مفردات في غريب القرآن الكريم

دروس في المبادئ والتطبيقات


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2021-08

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدّمة

المقدّمة

 

الحمد للَّه ربِّ العالمين، وصلّى اللَّه على سيّدنا محمّد وآله الأطيبين الأطهرين، وبعد

 

إنّ شرافة أيّ علمٍ أو فنٍّ ترتبط بشرافة موضوعه وقيمته. وأيُّ موضوعٍ أشرف وأرقى وأعظم من كلام اللَّه - عزّ وجلّ ! الذي نزل على قلب أشرف خلقه ورسله محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وكان بعده الثِّقْل الأكبر، وعِدْل العترة الطاهرة. وأيُّ وصفٍ ونعتٍ ومدحٍ يمكن أن ينطق به لسانُنا العاجزُ والمقصِّر بحيث يرقى إلى مستوى التّعريف بفضل القرآن الكريم وشرافة آياته وألفاظه! إنّها لوظيفةٌ صعبة، وحِمْلٌ ثقيل، نلقي بعهدته على أخ القرآن، وتِلْوِه في العظمة والبلاغة وروعة البيان بعد كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، عنيت به نهج البلاغة لأمير المؤمنين عليه السلام الذي وصف القرآن بهذه الكلمات الجليلة حيث قال: "ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْه الْكِتَابَ نُوراً لَا تُطْفَأُ مَصَابِيحُه، وسِرَاجاً لَا يَخْبُو تَوَقُّدُه، وبَحْراً لَا يُدْرَكُ قَعْرُه، ومِنْهَاجاً لَا يُضِلُّ نَهْجُه، وشُعَاعاً لَا يُظْلِمُ ضَوْءُه، وفُرْقَاناً لَا يُخْمَدُ بُرْهَانُه، وتِبْيَاناً لَا تُهْدَمُ أَرْكَانُه، وشِفَاءً لَا تُخْشَى أَسْقَامُه، وعِزّاً لَا تُهْزَمُ أَنْصَارُه، وحَقّاً لَا تُخْذَلُ أَعْوَانُه، فَهُوَ مَعْدِنُ الإِيمَانِ وبُحْبُوحَتُه[1]، ويَنَابِيعُ الْعِلْمِ وبُحُورُه،


 


[1] بحبوحة المكان: وسطه، راجع: الزبيدي، محمد بن محمد، تاج العروس، تحقيق: علي شيري، دار الفكر، لبنان - بيروت، 1414هـ - 1994م، لا.ط، ج4، ص5.

 

10


1

المقدّمة

ورِيَاضُ الْعَدْلِ وغُدْرَانُه، وأَثَافِيُّ[1] الإِسْلَامِ وبُنْيَانُه، وأَوْدِيَةُ الْحَقِّ وغِيطَانُه[2]، وبَحْرٌ لَا يَنْزِفُه الْمُسْتَنْزِفُونَ، وعُيُونٌ لَا يُنْضِبُهَا الْمَاتِحُونَ[3]، ومَنَاهِلُ لَا يَغِيضُهَا الْوَارِدُونَ، ومَنَازِلُ لَا يَضِلُّ نَهْجَهَا الْمُسَافِرُونَ، وأَعْلَامٌ لَا يَعْمَى عَنْهَا السَّائِرُونَ، وآكَامٌ[4] لَا يَجُوزُ عَنْهَا الْقَاصِدُونَ. جَعَلَه اللَّه رِيّاً لِعَطَشِ الْعُلَمَاءِ، ورَبِيعاً لِقُلُوبِ الْفُقَهَاءِ، ومَحَاجَّ لِطُرُقِ الصُّلَحَاءِ، ودَوَاءً لَيْسَ بَعْدَه دَاءٌ، ونُوراً لَيْسَ مَعَه ظُلْمَةٌ، وحَبْلًا وَثِيقاً عُرْوَتُه، ومَعْقِلًا مَنِيعاً ذِرْوَتُه، وعِزّاً لِمَنْ تَوَلَّاه، وسِلْماً لِمَنْ دَخَلَه، وهُدًى لِمَنِ ائْتَمَّ بِه، وعُذْراً لِمَنِ انْتَحَلَه، وبُرْهَاناً لِمَنْ تَكَلَّمَ بِه، وشَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ بِه، وفَلْجاً[5] لِمَنْ حَاجَّ بِه، وحَامِلًا لِمَنْ حَمَلَه، ومَطِيَّةً لِمَنْ أَعْمَلَه، وآيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ، وجُنَّةً لِمَنِ اسْتَلأَمَ[6]، وعِلْماً لِمَنْ وَعَى، وحَدِيثاً لِمَنْ رَوَى، وحُكْماً لِمَنْ قَضَى"[7].

 

وقد اتّخذت العديد من العلوم والأشكال التصنيفيّة من القرآن الكريم وآياته موضوعًا لها، كالتفّسير بشقّيه التجزيئي والموضوعي، وآيات الأحكام، وشتّى أنواع علوم القرآن الكريم: كالناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والمكّي والمدنيّ، وجمع المصحف وترتيبه، وأسباب النزول ومناسباته...، وهكذا تناول كلُّ علم من هذه العلوم القرآن الكريم من زاوية بحثه ونظره وغايته.


 


[1] الأثافي جمع أثفية: الحجر يوضع عليه القدر، أي عليه قام الإسلام، راجع: الرضي، الشريف محمد بن الحسن، نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، تحقيق وتصحيح: صبحي الصالح، لا.ن، لبنان - بيروت، 1387هـ.ق - 1967م، ط1، ص661.

[2] جمع غاط أو غوط: وهو المطمئن من الأرض، أي إنّ هذا الكتاب منابت طيبة يزكو بها الحق وينمو، راجع: الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص661.

[3] الماتحون: جمع ماتح: نازع الماء من الحوض، راجع: الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص661.

[4] آكام: جمع أكمة: وهو الموضع يكون أشد ارتفاعاً مما حوله، راجع: الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص661.

[5] الفَلْج: الظفر والفوز، راجع: الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص661.

[6] استلأم: أي لبس اللامة وهي الدرع أو جميع أدوات الحرب، راجع: الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص661.

[7] الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص315 - 316.

 

11


2

المقدّمة

ومن مهمات هذه العلوم علم غريب القرآن الكريم، الذي اعتنى ببحث معاني ألفاظ القرآن، وصبّ اهتمامه على تفسير وشرح معاني المفردات القرآنية، مستفيدًا من اللغة العربية ومعاجمها وقواميسها في تبيين المعنى اللغوي للمفردات من جهة، ومن علم التّفسير ولواحقه من جهةٍ أخرى. ونترك الحديث عن أهمّية هذا العلم إلى الدرس الأوّل من هذا المتن.

 

وهذا المتن الذي بين يديك أيها الأستاذ الكريم والطالب العزيز، يهدف من جهة إلى الإضاءة على علم غريب القرآن الكريم ومبادئه بشكلٍ عام، من التعريف به وبأهميّته وتاريخه وارتباطه بعلم التفسير وأهمّ المصنفين فيه، وغيرها من المباحث، التي تمّ إدراجها ضمن درسين تمهيديين تهتمّ بالجانب النظري والتأسيسي لعلم الغريب تحت عنوان: (مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم).

 

ومن جهةٍ أخرى يهدف هذا المتن إلى الاعتناء بالجانب التطبيقي، من خلال 14 درسًا احتوى كلُّ واحد منها باقةً من المفردات القرآنية الشريفة، وتناول بحثها من خلال 3 فقرات، تضمّنت كلٌّ منها مراحل منهجيّة محدّدة ومضبوطة لاستيفاء غرضها. وسنشير في ما يلي إلى مجموعة من هذه الملاحظات المنهجية، إضافةً إلى الخطوات البحثية التي تضمنتها كل فقرة من الفقرات الثلاث السالفة الذكر:

أوّلًا: منهج تنظيم المفردات في الدروس التطبيقية

بما أنّ المقرّر لهذه المادة 16 حصّة، وقد أُفرِد لدرسي (مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم) حصّتان منها، فما تبقّى للدروس التطبيقية هو 14 حصّةً من المفترض أن يغطّيها 14 درسًا في المتن. ومن أجل تنظيم المفردات التي يُراد بحثها بشكلٍ مهذّب ولطيف، وتسهيل رجوع القارئ إلى المفردة والبحث عن موضعها في المتن، اعتمدنا الترتيب الألفبائي لموادّ المفردات، بحيث يحتوي كلُّ درسٍ على مجموعة من

 

12

 


3

المقدّمة

المفردات تبدأ موادّها بحرفين من الحروف الأبجدية، وهكذا تكون الدروس الأربعة عشر المقرّرة قد استوعبت مفرداتٍ من جميع الحروف الأبجدية الثمانية والعشرين. فالدرس الأول يتناول مفردات تبدأ موادها بحرفي الألف والباء مثلًا، والثاني مفردات من حرفي التاء والثاء...، وهكذا إلى الدرس الرابع عشر الذي يحتوي مفردات من حرفي الواو والياء.

 

وقد سلكنا في التبويب على أساس مادة المفردة لا هيئتها (منهج الراغب في مفرداته)، وهو أقوم وأنظم لمن يريد أن يبحث الأصل اللغوي الذي ترجع إليه المفردة.

 

ثانيًا: منهج انتقاء المفردات

بعد أن حدّدنا منهج ترتيب المفردات، واجهتنا مشكلة الضابطة التي على أساسها سوف يتمّ اختيار المفردات المُراد بحثها، باعتبار أنه إن أمكن إيجاد منهجٍ لانتقاء المفردات - وهي ستكون محدودة بحسب حجم المتن - فهو لا شكَّ أفضل من أن يكون الاختيار عشوائيًّا أو استنسابيًّا وذوقيًّا.

 

وقد وفَّق اللَّه لاعتماد ضابطتين في انتقاء المفردات، أو إحداهما إن لم يتيسَّر مراعاة الضابطتين معًا، وهي:

1- الضابطة الأولى: أن تكون غريبةً قديمًا وحديثًا. ولمعرفة ذلك عمدنا إلى استلال المفردات من أقدم مصنَّفات الغريب، وأكثرها أصالةً، لا سيّما أسئلة نافع بن الأزرق لابن عباس التي تُعَدّ أولى مصادر علم غريب القرآن، وكذلك بواكير المصنّفات التي وصلتنا في هذا المجال، كمجاز القرآن لمعمّر بن المثنّى التيمي (ت210هـ).

 

2- الضابطة الثانية: حاولنا تقديم المفردات التي تكون وحيدةً في مادّتها في القرآن

 

13

 

 


4

المقدّمة

الكريم، أي, إنّ القرآن لم يرد فيه من هذه المادة إلا تلك المفردة التي سنبحثها، مثل: أبًّا من مادة (أ ب ب)، وهذا لا شكَّ أمعن في إضفاء الغرابة والفرادة على المفردة, بخلاف: فارض من مادة (ف ر ض) فإن مشتقاتها كثيرة في القرآن الكريم، إلا أنّ فارض تميّزت بمعنى خاصّ من بينها حتى عدّها البعض شاذّةً عن بابها كما سيأتي، وسيلاحظ القارئ أن أغلب المفردات التي تمّ انتقاؤها تحتوي على هذه الضابطة.

 

ثالثًا: الخطوات المنهجيّة التي تضمّنتها كل فقرة من الفقرات الثلاث التي بُحثت من خلالها المفردة

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

تهدف هذه الفقرة بشكلٍ أساسٍ إلى تسليط الضوء على مورد المفردة القرآنية المُراد بحثها، ومرّات تكرّرها وغيرها من التوصيفات العامّة التي تساعد في ضبط وتحديد عملية البحث عن المفردة، وتتضمّن الخطوات الآتية:

- ذكرُ مادّة المفردة، مثل: أبًّا (أ ب ب)، والإشارة إلى الخلاف في المادّة إن وُجد. وتحديد مادّة المفردة مهمٌّ لناحية معرفة المشتقّات الأخرى من المادّة والتي وردت في القرآن الكريم، مثل: مادة (ن ق ب) ورد منها في القرآن: نَقْبًا، ونقيبًا، ونَقَّبوا. وملاحظة عائلة المفردة في القرآن الكريم التي تتفرّع من مادّة واحدة يساعد على فهمها بشكلٍ أفضل، ومعرفة المعنى الذي أراده القرآن، أو الأصل الذي كان محور اشتقاقات هذه المادّة واستعمالاتها في القرآن.

 

- تحديد ما إذا كانت المفردة وحيدةً في مادّتها في القرآن الكريم، فإن لم يكن الأمر كذلك، وكانت المفردة من مادّة لها مشتقّات أخرى في القرآن الكريم،

 

14

 

 


5

المقدّمة

نذكر هذه المشتقّات، وقد نذكر نصّ الآيات التي وردت فيها تلك المشتقّات الأخرى، أو نكتفي بالإشارة إليها في الهامش، بحسب ما يقتضيه عدم التطويل ووجود الفائدة. وإن كان لها مشتقٌّ واحدٌ آخر فقط، قد نبحثهما معًا (لاحظ: بَسَر - باسرة). وسيلاحظ القارئ الكريم أن أغلب المفردات التي انتقيناها وحيدة في مادتها كما قدّمنا.

 

- تحديد ما إذا كانت السورة مورد المفردة مكّيّة أو مدنيّة، وقد اعتمدنا في ذلك على رأي الشيخ الطوسي في التبيان. ولا يخفى ما لهذا التحديد من فائدة في فهم أبعاد المفردة، إذ كثيرًا ما يُنتهى إلى أنّ المفردة مكّيّة أو مدنيّة، أو ذائعة الاستعمال في إحدى المدينتين دون الأخرى، بسبب اختصاص ورودها بالمكيِّ مثلًا، مع أن في الآيات المدنيّة مواضع مناسبة لذكرها، إلا أنّ المولى الكريم اختار فيها لفظًا آخر مرادفًا.

 

- ذكر الآية مورد المفردة التي هي محلّ البحث، وموقعها في القرآن الكريم. وقد لا يُكتفى بالآية وحدها، فنوردها مع آيات سابقة ولاحقة يتمُّ بها أقلّ قدر من التماسك والارتباط في النصّ المنقول من القرآن الكريم، لا سيّما إذا كانت في سياقٍ لا يمكن فصلها عنه بحيث يتسبّب هذا الاجتزاء بخللٍ في الفهم والتدبّر.

 

2- المعنى اللغوي:

تهدف هذه الفقرة إلى تحديد المعنى اللغوي من خلال تتبّع أقوال أهل اللغة في معنى المفردة وأصل مادتها، وتتضمّن الخطوات الآتية:

- تتبُّعٌ واستقراءٌ لعيون المصادر اللغوية وأثبتها بدءًا بالمتقدّم منها: ككتاب العين للفراهيدي (ت175هـ)، وكِتابَيْ الكنز اللغوي وترتيب اصطلاح المنطق لابن السّكّيت (ت244هـ)، والزّاهر لابن الأنباري (ت328هـ)، والصّحاح للجوهري (ت393هـ)، وغيرها من الكتب المتقدّمة, وانتهاءً بالمتأخرة منها:

 

15


6

المقدّمة

كلسان العرب لابن منظور (ت711هـ)، والقاموس المحيط للفيروزآبادي (ت817هـ)، ومجمع البحرين للطريحي(ت1085هـ).

 

وقد عمدنا إلى ترتيب هذه المصادر في الهامش الواحد بحسب تقدّمها الزمنيّ، مثل: العين..., الزاهر..., الصحاح..., لسان العرب..., مجمع البحرين... وهكذا.

 

وقدّمنا الأعلام المنقول عنهم بالواسطة في مصدرٍ متأخر على المصدر المتقدّم مع ذكر المنقول عنه، مثل: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج4، ص1618 (نقله عن الأخفش), الفرّاء، معاني القرآن...، فمع كون الفراء متقدّماً على الجوهري إلّا أنّنا قدّمنا الجوهري لنقله عن الأخفش المتقدّم عليهما.

 

ونُلْفت عناية القارئ الكريم - لا سيّما الأساتذة والمدرسين الأفاضل - إلى ضرورة التعريف بهذه المصادر، وتعويد الطالب على الرجوع إليها، وتسليط الضوء على المهمّ منها.

 

- اعتمدنا منهجية بحث لغوي من الضروري أن يعيها القارئ الكريم وتتمثّل في خطواتٍ ثلاث:

1- التركيز أوّلًا على نقل كلمات اللغويين وآرائهم في معنى المفردة محل البحث بالذّات، بغضِّ النَّظر عن مادّتها وعائلتها الاشتقاقية. وكثيرًا ما يكون اللغويون قد تعرّضوا لمعنى المفردة بعد إيرادهم للآية التي وردت فيها. وقد ذكرنا المعاني التي أوردوها للمفردة سواءٌ كانوا في معرض تفسير الآية أو كانوا في معرض بحثهم اللغوي بغضّ النّظر عن الآية.

 

2- إيراد باقةٍ من المشتقّات الأخرى لمادّة المفردة، ومعانيها التي ذكرها اللغويون.

 

3- بعد الخطوة التمهيدية المتقدّمة، تصبح السّاحة الذّهنية مهيَّئة لاستقبال الأصل اللغوي للمادّة. وفي هذا المجال قد اعتمدنا في كلّ المفردات على مصادر أساسية اعتنت ببحث الأصل اللغوي للموادّ اللغوية، كمعجم مقاييس اللغة لابن فارس

 

16

 


7

المقدّمة

الرائد الأول لهذا الفنّ، والتحقيق في كلمات القرآن الكريم للشيخ حسن المصطفوي، والمعجم الاشتقاقي المؤصّل لألفاظ القرآن الكريم للأستاذ محمد حسن حسن جَبَلْ. واعتمدنا حتى حرف السين (أي نهاية الدرس السادس) على المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، والذي رفدنا طوال هذه الدروس بلطائف مهمّة وقيّمة، إلا أنه لم تكتمل فرصة الاستفادة منه بعد الدرس السادس لعدم اكتمال تأليفه حتى تاريخ صدور هذا المتن، حيث إنّ ما أُنْجِزَ منه وصل إلى حرف السين فقط.

 

3- المعنى التفسيري: وتحتوي على:

- تتبُّعٌ واستقراءٌ لعددٍ ونوعٍ مهمّ من أقدم كتب التفسير وأوسطها وآخرها، من المسلمين عامّةً، والتي تعرّضت لمعنى المفردة، مثل: تفسير مجاهد (ت104هـ)، وتفسير الطبري (ت310هـ)، وتفسير القمي (329هـ)، وتفسير الشيخ الطوسي (ت460هـ)، وتفسير الميزان للعلامة الطباطبائي (ت1402هـ)، وغيرها من التفاسير التي ذكرناها في قائمة المصادر والمراجع، ونسبنا كلّ تفسيرٍ إلى المدرسة المذهبية التي ينتمي إليها، ومرتّبين إياها بحسب تقدّمها الزمانيّ. وقد حذونا هنا حذو البحث اللغوي في تقديم المصادر المتقدّمة في الهامش الواحد على المصادر المتأخرة.

 

- الإشارة إلى الاختلاف بين المعنى اللغوي الذي ذكره اللغويون للمفردة والمعنى التفسيري الذي ذكره المفسّرون لها إن وجد، أو المطابقة بينهما.

 

- التعرّض للنكات التفسيريّة المرتبطة بالمفردة مورد البحث قدر المستطاع، وعدم الاستطراد في التفسير إلا إذا كان يساعد في تجلية معنى المفردة وأسرار استخدامها وتوظيفها للدلالة على المعنى في هذا المحلّ.

 

ونودّ الإشارة إلى أنّ المتن لم يكن يهدف إلى التعريف بأكبر عددٍ ممكن من المفردات، بقدر ما كان يهدف إلى تمرين الطالب على البحث في مفردات القرآن

 

17


8

المقدّمة

الكريم وفق الخطوات المنهجية المتقدّمة. ولقد كانت النية في البدء أن يشتمل كل درسٍ على أربع مفردات، لكلّ حرفٍ أبجدي مفردتان، إلا أنه رعايةً للغرض المتقدّم ذكره من جهة، وطلبًا لاختصار الدرس بما يتوافق مع المدةّ المخصّصة للحصة التعليمية من جهة أخرى، فقد اكتفينا في أغلب الدروس بثلاث مفردات، مفردتان من الحرف الأول، وواحدة من الثاني، أو العكس، بحسب ما ينسجم مع الضابطة المتقدمة في انتقاء المفردات.

 

هذا الكتاب "مفردات في غريب القرآن الكريم دروس في المبادئ والتطبيقات"، محاولة علميّة منهجيّة في سبيل معرفة القرآن الكريم، وبيان أسراره اللغويّة، وبلاغته وفصاحته، سائلين المولى عزّ وجل أن ينفع به الطلاب والأساتذة الكرام، وأن يكون خطوة في سبيل العلم والمعرفة القرآنية اللغويّة، ونرجو من القارئ الكريم، لا سيّما الأساتذة والمدرّسين الفضلاء الذين سيعتمدون هذا المتن كمرجعٍ في العمليّة التعليمية لمادة علم غريب القرآن الكريم أن يلتفتوا ويُلفتوا الطالب إلى الملاحظات المنهجيّة المتقدّمة التي اعتُمدت في إخراج هذا المتن من أجل تحصيل الاستفادة القصوى منه.

 

وفي الختام نسأل اللَّه - تعالى - أن يتقبّل منا هذا العمل المتواضع، وأن يعفو عن تقصيرنا تجاه القرآن الكريم، إنه غفورٌ رحيم. كما نأمل من القرّاء الأعزاء والأساتذة الفضلاء الذين يطّلعون على هذا المتن أن يفيدونا بملاحظاتهم القيّمة. ونتمنّى أن تتوسّع الدراسات والبحوث التي تتناول شتّى علوم القرآن وفنونه، حتّى تتكشّف لنا أكثر فأكثر أنوار القرآن الكريم وأسراره، التي تخرجنا من ظلمات الجهل والعمى، إلى أنوار البصيرة والهدى، قال – تعالى -: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾[1].

 

                                                                                                                                                                                  والحمد لله رب العالمين

مركز المعارف للمناهج والمتون التعليميّة

 


 


[1] سورة إبراهيم, الآية 1.

 

18


9

الدرس الأوَّل: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (1)

الدرس الأوَّل

مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم(1)

مبادئ علم غريب القرآن الكريم

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم في نهاية الدرس أن:

1- يحدّد المعنى اللغوي والاصطلاحي لمفردة الغريب.

2- يتعرّف إلى نسبيّة مفهوم الغريب وتطبيقات لذلك.

3- يبيّن العلاقة بين علم غريب القرآن وعلم التفسير.

 

20


10

الدرس الأوَّل: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (1)

تعريف علم غريب القرآن

 

1 - الغريب لغةً:

ذكر اللغويون في معنى مفردة (غريب) أنه: الغامض من الكلام[1]، أو الرجل المغترب البعيد عن الوطن، ويُقال له: غُرُب[2]. وقال الراغب: "قيل لكلّ متباعد: غَرِيبٌ، ولكلّ شيء فيما بين جنسه عديم النّظير: غَرِيبٌ، وعلى هذا قوله عليه وآله الصلاة والسلام: "بدأ الإسلام غَرِيباً وسيعود كما بدأ"[3]، وقيل: العلماء غُرَبَاءُ، لقلَّتهم فيما بين الجهّال"[4]. و"أغرب الرّجل: جاء بالشيء الغريب"[5].

 

وللمادّة مشتقّات كثيرة، منها: الغَرْب: وهو يدلّ على التمادي واللجاجة والحِدّة كصفة، وعلى خلاف الشرق كجهة، وعلى الدّلو التّامّ العظيم كاسم آلة، وعلى فيضة الدّمع. والغارب: أعلى الموج وأعلى الظهر. وسهمٌ غَرَب: لا يُعرف راميه. والغربيب: الأسود. وغروب الشمس: أفولها, وغروب الأسنان: أطرافها. وغربت الكلاب: أمعنت في طلب الصيد[6].


 


[1] راجع: الفراهيدي، الخليل بن أحمد، العين، تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي؛ الدكتور إبراهيم السامرائي، مؤسّسة دار الهجرة، إيران - قم المشرّفة، 1409هـ.ق، ط2، ج4، ص411. 

[2] راجع: الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطار، دار العلم للملايين، لبنان - بيروت، 1407هـ.ق - 1987م، ط4، ج1، ص191.

[3] ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد، دار صادر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج4، ص73.

[4] الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، طليعة النور، لا.م، 1427هـ.ق، ط2، ص604.

[5] الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص191.

[6] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج4، ص409 - 413؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ص191 - 195؛ ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الإعلام الإسلامي، إيران - قم المشرّفة، 1404هـ.ق، ط1، ج4، ص420 - 422؛ ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، نشر أدب الحوزة، إيران - قم المشرّفة، 1405هـ.ق، لا.ط، ج1، ص637 - 643.

 

22


11

الدرس الأوَّل: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (1)

ولعلّه لكثرة هذه المشتقّات وتنوّع معانيها وجد ابن فارس صعوبة في إرجاعها جميعًا إلى أصل واحدٍ مُنقاسٍ، فأفرد للمادة بابًا واعترف بأنها أصل صحيح إلا أنه لم يحدّده[1]. وحقّق الشيخ المصطفوي: "أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو الأفول، ويقابله الشروق، والشروق هو الطلوع مع الإضاءة، فيكون الغروب هو الأفول والغيبة مع انقطاع الآثار محسوسة أو معقولة. وهذا المعنى يصدق على معاني - غيبوبة الشمس في المغرب، وغيبوبة الرجل عن موطنه وكونه غريبًا، وكون الشيء خارجًا عما يتعارف ويتفاهم مادّيًّا أو معنويًّا...، فلا بدّ من وجود القيدين ولحاظهما في أيّ مورد يلاحظ الأصل، وإلَّا فيكون الاستعمال تجوّزًا"[2].

 

إلا أنّ ما يهمّنا هنا هو معرفة مفاد هذه المادة إذا تعلّقت بالكلام، باعتبار أنّنا نتناول البحث عن غريب القرآن الكريم، وهو كلام اللَّه جلّ وعلا. وفي هذا الصّدد قال الفراهيدي: "الغريب: الغامض من الكلام، وغَرُبت الكلمة غرابةً، وصاحبه مُغرِب"[3]، وقال الفيومي: "وكلامٌ غريبٌ: بعيدٌ من الفهم"[4]، وقال الزّمخشريّ: "تكلّم فأغرب إذا جاء بغرائب الكلام ونوادره...، وقد غربت هذه الكلمة أي غمضت فهي غريبة، ومنه مصنف الغريب"[5].

 

فالنتيجة أن الغريب من الكلام بحسب اللغة هو الغامض النادر البعيد عن الفهم. ويطلق الغريب في كلام العرب على قسمين بحسب ما أورده بعض القدامى: "أحدهما: أن يراد به أنه بعيد المعنى غامضه لا يتناوله الفهم إلا عن بعد ومعاناة


 


[1] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج4، ص420.

[2] المصطفوي، الشيخ حسن، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مؤسّسة الطباعة والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، إيران، 1417هـ.ق، ط1، ج7، ص202 - 203.

[3] الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج4، ص411.

[4] الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لا.ت، لا.ط، ج2، ص444.

[5] الزمخشريّ، محمود بن عمر، أساس البلاغة، دار ومطابع الشعب، مصر - القاهرة، 1960م، لا.ط، ص637.

 

23


12

الدرس الأوَّل: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (1)

فكر. والوجه الآخر: أن يراد به كلام من بعدت به الدار ونأى به المحلّ من شواذ قبائل العرب، فإذا وقعت إلينا الكلمة من لغاتهم استغربناها"[1].

 

2 - الغريب اصطلاحاً:

من اللافت أنّ القرآن الكريم لم يستعمل مادة (غ ر ب) في أيّ موضعٍ منه للدلالة على الغريب من الكلام، وغاية ما استعملت فيه هذه المادّة في القرآن الكريم للدلالة على المغرب، وجهة الغرب، والغُراب، وشدّة السّواد، في تسعة عشر موضعاً، سبعة منها بصيغة "مغرب"[2]، وواحدة منها بصيغة "مغربين"[3]، واثنان منها بصيغة "مغارب"[4]، واثنان منها بصيغة "غروب"[5]، وواحدة منها بصيغة "غربت"[6]، وواحدة منها بصيغة "تغرب"[7]، وواحدة منها بصيغة "غربيّ"[8]، وواحدة منها بصيغة "غربيّة"[9]، واثنان بصيغة "غراب"[10]، وواحدة بصيغة "غرابيب"[11].

 

وكيف كان، لو رجعنا إلى مصنّفات غريب القرآن الكريم، نجد أن اصطلاحهم لا يعدو ما تقرّر في المعنى اللغويّ وهو الغموض وبُعد التناول والفهم، مع تشديدهم على عدم كون المقصود من غريب القرآن وحشيّ الألفاظ الذي ينافي الفصاحة ويخلّ


 


[1] الخطّابي، أحمد بن محمد، غريب الحديث، تحقيق: عبد الكريم العزباوي، دار الفكر، 1403هـ.ق - 1983م، لا.ط، ص71. 

[2] راجع: سورة البقرة، الآيات 115، 142، 177، 258؛ سورة الكهف، الآية 86؛ سورة الشورى، الآية 28؛ سورة المزمل، الآية 9.

[3] راجع: سورة الرحمن، الآية 17.

[4] راجع: سورة الأعراف، الآية 137؛ سورة المعارج، الآية 40.

[5] راجع: سورة طه، الآية 130؛ سورة ق، الآية 39.

[6] راجع: سورة الكهف، الآية 17.

[7] راجع: سورة الكهف، الآية 86.

[8] راجع: سورة القصص، الآية 44.

[9] راجع: سورة النور، الآية 35.

[10] راجع: سورة المائدة، الآية 31.

[11] راجع: سورة فاطر، الآية 27.

 

24


13

الدرس الأوَّل: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (1)

بها، فضلاً عن منافاته لغاية إنزال القرآن الكريم، وهي هداية النّاس، فكيف لها أن تتمّ لو كان القرآن غاصّاً بمثل هذه الألفاظ؟! حينها سيكون كتاب ألغاز، لا كتاب هدايةٍ وإعجاز! وفي هذا المقام يقول الرّافعي: "وفي القرآن ألفاظٌ اصطلح العلماء على تسميتها بالغرائب، وليس المُراد بغرابتها أنها منكرة أو نافرة أو شاذّة، فإنّ القرآن منزّهٌ عن هذا جميعه، وإنّما اللفظة الغريبة هاهنا هي التي تكون حسنة مستغربةً في التّأويل، بحيث لا يتساوى في العلم بها أهلها وسائر الناس. وجملة ما عدّوه من ذلك من القرآن كله سبعمائة لفظة أو تزيد قليلاً"[1].

 

من هنا يمكن تعريف علم غريب القرآن بأنّه: العلم المختصّ ببيان معاني الألفاظ القرآنيّة الغامضة بالقياس إلى بعض الناس غير المخلّة بالفصاحة ودور الهداية.

 

نسبيّة مفهوم الغريب

ما تقدّم في التعريف من القول: (بالقياس إلى بعض الناس) يفتح الباب أمام مناقشة نسبية مفهوم الغريب من الكلام. ولا شكّ أنّ الغرابة في الكلام مفهومٌ نسبيٌّ، يقع على أشكال عدّة:

1- الغرابة عند قومٍ دون قومٍ:

إذ قد يعدُّ غريباً عند قومٍ من الأقوام ما قد لا يعدُّ كذلك عند غيرهم، مع كون الجميع على اللغة نفسها، وذلك إمّا لهجرهم هذا اللفظ، أو لطغيان غيره في التداول عندهم، وأسباب أخرى لا يمكن ضبطها. وهذا كما نشهده في عصرنا الحاضر من شياع استعمال كلمةٍ عربيّةٍ مثلاً عند قوم بحيث لو هاجر إليهم عربيٌّ من قطرٍ آخر لاستغرب هذه الكلمة حين تُلقى إليه. وهذا كان معهوداً في عصر نزول القرآن الكريم،


 


[1] الرافعي، مصطفى صادق، إعجاز القرآن والبلاغة النبويّة، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، لا.ت، ط3، ص50.

 

25


14

الدرس الأوَّل: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (1)

الذي نزل بلغة العرب، والعرب حينئذٍ على قبائل، ولكلّ قبيلةٍ لغتها في العربيّة، وحقلها المعجميّ المتميّز في كثيرٍ من الألفاظ وإن كان المشترك بينها هو الغالب.

 

وقد ألمح إلى ذلك ابن فارس بعد أن حكى اختلاف لغات العرب، فقال: "وكلُّ هذه اللغات مسمّاة منسوبة إلى أصحابها...، وهي وإن كانت لقومٍ دون قومٍ، فإنها لما انتشرت تَعَاوَرَها[1] كَلٌّ"[2].

 

ومن الشواهد على ذلك ما رواه ابن الأثير أنّ أمير المؤمنين  عليه السلام سأل رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم حين كان يخاطب وفد هذيل، فقال: "يا رسول اللَّه نحن بنو أب واحد، ونراك تكلم وفود العرب بما لا نفهم أكثره! فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أدّبني ربي فأحسن تأديبي، ورُبِّيت في بني سعد"[3]. فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو القرآن الناطق الذي لا يعدو لسانه وطريقته لسان القرآن وطريقته يخاطب كلّ قبيلةٍ بما يفهمون ويتحدثون.

 

وروي أيضًا: "بينما عمر بن الخطاب على المنبر قال: يا أيها الناس، ما تقولون في قول اللّه -عزّ وجلّ-: (أو يأخذهم على تخوّف)، فسكت الناس، فقال شيخ من بني هذيل: هي لغتنا يا أمير المؤمنين، التخوّف التنقّص. فخرج رجل فقال: يا فلان، ما فعل دينك؟ قال: تخوّفته، أي تنقّصته، فرجع فأخبر عمر، فقال عمر: أتعرف العرب ذلك في أشعارهم؟ قال: نعم، قال شاعرنا أبو كبير الهذلي يصف ناقة تنقص السير سنامها بعد تمكه[4] واكتنازه:


 


[1] أي أصابها وشابها ضعفٌ في الفهم.

[2] ابن فارس، أحمد بن فارس بن زكريا، الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها، تحقيق: مصطفى الشويمي، مؤسّسة بدران، لبنان - بيروت، 1383هـ.ق/1964م، لا.ط، ص50 - 51.

[3] ابن الأثير، مجد الدين بن محمد الجزري، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، محمود محمد الطناحي، مؤسّسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قم المشرّفة، 1364ش، ط4، ج1، ص4.

[4] تَمَكَ السِّنام يَتْمِكُ تَمْكًا، أي طال وارتفع، فهو تامِك، راجع: القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي)، تصحيح: أحمد عبد العليم البردوني، لبنان - بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1405ه - 1985م، ط2، ج10، ص110.

 

26


15

الدرس الأوَّل: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (1)

الدرس الأوَّل

مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (1)

مبادئ علم غريب القرآن الكريم

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم في نهاية الدرس أن:

1- يحدّد المعنى اللغوي والاصطلاحي لمفردة الغريب.

2- يتعرّف إلى نسبيّة مفهوم الغريب وتطبيقات لذلك.

3- يبيّن العلاقة بين علم غريب القرآن وعلم التفسير.

 

20


16

الدرس الأوَّل: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (1)

تعريف علم غريب القرآن

1 - الغريب لغةً:

ذكر اللغويون في معنى مفردة (غريب) أنه: الغامض من الكلام[1]، أو الرجل المغترب البعيد عن الوطن، ويُقال له: غُرُب[2]. وقال الراغب: "قيل لكلّ متباعد: غَرِيبٌ، ولكلّ شيء فيما بين جنسه عديم النّظير: غَرِيبٌ، وعلى هذا قوله عليه وآله الصلاة والسلام: "بدأ الإسلام غَرِيباً وسيعود كما بدأ"[3]، وقيل: العلماء غُرَبَاءُ، لقلَّتهم فيما بين الجهّال"[4]. و"أغرب الرّجل: جاء بالشيء الغريب"[5].

 

وللمادّة مشتقّات كثيرة، منها: الغَرْب: وهو يدلّ على التمادي واللجاجة والحِدّة كصفة، وعلى خلاف الشرق كجهة، وعلى الدّلو التّامّ العظيم كاسم آلة، وعلى فيضة الدّمع. والغارب: أعلى الموج وأعلى الظهر. وسهمٌ غَرَب: لا يُعرف راميه. والغربيب: الأسود. وغروب الشمس: أفولها, وغروب الأسنان: أطرافها. وغربت الكلاب: أمعنت في طلب الصيد[6].


 


[1] راجع: الفراهيدي، الخليل بن أحمد، العين، تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي؛ الدكتور إبراهيم السامرائي، مؤسّسة دار الهجرة، إيران - قم المشرّفة، 1409هـ.ق، ط2، ج4، ص411. 

[2] راجع: الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطار، دار العلم للملايين، لبنان - بيروت، 1407هـ.ق - 1987م، ط4، ج1، ص191.

[3] ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد، دار صادر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج4، ص73.

[4] الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، طليعة النور، لا.م، 1427هـ.ق، ط2، ص604.

[5] الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص191.

[6] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج4، ص409 - 413؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ص191 - 195؛ ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الإعلام الإسلامي، إيران - قم المشرّفة، 1404هـ.ق، ط1، ج4، ص420 - 422؛ ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، نشر أدب الحوزة، إيران - قم المشرّفة، 1405هـ.ق، لا.ط، ج1، ص637 - 643.

 

22


17

الدرس الأوَّل: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (1)

ولعلّه لكثرة هذه المشتقّات وتنوّع معانيها وجد ابن فارس صعوبة في إرجاعها جميعًا إلى أصل واحدٍ مُنقاسٍ، فأفرد للمادة بابًا واعترف بأنها أصل صحيح إلا أنه لم يحدّده[1]. وحقّق الشيخ المصطفوي: "أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو الأفول، ويقابله الشروق، والشروق هو الطلوع مع الإضاءة، فيكون الغروب هو الأفول والغيبة مع انقطاع الآثار محسوسة أو معقولة. وهذا المعنى يصدق على معاني - غيبوبة الشمس في المغرب، وغيبوبة الرجل عن موطنه وكونه غريبًا، وكون الشيء خارجًا عما يتعارف ويتفاهم مادّيًّا أو معنويًّا...، فلا بدّ من وجود القيدين ولحاظهما في أيّ مورد يلاحظ الأصل، وإلَّا فيكون الاستعمال تجوّزًا"[2].

 

إلا أنّ ما يهمّنا هنا هو معرفة مفاد هذه المادة إذا تعلّقت بالكلام، باعتبار أنّنا نتناول البحث عن غريب القرآن الكريم، وهو كلام اللَّه جلّ وعلا. وفي هذا الصّدد قال الفراهيدي: "الغريب: الغامض من الكلام، وغَرُبت الكلمة غرابةً، وصاحبه مُغرِب"[3]، وقال الفيومي: "وكلامٌ غريبٌ: بعيدٌ من الفهم"[4]، وقال الزّمخشريّ: "تكلّم فأغرب إذا جاء بغرائب الكلام ونوادره...، وقد غربت هذه الكلمة أي غمضت فهي غريبة، ومنه مصنف الغريب"[5].

 

فالنتيجة أن الغريب من الكلام بحسب اللغة هو الغامض النادر البعيد عن الفهم. ويطلق الغريب في كلام العرب على قسمين بحسب ما أورده بعض القدامى: "أحدهما: أن يراد به أنه بعيد المعنى غامضه لا يتناوله الفهم إلا عن بعد ومعاناة


 


[1] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج4، ص420.

[2] المصطفوي، الشيخ حسن، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مؤسّسة الطباعة والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، إيران، 1417هـ.ق، ط1، ج7، ص202 - 203.

[3] الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج4، ص411.

[4] الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لا.ت، لا.ط، ج2، ص444.

[5] الزمخشريّ، محمود بن عمر، أساس البلاغة، دار ومطابع الشعب، مصر - القاهرة، 1960م، لا.ط، ص637.

 

23


18

الدرس الأوَّل: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (1)

فكر. والوجه الآخر: أن يراد به كلام من بعدت به الدار ونأى به المحلّ من شواذ قبائل العرب، فإذا وقعت إلينا الكلمة من لغاتهم استغربناها"[1].

 

2 - الغريب اصطلاحاً:

من اللافت أنّ القرآن الكريم لم يستعمل مادة (غ ر ب) في أيّ موضعٍ منه للدلالة على الغريب من الكلام، وغاية ما استعملت فيه هذه المادّة في القرآن الكريم للدلالة على المغرب، وجهة الغرب، والغُراب، وشدّة السّواد، في تسعة عشر موضعاً، سبعة منها بصيغة "مغرب"[2]، وواحدة منها بصيغة "مغربين"[3]، واثنان منها بصيغة "مغارب"[4]، واثنان منها بصيغة "غروب"[5]، وواحدة منها بصيغة "غربت"[6]، وواحدة منها بصيغة "تغرب"[7]، وواحدة منها بصيغة "غربيّ"[8]، وواحدة منها بصيغة "غربيّة"[9]، واثنان بصيغة "غراب"[10]، وواحدة بصيغة "غرابيب"[11].

 

وكيف كان، لو رجعنا إلى مصنّفات غريب القرآن الكريم، نجد أن اصطلاحهم لا يعدو ما تقرّر في المعنى اللغويّ وهو الغموض وبُعد التناول والفهم، مع تشديدهم على عدم كون المقصود من غريب القرآن وحشيّ الألفاظ الذي ينافي الفصاحة ويخلّ


 


[1] الخطّابي، أحمد بن محمد، غريب الحديث، تحقيق: عبد الكريم العزباوي، دار الفكر، 1403هـ.ق - 1983م، لا.ط، ص71. 

[2] راجع: سورة البقرة، الآيات 115، 142، 177، 258؛ سورة الكهف، الآية 86؛ سورة الشورى، الآية 28؛ سورة المزمل، الآية 9.

[3] راجع: سورة الرحمن، الآية 17.

[4] راجع: سورة الأعراف، الآية 137؛ سورة المعارج، الآية 40.

[5] راجع: سورة طه، الآية 130؛ سورة ق، الآية 39.

[6] راجع: سورة الكهف، الآية 17.

[7] راجع: سورة الكهف، الآية 86.

[8] راجع: سورة القصص، الآية 44.

[9] راجع: سورة النور، الآية 35.

[10] راجع: سورة المائدة، الآية 31.

[11] راجع: سورة فاطر، الآية 27.

 

24


19

الدرس الأوَّل: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (1)

بها، فضلاً عن منافاته لغاية إنزال القرآن الكريم، وهي هداية النّاس، فكيف لها أن تتمّ لو كان القرآن غاصّاً بمثل هذه الألفاظ؟! حينها سيكون كتاب ألغاز، لا كتاب هدايةٍ وإعجاز! وفي هذا المقام يقول الرّافعي: "وفي القرآن ألفاظٌ اصطلح العلماء على تسميتها بالغرائب، وليس المُراد بغرابتها أنها منكرة أو نافرة أو شاذّة، فإنّ القرآن منزّهٌ عن هذا جميعه، وإنّما اللفظة الغريبة هاهنا هي التي تكون حسنة مستغربةً في التّأويل، بحيث لا يتساوى في العلم بها أهلها وسائر الناس. وجملة ما عدّوه من ذلك من القرآن كله سبعمائة لفظة أو تزيد قليلاً"[1].

 

من هنا يمكن تعريف علم غريب القرآن بأنّه: العلم المختصّ ببيان معاني الألفاظ القرآنيّة الغامضة بالقياس إلى بعض الناس غير المخلّة بالفصاحة ودور الهداية.

 

نسبيّة مفهوم الغريب

ما تقدّم في التعريف من القول: (بالقياس إلى بعض الناس) يفتح الباب أمام مناقشة نسبية مفهوم الغريب من الكلام. ولا شكّ أنّ الغرابة في الكلام مفهومٌ نسبيٌّ، يقع على أشكال عدّة:

1- الغرابة عند قومٍ دون قومٍ:

إذ قد يعدُّ غريباً عند قومٍ من الأقوام ما قد لا يعدُّ كذلك عند غيرهم، مع كون الجميع على اللغة نفسها، وذلك إمّا لهجرهم هذا اللفظ، أو لطغيان غيره في التداول عندهم، وأسباب أخرى لا يمكن ضبطها. وهذا كما نشهده في عصرنا الحاضر من شياع استعمال كلمةٍ عربيّةٍ مثلاً عند قوم بحيث لو هاجر إليهم عربيٌّ من قطرٍ آخر لاستغرب هذه الكلمة حين تُلقى إليه. وهذا كان معهوداً في عصر نزول القرآن الكريم،


 


[1] الرافعي، مصطفى صادق، إعجاز القرآن والبلاغة النبويّة، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، لا.ت، ط3، ص50.

 

25


20

الدرس الأوَّل: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (1)

الذي نزل بلغة العرب، والعرب حينئذٍ على قبائل، ولكلّ قبيلةٍ لغتها في العربيّة، وحقلها المعجميّ المتميّز في كثيرٍ من الألفاظ وإن كان المشترك بينها هو الغالب.

 

وقد ألمح إلى ذلك ابن فارس بعد أن حكى اختلاف لغات العرب، فقال: "وكلُّ هذه اللغات مسمّاة منسوبة إلى أصحابها...، وهي وإن كانت لقومٍ دون قومٍ، فإنها لما انتشرت تَعَاوَرَها[1] كَلٌّ"[2].

 

ومن الشواهد على ذلك ما رواه ابن الأثير أنّ أمير المؤمنين  عليه السلام سأل رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم حين كان يخاطب وفد هذيل، فقال: "يا رسول اللَّه نحن بنو أب واحد، ونراك تكلم وفود العرب بما لا نفهم أكثره! فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أدّبني ربي فأحسن تأديبي، ورُبِّيت في بني سعد"[3]. فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو القرآن الناطق الذي لا يعدو لسانه وطريقته لسان القرآن وطريقته يخاطب كلّ قبيلةٍ بما يفهمون ويتحدثون.

 

وروي أيضًا: "بينما عمر بن الخطاب على المنبر قال: يا أيها الناس، ما تقولون في قول اللّه -عزّ وجلّ-: (أو يأخذهم على تخوّف)، فسكت الناس، فقال شيخ من بني هذيل: هي لغتنا يا أمير المؤمنين، التخوّف التنقّص. فخرج رجل فقال: يا فلان، ما فعل دينك؟ قال: تخوّفته، أي تنقّصته، فرجع فأخبر عمر، فقال عمر: أتعرف العرب ذلك في أشعارهم؟ قال: نعم، قال شاعرنا أبو كبير الهذلي يصف ناقة تنقص السير سنامها بعد تمكه[4] واكتنازه:


 


[1] أي أصابها وشابها ضعفٌ في الفهم.

[2] ابن فارس، أحمد بن فارس بن زكريا، الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها، تحقيق: مصطفى الشويمي، مؤسّسة بدران، لبنان - بيروت، 1383هـ.ق/1964م، لا.ط، ص50 - 51.

[3] ابن الأثير، مجد الدين بن محمد الجزري، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، محمود محمد الطناحي، مؤسّسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قم المشرّفة، 1364ش، ط4، ج1، ص4.

[4] تَمَكَ السِّنام يَتْمِكُ تَمْكًا، أي طال وارتفع، فهو تامِك، راجع: القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي)، تصحيح: أحمد عبد العليم البردوني، لبنان - بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1405ه - 1985م، ط2، ج10، ص110.

 

26


21

الدرس الأوَّل: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (1)

تَخَوَّف الرَّحْلُ منها تَامِكاً قَرِداً[1]  كما تخوَّف عودَ النَّبْعَةِ[2] السَّفِنُ[3]،[4]

 

فقال عمر: يا أيها الناس، عليكم بديوانكم شعر الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم"[5].

 

ورُوي عن ابن عباس أنّه قال: "كنت لا أدري ما فاطر السماوات والأرض، حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما لصاحبه: أنا فطرتها، يقول: أنا ابتدأتها"[6].

 

2- الغرابة عند عامّة النّاس دون خاصّتهم وعلمائهم:

وإلى هذا المعنى أشار أبو حيّان الأندلسيّ في قوله: "لغات القرآن الكريم على قسمين: قسمٌ يكاد يشترك في معناه عامة المستعربة وخاصّتهم، كمدلول السّماء والأرض، وفوق وتحت, وقسمٌ يختصّ بمعرفته من له اطلاعٌ وتبحّرٌ في اللغة العربية، وهو الذي صنّف أكثر النّاس فيه، وسمّوه: غريب القرآن".

 

ومن الشواهد على ذلك ما رُوي: "أنّ أبا بكر سئل عن قوله - تعالى -: ﴿وَفَاكِهَةً


 


[1]  القرد: معناه هنا: المتراكم بعضه فوق بعض من السمن، راجع: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مصدر سابق، ج10، ص111(هامش).

[2] النبعة: شجرة من أشجار الجبال يتخذ منها القسي(جمع قوس)، راجع: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مصدر سابق، ج10، ص111(هامش).

[3] الحديدة التي تُبْرَدُ بها القِسِيُّ ، أَي تَنَقَّصَ كما تأْكلُ هذه الحَديدةُ خشَبَ القِسيّ ، وكذلك التخْويفُ، راجع: ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج9، ص101.

[4] أي كما يتنقص المنشار أو ما يشبهه أعواد الأشجار، راجع: الطنطاوي، سيد محمد، التفسير الوسيط للقرآن الكريم، لا.ن، لا.ت، لا.ط، ج8، ص163(هامش).

[5] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مصدر سابق، ج10، ص111.

[6] الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تقديم: الشيخ خليل الميس، ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1415هـ.ق - 1995م، لا.ط، ج7، ص211.

 

27


22

الدرس الأوَّل: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (1)

وَأَبًّا﴾، فلم يعرف معنى الأب في القرآن، وقال: أيُّ سماء تظلّني وأيّ أرض تقلّني أم كيف أصنع إن قلت في كتاب اللَّه – تعالى - بما لا أعلم، أما الفاكهة فنعرفها، وأما الأبّ فاللَّه أعلم به. فبلغ أمير المؤمنين عليه السلام مقاله في ذلك، فقال عليه السلام: يا سبحان اللَّه، أما علم أن الأبّ هو الكلأ والمرعى، وأن قوله -عزّ اسمه-: ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾ اعتداد من الله – سبحانه - بإنعامه على خلقه في ما غذّاهم به وخلقه لهم ولأنعامهم مما تحيا به أنفسهم وتقوم به أجسادهم"[1]. وغيرها الكثير من الروايات التي تبيّن معلوميّة مثل هذه الألفاظ لأمير المؤمنين عليه السلام ومجهوليّتها لدى الصحابة[2].

 

ومن لطيف ما يشير إلى عنوان هذه الفقرة ما يروى من أنّ هارون العبّاسيّ سأل الأصمعيّ عن شعرٍ لابن حزام العُكْلي، ففسّره له، فقال هارون: "يا أصمعيّ، إنّ الغريب عندك لغير غريب"، فقال الأصمعيّ: "يا أمير المؤمنين، ألا أكون كذلك وقد حفظت للحجر سبعين اسماً؟!"[3].

 

3- الغرابة في زمانٍ دون زمان:

وهو أمرٌ لا مفرَّ منه، باعتبار أن جريان عجلة التاريخ وما يصاحبها من تقدّم في الحضارة البشريّة على مختلف المستويات، يفرض انعكاساته على اللغة وأساليب التخاطب بين النّاس، فتصبح كثير من المفردات المتداولة والشائعة في عصرٍ سابقٍ غريبةً ومستهجنة في العصر اللاحق.

 

إنّ صورةً مصغّرةً ممّا ندركه اليوم من الاغتراب عن اللغة الأصليّة قد حدثت عقب الفتوحات الإسلاميّة، فقبل ذلك الحين كان العرب يفهمون أغلب القرآن،

 


[1] المفيد، الشيخ محمد بن محمد، الإرشاد، تحقيق: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لتحقيق التراث، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414هـ.ق - 1993م، ط2، ج1، ص200.

[2] راجع: الشيخ المفيد، الإرشاد، مصدر سابق، ص199 - 212.

[3] السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، ضبطه وصحّحه ووضع حواشيه: فؤاد علي منصور، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج1، ص257.

 

28


23

الدرس الأوَّل: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (1)

وما جهلوه - وهو قليل - سألوا عنه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أو أحد علماء الصحابة من بعده فينجلي غموض اللفظ عندهم، وعلى حدّ تعبير ابن الأثير: "كان اللسان العربي عندهم صحيحًا محروسًا لا يتداخله الخلل، ولا يتطرّق إليه الزلل، إلى أن فُتحت الأمصار، وخالط العرب غير جنسهم من الروم والفرس... وتداخلت اللغات ونشأ بينهم الأولاد، فتعلّموا من اللسان العربي ما لا بد لهم في الخطاب منه، وحفظوا من اللغة ما لا غنى لهم في المحاورة عنه، وتركوا ما عداه لعدم الحاجة إليه... إلى أن انقرض عصر الصحابة... وجاء التابعون لهم بإحسان فسلكوا سبيلهم لكنهم قلّوا في الإتقان عددًا... فما انقضى زمانهم على إحسانهم إلا واللسان العربي قد استحال أعجميًا أو كاد، فلا ترى المستقل به والمحافظ عليه إلا الآحاد"[1].

 

وما يهمّنا من هذا الاستعراض هو الإجابة عن السؤال التالي: أيُّ المعاني النسبيّة المتقدّمة للغريب هو المقصود من تصنيفات غريب القرآن الكريم؟

 

والجواب: إنّ علم غريب القرآن الكريم كان في صورته البدائيّة زمن النزول عبارةً عن أسئلةٍ وُجّهت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حول بعض الألفاظ الغامضة في القرآن، ولم تكن كثيرة آنذاك لقرب النّاس من العربيّة، وما سُئل عنه صلى الله عليه وآله وسلم من هذه الألفاظ كان في معظمه ناشئاً من اختلاف لغات القبائل العربية، واستمرّ الأمر على هذا المنوال مدّة من عهد الخلفاء كما نلاحظ في أسئلة نافع بن الأزرق لابن عباس التي تعدّ أوّل مصدرٍ لعلم الغريب، حيث كان يوضّح معاني الألفاظ الغريبة مع الاستشهاد عليها بأبيات من الشعر العربيّ. فما وقع من غريب القرآن في هذا العصر لم يكن قطعًا متضمّناً للمعنى النسبيّ الثالث، بل اقتصر على المعنيين النسبيين الأوّلين.

 

ثم إنّه بعد الفتوحات، وكلّما ابتعد المسلمون عن عصر النزول، كانت الحاجة لديهم تمسُّ إلى من يعلّمهم غريب ألفاظ القرآن الكريم، وهنا دخل العنصر الزمنيّ

 


[1] ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، مصدر سابق، ج1، ص5.

 

29


24

الدرس الأوَّل: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (1)

في تكوين مفهوم الغريب لدى المصنّفين والسائلين على حدٍّ سواء، ولم يعد عامل اختلاف القبائل ذا أثرٍ يذكر بفعل ضربات العامل الزمنيّ الذي استهدف كلّ قبائل العرب أو معظمها. بل إنّ الملاحظ للمصنّفات المتأخرة في علم الغريب يجد أنّها أصبحت تعمّ معظم ألفاظ القرآن الكريم، حتى التي قد يدّعى تساوي العالم وغيره في معرفتها، ولعلّ ذلك من باب التّسامح، أو للالفات إلى الأصل اللغوي في الكلمات الشائعة الذي قد تُستعمل الكلمة بسببه في معنىً غير متداول، أو تكثيراً للفائدة. ويُلاحظ أيضاً أن "غريب القرآن" أصبح عنواناً تقليديّاً لكلِّ شكلٍ تصنيفيّ يُعنى بتفسير مفردات القرآن مطلقاً، حتى تلك التي أُلّفت على نسق المعاجم أو القواميس اللغويّة في أيامنا بحيث عمّت جميع ألفاظ القرآن شرحاً وتوضيحاً وبياناً لجذرها ومعانيها واختلاف اللغات فيها، كمفردات الراغب مثلاً.

 

الفرق بين علم غريب القرآن وعلم التّفسير

يمكن القول إنّ تفسير القرآن أعمّ وأشمل من تفسير غريبه, لأنّ التفسير يحتوي شرح الألفاظ الغريبة وزيادة، من شرح المعنى الكلّي للآيات، وبيان أسباب النّزول وشأنه، وإعراب الآيات، وبيان اختلاف القراءات والتأويلات، ثم ترجيح أحدها، أو تبنّي تفسير آخر، وذكر القصص القرآنيّة، والأحكام المختلفة المتعلّقة بالآية، واستخلاص الدروس والعبر، وغيرها من شؤون عالم التفسير.

 

وأمّا علم غريب القرآن، فموضوعه المفردات القرآنيّة الغامضة فحسب، يتعامل المصنّف فيه مع هذه الألفاظ بوصفها وحدات معجميّة لها دلالتها الذّاتيّة، ويقصر النظر عليها، مستفيداً من اللغة العربيّة محضاً، والروايات إن وجدت، في سبيل رفع الإبهام عنها، دون الالتفات حتى إلى الجوانب اللغويّة الأخرى والخوض في تفصيلاتها، كالوظائف النحويّة، والتحليلات الصرفيّة،

 

30

 


25

الدرس الأوَّل: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (1)

والوجوه البلاغيّة. وبناءّ على ما تقدّم، يكون التّصنيف في علم الغريب عملًا معجميًّا في مفردات القرآن الكريم.

 

إلا أنّ هناك علاقةً وثيقة بين علم التفسير وعلم الغريب، لأنّ تفسير الغريب مقدّمة لا بدّ منها لتفسير القرآن، فلا يمكن تفسير آيةٍ ما دون معرفة معنى مفردةٍ غريبةٍ فيها، ولذا يمكن عدُّ علم غريب القرآن أحد الروافد الأساسيّة لعلم التفسير، بل جزءًا لا يتجزّأ منه.

 

أهمّيّة علم غريب القرآن

علم غريب القرآن بابٌ عظيمٌ من أبواب فهم كتاب اللَّه ودرك معانيه، وقد ورد الحثّ على تتبّع معاني القرآن والتماس غرائبه ودقائقه، فقد رُوي عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه"[1]، وقال السيوطي في الإتقان تعقيباً على الحديث: "المراد بإعرابه معرفة معاني ألفاظه وليس المراد به الإعراب المصطلح عليه عند النحاة"[2].

