والسلام) من أجله. تلك الثورة التاريخيّة الكبرى ستندلع من أجل هذا الهدف.. هدف إفشاء العدل والقسط.. والحياة الإنسانيّة.. الحياة الإلهيّة.. العبوديّة لله.. هذا هو معنى انتظار الفرج.

اهتمام شعبنا بفكرة المهدويّة والوجود المقدَّس للإمام المهديّ (سلام الله عليه) أكثر اليوم، والحمد لله، من أيّ وقت مضى. يوماً بعد يوم يشعر الإنسان أنّ الشوق نحو الوجود المقدَّس للإمام الحجَّة (سلام الله عليه) وحبّه والانشداد إليه واستذكاره تتضاعفُ في قلوب الشباب ولدى كلّ واحد من أبناء شعبنا. وهذا بدوره من بركات ذلك الإنسان العظيم، فنظرته الرحيمة لشعبنا جعلت قلوب أبناء هذا الشعب تهفو نحو تلك الحقيقة الناصعة. هذا في حدّ ذاته دليل نظرته الحانية(عجل الله تعالى فرجه الشريف)؛ وينبغي معرفة قدر ذلك.

 

76


65

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

الانتظار السلبيّ

 

من الطبيعيّ أنّ الأعداء حينما يفشلون في استلاب عقيدة المهدويّة من النفوس سيحاولون تشويهها في الأذهان. ولكن كيف يتمّ تشويه هذا المعتقد؟ يتمّ ذلك عن طريق القول: إنّ المهديّ سيظهر وهو الذي يصلح جميع الأمور، وليس علينا شيء! هذا تشويه لهذه العقيدة، وتحويلها من محرّك دافع إلى إطار لا فاعليّة فيه، ومن دواء مقوٍّ إلى داء مخدّر ومنوّم.

نعم، يظهر المهديّ (أرواحنا فداه)، ويصلح الأمور، لكن ما هو واجبكم اليوم؟ واجبكم اليوم هو أن تمهّدوا له الأمور لكي يأتي وينطلق من تلك القاعدة المهيّأة؛ لا يمكن الانطلاق من نقطة الصفر. المجتمع الذي يمكنه أن يتقبّل حكومة المهديّ الموعود (أرواحنا فداه) هو المجتمع المستعدّ المتوفّر على القابليّة لذلك، وإلّا فسينتهي إلى المصير نفسه الذي انتهى إليه الأنبياء على امتداد التاريخ.

ما هو السبب الذي لم يتمكّن معه الكثير من أنبياء أولي العزم من تطهير العالم من الفساد والرذيلة؟ السبب هو أنّ الظروف لم تكن مهيّأة.

 

77


66

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

ولماذا لم يتمكن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه الصلاة والسلام) من اجتثاث جذور الفساد في عهده رغم ما كان يتصف به من قوّة ربّانيّة، ومع ما له من علم متّصل بمعدن الحكمة الإلهيّة، ومع تلك الإرادة الراسخة، ومع كلّ تلك المناقب، ومع كثرة توصيات الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) به؟

بل وقع العكس، وأزيح هو عن الطريق! فـ «قتل في محرابه لشدّة عدله»؛ وذلك لأنّ الظروف والأجواء لم تكن مهيّأة؛ عكّروا الأجواء عليه، واختطّوا حب الدنيا وتحقيق المطامع نهجاً في وجهه، فالذين اصطفُّوا في مواجهة أمير المؤمنينj في أواخر عهده أو في أواسطه لم تكن لديهم أرضيّة راسخة من التديُّن والورع. فإذا لم تكن الظروف مهيّأة تنتهي إلى وقوع أمثال هذه النكبات.

فإذا ظهر إمام الزمان (عليه الصلاة والسلام) في ظروف غير مهيّأة سينتهي إلى نفس تلك النهاية، إذاً، فلا بدّ من التمهيد له. ولكن كيف يتحقّق هذا التمهيد؟ يتحقّق بنفس الصورة التي تشاهدون أمثلة لها في مجتمعكم. في إيران الإسلاميّة اليوم تألّق معنويّ لا نظير له في أيّ موضع آخر من العالم، على حدِّ علمنا وفي ضوء الأخبار والتقارير التي تتناهى إلينا، ولسنا غافلين عمّا يجري في العالم[1].

إنّ الإيمان بإمام الزمان لا يعني الانزواء وقبل انتصار الثورة كانت التيّارات الضالّة -وما زالت تروّج الآن هنا وهناك- إلى أنّ إمام الزمان سيأتي ويصلح الأمور، فما عسانا صانعين الآن! وما الداعي إلى أن

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢٥/٩/١٣٧٦هـ.ش.

 

78


67

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

نتحرّك! مثل ذلك كامتناع المرء عن إيقاد السراج في الليل المظلم بحجَّة أنّ الشمس ستشرق في غد على الدنيا ويحلّ النهار ويضيء الكون! لا ربط لشمس غد بالوضع الحالي لي ولكم، فإذا ما شاهدنا الظلم والإجحاف والتمييز والعنجهيّة تسود أرجاء الدنيا في الوقت الحاضر، فتلك ممّا يظهر إمام الزمان لمكافحتها، وإذا كنّا جنوداً لصاحب الزمان فعلينا الاستعداد لمكافحتها، وإنّ أعظم واجب يتحمّله المنتظرون لإمام الزمان هو الجهوزيّة من الناحية المعنويّة والأخلاقيّة والعمليّة ومن حيث ترسيخهم للأواصر الدينيّة والعقائديّة والعاطفيّة مع المؤمنين، وكذلك منابذة الجبابرة، وإنّ الذين هبّوا للمشاركة في صفوف الدفاع خلال مرحلة الدفاع المقدَّس كانوا من المنتظرين الحقيقيّين، ومن كان على جهوزيّة للدفاع عن القيم وعن الوطن الإسلاميّ وعن راية الإسلام الخفّاقة في حالة تعرُّض بلد الإسلام للخطر بوسعه الادعاء بأنّه سيقتحم سوح الخطر خلف إمام الزمان إذا ما ظهر، أمّا الذين ينهارون وترتعد فرائصهم في مواجهة الخطر والانحراف ومفاتن الدنيا وحلاوتها، والذين ليسوا على جهوزيّة للقيام بأيّة حركة من شأنها تعريض مطامعهم للخطر فأنّى لهم أن يكونوا في عداء المنتظرين لصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟!

 

فالمنتظر لذلك المصلح العظيم يتعيّن عليه إعداد مقوِّمات الصلاح في نفسه ويعمل ما يمكّنه من الثبات لتحقُّق الصلاح[1].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٣٠/٧/١٣٨١ هـ.ش (٢٢/١٠/٢٠٠٢م).

