شرح وتفسير آية الكرسي

الإمام الخامنئي دام ظله


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2019-10

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


شرح وتفسير آية الكرسي

تمهيد

عن علي أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا علي آية نزلت من كنوز العرش خرّ كل صنم يعبد في المشرق والمغرب على وجهه». وفزع إبليس، وقال: يحدث في هذه الليلة حدثٌ كبيرٌ فانظروني أضرب لكم مشارق الأرض ومغاربها، فأتى يثرب فاستقبله رجل فتراءى له إبليس في صورة شيخ. قال: يا عبد الله هل حدث هذه الليلة أو في هذا اليوم شيء؟ قال: نعم، أخبرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه نزلت عليه آية أصبح كل صنم خارّاً على وجهه، فانصرف إبليس إلى أصحابه وقال: حدث بيثرب أعظم الحدث، فجاءوا إلى المدينة فبلغهم أن آية الكرسي قد نزلت».

* * *

آية الكرسي التي أدّت بنزولها إلى أن يخرّ كلّ صنم في العالم على وجهه، حظيت باهتمام النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيتهR ووردت في فضلها وأهمية المواظبة على قراءتها أحاديث عديدة.

ففي حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): «يا علي! عليك بتلاوة آية الكرسي في دبر صلاة المكتوبة، فإنه لا يحافظ عليها إلا نبيّ أو صدّيق أو شهيد».

وعنه (صلى الله عليه وآله): «من قرأ آية الكرسي عقيب كلّ فريضة تولّى الله جلّ جلاله قبض روحه وكان كمن جاهد مع الأنبياء حتى استشهد».

وعنه أيضاً: «من قرأ آية الكرسي دبر كلّ صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنّة إلا الموت».

 

5

 

 


1

شرح وتفسير آية الكرسي

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لو تعلمون ما فيها لما تركتموها على حال».

بالإضافة إلى آثار آية الكرسي المعنوية والأخروية، فقد وردت أحاديث كثيرة في بيان آثارها الدنيوية أيضاً كحفظ الأموال، وإزالة الفقر، والأمان من شرّ الأعداء، وشفاء الأمراض، ودفع الأجنّة، وقضاء الحاجات، والسلامة في السفر، والتحرّر من السجن، وإيجاد المحبة وما إلى ذلك، وقد ذُكرت بالطبع لكل واحد من هذه الآثار طريقة خاصة في قراءة آية الكرسي كمّاً وكيفاً.

هذا وقد نعتها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديث بأنها سيدة آيات القرآن، وفي ذلك دلالة على مكانتها الخاصة بين الآيات القرآنية.

ومن جانب آخر، يُروى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: «لا خير في قراءة لا تدبّر فيها».

وعليه فإنّ هذا الكمّ الهائل من التوصية بتلاوة آية الكرسي لابد وأن يكون مقروناً بتدبّر دقيق وعميق. ومن خلال النظر في مفاهيم هذه الآية ومعارفها يتبيّن أنها تعتبر من غرر الآيات العَقَدية للقرآن الكريم، والتدبّر فيها يميط اللثام عن زوايا هامة من أصل التوحيد. وكم هو مطلوبٌ أن نستخرج أصولنا وأسسنا العقائدية من القرآن الكريم.

ولطالما أكّد الإمام الخامنئي، الذي يعتبر أسوة في التدبّر وفي المواظبة على تلاوة القرآن كذلك، لطالما أكّد على هذين الأمرين وأوصى بهما خلال أبحاثه القرآنية. وكما هو مشهودٌ في الصورة أعلاه، فإن سماحته يضع يده على عينيه دُبُر كلّ صلاة ويترنّم بتلاوة آية الكرسي.

فقد ورد في الحديث أن يقرأ المرء لحفظ البصر هذا الدعاء أولاً:

 

6


2

شرح وتفسير آية الكرسي

«أُعيذ نور بصري بنور الله الذي لا يُطفى»، ثم يمسح يده على عينيه ويتلو آية الكرسي.

قبل انتصار الثورة الإسلامية، وفي إحدى جلساته القرآنية، خصّص الإمام القائد موضوع إحدى كلماته بآية الكرسي. والمقال الحاضر يُذهِب بالقارئ إلى تلك الجلسة التي كان قد شارك فيها عامة الناس بمختلف أعمارهم وطبقاتهم وصنوفهم.