 

ويستمدّ علم غريب القرآن أهمّيّته من ارتباطه بالقرآن الكريم، دستور المسلمين، وسبيل هدايتهم، ومعقد اجتماعهم، ومحور اهتماماتهم ودراساتهم. ومعرفة غريبه ممّا يتوقّف عليها فهم القرآن، وبالتالي توضيح الكثير من أحكامه وتوجيهاته وقصصه وعبره، بالإضافة إلى تجلية وجوه إعجازه. ويشير الراغب الأصفهاني في مقدمة مفرداته إلى أهمّية العلم بمعاني ألفاظ القرآن الكريم بعبارة جامعة، فيقول: "وذكرت أنّ


 


[1] ابن أبي شيبة الكوفي، عبد اللَّه بن محمد، المصنف، تحقيق وتعليق: سعيد اللحام، لبنان - بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، جمادى الآخرة 1409هـ.ق - 1989م، ط1، ج7، ص150؛ الطبرسي، الشيخ الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1415هـ.ق - 1995م، ط1، ج1، ص40.

[2] السيوطي، عبد الرحمن بن كمال الدين، الإتقان في علوم القرآن، تحقيق: سعيد المندوب، لبنان - بيروت، دار الفكر، 1416ه - 1996م، ط1، ج1، ص303.

 

31


26

الدرس الأوَّل: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (1)

أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية، ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المعاون لمن يريد أن يدرك معانيه، كتحصيل اللَّبن في كونه من أول المعاون في بناء ما يريد أن يبنيه، وليس ذلك نافعاً في علم القرآن فقط، بل هو نافع في كلّ علم من علوم الشرع فألفاظ القرآن هي لبّ كلام العرب وزبدته، وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم وحكمهم، وإليها مفزع حذّاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم، وما عداها وعدا الألفاظ المتفرّعات عنها والمشتقات منها هو بالإضافة إليها كالقشور والنوى بالإضافة إلى أطايب الثمرة، وكالحثالة والتبن بالإضافة إلى لبوب الحنطة"[1].

 

ثمّ إنّ المتابع لتاريخ تطوّر علم التّفسير يلاحظ أنّ المحاولات اللغويّة لتفسير ألفاظ القرآن الكريم كانت الخطوة الممهّدة لنشأة علم التفسير الذي تطوّر فيما بعد، وضمّ مضافًا إلى تفسير الألفاظ، القصص القرآني، والأحكام، وجوانب أخرى[2].

 

وكما تُعَدُّ كتب اللغة والمعاجم مصدرًا أساسيًّا لعلم غريب القرآن، تُعدّ أيضًا كتب غريب القرآن من أهم المصادر للمعاجم اللغوية العربيّة، وقد خلّفت تراثاً هائلاً استفادت منه مصنّفات اللغة أيّما استفادة. فهناك علاقة تبادل معرفيّ بين المعاجم اللغوية ومصنّفات الغريب، بحيث تستفيد كلٌّ منها من الأخرى وتُفيدها.


 


[1] الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص54 - 55.

[2] راجع: القيسيّ، مكي بن أبي طالب، العمدة في غريب القرآن، تحقيق وشرح وتعليق: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، مؤسّسة الرسالة، لبنان - بيروت، 1401هـ.ق - 1981م، ط1، ص17 (مقدمة التحقيق).

 

32


27

الدرس الأوَّل: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (1)

المفاهيم الرئيسة

- لمادّة (غ ر ب) مشتقّات ومتعلّقات عديدة، إلا أن ما يهمّنا في البحث هو الغريب من الكلام، وهو بحسب البحث اللغوي الغامض النادر البعيد عن الفهم. وقد يطلق على الشاذّ النادر.

 

-لم يستعمل القرآن الكريم مادة (غ ر ب) للدلالة على غريب الكلام، إلا أنّ تتبّع كتب الغريب يوحي بأنّ اصطلاحهم لا يعدو ما تقرّر في المعنى اللغويّ وهو الغموض وبُعد التناول والفهم، مع تشديدهم على عدم كون المقصود من غريب القرآن وحشيّ الألفاظ الذي ينافي الفصاحة والغاية من إنزال القرآن الكريم، وهي هداية النّاس.

 

- يمكن تعريف علم غريب القرآن بأنّه: العلم المختصّ ببيان معاني الألفاظ القرآنيّة الغامضة بالقياس إلى بعض الناس غير المخلّة بالفصاحة ودور الهداية.

 

- الغرابة في الكلام مفهومٌ نسبيٌّ، يقع على أشكال عدّة:

1- الغرابة عند قومٍ دون قوم: مع كون الجميع على اللغة نفسها، وذلك إمّا لهجرهم هذا اللفظ، أو لطغيان غيره في التداول عندهم، وأسباب أخرى لا يمكن ضبطها.

 

2- الغرابة عند عامّة النّاس دون خاصّتهم وعلمائهم: لتأثير العلم في رفع الغرابة عند صاحبه.

 

3- الغرابة في زمانٍ دون زمان: إذ قد تكون مفردة ما متداولة في عصرٍ ومهجورة في عصرٍ آخر.

 

33

 


28

الدرس الأوَّل: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (1)

- موضوع علم التفسير أعمّ من موضوع علم غريب القرآن، ويُعدّ علم غريب القرآن أحد الروافد الأساسيّة لعلم التفسير، بل مقدّمةً له.

 

- يستمدّ علم غريب القرآن أهمّيّته من ارتباطه بالقرآن الكريم، دستور المسلمين، وسبيل هدايتهم، ومن كونه خطوةً أولى على طريق التمهيد لنشوء علم التفسير، كما تُعدّ كتب غريب القرآن من أهم المصادر للمعاجم اللغوية العربيّة.

 

34

 


29

الدرس الثاني: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (2)

الدرس الثاني

مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (2)

ببليوغرافيا[1] علم غريب القرآن الكريم

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم في نهاية الدرس, أن:

1- يشرح أساليب التأليف في كتب الغريب وأشكاله.

2- يسرد السير التاريخي العامّ لحركة التأليف في غريب القرآن الكريم.

3- يذكر أهمّ مصنّفات الغريب في كلّ قرن ويحفظ المعاصر منها.

 

 


[1] كلمة معرّبة تعني العلم المختصّ بوصف الكتب والمصنّفات وأوعية المعلومات من ناحية التأليف أو الطباعة أو الزمن أو الموضوع أو أي معيار آخر بهدف حصر النتاج الفكريّ وضبطه، وهي أشبه بما يُعرف قديماً بالفهرست.

 

36


30

الدرس الثاني: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (2)

أسماء مصنفات الغريب

تنوعّت تسميات كتب غريب القرآن وعناوينها, إذ إنّها لم تقتصر على عبارة "غريب القرآن"، بل جاءت طائفة منها تحت عنوان: "معاني القرآن"، وأخرى باسم: "إعراب القرآن"، وبعضها باسم: "مجاز القرآن"، وكلّها تسميات ترجع إلى مسمًّى واحد، وهو شرح اللفظ القرآني، والاستدلال له من كلام العرب وأشعارهم.

 

وقد تقدّم عن السيوطيّ أنّ المقصود من "إعراب القرآن" معرفة معاني ألفاظه، لا الإعراب المصطلح عند النّحاة[1].

 

وأمّا تعبير "مجاز القرآن" كما ورد في تسمية كتاب أبي عبيدة البصري (ت210ه)، فليس المراد منه المعنى المصطلح عند أهل البلاغة، بل المراد هو معرفة معنى اللفظ، ويشهد لذلك أنّ أبا عبيدة يستعمل في تفسيره هذه العبارات: "مجازه كذا"، و"معناه كذا"، و"غريبه كذا"، و"تقديره"، و"تأويله"، وكلها كلمات ترجع إلى معرفة معاني الألفاظ[2].

 

أساليب التأليف في غريب القرآن

اتّبع المصنّفون في غريب القرآن في ترتيبهم للألفاظ التي أوردوها في كتبهم طريقتين:

- الطريقة الأولى: ترتيب الألفاظ بحسب ورودها في سور القرآن الكريم، مبتدئين بسورة الفاتحة، ومختتمين بسورة الناس، وعلى هذا الترتيب أغلب الكتب المتقدّمة، وبه وردت مسائل نافع بن الأزرق لابن عباس.


 


[1] راجع: السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، مصدر سابق، ج1، ص303.

[2] راجع: القيسي، العمدة في غريب القرآن، مصدر سابق، ص18(مقدمة التحقيق).

 

38


31

الدرس الثاني: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (2)

- الطريقة الثانية: ترتيب الألفاظ على حروف الهجاء، وقد اتّخذت هذه الطريقة أشكالًا عدة:

1- الترتيب الألفبائي لجذر الكلمة بحسب أوائلها: مثل: "أبى، أتى، أثر.."، وهو الغالب في المصنّفات المتأخرة، وأوّل من سار عليه الراغب الأصفهاني.

 

2- الترتيب الألفبائي لجذر الكلمة حسب أواخرها أوّلًا ثم حسب أوائلها: أو ما يعرف بنظام التقفية، مثل: "بدأ، برأ، بطأ، بوأ..."، وهو الذي سلكه محمد بن أبي بكر الرازي (ت666هـ) في كتابه "روضة الفصاحة في غريب القرآن"، مقلّداً الجوهري في الصّحاح.

 

3- الترتيب الألفبائي لجذر الكلمة حسب حرفها الأول والأخير دون حشو الكلمة: وهو ما اتّبعه أبو حيّان الأندلسيّ(ت745هـ)، في كتابه: "تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب"، جامعاً في ذلك بين ترتيبي الراغب والجوهريّ[1]. فالمفردات التي تبدأ بحرف الراء مثلًا، يضعها جميعاً في باب الراء، ثمّ تُرتّب بعد ذلك بحسب الحرف الأخير دون التفاتٍ إلى الحشو، مثل: "أَيَبَ، أَرَبَ، أَوَبَ، أَلَتَ، أَمَتَ، أَثَثَ..."[2].

 

وقد انفرد ابن عزيزٍ السجستانيّ (ت330ه) بترتيب موادّ كتابه ترتيباً لم يُسبق إليه، حيث رتّبها ألفبائيًّا بحسب أوّلها غير معتدٍّ بجذر الكلمة, بل أبقاها كما وردت في القرآن، وبدأ بالمفتوح، ثم المضموم، ثم المكسور، ورتّب الألفاظ في كلٍّ حسب ورودها في السّور، مثلاً: يبدأ بالألف المفتوحة ويرتّب الألفاظ التي ابتدأت بها حسب ترتيبها في القرآن، "ألم، أأنذرتهم، أنداداً..."، ثم الألف المضمومة: "وأُتوا به متشابهًا، أُمّيّون، أُشربوا في قلوبهم العجل،.."، وهكذا[3].


 


[1] راجع: أبو حيان الأندلسي، محمد بن يوسف، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، تحقيق: سمير المجذوب، المكتب الإسلامي، لبنان - بيروت، 1403هـ.ق - 1983م، ط1، ص35 (مقدمة التحقيق).

[2] راجع: أبو حيان الأندلسي، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، مصدر سابق، ص41 - 43.

[3] راجع: السجستاني، محمد بن عزيز، نزهة القلوب في تفسير غريب القرآن، تحقيق: لجنة من أفاضل العلماء، مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده، مصر - ميدان الأزهر، 1382هـ.ق - 1963م، لا.ط، ص4 - 27.

 

39


32

الدرس الثاني: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (2)

وكما اختلفت هذه المصنّفات من حيث ترتيبها، فقد اختلفت من حيث الإكثار من الشواهد اللغوية والشعريّة، فهي عند أبي عبيدة ألف بيت إلا يسيرًا، في حين أوجز آخرون بشواهدهم كما فعل ابن قتيبة، ومنهم من يعرض للنحو ومسائله كما فعل الفرّاء في "معاني القرآن"[1]. وتضمّنت مصنفات الغريب المختصرات، والمتوسّطات، والمطوّلات.

 

ومن الأشكال التصنيفيّة التي برزت في علم الغريب كما برزت في غيره من العلوم، المنظومات الشعرية، نذكر منها:

1- أرجوزة في غريب القرآن لأبي زكريا يحيى بن محمد بن خلف الهوزني الإشبيلي (ت602هـ)[2]. والظاهر أنها لم تصلنا.

 

2- "التيسير العجيب في تفسير الغريب" لابن المنير الإسكندراني (ت683هـ)، وبلغت 2482 بيتاً في تفسير غريب القرآن الكريم[3].

 

3- "منظومة تفسير غريب القرآن" لعبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر الشافعي الملقّب بالعراقي(ت806هـ)، وحوت منظومته 1028 بيتاً[4].

 

4- "دلائل التبيان في نظم غريب القرآن" للقاسم بن الحسن بن شريف آل محيي الدين العاملي النجفي(ت1376هـ)، وتقرب من ألف بيت، يقول فيها:


 


[1] راجع: القيسي، العمدة في غريب القرآن، مصدر سابق، ص19(مقدمة التحقيق).

[2] راجع: الذهبي، محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، د. عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، 1407هـ.ق - 1987م، ط1، ج43، ص105؛ كحالة، عمر، معجم المؤلفين، مكتبة المثنى ودار إحياء التراث العربي، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج13، ص224.

[3] راجع: ابن المُنَيِّر، أحمد بن محمد، التيسير العجيب في تفسير الغريب، تحقيق: سليمان ملا إبراهيم أوغلو، دار الغرب الإسلامي، لبنان - بيروت، 1994م، ط1.

[4] راجع: العراقي، عبد الرحيم بن الحسين، ألفية العراقي في غريب القرآن، تحقيق ودراسة: إسماعيل بن إبراهيم الزّكي، دار الأوراق، لا.م، لا.ت، لا.ط..

 

40


33

الدرس الثاني: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (2)

"حمداً لمن قد أنزل الفرقانا     وأبدع الإعجاز والتبيانا

وبعدُ قال القاسم بن الحسن  سليل موسى بن شريف الزّمن

 

إلى قوله:

سمّيتها دلائل التبيان          في حلِّ ألفاظٍ من القرآن"[1] ومنها:    

"وفسّروا القِثَّاء بالخيارِ        أو ما يضاهيه من الأثمارِ

وقيل مطلقُ الحبوبِ الفومُ[2]

 

أو قمحٌ أو خبزٌ وقيل الثومُ"[3] حركة التأليف في غريب القرآن

 

تعدّ أجوبة ابن عباس على مسائل نافع بن الأزرق أولى مصادر علم غريب القرآن، وقد تناولت حوالي مئتي كلمة شرحها ابن عباس مع شواهد من الشعر العربيّ، وقد أوردها بكاملها السيوطي في الإتقان[4].


 


[1] الطهراني، آقا بزرگ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، دار الأضواء، لبنان - بيروت، 1403هـ.ق - 1983م، ط3، ج8، ص249.

[2] إشارة إلى قوله -تعالى-: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا﴾ سورة البقرة، الآية 61. وعن أبي جعفر الباقر عليهم السلام وابن عباس أنّ الفوم هو الحنطة، وعن آخرين أنّه مطلق الحبّ الذي يُخبَز. راجع: القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، تصحيح وتعليق وتقديم: السيد طيب الموسوي الجزائري، مؤسّسة دار الكتاب للطباعة والنشر، إيران - قم المشرّفة، 1404هـ.ق، ط3، ج1، ص275 - 276.

[3] الأمين، السيد محسن، أعيان الشيعة، تحقيق وتخريج: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج8، ص436.

[4] راجع: السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، مصدر سابق، ج1، ص347 - 377.

 

41


34

الدرس الثاني: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (2)

إلا أنّ أوّل من صنّف في غريب القرآن وعُني بجمعه وترتيبه[1] أبان بن تغلب بن رباح (ت141ه)، وهذا يُعدّ من مفاخر الشيعة الإماميّة، باعتبار أنّ أبان من أجلّاء أصحاب الأئمّة السجّاد والباقر والصادقعليهم السلام، وقد ترجم له الشيخ النجاشيّ: "عظيم المنزلة في أصحابنا، لقي علي بن الحسين وأبا جعفر وأبا عبد اللَّهعليهم السلام، روى عنهم، وكانت له عندهم منزلة وقدم...، وقال له أبو جعفر عليه السلام: "اجلس في مسجد المدينة وافتِ الناس، فإني أحبّ أن يُرى في شيعتي مثلك". وقال أبو عبد اللَّه عليه السلام لما أتاه نعيه: "أما واللَّه لقد أوجع قلبي موت أبان". وكان قارئًا من وجوه القرّاء، فقيهًا، لغويًّا، سمع من العرب وحكى عنهم...، وكان أبان رحمه الله مقدَّمًا في كل فن من العلم، في القرآن والفقه والحديث والأدب واللغة والنحو، وله كتب: منها تفسير غريب القرآن... ولأبان قراءة مفردة مشهورة عند القرّاء[2].

 

هكذا كان اهتمام أصحاب أئمتنا عليهم السلام بالقرآن الكريم، وقد نالوا بذلك أرفع الأوسمة منهم عليهم السلام، فحرّيٌّ بنا أن لا نتقاعس عن إكمال مسيرتهم القرآنيّة، وأن لا يسبقنا إلى التصنيف في علومه وفنونه غيرنا.


 


[1] ورد في مقدمة الموسوعة القرآنية الكبرى "المعجم في فقه لغة القرآن وسر بلاغته"، ج1، ص26 - 27: أنّ أوّل مؤَلَّفٍ وصلنا في علم غريب القرآن هو أجوبة مسائل نافع بن الأزرق لابن عباس، إلا أنّه غَلَطٌ في الحقيقة، إذ لا يصدُق على الرواية التي أوردها السيوطي في الإتقان من طرقه والتي حوت أجوبة ابن عباس لمسائل نافع بن الأزرق أنّها مصنَّفٌ أو مؤلَّفٌ، وإنّما هي رواية تصلح لأن تكون أوّل مصدرٍ في علم الغريب، لكن عندما نتحدّث عن المصنّفات والمؤلّفات ينبغي أن نبحث عن من كتب فعلًا لا عن من حدَّث فحسب دون أن يكتب ويُصنّف فعلًا. ولذلك فالصحيح أنّ أوّل من ألّف في علم غريب القرآن الكريم هو الصّاحب الجليل للإمام الصادق عليه السلام أبان بن تغلب.

[2] النجاشي، فهرست أسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي)، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم المشرّفة، 1416هـ.ق، ط5، ص10 - 11. وراجع: الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، الفهرست، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، مؤسّسة نشر الفقاهة، إيران - قمّ المشرّفة، 1417هـ.ق، ط1، ص57.

 

42


35

الدرس الثاني: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (2)

وهناك كتابٌ في تفسير غريب القرآن الكريم منسوبٌ إلى الشهيد زيد بن عليّ عليه السلام، فإذا صحّت النسبة يكون بذلك متقدّماً في التأليف على أبان.

 

ثمّ تبع أبان بن تغلب الكثير من العلماء في القرن الثاني، حتى قال السيوطي في الإتقان: "أفرده بالتصنيف خلائق لا يحصون"[1]، العديد منهم من أصحاب الأئمة عليهم السلام، إلا أنّ أغلب كتبهم التي ناهزت الخمسين كتاباً لم تصلنا[2].

 

وقد حاول بعض المعاصرين جمع ما كُتب في غريب القرآن، فبلغ 360 مصنّفاً، مع اعترافه بعدم وصول كثير من قديمها، وامتلاء مكتبات الغرب بمصنّفات لم تصل أيدي المسلمين إليها حتى السّاعة[3].

 

أهم المصنّفات في غريب القرآن

حتى يأنس الطّالب بكتب الغريب، ويمتلك القدرة على الرجوع إليها والبحث فيها، نكتفي بالإشارة إلى أهمّ ما كُتب في هذا المجال في كلّ قرنٍ، ابتداءً من القرن الثاني، باعتبار أن القرن الأوّل لم يعرف فيه إلا مسائل نافع بن الأزرق في هذا الفنّ، وهي مجرّد رواية لا تصنيف فعليّ:

- القرن الثاني:

1- "غريب القرآن" لأبان بن تغلب بن رباح (ت 141هـ)، المتقدّم ذكرُه، إلا أنه لم يصلنا[4].

 

2- محمد بن السائب بن بشر الكلبي (ت 146هـ)، وأبو روق بن عطية، من أصحاب


 


[1] السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، مصدر سابق، ج1، ص303.

[2] راجع: الطريحي، الشيخ فخر الدين، تفسير غريب القرآن، تحقيق وتعليق: محمد كاظم الطريحي، انتشارات زاهدي، إيران - قم المشرّفة، لا.ت، لا.ط، ص6 (مقدمة المحقق).

[3] راجع: زيد بن علي، تفسير غريب القرآن، تحقيق: محمد جواد الحسيني الجلالي، مكتب الإعلام الإسلامي، لا.م، ربيع الثاني 1414هـ.ق - 1372هـ.ش، ط1، ص63 (مقدمة التحقيق).

[4] راجع: آقا بزرگ الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، مصدر سابق، ج16، ص47.

 

43


36

الدرس الثاني: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (2)

الإمام الصادق عليه السلام[1]، وقد ذكر الشيخ في الفهرست أنّ عبد الرحمان بن محمد الأزديّ الكوفيّ - وهو أيضاً من أصحاب الإمام الصادق[2] عليه السلام - "جمع من كتاب أبان ومحمد بن السائب الكلبي وأبي روق بن عطية بن الحارث[3]، فجعله كتابًا واحدًا، فبيّن ما اختلفوا فيه وما اتفقوا عليه، فتارة يجيء كتاب أبان مفرداً وتارةً يجيء مشتركاً على ما عمله عبد الرحمان"[4]. إلا أنّ الظاهر عدم وصول شيء منها إلينا.

 

وهذا يعزّز ما تقدّم من أنّ أصحاب أئمّتنا عليهم السلام كانوا الروّاد في هذا العلم.

 

- القرن الثالث:

جميع الكتب الآتية قد وصلتنا، وفيها تحقيقات وتعليقات وشروحات وطبعات عديدة، وهي:

1- "معاني القرآن" لمحمد بن المستنير بن أحمد البصري (ت206هـ)، المعروف بقطرب[5]، وقد سبق إلى التأليف تحت هذا العنوان، وتبعه الكثير ممّن صنّفوا في غريب القرآن تحت عنوان "معاني القرآن"[6].

 

2- "مجاز القرآن" لأبي عبيدة معمّر بن مثنى التميمي البصري (ت210هـ)[7].

 

3- "تفسير غريب القرآن" أو "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة الدينوري (ت276هـ).


 


[1] راجع: الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، الأبواب(رجال الطوسي)، تحقيق: جواد القيومي الإصفهاني، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم المشرّفة، 1415هـ.ق، ط1، ص284.

[2] الشيخ الطوسي، الأبواب (رجال الطوسي)، مصدر سابق، ص237.

[3] وهو تابعيٌّ ممن يقول بولايتهم عليهم السلام. راجع: الحلي، العلامة الحسن بن يوسف، خلاصة الأقوال، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، مؤسّسة نشر الفقاهة، إيران - قم المشرّفة، عيد الغدير 1417هـ.ق، ط1، ص227.

[4] الشيخ الطوسي، الفهرست، مصدر سابق، ص57.

[5] راجع: كحالة، معجم المؤلفين، مصدر سابق، ج12، ص15.

[6] راجع: خليفة، حاجي، كشف الظنون، دار إحياء التراث العربي، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج2، ص1730.

[7] راجع: خليفة، كشف الظنون، مصدر سابق، ج2، ص1730.

 

44


37

الدرس الثاني: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (2)

- القرن الرابع:

1- "غريب القرآن" لمحمد بن جرير الطبري الإمامي صاحب التفسير(ت310هـ)[1].

2- "نزهة القلوب في تفسير غريب القرآن" لأبي بكر محمد بن عزيز السجستاني (ت330هـ)[2].

 

- القرن الخامس:

"تفسير المشكل من غريب القرآن" لأبي محمد مكيّ بن أبي طالب القيسي(ت437ه)، وله كتاب "العمدة في غريب القرآن" وهو مختصرٌ للكتاب الأول، اختار فيها أرجح الأقوال وأصحّها عنده في تفسير الكلمات[3].

 

- القرن السادس:

1- "المفردات في غريب القرآن" للراغب الأصفهاني (ت502هـ)، وهو أشهر الكتب المعوّل عليها في هذا المجال عند الفريقين، وأعظمها فائدة، وأجمعها لألفاظ القرآن، والأصحّ تسميته بـ "مفردات ألفاظ القرآن"، نظراً إلى مقدّمته التي صرّح فيها الراغب بأنّ هدفه تحقيق مفردات ألفاظ القرآن عامّة ولم يتطرّق بتاتاً إلى مصطلح الغريب. نعم، يمكن تسميته بمفردات الغريب تسامحًا بناءً على كون كل بحث في ألفاظ القرآن الكريم يندرج تحت هذا العنوان التقليدي كما تقدّم. وممّا قاله في مقدمة الكتاب: "وذكرت أن أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية، ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه من أوائل المعاون لمن يريد أن يدرك معانيه، كتحصيل اللبن في كونه من أول المعاون في بناء ما يريد أن يبنيه...،


 


[1] راجع: آقا بزرگ الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، مصدر سابق، ج16، ص47.

[2] راجع: السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، مصدر سابق، ج2، ص49.

[3] راجع: زيد بن علي، تفسير غريب القرآن، مصدر سابق، ص69 (المقدمة).

 

45


38

الدرس الثاني: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (2)

وقد استخرت اللَّه - تعالى - في إملاء كتاب مستوفى فيه مفردات ألفاظ القرآن على حروف التهجي".

 

والراغب من أعلام الشيعة الإماميّة ومفاخرهم، وإن نسبه البعض إلى إخواننا من أهل السّنّة عامّة، والبعض إلى خصوص المعتزلة منهم، إلا أنّ التحقيق كونه على مذهب التشيّع لكثرة خلط مصنّفي أهل السّنّة بين الشيعيّ والمعتزليّ، وتعبيره عن عليّ عليه السلام بأمير المؤمنين، وذكره لتفضيله، وكثرة رواياته عن أهل البيت عليهم السلام، وغيرها من الشواهد التي يخرج بنا إيرادها عن محلّ البحث[1].

 

2- "الأريب في تفسير الغريب"، أو "الأريب بما في القرآن من الغريب" لأبي الفرج عبد الرحمان بن علي بن محمد القرشيّ "ابن الجوزي"(ت579هـ)[2].

 

- القرن السابع:

"روضة الفصاحة في غريب القرآن" لمحمد بن أبي بكر الرازي (ت668ه) صاحب مختار الصّحاح[3].

 

- القرن الثامن:

1- "تحفة الأريب (أو إتحاف الأريب) بما في القرآن من الغريب" لأثير الدين محمد بن يوسف أبي حيان الأندلسيّ(ت745هـ)[4].

 

2- "عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ" لأحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسّمين الحلبيّ (ت756هـ)[5].


 


[1] راجع: السيد الأمين، أعيان الشيعة، مصدر سابق، ج6، ص160 - 161.

[2] راجع: زيد بن علي، تفسير غريب القرآن، مصدر سابق، ص64(المقدمة).

[3] راجع: خليفة، كشف الظنون، مصدر سابق، ج2، ص1208.

[4] راجع: خليفة، كشف الظنون، مصدر سابق، ج1، ص6.

[5] راجع: خليفة، كشف الظنون، مصدر سابق، ج2، ص1166.

 

46


39

الدرس الثاني: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (2)

- القرن التاسع:

1- "تفسير غريب القرآن" لأبي حفص عمر بن أحمد الأنصاري (ت804هـ)[1].

 

2- "تهذيب تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب" لـ "قاسم بن قُطلوبُغا" (ت879هـ)[2]، وهو اختصارٌ وترتيب لكتاب أبي حيان الأندلسيّ المتقدّم الذّكر.

 

- القرن العاشر:

1- "مفحمات الأقران في مبهمات القرآن" لجلال الدين السيوطي (ت911هـ)[3].

 

2- "غريب القرآن" لابن شحنة عبد البر محمد بن محمد الحلبيّ (ت921هـ)[4].

 

- القرن الحادي عشر:

1- "التيسير العجيب في تفسير الغريب" لأحمد بن محمد بن أبي العافية المكناسي الزناتي (ت1025هـ)[5].

 

2- "مجمع البحرين ومطلع النَيِّريْن في غريب القرآن والحديث الشريفين" لفخر الدين الطريحي النجفي(ت1085هـ)[6].

 

وهو من المعاجم اللغوية التي عليها اعتماد العلماء من العامّة والخاصّة، وصيته ذائعٌ في الأصقاع، ويحتوي على أدقّ الاستفادات اللغوية وألطفها، ويُعدّ أول كتاب يتعرّض لغريب حديث المعصومين عليهم السلام. وقد أوضح في مقدمة كتابه سبب تأليفه هذا الكتاب، فقال: "ولمّا صُنِّف في إيضاح غير الأحاديث المنسوبة إلى الآل كتب متعددة ودفاتر متبددة، ولم يكن لأحد من الأصحاب ولا لغيرهم من أولي الألباب مصنّف مستقل


 


[1] راجع: القيسي، العمدة في غريب القرآن، مصدر سابق، ص34(مقدمة التحقيق).

[2] راجع: القيسي، العمدة في غريب القرآن، مصدر سابق، ص34(مقدمة التحقيق).

[3] راجع: القيسي، العمدة في غريب القرآن، مصدر سابق، ص35(مقدمة التحقيق).

[4] راجع: القيسي، العمدة في غريب القرآن، مصدر سابق، ص35(مقدمة التحقيق).

[5] راجع: القيسي، العمدة في غريب القرآن، مصدر سابق، ص35(مقدمة التحقيق).

[6] راجع: آقا بزرگ الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، مصدر سابق، ج20، ص22.

 

47


40

الدرس الثاني: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (2)

موضح لأخبارنا مبيّن لآثارنا، وكان جمع الكتب في كل وقت متعبًا، وتحصيلها عن آخرها معجزًا معجبًا، ووفق اللَّه سبحانه المجاورة لبيته الحرام وللحضرة الرضوية على مشرّفها السلام، وظفرت هناك وهنالك بعدد عديد من الكتب اللغوية، كصحاح الجوهري، والغريبين للهروي... ونحوها من الكتب المرضية، والشروح المطلعة على النكت الخفية، حداني ذلك على الشروع في تأليف كتاب كاف شاف، يرفع عن غريب أحاديثنا أستارها، ويدفع عن غير الجلي منها غبارها. ثم إني شفعته بالغرائب القرآنية والعجائب البرهانية ليتم الغرض من مجموعي الكتاب والسنة لمن رام الانتفاع بهما"[1].

 

وللشيخ الطريحي أيضاً كتابٌ طبع تحت عنوان "تفسير غريب القرآن"، وهو كالشرح والتبويب لكتاب نزهة القلوب لأبي بكر السجستاني، كما صرّح في مقدّمته[2]. ويرى صاحب الذريعة أنّه ألّفه قبل كتاب مجمع البحرين سنة 1051ه[3].

 

- القرن الثاني عشر:

"تفسير غريب القرآن" للأمير الصنعاني محمد بن إسماعيل اليمنيّ(ت1182ه)[4].

 

- القرن الثالث عشر:

"رسالة تفسير غريب القرآن العظيم" لمصطفى بن حنفي بن حسن الذّهبي (ت1280ه)[5].


 


[1] الطريحي، الشيخ فخر الدين، مجمع البحرين، تحقيق: السيّد أحمد الحسينيّ، نشر مرتضوي، لا.م، 1362هـ.ش، ط2، ج1، ص9 - 10.

[2] راجع: الشيخ الطريحي، تفسير غريب القرآن، مصدر سابق، ص4.

[3] راجع: آقا بزرگ الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، مصدر سابق، ج16، ص48 - 49.

[4] راجع: الميلاني، السيد علي الحسيني، نفحات الأزهار، الناشر: المؤلف، لا.م، 1414هـ.ق، ط1، ج8، ص356.

[5] راجع: سركيس، اليان، معجم المطبوعات العربية، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي، إيران - قم المشرّفة، 1410هـ.ق، لا.ط، ج1، ص912.

 

 

48


41

الدرس الثاني: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (2)

- القرن الرابع عشر:

"هدية الإخوان في تفسير ما أبهم على العامّة من ألفاظ القرآن" لمصطفى بن يوسف بن عبد القادر الحسيني البيروتيّ (ت1333ه)[1].

 

- القرن الخامس عشر:

1- "غريب القرآن ومتشابهاته" للشيخ نديم الجسر، أوّله: "الحمد للَّه... وبعد فإنّ العربيّ الغيور يحزّ في نفسه أن يرى قرابة ألف كلمة من القرآن، تكاد تكون معانيها اللغوية خافية..."[2].

 

2- "معجم ألفاظ القرآن الكريم" وضعه أعضاء مجمع اللغة العربية في القاهرة، وهو مرتّبٌ على حروف الهجاء، لشرح معاني ألفاظ القرآن الكريم على الإجمال مع الدلالة على موضع كل كلمة من الآية والسورة[3].

 

3- "التحقيق في كلمات القرآن الكريم" للشيخ حسن المصطفوي (ت1426هـ): كتابٌ مهمٌّ وماتع، على غرار كتاب معجم مقاييس اللغة لابن فارس، يهدف إلى شرح كلمات القرآن الكريم من خلال نقل كلمات المدقّقين من اللغويين الأوائل، ثمّ يستخلص الكاتب الرأي الصائب في أصل المادة كلّ مرّةٍ بعد قوله: "والتحقيق: أنّ الأصل في المادة..."، مبيّنًا الفوارق الدقيقة بينه وبين أصول الموادّ المشابهة، والتناسب بين أصل المادة وفروعها أو مشتقّاتها، ثمّ يطبّق هذه النتائج على موارد استعمال القرآن الكريم للمادة وفروعها، ليتوصّل من خلال ذلك إلى نتائج قيّمة وملاحظات شيّقة، يَنْدُرُ أن تحظى بها في غير هذا الكتاب.


 


[1] راجع: القيسي، العمدة في غريب القرآن، مصدر سابق، ص36 (مقدمة التحقيق).

[2] راجع: المصدر نفسه.

[3] راجع: المصدر نفسه.

 

49


42

الدرس الثاني: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (2)

4- "المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته"، وهو موسوعة قرآنية كبرى، من تأليف وتحقيق قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلامية في إيران. وتتميّز هذه الموسوعة بجمعها لكل النّصوص اللغوية التي تناولت إحدى موادّ القرآن، بالإضافة إلى النصوص التفسيريّة المتعلّقة باللفظ، مرتبةً حسب التقدم الزماني لمؤلفيها، ثم تبحث في الأصل اللغوي لمادّة اللفظ، ومسار تحوّل المفردة لفظاً ومعنى، وتشير إلى تحليلات هامّة في الاستعمال القرآنيّ للفظة، كما تحتوي فصلاً خاصّاً بأسماء الأعلام القرآنية وسيرها. وقد صدر منه حتى اليوم 36 مجلّدا، ويُتوقّع أن يبلغ 60 مجلّداً. والجدير بالذّكر أن سماحة الإمام القائد دام ظله نوّه بهذا الكتاب، ووصفه بأنه أفضل ما شاهده في مجاله، وأننا وأهل السنة -لا سيّما المصريين الذين أنجزوا أعمالاً عديدة في هذا المجال- نفتقد لمثل هذا الكتاب، واقترح تسميته بـ"الموسوعة القرآنية الكبرى" باعتبار أن اسم معجم قليلٌ على هذا الكتاب، وأوصى بإرسال نسخةٍ منه إلى مكتبة جامعة الأزهر في مصر[1].


 


[1] راجع: توصية الإمام الخامنئي دام ظله بشأن إهداء نسخ إحدى الكتب إلى جامعة الأزهر في مصر، تاريخ نشر المقال: 23/12/2017م، تاريخ الاطّلاع عليه: 1/7/2019، متاح من موقع: arabic.khamenei.ir/news/2463.

 

50


43

الدرس الثاني: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (2)

المفاهيم الرئيسة

-        جاءت مصنّفات غريب القرآن تحت تسميات وعناوين عديدة، مثل: "معاني القرآن"، و"إعراب القرآن"، و"مجاز القرآن".

 

-        اتّبع المصنّفون في غريب القرآن في ترتيبهم للألفاظ التي أوردوها في كتبهم طريقتيين:

•        الطريقة الأولى: ترتيب الألفاظ بحسب ورودها في سور القرآن الكريم، مبتدئين بسورة الفاتحة، ومختتمين بسورة الناس.

•        الطريقة الثانية: ترتيب الألفاظ على حروف الهجاء، وقد اتّخذت هذه الطريقة أشكالًا عدة:

1- الترتيب الألفبائي لجذر الكلمة بحسب أوائلها، مثل: "أبى، أتى، أثر...".

2- الترتيب الألفبائي لجذر الكلمة حسب أواخرها أوّلًا ثم حسب أوائلها: أو ما يعرف بنظام التقفية، مثل: "بدأ، برأ، بطأ، بوأ...".

3- الترتيب الألفبائي لجذر الكلمة حسب حرفها الأول والأخير دون حشو الكلمة، مثل: "أَيَبَ، أَرَبَ، أَوَبَ، أَلَتَ، أَمَتَ، أَثَثَ...".

 

- من الأشكال التصنيفيّة التي برزت في علم الغريب كما برزت في غيره من العلوم، المنظومات الشعرية.

 

- تُعدّ مسائل نافع بن الأزرق لابن عباس أولى مصادر علم غريب القرآن. إلا أن التصنيف الفعلي في علم الغريب بدأ مع العالم الإمامي صاحب الأئمّة عليهم السلام وثقتهم، أبان بن تغلب بن رباح (رض)، ثم تبعه في القرن الثاني علماء من الفريقين لا يحصون.

 

 

51


44

الدرس الثاني: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (2)

- حتى يأنس الطّالب بكتب الغريب، ويمتلك القدرة على الرجوع إليها والبحث فيها، اكتفينا بالإشارة إلى أهمّ ما كُتب في هذا المجال في كلّ قرنٍ ضمن الدرس.

 

- من أهمّ المصنّفات المعاصرة في غريب القرآن، "المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته".

 

52

 


45

الدرس الثاني: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (2)

الدروس التطبيقية

 

تنقسم الأهداف التي تعمّ الدروس التطبيقية الآتية إلى:

 

الأهداف الرَّئيسة

على المتعلّم، مع نهاية الدروس، أن:

1- يطبّق ملكة البحث في مفردات القرآن الكريم.

2- يشرح المنهجيّة التي ينبغي اتّباعها لاستجلاء معاني المفردات.

3- يتعرّف إلى المصادر اللغوية والتفسيرية المهمّة ويرجع إليها عند الحاجة.

4- يتمرّن على الاستدلال والمناقشة وإيجاد الرّبط بين التفسيرات المختلفة.

5- يتعلّم القواعد العلمية المختلفة (اللغوية والتفسيرية والنحوية والصَّرفية والفلسفية...) المذكورة في الدروس ليطبّقها عند الحاجة في موارد أخرى.

 

الأهداف التفصيليّة

على المتعلِّم، مع نهاية الدروس، أن:

1- يستخرج المفردات من القرآن الكريم وإحصاء مرّات تكرّرها مع الالتفات إلى مكّيّها ومدنيّها.

 

53

 


46

الدرس الثاني: مدخل إلى علم غريب القرآن الكريم (2)

2- يردّ المفردة إلى مادّتها الأساسيّة.

 

3- يرصد المشتقّات الأخرى للمادّة التي وردت في القرآن الكريم وإحصائها كذلك.

 

4- يتتبع المعاني المذكورة لنفس المفردة في كتب اللغة الأصيلة بدءًا بالمتقدّم منها وصولًا إلى المتأخّر.

 

5- يستكشف المشتقّات الأخرى للمادّة ومعانيها تمهيدًا لفهم أصل المادّة.

 

6- يراجع الكتب المختصّة بردّ الموادّ إلى أصولها ومحاكمتها وترجيح أحد الأقوال.

 

7- يتعرّف إلى المناسبة بين معنى المفردة والأصل.

 

8- يتابع المعاني التي ذكرها المفسّرون للمفردة بدءًا بالمتقدّم منهم وصولًا إلى المتأخر.

 

9- يحدّد العلاقة بين المعنى اللغوي والمعنى التفسيري.

 

10- يرجّح أحد الأقوال التفسيرية - إن وُجد خلاف - بالرجوع إلى القرائن والأدوات العلمية.

 

11- يستفيد من ندرة المادّة وانحصار ورود المفردة في المكّي أو المدنيّ ومن قرائن أخرى لتحديد ما إذا كانت لغة مكيّة أو مدنيّة أو غيرها.

 

12- يتعرّف إلى دخل مراعاة الرويّ في انتقاء القرآن للمفردات، لا سيّما إن استُعملت نفس المعاني بألفاظ مختلفة في موارد أخرى.

 

13- يبحث عن نظائر للمفردة - إن وجدت - في القرآن الكريم وبيان الروابط والمشتركات والفروقات بينها وبين المفردة محلّ البحث.

 

14- يستنتج الروعة البيانية والإضافة المعنوية واللطائف الغنيّة التي تضفيها المفردة محلّ البحث على الآية القرآنية من خلال كل ما تقدّم.

 

54

 


47

الدرس الثالث: (أ - ب)

الدرس الثالث

(أ - ب)

 

 

أهداف الدرس

يتناول الدرس المفردات الآتية:

1- أَبًّا (أ ب ب).

2- أبابيل (أ ب ل).

3- بَسَرَ - باسِرَة (ب س ر).

 

56


48

الدرس الثالث: (أ - ب)

أبّاً (أ ب ب)

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت مفردة(أبًّا) وحيدةً في مادتها في القرآن الكريم، مرة واحدة، في سورة مكية، في قوله - تعالى -: ﴿فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾[1].

 

2- المعنى اللغوي:

ذكر اللغويون في معنى الأبّ أنه: الكلأ والمرعى[2]، وهو المرويّ عن الإمام عليّ عليه السلام وكبار المفسّرين من الصحابة[3], وأنه: التهيّؤ والعزم على الشيء، فيقال: أبَبْت أؤُبّ أبّاً وأباباً وإبابةً[4]، ويُقال: أبّ الرجل إلى سيفه، إذا ردّ يده


 


[1] سورة عبس، الآيات 27 - 32.

[2] راجع: ابن دريد، محمد بن الحسن بن دريد، جمهرة اللغة، مجلس دائرة المعارف، حيدر آباد الدكن، 1344ه، ط1، ج1، ص13؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص86؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج1، ص6؛ ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج1، ص204.

[3] راجع: الشيخ المفيد، الإرشاد، مصدر سابق، ج1، ص200؛ الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج30، ص60؛ السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، دار المعرفة للطباعة والنشر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج6، ص317.

[4] راجع: الأزهري، محمد بن أحمد، تهذيب اللغة، تحقيق وتقديم: عبد السلام محمد هارون، مراجعة: محمد علي النجار، الدار المصرية للتأليف والترجمة، لا.م، لا.ت، لا.ط، ج15، ص599؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج1، ص86(نقله عن الخليل)؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص86.

 

58


49

الدرس الثالث: (أ - ب)

إليه ليستلّه[1], وأنه: النزاع إلى الوطن[2]، ولعله من نزع إلى وطنه نزوعاً، أي: تهيّأ لقصده[3].

 

وافترق اللغويون في أصل مادة (أ ب ب) إلى فريقين:

- فريقٌ ردّها إلى أصلين: أحدهما: التهيُّؤ، ومنه العزم واستلال السيف والنزوع إلى الوطن، والآخر: اسمٌ لنبات, وهم القُدامى وعلى رأسهم ابن فارس[4].

 

- فريقٌ ردّها إلى أصل واحد: وهو التهيّؤ[5]، وعلى رأسهم الراغب، حيث عرّف الأبّ بأنه المرعى المتهيّئ للرعي[6]، فيكون قد ردّ إطلاق الأبّ على المرعى إلى مناسبة كونه متهيّئاً للرعي. وقد سبق الشيخُ الطوسي في الإشارة إلى هذا المعنى[7]. وذكر الراغب أن قولهم (إبّان ذلك) على وزن فِعْلان من(أ ب ب)، وهو الزمان المهيّأ لفعله ومجيئه[8].

 

3- المعنى التفسيري:

استعمل القرآن الكريم هذه المفردة بمعنى المرعى للدوابّ والأنعام، والأوفق


 


[1]  راجع: ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج1، ص14.

[2] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص86 (نقله عن أبي عمرو الشيباني)؛ ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج1، ص13.

[3] راجع: الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص59.

[4] راجع: ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج1، ص13, ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج1، ص6؛ ابن سِيدَه، علي بن إسماعيل، المخصص، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي، دار إحياء التراث العربي، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج10، ص554.

[5] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ص59, الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج1، ص18, جبل، محمد حسن، المعجم الاشتقاقي المؤصّل لألفاظ القرآن الكريم، مكتبة الآداب، مصر - القاهرة، 2010م، ط1، ص53.

[6] راجع: الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص59.

[7] راجع: الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق وتصحيح: أحمد حبيب قصير العاملي، مكتب الإعلام الإسلامي، لا.م، 1409هـ.ق، ط1، ج10، ص267.

[8] راجع: الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص59.

 

59


50

الدرس الثالث: (أ - ب)

بسياق الامتنان أن يُحمَّل اللفظ أيضاً معنى المرعى المتهيّئ للرعي والجزّ كما مرّ في المعنى اللغويّ. فالعنايات الإلهيّة بالإنسان لم تقتصر على رزقه من الفاكهة المستطابة التي يلتذُّ بها، بل عمّت رزقه - تعالى - لأنعامه من رعيٍ جاهزٍ سائغٍ للأنعام، لم يتكلّف بإعداده الإنسان. وكما يمتنّ - عزّ وجلّ - على الإنسان في آيات أخرى بخلقه للأنعام معدّداً منافعها، كقوله - تعالى -: ﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ*  وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾[1]، يمتنّ عليه هنا برزق أنعامه أيضاً.

 

ولا عجب أن يستعصي فهم مفردة (أبّاً) على بعض اللغويين كأبي زيدٍ الأنصاري الذي نقل ابن فارس عنه قوله: "لم أسمع للأبّ ذكرًا إلا في القرآن"[2], فقد استعصت على كثير من الصحابة على رأسهم الخلفاء، حيث رُوي: "أن أبا بكر سُئِل عن قوله - تعالى -: ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾ فلم يعرف معنى الأب في القرآن، وقال: أي سماء تظلّني وأي أرض تقلّني أم كيف أصنع إن قلت في كتاب اللَّه - تعالى - بما لا أعلم، أما الفاكهة فنعرفها، وأما الأب فاللَّه أعلم به. فبلغ أمير المؤمنين عليه السلام مقاله في ذلك، فقال: عليه السلام: يا سبحان اللَّه، أما علم أن الأب هو الكلأ والمرعى، وأن قوله - عزّ اسمه -: ﴿وَفَاكِهَةً وَأَبًّا﴾ اعتدادٌ من اللَّه - سبحانه - بإنعامه على خلقه فيما غذاهم به، وخلقه لهم ولأنعامهم مما تحيى به أنفسهم وتقوم به أجسادهم"[3].

 

ورُوي أنّ عُمَرَ قرأ هذه الآيات من سورة عبس إلى أن وصل إلى لفظة وأبّاً، فقال: "كل هذا قد عرفنا فما الأب؟ ثم رفض عصا كانت في يده، وقال: هذا لعمر اللَّه


 


[1] سورة النحل، الآيات 5 - 8.

[2] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج1، ص6.

[3] الشيخ المفيد، الإرشاد، مصدر سابق، ج1، ص200.

 

60


51

الدرس الثالث: (أ - ب)

التكلّف يابن أم عمر ألّا تدري ما الأب, ثم قال: ابتغوا ما تبين لكم من هذا الكتاب، وما لا فدعوه"[1].

 

وكانت هذه الأسئلة تستثير حفيظة الخليفة الثّاني إلى درجة أنّه كان يهمّ بضرب من كان يطرحها ويتداول أمرها، ففي الدرّ المنثور: "أن رجلًا سأل عُمَرَ عن قوله ﴿وَأَبًّا﴾ فلما رآهم يقولون أقبل عليهم بالدِّرَّة![2]"[3].

 

وقد علّق العلامة الطباطبائيّ على هذا الخبر بقوله: "هو مبنيٌّ على منعهم عن البحث عن معارف الكتاب حتى تفسير ألفاظه"[4].

 

وكيف كان، فأغلب الظنّ أنّ ألفاظاً مثل (أبّا) لم تكن شائعة الاستعمال في كلام العرب، ولم يكونوا يستعملونها إلا في حالات نادرة عند اقتضاء الضرورة، كضرورة رعاية الرويّ هنا في الآيات، ولذلك عندما انتفت هذه الضرورة فيما يشابهها من الآيات جاءت بلفظٍ آخر أكثر استعمالًا، كما في قوله - تعالى -: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾[5].

 

أبابيل (أ ب ل)

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

ورد من هذه المادّة في القرآن مفردتان: الأولى: إبل، وقد وردت مرتين في سورتين مكّيّتين، والثانية: أبابيل، وقد وردت مرة واحدة في سورة الفيل المكّيّة: ﴿بِسْمِ اللّهِ


 


[1]  الزيلعي، عبد اللَّه بن يوسف، تخريج الأحاديث والآثار، تحقيق: عبد اللَّه بن عبد الرحمن السعد، دار ابن خزيمة، 1414هـ.ق، ط1، ج4، ص158.

[2] ما يضربُ به السلطان. راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج8، ص7.

[3] السيوطي، الدر المنثور، مصدر سابق، ج6، ص317.

[4] الطباطبائي، العلامة السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم المشرّفة، 1417هـ.ق‏، ط5، ج20، ص212.

[5] سورة النازعات، الآيات 31 - 33.

 

61


52

الدرس الثالث: (أ - ب)

الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ*  وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ﴾[1].

 

2- المعنى اللغوي:

ذكر اللغويون في معنى أبابيل تعابير متعددة تدور جميعها في فلك معنى الكثرة، مثل: "فِرَقًا"[2]، "يتبع بعضها بعضًا إبيلًا إبيلًا، أي: قطيعاً خلف قطيع"[3]، أو "هي المجتمعة في حال تفرّق"[4]. بل يمكن دعوى إطباق اللغويين على هذا المعنى، وأنّ العرب استعملوا هذا اللفظ صفةً على الدّوام لبيان كثرة الموصوف[5]، فقالوا: طيرٌ أبابيل كما قالوا: خيلٌ أبابيل[6].

 

وإذا كان اللغويون اتّفقوا في معناه، فالنّحويون تفرّقوا في مبناه، واختلفوا في أنّه جمعٌ أو اسمُ جمع؟ فمن قال إنّه اسم جمع استدلّ بالسّماع، وجعله مثل الشعارير والشعاليل والعبابيد وغيرها من الألفاظ التي ليس لها مفرد في اللغة[7]. ومن ذهب إلى أنه جمعٌ استدلّ بالقياس، واختلفوا في واحده على أقوال: فقيل: هو إِبِّيل، مثل: سِكّين وسكاكين, وقيل: إِبَّوْل، مثل: عِجَّوْل وعجاجيل, وقيل: إِبّال، مثل: دينار ودنانير,


 


[1] سورة الفيل، الآيات 1 - 5.

[2] الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج4، ص1618.

[3] الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج8، ص343.

[4] ابن الأنباري، محمد بن القاسم، الزاهر في معاني كلمات الناس، تحقيق: الدكتور يحيى مراد، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، 1424هـ.ق - 2004م، ط1، ص90.

[5] راجع: مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، لا.ن، إيران - مشهد، 1247هـ.ق - 1385هـ.ش، ط2، ج1، ص130.

[6] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج8، ص343.

[7] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج4، ص1618(نقله عن الأخفش), الفرّاء، يحيى بن زياد، معاني القرآن، تحقيق: ناصر خسرو، إيران - طهران، لا.م، لا.ت، لا.ط، ج3، ص292, ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج3، ص447(نقله عن الأصمعي)؛ ابن الأنباري، الزاهر، مصدر سابق، ص90.

 

62

 


53

الدرس الثالث: (أ - ب)

وقيل: إبّالة، مثل: صِنّارة وصنانير, وقيل: أَبّالة, وقيل: أَبّال[1], ولم يذكروا مثالاً في كلماتهم للأخيرين. ويمكننا قياسه بألفاظٍ أخرى، مثل: أُبُّول، نظير: دَبّوس ودبابيس.

 

والأرجح أنه اسم جمع, لأنّ أغلب الألفاظ التي وردت على غراره لفظاً ومعنىً هي أسماء جموع، والأمثلة التي قاسوا عليها إنّما هي حجة النّحويين عند غياب السّماع، ولذلك يمكن الزّيادة عليها كما فعلنا في القياس على "دبّوس" و"دبابيس" ولو كان للفظ "أبابيل" مفردٌ معروف لما اختلفوا فيه[2].

 

ويُلاحظ تكرّر الباء واللام في كلّ ما فيه ملحظ اختلاطٍ واضطراب، كبلبلة الأسِنّة، أي: اختلاطها, وبلبل القومَ: هيَّجهم، والبلبلة في عُجمة اللسان، والبُلبُل للطائر المعروف، والبِلْبال للهمّ الشديد الذي يضطرب منه البال[3].

 

واختلفوا في أصل مادة (أ ب ل) على أقوال: فابن فارس: جعله على أصول ثلاثة: الإبل، والاجتزاء، والثّقل والغلبة[4].

 

وحقّق[5] الشيخ المصطفوي أنّه: "الحيوان المتّصف بصفة الاجتزاء مع الثقل، والإبل أحد مصاديق هذا المعنى فغلب استعماله فيها. وأمّا الأبابيل: فلعلَّها أيضاً كانت موصوفة بالاجتزاء والغلبة، بمعنى اتّصافها بالقوّة والقدرة والقناعة والاجتزاء مع كونها قطيعة قطيعة، فهذه الكلمة ليست اسماً لنوع


 


[1] 119 راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج4، ص1618(نقله عن الأخفش)؛ الفرّاء، معاني القرآن، مصدر سابق، ج3، ص292, القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مصدر سابق، ج2، ص197.

[2] راجع: مجمع البحوث الإسلامية(قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج1، ص130 - 131.

[3] راجع: بنت الشاطئ، عائشة عبد الرحمن، الإعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن الأزرق، دار المعارف، لا.م، لا.ت، ط3، ص386.

[4] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج1، ص39.

[5] سبق لنا في المدخل أن أشرنا إلى كتاب التحقيق للشيخ المصطفوي وأسلوب تأليفه، وهو: أنه يورد كلمات المدقّقين من اللغويين الأوائل حول المادّة ومشتقّاتها، ثم يقول: "والتحقيق: أن الأصل في المادة.." ذاكرًا ما تبنّاه أو استنبطه من أصلٍ للمادّة... والعبارة أعلاه ستتكرّر في المتن، فحيث نقول "حقّق الشيخ المصطفوي" فإننا نقصد الإشارة إلى ما تقدّم.

 

63


54

الدرس الثالث: (أ - ب)

مخصوص من الطير، بل هي اسم لطير تكون بهذه الخصوصيّات، وأمّا أنّها من أيّ نوع كانت: فاللَّه أعلم بها. والاشتقاق منها انتزاعيّ بلحاظ الصّفتين"[1]. ويرى البعض أن الأصل هو الإبل، ومنه تفرّعت سائر المعاني، فالكثرة أخذت من عظمة خلقتها، والاجتزاء من صبرها على الماء القليل[2]. فيما عبّر عنه آخرون بأنه: احتواء باطن الشيء على غَضٍّ أو لطيفٍ كثير، ومنه الماء في جوف الإبل، والكثرة المتلازمة المحتواة في حوزةٍ في الأبابيل[3].

 

3- المعنى التفسيريّ:

تتناول سورة الفيل قصة أبرهة وجيشه لما عزم على هدم الكعبة ليحوّل أنظار الناس إلى مملكته والمعبد الذي بناه، وكيف أن اللَّه - عزّ وجلّ - أضلّ كيده، وأرسل عليه سرباً من الطيور من ناحية البحر الأحمر، تحمل حجارة قاسية وشديدة، وترمي بها جيش أبرهة، حتى أبادتهم جميعاً. وفي صفتها ورد في تفسير القمّي: "فأرسل اللَّه ﴿عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ﴾ قال: بعضها على إثر بعض ﴿تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ﴾ قال: كان مع كل طير ثلاثة أحجار، حجر في منقاره، وحجران في مخاليبه، وكانت ترفرف على رؤوسهم، وترمي في دماغهم، فيدخل الحجر في دماغهم، ويخرج من أدبارهم، وتنتقض أبدانهم"[4].

 

والمشهور أن هذه الطيور كانت تشبه الخطاطيف[5]، وقيل: "لها رؤوس كرؤوس السباع فلم تزل ترميهم حتى جدرت جلودهم، وما رؤي الجدريُّ قبل يومئذ وما رؤي


 


[1] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج1، ص25.

[2] راجع: مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج1، ص144.

[3] راجع: جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل للألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص171.

[4] القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج1، ص48, الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج2، ص443.

[5] راجع: ابن أبي شيبة الكوفي، المصنّف، مصدر سابق، ج8، ص234, الشيرازي، الشيخ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب اللَّه المنزل، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط، ج20، ص469.

 

 

64


55

الدرس الثالث: (أ - ب)

الطير قبل يومئذ ولا بعد"[1]. وقيل: رؤوسها كالأفاعي[2]. ورُوي عن ابن عبّاس: "كان لها خراطيم كخراطيم الطير، وأكفٌّ كأكفِّ الكلاب"[3]. وقيل إنّها سوداء[4]. ورُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام: "قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: جاءتهم طير أبابيل مثل الحدأ[5] في صورة السباع، وإنها أحياء إلى اليوم، تعيش في الهواء"[6].

 

بَسَرَ - باسِرة (ب س ر)

 

1- مورد المفردتين في القرآن الكريم:

لم يَرِد من مادة (ب س ر) في القرآن الكريم إلا هاتان المفردتان، كل منهما مرّة واحدة، إحداهما بصيغة الفعل الماضي في قوله - تعالى -: ﴿ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ﴾[7]، والأخرى بصيغة اسم الفاعل المؤنّث في قوله - تعالى -: ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ﴾[8]، وذلك في سورتين مكّيّتين.


 


[1] أبو حمزة الثمالي، تفسير أبي حمزة الثمالي، أعاد جمعه وتأليفه: عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين، مراجعة وتقديم: الشيخ محمد هادي معرفة، دفتر نشر الهادي، 1420هـ.ق - 1378هـ.ش، ط1، ص364؛ التستري، سهل بن عبد اللَّه، تفسير التستري، منشورات محمد علي بيضون - دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1423هـ.ق، ط1، ص206.

[2] راجع: التستري، تفسير التستري، مصدر سابق، ص206.