 

79


68

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

من وظائف المنتظرين

 

١- ضرورة البصيرة

لقد استطاع شعب إيران ببركة الــديـن والبـصيرة ووحـدة الـكلـمـة، أن يـتجاوز جـمـيـع هذه الموانع حـتّـى  اليوم. كونوا مـتـيقّظين واحفظوا هـذه البصيـرة. هـذه البصيرة التي تنبع من الاعتقاد والإيمان الدينيّ تنبّهنا إلى أمور والتي من جملتها «وحدة الكلمة». يجب أن تحفظوا هذه البصيرة بكلّ وجودكم وبكلّ طاقاتكم. يعرف أعداؤنا جيّداً أنّ شعب إيران على امتداد هذه الطريق لم يخف من تهديدات العدوّ ببركة الإرشادات الدينيّة، وهو اليوم لا يخاف من تهديدهم وعنفهم، ويريد هؤلاء المقتدرون أن تمتلئ الدنيا ظلماً. صحيح أنّهم لا يصرّحون بذلك، لكنّ أعمالهم شاهدة على ذلك. هم يمارسون الظلم كي يدافعوا عن مصالحهم، ولكنّنا نرفض الظلم والعنف. لقد ثُرنا من أجل تثبيت القسط والعدل، وسعينا لذلك، وسيكمل الشعب الطريق نفسه أيضاً وسينتصر، ولا شكّ في ذلك. إنّ الدنيا تتحرّك باتجاه العدل والقسط، وهذا هو معنى انتظار الفرج وإمام الزمان. انتظار الفرج يعني أنّه هناك فرج كبير لمستقبل البشريّة، ونحن

 

80


69

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

نتحرّك باتجاه هذا الفرج. فلماذا وممَّ نخاف؟ ولماذا نتردّد ولماذا نخسر هذا الاطمئنان الذي لدينا؟ إنّ تعاليم الإسلام هي دليلنا، فنحن نمتلك ميراثاً عظيماً مصدره الإسلام، هذا الميراث هو مجموعة آراء الإمام المستنبطة من الإسلام، وهي ميراث ثمين وكنز عظيم نستنير به[1].

 

٢- مكافحة الفساد في البيئة الخاصّة

لقد قلت ذات مرّة إنّ العارفين بالقانون وينتهكونه أخطر من غيرهم، فالمتضلّعون بالقانون يعرفون جيداً ما ينطوي عليه من منعطفات والتواءات، لكنّهم ينتهكونه بدون أن يُعرف أنّ عملهم انتهاك للقانون. ولو تفشّى مثل هذا الأمر -لا سمح الله- بين شعبنا، فإنّه يعدّ كارثة وهو ما يتنافى تماماً مع النظام الإسلاميّ ومع انتظار المهديّ الموعود(عجل الله تعالى فرجه الشريف) وإلى هذا المستوى دعوت المسؤولين وصرّحت به أمام المسؤولين مراراً وأكّدت عليه، وها أنا أعيده مرّة أخرى وأصرّ عليه: يجب مكافحة الفساد داخل أجهزة الدولة والدوائر الحكوميّة.

إنّ مسؤولي مختلف الحكومات أنفسهم الذين يتوّلون عمليّة المكافحة هذه والمسؤول بالدرجة الأولى للحدّ من الفساد داخل الحكومة، هم مسؤولو الحكومة من الوزراء وكبار المسؤولين فلا يسمحوا للفساد أن ينمو داخل قطاعاتهم فإذا ما أرادوا القيام بعمليّة المكافحة وأخذوها على محمل الجدّ فسيستطيعون أكثر من غيرهم

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٠٨/٠٢/١٩٩١م.

 

81


70

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

النهوض بعمليّة المكافحة، وعليهم -بطبيعة الحال- توخّي الحذر والمحافظة على نزاهتهم[1].

 

٣- ضرورة الاستعداد

نحن اليوم لدينا حالة انتظار الفرج؛ أي أنّنا ننتظر مجيء يد قويّة تنشر العدل، وتقضي على غلبة الظلم والجور التي سحقت البشريّة كلّها تقريباً، وتغيّر أجواء الظلم والجور وتطلق نسائم العدل على الحياة الإنسانيّة حتّى يشعر البشر بالعدالة. هذه حاجة دائمة للإنسان الحيّ الواعي.. الإنسان الذي لا يدسّ رأسه في التراب، ولا يقنع بمجرّد الاهتمام بشؤونه وحياته الشخصيّة. الإنسان الذي ينظر إلى الحياة البشريّة نظرة عامّة شاملة سيعيش حالة الانتظار بشكل طبيعيّ. هذا هو معنى الانتظار. الانتظار هو عدم الاقتناع وعدم القبول بالواقع الموجود في الحياة الإنسانيّة والسعي لبلوغ الوضع المنشود الذي سيتحقّق بلا شكّ باليد القويّة لوليّ الله سيِّدنا الحجَّة بن الحسن المهديّ صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف). علينا إعداد أنفسنا لنكون جنوداً وأشخاصاً مستعدِّين للجهاد من أجل تحقيق تلك الظروف.

ليس معنى انتظار الفرج أن يقعد الإنسان ولا يفعل شيئاً ولا يهتمّ لأيّ عمل إصلاحيّ، ويغتبط فقط بأنّه ينتظر الإمام المهديّ (عليه الصلاة والسلام). هذا ليس انتظاراً. ما هو الانتظار؟ إنّه انتظار اليد الإلهيّة الملكوتيّة القاهرة القويّة كي تأتي وتزيل الظلم بمساعدة الناس أنفسهم وتُغلِّب الحقّ، وتسوِّد العدل في حياة الناس وترفع راية التوحيد،

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٣٠/٧/١٣٨١ هـ.ش (٢٢/١٠/٢٠٠٢م).

 

82


71

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

وتجعل البشر عباداً حقيقيّين لله. ينبغي الجهوزيّة لهذه المهمّة[1].

 

٤- المقاومة والثبات على الحقّ

عندما نلاحظ أنّه توجد أرضيّة لوقوف الشعوب في وجه مستكبري العالم، وبإمكانها الثبات على مواقفها، ذلك اليوم هو يوم ظهور إمام العصر، وهو اليوم الذي سيخرج فيه منقذ البشريّة بفضل الله سبحانه، وحينها تنجذب كافّة القلوب المنشرحة للحقّ -والتي تملأ الدنيا بأكملها- إلى نداءاته، وحينها لا تتمكّن القوى الظالمة والسلطويّة والمتّكئة على المال والقوّة أن توقف النزوع نحو الحقيقة أو تُسكت صوتها الذائع كما تمكّنت سابقاً بالقوّة[2].

 

٥- إصلاح الذات والمجتمع

أيُّها الشعب العزيز، وخاصّة أنتم أيُّها الشباب، كلّما بذلتم من قصارى جهدكم في سبيل إصلاح ذواتكم وتصحيح معارفكم وتهذيب أخلاقكم وسلوككم، اقترب ذلك اليوم الموعود؛ إذ إنّ هذا يتحقّق بأيدينا، فكلما اقتربنا من الصلاح اقترب ذلك اليوم، مثلما أنّ شهداءنا قرّبوا لنا ذلك المستقبل بتقديم أرواحهم، وذلك الجيل الذي قدّم تلك التضحيات للثورة قد قرّب من ذلك اليوم. فكلّما عملنا خيراً وأصلحنا ذواتنا ومجتمعنا كلّما اقتربنا من ذلك اليوم[3].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢٥/٧/١٣٨٧ هـ.ش (١٦/١٠/٢٠٠٨م).

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢٢/٨/١٣٧٩ هـ.ش (١٢/١١/٢٠٠٠م).

[3] المصدر نفسه.

