المقدّمة
المقدّمة
والحمد لله ربّ العالمين، وسلام على عباده الذين اصطفى محمّد وآله الطاهرين (عليهم السلام)، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
قال الله -تعالى- في محكم كتابه العزيز: ﴿وَمَا كَانَ ٱلمُؤمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةٗ فَلَولَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرقَةٖ مِّنهُم طَائِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَومَهُم إِذَا رَجَعُواْ إِلَيهِم لَعَلَّهُم يَحذَرُونَ﴾[1].
يؤكّد الله -تعالى- على خصوصيّة التفقّه في الدين؛ والمراد منه إعمال الفهم والفكر في الدين بجميع مجالاته المعرفيّة والعمليّة، لا بقسمٍ خاصٍّ منه، كالأحكام -مثلاً-. ولا يتحقّق الإنذار الوارد في الآية، إلّا عبر طرح التعاليم الدينيّة ومعطياتها في المجالات كافّة، وليس من خلال الاكتفاء باستعراض الأحكام فقط؛ إذ لا يتّسق مفهوم «الإنذار» مع ذلك فقط، بل لا يتحقّق إلّا من خلال عرض الحقائق جميعًا التي يلزم إدراكها والإيمان بها، وعلى رأسها الأمور الاعتقاديّة. إنّ من البيّن بمكان ما لفهم الصفات الإلهيّة الجلاليّة من وقعٍ شديدٍ في عمليّة الإنذار، وكذلك ما للتعريف بالمعاد من تأثيرٍ كبير في نفس الإنسان ودعوته إلى الاستقامة، يفوق بكثير معرفته بأحكام الحلال والحرام، مع عدم إغفال دور الأخلاق التي لا تقلّ أهمّيّةً في خلق حالة الإنذار. وعليه، فلا ينحصر التحذير
[1] سورة التوبة، الآية 122.
11
1
المقدّمة
والإنذار بتلقين الواجبات الدينيّة، فللتوجيهات التربويّة والسلوكيّة -في أحد أبعادها- وظيفة شبيهة بنظيرتها في الأحكام، لكنّهما لا يبلغان معاً مستوى العقائد في أداء وظيفة الإنذار[1].
من هذا المنطلق، سعى مركز المعارف للمناهج والمتون التعليميّة -في إطار وظيفته في تقديم المعارف الدينيّة عامّة- إلى العمل على الجانب العقديّ من الدين بشكل مركّز؛ نظراً لأهمّيّة العقيدة وموقعها في حياة الإنسان من خلال توجيه حركته وترشيد سلوكه، وإيجاد الدافع لديه للعمل، وضبط أفعاله... فعمل المركز في هذا المجال على إصدار سلسلة من الكتب التدريسيّة التي تُعنى ببيان العقيدة الإسلاميّة وفق الرؤية الإسلاميّة، بمحوريّة القرآن الكريم والسنّة الشريفة والعقل، والمساهمة في معالجة جملة من الشبهات العقديّة المطروحة ومناقشتها وردّها وتفنيدها وإبطالها، وتمكين الطالب من ذلك، استناداً إلى البرهان العقليّ والنقليّ، وبأسلوب تعليميّ هادف؛ فكان هذا الكتاب «أجوبة الشبهات العقديّة(3)» الإصدار الثالث من سلسلة عقديّة بعنوان: «أجوبة الشبهات العقديّة»؛ في سبيل تحقيق هذا الغرض.
ويتوخّى هذا الكتاب تحقيق الأهداف الآتية:
تمكّن الطالب من تمتين عقيدته الإسلاميّة وتحصينها أمام الشبهات المطروحة.
التمكّن من تحليل أبرز الشبهات ومناقشتها ودحضها وإبطالها.
توثيق الإيمان بقوّة المباني العقائديّة الإسلاميّة ومنعتها.
[1] انظر: السيّد الطباطبائيّ، محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، قم المقدّسة، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين، لا.ت، لا.ط، ج9، ص404.
12
2
المقدّمة
عناصر الكتاب
يُراعي هذا الكتاب جملة من العناصر والمعايير، هي:
تقسيم الكتاب إلى عشرة دروس، ومراعاة التقارب قدر الإمكان في حجمها.
رصد أبرز الشبهات المطروحة قديمًا وحديثًا من كتب العقيدة والكلام... وتصنيفها بحسب الأصول والفروع العقديّة.
وضع أهداف لكلّ درس مستقاة من الأهداف العامّة للكتاب.
وضع تمهيد في بداية كلّ درس يشكّل مدخلاً، يؤسِّس من خلال الطرح من قبل الأستاذ والنقاش حوله لتناول الشبهات المطروحة ودحضها.
تحليل أبرز الشبهات وتفكيكها، والاعتماد على العقل والقرآن الكريم والسنّة الشريفة في تحليلها ومناقشتها وإبطالها.
وضع خلاصة في نهاية كلّ درس تتضمّن أبرز الأفكار الرئيسة المطروحة فيه.
المحتوى يتضمّن فقرة العناوين المحوريّة، والتي تستند إلى الأهداف الخاصّة بكلّ درس.
وضع فقرة التقويم تتضمّن أسئلة لكلّ درس، تتوخّى فحص نسبة استيعاب الطالب له.
وضع صفحة مطالعة من وحي مضمون الدرس.
وفي الختام، نضع بين أيدي الطلّاب الأعزّاء هذا الجهد المتواضع، عسى أن يتقبّله الله -تعالى- بفضله ومنّه، إنّه سميع مجيب.
والحمد لله ربّ العالمين
13
3
الدرس الأوّل: شبهات حول أصل الدين
الدرس الأوّل: شبهات حول أصل الدين
يرد على الشبهات الآتية:
أ. شبهة تعدّد الأديان واختلاف تعاليمها مؤشّر على عدم فطريّة الدين.
ب. شبهة عدم انسجام تعاليم الدين مع الفطرة.
ج. شبهة تناقض تعاليم الدين ويرد عليها.
15
4
الدرس الأوّل: شبهات حول أصل الدين
تمهيد
يقول الله -تعالى-: ﴿فَأَقِم وَجهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗا فِطرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيهَا لَا تَبدِيلَ لِخَلقِ ٱللَّهِ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعلَمُونَ﴾[1].
في ضوء الآية المباركة، ما هي خصوصيّات الأمر الفطريّ؟
الشبهة الأولى: تعدّد الأديان واختلاف تعاليمها مؤشّر على عدم فطريّة الدين
بيان الشبهة
ورد في القرآن الكريم أنّ الدين فطريّ لدى الناس على اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم، بحيث ينجذبون إليه بأصل فطرتهم، ولا يمكنهم تغيير هذا الشعور الكامن لديهم تجاه الدين: ﴿فَأَقِم وَجهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗا فِطرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيهَا لَا تَبدِيلَ لِخَلقِ ٱللَّهِ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعلَمُونَ﴾[2]، فلو كان الدين فطريّاً، فلماذا نجد هذا التعدّد في الأديان السماويّة؟! ولماذا نجد هذا الاختلاف بين تعاليم الأديان؟! فتعدّد الأديان واختلاف تعاليمها مؤشّر واضح على عدم فطريّة الدين؛ إذ إنّ فطريّة الدين تستلزم وحدته وعدم اختلاف تعاليمه باختلاف الزمان والمكان!
[1] سورة الروم، الآية 30.
[2] السورة والآية نفسها.
17
5
الدرس الأوّل: شبهات حول أصل الدين
| جواب الشبهة |
1 - المقصود من فطريّة الدين هو انجذاب الإنسان نحو تعاليمه مدفوعاً بفطرته السليمة، فالإنسان الفطريّ لو خلّي وفطرته السليمة لانجذب نحو الدين والتزم بتعاليمه؛ لما يجد فيها من تحقيق لمقتضى فطرته، وهو الانجذاب نحو الحقّ والكمال، والنفور من الباطل والنقص؛ وهذا الأمر مشترك بين جميع أفراد الإنسان على اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم: ﴿وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيكُمُ ٱلإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُم وَكَرَّهَ إِلَيكُمُ ٱلكُفرَ وَٱلفُسُوقَ وَٱلعِصيَانَ أُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلرَّٰشِدُونَ﴾[1].
2 - الأديان واحدة بلحاظ الأصول العقديّة والأخلاقيّة والتشريعيّة: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا وَٱلَّذِي أَوحَينَا إِلَيكَ وَمَا وَصَّينَا بِهِۦ إِبرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَن أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ﴾[2]، وتختلف فيما بينها بلحاظ تفاصيل التشريع، بحيث تكون كلّ شريعة مناسبة لأهل زمانها، لا تزاحمها شريعة أخرى، على أنّ الشرائع على اختلافها تمهِّد الشريعةُ السابقةُ فيها أرضيّةَ امتثال الشريعة اللاحقة، وتكمِّل الشريعة اللاحقة فيها ما جاءت به الشريعة السابقة، حتّى تصل البشريّة إلى مرحلة تستعدّ فيها لامتثال الشريعة الخاتمة: ﴿وَقَفَّينَا عَلَىٰ ءَاثَٰرِهِم بِعِيسَى ٱبنِ مَريَمَ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَينَ يَدَيهِ مِنَ ٱلتَّورَىٰةِ وَءَاتَينَٰهُ ٱلإِنجِيلَ فِيهِ هُدٗى وَنُورٞ وَمُصَدِّقٗا لِّمَا بَينَ يَدَيهِ مِنَ ٱلتَّورَىٰةِ وَهُدٗى وَمَوعِظَةٗ لِّلمُتَّقِينَ ٤٦ وَليَحكُم أَهلُ ٱلإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّم يَحكُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلفَٰسِقُونَ ٤٧ وَأَنزَلنَا إِلَيكَ ٱلكِتَٰبَ بِٱلحَقِّ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَينَ يَدَيهِ مِنَ ٱلكِتَٰبِ وَمُهَيمِنًا عَلَيهِ فَٱحكُم بَينَهُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِع أَهوَاءَهُم عَمَّا جَاءَكَ مِنَ ٱلحَقِّ لِكُلّٖ جَعَلنَا مِنكُم شِرعَةٗ وَمِنهَاجٗا وَلَو شَاءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُم أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَلَٰكِن لِّيَبلُوَكُم فِي مَا ءَاتَىٰكُم فَٱستَبِقُواْ ٱلخَيرَٰتِ إِلَى ٱللَّهِ
[1] سورة الحجرات، الآية 7.
[2] سورة الشورى، الآية 13.
18
6
الدرس الأوّل: شبهات حول أصل الدين
مَرجِعُكُم جَمِيعٗا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم فِيهِ تَختَلِفُونَ﴾[1]. وعليه، فلا تعارض بين تعاليم الأديان، بل ثمّة تكامل وتمهيد من السابق للّاحق، وهيمنة للشريعة اللّاحقة على الشرائع السابقة، حتّى يصل الأمر إلى الشريعة الخاتمة، وهي الإسلام، فلا شريعة مقبولة ومرضيّة للناس بعد نزولها غيرها.
3 - إنّ التدرّج الموجود بين الشرائع الإلهيّة أمر من ضروريّات التربية والتعليم لدى العقلاء، بحيث تأخذ العناية الإلهيّة بيد البشريّة شيئًا فشيئًا نحو امتثال تعاليم الدين، فليس من السليم تربويّاً أن يُصار إلى إلزام الناس بدوًا بشريعة مفصّلة من دون مراعاة لقابليّاتهم واستعداداتهم!: ﴿لِكُلّٖ جَعَلنَا مِنكُم شِرعَةٗ وَمِنهَاجٗا وَلَو شَاءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُم أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَلَٰكِن لِّيَبلُوَكُم فِي مَا ءَاتَىٰكُم﴾[2]، ﴿وَمُصَدِّقٗا لِّمَا بَينَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّورَىٰةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيكُم وَجِئتُكُم بَِٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُم فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾[3]، ﴿ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُۥ مَكتُوبًا عِندَهُم فِي ٱلتَّورَىٰةِ وَٱلإِنجِيلِ يَأمُرُهُم بِٱلمَعرُوفِ وَيَنهَىٰهُم عَنِ ٱلمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ ٱلخَبَٰئِثَ وَيَضَعُ عَنهُم إِصرَهُم وَٱلأَغلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَت عَلَيهِم﴾[4].
الشبهة الثانية: عدم انسجام تعاليم الدين مع الفطرة
بيان الشبهة
إذا كان الدين فطريّاً لدى الناس ينجذبون إليه بأصل خِلْقتهم، فلماذا نجد أغلب الناس -ومنهم مَنْ هو مؤمن بالدين- ينفرون من بعض تعاليمه، كما هو الحال في أحكام الحدود، والقصاص، والجهاد... أو يتثاقلون في امتثالها، كما في أحكام الجهاد، والصوم، والزكاة، والخمس...؟!
[1] سورة المائدة، الآيات 44 - 48.
[2] السورة نفسها، الآية 48.
[3] سورة آل عمران، الآية 50.
[4] سورة الأعراف، الآية 157.
19
7
الدرس الأوّل: شبهات حول أصل الدين
| جواب الشبهة |
1 - يرجع سبب النفور من تعاليم الدين وأحكامه إلى الجهل وقصور النظر في فهم حقيقة الدين وفلسفة تشريعاته وغاياته المتعلّقة بالفرد والمجتمع معاً، فيظنّ بعض الناس أنّ بعض التشريعات كالقصاص، أو الحدّ، أو الجهاد... تؤدّي إلى أذى النفس وهلاكها؛ والحال أنّها تمثّل ضمانة لحياة آمنة وصالحة للبشريّة جمعاء، والتقصير في عدم امتثالها يعرّض البشريّة للهلاك: ﴿وَلَكُم فِي ٱلقِصَاصِ حَيَوٰةٞ يَٰأُوْلِي ٱلأَلبَٰبِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ﴾[1]، ﴿وَلَولَا دَفعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلأَرضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضلٍ عَلَى ٱلعَٰلَمِينَ﴾[2].
إنّ لأحكام القصاص والحدود والجهاد ضوابطها وشروطها الخاصّة التي يسود الأمن والعدل بمراعاتها، ولا يحقّ لأيّ أحد إقامتها كيف ما يحلو له: ﴿وَمَن قُتِلَ مَظلُومٗا فَقَد جَعَلنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلطَٰنٗا فَلَا يُسرِف فِّي ٱلقَتلِ إِنَّهُۥ كَانَ مَنصُورٗا﴾[3].
2 - إنّ أبرز الإشكالات الواردة على أحكام الدين ترجع إلى عدم فصل المستشكل بين الدين وتطبيقه؛ فخطأ المسلمين في تطبيق الدين عبر التاريخ وفي واقعنا المعاصر، لا يستلزم خطأ الدين ونقصه.
3 - قصور نظر الإنسان إلى حقيقة نفسه وما يلائمها من أفعال يجعله يستثقل امتثال بعض التكاليف، كالجهاد، والصوم، والزكاة، والخمس؛ لأنّه يجد فيها إلحاقًا للأذى بجسده وبماله... ولكنّه لو اطّلع على ما لهذا الامتثال من منافع ومصالح عظيمة ترجع عليه في الدنيا والآخرة، لما استثقل هذه التكاليف، بل لاندفع بمقتضى فطرته السليمة إلى امتثالها: ﴿وَلَا تَحسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَموَٰتَا بَل أَحيَاءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ ١٦٩ فَرِحِينَ بِمَا ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضلِهِۦ وَيَستَبشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَم
[1] سورة البقرة، الآية 179.
[2] السورة نفسها، الآية 251.
[3] سورة الإسراء، الآية 33.
20
8
الدرس الأوّل: شبهات حول أصل الدين
يَلحَقُواْ بِهِم مِّن خَلفِهِم أَلَّا خَوفٌ عَلَيهِم وَلَا هُم يَحزَنُونَ ١٧٠ ۞يَستَبشِرُونَ بِنِعمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضلٖ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجرَ ٱلمُؤمِنِينَ﴾[1].
الشبهة الثالثة: تناقض تعاليم الإسلام
بيان الشبهة
من يطالع تعاليم الإسلام يجدها متناقضة في ما بينها، فقد ورد الاعتراف بالأديان السماويّة الأخرى في بعض الآيات، كما في قوله -تعالى-: ﴿شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا وَٱلَّذِي أَوحَينَا إِلَيكَ وَمَا وَصَّينَا بِهِۦ إِبرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَن أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ﴾[2]، بينما أنكرتها آيات أخرى: ﴿وَمَن يَبتَغِ غَيرَ ٱلإِسلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقبَلَ مِنهُ وَهُوَ فِي ٱلأخِرَةِ مِنَ ٱلخَٰسِرِينَ﴾[3]، وورد في بعض الآيات الدعوة إلى الرحمة والرأفة: ﴿لَقَد جَاءَكُم رَسُولٞ مِّن أَنفُسِكُم عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّم حَرِيصٌ عَلَيكُم بِٱلمُؤمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ﴾[4]، وفي أخرى الدعوة إلى العنف والقسوة: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ ٱلكُفَّارِ وَليَجِدُواْ فِيكُم غِلظَةٗ﴾[5]، وبينما دعا القرآن إلى محاورة أهل الكتاب: ﴿قُل يَٰأَهلَ ٱلكِتَٰبِ تَعَالَواْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَاءِ بَينَنَا وَبَينَكُم أَلَّا نَعبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشرِكَ بِهِۦ شَئٗا وَلَا يَتَّخِذَ بَعضُنَا بَعضًا أَربَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّواْ فَقُولُواْ ٱشهَدُواْ بِأَنَّا مُسلِمُونَ﴾[6]، وردت الدعوة إلى قتالهم وأخذ الجزية منهم: ﴿قَٰتِلُواْ ٱلَّذِينَ لَا يُؤمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلَا بِٱليَومِ ٱلأخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ ٱلحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلكِتَٰبَ حَتَّىٰ
[1] سورة آل عمران، الآيات 169 - 171.
[2] سورة الشورى، الآية 13.
[3] سورة آل عمران، الآية 85.
[4] سورة التوبة، الآية 128.
[5] السورة نفسها، الآية 123.
[6] سورة آل عمران، الآية 64.
21
9
الدرس الأوّل: شبهات حول أصل الدين
يُعطُواْ ٱلجِزيَةَ عَن يَدٖ وَهُم صَٰغِرُونَ﴾[1]، وكما دعت بعض الآيات إلى المواجهة والقتال إلى الحرب: ﴿وَقَٰتِلُواْ ٱلمُشرِكِينَ كَافَّةٗ﴾[2]، ﴿وَٱقتُلُوهُم حَيثُ ثَقِفتُمُوهُم﴾[3]، دعت أخرى إلى السلم: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱدخُلُواْ فِي ٱلسِّلمِ كَافَّةٗ وَلَا تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيطَٰنِ إِنَّهُۥ لَكُم عَدُوّٞ مُّبِينٞ﴾[4]!
| جواب الشبهة |
1 - لا تعارض في الواقع بين تعاليم الإسلام، وقد صرّح القرآن الكريم بذلك متحدّيًا أن يجد أحد موردًا للاختلاف والتعارض: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلقُرءَانَ وَلَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱختِلَٰفٗا كَثِيرٗا﴾[5]. وما يُساق من موارد، ومنها ما تقدّم ذِكْره في الشبهة، ليس موردًا للاختلاف والتعارض، بحيث يزول الإشكال فيها بأدنى تأمّل!
2 - ما ادّعي من تعارض بين تعاليم الدين لجهة الاعتراف بالأديان السماويّة الأخرى تارة وإنكارها تارة أخرى، يزول بأدنى تأمّل في الآيات الواردة في هذا الصدد، فالإسلام يُقرّ بحقّانيّة الأديان السماوية السابقة عليه، ويؤمن بما جاءت به، وبوجوب العمل بها في زمانها الخاصّ، أما بعد نزول رسالة الإسلام، فإنّ الناس مكلّفون بالعمل بهذه الرسالة، ولا يُقبَل منهم العمل بالرسالات السابقة؛ لأنّ رسالة الإسلام ناسخة للرسالات السابقة ومهيمنة عليها، قد اكتمل فيها الدين وتمّت بها نعمة الهداية الإلهيّة على الناس: ﴿ٱليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسلَٰمَ دِينٗا﴾[6].
3 - إنّ دين الإسلام يدعو إلى الرحمة والرأفة بالناس جميعاً لا سيّما المؤمنين منهم،
[1] سورة التوبة، الآية 29.
[2] السورة نفسها، الآية 36.
[3] سورة البقرة، الآية 191.
[4] سورة البقرة، الآية 208.
[5] سورة النساء، الآية 82.
[6] سورة المائدة، الآية 3.
22
10
الدرس الأوّل: شبهات حول أصل الدين
ولكنْ في ظلّ وجود أناس معاندين مكابرين يتربّصون بالمؤمنين شرّاً وسوءاً، فإنّ الإسلام يدعو إلى مواجهتهم بقوّة وشدّة لدفع شرّهم عن المؤمنين ومنعهم من الفساد والإفساد في الأرض: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلمُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَومَةَ لَائِمٖ﴾[1].
4 - إنّ الأمر بمحاورة أهل الكتاب هو الأساس الذي يدعو إليه دين الإسلام، ولكنْ لو أعرض أهل الكتاب عن ذلك وتعرّضوا للإسلام وللمسلمين بالسوء، فإنّ تكليف المسلمين حينها الدفاع عن الإسلام وعن أنفسهم. وما أوجبه الله -تعالى- من جزية على أهل الكتاب غير المحاربين، فهو من باب تدبير أمورهم وتأمين احتياجاتهم، وذلك ما داموا يريدون البقاء على العمل بشريعتهم التي نسختها شريعة الإسلام في ظلّ وجودهم في كنف الدولة الإسلاميّة. وهذا البذل والعطاء الماليّ ليس مفروضاً على أهل الكتاب فقط، بل نجد أنّ الإسلام فرض على المسلمين -أيضاً- تقديم عطاء مالي، كالزكاة والخمس؛ وذلك لتسوية أمور الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعيّة بين أفرادها.
5 - الإسلام دين السلام، وهو يدعو إلى إحلال السلام بين الناس، ولكنْ في حالة تعدّي أعداء الإسلام على المسلمين وعلى المستضعفين، فإنّ الفطرة والعقل والشرع يحكمون بضرورة مواجهة هذا الاعتداء ودفعه: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُم ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصرِهِم لَقَدِيرٌ﴾[2]، مع الحذر من التعدّي في دفع الاعتداء: ﴿وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُم وَلَا تَعتَدُواْ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلمُعتَدِينَ﴾[3]، ووقف القتال والمبادرة إلى السلم في حال توافر شروطه المناسبة: ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلمِ فَٱجنَح لَهَا وَتَوَكَّل عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلعَلِيمُ﴾[4].
[1] سورة المائدة، الآية 54.
[2] سورة الحجّ، الآية 39.
[3] سورة البقرة، الآية 190.
[4] سورة الأنفال، الآية 61.
23
11
الدرس الأوّل: شبهات حول أصل الدين
المفاهيم الرئيسة
الدين فطريّ لدى الناس، يميلون إليه بأصل خِلْقتهم.
لا تنافٍ بين فطريّة الدين وتعدّد الأديان السماويّة، وذلك باعتبار وحدة الدين بلحاظ الأصول العقديّة والأخلاقيّة والقيميّة والتشريعيّة، وما نجده من اختلاف في الشرائع هو تدرّج وتكامل في ما بينها، مراعاة لطبيعة البيئة الزمانيّة والمكانيّة.
إنّ الاختلاف بين الأديان السماويّة الرائجة بيننا على مستوى العقيدة والأخلاق والقيم والشرع، إنّما هو بفعل بغي بعض أتباع هذه الأديان وتحريفها لتعاليمها.
من يطالع تعاليم الدين يجدها عقلانيّة منسجمة تمام الانسجام في ما بينها، ولا تتعارض مع اختيار الإنسان.
محاورة أهل الكتاب هي الأساس الذي يدعو إليه دين الإسلام، ولكنْ لو أعرض أهل الكتاب عن ذلك وتعرّضوا للإسلام وللمسلمين بالسوء، فإنّ تكليف المسلمين حينها الدفاع عن الإسلام وعن أنفسهم.