[3] ابن أبي شيبة الكوفي، المصنّف، مصدر سابق، ج8، ص234.

[4] راجع: ابن أبي شيبة الكوفي، المصنّف، مصدر سابق، ج8، ص234؛ الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج10، ص410.

[5] طائر يصيد الجرذان، ويقال إنها كانت تصيد لسليمان بن داود وكانت أصيد الطير. راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج3، ص278.

[6] المتقي الهندي، علي المتقيّ بن حسام الدين، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ضبط وتفسير: الشيخ بكري حياني، تصحيح وفهرسة: الشيخ صفوة السقا، مؤسّسة الرسالة، لبنان - بيروت، 1409هـ.ق - 1989م، لا.ط، ج2، ص556.

[7] سورة المدّثّر، الآية 22.

[8] سورة القيامة، الآية 24.

 

65


56

الدرس الثالث: (أ - ب)

2- المعنى اللغوي:

للبَسْر في معاجم اللغة وكلمات أربابها الكثير من المعاني، نُعرِضُ عن نقل الكلمات فيها للاختصار، ونكتفي بالإشارة إلى العناوين، فمن ما ذكروا في معناه: الإعجال[1]، والتمر قبل أن يرطب ويصير بلحاً، والغضّ من النبات أوّل ما يرتفع من الأرض، ونبات البُهمى[2] قبل أن يتفقّأ، وكلوح الوجه، والماء الطريّ ساعة ينزل من السماء، وطلب الحاجة في غير موضعها وقبل أوانها، ونكأ الدمّل قبل أن يتقيّح، والغلام أو المرأة الشابّين، ورجلٌ كريه الوجه والمنظر، والشّمس إذا كانت حمراء لم تصفُ، وما لَوَّن ولم ينضج، والتوقّف[3].

 

وفي أصل المادة قال ابن فارس: "الباء والسين والراء أصلان: أحدهما: الطراءة وأن يكون الشيء قبل إناه. والأصل الآخر: وقوف الشيء وقلة حركته"[4]. وحقّق المصطفوي: "أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو حصول أمر أو وقوع عمل قبل أوانه"[5]. وقالوا إنه: "طلب الشيء قبل تهيّؤ ظروفه، أو استكراه الشيء على الانفتاح عما في باطنه قبل تهيّئه لذلك"[6].

 

3- المعنى التفسيري:

المورد الأول: قال - تعالى -: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا *


 


[1] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص250. 

[2] نباتٌ أشبه بالقمح، ترعاه الأنعام غضّاً، راجع: ابن منظور، لسان العرب، ج4، ص59.

[3] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص250؛ الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج12، ص411 - 413؛ ابن السكيت الاهوازي، يعقوب بن إسحاق، ترتيب إصلاح المنطق، ترتيب وتقديم وتعليق: الشيخ محمد حسن بكائي، مجمع البحوث الإسلامية، إيران - مشهد، 1412هـ.ق، ط1، ص78.

[4] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج1، ص249.

[5] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج1، ص266؛ وراجع: مجمع البحوث الإسلامية(قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج5، ص468.

[6] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل للألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص120.

 

66


57

الدرس الثالث: (أ - ب)

وَبَنِينَ شُهُودًا  * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا  * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾[1]. استفاض النقل في أن هذه الآيات نزلت في الوليد بن المغيرة لما سألته قريش القول في القرآن، فذهب يستمع إليه، فاقشعرّ بدنه، وقفل إلى بيته يفكّر في ما سمعه، فراجعته قريش، فقال: هذا سحرٌ يأخذ بالقلوب[2].

 

وقد حاول بعض المفسّرين التفرقة بين (عبس) و(بسر)، فبعضهم جعل البسر مرتبةً أشدّ من العبوس[3]، وبعضهم أضاف إلى البسر معنى التفكير والتقدير مع العبوس[4]، بينما وجد آخرون أن الفرق والترتيب بينهما أمر عسير. إلا أنه يمكن القول إن البسر: "عبارة عن حالة عبوس تلازم التفصّى والتخلُّص بالاستعجال... فالباسر يدرك أوّلًا نقصًا وابتلاء في نفسه، ثمّ يحصل له حالة القطوب والعبوس، ففي الثالثة يريد التفصّي ويستعجل في النجاة"[5], ويؤيّده ما تبعه من حكاية إدبار هذا الشخص وعدم تمهّله ليتمّ استماع القرآن، أو ليسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلمعن معانيه ومصدره، بل استعجل في إبداء الرأي المُغرض والمجحف والمناقض لفطرته.

 

المورد الثاني: قال - تعالى -: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ﴾[6].


 


[1] سورة المدّثر، الآيات 11 - 24.

[2] راجع: القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج2، ص393 - 394.

[3] راجع: الهمذاني، عبد الرحمان، الألفاظ الكتابية، دار الكتب، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ص231؛ مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج5، ص460.

[4] راجع: الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير(تفسير الرازي)، لا.م، لا.ن، لا.ت، ط3، ج30، ص201.

[5] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج1، ص267.

[6] سورة القيامة، الآيات 22 - 25.

 

67


58

الدرس الثالث: (أ - ب)

تصف الآيات مشهد القيامة، ومن هذه المشاهد الاختلاف المُلاحظ في وجوه الناس وسببه، فالصالحون يومئذٍ وجوههم ناضرة بسبب أملهم برحمة اللَّه وإحسانه ووفائه بوعده لهم، والطالحون وجوههم يومئذٍ باسرة بسبب الذلّة التي يعلمون أنهم مقدمون عليها، وقد فسروا لفظة باسرة هنا بما يقابل لفظة ناضرة، فقالوا في معناها: "كاشرة"، "كالحة"، "عابسة"، "مسودة"، "متغيّرة", إلا أن الأظهر منها هو "شدّة العبوس مع الاسوداد"[1]، وكلّ هذا منهم استعجالٌ للعذاب الذي تيقّنوا أنهم مقدمون عليه، فجرى منهم العبوس والتقطيب مجرى ما يفعل قبل وقته[2].

 

ويظهر أن لرعاية الفواصل أو الرويّ دخلاً في اختيار المفردتين في كلا الموردين.


 


[1] راجع: مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج5، ص470.

[2] راجع: الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص122.

 

68


59

الدرس الثالث: (أ - ب)

المفاهيم الرئيسة

 

أَبًّا (أ ب ب)

- وردت مفردة (أبًّا) وحيدةً في مادتها في القرآن، مرة واحدة، في سورة مكية.

- ذكر اللغويون في معنى الأبّ أنه: الكلأ والمرعى، وأنه التهيّؤ والعزم والقصد.

- تمحورت كلماتهم في أصل المادة حول معنى التهيّؤ.

- استعمل القرآن هذه المفردة بمعنى المرعى المتهيّئ للرعي، ويظهر أنه اختارها مراعاةً للرويّ.

- استعصى فهم هذه المفردة على بعض الصحابة، وقد فسّرها الإمام علي عليه السلام للسائلين.

 

أبابيل (أ ب ل)

- ورد من هذه المادّة في القرآن مفردتان، وقد وردت (أبابيل) مرة واحدة في سورة الفيل المكّيّة.

- تمحورت كلمات اللغويين في معنى أبابيل حول معنى الكثرة.

- في أصل المادة آراء عديدة، وابن فارس جعله 3: الإبل، والاجتزاء، والثّقل والغلبة.

- في صفة الطير الأبابيل روايات عديدة، والمشهور أنها كانت تشبه الخطاطيف.

 

بَسَرَ - باسِرَة (ب س ر)

-لم يَرِد من هذه المادة في القرآن إلا هاتان المفردتان، كل منهما مرّة واحدة، في سورتين مكّيّتين.

- من معاني المفردة الأخرى: الإعجال، والتمر قبل أن يصير بلحاً.

 

69

 


60

الدرس الثالث: (أ - ب)

-        تمحورت كلمات اللغويين في أصل المادة حول معنيي الطراوة وقلّة الحركة.

-        استعمل القرآن فعل (بسر) وصفًا لحالة الوليد بن المغيرة حين رجع من عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم عابسًا، ووصف القرآن بأنه سحر.

-        استعمل القرآن صفة (باسرة) نعتًا لوجوه الخاسرين يوم القيامة، ويشتمل هذا الوصف على معاني: الكلوح، والاسوداد، والعبوس، واستعجال العذاب.

-        يظهر أن لرعاية الرويّ دخلاً في اختيار المفردتين في كلا الموردين.

 

70

70

 


61

الدرس الرابع: (ت - ث)

الدرس الرابع

(ت - ث)

 

 

 

أهداف الدرس

يتناول الدرس المفردات الآتية:

1- تَتْبِيب (ت ب ب).

2- تَرائِب (ت ر ب).

3- ثجَّاجًا (ث ج ج).

4- تثريب (ث ر ب).

 

72

 


62

الدرس الرابع: (ت - ث)

تتبيب (ت ب ب)

 

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة مرّة واحدة في القرآن الكريم، في سورةٍ مكّيّة: ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾[1].

 

وتشترك هذه المفردة في مادتها مع ثلاث كلمات أخرى في القرآن، كلّها من سورٍ مكّيّة:

 

- "تباب": في قوله - تعالى -: ﴿وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ﴾[2].

 

- "تبَّت" و "تبَّ": في قوله -تعالى-: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾[3].

 

2- المعنى اللغوي:

في العين: "التبّ: الخسار، وتبًّا له، نصب لأنه مصدر محمول على فعله كما تقول: سَقْياً لفلان، معناه: سُقِيَ فلانٌ سَقْياً، وتبَّ يَتِبُّ تَبابًا وتَبًّا,... والتَّباب الهلاك,... واستَتَبَّ له الأمر أي تهيّأ. ورجل تابٌّ أي ضعيف، وجمعه أتباب"[4].


 


[1] سورة هود، الآية 101.

[2] سورة غافر، الآية 37.

[3] سورة المسد، الآية 1.

[4] الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج8، ص110 - 111. ونحوه: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص90.

 

74


63

الدرس الرابع: (ت - ث)

وعن الأصل اللغوي قال ابن فارس: "التاء والباء كلمة واحدة وهي التباب وهو الخسران... وقد جاءت في مقابلتهما كلمة يقولون استتب الأمر إذا تهيأ, فإن كانت صحيحة فللتباب إذًا وجهان: الخسران والاستقامة"[1]. فيما ردّه الراغب إلى أصلٍ واحد هو: الاستمرار في الخسران, ولتضمّن المادّة معنى الاستمرار، قيل: استتبّ لفلانٍ كذا، أي استمرّ[2].

 

وحقّق المصطفوي: "أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الخسران الممتدّ المنتهي إلى الهلاك. وبهذه المناسبة قد تطلق على الخسار، وقد تطلق على الهلاك. وأمّا الاستتباب: فهو طلب التباب طبيعيًّا أو إراديًّا. ومن هذا المعنى الانقياد والذلَّة. وأمّا التهيّؤ والاستقامة: فإنّ الطلب الطبيعيّ نوع تهيّؤ واستقامة في مقابل الحادثة وما يطلبه، فليس مفهوم الاستتباب مطلق التهيّؤ أو مطلق الاستقامة، بل على قبال الخسار والهلاك"[3]. بينما يرى البعض أن المعنى المحوريّ للمادة هو: ذهاب غلظ الشيء وشدّته من ضغطٍ حادٍّ عليه، كالطريق يستتبّ من كثرة وطء الناس والدوابّ له، وتباب العجوز لما يمرّ به من ضواغط الحياة، وتباب كيد فرعون انهداد صرحه، وتباب أبي لهبٍ ذهاب حدّة كيده ومحاربته لله ورسوله هباءً. وقد أيّد هذا المعنى بدراسة صوتيّة لحروف المادّة[4].

 

ومن اللافت أنّ حروف المادّة (ت ب ب) تحكي الشدّة نبرةً ومعنىً، إذ إنَّ حرف (التّاء) مهموسٌ شديد، وحرف (الباء) مجهورٌ شديد. ولا يتّصف في اللغة العربيّة بشدّة الهمس إلا حرف (التّاء)، وبشدّة الجهر إلا حرفا (الباء والدّال)، إضافةً إلى تضعيف (العين) و(اللام). وكما أن التباب يعني الهلاك والقطع، فكذا مقلوبه (ب ت ت) يعني القطع، فيقال: بتّ الشيء، أي قطعه[5].


 


[1] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج1، ص341.

[2] راجع: الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص162.

[3] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج1، ص374.

[4] راجع: جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص194 - 195.

[5] راجع: مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج7، ص499.

 

75


64

الدرس الرابع: (ت - ث)

3- المعنى التفسيري:

الآية مورد المفردة في سياق آياتٍ فيها رجوعٌ إلى القصص السابقة التي وردت في سورة هود بنظرٍ كلّيّ، فيه استخلاصٌ للعبر، وبيانٌ لسنّة اللّه في الأمم الظالمة، وأن اللّه لم يظلمهم، وإنما هم الذين ظلموا أنفسهم بخروجهم عن زيّ العبوديّة للّه وحده، وكفرانهم بأنبيائه ورسله، ثمّ لمّا رأوا أمارات العذاب التجأوا إلى أصنامهم يدعونها لكشفه، فكان دعاؤهم ذاك ذنباً آخر أُضيف إلى قائمة أعمالهم المنكرة، وزاد في عذابهم وتغليظ العقوبة عليهم.

 

ثمّ إن نسبة التتبيب إلى آلهتهم من باب المجاز, لأنها ليست بذات أثرٍ يُعتنى به، فالحقيقة أن التتبيب منسوبٌ إلى دعائهم إياها، وهو عملٌ قائمٌ بالحقيقة بالدّاعي لا بالمَدْعُوّ[1].

 

ولا يخفى ما لرعاية الرويّ من مدخليّة في استعمال المفردة. كما أنه قد يكون انحصار استعمالها في السور المكّيّة مع شياع معناها في المدنيّة، إشارة إلى كونها لغةً مكّيّة أو شائعةً في مكّة أكثر من غيرها.

 

ترائب (ت ر ب)

 

1- مورد المفردة في القرآن:

 

وردت مفردة (ترائب) مرة واحدة في القرآن الكريم، في سورةٍ مكّيّة، في قوله - تعالى -: ﴿فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ   * خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾[2].


 


[1] راجع: العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج11، ص5 - 6.

[2] سورة الطارق، الآيات 5 - 7.

 

76


65

الدرس الرابع: (ت - ث)

ومادّة (ترب) وردت في القرآن الكريم بسبعة ألفاظ (تُراب، التّراب، تراباً، أتراباً، أترابٍ، التَّرائب، مَتْرَبَة) 22 مرّة، منها مرة واحدة بلفظة (الترائب).

 

2- المعنى اللغوي:

في العين: "التريبة: ما فوق الثَّنْدُوَتَين[1] إلى الترقوتين، وقيل: كل عظم منه تريبة، وتجمع الترائب"[2]. ونقل ابن السِّكِّيت عن كتاب خلق الإنسان للأصمعيّ في أسماء أعضاء الصّدر: "... وفيه الترائب، والواحدة تريبة، وهي الضلعان اللتان تليان الترقوتين"[3]. وقد جمع الأقوال أبو سهلٍ الهروي: "والترائب: مواضع القلادة من الصدر، وقيل: الترائب: عظام الصدر، وقيل: ما ولي الترقوتين منه، وقيل: ما بين الثديين والترقوتين، وقيل: الترائب: أربع أضلاع من يَمْنَة الصدر، وأربعٌ من يَسْرَته، وقيل: الترائب: اليدان والرجلان والعينان"[4].

 

وعن الأصل اللغوي قال ابن فارس: "التاء والراء والباء أصلان أحدهما التراب وما يشتق منه والآخر تساوي الشيئين... ومنه التريب وهو الصدر عند تساوي رؤوس العظام"[5]. وحقّق المصطفوي أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة: هو المسكنة والخضوع الكامل، والتراب أجلى مصاديقه، ومن مصاديقه الترائب، وهي ما كان منخفضاً وخاضعاً، أو ليّناً في مقابل الصّلب[6]. ويؤيّده قول الشيخ الطوسي في التبيان


 


[1] لحم الثدي، ويقال في الرجل مقابل الثدي للمرأة. راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج8، ص19؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج1، ص373.

[2] الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج8، ص117، وراجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص91.

[3] ابن السكيت الاهوازي، يعقوب بن إسحاق، الكنز اللغوي، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط، ص215، وراجع: ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج1، ص20.

[4] الهروي، أبو سهل محمد بن علي، التلويح، دار التوحيد، مصر، لا.ت، لا.ط، ج9، ص479. وراجع: مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج7، ص681 - 690.

[5] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج1، ص346 - 347.

[6] راجع: الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج1، ص383.

 

 

77


66

الدرس الرابع: (ت - ث)

تعليقاً على تفسير ابن عباس الترائب بموضع القلادة من الصدر: "وهو مأخوذ من تذليل حركتها كالتراب"[1]. ويرى باحثون أن الأصل في المادّة هو التراب لا غير، ومن المجاز إطلاق الترائب على أضلاع الصدر، لأنها متشابهة كالأتراب أو كتشابه التراب[2]. وذكر البعض أنّ: "المعنى المحوريّ: هو تراكمٌ أو توالٍ لأشياء دقيقة (أو ناعمة) في ظاهر الشيء لاصقة أو عالقة به، كأضلاع الصدر مفرّقةً ممسكةً بعمود عظم الصدر (أو الترائب هي لحمها اللطيف فوقها سُمّي للمجاورة)"[3].

 

3- المعنى التفسيريّ:

انطلق كثيرٌ من المفسّرين من أنّ المقصود من الترائب ترائب المرأة، وأن الضمير في (يخرج) راجعٌ إلى الإنسان، ما جعلهم يفسرون الآية وكأنها تتحدّث عن خروج الجنين[4]، وتأوّل البعض لذلك أنّ ما يتسبّب في وجود الجنين هو عملية الجماع، والجماع لا يتمّ إلا بصلب الرجل وتزيّن المرأة من خلال القلائد التي تضعها على صدرها[5]!، مع أن الآية تتحدّث عن خروج الماء الدافق وهو المنيّ، وعليه يكون الصلب والترائب اللذان تتحدّث عنهما الآية من أعضاء الرجُل.

 

وناقش البعضُ الملحدينَ الذين يؤكّدون أن المنيّ يتولّد من جميع أجزاء البدن، بوجوهٍ، منها: أن الصلب - أي الظهر- والترائب كناية عن البدن كله باعتبار أنهما


 


[1] الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج10، ص324.

[2] راجع: مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج7، ص706.

[3] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص205.

[4] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج30، ص143، القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مصدر سابق، ج20، ص5؛ جوهري، طنطاوي، الجواهر في تفسير القرآن الكريم، تحقيق: محمد عبد السلام شاهين، نشر: مصطفى البابي الحلبي، مصر، لا.ت، لا.ط، ج25، ص114.

[5] جوهري، الجواهر في تفسير القرآن الكريم، مصدر سابق، ج25، ص114.

 

78


67

الدرس الرابع: (ت - ث)

يحويان القلب وهو أعظم مضغة فيه[1]، أو أن المقصود بالترائب الشُّعب المنتشرة في أجزاء البدن[2]، وهي كما ترى، خلاف الظاهر، وتكلّفٌ واضح.

 

والمُختار في تفسيرهما الموافق للظاهر القرآني ولكلمات اللغويين، أنه البعض المحصور من البدن بين جداري عظام الظهر وعظام الصّدر[3]، فيكون المُراد القسمين الأماميّ والخلفي للرجّل الواقعين بين أسفل الظّهر والصدر. ويمكن أن تكون في الآية إشارة إلى حقيقة علميّة غير مكتشفة حتى الآن[4].

 

ثجّاجاً (ث ج ج)

1- مورد المفردة في القرآن:

وردت هذه المادّة مرةً واحدة في القرآن الكريم بهذا اللفظ في سورة مكّيّة: ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجًا﴾[5].

 

2- المعنى اللغوي:

في العين: "الثجّ: شدّة انصباب المطر والدم"[6]. و"منه الحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه سُئِل عن بِرِّ الحج، فقال: هو العجّ والثجّ. فالعج: رفع الصوت بالتلبية، والثجّ سيلان دماء الهدي"[7]. وقالوا إنّ "الثَجَّة" هي الأرض التي فيها


 


[1] راجع: الآلوسي، محمود بن عبد اللَّه، تفسير الآلوسي، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط، ج30، ص98.

[2] راجع: الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، شركة مكتبة ومطبعة الحلبي، مصر، 1385هـ.ق - 1966م، لا.ط، ج31، ص130.

[3] راجع: العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج20، ص260.

[4] راجع: الشيخ الشيرازي، الأمثل، مصدر سابق، ج20، ص110.

[5] سورة النبأ، الآية 14.

[6] الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج6، ص13.

[7] ابن سلام، غريب الحديث، مصدر سابق، ج1، ص379.

 

79


68

الدرس الرابع: (ت - ث)

حياضٌ للماء[1]، سمّيت بذلك لثجّها الماء فيها[2]. وورد في وصف ابن عباس: "كان مِثَجّاً"، أي: يصبّ كلامه صبّاً دون انقطاع[3].

 

فيتّضح أنّ الأصل اللغوي في المادّة: صبّ الشيء[4], أو "الصبّ الشديد يقرب من السيلان... فالشدّة والكثرة تستفاد من التضعيف وصيغة المبالغة... فالفرق بين الثجّ والانصباب والسيلان: أنّ الثجّ هو الانصباب بشدّة، بخلاف الانصباب والسيلان، فإنّ الانصباب مطلق، وأمّا السيلان فهو جريان أشدّ من الثجّ"[5]. ويمكن التعبير عن الأصل بأنه: "غزارة المائع الناشئ أو الخارج حتى يتجمّع منه قدر كثيف"[6]. و"صوتيّاً: تعبّر الثاء عن نِفاذٍ دِقاق كثيرة منتشرة، والجيم عن جُرمٍ كثيف غير صلب أو مصمّت، والفصل منهما يُعبّر عن طبقة كثيفة تتكوّن من أشياء هشّة: كتجمّع الماء واللبن"[7].

 

3- المعنى التفسيريّ:

يُلاحظ أن القرآن الكريم تحدّث في غير موضعٍ منه عن إنزال الماء من السماء لإحياء الأرض والنبات[8]، كنموذجٍ من أسلوب التذكير بالنعم المنتشر في القرآن، وذلك لتشجيع الإنسان على الشكر الذي يمثّل أهمّ ركائز العبوديّة الحقّة للَّه – تعالى -. إلا


 


[1] راجع: الأزهريّ، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج10، ص472. 

[2] راجع: ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج2، ص222.

[3] راجع: ابن قتيبة الدينوري، عبد اللَّه بن مسلم، غريب الحديث، تحقيق: عبد اللَّه الجبوري، دار الكتب العلمية، إيران - قم المشرّفة، 1408هـ.ق، ط1، ج2، ص104.

[4] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج1، ص367.

[5] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج2، ص12.

[6] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص233.

[7] المصدر نفسه.

[8] راجع: سورة البقرة، الآية 22, سورة الأنعام، الآية 99, سورة الرعد، الآية 17, سورة إبراهيم، الآية 32, سورة الحجر، الآية 22, سورة النحل، الآية 65, سورة طه، الآية 53, سورة الحجّ، الآية 63, سورة الفرقان، الآية 43.

 

80


69

الدرس الرابع: (ت - ث)

أنه - تعالى - لم يصف الماء النازل من السماء في شيءٍ منها بالثجّاج، ما يقوّي كون الإتيان بها هنا مراعاةً للرويّ[1].

 

ثمّ إن كلمات اللغويين والمفسّرين اتّفقت على أنّ معنى الثجّ هو الصبّ والانصباب، وأنه جاء لازماً ومتعدّياً، إلا أنهم اختلفوا في إفادته الكثرة والتوالي والشدّة، فاعترف به بعضهم، وأنكره آخرون قائلين إن الأصل في المادّة: تتابع الماء، وهو الانصباب فحسب، وأما الكثرة وغيرها من الأوصاف فهي لازمة للتابع والانصباب. فيما قال بعضهم: إن الكثرة والشدة مستفادان من التضعيف مادّةً، ومن صيغة المبالغة لفظاً[2].

 

تثريب (ث ر ب)

 

1- مورد المفردة في القرآن:

وردت هذه المادّة مرّة واحدة في القرآن بهذا اللفظ في سورة مكّيّة: ﴿قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾[3].

 

2- المعنى اللغوي:

اختلفت أقوال أهل اللغة في لفظة التثريب بين معنى الإفساد والتخليط[4]، ومعنى اللوم أو التوبيخ أو التقريع أو الأخذ على الذّنب[5]. وأما الثَّرْب فقالوا إنّه


 


[1]  راجع: مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج8، ص307.

[2] راجع: مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج8، ص307 - 308.

[3] سورة يوسف، الآية 92.

[4] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج8، ص222, الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص92؛ الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج15، ص79.

[5] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج8، ص222, الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج15، ص79, ابن قتيبة الدينوري، عبد اللَّه بن مسلم، غريب القرآن، تحقيق: أحمد صقر، دار الكتب العلمية، مصر - القاهرة، 1398هـ.ق - 1978م, لا.ط، ص222؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص92؛ الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص173.

 

81


70

الدرس الرابع: (ت - ث)

شحمٌ رقيقٌ يغشّي الكرش والأمعاء[1]. وذكروا ألفاظاً أخرى نادرة من نفس المادّة تحمل معانٍ أخرى غير المعاني الثلاثة المتقدّمة المشهورة، كثرّبْت المريض أثْرِبُه: إذا نزعت عنه ثوبه، وثَرَّبْتُها بمعنى طويتها[2]، ورجلٌ مُثْرِب: أي قليل العطاء[3]، والثَّرّبات: الأصابع، وأثرب الكبش: زاد لحمه، وشاةٌ ثرباء: أي سمينة[4].

 

واختلفوا في الأصل إلى أقوال تتراوح بين ردّه إلى اللوم، أو شحم الجوف، أو كليهما:

 

- فمنهم من جعل المادة في كلمتين متباينتي الأصل لا فروع لهما: الأولى: التثريب، وتفيد اللوْم, والثانية: الثّرب، وتفيد الشحم الرقيق الذي يغشى الكرش[5].

 

- ومنهم من جعل المادّة في معنى واحد، وهو اللوم والمؤاخذة على الذّنب، وأيّده بأنه قريبٌ من معنى الثبر: أي التورّط في الشدّة، وهكذا الرّبث بمعنى الحبس والمنع. وردّ إطلاق الثًّرْب على شحم الجوف إلى اعتبار تغشيته وإحاطته الكرش والأمعاء رقيقاً، فيقع مصداقاً للإفساد والمؤاخذة[6].

 

- ومنهم من جعل المادّة في معنى واحد، وهو شحم الجوف، ثمّ أُخذ منه


 


[1] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج8، ص222؛ ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج1، ص201؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص92.

[2] راجع: الصاحب، إسماعيل بن عباد، المحيط في اللغة، تحقيق: الشيخ محمد حسن آل ياسين، عالم الكتب، لبنان - بيروت، 1414هـ.ق - 1994م، ط1، ج10، ص140.

[3] راجع: الصغاني، الحسن بن محمد، التكملة والذيل والصلة لكتاب تاج اللغة وصحاح العربية، دار الكتب، مصر - القاهرة، 1970م، لا.ط، ج1، ص75.

[4] راجع: الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، دار العلم للجميع، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج1، ص40.

[5] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج1، ص375.

[6] راجع: الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج2، ص14.

 

82


71

الدرس الرابع: (ت - ث)

 التثريب بمعنى اللوم للإشارة إلى المبالغة في اللوم والتعنيف، والبلوغ بذلك إلى أقصى الحدود[1]. أو أنه التثريب بمعنى إزالة الثرب، كما أن التجليد والتقريع إزالة الجلد والقرع، فضربت جميعها مثالاً لكشف العرض وإراقة ماء الوجه[2]. وعبّر عنه بطريقة أخرى صاحب المعجم الاشتقاقي، حيث جعل المعنى المحوريّ: "لصوق طبقة دقيقة على ظاهر الشيء حادّة الوقوع على الحسّ... ومن ذلك التثريب: التأنيب والاستقصاء في اللوم... كأن اللائم يعرو الملوم بطبقة مستقبحة يلصقها به، وذلك بذكر ذنوبه وما فعله"[3]. ويؤيّد هذا الرأي ما ورد في التاريخ من أنهم كانوا إذا أَزْرَوا بأحدٍ ونقموا عليه، ألقوا عليه الثَّرْب والرَّحم وغيرها، كما فعلوا ذلك بنبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم في بدء الدّعوة، حيث رُوي أن أحدهم كان يطرح عليه رحم الشاة وهو يصلّي[4].

 

و"يثرب" اسمٌ لمدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يغيّره صلى الله عليه وآله وسلم إلى طيبة، ويصحّ أن يكون الاسم من هذا الباب والياء فيه زائدة[5]، وكراهةً لذكر الثرب غيّر النبيّ اسمها[6]. وقيل[7]: إنّها من أثرب الكبش، أي سَمُن وزاد لحمه، لأنها كانت أرض زرعٍ وخير. وقيل: إنّها على اسم رجلٍ من العمالقة بناها[8].


 


[1] راجع: الشيخ الطبرسي، مجمع البيان، مصدر سابق، ج5، ص448(نسبه إلى أبي مسلم الأصفهاني).

[2] راجع: الزمخشري، الكشاف، مصدر سابق، ج2، ص342.

[3] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص293.

[4] راجع: مجمع البحوث الإسلامية(قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج8، ص324.

[5] راجع: الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص173.

[6] راجع: الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج15، ص79.

[7] راجع: جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص239.

[8] راجع: الفيومي، المصباح المنير، مصدر سابق، ج1، ص81.

 

83


72

الدرس الرابع: (ت - ث)

3- المعنى التفسيري:

الآية إخبارٌ من اللَّه - تعالى - عمّا قال يوسف لإخوته، بعد أن اعترفوا بأن الله فضّله عليهم، وأنّهم أخطأوا فيما فعلوه، بقولهم: ﴿تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾[1]. فكان جواب يوسف عليه السلام: "أن لا تثريب عليكم في هذا اليوم الذي هو مظنّة التثريب، فما ظنّكم بغيره من الأيام"[2]!

 

وقد اختلفوا في تماميّة الكلام عند "عليكم" أو "يوم"، نظير اختلافهم في ﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ أوّل سورة البقرة[3].

 


[1] سورة يوسف، الآية 91.

[2] راجع: الزمخشري، الكشاف، مصدر سابق، ج2، ص342.

[3] راجع: الشيخ الطبرسيّ، مجمع البيان، مصدر سابق، ج5، ص448 - 449.

 

84


73

الدرس الرابع: (ت - ث)

المفاهيم الرئيسة

 

 

تَتْبِيب (ت ب ب)

 

- وردت هذه المفردة مرّة واحدة في القرآن، في سورةٍ مكّيّة.

 

- ذكر اللغويون في معنى التباب أنه الهلاك والخسران. ومن مشتقات المادة الاستتباب: وهو التّهيّؤ.

 

- ردّ ابن فارس المادة إلى أصلين: الخسران والاستقامة، والراغب إلى أصلٍ واحد هو: الاستمرار في الخسران.

 

- تبيّن الآية مورد المفردة أن الكافرين لما جاءهم العذاب لجأوا إلى آلهتهم، فما زادتهم إلا هلاكًا وخسرانًا.

 

تَرائِب (ت ر ب)

 

- وردت المفردة مرّة واحدة في القرآن، في سورةٍ مكّيّة. وللمادّة مشتقّات عديدة في القرآن.

 

- أجمع اللغويون على أن الترائب من أعضاء الجسم العليا، واختلفوا في تحديدها.

 

- ذكروا في أصل المادة أنه: التراب، أو تساوي الشيئين، أو الخضوع والمسكنة.

 

- يُحتمل كون الآية مشيرةً إلى حقيقةٍ علمية لم تكتشف حتى الآن.

 

ثجَّاجًا (ث ج ج)

 

- وردت هذه المادّة مرةً واحدة في القرآن بهذا اللفظ في سورة مكّيّة.

 

- ذكر في المعنى اللغوي للثجّ أنه: شدّة انصباب المطر والدم. وفلانٌ مِثَجٌّ، أي: يصبّ كلامه صبّاً.

 

85


74

الدرس الرابع: (ت - ث)

- تمحورت كلمات اللغويين في الأصل اللغوي للمادة حول معنى الصبّ الشديد.

 

تَثْريب (ث ر ب)

 

- وردت هذه المادّة مرّة واحدة في القرآن بهذا اللفظ في سورة مكّيّة.

 

- ذكر اللغويون في معنى التثريب أنه: الإفساد والتخليط، أو اللوم والتوبيخ.

 

- في الأصل أقوال تتراوح بين ردّه إلى اللوم، أو شحم الجوف، أو كليهما.

 

- بعد أن اعترف إخوة يوسف عليه السلام بذنبهم أمام أخيهم، كان جوابه لهم: أن لا تثريب عليكم اليوم، أي لا مؤاخذة ولا لوم.

 

86


75

الدرس الخامس: (ج - ح)

الدرس الخامس

(ج - ح)

 

 

أهداف الدرس

يتناول الدرس المفردات الآتية:

 

1. جُدَدٌ (ج د د).

2. جَنَفًا (ج ن ف).

3. الحُبُك (ح ب ك).

4. حَرَضًا (ح ر ض).

 

88

 

 


76

الدرس الخامس: (ج - ح)

جُدَدٌ (ج د د)

 

1- مورد المفردة في القرآن:

وردت مفردة(جُدَدٌ) مرة واحدة في القرآن، في سورةٍ مكّيّة، في قوله - تعالى -: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾[1]. وقد وردت مادّة (ج د د) 10 مرّات في القرآن، بأربعة ألفاظ: (جديد: 6 مرات - جديداً: 2 - جُدَدٌ: 1 - جَدُّ:1)، تسعة موارد منها مكّيّة وواحدة مدنيّة[2].

 

2- المعنى اللغوي:

"واحدُ الجُدَد: جُدَّة، وأما الجُدُد فجمع جَديد"[3]، "تقول هذه ثيابٌ جُدُد، ولا يُقال: جُدَد، إنّما الجُدَد الطرائق"[4]. وقُرِأت في روايات غير مشهورة بفتح الجيم والدال[5]، وبضمّهما[6]. وذكروا في معنى لفظ (جُدَّة) أنه: ساحل البحر بمكّة، وجُدّة


 


[1] سورة فاطر، الآية 27.

[2] راجع: مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج9، ص105.

[3] الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج8، ص426؛ الشيخ الطبرسي، مجمع البيان، مصدر سابق، ج8، ص241؛ وراجع: الصاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج6، ص391.

[4] ابن السِّكّيت، ترتيب إصلاح المنطق، مصدر سابق، ص106.

[5] راجع: ابن عطية الأندلسي، عبد الحق بن أبي بكر، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية، 1413هـ.ق - 1993م، ط1، ج4، ص437.

[6] راجع: أبو البقاء العكبري، عبد اللَّه بن حسين، التبيان في إعراب القرآن، بيت الأفكار الدولية، عمان - الرياض، لا.ت، ط1، ص318.

 

90


77

الدرس الخامس: (ج - ح)

النهر: ما قَرُبَ من الأرض[1]، أو شاطئ النهر[2]، ورأى جُدَّةً من الأمر: أي رأى رأياً مثل جُدَد (خُطَط) الثّوب[3]، وأنّ كلّ طريقةٍ جُدَّة وجادّة، وأنها الطرقات وشَرَكُها المخطّطة في الأرض[4]، والطريقة في السماء والجبل[5]، وجانبُ كلّ شيء، والطُّرَّة المُحْمَرَّة عند طلوع الشّمس، والطريق الواضح بين رملتين، والخَطَّة التي في ظهر الحمار تخالف لونه، والطريق المخالفة للون الجبل[6]، ووجه الأرض[7].

 

وفي مادّة (ج د د) ألفاظٌ كثيرة لكلٍّ منها معنىً أو معانٍ لا يتّسع المقام لذكرها، وإنّما نشير إلى ما قالوا في أصل المادّة، ويظهر أنهم على أقوال عدة، منها:

- القَطع: سواءً بمعنى الفصل، ومنه الجديد لأنه مقطوعٌ عنه العمل في أوّل أمره، ومنه الجَدُّ أب الأب لانقطاعه عن الولادة بالأب[8]، أو بمعنى قطع المسافة من الأرض المستوية ومن ثمّ تُصُوِّر منه القطع المجرّد في باقي الألفاظ[9].

 

- أنّ للمادّة أصولاً ثلاثة: فالأول العظمة، والثاني الحظّ، والثالث القطع، والجُدَّة من الأصل الأخير، بمعنى الأرض المقطوعة[10].


 


[1] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج6، ص8.

[2] راجع: ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج1، ص50؛ الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج10، ص459.

[3] راجع: الشيباني، أبو عمرو إسحاق بن مرّار، الجيم، مراجعة: محمد خلف أحمد، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، مصر - القاهرة، 1349هـ.ق - 1974م، لا.ط، ج1، ص118.

[4] راجع: الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج10، ص458.

[5] راجع: الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج10، ص464.

[6] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج2، ص452.

[7] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج1، ص408.

[8] راجع: ابن السِّكّيت، الكنز اللغوي، مصدر سابق، ص85؛ أبو سهل الهروي، التلويح، مصدر سابق، ج7، ص183؛ الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج6، ص287.

[9] راجع: الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص187 - 188.

[10] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج1، ص406.

 

91


78

الدرس الخامس: (ج - ح)

- العظمة المعنوية: أو المقام المُتَحَصِّل من العظمة والقدرة، فأطلق على أب الأب باعتباره سبباً للمجد والعظمة، وعلى الغنيّ لأنّ الغنى نوع عظمة، وعلى الجديد لأنه أُضيفت إليه عظمة وفرادة، وعلى الجُدَد باعتبارها ذخائر في الجبال تشير إلى التجدّد والثروة، ولم يستبعد أن يكون المُراد من القطع عند من تبنّاه المقطوعيّة بمعنى رفع الشكّ، ثُمّ أُطلق على القطع الظاهريّ[1].

 

- العظمة المادّيّة: أو عِظَمُ الجُرْم مع تماسكه مستوياً ممتدّاً أو منبسطاً، كأرض الطُرق والشاطئ، ومن المتانة اللازمة للتماسك أُطلق على الثوب الجديد، وعلى أب الأب لأنه أصلٌ تمتدّ منه الفروع، ومن العِظَم المادّي تأتي العظمة المعنويّة في الجدّ بمعنى الغنى أو العظمة.

 

- الجدُّ أبو الأب: لأنه مغرس الذرّيّة، وهم مجتناه المصروم، وتولّد منه معنى القطع[2].

 

3- المعنى التفسيريّ:

الآية في مقام ذكر حجة على التوحيد، وهي اختلاف ألوان الثمرات والجبال، مع أنّ العامل فيها واحدٌ وهو الماء، فلو كان خروجها عن مقتضى طباع هذا العامل الواحد لكان لونها واحداً، فاختلاف الألوان آية وقوع التدبير الإلهي. فإن قيل: إن الاختلاف راجعٌ إلى اختلاف العناصر الموجودة فيها نوعاً وقدراً وتأليفاً، قلنا: ننقل الكلام إلى اختلاف نفس العناصر مع كونها منتهية إلى المادّة المشتركة بين الجميع، فلا بدّ أن هذا الاختلاف دليلٌ على تدبير وراء المادّة[3].


 


[1] راجع: الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج2، ص60 - 61.

[2] راجع: مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج9، ص130.

[3] راجع: العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج17، ص41.

 

 

92


79

الدرس الخامس: (ج - ح)

جَنَفاً (ج ن ف)

 

1- مورد المفردة في القرآن:

﴿فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[1]. وقد وردت لفظةٌ أخرى من مادّة (جنف) في قوله -تعالى-: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾[2]. ولم يرِد من هذه المادة في القرآن غير هذين اللفظين في سورتين مدنيتين.

 

2- المعنى اللغوي:

تمحورت كلمات اللغويين في معنى مادّة (ج ن ف) حول: المَيْل[3]. ووردت نعتاً للإنسان، فيُقال: امرأةٌ جَنْفاء بيّنة الجَنَف: وهو أن يكون فيها ميلٌ في أحد الشّقّين[4]، ورجلٌ أجْنَف: إذا كان في خلقه ميلٌ، أو الذي ينخفض أحد جانبي صدره ويرتفع الآخر[5]، أو المنحني الظّهر[6]، والجَنَفُ في الزّوْر[7]: دُخولُ أحد شِقَّيْه وانهضامه مع اعتدال الآخر[8]. ورجلٌ جُنَافِيّ: المختال فيه ميْل[9]. وشبّه الخليل


 


[1] سورة البقرة، الآية 182.

[2] سورة المائدة، الآية 3.

[3] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج6، ص43؛ ابن سلام، غريب الحديث، مراقبة: محمد عبد المعيد خان، دار الكتاب العربي، لبنان - بيروت، 1384هـ.ق - 1964م، ط1، ج2، ص61، القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مصدر سابق، ج6، ص64؛ ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج2، ص108؛ الصاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج7، ص123؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج4، ص1339.

[4] راجع: ابن السكيت، ترتيب إصلاح المنطق، مصدر سابق، ص375.

[5] راجع: ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج2، ص108.

[6] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص1339.

[7] الزَّوْر: ملتقى أطراف عظام الصدر حيث اجتمعت من الأمام. راجع: جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل للألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص345.

[8] راجع: ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج7، ص455.

[9] راجع: الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج3، ص128.

 

93


80

الدرس الخامس: (ج - ح)

الجَنَفَ بالحَيْف، لكنّ الحيف من الحاكم خاصة، والجَنَف عامّ[1]، إلا أنّ البعض خطّأه في تمييزه هذا[2].

 

وقالوا في الأصل اللغوي للمادّة أنه: الميل عن الاستواء[3]، أو الميْلُ في الحكم[4]، أو الميْلُ عن الحقّ إلى غيره[5]، أو الميل في أحد شقّي الإنسان[6]، أو "ميلٌ بسبب انخسافٍ أو نقصٍ في جانبٍ من الشيء"[7].

 

3- المعنى التفسيريّ:

بعد أن أكّدت الآيات السابقة استحباب ترك الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف، وحرمة مخالفة الوصيّة، جاءت الآية مورد البحث لتبيّن أنّه من خاف أن يكون في الوصية إجحافٌ بحقّ أحد المستحقّين وميلٌ إلى غيره، أو وصيّة بإثمٍ، كأن يوصي بإعانة مراكز الفساد، أو يوصي في ما زاد على الثلث، فله أن يشير على الموصي بالحقّ، ويصلح بينه وبين الورثة بحيث يتحصّل رضى الجميع، ولا يكون عليه إثم تبديل الوصية[8].

 

ويظهر من مورِدَيْ استعمال مادة (ج ن ف) في القرآن الكريم أنّ لَفْظَي الجنف والمتجانف كلاهما جاء مع الإثم، مع فارقٍ: وهو أنّ الجنف في المورد الأوّل جاء معطوفاً على الإثم، ما يوحي بالتغاير والتقابل بينهما, بينما تعلّق المتجانف في


 


[1] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج6، ص143.

[2] راجع: الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج11، ص111.

[3] راجع: الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج2، ص112؛ الرازي، تفسير الرازي، مصدر سابق، ج5، ص72.

[4] راجع: الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص207.

[5] راجع: الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج2، ص121.

[6] راجع: مجمع البحوث الإسلامية(قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج10، ص124.

[7] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص345.

[8] راجع: الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج2، ص112 - 113؛ العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج1، ص439؛ الشيرازي، الأمثل، مصدر سابق، ج1، ص513.

 

94


81

الدرس الخامس: (ج - ح)

المورد الثاني بالإثم، ممّا يوحي بالاتّصال وعدم التغاير. وهذا الأمر دفع بعض كبار المفسّرين[1] لأن يخصّوا الجنف في المورد الأول بمعنى الميل عن خطأ، بينما خصّوا المتجانف في المورد الثاني بالميل عن قصد وعمد، وهو خطأٌ، باعتبار أنّ الكلمتين كلتيهما بمعنى الميل والانحراف، وإنّما حُمِّلا معنى الخطأ تارةً والعمد أخرى لأجل القرائن الآنفة[2].

 

الحُبُك (ح ب ك)

1- مورد المفردة في القرآن:

وردت هذه المادّة بهذا اللفظ مرةً واحدة في سورةٍ مكّيّةٍ في قوله - تعالى -: ﴿وَالسَّمَاء ذَاتِ الْحُبُكِ﴾[3].

 

2- المعنى اللغوي:

الحُبُك جمعُ حَبِيك[4]، أو حِباك، أو حَبِيكة[5]، أو حبائك[6]. ذكروا في معناها أنها: خِلْقَةُ وَجْهِ السّماء[7]، أو تَكَسُّرُ كلّ شيء، كالرملة إذا مرّت بها الرّيح السّاكنة، وسطح


 


[1] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج2، ص173؛ الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج2، ص114؛ الرازي، تفسير الرازي، مصدر سابق، ج5، ص73. 

[2] راجع: ابن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير، تحقيق: محمد بن عبد الرحمن عبد اللَّه، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، جمادى الأولى 1407 - كانون الثاني 1987م، ط1، ج1، ص166؛ مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج10، ص125.

[3] سورة الذّاريات، الآية 7.

[4] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج3، ص66.

[5] راجع: الفراء، معاني القرآن، مصدر سابق، ج3، ص82؛ المُبَرِّد، محمد بن يزيد، الكامل في اللغة والأدب، مكتبة المعارف، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج1، ص29؛ الزجّاج، ج5، ص52؛ الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج3، ص297.

[6] راجع: الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص150.

[7] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج3، ص66.

 

95


82

الدرس الخامس: (ج - ح)

الماء إذا مرّت به الرّيح، وتجعُّد الشَّعْر كما ورد في صفة الدّجال أنّ شعره حُبُك[1]، أو أنها الطرائق ومنه المعاني السابقة[2].

وللمادّة اشتقاقاتٌ ذوات معانٍ أُخَر مثل: حَبَكَه بالسّيف، أي ضربه في اللحم دون العظم[3]، واحتبَكت الشيء أي أحكمت عمله وأحسنته[4]، والحُبْكة أي الحُجْزَة، وهو موضع شدّ الإزار من الوسط[5]. وقالوا في الأصل اللغوي للمادة إنه: إحكام الشيء في امتداد واطراد، كالطرائق المنظّمة المستقيمة، وشدّ ما يمتدّ، وإحكام النسج في جهةٍ ممتدة[6]. وقالوا إنه من الحُبْكَة، أي الحُجْزَة المتقدمة[7]، وبالنّظر إلى ذلك عبّر البعض بأن الأصل: "شدُّ أسْر المتجمع من وسطه شدًّا دقيقًا متينًا"[8].

 

3- المعنى التفسيري:

في حين ركّزت أقوال اللغوين في كلمة الحُبُك على معنى الإحكام والطرائق، ركّزت


 


[1] راجع: الفرّاء، معاني القرآن، مصدر سابق، ج3، ص82؛ التيمي، أبو عبيدة معمر بن المثنى، مجاز القرآن، تحقيق: الدكتور محمد فؤاد سزگين، مكتبة الخانجي - دار الفكر، 1390 - 1970م، ط2، ج1، ص453؛ ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج1، ص227.

[2] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج3، ص66؛ أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج1، ص453؛ المبرّد، الكامل، مصدر سابق، ج1، ص92؛ الصّاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج3، ص48؛ الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص150.

[3] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج3، ص66.

[4] راجع: ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج1، ص227؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج4، ص1578.

[5] راجع: الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج4، ص109؛ الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج3، ص297.

[6] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج2، ص130؛ الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص150؛ الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج2، ص160.

[7] راجع: مجمع البحوث الإسلامية(قسم القرآن)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج10، ص713.

[8] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل للألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص368.

 

96


83

الدرس الخامس: (ج - ح)

الماء إذا مرّت به الرّيح، وتجعُّد الشَّعْر كما ورد في صفة الدّجال أنّ شعره حُبُك[1]، أو أنها الطرائق ومنه المعاني السابقة[2].

وللمادّة اشتقاقاتٌ ذوات معانٍ أُخَر مثل: حَبَكَه بالسّيف، أي ضربه في اللحم دون العظم[3]، واحتبَكت الشيء أي أحكمت عمله وأحسنته[4]، والحُبْكة أي الحُجْزَة، وهو موضع شدّ الإزار من الوسط[5]. وقالوا في الأصل اللغوي للمادة إنه: إحكام الشيء في امتداد واطراد، كالطرائق المنظّمة المستقيمة، وشدّ ما يمتدّ، وإحكام النسج في جهةٍ ممتدة[6]. وقالوا إنه من الحُبْكَة، أي الحُجْزَة المتقدمة[7]، وبالنّظر إلى ذلك عبّر البعض بأن الأصل: "شدُّ أسْر المتجمع من وسطه شدًّا دقيقًا متينًا"[8].

 

3- المعنى التفسيري:

في حين ركّزت أقوال اللغوين في كلمة الحُبُك على معنى الإحكام والطرائق، ركّزت


 


[1] راجع: الفرّاء، معاني القرآن، مصدر سابق، ج3، ص82؛ التيمي، أبو عبيدة معمر بن المثنى، مجاز القرآن، تحقيق: الدكتور محمد فؤاد سزگين، مكتبة الخانجي - دار الفكر، 1390 - 1970م، ط2، ج1، ص453؛ ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج1، ص227.

[2] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج3، ص66؛ أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج1، ص453؛ المبرّد، الكامل، مصدر سابق، ج1، ص92؛ الصّاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج3، ص48؛ الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص150.

[3] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج3، ص66.

[4] راجع: ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج1، ص227؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج4، ص1578.

[5] راجع: الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج4، ص109؛ الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج3، ص297.

[6] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج2، ص130؛ الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص150؛ الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج2، ص160.

[7] راجع: مجمع البحوث الإسلامية(قسم القرآن)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج10، ص713.

[8] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل للألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص368.

 

96


84

الدرس الخامس: (ج - ح)

أقوال المفسّرين على معنى الحسن والزينة، وقد نُسِب ذلك إلى الإمام عليٍّ عليه السلام وبعض كبار المفسّرين، كابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة[1]. واكتفى البعض بمعنى الطرائق[2]، فيما جمع آخرون بين المعنيين بتفسيرهم إياها بالطرائق الحسنة والمستوية[3].

 

واستظهر صاحب الميزان معنى الطرائق، لمناسبته لجواب القسم الذي هو اختلاف الناس وتشتّت طرائقهم: ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ﴾، كما أن الأقسام السابقة من أوّل السورة بأنواع الرياح كانت مشتَرِكَةً في معنى الجَرْي والسَّيْر لتناسب جوابها المُؤكِّد لحقّيّة يوم القيامة: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ*  وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ﴾ المُتَضمّن لمعنى الرجوع إلى اللَّه والسَّيْر إليه[4].

 

حَرَضاً (ح ر ض)

1- مورد المفردة في القرآن:

وردت هذه المفردة مرّة واحدة في سورة مكّيّة في قوله - تعالى -: ﴿قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ﴾[5]. ولمادّة (ح ر ض) لفظٌ آخر بصيغة فعل الأمر (حرِّض) ورد مرتين في سورتين مدنيتين[6].


 


[1] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج26، ص189 - 190.

[2] راجع: أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج2، ص225؛ الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج26، ص189؛ الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص217.

[3] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج26، ص189؛ الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج9، ص380.

[4] راجع: العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج189، ص366.

[5] سورة يوسف، الآية 85.

[6] راجع: سورة الأنفال، الآية 65؛ سورة النساء، الآية 48.

 

97

 


85

الدرس الخامس: (ج - ح)

2- المعنى اللغوي:

ذكر البعض أن كلمة حَرَض لا تُثَنّى ولا تُجمع، ولا تُذكّر ولا تُؤنّث، فهي موحّدة على كل حال، يُقال: قومٌ حرَض وامرأةٌ حرَض[1]، وذلك لأنه مصدرٌ وضع موضع الاسم[2]. بينما جمعها البعض على أحراض[3]، وحِراض[4]، وحُرْضان، وحُرْضة[5]. وقد ذكروا في معناها: المُذاب من الهمّ والمُشرف على الهلاك، والذي لا خير فيه[6]، والذي أذابه الحزن أو العشق[7]، والمُدْنَف أو الهالك[8]، وفاسد الجسم والعقل من الحزن أو العشق أو الهرم[9].

 

والأصل في هذه المادّة هو الفساد والهلاك بحسب البعض[10]، وقد جعله ابن فارس أصلين، أحدهما: نَبْتٌ، والآخر: دليل الذّهاب والتلف والهلاك والضّعف، ومن هذا الباب التحريض, لأنهم إذا خالفوا رأي المحرِّض هلكوا[11]. ويرى المصطفوي أن الأصل هو الانقطاع عن أفكار مختلفة وعلائق متشتّتة، وجعل الهمّ همّاً واحداً

 


[1] راجع: الفراء، معاني القرآن، مصدر سابق، ج2، ص54؛ الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج13، ص56؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مصدر سابق، ج9، ص250.

[2] راجع: الفراء، معاني القرآن، مصدر سابق، ج2، ص54.

[3] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج3، ص103؛ ابن السكيت، كنز الحفاظ في كتاب تهذيب الألفاظ، تحقيق: الأب لويس شيخو اليسوعي، المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين، لبنان - بيروت، 1859م، لا.ط، ص199؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص1070.

[4] راجع: ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج2، ص135.

[5] راجع: الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج2، ص339.

[6] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج3، ص103؛ ابن السكيت، كنز الحفاظ، مصدر سابق، ص199؛ الصاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج2، ص441.

[7] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص1070.

[8] راجع: الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج4، ص204.

[9] راجع: ابن السكيت، كنز الحفاظ، مصدر سابق، ص200.

[10] راجع: مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج11، ص452.

[11] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج2، ص41.

 

98


86

الدرس الخامس: (ج - ح)

المفاهيم الرئيسة

 

 

جُدَدٌ (ج د د)

- وردت هذه المفردة مرة واحدة في القرآن، في سورةٍ مكّيّة.

- ذكر اللغويين في معنى جدَد أنه الخُطَّة، بمعنى الشيء المخطوط.

- للمادّة مشتقات كثيرة، وفي أصلها أقوالٌ عدة، منها: الفصل والقطع، والحظّ.

- الآية مورد المفردة تذكر حجّة على التوحيد، وهي اختلاف ألوان الثمرات ونبات الجبال، مع كونها جميعًا تسقى من ماءٍ واحد، فلا بدّ أن يكون وراء الاختلاف موجّه عظيم.

 

جَنَفًا (ج ن ف)

-لم يرِد من هذه المادة في القرآن غير لفظين في سورتين مدنيتين.

- تمحورت كلمات اللغويين في معنى مادّة(ج ن ف) ومشتقاتها حول: المَيْل.

- اتّفق اللغويون على أن أصل المادّة هو الميل، مع اختلافهم في متعلّقه.

- استعملت المادّة للدلالة على الميل عن قصد في أحد الموردين، وعلى الميل عن خطأ في المورد الآخر.

 

الحُبُك (ح ب ك)

- وردت هذه المادّة بهذا اللفظ مرةً واحدة في سورةٍ مكّيّةٍ.

 

- ذكر اللغويون للمفردة معانٍ عدة: كخلقة السّماء، والتكسّر في كل شيء، والطرائق. وللمادة مشتقّات أخرى، مثل: حَبَكه بالسيف، أي ضربه.

 

- ممّا قيل في أصل المادّة: إحكام الشيء في امتداد واطراد، وشدّ ما يمتدّ.

 

- استظهر العلامة معنى الطرائق من المفردة، لتناسبه مع سياق السورة.

 

100


87

الدرس الخامس: (ج - ح)

حَرَضًا (ح ر ض)

 

- وردت هذه المفردة مرّة واحدة في سورة مكّيّة. ومن المادّة لفظٌ آخرٌ واحد فقط.

 

- ذكروا في معنى المفردة أنها وصفُ: المُذاب من الهمّ والمُشرف على الهلاك، والذي لا خير فيه، والذي أذابه الحزن أو العشق.

 

- ردّ البعض أصل المادة إلى الهلاك، والبعض إلى تركّز الهمّ، والبعض جعلها أصلين.

 

- استُعملت المفردة في القرآن بما ينسجم مع المعاني اللغوية الآنفة، وذلك في لومِ أبناء يعقوب عليه السلام لأبيهم لطول بكائه على يوسف، واختلف المفسرون في كون ذلك تقريعًا وتعنيفًا منهم، أو أنّه إشفاقٌ واسترحام، والأظهر هو الأخير.

 

 

101


88

الدرس السادس: (ذ - ر)

الدرس السادس

(ذ - ر)

 

 

أهداف الدرس

يتناول الدرس المفردات الآتية:

1. مذؤومًا (ذ ء م).

2. رِكْزًا (ر ك ز).

3. أَرْكَسَهُمْ - أُرْكِسُوا (ر ك س).

 

103


89

الدرس السادس: (ذ - ر)

مَذْؤومًا (ذ ء م)

 

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدة في مادّتها في القرآن الكريم، مرّةً واحدة، في سورة مكّيّة، في قوله - تعالى -: ﴿قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ﴾[1].

 

2- المعنى اللغوي:

"مذؤوم" اسم مفعول من ذَأَمَ يذْأُمُ ذَأْمًا، وقد لا يهمز، فيُقال: ذامَ، وذامه، وذِمْتُه أذيمه ذَيْماً[2]. ذكروا في معناه أنه: المحقور[3]، أو المكروه[4]، أو المذموم[5]، أو المطرود[6]، أو المعيوب[7]، أو المَخْزِيّ[8].


 


[1] سورة الأعراف، الآية 18.

[2] راجع: الخطّابي، غريب الحديث، مصدر سابق، ج1، ص321؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج5، ص1925؛ أبو سهل الهروي، التلويح، مصدر سابق، ج2، ص669؛ الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص335.

[3] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج8، ص203؛ الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج15، ص25 - 26(نقله عن أبي زيد والأصمعي)؛ الصاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج10، ص112.

[4] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج5، ص1925(نقله عن الفرّاء)، الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج6، ص66.

[5] راجع: ابن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير، مصدر سابق، ج3، ص178؛ ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج3، ص281.