أُلقيت هذه الكلمة في مسجد الكرامة بمدينة مشهد المقدسة وبتأريخ 31/1/1974. حيث كان سماحته في كل ليلة جمعة يقيم في المسجد جلساته القرآنية، وقد ألقى هذه الكلمة في ثاني ليلة جمعة من محرم الحرام لعام 1394 هـ.

إنّ سماحة السيد، الذي كان يُلقي كلمته بعد صلاتي المغرب والعشاء واقفاً وهو يستخدم السبورة، عمد إلى شرح آية الكرسي مستخرجاً منها بين ثنايا حديثه أبحاثاً عقائدية ببيان بسيط وواضح يفهمه عامة الناس.

لقد انتهج سماحته في شرح هذه الآية نفس النهج الذي أَلِفه في تفسير الآيات القرآنية، حيث يتناول الآية من منظار اجتماعي ويتداولها بحثاً ودراسة بمنحى إرشاديّ وتربويّ.

علماً بأن الكلمة هذه كانت موجزة، ولم يكن هدفه بالطبع دراسة جوانب الآية بأسرها، ولذا لا يمكن إطلاق عنوان التفسير عليها، وعليه ارتأينا أن نعنونها بـ«شرح آية الكرسي» الذي نراه هو الأنسب في هذا الشأن.

لقد استند سماحة الإمام القائد في تبيان أصول الآية العقائدية على نفس الأصلين اللذَين طرحهما لاحقاً حول الإيمان في جلسات

 

7

 

 


3

شرح وتفسير آية الكرسي

«مشروع الفكر الإسلامي في القرآن». حيث يرى بأن الإيمان القيّم والمطلوب لابد وأن يكون نابعاً عن «وعي» و«التزام».

فقام باستخراج الأصل الإيماني للتوحيد من آية الكرسي عبر هذه الرؤية، بحيث يكون من جانبٍ ناجماً عن وعيٍ وإدراكٍ ورؤيةٍ وبصيرة، ومن جانبٍ آخر مولِّداً للالتزام والشعور بالتكليف والمسؤولية.

ففي ذلك الحين كانت عقائد عامة الناس سطحيّة ضعيفة تعترف بالطواغيت والآلهة المزيفة، أو على أقل تقدير كان الناس يخافون من إظهار عقائدهم تجاه كلمة «لا إله إلا الله» والعمل بها. بيد أنّ الإمام الخامنئي في مثل هذه الأجواء كان يهبّ وينطلق بصورة هجومية. ففي جلسات مشروع الفكر الإسلامي في القرآن على سبيل المثال، يقول حول التوحيد:

«التوحيد الإسلامي يعمل على صياغة نظام الحكم والعلاقات الاجتماعية، ويوجّه حركة التأريخ، ويرسم الهدف من هذه الحركة، ويقرّر مسؤوليات الناس تجاه الله وتجاه بعضهم الآخر وتجاه المجتمع وتجاه سائر مظاهر الطبيعة.. هذا هو التوحيد. التوحيد الإسلامي هو ذلك الألف الذي يستتبعه الباء والتاء والثاء حتى الياء. ليس التوحيد بالأمر الذي تقول فيه إنّ الله واحد وليس اثنين وكفى.. إنه يعني أنّ الحق لله وحده في أن يكون مهيمناً على حياتنا الفردية والاجتماعية».

أجل، الركيزة الاعتقادية التي يرتكز عليها الإمام الخامنئي هي الآيات القرآنية نفسها وآية الكرسي ذاتها. وعلى أساس هذه الركائز كان سماحته ولايزال عبر كلماته ونداءاته وخطاباته التأريخية يزلزل صروح الظلم لآلهة الزيف والزيغ. فكما تسبّب نزول آية الكرسي في أن يخرّ كلّ صنم في العالم على وجهه وأن يستولي الهلع والفزع على إبليس، نجد الإمام القائد يحطّم الأصنام ويزلزل عروش الشياطين

 

 

8

 


4

شرح وتفسير آية الكرسي

في العالم، بالاستلهام من نفس تلك الآية وبصفته أحد أتباع المدرسة القرآنية الصادقين.