تقييم
هل الدين فطريّ لدى الناس؟ وكيف ينسجم ذلك مع تعدّد الأديان؟
هل تعاليم الدين منسجمة أو متعارضة؟ ولماذا؟
كيف يمكن أن نحلّ إشكاليّة دعوى الإسلام إلى السلام، مع أنّه دين يدعو إلى الجهاد ومقارعة الأعداء؟
24
12
الدرس الأوّل: شبهات حول أصل الدين
اقرأ
فطرية الدين
يقول الشيخ جعفر الهادي: «من خلال النظر في حياة الشعوب وسلوكهم نجد أنّ التديّن حالة عامّة، وأنّ الانجذاب إلى ما وراء الطبيعة والإيمان بإله، قضيّة عالميّة لا تختصّ بقوم دون قوم، ولا تقتصر على عصر دون عصر.
فلو تعمّقنا في التاريخ البشريّ، وجدنا لدى البشر، على اختلاف ألوانهم وأجناسهم، ما يدلّ على أنّهم كانوا يعتقدون بوجود إله لهذا الكون يرتبط بحياتهم وسائر شؤونهم، ويظهرون هذا الاعتقاد في صور مختلفة، وممارسات متنوّعة تجلّت في آدابهم وفنونهم وتقاليدهم، كما تشهد بذلك آثارهم وبقايا حضاراتهم وما عثر عليه في الحفريات من مخلّفاتهم...».
وقد أيّد العلماء والمهتمّون بدارسة الحضارات وأحوال الشعوب هذه الحقيقة الساطعة، وأعلنوا عن تجذّر التديّن، وفطريّة الإيمان الدينيّ لدى الإنسان بكلمات وعبارات مختلفة، واضحة، صريحة، وها نحن نكتفي بذكر بعض النماذج منها، على سبيل المثال لا الحصر:
يقول جان رايورث (الأستاذ في جامعة كلمبيا): «لا يمكن (أو يستحيل) العثور على ثقافة أو حضارة لدى قوم من الأقوام إلّا وهو مصبوغ بإحدى الصور الدينيّة... إنّ جذور الدين والتديّن ضاربة في أعماق التاريخ... هناك في الأعماق البعيدة جدّاً وغير المعروفة من التاريخ».
ويقول العالم النفسانيّ زيجموند فرويد: «الدين قوّة عظمى، تمتلك أقوى المشاعر البشريّة»[1].
[1] الهادي، الشيخ جعفر، الله خالق الكون، إشراف: الشيخ جعفر السبحاني، مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)، إيران – قم، 1424هـ، ط2، ص138 - 140.
25
13
الدرس الثاني: شبهات حول أدلّة وجود الله تعالى
الدرس الثاني: شبهات حول أدلّة وجود الله –تعالى-
يرد على الشبهات الآتية:
أ. شبهة عدم توافر براهين كافية تثبت وجود الله -تعالى-.
ب. شبهة إبطال برهان النَّظم.
ج. شبهة إبطال برهان الحدوث.
27
14
الدرس الثاني: شبهات حول أدلّة وجود الله تعالى
تمهيد
يقول الله -تعالى-: ﴿سَنُرِيهِم ءَايَٰتِنَا فِي ٱلأفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِم حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُ ٱلحَقُّ أَوَ لَم يَكفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَيءٖ شَهِيدٌ﴾[1].
ما العلاقة بين رؤيّة الآيات وتبيّن الحقّ وفق الآية المباركة؟
الشبهة الأولى: عدم توفّر براهين كافية تثبت وجود الله -تعالى-
بيان الشبهة
إنّ الأدلّة التي سِيقَت لإثبات وجود الله غير كافية في إثبات المدّعى، ومع عدم وجود الدليل الكافي على وجود الله يلزم من ذلك إنكاره!
| جواب الشبهة |
1 - إنّ عدم وجدان دليل على وجود شيء لا يستلزم عدم وجوده؛ فعدم الوجدان ليس دليلاً على عدم الوجود!
2 - يوجد أدلّة وبراهين كثيرة تثبت وجود الله -تعالى-، بعضها فطريّ، وبعضها حسّيّ - عقليّ، وبعضها عقليّ، وبعضها قلبيّ شهوديّ، وهي أدلّة وبراهين معتبرة يثبت بها المدّعى، ونفي اعتبارها أو نفي كفايتها في إثبات المدّعى بيانه على عهدة المستشكِل.
[1] سورة فصّلت، الآية 53.
29
15
الدرس الثاني: شبهات حول أدلّة وجود الله تعالى
3 - لو تنزّلنا وافترضنا المحال -فإنّ فرض المحال ليس بمحال- وقلنا إنّ أدلة إثبات وجوده تعالى غير تامة، فهذا لا يدلّ بتاتاً على عدم وجوده -عزّ وجلّ-. إنّ غاية ما يُستشفّ من استدلال هؤلاء هو المساس بأدلة إثبات الموضوع وليس الموضوع ذاته.
4 - إنّ الإشكال الوارد في الشبهة يرتدّ على القائلين بها؛ إذ لا يمتلك مدّعيها دليلاً واحدًا على نفي وجود الله -تعالى-، وبالتالي فعدم الدليل على نفي وجوده -تعالى- يستلزم وفق منطق أصحاب الشبهة -وهو ما ألزموا به أنفسهم- نفي كلّ ما لم يقم عليه دليل، فيكون مدّعاهم منفيًّا؛ لأنّهم لم يأتوا بدليل عليه، وبالتالي فهو باطل، فيكون خلافه ثابتًا، وهو وجوده -تعالى-!
الشبهة الثانية: شبهة إبطال برهان النَّظم
بيان الشبهة
إنّ برهان النَّظم غير معتبر؛ لاحتمال تحقّق الكون دون ناظم وعدم استحالة ذلك، ولعدم التلازم بين النظم الكونيّ والنظم البشريّ؛ فلا قياس بينهما! ولرجوع النظم إلى الطبيعة نفسها، لا إلى أمر خارج عنها أو رجوعه إلى الصدفة أو إلى المصالح والاعتبارات البشريّة...
| جواب الشبهة |
1 - أمام حقيقة النظم الموجود في الكون، ثمّة نظريّتان لا أكثر:
النظريّة الأولى: وجود ناظم مدرك حكيم.
النظرية الثانية: تحقّقه عن طريق الصدفة.
والعقل -بكلّ تأكيد- يرفض نظريّة الصدفة على هذا الصعيد، ويحكم بضرس قاطع بضرورة وجود ناظم مدرك حكيم. وعلى هذا الأساس، فإنّه إنكار وجود الناظم
30
16
الدرس الثاني: شبهات حول أدلّة وجود الله تعالى
المدرك هو من سنخ إنكار وجود العلّة للمعلول، وهذا الإنكار يتضمّن تناقضًا صريحًا.
أما بالنسبة إلى تشبيه النظم الكونيّ بالنظم البشريّ ومقارنته معه، فهو أمرٌ يعدّه أصحاب برهان النظم شاهدًا ومؤيّدًا لاستدلالهم؛ أي إنّه ليس استدلالًا مستقلّاً بذاته.
2 - إنّ تحقّق النظم من دون ناظم افتراض لا يقبله العقل السليم ولا يقبل التخصيص؛ إذ إنّ الإنسان بمجرّد أن يرى شيئًا منتظمًا يسأل عن الذي أوجده على هذه الحالة من الانتظام، فكيف بالكون؟! وحتّى المستشكل بهذا الإشكال، لو قيل له: إنّ ما طرحته ليس من تأليفك، لاعترض وقال: بلى، أنا ألّفته!
3 - لو سلّمنا أنّ الطبيعة هي الناظم، فهي إمّا أنْ تكون مدركة وواعية لفعلها، وإمّا أنْ لا تكون كذلك. وعلى الأوّل يتحقّق المطلوب من برهان النظم، وهو افتقار كلّ نظم إلى ناظم مدركٍ وواعٍ، بصرف النظر عن حقيقته، ولكن يُطرح هذا السؤال: هل انّ إدراك الطبيعة بذاتها، بل هل يمكن للطبيعة المادّيّة أن تكون عالمة مدركة لذاتها ولفعلها؟ إنّ ما تثبته البراهين العقلية وتؤكّده التجارب العلميّة أنّ الطبيعة فاقدة للعلم والإدراك، فلا بدّ من أن ينتهي النظم المشهود إلى علّة مجرّدة أوجدت الطبيعة المنظَّمة، وساقت أفعالها باتّجاه هدف محدّد. وعلى الثاني -ألّا تكون الطبيعة مدركة لفعلها- فكيف يمكن لغير الواعي والمدرك أن يصدر منه نظامٌ مذهلٌ للعقول؟!
4 - إنّ النظم الموجود في الكون يعدّ موضوعًا مستقلّاً بذاته، لا صلة له بمصلحة البشريّة؛ لكونه متحقّقًا ولا خلل فيه، سواء أكان الإنسان موجودًا أو غير موجود، وسواء استطاع أن ينتفع منه أو لم يستطع.
31
17
الدرس الثاني: شبهات حول أدلّة وجود الله تعالى
الشبهة الثالثة: إبطال برهان الحدوث
بيان الشبهة
إنّ برهان الحدوث غير معتبر ولا يصلح لإثبات وجود الله؛ لأنّ الفلاسفة ينكرون حدوث العالم، ولأنّ المادّة قديمة وأزليّة، فلا تحتاج إلى مُوجِد، ولاستحالة خلق الشيء من العدم على فرض حدوث الأشياء.
| جواب الشبهة |
1 - يعتمد برهان الحدوث في إثبات وجوده -تعالى- على قياس منطقيّ، صُغراه: أنّ العالم حادث، وكُبراه: كلّ حادث يحتاج في حدوثه إلى مُحدِث، ونتيجته: العالم يحتاج إلى مُحدِث. ولكنّ المستَشكِلين حاولوا إضعاف الدليل بضرب صُغراه، استنادًا إلى قول الفلاسفة بقِدَم العالم، وواقع الأمر أنّهم لم يفرِّقوا بين الحدوث الزمانيّ والحدوث الذاتيّ[1]، فالفلاسفة يقولون بالثاني، لا بالأوّل؛ لأنّ الموجودات المجرّدة كالملائكة لا يتصوّر بحقّها زمان ولا مكان، ولكنّها مع ذلك حادثة ذاتًا لكونها ممكنة الوجود، فتحتاج إلى علّة توجدها؛ وبذلك تثبت صُغرى القياس حتّى على قول الفلاسفة بإنكار الحدوث الزمانيّ للعالم. ومن جهة أخرى، فإنّ فكرة عدم الحدوث الزمانيّ للعالم عند الفلاسفة هي محطّ أخذ وردّ؛ حيث لا يرتضِها بعض علماء الكلام.
2 - إنّ اتّصاف المادّة بالحركة والتغيير يستلزم الافتقار والاحتياج إلى فاعل تنسب إليه الحركة والتغيير؛ وهذا دليل على حدوثها الذاتيّ والزمانيّ.
3 - إنّ خلق الأشياء من العدم، بمعنى أن يكون العدم مبدأً لها، أمر محال، ولكنّنا لا نقول بذلك، وإنّما نقول: إنّ الله -تعالى- خلق الأشياء لا من شيء؛ إذ لم تكن مسبوقة الوجود بما يماثلها، فالله أبدع الأشياء بقدرته لا على مثالٍ سابق.
[1] الحدوث الزمانيّ: هو كون الشيء مسبوقًا بالعدم سبقًا زمانيًّا، أما الحدوث الذاتيّ: هو كون الشيء مفتقرًا في وجوده إلى الغير، راجع: السبحاني، الشيخ جعفر، محاضرات في الإلهيات، تلخيص: الشيخ علي الرباني الگلپايگاني، مؤسّسة الإمام الصادق (عليه السلام)، إيران - قم، لا.ت، لا.ط، ص30 - 31.
32
18
الدرس الثاني: شبهات حول أدلّة وجود الله تعالى
المفاهيم الرئيسة
يوجد أدلّة وبراهين كثيرة تثبت وجود الله -تعالى-، بعضها فطريّ، وبعضها حسّيّ عقليّ، وبعضها عقليّ، وبعضها قلبيّ شهوديّ، ومن لا يمتلك دليلاً واحدًا على نفي وجود الله -تعالى-، يستلزم منه ثبوت خلافه، وهو وجوده -تعالى-!
العقل يرفض نظريّة الصدفة، ويحكم بضرورة وجود ناظم مدرك حكيم. وإنكار وجود الناظم المدرك هو من سنخ إنكار وجود العلّة للمعلول.
تثبت البراهين العقلية وتؤكّد التجارب العلميّة أنّ الطبيعة فاقدة للعلم والإدراك، فلا بدّ من أن ينتهي النظم المشهود إلى علّة مجرّدة أوجدت الطبيعة المنظَّمة.
يعتمد برهان الحدوث في إثبات وجوده -تعالى- على قياس منطقيّ، صُغراه: أنّ العالم حادث، وكُبراه: كلّ حادث يحتاج في حدوثه إلى مُحدِث، ونتيجته: العالم يحتاج إلى مُحدِث.
إنّ الفلاسفة يقولون بالحدوث الذّاتي لا الزّماني، لكن الحادث الذاتي هو ممكن الوجود، ويحتاج إلى علّة توجده؛ وبذلك يثبت أن العالم حادث ويحتاج إلى محدث. كما أنّ فكرة عدم الحدوث الزمانيّ للعالم عند الفلاسفة لا يرتضِها بعض علماء الكلام.
إنّ اتّصاف المادّة بالحركة والتغيير يستلزم الافتقار والاحتياج إلى فاعل تنسب إليه الحركة والتغيير؛ وهذا دليل على حدوثها الذاتيّ والزمانيّ.
33
19
الدرس الثاني: شبهات حول أدلّة وجود الله تعالى
تقييم
كيف نردّ الدعوى الآتية: إنّ عدم توفّر دليل كافٍ على وجود الله دليل على عدم وجوده -تعالى-؟
ما هي أبرز الشبهات المطروحة حول برهان النَّظم؟ وكيف يمكن ردّها وإبطالها؟
ما هي أبرز الشبهات المطروحة حول برهان الحدوث؟ وكيف يمكن ردّها وإبطالها؟
اقرأ
حدوث العالم وإثبات الصانع
قال هشام: فكان من سؤال الزنديق الذي سأل الإمام الصادق(عليه السلام) أنْ قال له: فما الدليل عليه؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «وجود الأفاعيل دلّت على أنّ صانعًا صنعها. ألا ترى أنّك إذا نظرت إلى بناء مشيّد مبنيّ علمت أنّ له بانيًا، وإنْ كنت لم ترَ الباني ولم تشاهده! قال: فما هو؟ قال: شيء بخلاف الأشياء! ارجع بقولي إلى إثبات معنى وأنّه شيء بحقيقة الشيئيّة، غير أنّه لا جسم، ولا صورة، ولا يُحسّ، ولا يُجسّ، ولا يُدرَك بالحواس الخمس، لا تدركه الأوهام، ولا تنقصه الدهور، ولا تغيّره الأزمان»[1].
[1] الكلينيّ، الشيخ محمد بن يعقوب، الكافي، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، إيران – طهران، 1363ش، ط5، ج1، ص80 - 81.
34
20
الدرس الثالث: شبهات حول عقيدة التوحيد
الدرس الثالث: شبهات حول عقيدة التوحيد
يدرك معنى التوحيد الذاتيّ والصفاتيّ والأفعاليّ.
يفرّق بين التوحيد في الخالقيّة والتوحيد في الربوبيّة التكوينيّة والتشريعيّة.
يرد على الشبهات الآتية:
أ. شبهة تعارض نسبة الهدي والإضلال إلى الله -تعالى- مع عقيدة التوحيد.
ب. شبهة القول بتعارض عقيدة التوحيد مع كون الإنسان مخيّرًا.
ج. شبهة تعارض التوسّل والشفاعة مع عقيدة التوحيد.
35
21
الدرس الثالث: شبهات حول عقيدة التوحيد
تمهيد
قال -تعالى-: ﴿لَو كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلَّا ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾[1].
حلّل معنى الآية الكريمة مبرهنًا على التوحيد من خلالها.
مراتب التوحيد
المتأمّل في القرآن الكريم يجد أنّه يتحدّث عن وحدانيّته -تعالى-، تارةً بلحاظ ذاته، وأُخرى بلحاظ صفاته، وثالثة بلحاظ أفعاله. وعليه، يمكن بيان مراتب توحيده -تعالى- وفق الآتي:
التوحيد الذاتيّ (في مرتبة الذات)
وهذه المرتبة تنقسم إلى قسمين أيضًا:
الأول: بساطته -تعالى- ونفي التركيب عنه (أحديّ الذات) ﴿قُل هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ﴾[2].
الثاني: تنزيه الذات الإلهيّة عن الشريك (واحد لا شريك له): ﴿وَإِلَٰهُكُم إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ﴾[3].
[1] سورة الأنبياء، الآية 22.
[2] سورة الإخلاص، الآية 1.
[3] سورة البقرة، الآية 163.
37
22
الدرس الثالث: شبهات حول عقيدة التوحيد
التوحيد الصفاتيّ
وهو الاعتقاد بوجود صفات للذات الإلهيّة المقدّسة، مثل: الحياة، والعلم، والقدرة، وأنّها عين ذاته -تعالى-، وليست زائدة أو عارضة على ذاته -تعالى-، قال -تعالى-: ﴿وَلِلَّهِ ٱلأَسمَاءُ ٱلحُسنَىٰ فَٱدعُوهُ بِهَا﴾[1].
التوحيد الأفعاليّ
وهو الاعتقاد بأنّه لا مؤثّر في الوجود إلا الله –تعالى-؛ لارتباط الموجودات به: ﴿ٱللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلحَيُّ ٱلقَيُّومُ﴾[2]، وفقرها في ذاتها، واحتياجها له -تعالى- في إفاضة أصل وجودها ﴿وَقَد خَلَقتُكَ مِن قَبلُ وَلَم تَكُ شَئٗا﴾[3]، وكذلك استمرار وجودها: ﴿ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضَ بِٱلحَقِّ إِن يَشَأ يُذهِبكُم وَيَأتِ بِخَلقٖ جَدِيدٖ ١٩ وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٖ﴾[4]. ويتشعّب التوحيد الأفعاليّ إلى مرتبتين، هما:
التوحيد في الخالقيّة: وهو الاعتقاد بأنّ موجودات عالم الوجود كلّها فقيرة ومحتاجة في ذاتها إلى الله -تعالى-، ووجودها رهن الفيض والتجلّي الإلهيّ، فالكلّ مخلوقاته، ولا خالق سواه: ﴿قُلِ ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيءٖ وَهُوَ ٱلوَٰحِدُ ٱلقَهَّٰرُ﴾[5].
التوحيد في الربوبيّة: وهو الاعتقاد بحقيقة أنّ تدبير عالم الوجود بيد الله وحده، والخلق كلّهم تحت ربوبيّته وتدبيره: ﴿رَبُّنَا ٱلَّذِي أَعطَىٰ كُلَّ شَيءٍ خَلقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ﴾[6]. وهذا التوحيد الربوبيّ يتشعّب -أيضًا- إلى مرتبتين:
أ - التوحيد في الربوبيّة التكوينيّة: وهو الإيمان بحقيقة أنّ تكوين العالم وتدبيره وإدارته بيد الله -تعالى-، بحيث لا يخرج عن ربوبيّته أي شيء؛ لأنّها كلّها خاضعة
[1] سورة الأعراف، الآية 180.
[2] سورة البقرة، الآية 255.
[3] سورة مريم، الآية 9.
[4] سورة إبراهيم، الآيتان 19 - 20.
[5] سورة الرعد، الآية 16.
[6] سورة طه، الآية 50.
38
23
الدرس الثالث: شبهات حول عقيدة التوحيد
له وتحت تدبيره وإشرافه: ﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيرِ عَمَدٖ تَرَونَهَا ثُمَّ ٱستَوَىٰ عَلَى ٱلعَرشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمسَ وَٱلقَمَرَ كُلّٞ يَجرِي لِأَجَلٖ مُّسَمّٗى يُدَبِّرُ ٱلأَمرَ يُفَصِّلُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُم تُوقِنُونَ﴾[1]. ومشكلة المشركين في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هي في هذه المرتبة من التوحيد.
ب - التوحيد في الربوبيّة التشريعيّة: وهو الإيمان بحقيقة أنّ مقام التشريع والتقنين منحصر بالله -تعالى- وحده، فلا طاعة لأوامر أيّ آمر إلّا الله ومَنْ أمر الله -تعالى- بطاعته، باعتبار أن طاعته في طول طاعته -تعالى-: ﴿ إِنِ ٱلحُكمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾[2]، ﴿ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمرِ مِنكُم فَإِن تَنَٰزَعتُم فِي شَيءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱليَومِ ٱلأخِرِ ذَٰلِكَ خَيرٞ وَأَحسَنُ تَأوِيلًا﴾[3].
وقد طُرِحَت مجموعة من الشبهات في مجال التوحيد، نتعرّض لبعضها ونناقشها في التفصيل الآتي.
الشبهة الأولى: تعارض نسبة الهدي والإضلال إلى الله -تعالى- مع عقيدة التوحيد
بيان الشبهة
من الصفات الإلهيّة التي ادّعي التناقض فيها وعدم انسجامها مع التوحيد في الخالقيّة، الهَدي والإضلال، فثمّة آياتٌ تؤكّد على أنّ الله -عزّ وجلّ- هو الهادي والمضلّ لعباده، منها قوله -تعالى-: ﴿فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهدِي مَن يَشَاءُ﴾[4].
[1] سورة الرعد، الآية 2.
[2] سورة الأنعام، الآية 57؛ سورة يوسف، الآيتان 40، 67.
[3] سورة النساء، الآية 59.
[4] سورة فاطر، الآية 8.
39
24
الدرس الثالث: شبهات حول عقيدة التوحيد
وقوله -عزّ وجلّ-: ﴿مَن يَهدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلمُهتَدِي وَمَن يُضلِل فَأُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلخَٰسِرُونَ﴾[1]. وقد طرحت شبهةٌ حول هاتين الآيتين وسائر الآيات المناظرة لهما في إطار اعتراضين:
الأوّل: كيف يمكن أن ينسب الله الحكيم لنفسه صفتين متضادّتين في آنٍ واحدٍ، هما الهَدَي والإضلال؟! ألا يتعارض ذلك مع التوحيد؟
الثاني: لو كان الضلال من قبل الله -تعالى-، فما المسوّغ لأن يعاقب الضالّين؟! وهذا الاعتراض يرتبط بالعدل الإلهيّ.
| جواب الشبهة |
1 - لقد أكّد الله -سبحانه وتعالى- على أنّ الهدف من خلقة الإنسان هي هدايته إلى السبيل القويم بغية نيل السعادة الأخرويّة. لذا، وضع له الأسس والقواعد الناجعة التي تنير طريقه، بما في ذلك بعثة الأنبياء والرسل ونعمة العقل والتفكّر.
2 - مع الأسف، لم يذعن أغلب الناس والتزموا جانب العناد والمعصية، ولم يؤمن إلّا أصحاب القلب السليم بعد أن هداهم الله إلى الحقّ وحذّرهم من الباطل، ويؤيّد هذا الكلام قوله -تعالى-: ﴿إِنَّا خَلَقنَا ٱلإِنسَٰنَ مِن نُّطفَةٍ أَمشَاجٖ نَّبتَلِيهِ فَجَعَلنَٰهُ سَمِيعَا بَصِيرًا ٢ إِنَّا هَدَينَٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرٗا وَإِمَّا كَفُورًا﴾[2].
3 - تطرح هنا مسألة التسديد الإلهيّ، فالذين خلُصَت قلوبهم ورغبوا حقّاً بالسير في طريق الحقّ، يكرمهم الله -تعالى- بالهدى والسداد، وهو ما يُطلق عليه (الهَدي الخاصّ)، إذ قال -عزّ من قائل- في الكتاب الحكيم: ﴿وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلمُحسِنِينَ﴾[3]. وأمّا العصاة الذين خبثت سريرتهم، فإنّهم بدل أن يتّبعوا الحقّ نراهم يسلكون سبيل الشيطان في جميع العصور. فكانت أعمالهم القبيحة التي لا مسوّغ لها سببًا في حرمانهم
[1] سورة الأعراف، الآية 178.
[2] سورة الإنسان، الآيتان 2 – 3.
[3] سورة العنكبوت، الآية 69.