 

83


72

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

مسؤوليّات أخرى في عصر غيبة الإمام(عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 

إذا رجعتم إلى الآيات والروايات -وبالتأكيد إنّ المحقّقين والمتتبّعين قد فعلوا ذلك- فسوف تجدون خصوصيّات أخرى. المجتمع الّذي لا يوجد فيه أيّة علامةٍ للظلم والطغيان والعدوان؛ المجتمع الّذي تصل فيه المعرفة الدينيّة والمعرفة العلميّة للبشر إلى حدّها الأعلى؛ المجتمع الّذي تبرز فيه كلّ هذه البركات والنِّعم والفضائل والجماليّات وتكون في يد الإنسان؛ وفي النهاية المجتمع الّذي تكون فيه التقوى والفضيلة والإيثار والأخوّة والعطف والانسجام أصلاً ومحوراً. انظروا إلى مثل هذا المجتمع، فهو ذاك المجتمع الّذي سيحقّقه مهديّنا الموعود وإمام زماننا، ومحبوبنا التاريخيّ القديم، والّذي يعيش الآن تحت هذه السماء وعلى هذه الأرض وبين النّاس. هذا هو اعتقادنا بإمام الزمان.

 

١- نشر الدين والإسلام

يجب أن نعلم أنّ ظهور وليّ العصر (صلوات الله عليه)، مثلما أنّه بثورتنا هذه أصبح أقرب خطوةً، فبهذه الثورة أيضاً يمكن أن يقترب أكثر؛ أي أنّ نفس هذا الشعب الّذي قام بهذه الثورة، وقرّب نفسه خطوةً إضافيّة إلى إمام زمانه، يمكنه أيضاً أن يتقدّم خطوةً ثمّ خطوةً ثمّ خطوة نحو إمام زمانه. فكيف (ذلك)؟ أوّلاً، كلّما استطعتم أن توسّعوا من دائرة هذا المقدار من الإسلام الّذي لدينا نحن وأنتم في إيران -لا نبالغ، الإسلام الكامل ليس متحقّقاً، ولكنْ قسمٌ من الإسلام قد طبّقه

 

84


73

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

هذا الشعب في إيران- فهذا المقدار من الإسلام كلّما استطعتم أن تنشروه في الآفاق الأخرى للعالم، وفي البلاد الأخرى، وفي المناطق المظـلـمـة، فـإنّـه بـنـفس الـمقـدار سيسـاعد ويقرّب من ظهور وليّ الأمر وحجَّة العصر[1].

 

٢- الاقتراب المعنويّ من الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

إنّ الاقتراب من إمام الزمان ليس بمعنى الاقتراب المكانيّ ولا بمعنى الاقتراب الزمانيّ. فأنتم الّذين تريدون أن تقتربوا من ظهور إمام الزمان، فإنّ الاقتراب من إمام الزمان ليس له تاريخٌ محدّد كأن يُقال مثلاً، بعد مئة سنة أو خمسين سنة، حتّى نقول إنّنا عبرنا سنةً أو سنتين أو ثلاث سنوات، من هذه الخمسين أو المئة سنة، فيبقى عندئذٍ هذا المقدار من السنوات، كلّا، وليس أيضاً بلحاظ المكان حتّى نقول إنّنا تحرّكنا من هنا باتّجاه الشرق أو غرب العالم مثلاً، أو نحو الشمال أو الجنوب، لنرَ أين هو وليّ العصر لنصل إليه. كلّا، إنّ اقترابنا من إمام الزمان هو اقترابٌ معنويّ؛ أي أنّكم في كلّ زمانٍ إذا استطعتم أن تزيدوا من حجم المجتمع الإسلاميّ كمّاً ونوعاً إلى خمس سنوات أو عشر سنوات أخرى، أو حتّى مئة سنة أخرى، فإنّ إمام الزمان (صلوات الله عليه) سيظهر.

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٠٦/٠٤/١٣٥٩ هـ.ش (٢٧/٦/١٩٨٠م).

 

85


74

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

لـو اسـتـطـعـتم أن تحقّقوا في أنفسكم وفي غيركم، في داخل مجتمعكم -هذا المجتمع الثوريّ- التقـوى والـفـضيـلـة والأخـلاق والتديّن والزهد والقرب المعنويّ من الله، وجعلتم قاعدة ظهور وليّ العصر (صـلـوات الله وسـلامه عليه) أكـثر رسـوخاً وإحكاماً، وكلّما استطعتم أن تزيدوا باللحاظ الكمّيّ والمقدار، عدد المسلمين المؤمنين والمخلصين، فإنّكم تكونون هنا أيضاً أقرب إلى إمام الزمان وإلى زمن ظهور وليّ العصر. فنحن نستطيع أن نقرّب مجتمعنا وزماننا وتاريخنا خطوةً بخطوة نحو تاريخ ظهور وليّ العصر صلوات الله وسلامه عليه؛ هذا واحدٌ[1].

 

٣- الحركة والعمل باتجاه المجتمع المهدويّ

لدينا في ثورتنا اليوم طُرق ومناهج، فإلى أيّ جهةٍ ينبغي أن تتحرّك هذه المناهج؟ فهذه النقطة جديرة جدّاً بالتأمّل. فافرضوا أنّ لدينا طالباً مجدّاً يريد أن يصبح أستاذاً مثلاً في علم الرياضيّات، فكيف ينبغي أن نؤمّن مقدّمات هذا الأمر؟ فينبغي أن نوجّه دراساته باتّجاه الرياضيّات. فلا معنى أن نعطيه دروساً في الفقه مثلاً، إذا كنّا نريده أن يصبح عالماً رياضيّاً. أو أنّ من يريد أن يصبح فقيهاً نعطيه دروس الأحياء مثلاً،

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٠٦/٠٤/١٣٥٩ هـ.ش (٢٧/٦/١٩٨٠م).

 

86


75

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

فينبغي أن تكون المقدّمات متناسبة مع النتيجة والغاية. الغاية هي المجتمع المثاليّ المهدويّ بتلك الخصائص الّتي ذكرتها. فيجب علينا -إذاً- أن نؤمّن المقدّمات بما يتناسب. يجب علينا أن نبعد أنفسنا عن الظلم ونتحرّك بحزمٍ ضدّه، أيّ ظلمٍ كان ومن أيّ شخص. يجب علينا أن نجعل توجّهاتنا نحو إقامة الحدود الإسلاميّة. وفي مجتمعنا، لا نعطي أيّ مجالٍ لنشر الأفكار المخالفة للإسلام. نحن لا نقول إنّه علينا بالقهر والغلبة؛ لأنّنا نعلم أنّه لا يمكن مواجهة الفكر إلّا عن طريق الفكر، لكنّنا نقول إنّه علينا بالطرق الصحيحة والمنطقيّة والمعقولة أن ننشر الفكر الإسلاميّ.

يجب أن تصبح كلّ قوانيننا ومقرّرات بلدنا وإداراتنا ومؤسّساتنا التنفيذيّة إسلاميّةً بلحاظ الظاهر والمحتوى، وأن نقترب نحو أسلمتها يوماً بعد يوم. هذه هي الجهة الّتي تمنحنا وتمنح حركتنا معنى انتظار وليّ العصر. أنتم تقرأون في دعاء النّدبة أنّ إمام الزمان يقاتل الفسوق والعدوان والطغيان والنّفاق ويزيل كلّ ذلك ويقضي عليه. وعلينا اليوم أن نتحرّك في مجتمعنا بهذا الاتّجاه ونتقدّم. هذا هو الشيء الّذي يقرّبنا إلى إمام الزمان (صلوات الله عليه) من الناحية المعنويّة، ويقرّب مجتمعنا نحو مجتمع وليّ العصر صلوات الله وسلامه عليه، ذلك المجتمع المهدويّ العلويّ التوحيديّ ويزيده قرباً[1].

 

٤- طرد اليأس وتحقيق الأمل بوعد الله

وهناك أثرٌ آخر ونتيجةٌ مختلفة لمستقبل هذا العالم، حيث يزول

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٠٦/٠٤/١٣٥٩ هـ.ش (٢٧/٦/١٩٨٠م).