 

* * *

 

جاءت موضوعات هذا المقال على غرار الأبحاث التوحيدية المطروحة في جلسات مشروع الفكر الإسلامي في القرآن، بيد أنّ الرؤية الحديثة والتطبيقية التي يحملها سماحته بشأن آية الكرسي، آلت إلى نشر هذه الكلمة وتقديمها بصورة منفصلة.

 

ديسمبر / كانون الأول 2014

صهبا

 

9


5

شرح وتفسير آية الكرسي

برنامجنا في هذه الليلة، على ما عهدناه في ليالي الجمع، هو برنامج تلاوة القرآن وشرح الآيات التي تم اختيارها. والآية التي تُليت في هذه الليلة -وقد سمعتموها- هي نفس آية الكرسي المعروفة. وأقولها بالطبع توضيحاً للأمر بأنّ السبب الذي أدّى إلى أن نقدّم تلاوة القرآن في هذه الليلة على الشرح والترجمة -والحال أنّ هذا على خلاف نهجنا المعهود؛ ذلك إننا دوماً ما نجعل كلامنا وشرحنا مقدمة لتلاوة القرآن، لا أن نجعل تلاوة القرآن مقدمة لكلامنا- هو أننا في هذه الليالي غالباً ما نقرأ صفحات ومشاهد من واقعة الطف ونستذكر تلك المصائب، ولربما لم تبق بعد ذلك مهجة لقراءة القرآن والاستماع إليه، ولذلك ارتأينا أن نحترم القرآن ونقدّم برنامج تلاوته.

تحت أيّ عنوان تعلّمنا آية الكرسي وتعلّمها الأعزاء والإخوان حتى اليوم؟ لقد تعلّمنا آية الكرسي وقرأناها في سبيل حفظ دارنا ومحلّ عملنا وبضائعنا أو حفظ أرواحنا وأرواح أولادنا. أو أنها على سبيل المثال وردت ضمن صلاةٍ وعملٍ في أيام خاصة فنقرأها مرة أو عشر مرات أو مئة مرة. والحال أنّ آية الكرسي آية من القرآن، والقرآن بجميع آياته ينطوي على أهم المسائل التي بمقدور الإنسان أن يستمدّ منها لفكره ولحياته. ولكن هل بوسعنا أن نُدرك ما في آية الكرسي أو في أية آية أخرى (من حقائق) بشكل صائب أم لا؟ هذا منوط بمبلغ علمنا ومقدار مطالعتنا ودقّتنا في الآيات القرآنية ومدى إدراكنا لها. وإن لم نُدرك ونفهم فذلك من عجزنا، وأما الآية فهي زاخرة ومليئة (بالمعاني).

 

11


6

شرح وتفسير آية الكرسي

علماً بأني لا أروم في هذه الليلة تبيان المعارف المودعة في هذه الآيات الثلاث المقدسة التي تسمى بأسرها آية الكرسي، لأنّ دأبنا هو الشرح والترجمة. وسأعمد في هذه الليلة أيضاً إلى ترجمة هذه الآيات وحسب، ولكنكم سترون أنّ نفس هذه الترجمة كم ستضع بين يدينا من معارف إسلامية. فالقرآن لا يعدّ كتاباً مفصّلاً وإنما هو إشارة ينبغي من بين طيّاتها استقاء الكثير من الحقائق، ورمز يجب من خلاله مطالعة الكثير من الكتب والفصول.. هذه هي حقيقة القرآن.