40
25
الدرس الثالث: شبهات حول عقيدة التوحيد
من ألطاف الله -تعالى- وهداه الخاصّ، لكنّه مع ذلك تركهم وشأنهم، لربّما يتوبوا ويرجعوا إلى صوابهم، إلّا أنّ الذين استحوذ الشيطان على قلوبهم لم ولن يسلكوا سبيل الرشاد؛ لذلك يغرقون في غياهب الضلال، وهذا هو معنى الإضلال؛ أي إنّ الله -تبارك شأنه- لا يجبر العبد على اتّخاذ الضلال سبيلاً له -حاشاه ذلك وتعالى علوًّا كبيرًا، لكنّ الذي لا يتورّع عن المعاصي يحرم نفسه من عناية خالقه وألطافه، فيضلّ عن الحقّ.
4 - ثمّة عدد من الآيات المباركة تُثبِت ما ذكرناه أعلاه، ومعظمها يؤكّد على أنّه -جلّ شأنه- يضلّ الطغاة والفاسقين. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ أهل العلم والمعرفة يُعدّون الوصف مشعرًا بالعلّيّة[1]؛ أي إنّ وصفي الفسق والطغيان سببان لتجريد صاحبهما من التسديد الإلهيّ. من جملة هذه الآيات قوله -تعالى-:
﴿يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱلقَولِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلحَيَوٰةِ ٱلدُّنيَا وَفِي ٱلأخِرَةِ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾[2].
﴿كَيفَ يَهدِي ٱللَّهُ قَومٗا كَفَرُواْ بَعدَ إِيمَٰنِهِم وَشَهِدُواْ أَنَّ ٱلرَّسُولَ حَقّٞ وَجَاءَهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ وَٱللَّهُ لَا يَهدِي ٱلقَومَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾[3].
لو دقّقنا في الآيات التي ذُكرت أعلاه وسائر التي تناظرها، لألفينا أنّ الإضلال (عدم الهَدي) إنّما يكون من نصيب المعاندين والكفّار الذين رجّحوا الضلال على الهدى[4].
5 - إنّ الله الرؤوف الرحيم هو مثال العدل والحكمة؛ لذلك لا يمكن تصوّر أنّه يظلم أحدًا بتاتًا، إذ من المستحيل على ذاته المقدّسة الاتّصاف بهذه الخصلة
[1] للاطّلاع أكثر، راجع: العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج2، ص359.
[2] سورة إبراهيم، الآية 27.
[3] سورة آل عمران، الآية 86.
[4] العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج12، ص52.
41
26
الدرس الثالث: شبهات حول عقيدة التوحيد
الذميمة. وعليه فإنّ معنى إضلاله لبعض الأفراد يعني حرمانهم من ألطافه وكرمه إثر أعمالهم التي ارتكبوها باختيارهم. لذا، فإنّ معاقبته تنسجم مع معايير العدل والإنصاف ولا تتناقض بتاتاً مع هَدي الله -تعالى- وألطافه.
الشبهة الثانية: القول بتعارض عقيدة التوحيد مع كون الإنسان مخيّرًا
بيان الشبهة
مقتضى التوحيد الأفعاليّ أنْ لا مؤثّر في الوجود ولا فاعل حقيقيّ إلا الله -تعالى-، وهذا يتعارض مع القول بصدور الأفعال من الإنسان عن إرادة واختيار منه.
| جواب الشبهة |
1 - إنّ التوحيد الأفعاليّ لا يستلزم نفي أيّ فعل صادر عن غير الله -تعالى-، بل نفي استقلال أيّ فاعل غير الله -تعالى- في فعله.
2 - المراد باختيار الإنسان هو صدور الأفعال عنه في طول مشيئة الله -تعالى- وإرادته، وقد أراد له -تعالى- أنْ يكون مختارًا في أفعاله التي تصدر منه، فلا يلزم من ذلك أنْ يكون فعل الإنسان بنحوٍ مستقلٍّ عن فعل الله -تعالى-، ولا أن يكون الإنسان مجبرًا في فعله.
3 - ورد في النصوص الدينيّة نسبة فعل الإنسان إليه وإلى الله -تعالى-، فهي منتسبة إليه لأنّها تقع بمشيئته واختياره، وهو فاعلها: ﴿وَأَن لَّيسَ لِلإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ﴾[1]، ﴿وَٱتَّقُواْ يَومٗا تُرجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفسٖ مَّا كَسَبَت وَهُم لَا يُظلَمُونَ﴾[2] ومنتسبة إلى الله -تعالى- بمقتضى التوحيد الأفعاليّ: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا﴾[3]...
[1] سورة النجم، الآية 39.
[2] سورة البقرة، الآية 281.
[3] سورة الإنسان، الآية 30.
42
27
الدرس الثالث: شبهات حول عقيدة التوحيد
الشبهة الثالثة: تعارض التوسّل والشفاعة مع عقيدة التوحيد
بيان الشبهة
إنّ التوسّل والشفاعة بغير الله -تعالى-، كما هو الاعتقاد عند الشيعة بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، ينافي التوحيد في الربوبيّة والعبادة[1].
| جواب الشبهة |
1 - إنّ الشفاعة لله -تعالى-: ﴿قُل لِّلَّهِ ٱلشَّفَٰعَةُ جَمِيعٗا لَّهُۥ مُلكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ ثُمَّ إِلَيهِ تُرجَعُونَ﴾[2]، ولكنّه ارتضى جعلها لغيره من الملائكة والأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين... بأمره وإذنه: ﴿مَن ذَا ٱلَّذِي يَشفَعُ عِندَهُۥ إِلَّا بِإِذنِهِۦ﴾[3]، ﴿وَلَا يَشفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ٱرتَضَىٰ﴾[4].
2 - أمر الله -تعالى- عباده بأنْ يبتغوا إليه الوسيلة في القرب منه: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبتَغُواْ إِلَيهِ ٱلوَسِيلَةَ وَجَٰهِدُواْ فِي سَبِيلِهِۦ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ﴾[5]، وقد حدّد إليهم هذه الوسيلة بالتقرّب إليه -تعالى- بمودّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) وطاعتهم واتّباعهم: ﴿قُل لَّا أَسَٔلُكُم عَلَيهِ أَجرًا إِلَّا ٱلمَوَدَّةَ فِي ٱلقُربَىٰ﴾[6]، ﴿قُل مَا سَأَلتُكُم مِّن أَجرٖ فَهُوَ لَكُم إِن أَجرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيءٖ شَهِيدٞ﴾[7]، وبذلك يكون التوسّل بهم غير متنافٍ مع الاعتقاد بوحدانيّة الله -تعالى-، بل يكون منسجمًا معه.
[1] انظر: النجديّ، سليمان بن سحمان، الهديّة السنيّة والتحفة الوهّابيّة النجديّة، مطبعة المنار، مصر، 1342هـ.ق، ط1، ص8 - 9.
[2] سورة الزمر، الآية 44.
[3] سورة البقرة، الآية 255.
[4] سورة الأنبياء، الآية 28.
[5] سورة المائدة، الآية 35.
[6] سورة الشورى، الآية 23.
[7] سورة سبأ، الآية 47.
43
28
الدرس الثالث: شبهات حول عقيدة التوحيد
3 - ما يعتقده الإماميّة من التوسّل والشفاعة بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) لا يتنافى مع التوحيد في الربوبيّة وفي العبادة؛ إذ إنّهم لا يقولون بالتأثير المستقلّ لهم عن الله -تعالى-، ولا يعتقدون بألوهيّتهم، بل يعملون وفق ما أمر الله -تعالى- بمودّتهم واتّباعهم والرجوع إليهم في طاعته -تعالى-.
44
29
الدرس الثالث: شبهات حول عقيدة التوحيد
المفاهيم الرئيسة
للتوحيد مراتب ثلاثة: التوحيد الذاتيّ، التوحيد الصفاتيّ والتوحيد الأفعاليّ، والتوحيد الأفعاليّ يتشعّب إلى مرتبتين، هما: التوحيد في الخالقيّة، والتوحيد في الربوبيّة (التكوينيّة والتشريعيّة).
من الشبهات التي طرحت في مجالي التوحيد والعدل شبهة تعارض نسبة الهدي والإضلال إلى الله الواحد -تعالى-.
جواب الشبهة: إنّ الله -تعالى- يهدي كلّ عباده، ولكنّ الذين خلُصَت قلوبهم ورغبوا حقًّا بالسير في طريق الحقّ، يكرمهم الله -تعالى-، مضافًا إلى الهدي العامّ بالهدى والسداد، وهو ما يُطلق عليه (الهَدي الخاصّ). وأمّا العصاة الذين خبثت سريرتهم، فكانت أعمالهم القبيحة سببًا في حرمانهم من ألطاف الله -تعالى- وهداه الخاصّ، غرقوا في غياهب الضلال؛ وهذا هو معنى الإضلال.
ثمّة شبهة أخرى على هذا الصعيد، وهي القول بتعارض التوحيد الأفعاليّ مع القول بصدور الأفعال من الإنسان عن إرادة واختيار منه.
جواب الشبهة: إنّ المراد باختيار الإنسان هو صدور الأفعال عنه في طول مشيئة الله -تعالى- وإرادته، وقد أراد له -تعالى- أنْ يكون مختارًا في أفعاله التي تصدر منه، فلا يلزم من ذلك أنْ يكون فعل الإنسان بنحوٍ مستقلٍّ عن فعل الله -تعالى-، ولا أن يكون الإنسان مجبرًا في فعله.
من الشبهات المطروحة في باب التوحيد القول بتعارض التوسّل والشفاعة مع عقيدة التوحيد في الربوبيّة والعبادة.
الجواب: إنّ ما يعتقده الإماميّة من التوسّل والشفاعة بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) لا يتنافى مع التوحيد في الربوبيّة وفي العبادة؛ إذ إنّهم لا يقولون بالتأثير المستقلّ لهم عن الله –تعالى-، ولا يعتقدون بألوهيّتهم، بل يعملون وفق ما أمر الله -تعالى- بمودّتهم واتّباعهم والرجوع إليهم في طاعته -تعالى-.
45
30
الدرس الثالث: شبهات حول عقيدة التوحيد
تقييم
كيف تنسجم عقيدة التوحيد مع نسبة الهدي والإضلال إلى الله -تعالى-؟
هل عقيدة التوحيد تُنافي اختيار الإنسان؟ بيّن ذلك.
هل التوسّل وطلب الشفاعة من غير الله -تعالى- يتعارضان مع التوحيد؟ بيّن ذلك.
اقرأ
حقّ معرفة وحدانيّته –تعالى-
وردت روايات كثيرة تبيّن حقّ معرفة وحدانيّته -تعالى-، منها:
ما روي عن الإمام عليّ (عليه السلام): «الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يُحصي نعماءه العادّون، ولا يؤدّي حقّه المجتهدون، الذي لا يدركه بُعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حدّ محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود، فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتّد بالصخور ميدان أرضه. أوّل الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه؛ لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة، فمن وصف الله -سبحانه- فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه، ومن قال فيمَ فقد ضمّنه، ومن قال علامَ فقد أخلى منه، كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كلّ شيء لا بمقارنة، وغير كلّ شيء لا بمزايلة، فاعل لا بمعنى الحركات والآلة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحّد إذ لا سكن يستأنس به ولا يستوحش لفقده...»[1].
[1] الشريف الرضيّ، محمّد بن الحسين، نهج البلاغة، شرح محمّد عبده، دار الذخائر، مطبعة النهضة، إيران - قم المقدّسة، 1412هـ.ق - 1370هـ.ش، ط1، ج1، الخطبة1، ص14 - 16.
46
31
الدرس الرابع: شبهات حول العلم والقدرة الإلهيّين
الدرس الرابع: شبهات حول العلم والقدرة الإلهيّين
يفرّق بين العلم الحصوليّ والعلم الحضوريّ.
يتعلّم معنى علم الله بذاته وبالأشياء قبل إيجادها وبعد إيجادها.
يرد على الشبهات الآتية:
أ. شبهة نفي علم الله -تعالى- بالأمور الجزئية الزمانيّة.
ب. شبهة نفي علم الله -تعالى- بالجزئيّات؛ لاحتياجه إلى آلة.
ج. شبهة طلب الله العون من العباد لتنافيه مع قدرته المطلقة.
47
32
الدرس الرابع: شبهات حول العلم والقدرة الإلهيّين
تمهيد
إنّ العلم والقدرة من صفات الله -تعالى- الذاتيّة الثبوتيّة الكماليّة، وقد صرّح القرآن الكريم باتّصافه -تعالى- بالعلم المطلق: ﴿هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلأخِرُ وَٱلظَّٰهِرُ وَٱلبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ﴾[1]، وبالقدرة المطلقة: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيءٖ قَدِيرٞ﴾[2].
ما معنى كون العلم الإلهيّ والقدرة الإلهيّة من الصفات الذاتيّة الثبوتيّة؟
تعريف العلم
عُرّف العلم بأنّه حصول صورة الشيء لدى الذهن، أو أنّه انعكاس الخارج على الذهن عند اتّصال الإنسان بالخارج.
إلّا أنّ هذا التعريف هو لأحد أقسام العلم دون الآخر؛ وذلك لأنّ العلم ينقسم إلى قسمين:
العلم الحصوليّ.
العلم الحضوريّ.
وما تقدّم من تعريف هو للعلم الحصوليّ، وأمّا العلم الحضوريّ فقد عُرّف بأنه حضور المعلوم لدى العالم، أو فقل: حضور المدرَك لدى المدرِك من دون توسط صورة بينهما،
[1] سورة الحديد، الآية 3.
[2] سورة آل عمران، الآية 165.
49
33
الدرس الرابع: شبهات حول العلم والقدرة الإلهيّين
ومثاله علم الإنسان بذاته وصفاته النفسانيّة من الفرح والحزن واللّذّة والألم، وعلمه بالصور الحاضرة في ذهنه إذ لا يتوسّط شيء بينه وبينها. وتفصيل الكلام حول العلم يتمّ تناوله في الدراسات الفلسفيّة، فلا نطيل.
إذا تبيّن لنا حقيقة العلم وأقسامه على نحو الإجمال، نقول:
إنّ علم الله -سبحانه وتعالى- هو علمٌ حضوريّ وليس حصوليًّا وذلك لامتناع هذا النوع من العلم على الله -سبحانه وتعالى-، وهو على مراتب: منها علمه -تعالى- بذاته، ومنها علمه -تعالى- بالأشياء: علم بها قبل إيجادها، وعلم بها بعد إيجادها، فإنّ العلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول، والله -تعالى- عالم بذاته، والأشياء كلّها معلولة له، فتكون معلومة له: ﴿وَإِن مِّن شَيءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُۥ وَمَا نُنَزِّلُهُۥ إِلَّا بِقَدَرٖ مَّعلُومٖ ﴾[1].
وقد طُرِحَت مجموعة من الشبهات حول علمه -تعالى-، نتعرّض لبعضها ونناقشها في التفصيل الآتي:
الشبهة الأولى: نفي علم الله -تعالى- بالأمور الجزئيّة التي تحصل في الزمان
بيان الشبهة
يقال: إنّ علمه -تعالى- منحصر في الأمور الثابتة والكلّيّات، كالعلم بأنّ الإنسان حيوان ناطق والحمار حيوان ناهق وهكذا... دون الجزئيّات، كقيام زيد وجلوس عمرو ومشي أحمد ومرض كلّ منهم وصحّته وطوله وقصره... لأنّها متجدّدة حادثة متغيّرة، ممّا يستدعي أن يكون العلم بها متغيّرًا حادثًا متجدّدًا، وإلّا انتفت المطابقة بينهما، فلو كانت الجزئيّات المتغيّرة معلومة لله -تعالى-، لزم من ذلك تغيّر علمه -تعالى-، والتغيّر في علم الله -تعالى- محال[2]!
[1] سورة الحجر، الآية 21.
[2] انظر: العلّامة الحلّي، حسن بن يوسف، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، تحقيق: آية الله حسن زاده الآملي، مؤسّسة نشر الإسلامي، إيران - قم، 1417هـ، ط7، ص26 - 28؛ ابن ميثم البحراني، ميثم بن عليّ، قواعد المرام، إيران - قم المقدّسة، مكتبة آية الله المرعشيّ النجفيّ، 1406هـ.ق، ص98.
50
34
الدرس الرابع: شبهات حول العلم والقدرة الإلهيّين
| جواب الشبهة |
1 - إنّ المحذور المذكور يلزم في قسمٍ من علم المخلوق دون علم الخالق، وهو العلم الحصوليّ الذي تتحقّق فيه الصورة بعد الصورة، بناءً على تغيّر الشيء في الخارج، ولكنّ علم الله -كما قلنا- حضوريّ، فيكون عنده -تعالى- حضور للأشياء من دون تقيّد بالزمان والمكان، فلا يلزم بالتالي التجدّد والتغيّر والحدوث في علمه.
2 - إنّ الله -تعالى- منزّه عن الزمان والمكان، ولتنزّهه هذا فهو محيط بكلّ مخلوقاته؛ صغيرها وكبيرها، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، ونسبة الجميع إليه واحدة، فلا يمكن تصوّر التجدّد والتغيّر في علمه وذاته، قال -تعالى-: ﴿أَلَا إِنَّهُۥ بِكُلِّ شَيءٖ مُّحِيطُ﴾[1]، وقال -تعالى-: ﴿وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلغَيبِ لَا يَعلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعلَمُ مَا فِي ٱلبَرِّ وَٱلبَحرِ وَمَا تَسقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعلَمُهَا وَلَا حَبَّةٖ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلأَرضِ وَلَا رَطبٖ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ﴾[2].
الشبهة الثانية: نفي علم الله -تعالى- بالجزئيّات لاحتياجه إلى آلة
بيان الشبهة
إنّ إدراك الأشياء المادّيّة والجسمانيّة يحتاج إلى وجود آلة تكون واسطة في الإدراك، والله -تعالى- منزّه عن المادّة والجسمانيّة[3]!
| جواب الشبهة |
1 - إنّ هذا الإدراك الحسّيّ أو الوهميّ بالأشياء مختصّ بمن لا يمتلك علمًا حضوريًّا بها، بحيث يحتاج إلى وساطة آلة لانتزاع صور عن الأشياء، فيعلمها علمًا حصوليًّا،
[1] سورة فصّلت، الآية 54.
[2] سورة الأنعام، الآية 59.
[3] انظر: السبحانيّ، الشيخ جعفر، الإلهيّات على هدى الكتاب والسنّة والعقل، تحقيق: الشيخ حسن محمد مكي العاملي، الدار الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، 1409هـ - 1989م، ط1، ص126 - 127.
51
35
الدرس الرابع: شبهات حول العلم والقدرة الإلهيّين
أمّا الله -تعالى- فالأشياء حاضرة عنده، لا يحتاج في علمه بها إلى واسطة، فعلمه بها حضوريّ.
2 - الله -تعالى- محيط بالأشياء إحاطة قيّوميّة لا يفتقر معها إلى واسطة ليعلم بها الأشياء: ﴿ٱللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلحَيُّ ٱلقَيُّومُ لَا تَأخُذُهُۥ سِنَةٞ وَلَا نَومٞ لَّهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشفَعُ عِندَهُۥ إِلَّا بِإِذنِهِۦ يَعلَمُ مَا بَينَ أَيدِيهِم وَمَا خَلفَهُم وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيءٖ مِّن عِلمِهِۦ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضَ وَلَا ئَُودُهُۥ حِفظُهُمَا وَهُوَ ٱلعَلِيُّ ٱلعَظِيمُ﴾[1].
الشبهة الثالثة: نفي القدرة المطلقة لله –تعالى- لطلبه العون من العباد
بيان الشبهة
لا شكّ في أنّ الله القادر المطلق بإمكانه فعل ما يشاء من دون الحاجة إلى معونة أحد، لكنّنا نجد في عدّة آياتٍ أنّ الله -تعالى- قد طلب العون من المسلمين لنصرة دينه ونبيّه (صلى الله عليه وآله)، وهذا الطلب يتعارض مع قدرته المطلقة وعظمته اللامحدودة. فثمّة آياتٌ اشترطت نصرة الله للمسلمين بنصرتهم له، كما توجد آياتٌ أخرى دلّت على معانٍ مشابهة بحيث طلبت منهم أن يقوموا بأعمالٍ تتنافى مع غنى واجب الوجود كالبيع والشراء والاقراض، منها قوله -تعالى-:
﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُركُم وَيُثَبِّت أَقدَامَكُم﴾[2].
﴿مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقرِضُ ٱللَّهَ قَرضًا حَسَنٗا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥ وَلَهُۥ أَجرٞ كَرِيمٞ﴾[3].
لذا، طرح بعضهم شبهةً، مضمونها أنّ الله محتاجٌ لعباده؛ لأنّه يطلب العون والنصرة منهم.
[1] سورة البقرة، الآية 255.
[2] سورة محمّد، الآية 7.
[3] سورة الحديد، الآية 11.
52
36
الدرس الرابع: شبهات حول العلم والقدرة الإلهيّين
| جواب الشبهة |
1 - هذه الشبهة في غاية الهشاشة، وكلّ عاقلٍ يدرك هزالتها بأدنى تأمّل؛ لأنّه يعلم بأنّ الله -سبحانه وتعالى- واجب الوجود وذو قدرة مطلقة لا تضاهيها قدرة، وهو في غنًى عن كلّ شيء ولا يحتاج إلى أحدٍ من عباده.
2 - إنّ الله العليّ القدير هو المدبّر لكلّ شؤون الكون، سواءٌ بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر، وإرادته غير المباشرة تتمثّل في نظام العلّيّة والنظام الجبريّ الذاتيّ الذي أقرّه في عالم التكوين، فالنار على سبيل المثال مُحرِقةٌ بذاتها، والنباتات تكتسب حياتها من الماء والتراب ونور الشمس، وهذه صفةٌ ذاتيّةٌ جبريّةٌ أُودِعت فيها من الله العزيز الحكيم.
3 - ليست هناك آيةٌ واحدةٌ تدلّ على أنّ الله -سبحانه- طلب العون من أيّ كائنٍ في عالم التكوين، أمّا في عالم التشريع والحياة البشريّة فثمّة دخلٌ لإرادة الناس في تغيير بعض القضايا، وهو يعود إلى مشيئته -تعالى-؛ لأنّه هو الذي منحهم قدرةً محدودةً في عالمٍ مادّيٍّ محدود. وبما أنّ الإنسان مخيّرٌ في أفعاله، فقد تعلّقت مشيئة الله -عزّ وجلّ- بتهذيبه وتكامله من منطلق الاختيار الذي منحه إيّاه، وهو من خلال اتّباع الشرائع السماويّة يستجيب لأمر خالقه العظيم، فيخطو خطواتٍ مباركةً في طريق مسيرته التكامليّة؛ بغية نيل السعادة الأبديّة، وهناك من تزلّ قدماه ويخالف أوامر الربّ الكريم، بل قد يصبح عائقًا في طريق نجاة البشريّة.
4 - إنّ الله -تعالى- الذي جعل الغاية من خلقة بني آدم بلوغَ السعادة الأخرويّة، وأناط تحقّق هذه الغاية بأعمالهم الاختياريّة، وعد عباده بالنصر والغلبة ومضاعفة الأجر فيما لو استجابوا له وجاهدوا في سبيله، وعبّر عن ذلك في كتابه العزيز بتعابير مختلفة، كالنّصرة والبيع والشراء والاقراض... هذا الطلب في الحقيقة يصبّ في مصلحتهم هم، وينالون منه منافع كثيرة، في حين أنّ البارئ العظيم لا ينال منه أيّ نفعٍ؛ لأنّه الغنّي المطلق.
53
37
الدرس الرابع: شبهات حول العلم والقدرة الإلهيّين
المفاهيم الرئيسة
العلم من صفات الله -تعالى- الذاتيّة الثبوتيّة الكماليّة، وهو مطلق يتعلّق بذاته وبمخلوقاته وهو على قسمين: علم بها قبل إيجادها، وعلم بها بعد إيجادها.
يُقال: إنّ علمه -تعالى- منحصر في الأمور الثابتة دون الجزئيّات؛ لأنّها حادثة متغيّرة، ممّا يستدعي أن يكون العلم بها حادثًا متجدّدًا. وجواب الشبهة: إنّ الله -تعالى- منزّه عن الزمان والمكان، ولتنزّهه هذا فهو محيط بكلّ مخلوقاته؛ صغيرها وكبيرها، ماضيها وحاضرها ومستقبلها، فلا يمكن تصوّر التجدّد والحدوث في علمه وذاته.