 

87


76

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

اليأس والإحباط من قلوب الشعوب، ونعلم حينها أنّ جهادنا مؤثّرٌ ومنتج. أحياناً، هناك أفرادٌ ممّن ليس لديهم اطّلاع على هذا البُعد من الفكر الإسلاميّ، يصابون بالحيرة واليأس أمام هذه الحسابات والمعادلات المادّيّة الكبرى في العالم، ويتساءلون فيما بينهم: كيف يمكن لشعبٍ يريد أن يثور أن يقاوم مثل هذه القوى العظمى والتكنولوجيا المتطوّرة والأسلحة المدمّرة، ومثل هذه القنابل النوويّة الموجودة في العالم؟ يشعرون أنّ الصمود مقابل ضغط قوى الظلم والاستكبار أمرٌ غير ممكن. لكنّ الاعتقاد بالمهديّ والإيمان بتحقّق عصر الحكومة الإسلاميّة والإلهيّة على يد ابن النبيّ وإمام الزمان يحقّق هذا الأمل في الإنسان ويقول له: كلّا، سنجاهد لأنّ العاقبة لنا، ولأنّ عاقبة أمرنا هي أنّ هذا العالم يجب أن يخضع ويسلّم وسوف يحصل هذا الأمر؛ وذلك لأنّ مسير التاريخ يتّجه نحو ما قمنا اليوم بوضع أسسه، وقد حقّقنا أنموذجاً عنه ولو كان ناقصاً. ومثل هذه الأمل لو وُجد في قلوب الشعوب المناضلة -وخاصّة الشعوب الإسلاميّة- فسوف يمنحها حالةً من النشاط المستمرّ بحيث لا يمكن لأيّ عاملٍ أن يخرجها من ميدان الجهاد والنضال، أو أن يصيبها بالهزيمة الداخليّة[1].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢١/٠١/١٣٦٦ هـ.ش (١٠/٤/١٩٨٧م).

 

88


77

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

٥- إصلاح المفاهيم الخاطئة عن القضيّة المهدويّة

ويوجد نقطةٌ أخرى وهي أنّ الإعلام والأفكار المغلوطة قد انغرست في ذهن النّاس، وعبر كلّ هذه السنين المتمادية، إلى تلك الدرجة حيث اعتقدوا أنّ أيّ تحرّك إصلاحيّ لن يكون مفيداً ومثمراً قبل قيام المهديّ(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، ويستدلّون بأنّ الدنيا يجب أن تُملأ ظلماً وجوراً حتّى يأتي الإمام المهديّ، وما لم تمتلئ بالظلم والجور، فإنّه لن يظهر. كانوا يقولون إنّ الإمام يظهر بعد أن تصبح هذه الدنيا مليئةً بالظلم والجور. والنقطة الموجودة هنا هي أنّ في جميع الروايات الّتي وردت بشأن الإمام المهديّ، فإنّ الجملة هي هكذا: «يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجَوراً»[1]. أنا العبد لم أشاهد موضعاً واحداً ولا أظنّ أنّه يوجد «بعدما مُلئت ظلماً وجَوراً». فبالالتفات إلى هذه النقطة، رجعت إلى الروايات العديدة في الأبواب المختلفة ولم أجد في أيّ مكانٍ جملة، «بعدما مُلئت ظلماً وجوراً»، ففي كلّ الأماكن يوجد «كما مُلئت ظلماً وجوراً»؛ أي أنّ امتلاء الدنيا بالعدل والقسط بوساطة الإمام المهديّ لا يكون مباشرةً بعد أن تُملأ بالظلم والجور، كلّا، بل إنّه كما حصل طوال التاريخ، وليس في موضعٍ واحد أو زمان واحد، بل في أزمنة مختلفة، كانت الدنيا تُملأ بالظلم والجور، سواءٌ في عهد الفراعنة، أو في عصور الحكومات الطاغوتيّة أو في أيّام الحكومات الظالمة التي جعلت كلّ هذه الدنيا ترزح تحت وطأة ظلمها وفي ظلّ السُّحُب السوداء للجور والعدوان بحيث إنّه لم نرَ فيها أيّ علامة على العدالة والحرّيّة. فكما أنّ الدنيا عاشت مثل هذا اليوم، فإنّها سترى يوماً

 


[1] بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج٣٨، ص١٢٦.

 

89


78

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

يمتلئ العالم كلّه في جميع آفاقه بنور العدل، ولا يكون فيه أيّ مكانٍ لا يمتلئ بالقسط. وهناك لن يكون أيّ مكانٍ يحكمه الظلم أو يكون فيه البشر تحت وطأة الظلم وجور الحكومات وتسلّط المقتدرين، وآلام التمييز العنصريّ؛ أي أنّ هذا الوضع الّذي يهيمن على العالم اليوم، وقد كان يعمّ هذه الدنيا في يومٍ من الأيّام، سوف يتبدّل إلى عموميّة العدل[1].

 

٦- الاقتراب من حاكميّة القرآن والإسلام

وجود الحكومة الإسلاميّة لن يؤخّر عاقبة الموعود، بل سيسرّع من ذلك، وهذا هو معنى الانتظار. انتظار الفرج يعني انتظار حاكميّة القرآن والإسلام. فأنتم لم تقنعوا بما هو موجودٌ الآن في العالم، حتّى بهذا التقدّم الذي حقّقتموه عبر الثورة الإسلاميّة، تريدون أن تقتربوا أكثر إلى حاكميّة القرآن والإسلام، هذا هو انتظار الفرج. انتظار الفرج يعني انتظار فرج أمر البشريّة.

واليوم، فإنّ حال البشريّة قد وصل إلى المضائق الشديدة والعُقَد الصعبة. فاليوم إنّ الثقافة المادّيّة تُفرض على البشر بالقوّة، وهذه معضلة. إنّ من يعذّب البشر اليوم على مستوى العالم هو التمييز، فهذه عقدةٌ كبرى. واليوم قد أوصلوا حال ذهنيّة الناس الخاطئة إلى

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢١/٠١/١٣٦٦ هـ.ش (١٠/٤/١٩٨٧م).

 

90


79

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

حيث تضيع صرخات طلب العدالة من قبل شعبٍ ثائرٍ وسط عربدة المتسلّطين والمهيمنين وسكرهم؛ وهذه عقدةٌ أخرى أيضاً. واليوم يعاني مستضعفو أفريقيا وأمريكا اللاتينيّة، وملايين الناس الجائعين في آسيا وآسيا القصوى، وملايين ذوي البشرة الملوّنة من ظلم التمييز العنصري، وقد تطلّعت عيونهم بأملٍ نحو منجٍ ومنقذ، ولا تسمح القوى الكبرى لهذا النداء المنجي بأن يصل إلى أسماعهم، هذه معضلة. فالفرج يعني فتح هذه المضائق وحلّ هذه المعضلات وفكّ هذه العُقد. فوسّعوا من رؤيتكم، ولا نحدّ أنفسنا في بيوتنا وحياتنا اليوميّة، فالعالم كلّه يطلب الفرج ولكن لا يدري ما هو الطريق.