أولاً أودُّ التنويه إلى نقطة قبل البدء بالترجمة، وهي أن آية الكرسي الواقعة في أواخر سورة البقرة قد وردت بعد بيان قضية طالوت وجالوت التي ذكرناها وشرحنا آياتها في ليلة من الليالي. ثم ذُكِرت فلسفة الجهاد الإسلامي بعد الآيات المختصة بطالوت وجالوت (في قوله تعالى: ) ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ﴾[1]، حيث شُرّع الجهاد الإسلامي في سبيل اجتثاث الفساد من الأرض. وقد تضمّنت قصة طالوت وجالوت عبارة تشير إلى ما قاله المؤمنون لبعضهم الآخر بأنه رغم قِلّة عددنا وقوة جنود جالوت؛ ذلك السفّاك الظالم، وكثرة عددهم، وليس من العقل والمنطق بحسب الظاهر مواجهة بعضنا لبعض، ولكن ﴿كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ﴾.. [2]هذا ما ورد في ضمن قصة طالوت وجالوت. فالتوكّل على الله كان قائماً في جميع ثنايا هذه القصة، وأنّ الجماعة القليلة بالتوكل على الله تستطيع الغلبة والانتصار على الجماعة الكثيرة، ولكن شريطة فهم هذا التوكّل وإدراكه واستثمار الطاقة الإلهية إلى جانب التوكل على الله.. هذا ما كان جارياً في جميع أرجاء

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 251.

[2] سورة البقرة، الآية 249.

 

12


7

شرح وتفسير آية الكرسي

هذه القصة. كما أنّ النبي آنذاك أيضاً لم يعلّم الناس ولم يطالبهم أبداً بالدعاء من أجل أن يدفع الله عنهم شرّ جالوت. وإنما طلبوا منه أن يجعل لهم ملكاً، فجعل لهم ملكاً خبيراً كفوءاً قد ﴿زَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾[1].

هذه كلها مُلهِمة للدروس. فالقرآن بأسره حافلٌ بالرموز والدقائق والنقاط والإشارات التي ينبغي تلقّيها وتعلّمها، وما لم يتعرّف المرء إلى لغة القرآن ولم يأنس به لا يستطيع فهمه وإدراكه. ولا أعني بذلك أن تُجيد العربية وحسب، فكم من مجيدٍ للعربية ولكنه لا يفهم لغة القرآن. ذلك إن لغة القرآن بعد تعلّم اللغة العربية هي الأنس بالقرآن. ولنفترض عالماً حكيماً -والقرآن أسمى من ذلك بكثير لأنه كلام الله- ما لم تأنس به ولم تستمع إلى أحاديثة فترة طويلة ولم تقف على إشاراته لا يتأتى لك إدراك قوله، وقد يتكلم بالكثير من الكلمات التي تبدو لك سطحية، بيد أن تلميذه الذي تتلمذ على يديه ودرس عنده لسنواتٍ يجد كلامه هذا عظيماً زاخراً بالمعنى والمغزى.. هكذا هو القرآن. فالقرآن كلام الله، وهو أولى من أي كتاب آخر من هذه الحيثية. ولولا الأنس بالقرآن لا يتسنّى فهم ما ينطوي عليه بالمستوى المطلوب. ولكن عبر التعقّل والتدبّر والأنس به تتجلى هذه المضامين الرفيعة.

مع ملاحظة هذه النقاط التي ذكرتها، وبعد ما بيّنته من قصة طالوت، وفلسفة الجهاد الإسلامي، وغلبة فئة قليلة على فئة كثيرة، والتوكّل على الله في جميع شؤون الحياة ولاسيما في خضمّ هذه الشدائد الكبرى العالقة أمامنا، وقضية طالوت وداوود النبي في مواجهة جالوت، التفتوا الآن إلى ترجمة هذه الآية الشريفة وشرحها.

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 247.

 

13


8

شرح وتفسير آية الكرسي

﴿اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ﴾[1].. هذا هو شعار الإسلام بل شعار الأديان الإلهية برمتها على مدى تأريخ البشرية من بدايته وحتى نهايته. وكل ما تبذله الأديان والمدارس من جهود ومساعٍ هو في سبيل تطبيق هذا الشعار -الذي ليس شعاراً خاوياً، وإنما هو من أدناه إلى أقصاه مثالٌ وتبيانٌ لمدرسة وفكر ورؤية- على أرض الواقع في جميع أرجاء المعمورة. ومعنى ذلك ألّا يكون أيّ شخص وأيّ شيء وأيّ موجود؛ لا إنسان ولا حيوان ولا جماد ولا غريزة ولا هوىً، شريكاً لله، وألّا يُعبَد (من دون الله)، ويكون البشر متحرّراً من كلّ شيء ومن كافة القيود والأغلال ومن جميع حالات الأسر والذلّ والعار والهوان، وأن يكون الإنسان شامخاً مرفوع الرأس، وألّا يكبّل نفسه من قمة رأسه إلى أخمص قدميه إلّا بأواصر عبودية الله.. هذا هو نهج الأديان (الإلهية).