[6] راجع: الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج15، ص26(نقله عن اللحياني)؛ الصاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج10، ص112.

[7] راجع: الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج15، ص25(نقله عن الحربي وثعلب)؛ ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج3، ص426.

[8] راجع: الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج15، ص26(نقله عن الأصمعي)؛ الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج4، ص117.

 

105


90

الدرس السادس: (ذ - ر)

والبعض جعل المذؤوم والمذموم والمَذيم جميعاً بمعنى الذَّمّ[1]. ويُقال: أذْأمه على شيء: أي أكرهه عليه[2].

 

ومن مشتقّات المادّة: الإذآم: أي الرُّعب، وما سمعتُ له ذَأْمَةً أو ذامَةً: أي صوتاً أو كلمة[3].

 

والأصل في المادّة بحسب ابن فارس يدلّ على كراهةٍ وعيب[4]، وبحسب المصطفوي: "العيب مع الحقارة، كما أنّ مفهوم الذمّ هو العيب المطلق، وهو في مقابل المدح، والذَّيْم هو الحقير مع العيب، وهذا بسبب حرف الياء الدالّ على النزول والانحطاط. وأمّا مفاهيم: الطرد والكراهة والإخزاء والتحذير ومطلق العيب أو الحقر فليست من الأصل بل من لوازمه وآثاره"[5].

 

بينما رأى البعض أن الأصل هو الحقارة ليس إلا، وإنما دخلت المعاني الأخرى بسبب اشتقاق حصل بين مادة (ذ أ م) وبعض الموادّ الأخرى[6]، مثل:

 

- معنى الطّرد: الآتي من مادّة (ذ أ ي), ويظهر ذلك من قول اللحياني: "ذَأَمْتُه وذَأَيْتُه، إذا طردته"[7]، وقول ابن سِيدَه: "ذّأَيْتُه: طَرَدتُه"[8].

 


[1] راجع: ابن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير، مصدر سابق، ج3، ص178؛ أبو سهل الهروي، التلويح، مصدر سابق، ج2، ص669؛ الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص335.

[2] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج5، ص1925(نقله عن الفراء)؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج2، ص669.

[3] راجع: الصاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج10، ص112؛ الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج4، ص117.

[4] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج2، ص669.

[5] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج3، ص294.

[6] راجع: مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج20، ص518(بتصرّف وتعديل).

[7] الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج15، ص26.

[8] ابن سِيدَه، المحكم، دار الكتب العلمية، بيروت، لا.ت، لا.ط، ج10، ص121.

 

106


91

الدرس السادس: (ذ - ر)

- معنى العيب: الآتي من مادّة (ذ ي م), ويظهر من قول ابن دريد: "الذّأْم والذَّيْم: العاب والعيب"[1]. قال ابن الأعرابي: "ذامه يذيمه ذَيْمًا، إذا عابه"[2].

 

- معنى الذَّمّ: الآتي من مادّة (ذ م م), ويظهر ذلك من قول ابن الجوزي: "الذّأم: الذّمّ... ويقال: رجل مذؤوم ومذموم ومذيم بمعنى"[3]، وقول ابن زيد: "ما نعرف المذؤوم والمذموم إلا واحداً، ولكن تكون حروف منتقصة. وقد قال الشاعر لعامر: يا عامِ، ولحارث: يا حارِ، وإنما أنزل القرآن على كلام العرب"[4]، وتفسير الراغب لـ"مذمؤومًا" بـ"مذمومًا"[5].

 

وعبّر البعض عن الأصل بقوله: "حَقْرُ الشيء (الحيّ) أي تصغير حجمه بنحو الضغط"[6].

 

3- المعنى التفسيريّ:

حُكي عن المفسرين في معنى (مذؤومًا) أقوالٌ ملائمة لسياق الآية واستعمالات القرآن لهذه الصيغة من الذمّ في غير موضع أكثر من ملاءمتها للمعنى اللغوي، وإن توافقت معه في بعض الأحيان. ففسّرها البعض كابن عباس والكلبي بالمَلوم[7] وفاقاً لقوله - تعالى -: ﴿ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهًا آخَرَ


 


[1] ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج3، ص426.

[2] الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج15، ص22.

[3] ابن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير، مصدر سابق، ج3، ص178.

[4] الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج5، ص448.

[5] راجع: الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص335.

[6] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص723.

[7] راجع: الفيروزآبادي، تنوير المقباس، مصدر سابق، ص125؛ الثعلبي، تفسير الثعلبي، مصدر سابق، ج4، ص222.

 

107


92

الدرس السادس: (ذ - ر)

فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا﴾[1], وبعضهم كابن زيد وأبي عبيدة بالمذموم[2] وفاقاً لقوله - تعالى -: ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا﴾[3], ويظهر من خلال المقارنة بين الآيات كيف أنّ تكرّر صيغة الحال المتعددة المنتهية في كلِّ منها بـ(مدحورًا) أغراهم بتفسير المذؤوم على النحو الذي ذهبوا إليه. إلا أنّ هذا غير مطّرد، فكما وردت (مذمومًا) مع (مدحورًا)، وردت أيضًا مع(مخذولًا), وكما وردت (ملومًا) مع (مدحورًا)، كذلك وردت مع (محسورًا), ومع ذلك لا يمكن تفسير المدحور بالمخذول أو المحسور، للفرق بين هذه المعاني. بينما فسّرها آخرون بـ: الممقوت، والملعون، والصغير، والمُهان، والمَعيب، والمَزْرِيُّ به، والمرجوم[4].

 

ويُلاحظ أنّ اختصاص ورود الحوار بين اللَّه -تعالى- وإبليس اللعين حول السجود لآدم بالسّور المكّيّة[5]، بالإضافة إلى فرادة(مذؤومًا) جذراً ولفظاً، يوحي باختصاص المفردة بلغة أهل مكّة، أو شيوعها بينهم دون غيرهم، أو أنّه يشير إلى أسلوب الخطاب المكّيّ الشديد اللهجة على الظالمين ورؤسائهم وأهمّهم إبليس الرجيم. وعلى القول بأنّ الذأم هو أشدُّ الذّمّ، قد يكون انتقاء المفردة في هذا الموضع مبالغةً في الذّمّ مقابل مبالغة اللعين في العزم على الإغواء[6].


 


[1] سورة الإسراء، الآية 39.

[2] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج5، ص448(نقله عن ابن زيد)، أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج1، ص211؛ ابن قتيبة، غريب القرآن، مصدر سابق، ص166.

[3] سورة الإسراء، الآية 18.

[4] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج5، ص448؛ الثعلبي، تفسير الثعلبي، مصدر سابق، ج4، ص222؛ الشيخ الطبرسي، مجمع البيان، مصدر سابق، ج2، ص405.

[5] راجع: سورة الأعراف، الآيات 11 - 18؛ سورة الحجر، الآيات 28 - 43؛ سورة الإسراء، الآيات 61 - 65؛ سورة ص، الآيات 71 - 85.

[6] راجع: النيسابوري، الحسن بن محمد، غرائب القرآن، تحقيق: إبراهيم عطوة، مصطفى البابي الحلبي، مصر، لا.ت، لا.ط، ج8، ص92.

 

108


93

الدرس السادس: (ذ - ر)

رِكْزًا (ر ك ز)

 

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدةً في مادّتها في القرآن الكريم، مرّة واحدة، ختاماً لكلمات آخر آيةٍ من سور مريم المكّيّة، وهي قوله - تعالى -: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا﴾[1].

 

2- المعنى اللغوي:

أطبقت كلمات اللغويين على أن الرِّكْزَ (بكسر الرّاء المشدّدة) هو الصّوت الخفيّ[2]، وعبّر الخليل عنه بأنه: "صوتٌ خفيٌّ من بعيد، كرِكْزِ الصّائد إذا ناجى كلابه"[3]، ومنه تفسير ابن عبّاس لقوله - تعالى -: ﴿فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ﴾[4]، بأنّه "رِكْزُ النّاس"، فجعل القسورة نفسها رِكْزًا، من باب تسمية الشيء باسم صوته، والقسورة هي جماعة الرّجال أو الصيادين والرّماة، وأصلها من القَسْر، وهو القهر والغلبة، ومنه سُمّي الأسد قسورة[5]. وقيل إن الرِّكْز هو الحِسّ[6]، وبه أجاب ابن عباس عن سؤال نافع بن الأزرق عن المفردة[7]، وإن روي عنه غير ذلك أيضًا، وقيل: الرجل العاقل الحليم السّخيّ[8].


 


[1] سورة مريم، الآية 98.

[2] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص320؛ ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج2، ص324؛ الصّاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج6، ص198؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص880.

[3] الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص320.

[4] سورة المدّثّر، الآية 51.

[5] راجع: الخطابي، غريب الحديث، مصدر سابق، ج2، ص449؛ ابن الأثير، النهاية، مصدر سابق، ج2، ص258.

[6] راجع: ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج2، ص324؛ الخطابي، غريب الحديث، مصدر سابق، ج2، ص449؛ ابن الأثير، النهاية، مصدر سابق، ج2، ص258؛ الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج2، ص183.

[7] راجع: السيوطي، الإتقان، مصدر سابق، ج1، ص371.

[8] راجع: الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج10، ص268 (نقله عن الشيباني), الصّاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج6، ص198؛ الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج2، ص183.

 

109


94

الدرس السادس: (ذ - ر)

ومن مشتقّات المادّة: الرَّكْز (بفتح الراء المشددة)، وهو: غرز شيء منتصب كالرّمح, والرِّكاز، وهو: قطع الذّهب والفضة والمعادن الثمينة، أو المال والمعدن المدفون، والرَّكائز: واحدتها ركيزة، وهي: ما غُرِس من الأشجار, والمَرْكز، وهو: المَوضِع[1].

 

واختلفوا في أصل المادّة: فرأى ابن فارس أن لها أصلين، الأول: إثبات شيء في شيء يذهب سُفْلاً، ومنه ركز الرمح، وارتكاز الرجل عليه، والمال المدفون, والآخر: صوتٌ[2]. ويرى البعض أن الأصل هو الخفاء، وبمناسبته أطلق على جميع المعاني المتقدمة[3]، وهو قولٌ وجيه. وذهب المصطفوي إلى أنه: تثبيت طرف من الشيء في محلّ، وادّعى أنه لم تستعمل المادة للدلالة على الصوت في الفصيح، وما ورد منه إما مجازٌ أو مأخوذٌ من الآية الكريمة[4]، إلا أن ما قدّمناه من أقوال قدامى اللغويين يدحضه. واعتمد البعض الرِّكاز بمعنى قطع الذّهب والفضّة أصلاً[5]، في حين نجد الشيخ الطوسي يقول بالعكس، فيَرُدُّ الرِّكاز إلى الصّوت, لأن الباحث عن قطع الذهب والفضة يُحِسُّ بصوتها ويتتبّعه في عملية البحث، وتابعه الطبرسي في هذا التعليل، إلا أنه جعل أصل الرّكز: الحِسّ[6]. وذكرَ آخرُ أنه: رسوخ الشيء


 


[1] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص320؛ الصّاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج6، ص198؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص880.

[2] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج2، ص433.

[3] راجع: البيضاوي، عبد اللَّه بن محمد، أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي)، إعداد وتقديم: محمد عبد الرحمن المرعشلي، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع - مؤسّسة التاريخ العربي، لبنان - بيروت، 1418هـ.ق - 1998م، ط1، ج2، ص44؛ بنت الشاطئ، الإعجاز البياني للقرآن، مصدر سابق، ص458.

[4] راجع: الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج4، ص212.

[5] راجع: مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج25، ص724.

[6] راجع: الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج7، ص154؛ الشيخ الطبرسي، مجمع البيان، مصدر سابق، ج2، ص532.

 

110


95

الدرس السادس: (ذ - ر)

أو أصله في أثناء ما يكتنفه، ومنه الصوت الخفيّ, لأنه محبوسٌ ومُمْسَكٌ حتى يَخْفى[1].

 

3- المعنى التفسيري:

أطبقت كلمات المفسّرين على أن المراد بالرِّكز في الآية الصوت[2]، وساعد على ذلك كون المفردة مفعولاً به لفعل (تسمع). بينما اعتبر الشيخ المصطفوي أنه لا يجوز تفسير الرِّكْز بالصوت, لأنّ سماع الصوت مندرجٌ تحت جملة ?هَل? تُحِسُّ مِن?هُم مِّن? أَحَدٍ?، فإن الإحساس يشمل الحواسّ الخمس، ومنها إحساس السمع للأصوات، وعليه لا يكون الرِّكز من المسموعات، بل هو أمرٌ آخر، فالمُراد سماع ما يدلُّ على رِكْزِهم، من ذكرٍ أو أخبارٍ. إلا أن المصطفوي أيّد قوله بنفي استعمال الرِّكز في الصوت لدى الفصحاء واللغويين[3]، وهو ضعيف كما تقدّم، ولو أنه أيّده بعطف التغاير المُستفاد من(أو) الذي قد يكون منشأ قوله إلا أنه لم يصرّح به، أو أيّده برواية القمّي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام في تفسير(رِكْزًا) بـ (ذكرًا)[4]، لكان أصحّ وأوثق.

 

وعلى أي حال فمعنى الآية: "إنا قد أهلكنا أممًا كثيرة أعظم منهم كثرة، وأكثر أموالًا وأشد خصامًا فلم يُغنهم ذلك لمّا أردنا إهلاكهم، فكيف ينفع هؤلاء ذلك، وهم أضعف منهم في جميع الوجوه، وبيَّن أن حكم هؤلاء حكم أولئك في أن لا يبقى لهم عين ولا أثر"[5].


 


[1] راجع: جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص847.

[2] راجع: الفيروزآبادي، تنوير المقباس، مصدر سابق، ص260؛ الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج8، ص387 - 388؛ الفراء، معاني القرآن، مصدر سابق، ج2، ص174؛ أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج2، ص14, ابن قتيبة، غريب القرآن، مصدر سابق، ص276؛ الثعلبي، تفسير الثعلبي، مصدر سابق، ج6، ص234؛ الآلوسي، تفسير الآلوسي، مصدر سابق، ج16، ص144؛ العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج14، ص117؛ الشيخ الشيرازي، الأمثل، مصدر سابق، ج9، ص515.

[3] راجع: الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج4، ص212.

[4] راجع: القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج2، ص57.

[5] الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج7، ص155.

 

111


96

الدرس السادس: (ذ - ر)

أَرْكَسَهُمْ - أُرْكِسُوا (ر ك س)

 

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

لم يرِد من هذه المادّة في القرآن الكريم إلا فعلان، في آيتين واقعتين في سياقٍ واحدٍ متّصل، في سورةٍ مدنيّة:

أوّلهما: بصيغة الماضي المبنيّ للفاعل (أَرْكَسَ) في قوله - تعالى -: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ اللّهُ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً﴾[1].

 

والثاني: بصيغة الماضي المبنيِّ للمفعول (أُرْكِسَ)، في قوله - تعالى -: ﴿سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا﴾[2].

 

2- المعنى اللغوي:

ذكروا في معنى الرَّكْس أنه: قلب الشيء على آخره، أو ردُّ أوّله إلى آخره، وأنه النّكس، والوقوع في أمرٍ بعد النّجاة منه، وهي معانٍ متقاربة، وقد أطبق اللغويون عليها[3].


 


[1] سورة النساء، الآية 88.

[2] سورة النساء، الآية 91.

[3] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص310؛ أبو عمرو الشيباني، الجيم، مصدر سابق، ج1، ص306؛ الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج10، ص59(نقله عن ابن الأعرابي), ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج2، ص335؛ الصّاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج6، ص183؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص936.

 

112


97

الدرس السادس: (ذ - ر)

ومن مشتقّات المادّة:

- الرَّكوسِيّة: وهم قوم لهم دينٌ بين النصارى والصّابئين[1].

 

- الرّاكِس: وهو الثّور الذي يكون في وسط البيدر حين يُداس، والثيران حواليه، فهو يرتكس مكانه، وإن كانت بقرة فهي راكسة[2].

 

- الرِّكْس: قيل: الجماعة من الناس. وقيل: الرّجيع أو البعر أو الرِّجس، فقد رُوي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أُتي بروثٍ في الاستنجاء، فقال: "إنّه رِكْس"، بلحاظ أنه رجع عن حاله الأولى بعدما كان طعامًا أو علفًا طاهرًا، ورُدَّ من الطهارة إلى النّجاسة, أو بلحاظ أن الاستنجاء بالروثة إعادةٌ للرّجس، وزيادة لموضع الرّجس رجسًا[3].

 

وذكروا في أصل المادّة أنه: قلبُ الشيء على رأسه وردُّ أوّله على آخره[4]، أو أنه: "تحوّلٌ تامّ من ناحية إلى ناحية"[5].

 

3- المعنى التفسيري:

الآية الأولى: "يظهر من التدبر فيها أنها نزلت في قوم من المشركين أظهروا الإيمان للمؤمنين ثم عادوا إلى مقرهم، وشاركوا المشركين في شركهم، فوقع الريب في قتالهم،


 


[1] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص310؛ الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج10، ص59(نقله عن أبي عبيد)؛ الصّاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج6، ص183. 

[2] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص310؛ الصّاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج6، ص183؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص936.

[3] راجع: الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج10، ص59(نقله عن أبي عبيد)؛ الصّاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج6، ص183؛ الخطّابي، غريب الحديث، مصدر سابق، ج2، ص306؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص936.

[4] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج2، ص434؛ الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج4، ص214؛ مجمع البحوث الإسلامية(قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج25، ص739.

[5] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص847.

 

113


98

الدرس السادس: (ذ - ر)

واختلفت أنظار المسلمين في أمرهم، فمن قائل يرى قتالهم، وآخر يمنع منه ويشفع لهم لتظاهرهم بالإيمان، واللَّه سبحانه يكتب عليهم إما المهاجرة أو القتال، ويُحذّر المؤمنين الشفاعة في حقهم"[1].

 

قال الشيخ الطوسي: "واختلفوا في معنى أركسهم، فقال ابن عباس: معناه ردّهم. وفي رواية أخرى عنه: أوقعهم. وقال قتادة: أهلكهم"[2]. والمعنى الأوّل هو الأوفق بالمعنى اللغوي، والمعاني الأخرى لا يخفى أنّها من آثار ونتائج المعنى الأوّل.

 

ويظهر من الآية الكريمة أن إركاسهم أو ركسهم إنّما كان بما كسبوا من معاصٍ وموبقات، وفي هذا دلالةٌ واضحة على أنّ اللَّه إنّما يُضلُّ الإنسان نتيجة ما كسبت يداه باختياره من ذنوبٍ وآثام[3]. فيا أيها المؤمنون، أتريدون بشفاعتكم أن تهدوا من أضلّهم اللَّه بسوء أعمالهم! ألا تعلمون أنه من يُضلل اللَّه فما له من هادٍ.

 

وقال العلاّمة الطباطبائي: "وفي قوله - تعالى- ﴿وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً﴾ التفات من خطاب المؤمنين إلى خطاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم إشارة إلى أن من يشفع لهم من المؤمنين لا يتفهم حقيقة هذا الكلام حق التفهم، ولو فقهه لم يشفع في حقّهم فأعرض عن مخاطبتهم به وألقى إلى من هو بيّن واضح عنده وهو النبي  صلى الله عليه وآله وسلم"[4].

 

الآية الثانية: قيل في من نزلت فيه هذه الآية أقوال عديدة[5]، يجمعها مضمون واحد، وهو أنّ قومًا أرادوا أن لا يقاتلوا رسول اللَّه ولا المشركين، فكانوا يُسلمون مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا رجعوا إلى الكفّار كفروا، فعبّرت عنهم الآية بهذا البيان اللطيف: ﴿كُلَّ


 


[1] العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج5، ص29.

[2] الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج3، ص282.

[3] راجع: الشيخ الشيرازي، الأمثل، مصدر سابق، ج3، ص373.

[4] العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج5، ص30.

[5] راجع: الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج3، ص288.

 

114


99

الدرس السادس: (ذ - ر)

مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا﴾, والفتنة في اللغة: الاختبار، فالمعنى أنهم كلّما ردّوا إلى الاختبار والامتحان في الثبات على العقيدة والمبادئ، رجعوا إلى عهدهم الأول من الشّرك[1]، حتّى حكى الثعالبي في تفسيره أنهم كانوا يرجعون إلى قومهم، فيقال لأحدهم قل: الخنفساء ربي، والعقرب ربّي، فيقولها[2]! والتعبير في الآية الثانية بصيغة المجهول: "إشارة إلى عدم استقلال في أفكارهم وفقدان الثبات والاعتماد فيهم، فإنّ الدعوة إلى الفتنة تُقلِّب مسيرهم وتحوّلهم إلى ما كانوا في سابقة أيّامهم"[3].

 

 


[1] راجع: الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج3، ص288.

[2] راجع: الثعالبي، عبد الرحمن بن محمد، جواهر الحسان في تفسير القرآن (تفسير الثعالبي)، تحقيق: الدكتور عبد الفتاح أبو سنة وآخرين، دار إحياء التراث العربي، لبنان - بيروت، 1418هـ.ق، ط1، ج2، ص276.

[3] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج4، ص214 - 215.

 

115


100

الدرس السادس: (ذ - ر)

المفاهيم الرئيسة

 

مذؤومًا (ذ ء م)

- وردت هذه المفردة وحيدة في مادّتها في القرآن، مرّةً واحدة، في سورة مكّيّة.

- ممّا ذكره اللغويون في معنى المذؤوم أنه: المحقور، أو المكروه.

- من مشتقّات المادّة: الإذآم: أي الرُّعب.

- تمحورت كلماتهم في أصل االمادة حول معنى الكراهة والحقارة.

- حُكي عن المفسرين في معنى 0(مذؤومًا) أقوالٌ ملائمة للسياق القرآني أكثر من ملاءمتها للمعنى اللغوي. يوحي فرادة المفردة جذرًا ولفظًا في القرآن بكونها لغةً مكّيّة.

 

رِكْزًا (ر ك ز)

- وردت هذه المفردة وحيدةً في مادّتها في القرآن، مرّة واحدة، في آخر سورة مكيّة.

- أطبقت كلمات اللغويين على أن الرِّكْزَ هو الصّوت الخفيّ.

- من مشتقّات المادّة: الرِّكاز، وهو: قطع الذّهب والفضة.

- اختلفوا في أصل المادة اختلافًا شديدًا، فمنهم من جعله أصلين، ومنهم من ردّه إلى الخفاء، وهو أوجه الأقوال، ولكلّ استدلاله.

- أطبقت كلمات المفسّرين على أن المراد بالرِّكز في الآية الصوت.

 

أَرْكَسَهُمْ - أُرْكِسُوا (ر ك س)

- لم يرِد من هذه المادّة في القرآن الكريم إلا هذان الفعلان، في آيتين واقعتين في سياقٍ واحدٍ متّصل، في سورةٍ مدنيّة.

 

116

 


101

الدرس السادس: (ذ - ر)

- ذكروا في معنى الرَّكْس أنه: قلب الشيء على آخره، أو ردُّ أوّله إلى آخره، وأنه النّكس.

 

- من مشتقّات المادّة: الرِّكْس: الجماعة من الناس. وقيل: الرّجيع أو الرِّجس.

 

- ذكروا في أصل المادّة أنه: قلبُ الشيء على رأسه وردُّ أوّله على آخره.

 

- نزلت الآية الأولى في حال قوم أظهروا الإيمان للمؤمنين، ثمّ عادوا للمشركين وشاركوهم في أمرهم، فوقع الريب في قتالهم بين المؤمنين، فحذّرت الآية من الشفاعة لهم.

 

- نزلت الآية الثانية في حال قومٍ كلّما ردّوا إلى الامتحان في الثبات على العقيدة، رجعوا إلى عهدهم الأول من الشّرك، وكانوا يسلمون مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يقاتلون الكفّار.

 

117


102

الدرس السابع: (خ - د)

الدرس السابع

(خ - د)

 

 

 

أهداف الدرس

يتناول الدرس المفردات الآتية:

1. الخَبْء (خ ب ء).

2. خَتَّار (خ ت ر).

3. دُسُرْ (د س ر).

 

119


103

الدرس السابع: (خ - د)

الخَبْء (خ ب ء)

 

1- مورد المفردةُ في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدة في مادَّتها في القرآن في سورةٍ مكّيّةٍ في قوله - تعالى-: ﴿أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾[1].

 

2- المعنى اللُّغويّ:

ذكروا في معنى الخَبْءِ أنَّه: ما خبَّأْتَ مِنْ ذخيرةٍ ليومٍ ما[2]، أو كلَّ ما خُبِّئَ[3]، أو كلَّ مُدَّخرٍ ستور[4]. وفي الحديث: "مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْ‏ءٍ أَحَبَ‏ إِلَيْهِ‏ مِنَ‏ الْخِبَاء"[5]، يعني التَّقية والاستتار[6].

 

وقالوا: خَبْءُ السماواتُ: القَطْر، وخَبْءُ الأرض: النبات[7]. وفي الخبءِ زيادةٌ مُبالغةٌ على الخبيئَة - واحدةُ الخبايا -, لأنَّه من باب الوصف بالمصدر[8]. ويكاد يتَّفق


 


[1] سورة النمل، الآية 25.

[2] الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج4، ص315؛ الصاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج4، ص427.

[3] ابن أبي اليمان، أبو بشر اليمان، التقفية في اللغة، تحقيق: د. خليل العطية، وزارة الأوقاف العراقية، مطبعة العاني، العراق - بغداد، 1976م، لا.ط، ص91؛ ابن السكيت، ترتيب إصلاح المنطق، مصدر سابق، ص140؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص46.

[4] الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص274.

[5] الفيض الكاشاني، المولى محمد محسن، الوافي، تحقيق: ضياء الدين الحسيني الأصفهاني، مكتبة الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام العامة، إيران - أصفهان، 1406هـ.ق، ط1، ج5، ص689.

[6] الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج1، ص119.

[7] الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص46؛ الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص212.

[8] المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج3، ص4.

 

121


104

الدرس السابع: (خ - د)

اللُّغويون أنَّ مِنْ الباب "الخابية" التي يوضع فيها الماء وشتَّى السوائل، إلَّا أنَّ الهمزة حُذفتْ منها استثقالاً[1].

 

وتكاد تتَّفق كلماتهم في أصل المادَّة، حيث عبَّروا بإِنَّه السَّتر[2] أو الاستتار الشديد بنحوٍ لا تُدركه الحواس الظاهرة[3]، أو إخفاء الشَّيء وتغطيته في كِنٍّ مناسبِ التَّجَوُّف[4].

 

3- المعنى التفسيريّ:

ورد عن ابن عبَّاس في تفسير الآية أنَّ الخَبْءَ ما خُبِّئ في السماوات مِنَ المطر وفي الأرض مِنَ النبات[5]، وكذا ورد في تفسير القمِّيّ[6] وعمَّمه كثيرون إلى كلِّ ما خبَّأه اللَّه في السماء والأرض وغيّبه فيهما من أمورٍ مادِّيَّةٍ، كالماء والرياح والنجوم والكواكب في السماءِ، والزرع والماء والكنوز والمعادن في الأرض[7]، وبعضهم جعله إشارةً إلى الأمور المعنويَّة والغيبيَّة، كالأرواح في السماوات، والأجسام في الأرض، وعلم الغيب عامّةً[8]، وبينما عمَّمته طائفة مهمَّة من المفسِّرين إلى كلّ ما يُخرجه اللَّه مِنَ الإمكان والعدم، إلى الوجوب والوجود، ومن القوَّة إلى الفعل,


 


[1] الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج3، ص372؛ ج7، ص604؛ ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج2، ص312؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص46؛ الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص212؛ الفيومي، المصباح المنير، مصدر سابق، ج1، ص163. 

[2] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج2، ص242؛ مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج15، ص18.

[3] المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج3، ص4.

[4] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل للألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص521.

[5] الفيروزآبادي، تنوير المقباس، مصدر سابق، ص399.

[6] القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج2، ص127.

[7] الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج9، ص511؛ الرازي، تفسير الرازي، مصدر سابق، ج24، ص192؛ أبو حيان الأندلسي، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، مصدر سابق، ج7، ص69.

[8] الماوردي، علي بن محمد، النكت والعيون(تفسير الماوردي)، راجعه وعلق عليه: عبد المقصود بن عبد الرحيم، دار الكتب العلمية - مؤسّسة الكتب الثقافية، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج4، ص204؛ إبن عربي، تفسير ابن عربي، ضبطه وصححه وقدم له: الشيخ عبد الوارث محمد علي، دار الكتب العلمية، 1422هـ.ق - 2001م، ط1، ج2، ص101.

 

122


105

الدرس السابع: (خ - د)

فيكون قريباً من معنى الفطر وهو الشقُّ من أجل إخراج الشَّيء[1]، خصَّصه بعض المفسِّرين بالماء، مؤيّداً ذلك بمناسبة ذكر الخبء على لسان الهدهد الذي خصَّه اللَّه بالقدرة على رؤية الماء في تُخوم الأرض, ولذلك كان الجيش يحمل الهدهد ليدلّه على مواضع الماء[2]، ولم يرتضِ الآلوسي هذا التعليل لاختيار مفردة الخَبْءِ، وذهب إلى أنَّ اختيار المفردة كان أوفق بقصِّة اكتشاف الهدهد أمر مملكة سبأ الذي خُفي على سليمان وجنوده، وهو أشبه شيءٍ بإخراج الخَبْءِ[3]، وفي ذلك درسٌ لسليمان، وإقرارٌ مِنَ الهدهد بعدم الاستغناء عن اللَّه في معرفة المغيَّبات، ورجوعٌ إلى تمجيد اللَّه - تعالى وعرشه العظيم - بعد أن كان نسب العثورُ على ملكة سبأَ لنفسه ﴿وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا﴾[4]، ووصف عرشها بالعظيمَ ﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾[5] فكان لا بُدَّ له مِنْ نسبة ذلك إلى اللَّه - عزّ وجلّ -  من خلال صفة إخراج الخَبْءِ ومعرفة السرِّ والعلن، وتعظيم عرشه - تعالى - فوق أي عرشٍ دنيويٍّ، فقال: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾[6].


 


[1] الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج8، ص89؛ الشيخ الطبرسي، مجمع البيان، مصدر سابق، ج4، ص219؛ البيضاوي، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، مصدر سابق، ج4، ص265؛ العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج15، ص356؛ مغنية، الشيخ محمد جواد، التفسير الكاشف، دار العلم للملايين، لبنان - بيروت، 1981م، ط3، ج6، ص16؛ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج3، ص4.

[2] راجع: إسماعيل بن كثير، ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، 1412هـ - 1992 م، لا.ط، ج3، ص273؛ أبو السعود، محمد بن محمد العمادي، إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم (تفسير أبو السعود)، دار إحياء التراث العربي، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج6، ص282.

[3] الآلوسي، تفسير الآلوسي، مصدر سابق، ج19، ص192.

[4] سورة النمل، الآية 24.

[5] سورة النمل، الآية 23.

[6] سورة النمل، الآية 26.

 

123


106

الدرس السابع: (خ - د)

خَتَّار (خ ت ر)

 

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدةً في مادَّتها في القرآن مرّةً واحدةً في سورةٍ مكّيّةٍ في قوله - تعالى -: ﴿وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾[1].

 

2- المعنى اللغويّ:

ختّارُ صيغةٌ مبالغةٌ مِنَ الخَتْر بسكون التاء، وهو شبه الغَدْر[2]، أو الغدر نفسه[3]، أو أسوأ الغدْر[4]، وقيل: هو الفساد أو خُبْثُ النّفس[5], أمَّا الخَتَر بفتح التّاء، فهو كالخَدَر: وهو ضعفٌ يأخذُ الإنسان من شُرب دواءٍ أو سُمٍّ أو سُكْرٍ[6]، فيُقال: تَخَتَّرَت نفسه, أي استرخت وفتُرَت[7]، هذه هي المعاني التي ذُكِرَت حول مادّة (ختر) ومشتقاتها.

 

وقد أرجع بعضهم الأصل اللُّغويَّ للمادَّة إلى التّواني والفتور والكسل، وتُطلق على الغدر, إمَّا باعتبار منشئه، وهو الفتور والقعود عن الوفاء[8]، فيزيد على الغدر بأنَّ فيه معنى الاستهانة واللامبالاة[9]، وإمَّا باعتبار نتيجته، وهي الفتور والضَّعف بسبب


 


[1] سورة لقمان، الآية 32.

[2] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج4، ص236.

[3] ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج2، ص6؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج2، ص642.

[4] الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج7، ص294.

[5] الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج7، ص294؛ أبو سهل الهروي، التلويح، مصدر سابق، ج2، ص532.

[6] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج4، ص236؛ الصاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج4، ص310.

[7] راجع: الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج7، ص294.

[8] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج2، ص244؛ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج3، ص19.

[9] راجع: جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل للألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص529 - 530.

 

124


107

الدرس السابع: (خ - د)

الاجتهاد في الغدر[1]، فيما ذهب بعضهم الآخر إلى أنَّ الأصل هو الغدر والخديعة, وأمَّا الخَتَر ومشتقّاته، فتاؤها مُبْدَلٌ من الدّال، وهو الخدَر، أي الفتور، ونظير هذا الضّرب من الإبدال، مدَّ في السير ومتَّ فيه[2].

 

3- المعنى التفسيريّ:

ذكر ابن عبَّاس في أجوبته لنافع بن الأزرق بأنَّ معنى ختّارَ الغدّارُ الظلومُ الغاشمُ[3]، وتبعه المفسِّرون في ذلك[4]. ومجيءُ هذه المادَّة مرَّةً واحدةً في القرآن في سورةٍ مكِّيَّةٍ مُشْعِرٌ باختصاصها بلُغة أهل مكّة، أو بأدبيَّات الخطاب المكّيِّ الموجَّه إلى شديدي العناد آنذاك، كما يُؤيِّد ذلك اختصاص مادّة جحد في القرآن بالخطاب المكّيّ[5].

 

وقد وُصِف الجاحدون بآيات اللَّه في مواضع أُخرى بالكافرين تارةً، في قوله – تعالى -: ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ﴾[6] وبالظالمين أُخرى، في قوله -تعالى-: ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ﴾[7]، ويُمكننا القول إنَّهم وَصفوا في الآية مورد البحث بكلا الوصفين، شرط الأخذ بعناية تفسير ابن عبَّاس للختار بالظلوم، وصرف النّظر عن التقابل بين (كفورٍ) و(شكورٍ) الذي يُعيّن معنى الكفور في الكُفران دون


 


[1] الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص274.

[2] راجع: مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج15، ص184 - 185.

[3] السيوطي، الإتقان، مصدر سابق، ج1، ص372.

[4] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج10، ص224 - 225؛ الثعلبي، تفسير الثعلبي، مصدر سابق، ج7، ص323.

[5] راجع: مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج9، ص88؛ ج15، ص186.

[6] سورة العنكبوت، الآية 47.

[7] سورة العنكبوت، الآية 49.

 

125


108

الدرس السابع: (خ - د)

الكُفر[1]. والتقابل بين قوله - تعالى -: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾[2] في الآية السابقة، وقوله - تعالى -: ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ﴾[3] ظاهرٌ لفظاً، وأمَّا معنَى: فمنه ما تقدَّم في المقابلة بين (كفورٍ) و(شكورٍ)، وأمَّا المقابلة بين (ختّارٍ) و(صبَّارٍ) فبمناسبة أنَّ الغدرَ لا يكون إلَّا مِنْ قلَّة الصّبر[4]. والتعبيرُ في الختر بصيغة المبالغة، وفي الكفران بصيغة الصفة المشبَّهة، إشارةً إلى أنّ استمرار الختر يجرُّ إلى الكفران، وإذا تثبَّت الكفران في الباطن يُنتهى إلى جحود الآيات ومخالفة النِّعم الإلهيَّة[5].

 

دُسُرْ (د س ر)

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدةً في مادّتِّها في القرآن الكريم مرّةً واحدةً في سورةٍ مكّيّةٍ، في قوله - تعالى-: ﴿وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾[6].

 

2- المعنى اللغويّ:

"دُسُر" هي جمعُ "دِسار" مثل: "كِتابٌ وكُتُبٌ"، وعليه أكثر اللُّغويين[7]. وقيل


 


[1] مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج15، ص185. (392)

[2] سورة ابراهيم، الآية 5.

[3] سورة لقمان، الآية 32.

[4] الرازي، تفسير الرازي، مصدر سابق، ج25، ص162.

[5] المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج3، ص20.

[6] سورة القمر، الآية 13.

[7] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص225؛ ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج2، ص245؛ الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج12، ص355؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج2، ص657؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج2، ص278.

 

126


109

الدرس السابع: (خ - د)

هي جمع "دَسير"[1]، مثل: "حبيكٌ وحُبُكٌ"، أو "دَسْر" ، مثل: "سَقْفٌ وسُقُفٌ"[2]، أو "دُسْر"، مثل "عُسْرٌ وعُسُر"[3].

 

وذكروا في معنى الدِّسار أنَّه خيطٌ من ليفٍ تُشَدُّ به ألواح السفينة، وأنَّه المسمار[4]، ومن مشتقّات المادَّة أيضاً الدَّسْر، وهو الطّعن والدفع الشديد، ومنه تُستعمل الكلمة للدلالة على الطعن بالرمح والجِماع[5]. ومنه حديث ابن عبَّاس حين سُئل عن زكاة العنبر، فقال: "إنَّما هو شيءٌ دَسَرَهُ البحر", أي دفعه فألقاه إلى الشطِّ. وكلَّ شيءٍ سمَّرْته فقد دَسَرْتَه[6]، ومنه قول أمير المؤمنين عليه السلام: "رَفَعَها بغير عَمَدٍ يَدْعَمُها، ولا دِسارٍ يَنْتَظِمُها"[7]. وقيل الدُّسُر هي السفن التي تدفع الماء بصدورها[8].

 

والأصلُ في المادَّة بحسب ابن فارس الدّفعُ، والعجب أنَّه اعتبر الدِّسار بمعنى خيط الليف أو المسمار ممّا شذَّ عن الباب وإن كان صحيحاً في اللُّغة[9]، مع أنَّ المناسبة ليست بعيدةً، خاصَّةً أنَّ العديد من اللُّغويين الذين سبقوه صرّحوا بأنَّ إطلاقه على هذين الأمرين بمناسبة الشدِّ والدّفع الناتج عن وصل الألياف ودقِّ المسمار[10]،


 


[1] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج11، ص559.

[2] راجع: العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج19، ص68؛ مجمع البحوث الإسلامية(قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج19، ص427.

[3] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج2، ص657.

[4] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص225؛ ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج2، ص245؛ الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج12، ص355؛ الصاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج8، ص280؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج2، ص657؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج2، ص278.

[5] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص225؛ ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج2، ص245؛ الصاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج8، ص280؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج2، ص657.

[6] ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج2، ص245.

[7] قطب الدين الراوندي، سعيد بن هبة اللَّه، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، تحقيق: السيد عبد اللطيف الكوهكمري، مكتبة آية اللَّه المرعشي العامة، إيران - قم، 1406ه، لا.ط، ج1، ص56؛ ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث والأثر، مصدر سابق، ج2، ص116.

[8] الفيروزآبادي، تنوير المقباس، مصدر سابق، ج2، ص29.

[9] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج2، ص278.

[10] راجع: ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج2، ص245؛ الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج12، ص355؛ الصاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج8، ص280.

 

127


110

الدرس السابع: (خ - د)

وبحسب المصطفويّ فإنَّ الأصل هو الطعن. وباعتبار هذا المفهوم تُطلق المادَّة بألفاظٍ مختلفةٍ على كلِّ ما من شأنه أن يطعن[1]، وعدّ بعضهم أنَّ الأصل هو خيط الليف الذي تُشَدُّ به السُّفُن ثُمَّ أُطلق على المسمار, لأنّه يشُدُّها أيضاً ويُثبّتها[2]، وعبّر بعضهم عن الأصل بأنَّه "دفع الصلب الدقيق في ثنايا الشيء ليبقى فيه باسترسال"[3].

 

3- المعنى التفسيريّ:

تذكر الآيات التي وردت المفردة محلَّ البحث في سياقها قصَّة النبيِّ نوحٍ بإيجازٍ شديدٍ مقارنةً بغيرها من المواضع في القرآن الكريم[4]، مسلّطةً الضّوء على عظيم قدرة اللَّه في انتصاره لنبيّه. ويُمكن القول: إنَّ التعبير عن إنقاذ اللّه لنبيّه بحمله على ذات ألواحٍ ودُسُر بدل لفظ الفلك أو لسفينةٍ، كما ورد في غير موضعٍ[5]. وفُرادة كلمة دُسُر لفظاً ومادّةً في القرآن، يُعيِّن كون اختيار هذه المفردة، وبالتالي هذا النّوع من التعبير لرعاية الرويِّ في الآيات.

 

إلَّا أنَّ المصطفوي رأى أنَّ ذلك التعبير جاء إشارةً إلى أنّ نجاتهم في مقابل تلك البليّة العامّة الشديدة، إنّما كانت بوسيلةٍ ضعيفةٍ. وهي ألواحٌ وصُفيحاتٌ من خشبٍ، مربوطةً ومشدودةً بأليافٍ أو مساميرٍ على هيئةٍ غير فنّيّةٍ ومستحكمةٍ، حتَّى يصِحُّ إطلاق السفينة عليها. فإنْ قيل: إنَّ لفظ السفينة أطلق عليها مرةً في قوله - تعالى -: ﴿فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ﴾[6].


 


[1] المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج3، ص210.

[2] مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج19، ص426.

[3] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل للألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص653.

[4] راجع: سورة هود، الآيات 25 - 49؛ سورة نوح.

[5] راجع: سورة يونس، الآية 73؛ سورة هود، الآية 37؛ سورة المؤمنون الآيتان 27 - 28؛ سورة العنكبوت، الآية 15؛ سورة الشورى، الآية 119.

[6] سورة العنكبوت، الآية 15.

 

128


111

الدرس السابع: (خ - د)

يقال: إنَّ الآية في مقام ذكرٍ مُطلق الإنجاء، والنظر فيها إلى أصحاب السفينة، لا إلى السفينة، ولا إلى كيفيّة النّجاة[1].

 

وفيه إضافةً إلى ما تقدّم من رعاية الرويّ:

1- أنّ التعبير عن السفينة بذات الدُّسُر حاكٍ عن استحكامها، لما يتضمّنه معنى الدُّسُر من الدفع والشدِّ المتقدّم في المعنى اللغويّ.

 

2- كيف يُعبِّر اللَّه عن شيءٍ غير مُستحكم الصُّنعة بقوله - تعالى -: ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾[2]؟! فهذه الآية تشير إلى عظيم التسديد الإلهي لنوحٍ في صُنع هذه السّفينة[3].

 

وأمّا معنى (دُسُر) فقد اختلف المفسّرون فيه بين: مساميرٍ، أو شُرُطٍ وخيوطٍ، أو كلِّ شيءٍ تُشَدُّ به السّفينة. أو أضلاع السّفينة، أو أرض السّفينة أو صدر السّفينة، أو طرفَيْ السّفينة[4]. والمعاني الأخيرة التي تشير إلى عوارض السّفينة إنما تبنّاها القائل بها مع عدم ورودها في كلمات اللُّغويين، باعتبار أنّ هذه الأمور هي التي تدفع الماء وتدسُره عن السّفينة[5].

 

ويردُ عليهم أن هذا محفوظٌ في لفظة الألواح، فلا حاجة إلى تحميله للفظة دُسُر، والمعاني الثلاثة الأُولى موافقةً لأقوال اللُّغويين، ولا سيّما الأوّل منها الذي ادَّعى أنَّه قولَ الجمهور[6]، كما أنَّها أوفق بسياق العطف على الألواح.


 


[1] المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج3، ص211.

[2] سورة هود، الآية 37.

[3] راجع: مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج19، ص428.

[4] راجع: الفيروزآبادي، تنوير المقباس، مصدر سابق، ص449؛ الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج11، ص559؛ الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج9، ص448؛ الطبرسي، مجمع البيان، مصدر سابق، ج5، ص188.

[5] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج11، ص559.

[6] راجع: الأندلسي، أبو حيان محمد بن يوسف، تفسير البحر المحيط، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود وآخرين، دار الكتب العلمية، 1422هـ.ق - 2001م، ط1، ج8، ص177؛ الآلوسي، تفسير الآلوسي، مصدر سابق، ج27، ص82.

 

129


112

الدرس السابع: (خ - د)

المفاهيم الرئيسة

 

الخَبْء (خ ب ء)

- وردت هذه المفردة وحيدةً في مادَّتها في القرآن في سورةٍ مكيَّةٍ.

 

- ذكر اللغويون في معنى الخَبْءِ أنَّه كلَّ ما خُبِّأَ وكلَّ مدّخرٍ مستور.

 

- ذكر المفسرون أن الخَبْء كل ما خُبِّئ في السماوات والأرض من الماء والمعادن والكنوز والثمرات.

 

خَتَّار (خ ت ر)

- وردت هذه المفردة وحيدة في مادتها في القرآن مرّة واحدة في سورةٍ مكّيّة.

 

- من مشتقّات المادَّة: الخَتَر: وهو ضعفٌ يأخذُ الإنسان من شُرب دواء أو سُمٍّ أو سُكْر.

 

- اختلف اللُّغويون في الأصل بين قائلٍ بأنه: التواني والكسل، وبين قائلٍ: بأنَّه الغدر والخديعة.

 

دُسُرْ (د س ر)

- وردت هذه المفردة وحيدة في مادتها في القرآن مرّةً واحدةً في سورة مكّيّة.

 

- دُسُر جمع دِسار، ومن مشتقّات المادَّة: الدَّسْر وهو الطّعن والدفع الشديد.

 

- تمحورت كلمات اللُّغويين في أصل المادَّة حول معنى الدفع والطعن.

 

- التعبير بالدسر دون غيرها من المفردات المشابهة في القرآن وفرادتها مادّةً ولفظًا مع ملاحظة رويِّ الآيات يُعيّن كون اختيارها لأجل مراعاة الرويّ.

 

130


113

الدرس الثامن: (ز - س)

الدرس الثامن

(ز - س)

 

 

 

أهداف الدرس

يتناول الدرس المفردات الآتية:

1. زَرَابِيُّ (ز ر ب).

2. زُرْقًا (ز ر ق).

3. سَجى (س ج و).

 

131

 


114

الدرس الثامن: (ز - س)

زَرَابِيُّ (ز ر ب)

 

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدة في مادتها في القرآن الكريم، مرَّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّة، في قوله - تعالى -: ﴿وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ﴾[1].

 

2- المعنى اللغوي:

الزرابيّ جمع زُرْبِيَّة أو زِرْبِيّة أو زَرْبِيّة بالضمّ والكسر والفتح[2]، وقيل: جمع زُرْب[3]، وقد ذكروا في معناها أنها: القطوع الحريرية وما كان على صنعتها، أو النمارق والوسائد، أو الطّنْفسة[4]، أو البساط، أو الطنافس التي لها خملٌ رقيق، أو البساط الملوّن، أو كلّ ما بُسِطَ واتُّكئ عليه، أو ضربٌ من الثياب مُحَبَّرٌ منسوبٌ إلى موضع[5]. وزرابيُّ النَّبْت: ما اصفرَّ واحمرَّ وفيه خضرة، يُقال له: ازْرَبَّ ازرِبابًا، ومنه استعاروا اللفظ لألوان الفُرُش والبُسط، ولألوان البيت[6]. وقيل للذين يدخلون على


 


[1] سورة االغاشية، الآية 16.

[2] راجع: ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج1، ص254؛ ابن الأثير، النهاية، مصدر سابق، ج2، ص300.

[3] راجع: الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص379.

[4] الوسادة فوق الرحل على كتفي البعير. راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج4، ص1561.

[5] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص362؛ ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج1، ص254؛ الخطابي، غريب الحديث، مصدر سابق، ج1، ص484؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص142؛ الثعالبي، فقه اللغة، مصدر سابق، ص249؛ ابن سِيدَه، المحكم، مصدر سابق، ج9، ص32؛ الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص379؛ ابن الأثير، النهاية، مصدر سابق، ج2، ص300؛ الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج1، ص81.

[6] راجع: الثعالبي، فقه اللغة، مصدر سابق، ص249؛ الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج1، ص81؛ الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج2، ص78.

 

133


115

الدرس الثامن: (ز - س)

الأمراء فيوافقونهم على ما يقولون: زِرْبِيَّة، إما من واحدة زرابيّ بمناسبة تلوّنهم وتملّقهم لأمرائهم، وإما من الزِّرْب أو الزَّريبة بمناسبة انقيادهم للأمراء كما تنقاد الغنم إلى حظائرها[1].

 

ومن مشتقّات المادّة: الزَّرْب أو الزّريبة: وقد تقدّم أنها حظيرة الغنم, والزِّرْب أو المِزْراب أو المِرْزاب: وهو مَسيلُ الماء, والزَّرْبة: وهي قُتْرةُ الصائد، أي المكان الذي يكمن فيه للصيد[2]. والزِّرْباب: الذّهب أو ماؤه، والزِّرْياب: الأصفر من كلّ شيء[3].

 

وأصل المادّة بحسب ابن فارس يدُلّ على بعض المأوى، ولم يُشَر إلى الزرابيّ بمعنى البُسط والوسائد[4]. وحقّق المصطفوي أن الأصل هو الورود في محلٍّ محفوظٍ مستور، ومنه زريبة الغنم، وسيلان الماء في مسير مخصوص. وأما الزرابيّ فالظاهر أنها مأخوذة من لغة فارسية، وهي زّرْبَفْت: أي المنسوج من ألياف ذهبيّة، والزّرياب بمعنى الأصفر من كلّ شيء مأخوذٌ من زردياب بالفارسية أي: وجدان الأصفر[5].

 

واستدلّ على ذلك بأنّ المادة في اللغة العبرية أيضاً بمعنى الجريان، وأن مفهوم الجريان والتحرّك مأخوذٌ في متشابهاتها، كالزّحف والزَّخّ والزَّرف وغيرها[6].

 

ويرِدُ عليه أنها محضُ احتمالات يتعذّر القطع بصحتها والأخذ بها، ولو كان في اللفظ شيءٌ من العجمة لأفصح عنه الحُذّاق من اللغويين المتقدّمين. ومن هنا يمكن القول إن للمادّة أصلين: الأوّل: موضع الغنم, والثاني: البساط وما يُتّكأ عليه. ولابن


 


[1] راجع: ابن الأثير، النهاية، مصدر سابق، ج2، ص300.

[2] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص362؛ الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج13، ص199؛ ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج1، ص254؛ الصّاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج9، ص46؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج4، ص1646.

[3] راجع: الصغاني، التكملة والذيل والصلة لكتاب تاج اللغة وصحاح العربية، مصدر سابق، ج1، ص148.

[4] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص51.

[5] راجع: مشكور، محمد جواد، المعجم المقارن بين اللغات العربية والسامية الفارسية، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط، ج1، ص327.

[6] راجع: الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج4، ص320.

 

134


116

الدرس الثامن: (ز - س)

عاشور في أصل لفظة زرابيّ ومنشئها كلامٌ لطيفٌ ومستظرف، إلا أنه لا يخلو من سقم[1].

 

واعتمد البعض القول بأن الأصل: مكمنٌ ضيّقٌ يحتبسُ فيه الشيء أو يتخزّن ليُحفظ، ويطلق على الزرابيّ بمناسبة حشو القطن فيها وحبسه[2].

 

3- المعنى التفسيريّ:

اجتمعت كلمات المفسرين المتقدّمين منهم والمتأخرين على أن المقصود بالزرابيّ الطنافس والبسط الفاخرة والمخمليّة الرقيقة المبسوطة في مجالس الملوك[3], إلا علي بن إبراهيم القمّي فإنه تفرّد بقوله: "كل شئ خلقة اللَّه في الجنة له مثال في الدنيا، إلا الزرابي فإنه لا يدرى ما هي"[4].

 

وبالرغم من عدم تفريق بعض اللغويين بين النمارق والزرابيّ[5]، إلا أنّ ظاهر الآيات الفرق، ويمكن استكشاف الفرق من كلمات المفسّرين التي ركّزت على معنى البُسط في الزّرابيّ، ومعنى الوسائد في النمارق. ولمّا ذكر اللَّه -تعالى- نعت الجنة


 


[1] راجع: مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج27، ص238.

[2] راجع: جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل للألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص894.

[3] راجع: الفيروزآبادي، تنوير المقباس، مصدر سابق، ص509؛ زيد بن علي، تفسير غريب القرآن، مصدر سابق، ص478؛ مقاتل بن سليمان، تفسير مقاتل بن سليمان، تحقيق: أحمد فريد، دار الكتب العلمية، 1424هـ.ق - 2003م، ط1، ج3، ص479؛ الفرّاء، معاني القرآن، مصدر سابق، ج3، ص258؛ أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج2، ص296؛ ابن قتيبة الدينوري، غريب القرآن، مصدر سابق، ص525؛ الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج12، ص555؛ الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج10، ص336؛ العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج20، ص274؛ مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج27، ص235 - 237.

[4] القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج2، ص418.

[5] راجع: ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج1، ص254؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص142؛ الفيّومي، المصباح المنير، مصدر سابق، ج1، ص252؛ الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج1، ص81.

 

135


117

الدرس الثامن: (ز - س)

وما فيها، عَجَبَ من ذلك أهل الضلال، فأنزل اللَّه: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾، داعياً إياهم للتفكّر في عجيب خلق هذه الأمور، وأن الذي خلقها قادرٌ على صنع مثلها من النعم لأهل الجنّة[1].

 

زُرْقًا (ز ر ق)

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدةً قي مادّتها في القرآن الكريم، مرّة واحدة، في سورةٍ مكّيّة في قوله - تعالى -: ﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾[2].

 

2- المعنى اللغوي:

يُقال: زَرِقَت عينه زُرْقَةً وزَرَقًا، وازْرَقَّت ازْرِقاقًا، وازْراقَّت ازْريقاقًا[3]. ذكروا في معنى المفردة أنه: عمى العين وانطفاء نورها[4]، أو البياض[5]، أو اللون الأزرق في العينين، أو شدّة الصّفاء في اللون، ومنه يُطلق على المياه الصافية، والأسنّة لبصيص لونها[6]، أو خُضرة الحدَقة[7]، أو بعضُ الألوان بين السواد والبياض[8]، أو "الخُضرة


 


[1] راجع: الشيخ الطبرسي، مجمع البيان، مصدر سابق، ج10، ص338.

[2] سورة طه، الآية 102.

[3] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص89؛ الصّاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج5، ص304.

[4] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص89؛ ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج2، ص324؛ الصّاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج5، ص304؛ الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص379.

[5] راجع: الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج8، ص428(نقله عن أبي عبيد)؛ ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج6، ص252.

[6] راجع: الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج8، ص428؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج4، ص1489.

[7] راجع: الحربي، إبراهيم بن إسحاق، غريب الحديث، تحقيق: الدكتور سليمان بن إبراهيم بن محمد العاير، دار المدينة للطباعة والنشر والتوزيع، السعودية - جدة، 1405هـ.ق، ط1، ج2، ص653؛ ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج2، ص324.

[8] راجع: الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص379.

 

136


118

الدرس الثامن: (ز - س)

وما فيها، عَجَبَ من ذلك أهل الضلال، فأنزل اللَّه: ﴿أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾، داعياً إياهم للتفكّر في عجيب خلق هذه الأمور، وأن الذي خلقها قادرٌ على صنع مثلها من النعم لأهل الجنّة[1].

 

زُرْقًا (ز ر ق)

 

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدةً قي مادّتها في القرآن الكريم، مرّة واحدة، في سورةٍ مكّيّة في قوله - تعالى -: ﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾[2].

 

2- المعنى اللغوي:

يُقال: زَرِقَت عينه زُرْقَةً وزَرَقًا، وازْرَقَّت ازْرِقاقًا، وازْراقَّت ازْريقاقًا[3]. ذكروا في معنى المفردة أنه: عمى العين وانطفاء نورها[4]، أو البياض[5]، أو اللون الأزرق في العينين، أو شدّة الصّفاء في اللون، ومنه يُطلق على المياه الصافية، والأسنّة لبصيص لونها[6]، أو خُضرة الحدَقة[7]، أو بعضُ الألوان بين السواد والبياض[8]، أو "الخُضرة


 


[1] راجع: الشيخ الطبرسي، مجمع البيان، مصدر سابق، ج10، ص338.

[2] سورة طه، الآية 102.

[3] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص89؛ الصّاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج5، ص304.

[4] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص89؛ ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج2، ص324؛ الصّاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج5، ص304؛ الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص379.

[5] راجع: الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج8، ص428(نقله عن أبي عبيد)؛ ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج6، ص252.

[6] راجع: الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج8، ص428؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج4، ص1489.

[7] راجع: الحربي، إبراهيم بن إسحاق، غريب الحديث، تحقيق: الدكتور سليمان بن إبراهيم بن محمد العاير، دار المدينة للطباعة والنشر والتوزيع، السعودية - جدة، 1405هـ.ق، ط1، ج2، ص653؛ ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج2، ص324.

[8] راجع: الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص379.

 

136


119

الدرس الثامن: (ز - س)

في سواد العين، وهي أقبح نعوت العين، والعرب يتشاءم بها، ومن علامة أهل النار: زُرْقة العيون، وسواد الوجوه"[1]. ويُقال للعِطاش: زُرْقٌ, لأنّ أعينهم تزرق من شدة العطش[2]. ويُقال: عيشٌ أخضر، وموتٌ أحمر، ونعمةٌ بيضاء، ويومٌ أسود، وعدوٌّ أزرق[3]، قيل: لأن الروم ألدُّ أعداء العرب كانوا زُرْق العيون[4]. وقيل: الزُّرْقة أقبح ألوان العيون عند العرب لأن العين إذا ذهب نورها ازْرَقَّت[5]. "وزَرَقَه بعينيه: أَحَدَّهما نحوه ورماه بهما"[6]، أو انقلبت وظهر بياضها[7].