من الشبهات التي أثيرت حول علم الله -تعالى- بالأمور المادّيّة والجسمانيّة أنّ العلم بها يحتاج إلى وجود آلة تكون واسطة في الإدراك، والله -تعالى- منزّه عن المادّة والجسمانيّة. وجوابها: إنّ الأشياء حاضرة عنده -تعالى-، لا يحتاج في علمه بها إلى واسطة، فعلمه بها حضوريّ.
استُشكل على قدرة الله المطلقة بدلالة بعض الآيات الكريمة على طلب الله العون من العباد، والجواب: إنّ المراد من هذه الآيات دعوة العباد لنصرة دين الله ووعدهم بالنصر والغلبة ومضاعفة الأجر فيما لو استجابوا له وجاهدوا في سبيله، في حين أنّ البارئ العظيم لا ينال منهم أيّ نفعٍ؛ لأنّه الغنّي المطلق.
54
38
الدرس الرابع: شبهات حول العلم والقدرة الإلهيّين
تقييم
هل لله -تعالى- علم بمخلوقاته؟ بيّن ذلك.
هل يمكن تعلّق العلم الإلهيّ بالأمور الجزئية؟ ألا يستلزم ذلك التغيّر في علمه -تعالى-؟
كيف يمكن لله -تعالى- أن يعلم الجزئيّات، مع كون العلم بها يحتاج إلى آلة، وهو -تعالى- منزّه عنها؟
كيف يمكن التوفيق بين القدرة المطلقة لله -تعالى- وطلبه معونة عباده ونصرة دينه ورسوله؟
اقرأ
صفة علمه -تعالى-
عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «لم يزل الله -عزّ وجلّ- ربّنا، والعلم ذاته ولا معلوم، والسمع ذاته ولا مسموع، والبصر ذاته ولا مبصر، والقدرة ذاته ولا مقدور، فلمّا أحدث الأشياء، وكان المعلوم، وقع العلم منه على المعلوم، والسمع على المسموع، والبصر على المبصر، والقدرة على المقدور، قال: قُلتُ: فلم يزل الله متحرّكًا؟ قال: فقال: تعالى الله [عن ذلك]، إنّ الحركة صفة مُحدَثة بالفعل. قال: قلت: فلم يزل الله متكلّمًا؟ قال: فقال: إنّ الكلام صفة مُحدَثة ليست بأزليّة، كان الله -عزّ وجلّ- ولا متكلّم»[1].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص107.
55
39
الدرس الخامس: شبهات وجود الشرور والنقص في العالم الدنيويّ (1)
الدرس الخامس: شبهات وجود الشرور والنقص في العالم الدنيويّ (1)
يتعلّم كمال الأفعال الإلهيّة وإحكامها وإتقانها.
يرد على الشبهتين الآتيتين:
أ. شبهة التلازم بين خلق عالم المادّة وبين الشرور.
ب. شبهة خلق الحيوانات الضارية والسامّة.
57
40
الدرس الخامس: شبهات وجود الشرور والنقص في العالم الدنيويّ (1)
تمهيد
قال -تعالى-: ﴿أَفَحَسِبتُم أَنَّمَا خَلَقنَٰكُم عَبَثٗا وَأَنَّكُم إِلَينَا لَا تُرجَعُونَ﴾[1].
هل يمكننا أن نستنتج الغاية والحكمة الإلهيّة من الآية الكريمة؟
كمال الأفعال الإلهيّة
إنّ الله -تعالى- واجب الوجود، غنيّ بالذات: ﴿لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضِ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلغَنِيُّ ٱلحَمِيدُ﴾[2]، جامع للكمال: ﴿ٱللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَهُ ٱلأَسمَاءُ ٱلحُسنَىٰ﴾[3]، منزّه عن النقص والاحتياج: ﴿قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗا سُبحَٰنَهُۥ هُوَ ٱلغَنِيُّ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرضِ﴾[4]، ولا غاية له في أفعاله خارج ذاته؛ بحيث ترجع بالنفع عليه، فلا يستكمل بشيء من فعله: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلفُقَرَاءُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلغَنِيُّ ٱلحَمِيدُ﴾[5]، وإنّما تستكمل الأشياء به وهو هاديها إلى غاياتها: ﴿وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ﴾[6].
[1] سورة المؤمنون، الآية 115.
[2] سورة لقمان، الآية 26.
[3] سورة طه، الآية 8.
[4] سورة يونس، الآية 68.
[5] سورة فاطر، الآية 15.
[6] سورة الأعلى، الآية 3.
59
41
الدرس الخامس: شبهات وجود الشرور والنقص في العالم الدنيويّ (1)
وقد طُرِحَت مجموعة من الشبهات حول الأفعال الإلهيّة، نتعرّض لبعضها ونناقشها في التفصيل الآتي:
الشبهة الأولى: التلازم بين خلق عالم المادّة وبين الشرور
بيان الشبهة
إنّ الشرور ملازمة لعالم المادّة، فكيف يمكن صدور هذا العالم عنه -تعالى- مع تنزّهه عن نسبة الشرّ إليه؟! ولماذا لم يخلق الله -تعالى- هذا العالم خيرًا محضًا مجرّدًا من الشرور والكوارث والمصائب والآلام والشقاء والعناء...؟!
| جواب الشبهة |
1 - إنّ الشرّ أمر عدميّ[1] وليس أمرًا وجوديًّا، وهو موجود بالقياس إلى الخير والكمال، فالفاقد لكمالٍ ما قابل له في ذاته، يجد في فقدانه لهذا الكمال شرًّا وفي تحقّقه له خيرًا.
2 - إنّ الشرور الحاصلة في عالم الماّدة هي من لوازم التضادّ الموجود فيه، وهو بدوره (التضادّ بين الأشياء والتزاحم الحاصل في ما بينها في عالم الدنيا) من لوازم الحركة والفقدان والوجدان في النشأة الدنيويّة؛ وهي بدورها (أي الحركة والفقدان والوجدان) من لوازم المادّة، وإنّ عالم المادّة مع اشتماله على هذا الشرّ -إن صحّ التعبير- إلّا أنّه شرّ قليل بإزاء الخير الكثير المترتّب على وجوده وتكامله؛ ولذا كان هذا العالم محلاً للفيض الإلهيّ.
[1] العدم هو نقيض الوجود، والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان في محلّ واحد. أمّا الأمر العدميّ فمعناه الأمر الذي ليس له حظّ من الوجود، ولكن إذا قيس إلى أمر آخر كان له حظّ من الوجود، ومثاله: مفهوم الشرّ الذي ليس له مصداق وتحقّق بالذات في الخارج، كمفهوم الوجود أو مفهوم الإنسان، فإنّ لكلّ منهما مصداقًا وفردًا بالذات في الخارج، وأمّا الشرّ فليس له مصداق بالذات. نعم، قد يكون له مصداق بالعَرض إذا قيست بعض الموجودات إلى بعض آخر، وكان بعضها فاقدًا لكمال يجده الأخر، فيقال للفاقد بهذا اللحاظ: إنّه متلبّس بالشرّ.
60
42
الدرس الخامس: شبهات وجود الشرور والنقص في العالم الدنيويّ (1)
3 - إنّ عالم المادّة بفعل طبيعته التكوينيّة المادّيّة يترتّب عليه فوائد كثيرة ونفع كبير على الأعمّ الأغلب، وإنْ ترتّب عليه بعض الآثار السلبيّة، فهي تكاد لا تُذكَر ولا يُعتدّ بها أمام الخير والنفع الموجود فيه، فعلى سبيل المثال: نجد في الماء نفعًا كبيرًا للحياة المادّيّة، ولكنْ قد تحدث بحسب طبيعته التكوينيّة مضارّ تلحق بعض الكائنات الحيّة بسببه، كما في تضرّر الناس بسبب الفيضانات والسيول... وحتّى الفيضانات والسيول قد تكون مسبّبة للضرر لبعض الناس ونافعة لكثير من الناس؛ بفعل تخصيب التربة ووفرة إنتاجها وتنوّعه نظرًا لما تحمله الفيضانات والسيول من تربة غنيّة بالمعادن...
4 - إنّ عالم المادّة بما هو عليه من خير وشرّ، يشكّل بيئة مناسبة للامتحان والاختبار والابتلاء الإلهيّ للإنسان: ﴿ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلمَوتَ وَٱلحَيَوٰةَ لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلٗا وَهُوَ ٱلعَزِيزُ ٱلغَفُورُ﴾[1]، ﴿وَنَبلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلخَيرِ فِتنَةٗ وَإِلَينَا تُرجَعُونَ﴾[2].
5 - إنّ الكوارث الطبيعيّة والمصائب والبلايا التي تقع في عالم المادّة ليست شرًّا في ذاتها، بل ما نراه فيها من شرّ هو أمر طارىء عليها بالقياس إلى تضرّر الإنسان منها نتيجة نظرته الضيّقة، فلو وسّع الإنسان أفق نظرته إلى حقيقة نفسه والله والعالم، لأدرك أنّ ما يراه من شرّ هو في حقيقته خير، وإنْ كان بظاهره شرًّا: ﴿فَإِنَّ مَعَ ٱلعُسرِ يُسرًا ٥ إِنَّ مَعَ ٱلعُسرِ يُسرٗا﴾[3]، «ما من بليّة إلا ولله فيها نعمة تحيط بها»[4].
6 - إنّ الله -تعالى- يعوّض بلطفه وكرمه المبتلين بالكوارث والمصائب والأمراض والآلام والشرور... على صبرهم عليها، تفضلاً منه -تعالى- عليهم: ﴿وَلَنَبلُوَنَّكُم
[1] سورة الملك، الآية 2.
[2] سورة الأنبياء، الآية 35.
[3] سورة الشرح، الآيتان 5 - 6.
[4] ابن شعبة الحرّاني، الشيخ الحسن بن عليّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين، إيران - قم المقدّسة، 1404هـ.ق - 1363هـ.ش، ط2، ص489.
61
43
الدرس الخامس: شبهات وجود الشرور والنقص في العالم الدنيويّ (1)
بِشَيءٖ مِّنَ ٱلخَوفِ وَٱلجُوعِ وَنَقصٖ مِّنَ ٱلأَموَٰلِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ ١٥٥ ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَٰبَتهُم مُّصِيبَةٞ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَٰجِعُونَ ١٥٦ أُوْلَٰئِكَ عَلَيهِم صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِم وَرَحمَةٞ وَأُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلمُهتَدُونَ﴾[1]، «ثمّ إنّ للذين تنزل بهم هذه البلايا من الثواب بعد الموت -إنْ شكروا وأنابوا- ما يستصغرون معه ما ينالهم منها، حتّى أنّهم لو خُيِّروا بعد الموت لاختاروا أنْ يُردّوا إلى البلايا؛ ليزدادوا من الثواب»[2]، «المرض للمؤمن تطهير ورحمة، وللكافر تعذيب ولعنة، وإنّ المرض لا يزال بالمؤمن حتّى لا يكون عليه ذنب»[3].
الشبهة الثانية: خلق الحيوانات الضارية والسامّة
بيان الشبهة
إنّ الحيوانات الضارية كالذئاب والضباع والسباع، وكذلك الحيوانات السامّة كالأفاعي والعقارب، تُلحِق الأذى بالإنسان وبالحيوانات الضعيفة؛ فلماذا خلق الله -تعالى- هذه الحيوانات الضاريّة والسامّة؟ وكيف ينسجم خلقها مع عدله وحكمته -تعالى-؟!
| جواب الشبهة |
1 - إنّ استقامة دورة الحياة المادّيّة واستمرارها لا بدّ فيه من إيجادٍ للحيوانات والنباتات وفق خصائص معيّنة في الأنواع والأعداد والقدرات... بنحو يرجع بالنفع على الإنسان والحيوانات والنباتات أنفسها، وبما يحقّق التوازن المطلوب في الحياة الأرضيّة، ومجرّد الإخلال بهذا التوازن من خلال عدم خلق حيوانات ما،
[1] سورة البقرة، الآيات 155 - 157.
[2] الجعفيّ، المفضّل بن عمر، التوحيد، تعليق كاظم المظفّر، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1404هـ.ق - 1984م، ط2، ص24.
[3] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، تقديم محمّد مهدي السيّد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضيّ، مطبعة أمير، قم المقدّسة، 1368هـ.ش، ط2، ص193.
62
44
الدرس الخامس: شبهات وجود الشرور والنقص في العالم الدنيويّ (1)
كالحيوانات الضاريّة والسامّة، سوف يؤدّي إلى تكاثر أنواع من الحيوانات على حساب أنواع أخرى، وبالتالي سوف يزداد التزاحم على النباتات في ما بينها من جهة، وفي ما بينها وبين الإنسان من جهة ثانية، وبالتالي سوف تتعرّض النباتات للانقراض... وسوف تُلحِق الضرر بالإنسان في معيشته، وسوف تتلوّث الطبيعة بجثث الحيوانات النافقة بالموت الطبيعيّ؛ لعدم وجود حيوانات لاحمة تتغذّى على جِيَف الحيوانات النافقة... ولا شكّ أن ذلك ينعكس سلبًا على استقامة دورة الحياة واستمرارها، وقد أشار القرآن الكريم إلى وجوهٍ من هذه الدورة الحياتيّة؛ بقوله -تعالى-: ﴿وَٱلأَنعَٰمَ خَلَقَهَا لَكُم فِيهَا دِفءٞ وَمَنَٰفِعُ وَمِنهَا تَأكُلُونَ ٥ وَلَكُم فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسرَحُونَ ٦ وَتَحمِلُ أَثقَالَكُم إِلَىٰ بَلَدٖ لَّم تَكُونُواْ بَٰلِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُم لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ ٧ وَٱلخَيلَ وَٱلبِغَالَ وَٱلحَمِيرَ لِتَركَبُوهَا وَزِينَةٗ وَيَخلُقُ مَا لَا تَعلَمُونَ﴾[1].
2 - إنّ وجود هذه الكائنات الحيّة ضروريّ لاستمرار دورة الحياة المادّيّة، والتي هي بدورها ضروريّة لتأمين بيئة اختبار الإنسان وتكامله، وهذا ينسجم مع حكمة الله -تعالى- وعدله في خلق هذا العالم؛ أمّا مع حكمته -تعالى-؛ فلغرض تكامل الإنسان، وأمّا مع عدله -تعالى-؛ فلأنّه -تعالى- زوّد الإنسان بما يمكّنه من دفع أذى هذه المخلوقات عنه، بل تحويلها إلى ما يخدم الإنسان في حياته الدنيويّة.
[1] سورة النحل، الآيات 5 - 8.
63
45
الدرس الخامس: شبهات وجود الشرور والنقص في العالم الدنيويّ (1)
المفاهيم الرئيسة
الله -تعالى- واجب الوجود، غنيّ بالذات، جامع للكمال، منزّه عن النقص والاحتياج، ولا غاية له في أفعاله خارج ذاته؛ بحيث ترجع بالنفع عليه، فلا يستكمل بشيء من فعله، وكلّ خَلْقه فعله، بل هو المكمِّل لفعله بهديه إلى غايته.
طُرِحَت مجموعة من الشبهات حول الأفعال الإلهيّة، منها: خلق عالم المادّة ملازمًا للشرور، وخلق الحيوانات الضارية والسامّة يتنافى مع عدله -تعالى- وحكمته!
هذه الشبهات ضعيفة وواهية، ترتفع بأدنى تأمّل، وقد قام الدليل من العقل والحسّ والنقل على كون الأفعال الإلهيّة كاملة ومحكمة ومتقنة ومنزّهة عن النقص والعبثيّة.
تقييم
هل يمكن خلق عالم المادّة منزّهًا عن الشرور؟ بيّن ذلك.
كيف ينسجم وجود الشرور في عالم المادّة مع عدل الله -تعالى-؟
كيف ينسجم خلق الحيوانات الضارية والسامّة مع حكمة الله -تعالى-؟
64
46
الدرس الخامس: شبهات وجود الشرور والنقص في العالم الدنيويّ (1)
اقرأ
التقدّم العلميّ مهد شيوع الأمراض
على الرغم من تطوّر العلوم التجريبيّة، والعثور على علاج للأمراض القديمة، إلّا أنّ هذه العلوم نفسها -للأسف الشديد- تؤدّي في بعض الأحيان إلى شيوع أنواع جديدة من الأمراض، فعلى سبيل المثال: على الرغم من توصّل العلم الحديث إلى القضاء على الآفات الزراعيّة بمختلف السموم مثل الـ (D.D.T)، بيد أنّ هذه السموم بعد أن تقضي على الآفات تترسّب في النباتات، لتدخل هذه السموم والمكروبات إلى أجساد الناس بشكل مباشر عن طريق تناولهم لتلك النباتات، أو بشكل غير مباشر عن طريق أكلهم لحوم المواشي التي تتغذّى على هذه النباتات، وتتسبّب لهم بالابتلاء بمختلف الأمراض، من قبيل السرطان مثلاً. وهنا لا يعود السبب إلى الله -سبحانه وتعالى-، بل إلى الإنسان الذي لا يراعي القواعد الصّحّية في مثل هذه الموارد[1].
[1] قراملكي، محمد حسن قدران، أجوبة الشبهات الكلاميّة، ترجمة: موسى أحمد قصير، دار الكفيل للطباعة والنشر، العتبة العباسية المقدسة، 1437هـ – 2016م، ط1،ج2، ص189.
65
47
الدرس السادس: شبهات وجود الشرور والنقص في العالم الدنيويّ (2)
الدرس السادس: شبهات وجود الشرور والنقص في العالم الدنيويّ (2)
يرد على الشبهات الآتية:
أ. شبهة وجود الشرور الأخلاقيّة.
ب. شبهة وجود الأمراض الجسديّة والنفسيّة.
ج. شبهة خلق الشيطان.
67
48
الدرس السادس: شبهات وجود الشرور والنقص في العالم الدنيويّ (2)
تمهيد
قال -تعالى-: ﴿وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٖ مِّنَ ٱلخَوفِ وَٱلجُوعِ وَنَقصٖ مِّنَ ٱلأَموَٰلِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ ١٥٥ ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَٰبَتهُم مُّصِيبَةٞ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَٰجِعُونَ﴾[1].
ماذا تستنتج من الآية الكريمة؟
هل يمكن اعتبار البلاء شرًّا؟
تقدّم الكلام في الدرس السابق، في كمال الأفعال الإلهيّة وإحكامها وإتقانها وتنزّهها عن النقص والعبثيّة.
وقد طُرِحَت مجموعة من الشبهات الأخرى، نتعرّض لبعضها، ونناقشها في التفصيل الآتي:
الشبهة الأولى: وجود الشرور الأخلاقيّة
بيان الشبهة
إنّ تاريخ البشريّة وحاضرها يشهد بتفشّي الشرور الأخلاقيّة في المجتمع الإنسانيّ، وصدور أفعال شريرة عن بعض الناس، كالظلم والتعدّي والطغيان والإجرام والقتل وسفك الدماء... التي تترتّب عليها مفاسد كبيرة على البشريّة جمعاء، فلماذا خلق الله -تعالى-
[1] سورة البقرة، الآيتان 155 - 156.
69
49
الدرس السادس: شبهات وجود الشرور والنقص في العالم الدنيويّ (2)
الأشرار؟! ولماذا لم يخلق عالم الدنيا خاليًا منهم، بحيث لا يصدر عن الإنسان إلّا الخير والفعل الحسن والجميل؟! وهل يتناسب ذلك مع عدله -تعالى- وحكمته؟!
| جواب الشبهة |
1 - لا بدّ للإنسان حتّى يتكامل في النشأة الدنيويّة ويستحقّ التكريم الإلهيّ من أن يكون مختارًا في أفعاله، ولكي يندفع الإنسان نحو الاختيار لا بدّ له من محرّك ودافع ذاتيّ كامن فيه في أصل خلقته، وهو الفطرة: ﴿فَأَقِم وَجهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗا فِطرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيهَا لَا تَبدِيلَ لِخَلقِ ٱللَّهِ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعلَمُونَ﴾[1]؛ بحيث يتيح له التمييز بين الخير والشرّ، والحقّ والباطل: ﴿وَنَفسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا ٧ فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَىٰهَا ٨ قَد أَفلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ٩ وَقَد خَابَ مَن دَسَّىٰهَا﴾[2]، ويدفعه نحو اختيار الخير والحقّ والنفور من الشرّ والباطل: ﴿وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيكُمُ ٱلإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُم وَكَرَّهَ إِلَيكُمُ ٱلكُفرَ وَٱلفُسُوقَ وَٱلعِصيَانَ أُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلرَّٰشِدُونَ﴾[3]، وحتّى يُمتَحن الإنسان في اختياره، لا بدّ من وضعه في بيئة مناسبة للاختبار، بحيث تتزاحم فيها المنافع، ولا يوجد بيئة تقبل هذا التزاحم إلّا النشاة الدنيويّة، نشأة القوّة والفعل، والوجدان والفقدان: ﴿ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلمَوتَ وَٱلحَيَوٰةَ لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلٗا وَهُوَ ٱلعَزِيزُ ٱلغَفُورُ﴾[4].
2 - إنّ الله -تعالى- لم يخلق الأشرار على ما هم عليه من الشرّ بدوًا، بل إنّهم كغيرهم من البشر، خُلِقوا على فطرة سليمة، ووصلتهم الهداية الإلهيّة، لتأخذ بيدهم لبلوغ أعلى مراتب الإنسانيّة، ولكنّهم أعرضوا عنها، فظلموا أنفسهم، وتسافلوا باختيارهم
[1] سورة الروم، الآية 30.
[2] سورة الشمس، الآيات 7 - 10.
[3] سورة الحجرات، الآية 7.
[4] سورة الملك، الآية 2.
70
50
الدرس السادس: شبهات وجود الشرور والنقص في العالم الدنيويّ (2)
إلى أدنى مراتب الحيوانيّة، فأصبحوا كالأنعام، بل أضل سبيلاً: ﴿أَرَءَيتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيهِ وَكِيلًا ٤٣ أَم تَحسَبُ أَنَّ أَكثَرَهُم يَسمَعُونَ أَو يَعقِلُونَ إِن هُم إِلَّا كَٱلأَنعَٰمِ بَل هُم أَضَلُّ سَبِيلًا﴾[1].
3 - إنّ التدخّل الإلهيّ لمنع صدور الشرّ والظلم من الناس مطلقًا ينافى اختيارهم في أفعالهم الذي يترتّب عليه إثابتهم أو استحقاقهم للعقاب الأخرويّ!
4 - إنّ الله -تعالى- خلق عالم الدنيا محكومًا بقانون العلّيّة، ومن خصائص جريان هذا القانون فيها دفع الظلم عن الناس، ذلك بدفع الصالحين فيها أذى المفسدين: ﴿وَلَولَا دَفعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلأَرضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضلٍ عَلَى ٱلعَٰلَمِينَ﴾[2]، ﴿وَلَولَا دَفعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٖ لَّهُدِّمَت
صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗا وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾[3]، وباستئصال جذور الفساد وأهله عندما تتعرّض الإنسانيّة ومشروع الاستخلاف الإلهيّ لخطر الزوال: ﴿وَقَالَ نُوحٞ رَّبِّ لَا تَذَر عَلَى ٱلأَرضِ مِنَ ٱلكَٰفِرِينَ دَيَّارًا ٢٦ إِنَّكَ إِن تَذَرهُم يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُواْ إِلَّا فَاجِرٗا كَفَّارٗا﴾[4]،...
الشبهة الثانية: وجود الأمراض الجسديّة والنفسيّة
بيان الشبهة
تحتوي الطبيعة المادّيّة على أنواع مختلفة من الجراثيم والفايروسات التي تصيب الكائنات الحيّة بالمرض والألم، وقد تؤدّي بها إلى الموت، فلماذا لم يخلق الله -تعالى- العالم المادّيّ خاليًا منها؟! وكيف ينسجم وجودها مع عدله وحكمته -تعالى-؟!
[1] سورة الفرقان، الآيتان 43 - 44.
[2] سورة البقرة، الآية 251.
[3] سورة الحجّ، الآية 40.
[4] سورة نوح، الآيتان 26 - 27.