 

لماذا؟ ما هي ثمرة عبودية الله للإنسان؟ النظام القائم على أساس عبودية الله هو النظام الذي يتلاءم و(طبيعة) الإنسان.. ذلك النظام والمناخ الذي بوسعه إنماء هذه النبتة المسماة بالإنسان، ليس إلّا هو النظام الإلهي والنظام التوحيدي والنظام العلوي.. ذلك الذي خَلَق الإنسان وفَطَره، وهو العالم بكلّ ما في وجوده، وهو بارئه وخالقه، وأفضل من أيّ موجود آخر يعلم ما فيه من غرائز ودقائق وميول عجيبة وأحساسيس ونقائص واحتياجات وعيوب، يعرف أنّ هذا المخلوق، بكلّ ما فيه من وجود ونقص وضعف وقوة وودائع كامنة وطاقات مقدرة - هذا المخلوق المسمى بالإنسان -، لا يستطيع أن ينمو ويُنتج ويُؤتي ثمرة طيبة ويتكامل ويتسامى إلا إذا كان يعيش في ظلّ بيئة إسلامية إلهية توحيدية، والبيئات الأخرى كلّها باطلة، والأنظمة الأخرى كلّها لا تتناغم مع الإنسان.

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 255.

 

14


9

شرح وتفسير آية الكرسي

نحن لا نُعادي ولا نكره ولا نناهض زعماء الأنظمة الأخرى وإنما نشفق عليهم، فهذا هو كلام الأنبياء.. أنبياء الله، الذين هم آباء البشر والمشفقون عليهم، قد أبانوا للمفكّرين والعلماء والمعمّرين للبيوت التي يجب أن يعيش البشر فيها، وهي الأنظمة الاجتماعية، بأن البشرية لا تنجح ولا تفلح إلا في ظلّ النظام الإلهي.. هذا هو كلام أنبياء الله النابع عن شفقة وإخلاص، وقد أثبت التأريخ ذلك، حيث رأينا ما تعانيه البشرية في الأنظمة الأخرى، ولا أروم الخوض في تفاصيل هذا البحث. وأولئك الذين تراود أذهانهم مثل هذه المسائل، لابد لهم أن يفهموا ما ينبغي لهم فهمه وإدراكه من نفس ما تردّد (اليوم على لساننا) من كلمات.

فإنّ تلك الأنظمة المطروحة في العالم المعاصر، والتي تظهر في كل يوم بشكل ونمط (خاص)، لم تتمكّن من سوق البشرية نحو السعادة. والسبيل الوحيد الذي بمقدوره معالجة (مشاكل) البشر هو النظام الإلهي. ولا يتأتى للبشرية التخلّص من هذه التعاسة إلا حينما تشاهد بين ظهرانيها نظاماً توحيدياً إلهياً وتعيش في كَنَفه.

على أية حال هذا هو شعار الأديان، وقد ابتدأت آية الكرسي به، ورأيتم أن العبارة هذه تتناغم مع ما أشرنا إليه من قصة طالوت وجالوت. ﴿اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ﴾.. الله الذي لا معبود سواه.

﴿الْحَيُّ﴾.. إنّه هو الحيّ، وكلّ ما سواه من إله فهو ميّت. إذ إنّ ذلك الذي كان في يومٍ ميّتاً وسيموت في يومٍ آخر، ولا يعيش إلا بضعة أيامٍ بين هاتين الميتتين وبين هذين العَدَمين؛ وأيّ عيشٍ هذا وهو حافلٌ بالمشاكل والصِعاب والضعف، ومنوط بشعرة! يواجه فيه الأمراض والتعاسة، ويتعرّض لاصطدامات شديدة، وتشلّه عن الحركة بعوضة، لا يعتبر حيّاً. وأما ذلك الذي نحن نعبده وقد سلّمنا مقاليد حياتنا بيد

 

 

15

 


10

شرح وتفسير آية الكرسي

قدرته، فهو الحيّ الذي كان حياً وسيبقى حياً، بل هو حياة محضة.. ﴿الْحَيُّ﴾.