 

ومن مشتقّات المادّة: زُرَيْقاء، توصف بها الثريدة بلبنٍ وزيت, والزُّرَق: طائرٌ بين البازي والباشق, والمُنْزَرِق: المستلقي على ظهره, والمِزْراق: رمحٌ قصير, والزَّرْق: الطّعن[8].

 

ولم يتعرّض ابن فارس لأصل المادّة، فيما حقّق المصطفوي أنه: "إمالةٌ لعضوٍ أو تنحيته في الجملة، أو إمالة ما هو بمنزلة عضو، فيقال: زَرَقَه بعينه، إذا أَحَدّ نظره نحوه... وزَرَقَه، أي طعنه. وازْرَقّت عينه من العطش، إذا حُوِّلت من الشّدة. ويدلّ على هذا الأصل دلالة الموادّ المتشابهة بها: فالزَّبْن: تنحية ودفع. والزَّجْي: سَوْقٌ مع دفع. الزَّرب: ورود. الزَّعج: إزالة. الزّلق: مزلَّة. الزّلّ: هكذا. الزّوح: التنحّي. الزوال. والزوي... وأما إطلاق الأبيض على اللون المخصوص: فإنه تنَحٍّ وميلٌ عن البياض، وتلوّنٌ ضعيف"[9]. ويرى البعض في الأصل أنه: "نفاذٌ بخفّة واندفاع إلى العمق أو


 


[1] المَيْبُدي، أحمد، كشف الأسرار، أمير كبير، إيران - طهران، 1380ه، لا.ط، ج6، ص176.

[2] راجع: أبو سهل الهروي، التلويح، مصدر سابق، ج3، ص819.

[3] الثعالبي، فقه اللغة، مصدر سابق، ص88.

[4] راجع: الزمخشري، الكشاف، مصدر سابق، ج2، ص553.

[5] راجع: الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج5، ص176.

[6] ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج6، ص252.

[7] راجع: الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج3، ص240.

[8] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص89؛ ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج2، ص324.

[9] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج4، ص324.

 

137


120

الدرس الثامن: (ز - س)

منه,... ومن النفاذ من العمق صفاءُ المائع,... وعُظْمُ ما هو صافٍ في الطبيعة، كماء البحر والأفق والعين يبدو بذلك اللون القريب من الخُضرة وهو الزُّرْقة"[1]. وجعل آخرون الأصل الخضرةَ أو البياضَ في سواد العين، دون أن يبيّنوا وجه استعمال المادّة في معاني الصّفاء والطعن وغيرها[2].

 

3- المعنى التفسيريّ:

اختلف أهل التفسير في المراد بالزُّرْقة على أقوال:

- الأوّل: العمى[3]، وأيّده البعض[4] بقوله - تعالى -: ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا﴾[5]. "فإن قيل: كيف يكون أعمى، وقد قال - تعالى -: ﴿إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ﴾[6]، وشخوص البصر من الأعمى محال، وقد قال في حقهم: ﴿اقْرَأْ كَتَابَكَ﴾[7]، والأعمى كيف يقرأ؟ فالجواب: أن أحوالهم قد تختلف"[8].

 

- الثاني: لون عيونهم أزرق[9]، ويُراد منه تشويه خلقهم بسواد وجوههم وزُرْقة عيونهم[10]. ويردُ على هذا القول إخبار اللَّه عنهم بأنهم يحشرون عُميًا في


 


[1] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص895.

[2] راجع: مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج27، ص306.

[3] راجع: الفيروزآبادي، تنوير المقباس، مصدر سابق، ص266؛ ابن قتيبة الدينوري، غريب القرآن، مصدر سابق، ص282.

[4] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج8، ص457.

[5] سورة الإسراء، الآية 97.

[6] سورة إبراهيم، الآية 42.

[7] سورة الإسراء، الآية 14.

[8] الرازي، تفسير الرازي، مصدر سابق، ج22، ص114.

[9] راجع: مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج3، ص41.

[10] راجع: النيسابوري، غرائب القرآن، مصدر سابق، ج3، ص221؛ الميبدي، كشف الأسرار، مصدر سابق، ج6، ص176.

 

138


121

الدرس الثامن: (ز - س)

الآية المتقدّمة، والجواب نفس الجواب المتقدّم: بأنهم قد يكونون عُميًا في حال وزُرْق العيون مبصرين في حال[1].

 

- الثالث: عِطاشًا[2]، حتى يظهر العطش في ازرقاق أعينهم[3].

 

- الرابع: شُخوص أبصارهم من شدّة الخوف[4]، إما لأنّ ضعف البصر بازرقاق العين يوجب الشخوص من الأزرق ليتبيّن الشيء[5]، وإما لتوافق هذا التفسير مع أحد المعاني المتقدمة التي ذكرها أهل اللغة من حدّة النظر وتقلّبه، لا سيّما مع الأصل الذي حقّقه المصطفوي. ويؤيّده قوله - تعالى -: ﴿إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ﴾[6], وقوله -تعالى-: ﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾[7].

 

سجى (س ج و)

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه اللفظة وحيدةً في مادتها في القرآن الكريم، مرّةً واحدة، في سورة مكّيّة: في قوله -تعالى-: ﴿وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾[8].


 


[1] راجع: الرازي، تفسير الرازي، مصدر سابق، ج22، ص114.

[2] راجع: الفراء، معاني القرآن، مصدر سابق، ج2، ص191.

[3] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج8، ص457؛ الميبدي، كشف الأسرار، مصدر سابق، ج6، ص176.

[4] راجع: الماوردي، النكت والعيون (تفسير الماوردي)، مصدر سابق، ج3، ص424.

[5] راجع: الرازي، تفسير الرازي، مصدر سابق، ج22، ص114.

[6] سورة إبراهيم، الآية 42.

[7] سورة الأنبياء، الآية 97.

[8] سورة الضحى، الآيات 1 - 3.

 

139


122

الدرس الثامن: (ز - س)

2- المعنى اللغوي:

يُلاحظ أنّ أغلب اللغويين لم يتعرّضوا لمعنى السُّجُوّ مستقلّاً بل من خلال إضافته إلى أمرٍ آخر، وتعدّدت المعاني التي ذكروها تبعاً لتعدّد ما أضيفت إليه المادّة، مثل[1]:

- سجا الليل فهو ساجٍ يَسْجو سُجُوًّا وسَجْوًا: سكن وركدت ظلمته. وليلةٌ ساجية: ساكنة البرد والريح والسحاب، وسُجُوُّ الليل: تغطيته النّهار.

 

- بحرٌ ساجٍ ومُسْجٍ وسجا البحر سَجْوًا: سكنت أمواجه. ومنه قول أمير المؤمنين عليه السلام: "الْحَمْدُ لِلَّه الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ، والْخَالِقِ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ، الَّذِي لَمْ يَزَلْ قَائِماً دَائِماً، إِذْ لَا سَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ، ولَا حُجُبٌ ذَاتُ إِرْتَاجٍ، ولَا لَيْلٌ دَاجٍ، ولَا بَحْرٌ سَاجٍ"[2].

 

- امرأةٌ ساجية وسَجْواء: فاترة الطّرف, وكذلك عينٌ ساجية.

 

- ناقةٌ سَجْواء: ساكنة عند الحلب، وسجت الناقة: إذا عطفت على ولدها فلم تطرف[3].

 

- ما ساجينا الطّعام: أي لم نمسسه[4].

 

- شاةٌ سَجْواء: مطمئنة الصوف والوبر.

 

- وسجا يسجو سَجْوًا، وسجَّى يُسَجِّي، وأَسْجى يُسْجي: غطّى شيئاً ما. ومنه سجّيت الميّت تسجيةً: إذا مددت عليه ثوبًا وغطّيته به.


 


[1] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج6، ص161؛ أبو عمرو الشيباني، الجيم، مصدر سابق، ج2، ص87؛ الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج2، ص1628(نقلا عن الشيباني وأبي زيد والأصمعي وابن الأعرابي)؛ ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج2، ص172؛ الصاحب، المحيط في اللغة، مصدر سابق، ج7، ص147، الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص399؛ مجمع البحوث الإسلامية(قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج31، ص142.

[2] الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، الخطبة 90، ص122 - 123.

[3] راجع: أبو عمرو الشيباني، الجيم، مصدر سابق، ج2، ص87.

[4] راجع: الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج2، ص1628(نقله عن أبي زيد).

 

140


123

الدرس الثامن: (ز - س)

- السَّجيَّة: الطبيعة والخُلُق, لأنها تلازم صاحبها وتستقرّ فيه، ومنه قول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "طوبى لمن طاب خلقه، وطَهُرَت سجيته"[1]. وقال الزمخشري في صفته: "كان خُلُقه سجية ولم يكن تَلْهوقا. أي: طبيعةً ولم يكن تكلّفًا"[2]. ومنه قول أبي الفوارس التميمي:

مَلَكْنا فكان العفو منا سجيةً             فلمّا ملكتم سال بالدّم أبطحُ[3]

 

إلا أنّ اللغويين الذين تعرّضوا لمفردة السُّجُوِّ مستقلَّةً قالوا إن معناها السّكون[4]، أو السّكون مع الإطباق والدوام والامتداد والاستقرار[5]، أو أظلم وامتدّ بظلامه[6]. وما يهمّنا هنا هو معنى السُّجُوّ المتعلّق بالليل، ويظهر مما تقدّم أنّ أهل اللغة ذكروا فيه ثلاثة أوجه: السكون، والإظلام، والتغطية.

 

والأصل في المادة: السكون والإطباق[7]، وقالوا: "هو جريان شيء إلى أن يثبت ويستديم على حالة. ومن مصاديقه جريان اليوم إلى الليل حتّى يَدْلَهِمَّ ويُظْلِمَ ويَسْكُنَ ويَثْبُت. وجريان الاتّصاف بصفة باطنيّة حتّى تكون ملكة راسخة. وصيرورة الميّت على حالة ثابتة بالتجهيز والتكفين. وهكذا في تحقّق حالة السكون والاستقرار


 


[1] الكليني، الشيخ محمد بن يعقوب، الكافي، تحقيق وتصحيح: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، إيران - طهران، 1363هـ.ش، ط5، ج2، ص144.

[2] الزمخشري, محمود بن عمر, الفايق في غريب الحديث, دار الكتب العلمية, لبنان – بيروت, 1417 هـ.ق – 1996م, ط1, ج3, ص 216.

[3] الأميني, الشيخ عبد الحسين بن أحمد, الغدير, دار الكتاب العربي, لبنان – بيروت, 1397 هـ ق – 1977 م, ط4, ج1, ص 255.

[4] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج6، ص161.

[5] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص137؛ الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج4، ص387؛ الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج1، ص213.

[6] راجع: الأزهري، تهذيب اللغة، مصدر سابق، ج2، ص1628(نقله عن ابن الأعرابي).

[7] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص137؛ مجمع البحوث الإسلامية (قسم القرآن الكريم)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، مصدر سابق، ج31، ص142.

 

141


124

الدرس الثامن: (ز - س)

في الريح باعتدال الجريان. وكذلك في الناقة"[1]. وقالوا إنه: "سكون الظاهر مع انبساطه واطمئنانه على الوجه المناسب للتناول"[2].

 

3- المعنى التفسيري:

ورد عن قدامى المفسرين في معنى ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾ أقوال عدّة، منها: إذا أظلم واسودّ[3]، وإذا أقبل، وإذا ذهب، وإذا استوى، وإذا استقرّ وسكن، وإذا سكن بالخلق، وإذا غطّى النّهار[4]. وذكر الرازي أن أقوال المفسرين في سُجُوِّ الليل غير خارجة عن أحد المعاني المتقدمة في البحث اللغوي، وهي: السكون، أو الإظلام، أو التغطية[5]. والذين تبنّوا معنى السّكون - وهو الأوفق بأصل المادّة - ذكروا في نسبته إلى الليل وجهين:

- الأول: سكون الناس، ونُسب إلى الليل استعارةً، من باب إسناد الفعل إلى زمانه، لأن الليل لا يسكن، وإنما تسكن حركات الناس فيه، فأجرى اللّه -سبحانه- صفة السكون عليه، لمّا كان السكون واقعًا فيه[6].

 

- الثاني: استقرار ظلامه واستوائه، فلا يزداد بعد ذلك[7]. وقد يؤيّد هذا المعنى مقابلته بالضحى الذي هو على قول الأكثر صدر النّهار حين ترتفع


 


[1] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج5، ص61.

[2] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص956.

[3] راجع: الفيروزآبادي، تنوير المقباس، مصدر سابق، ص503.

[4] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج12، ص621.

[5] راجع: الرازي، تفسير الرازي، مصدر سابق، ج31، ص208.

[6] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج12، ص621, الرضي، الشريف محمد بن الحسين، تلخيص البيان في مجازات القرآن، حققه وقدم له وصنع فهارسه: محمد عبد الغني حسن، دار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاه، مصر - القاهرة، 1374هـ.ق - 1955م، ط1، ص367.

[7] راجع: ابن قتيبة الدينوري، غريب القرآن، مصدر سابق، ص531, الزمخشري، الكشاف، مصدر سابق، ج4، ص236؛ ابن عطية الأندلسي، المحرر الوجيز، مصدر سابق، ج5، ص493؛ الشيخ الطبرسي، مجمع البيان، مصدر سابق، ج5، ص504.

 

142


125

الدرس الثامن: (ز - س)

الشّمس ويظهر سلطانها، فيكون سُجُوُّ الليل وقت اشتداد الليل واستيلاء ظلامه[1].

 

وحاول البعض إيجاد الرابط بين القسم في أوّل السورة وسبب نزولها المتمثّل بدفع دعوى المشركين هجران اللَّه -عزّ وجلّ- لنبيّه صلى الله عليه وآله وسلم، بعد فترة انقطع فيها الوحي عنه صلى الله عليه وآله وسلم، بأنّ القسم بالضحى إشارةٌ إلى مطلع شمس النبوة الذي لا يمكن أن يقف عند حدّ الضحى الذي بلغته في مسيرتها، وفي القسم بالليل الساجي إشارةٌ أخرى إلى أن فترة انقطاع الوحي ليست إلا فترة هدوء واستجمام يجمع فيها النبيّ نفسه، ويَلُمُّ خواطره، بعد هذا النور الغامر الذي بهره، وهزّ أعماق نفسه، وإنّ بعد هذا الليل الهادئ الوادع المؤقّت نهارًا مشرقًا وضيِّئا[2].

 

بينما ذهب البعض إلى أن اللَّه يريد من رسوله الذي يحاول المشركون إثارة القلق في روحه ووجدانه، أن يتأمّل روعة الضحى في إشراقة الكون، وهدوء الليل في غفوة الظلام، ليجد في سكونهما السّلام النفسي، والصّفاء الروحيّ الذي يعينه على إكمال مسيرته غير آبهٍ بأباطيل الكفار والمشركين[3].


 


[1] راجع: النيسابوري، غرائب القرآن، مصدر سابق، ج30، ص114.

[2] راجع: عبد الكريم الخطيب، التفسير القرآني، مصدر سابق، ج15، ص1599، الشيخ الشيرازي، الأمثل، مصدر سابق، ج20، ص252.

[3] راجع: فضل اللَّه، السيد محمد حسين، تفسير من وحي القرآن، دار الملاك، لبنان - بيروت، 1419هـ.ق - 1998م، ط2، ج24، ص306.

 

143


126

الدرس الثامن: (ز - س)

المفاهيم الرئيسة

 

زَرَابِيُّ (ز ر ب)

- وردت هذه المفردة وحيدة في مادتها في القرآن، مرَّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّة.

 

- الزرابيّ جمع زُرْبِيَّة، وهي القطوع الحريرية وما كان على صنعتها.

 

- من مشتقّات المادّة: الزّريبة: وهي حظيرة الغنم, والمزراب: مسيل الماء.

 

- يمكن القول إن للمادّة أصلين: الأوّل: موضع الغنم, والثاني: البساط وما يُتّكأ عليه.

 

- أطبق المفسرون على أن المقصود بالزرابيّ الطنافس المبسوطة في مجالس الملوك.

 

زُرْقًا (ز ر ق)

- وردت هذه المفردة وحيدةً قي مادّتها في القرآن، مرّة واحدة، في سورةٍ مكّيّة.

 

- ذكر اللغويون في معنى المفردة أنها: عمى العين ، أو البياض، أو الازرقاق.

 

- من مشتقّات المادّة: الزَّرْق: أي الطّعن.

 

- قالوا في أصل المادّة أنه: إمالة العضو, وقيل: هو الخضرة والبياض في سواد العين.

 

- اختلف أهل التفسير في المراد بالزُّرْقة على أقوال: العمى، أو لون العيون الأزرق، أو العطش، أو شخوص البصر من الخوف.

 

سَجى (س ج و)

- وردت هذه المفردة وحيدةً في مادتها في القرآن الكريم، مرّةً واحدة، في سورة مكّيّة.

 

144

 


127

الدرس الثامن: (ز - س)

- تعدّدت المعاني التي ذكرها اللغويون تبعاً لتعدّد ما أضيفت إليه المادّة.

 

- في معنى السّجوّ المضاف إلى الليل ثلاثة أوجه: السكون، والإظلام، والتغطية.

 

- تمحورت كلماتهم في أصل المادة حول معنى السكون والإطباق.

 

- اختلف المفسّرون في معنى السّجوّ، والأوفق باللغة والأصل هو معنى السكون، سواءً سكون الناس، أو سكون الظلام.

 

145

 


128

الدرس التاسع: (ش - ص)

الدرس التاسع

(ش - ص)

 

 

أهداف الدرس

يتناول الدرس المفردات الآتية

1- شَوْباً (ش و ب).

2- الصَّريم (ص ر م).

3- صَلْدًا (ص ل د).

 

147

 


129

الدرس التاسع: (ش - ص)

شَوْباً (ش و ب)

 

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدةً في مادتها في القرآن، في سورةٍ مكّيّة، في قوله - تعالى -: ﴿ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِّنْ حَمِيمٍ﴾[1].

 

2- المعنى اللغوي:

يُقال: شِبْتُ الشيء أشوبه شوباً فهو مشوب[2]. أطبقت كلمات اللغويين على أنّ الشَّوْب هو الخلط[3]، ومن هنا يقولون: "سقاه الذَّوْب بالشَّوْب" أي العسل وما شابهُ به من ماءٍ أو لبن[4]. وسُمّي به العسلُ أيضاً بلحاظ أنهم كانوا يمزجونه بغيره من الأشربة[5]. "وفي المثل: (شب شوبًا لك روبته)، أو (شب شوباً لك بعضه) كما يقال: (احلب حلبًا لك شطره)[6]. ويقولون: (ما عنده شوب ولا روب)، أي لا مرق


 


[1] سورة الصافات، الآية 67.

[2] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص158؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص225.

[3] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج6، ص291؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص158؛ ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج1، ص17؛ ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج1، ص 510؛ الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج2، ص92.

[4] راجع: ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج1، ص346.

[5] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص225؛ ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج1، ص17.

[6] الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص140؛ العسكري، أبو هلال الحسن بن عبد اللَّه، جمهرة الأمثال، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم؛ عبد المجيد قطامش، دار الجيل، لبنان - بيروت، صفر 1384هـ.ق - يونيو 1964م، ط2، ج1، ص550.

 

149


130

الدرس التاسع: (ش - ص)

ولا لبن. وفي المثل: (هو يشوب ويروب)، يُضْرَبُ لمن يخلط في القول أو العمل"[1]. "ومنه الحديث: (لا شوب ولا روب في البيع والشراء) أي لا غش ولا تخليط"[2]. ومنه وصف أمير المؤمنين عليه السلام للحكمين بقوله: "جُفَاةٌ طَغَامٌ وعَبِيدٌ أَقْزَامٌ - جُمِعُوا مِنْ كُلِّ أَوْبٍ وتُلُقِّطُوا مِنْ كُلِّ شَوْبٍ"[3]. وقيل: هي القطعة من العجين، ويقال: هي الفرزدقة، وهي الخبزة العظيمة[4].

 

ومن مشتقّات المادّة الشائبة: واحدة الشوائب، وهي الأدناس والأقذار[5]. واشتاب الشيء وانشاب: أي اختلط[6]. وقيل: الشَّيْب من مشتقّات هذه المادّة، بلحاظ أن بياضه يختلط بسواد الشباب، وإنما أبدلوا الواو ياءً ليدلّ كل واحدٍ من اللفظين على معناه بلا إشكال[7]. إلا أنّ جمهور اللغويين اعتبروا كلّ واحدٍ منهما أصلاً منفرداً.

 

وذكروا في أصل المادّة أنه: الخلط[8], أو: "اختلاط شيء من الكدر والدنس، وليس مطلق الخلط أو المزج منظورًا. وبهذا اللحاظ يطلق على عسل ممزوج مشوب بغيره، وعلى جمعيّة مشوبة بأفراد لا خير فيهم، وهكذا"[9], أو: "خلط شيءٍ غريبٍ عن آخر به، بحيث ينتشر في أثنانه متلازمين"[10].


 


[1] الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص158.

[2]  ابن الأثير، النهاية، مصدر سابق، ج2، ص271؛ وراجع: العسكري، أبو هلال الحسن بن عبد اللَّه، الفروق اللغوية، تحقيق: مؤسّسة النشر الإسلامي، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم المشرّفة، شوال المكرم 1412هـ.ق، ط1، ج2، ص421.

[3] الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، الخطبة 238، ص357.

[4] راجع: ابن دريد، جمهرة اللغة، مصدر سابق، ج1، ص346؛ ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج1، ص512.

[5] راجع: الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج2، ص93.

[6] راجع: ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج1، ص511.

[7] راجع: أبو هلال العسكري، الفروق اللغوية، مصدر سابق، ج1، ص550.

[8] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص225.

[9] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج6، ص147.

[10] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص1101.

 

150


131

الدرس التاسع: (ش - ص)

3- المعنى التفسيري:

أطبقت كلمات المفسّرين المتقدّمين والمتأخرين على أن المُراد بالشَّوب: الخليط أو المزيج، وفسّروا الآية بعبارات متقاربة[1]. وقد أشار الشيخ المصطفوي إلى نكاتٍ هامّة عند تعرّضه لتفسير الآية بقوله: "إنّ لهم بعد امتلاء بطونهم شرابًا مشوبًا بالأدناس ومن حميم. يُراد أنّهم بعد ما امتلأت بطونهم من شجرة الزقّوم، وكانت تغلي وتحتاج إلى تبريد بالماء الصافي البارد، فيسقون بمشوب من حميم. والتعبير بالمصدر: إشارة إلى أنّه يخلط بأيديهم أو بوساطتهم، وليس مشوبًا قبله، ولم يكن حاضرًا عنده، بل يتكوّن من وجوده وحاله. ويدلّ على هذا: التعبير بكلمة -مالِئون- صفة لا فعلًا، الدالّ على مفهوم الوصفيّة واتّصاف الذات، لا التجديد والجريان المتوقّع. وهكذا التعبير بالبطون أي البواطن: دون المعدة وغيرها، إشارة إلى نفوذ الزقّوم إلى بواطنهم. والتعبير باللَّام الدالّ على الاختصاص والملكيّة بالنسبة إلى الشوب، في قوله - (لهم) -. والتعبير بعلى في قوله -(عليها) - الدالّ على الاستعلاء والاستيلاء، أي إنّ الشوب مختصّ بهم مستوليًا ومستعليًا على البواطن"[2].

 

الصَّريم (ص ر م)

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة مع مفردتين أخريين من مادة(ص ر م) في موضع واحد من القرآن الكريم، كلّ واحدة منها مرّة، في سورة مكّيّة، في قوله -تعالى-: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ


 


[1] راجع: مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج3، ص100؛ أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج2، ص170؛ الصنعاني، عبد الرزاق بن همام، تفسير القرآن (تفسير الصنعاني)، تحقيق: الدكتور مصطفى مسلم محمد، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، السعودية - الرياض، 1410هـ.ق - 1989م، ط1، ج3، ص150؛ الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج23، ص77؛ الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج8، ص503؛ الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج17، ص141؛ مغنية، الشيخ محمد جواد، التفسير الكاشف، مصدر سابق، ج6، ص342.

[2] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج6، ص147.

 

151


132

الدرس التاسع: (ش - ص)

كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ﴾[1].

 

2- المعنى اللغوي:

تعرّض اللغويون في كلامهم للفظ الصريم في الآية، فقالوا إنه: الليل[2]، أو ما انصرم من الليل[3]، أو الليل المظلم[4]، أو المُحترق المُسْوَدّ كالليل[5]. وبعيداً عن الآية ذكروا أن الصريم يطلق على الليل والنهار، واستشهدوا على كلٍّ من الشعر، وعليه فهو من الأضداد، ويُطلق على الليل والنهار, لأن كلّ واحدٍ منهما ينصرم عن صاحبه ويصرمه[6]. و "الصريم جمع صريمة: وهي قطعة تتقطع من معظم الرمل"[7]. و"الصريم: المجدود المقطوع... والصريمة: ما انصرم من معظم الرّمل... والصريمة: الأرض المحصود زرعها"[8]، و "الصريم: الرّمل ينقطع عن الأرض الصلبة"[9]. و "الأصل


 


[1] سورة القلم، الآيات 17 - 22.

[2] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص120.

[3] راجع: الحربي، غريب الحديث، مصدر سابق، ج3، ص1201(نقله عن أبي عبيدة).

[4] راجع: ابن الأنباري، الزاهر، مصدر سابق، ص242؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج5، ص1966؛ المرزوقي، أحمد بن محمد، الأزمنة والأمكنة، تحقيق: خليل المنصور، دار الكتب العلمية، 1417هـ.ق - 1996م، ط1، ص252.

[5]  راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج5، ص1966؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص345.

[6] راجع: ابن الأنباري، الزاهر، مصدر سابق، ص241 (نقله عن ابن السكيت), الحربي، غريب الحديث، مصدر سابق، ج3، ص1201؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج5، ص1966, ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص345؛ المرزوقي، الأزمنة والأمكنة، مصدر سابق، ص252؛ الثعالبي، فقه اللغة، مصدر سابق، ص283.

[7] ابن الأنباري، الزاهر، مصدر سابق، ص242 (نقله عن الأصمعي).

[8] الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج5، ص1966.

[9] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص345.

 

152


133

الدرس التاسع: (ش - ص)

في الصريم: المصروم، فصرف عن مفعول إلى فعيل، كما قالوا: قتيل وجريح"[1]. و"زرعٌ صريم: أي مجزوز"[2].

 

ومن مشتقّات المادّة: الصَّرْم: وهو القطع, والصِّرام: وقت صرام أعذاق النّخل, والصريمة: إحكام الأمر والعزم عليه، أو الرأي النافذ؛ والصّارم: السيف القاطع[3].

 

والأصل في المادّة بحسب ابن فارس هو: القطع[4]. وبحسب الشيخ المصطفوي: "هو الفرق بالقطع، وليس بمطلق فرق ولا قطع، وهذا المعنى ينطبق على جميع موارد استعمالها. فيقال صرم النخل والجبل والعذق: إذا قطع جزءًا منها وفرّقها عن الأصل. وليلٌ صريم ونهارٌ صريم أو منصرم أو متصرّم: إذا انفصل وانقطع الاتّصال بينهما. وسيف صارم وحكم صارم ولسان صارم ورجل صارم: إذا كانت قاطعة ومبيّنة بين الحقّ والباطل ومفرّقة بين المقصود وسائره. وكذلك المعاني الأُخر يعتبر في كلٍّ منها القيدان المذكوران، كالقطعة المبانة من السحاب أو من الإبل أو من الأرض أو من الرمل"[5]. وبحسب المعجم الاشتقاقي: "انفصالٌ أو انقطاعٌ بحدة حسمٍ أو جفافٍ أو جفاء"[6].

 

3- المعنى التفسيري:

تروي الآيات التي وردت فيها مفردات مادّة (ص ر م) قصة ابتلاء اللَّه لأصحاب الجنّة بهلاك الثمار بسبب منعهم الحقوق الشرعية والعون الذي كان والدهم يُقدِّمه إلى الفقراء، ونسيانهم لذكر اللَّه، كما ابتلى اللَّه - عزّ وجلّ - أهل مكّة بالجدب


 


[1]  ابن الأنباري، الزاهر، مصدر سابق، ص242 (نقله عن أبي عبيدة).

[2] الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص528.

[3] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص120؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج5، ص1966؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص345.

[4] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص344.

[5] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج6، ص235.

[6] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص1220.

 

153

 

 


134

الدرس الثامن: (ز - س)

والقحط بسبب تكذيبهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، إلى أن دعا عليهم فقال: "اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف". وأصحاب الجنّة هم عشرة أولاد كان أبوهم يأخذ من بستانه كفاية سنته، ويتصدّق بالباقي، فطمعوا وأبوا عليه، وأقسموا ليصرمنّ الجنّة ليلاً، أي ليقطفنّ ثمرها ويخفوه عن أبيهم والفقراء، ولم يستثنوا في قسمهم، أي لم يقولوا: إن شاء اللَّه، أو أقسموا أن لا يستثنوا شجرة إلا قطفوها، فطرقها طارقٌ من أمر اللَّه ليلاً، فأحرقها حتى صارت كالليل الأسود، وقيل: اجتثّ ثمرها. فلما أفاقوا تنادوا ﴿أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ﴾، أي: قاطعين لثمركم[1]، وقيل: عازمين على الصرم[2]، واحتمل البعض المعنيين[3]. فلما أقبلوا على جنتهم وجدوها متفحّمةً كالليل الأسود، فأخذوا يراجعون أنفسهم[4].

 

ومن اللافت استعمال القرآن الكريم لهذه المادّة (ص ر م) في هذا الموضع فقط من خلال ثلاث مفردات متعددة المعاني، الأولى: (ليصرمنّها) بمعنى القطع والقطف، والثانية: (الصّريم) بمعنى الليل عند أكثر المفسرين، والثالثة: (صارمين) بمعنى القطع أو العزم عليه.

 

صَلْدًا (ص ل د)

1. مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدةً في مادتها في القرآن الكريم، مرّةً واحدة في سورةٍ مدنية، في قوله -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى


 


[1] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج29، ص39؛ الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج10، ص81.

[2] راجع: القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مصدر سابق، ج18، ص241؛ العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج19، ص374.

[3] راجع: الثعالبي، تفسير الثعالبي، مصدر سابق، ج5، ص468.

[4] راجع: الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج10، ص81.

 

154


135

الدرس التاسع: (ش - ص)

كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾[1].

 

2- المعنى اللغوي:

ذكر اللغويون مفردة "صلد" كصفة لأمورٍ عدّة، وعلى هذا الأساس اختلفت معانيها باختلاف الموصوف بها، مع تمحور الجميع حول معنى الصلابة. وأكثر ما تمّ وصفه بالصلد الحجر، فحجرٌ صلد وصليد: أي أملس يابس، أو صلب، ويُقال: أرضٌ صَلْدة[2]. وجبينٌ صلد: أي أملس يابس[3]، وقيل: صَلَد رأس الرّجل، إذا برق للصَّلع، وكذلك صَلَدَ اللبن، إذا أبرق بياضه[4]، ويُقال لرأس الرجل إذا لم ينبت شعراً كما يقال للأرض إذا لم تخرج نبتاً[5]. ورجلٌ صَلْد أو صَلود أو أصْلَد: أي بخيلٌ جدًّا[6].

 

ومن مشتقات المادة: الصَّلود: الصَّبور، والقِدْرُ البطيئة الغَلْي، والفرس الذي لا يعْرَق؛ وخيلٌ صلادم: أي صلاب، والصلداء والصلداءة، بكسرهما: الأرض الغليظة الصلبة، وعود صلاد وصَلْد: لا ينقدح، يُصَوّت ولا يخرج ناراً[7].


 


[1] سورة البقرة، الآية 264.

[2] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص99؛ ابن السكيت، الكنز اللغوي، مصدر سابق، ص27؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج2، ص498؛ الثعالبي، فقه اللغة، مصدر سابق، ص94؛ الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص537.

[3] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص99.

[4] راجع: ابن قتيبة، غريب الحديث، مصدر سابق، ج1، ص288.

[5]  راجع: الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص537؛ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص304.

[6] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص99؛ الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج2، ص498.

[7] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج2، ص498؛ الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص490؛ الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص537؛ الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج1، ص308.

 

155


136

الدرس التاسع: (ش - ص)

والأصل في المادة بحسب ابن فارس: الصلابة واليُبْس[1]، وبحسب الشيخ المصطفوي: "هو الصلابة بحيث لا ينمو منها أثر ولا تنبت شيئًا. وهذا اللحاظ هو الفارق بينها وبين مترادفاتها، من الصلب والشدّ والصفو وأمثالها. ومصاديق المادّة: الحجر الصلد، والزند إذا لم يخرج النار، ومن الرأس ما لم يخرج شعرًا، والأرض الَّتي لا تُنبت، وأمثالها، ولا بدّ من أن يكون القيدان (الصلابة وعدم النموّ) منظورين"[2]. وبحسب المعجم الاشتقاقي فالأصل: "تصلّب الشيء تمام الصلابة مع ملاسة سطحه بحيث لا ينفذ منه شيء"[3].

 

3- المعنى التفسيري:

تنهى الآية مورد المفردة عن المنّ والأذى في الصدقات وأعمال البرّ والخير، وتسوق لأجل تحقيق هذا الرّدع لدى المكلّف تشبيهًا في غاية اللطافة، يظهر قيمة عمل المرائي وقدره. "وخلاصة معنى المثل: أن حال المرائي في إنفاقه رئاءً وفي ترتّب الثواب عليه كحال الحجر الأملس الذي عليه شيء من التراب إذا أنزل عليه وابل المطر، فإن المطر وخاصة وابله هو السبب البارز لحياة الأرض واخضرارها وتزينها بزينة النبات، إلا أن التراب إذا وقع على الصفوان الصلد لا يستقر في مكانه عند نزول الوابل بل يغسله الوابل ويبقى الصلد الذي لا يجذب الماء، ولا يتربّى فيه بذر لنبات، فالوابل وإن كان من أظهر أسباب الحياة والنمو، وكذا التراب، لكن كون المحل صلدًا يُبطل عمل هذين السببين من غير أن يكون النقص والقصور من جانبهما. فهذا حال الصلد، وهذا حال المرائي، فإنه لما لم يقصد من عمله وجه اللَّه لم يترتّب على عمله ثواب، وإن كان العمل كالإنفاق في سبيل اللَّه من الأسباب البارزة لترتّب الثواب، فإنه مسلوب الاستعداد لا يقبل قلبه الرحمة والكرامة"[4].


 


[1] راجع ابن فارس, معجم مقاييس اللغة, مصدر سابق, ج3, ص 303.               

[2] الشيخ المصطفوي, التحقيق في كلمات القرآن الكريم, مصدر سابق, ج6, ص 269.

[3] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص1252.

[4] العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج2، ص390.

 

156


137

الدرس التاسع: (ش - ص)

المفاهيم الرئيسة

 

شَوْباً (ش و ب)

- وردت هذه المفردة وحيدةً في مادتها في القرآن، في سورةٍ مكّيّة.

- أطبق اللغويون على أنّ الشَّوْب هو الخلط.

- من مشتقّات المادّة الشائبة: وهي الدنس والعيب، والشَّيْب في الشّعر.

- تمحورت كلماتهم في أصل المادّة حول معنى الخلط.

- أطبق المفسّرون على أن المُراد بالشَّوب: الخليط أو المزيج.

 

الصَّريم (ص ر م)

- وردت هذه المفردة مع مفردتين أخريين من المادة في موضع واحد من القرآن، كلّ واحدة منها مرّة، في سورة مكّيّة.

- ذكر اللغويون أن الصريم يطلق على الليل والنهار، فالمفردة من الأضداد.

- من مشتقّات المادّة: الصَّرْم: وهو القطع، والصّارم: السيف القاطع.

- تمحورت كلماتهم في أصل المادة حول معنى القطع، مع فرقٍ في الإطلاق والتقييد.

- تروي الآيات التي وردت فيها مفردات المادّة قصة ابتلاء اللّه لأصحاب الجنّة بهلاك الثمار بسبب منعهم الحقوق الشرعية والعون الذي كان والدهم يُقدِّمه إلى الفقراء.

 

صَلْدًا (ص ل د)

- وردت هذه المفردة وحيدةً في مادتها في القرآن، مرّةً واحدة في سورةٍ مدنية.

- ذكر اللغويون مفردة "صلد" كصفة لأمورٍ عدّة، وعلى هذا الأساس اختلفت معانيها باختلاف الموصوف بها، مع تمحور الجميع حول معنى الصلابة.

 

157


138

الدرس التاسع: (ش - ص)

- من مشتقات المادة: الصَّلود: الصَّبور، والقِدْرُ البطيئة الغَلْي، والفرس الذي لا يعْرَق.

 

- تمحورت كلماتهم في أصل المادة حول معنى الصلابة واليُبْس.

 

- تشبّه الآية مورد المفردة حال المرائي والمانّ وضياع ثوابهما كحجر عليه تراب فأصابه مطر غزير فأزال عنه التراب، ومع أن المطر والتراب سببان لنمو النبات، إلا أنّ كون المحلّ صلدًا أبطل عملهما.

 

158

 


139

الدرس العاشر: (ض - ط)

الدرس العاشر

(ض - ط)

 

أهداف الدرس

يتناول الدرس المفردات الآتية:

1- ضَنْكًا (ض ن ك).

2- ضِيزَى (ض ي ز).

3- طَحاها (ط ح و - ط ح ا).

 

159

 


140

الدرس العاشر: (ض - ط)

ضَنْكًا (ض ن ك)

 

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدة في مادتها في القرآن الكريم، مرّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّة، في قوله - تعالى -: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾[1].

 

2- المعنى اللغوي:

(ضنكاً) مصدر ضَنْك أو ضَناكة، يوصف به المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والمجموع، وقد وصف به هنا المؤنث باعتبار الأصل[2]. وتكاد تتفق كلمات اللغويين على أن الضنك هو الضيق[3]. وذكروا في معناه أيضًا أنه: الكسب الحرام، وكل ما لم يكن حلالًا وإن كان مُوَسِّعًا على صاحبه[4].

 

ومن مشتقات المادة: الضُّناك والمضنوك: أي الزُّكام والمزكوم, وامرأة ضنَّاك أو ضَنْأَكَة: الضخمة المكتنزة اللحم[5], وفلانٌ ضنيكٌ وضنّاكة: ضعيف في رأيه وجسمه ونفسه وعقله[6].


 


[1] سورة طه، الآية 124.

[2] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص302، الثعلبي، تفسير الثعلبي، مصدر سابق، ج6، ص265.

[3] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص302، ابن الأنباري، الزاهر، مصدر سابق، ص363 (نقله عن أبي عبيدة)، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج4، ص1598، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص374، الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص512، الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص268، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج3، ص311.

[4] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص302، ابن الأنباري، الزاهر، مصدر سابق، ص363 - 364. 

[5] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص302، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج4، ص1598، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص374، الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص268.

[6] راجع: الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج3، ص311.

 

161


141

الدرس العاشر: (ض - ط)

وقد جعل ابن فارس للمادّة أصلين وإن قلّت فروعهما: الأول: الضيق، ومنه المرأة الضناك, لأن اللحم إذا اكتنز تضاغطَ وتضايق, والثاني: مرضٌ، وهو الضُّناك: أي الزُّكام[1]. بينما جعلها المصطفوي على أصل واحد وهو: "الشدّة في المضيقة مادّيّة أو معنويّة. ومن مصاديقه الزّكام... وهذا يحدث مضيقة شديدة في حال المزاج والمعيشة. ومنها: اكتناز اللحم وامتلاؤه بحيث يوجب مرضًا وشدّة في العمل والحركة وتضاغطًا في المزاج"[2]. وعبّر البعض عن هذا الأصل الواحد بـ: "اكتناز جوفِ الشيء بليِّنٍ أو رَخْوٍ يمتسكُ فيه: كما في الزُّكام والمُكْتَنَزِ اللحم. ويلزم من الاكتناز معنى الضيق"[3].

 

3- المعنى التفسيريّ:

اختلف المفسّرون في معنى المعيشة الضّنك، فروى البعض عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنه عذاب القبر، وعن ابن عباس: الشّقاء، وعن مجاهد: الضيق، وعن الحسن وابن زيد: الزقوم والغسلين والضريع، وعن قتادة: عذاب النار، وعن عكرمة: الحرام، وعن الضحّاك: الكسب الخبيث[4]. ويظهر من الأقوال السابقة اختلاف المفسرين في كون هذا الضيق المُتَوعَّدِ به واقعًا في الدنيا، أو في القبر، أو في الآخرة، أو في الدين، أو في كلِّ ذلك أو أكثره، وقد فصّلها الرازي ونسبها إلى قائليها، فراجعه[5].


 


[1] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص374.

[2] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج7، ص44.

[3] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص1303.

[4] راجع: الثعلبي، تفسير الثعلبي، مصدر سابق، ج6، ص265، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج7، ص219 - 220.

[5] راجع: الرازي، تفسير الرازي، مصدر سابق، ج22، ص130.

 

162


142

الدرس العاشر: (ض - ط)

وروى القمّي عن معاوية بن عمار قال: "قلت لأبي عبد اللَّه عليه السلام عن قول اللَّه - تعالى -: ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾، قال: هي واللَّه النُّصَّاب، قال: جُعلت فداك، قد رأيناهم دهرهم الأطول في كفاية حتى ماتوا، قال: ذلك واللَّه في الرجعة يأكلون العذرة"[1].

 

وقد قوّى الشيخ الطوسي أن يكون المراد بالمعيشة الضنك عذاب القبر، لقوله - تعالى - بعد آيتين: ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى﴾[2], بتقريب: أن عذاب الآخرة يدوم، وعذاب الدنيا والقبر يزول[3]. إلا أنه ترجيحٌ لعذاب القبر على عذاب الدنيا بلا مرجّح. فإن قيل إن عذاب الدنيا مستبعدٌ عن المُراد، لما يُلاحظ من تنعّم بعض الكافرين فيها[4]، قلنا: لا مانع من إرادته، ووجهه كما ذكره العديد من المفسرين: أنّ المترفين والعاصين يعانون من القلق والاضطراب على ما في يدهم من المال، ويحرصون عليه حتى تشحّ أنفسهم عن الإنفاق، ويتعلّقون بهذه الدنيا، وينزعون دائمًا إلى تحصيل ما هو أزيد مما وقفوا عليه، فيقعون في الضيق والضنك، ولو أنهم ذكروا اللَّه وما وعد به المتقين من النعيم الدائم الذي لا يزول، لهدأت أنفسهم، ولقنعت بما وجدت، ولانصرفت إلى تحصيل ذكر اللَّه وما يقرّب منه - تعالى -[5]. نعم، لا يبعد الأخذ بإطلاق أول الآية: ﴿فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾?فَإِنَّ لما يشمل معيشة الدنيا والآخرة جميعًا، واختصاص آخرها: ﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ بالآخرة لتقيّده بـ (يوم القيامة)[6].


 


[1] القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج2، ص65.

[2] سورة طه، الآية 127.

[3] راجع: الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج7، ص220 - 221.

[4] راجع: ابن شهر آشوب، محمد بن علي، متشابه القرآن ومختلفه، چاپخانه شركت سهامى طبع كتاب، لا.م، لا.ت، لا.ط، ج2، ص99.

[5] راجع: الزمخشري، الكشاف، مصدر سابق، ج2، ص558، العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج14، ص225، الشيخ مغنية، التفسير الكاشف، مصدر سابق، ج5، ص252، الشيخ الشيرازي، الأمثل، مصدر سابق، ج10، ص99 - 101.

[6] راجع: العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج14، ص226.

 

163


143

الدرس العاشر: (ض - ط)

ضِيزَى (ض ي ز)

 

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدةً في مادتها في القرآن الكريم، مرّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّة، في قوله – تعالى -: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى*  تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ﴾[1].

 

2- المعنى اللغوي:

تعرّض اللغويون لمعنى ضيزى في الآية الكريمة، فقالوا: (قسمةٌ ضيزى) أي: ناقصة[2]، أو جائرة[3]، أو ضامه حقه ومنعه ونقصه[4]. وذكروا في معنى الضَّيْز أنه: المنع[5]، أو البخس والنّقص[6]، أو الاعوجاج[7]. يُقال: ضازه يضيزه ضيزًا، فهو ضائزٌ وذاك مَضيز، كما سُمِع الهمز فيها، فقيل: ضأزه يضأزه ضأزًا، فهو ضائزٌ وذاك مضؤوز. ويُقال: قسمةٌ ضِزَّى وضوزى وضِئزى[8]. و"تقدير ضيزى من الكلام فُعلى بضم الفاء, لأنها صفة من الصفات، والصفات لا تكون إِلَّا (فُعلى) بضم الفاء، نحو: حُبلى وأُنثى ويُسرى، أو (فَعلى) بفتح الفاء نحو: غَضبى وسَكرى وعَطشى، وليس في


 


[1] سورة النجم، الآيات 19 - 22.

[2] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص53، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص379، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج2، ص179، الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج4، ص23.

[3] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص883، الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج4، ص23.

[4] راجع: الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص571.

[5] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص53، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج2، ص179.

[6] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص883 (نقله عن الأخفش).

[7] راجع: ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج4، ص161.

[8] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص53، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص883(نقله عن الفراء وأبي زيد)، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج5، ص368.

 

164


144

الدرس التاسع: (ش - ص)

كلام العرب (فِعلى) بكسر الفاء في النعوت، إنّما يكون في الأسماء نحو: دفرى وذكرى وشعرى. قال المؤرخ: كرهوا ضم الضاد وخافوا انقلاب الياء واواً وهو من بنات الياء فكسروا الضاد لهذه العلّة، كما قالوا في جمع أبيض: بيض، والأصل بُوض مثل: حُمْر وصُفْر، وأما من قال: ضاز يضوز فالاسم منه ضوزى مثل شورى"[1].

 

وليس للمادّة مشتقّات أخرى مختلفة عن المعاني المتقدّمة. نعم، رجّح البعض كابن فارس أن تكون مادة ضيزى (ض و ز) بالواو وليس بالياء، وعليه يكون للمادّة مشتقٌّ آخر هو الضَّوْز، فيُقال: ضاز التمر يضوزه ضوزًا إذا أكله بجفاء وشدة.

 

ومن هنا اعتبر ابن فارس أن للمادّة أصلين صحيحين: أحدهما: نوعٌ من الأكل، والآخر: دالٌّ على اعوجاج، ومنه القسمة الضيزى[2]. بينما حقق الشيخ المصطفوي أنّ: "الأصل الواحد في هذه المادّة: هو الانحراف مع الاعوجاج، وبلحاظ هذا الأصل يفسّر بالجور أو النقص أو المنع، فإنّ في كلّ من هذه المعاني مفهوم الانحراف عن الاعتدال والميزان. والصحيح الحقّ على مقتضى اللفظ والمعنى: أنّ الواويّ غير اليائيّ، نعم بينهما اشتقاق أكبر[3]، ومفهوم أكل التمر إنّما هو للواويّ، مع وجود تناسب


 


[1] الثعلبي، تفسير الثعلبي، مصدر سابق، ج9، ص147. وراجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص883، الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج4، ص23.

[2] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص378 - 380.

[3] الاشتقاق على أنواع:

-              الاشتقاق الصغير أو الأصغر: هو أن يشتمل الفرع على حروف الأصل مع محفوظيّة الترتيب بينها، كاشتقاق الأفعال والصفات عن المصدر، كما في الضرب وضرب ويضرب واضرب وضارب. وهذا ما يبحثه علم الصرف.

-              الاشتقاق الكبير: وقد يعبّر عنه بالصغير، وهو أن يشتمل الفرع على أصول الأصل فقط ولا يلاحظ فيه ترتيب الحروف، كما في حمد ومدح، وجذب وجبذ، وغرد ورغد.

-              الاشتقاق الأكبر: وقد يعبّر عنه بالكبير، وهو ما لا يشتمل على شيء منهما، فليست حروف الأصل مضبوطة في الفرع، ولا محفوظة الترتيب، ولكن يوجد تناسب بينهما في اللفظ والمعنى، كما في خبت وخبط وخفت وخفي وخبل، فيستفاد منها مفهوم الانخفاض. وهكذا في الغور والغوض والغوص والغوط والغيب، فيستفاد منها مفهوم الدخول والورود. راجع: الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج1، ص11.

 

165


145

الدرس العاشر: (ض - ط)

في ما بينه وبين الانحراف، فإنّه اعوجاج في أكل... ولا يبعد أن نقول: إنّ المادّة تدلّ ضمناً على ضررٍ ما، فإنّ الضيز هو الضير (بمعنى الضرر الخافت) بتبديل الراء زاء، والزاء من حروف الصفير، ويدلّ على إظهار في قبال الخفت والشدّة، فتكون موادّ الضرّ والضير والضيز قريبة المعاني"[1]. وجعل البعض كلًّا من (ض و ز) و (ض ي ز) أصلاً واحداً هو: "مَضْغٌ مع ضَغْطٍ وزَحْمٍ أو اكتناز... ومنه ضازه حقّه: ...كأنما ضغطه فصغّره أو أكله"[2].

 

3- المعنى التفسيري:

ذكر المفسرون الأوائل في معنى القسمة الضيزى أنها: العوجاء[3]، أو الجائرة[4]، أو الناقصة المُضِرَّة بالحقّ[5]، أو غير المستوية وغير المعتدلة[6]، أو الفاسدة غير الجائزة[7]. والآية مورد المفردة استفهامٌ إنكاري مشوبٌ بالاستهزاء، مفاده: أنه على تقدير جواز الولد على اللَّه، كيف ترضون لنفسكم الأفضل بحسب نظركم من البنين، ولربّكم الأدون والأرذل من البنات، أليست هذه قسمة جائرة غير عادلة؟! لا يرتضيها مخلوق من مثله، فكيف يرضاها لخالقه[8]. والضَّيْز هنا من جهتين: "أوّلًا: من جهة أنّهم


 


[1] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج7، ص51.

[2] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص1284 - 1285.

[3] راجع: مجاهد بن جبر، تفسير مجاهد، تحقيق: عبد الرحمن الطاهر بن محمد السورتي، مجمع البحوث الإسلامية، باكستان - إسلام آباد، لا.ت، لا.ط، ج2، ص631، مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج3، ص291.

[4] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج27، ص80(نقله عن ابن عباس وقتادة)، الفيروزآبادي، تنوير المقباس، مصدر سابق، ص446، مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج3، ص291، الصنعاني، تفسير الصنعاني، مصدر سابق، ج3، ص255.  

[5] راجع: أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج2، ص237، الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج27، ص80(نقله عن سفيان)، القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج2، ص338.

[6] راجع: الثعلبي، تفسير الثعلبي، مصدر سابق، ج9، ص146(نقله عن الحسن وابن سيرين).

[7] راجع: الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج9، ص428.

[8] راجع: الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج9، ص428، العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج19، ص38.

 

166


146

الدرس العاشر: (ض - ط)

يظنّون انكسارًا وانحطاطًا في مقام الأنثى، مع أنّ الفضيلة إنّما تنشأ من التقوى، ولا فرق بين الرجل والمرأة: ﴿أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ﴾. وثانياً: من جهة نسبتهم الأنثى -المنحطَّة على ظنّهم- إلى اللَّه - تعالى -، ونسبة الذكر إلى أنفسهم"[1].

 

وذكر بعض المفسرين الذين تتبّعوا منهج القرآن في انتقاء المفردات الواقعة آخر الآيات المباركة، وانتهى إلى نتائج وملاحظات هامّة ومفيدة في هذا المجال، أنّ اختيار مفردة(ضيزى) في هذا الموضع من باب إيثار القرآن لأغرب اللفظتين لا سيّما عند مراعاة الفواصل بين السور، نحو: قوله - تعالى -: ﴿قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾ ولم يقل(جائرة), وقال: ﴿كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ﴾[2] ولم يقل(جهنم) أو(النار), وقال: ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾[3], وقال: ﴿كَلَّا إِنَّهَا لَظَى﴾[4], وقال: ﴿فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ﴾[5]،[6].

 

طَحاها (ط ح و - ط ح ا)

 

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة بصيغة الفعل الماضي وحيدةً في مادتها في القرآن الكريم، مرّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّة، في قوله -تعالى-: ﴿وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا﴾[7].

 

2- المعنى اللغوي:

ذكروا في تصريف الفعل من الطَّحو لغتين: الأولى بالألف الممدودة: طَحَا يَطْحو


 


[1] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج7، ص51 - 52.

[2] سورة الهمزة، الآية 4.

[3] سورة المدثر، الآية 26.

[4] سورة المعارج، الآية 15.

[5] سورة القارعة، الآية 9.

[6] راجع: السيوطي، الإتقان، مصدر سابق، ج2، ص267(نقله عن شمس الدين بن الصائغ).

[7] سورة الشمس، الآية 6.

 

167


147

الدرس العاشر: (ض - ط)

طَحْوًا، والثانية بالألف المقصورة: طَحى يَطْحي طَحْيًا[1]. وأما معناه فقالوا إنه: شبه الدّحو وهو البسط، وهو قول أغلب اللغويين لا سيّما الذين لاحظوا الآية الكريمة حين تعرّضهم لشرح المفردة[2]. وذُكِرَ في معناها أيضًا: البُعد، فيُقال: طحا فلانٌ طُحُوًّا: أي بَعُدَ[3]. وطحى بك همّك أو طحا بك قلبك، أي: ذهب بك في مذهبٍ بعيد[4]. والقوم يطحى بعضهم بعضًا، أي: يدفع بعضهم بعضًا[5]. وطحى قلب فلانٍ في اللهو: إذا تطاول وتمادى[6]. والطَّحا كاسمٍ: المنبسط من الأرض[7]. وطَحا: اضطجع[8]. "وضربته ضربة طحا منها، أي: امتدّ. وضربته فطحوته: مددته على الأرض. وطحا بالكرة: رمى بها. وطحا الجارح بالأرنب: ذهب به. وطحا بفلان شحمُه: إذا سَمُن"[9].

 

ومن مشتقّات المادّة: الطَّحي من النّاس، أي: الأراذل, والمدومة الطواحي: النسور تستدير حوالي القتلى[10], والطّاحي: الممتدّ[11], ومظلّةٌ طاحية ومطحوّة ومطحيّة:


 


[1] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج3، ص277، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج15، ص4.

[2] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج3، ص277، ابن الأنباري، الزاهر، مصدر سابق، ص145، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج6، ص2411، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص445، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج4، ص356، الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج1، ص274.

[3] راجع: ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج3، ص54(نقله عن ابن دريد).

[4] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج3، ص277، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج6، ص2411، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج4، ص356، الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص578.

[5] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج3، ص277.

[6] راجع: ابن الأنباري، الزاهر، مصدر سابق، ص145.

[7] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج6، ص2411 - 2157، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج4، ص356، الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج1، ص274.

[8] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص445(نقله عن الشيباني)، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج6، ص2411، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج4، ص356.

[9] الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص578.

[10] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج3، ص277.

[11] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج6، ص2411.

 

168


148

الدرس التاسع: (ش - ص)

عظيمةٌ ممتدّة[1]. والمُطَحّي: اللازق بالأرض أو المنبطح[2].

 

واختلفوا في تأليف مادّة المفردة، فمنهم من جعلها بالواو[3]، ومنهم من جعلها بالألف الطويلة[4]. ويمكن تجاوز هذا الخلاف بما قاله ابن فارس: "الطاء والحاء والحرف المعتل أصل صحيح..."[5].

 

والأصل في المادّة بحسب ابن فارس يدلّ على البسط والمدّ[6]. وذكر الشيخ الطوسي أنه البسط الواسع[7]. وحقّق الشيخ المصطفوي مبيّنًا الفارق بين الطّحو والدّحو: "أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو بسط في الأرض أو على الأرض. لا مطلق الانبساط، فلا يقال اللَّه يطحى الرزق بين العباد، أو طحى الرحمة. وقد سبق في الدَّحي: أنّ الأصل فيه هو التمهيد وتسوية المكان، وهذا نوع من البسط، فإنّه بسطٌ في التمهيد والتسوية. ولعلّ الفارق هو حرف الطاء الدالّ على الإطباق والاستعلاء. فبين المادّتين اشتقاق أكبر، والطحي بمناسبة حرف الإطباق يدلّ على بسط وإطباق ليس في الدَّحي. وبمناسبة الأصل تطلق المادّة على مفاهيم: اللزق بالأرض، والافتراش على الأرض، والامتداد عليها، والاضطجاع فيها، وامتداد الرجلين، وغيرها"[8]. وذكر البعض أن المعنى المحوريّ للمادة هو: "انبساطٌ أو انفراشٌ لجرم الشيء بامتدادٍ من دفعٍ بضغطٍ شديد"[9].


 


[1] راجع: الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج4، ص356، الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص578.

[2] راجع: ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج15، ص5.

[3] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج3، ص277، الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص578.

[4] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج6، ص2411، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج15، ص4، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج4، ص356، الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج1، ص274.

[5] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص445.

[6] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص445.

[7] راجع: الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج10، ص358.

[8] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج7، ص63 - 64.

[9] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص1314.

 

169


149

الدرس العاشر: (ض - ط)

3- المعنى التفسيري:

ذكر عامّة المفسّرين أنّ ﴿طَحَاهَا﴾ بمعنى دحاها، أي بسطها[1]، وقيل: إن الطّاء مُبْدَلَة من الدّال، فالمعنى واحد[2]. "وقد اختلفت كلمة المفسرين في تفسير لفظة ما، فالأكثرون على أنها ما موصولة كناية عن اللّه سبحانه، وكأنه سبحانه يقول: والسماء والذي بناها، والأرض والذي طحاها، ونفس والذي سواها، والواو للقسم. وهناك من يذهب إلى أنها ما مصدرية[3]، وكأنه يقول: أقسم بالسماء وبنائها، والأرض وطحائها، والنفس وتسويتها, ولكن الرأي الأول هو الأقرب, لأن سياق الآية يؤيد ذلك، لأنه سبحانه يقول: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾، فالفاعل هو الضمير المستتر الراجع إلى ما الموصولة الواردة في الآيات الثلاث المتقدمة. والذي يصلح للفاعلية هو الموصول من ما لا المصدر"[4]. فإن قيل: إن كلمة ما مختصة بغير العاقل، قلنا: لا نسلّم بذلك، والدليل عليه، قوله - تعالى -: ﴿وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾[5]، ولا شكّ أن المراد ب (ما) هنا اللَّه - سبحانه وتعالى -[6].