وأنتم أيّها الشعب الثوريّ المسلم، يجب أن تقتربوا بحركتكم المنظّمة في مواصلة الثورة الإسلاميّة إلى الفرج العالميّ للبشريّة، وأن تقرّبوا أنفسكم من ظهور المهديّ الموعود والثورة الإسلاميّة النهائيّة للبشريّة الّتي ستشمل العالم كلّه وتحلّ كلّ هذه العُقَد خطوة خطوة، وأن تقرّبوا البشريّة بذلك أيضاً، فهذا هو انتظار الفرج. وإنّ لطف الرّب المتعال، ودعاء وليّ العصر(عجل الله تعالى فرجه الشريف) المُستجاب، سيكون دعامتنا في هذا الطريق، ويجب علينا أن نتعرّف على هذا الإمام أكثر ونكون أكثر ذكراً له. فلا ينبغي أن ننسى إمام الزمان. فاحفظوا ذكر وليّ الله الأعظم في قلوبكم، واقرأوا: «اللهمّ إنّا نرغب إليك في دولةٍ كريمة» من أعماق قلوبكم وبالضراعة الكاملة. فَلْتكن أرواحكم في انتظار المهديّ وكذلك قواكم الجسمانيّة فَلْتتحرّك في هذا الطريق. وإنّ كلّ خطوةٍ تخطونها على طريق تثبيت هذه الثورة الإسلاميّة ستكون خطوة إضافيّة نحو ظهور المهديّ[1].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢٩/٠٣/١٣٦٠ هـ.ش (١٩/٦/١٩٨١م).

 

91


80

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

تحقّق الفرج الحقيقيّ بالعمل والدافع والحركة

 

حينما انتفض الشعب الإيرانيّ إنّما انتفض بعد أن تسلّح بالأمل وبعد أن تحقّق ذلك الأمل، تمّ حصد تلك الغاية الكبرى، وإنّ شعبنا يتطلّع إلى المستقبل بالأمل نفسه، ويتقدّم إلى الأمام يحدوهُ الأمل والنشاط وإنّ شعاع الأمل هذا هو الذي يدعو الشباب إلى الاندفاع والحركة والنشاط، ويَحول دون وقوعهم تحت وطأة اليأس والقنوط، ويعمل على إحياء روح التحرُّك في المجتمع. هذه هي نتيجة انتظار الفرج.

وعليه، لا بدّ من انتظار الفرج النهائي، وانتظاره في جميع مراحل الحياة الفرديّة والاجتماعيّة.

لا تسمحوا لليأس أن يستولي عليكم، بل انتظروا الفرج، واعلموا أنّ هذا الفرج سوف يتحقّق؛ شريطة أن يكون انتظاركم انتظاراً حقيقيّاً، مصحوباً بالعمل والنشاط والاندفاع والحركة[1].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢٩/٦/١٣٨٤ هـ.ش (٢٠/٩/٢٠٠٥م).

 

92

 


81

الفصل الثاني: الانتظار والمنتظرون

إنّ المجتمع المهدويّ هو ذلك العالم الّذي يأتي فيه إمام الزمان ليصلحه، وهو المجتمع نفسه الّذي ظهر من أجله جميع الأنبياء؛ أي أنّ كلّ الأنبياء كانوا مقدّمة لذلك المجتمع الإنسانيّ المثاليّ، والّذي سيتحقّق في نهاية الأمر بوساطة وليّ العصر المهديّ الموعود. مثل بناءٍ شامخٍ، يأتي شخصٌ فيسطّح الأرض ويزيل منها الأشواك والعوائق، ثمّ يأتي شخصٌ آخر من بعده ويصنع فيها الأسس، ثمّ يأتي شخصٌ آخر ليضع فيها الأعمدة والأركان، وهكذا شخصٌ بعد آخر، يأتون لعمارة الجدران حتّى يصل هذا القصر المرتفع، وهذا البنيان الرفيع إلى شكله النهائيّ. لقد جاء الأنبياء الإلهيّون، ومنذ بداية تاريخ البشريّة، واحداً بعد آخر، من أجل أن يقرّبوا المجتمع والبشريّة خطوةً خطوة نحو ذاك المجتمع المثاليّ وذاك الهدف النهائيّ. لقد نجح جميع الأنبياء ولم يفشل أيّ واحدٍ من رسل الله على هذا الطريق، وفي هذا المسير، لقد كان حملاً على عاتق هؤلاء المأمورين الشامخين، وكلّ واحدٍ منهم تقدّم به خطوةً نحو المقصد والهدف النهائيّ، وسعوا بكلّ جهدهم من أجل القيام بهذا العمل. وعندما كانوا يصلون إلى آخر حياتهم كان هناك من يأتي من بعدهم ليضع هذا الحمل على عاتقه ويتقدّم به مسافةً أخرى، مقترباً بذلك من ذلك الهدف. ووليّ العصر(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، هو

 

93

 

 


82

الفصل الثالث: خصائص المجتمع المهدويّ

وارث جميع الأنبياء الإلهيّين، فعندما يأتي ستكون الخطوة الأخيرة على طريق إيجاد ذلك المجتمع الإلهيّ.

أتحدّث قليلاً حول صفات ذلك المجتمع. بالطبع، لو أنّكم دقّقتم في الكتب الإسلاميّة وفي المصادر الإسلاميّة الأساسيّة للاحظتم جميع خصائص ذلك المجتمع. فدعاء النّدبة هذا الّذي تُوفّقون بإذن الله لقراءته أيّام الجمعة، يذكر خصائص ذلك المجتمع:

 

١- مجتمع عزيز

فعندما نقول: «أين معزّ الأولياء ومذلّ الأعداء» مثلاً، فذلك المجتمع هو مجتمعٌ يكون فيه أولياء الله أعزّاء وأعداء الله أذلّاء؛ أي أنّ القيم والمعايير الحاكمة في ذلك المجتمع تكون هكذا[1].

 

٢- تُطبّق فيه الحدود الإلهيّة

«أين المُعدّ لإقامة الحدود»، ففي هذا المجتمع تُطبّق الحدود الإلهيّة وتُراعى كلّ الحدود الّتي عيّنها الله تعالى والإسلام في مجتمع إمام الزمان. فعندما يظهر إمام الزمان يصنع مجتمعاً له باختصار مثل هذه الخصوصيّة، دقّقوا حولها في الآيات وفي الأدعية عندما تقرأونها، فتتفتّح أذهانكم في هذا المجال، وتتّسع، فمجرّد قراءة دعاء النّدبة ليس كافياً، فالمطلوب هو الفهم وأخذ الدروس[2].

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٠٦/٠٤/١٣٥٩ هـ.ش (٢٧/٦/١٩٨٠م).

[2] المصدر نفسه.

 

95


83

الفصل الثالث: خصائص المجتمع المهدويّ

٣- خالٍ من الظلم والجَور

إنّ إمام الزمان (صلوات الله وسلامه عليه)، يبني مجتمعه على إزالة وقمع وقلع جذور الظلم والطغيان. فلا ينبغي أن يكون في هذا المجتمع الّذي يكون في زمان وليّ العصر(عجل الله تعالى فرجه الشريف) أيّ ظلمٍ وجور، لا أنّ الأمر يكون في إيران فحسب، ولا حتّى في المجتمعات الّتي يقطنها المسلمون، بل في كلّ العالم. فلن يكون أيّ ظلمٍ اقتصاديّ أو سياسيّ أو ثقافيّ أو أيّ نوعٍ آخر في ذلك المجتمع. فيجب اقتلاع كلّ الاختلافات الطبقيّة وكلّ أنواع التمييز وعدم المساواة والتسلّط والهيمنة.