71
51
الدرس السادس: شبهات وجود الشرور والنقص في العالم الدنيويّ (2)
| جواب الشبهة |
1 - إنّ وجود الجرائيم والفايروسات ضروريّ لاستكمال دورة الحياة الطبيعيّة المادّيّة، وقد ثبت في العلوم البيولوجيّة المعاصرة والحديثة وجود فائدة كبيرة للجراثيم والفايروسات على التربة وحياة الإنسان والحيوان والنبات من خلال عملها على تجديد دورة الحياة وضمان استمرارها.
2 - إن تفشّي كثير من الأوبئة والأمراض في عالم المادّة ناشئ من سوء اختيار الإنسان وفعله الاستغلاليّ لخيرات هذا العالم بما يؤدّي إلى استنزافه والحيلولة دون تجديده لنفسه: ﴿ظَهَرَ ٱلفَسَادُ فِي ٱلبَرِّ وَٱلبَحرِ بِمَا كَسَبَت أَيدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ﴾[1].
3 - زوّد الله -تعالى- الإنسان بما يمكّنه من دفع الضرر اللاحق به من هذه الجراثيم والفايروسات، تكوينيًّا وتشريعيًّا؛ أمّا تكوينيًّا، فمن خلال ما جعل فيه من جراثيم وميكروبات حميدة مقاومة للجراثيم والميكروبات المضرّة وأمّا تشريعيًّا، فمن خلال الأوامر والإرشادات التشريعيّة التي وضعها الله -تعالى- على مستوى النظافة الشخصيّة، كالتنظيف والتطهّر والتطيّب وحلق الشعر... وعلى مستوى الصحّة الغذائيّة، كتحليل بعض الأطعمة والأشربة وتحريم بعضها الآخر... وعلى مستوى الصحّة البيئيّة، كحرمة تلويث البيئة، وحرمة اقتلاع الزرع والأشجار من دون مسوّغ عقليّ وشرعيّ... بحيث تضمن هذه التشريعات والتوجيهات للإنسان السلامة الصحّيّة له ولبيئته المحيطة في ما لو التزم بها، كما أنّ لحوق كثيرٍ من الأمراض النفسيّة بالإنسان هو نتيجة فعله واختياره الخاطىء، وقد جعل الله -تعالى- له سبيلاً للوقاية من هذه الأمراض ومعالجتها، وذلك من خلال ما بيّنه من تشريعات وتوجيهات أخلاقيّة وتربويّة سلوكيّة، كالمداومة على قراءة القرآن، والدعاء، والذِكْر، والتقوى...
[1] سورة الروم، الآية 41.
72
52
الدرس السادس: شبهات وجود الشرور والنقص في العالم الدنيويّ (2)
4 - إنّ الله -تعالى- قد جعل في كثير من الأمراض الجسميّة والنفسيّة والآلام التي تلحق بها كفّارة لذنوب الإنسان، وإنذارًا له لرجوعه إلى جادّة الصواب، وتصحيحًا لمساره الكماليّ، حتّى لو كان مقصّرًا في إصابته بها، منًّا منه -تعالى- وتفضّلاً عليه: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ ٱلعَذَابِ ٱلأَدنَىٰ دُونَ ٱلعَذَابِ ٱلأَكبَرِ
لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ﴾[1]، «للمريض أربع خصال: يُرفَع عنه القلم، ويأمر الله الملك يكتب له فضلاً كان يعمله في صحّته، ويتبع مرضه كلّ عضو في جسده فيستخرج ذنوبه منه، فإنْ مات مات مغفورًا له، وإنْ عاش عاش مغفورًا له»[2]، «إذا مرض المسلم، كتب الله له كأحسن ما كان يعمله في صحّته، وتساقطت ذنوبه كما يتساقط ورق الشجر»[3].
الشبهة الثالثة: خلق الشيطان
بيان الشبهة
الشيطان مصدر لكثير من الشرور في العالم؛ وذلك من خلال وسوسته وتزيينه للإنسان ارتكاب المعاصي والجرائم والفواحش التي تسبّب الضرر للإنسان نفسه ولمجتمعه، فلماذا خلقه الله -تعالى- على هذه الطبيعة؟! وكيف ينسجم خلق الشيطان مع حكمته -تعالى- وعدله؟!
| جواب الشبهة |
1 - إنّ الشيطان من الجنّ: ﴿إِلَّا إِبلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلجِنِّ﴾[4]، وهم موجودات مادّيّة مخلوقة من نار: ﴿وَٱلجَانَّ خَلَقنَٰهُ مِن قَبلُ مِن نَّارِ ٱلسَّمُومِ﴾[5]، غير أنّها غير مرئيّة:
[1] سورة السجدة، الآية 21.
[2] الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، مصدر سابق، ص193.
[3] المصدر نفسه، ص194.
[4] سورة الكهف، الآية 50.
[5] سورة الحجر، الآية 27.
73
53
الدرس السادس: شبهات وجود الشرور والنقص في العالم الدنيويّ (2)
مِنهُم فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُم جَزَاءٗ مَّوفُورٗا ٦٣ وَٱستَفزِز مَنِ ٱستَطَعتَ مِنهُم بِصَوتِكَ وَأَجلِب عَلَيهِم بِخَيلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكهُم فِي ٱلأَموَٰلِ وَٱلأَولَٰدِ وَعِدهُم وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيطَٰنُ إِلَّا غُرُورًا﴾[1]، ينسجم مع حكمة الله -تعالى- وعدله. أمّا انسجامه مع حكمته -تعالى-؛ فلأنّ وجود الشيطان في حياة الإنسان ضرورة لامتحانه واختباره بالطاعة أو العصيان، وأمّا مع عدله -تعالى-؛ فلأنّه لم يجعله مسلّطاً على الإنسان: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِم سُلطَٰنٌ إِلَّا مَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلغَاوِينَ﴾[2]، إلّا بقدر استجابته لوسوسته، وقد نبّهه على عداوة الشيطان له: ﴿إِنَّ ٱلشَّيطَٰنَ لَكُم عَدُوّٞ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدعُواْ حِزبَهُۥ لِيَكُونُواْ مِن أَصحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ﴾[3]، ومكّنه من مقاومة وسوسته، ودلّه على سُبُل التحصّن منها: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُم طَٰئِفٞ مِّنَ ٱلشَّيطَٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبصِرُونَ﴾[4].
[1] سورة الإسراء، الآيات 62 - 64.
[2] سورة الحجر، الآية 42.
[3] سورة فاطر، الآية 6.
[4] سورة الأعراف، الآية 201.
75
54
الدرس السادس: شبهات وجود الشرور والنقص في العالم الدنيويّ (2)
المفاهيم الرئيسة
إنّ إيجاد الإنسان في بيئة كهذه مقتضية لصدور بعض الشرور هو لمصلحة اختبار الإنسان وتفتّح استعداداته وقابليّاته الكماليّة، وهذا ينسجم مع حكمة الله -تعالى- وعدله.
إنّ الله -تعالى- قد جعل كثيرًا من الأمراض الجسميّة والنفسيّة والآلام التي تلحق بها كفّارة لذنوب الإنسان، وإنذارًا له لرجوعه إلى جادّة الصواب، وتصحيحًا لمساره الكماليّ، حتّى لو كان مقصّرًا في إصابته بها.
لم يجبر الله -تعالى- الشيطان على اختيار سبيل العصيان والتمرّد، بل أتاح أمامه فرصة الطاعة والتحقّق بالعبوديّة الحقّة، ولكنّه أبى واستكبر، فأخرجه الله -تعالى- من رحمته الخاصّة ورتّب على عصيانه اختبار الإنسان في عالم الدنيا وامتحانه بوسوسة الشيطان، فمن أطاع الله -تعالى- وتلبّس بالعبوديّة له يدخل في حزب الله، ومن عصى الله واستنكف عن عبادته يدخل في حزب الشيطان.
تقييم
كيف ينسجم وجود الشرور الأخلاقيّة مع حكمة الله -تعالى- وعدله؟
كيف ينسجم وجود الأمراض الجسديّة والنفسيّة مع حكمة الله -تعالى-؟
كيف ينسجم خلق الشيطان مع حكمة الله -تعالى-؟
76
55
الدرس السادس: شبهات وجود الشرور والنقص في العالم الدنيويّ (2)
اقرأ
صفة خَلْقِه -تعالى- الخلق
ما رواه حبيب السجستانيّ، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «إنّ الله -عزّ وجلّ- لمّا أخرج ذرّيّة آدم (عليه السلام) من ظهره؛ ليأخذ عليهم الميثاق بالربوبيّة له، وبالنبوّة لكلّ نبي، فكان أوّل من أخذ له عليهم الميثاق بنبوّته محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله)، ثمّ قال الله -عزّ وجلّ- لآدم: انظر ماذا ترى؟ قال: فنظر آدم (عليه السلام) إلى ذرّيّته، وهم ذرّ قد ملؤوا السماء، قال آدم (عليه السلام): يا ربِّ، ما أكثر ذرّيّتي! ولأمرٍ ما خلقتهم، فما تريد منهم بأخذك الميثاق عليهم؟ قال الله -عزّ وجلّ-: يعبدونني لا يشركون بي شيئًا ويؤمنون برسلي ويتّبعونهم، قال آدم (عليه السلام): يا ربِّ، فمالي أرى بعض الذرّ أعظم من بعض، وبعضهم له نور كثير، وبعضهم له نور قليل، وبعضهم ليس له نور؟ فقال الله -عزّ وجلّ-: كذلك خلقتهم لأبلوهم في كلّ حالاتهم، قال آدم (عليه السلام): يا ربِّ، فتأذن لي في الكلام فأتكلّم؟ قال الله -عزّ وجلّ-: تكلّم، فإنّ روحك من روحي، وطبيعتك من خلاف كينونتي! قال آدم: يا ربِّ، فلو كنت خلقتهم على مثال واحد، وقدر واحد، وطبيعة واحدة، وجبلَّة واحدة، وألوان واحدة، وأعمار واحدة، وأرزاق سواء، لم يبغِ بعضهم على بعض، ولم يكنْ بينهم تحاسد، ولا تباغض، ولا اختلاف في شيء من الأشياء. قال الله -عزّ وجلّ- يا آدم، بروحي نطقت، وبضعف طبيعتك تكلّفت ما لا علم لك به، وأنا الخالق العالم، بعلمي خالفت بين خلقهم، وبمشيئتي يمضي فيهم أمري، وإلى تدبيري وتقديري صائرون، لا تبديل لخلقي، إنّما خلقت الجنّ والإنس ليعبدون، وخلقت الجنّة لمن أطاعني وعبدني منهم واتّبع رسلي ولا أبالي، وخلقت النار لمن كفر بي وعصاني ولم يتّبع رسلي ولا أبالي، وخلقتك وخلقت ذرّيّتك من غير فاقة بي إليك وإليهم. وإنّما خلقتك وخلقتهم لأبلوك وأبلوهم أيّكم أحسن عملاً في دار الدنيا في حياتكم وقبل مماتكم؛ فلذلك خلقت الدنيا والآخرة، والحياة والموت، والطاعة والمعصية، والجنّة
77
56
الدرس السادس: شبهات وجود الشرور والنقص في العالم الدنيويّ (2)
والنار، وكذلك أردت في تقديري وتدبيري، وبعلمي النافذ فيهم خالفت بين صورهم وأجسامهم وألوانهم وأعمارهم وأرزاقهم وطاعتهم ومعصيتهم، فجعلت منهم الشقيّ والسعيد، والبصير والأعمى، والقصير والطويل، والجميل والدميم، والعالم والجاهل، والغنيّ والفقير، والمطيع والعاصي، والصحيح والسقيم، ومن به الزمانة، ومن لا عاهة به، فينظر الصحيح إلى الذي به العاهة، فيحمدني على عافيته، وينظر الذي به العاهة إلى الصحيح، فيدعوني ويسألني أنْ أعافيه ويصبر على بلائي، فأثيبه جزيل عطائي، وينظر الغني إلى الفقير، فيحمدني ويشكرني، وينظر الفقير إلى الغني، فيدعوني ويسألني، وينظر المؤمن إلى الكافر، فيحمدني على ما هديته؛ فلذلك خلقتهم، لأبلوهم في السرّاء والضراء، وفي ما أعافيهم، وفي ما أبتليهم، وفي ما أعطيهم، وفي ما أمنعهم، وأنا الله الملك القادر، ولي أنْ أمضي جميع ما قدّرت على ما دبّرت، ولي أنْ أغيّر من ذلك ما شئت إلى ما شئت، وأقدّم من ذلك ما أخّرت، وأؤخّر من ذلك ما قدّمت، وأنا الله الفعّال لما أريد، لا أسأل عمّا أفعل، وأنا أسأل خلقي عمّا هم فاعلون»[1].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص8 - 10.
78
57
الدرس السابع: شبهات حول عصمة الأنبياء (عليهم السلام)
الدرس السابع: شبهات حول عصمة الأنبياء (عليهم السلام)
يثبت عصمة الأنبياء (عليهم السلام) وتنزّههم عن المعصية والخطأ والمنفّرات.
يرد على الشبهتين الآتيتين:
أ. شبهة نسبة المعصية والذنب إلى النبيّ آدم (عليه السلام).
ب. شبهة نسبة الظلم إلى النبيّ موسى (عليه السلام).
79
58
الدرس السابع: شبهات حول عصمة الأنبياء (عليهم السلام)
تمهيد
قال -تعالى-: ﴿عَٰلِمُ ٱلغَيبِ فَلَا يُظهِرُ عَلَىٰ غَيبِهِۦ أَحَدًا ٢٦ إِلَّا مَنِ ٱرتَضَىٰ مِن رَّسُولٖ فَإِنَّهُۥ يَسلُكُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خَلفِهِۦ رَصَدٗا ٢٧ لِّيَعلَمَ أَن قَد أَبلَغُواْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِم وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيهِم وَأَحصَىٰ كُلَّ شَيءٍ عَدَدَا﴾[1].
هل يمكن الاستدلال على العصمة من خلال الآيات المباركة؟ كيف؟
في إثبات عصمة الأنبياء (عليهم السلام) وتنزّههم عن المعصية والخطأ والمنفّرات
تُعدّ عصمة الأنبياء (عليهم السلام) ضرورة من ضرورات الهداية الإلهيّة للناس، فلا بدّ للنبي (عليه السلام) من أنْ يكون معصوماً عن الخطأ والمعصية وعن كلّ ما من شأنه أنْ ينافي الوثوق به، ويُبطل الغرض من بعثته، وهو إيصال الهداية إليهم، وإتمام الحجّة عليهم بالتبشير والإنذار: ﴿كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّۧنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلكِتَٰبَ بِٱلحَقِّ لِيَحكُمَ بَينَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِ وَمَا ٱختَلَفَ فِيهِ إِلَّا ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعدِ مَا جَاءَتهُمُ ٱلبَيِّنَٰتُ بَغيَا بَينَهُم فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَا ٱختَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلحَقِّ بِإِذنِهِۦ وَٱللَّهُ يَهدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّستَقِيمٍ﴾.[2]
[1] سورة الجنّ، الآيات 26 - 28.
[2] سورة البقرة، الآية 213.
81
59
الدرس السابع: شبهات حول عصمة الأنبياء (عليهم السلام)
ويُراد بالعصمة وجود ملكة نفسانيّة في الإنسان المعصوم (عليه السلام) تكون سبباً لصونه عن الوقوع في ما لا يجوز من الخطأ أو المعصية، بإرادته واختياره.
وقد أجمعت الإماميّة على عصمتهم (عليهم السلام) عن الصغائر والكبائر، سهوها وعمدها، سواء أكان قبل النبوة أم بعدها.
واستدلّ على العصمة بتقريبات عدّة، منها:
1 - أنّ الغرض من بعثة الأنبياء (عليهم السلام) هو إيصال الهداية الإلهيّة إلى النّاس تامّة كاملة، من غير نقص أو تحريف أو خطأ: ﴿رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُ بَعدَ ٱلرُّسُلِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمٗا﴾[1]؛ وذلك لا يحصل إلّا بعصمة الواسطة التي بين النّاس وبين الله، وهم الأنبياء (عليهم السلام): ﴿عَٰلِمُ ٱلغَيبِ فَلَا يُظهِرُ عَلَىٰ غَيبِهِۦ أَحَدًا ٢٦ إِلَّا مَنِ ٱرتَضَىٰ مِن رَّسُولٖ فَإِنَّهُۥ يَسلُكُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خَلفِهِۦ رَصَدٗا ٢٧ لِّيَعلَمَ أَن قَد أَبلَغُواْ رِسَٰلَٰتِ رَبِّهِم وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيهِم وَأَحصَىٰ كُلَّ شَيءٍ عَدَدَا﴾[2]، فلو جاز عليهم الخطأ والمعصية؛ لأدّى ذلك خلاف الغرض من بعثهم.
2 - أمر الله -تعالى- بمتابعة الأنبياء (عليهم السلام) في أقوالهم وأفعالهم: ﴿وَمَا أَرسَلنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذنِ ٱللَّهِ﴾[3]، فلو جاز صدور الخطأ والمعصية عنهم؛ لزم ذلك الأمر بالمعصية، وهو خلاف الحكمة والغرض من بعثهم وإرسالهم إلى النّاس.
كما يلزم عصمة الأنبياء (عليهم السلام) عن كلّ ما من شأنه أنْ ينافي الوثوق بهم وتحقيق غرض بعثتهم بطاعتهم والأخذ عنهم، فلا بدّ من كمال عقل النبيّ (عليه السلام)، وذكائه، وفطنته، وقوّة رأيه، وعدم سهوه، وتنزّهه عن المنفّرات الخَلقيّة والخُلُقيّة، كالبرص، وقبح المظهر، ودناءة الآباء، وعهر الأمّهات، والفظاظة، والغلظة...[4].
[1] سورة النساء، الآية 165.
[2] سورة الجنّ، الآيات 26 - 28.
[3] سورة النساء، الآية 64.
[4] انظر: العلاّمة الحلّي، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، مصدر سابق، ص155 - 157؛ العلامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج2، ص134 - 139.
82
60
الدرس السابع: شبهات حول عصمة الأنبياء (عليهم السلام)
وقد طُرِحَت مجموعة من الشبهات حول خصائص النبوّة، منها عصمة الأنبياء (عليه السلام)، نتعرّض لبعضها ونناقشها في التفصيل الآتي:
الشبهة الأولى: نسبة المعصية والذنب إلى النبيّ آدم (عليه السلام)
بيان الشبهة
ورد في القرآن الكريم نسبة الظلم إلى النبيّ آدم (عليه السلام): ﴿وَلَا تَقرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ١٩ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّم تَغفِر لَنَا وَتَرحَمنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلخَٰسِرِينَ﴾[1]، وكذلك المعصية والغواية: ﴿وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ﴾[2]، فكيف تنسجم نسبة ذلك إليه مع كونه نبيّاً، ومع ضرورة عصمة الأنبياء (عليهم السلام)؟!
| جواب الشبهة |
1 - إنّ آدم (عليه السلام) من الأنبياء (عليهم السلام): ﴿ثُمَّ ٱجتَبَٰهُ رَبُّهُۥ فَتَابَ عَلَيهِ وَهَدَىٰ﴾[3]؛ والأنبياء منزّهون عن المعصية بدلالة العقل والشرع، وقد تقدّم بعض ما يدلّ على ذلك.
2 - إنّ ما يرد من تعابير في القرآن الكريم تحتمل نسبة المعصية إلى الأنبياء (عليهم السلام) هي من المتشابهات التي يلزم الرجوع في فهم المراد منها إلى الآيات المحكمات: ﴿هُوَ ٱلَّذِي أَنزَلَ عَلَيكَ ٱلكِتَٰبَ مِنهُ ءَايَٰتٞ مُّحكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم زَيغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنهُ ٱبتِغَاءَ ٱلفِتنَةِ وَٱبتِغَاءَ تَأوِيلِهِۦ وَمَا يَعلَمُ تَأوِيلَهُۥ إِلَّا ٱللَّهُ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلعِلمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّن عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُواْ ٱلأَلبَٰبِ﴾[4]، أو يلزم تأويلها بما ينسجم مع حكم العقل القطعيّ بتنزّه الأنبياء (عليهم السلام) عن المعصية والخطأ.
[1] سورة الأعراف، الآيات 19 - 23.
[2] سورة طه، الآية 121.
[3] السورة نفسها، الآية 122.
[4] سورة آل عمران، الآية 7.
83
61
الدرس السابع: شبهات حول عصمة الأنبياء (عليهم السلام)
3 - ما ورد من تعابير في القرآن الكريم بحقّ آدم (عليه السلام) أو على لسانه: ﴿وَلَا تَقرَبَا هَٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾[1]، ﴿وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُۥ فَغَوَىٰ﴾[2]، يمكن فهمها بناءً على أنّ النهي الوارد هو نهي إرشاديّ للهداية والإرشاد إلى مورد الصلاح والخير والتحذير من عداوة الشيطان وأساليبه الخفيّة الخدّاعة، وليس نهياً مولويّاً حرّمه الشارع وتوعّد على مخالفته بالعذاب، ويشهد له أنّه -تعالى- فرّعه على النهي في مورد آخر من القرآن الكريم بقوله: ﴿فَقُلنَا يَٰـَٔادَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوّٞ لَّكَ وَلِزَوجِكَ فَلَا يُخرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلجَنَّةِ فَتَشقَىٰ ١١٧ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعرَىٰ ١١٨ وَأَنَّكَ لَا تَظمَؤُاْ فِيهَا وَلَا تَضحَىٰ﴾[3]، فعرّف الشقاء بالتعب الحاصل من النشأة الدنيويّة، من جوع وظمأ وحرّ، كما يشهد لكون النهي نهياً إرشاديّاً كون بيئة التكليف هي في النشأة الأرضيّة، ولم ينزل بعد تشريع دينيّ في الجنّة السماوية: ﴿قَالَ ٱهبِطَا مِنهَا
جَمِيعَا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوّٞ فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشقَىٰ ١٢٣ وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحشُرُهُۥ يَومَ ٱلقِيَٰمَةِ أَعمَىٰ﴾[4]، كما يشهد لذلك أنّ التوبة عن المعصية ترفع العقوبة عن العاصي، فيعود بذلك إلى ما كان فيه، والحال أنّ الله -تعالى- تاب على آدم (عليه السلام) ولم يُرجعه إلى الجنّة التي كان فيها[5]، كما يشهد بذلك قوله -تعالى-: ﴿ثُمَّ ٱجتَبَٰهُ رَبُّهُۥ فَتَابَ عَلَيهِ وَهَدَىٰ ١٢٢ قَالَ ٱهبِطَا مِنهَا جَمِيعَا بَعضُكُم لِبَعضٍ عَدُوّٞ فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدٗى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشقَىٰ ١٢٣ وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحشُرُهُۥ يَومَ ٱلقِيَٰمَةِ أَعمَىٰ﴾[6]. وهذا ما يؤكِّد أنّ توبة آدم (عليه السلام) لم تكن عن المعصيّة بمعناها المصطلح، وإنّما كانت مخالفَةً لنهي إرشاديّ.
[1] سورة البقرة، الآية 35.
[2] سورة طه، الآية 121.
[3] السورة نفسها، الآيات 117 - 119.
[4] السورة نفسها، الآيتان 123 - 124.
[5] انظر: العلامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج1، ص135 - 137.
[6] سورة طه، الآيات 122 - 124.
84
62
الدرس السابع: شبهات حول عصمة الأنبياء (عليهم السلام)
4 - إنّ لمفردات «العصيان« و«الظلم» والغواية» و«التوبة» و«المغفرة» والخسران» والشقاء، معانٍ مختلفة لغةً عمّا اصطلح عليه المتشرّعة من معنى، فالمراد بـ «الظلم» وضع الشيء في غير موضعه[1]، والمراد بـ «العصيان» عدم الانفعال عن الأمر أو الانفعال بصعوبة[2]، والمراد بـ «الغواية» عدم اقتدار الإنسان على حفظ المقصد وتدبير نفسه في معيشته[3]، والمراد بـ «التوبة» مطلق الرجوع[4]، والمراد بـ «المغفرة» الستر[5]، والمراد بـ «الخسران» نقض الشيء ونقصه[6]، والمراد بـ «الشقاء» المعاناة والتعب وخلاف السهولة والسعادة[7]، وهي معانٍ تختلف عن المعاني التي عليها المتشرّعة[8].