﴿الْقَيُّومُ﴾.. لقد فسّروا القيّوم بعدّة معانٍ، ولعلّ أنسبها أحد معنيين: إما أن يكون تفسيرها بمعنى الثابت الخالد الأزليّ الأبديّ السرمديّ، أو يكون تفسيرها بمعنى أن يستمدّ كلُّ شيء حياتَه ووجودَه منه، وأن يكون كلُّ شيء قائماً به، وهو القائم بذاته ولا يحتاج إلى أيّ شيء آخر.. ﴿الْقَيُّومُ﴾.

اِنحت ما ذكرناه هنا من صفاتٍ لله في ذهنك ثم قارِنها بصفات آلهة الأرض الزائفة والغاصبة والكاذبة التي ما كان ليحقّ لها استعباد البشر وقد استعبدتهم، وما كان ينبغي للبشر أن يعبدوها وقد جعلتهم عبيداً لها. فقد روي عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قوله وهو يخاطب المسلمين في زمانه: «ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّاً»[1]، وورد عن أحد خلفاء الصدر الأول (من الإسلام) قوله: «استعبدتم الناس».

يا آلهة الزيف والغصب والضعف! أيتها الآلهة المقرونة بالموت والعدم! بأي حقّ؟ وبأي مناسبة؟ ولماذا؟ إذا أعرضتَ عن الارتقاء إلى مستوى الربوبية، وغضضتَ الطرف عن النظر إلى القدرة الإلهية، سيكون العباد عندذاك بأسرهم سواسية، إلا من فضّلهم الله وهم الأنبياء والأولياء. فإن تخطّيتَ حدود الأنبياء والأولياء سوف لا يبقى فضلٌ لأحد على أحد، بل وحتى هناك أيضاً لم يفضّل الله الأنبياء والأولياء اعتباطاً وإنما فضّلهم لسببٍ، فإن تجاوزتَهم لا يبقى حينذاك تفاضلٌ بين الناس. فلماذا يجب أن يكون زيد عبد عمرو، وعمرو سيّد بكر، وبكر غلام خالد؟ لماذا؟ لماذا يجب أن يكون الناس

 

 


[1] نهج البلاغة، صبحي الصالح، الكتاب 13، وصيته إلى الإمام الحسن(عليه السلام).

 

16


11

شرح وتفسير آية الكرسي

عبيداً لبعضهم الآخر؟

قارِن صفات أولئك الذين كانوا وما زالوا يسترقّون الناس عبر التأريخ بهذه الصفات الإلهية لتعرف بأنّ الواجب هو أن يُعبَد الله وأن تُقطَع أواصر العبودية والرقّية لأي أحد وأي شيء سوى الله. ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾.. الحيّ الذي يقوم عليه كلّ شيء.

﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾.. لا تعتبره غافلاً ولا تظنّه نائماً. لقد اكتشف العلماء اليوم، وهو ما قاله إمامنا أيضاً في روايةٍ قبل ثلاثة عشر قرناً، بأنّ كلّ كائنٍ حيٍّ يحتاج إلى نوم، ولا تجد مخلوقاً قد دبّت فيه الحياة وهو لا ينام.. هذا ما ورد في مضمون رواية وما أثبتته تجارب العلوم العصرية أيضاً. فإنّ أيّ موجودٍ حيٍّ لا مفرّ له من النوم؛ كلٌّ بطريقة، فواحد ينام في اليوم والليلة مرة، وآخر ينام في السنة مرة، وثالث ينام في العمر مرة، وبالتالي كلّ من ينعم بالحياة فإنّه يخلد إلى النوم.

ولكن لا تعدّ الله في عِداد الأحياء الذين يلجأون إلى النوم، فإنّ ذلك الحيّ الذي يخلد إلى النوم لا يستحقّ أن تكونَ عبداً له، وإنما كنْ عبداً لمن لا يأخذه نعاس وسبات ولا تستولي عليه رقدة وغفلة.. ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ﴾، أي لا يأخذه نعاس ونوم خفيف، ﴿وَلَا نَوْمٌ﴾ عميقٌ ثقيلٌ.. هذه هي صفاته.