 

بينما يرى البعض أن: "التعبير بكلمة ما: للدلالة على مطلق ما يكون سببًا أو وسيلة في تحصّل السماء على هيئة وصورة مخصوصة، مادّيّ أو روحانيّ. وما يكون


 


[1] راجع: الفيروزآبادي، تنوير المقباس، مصدر سابق، ص512، مجاهد، تفسير مجاهد، مصدر سابق، ج2، ص763، أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج2، ص300، الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج30، ص263 - 264، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج10، ص385، الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص517.

[2] راجع: ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج15، ص4، الرازي، تفسير الرازي، مصدر سابق، ج31، ص192، السبحاني، الشيخ جعفر، الأقسام في القرآن الكريم، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام، إيران - قم المشرّفة، 1420هـ.ق، ط1، ص168.

[3] راجع: المرتضى، الشريف علي بن الحسين، الأمالي، تصحيح وتعليق: السيد محمد بدر الدين النعساني الحلبي، منشورات مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي النجفي، 1325هـ.ق - 1907م، ط1، ج1، ص85.

[4] الشيخ السبحاني، الأقسام في القرآن الكريم، مصدر سابق، ص49.

[5] سورة الكافرون، الآيتان 3 - 5.

[6] راجع: الرازي، تفسير الرازي، مصدر سابق، ج12، ص155.

 

170


150

الدرس العاشر: (ض - ط)

موجبًا وسببًا في بسط الأرض فيها، ومن أيّ سبب كان. وإن كانت هذه الأسباب كلُّها ترجع إلى اللَّه مسبّب الأسباب. فيقسم اللَّه - تعالى - بالسماء والأرض وما يوجب تقديرهما وتصويرهما على هيئتهما وخصوصيّاتهما من علل وأسباب، كقوّة الجاذبة والدافعة والحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة وعوامل أخرى. ولا يراد من كلمة ما، الباني أو الطاحي الحقّ وهو اللَّه - تعالى -: فإنّ النظر إلى المخلوقات من جهة النورانيّة وانعكاس الضياء فيها شدّة وضعف، والى العالم الصغير وهو النفس، مضافًا إلى أنّ كلمة (ما) تستعمل في الموجودات العامّة من غير ذوي العقول"[1].

 

وقد كانت الأرض مغمورةً بالماء، ثم غاض في منخفضات الأرض، وبرزت اليابسة وانبسطت، وهذا ما يُعبّر عنه بالدحو أيضًا، ويقال: إن الأرض كانت في البداية ذات تعاريج ومنحدرات شديدة وحادّة غير قابلة للسكن، فأنزل اللَّه مطرًا شديدًا لمدة طويلة، سوّى بين هذه التعاريج، فأصبحت الأرض صالحة لمعيشة الإنسان[2]. "ويرى بعض المفسرين أن في الآية إشارة عابرة إلى حركة الأرض, لأن من معاني "الطحو" الدفع الذي يمكن أن يكون إشارة إلى حركة الأرض الانتقالية حول الشمس، أو إلى حركتها الوضعية حول نفسها، أو إلى الحركتين معًا"[3].


 


[1] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج7، ص64.

[2] راجع: الشيخ الشيرازي، الأمثل، مصدر سابق، ج20، ص235.

[3] الشيخ الشيرازي، الأمثل، مصدر سابق، ج20، ص235.

 

171


151

الدرس العاشر: (ض - ط)

 

المفاهيم الرئيسة

 

 

ضَنْكًا (ض ن ك)

- وردت هذه المفردة وحيدة في مادتها في القرآن، مرّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّة.

 

- أطبق اللغويون على أن الضنك هو الضيق. وقيل: هو الكسب الحرام.

 

- حقّق المصطفوي أن الأصل هو: "الشدّة في المضيقة مادّيّة أو معنويّة".

 

- اختلف المفسّرون في معنى الضنك إلى أقوال عديدة، منها: عذاب القبر، وعذاب النار، والشّقاء، والكسب الحرام.

 

ضِيزَى (ض ي ز)

- وردت هذه المفردة وحيدةً في مادتها في القرآن، مرّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّة.

 

- ذكر اللغويون في معنى الضَّيْز أنه: المنع، أو البخس والنّقص، أو الاعوجاج.

 

- ليس للمادّة مشتقّات أخرى سوى الضَّوْز على مبنىً: أي أكل التمر بجفاء وشدّة.

 

- جعل ابن فارس للمادة أصلين: أحدهما: نوعٌ من الأكل، والآخر: دالٌّ على اعوجاج.

 

- تمحورت كلمات المفسرين في معنى القسمة الضيزى حول معاني: العوج، والجور، والنقص، والفساد، وعدم الاستواء والاعتدال.

 

- إنّ اختيار مفردة (ضيزى) في هذا الموضع من باب إيثار القرآن لأغرب اللفظتين لا سيّما عند مراعاة الفواصل بين السور، كما يشهد به غير مورد منه.

 

172

 


152

الدرس العاشر: (ض - ط)

طَحاها (ط ح و - ط ح ا)

 

- وردت هذه المفردة وحيدةً في مادتها في القرآن، مرّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّة.

 

- أغلب اللغويين على أن الدَّحو شبه البسط، وقيل أنه: البُعد.

 

- من مشتقّات المادّة: الطَّحي من النّاس، أي: الأراذل, والطّاحي: الممتدّ.

 

- تمحورت كلماتهم في أصل المادة حول معنى البسط، وإن اختلفوا في بعض القيود.

 

- قيل في مقاربة معنى الدَّحو آراء عديدة، وقيل: أن في الآية إشارة إلى حركة الأرض.

 

 

173

 


153

الدرس الحادي عشر: (ظ - ع)

الدرس الحادي عشر

(ظ - ع)

 

 

أهداف الدرس

يتناول الدرس المفردات الآتية:

1- ظَعْنِكُم (ظ ع ن).

2- العُرْجون (ع ر ج ن).

3- عِزِين (ع ز و).

 

175


154

الدرس الحادي عشر: (ظ - ع)

ظَعْنِكُم (ظ ع ن)

 

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدةً في مادتها في القرآن الكريم، مرّة واحدة، في سورةٍ مكّيّة، في قوله - تعالى -: ﴿وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ﴾[1].

 

1- المعنى اللغوي:

ظَعَنَ يظْعُنُ ظَعْنًا وظُعونًا وظَعَنًا، وقُرِئ ﴿يَوْمَ ظَعْنِكُمْ﴾ بالتحريك[2]. ذكر اللغويون في معنى فعل الظَّعْن أنه: الشخوص من مكانٍ إلى مكان[3]، أو الخروج[4]، أو السَّيْر والذَّهاب[5]، أو الارتحال[6]. والظَّعْن: اسمٌ لجماعة الرجال أو النساء[7]،


 


[1] سورة النحل، الآية 80.

[2] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج2، ص88، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج6، ص2159، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج13، ص270.

[3] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج2، ص88، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص465.

[4] راجع: ابن قتيبة، غريب الحديث، مصدر سابق، ج1، ص286.

[5] راجع: ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج3، ص37 (نقله عن ابن السكيت)، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج6، ص2159، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج13، ص270، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج4، ص245.

[6] راجع: أبو هلال العسكري، الفروق اللغوية، مصدر سابق، ص340، الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج6، ص278.

[7] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج2، ص88.

 

177


155

الدرس الحادي عشر: (ظ - ع)

وهو جمعٌ للظَّعينة: وهي "المرأة، سُمِّيَت به لأنها تَظْعَنُ إذا ظَعَنَ زوجها، وتُقيم إذا أقام. ويُقال: لا بل الظعينة الجمل الذي يعتمل ويركب، وسميت ظعينة, لأنها راكبتُه"[1]. ويُقال: الظعينة: الهودج، سُمِّي بذلك, لأنه يُظْعَن به[2]، وسُمِّيَت المرأة ظعينة, لأنها تكون فيه[3]. ومن بعدها سمِّي الهودج بذلك سواء كان فيه امرأة أم لا[4]. ولا تسمّى المرأة ظعينة إلا إذا كانت في الهودج[5]، لكن عن البعض أن ذلك كَثُر حتى سُمِّيَت كلُّ امرأةٍ ظعينة[6]. وتُجمعُ الظعينة أيضًا على: ظُعُن وظَعائن وأظْعان[7].

 

ومن مشتقّات المادّة: الظَّعون: وهو البعير الذي يُعْتَمل ويُحْمَل عليه[8], والظِّعان: وهو الحبل الذي يُشَدُّ به الهودج[9].

 

والأصل في المادّة بحسب ابن فارس يدلّ على الشخوص من مكانٍ إلى مكانٍ، ورَجّح أن يكون معنى الظعينة الهودج على أن يكون المرأة, لأنّ الهودج من أدوات الرحيل، ولأجل ذلك أطلق الظِّعان على الحبل الذي يُشَدُّ به الهودج[10].

 

وحقّق الشيخ المصطفوي: "أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو ما يقابل الإقامة، ويدلّ


 


[1] الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج2، ص88.

[2] راجع: ابن قتيبة، غريب الحديث، مصدر سابق، ج1، ص286 (نقله عن الأصمعي).

[3] راجع: ابن قتيبة، غريب الحديث، مصدر سابق، ج1، ص286.

[4] راجع: ابن قتيبة، غريب الحديث، مصدر سابق، ج1، ص286 (نقله عن أبي زيد)، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج6، ص2159، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص465.

[5] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج6، ص2159.

[6] راجع: أبو هلال العسكري، الفروق اللغوية، مصدر سابق، ص340.

[7] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج6، ص2159.

[8] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج6، ص2160(نقله عن الكسائي)، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج4، ص245.

[9] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج6، ص2160، أبو هلال العسكري، الفروق اللغوية، مصدر سابق، ص340.

[10] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، ص465.

 

178


156

الدرس الحادي عشر: (ظ - ع)

على مطلق رحلة من مكان. والفرق بينها وبين الرحل والسفر والسير والسري: أنّ الرحل يلاحظ فيه الانتقال من مكان إلى مكان معيّن منظور. والسفر يلاحظ فيه الخروج من مكان محدود معيّن إلى خارج مع الحركة والسير. والسير: يلاحظ فيه الحركة والذهاب مادّيًّا ومطلقًا. والسَّرْي: يلاحظ فيه الحركة في سرّ وخفاء. ويلاحظ في الظعن جهة الخروج من محلّ إقامة من حيث هو من دون نظر إلى جهات أخرى"[1]. ويرى صاحب المعجم الاشتقاقي أن المعنى المحوريّ للمادة: "انتقال أهل البادية فيها من ناحية إلى أخرى بعيدة"، وأن معاني الظعينة الثلاثة التي ذكرها اللغويون: الجمل والمرأة والهودج، تطوُّرٌ بالتخصيص. و"صوتيًّا: تعبِّر الظاء عن غلظ وكثافة - أو نفاذٍ كذلك، والعين عن التحامٍ على رقّة. والنون عن امتدادٍ بلطْفٍ في جوْف، والتركيب منهن يعبّر عن انتقال (امتداد) في أثناء شيءٍ ذي تجمّع ما - كالظَّعن، وهو انتقال الجماعة أو الرجل بأهله وأمتعته خلال طريقٍ طويلٍ: صحراء غالباً"[2].

 

2- المعنى التفسيريّ:

أطبق المفسّرون على أن المراد بالظَّعن في الآية: الارتحال، أو السفر، أو السّير، أو الشخوص، ونحوها مما يفيد ذات المعنى، بلا خلافٍ يُذكر، وذلك للمقابلة الصريحة بين الظَّعن والإقامة في الآية الكريمة[3]. وخصّصه البعض بسير أهل البادية في الانتجاع:


 


[1] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج7، ص162.

[2] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص1362.

[3] راجع: مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج2، ص232، القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج1، ص388، الرازي، ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد، تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن أبي حاتم)، تحقيق: أسعد محمد الطبيب، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لا.ت، لا.ط، ج7، ص2295، النحاس، معاني القرآن، مصدر سابق، ج4، ص96، الثعلبي، تفسير الثعلبي، مصدر سابق، ج6، ص34، الواحدي، غرائب القرآن، مصدر سابق، ج1، ص615، السمعاني، تفسير السمعاني، مصدر سابق، ج3، ص192، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج6، ص411، الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص535.

 

179


157

الدرس الحادي عشر: (ظ - ع)

وهو طلب الكلأ ومساقط الغيث، وتحوّلهم من موضع إلى موضع[1]. و"ذِكْرُ اليوم وإضافتُه إلى الظعن يدلّ على أنّ الظعن يُلاحظ فيه ابتداءُ السَّير"[2].

 

وقد قُرِئت مفردة (ظَعنكم) بنصب العين وتسكينها[3]، وهما لغتان، مثل: نَهَر ونَهْر، وسَمَع وسَمْع[4]، فقرأه ابن عامر والكوفيون بتسكين العين، والباقون بفتحها معلّلين بأنها أشهر اللغتين وأفصحهما[5].

 

وسياق الآيات في مقام ذكر النّعم التي أنعم اللَّه بها على الإنسان، والآية مورد المفردة تشير إلى نعمة المسكن، وأن اللَّه أنعم على الإنسان بنوعين من المساكن:

الأول: البيوت المتخذة من الخشب والطين والآلات التي بها يمكن تسقيف البيوت، وهذا القسم من البيوت لا يمكن نقله، بل الإنسان ينتقل إليه، وقد أشار إليه -تعالى- في قوله: ﴿وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا﴾.

 

الثاني: القباب والخيام والفساطيط، وهذا النوع من البيوت يمكن نقله وتحويله من مكان إلى مكان، ويخفُّ حملها على الإنسان، وإليه أشار - تعالى - بقوله: ﴿وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ﴾[6].


 


[1] راجع: ابن أبي حاتم الرازي، تفسير القرآن العظيم، مصدر سابق، ج7، ص2295، القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مصدر سابق، ج10، ص153، الرازي، تفسير الرازي، مصدر سابق، ج20، ص92.

[2] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج7، ص162.

[3] راجع: ابن خالويه، الحسين بن أحمد، الحجة في القراءات السبع، تحقيق وشرح: الدكتور عبد العال سالم مكرم، دار الشروف، لبنان - بيروت، 1971م، لا.ط، ص187.

[4] راجع: الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج6، ص411، العكبري، أبو البقاء عبد اللَّه بن حسين، التبيان في إعراب القرآن، بيت الأفكار الدولية، عمان - الرياض، لا.ت، ط1، ص232، القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، مصدر سابق، ج14، ص6.

[5] راجع: الثعلبي، تفسير الثعلبي، مصدر سابق، ج6، ص34.

[6] راجع: الرازي، تفسير الرازي، مصدر سابق، ج20، ص92، الشيخ مغنية، التفسير الكاشف، مصدر سابق، ج4، ص538.

 

180


158

الدرس الحادي عشر: (ظ - ع)

العُرْجون (ع ر ج ن)

 

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدةً في مادّتها في القرآن الكريم، مرّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّة، في قوله - تعالى -: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾[1].

 

2- المعنى اللغوي:

ذكر اللغويون في معنى العرجون أنه: أصل عذق النخلة الذي يَعْوَجُّ وتقطع منه الشماريخ فيبقى على النخل يابسًا، وهو أصفر عريض يشبه الهلال إذا انمحق[2]، وبالتحديد هو: "ما فوق شماريخ عذق[3] التمر إلى النخلة"[4]. ويُجمع على عراجين[5]، كما قد يُسمّى بالإهان، وجمعه: أهن[6]، وقد يسمّى بالعُرْجود والعُرْهون والعُرْجُد[7]. ويطلق العرجون على ضربٍ من الكمأة قدر شبر أو دون ذلك، وهو نوعٌ من الفطر على ما يُعرف في أيامنا، لونه أبيض، وينتؤ من الأرض مستديرًا على شكل طابةٍ صغيرة. كما يُطلق العرجون على الطّريد[8]. والعرجنة تصوير عراجين النخل، تقول للشيء معرجن، أي صورته كصورة عرجون النّخل[9]. وعرجنه: ضربه بالعرجون[10].


 


[1] سورة يس، الآية 39.

[2] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج2، ص320، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج6، ص2164.

[3] عِذق التّمر هو كعنقود العنب بالنسبة للنخلة، يتصل بها عبر العرجون، وتتّصل حبّات التمر بالعرجون عبر الشماريخ، راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج4، ص94.

[4] الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج4، ص94.

[5] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج2، ص320.

[6] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج4، ص94، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج5، ص2076.

[7] راجع: ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج13، ص248 (نقله عن أبي عمرو)، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج1، ص314.

[8] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج2، ص502.

[9] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج2، ص320.

[10] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج6، ص2164.

 

181


159

الدرس الحادي عشر: (ظ - ع)

واختُلف في مادة عرجون، فمنهم من ذهب إلى أنها (ع ر ج ن) وجعلها مادّة قائمة بذاتها وإن كانت فروعها قليلة جدًّا[1], ومنهم من جعلها اسمًا لعذق النخل لا يُقاس عليه كما قد يُفهم من ابن فارس الذي لم يُفرِد للعرجون أصلًا وإنما ذكره تحت أصل (أ ه ن) قائلًا: "الهمزة والهاء والنون كلمة واحدة لا يقاس عليها. قال الخليل: الإهان العرجون وهو ما فوق شماريخ عذق التمر إلى النخلة"[2], ومنهم من ردّها إلى (ع ر ج) من العرج بمناسبة الاعوجاج[3]. واستدلّ ابن سِيدَه على المذهب الأوّل بقول رؤبة:(في خِدْرِ مَيَّاسِ الدُّمَى مُعَرْجَنِ)، وهو يريد معنى الانعراج، فلو كان أصل العرجون من العرج، ولم تكن النون من أصله، لقال: معرّجِ. ولولا بيت رؤبة هذا لكان القياس على أَن تكون نون عُرْجون زائدة كزيادتها في زَيتون[4]. وحقّق المصطفوي أنه اسمٌ ثلاثيٌّ مزيد مشتقّ من مادّة (ع ر ج)، والزيادة تدلّ على الامتداد والدّقة بوجود حرف المدّ (الواو) واللين (النون)[5].

 

وكيف كان فالأصل فيه بحسب المصطفوي: "ما يكون في مرتفع وعلى محلّ رفيع، متّصلاً به ظاهراً وهو منفصل في الحقيقة. كالعود اليابس على مرتفع النخل، والعذق اليابس المعوّج"[6]. وذكر صاحب المعجم الاشتقاقي تحت عنوان(عرجن) أن المعنى المحوريّ للمادة: "ما يتدلّى من النخل تتفرّع منه عثاكيل تحمل ثمره"[7].


 


[1] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج2، ص320، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج6، ص2164، الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص558، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج13، ص284(نقله عن ابن سِيدَه).

[2] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج1، ص151.

[3] راجع: الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص620، الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج2، ص316.

[4] راجع: ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج13، ص284 (نقله عن ابن سِيدَه).

[5] راجع: الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج8، ص81.

[6] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج8، ص81.

[7] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص1443.

 

182


160

الدرس الحادي عشر: (ظ - ع)

3- المعنى التفسيريّ:

أجمعت كلمات قدامى المفسرين على أن معنى العرجون هو أصل عذق النخلة الذي تقدّم في كلمات أهل اللغة[1]. ولا بدّ من تقدير مضاف في الآية نحو: قدّرناه ذا منازل أو في منازل, لأنه لا معنى لتقدير نفس القمر منازل[2]. ومنازل القمر ثمانية وعشرون[3]، لا اختلاف في ذلك[4]، "ينزل القمر كل ليلة في واحد منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه، على تقدير مستوٍ، لا يتفاوت، يسيرُ فيها من ليلة المستهل إلى الثامنة والعشرين، ثم يستتر ليلتين أو ليلة إذا نقص الشهر... فإذا كان في آخر منازله دق واستقوس"[5]. وتشبيه القمر بالعرجون القديم من وجوه: الدّقّة، والانحناء أو التقوّس، والاصفرار[6]، و"كونه في وسط دائرة مظلمة تكون في حالة العرجون منسوبة إلى سعف النخل الأخضر، وبالنسبة للهلال منسوبة إلى السماء المظلمة"[7]. وأما وصفه بالقديم، فذكر البعض أن القديم لا يقلّ عن


 


[1] راجع: الفيروزآبادي، تنوير المقباس، مصدر سابق، ص371، مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج3، ص87، أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج2، ص161، الصنعاني، تفسير الصنعاني، مصدر سابق، ج3، ص141، الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج23، ص9 - 10، القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج2، ص215، النحاس، معاني القرآن، مصدر سابق، ج5، ص459، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج8، ص459. 

[2] راجع: الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ج3، ص323، العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج17، ص90.

[3] وهي: الشرطان، البطين، الثريا، الدبران، الهقعة، الهنعة، الذرائع، النثرة، الطرف، الجبهة، الزبرة، الصرفة العوا، السماك، الغفر، الزباني، الإكليل، القلب، الشولة، النعائم، البلدة، سعد الذابح، سعد بلع، سعد السعود، سعد الأخبية، فرغ الدلو المقدم، فرغ الدلو المؤخر، الرشا. راجع: الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ج3، ص323.

[4] راجع: المرزوقي، الأزمنة والأمكنة، مصدر سابق، ص136.

[5] الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ج3، ص323.

[6] راجع: الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ج3، ص323.

[7] الشيخ الشيرازي، الأمثل، مصدر سابق، ج14، ص189.

 

183


161

الدرس الحادي عشر: (ظ - ع)

الحول[1]، وآخر أنه تابعٌ للعرف والعادة، وأنه أمرٌ نسبيّ، فيُقال للّباس مثلًا قديم إذا مرّ عليه سنة، ولا يُقال ذلك للمدينة إذا مرّ على بنائها سنة[2]. وفي مصادرنا الروائيّة الشريفة أن الإمام الرضا عليه السلام سأله أحد المعاندين: "رَجُلٌ قَالَ عِنْدَ مَوْتِه كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي قَدِيمٍ فَهُوَ حُرٌّ لِوَجْه اللَّه. قَالَ عليه السلام: نَعَمْ إِنَّ اللَّه عَزَّ ذِكْرُه يَقُولُ فِي كِتَابِه: ﴿حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾ فَمَا كَانَ مِنْ مَمَالِيكِه أَتَى عَلَيْه سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَهُوَ قَدِيمٌ وهُوَ حُرٌّ"[3]. وذكر الشيخ المفيد قصّة شبيهة قضى فيها أمير المؤمنين عليه السلام بنفس المدّة[4]، وأفتى المفيد (قده) على أساسها في كتبه[5]. والثابت أن بين العرجون القديم والعرجون الجديد في النخلة ستة أشهر[6]، وقيل: يصبح العرجون على شكل الهلال بعد ستة أشهر من أخذ الثمرة منه[7].


 


[1] راجع: الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ج3، ص323.

[2] راجع: الرازي، تفسير الرازي، مصدر سابق، ج26، ص72 - 73.

[3] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص195، الصدوق، الشيخ محمد بن علي، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم المشرّفة، 1414هـ.ق، ط2، ج3، ص155، الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلامية، إيران - طهران، 1364هـ.ش، ط3، ج8، ص231.

[4] راجع: الشيخ المفيد، الإرشاد، مصدر سابق، ج1، ص221.

[5] راجع: المفيد، الشيخ محمد بن محمد، المقنعة، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم المشرّفة، 1410هـ.ق، ط2، ج1، ص221، المفيد، الشيخ محمد بن محمد بن النعمان، العويص، تحقيق: الشيخ محسن احمدي، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414هـ.ق - 1993م، ط2، ص50.

[6] راجع: الطوسي، ابن حمزة محمد بن علي، الثاقب في المناقب، تحقيق: نبيل رضا علوان، مؤسّسة أنصاريان للطباعة والنشر، إيران - قم المشرّفة، 1412هـ.ق، ط2، ص444.

[7] راجع: قطب الدين الراوندي، سعيد بن هبة اللّه، فقه القرآن، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، مكتبة آية اللّه العظمى النجفي المرعشي، إيران - قم المشرّفة، 1405هـ.ق، ط2، ج2، ص210.

 

184


162

الدرس الحادي عشر: (ظ - ع)

عِزِين (ع ز و)

 

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدةً في مادتها في القرآن الكريم، مرَّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّة، في قوله - تعالى -: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ﴾[1].

 

2- المعنى اللغوي:

اختُلِف في مادّة (عِزين)، فمنهم من جعلها بالألف الطويلة (ع ز ا)[2]، ومنهم من احتملها بالواو والياء[3]، والمدقّقون على أنها بالواو (ع ز و)[4]، ويمكن تجاوز الخلاف بما عبّر به ابن فارس: "العين والزاء والحرف المعتل أصل صحيح يدل على..."[5].

 

و (عِزين) هي جمع عِزَة، والأصل في مفردها: عِزْو، نحو: مِلْح، إلا أنهم حذفوا من المفرد اللام وهي الواو وعوّضوا عنها هاء التأنيث، فأصبح: عِزَة، فلما أرادوا جمعه، جعلوه من جمع التكسير المحمول على جمع المذكّر السالم، من حيث ختمه بالواو والنون رفعًا (عِزون)، وبالياء والنون نصبًا وجرًّا (عِزين)، ليكون ذلك جبرًا لما


 


[1] سورة المعارج، الآية 37.

[2] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج6، ص2425، الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج1، ص290.

[3] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج2، ص205، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج6، ص2425، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج4، ص309.

[4] راجع: الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص629، ابن الأثير، النهاية، مصدر سابق، ج3، ص233، ص255، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج13، ص278، الأنصاري، ابن هشام جمال الدين بن يوسف، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، تعليق وترتيب: عبد المتعال الصعيدي، دار الأدب العربي للطباعة، مصر - القاهرة، 1375هـ.ق - 1956م، ط2، ص14، الأنصاري، ابن هشام جمال الدين بن يوسف، شرح قطر الندى وبل الصدى، المكتبة التجارية الكبرى، مصر - القاهرة، ربيع الثاني 1383هـ.ق - أغسطس 1963م، ط11، ص50، الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج8، ص123.

[5] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج4، ص309.

 

185


163

الدرس الحادي عشر: (ظ - ع)

فاته من حذف اللام، ومن نظائره: عِضَة مفردُ عِضون وعِضين[1]، وقد وردت في قوله - تعالى -: ﴿الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ﴾[2]، أي: عِضَةً عِضَةً، تفرّقوا فيه، فآمنوا ببعضه وكفروا ببعض[3]. ومن لطيف ما يُقال: "أُمروا أن يكونوا للرسول مُعِزِّين فكانوا عليه عزين، وأن يجعلوا القرآن عِظاتٍ فجعلوه عضين"[4]. وقد تُجمع العِزَة على: عِزى وعُزون بضمّ العين[5].

 

وكيف كان فقد ذكر اللغويون في معنى العِزَة أنها: العصبة أو الفرقة من الناس فوق الحلقة[6]، أو الجماعات[7]، أو الحلقة المجتمعة من الناس[8]، وعن الأصمعي: "يُقال: في الدار عزون، أي أصناف من الناس"[9]. وفي المجمع: "قوله - تعالى -: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ﴾ أي: جماعات متفرقة فرقة فرقة... كان كل فرقة تُعزى إلى غير من تُعزى إليه الأخرى، وكانوا يحدقون بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يستمعون كلامه ويستهزؤون ويقولون: إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد دخلناها قبلهم"[10].


 


[1] راجع: ابن هشام الأنصاري، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، مصدر سابق، ص14، ابن هشام الأنصاري، شرح قطر الندى وبل الصدى، مصدر سابق، ص50.

[2] سورة الحجر، الآية 91.

[3] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج2، ص193، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج4، ص374.

[4] الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص638.

[5] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج6، ص2425.

[6] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج2، ص205، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج6، ص2425.

[7] راجع: ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج4، ص185، الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص629.

[8] راجع: ابن الأثير، النهاية، مصدر سابق، ج3، ص233.

[9] الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج6، ص2425.

[10] الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج1، ص290.

 

186


164

الدرس الحادي عشر: (ظ - ع)

ومن مشتقّات المادّة: العزاء: وهو معروف, والعِزْوَة: انتماء الرجل إلى قومه، يُقال: عزوته إلى أبيه وعزيته فاعتزى هو وتعزّى، أي انتمى وانتسب، ومنه الاعتزاء: أي الانتساب في الحرب، يقول: أنا فلانٌ بن فلان، وفيه حديث النهي عن التعزِّي بعزاء الجاهلية[1].

 

وهذا المعنى الأخير هو الذي ركّز عليه ابن فارس ليجعل الأصل في المادّة يدلّ على الانتماء والاتّصال، وإليه ترجع التعزية، فهي من التأسي بالغير، وعزّى فلانٌ فلانًا، أي قال له: انظر إلى غيرك ومن أصابه مثل ما أصابك[2]. وحقّق المصطفوي: "أنّ المادّة واويّة ويائيّة. فالأصل في الواويّة هو النسبة إلى شيء. وفي اليائيّة هو التصبّر على مصيبة تصيبه. وقد يختلط المفهومان في المادّتين، ويستعمل كلّ منهما في الأخرى. ولا يخفى التناسب بين المادّتين لفظاً ومعنى: فإنّ التصبّر والتعزّي راجعٌ إلى إظهار مشاركةٍ وتقرّبٍ من الَّذى أصابته مصيبة...، فمجلس العزاء هو الشركة في إظهار التألُّم. وحرف الياء يناسب كون التناسب والتقرّب في جهة مصيبة وتألُّم. فالعزو واويّا بمعنى النسبة إلى شيء تقرّبًا منه أو مباهاة أو غيرها...، وأمّا العزوة والعزة: فالعزة أصلها عِزْو كمِلْح، صفة، ثمّ حذفت الواو وأبدلت عنها الهاء فقيل: عِزَة بمعنى ما اتّصف بذي نسبة، وجُمعت بجمع المصحّح فقيل: عزون، بمعنى المتصفين بكونهم ذوي نسبة... فيلاحظ في العزة والعزين: جهة الانتساب والتقرّب"[3]. وعبّر صاحب المعجم الاشتقاقي عن الأصل بأنه: "ربطُ الشيء شديدًا بالآخر" ومنه علاقة النسب الشديدة والقوية في العَزْو والاعتزاء، ومنه التماسك والاتّصال المتميّز عن غيره في العِزَة، ومنه العزاء بمناسبة التماسك والتقوّي على المصيبة[4].


 


[1] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج2، ص205، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج6، ص2425.

[2] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج4، ص309 - 310.

[3] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج8، ص123 - 124.

[4] راجع: جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص1456.

 

187


165

الدرس الحادي عشر: (ظ - ع)

3- المعنى التفسيري:

هذه المفردة من المفردات التي وردت في أسئلة نافع بن الأزرق لابن عباس، وقد أجابه بأنّ معناها: الحلق الرقاق واستشهد عليها ببيت من الشعر الجاهلي[1]، وعنه في التنوير أن معنى عزين: حلقًا حلقًا[2]. وذكر المفسرون القدامى في معناها أيضًا: "حلقاً حلقاً جلوساً لا يدنون من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فينتفعون بمجلسه"[3], و"جماعاتٍ في تفرقة"[4]، و "العصب من الناس عن يمين وشمال، معرضين عنه، يستهزئون به"[5]، و"المجلس الذي فيه الثلاثة والأربعة، والمجالس الثلاثة والأربعة أولئك العزون"[6]. وفي الحديث: "دخل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم المسجد فرآهم عزين حلقًا فقال: ما لي أراكم عزين حلقًا كحلق الجاهلية"[7]. والآية تشير إلى فئة من المشركين كانوا يجتمعون عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويستهزئون به وبأصحابه ويقولون لئن دخل هؤلاء الجنة فلندخلنها قبلهم، ولذلك أجابهم: ﴿أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ﴾[8]. وفي تفسير القمي: "(عزين) أي قعود"[9]. وعن الشيخ المفيد: "أحاطوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وجعلوا مجالسهم منه عن يمينه وشماله، ليلبسوا بذلك على المؤمنين"[10].


 


[1] راجع: السيوطي، الإتقان، مصدر سابق، ج1، ص348.

[2] راجع: الفيروزآبادي، تنوير المقباس، مصدر سابق، ص486.

[3] مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج3، ص400.

[4] أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج2، ص270، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج10، ص127.

[5] الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج29، ص105(نقله عن ابن عباس).

[6] الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج29، ص106(نقله عن ابن زيد).

[7] الصنعاني، تفسير لصنعاني، مصدر سابق، ج3، ص317، الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج29، ص106 - 107.

[8] راجع: الثعلبي، تفسير الثعلبي، مصدر سابق، ج10، ص41، النيسابوري، غرائب القرآن، مصدر سابق، ج3، ص1134.

[9] القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج2، ص386.

[10] المفيد، الشيخ محمد بن محمد بن النعمان، تفسير القرآن المجيد، تحقيق: السيد محمد علي أيازي، مؤسّسة بوستان كتاب قم(مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي)، إيران - قم المشرّفة، 1424هـ.ق - 1382هـ.ش، ط1، ص103.

 

188


166

الدرس الحادي عشر: (ظ - ع)

وذكروا في سبب إطلاق لفظ (عزين) عليهم: أنه من الاعتزاء، "كأن كلّ فرقةٍ تعتزي إلى غير من تعتزي إليه الأخرى فهم مفترقون"[1]، أو لأنّ "كل جماعة يرتبط أفرادها بعضهم ببعض بنسبة معينة: أو يهدفون إلى غرض معين"[2]. وأكّد المصطفوي على "أنّ العزة ليست بمعنى الجماعة والفرقة والصنف والحلقة والمتفرقة، بل الجماعة بلحاظ انتسابهم واتّصافهم بالنسبة. وهذا وجه انتخاب الكلمة دون نظائرها"[3]. وقد يقال: إنّ انتخاب المفردة يرجع إلى مراعاة الرويّ في الآيات.

 


[1] الزمخشري، الكشاف، مصدر سابق، ج4، ص160.

[2] الشيخ الشيرزاي، الأمثل، مصدر سابق، ج19، ص33.

[3] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج8، ص124.

 

189


167

الدرس الحادي عشر: (ظ - ع)

المفاهيم الرئيسة

 

 

ظَعْنِكُم (ظ ع ن)

- وردت هذه المفردة وحيدةً في مادتها في القرآن، مرّة واحدة، في سورةٍ مكّيّة.

 

- ذكر اللغويون في معنى فعل الظَّعْن أنه: الشخوص من مكانٍ إلى مكان.

 

- من مشتقّات المادّة: الظَّعون: وهو البعير الذي يُحْمَل عليه.

 

- تمحورت كلماتهم في أصل المادّة حول معنى الانتقال والشخوص من مكانٍ لآخر.

 

- أطبق المفسّرون على أن المراد بالظَّعن في الآية: الارتحال، ونحوه مما يفيد ذات المعنى.

 

العُرْجون (ع ر ج ن)

- وردت هذه المفردة وحيدةً في مادّتها في القرآن، مرّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّة.

 

- ذكر اللغويون في معنى العرجون أنه: أصل عذق النخلة الذي يَعْوَجُّ وتقطع منه الشماريخ فيبقى على النخل يابسًا، وهو أصفر عريض يشبه الهلال إذا انمحق.

 

- اختلف في مادّة عرجون لجهة كونها رباعيّة أو ثلاثيّة، فعلى كونها رباعيّة ففروعها قليلة جدًّا، وعلى كونها ثلاثيّة ردّوها إلى العرج بمناسبة الاعوجاج.

 

- تشبيه القمر بالعرجون القديم من وجوه: الدّقّة، والانحناء أو التقوّس، والاصفرار. ووصفه بالقديم ذُكِرت له محدّدات في الروايات كستة أشهر، وهي المدّة التي يحتاجها العرجون ليصير على شكل هلال.

 

 

190


168

الدرس الحادي عشر: (ظ - ع)

عِزِين (ع ز و)

 

- وردت هذه المفردة وحيدةً في مادتها في القرآن، مرَّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّة.

 

- (عِزين) هي جمع عِزَة، ومعناها: العصبة أو الفرقة من الناس فوق الحلقة.

 

- من مشتقّات المادّة: العزاء: وهو معروف, والعِزْوَة: انتماء الرجل إلى قومه.

 

- تمحورت كلماتهم في أصل المادة حول معاني الانتماء والنسبة.

 

- تحوم كلمات المفسرين في المفردة حول معنى الحلقات المتفرّقة من الناس المحيطة بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والتي تنتسب كل حلقة منهم إلى جهة.

 

191

 


169

الدرس الثاني عشر: (غ - ف)

الدرس الثاني عشر

(غ - ف)

 

 

 

أهداف الدرس

يتناول هذا الدرس المفردات الآتية:

1- غَوْلٌ (غ و ل).

2- فَتِيلًا (ف ت ل).

3- فارِضٌ (ف ر ض).

 

193


170

الدرس الثاني عشر: (غ - ف)

غَوْلٌ (غ و ل)

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدةً في مادتها في القرآن الكريم، مرّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّة، في قوله - تعالى -: ﴿يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ * بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ * لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ﴾[1].

 

2- المعنى اللغوي:

وذكر اللغويون الذين تعرّضوا للآية الكريمة أنّ معنى الغَوْل فيها: "الشرّ وذهاب العقل"[2]، أو "ليس فيها غائلة الصُّداع, لأنّه قال - عزّ وجلّ - في موضعٍ آخر: ﴿لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا﴾"[3].[4] وبعيدًا عن الآية ذكر اللغويون في معنى الغَوْل أنه: الصُّداع[5]، يُقال: "غالَتْهُ الخمر تغولُه غَوْلًا، إذا شربها فذهبت بعقله"[6], وأنّه: "بُعْدُ المفازة، لاغتيالها سير القوم"[7]، يُقال: "هوّن اللّه عليك غَوْل هذا الطريق"[8], وأنّه: الموت[9], وأنه: كلُّ ما أهلك الإنسانَ[10], وأنّه: الذهاب بالشيء، مِنْ غالَ الشيء يغوله


 


[1] سورة الصافات، الآيات 45 – 47.

[2] ابن الأنباري، الزاهر، مصدر سابق، ص598.

[3] سورة الواقعة، الآية 19.

[4] الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج5، ص1786. وراجع: ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج1، ص74.

[5] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج4، ص447.

[6] الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج4، ص447.

[7] الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج4، ص447. وراجع: ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج3، ص115.

[8] ابن سلام، غريب الحديث، مصدر سابق، ج4، ص42، المرزوقي، الأزمنة والأمكنة، مصدر سابق، ص369.

[9] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج4، ص447.

[10] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج5، ص1786، الثعالبي، فقه اللغة، مصدر سابق، ص26.

 

195


171

الدرس الثاني عشر: (غ - ف)

غَوْلًا[1]، "ويُقال: الغضب غول الحلم، أي يغتاله ويذهب به"[2].

 

ومن مشتقات المادة: الغُول: وعرفها العرب بالسعلاة وجمعها السّعالي، وهي عند العرب ساحرة الجن، والجمع أغوال وغيلان[3]. وقيل: "إنّما سميت الغول التي تغول في الفلوات غولًا، لما توصله إلى الناس من الشر، ويقال: إنما سميت غولًا لتلوّنها، واختلاف أحوالها"[4]. وقيل لأنها تغتال المرء، أي: تُتَيِّهه وتأخذه من حيث لا يدري[5]. ومن المشتقّات: الغيلة، أي: الاغتيال المعروف, والغائلة: فعل المغتال, والمغاولة: المبادرة في الشيء, وهي كثيرة فراجعها[6].

 

والأصل في المادّة بحسب ابن فارس: يدلّ على ختل وأخذ من حيث لا يدري، ولم يُشر إلى الغَوْل في الآية ولا إلى معاني الصّداع وذهاب العقل[7]. وحقّق المصطفوي: "أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو الشرّ النافذ في شيء، ومن مصاديقه: ما في سعة المفازة وبعدها. وما يُتوهّم ويُتخيّل في حيوان موهوم في الأمكنة المخوفة. وما ينفذ في العقل ويذهب به... والغضب النافذ في حالة التحلُّم. وما يوجب فساداً أو خطراً. وبينها وبين الموادّ: الغور، الغوص، الغوط، الغوى: اشتقاق أكبر، وباختلاف الحروف


 


[1] راجع: ابن سلام، غريب الحديث، مصدر سابق، ج4، ص43.

[2] الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج5، ص1786.

[3] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج4، ص447، ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج4، ص189، ج5، ص5، ابن الأثير، النهاية، مصدر سابق، ج2، ص369، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج6، ص113.

[4] ابن الأنباري، الزاهر، مصدر سابق، ص598 - 599. وراجع: ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج5، ص5، ابن الأثير، النهاية، مصدر سابق، ج3، ص396.

[5] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج4، ص447، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج4، ص402.

[6] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج4، ص447، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج5، ص1786، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج4، ص402، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج11، ص507، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج4، ص27، الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج5، ص437 - 438.

[7] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج4، ص402.

 

196


172

الدرس الثاني عشر: (غ - ف)

الأواخر يختلف المعاني"[1].

 

وفي المعجم الاشتقاقي: "المعنى المحوريّ: أخذٌ بإخفاءٍ في العُمْق أو الباطن بحدّةٍ واستبقاء (أي منعٍ من العَوْد)... ومنه: (لا فيها غول...) أي سُكْرٌ (يغتال عقل الشارب)"[2].

 

3- المعنى التفسيري:

وردت هذه المفردة في أسئلة نافع بن الأزرق لابن عباس، وقد أجابه بأن المقصود منها عدم وجود نَتَنٍ ولا كراهيةٍ في خمر الجنة كما هو حال خمر الدنيا[3]. واختلفت كلمات المفسرين القدامى في معنى المفردة بين: الصُّداع[4]، والإثم[5]، ووجع البطن[6]، واغتيال العقل[7]، والفساد[8]. ولكلٍّ من هذه الأقوال وجهٌ، إلا أنه يمكن جمعها تحت عنوان مطلق الفساد والأذى في العقل والجسم، باعتبار أن من معاني الغول في اللغة كل شرٍّ وأذىً[9]. وقال الراغب: " ﴿فِيهَا غَوْلٌ﴾, نفيًا لكلّ ما نبّه عليه بقوله: ﴿وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾[10]، وبقوله: ﴿رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾[11].


 


[1] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج7، ص285.

[2] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص1601.

[3] راجع: السيوطي، الإتقان، مصدر سابق، ج1، ص352.

[4] راجع: مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج3، ص98.

[5] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج23، ص65.

[6] راجع: الثوري، سفيان بن سعيد، تفسير الثوري، مراجعة وتدقيق: لجنة من العلماء، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1403هـ.ق، ط1، ص252.

[7] راجع: أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج2، ص169، الصنعاني، تفسير الصنعاني، مصدر سابق، ج3، ص148.

[8] راجع: القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج2، ص222، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج8، ص495.

[9] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج23، ص64 - 65، الزمخشري، الكشاف، مصدر سابق، ج3، ص340.

[10] سورة البقرة، الآية 219.

[11] سورة المائدة، الآية 90.

 

197


173

الدرس الثاني عشر: (غ - ف)

وقوله: ﴿وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ﴾: أي لا يسكرون بسببها، أفرده بالذّكر لأنه أعظم المفاسد[1].

 

 

فَتِيلًا (ف ت ل)

 

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدةً في مادّتها في القرآن الكريم، 3 مرّات، مرّتين منهما في موضعٍ واحدٍ من سورةٍ مدنيّة، ومرّة واحدة في سورةٍ مكّيّة، كلّها بنفس السياق والمعنى، في أقواله - تعالى -:

- ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾[2].

 

- ﴿قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾[3].

 

- ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾[4].

 

2- المعنى اللغوي:

ذكر اللغويون في معنى الفتيل أنه: سحاةٌ في شقّ النواة[5]، أو هو الذي في بطن النّواة[6]، أو هو ما تفتله بين إصبعيك من الوسخ[7], أو حبْلٌ دقيقٌ يُشَدُّ على العنان[8].


 


[1] الزمخشري، الكشاف، مصدر سابق، ج3، ص340.

[2] سورة النساء، الآية 49.

[3] سورة النساء، الآية 77.

[4] سورة الإسراء، الآية 71.

[5] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج8، ص123، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج5، ص1788، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج4، ص472، ابن الأثير، النهاية، مصدر سابق، ج3، ص409.

[6] راجع: ابن الأنباري، الزاهر، مصدر سابق، ص188.

[7] راجع: ابن الأنباري، الزاهر، مصدر سابق، ص188، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج5، ص1788، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج4، ص472، النهاية، ابن الأثير، مصدر سابق، ج3، ص409.

[8]  راجع: ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج11، ص514، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج4، ص28.

 

198


174

الدرس الثاني عشر: (غ - ف)

ويُضرب به المثل في الشّيء الحقير[1].

 

ومن مشتقّات المادّة: "تفتّل الشعر: أي التوى بعضه ببعض. والفَتْل: لَيُّ الشيء"[2], والفتيلة: الذُّبالة التي يُسرج بها[3]، و"ما زال فلان يفتل من فلان في الذروة والغارب، أي يدور من وراء خديعته. وفتله عن وجهه فانفتل، أي صرفه فانصرف، وهو قلب لفت. والفتل، بالتحريك: تباعد ما بين المرفقين عن جنبي البعير"[4]. "ومن المجاز رجل مفتول الساعد كأنه فتل فتلًا لقوته"[5].

 

والأصل في المادّة بحسب ابن فارس يدلُّ على ليِّ شيءٍ، ومنه فَتْلُ الحبل، وما يكون في شقّ النواة كأنه قد فُتِل، وتباعد الذراعين عن جنبي البعير كأنهما لُوِيا ليًّا وفُتِلا حتى لُوِيا[6]. وحقّق المصطفوي: "أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو ليٌّ مخصوص بنفس الشيء وفي نفسه. يقال حبل مفتول وفتيل: إذا لوّى الحبل في جهة طوله واستقامته... والليُّ أعمّ من أن يكون في نفسه أو بالنسبة إلى غيره، وسواء كان في جهة الاستقامة أو بالثَنْي. وفتيلة السراج: لأنّها كانت حبلًا مفتولًا في السابق. ويشبّه الذراع المتباعد عن جنب البعير إذا كان طويلًا ودقيقًا على الحبل الفتيل، في إحكامه واستقامته"[7]. وفي المعجم الاشتقاقي المؤصّل ذكر أنّ المعنى المحوريّ للمادّة: "التواءُ الشيء (على ذاته أو على ما فيه) ممتدًّا متميِّزًا عن غيره"[8].


 


[1] راجع: الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص623. 

[2] الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج8، ص123.

[3] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج5، ص1788، الفيومي، المصباح المني، مصدر سابق، ج1، ص462.

[4] الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج5، ص1788. وراجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج4، ص472، الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص698، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج11، ص514، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج4، ص28.

[5] الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص698.

[6] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج4، ص472.

[7] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج9، ص22.

[8] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص1627.

 

199


175

الدرس الثاني عشر: (غ - ف)

3- المعنى التفسيري:

هذه المفردة وردت في مسائل نافع بن الأزرق لابن عباس، وقد أجاب ابن عباس عن معناها بأنها: "التي تكون في شقّ النواة"[1]. ورُوي عنه أيضًا أنها: الشيء الذي يكون في وسط النّواة[2]، وأنه ما خرج من بين إصبعيك[3]، وفي روايةٍ: أنّ رجلًا سأله عن الفتيل، ففتَّ بين إصبعيه فخرج بينهما شيء فقال: هو هذا[4]. واختلف قدامى المفسرين فيها إلى فريقين:

الفريق الأول: فسّر الفتيل بأنه جزءٌ من النواة على اختلاف تعابيرهم في ذلك، مثل: الأبيض الذي في شقّ النواة، أو القشر الذي في شقّ النّواة أو الملفوفةُ به النواة، أو المفتل أو الفتيل الذي في شقّ بطن النّواة، أو الذي في بطن النّواة، أو الجلدة التي في ظهر النواة[5].

 

الفريق الثاني: فسّر الفتيل بأنه ما يُفَتُّ بين الإصبعين من الوسخ[6].

 

وبالنّظر إلى مصادر القولين، كمًّا ونوعًا، يظهر غلبة القول بالأول، إضافةً إلى ورود نظيرين للمفردة في القرآن من أجزاء النّواة، يُقويّان المعنى الأوّل. وهذان النظيران هما مفردتا: نقير، وقطمير. الأولى: وردت مرتين في سورةٍ مدنيّة، في قوله -تعالى-:


 


[1] السيوطي، الإتقان، مصدر سابق، ج1، ص365.

[2] راجع: الفيروزآبادي، تنوير المقباس، مصدر سابق، ص71.

[3] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج5، ص180، معاني القرآن، النحاس، مصدر سابق، ج2، ص109.

[4] راجع: الصنعاني، تفسير الصنعاني، مصدر سابق، ج2، ص389 - 390.

[5] راجع: مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج1، ص233، ص242، ج2، ص266، أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج1، ص129، ص386، الصنعاني، تفسير الصنعاني، مصدر سابق، ج1، ص164، ج2، ص382، ج2، ص390، الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج5، ص179 - 181، معاني القرآن، النحاس، مصدر سابق، ج2، ص109، ج4، ص177، القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج1، ص140، ص144، ج2، ص23، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج3، ص221.

[6] راجع: الصنعاني، تفسير الصنعاني، مصدر سابق، ج2، ص389 - 390، الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج5، ص180، معاني القرآن، النحاس، مصدر سابق، ج2، ص109، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج3، ص221.

 

200


176

الدرس الثاني عشر: (غ - ف)

﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا﴾[1]، ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾[2]. والثانية: وردت مرّة واحدة في سورةٍ مكّيّة، في قوله - تعالى -: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾[3]. وقد ذكر أهل اللغة والمفسرون أن النقير هو النقطة التي في ظهر النواة، والقطمير هو قشر النّواة[4].

 

وكيف كان فالتعبير بهذه المفردات للدلالة على الشيء الحقير الذي لا يُعتدّ به[5]. ومن نظائر ذلك في القرآن أقواله -تعالى -: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾[6], ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾[7], ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا﴾[8], ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾[9], ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾[10], وغيرها[11].


 


[1] سورة النساء، الآية 53.

[2] سورة النساء، الآية 124.

[3] سورة فاطر، الآية 13.

[4] راجع: من اللغويين: ابن الأنباري، الزاهر، مصدر سابق، ص188، الثعالبي، فقه اللغة، مصدر سابق، ص260، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج3، ص462. ومن المفسرين: مجاهد، تفسير مجاهد، مصدر سابق، ج2، ص531، مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج3، ص74، أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج2، ص153، الصنعاني، تفسير الصنعاني، مصدر سابق، ج3، ص134، الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج5، ص190 - 191، ج22، ص149 - 150، القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج2، ص208، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج3، ص338، ج8، ص420.

[5] العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج4، ص373.

[6] سورة النساء، الآية 40.

[7] سورة يونس، الآية 44.

[8] سورة مريم، الآية 60.

[9] سورة الأنبياء، الآية 58.

[10] سورة الزلزلة، الآيتان 7 - 8.

[11] راجع: سورة يونس، الآية 61، سورة لقمان، الآية 16، سورة سبأ، الآيتان 3، 27.

 

201


177

الدرس الثاني عشر: (غ - ف)

فارِضٌ (ف ر ض)

 

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدةً في هيئتها من مادة (ف ر ض) في القرآن الكريم، في سورةٍ مدنيّة، وصفًا لبقرة بني إسرائيل، في قوله - تعالى -: ﴿قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ﴾[1]. وللمادّة هيئات ومشتقّاتٌ أخرى منتشرة في القرآن الكريم، مثل: فِعْل فَرَضَ[2]، وفريضة[3]، ومفروضًا[4].

 

2- المعنى اللغوي:

أجمع اللغويون الذين تعرّضوا لبيان معنى المفردة في الآية أثناء بحثهم اللغوي، أن معنى البقرة الفارض هو: المسنّة أو الهرمة أو الكبيرة أو الطّاعنة في السنّ[5]. ولعلّ ذلك بسبب وضوح المقابلة بين البكر والفارض في الآية، ولذلك يكون المهمّ في البحث اللغوي توجيه إطلاق الفارض على البقرة المسنّة والتناسب بين أصل المادّة وهذا المعنى.


 


[1] سورة البقرة، الآية 68.

[2] راجع: سورة البقرة، الآية 237، سورة النور، الآية 1، سورة القصص، الآية 85، سورة الأحزاب، الآيتان 38، 50، سورة التحريم، الآية 2.

[3] راجع: سورة البقرة، الآيتان 236 - 237، سورة النساء، الآيتان 11، 24، سورة التوبة، الآية 60.

[4] راجع: سورة النساء، الآيتان 7، 118.

[5] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص29، ابن قتيبة الدينوري، غريب الحديث، مصدر سابق، ج1، ص242، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص1097 - 1098، ج6، ص2168، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج4، ص489، الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص631، الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص709، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج4، ص79، ج7، ص203، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج2، ص340، الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج4، ص220.

 

202


178

الدرس الثاني عشر: (غ - ف)

وبعيدًا عن الآية ذكر البعض للفارض معاني أخرى، مثل: الضخامة، أو الضّخم من كلّ شيء، فيُقال: لحيةٌ فارضة أي ضخمة أو عظيمة[1]، وجعل الزمخشري هذا المعنى من المجاز[2]. ورجلٌ فارض، ورجالٌ فُرْض: كبارٌ ضخام يُثقلون على الركّاب[3]. "ورجل فارِضٌ وفَرِيضٌ: عالِمٌ بالفَرائضِ كقولك عالِمٌ وعَلِيمٌ"[4]، ويُقال له أيضًا فريضٌ وفَرْضِيٌّ، وفَرُضَ فَراضَةً، وهو أفْرَضُ الناس، أي: بصيرٌ بحكم الفرائض[5]. ويُقال لكلّ قديمٍ فارض[6]. وفي فقه اللغة: "وَلَدُ البَقَرَةِ عِجْل فإذَا شَبَّ فَهُوَ شَبُوب فَإِذا أسَنَّ فَهُوَ فَارِضٌ"[7].

 

ومشتقّات المادّة كثيرة، نقتصر على ما ذُكر منها في العين: "الفرض: ما أعطيت من غير قرض... والفرض: الترس. والفرض: الإيجاب، تفرض على نفسك فرضًا، والفريضة الاسم. والفرض: الحَزّ للفُرضة في سية القوس والخشبة... و فرائض اللَّه: حدوده... ومرفأ السفينة حيث يركب، ويجمع على فُرُض وفِرَاض"[8].

 

ولا خلاف في أن أصل فارض من مادّة (ف ر ض). لكن اختلفوا في ربطها بمادّتها: فابن فارس اعتبرها شاذّةً عن الأصل الذي هو في نظره: "يدلُّ على تأثيرٍ في شيءٍ من حزٍّ أو غيره... ومن الباب اشتقاق الفرض الذي أوجبه اللَّه - تعالى - وسمي بذلك لأن


 


[1] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص29، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص1098، ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج1، ص65، الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص709.

[2] راجع: الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص709.

[3] راجع: الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص709.

[4] ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج7، ص203(نقله عن ابن الأعرابي).

[5] راجع: الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص630، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج2، ص340.

[6] راجع: الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج2، ص340، الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج4، ص220.

[7] الثعالبي، فقه اللغة، مصدر سابق، ص97.

[8] الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص28 - 29.

 

203


179

الدرس الثاني عشر: (غ - ف)

له معالمَ وحدودًا"[1]. واحتمل الزمخشري أن يكون نعت البقرة بالفارض لأنها فَرَضَت سنّها، بمعنى قطعته وبلغت آخره[2]. وقال الراغب بعد تفسيره الفارض بالمسنّ من البقر: "وقيل: إنما سمّي فَارِضًا لكونه فارضًا للأرض، أي: قاطعًا، أو فارضًا لما يحمّل من الأعمال الشاقّة، وقيل: بل لأنّ فَرِيضَة البقر اثنان: تبيع ومسنّة، فالتّبيع يجوز في حال دون حال، والمسنّة يصحّ بذلها في كلّ حال، فسمّيت المسنّة فَارِضَةً لذلك، فعلى هذا يكون الفَارِضُ اسمًا إسلاميًّا"[3]. وقد تفرّد الراغب بنقل هذا التحليل، ولعله لذلك عبّر عنه بـ (قيل).

 

وحقّق المصطفوي أنّ: "الأصل الواحد في المادّة: هو التقدير المعيّن اللازم. ومن آثاره ولوازمه: الإلزام، التكليف، التثبيت، التعليق، الجزّ، الإيجاب، التأثير، الإعطاء، القطع، الحكم. فالأصل المحفوظ في جميع الموارد: هو التقدير المُلْزِم. والفارض في مقابل البكر، فإنّ البكر ما يكون في المرحلة الأولى من الجريان في برنامج أمره. والفارض من لم يكن في المرحلة الأولى من جريان حياته، وهو في أثر التجربة والعمل يقدّر أموره، ويقع في مورد تقدير وتنظيم وإجراء برنامج"[4]. والمعنى المحوريّ لدى صاحب المعجم الاشتقاقي هو: "قطعٌ غائرٌ (غير نافذ) في جُرْمٍ غليظ (يرسخ فيه شيء)... ومن معنى القطع في الحَزّ وهو تحديدٌ، أو مما يثبُتُ ويَرْسَخُ فيه: الفريضة: الحصة (القطعة) المفروضة (المثبتة) على إنسان بقدر معلوم...، وقوله - تعالى -: ﴿فَارِضٌ﴾ ...، فالفارض تعمّقت في الزّمن وغارت"[5].


 


[1] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج4، ص488 - 489.

[2] راجع: الزمخشري، الكشاف، مصدر سابق، ج1، ص287.

[3] الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص631.

[4] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج9، ص59.

[5] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص1659 - 1660.

 

204


180

الدرس الثاني عشر: (غ - ف)

3- المعنى التفسيري:

وردت هذه المفردة في أسئلة نافع بن الأزرق لابن عباس وقد أجابه ابن عباس بأنها: الهرمة، واستشهد على ذلك من الشعر[1]. وأطبق المفسرون من أهل السّنّة[2] والإماميّة[3] على تفسير الفارض بعين ما أجمع عليه أهل اللغة من أنها المسنّة أو الكبيرة. وذكر القمّي أنها: "التي قد ضربها الفحل ولا تحمل"[4]. "وقيل: إنّ الفارض: التي قد ولدت بطونًا كثيرة. فيتسع لذلك جوفها، لأن معنى الفارض، في اللغة الواسع"[5].