الشبهة الثانية: نسبة الظلم إلى النبيّ موسى (عليه السلام)
بيان الشبهة
ورد في القرآن الكريم نسبة الظلم إلى النبيّ موسى (عليه السلام): ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمتُ نَفسِي فَٱغفِر لِي فَغَفَرَ لَهُۥ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ﴾[9]، وكذلك كون فعل القتل الصادر عنه من عمل الشيطان: ﴿وَدَخَلَ ٱلمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفلَةٖ مِّن أَهلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَينِ يَقتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِۦ وَهَٰذَا مِن عَدُوِّهِۦ فَٱستَغَٰثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِي مِن عَدُوِّهِۦ
[1] انظر: ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام محمّد هارون، قم المقدّسة، مكتب الإعلام الإسلاميّ، 1404هـ.ق، لا.ط، ج3، مادّة «ظلم»، ص468؛ الراغب الأصفهانيّ، الحسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق صفوان عدنان داووديّ، قم المقدّسة، طليعة النور، سليمان زاده، 1427هـ.ق، ط2، مادّة «ظلم»، ص537.
[2] انظر: المصدر نفسه، ج4، مادّة «عصوى»، ص334 - 335؛ المصدر نفسه، مادّة «عصا»، ص570.
[3] انظر: المصدر نفسه، ج4، مادّة «غوى»، ص399 - 400؛ المصدر نفسه، مادّة «غوى»، ص620.
[4] انظر: المصدر نفسه، ج1، مادّة «توب»، ص357؛ المصدر نفسه، مادّة «توب»، ص169.
[5] انظر: المصدر نفسه، ج4، مادّة «غفر»، ص385؛ المصدر نفسه، مادّة «غفر»، ص609.
[6] انظر: المصدر نفسه، ج2، مادّة «خسر»، ص182؛ المصدر نفسه، مادّة «خسر»، ص281 - 282.
[7] انظر: المصدر نفسه، ج3، مادّة «شقو»، ص202؛ المصدر نفسه، مادّة «شقا»، ص460 - 461.
[8] انظر: العلامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج1، ص137 - 138.
[9] سورة القصص، الآية 16.
85
63
الدرس السابع: شبهات حول عصمة الأنبياء (عليهم السلام)
فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيهِ قَالَ هَٰذَا مِن عَمَلِ ٱلشَّيطَٰنِ إِنَّهُۥ عَدُوّٞ مُّضِلّٞ مُّبِينٞ﴾[1]، فكيف ينسجم ذلك مع كونه نبيّاً؟ وكيف يتلاءم مع ضرورة عصمة الأنبياء (عليهم السلام)، وصونهم عن كيد الشيطان ومكره ووسوسته: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَغوَيتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُم فِي ٱلأَرضِ وَلَأُغوِيَنَّهُم أَجمَعِينَ ٣٩ إِلَّا عِبَادَكَ مِنهُمُ ٱلمُخلَصِينَ﴾[2]؟!
| جواب الشبهة |
تقدّم أنّ ما يرد من تعابير في القرآن الكريم تحتمل نسبة المعصية والظلم إلى الأنبياء (عليهم السلام) هي من المتشابهات التي يلزم الرجوع في فهم المراد منها إلى الآيات المحكمات، أو يلزم تأويلها بما ينسجم مع حكم العقل القطعيّ بتنزّه الأنبياء (عليهم السلام) عن المعصية والظلم والخطأ، وقد ورد من قصّة النبيّ موسى (عليه السلام) مع القبطيّ والإسرائيليّ أنّه خرج ذات يوم في المدينة، فصادف رجلين يقتتلان أحدهما من الأقباط والآخر من بني إسرائيل، فاستغاثه مستنصراً إيّاه على القبطي الذي يريد أن يبطش به ظلماً: ﴿وَدَخَلَ ٱلمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفلَةٖ مِّن أَهلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَينِ يَقتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِۦ وَهَٰذَا مِن عَدُوِّهِۦ فَٱستَغَٰثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِۦ عَلَى ٱلَّذِي مِن عَدُوِّهِۦ﴾[3]، فقام موسى (عليه السلام) بدفع القبطي بملء كفّه، وقد أدّى ذلك إلى مقتله: ﴿فَوَكَزَهُۥ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيهِ﴾[4]. ولم يقصد النبيّ موسى (عليه السلام) أن تفضي وكزته للقبطيّ إلى مقتله، فعدّ ذلك من عمل الشيطان الذي يريد أن يقلّب عليه الأمور في هذا الوقت العصيب: ﴿قَالَ هَٰذَا مِن عَمَلِ ٱلشَّيطَٰنِ إِنَّهُۥ عَدُوّٞ مُّضِلّٞ مُّبِينٞ﴾[5]، فاستعظم ما صدر منه: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمتُ نَفسِي فَٱغفِر
[1] سورة القصص، الآية 15.
[2] سورة الحجر، الآيتان 39 - 40.
[3] سورة القصص، الآية 15.
[4] السورة والآية نفسها.
[5] السورة والآية نفسها.
86
64
الدرس السابع: شبهات حول عصمة الأنبياء (عليهم السلام)
لِي فَغَفَرَ لَهُۥ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ﴾[1]، فالمراد بالظلم وضع الشيء في غير موضعه[2]، والمراد بالمغفرة الستر[3]، وقد شكر الله -تعالى- على تجنيبه السوء وجعله إيّاه نصيراً للمظلومين، ودعاه أن لا يجعله نصيراً للمجرمين، وهم فرعون وأعوانه وجنوده: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَنعَمتَ عَلَيَّ فَلَن أَكُونَ ظَهِيرٗا لِّلمُجرِمِينَ﴾[4].
[1] سورة القصص، الآية 16.
[2] انظر: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج3، مادّة «ظلم»، ص468؛ الراغب الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، مادّة «ظلم»، ص537.
[3] انظر: المصدر نفسه، ج4، مادّة «غفر»، ص385؛ المصدر نفسه، مادّة «غفر»، ص609.
[4] سورة القصص، الآية 17.
87
65
الدرس السابع: شبهات حول عصمة الأنبياء (عليهم السلام)
المفاهيم الرئيسة
يُراد بالعصمة وجود ملكة نفسانيّة في الإنسان المعصوم (عليه السلام) تكون سبباً لصونه عن الوقوع في ما لا يجوز من الخطأ أو المعصية، بإرادته واختياره.
عصمة الأنبياء (عليهم السلام) ضرورة من ضرورات الهداية الإلهيّة للناس، فلا بدّ للنبيّ (عليه السلام) من أنْ يكون معصوماً عن الخطأ والمعصية وعن كلّ ما من شأنه أنْ ينافي الوثوق به، ويُبطل الغرض من بعثته، وهو إيصال الهداية إليهم، وإتمام الحجّة عليهم بالتبشير والإنذار.
إنّ ما يرد من تعابير في القرآن الكريم تحتمل نسبة المعصية والظلم إلى الأنبياء (عليهم السلام) هي من المتشابهات التي يلزم الرجوع في فهم المراد منها إلى الآيات المحكمات، أو يلزم تأويلها بما ينسجم مع حكم العقل القطعيّ بتنزّه الأنبياء (عليهم السلام) عن المعصية والظلم والخطأ.
تقييم
هل يجوز على الأنبياء (عليهم السلام) المعصية والخطأ؟ بيّن ذلك.
كيف يمكن توجيه ما ورد في القرآن الكريم من نسبة المعصية والذنب إلى النبيّ آدم (عليه السلام)؟
كيف يمكن توجيه ما ورد في القرآن الكريم من نسبة الظلم إلى النبيّ موسى (عليه السلام)؟
88
66
الدرس السابع: شبهات حول عصمة الأنبياء (عليهم السلام)
اقرأ
صفة إرساله -تعالى- الأنبياء والرسل (عليهم السلام)
في خطبةٍ للإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام): «... واصطفى -سبحانه- من ولده (أي آدم (عليه السلام)) أنبياء، أخذ على الوحي ميثاقهم، وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم، لمّا بدّل أكثر خلقه عهدَ الله إليهم، فجهلوا حقّه، واتّخذوا الأنداد معه، واجتالتهم الشياطين عن معرفته، واقتطعتهم عن عبادته، فبعث فيهم رسله، وواتر إليهم أنبياءه؛ ليستأدّوهم ميثاق فطرته، ويذكّروهم منسيّ نعمته، ويحتجّوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول، ويروهم الآيات المقدّرة من سقف فوقهم مرفوع، ومهاد تحتهم موضوع، ومعايش تحييهم، وآجال تفنيهم، وأوصاب تهرمهم، وأحداث تتابع عليهم، ولم يُخْلِ -سبحانه- خلقه من نبيّ مرسل، أو كتاب منزل، أو حجّة لازمة، أو محجّة قائمة، رسل لا تقصّر بهم قلّة عدّدهم، ولا كثرة المكذّبين لهم، من سابق سمّي له من بعده، أو غابر عرفه من قبله، على ذلك نسلت القرون ومضت الدهور، وسلفت الآباء، وخلفت الأبناء، إلى أنْ بعث الله -سبحانه- محمّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ لإنجاز عدته، وتمام نبوّته، مأخوذاً على النبيّين ميثاقه، مشهورة سماته، كريماً ميلاده، وأهل الأرض يومئذٍ ملل متفرّقة، وأهواء منتشرة، وطوائف متشتّتة، بين مشبّه لله بخلقه، أو ملحدٍ في اسمه، أو مشير إلى غيره، فهداهم به من الضلالة، وأنقذهم بمكانه من الجهالة، ثمّ اختار -سبحانه- لمحمّد (صلى الله عليه وآله) لقاءه، ورضي له ما عنده، وأكرمه عن دار الدنيا، ورغّب به عن مقارنة البلوى، فقبضه إليه كريماً (صلى الله عليه وآله)، وخلّف فيكم ما خلّفت الأنبياء في أممها؛ إذ لم يتركوهم هملاً بغير طريق واضح، ولا علم قائم، كتاب ربّكم فيكم، مبيّناً حلاله وحرامه، وفرائضه وفضائله، وناسخه ومنسوخه، ورخصه وعزائمه، وخاصّه وعامّه، وعبره وأمثاله، ومرسله ومحدوده، ومحكمه ومتشابهه، مفسّراً مجمله، ومبيّناً غوامضه، بين مأخوذ ميثاق في علمه، وموسّع على العباد في جهله، وبين مثبت في الكتاب فرضه،
89
67
الدرس السابع: شبهات حول عصمة الأنبياء (عليهم السلام)
ومعلوم في السنّة نسخه، وواجب في السنّة أخذه، ومرخّص في الكتاب تركه، وبين واجب بوقته، وزائل في مستقبله، ومباين بين محارمه، من كبير أوعد عليه نيرانه، أو صغير أرصد له غفرانه، وبين مقبول في أدناه، موسّع في أقصاه»[1].
[1] الشريف الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ج1، الخطبة 1، ص23 - 26.
90
68
الدرس الثامن: شبهات حول خصائص الإمامة
الدرس الثامن: شبهات حول خصائص الإمامة
يعدد خصائص مقام الإمامة.
يرد على الشبهات الآتية:
أ. شبهة التوريث في الإمامة.
ب. شبهة الإمامة في الصغر.
ج. شبهة كيف تكون الإمامة أفضل من النبوة؟
91
69
الدرس الثامن: شبهات حول خصائص الإمامة
تمهيد
قال -تعالى-: ﴿وَإِذِ ٱبتَلَىٰ إِبرَٰهِمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَٰتٖ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامٗا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهدِي ٱلظَّٰلِمِينَ﴾[1]
هل يمكننا الاستدلال على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام) دون غيره من الصحابة وممن تسنَّم منصب الخلافة من خلال الآية الكريمة؟
في بيان خصائص مقام الإمامة
الإمامة لطف من الله -تعالى- لعباده؛ لحفظ الدين وصيانته من التحريف في تعاليمه والخطأ والاشتباه في فهمه، ولتقريب الناس من الطاعة وردعهم عن المعصية، والأخذ بأيديهم للوصول إلى الكمال الإنسانيّ المنشود. وتشتمل الإمامة على جملة من الخصائص التي ذكرها القرآن الكريم[2]، هي:
الإمامة مجعولة بجعل إلهيّ: ﴿وَجَعَلنَا مِنهُم أَئِمَّةٗ﴾[3]، ﴿وَجَعَلنَٰهُم أَئِمَّةٗ﴾[4].
[1] سورة البقرة، الآية 124.
[2] انظر: العلاّمة الحلّي، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، مصدر سابق، ص182 - 189؛ العلامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج2، ص267 - 276.
[3] سورة السجدة، الآية 24.
[4] سورة الأنبياء، الآية 73.
93
70
الدرس الثامن: شبهات حول خصائص الإمامة
الإمامة كمال الدين وتمام النعمة الإلهيّة على العباد: ﴿ٱليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسلَٰمَ﴾[1].
عصمة الإمام (عليه السلام) بعصمة إلهيّة: ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامٗا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهدِي ٱلظَّٰلِمِينَ﴾[2].
عدم خلوّ الأرض عن إمام حقّ: ﴿يَومَ نَدعُواْ كُلَّ أُنَاسِ بِإِمَٰمِهِم﴾[3].
الإمام مؤيّد بتأييد إلهيّ: ﴿وَجَعَلنَا مِنهُم أَئِمَّةٗ يَهدُونَ بِأَمرِنَا﴾[4].
الإمام (عليه السلام) مهديّ بهداية إلهيّة: ﴿أُوْلَٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَىٰهُمُ ٱقتَدِه...﴾[5].
الإمام (عليه السلام) شهيد على أمّته في الدنيا والآخرة: ﴿فَكَيفَ إِذَا جِئنَا مِن كُلِّ أُمَّةِ بِشَهِيدٖ وَجِئنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدٗا﴾[6]،[7].
وقد طُرِحَت مجموعة من الشبهات حول الإمامة، نتعرّض لبعضها ونناقشها في التفصيل الآتي:
الشبهة الأولى: التوريث في الإمامة
بيان الشبهة
يعتقد الشيعة الإماميّة بالتعيين في الإمامة، ويدّعون انحصارها بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) في الإمام عليّ (عليه السلام) ووِلْده، وهم يدعون بذلك إلى توريث الإمامة والخلافة، في حين
[1] سورة المائدة، الآية 3.
[2] سورة البقرة، الآية 124.
[3] سورة الإسراء، الآية 71.
[4] سورة السجدة، الآية 24.
[5] سورة الأنعام، الآية 90.
[6] سورة النساء، الآية 41.
[7] لا بدّ من الاستعانة بالروايات الشريفة المفسِرة للآية الكريمة لاستفادة المطلوب.
94
71
الدرس الثامن: شبهات حول خصائص الإمامة
أنّ نظريّة أهل السنّة في الإمامة والخلافة تذهب إلى انتخاب الخليفة من قِبَل الناس مباشرة من خلال بيعتهم له، وهي بذلك أنسب من نظريّة الشيعة في الحكم وأكثر عقلانيّة منها[1].
| جواب الشبهة |
1 - لا ينحصر الخلاف بين الشيعة وأهل السنّة في الإمامة في مجرّد التعيين والانتخاب، بل هو خلاف لجهة مفهوم الإمامة، ومصداقها، وضرورتها، وفلسفتها، وأدلّتها، وخصائصها، ووظائفها، وأبعادها... فعلى مستوى المفهوم، رأى أهل السنّة الإمامة من الأمور الشرعيّة، لا من الأمور العقديّة، كما هو الأمر عند الشيعة الإماميّة، فكانت عند الشيعة أصلًا من أصول مذهبهم. وعلى مستوى المصداق، ذهب أهل السنّة إلى تعيين الإمام من خلال نظريّة الانتخاب والشورى وولاية الأمّة[2]، بحيث يجري على أساسها اختيار الشخص اللائق بمهام إدارة الدولة الإسلاميّة وقيادتها، في حين ذهب الشيعة إلى تعيين الإمام بالنصّ الوحيانيّ على أشخاص معيّنين على نحو التعيين الشخصيّ، وهم الأئمّة الاثنا عشر من أهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) الذين لهم الولاية المطلقة على العباد، ولهم ما للرسول (صلى الله عليه وآله) من الولاية على الناس.
2 - يحصر أهل السنّة الإمامة على مستوى الدور والوظيفة في تدبير شؤون المجتمع الإسلاميّ وإدراته[3]، في حين أنّ لها عند الشيعة وظائف وأدوار بعضها يتابع ويستكمل وظائف النبوّة والرسالة، وذلك لجهة تحمّل مسؤوليّة تبليغ الدين
[1] انظر: البغداديّ، عبد القاهر، أصول الدين، دار الفكر، بيروت، 1417هـ.ق، لا.ط، ص150.
[2] انظر: أبو حامد الغزاليّ، محمّد بن محمّد، إحياء علوم الدين، دار الكتاب العربيّ، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج2، ص141؛ التفتازانيّ، شرح المقاصد في علم الكلام، دار المعارف النعمانية، باكستان، 1401هـ - 1981م، ط1، ج3، ص470؛ الإيجيّ، عبد الرحمن بن أحمد، المواقف، شرح الشريف الجرجانيّ، دار الكتب العلميّة، بيروت، 1419هـ.ق، ج8، ص351؛ الماورديّ، عليّ بن محمّد، الأحكام السلطانيّة، المجمع العلميّ، بغداد، 1422هـ.ق، لا.ط، ص6.
[3] انظر: التفتازانيّ، شرح المقاصد، مصدر سابق، ج3، ص469؛ الإيجيّ، المواقف، مصدر سابق، ج8، ص376؛ الماورديّ، الأحكام السلطانيّة، مصدر سابق، ص5.
95
72
الدرس الثامن: شبهات حول خصائص الإمامة
والرسالة، وبيان تفاصيلها وحقائقها وتطبيقاتها الصحيحة للناس، وإدارة المجتمع، وإرساء قواعد العدل فيه، وتطبيق الشريعة، والتصدّي للأمور السياسيّة والقضائيّة والدفاعيّة والاقتصاديّة... وهذه الوظائف تدخل ضمن نطاق وظيفة الكشف عن الطريق المُوصِل إلى الكمال. وما كانت هذه طبيعته لا يمكن إيكال تشخيص اللائق به إلى الأمّة، بل ينحصر تشخيصه بإرشاد الوحي الإلهيّ.
3 - إنّ نظريّة أهل السنّة في الانتخاب والشورى هي مجرّد نظريّة تفتقد إلى المعايير والمواصفات الواضحة، ويشهد لذلك اختلاف علماء أهل السنّة أنفسهم، قديمًا وحديثًا في تحديد كيفيّة انعقاد الشورى، وآليّة اختيار الحاكم، ومواصفات الحاكم ومؤهّلاته... كما أنّهم على مستوى التطبيق لم يلتزموا بهذه النظريّة، فكانت خلافة الأوّل دون انتخاب ورغبة من الناس، وبمعارضة ونكران الصحابة الأجلّاء، وكذلك خلافة الثاني بتعيين من الأوّل، وخلافة الثالث بشورى حدّد أعضاءَها الثاني، وخلافة بني أمّيّة وبني العباس بالغلبة والقهر وتكريس الوراثة... والمحطّة الوحيدة في تاريخ المسلمين بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله) التي حصل عليها إجماع ورغبة من قِبَلهم على الحاكم هي حكومة الإمام عليّ (عليه السلام)، وهذا ليس راجعًا إلى اختيارهم البدويّ له، بل إلى كشف الوحي عن لياقته للإمامة في حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله) على لسانه (صلى الله عليه وآله)، ولا سيّما في بيعة الغدير، فكان إجماع الأمّة على إمامته (عليه السلام) بعد عثمان، رجوعًا لها عن تقصيرها ونكثها لميثاق الوحي، بعد أن ذاقت ويلات هذا التقصير والإعراض.
4 - إنّ أعلام أهل السنّة وفقهائهم يعترفون بفضل الإمام عليّ (عليه السلام) والأئمّة (عليهم السلام) من ولده وعلمهم وحكمتهم وأخلاقهم وورعهم وشجاعتهم... بما لا يُقاس بهم أحد من الأمّة عبر التاريخ لذا فلا ينبغي أن يرد الإشكال في الدعوة إلى إمامتهم وولايتهم دون غيرهم.
96
73
الدرس الثامن: شبهات حول خصائص الإمامة
الشبهة الثانية: الإمامة في الصِغَر
بيان الشبهة
سواء أكانت الإمامة خلافة وحكومة أو مرجعيّة دينيّة، فإنّها تحتاج إلى أن يتوافر الإمام فيها على مواصفات وخصائص معيّنة، منها: الاستطاعة البدنيّة والفكريّة، وهذا لا ينسجم مع إمامة بعض أئمّة الشيعة الذين تولّوا الإمامة في الصِغَر، كالإمام الجواد(عليه السلام) (في السابعة أو الثامنة من عمره)، والإمام الهادي (عليه السلام) (في السادسة أو السابعة من عمره)، والإمام المهديّ| (في الخامسة من عمره)[1].
| جواب الشبهة |
1 - إنّ البحث عن إمكانيّة تولّي مَنْ كان صغيرًا في السنّ مسؤوليّة الإمامة وحيازته على مؤهّلاتها، يحسمه الواقع الخارجيّ؛ حيث إنّ الله -تعالى- في صريح القرآن الكريم قد أعطى النبوّة والحكم لعيسى بن مريم (عليه السلام): ﴿فَأَشَارَت إِلَيهِ قَالُواْ كَيفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي ٱلمَهدِ صَبِيّٗا ٢٩ قَالَ إِنِّي عَبدُ ٱللَّهِ ءَاتَىٰنِيَ ٱلكِتَٰبَ وَجَعَلَنِي نَبِيّٗا﴾[2]، وليحيى بن زكريا (عليه السلام): ﴿يَٰيَحيَىٰ خُذِ ٱلكِتَٰبَ بِقُوَّةٖ وَءَاتَينَٰهُ ٱلحُكمَ صَبِيّٗا﴾[3]، ولداوود (عليه السلام)[4]: ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلمُلكَ وَٱلحِكمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَاءُ﴾[5]؛ وذلك على الرغم من صِغَر سِنِّهم.
وقد أقرّ أعلام من مفسّري أهل السنّة بدلالة الآيات المتقدّمة على إمكانيّة الإمامة في الصِغَر، بل على وقوعها.
[1] انظر: الكاتب، أحمد، تطوّر الفكر السياسيّ الشيعيّ من الشورى إلى ولاية الفقيه، دار الجديد، بيروت، 1998م، ص102 - 112.
[2] سورة مريم، الآيتان 29 - 30.
[3] السورة نفسها، الآية 12.
[4] انظر: القمّيّ، عليّ بن إبراهيم، تفسير القمّيّ، تصحيح وتعليق طيّب الموسويّ الجزائريّ، مؤسّسة دار الكتاب للطباعة والنشر، قم المقدّسة، 1404هـ.ق، ط3، ج1، ص82 - 83.
[5] سورة البقرة، الآية 251.
97
74
الدرس الثامن: شبهات حول خصائص الإمامة
2 - لقد ثبت في السيرة ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) دعا الإمام عليّ (عليه السلام) إلى الإسلام وعيّنه خليفة من بعده، وهو صغير السنّ لم يبلغ من العمر عشر سنين إلى الإسلام، وكذلك أخذ البيعة من الإماميّن الحسن (عليه السلام) والحسين (عليه السلام)، وهما صغيران في السنّ، بحيث لم يتكرّر هذا الفعل من النبيّ (صلى الله عليه وآله) تجاه أحد غيرهم من أطفال المسلمين، وهو دالّ على تمتّعهم (عليهم السلام) بالنضج الفكريّ والنفسيّ، مما يؤهلهم لتسنّم منصب الإمامة على الرغم من صغر سنّهم.
3 - ورد في بعض النصوص الدينيّة تشبيه للإمام الجواد (عليه السلام) بالنبيّ عيسى (عليه السلام)؛ بلحاظ تولّيه الإمامة في الصِغَر[1].
ونقل لنا التاريخ تصدّي الإمامين الجواد (عليه السلام) والهادي (عليه السلام) للأسئلة والشبهات والمناظرات العلميّة على الرغم من صغر سنهما.
4 - من يطالع التاريخ ويعاين الواقع المعاصر يجد أنّ بعض النوابغ من الأطفال قد امتلكوا قدرات ذهنيّة غير عاديّة فاقت عمرهم بسنوات وتفوّقوا بها على كثير ممّن عاصرهم من كبار السنّ!