 

٤- الارتقاء بمستوى الفكر البشريّ

إنّ من خصائص المجتمع المثاليّ الّذي يصنعه إمام الزمان(عجل الله تعالى فرجه الشريف)، هو الارتقاء بمستوى الفكر البشريّ، سواء على المستوى العلميّ الإنسانيّ أو المعارف الإسلاميّة. ففي زمن وليّ العصر، لن تجدوا في كلّ العالم أيّ أثرٍ للجهل والأميّة والفقر الفكريّ والثقافيّ. هناك يتمكّن الناس من معرفة الدين معرفة صحيحة، وقد كان هذا، كما تعلمون جميعاً، من الأهداف الكبرى للأنبياء، الّذي أشار إليه أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، في خطبة نهج البلاغة الشريفة، «... ويثيروا لهم دفائن العقول...»[1].

لقد جاء في رواياتنا أنّه عندما يظهر وليّ العصر، فإنّ المرأة تجلس في بيتها وتفتح القرآن وتستخرج منه حقائق الدين وتفهمها. فماذا

 


[1] نهج البلاغة، ج١، ص٢٣، خطبتهj في صفة خلق آدم.

 

96


84

الفصل الثالث: خصائص المجتمع المهدويّ

يعني ذلك؟ يعني ذلك أنّ مستوى الثقافة الإسلاميّة والدينيّة يرتقي إلى درجة أنّ جميع الأفراد، وكلّ أبناء المجتمع، والنساء اللواتي لا يشاركن في ميدان الاجتماع على سبيل الفرض، ويبقين في بيوتهنّ، فإنّهنّ يتمكّنّ من أن يصبحن فقيهات وعارفات في الدين. فيتمكّنّ من فتح القرآن، وفهم حقائق الدين بأنفسهنّ. انظروا إلى مجتمعٍ يكون فيه الجميع -نساءً ورجالاً- وعلى كافّة المستويات قادرين على فهم الدين والاستنباط من الكتاب الإلهيّ، فكم سيكون هذا المجتمع نورانيّاً، ولن يبقى فيه أيّ نقطة ظلام وظلاميّة. فكلّ هذه الاختلافات في وجهات النّظر والتحليل، لن يبقى لها أيّ أثرٍ في ذلك المجتمع[1].

 

٥- تفعيل جميع الطاقات والإمكانات

في عصر إمام الزمان ستكون جميع القوى الطبيعيّة وكلّ الطاقات البشريّة في حالة انبعاثٍ فلا يبقى أيّ شيءٍ في باطن الأرض ولا يستفيد منه البشر. فكلّ هذه الإمكانات الطبيعيّة المعطّلة، وكلّ هذه الأراضي الّتي يمكن أن تغذّي الإنسان، وكلّ هذه الطاقات والقوى الّتي لم تُكشف بعد، كتلك الطاقات الّتي بقيت عبر قرون التاريخ. مثلاً، القدرة النوويّة والطاقة الكهربائيّة كانت وعبر قرون عمر هذا العالم، في باطن الطبيعة ولم يكن البشر يعرفونها، ثمّ بعد ذلك قاموا باستخراجها

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٠٦/٠٤/١٣٥٩ هـ.ش (٢٧/٦/١٩٨٠م).

 

97


85

الفصل الثالث: خصائص المجتمع المهدويّ

بالتدريج. فكلّ الطاقات والإمكانات اللامتناهية الموجودة في باطن الطبيعة هي من هذا القبيل، وسوف تُستخرج في عصر إمام الزمان[1].

 

٦- محور الفضيلة والأخلاق

إنّ المحور في عصر إمام الزمان هو محور الفضيلة والأخلاق. فكلّ من كان صاحب فضيلة أخلاقيّة أكثر سيكون مقدّماً وسبّاقاً[2].

 

٧- شموليّة العدل وعمومه

جاء في الرواية: «القائم منّا منصورٌ بالرّعب مؤيّدٌ بالنصر، تُطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب»[3]، ممّا يعني أنّ كلّ الحكومات الظالمة والأجهزة الجائرة ستكون مرعوبةً منه. في ذلك الزمن، سيكون هناك حالةٌ في زمان وليّ العصر (أرواحنا فداه)، من الشموليّة والعموميّة بحيث يمكن أن تحقّق الحكومة العالميّة. «مؤيّدٌ بالنصر»، فنصر الله يؤيّده. و«تُطوى له الأرض»؛ أي إنّها ستكون بيده وفي قبضة قدرته. وتظهر تلك الكنوز وتبلغ سلطته مشرق العالم ومغربه[4].

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٠٦/٠٤/١٣٥٩ هـ.ش (٢٧/٦/١٩٨٠م).

[2] المصدر نفسه.

[3] بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج ٥٢، ص ١٩١.

[4] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢١/٠١/١٣٦٦ هـ.ش (١٠/٤/١٩٨٧م).

 

98


86

الفصل الثالث: خصائص المجتمع المهدويّ

٨- عمارة الأرض

وبعد جُمَلٍ عدّة يقول: «فلا يبقى خرابٌ إلّا قد عُمِّر»[1]؛ أي أنّ هذه السلطة سوف تُنفق في عمارة الأرض، لا في السيطرة على ثروات البشر وفي استضعافهم. وفي كلّ نقاط العالم لن يبقى أيّ نقطةٍ من الخراب إلّا وستُعمّر؛ سواءٌ كانت خرابات حصلت على أيدي البشر أو بسبب جهلهم[2].

 

٩- سلامة النفوس من البخل والحرص

هناك رواية أخرى عن الإمام الباقر (عليه الصلاة والسلام) يقول فيها: «حتّى إذا قام القائم جاءت المزايلة وأتى الرجل إلى كيس أخيه فيأخذ حاجته فلا يمنعه»[3]، وهي إشارة إلى أخلاق المساواة بين البشر وإلى الإيثار. وتبشّر هذه الرواية بنجاة البشر من تسلّط البخل والحرص الّذي كان أكبر سببٍ لشقاء البشريّة. وهذا في الحقيقة علامةٌ على ذلك النظام الإسلاميّ السالم أخلاقيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً في ذلك الزمان. فلا يوجد أيّ قهرٍ وإجبارٍ في البين، بل إنّ البشر أنفسهم ينجون من البخل الإنسانيّ والحرص البشريّ وستتحقّق مثل هذه الجنّة الإنسانيّة[4].

 

١٠- التخلّص من الفساد الإداريّ

يوجد في روايةٍ أخرى أيضاً: «إذا قام قائمنا اضمحلّت القطائع، فلا قطائع»[5]، فتلك القطائع الّتي تمنحها الحكومات المستكبرة في العالم

 

 


[1] كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق، ص ٣٣١.

[2] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢١/٠١/١٣٦٦ هـ.ش (١٠/٤/١٩٨٧م).

[3] وسائل الشيعة (آل البيت)، الحرّ العامليّ، ج٥، ص ١٢١.

[4] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢١/٠١/١٣٦٦ هـ.ش (١٠/٤/١٩٨٧م).

[5] قرب الإسناد، الحميريّ، ص ٨٠.