 

والمعنى أنّ صفة البقرة التي أمركم اللَّه بذبحها يا بني إسرائيل، هي متوسّطة السنّ، لا فارض: أي لا كبيرة مسنّة، ولا بكرٌ: وهي الصغيرة التي لم تلِد، بل عوانٌ بين ذلك، أي: وسطٌ بين الأمرين.


 


[1] راجع: السيوطي، الإتقان، مصدر سابق، ج1، ص366.

[2] راجع: مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج1، ص56، الثوري، تفسير الثوري، مصدر سابق، ص46، أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج1، ص43، الصنعاني، تفسير الصنعاني، مصدر سابق، ج1، ص48، الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج1، ص480 - 484، ابن أبي حاتم الرازي، تفسير القرآن العظيم، مصدر سابق، ج1، ص137، ج11، ص45 - 46، الزمخشري، الكشاف، مصدر سابق، ج1، ص287، الرازي، تفسير الرازي، مصدر سابق، ج3، ص119.

[3] راجع: التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، إيران - قم المشرفة، ربيع الأول 1409هـ.ق، ط1، ص276، العياشي، محمد بن مسعود بن عيّاش، تفسير العياشي، تحقيق: الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلامية، إيران - طهران، 1422هـ.ق‏، ط1، ج1، ص46، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج1، ص295.

[4] القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج1، ص50.

[5] الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج1، ص295.

 

205


181

الدرس الثاني عشر: (غ - ف)

المفاهيم الرئيسة

 

غَوْلٌ (غ و ل)

- وردت هذه المفردة وحيدةً في مادتها في القرآن، مرّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّة.

 

- ذكر اللغويون في معنى الغَوْل أنه: الصُّداع، أو بُعْدُ المفازة، أو الموت والهلاك.

 

- من مشتقات المادة: الغُول: وهي عند العرب ساحرة الجن, والغيلة: أي الاغتيال المعروف.

 

- قالوا في أصل المادّة أنه: الختل والأخذ من حيث لا يدري الإنسان.

 

- يمكن جمع أقوال المفسرين المختلفة في المفردة تحت عنوان مطلق الفساد في العقل والجسم.

 

فَتِيلًا (ف ت ل)

- وردت هذه المفردة وحيدةً في مادّتها في القرآن الكريم، 3 مرّات، مرّتين منهما في موضعٍ واحدٍ من سورةٍ مدنيّة، ومرّة واحدة في سورةٍ مكّيّة، كلّها بنفس السياق والمعنى.

 

- ذكر اللغويون في معنى الفتيل أنه: سحاةٌ في شقّ النواة، أو هو ما تفتله منها من الوسخ.

 

- من مشتقّات المادّة: تفتّل الشعر: أي التوى بعضه ببعض.

 

- تمحورت كلماتهم في أصل المادّة حول معنى ليِّ الشيء.

 

- ورد للمفردة نظيران في القرآن الكريم، هما: النقير والقطمير.

 

206

 


182

الدرس الثاني عشر: (غ - ف)

فارِضٌ (ف ر ض)

- وردت هذه المفردة وحيدةً من مادّتها في القرآن، في سورةٍ مدنيّة، وصفًا لبقرة بني إسرائيل.

 

- أجمع اللغويون على أن معنى البقرة الفارض هو: المسنّة أو الطّاعنة في السنّ.

 

- مشتقّات المادّة كثيرة، منها: الفرض: ما أعطيت من غير قرض, والفرض: الإيجاب.

 

- اعتبر ابن فارس المفردة شاذّةً عن أصل مادتها، فيما نقل الراغب قولًا بكونها مفردةً إسلاميّة، وحقّق المصطفوي أن الأصل هو: التقدير المعيّن اللازم.

 

- أطبق المفسرون على تفسير الفارض بما أجمع عليه اللغويون من أنها المسنّة.

 

 

207


183

الدرس الثالث عشر: (ق - ك)

الدرس الثالث عشر

(ق - ك)

 

 

 

أهذاف الدرس

يتناول الدرس المفردات الآتية

1- قِدَدًا (ق د د).

 

2- قِطَّنا (ق ط ط).

 

3- كَنُود (ك ن د).

 

209

 


184

الدرس الثالث عشر: (ق - ك)

قِدَدًا (ق د د)

 

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة مرّة واحدة، في سورةٍ مكّيّة، في قوله - تعالى - عن لسان الجنّ: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾[1]. وللمادّة اشتقاقان آخران في القرآن الكريم، هما: القَدّ في قوله - تعالى -: ﴿وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ *  فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾[2], وحرفُ قَدْ المُختصّ بالأفعال، مثل: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا﴾[3]، و﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ﴾[4]، وغيرها[5].

 

1- المعنى اللغوي:

تعرّض معظم اللغويين لمعنى قِدَدًا بعد إيرادهم للآية الكريمة، واتّفقت كلمتهم


 


[1]  سورة الجن، الآية 11.

[2] سورة يوسف، الآيات 25 - 28.

[3] سورة آل عمران، الآية 13.

[4] سورة المجادلة، الآية 1.

[5] راجع: سورة التوبة، الآية 117، سورة النور، الآية 63، سورة الفتح، الآية 18.

 

211


185

الدرس الثالث عشر: (ق - ك)

على أن المُراد منها: صفة التفرّق والتشرذم واختلاف الحالات والأهواء[1]. وواحدُ القِدَد قِدَّة، وهي: الطريقة والفرقة من الناس[2]، وجمع الطريقة طرائق، وجمع الطريق طُرُق[3].

 

ومن مشتقّات المادّة: حرفُ قَدْ المُختصّ بالأفعال، ويكون للتحقيق والتوكيد، أو للشكّ إذا كان مع العوامل، مثل: قد يكون[4]. وقَدْ مثلُ قَط على معنى حَسْب، تقول: قَدْني وقَطْني أي حسبي[5]. والقَدُّ: القطع، والشقّ طولًا، ومنه قَدَدْتُ الطريق: أي قطعته, مقابل القطّ: وهو الشقّ عَرْضًا[6], وقيل: كان لعليٍّ عليه السلام ضربتان، إِذا اعْتَلى قَدَّ وإِذا اعترَض قطَّ[7]. والقِدُّ: السَّوْط، لأنّه يُقَدُّ من جلدٍ غير مدبوغ[8]. والقديد: اللحم المُقَدَّد والثَّوْب الخَلِق[9].


 


[1] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص17، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج2، ص522، ج4، ص1513، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج5، ص6، ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج3، ص135، الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص747، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج3، ص344، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج1، ص326، الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج3، ص124.

[2]  راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص17، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج2، ص522، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج5، ص6، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج3، ص344.

[3] راجع: الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص519.

[4] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص16.

[5] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص14، ص16، الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص676.

[6] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص16، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج2، ص522، الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص747، أبو هلال العسكري، الفروق اللغوية، مصدر سابق، ص432.

[7] راجع: ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية، العراق - النجف الأشرف، 1376هـ.ق - 1956م، لا.ط، ج1، ص355، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج3، ص344.

[8] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص16، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج2، ص522، ابن الأثير، النهاية، مصدر سابق، ج4، ص21.

[9] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج2، ص522.

 

212


186

الدرس الثالث عشر: (ق - ك)

والأصل في المادّة بحسب ابن فارس: "يدُلُّ على قطع الشيء طولًا، ثُمَّ يُسْتَعار، يقولون: قددت الشيء قدّاً إذا قطعته طولًا، أقده، ويقولون: هو حسن القد أي التقطيع في امتداد قامته"[1]. وإليه ذهب المصطفوي أيضًا مُحقِّقًا: "أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو تقطيعٌ طولًا. ومن مصاديقه: شقّ شيء طولًا. وطيُّ مكان وسيع بالطول...، وبمناسبة هذا الأصل تستعمل في معاني قريبة منه مجازاً، كما في تدبير الأمور بالنظر إلى تقطيعها وتفريقها كأنّها تصير مستقيمة، ونظيره الفرقة إذا أطلقت على جماعة متقطَّعة في نفسها أو باعتبار الأفراد والأصناف...، وأمّا قَدْ بالتخفيف: فمشتقّة من هذه المادّة، وتدلّ على التقليل أو التوقع أو التحقيق أو التكثير أو التقريب. ومرجع كلّ واحد منها إلى التقطيع والتقطُّع بنحو من الأنحاء، وبمقتضى مدلول مدخوله من الماضي والمستقبل، واختلاف مواردهما. وكذلك إذا استعمل بمعنى حسب أو يكفي اسم فعل، ففيه أيضًا معنى التقطُّع والتحقّق، وبينه وبين قطَّ: اشتقاق أكبر"[2]. وقريبٌ منه ما في المعجم الاشتقاقي[3].

 

2- المعنى التفسيري:

وردت هذه المفردة في أسئلة نافع بن الأزرق لابن عباس، وقد أجابه ابن عباس بأنها: "المنقطعة في كلّ وجه"[4]. ولعلّه إلى ذلك أشار العلامة الطباطبائي بقوله: "وُصفت الطرائق بالقدد لأنّ كل واحدة منها مقطوعة عن غيرها تنتهي بسالكها إلى غاية غير ما ينتهي به إليه غيرها، وإلى هذا المعنى يرجع تفسير القدد بالطرائق المتفرقة المتشتتة"[5]. وللشريف المرتضى تعليلٌ آخر يقول فيه: "فكأنه - سبحانه - شبّه


 


[1] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج5، ص6.

[2] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج9، ص203 - 204.

[3] راجع: جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص1740.

[4] السيوطي، الإتقان، مصدر سابق، ج1، ص357.

[5] العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج20، ص44.

 

213


187

الدرس الثالث عشر: (ق - ك)

اختلافهم في الأحوال، وافتراقهم في الآراء بالسّيور المقدودة، التي تتفرق عن أصلها، وتتشعب بعد ائتلافها"[1]. وفسّرها القدماء بعباراتٍ شتّى تدور في فلك واحد، مثل: "أهل ملل شتى، مؤمنين وكافرين ويهود ونصارى"[2]، و"ضروبًا وأجناسًا"[3]، و"أهواء مختلفة"[4]، وغيرها[5]. وفي تفسير القمي: "قدداً: أي على مذاهب مختلفة"[6].

 

"ويحتمل أن يكون المراد من قولهم هذا ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ هو أن وجود إبليس فيما بينهم قد أوجد شبهة لبعضهم، بأن الجن متطبع على الشر والفساد والشيطنة، ومحال أن يشرق نور الهداية في قلوبهم. ولكن مؤمني الجن يوضحون في قولهم هذا أنهم يملكون الاختيار والحرية، وفيهم الصالح والطالح، وهذا يوفر لهم الأرضية للهداية، وأساسًا فإن أحد العوامل المؤثرة في التبليغ هو إعطاء الشخصية للطرف المقابل، وتوجيهه إلى وجود عوامل الهداية والكمال في نفسه. واحتمل أيضًا أن الجن قالوا ذلك لتبرئة ساحتهم من موضوع الإساءة في مسألة استراق السمع أي: وإن كان منّا من يحصل على الأخبار عن طريق استراق السمع ووضعها بأيدي الأشرار لتضليل الناس، ولكن لا يعني ذلك أن الجن كلهم كانوا كذلك، ولهذه الآية تأثير في إصلاح ما اشتبه علينا نحن البشر في عقائدنا حول الجن, لأن كثيرًا من الناس يتصورون أن كلمة الجن تعني الشيطنة والفساد والضلال والانحراف، وسياق هذه الآية يشير إلى أن الجن فصائل مختلفة، صالحون وطالحون"[7].


 


[1] الشريف المرتضى، تلخيص البيان في مجازات القرآن، مصدر سابق، ص350.

[2] مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج3، ص406.

[3] أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج2، ص272.

[4] الصنعاني، تفسير الصنعاني، مصدر سابق، ج3، ص322.

[5] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج29، ص138 - 139، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج10، ص151 - 152.

[6] القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج2، ص389.

[7] الشيخ الشيرازي، الأمثل، مصدر سابق، ج19، ص88 - 89.

 

214


188

الدرس الثالث عشر: (ق - ك)

قِطَّنا (ق ط ط)

 

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدةً في مادتها في القرآن الكريم، مرّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّة، في قوله – تعالى -: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾[1].

 

2- المعنى اللغوي:

ذكر اللغويون في معنى القِطّ أنه: كتاب المحاسبة، أو النَّصيب، أو الصكّ بالجائزة[2]. "وأصل القِط الكتاب، وإنّما سُمّي الرزق قطًّا لأنه كان يُكتب به إلى الناحية التي يكون فيها حق السلطان من الطعام، فسُمّي باسم الكتاب، وقال أبو عبيدة في قول اللَّه - جلّ وعز -: ﴿عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا﴾. القط: الحساب. ولا أراه سمي قطًّا إلا لأنه يكون بالكتب التي أحصيت فيها أعمال بني آدم"[3].

 

ومن مشتقّات المادّة: قَطْ المخفّفة بمعنى حسب، يُقال: قطّك هذا الشيء، أي: حسبك، وقَطْني: حسبي، وقد تقدّم ذكرها مع قَدْ في المفردة السابقة. وقَطُّ: الأبد الماضي، تقول: ما رأيته قَطُّ. والقَطُّ: القطع عَرْضًا. والمِقَطَّة: ما تُقَطُّ عليه رؤوس الأقلام. والقطّة: السِّنَّوْر. وشَعرٌ قَطَط: شديد الجعودة[4].

 

والأصل في المادّة بحسب ابن فارس: "يدلُّ على قطع الشيء بسرعة عرضًا...، وأمّا القِطّ فيقال إنه الصك بالجائزة. فإن كان من قياس الباب فلعله من جهة التقطيع


 


[1] سورة ص، الآية 16.

[2] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص15، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص1154، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج5، ص13، ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج1، ص103، الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص776.

[3] ابن قتيبة الدينوري، غريب الحديث، مصدر سابق، ج2، ص17 - 18.

[4] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص15 - 16، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص1153 - 1154، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج5، ص13، ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج1، ص66، ص103، الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص776.

 

215


189

الدرس الثالث عشر: (ق - ك)

الذي في المكتوب عليه...، وعلى هذا يفسر قوله - تعالى -: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾ كأنهم أرادوا كتبهم التي يعطونها من الأجر في الآخرة. ومما شذّ عن هذا الباب القطة السنورة...، فأما قط بمعنى حسب فليس من هذا الباب، إنما ذاك من الإبدال والأصل قد"[1]. وحقّق المصطفوي: "أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو قطع مع تعيّن وتشخّص، ومن مصاديقه: النصيب المعيّن. والقلم إذا قطع ونحت على ما هو اللازم عند بريه. والجائزة المشخّصة...، والشعر المجعّد المتجمع في قبال الاسترسال. وتحديد العمل وتخصيصه بالزمان الماضي المتعيّن. وأمّا الهرّة: فمأخوذة من السريانيّة، مضافاً إلى أنّ القطَّ فيه قاطعيّة مخصوصة في أعماله. ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾ أي ما يقطع ويتعيّن لنا من المُجازاة والعذاب. وقد عُبّر به دون الحظِّ والنصيب والسهم والقسمة: فإنّ الحظَّ يلاحظ فيه قيد الاستفادة. وفي النصيب: النصب في مقابل شخص. وفي السهم: النسبة إلى شخص معيّن. وفي القسمة: الانقسام...، ففي القطّ مبالغة من جهة القطع والتعيّن في الخارج"[2]. وفي المعجم الاشتقاقي: "المعنى المحوريّ: قطع الامتداد (الغليظ) بتحديد وتدقيق واستدارة أو تسوية وتمام...، كقطّ القصبة والقلم...، ومنه الشَّعر القَطَط: الجعد القصير (القصر انقطاع والجعودة استدارة)...، ومنه القطُّ: السِّنَّوْر، سُمِّي بذلك لصغر جسمه بين الحيوانات المألوفة كأنه قطعة...، ومن الأصل القِطُّ بالكسر: النصيب...، فهي من الأصل إمّا لأنها تحمل حظًّا ورزقًا محدّدًا لصاحبها، أو لأنها في رُقعة"[3].


 


[1] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج5، ص12 – 13.

[2] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج9، ص292 - 293.

[3] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص1802 - 1804.

 

 

216


190

الدرس الثالث عشر: (ق - ك)

3- المعنى التفسيري:

وردت هذه المفردة في مسائل نافع بن الأزرق لابن عباس، وقد أجابه بأن معناها: الجزاء[1]. ورُوي عن أمير المؤمنين عليه السلام في تفسيرها أنه: "نصيبهم من العذاب"[2]. وفي تفسير القمّي: "نصيبنا وصكّنا من العذاب"[3]. ولقدامى المفسرين فيها أقوال، فقالوا: سألوا ربهم تعجيل حظّهم من العذاب الذي أُعدّ لهم في الآخرة في الدنيا[4]، وقالوا: سألوا ربهم تعجيل كتابهم وصحيفة أعمالهم الذي سيقرأونه في الآخرة استهزاءً منهم بهذا الوعيد[5]، وقيل: سألوا ربهم تعجيل نصيبهم من الجنة ليؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم[6], وقيل: سألوه تعجيل رزقهم في الدنيا[7]، وقيل: سألوه تعجيل ما يكفيهم من قولهم قَطني من هذا[8].

 

قال الطبري: "وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب أن يقال: إن القوم سألوا ربهم تعجيل صكاكهم بحظوظهم من الخير أو الشر الذي وعد اللَّه عباده أن يؤتيهموها في الآخرة قبل يوم القيامة في الدنيا استهزاء بوعيد اللَّه"[9]. وذكروا أن الآية حكاية لقول أبي جهل: عجِّل لنا قطّنا بعد أن سمع أن الناس يُعطون


 


[1] راجع: السيوطي، الإتقان، مصدر سابق، ج1، ص254.

[2] راجع: الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، معاني الأخبار، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم المشرّفة، 1379هـ.ق - 1338هـ.ش، لا.ط، ص225.

[3] القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج2، ص29.

[4] مجاهد، تفسير مجاهد، مصدر سابق، ج2، ص548، الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج23، ص159 - 160، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج8، ص548 - 549.

[5] راجع: مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج3، ص114 - 115، الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج23، ص161، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج8، ص449.

[6] راجع: الثوري، تفسير الثوري، مصدر سابق، ص275، الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج23، ص160 - 161، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج8، ص449.

[7] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج23، ص161.

[8] النحاس، معاني القرآن، مصدر سابق، ج6، ص88.

[9] الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج23، ص161.

 

217


191

الدرس الثالث عشر: (ق - ك)

كتبهم بأيمانهم وشمائلهم[1]، وقيل: نزلت في النّضر بن كلدة، الذي قال: "اللَّهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم"[2]. وهو كاستفتاح أقوام نوح وهود وصالح على أنبيائهم[3]: ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾[4] أو ﴿إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾[5]. وحكى اللَّه استعجالهم العذاب وأنه يؤخّرهم ليوم تشخص فيه الأبصار: ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾[6]، ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾[7]. وهذا كله يشير إلى صفة الغرور التي كانت تطبع الكافرين والمستهزئين، حتى أنهم استخفّوا بعقوبة اللَّه وعذابه[8].

 

كَنُود (ك ن د)

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدةً في مادّتها في القرآن الكريم، مرّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّةٍ، في قوله - تعالى -: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ﴾[9].


 


[1] راجع: مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج3، ص114 - 115.

[2] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج9، ص307.

[3] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج13، ص254.

[4] سورة الأعراف، الآية 70، سورة هود، الآية 32، سورة الأحقاف، الآية 23.

[5] سورة الأعراف، الآية 77.

[6] سورة الحج، الآية 47.

[7] سورة العنكبوت، الآيتان 53 - 54.

[8] راجع: الشيخ الشيرازي، الأمثل، مصدر سابق، ج14، ص470.

[9] سورة العاديات، الآية 6.

 

218


192

الدرس الثالث عشر: (ق - ك)

2- المعنى اللغوي:

أطبقت كلمات اللغويين على أن المُراد بالكَنود: الكفور للنعمة[1]. وقيل: "لَوَّام لربه يَعُدُّ المصيباتِ ويَنْسى النِّعَم"[2].

 

وفسّر الخليل الكنود في الآية بأنه من يأكل وحده، ويضرب عبده ويمنع رفده[3], وعلّق عليه ابن سِيدَه: "ولا أَعرف له في اللغة أَصلاً ولا يسوغ أَيضاً مع قوله لربه"[4]. وهو مما يستوي فيه المذكّر والمؤنّث، فتقول: رجلٌ كنود وامرأةٌ كنود، كصَبور وكَفور وعَجول[5]. وأرضٌ كنود: لا تنبت شيئًا. وكَنَدَ الحبل يكْنُدُه كنْدًا: أي قَطَعَهُ. وكِنْدَة قبيلةٌ يمنيّة تنتسب إلى كِنْدة بن ثور[6]. "وتقول فلان إن سألته نكد وإن أعطيته كند"[7].

 

هذا جلُّ ما ذكروه حول المادّة ومشتقّاتها القليلة كما ترى. والأصل فيها بحسب ابن فارس يدلُّ على القطع، ومنه الكفور للنعمة, لأنه يقطع الشّكر، وسُمِّي كندة في ما زعموا لأنه كند أباه أي فارقه ولحق بأخواله ورأسهم فقال له أبوه: كَنَدْت[8]. وحقّق المصطفوي: "أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو فقدان التوجّه والشوق إلى


 


[1] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص331، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج2، ص532، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج5، ص140، الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص835، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج3، ص381 - 382، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج1، ص333، الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج3، ص138.

[2] ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج3، ص381 (نقله عن الحسن).

[3] ) راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص331. روي في مصادرنا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أنبئكم بشراركم؟ قالوا: بلى، قال: من أكل وحده وضرب عبده ومنع رفده"، راجع: الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص31. وفي مصادر العامّة جاء هذا الوصف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفسيرًا للكنود، فراجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج30، ص354، الطبراني، المعجم الكبير، مصدر سابق، ج8، ص245.

[4] ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج3، ص381 (نقله عن ابن سِيدَه).

[5] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج2، ص532، ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج3، ص225.

[6] ) راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج2، ص532، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج5، ص140، الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص835.

[7] الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص835.

[8] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج5، ص140 - 141.

 

219


193

الدرس الثالث عشر: (ق - ك)

أمر، وعدم الاعتناء والاهتمام به. ومن آثاره: الكفران بالنعمة، ونسيانها، واللوم"[1]. وفي المعجم الاشتقاقي: "المعنى المحوري: حبسُ الشيء ما في باطنه، لا يَبْرُزُ منه... الكُنُود: كفرُ النعمة، إذ هو مع الحصول على النعمة يكتُمها ولا يبرز أمرها بالشكر والتّحديث"[2].

 

3- المعنى التفسيري:

وردت هذه المفردة في أسئلة نافع بن الأزرق لابن عباس، وقد أجابه أنّ معناها: "كفور للنعم وهو الذي يأكل وحده ويمنع رفده[3] ويجيع عبده"[4]. وقيل: "نزلت في قرط بن عبد اللَّه بن عمرو بن نوفل القرشي، وهو الرجل الذي أكل وحده، وأشبع بطنه، وأجاع عبده، ومنع رفده، ولم يُعطِ قومه شيئًا، يُسمّى بلسان بني مالك بن كنانة الكنود"[5]. وأطبقت كلمات المفسّرين على أن المُراد بالكنود الكفور، أو الكفور للنعمة[6]، وقيل: لَوَّام لربه يَعُدُّ المصيباتِ ويَنْسى النِّعَم[7].

 

ويبدو من فرادة المفردة مادّة وتكرارًا في القرآن الكريم وورودها في سورةٍ مكّيّة


 


[1] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج10، ص117.

[2] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص1930.

[3] رفده: ضيفه. راجع: ابن منظور، لسان العرب، ج3، ص181.

[4] السيوطي، الإتقان، مصدر سابق، ج1، ص361.

[5] مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج3، ص511.

[6] راجع: مجاهد، تفسير مجاهد، مصدر سابق، ج2، ص777، أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج2، ص307، الصنعاني، تفسير الصنعاني، مصدر سابق، ج3، ص391، الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج30، ص353 - 354، النحاس، معاني القرآن، مصدر سابق، ج3، ص284، التستري، تفسير التستري، مصدر سابق، ص203، القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج2، ص439، الكوفي، فرات بن إبراهيم، تفسير فرات الكوفي، تحقيق: محمد الكاظم، مؤسّسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، إيران - طهران، 1410هـ.ق - 1990م، ط1، ص597، 602، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج10، ص397، الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص727.

[7] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج30، ص353 - 354.

 

220


194

الدرس الثالث عشر: (ق - ك)

أنها لغةٌ مكّيّة تشير إلى الكفران، كما يظهر ذلك من ما نُسب إلى ابن عباس: "الكنود بلساننا أهل البلد: الكفور"[1].

 

وعن الكلبي: "الكنود بلسان كندة: العاصي، وبلسان بني مالك: البخيل، وبلسان مضر وربيعة: الكفور"[2].

 

والآية: "إخبارٌ عمّا في طبع الإنسان من اتباع الهوى، والانكباب على عرض الدنيا، والانقطاع به عن شكر ربه على ما أنعم عليه. وفيه تعريضٌ للقوم المُغار عليهم، وكأن المراد بكفرانهم كفرانهم بنعمة الاسلام التي أنعم اللَّه بها عليهم، وهي أعظم نعمة أوتوها، فيها طيب حياتهم الدنيا وسعادة حياتهم الأبدية الأخرى"[3].

 

ومن نظائر الآية في القرآن الكريم: ﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾[4]، ﴿وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ﴾[5], ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ﴾[6].


 


[1] ابن أبي حاتم الرازي، تفسير القرآن العظيم، مصدر سابق، ج10، ص3452.

[2] الزمخشري، الكشاف، مصدر سابق، ج4، ص278.

[3] العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج20، ص346.

[4] سورة إبراهيم، الآية 34.

[5] سورة الحج، الآية 66.

[6] سورة الزخرف، الآية 15.

 

221


195

الدرس الثالث عشر: (ق - ك)

المفاهيم الرئيسة

 

قِدَدًا (ق د د)

- وردت هذه المفردة مرّة واحدة في القرآن، في سورةٍ مكّيّة.

 

- اتّفق اللغويون على أن المُراد من المفردة: صفة التفرّق والتشرذم.

 

- من مشتقّات المادّة: حرفُ قَدْ المُختصّ بالأفعال, والقَدُّ: أي القطع طولًا.

 

- تمحورت كلماتهم في أصل المادّة حول معنى قطع الشيء طولًا.

 

- تطابقت كلمات المفسرين مع اللغويين في معنى المفردة. ووُصفت الطرائق بالقدد لأنّ كل واحدة منها مقطوعة عن غيرها من حيث الغاية.

 

- توضّح الآية أن الجنّ ليست مخلوقات شريرة مطلقًا بل منهم الصالحون أيضًا.

 

قِطَّنا (ق ط ط)

- وردت هذه المفردة وحيدةً في مادتها في القرآن، مرّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّة.

 

- ذكر اللغويون في معنى القِطّ أنه: كتاب المحاسبة، أو النَّصيب، أو الصكّ بالجائزة.

 

- من مشتقّات المادّة: القَطُّ: القطع عَرْضًا. والقطّة: السِّنَّوْر أو الهرّة.

 

- تمحورت كلماتهم في أصل المادة حول معنى القطع.

 

- اتّفق المفسرون على أن المراد بالقط في الآية الجزاء والنصيب، لكن اختلفوا في متعلّقه.

 

- نزلت الآية مورد المفردة في المشركين الذين أخذوا يطلبون تعجيل صكوكهم من الخير والشر لما سمعوا بالجزاء يوم القيامة استهزاءً.

222

 


196

الدرس الثالث عشر: (ق - ك)

كَنُود (ك ن د)

 

- وردت هذه المفردة وحيدةً في مادّتها في القرآن، مرّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّةٍ.

 

- أطبق اللغويون على أن المُراد بالكَنود: الكفور للنعمة.

 

- مشتقّات المادّة قليلة، منها: أرضٌ كنود: لا تنبت شيئًا. وكَنَدَ الحبل: أي قَطَعَهُ.

 

- قيل في أصل المادّة أنه: القطع, وقيل: فقدان التوجّه والشوق إلى أمر.

 

- تطابقت كلمات المفسرين مع اللغويين في تفسير الكنود بالكفور.

 

224

 


197

الدرس الرابع عشر: (ل - م)

الدرس الرابع عشر

(ل - م)

 

 

 

أهداف الدرس

يتناول الدرس المفردات الآتية

1- لازِبْ (ل ز ب).

2- مَرِيج (م ر ج).

3- لُغُوب (ل غ ب).

 

226

 


198

الدرس الرابع عشر: (ل - م)

لازِبْ (ل ز ب)

 

مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدةً في مادّتها في القرآن الكريم، مرّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّة، في قوله - تعالى -: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ﴾[1].

 

1- المعنى اللغوي:

ذكر اللغويون في معنى الطين اللازب أنه: اللازق[2]، أو الشديد الصُّلب[3]، أو اللازم الثابت[4]. ويُقال لازب في لازم بإبدال الميم باءً للمجانسة بينهما، وهو أفصح عند البعض[5]، كما يُقال: با اسمك؟ وما اسمك؟[6]، ويُقال أيضًا لاتب بنفس المعنى بإبدال الزاي تاءً[7]، أو بمعنى اللازق[8]. وفي فقه اللغة: "(في تَفْصِيلِ أسْمَاءِ الطِّينِ


 


[1] سورة الصافات، الآية 11.

[2] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص369، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص219، ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج3، ص77، ص81.

[3] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج4، ص270، ج7، ص369، ابن الأثير، النهاية، مصدر سابق، ج4، ص248.

[4] راجع: ابن السكيت، الكنز اللغوي، مصدر سابق، ص14، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص219، الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص739.

[5] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص219، ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج3، ص68.

[6] ) راجع: ابن قتيبة الدينوري، غريب الحديث، مصدر سابق، ج1، ص169، الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص139 - 140.

[7] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج23، ص52، ابن الأنباري، الزاهر، مصدر سابق، ص377، ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج3، ص68، ص75، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج1، ص735.

[8] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص217.

 

228


199

الدرس الثالث عشر: (ق - ك)

وأوْصَافِهِ)... إذا كَانَ حُرًّا يابِساً: فَهُوَ الصَّلْصَالُ، فَإذا كَانَ مَطْبُوخاً: فَهُوَ الفَخَّارُ، فإذا كَانَ عَلِكاً لاصِقاً: فَهُوَ اللاَّزِبُ، فإذا غَيَّرَهُ المَاءُ وَأَفْسَدَهُ: فَهُوَ الحَمَأُ، وقَدْ نَطَقَ بِهَذِهِ الأسْمَاءِ الأرْبَعَةِ القُرْآنُ، فإذا كَانَ رَطْباً فهو..."[1].

 

ومن مشتقّات المادّة: اللُّزوب: وهو الضيق والقحط، يُقال: أصابتهم لَزْبَة: أي شدّة وقحط، أو سَنةٌ لَزْبة: شديدة القحط، والجمعُ لَزْبات بالتسكين[2], والمِلْزاب: البخيل، وجمعه المَلازيب[3].

 

والأصل في المادّة بحسب ابن فارس: يدلُّ على ثبوت شيء ولزومه. ومنه صارَ هذا الشيء ضربةَ لازب، أي لا يكاد يفارق، ومنه اللزْبة بمعنى سنة القحط كأنّ القحط لَزَبَ فيها أي ثبت فيها[4]. وحقّق المصطفوي: "أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو التلاصق مع الصلابة. ولا بدّ من وجود هذين القيدين. ومن مصاديقه: لصوق إذا كان صلبًا، وكذا دخول بعض الأجزاء في بعض مع الشدّة، وشدّة إذا حصلت في التلاصق، ولزوم أو ثبوت مع تلاصق. ومن لوازم الأصل: الضيق والتقلُّل والقحط. وبينها وبين موادّ: اللزوق واللصوق واللزوج واللزوم واللزّ: اشتقاق أكبر، ويجمعها مفهوم التجمّع والتلاصق والشدّة"[5]. وفي المعجم الاشتقاقي: "المعنى المحوريّ: لصوق الشيء الغضِّ ببعضه البعض، فتتماسكُ أثناؤُه، كالطين الموصوف"[6].


 


[1] الثعالبي، فقه اللغة، مصدر سابق، ص259.

[2] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص369، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص219، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج5، ص246، الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص739، الثعالبي، فقه اللغة، مصدر سابق، ص259، الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص853.

[3] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص219.

[4] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج5، ص245 - 246.

[5] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج10، ص186 - 187.

[6] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص1972.

 

229


200

الدرس الثالث عشر: (ق - ك)

2- المعنى التفسيري:

وردت هذه المفردة في أسئلة نافع بن الأزرق لابن عباس، وقد أجابه بأنّ معناها: الطين الملتزق[1]. وذكر المفسّرون أن المُراد منها: اللاصق، أو الملتزق باليد، أو اللزج[2]. وقيل: لازم، أو ثابت شديد الثبوت[3]، ولعلّه من باب أنه يثبت عند لصقه، كما يُضرب الطين على الحائط فيلزم[4]. وقيل: الجيّد الطيّب مقابل الحمأ المسنون: وهو الطين المنتن[5]. وفي التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السلام في احتجاج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المشركين: "وليس لأحد من عباده عليه (اللَّه) ضربة لازب"[6].

 

والمعنى: أن استفتهم يا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: أي اطلب منهم الحكم، أهم أشدّ خلقًا أم من خلقنا من الملائكة والشياطين المُشار إليهم في الآيات السابقة، أو الملائكة والسماوات والأرض والكواكب والشياطين، والتعبير بـ(من) لتغليب أولي العقل على غيرهم. فهل خلق هؤلاء من الطين الرخو أصعب أم إعادة الإنسان إلى الحياة وتجميع أجزائه بعد أن صار ترابًا وعظامًا؟! أوليس الذي خلق الإنسان من الطين قادرٌ على أن يعيده من التراب[7].


 


[1] راجع: السيوطي، الإتقان، مصدر سابق، ج1، ص353.

[2] راجع: الصنعاني، تفسير الصنعاني، مصدر سابق، ج3، ص148، الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج23، ص52 - 53، القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج2، ص222، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج8، ص486 - 487.

[3] راجع: مجاهد، تفسير مجاهد، مصدر سابق، ج2، ص540، أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج2، ص167، الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص739.

[4] راجع: الزمخشري، الكشاف، مصدر سابق، ج1، ص285.

[5] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج14، ص37، ج23، ص52، النحاس، معاني القرآن، مصدر سابق، ج4، ص24.

[6] التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري، مصدر سابق، ص507.

[7] راجع: الزمخشري، الكشاف، مصدر سابق، ج3، ص337، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج8، ص486، الشيخ مغنية، التفسير الكاشف، مصدر سابق، ج6، ص332، العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج17، ص125.

 

230


201

الدرس الرابع عشر: (ل - م)

مَرِيج (م ر ج)

 

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة مرّة واحدة، في سورةٍ مكّيّة، في قوله -تعالى-: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَّرِيجٍ﴾[1]. ومن المادّة 3 مفردات أخرى في القرآن الكريم: مَرَجَ: وقد وردت مرّتين، مرّة في سورة الفرقان ومرّة في سورة الرحمن، ومرجان: وردت مرّتين في سورة الرحمن، ومارج: وردت مرّة واحدة في سورة الرحمن أيضًا[2].

 

2- المعنى اللغوي:

أمرٌ مريج: أي مختلط وملتبس[3]، كما ورد في كلمات أرباب اللغة. "وغُصْنٌ مريج: قد التبست شناغيبه...، وفي الحديث: قد مرجت عهودهم وأمرجوها أي لم يفوا بها وخلطوها"[4]. و"سهمٌ مريج: ملتوٍ"[5].

 

ومن مشتقّات المادّة: "المَرْج: أرضٌ واسعة فيها نبت كثير تمرج فيها الدواب...، والمارج من النار: الشعلة الساطعة، ذات لهب شديد...، وفي الحديث: قد مرجت عهودهم وأمرجوها أي لم يفوا بها وخلطوها"[6]. "ومنه الهرج والمرج. يقال: إنما


 


[1] سورة ق، الآية 5.

[2] وهي أقواله - تعالى -: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ سورة الفرقان، الآية 53، ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ﴾ سورة الرحمن، الآية 19، ﴿وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ﴾ سورة الرحمن، الآية 15، ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ سورة الرحمن، الآية 22، ﴿كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ﴾ سورة الرحمن، الآية 58.

[3] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج6، ص121، ابن قتيبة الدينوري، غريب الحديث، مصدر سابق، ج1، ص131، ابن الأنباري، الزاهر، مصدر سابق، ص319 - 320، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص341، ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج3، ص137.

[4] الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج6، ص121.

[5] ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج2، ص68(نقله عن ابن دريد)، ج3، ص110.

[6] الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج6، ص120 - 121.

 

231


202

الدرس الرابع عشر: (ل - م)

يسكن المرج لأجل الهرج ازدواجًا للكلام"[1]. "ومرج الدابّة يمرجها: إذا أرسلها في الرعي...، مرج الخاتم في يدي، إذا قلق"[2].

 

والأصل في المادّة بحسب ابن فارس: "يدل على مجيء وذهاب واضطراب...، وقياس الباب كله منه"[3]. وقال الراغب: "أصل المَرْج: الخلط"[4]. وقال الشيخ الطوسي: "وأصله إرسال الشيء مع غيره في المرج"[5]. وحقّق المصطفوي: "أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو إرسال وإطلاق في جريان طبيعيّ للشيء وتنحيته عن القيود. ومن مصاديقه: إجراء ماء البحر في الأرض. وإرسال الدابّة في المرعى. وإطلاق الخاتم في الإصبع وعدم تقييده. والإطلاق في حفظ الأمانات والعهود وعدم التقيّد بخصوصيّات الوفاء. وأمر مريج إذا لم يكن مقيّدًا محدودًا حتّى يشتبه ويضطرب. والفضاء الواسع غير المحدود. والأرض الَّتي تنبت نباتات من دون قيد برنامج. وإبل مخلَّاة بالطبع. فالقيدان (الإرسال، الإطلاق الطبيعيّ) لا بدّ أن يلاحظا في مقام استعمال المادّة على نحو الحقيقة، وإلَّا فيكون مجازًا. وأمّا مفاهيم الفساد والاضطراب والالتباس والاختلاط، فهي قد تكون من آثار الإطلاق وفقدان القيد والخصوصيّة"[6]. وفي المعجم الاشتقاقي: "المعنى المحوري: حركةٌ مختلفة الاتجاهات لما يُفتَرض استقراره (عدم الاستقرار والاستقامة) كما تمرُج الدوابُّ في المرج، وقلق الخاتم..."[7].


 


[1]  الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص341.

[2] ابن السكيت، ترتيب إصلاح المنطق، مصدر سابق، ص347.

[3] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج5، ص315.

[4] الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص764.

[5] الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج9، ص358.

[6] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج11، ص64.

[7] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص2060.

 

232


203

الدرس الرابع عشر: (ل - م)

3- المعنى التفسيري:

وردت هذه المفردة في أسئلة نافع بن الأزرق لابن عباس، وقد أجابه بأن معناها: الباطل[1]. وروي عنه أنها بمعنى: مختلف[2]. وأطبقت كلمات المفسرين على أن المُراد بالأمر المريج الأمر المختلط والمضطرب والمختلف والملتبس على اختلاف تعبيراتهم[3].

 

وقيل: إن معناها على نسق قوله - تعالى -: ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ﴾، فتارةً تقولون إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ساحر، وأخرى شاعر، وطورًا تنسبونه إلى الكهانة، وأخرى إلى الجنون، ولم تثبتوا على أمر واحد[4].

 

لكن الأوفق القول إن في الآية مورد المفردة إضرابًا عن وصفهم بأمرٍ سابق، وهو التعجّب في قوله: ﴿بَلْ عَجِبُوا أَن جَاءهُمْ مُنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ﴾[5]، والاستبعاد في قوله: ﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ﴾[6]، إلى وصفهم بالتكذيب والجحود بالحق بعد معرفته، لا مجرّد التشكيك أو الجهل بصدق القرآن والنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقدرة اللَّه -تعالى- على إحياء الموتى[7].


 


[1] راجع: السيوطي، الإتقان، مصدر سابق، ج1، ص369.

[2] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج26، ص193.

[3] راجع: مجاهد، تفسير مجاهد، مصدر سابق، ج2، ص609، مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج3، ص268، أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج2، ص7، ص222، الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج19، ص31، ج26، ص193 - 194، ابن أبي حاتم الرازي، تفسير القرآن العظيم، مصدر سابق، ج13، ص900، القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج2، ص323، النحاس، معاني القرآن، مصدر سابق، ج5، ص36، الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص764، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج9، ص358.

[4] راجع: ابن أبي حاتم الرازي، تفسير القرآن العظيم، مصدر سابق، ج13، ص900، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج9، ص258، الرازي، تفسير الرازي، مصدر سابق، ج28، ص154، الشيخ مغنية، التفسير الكاشف، مصدر سابق، ج7، ص129.

[5] سورة ق، الآية 2.

[6] سورة ق، الآية 3.

[7] راجع: الرازي، تفسير الرازي، مصدر سابق، ج28، ص154، العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج18، ص339 - 340.

 

233


204

الدرس الرابع عشر: (ل - م)

لُغُوب (ل غ ب)

 

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدةً في مادّتها في القرآن الكريم، مرّتين، في سورتين مكّيّتين، في قوليه - تعالى -: ﴿الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾[1], ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ﴾[2].

 

2- المعنى اللغوي:

أجمعت كلمات اللغويين على أن المُراد باللغوب شدّة التعب والإعياء[3]. تقول: لغَب يلغُب بالضّم لُغوبًا، ولَغِب بالكسر يلْغَب لغوبًا لغةٌ ضعيفة[4].

 

ومن مشتقّات المادّة: اللُّغاب: وهو ريش السّهم إذا لم يعتدل، واحده لُغابة، فإذا اعتدل فهو لُؤام[5]. واللَّغْب: الرديء من الكلام[6]. وفلانٌ لَغوبٌ ولَغْبٌ: أي أحمق ضعيف[7]. ولَغَبَ على القوم: أفسد عليهم[8].


 


[1] سورة فاطر، الآية 35.

[2] سورة ق، الآية 38.

[3] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج4، ص421، ابن الأنباري، الزاهر، مصدر سابق، ص204، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص220، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج5، ص256، الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص859، ابن الأثير، النهاية، مصدر سابق، ج4، ص256، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج1، ص742 - 743، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج1، ص128، الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج2، ص167.

[4] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص220.

[5] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج4، ص421، ابن الأثير، النهاية، مصدر سابق، ج4، ص256، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج1، ص743.

[6] راجع: ابن الأنباري، الزاهر، مصدر سابق، ص204، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج1، ص743.

[7] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص220، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج5، ص256، ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج1، ص44.

[8] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص220.

 

234


205

الدرس الرابع عشر: (ل - م)

والأصل في المادّة بحسب ابن فارس يدلُّ على ضعف وتعب[1]. وحقّق المصطفوي: "أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو ضعف في قبال أعمال شاقّة أو حوادث ثقيلة. وسبق أنّ العيّ: هو كلالة مع تعب. والكلالة: ثقل يحمل على شخص. والتعب: يقابله الراحة. والعجز: يقابله القدرة. والنَّصَب: ارتفاع وقوام. فظهر الفرق بين هذه الموادّ، ولا بدّ في المادّة من لحاظ القيدين، وإلَّا فيكون تجوّزًا. ومن آثار الأصل: التعب، والفساد، والمشقّة، والكلالة، والعَيّ، وإذا لوحظ فيها القيدان: تكون من مصاديق الأصل، كالتعب والفساد والمشقّة والعيّ إذا بلغت إلى الضعف في قبال هذه الحوادث غير الملائمة"[2]. وفي المعجم الاشتقاقي: "المعنى المحوريّ: تجمُّعٌ على ضَعْفٍ - رقَّة أو فساد - في الأثناء: كضعف المُعيى بذهاب قوته،... وفساد السَّهم..."[3].

 

3- المعنى التفسيري:

لم تحِد كلمات المفسرين عن قول اللغويين من أن اللغوب هو التعب والإعياء[4]. وفي تفسير القمّي أنّ النّصَب هو العناد، واللغوب هو الكسل والضجر[5].

 

وقوله - تعالى -: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾[6]، قالوا: إنها نزلت تكذيبًا لقول اليهود إن اللَّه


 


[1] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج5، ص256.

[2] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج10، ص 205 - 206.

[3] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص1983.

[4] راجع: مجاهد، تفسير مجاهد، مصدر سابق، ج2، ص613، مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج3، ص78، الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج22، ص168، ج26، ص229 - 230، ابن أبي حاتم الرازي، تفسير القرآن العظيم، مصدر سابق، ج10، ص3184، الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص742، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج8، ص432.

[5] راجع: القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج2، ص209.

[6] سورة ق، الآيتان 38 - 39.

 

235


206

الدرس الرابع عشر: (ل - م)

أعياه خلق السماوات والأرض فاستراح يوم السبت[1]!

 

وقوله - تعالى -: ﴿الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾[2], فرّق البعض بين النّصب واللغوب بقوله: "النصب: التعب والمشقة التي تصيب المنتصب للأمر المزاول له، وأما اللغوب فما يلحقه من الفتور بسبب النصب، فالنصب نفس المشقة والكلفة، واللغوب نتيجته وما يحدث منه من الكلال والفترة"[3].

 


[1] راجع: مجاهد، تفسير مجاهد، مصدر سابق، ج2، ص613، مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج3، ص78، الصنعاني، تفسير الصنعاني، مصدر سابق، ج3، ص239، الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج26، ص230، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج9، ص374.

[2] سورة فاطر، الآية 35.

[3] الزمخشري، الكشاف، مصدر سابق، ج3، ص310.

 

236


207

الدرس الرابع عشر: (ل - م)

المفاهيم الرئيسة

 

لازِبْ (ل ز ب)

- وردت هذه المفردة وحيدةً في مادّتها في القرآن، مرّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّة.

 

- ذكر اللغويون في معنى الطين اللازب أنه: اللازق، أو الشديد الصُّلب.

 

- من مشتقّات المادّة: اللُّزوب: وهو الضيق والقحط, والمِلْزاب: البخيل.

 

- قيل في أصل المادة أنه: ثبوت شيء ولزومه, وقيل: التلاصق مع الصلابة.

 

- ذكر المفسّرون للمفردة معانٍ مطابقة للمعنى اللغوي.

 

مَرِيج (م ر ج)

- وردت هذه المفردة مرّة واحدة، في سورةٍ مكّيّة. ومن المادّة 3 مفردات أخرى في القرآن.

 

- ذكر اللغويون أن الأمر المريج هو: المختلط والملتبس. وسهمٌ مريج: أي ملتوٍ.

 

- من مشتقّات المادّة: المَرْج: أرضٌ واسعة فيها نبت كثير تمرج فيها الدواب.

 

- تمحورت كلماتهم في الأصل حول معاني الإرسال والإطلاق والاضطراب.

 

- تطابقت كلمات المفسرين مع كلمات اللغويين في معنى المفردة.

 

لُغُوب (ل غ ب)

- وردت هذه المفردة وحيدةً في مادّتها في القرآن، مرّتين، في سورتين مكّيّتين.

 

237

 


208

الدرس الرابع عشر: (ل - م)

- أجمعت كلمات اللغويين على أن المُراد باللغوب شدّة التعب والإعياء.

 

- من مشتقّات المادّة: اللَّغْب: الرديء من الكلام. وفلانٌ لَغوبٌ: أي أحمق ضعيف.

 

- تمحورت كلماتهم في أصل المادّة حول معنى الضَّعف والتّعب.

 

-لم تحِد كلمات المفسرين عن قول اللغويين من أن اللغوب هو التعب والإعياء.

 

- نزلت الآية الأولى مورد المفردة تكذيبًا لقول اليهود إن اللَّه أعياه خلق السماوات والأرض فاستراح يوم السبت. والثانية وصفًا لحال أهل الجنة من أنهم لا يمسهم فيها النصب ولا اللغوب، وفُرِّق بينهما بأن النصب نفس المشقّة، واللغوب نتيجتها من الإعياء والتعب.

238

 


209

الدرس الخامس عشر: (ن - ه)

الدرس الخامس عشر

(ن - ه)

 

أهداف الدرس

يتناول الدرس المفردات الآتية

1- نَقْعًا (ن ق ع).

 

2- نَقَّبُوا (ن ق ب).

 

3- هَضِيم (ه ض م).

 

 

241

 

 


210

الدرس الخامس عشر: (ن - ه)

نَقْعًا (ن ق ع)

 

مورد المفردة في القرآن الكريم

وردت هذه المفردة وحيدةً في مادتها في القرآن الكريم، مرّةً واحدة، في سورةٍ مدنيّة، وقيل: مكّيّة[1]، في قوله - تعالى -: ﴿فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا﴾[2].

 

1- المعنى اللغوي:

ذكر اللغويون في معنى النَّقْع أنَّه: مجمع الماء، ويُعبّر عنه بالمستنقع أو المَنْقَع, وأنه: فِعلُ رمْسِ شيءٍ بالماء, وأنه: مرتبة من مراتب الارتواء، قال الثعالبي:

"وأَوَّلُ الرَّيِّ النَّضْحُ ثُمَّ النَّقْعُ ثُمَّ التَّحَبُّبُ ثُمَّ التَّقَمُّح"[3], وأنه: نوعٌ من الدّواء يُنقع ويُشرب, وأنه: رفع الصَّوت, وأنه: الغبار[4]، وجمعه نقاع[5].

ومن الواضح أن المناسب للسياق القرآني من هذه المعاني هو المعنى الأخير، باعتبار أن النَّقع التي تثيره الخيل ليس إلا الغبار.


 


[1] راجع: الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج10، ص359، العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج20، ص345.

[2] سورة العاديات، الآية 4.

[3] الثعالبي، فقه اللغة، مصدر سابق، ص163 - 164.

[4] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ص171 - 173، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص1292 - 1294، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ص471 - 473، ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج1، ص120، ج3، ص66، الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص986، ابن الأثير، النهاية، مصدر سابق، ج5، ص109، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج8، ص259 - 262.

[5] الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص1292.

 

243


211

الدرس الخامس عشر: (ن - ه)

ومشتقّات المادّة كثيرة، منها: نَقَع الماءُ ينقع نَقْعًا ونُقوعًا: اجتمع وطال مكثه, واستنقعت في الماء: أي لبثت فيه متبردًا, والنقيع: شراب يتخذ من الزبيب ينقع في الماء من غير طبخ, والنقيع: البئر الكثيرة الماء, والنقيعة: ما يُذبح للضيف[1].

 

وبحسب ابن فارس للمادّة أصلان، أحدهما: يدل على استقرار شيء كالمائع في قراره، والآخر: على صوت من الأصوات، ولم يذكر الغبار ضمن المعاني التي أوردها[2]. وحقّق المصطفوي: "أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو تجمّع أجزاء واستقرارها في محلّ. ومن مصاديقه: انتقاع الماء في محلّ من دواء أو تمر أو زبيب أو نبيذ. وتجمّع ماء في حوض أو بئر واستقراره...، وتجمّع ما دقّ من التراب في محلّ ويسمّى غبارًا. ولعلّ ارتفاع الصوت: بمناسبة تجمّع الارتعاشات الهوائيّة الصوتيّة في مقام اعتلاء الصوت، فيطلق النقيع على الصراخ"[3]. وفي المعجم الاشتقاقي: "المعنى المحوري: تشبّع الشيء بالمائع حتى يرشح من أثنائه ويتجمع فوقه...، ومنه النَّقع في الآية: الغبار السّاطع ذرَّاتٌ صغيرةٌ من التُّراب تنفذُ خلال الجوّ حتى تجتمع أعلاه"[4].

 

2- المعنى التفسيري:

وردت هذه المفردة في أسئلة نافع بن الأزرق لابن عباس، وقد أجابه أنّ معناها: ما يسطع من حوافر الخيل[5]. وأجمعت كلمات المفسّرين على أن المُراد من المفردة الغبار الذي تثيره الخيل أو الإبل[6]. وورد في بعض مصادر العامة عن أمير المؤمنين عليه السلام


 


[1] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ص171 - 173، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص1292 - 1294.

[2] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ص471 - 473.

[3] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج12، ص226.

[4] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص2250.

[5] راجع: السيوطي، الإتقان، مصدر سابق، ج1، ص363.

[6] راجع: مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج3، ص510، أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج2، ص307، الصنعاني، تفسير الصنعاني، مصدر سابق، ج3، ص390، الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج30، ص351 - 352، القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج2، ص439، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج10، ص396 - 397.

 

244


212

الدرس الخامس عشر: (ن - ه)

أنه نهى ابن عباس عن تفسيرها بخيل الجهاد, لأنّ أول وقعةٍ للمسلمين كانت في بدر ولم يكن لديهم إلا فَرَسَان، وفسّرها بأنّها الإبل بين عرفة والمزدلفة، وبين المزدلفة ومنى[1]، ويقوى هذا على القول بمكّيّة السورة، إلا أنّ ظاهر الآيات والأوصاف أنها في الخيل[2]. وقيل في سبب نزول السورة: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث سرية إلى حيين من كنانة واستعمل عليهم أحد النقباء: المنذر بن عمرو الأنصاري، فغابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يعلم لها مخبر فأنزل اللَّه - تعالى - السورة وأخبر بحال القوم[3]. وفي تفسيري القمي وفرات الكوفي عن أبي عبد اللَّه في قصة طويلة أنها نزلت في أهل وادي اليابس الذين تعاهدوا أن يقتلوا رسول اللَّه فأرسل إليهم أمير المؤمنين عليه السلام فقاتلهم وهزمهم وأسر منهم[4]. ورُوي أنها نزلت في غزوة ذات السلاسل[5].

 

وقيل في مرجع الضمير (به) في قوله ﴿فَأَثَرْنَ بِهِ﴾: إنه الموضع الذي كانت فيه الإغارة، لأنه إذا عُلم المعنى جاز أن يُكنّى عما لم يجز ذكره بالتصريح، وقيل: إنه وقت الصبح في قوله: ﴿فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا﴾, وقيل: إنه العَدْوُ في قوله ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا﴾[6].

 

نَقَّبُوا (ن ق ب)

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة مرَّةً واحدة في القرآن الكريم، في سورةٍ مكّيّة، في قوله - تعالى -:


 


[1] راجع: النيسابوري، الحاكم محمد بن عبد اللَّه، المستدرك على الصحيحين، إشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة للطباعة والنشر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج2، ص105.

[2] راجع: العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج20، ص345.

[3] راجع: مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج3، ص510، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج10، ص398.

[4] القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج2، ص434 - 438، فرات الكوفي، تفسير فرات الكوفي، مصدر سابق، ص599 - 603.

[5] راجع: فرات الكوفي، تفسير فرات الكوفي، مصدر سابق، ص591 - 592.

[6] راجع: الرازي, تفسير الرازي, مصدر سابق, ج 32, ص66.

 

245


213

الدرس الخامس عشر: (ن - ه)

﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِن مَّحِيصٍ﴾[1]. ومن المادة مفردتان أخريان فقط وردتا في القرآن، كلٌّ منهما مرّة واحدة، وهي (نقيبًا) في سورةٍ مدنيّة، في قوله - تعالى -: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾[2]. و(نَقْبًا) في سورةٍ مكّيّة، في قوله - تعالى -: ﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾[3].

 

2- المعنى اللغوي:

ذكر اللغويون - لا سيّما الذين تعّرضوا منهم للآية الكريمة - أنّ معنى (نَقَّبوا): ساروا[4]، أو خَرَقُوا البلادَ فساروا فيها طَلَباً للمَهْرَبِ[5]، أو ساروا في البلاد طلبًا للمهرب[6]، أو ساروا وطافوا وأَبْعَدوا[7]، أو "ساروا وسلكوا النقب والمنقب والمنقبة والنقاب والمناقب وهي طرق الجبال"[8]. "ومن قرأَ فنَقِّبوا، بكسر القاف، فإِنه كالوعيد أَي اذْهَبُوا في البلاد وجِيئُوا, وقال الزجاج: فنَقِّبُوا، طَوِّفُوا وفَتِّشُوا"[9].

 

ومن مشتقّات المادّة: نَقَبَ: أي عمل ثقبًا في الحائط، أو ثقبًا في الجسد كعمل البيطار وهو يثقب سُرَّة الدابّة. ونَقِب الخُفُّ: تَخرَّق. والنقب: طريق ظاهر على رؤوس الجبال والآكام والروابي لا يزوغ عن الأبصار، وهو المنقبة أيضًا. والنقيب:


 


[1] سورة ق، الآية 36.

[2] سورة المائدة، الآية 12.

[3] سورة الكهف، الآية 97.

[4] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص180، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج5، ص466، الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص820.

[5] راجع: ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج1، ص769 (عن الفراء).

[6] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص228.

[7] راجع: ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج1، ص114.

[8] الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص983. وراجع: الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج2، ص175.

[9] ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج1، ص769.

 

246


214

الدرس الخامس عشر: (ن - ه)

شاهد القوم، والأمين والكفيل عليهم. والنُّقباء: الذين ينقبون الأخبار والأمور للقوم فيصدقون بها. والنَّقَّاب: الحبر العالم. والنقاب: ما انتقبت به المرأة على محجرها. والمنقبة: كرمُ الفِعال[1].