الشبهة الثالثة: كيف تكون الإمامة أفضل من النبوّة؟
بيان الشبهة
يعتقد الشيعة بأفضليّة الإمامة على النبوّة، وهم في هذا يخالفون القرآن والسنّة!
| جواب الشبهة |
1 - تقدّم أنّ ثمّة اختلافًا بين الشيعة وأهل السنّة في مفهوم الإمامة، ومصداقها، وضرورتها، وفلسفتها، وأدلّتها، وخصائصها، ووظائفها، وأبعادها... ولا يمكن إسقاط رؤية أهل السنّة للإمامة على القرآن والسنّة وفق ما يرونه لها من مفهوم، وهو
[1] انظر: الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص321.
98
75
الدرس الثامن: شبهات حول خصائص الإمامة
الرياسة في الدنيا، ولا بدّ من مراجعة القرآن والسنّة واستنباط الرؤية الصحيحة منهما.
2 - من الآيات التي تشهد على أفضليّة مقام الإمامة على النبوّة والرسالة قوله -تعالى-: ﴿وَإِذِ ٱبتَلَىٰ إِبرَٰهِمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَٰتٖ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامٗا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهدِي ٱلظَّٰلِمِينَ﴾[1]، فالجعل للإمامة في النبيّ إبراهيم (عليه السلام) جعل امتنانيّ من الله -تعالى- عليه، وهو حاصل في الحال أو الاستقبال، لا في الماضي، وهذا الجعل حصل له في أواخر عمر الشريف (عليه السلام) بعد أنْ كان عبدًا ثمّ نبيًّا، ثمّ رسولاً، ثمّ خليلاً[2]، وبعد أنْ رزقه بإسماعيل (عليه السلام) وإسحاق (عليه السلام)، وبعد أنْ أتمّ الكلمات، وهي اختبارات وعهود إلهيّة أُريدت منه، كابتلائه بعبَدَة الكواكب والأصنام والنار، وإلقائه في النار، وهجرته من موطنه، وتضحيته بابنه إسماعيل (عليه السلام)... وبإتمامه لهذه الكلمات أثبت لياقته لمقام الإمامة[3].
[1] سورة البقرة، الآية 124.
[2] انظر: الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص175.
[3] الشيخ الطبرسيّ، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، تقديم: السيد محسن الأمين العاملي، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت – لبنان، ط1، 1415هـ - 1995م، ج1، ص377؛ العلامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج1، ص269 - 271.
99
76
الدرس الثامن: شبهات حول خصائص الإمامة
المفاهيم الرئيسة
الإمامة لطف من الله -تعالى- لعباده؛ لحفظ الدين وصيانته من التحريف في تعاليمه والخطأ والاشتباه في فهمه، ولتقريب الناس من الطاعة وردعهم عن المعصية، وللأخذ بأيديهم لإيصالهم إلى الكمال الإنسانيّ.
تشتمل الإمامة على جملة من الخصائص التي ذكرها القرآن الكريم، منها: كونها جعلاً إلهيًّا، وكونها كمال الدين وتمام النعمة، وعصمة الإمام، وعدم خلوّ الأرض عن إمام حقّ، وكون الإمام مؤيّدًا بتأييد إلهيّ، وعلم الإمام (عليه السلام) بجميع ما يحتاج إليه الناس في أمور دينهم ودنياهم وآخرتهم، وكون الإمام (عليه السلام) متحقّقًا بحقيقة العبوديّة ومهديًّا بهداية إلهيّة، ولا يفوقه أحد من الناس في فضائل النفس.
إنّ البحث عن إمكانيّة تولّي مَنْ كان صغيرًا في السنّ مسؤوليّة الإمامة وحيازته على مؤهّلاتها، يحسمه الواقع الخارجيّ؛ حيث إنّ الله -تعالى- في صريح القرآن الكريم قد أعطى النبوّة والحكم لعيسى بن مريم (عليه السلام)، وليحيى بن زكريا (عليه السلام)، ولداوود (عليه السلام)، وذلك على الرغم من صِغَر سِنِّهم.
تشهد عدّة آيات على أفضليّة الإمامة الإلهيّة من النبوّة كقوله -تعالى-: ﴿وَإِذِ ٱبتَلَىٰ إِبرَٰهِمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَٰتٖ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامٗا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهدِي ٱلظَّٰلِمِينَ﴾[1].
تقييم
كيف يمكن التوفيق بين عقيدة الإمامة وشبهة التوريث؟
هل يمكن أن تنعقد الإمامة في الصِغَر؟ بيّن ذلك.
هل مقام الإمامة أفضل من مقام النبوّة؟ بيّن ذلك.
[1] سورة البقرة، الآية 124.
100
77
الدرس الثامن: شبهات حول خصائص الإمامة
اقرأ
من مناظرات الإمام الجواد (عليه السلام)
روي أنّه لما عزم المأمون على أن يزوّج ابنته أم الفضل أبا جعفر محمّد بن عليّ الرضا (عليهما السلام)، اجتمع إليه أهل بيته الأدنون منه، فقالوا له: يا أمير المؤمنين، ناشدناك أن تخرج عنّا أمرًا قد ملّكناه، وتنزع عنّا عزًّا قد لبسناه، وتعلم الأمر الذي بيننا وبين آل عليّ، قديمًا وحديثًا، فقال المأمون: أمسكوا! والله، لا قبلت من واحد منكم في أمره. فقالوا: يا أمير المؤمنين، أتزوّج ابنتك وقرّة عينك صبيًّا لم يتفقّه في دين الله، ولا يعرف حلاله من حرامه، ولا فرضًا من سنّة -ولأبي جعفر (عليه السلام) إذ ذاك تسع سنين-؟! فلو صبرت له حتّى يتأدّب، ويقرأ القرآن، ويعرف الحلال من الحرام. فقال المأمون: إنّه لأفقه منكم وأعلم بالله ورسوله وسنّته وأحكامه، واقرأ لكتاب الله منكم، وأعلم بمحكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، وظاهره وباطنه، وخاصّه وعامّه، وتنزيله وتأويله منكم! فاسألوه، فإنْ كان الأمر كما وصفتم قبلت منكم، وإنْ كان الأمر على ما وصفت علمت أنّ الرجل خلق منكم. فخرجوا من عنده وبعثوا إلى يحيى بن أكثم، وهو يومئذٍ قاضي القضاة، فجعلوا حاجتهم إليه، وأطمعوه في هدايا على أنْ يحتال على أبي جعفر (عليه السلام) بمسألة في الفقه لا يدري ما الجواب فيها، فلمّا حضروا وحضر أبو جعفر (عليه السلام)، قالوا: يا أمير المؤمنين، هذا القاضي، إنْ أذنت له أنْ يسأل، فقال المأمون: يا يحيى، سلْ أبا جعفر عن مسألة في الفقه لتنظر كيف فقهه، فقال يحيى: يا أبا جعفر، أصلحك الله: ما تقول في مُحرِم قتل صيدًا؟ فقال أبو جعفر (عليه السلام): قتله في حلّ أم حرم؟ عالمًا أو جاهلًا؟ عمدًا أو خطًأ؟ عبدًا أو حرًّا؟ صغيرًا أو كبيرًا؟ مبدءاً أو معيدًا؟ من ذوات الطير أو غيره؟ من صغار الطير أو كباره؟ مصرًّا أو نادمًا؟ بالليل في أوكارها أو بالنهار وعيانًا؟ محرمًا للحجّ أو للعمرة؟ قال: فانقطع يحيى انقطاعًا لم يخفَ على أحد من أهل المجلس انقطاعه، وتحيّر الناس عجبًا من جواب أبي جعفر (عليه السلام) (...) قال المأمون: يا أبا جعفر، إنْ
101
78
الدرس الثامن: شبهات حول خصائص الإمامة
رأيت أنْ تعرّفنا ما يجب على كلّ صنف من هذه الأصناف في قتل الصيد، فقال (عليه السلام): إنّ المحرم إذا قتل صيدًا في الحلّ، وكان الصيد من ذوات الطير، من كبارها، فعليه شاة، فإنْ أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفًا... قال: فأمر أنْ يُكتَب ذلك عن أبي جعفر (عليه السلام)، ثمّ التفت إلى أهل بيته الذين أنكروا تزويجه، فقال: هل فيكم من يجيب بهذا الجواب؟ قالوا: لا والله، ولا القاضي، فقالوا: يا أمير المؤمنين، كنت أعلم به منّا. فقال: ويحكم! أما علمتم أنّ أهل هذا البيت ليسوا خلقًا من هذا الخلق، أما علمتم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بايع الحسن والحسين (عليهما السلام)، وهما صبيّان، ولم يبايع غيرهما طفلين، أولم تعلموا أنّ أباهم عليًّا (عليه السلام) آمن برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو ابن تسع سنين، فقبل الله ورسوله إيمانه ولم يقبل من طفل غيره، ولا دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) طفلًا غيره، أولم تعلموا أنّها ذرّيّة بعضها من بعض يجري لآخرهم ما يجري لأوّلهم[1].
[1] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، مصدر سابق، ص451 - 453.
102
79
الدرس الثامن: شبهات حول خصائص الإمامة
الدرس التاسع : شبهات حول البرزخ
يشرح بعض خصائص عالم البرزخ من خلال بعض الآيات.
يرد على الشبهتين الآتيتين:
أ. شبهة عذاب القبر.
ب. شبهة اطّلاع أهل البرزخ على أهل الدنيا وكيفيّة اطّلاعهم.
103
80
الدرس التاسع : شبهات حول البرزخ
تمهيد
قال -تعالى-: ﴿حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ ٱلمَوتُ قَالَ رَبِّ ٱرجِعُونِ ٩٩ لَعَلِّي أَعمَلُ صَٰلِحٗا فِيمَا تَرَكتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرزَخٌ إِلَىٰ يَومِ يُبعَثُونَ﴾[1].
ما هي المعاني التي تستنتجها من الآية الكريمة؟
بعض خصائص عالم البرزخ
عالم القبر أو البرزخ هو عالم مثاليّ مجرّد عن المادّة ذاتًا دون بعض آثارها، من الكمّ والكيف والوضع... وهو العالم الذي ينتقل إليه الإنسان بالموت الدنيويّ، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا العالم و بعض آثاره في قوله -تعالى-: ﴿ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوتِهَا وَٱلَّتِي لَم تَمُت فِي مَنَامِهَا فَيُمسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيهَا ٱلمَوتَ وَيُرسِلُ ٱلأُخرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٖ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأيَٰتٖ لِّقَومٖ يَتَفَكَّرُونَ﴾[2]، فالإنسان بعد مفارقة روحه جسده الدنيويّ، تذهب روحه إلى عالم البرزخ وتتعلّق بجسد برزخيّ مثاليّ ليناسب طبيعة عالم البرزخ، فتقوم الروح بأفعالها في هذا الجسد البرزخيّ الذي تظهر عليه آثار تشبه الآثار التي كانت لاحقة لها في جسدها الدنيويّ في الحياة الدنيا، من قبيل الحركة، والانتقال، والفرح، والحزن، والألم... ولكنْ بنحو مثاليّ وأقلّ تقيّدًا ومحدوديّة ممّا
[1] سورة المؤمنون، الآيتان 99 - 100.
[2] سورة الزمر، الآية 42.
105
81
الدرس التاسع : شبهات حول البرزخ
هي عليه هذه الآثار بالنسبة للروح في الجسد الدنيويّ في الحياة الدنيويّة. وتبقى الروح في هذا العالم حتّى تقوم القيامة: ﴿وَلَا تَقُولُواْ لِمَن يُقتَلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَموَٰتُ بَل أَحيَاءٞ وَلَٰكِن لَّا تَشعُرُونَ﴾[1]، ثمّ تنتقل بالموت البرزخيّ إلى عالم الآخرة: ﴿قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا ٱثنَتَينِ وَأَحيَيتَنَا ٱثنَتَينِ فَٱعتَرَفنَا بِذُنُوبِنَا فَهَل إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيلٖ﴾[2]، ﴿كَيفَ تَكفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُم أَموَٰتٗا فَأَحيَٰكُم ثُمَّ يُمِيتُكُم ثُمَّ يُحيِيكُم ثُمَّ إِلَيهِ تُرجَعُونَ﴾؛ لتتلبّس ببدن أخرويّ مناسب للنشأة الأخرويّة، فعالم البرزخ عالم متوسّط بين عالمي الدنيا والآخرة، يُنعَّم فيه الإنسان بما اكتسبه في عالم الدنيا: ﴿وَلَا تَحسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَموَٰتَا بَل أَحيَاءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ ١٦٩ فَرِحِينَ بِمَا ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضلِهِۦ وَيَستَبشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَم يَلحَقُواْ بِهِم مِّن خَلفِهِم أَلَّا خَوفٌ عَلَيهِم وَلَا هُم يَحزَنُونَ﴾[3]، أو يعذَّب: ﴿فَوَقَىٰهُ ٱللَّهُ سَئَِّاتِ مَا مَكَرُواْ وَحَاقَ بَِٔالِ فِرعَونَ سُوءُ ٱلعَذَابِ ٤٥ ٱلنَّارُ يُعرَضُونَ عَلَيهَا غُدُوّٗا وَعَشِيّٗا وَيَومَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدخِلُواْ ءَالَ فِرعَونَ أَشَدَّ ٱلعَذَابِ﴾[4]، حتّى تقوم الساعة والحساب[5].
وقد طُرِحَت مجموعة من الشبهات حول الموت وعالم البرزخ، نتعرّض لبعضها ونناقشها في التفصيل الآتي:
الشبهة الأولى: شبهات حول عذاب القبر
بيان الشبهات:
ورد في النصوص الدينيّة وجود عذاب ونعيم في القبر، فهل الذي يتنعّم أو يتعذّب هو جسد الميّت المدفون في القبر تحت التراب؟ ولماذا لا نرى آثار هذا العذاب أو
[1] سورة البقرة، الآية 154.
[2] سورة غافر، الآية 11.
[3] سورة آل عمران، الآيات 169 - 171.
[4] سورة غافر، الآيتان 45 - 46.
[5] انظر: العلامة الطباطبائيّ، محمد حسين الطباطبائي، نهاية الحكمة، تصحيح وتعليق: الشيخ عباس علي الزارعي السبزواري، مؤسسة النشر الإسلامي، إيران – قم المشرفة، 1417هـ، ط14، ص388-387؛ العلامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج1، ص349 - 350؛ ج15، ص68؛ ج19، ص135.
106
82
الدرس التاسع : شبهات حول البرزخ
النعيم على جسد الميّت المدفون في القبر بعد موته؟! وما هو حال الميّت الذي تلف جسده؛ بحرق أو غرق أو التهمته الحيوانات المفترسة، فلم بيقَ منه أثر، أو الذي حُنِّط بعد موته، ووُضِعَ في حُجْرة خاصّة لتحفظ جسده من التلف والفساد؛ وجميعهم لا قبر لهم؟! فكيف يُتصّور بحقّهم سؤال القبر وعذابه أو نعيمه؟!
| جواب الشبهات |
1 - لا بدّ من توجيه دلالة هذه النصوص الدينيّة الواردة في سؤال القبر وعذابه ونعيمه بما ينسجم مع معطيات العقل والحسّ من عدم مشاهدة هذه الآثار المادّيّة من التنعّم والعذاب على جسد الميّت في قبره الترابيّ، وعدم معقوليّة حدوثها فيه على كثرتها وسعتها مع صغر حجمه، كما يلزم توجيهها بجمعها بما ينسجم مع دلالة روايات أخرى من أنّ القبر الحقيقي ليس هو القبر الترابيّ المادّيّ، بل هو عالم البرزخ المثاليّ، وأنّ الجسد ليس هو الجسد المادّيّ، بل هو الجسد البرزخيّ، ومنها: «فإذا قبضه الله -عزّ وجلّ- صيَّر تلك الروح في قالب، كقالبه في الدنيا، فيأكلون ويشربون، فإذا قدم عليهم القادم عرفوه بتلك الصورة التي كانت في الدنيا»[1]، «في روضة كهيئة الأجساد في الجنّة»[2]، «في الجنّة على صور أبدانهم، لو رأيته لقلت: فلان»[3].
فالجسد البرزخيّ المثاليّ هو الموضوع لعذاب القبر ونعيمه، لا الجسد المادّيّ. ومن هنا، فلا يضرّ تلف البدن المادّيّ أو عدم رؤيّة آثار العذاب أو النعيم عليه في تحقّق العذاب والنعيم المذكورين في العديد من النصوص.
2 - إنّ تلف الجسد الدنيويّ أو عدم دفنه في قبر ترابيّ لا يتنافى مع حياة الإنسان
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج3، ص245.
[2] المصدر نفسه.
[3] الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، تهذيب الأحكام، تحقيق وتعليق حسن الموسويّ الخرسان، دار الكتب الإسلاميّة، مطبعة خورشيد، طهران، 1364هـ.ش، ط3، ج1، ص172، ص466.
107
83
الدرس التاسع : شبهات حول البرزخ
بعد الموت في عالم البرزخ (المعبّر عنه في بعض الروايات بالقبر) بروحه وجسده البرزخيّ وتنعّمه أو تعذّبه فيه!
الشبهة الثانية: حول اطّلاع أهل البرزخ على أهل الدنيا وكيفيّة اطّلاعهم
بيان الشبهة
ورد في النصوص الدينيّة أنّ الميْت يطّلع على أحوال أهل الدنيا ويتفقّد أمورهم، وبخاصّة أقربائه، ويحزن ويفرح لذلك، فكيف يمكنه الاطّلاع، وقد فارق عالم الدنيا؟!
| جواب الشبهة |
1 - إنّ عالم البرزخ أشرف وأعلى رتبة من عالم الدنيا، فمَنْ كانت نفسه البرزخيّة مُستَكمَلة يمكنه الاطّلاع على عالم الدنيا وأهله، ومَنْ كانت نفسه محجوبة بالتلوّثات، فلا يمكنه الاطّلاع إلّا أنْ يناله لطف من الله -تعالى-، أو يكون هذا نوعًا من إثابته أو تعذيبه فيرفع عنه بعض الحجب ويطلّع بمقدار ما رُفع عنه، وبذلك تختلف حدود اطّلاع النفوس البرزخيّة على عالم الدنيا وأهله، وكذلك زمان اطّلاعهم.
2 - إنّ التأثر والانفعال بالحزن والفرح نتيجة اطّلاع النفوس البرزخيّة على أهل الدنيا، كما ورد في الروايات[1]، وهو من خصوصيّات الموجود الواعي والشاعر، والموجود البرزخيّ أشدّ وعيًا وشعورًا من الموجود المادّيّ؛ لذا فإنّه يُسرّ ويفرح بمشاهدة الأمور الملائمة لطبعه، ويغتمّ ويحزن لمشاهدة الأمور المخالفة لطبعه!
[1] انظر: الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج3، ص230 - 231؛ العلامة المجلسيّ، محمد باقر، بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء، دار إحياء التراث العربي، لبنان – بيروت، 1403هـ - 1983م، ط2، ج6، ص256 - 257.
108
84
الدرس التاسع : شبهات حول البرزخ
المفاهيم الرئيسة
عالم القبر أو البرزخ هو عالم مثاليّ مجرّد عن المادّة دون بعض آثارها، من الكمّ والكيف والوضع... وهو العالم الذي ينتقل إليه الإنسان بالموت الدنيويّ.
الإنسان بعد مفارقة روحه جسده الدنيويّ، تذهب روحه إلى عالم البرزخ وتتعلّق بجسد برزخيّ مثاليّ ليناسب طبيعة عالم البرزخ.
ثمّ تنتقل بالموت البرزخيّ إلى عالم الآخرة: ﴿قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا ٱثنَتَينِ وَأَحيَيتَنَا ٱثنَتَينِ فَٱعتَرَفنَا بِذُنُوبِنَا فَهَل إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيلٖ﴾[1]، ﴿كَيفَ تَكفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُم أَموَٰتٗا فَأَحيَٰكُم ثُمَّ يُمِيتُكُم ثُمَّ يُحيِيكُم ثُمَّ إِلَيهِ تُرجَعُونَ﴾؛ لتتلبّس ببدن أخرويّ مناسب للنشأة الأخرويّة، فعالم البرزخ عالم متوسّط بين عالمي الدنيا والآخرة.
إنّ الجسد البرزخيّ المثاليّ هو الموضوع لعذاب القبر ونعيمه، لا الجسد المادّيّ. ومن هنا، فلا يضرّ تلف البدن المادّيّ أو عدم رؤيّة آثار العذاب أو النعيم عليه في تحقق العذاب والنعيم المذكورين في العديد من النصوص.
تقييم
كيف يمكن وقوع العذاب أو النعيم في القبر؟ وكيف ينسجم ذلك مع محدوديّة القبر؟
هل يطّلع أهل البرزخ على أهل الدنيا؟ وما هي كيفيّة اطّلاعهم وحدودها؟
[1] سورة غافر، الآية 11.
109
85
الدرس التاسع : شبهات حول البرزخ
اقرأ
صفة ما يعاين المؤمن عند خروج نفسه بالموت وبعد خروجها
روى عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن خالد بن عمارة، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا حيل بينه (المحتضر) وبين الكلام، أتاه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن شاء الله، فجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن يمينه، والآخر عن يساره، فيقول له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أمّا ما كنت ترجو، فهو ذا أمامك، وأمّا ما كنت تخاف منه، فقد أَمِنْت منه، ثمّ يفتح له باب إلى الجنّة، فيقول: هذا منزلك من الجنّة، فإنْ شئت رددناك إلى الدنيا ولك فيها ذهب وفضّة، فيقول: لا حاجة لي في الدنيا، فعند ذلك يبيضّ لونه، ويرشح جبينه، وتقلّص شفتاه، وتنتشر منخراه، وتدمع عينه اليسرى، فأيّ هذه العلامات رأيت، فاكتف بها، فإذا خرجت النفس من الجسد، فيُعرض عليها، كما عُرِضَ عليها، وهي في الجسد، فتختار الآخرة، فتغسله فيمن يغسله، وتقلّبه فيمن يقلّبه، فإذا أُدرِج في أكفانه، ووُضِع على سريره خرجت روحه تمشي بين أيدي القوم قدمًا، وتلقاه أرواح المؤمنين يسلّمون عليه، ويبشّرونه بما أعدّ الله له -جلّ ثناؤه- من النعيم، فإذا وُضِعَ في قبره رُدَّ إليه الروح إلى وركيه، ثمّ يُسأل عمّا يعلم، فإذا جاء بما يعلم، فُتِحَ له ذلك الباب الذي أراه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فيدخل عليه من نورها وضوئها وبردها وطيب ريحها. قال: قلت: جُعِلت فداكَ! فأين ضغطة القبر؟ فقال: هيهات! ما على المؤمنين منها شيء. والله، إنّ هذه الأرض لتفتخر على هذه، فيقول: وطأ على ظهري مؤمن، ولم يطأ على ظهرك مؤمن، وتقول له الأرض: والله، لقد كنت أحبّك وأنت تمشي على ظهري، فأمّا إذا وليتك، فستعلم ماذا أصنع بك، فتفسح له مدّ بصره»[1].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج3، ص129 - 130.
110
86
الدرس العاشر: شبهات حول المعاد
الدرس العاشر: شبهات حول المعاد
يتعرف إلى المعاد الجسمانيّ والروحانيّ.
يرد على الشبهات الآتية:
أ. شبهة التفاوت الإجماليّ بين البدن المحشور والبدن الدنيويّ.
ب. شبهة تنافي الخلود في النار مع كون الذنب منقطعًا.
ج. شبهة الآكل والمأكول والواهب والموهوب.
111
87
الدرس العاشر: شبهات حول المعاد
تمهيد
قال -تعالى-: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي يَبدَؤُاْ ٱلخَلقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَهُوَ أَهوَنُ عَلَيهِ﴾[1].
بيّن العلاقة بين الآية الكريمة والمعاد.
المعاد الجسماني والروحانيّ
الرؤية المشهورة بين المحقّقين من المتكلّمين والفلاسفة المسلمين هي الاعتقاد بنوعين من المعاد: جسمانيّ وروحانيّ. ومنشأ اعتقاد هؤلاء بهذه الرؤية، بالإضافة إلى ما هو ظاهر الآيات القرآنيّة الكثيرة، يكمن في اعتقادهم بتجرّد النفس[2]، وهو المصحّح للقول بنوعين من الثواب والعقاب الأخرويّ، يقول الخواجه نصير الدين الطوسيّ:
«هما إمّا بدنيّان كاللّذّات والآلام الحسّيّة، وإمّا نفسانيّان كالتعظيم والإجلال، وكالخزي والهوان»[3].