 

99


87

الفصل الثالث: خصائص المجتمع المهدويّ

لأتباعها وحلفائها، وذلك الكرم الحاتميّ الّذي يحصل من جيوب الشعوب سوف يتوقّف تماماً في العالم. وقد كانت القطائع في الماضي بشكل وهي اليوم بشكل آخر. كانت في الماضي بحيث إنّ الخليفة أو السلطان يمنح أرضاً أو صحراءَ أو قريةً أو مدينةً أو حتّى ولايةً لشخصٍ ما، فيقول له: اذهب هناك وافعل ما يحلو لك فيها، خذ من أهلها الجبايات والخراج واستعمل مزارعها واستفد منها وكلّ فائدة مادّيّة هي لك. وكان عليه طبعاً أن يعطي السلطان حظّه. واليوم، هي بصورة الاحتكارات النفطيّة والتجاريّة والصناعيّة والفنّية المختلفة، وكلّ هذه الصناعات الكبرى وهذه الاحتكارات الّتي جعلت الشعوب مسكينةً هي في الواقع في حكم القطائع، الّتي أُشير إليها، وفيها كانت تُمارس كلّ أنواع الرشاوة والمحاباة. إنّ هذا البساط الّذي يقتل البشر ويقضي على الفضيلة سوف يُطوى وسوف توضع أسباب الاستفادة والنفع بيد جميع الناس[1].

 

١١- التخلّص من الفساد الاقتصاديّ

وفي روايةٍ أخرى ناظرة إلى الوضع الاقتصاديّ يقول: «ويسوّي بين الناس حتّى لا ترى محتاجاً إلى الزكاة»، ما يعني أنّه لن يبقى هناك أيّ فقير يحتاج إلى زكاة أموالكم، وبالطبع سيكون لهذه الزكاة مصرفها في الأمور العامّة لا للفقراء، لأنّه لن يبقى هناك أيّ فقير؛ ومثل هذه الروايات

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢١/٠١/١٣٦٦ هـ.ش (١٠/٤/١٩٨٧م).

 

100


88

الفصل الثالث: خصائص المجتمع المهدويّ

ترسم الجنّة الإسلاميّة والعالم الواقعيّ. وليس هذا الأمر مشابهاً لتلك المدن الفاضلة الّتي صنعها البعض في خيالاتهم وأوهامهم. كلّا، إنّ كلّ تلك الشعارات الإسلاميّة الّتي هي جميعاً قابلة للتطبيق، ونحن في الجمهوريّة الإسلاميّة نشعر أنّ هناك قدرة وقلباً وفكراً متّصلاً بالوحي والتأييد الإلهيّ ومعصوماً يمكنه يقيناً أن يحقّق مثل هذا الوضع، وسوف تقبل البشريّة على ذلك حتماً. هذه هي حالة ذلك العالم[1].

 

١٢- مرحلة بداية حياة البشر

لقد بُعث النبيّ ليُعلِّم الناس ويزكِّيهم }وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ{[2]، وورد في مواضع أخرى }وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ{[3]. فلا بدّ من تعليم الناس وتزكيتهم أيضاً، كي يتسنّى لهذا المجتمع البشريّ الكبير الذي يقطن هذه المعمورة أن يطوي طريق الكمال كأسرة متوحِّدة سليمة، ويتنعَّم بما في هذا العالم من خيرات، وهذا هو الهدف من بعث الأنبياء؛ فكلُّ مَن بُعث منهم(عليهم السلام)أنجز هذه المهمّة العظمى في التربية والتعليم بما كانت تسمح به الإمكانيّات المتوفّرة في زمانهم، وكان على الدين الخاتم والنبيّ الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يضفي على هذا التحرّك الإلهيّ العملاق طابع الأبديّة، فليس هنالك من نبيّ يأتي بعده حتّى تحطّ البشريّة رحالها عند المحطّة الأخيرة من حياتها في هذا العالم -حيث يفترض أن تتّسم حياة البشريّة على هذا الكوكب الأرضيّ بالوئام والسلام والعدل، ويغمرها بخيرات هذا العالم-

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٢١/٠١/١٣٦٦ هـ.ش (١٠/٤/١٩٨٧م).

[2] سورة البقرة، الآية ١٢٩.

[3] سورة آل عمران، الآية ١٦٤؛ سورة الجمعة، الآية ٢.

 

101


89

الفصل الثالث: خصائص المجتمع المهدويّ

وتنتقل إلى العالم الآخر، فأنّى يتسنّى السير بالبشريّة نحو تلك الدار؟ إنّه يتحقّق عندما تتواصل عمليّة التربية إلى جانب التعليم المتواصل الذي تمارسه الحكومة والنظام السياسيّ الذي يشابه النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) -وهو المعصوم- حيث يقود المجتمع البشريّ ويتولّى تربيته وتهذيبه من العوالق الذميمة كي تبلغ البشريّة تلك المحطّة التي تمثّل منطلقاً للحياة السعيدة التي تحلم بها الإنسانيّة، وذاك ما نعبّر عنه بعهد وليّ العصر (أرواحنا فداه).

إنّ عهد صاحب الأمر (أرواحنا فداه) هو منطلق الحياة البشريّة وليس فناءها، ففيه ستنطلق الحياة الحقيقيّة للإنسان والسعادة الواقعيّة لهذا الكيان البشريّ الكبير، ويتيسّر للإنسان التنعُّم بالخيرات التي تضمّها هذه الأرض والمواهب والطاقات الكامنة في هذا الكون بدون أيّ ضرر أو خسارة[1].

ليس الأمر بحيث عندما نصل إلى هناك ستحصل حركة دفعيّة ثمّ ينتهي الأمر، لا، إنّما هناك مسير [أيضاً]. وفي الواقع يجب القول إنّ الحياة الرئيسة [الأساسيّة] للبشريّة وحياة الإنسان المنشودة الصالحة

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ١٤/٧/١٣٧٩ هـ.ش (٥/١٠/٢٠٠٠م).

 

102


90

الفصل الثالث: خصائص المجتمع المهدويّ

ستبدأ من هناك، وتبدأ البشريّة لتوّها بالسير في طريق هو الصراط المستقيم الذي يوصلها إلى الهدف من الخلقة. إنّه طريق يأخذ بأيدي [كلّ] البشريّة إلى هناك، وليس بعض أفرادها؛ أي أنّ الأمر يتعلّق بالمجاميع وليس بالأفراد. طبعاً، هذا لا يعني أنّ طبيعة البشريّة ستتغيّر في ذلك الحين، لا، فطبيعة البشر هي طبيعة صراع ونزاع داخليّ بين الخير والشرّ. هناك عقل الإنسان وطبعه، ولغرائز الإنسان أيضاً أحكامها ونزعاتها، وميول الإنسان ونزعاته الطبيعيّة تفعل فعلها، والعقل أيضاً يفعل فعله، وسيكون هذا النزاع قائماً في ذلك العهد أيضاً. ليس الأمر بحيث تتحوّل البشريّة كلّها في ذلك العهد إلى ملائكة، لا، سيكون هناك أيضاً نزاع وصالحون وطالحون، بيد أنّ الطريق والجادّة ستكون سهلة ويسيرة ومساعدة على الصلاح والسير بصورة صحيحة نحو الهدف الحقيقيّ من المسيرة. هذه هي خصوصيّة ذلك الطريق الذي يمثِّل المعنى الحقيقيّ والواقعيّ لـ«العدل». وهذا أمر قطعيّ حتميّ. وإنّ النجاحات والتوفيقات التي أحرزها البشر خلال هذا الطريق تؤكّد هذا المعنى لذهن الإنسان المشكّك في تحقّق الوعود[1].

 

١٣- قيام الحضارة الإسلاميّة بنحو كامل وتامّ

إنّ الحضارة الإسلاميّة، وبلا شك، بإمكانها النزول إلى الميدان بنفس تلك الوسائل التي استخدمتها الحضارات التاريخيّة الكبرى والسيطرة على منطقة -كبيرة كانت أم صغيرة- وإنزال بركاتها أو صدماتها على هؤلاء، وباستطاعتها أن تخوض هذه التجربة المعقدة والطويلة والشاقّة

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ١١/٠٦/٢٠١٤م.