 

والأصل في المادّة بحسب ابن فارس: يدلّ على فَتْحٍ في شيءٍ. ومنه ثقب الحائط أو الجسد، والنقّاب: العالم المُنقّب عن الأمور، ومثله النّقيب: يُنَقِّب عن أسرار قومه وأمورهم، والنَّقْب أو النُّقْب أو المنقبة: الطريق في الجبل، ومنه نقَّبوا: أي ساروا في النُّقوب: أي الطُرُق، ونقاب المرأة شاذٌّ عن الأصل[2]. وحقّق المصطفوي: "أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو بحث وتخليل وتدقيق سواء كان في مادّيّ أو معنويّ. ويلاحظ فيه القيود الثلاثة. ومن مصاديقه: خرق الحائط وشقّه بدقّة...، وأمّا البحث والتدقيق في المعنويّات: كما في موارد نقابة القوم وتحقيق حالاتهم وعقائدهم...، وأمّا مفهوم الطريق في الجبل: فإنّه في خلال الجبل والارتفاعات، وله دقّة، فكأنّه بحث في الجبل وشقّ فيه. وأمّا النقاب للمرأة: فباعتبار كونه ذا ثقب للرؤية والتنفّس، فانّه يثقب ويخرق دقيقًا لطيفًا للمشاهدة"[3]. وفي المعجم الاشتقاقي: "المعنى المحوري: خرقٌ نافذٌ في شيءٍ غليظٍ يبلُغُ نهاية سُمْكه. كالثُّقب في الجدار...، وقوله - تعالى -: ﴿فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ﴾: خرَّقوا البلاد فساروا فيها طلبًا للمهرب (هو من ذلك أو من تَتَبُّع الأنقاب: الطُّرُق في الجبال"[4].


 


[1] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص179 - 180، ابن السكيت، ترتيب اصطلاح المنطق، مصدر سابق، ص386، ابن قتيبة الدينوري، غريب الحديث، مصدر سابق، ج2، ص9، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص227، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج5، ص465 - 466، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج1، ص765 - 770.

[2] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج5، ص465 - 466.

[3] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج12، ص214.

[4] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص2245.

 

 

247


215

الدرس الخامس عشر: (ن - ه)

3- المعنى التفسيري:

وردت هذه المفردة في أسئلة نافع بن الأزرق لابن عباس، وقد أجابه أن معناها: هربوا بلغة أهل اليمن[1]، وبه قال مقاتل[2]. وذكر المفسرون للمفردة معاني متقاربة مثل: ضربوا في البلاد، وحوّلوا في البلاد، وطافوا وتباعدوا وتوغّلوا إلى الأقاصي، وحاصوا، ومَرّوا[3]. ورُوي عن ابن عباس: أثَّروا، وعن مجاهد: عملوا في البلاد ذاك النَّقب[4]. وفي معناها قال الشيخ الطوسي: "أي فتحوا مسالك في البلاد بشدة بطشهم، فالتنقيب: التفتيح بما

يصلح للسلوك من نقض البنية، ومنه النقب الفتح الذي يصلح للمسلك. وقد يفتح اللَّه على العباد في الرزق بأن يوسع عليهم في رزقهم، ولا يصلح فيه النقب.

وكل نقب فتح، وليس كل فتح نقبًا، فالنقب نقض موضع بما يصلح للسلوك"[5].

 

"ودخلت الفاء للتسبيب عن قوله - هم أشد منهم بطشًا - أي شدة بطشهم أبطرتهم وأقدرتهم على التنقيب وقوتهم عليه"[6]. وفي المقصود من (نقّبوا) وجوهٌ[7] منها:

- أن الأقوام السابقة ساروا وطافوا وأبعدوا وضربوا في الأرض ولم يجدوا ملجأً من أمر اللَّه. وعلى قراءة الكسر في القاف (فنقِّبوا) يكون أمرًا لأهل مكة


 


[1] راجع: السيوطي، الإتقان، مصدر سابق، ج1، ص369.

[2] راجع: مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج3، ص273.

[3] راجع: مجاهد، تفسير مجاهد، مصدر سابق، ج2، ص612، مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج3، ص273، أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج2، ص224، الصنعاني، تفسير الصنعاني، مصدر سابق، ج3، ص239، القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج2، ص327، الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج26، ص226 - 227.

[4] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج26، ص227.

[5] الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج9، ص373.

[6] الزمخشري، الكشاف، مصدر سابق، ج4، ص11.

[7] راجع: الزمخشري، الكشاف، مصدر سابق، ج4، ص11، الرازي، تفسير الرازي، مصدر سابق، ج28، ص181 - 182.

 

 

248


216

الدرس الخامس عشر: (ن - ه)

بالسير في الأرض والتنقيب عن آثار الأمم الهالكة، والاعتبار ممن كان أشد منهم قوة وبطشًا.

 

- ما قاله - تعالى- في حق ثمود: ﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ﴾[1], و ﴿جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ﴾[2]، فمن قوّتهم خرقوا الطرق ونقبوها، وقطعوا الصخور وثقبوها، ولم يمنعهم ذلك من أمر اللَّه.

 

- صاروا نقباء في الأرض، وتزعّموا النّاس، وملكوا البلاد، لكنهم لم يجدوا من أمر اللَّه محيصًا.

 

- أن خُفَّهم تنقَّب وتخرَّق من كثرة ما طافوا في الأرض، ويُستفاد هذا المعنى على قراءة (نَقِبوا) بكسر القاف المخفّفة.

 

هَضِيم (ه ض م)

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة مرّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّة، في قوله - تعالى -: ﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ﴾[3]. ومن المادّة مفردة أخرى فقط في القرآن الكريم، وردت مرّة واحدة، في سورة مكّيّة أيضًا، في قوله - تعالى -: ﴿وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾[4].

 

2- المعنى اللغوي:

تعرّض اللغويون لمعنى مفردة (هضيم) بعد ذكرهم للآية الكريمة، فقالوا إن


 


[1] سورة الشعراء، الآية 149.

[2] سورة الفجر، الآية 9.

[3] سورة الشعراء، الآيات 146 - 148.

[4] سورة طه، الآية 112.

 

249


217

الدرس الخامس عشر: (ن - ه)

(الطلع الهضيم) هو: المهضوم في جوف الجف منهضم فيه[1]، أو: إنه الطلع ما لم يخرج من كُفُرّاه لدخول بعضه في بعض[2]، أو: الطلع الداخل بعضه في بعض[3]، أو: النَّضيج، أو: المَريء، أو: النّاعم، أو: المُنْهضِم، أو: الذي يتَهَشَّم تَهَشُّماً، أو: ما كانت رُطَبُه بغير نوى[4].

 

وتُطلق أيضًا صفة (هضيم) على الخَصْر: فيُقال: إمرأةٌ هَضيم: أي لطيفة الكَشْحَيْن، كأنّهما هُضِما وانْضَمَّا، وكذلك: بطنٌ هضيم[5]. ورَجلٌ هضيمٌ ومُهتَضم: أي مظلوم[6].

 

ومشتقّات المادّة كثيرة، منها: "الهاضم: الشادخ لما فيه رخاوة ولين، تقول: هضمته فانهضم، كالقصبة المهضومة التي يزمر بها...، والهاضوم: كل دواء هضم طعامًا...، وهضمت من حقي طائفة، أي: تركته...، والأهضام: ضرب من البخور"[7]. "والهضم: مصدر هضمه يهضمه هضمًا، إذا ظلمه...، والهضيمة: أن يتهضمك القوم شيئًا، أي يظلمونك"[8]. و"هضمت الشيء: كسرته"[9].

 

والأصل في المادة بحسب ابن فارس: يدُلُّ على كسرٍ وضغطٍ وتداخلٍ. ومنه المزمار المهضوم, لأنه في ما يزعمون أكسار يضم بعضها إلى بعض، وامرأة هضيمة الكشحين:


 


[1] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج3، ص410.

[2] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج5، ص2059.

[3] راجع: ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج12، ص615 (نقله عن الزّجّاج)، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج6، ص55.

[4] راجع: ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج12، ص614 - 615.

[5] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج5، ص2059، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج6، ص55، الثعالبي، فقه اللغة، مصدر سابق، ص146، ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج1، ص27، ابن الأثير، النهاية، مصدر سابق، ص265.

[6] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج5، 2059.

[7] الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج3، ص409 - 410.

[8] ابن السكيت، ترتيب إصلاح المنطق، مصدر سابق، ص409.

[9] الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج5، ص2059.

 

250


218

الدرس الرابع عشر: (ل - م)

لطيفتهما كأنهما ضغطا[1]. وحقّق المصطفوي: "أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو غمزٌ للشيء في ذاته حتى يحصل له تحوّل واندقاق.

ومن مصاديقه: تهضّم في الطعام، وانكسار في الوجه، أو في المهر، أو في الحقّ. وغمزٌ في الشيء بنقص أو ظلم أو إذلال أو غيره. وانضمامٌ في الكشح أو في أعلى البطن. وطلع النخل الهضيم. وانخفاضٌ في الوادي. ولازمٌ أن يلاحظ قيود الأصل، وإلَّا فهو تجوّز. وبينها وبين موادّ الهتم، والهذم، والهزم، والهشم، اشتقاقٌ أكبر، وفي كلّ منها نوع من التكسّر"[2]. وفي المعجم الاشتقاقي: "المعنى المحوري: نَهْكُ الغليظ وتذويبه وإذهاب غِلَظه"[3].

 

3- المعنى التفسيري:

وردت هذه المفردة في أسئلة نافع بن الأزرق لابن عباس، وقد أجابه بأن معناها: منهضمٌ بعضه إلى بعض[4]. وقد اختلف المفسّرون في معنى الهضيم، فقال بعضهم: إنه المُتهشّم المُتَفتّت[5], وبعضهم: إنه المتراكب بعضه على بعض من الكثرة[6]، أو الممتلئ بحسب تعبير القمّي[7], وبعضهم: إنه الرَّطب اللّيِّن اللطيف, وبعضهم: إنه اليانع النَّضيج[8]. وبعد ذكره لبعض الأقوال السابقة، علّق الطبري بأنّ أولى الأقوال عنده هو أن الهضيم: المُتَكَسِّر من لينه ورطوبته إمّا بمسّ الأيدي، وإمّا بركوب بعضه


 


[1] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج6، ص55.

[2] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج11، ص265.

[3] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص2307.

[4] راجع: السيوطي، الإتقان، مصدر سابق، ج1، ص363.

[5] راجع: مجاهد، تفسير مجاهد، مصدر سابق، ج2، ص464.

[6] راجع: مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج2، ص460، أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج2، ص31، الصنعاني، تفسير الصنعاني، مصدر سابق، ج2، ص88، الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص842.

[7] راجع: القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج2، ص123.

[8] راجع في هذه الأقوال والأقوال السابقة: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج19، ص122، ابن أبي حاتم الرازي، تفسير القرآن العظيم، مصدر سابق، ج9، ص2801 - 2802، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج8، ص49.

 

251


219

الدرس الخامس عشر: (ن - ه)

بعضًا[1]. وقد رجّح الشريف الرضيّ القول بأنه دخول وانضمام بعضه في بعض، وهي استعارة، فكأنّ بعضه هضم بعضًا لفرط تكاثفه، وشدة تشابكه. وإن كان القول بأنه اللطيف أبلغ في صفة الطلع المُراد للأكل، إلا أنه والقول الأخير(اليانع النّضيج) يُخْرِجان الكلام عن حدِّ الاستعارة[2].

 

والطّلع: هو ما يَطْلُعُ من النّخل[3]. وقد خُصَّ النَّخل بالذِّكر مع دخوله تحت عنوان الجنّات المتقدّم عليه لاهتمامهم به[4]، وقيل: تنبيهًا على فضله[5]. والمعنى الإجمالي للآيات: "لا تُتركون في هذه النعم التي أحاطت بكم في أرضكم هذه وأنتم مطلقو العنان لا تسألون عما تفعلون آمنون من أي مؤاخذة إلهية"[6]. على نسق قوله - تعالى -: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾[7].


 


[1] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج19، ص122 - 123.

[2] راجع: الشريف الرضي، تلخيص البيان في مجازات القرآن، مصدر سابق، ص258.

[3] راجع: الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص523.

[4] راجع: العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج15، ص305.

[5] راجع: الرازي، تفسير الرازي، مصدر سابق، ج24، ص159.

[6] العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج15، ص305.

[7] سورة العنكبوت، الآية 2.

 

252


220

الدرس الخامس عشر: (ن - ه)

المفاهيم الرئيسة

 

 

نَقْعًا (ن ق ع)

- وردت هذه المفردة وحيدةً في مادتها في القرآن، مرّةً واحدة، في سورةٍ مدنيّة.

 

- ذكر اللغويون للنَّقْع معانٍ عديدة منها: مجمع الماء, وفِعلُ رمْسِ شيءٍ بالماء, والغبار.

 

- مشتقّات المادّة كثيرة، منها: نَقَع الماءُ: اجتمع وطال مكثه, والنقيع: البئر الكثيرة الماء.

 

- تمحورت كلماتهم في أصل المادّة حول معنى تجمّع شيءٍ واستقراره.

 

- أجمع المفسّرون على أن المُراد من المفردة الغبار الذي تثيره الخيل أو الإبل.

 

- الآية مورد المفردة تصف هجوم المسلمين بقيادة الإمام علي عليه السلام في غزوة ذات السلاسل.

 

نقَّبُوا (ن ق ب)

- وردت هذه المفردة مرَّةً واحدة في القرآن، في سورةٍ مكّيّة. ومن المادة مفردتان أخريان في القرآن.

 

- ذكر اللغويون أنّ معنى (نَقَّبوا): ساروا في البلاد.

 

- من مشتقّات المادّة: النَّقَّاب: الحبر العالم. والنِّقاب: ما انتقبت به المرأة على محجرها.

 

- تمحورت كلماتهم في أصل المادّة حول معنى الفتح والخرق في شيءٍ ما.

 

253

 


221

الدرس الخامس عشر: (ن - ه)

- ذكر المفسرون للمفردة معاني متقاربة مثل: طافوا وتباعدوا وتوغّلوا إلى الأقاصي.

 

- ذكر المفسرون في المراد من (نقَّبوا) أقوالًا عديدة تتبع الاختلاف في المعنى اللغوي.

 

هَضِيم (ه ض م)

- وردت هذه المفردة مرّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّة. ومن المادّة مفردة أخرى في القرآن.

 

- ذكر اللغويون أن (الطلع الهضيم) هو: المهضوم في الجوف، أو النَّضيج.

 

- مشتقّات المادّة كثيرة، منها: الهاضم: الشادخ لما فيه رخاوة ولين، والهضم: الظلم.

 

- تمحورت كلماتهم في أصل المادة حول معاني الكسر والضغط والتداخل والاندقاق.

 

- اختلفت أقوال المفسرين في المراد من المفردة على نسق اختلاف اللغويين.

 

- في الآية تهديدٌ لقوم صالح بأنهم لن يُتركوا في جناتهم ونعيمهم الذي ركنوا إليه.

 

254

 


222

الدرس الخامس عشر: (ن - ه)

الدرس السادس عشر

(و - ي)

 

أهداف الدرس

يتناول الدرس المفردات الآتية

1- واصِب (و ص ب).

 

2- وَكَزَهُ (و ك ز).

 

3- يَبَسًا (ي ب س).

 

256


223

الدرس السادس عشر: (و - ي)

واصِب (و ص ب)

 

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدة في مادتها في القرآن الكريم بصيغة (فاعل)، مرتين، في سورتين مكّيتين، في قوله - تعالى -: ﴿وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ﴾[1]، وقوله - تعالى: ﴿دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ﴾[2].

 

1- المعنى اللغوي:

أجمعت كلمات اللغويين - لا سيّما الذين تعرّضوا منهم للآيتين مورد المفردة - على أن المراد بالواصب: الدائم[3].

 

ومن مشتقّات المادّة: "الوَصَبُ: الوَجَعُ والمرضُ. والجمع أَوْصابٌ. ووَصِبَ يَوْصَبُ وَصَباً، فهو وَصِبٌ. وتَوَصَّبَ، ووَصَّبَ، وأَوْصَبَ، وأَوْصَبَه اللَّه، فهو مُوصَبٌ. والمُوَصَّبُ بالتشديد: الكثير الأَوْجاعِ. وفي حديث عائشة: أَنا وصَّبْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، أَي مَرَّضْتُه في وَصَبه...، الوَصَب: دوامُ الوَجَع ولُزومه...، وقد يطلق الوَصَبُ على التَّعب والفُتُور


 


[1] سورة النحل، الآية 52.

[2] سورة الصافات، الآية 9.

[3] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص168، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص233، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج6، ص117، ابن سِيدَه، المخصص، مصدر سابق، ج3، ص72، الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص1027، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج1، ص979، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج1، ص137، الشيخ الطريحي، مجمع البحرين، مصدر سابق، ج2، ص181.

 

257


224

الدرس السادس عشر: (و - ي)

في البَدَن"[1]. "ومفازةٌ واصبة: بعيدة لا غاية لها من بعدها"[2]. و"تقول: وصب الرجل على الأمر، إذا واظب عليه"[3].

 

والأصل في المادّة بحسب ابن فارس: يدلُّ على دوام شيء[4]. وحقّق الشيخ المصطفوي: "أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو ملازمة أمر غير ملائم. ومن مصاديقه: الوجع أو المرض الملازمان. والعذاب الملازم. وقد يكون الأمر غير ملائم بحسب الظاهر وعلى اقتضاء تمايل الإنسان، وإن كان مطلوبا في الواقع وبحسب نفس الأمر، كما في المفازة إذا كانت وسيعة وبعيد الطول، وكالأمر الواجب الثابت"[5]. وفي المعجم الاشتقاقي: "المعنى المحوري: دوام بقاء الحادّ الذي يحتويه الشيء فيه"[6].

 

2- المعنى التفسيري:

أغلب المفسّرين قالوا إن المُراد بالواصب في كلا الموردين: الدائم[7]. وقيل: هو


 


[1] ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج1، ص797. وراجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص168، ابن الأثير، النهاية، مصدر سابق، ج5، ص190.

[2] الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص168.

[3] الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج1، ص233.

[4] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج6، ص117.

[5] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج13، ص118.

[6] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص1187.

[7] راجع: مجاهد، تفسير مجاهد، مصدر سابق، ج1، ص384، ج2، ص539، مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج2، ص225، ج3، ص59، الثوري، تفسير الثوري، مصدر سابق، ص165، أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج1، ص361، ج2، ص166، الصنعاني، تفسير الصنعاني، مصدر سابق، ج2، ص357، ج3، ص147، الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج14، ص 157 - 158، ج23، ص49، ابن أبي حاتم الرازي، تفسير القرآن العظيم، مصدر سابق، ج7، ص2285 - 2286، النحاس، معاني القرآن، مصدر سابق، ج4، ص72 - 73، الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص872، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج6، ص390، ج8، ص484.

 

258


225

الدرس السادس عشر: (و - ي)

الواجب في قوله: (وله الدين واصبا)[1]، ورواه العياشي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام[2]. وفي تفسير القمّي أنه الواجب في كلا الموردين[3]. وقيل: هو الموجع في قوله ولهم عذاب واصب[4]. والطبري رجّح معنى (الدائم) في المورد الثاني بشهادة المورد الأول، وفيه ما فيه, لأنه لا مانع من اختلاف المعاني بحسب السياقات[5]. وقيل في المورد الأول إن الدين الواصب بمعنى: "شغلَ الناس وحال بينهم وبين كثير من شهواتهم، فما يستطيعه إلا من عرف فضله ورجا عاقبته"[6]، وبتعبيرٍ آخر: الطاعة على كل الأحوال، وإن كان فيها الوصب، وهو التعب والشدّة[7].

 

وفي قوله - تعالى -: ﴿وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾، قيل في الدين هنا: إنه الطاعة[8]، وقيل: الجزاء[9]، وقيل: الإخلاص[10]، وقيل: الإسلام[11]. وقيل في معنى الآية: "قوله ﴿وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ معناه: "أن كل ما سوى الحق فإنه محتاج في انقلابه من العدم إلى الوجود أو من الوجود إلى العدم إلى مرجّح ومخصّص، وقوله ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا﴾ معناه أن هذا الانقياد وهذا الاحتياج حاصل دائمًا أبدًا، وهو إشارة إلى ما ذكرناه: من أن الممكن حال بقائه لا يستغني عن المرجح


 


[1] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج15، ص158 - 159، النحاس، معاني القرآن، مصدر سابق، ج4، ص72.

[2] راجع: العياشي، تفسير العياشي، مصدر سابق، ج2، ص262.

[3] راجع: القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج1، ص386، ج2، ص221.

[4] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج23، ص49.

[5] راجع: الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج23، ص50.

[6] ابن أبي حاتم الرازي، تفسير القرآن العظيم، مصدر سابق، ج7، ص2256.

[7] راجع: النحاس، معاني القرآن، مصدر سابق، ج4، ص72، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج6، ص390.

[8] راجع: الرازي، تفسير الرازي، مصدر سابق، ج20، ص49.

[9] راجع: الزمخشري، الكشاف، مصدر سابق، ج2، ص413.

[10] راجع: مجاهد، تفسير مجاهد، مصدر سابق، ج1، ص348.

[11] راجع: مقاتل، تفسير مقاتل، مصدر سابق، ج2، ص225.

 

259


226

الدرس السادس عشر: (و - ي)

والمخصص، وهذه دقائق من أسرار العلوم الإلهية مودعة في هذه الألفاظ الفائضة من عالم الوحي والنبوة"[1].

 

وَكَزَهُ (و ك ز)

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة وحيدة في مادّتها في القرآن الكريم، مرّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّة، في قوله - تعالى -: ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ﴾[2].

 

2- المعنى اللغوي:

ذكر اللغويون في معنى الوَكْز أنه: الطَّعْن[3], وأنّه: الدَّفْع أو الضَّرْب[4]، وأنَّه: الضرب بجُمْعِ اليد على ذقن الآخر[5]، أو الضرب بجُمْعِ الكفّ[6]. وفي فقه اللغة: "الضَّرْبُ بالرَّاحَةِ عَلَى مُقَدَّم الرّأْسِ صَقْع وَعَلَى القَفَا صَفْع وَعَلَى الوَجهِ صَكّ (وبِهِ نَطَقَ القُرْآنُ) وَعَلَىَ الخَدِّ بِبَسْطِ الكَفِّ لَطمٌ وَبِقَبْضِ الكَفَ لَكْمٌ وَبِكِلْتَا اليَدَيْنِ لَدْم وَعَلَى الذَّقَنِ والحَنَكِ وَهْز ولَهْزٌ وَعَلَى الصَدْرِ والجَنْبِ بِالكَفِّ وَكْز وَلَكْز وَعَلَى الجَنْبِ


 


[1] الرازي، تفسير الرازي، مصدر سابق، ج20، ص50.

[2] سورة القصص، الآية 15.

[3] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج5، ص394، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج6، ص139.

[4] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص901، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج6، ص139، الشيخ الطريحي، مجمع

البحرين، مصدر سابق، ج4، ص40.

[5] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص901.

[6] راجع: الزمخشري، أساس البلاغة، مصدر سابق، ص1039، ابن الأثير، النهاية، مصدر سابق، ج5، ص219.

 

260


227

الدرس السادس عشر: (و - ي)

بالإصْبَعِ وَخْزٌ وَعَلَى الصَّدْرِ والبَطْنِ بالرُّكْبَةِ زَبْن وبالرِّجْل رَكْلٌ ورَفْسٌ وَعَلَى العَجُزِ بالكَفِّ نَخْسٌ وَعَلَى الضَرْعِ كَسْع وَعَلى الإسْتِ بِظَهْرِ القَدَمِ ضَفْن"[1]. وعن الكسائيّ: "وَكَزْتُه ونَكَزْتُه ونَهَزْتُه ولَهَزْتُه بمعنى واحد"[2].

 

ولم يذكر اللغويون مشتقّاتٍ للمادّة سوى فعل "وَكَزَ" بمعنى الضَّرْب. وورد من معانيه في غير فعل الضَّرْب ضمن المصادر المتأخّرة: العَدْوُ مسرعًا من فَزَعٍ أو نحوه, ووَكَزَتْه الحيَّة: لدَغَتْه, ويُقال: رُمْحٌ مركوزٌ وموكوزٌ بمعنى واحد[3].

 

ولعلّه لقلة مشتقّات المادّة واختصاص أكثر استعمالاتها بالضَّرْب المذكور، لم يتكبّد ابن فارس عناء ضبطها بأصلٍ منقاس، فاقتصر على قوله: "الواو والكاف والزاء بناء صحيح, يقال وكزه: طعنه. ووكزه: ضربه بجمع كفه. ووكزه: دفعه"[4]. وحقّق المصطفوي: "أنّ الأصل الواحد في المادّة: ضربٌ في طعنٍ إذا كان مؤثّرًا نافذًا. وليس مطلقُ الضرب أو الطعن أو الدفع من مصاديق الأصل، بل لازمٌ أن يلاحظ فيه القيدان أو القيود المذكورة. وبين المادّة وموادّ النكز والنهز واللكز واللهز والركز والهمز والوهز واللمز واللبز والنحز: اشتقاقٌ أكبر، ويجمعها مطلق ضرب ودفع"[5]. وفي المعجم الاشتقاقي: "المعنى المحوريّ: إصابة البدن بصُلْبٍ غليظٍ شديدٍ دفعًا بقوّةٍ كالصَّدْم: كالطعن المذكور..."[6].


 


[1] الثعالبي، فقه اللغة، مصدر سابق، ص185.

[2] ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج5، ص430.

[3] راجع: ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج5، ص430، الفيروزآبادي، القاموس المحيط، مصدر سابق، ج2، ص196.

[4] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج6، ص139.

[5] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج13، ص191.

[6] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص1891.

 

261


228

الدرس السادس عشر: (و - ي)

3- المعنى التفسيري:

أطبقت كلمات المفسرين على أن المُراد بالوكز في الآية هو: الضَّرْب بجُمْع الكفّ[1]. وخصّصه البعض بضرب الصّدر[2]. وقُرِأَ: (فلَكَزَه موسى) والمعنى واحد[3]. وقصّة الآية كما في تفسير القمّي: "فلم يزل موسى عند فرعون في أكرم كرامة حتى بلغ مبلغ الرجال وكان ينكر عليه ما يتكلم به موسى من التوحيد حتى همّ به، فخرج موسى من عنده ودخل المدينة، فإذا رجلان يقتتلان أحدهما يقول بقول موسى والآخر يقول بقول فرعون، فاستغاثه الذي من شيعته فجاء موسى فوكز صاحب فرعون فقضي عليه"[4]. ويظهر من اختيار مفردة (وكزه) أنه كان قتل خطأٍ، وإلا كان من حقّ الكلام أن يُعبّر بالقتل[5]. "وفعله ذاك وإن لم يكن معصية منه لوقوعه خطأ وكون دفاعه عن الإسرائيلي دفعًا لكافر ظالم، لكن الشيطان كما يوقع بوسوسته الإنسان في الإثم والمعصية، كذلك يوقعه في أي مخالفة للصواب يقع بها في الكلفة والمشقة، كما أوقع آدم وزوجه فيما أوقع من أكل الشجرة المنهية فأدى ذلك إلى خروجهما من الجنة"[6].


 


[1] راجع: مجاهد، تفسير مجاهد، مصدر سابق، ج2، ص482، الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج20، ص57، ابن أبي حاتم الرازي، تفسير القرآن العظيم، مصدر سابق، ج9، ص2955، الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص882، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج8، ص136.

[2] راجع: أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج2، ص99، النحاس، معاني القرآن، مصدر سابق، ج5، ص166.

[3] راجع: النحاس، معاني القرآن، مصدر سابق، ج5، ص166.

[4] القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج2، ص137.

[5] راجع: العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج16، ص18.

[6] العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج16، ص18.

 

262


229

الدرس السادس عشر: (و - ي)

يَبَسًا (ي ب س)

 

1- مورد المفردة في القرآن الكريم:

وردت هذه المفردة مرّةً واحدةً في القرآن الكريم، في سورةٍ مكّيّة، في قوله - تعالى -: ﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى﴾[1]. وورد من المادّة مفردتان أخريان في القرآن الكريم: (يابس) مرّةً واحدة[2]، و(يابسات) مرّتين[3]. ويُلاحظ قلّة المفردات الغريبة من باب الياء في القرآن الكريم، ما عدا أسماء الأعلام، مثل: يأجوج، واليسع، ويغوث، ويعوق، ولذلك اخترنا هذه المفردة مع كونها قد لا تعدُّ غريبةً بالنسبة إلى عصرنا الحاضر، لتعرّض بواكير مصنّفات علم غريب القرآن الكريم لها[4]، إضافةً إلى ما علمت من كون علم غريب القرآن أصبح شاملًا لكلّ ألفاظ القرآن الكريم.

 

2- المعنى اللغوي:

ذكر اللغويون الذين تعرّضوا للآية مورد المفردة أن معنى الطريق اليَبَس بالفتح هو: الذي لا نُدُوَّةَ فيه[5]، أو المكان الذي كان رَطِبًا ثُمَّ يَبِسَ[6]. وقيل: أرضٌ يَبَس، أي: صُلْبَةٌ شديدة[7]. "ويقال أيضًا: شاة يَبَس، إذا لم يكن بها لبن...، ويقال أيضًا امرأة يَبَس: لا تنيلُ خيرًا"[8]. و"اليُبْسُ بالضمّ: مصدرُ قولك: يَبُسَ الشيء يَيْبُسُ. وفيه لغةٌ


 


[1] سورة طه، الآية 77.

[2] سورة الأنعام، الآية 59.

[3] سورة يوسف، الآيتان 43، 46.

[4] راجع: أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج2، ص24.

[5] راجع: الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص314

[6] راجع: الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص993، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج6، ص154.

[7] راجع: ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج6، ص261.

[8] الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص993.

 

263


230

الدرس السادس عشر: (و - ي)

أخرى: يَبِسَ يَيْبِسُ بالكسر فيهما، وهو شاذٌّ. واليَبَسُ بالفتح: اليابس"[1]. وفرّق في العين بين اليبس والجفاف بقوله: "يبس ييبس يبسًا، يُقال هذا لكلّ شيء كانت له الندوة والرطوبة خلقة. ويقال لما كان ذلك فيه عَرَضًا: جَفَّ"[2].

 

ومن مشتقّات المادّة: اليبيس: الكلأ الكثير اليابس...، وأرض موبسة: أيبسها اللَّه...، والشَّعْرُ اليابس: أردؤه...، ووجهٌ يابس: قليل الخير"[3]. "والأيْبَسان: ما لا لحم عليه من الساقين, والجمع الأَيابس. وتيبيس الشيء: تجفيفه. وقد يَبَّسْتُه فاتَّبَس...، فهو مُتَّبس...، ويبيسُ الماء: العَرَقْ"[4].

 

والأصل في المادّة بحسب ابن فارس: "يدلُّ على جفاف"[5]. وحقّق الشيخ المصطفوي: "أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو الجفاف في مورد الرطوبة والندوّة، مادّيًّا أو معنويًّا. والجفاف يستعمل في الموضوعات المادّيّة، وعلى هذا يكون اليبس فيه شديدًا، ولا نظر فيه إلى الحالة السابقة من كونها مرطوبة أم لا. فاليبس المعنويّ: كما في قولهم: وجهٌ يابس ويدٌ يابس، بمعنى ظاهر صلب، ويد لا خير فيه أو قليل الخير والعطاء. واليبس المادّيّ: كما في: ﴿أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ﴾، ﴿أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا﴾، فالسُّنبلات اليابسة كانت في الأصل رطبة خضرة، كما أنّ الطريق اليابس في محيط البحر كان في الأصل مرطوبًا، بل من قطعات البحر، ثمّ صار بضرب العصا وبإذن اللَّه العزيز، طريقا يبسًا. واليُبس كالحُسن، واليَبِيس كالشَّريف، واليَبِس كالخَشِن، واليَبوس كالذَّلول: صفاتٌ مشبهةٌ، وتدلّ على ثبوت الاتّصاف، كما أنّ اليابس يدلّ


 


[1] الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص993.

[2] الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص314.

[3] الفراهيدي، العين، مصدر سابق، ج7، ص314 - 315.

[4] الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص993.

[5] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج6، ص154.

 

264


231

الدرس السادس عشر: (و - ي)

على حدوث الاتّصاف"[1]. وفي المعجم الاشتقاقي: "المعنى المحوريّ: جفاف الشيء بذهاب رطوبته ونَدَاهُ منه...، ومنه: اليَبَس بالتحريك: المكان يكون رطبًا ثمّ ييبس: ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا﴾. وَصَفَ الطَّريق بما آل إليه، إذ كان حالة الضَّرْب لم يتَّصف باليُبْس"[2].

 

3- المعنى التفسيري:

أجمعت كلمات المفسّرين على أنّ المُراد بالطريق اليَبَس: اليابس الذي لا نداوة فيه[3]. وقُرِأت المفردة: يابسًا ويَبْسًا[4]. إلا أنّه "في صيغة فَعَل بفتحتين: إشارة إلى هذا التكوّن الحادث الجديد، وهو كالطريق الطبيعيّ، فإنّ الفتحة حركة فيها انفراج وانفتاح طبعًا، وهي أخفُّ الحركات، لا تميل إلى سُفْلٍ، ولا انضمامَ فيها"[5]. و "الطريف هنا أن الطريق لم يفتح وحسب، بل كان طريقًا يابسًا صلبًا بأمر اللَّه، مع أن مياه النهر أو البحر إذا ما انحسرت جانبًا فإن قيعانها تبقى عادة غير قابلة للعبور عليها"[6].


 


[1] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج14، ص227.

[2] جبل، المعجم الاشتقاقي المؤصل لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص2369 - 2370.

[3] راجع: مجاهد، تفسير مجاهد، مصدر سابق، ج1، ص399، أبو عبيدة التيمي، مجاز القرآن، مصدر سابق، ج2، ص24، الطبري، جامع البيان، مصدر سابق، ج18، ص238، ابن أبي حاتم الرازي، تفسير القرآن العظيم، مصدر سابق، ج7، ص2429، الشيخ الطوسي، التبيان، مصدر سابق، ج7، ص193، الشيخ الطريحي، تفسير غريب القرآن، مصدر سابق، ص316.

[4] راجع: الرازي، تفسير الرازي، مصدر سابق، ج22، ص92.

[5] الشيخ المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج14، ص228.

[6] الشيخ الشيرازي، الأمثل، مصدر سابق، ج10، ص43.

 

265


232

الدرس السادس عشر: (و - ي)

المفاهيم الرئيسة

 

واصِب (و ص ب)

- وردت هذه المفردة وحيدة في مادتها في القرآن، مرتين، في سورتين مكّيتين.

 

- أجمع اللغويون على أن المراد بالواصب: الدائم.

 

- من مشتقّات المادّة: الوَصَبُ: الوَجَعُ والمرضُ. ومفازةٌ واصبة: بعيدة جدًّا.

 

- قيل في الأصل أنه: دوام شيء، وقيل: ملازمة أمر غير ملائم.

 

- أغلب المفسّرين على أن المُراد بالواصب في كلا الموردين: الدائم. وقيل: هو الواجب في أحد الموردين، وقيل: هو الواجب في كليهما.

 

وَكَزَهُ (و ك ز)

- وردت هذه المفردة وحيدة في مادّتها في القرآن، مرّةً واحدة، في سورةٍ مكّيّة.

 

- ذكر اللغويون في معنى الوَكْز أنه: الطَّعْن، وأنّه: الدَّفْع أو الضَّرْب.

 

- لم يذكر اللغويون مشتقّاتٍ للمادّة سوى فعل "وَكَزَ" بمعنى الضَّرْب.

 

- ذكروا في أصل المادة أنه: ضربٌ في طعنٍ إذا كان مؤثّرًا نافذًا.

 

- أطبقت كلمات المفسرين على أن المُراد بالوكز في الآية هو: الضَّرْب بجُمْع الكفّ.

 

- يظهر من اختيار مفردة (وكزه) للتعبير عن قتل موسى عليه السلام لذلك الرّجل أنه كان قتل خطأ، وإلا كان من حقّ الكلام أن يُعبّر بالقتل.

 

266


233

الدرس السادس عشر: (و - ي)

يَبَسًا (ي ب س)

 

- وردت هذه المفردة مرّةً واحدةً في القرآن، في سورةٍ مكّيّة.

 

- ممّا ذكره اللغويون في معنى الطريق اليَبَس أنه: الذي لا نُدُوَّةَ فيه.

 

- من مشتقّات المادّة: اليبيس: الكلأ الكثير اليابس، والشَّعْرُ اليابس: أردؤه.

 

- تمحورت كلماتهم في أصل المادّة حول معنى الجفاف.

 

- تفيد المفردة أن طريق بني إسرائيل في البحر لم يفتح وحسب، بل كان طريقًا يابسًا.

 

 

267

 


234

فهرس المصادر والمراجع

فهرس المصادر والمراجع

 

 

• القرآن الكريم.

 

• غريب القرآن

1- ابن قتيبة الدينوري، عبد اللَّه بن مسلم، غريب القرآن، تحقيق: أحمد صقر، دار الكتب العلمية، مصر - القاهرة، 1398هـ.ق- 1978م، لا.ط.

 

2- ابن المُنَيِّر، أحمد بن محمد، التيسير العجيب في تفسير الغريب، تحقيق: سليمان ملا إبراهيم أوغلو، دار الغرب الإسلامي، لبنان - بيروت، 1994م، ط1.

 

3- أبو حيان الأندلسي، محمد بن يوسف، تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، تحقيق: سمير المجذوب، المكتب الإسلامي، لبنان - بيروت، 1403هـ.ق- 1983م، ط1. (ت745هـ.ق).

 

4- التيمي، أبو عبيدة معمر بن المثنى، مجاز القرآن، تحقيق: الدكتور محمد فؤاد سزگين، مكتبة الخانجي - دار الفكر، 1390هـ - 1970م، ط2.

 

5- الثعالبي، عبد الرحمن بن محمد، جواهر الحسان في تفسير القرآن (تفسير الثعالبي)، تحقيق: الدكتور عبد الفتاح أبو سنة, الشيخ علي محمد معوض, الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، دار إحياء التراث العربي، لبنان - بيروت، 1418هـ.ق، ط1.

 

269

 


235

فهرس المصادر والمراجع

6- جبل، محمد حسن، المعجم الاشتقاقي المؤصّل ألفاظ القرآن الكريم، مكتبة الآداب، مصر - القاهرة، 2010م، ط1.

 

7- الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، طليعة النور، لا.م، 1427هـ.ق، ط2.

 

8- زيد بن علي، تفسير غريب القرآن، تحقيق: محمد جواد الحسيني الجلالي، مكتب الإعلام الإسلامي، لا.م، ربيع الثاني 1414هـ.ق - 1372هـ.ش، ط1.

 

9- السجستاني، محمد بن عزيز، نزهة القلوب في تفسير غريب القرآن، تحقيق: لجنة من أفاضل العلماء، مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده، مصر - ميدان الأزهر، 1382هـ.ق - 1963م، لا.ط.

 

10- الطريحي، الشيخ فخر الدين، تفسير غريب القرآن، تحقيق وتعليق: محمد كاظم الطريحي، انتشارات زاهدي، إيران - قم المشرّفة، لا.ت، لا.ط.

 

11- العراقي، عبد الرحيم بن الحسين، ألفية العراقي في غريب القرآن، تحقيق ودراسة: إسماعيل بن إبراهيم الزّكي، دار الأوراق، لا.م، لا.ت، لا.ط.

 

12- الفرّاء، يحيى بن زياد، معاني القرآن، ناصر خسرو، إيران - طهران، لا.م، لا.ت، لا.ط.

 

13- مجمع البحوث الإسلامية(قسم القرآن)، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، لا.ن، إيران - مشهد، 1247هـ.ق - 1385هـ.ش، ط2.

 

14- القيسيّ، مكي بن أبي طالب، العمدة في غريب القرآن، تحقيق وشرح وتعليق: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، مؤسّسة الرسالة، لبنان - بيروت، 1401هـ.ق - 1981م، ط1.

 

15- المصطفوي، الشيخ حسن، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مؤسّسة الطباعة

 

270


236

فهرس المصادر والمراجع

والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، إيران، 1417هـ.ق، ط1.

 

16- النيسابوري، الحسن بن محمد، غرائب القرآن، تحقيق: إبراهيم عطوة، مصطفى البابي الحلبي، مصر، لا.ت، لا.ط.

 

• غريب الحديث

1- ابن الأثير، مجد الدين بن محمد الجزري، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي, محمود محمد الطناحي، مؤسّسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قم المشرّفة، 1364ش، ط4.

 

2- ابن سلام، غريب الحديث، مراقبة: محمد عبد المعيد خان، دار الكتاب العربي، لبنان - بيروت، 1384هـ.ق - 1964م، ط1.

 

3- ابن قتيبة الدينوري، عبد اللَّه بن مسلم، غريب الحديث، تحقيق: عبد اللَّه الجبوري، دار الكتب العلمية، إيران - قم المشرّفة، 1408هـ.ق، ط1.

 

4- الحربي، إبراهيم بن إسحاق، غريب الحديث، تحقيق: الدكتور سليمان بن إبراهيم بن محمد العاير، دار المدينة للطباعة والنشر والتوزيع، السعودية - جدة، 1405هـ.ق، ط1.

 

5- الخطّابي، أبو سليمان أحمد بن محمد، غريب الحديث، تحقيق: عبد الكريم العزباوي، دار الفكر، 1403هـ.ق- 1983م، لا.ط.

 

6- الزمخشري، محمود بن عمر، الفايق في غريب الحديث، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1417هـ.ق - 1996م، ط1.

 

• غريب القرآن والحديث

1- الطريحي، الشيخ فخر الدين، مجمع البحرين، تحقيق: السيّد أحمد الحسينيّ، نشر مرتضوي، لا.م، 1362هـ.ش، ط2.

 

271

 


237

فهرس المصادر والمراجع

• تفسير القرآن وعلومه

1- ابن الجوزي، زاد المسير في علم التفسير، تحقيق: محمد بن عبد الرحمن عبد اللَّه، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، جمادى الأولى 1407 - كانون الثاني 1987م، ط1.

 

2- ابن خالويه، الحسين بن أحمد، الحجة في القراءات السبع، تحقيق وشرح: الدكتور عبد العال سالم مكرم، دار الشروق، لبنان - بيروت، 1971م، لا.ط.

 

3- ابن شهر آشوب، محمد بن علي، متشابه القرآن ومختلفه، چاپخانه شركت سهامى طبع كتاب، لا.م، لا.ت، لا.ط.

 

4- ابن عربي، تفسير ابن عربي، ضبطه وصححه وقدم له: الشيخ عبد الوارث محمد علي، دار الكتب العلمية، 1422هـ.ق - 2001م، ط1.

 

5- ابن عطية الأندلسي، عبد الحق بن أبي بكر، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية، 1413هـ.ق - 1993م، ط1.

 

6- أبو حمزة الثمالي، تفسير أبي حمزة الثمالي، أعاد جمعه وتأليفه: عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين، مراجعة وتقديم: الشيخ محمد هادي معرفة، دفتر نشر الهادي، 1420هـ.ق - 1378هـ.ش، ط1.

 

7- الآلوسي، محمود بن عبد اللَّه، تفسير الآلوسي، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط.

 

8- الأندلسي، أبو حيان محمد بن يوسف، تفسير البحر المحيط، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود وآخرين، دار الكتب العلمية، 1422هـ.ق - 2001م، ط1.

 

9- التستري، سهل بن عبد اللَّه، تفسير التستري، منشورات محمد علي بيضون - دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1423هـ.ق، ط1.

 

272

 


238

فهرس المصادر والمراجع

10- التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ، إيران - قم المشرفة، ربيع الأول 1409هـ.ق، ط1.

 

11- الثعلبي، أحمد بن محمد، الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسير الثعلبي)، تحقيق: الإمام أبو محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق: الأستاذ نظير الساعدي، دار إحياء التراث العربي، 1422هـ.ق - 2002م، ط1.

 

12- الثوري، سفيان بن سعيد، تفسير الثوري، مراجعة وتدقيق: لجنة من العلماء، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1403هـ.ق، ط1.

 

13.- جوهري، طنطاوي، الجواهر في تفسير القرآن الكريم، تحقيق: محمد عبد السلام شاهين، نشر: مصطفى البابي الحلبي، مصر، لا.ت، لا.ط.

 

14- الخطيب، عبد الكريم، التفسير القرآني، دار الفكر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط.

 

15- الرازي، ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد، تفسير القرآن العظيم(تفسير ابن أبي حاتم)، تحقيق: أسعد محمد الطبيب، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لا.ت، لا.ط.

 

16- الرافعي، مصطفى صادق، إعجاز القرآن والبلاغة النبويّة، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، لا.ت، ط3.

 

17- الراوندي، قطب الدين سعيد بن هبة اللَّه، فقه القرآن، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، مكتبة آية اللَّه العظمى النجفي المرعشي، إيران - قم المشرّفة، 1405هـ.ق، ط2.

 

18- الرضي، الشريف محمد بن الحسين، تلخيص البيان في مجازات القرآن، حققه وقدم له وصنع فهارسه: محمد عبد الغني حسن، دار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاه، مصر - القاهرة، 1374هـ.ق - 1955م، ط1.

 

 

273

 


239

فهرس المصادر والمراجع

19- الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، شركة مكتبة ومطبعة الحلبي، مصر، 1385هـ.ق - 1966م، لا.ط.

 

20- السبحاني، الشيخ جعفر، الأقسام في القرآن الكريم، مؤسّسة الإمام الصادق عليه السلام، إيران - قم المشرّفة، 1420هـ.ق، ط1.

 

21- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الإتقان في علوم القرآن، تحقيق: سعيد المندوب، دار الفكر، 1416هـ.ق - 1996م، ط1.

 

22- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، دار المعرفة للطباعة والنشر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط.

 

23- الشيرازي، الشيخ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب اللَّه المنزل، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط.

 

24- الصنعاني، عبد الرزاق بن همام، تفسير القرآن (تفسير الصنعاني)، تحقيق: الدكتور مصطفى مسلم محمد، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، السعودية - الرياض، 1410هـ.ق - 1989م، ط1.

 

25- الطباطبائي، العلامة السيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم المشرّفة، 1417هـ.ق‏، ط5.

 

26- الطبرسي، الشيخ الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1415هـ.ق - 1995م، ط1.

 

27- الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تقديم: الشيخ خليل الميس، ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطار، دار الفكر للطباعة

 

274

 


240

فهرس المصادر والمراجع

والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1415هـ.ق - 1995م، لا.ط.

 

28- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق وتصحيح: أحمد حبيب قصير العاملي، مكتب الإعلام الإسلامي، لا.م، 1409هـ.ق، ط1.

 

29- العكبري، أبو البقاء عبد اللَّه بن حسين، التبيان في إعراب القرآن، بيت الأفكار الدولية، عمان - الرياض، لا.ت، ط1.

 

30- العياشي، محمد بن مسعود بن عيّاش، تفسير العياشي، تحقيق: الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلامية، إيران - طهران، 1422هـ.ق‏، ط1.

 

31- فضل اللَّه، السيد محمد حسين، تفسير من وحي القرآن، دار الملاك، لبنان - بيروت، 1419هـ.ق - 1998م، ط2.

 

32- الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب، تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، دار الكتب العلمية، لا.م، لا.ت، لا.ط.

 

33- القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي)، تصحيح: أحمد عبد العليم البردوني، لبنان - بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1405هـ - 1985م، ط2.

 

34- القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، تصحيح وتعليق وتقديم: السيد طيب الموسوي الجزائري، مؤسّسة دار الكتاب للطباعة والنشر، إيران - قم المشرّفة، 1404هـ.ق، ط3.

 

35- الكوفي، فرات بن إبراهيم، تفسير فرات الكوفي، تحقيق: محمد الكاظم، مؤسّسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، إيران - طهران، 1410هـ.ق - 1990م، ط1.

 

275

 


241

فهرس المصادر والمراجع

36- الماوردي، علي بن محمد، النكت والعيون(تفسير الماوردي)، راجعه وعلق عليه: عبد المقصود بن عبد الرحيم، دار الكتب العلمية - مؤسّسة الكتب الثقافية، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط.

 

37- مجاهد بن جبر، تفسير مجاهد، تحقيق: عبد الرحمن الطاهر بن محمد السورتي، مجمع البحوث الإسلامية، باكستان - إسلام آباد، لا.ت، لا.ط.

 

38- مغنية، الشيخ محمد جواد، التفسير الكاشف، دار العلم للملايين، لبنان - بيروت، 1981م، ط3.

 

39- المفيد، الشيخ محمد بن محمد بن النعمان، تفسير القرآن المجيد، تحقيق: السيد محمد علي أيازي، مؤسّسة بوستان كتاب قم (مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي)، إيران - قم المشرّفة، 1424هـ.ق - 1382هـ.ش، ط1.

 

40- مقاتل بن سليمان، تفسير مقاتل بن سليمان، تحقيق: أحمد فريد، دار الكتب العلمية، 1424هـ.ق - 2003م، ط1.

 

41- المَيْبُدي، أحمد، كشف الأسرار، أمير كبير، إيران - طهران، 1380هـ، لا.ط.

 

• اللغة:

1- ابن الأنباري، محمد بن القاسم، الزاهر في معاني كلمات الناس، تحقيق: الدكتور يحيى مراد، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، 1424هـ.ق - 2004م، ط1.

 

2- ابن السكيت الأهوازي، يعقوب بن إسحاق، الكنز اللغوي، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط.

 

3- ابن السكيت الأهوازي، يعقوب بن إسحاق، ترتيب إصلاح المنطق، ترتيب وتقديم وتعليق: الشيخ محمد حسن بكائي، مجمع البحوث الإسلامية، إيران - مشهد، 1412هـ.ق، ط1.

 

276

 


242

فهرس المصادر والمراجع

4- ابن السكيت، كنز الحفاظ في كتاب تهذيب الألفاظ، تحقيق: الأب لويس شيخو اليسوعي، المطبعة الكاثوليكية للآباء اليسوعيين، لبنان - بيروت، 1859م، لا.ط.

 

5- ابن دريد، محمد بن الحسن بن دريد، جمهرة اللغة، مجلس دائرة المعارف، حيدر آباد الدكن، 1344هـ، ط1.

 

6- ابن سِيدَه، المحكم، دار الكتب العلمية، بيروت، لا.ت، لا.ط.

 

7- ابن سِيدَه، علي بن إسماعيل، المخصص، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي، دار إحياء التراث العربي، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط.

 

8- ابن فارس، أحمد بن فارس بن زكريا، الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها، تحقيق: مصطفى الشويمي، مؤسّسة بدران، لبنان - بيروت، 1383هـ.ق-1964م، لا.ط.

 

9- ابن فارس، أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الإعلام الإسلامي، إيران - قم المشرّفة، 1404هـ.ق، ط1.

 

10- ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، نشر أدب الحوزة، إيران - قم المشرّفة، 1405هـ.ق، لا.ط.

 

11- الأزهري، محمد بن أحمد، تهذيب اللغة، تحقيق وتقديم: عبد السلام محمد هارون، مراجعة: محمد علي النجار، الدار المصرية للتأليف والترجمة، لا.م، لا.ت، لا.ط.

 

12- الأنصاري، ابن هشام جمال الدين بن يوسف، أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، تعليق وترتيب: عبد المتعال الصعيدي، دار الأدب العربي للطباعة، مصر - القاهرة، 1375هـ.ق - 1956م، ط2.

 

13- الأنصاري، ابن هشام جمال الدين بن يوسف، شرح قطر الندى وبل الصدى،

 

 

277


243

فهرس المصادر والمراجع

المكتبة التجارية الكبرى، مصر - القاهرة، ربيع الثاني 1383هـ.ق - أغسطس 1963م، ط11.

 

14- الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطار، دار العلم للملايين، لبنان - بيروت، 1407هـ.ق - 1987م، ط4.

 

15- الزمخشريّ، محمود بن عمر، أساس البلاغة، دار ومطابع الشعب، مصر - القاهرة، 1960م، لا.ط.

 

16- السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، ضبطه وصحّحه ووضع حواشيه: فؤاد علي منصور، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط.

 

17- الشيباني، أبو عمرو إسحاق بن مرّار، الجيم، مراجعة: محمد خلف أحمد، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، مصر - القاهرة، 1349هـ.ق- 1974م، لا.ط.

 

18- الصاحب، إسماعيل بن عباد، المحيط في اللغة، تحقيق: الشيخ محمد حسن آل ياسين، عالم الكتب، لبنان - بيروت، 1414هـ.ق- 1994م، ط1.

 

19- الصغاني، الحسن بن محمد، التكملة والذيل والصلة لكتاب تاج اللغة وصحاح العربية، دار الكتب، مصر - القاهرة، 1970م، لا.ط.

 

20- العسكري، أبو هلال الحسن بن عبد اللَّه، الفروق اللغوية، تحقيق: مؤسّسة النشر الإسلامي، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم المشرّفة، شوال المكرم 1412هـ.ق، ط1.

 

21- العسكري، أبو هلال الحسن بن عبد اللَّه، جمهرة الأمثال، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم, عبد المجيد قطامش، دار الجيل، لبنان - بيروت، صفر 1384هـ.ق - يونيو 1964م، ط2.

 

 

278


244

فهرس المصادر والمراجع

 

22- الفراهيدي، الخليل بن أحمد، العين، تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي, الدكتور إبراهيم السامرائي، مؤسّسة دار الهجرة، إيران - قم المشرّفة، 1409هـ.ق، ط2.

 

23- الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، دار العلم للجميع، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط.

 

24- الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لا.ت، لا.ط.

 

25- المُبَرِّد، محمد بن يزيد، الكامل في اللغة والأدب، مكتبة المعارف، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط.

 

26- مشكور، محمد جواد، المعجم المقارن بين اللغات العربية والسامية الفارسية، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط.

 

27- الهروي، أبو سهل محمد بن علي، التلويح، دار التوحيد، مصر، لا.ت، لا.ط.

 

28- الهمذاني، عبد الرحمان، الألفاظ الكتابية، دار الكتب، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط.

 

• الحديث

1- ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد، دار صادر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط.

 

2- ابن شهرآشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية، العراق - النجف الأشرف، 1376هـ.ق - 1956م، لا.ط.

 

3- الزيلعي، عبد اللَّه بن يوسف، تخريج الأحاديث والآثار، تحقيق: عبد اللَّه بن عبد الرحمن السعد، دار ابن خزيمة، 1414هـ.ق، ط1.

 

4- الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، معاني الأخبار، تصحيح وتعليق: علي

 

279

 


245

فهرس المصادر والمراجع

أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم المشرّفة، 1379هـ.ق - 1338هـ.ش، لا.ط.

 

5- الصدوق، الشيخ محمد بن علي، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم المشرّفة، 1414هـ.ق، ط2.

 

6- الطوسي، ابن حمزة محمد بن علي، الثاقب في المناقب، تحقيق: نبيل رضا علوان، مؤسّسة أنصاريان للطباعة والنشر، إيران - قم المشرّفة، 1412هـ.ق، ط2.

 

7- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، تحقيق وتعليق: السيد حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلامية، إيران - طهران، 1364هـ.ش، ط3.

 

8- الفيض الكاشاني، المولى محمد محسن، الوافي، تحقيق: ضياء الدين الحسيني الأصفهاني، مكتبة الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام العامة، إيران - أصفهان، 1406هـ.ق، ط1.

 

9- الكليني، الشيخ محمد بن يعقوب، الكافي، تحقيق وتصحيح: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، إيران - طهران، 1363هـ.ش، ط5.

 

10- المتقي الهندي، عليّ المتقيّ بن حسام الدين، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ضبط وتفسير: الشيخ بكري حياني، تصحيح وفهرسة: الشيخ صفوة السقا، مؤسّسة الرسالة، لبنان - بيروت، 1409هـ.ق - 1989م، لا.ط.

 

11- المرتضى، الشريف علي بن الحسين، الأمالي، تصحيح وتعليق: السيد محمد بدر الدين النعساني الحلبي، منشورات مكتبة آية اللَّه العظمى المرعشي النجفي، 1325هـ.ق - 1907م، ط1.

 

12- المفيد، الشيخ محمد بن محمد بن النعمان، الإرشاد، تحقيق: مؤسّسة آل

 

280


246

فهرس المصادر والمراجع

البيت عليهم السلام لتحقيق التراث، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414هـ.ق - 1993م، ط2.

 

13- المفيد، الشيخ محمد بن محمد بن النعمان، العويص، تحقيق: الشيخ محسن احمدي، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414هـ.ق - 1993م، ط2.

 

14- المفيد، الشيخ محمد بن محمد، المقنعة، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم المشرّفة، 1410هـ.ق، ط2.

 

15- النيسابوري، الحاكم محمد بن عبد اللَّه، المستدرك على الصحيحين، إشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة للطباعة والنشر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط.

 

• تراجم ورجال ومؤلفين

1- الأمين، السيد محسن، أعيان الشيعة، تحقيق وتخريج: حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط.

 

2- الذهبي، محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، د. عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، 1407هـ.ق - 1987م، ط1.

 

3- الحلي، العلامة الحسن بن يوسف، خلاصة الأقوال، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، مؤسّسة نشر الفقاهة، إيران - قم المشرّفة، عيد الغدير 1417هـ.ق، ط1.

 

4- خليفة، حاجي، كشف الظنون، دار إحياء التراث العربي، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط.

 

5- سركيس، اليان، معجم المطبوعات العربية، مكتبة آية اللَّه المرعشي النجفي، إيران - قم المشرّفة، 1410هـ.ق، لا.ط.

 

281

 

 


247

فهرس المصادر والمراجع

6- الطهراني، آقا بزرگ، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، دار الأضواء، لبنان - بيروت، 1403هـ.ق - 1983م، ط3.

 

7- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، الأبواب(رجال الطوسي)، تحقيق: جواد القيومي الإصفهاني، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم المشرّفة، 1415هـ.ق، ط1.

 

8- الطوسي، الشيخ محمد بن الحسن، الفهرست، تحقيق: الشيخ جواد القيومي، مؤسّسة نشر الفقاهة، إيران - قمّ المشرّفة، 1417هـ.ق، ط1.

 

9- كحالة، عمر، معجم المؤلفين، مكتبة المثنى ودار إحياء التراث العربي، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط.

 

10- النجاشي، فهرست أسماء مصنفي الشيعة(رجال النجاشي)، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم المشرّفة، 1416هـ.ق، ط5.

 

• عقائد

1- الميلاني، السيد علي الحسيني، نفحات الأزهار، الناشر: المؤلف، لا.م، 1414هـ.ق، ط1.

 

 

282


248
مفردات في غريب القرآن الكريم