وحاصل هذه النظريّة هو: بما أنّ الإنسان مكوّن من ركنين هما «البدن العنصريّ» و«النفس المجرّدة»، فإنّ النفس بسبب وجودها المجرّد فإنّها تبقى بعد الموت، ولا
[1] سورة الروم، الآية 27.
[2] نسب العلّامة الحلّي تجرّد النفس إلى مشهور العلماء الأوائل وجماعة من المتكلّمين، مثل النوبختيّين والشيخ المفيد من الإماميّة، والغزاليّ والحليميّ وراغب من الأشاعرة. (حسن بن يوسف الحلّي، كشف المراد، مبحث المعاد، المسألة 5).
[3] الطوسيّ، قواعد العقائد، ص142، وكذلك ملحق تلخيص المحصّل، ص465.
113
88
الدرس العاشر: شبهات حول المعاد
إشكال في حضورها بعينها في القيامة. أمّا البدن، فإنّه على الرغم من تبدّل صوره وأشكاله المختلفة، لكنّ الله القادر المطلق يمكنه أن يعيد تكوين البدن الدنيويّ نفسه ويحشره في القيامة، وأن تتعلّق به الروح أيضًا. إذًا، فمعاد الإنسان جسمانيّ وروحانيّ[1].
هذا، والآيات التي تتحدّث عن اللذائذ والآلام الحسيّة، وكذا النفسيّة كثيرة، منها قوله –تعالى-: ﴿مَّثَلُ ٱلجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلمُتَّقُونَ فِيهَا أَنهَٰرٞ مِّن مَّاءٍ غَيرِ ءَاسِنٖ وَأَنهَٰرٞ مِّن لَّبَنٖ لَّم يَتَغَيَّر طَعمُهُۥ وَأَنهَٰرٞ مِّن خَمرٖ لَّذَّةٖ لِّلشَّٰرِبِينَ وَأَنهَٰرٞ مِّن عَسَلٖ مُّصَفّٗى وَلَهُم فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ﴾[2]، ﴿مُتَّكِِٔينَ عَلَىٰ سُرُرٖ مَّصفُوفَةٖ وَزَوَّجنَٰهُم بِحُورٍ عِينٖ﴾[3] هذا في اللّذائذ الحسّيّة، وقوله -تعالى-: ﴿وُجُوهٞ يَومَئِذٖ نَّاضِرَةٌ ٢٢ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٞ﴾[4]، ﴿وَرِضوَٰنٞ مِّنَ ٱللَّهِ أَكبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلفَوزُ ٱلعَظِيمُ﴾[5] في اللّذائذ النفسيّة، وقوله -عزّ من قائل- في الآلام الحسّيّة: ﴿إِنَّ شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ ٤٣ طَعَامُ ٱلأَثِيمِ ٤٤ كَٱلمُهلِ يَغلِي فِي ٱلبُطُونِ ٤٥ كَغَليِ ٱلحَمِيمِ﴾[6]، ﴿سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٖ وَتَغشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ﴾[7]، والآلام النفسيّة: ﴿وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّئَِّاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةِ بِمِثلِهَا وَتَرهَقُهُم ذِلَّةٞ مَّا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن عَاصِمٖ كَأَنَّمَا أُغشِيَت وُجُوهُهُم قِطَعٗا مِّنَ ٱلَّيلِ مُظلِمًا أُوْلَٰئِكَ أَصحَٰبُ ٱلنَّارِ هُم فِيهَا خَٰلِدُونَ﴾[8]...
[1] لاحظ: قراملكي، أجوبة الشبهات الكلاميّة، مصدر سابق، ج5، ص149 - 150.
[2] سورة محمّد، الآية 15.
[3] سورة الطور، الآية 20.
[4] سورة القيامة، الآيتان 22 - 23.
[5] سورة التوبة، الآية 72.
[6] سورة الدخان، الآيات 43 - 46.
[7] سورة إبراهيم، الآية 50.
[8] سورة يونس، الآية 27.
114
89
الدرس العاشر: شبهات حول المعاد
وقد طُرِحَت مجموعة من الشبهات النافية أو المشكّكة في المعاد، ولاسيّما الجسمانيّ منه، نتعرّض لبعضها ونناقشها في التفصيل الآتي:
الشبهة الأولى: التفاوت الإجماليّ بين البدن المحشور والبدن الدنيويّ
وحاصل الشبهة: إنّ القول بالمعاد الجسمانيّ يستلزم التفاوت بين البدن المحشور والبدن الدنيويّ؛ ذلك أنّ السؤال عن أيّ بدن دنيويّ يحشر في المعاد؛ هل هو عين البدن الدنيويّ من حيث العناصر والصورة الأخيرة للإنسان عندما غادرته الروح أو لا؟
إذا كان عين البدن الدنيويّ من حيث الصورة الأخيرة للإنسان، فلو كان الإنسان عند موته عجوزًا مريضًا ويعاني من آفة ظاهريّة كالعمى أو أكتع[1]، فسيُحشر على هذه الهيئة التي كان عليها حين موته. والحال أنّه توجد عدّة روايات[2] تؤكّد أنّه سيُحشر على هيئة شاب مكتمل الأعضاء. وعندئذٍ لا يصدق على ذلك عودة البدن الدنيويّ وحشره بعينه، إلّا إذا حصل تصرّف في معنى المعاد والعينيّة[3].
الشبهة الثانية: شبهة الآكل والمأكول والواهب والموهوب
هذه الشبهة تطرح على الصورة الآتية: إذا استحال بدن إنسانٍ في بدن إنسانٍ آخر لأيّ سببٍ كان، أو كما يذكر في الطبّ الحديث من رواج مسألة وهب الأعضاء كزرع الجلد واللحم والقلب والكبد والكلى واليد، فالسؤال: العضو المزروع مع أيّ بدن سيُحشر يوم القيامة؟ علاوة على ذلك، قد يكون أحد الطرفين، واهب العضو أو متلقّيه، كافرًا والآخر مؤمنًا، أو عاصيًا والآخر مطيعًا[4].
[1] الكتع: بفتح الكاف والتاء، من كتع كتعًا إذا انقبض وانضمّ. والكتع انقباض الأصابع ورجوعها إلى الكفّ، وهو أكتع، وهي كتعاء، جمع كتع. راجع: مركز المعجم الفقهيّ، المصطلحات، لا.ن، لا.ب، لا.ت، لا.ط. ص2145.
[2] العلًامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج50، ص80؛ ج90، ص328.
[3] لاحظ: قراملكي، أجوبة الشبهات الكلاميّة، مصدر سابق، ج5، ص151 - 152.
[4] لاحظ: المصدر نفسه، ص153 - 154.
115
90
الدرس العاشر: شبهات حول المعاد
| جواب الشبهات |
يعتقد المتكلّمون أنّه لا لزوم لإعادة كلّ أجزاء البدن عند الموت، بل إنّ خلايا الإنسان تقسّم إلى نوعين: الثابت الأصليّ والمتغيّر الزائد، وأنّ القسم الأوّل يبقى مع الإنسان دوماً ولا ينتهي بموته، وسيعاد في القيامة. بينما الأجزاء الأخرى يخلقها الله القادر. وعليه، فإنّ انتقال بعض أجزاء بدن إنسان إلى بدن إنسان آخر مع فرض بقاء الجزء الأساس لا يوجد مشكلة في إعادة البدن. وهذا ما أشار إليه الخواجة نصير الدين الطوسيّ بقوله في عبارة قصيرة ردًّا على هذه الشبهة: «ولا تجب إعادة فواضل المكلّف»[1].
إنّ أساس حصول القيامة وانفطار النظام الكونيّ وإعادته يتمّ عبر القدرة الإلهيّة المطلقة، وخلق البدن الجسمانيّ للإنسان من أجزاء أو من جزء متبقٍّ من البدن السابق سيتمّ عبر تلك القدرة أيضًا.
ثمّة جواب آخر، حيث يعتقد بعض العلماء أنّ المستفاد من النصوص الدينيّة حول البدن الأخرويّ هو مماثلة البدن الأخرويّ للدنيويّ عوضًا عن عينيّة كلا البدنين في الأجزاء. ويستند هؤلاء في تقريرهم لهذه الرؤية بالآيات التي ورد فيها الحديث عن الخلق مثل الأبدان الدنيويّة، كقوله -تعالى-:
﴿أَوَ لَيسَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضَ بِقَٰدِرٍ عَلَىٰ أَن يَخلُقَ مِثلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ ٱلخَلَّٰقُ ٱلعَلِيمُ﴾[2].
وقوله -تعالى-: ﴿أَوَ لَم يَرَواْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخلُقَ مِثلَهُم﴾[3].
[1] حسن ين يوسف الحلّيّ، كشف المراد، الملا نعيما عرفي الطالقانيّ، منهج الرشاد في معرفة المعاد، ج3، ص172؛ الميرزا جواد الطهرانيّ، ميزان المطالب، ص394؛ مجتبى القزوينيّ الخراسانيّ، بيان الفرقان، ج3، ص144 - 586، 588؛ المرواريد، تنبيهات حول المبدأ والمعاد، ص263.
[2] سورة يس، الآية 81.
[3] سورة الإسراء، الآية 99.
116
91
الدرس العاشر: شبهات حول المعاد
وعليه، فالمقصود الظاهر من النصوص الدينيّة من الإحياء وإعادة الأجساد هو الإعادة العرفيّة. لا الإعادة بمعناها الدقيق والعقليّ، والمقصود هو إثبات قدرة الله -تعالى- على خلق الأبدان التالفة من جديد، بحيث تصدق في نظر الناس وحدة البدنين (الدنيويّ والأخرويّ) أيضًا.
هذه الوحدة يمكن تصوّرها من جهتين:
الجهة الأولى: الوحدة في ماهيّة الإنسان، فبما أنّ ماهيّة الإنسان الأخرويّ لا تتفاوت مع الإنسان الدنيويّ، فإنّ هذه العينيّة تصدق على القول بانحصار حقيقة الإنسان بـ«الروح» وعودتها عينًا يوم القيامة.
الجهة الثانية: وحدة البدن، فبما أنّ دور البدن في حقيقة الإنسان هو دور صوريّ وظاهريّ. لذا فإنّ عدم عودته بعينه لا يضرّ بالمعاد الحقيقيّ للإنسان، بعدما كان البدن الأخرويّ من حيث الظاهر والشكل عين البدن الدنيويّ، بحيث يُحكم عليه بأنّه هو نفسه[1].
الشبهة الثالثة: تنافي الخلود في العذاب مع كون الذنب منقطعًا
بيان الشبهة
إنّ من السنن العقليّة المقرّرة لزوم رعاية المعادلة بين الجرم والعقوبة، وهذه المعادلة منتفية في العذاب المخلّد، فإنّ الذنب كان محدودًا ومنقطعًا.
| جواب الشبهة |
إنّ المراد من المعادلة بين الجرم والعقوبة ليس هو في جانب الكمّية ومن حيث الزمان، بل في جانب الكيفيّة، ومن حيث عظمة الجرم بلحاظ مفاسده الفرديّة أو النوعيّة، كما نرى ذلك في العقوبات المقرّرة عند العقلاء لمثل القتل والإخلال في النظام
[1] لاحظ: قراملكي، أجوبة الشبهات الكلاميّة، مصدر سابق، ج5، ص154 - 155؛ ص160 - 163.
117
92
الدرس العاشر: شبهات حول المعاد
الاجتماعيّ ونحو ذلك، فإنّ الجرم يقع في زمان قصير، ومع ذلك فقد يُحكم على فاعله بالإعدام والحبس المؤبّد.
إنّ العذاب في الحقيقة أثرٌ لصورة الشقاء الحاصلة بعد تحقّق عللٍ معدّة، وهي المخالفات المحدودة، وليس أثرًا لتلك العلل المعدّة المحدودة المنقطعة حتّى يلزم تأثير المتناهي أثرًا غير متناهٍ، والذي هو أمرٌ محال[1].
[1] لاحظ: الشيخ السبحاني، محاضرات في الإلهيّات، مصدر سابق، ص474 - 475؛ العلامة الطباطبائي، الميزان، مصدر سابق، ج1، ص415.
118
93
الدرس العاشر: شبهات حول المعاد
المفاهيم الرئيسة
الرؤية المشهورة بين المحقّقين من المتكلّمين والفلاسفة المسلمين هي الاعتقاد بنوعين من المعاد: جسمانيّ وروحانيّ. ومنشأ اعتقاد هؤلاء بهذه الرؤية، بالإضافة إلى ما هو ظاهر الآيات القرآنيّة الكثيرة، يكمن في اعتقادهم بتجرّد النفس.
أثيرت العديد من الشبهات حول المعاد، ولا سيّما الجسمانيّ منه، منها حصول التفاوت الإجماليّ بين البدن المحشور والبدن الدنيويّ في صورة حشر العجوز أو المريض في صورة شابّ مكتمل الأعضاء.
ومن الشبهات أيضًا ما عُرفت باسم شبهة الآكل والمأكول والواهب والموهوب، وذلك في صورة استحالة بدن إنسانٍ في بدن إنسانٍ آخر لأيّ سببٍ كان.
ممّا أجيب به عن الشبهتين المتقدّمتين أنّ المستفاد من النصوص الدينيّة حول البدن الأخرويّ هو مماثلة البدن الأخرويّ للدنيويّ عوضًا عن عينيّة كلا البدنين في الأجزاء. وعليه، فالمقصود هو إثبات قدرة الله -تعالى- على خلق الأبدان التالفة من جديد، بحيث تصدق في نظر الناس وحدة البدنين (الدنيويّ والأخرويّ) أيضًا.
ثمّة شبهة أخرى في هذا المجال، حاصلها أنّ من السنن العقليّة المقرّرة لزوم رعاية المعادلة بين الجرم والعقوبة، وهذه المعادلة منتفية في العذاب المخلّد، فإنّ الذنب كان محدودًا ومنقطعًا.
إنّ المراد من المعادلة بين الجرم والعقوبة ليس هو في جانب الكمّية ومن حيث الزمان، بل في جانب الكيفيّة، ومن حيث عظمة الجرم بلحاظ مفاسده الفرديّة أو النوعيّة، فإنّ الجرم قد يقع في زمان قصير، ومع ذلك فقد يُحكم على فاعله بالإعدام والحبس المؤبّد.
119
94
الدرس العاشر: شبهات حول المعاد
تقييم
بيّن المعاد الجسمانيّ والروحانيّ ببيان أساسه.
كيف تجيب عن التفاوت بالمعاد بين البدن الدنيويّ والبدن الأخرويّ؟
ما سرّ التفاوت بين كون الذنب منقطعًا والخلود في العذاب؟
اقرأ
أسماء المعاد وأوصافه في القرآن الكريم
ذكر القرآن الكريم أسماء عدّة للمعاد، في كلّ منها دلالة خاصّة على رجوع الخلق إلى ربّهم، وما يستتبع هذا الرجوع من مواقف ومآلات، ومن هذه التسميات:
يوم القيامة: ﴿لَا أُقسِمُ بِيَومِ ٱلقِيَٰمَةِ﴾[1].
يوم الدين؛ أي الحساب والجزاء: ﴿وَإِنَّ ٱلفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٖ ١٤ يَصلَونَهَا يَومَ ٱلدِّينِ﴾[2].
اليوم الآخر: ﴿مَن ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱليَومِ ٱلأخِرِ وَٱلمَلَٰئِكَةِ وَٱلكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّنَ﴾[3]
يوم الحسرة؛ لأنّه لا يمكن للإنسان حينها تدارك ما فاته: ﴿وَأَنذِرهُم يَومَ ٱلحَسرَةِ﴾[4].
يوم الوقت المعلوم: ﴿قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلمُنظَرِينَ ٣٧ إِلَىٰ يَومِ ٱلوَقتِ ٱلمَعلُومِ﴾[5].
يوم الفصل: ﴿إِنَّ يَومَ ٱلفَصلِ مِيقَٰتُهُم أَجمَعِينَ﴾[6].
[1] سورة القيامة، الآية 1.
[2] سورة الانفطار، الآيتان 14 - 15.
[3] سورة البقرة، الآية 177.
[4] سورة مريم، الآية 39.
[5] سورة الحجر، الآيتان 37 - 38.
[6] سورة الدخان، الآية 40.
120
95
الدرس العاشر: شبهات حول المعاد
يوم الحساب: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُم عَذَابٞ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَومَ ٱلحِسَابِ﴾[1].
يوم التلاق؛ أي لقاء الله -تعالى- بالرجوع إليه بالمعاد أو تلاقي الخلائق: ﴿رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلعَرشِ يُلقِي ٱلرُّوحَ مِن أَمرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَومَ ٱلتَّلَاقِ﴾[2].
يوم الآزفة؛ أي يوم قريب الوقوع: ﴿أَزِفَتِ ٱلأزِفَةُ ٥٧ لَيسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ﴾[3].
يوم التناد؛ أي اليوم الذي يتنادى فيه المجرمون في ما بينهم بالعويل والثبور، أو ينادي المجرمون فيه المؤمنين: ﴿وَيَٰقَومِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيكُم يَومَ ٱلتَّنَادِ ٣٢ يَومَ تُوَلُّونَ مُدبِرِينَ مَا لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن عَاصِمٖ﴾[4].
يوم الوعيد؛ أي يوم تحقّق الوعيد الإلهيّ للمجرمين: ﴿وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ذَٰلِكَ يَومُ ٱلوَعِيدِ﴾[5].
يوم الخلود؛ أي الثبات والدوام في الجنّة أو في النار: ﴿ٱدخُلُوهَا بِسَلَٰمٖ ذَٰلِكَ يَومُ ٱلخُلُودِ﴾[6].
يوم الخروج؛ أي الخروج للحساب: ﴿يَومَ يَسمَعُونَ ٱلصَّيحَةَ بِٱلحَقِّ ذَٰلِكَ يَومُ ٱلخُرُوجِ﴾[7].
[1] سورة ص، الآية 26.
[2] سورة غافر، الآية 15.
[3] سورة النجم، الآيتان 57 - 58.
[4] سورة غافر، الآيتان 32 - 33.
[5] سورة ق، الآية 20.
[6] السورة نفسها، الآية 34.
[7] السورة نفسها، الآية 42.
121
96
الدرس العاشر: شبهات حول المعاد
يوم الجمع؛ أي الذي يُجمع فيه الخلق للحساب: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَوحَينَا إِلَيكَ قُرءَانًا عَرَبِيّٗا لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلقُرَىٰ وَمَن حَولَهَا وَتُنذِرَ يَومَ ٱلجَمعِ لَا رَيبَ فِيهِ فَرِيقٞ فِي ٱلجَنَّةِ وَفَرِيقٞ فِي ٱلسَّعِيرِ﴾[1].
يوم التغابُن؛ يوم انكشاف غبن معاملة المجرمين في بيعهم الآخرة وشرائهم الدنيا: ﴿يَومَ يَجمَعُكُم لِيَومِ ٱلجَمعِ ذَٰلِكَ يَومُ ٱلتَّغَابُنِ﴾[2].
اليوم الموعود: ﴿وَٱليَومِ ٱلمَوعُودِ﴾[3].
يوم البعث: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُم فِي رَيبٖ مِّنَ ٱلبَعثِ فَإِنَّا خَلَقنَٰكُم مِّن تُرَابٖ﴾[4].
الساعة: ﴿وَإِنَّ ٱلسَّاعَةَ لَأتِيَةٞ فَٱصفَحِ ٱلصَّفحَ ٱلجَمِيل ﴾[5].
الحاقّة؛ أي اليوم الذي يتحقّق فيه الوعد والوعيد الإلهيّان: ﴿ٱلحَاقَّةُ ١ مَا ٱلحَاقَّةُ ٢ وَمَا أَدرَىٰكَ مَا ٱلحَاقَّةُ﴾[6].
القارعة؛ لأنّها تقرع القلوب بالفزع، أو تقرع الكافرين بالعذاب: ﴿ٱلقَارِعَةُ ١ مَا ٱلقَارِعَةُ ٢ وَمَا أَدرَىٰكَ مَا ٱلقَارِعَةُ﴾[7].
الطامّة الكبرى؛ أي العالية والغالبة: ﴿فَإِذَا جَاءَتِ ٱلطَّامَّةُ ٱلكُبرَىٰ ٣٤ يَومَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَٰنُ مَا سَعَىٰ﴾[8].
الصاخّة؛ أي الصيحة الشديدة التي تُصمّ الأسماء من شدّتها: ﴿فَإِذَا جَاءَتِ ٱلصَّاخَّةُ﴾[9].
[1] سورة الشورى، الآية 7.
[2] سورة التغابن، الآية 9.
[3] سورة البروج، الآية 2.
[4] سورة الحجّ، الآية 5.
[5] سورة الحجر، الآية 85.
[6] سورة الحاقة، الآيات 1 - 3.
[7] سورة القارعة، الآيات 1 - 3.
[8] سورة النازعات الآيتان 34، 35
[9] سورة عبس، الآية 33.
122
97
الدرس العاشر: شبهات حول المعاد
الغاشية؛ لأنّها تغشى الناس وتحيط بهم: ﴿هَل أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلغَٰشِيَةِ﴾[1].
الواقعة؛ أي متحقّقة الوقوع: ﴿إِذَا وَقَعَتِ ٱلوَاقِعَةُ ١ لَيسَ لِوَقعَتِهَا كَاذِبَةٌ﴾[2].
وغيرها من الأسماء، كالميعاد والآخرة...
ومن أوصاف المعاد التي ذكرها القرآن الكريم:
يوم عظيم: ﴿قُل إِنِّي أَخَافُ إِن عَصَيتُ رَبِّي عَذَابَ يَومٍ عَظِيمٖ﴾[3].
يوم كبير: ﴿وَأَنِ ٱستَغفِرُواْ رَبَّكُم ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيهِ يُمَتِّعكُم مَّتَٰعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٖ مُّسَمّٗى وَيُؤتِ كُلَّ ذِي فَضلٖ فَضلَهُۥ وَإِن تَوَلَّواْ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيكُم عَذَابَ يَومٖ كَبِيرٍ﴾[4].
يوم محيط: ﴿وَإِلَىٰ مَديَنَ أَخَاهُم شُعَيبٗا قَالَ يَٰقَومِ ٱعبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّن إِلَٰهٍ غَيرُهُۥ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلمِكيَالَ وَٱلمِيزَانَ إِنِّي أَرَىٰكُم بِخَيرٖ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيكُم عَذَابَ يَومٖ مُّحِيطٖ﴾[5].
يوم عقيم؛ لأنّه لا يليه يوم يمكن للإنسان أن يعوّض فيه ما فاته: ﴿وَلَا يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي مِريَةٖ مِّنهُ حَتَّىٰ تَأتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغتَةً أَو يَأتِيَهُم عَذَابُ يَومٍ عَقِيمٍ﴾[6].
يوم أليم: ﴿أَن لَّا تَعبُدُواْ إِلَّا ٱللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيكُم عَذَابَ يَومٍ أَلِيمٖ﴾[7].
يوم مشهود: ﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأيَةٗ لِّمَن خَافَ عَذَابَ ٱلأخِرَةِ ذَٰلِكَ يَومٞ مَّجمُوعٞ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَومٞ مَّشهُودٞ﴾[8].
[1] سورة الغاشية، الآية 1.
[2] سورة الواقعة، الآيتان 1 - 2.
[3] سورة الأنعام، الآية 15.
[4] سورة هود، الآية 3.
[5] السورة نفسها، الآية 84.
[6] سورة الحجّ، الآية 55.
[7] سورة هود، الآية 26.
[8] السورة نفسها، الآية 103.
123
98
الدرس العاشر: شبهات حول المعاد
يوم عسير: ﴿فَذَٰلِكَ يَومَئِذٖ يَومٌ عَسِيرٌ﴾[1].
يوم عبوس قمطرير؛ أي الشديد الصعب على المجرمين: ﴿إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَومًا عَبُوسٗا قَمطَرِيرٗا﴾[2].
وغيرها من الأوصاف، كيوم مجموع له الناس ويوم لا ينفع مال ولا بنون...
[1] سورة المدثّر، الآية 9.
[2] سورة الإنسان، الآية 10.
124
99