 

103


91

الفصل الثالث: خصائص المجتمع المهدويّ

وبلوغ تلك الذروة. ولا مراء في أنّ الحضارة الإسلاميّة سوف تتجلّى بصورتها الكاملة في عصر ظهور بقيّة الله (أرواحنا فداه)، ذلك العصر الذي سوف تتحقّق فيه الحضارة الإسلاميّة الأصيلة ويظهر فيه العالم الإسلاميّ الحقيقيّ. إنّ بعضهم يتصوّر أنّ عصر ظهور بقيّة الله سيكون في آخر الزمان ونهاية العالم! ولكنّني أقول إنّ عصر ظهور بقيّة الله هو بداية العالم والخطوة الأولى في حركة الإنسان على الصراط الإلهيّ المستقيم، سواء أكان ذلك مع القليل من العقبات أو بدونها، وبسرعة قصوى، وبتوفير كافّة الإمكانيّات من أجل هذه الحركة. ولو افترضنا أنّ الصراط الإلهيّ المستقيم يشبه طريقاً واسعاً ومستقيماً وممهَّداً، حيث جاء كافّة الأنبياء خلال القرون الطويلة الماضية لينقذوا البشريّة من سبل الضلال ويرشدونها إلى هذا الطريق القويم، فلا بدّ من أنّ حركة الإنسان ستبلغ ذروتها لدى بلوغ هذا الطريق، ولسوف تغدو حركة عامّة وشاملة يحالفها التوفيق بلا أدنى خسائر أو مع الضئيل منها. إنّ عصر الظهور هو ذلك العصر الذي تستطيع البشريّة أن تتنفّس فيه الصعداء، وتتنكّب الطريق الإلهي، وتتمتّع بكافّة الطاقات الكامنة في عالم الطبيعة وفي وجود الإنسان على نطاق واسع. إنّ الإمكانات البشريّة لا تُستخدم بالصورة الصحيحة الآن، فتضيع الطاقات وتذهب سُدى، وكذلك هي الطاقات الطبيعيّة؛ إنّ كافّة هذه الظواهر التي تشاهدونها في التلوّث

 

104


92

الفصل الثالث: خصائص المجتمع المهدويّ

البيئيّ مردّها جميعاً إلى سوء استخدام الإمكانات الطبيعيّة. وإنّ البشريّة تغذّي السير في هذا الطريق بينما هو خاطئ وغير فريد. إنّ الإنسانيّة غافلة عن طريق العلم وسواه من الطرق القويمة التي تستطيع السير عليها في ظلّ النظام الإلهيّ؛ ولا أودّ الآن الخوض في هذا الموضوع، حيث يتطلّب ذلك المجال الأوسع. وعلى أيّة حال، فإنّ بلوغ الحضارة الإسلاميّة هو النهج الذي يتمسّك به النظام الإسلاميّ[1].

 

١٤- الحكومة المهدويّة حكومة شعبيّة

إنّ الحكومة المستقبليّة للمهديّ الموعود (أرواحنا فداه) حكومة شعبيّة بكلّ معنى الكلمة، فماذا تعني الشعبيّة يا ترى؟ إنّها تعني الاعتماد على إيمان الجماهير وإرادتها وسواعدها؛ فإنّ إمام الزمان لا يملأ الدنيا عدلاً وقسطاً بمفرده وإنّما يقرّ العدل الإلهيّ في كافّة أرجاء المعمورة ويقيم حكومة شعبيّة مائة بالمائة مستعيناً بالجماهير المؤمنة ومعتمـداً عليهـا. والفـارق بيـن هذه الحكومة الشعبيّة والحكومـات الـتي تـدّعي الشـعبيّة والديمقراطيّة فـي عالمنـا المعـاصر كـالبُعـد

 

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ١٤/٧/١٣٧٩هـ.ش.

 

105


93

الفصل الثالث: خصائص المجتمع المهدويّ

ما بين الأرض والسماء فما يسمّونه اليوم على المستوى العالميّ بالديمقراطيّة وحاكميّة الشعب هو عين تلك الدكتاتوريّة القديمة، لكنّها ارتدت ثوباً جديداً؛ أي دكتاتوريّة الطبقات فإذا ما كان هنالك تنافس فهو يدور بين الطبقات ولا شأن للشعب به إذ يستحوذ حزب على السلطة ويمسك بمقدِّرات الأمور في البلاد بفعل قدرته السياسيّة مستغلّاً إيّاها لجمع الأموال والثروات لصالحه وتسخيرها للاستحواذ على المزيد من السلطة.

إنّ الديمقراطيّات السائدة في عالمنا المعاصر تقوم على الإعلام المزيّف الماكر وخداع الأبصار والقلوب. انظروا إلى الذين يتشدّقون بشعار الديمقراطيّة اليوم في العالم، ماذا يصنعون أثناء الحملات الانتخابيّة للترشيح لرئاسة الجمهوريّة أو لنيابة المجالس البرلمانيّة وما ينفقون من أموال فالديمقراطيّة أسيرة في قبضة سلطة المال.

إنّ حاكميّة إمام الزمان الشعبيّة -أي حاكميّة الشعب الدينيّة- تختلف تماماً عن هذا الأسلوب.

ومن أجل هذا يأتي تأكيدي على وجوب الحذر من سوء الاستغلال الماليّ داخل أجهزة السلطة التابعة للحكومة؛ فالخسارة الكبرى الناجمة عن الفساد الاقتصاديّ داخل أجهزة الدولة إنّما تتمثل في توظيف المال لخدمة السلطة واستخدام السلطة لخدمة المال، فيتبلور عن ذلك دور باطل حيث يُساء استغلال السلطة والمسؤوليّة لجمع الثروة والمال، ومن ثَمَّ يكرّس هذا المال لشراء أصوات المنتخبين سواء كان شراء مكشوفاً -كما هو المتداول في الكثير من مناطق العالم حيث يدفعون

 

106


94

الفصل الثالث: خصائص المجتمع المهدويّ

الأموال- أو شراءً خفيّاً بأساليب متعدّدة؛ أي الحصول على الشعبيّة عبر شتّى الإنفاقات فإذا ما استُقْطِبَت أصوات الجماهير عبر الإعلام الماكر الباذخ فليست تلك حاكميّة شعب ولا مشاركة جماهيريّة بل إنّ أصوات الجماهير أضحت هنا ألعوبة وإنّ التوسُّل بالخداع والتحايل لاستقطاب أصوات الشعب يُعَدُّ جرماً في النظام الإسلاميّ الذي يمثِّل بقيّة الله (أرواحنا فداه) مظهره التامّ وإنّ استغلال السلطة للاستيلاء على الأموال يُعَدُّ من أعظم الجرائم فأنصار الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه الشريف) مكلَّفون بأن يتّخذوا الحدّ الأدنى من المعيشة وإنّ نظامنا الإسلاميّ يمثِّل قبساً ضئيلاً من تلك الحقيقة الزاهرة ونحن لم ولن ندّعيَ ذلك أبداً، ولكن لا بدّ من أن نتحلّى بنفحات منه[1].

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ في تاريخ ٣٠/٧/١٣٨١ هـ.ش (٢٢/١٠/٢٠٠٢م).

 

107


95
المهدويّة أمل البشرية