وأما شأنه: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾.. كلّ ما في عالم الكون وما في السماوات وما في هذا الكوكب السيّار وهو الأرض، بل وكلّ شيء يعود ملكه إليه من جانب، وحكمه وسلطانه إليه من جانب آخر، «ولا منازع له في أمره» كما نقرأ في دعاء الافتتاح. فمن أجلسه الله على هذا المنصب قائلاً يا عبادي! اسمعوا قوله واتّبعوه وأطيعوه (فبها) وإلا فهو طاغوت.. من لم يعيّنه الله وينصّبه فهو طاغوت.

 

 

17

 


12

شرح وتفسير آية الكرسي

والطاغوت يعني ذلك الذي يقف أمام الله، ويكون وسيلة للتطاول والتعدّي أو يكون بنفسه متطاولاً معتدياً. ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾.. كلّ ما في هذا الفضاء السماويّ اللامتناهي وكلّ ما في الأرض هو لله وفي قبضة قدرته.

﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾.. أنبياء الله العظام والأولياء بل وحتى الشهداء والصلحاء يشفعون في يوم القيامة ولا ضير في ذلك. أنتم الحاضرون في هذا المكان، منكم من قد تقبّل موضوع الشفاعة دون قيد أو شرط، ومنكم من قد يكون مردّداً في ذلك، وهم الذين يبحثون في هذه المسائل عن الدليل والبرهان. ذات يوم تحدّثتُ خلال درس القرآن الذي كان ينعقد في ذلك المسجد [1]حول الشفاعة، وأثبتُّها من خلال الآيات القرآنية والأدلّة المقنعة. لا يوجد أيّ إشكال في إمكانية شفاعة الأنبياء. فالشفاعة في القيامة ليست من صنف الوساطة في الدوائر هنا، وإنما هي أساساً من صنف آخر ومقولة أخرى وقضية أخرى. فانظر إلى الشفاعة في يوم القيامة كنظرتك إلى التوبة وإلى الدعاء، كأن تدعو لإنسان ميّت أو حيّ وتستغفر له مبتهلاً إلى الله وقائلاً: اللهم اغفِر لفلان.. انظر إلى الشفاعة على أنها من صنف آخر تدخل في عِداد هذه المسائل، سوى أنها تتحقق في يوم القيامة.

ولكن لا يتأتى للجميع القيام بها، ففي يوم القيامة كل امرئٍ مشغول بنفسه: ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾[2]، إلّا الأنبياء والأولياء الذين يتسنّى لهم ذلك، كما أنّ الشهداء والصالحين والعلماء الواعين في المجتمع والقادة وأدلّاء البشرية وأولئك الذين قطعوا خطىً كبيرة وأنجزوا أعمالاً صالحة في دار الدنيا وكانوا في زمرة عباد الله

 

 


[1] إشارة إلى مسجد الإمام الحسن المجتبى(عليه السلام) كما يبدو.

[2] سورة عبس، الآية 37.

 

18


13

شرح وتفسير آية الكرسي

الصالحين يستطيعون أن يأخذوا بيد الآخرين.

إنّ القرآن ناطقٌ وعقولنا بما فيها من نقص لا يسعها إدراك هذا الكلام القرآني، فلا يستعجلنّ البعض في الحكم فوراً على ردّ الشفاعة ونسخها وتفسيرها بطريقة سيئة.. كلا، فالشفاعة قضية صائبة صحيحة.

إذًا فالأنبياء والأولياء يشفعون، ولكن لا تتأتّى الشفاعة لأيّ أحدٍ إلا بإذن الله. فقد عمّت قدرته وغطّت كل شيء لدرجة لا يحقّ حتى لعباد الله الصالحين أن يشفعوا لأحد إلا بإذنه وأمره، فالقضية لا تعود إلى ميل الإنسان ورغبته.. ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾.

كلّ فقرة من فقرات هذه الآيات تُجسِّد قوة الله القاهرة، وكلّ كلمة من كلماتها تفتح باباً على بحرٍ من المعارف الإسلامية، هذا لمن أمعن النظر وتدبّر، وإلّا فإني لا أقوم إلّا بترجمتها.

﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾.. إنّ جبهات العدو والمناهضين لحكم الله والمعارضين للتوحيد والمناوئين الذين نذروا كل حياتهم للصدّ عن سبيل الأنبياء بكلّ ما أوتوا من قوة، لا يزعمون بأنّ الله شأنه شأن سائر المعارضين والمعادين الذين يمكن خداعهم والطعن من خلفهم وحياكة المؤامرات ضدّهم.. كلا. إذا كان خصمك هو الله، وإن كنت قد وقفت أمام الله فترقّب ضربة قاصمة من الله أيّاً كنت.. لماذا؟ لأنّ الله عالم بكلّ ما ترسمه من مخطّطات ومؤامرات، ومطّلع على كل ما تتّبعه من خطوات وممارسات. ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾.. أي إنه محيطٌ بوجودهم.

﴿وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾.. أي إنّ البشر لا يفهم ولا يُدرك من علم الله إلا ما وضعه الله بين يديه.

وهذا مؤشر آخر على قدرة الله: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ

 

 

19

 


14

شرح وتفسير آية الكرسي

وَالأَرْضَ﴾.. كرسيّه أي قوّته وقدرته، (ومعنى ذلك) أنّ يد قدرته هي المهيمنة والمسيطرة على كلّ عالم الكون، فقد وسعت قدرته السماوات والأرض. ولقد فسّروا مفردة «الكرسيّ» بمعانٍ متعددة، وما ذكرتُه يعود إلى أحد تلك المعاني، وهو الأنسب باعتقادي، وهنالك بالطبع معانٍ أخرى.

﴿وَلاَ يَؤُدُهُ حِفْظُهُمَا﴾.. أي لا يُعييه حفظ السماوات والأرض، ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾، وهذه هي من صفات الله.

ذات ليلة تحدثتُ هنا عن سورة التوحيد وشرحتها -والكلام ذاته يجري حول هذه الآية أيضاً- حيث قلتُ حينها بأن سورة التوحيد تُبدِّد كل المزاعم التي قد تكون عالقة في أوساط المجتمعات الضالّة حول المعبود القلبي والفكري للإنسان. فإنّ السورة هذه لا تروم التعريف بالله، لأنها -كما ترون- لا تتحدّث عن ذات الله أبداً، وإنما (تصفه بأنه) واحد غنيّ لم يلد ولم يولد وليس له كفو ونظير، دون أن يرد الحديث فيها بشأن حقيقته وكيفيته.. هكذا يأمرنا الإسلام. فقد ورد في سورة التوحيد التعريف بالصفات الإلهية التي بمقدورها أن تعلّم الإنسان وتُلهمه الدروس.

وهذا ما يرد بعينه حول آية الكرسي أيضاً. حيث تعرّضت الآية، حين الحديث عن الله، لصفاته وسماته. ولم تتناول بالطبع تلك الصفات التي لا يستفيد منها إلا صندوق ذهن المرء وحافظته، ولا تنفع إلا لأن تملأ ذاكرة الإنسان وتحلّ محلّ الكلمات الأصيلة. وهذه هي المسيرة التي دأب عليها المتكلّمون والمتعقّلون على مرّ التأريخ الإسلامي، حيث كانوا يتطرّقون في الأعم الأغلب إلى أمثال هذه المسائل التي لا تدرّ بأي نفعٍ على حياة (البشرية).

وهذا هو بالطبع من صنيع خلفاء بني أمية وبني العباس، (حيث

 

 

20

 


15

شرح وتفسير آية الكرسي

كان الأمر هذا متداولاً) في عهد بني أمية أقلّ، وفي عهد بني العباس أكثر بكثير. فإن أيادي السياسة المقتدرة التي كانت ترتزق من أهوائها وتستعبد أفكار الآخرين وألسنتهم وقلوبهم، في سبيل ألّا يفتح المجتمع الإسلامي عينيه، وفي سبيل ألّا يستمع المجتمع الإسلامي إلى الكلام الأصيل، وفي سبيل ألّا يفهم المجتمع الإسلامي التوحيد الإسلامي الخالص -لأنه لو كان قد فهم ذلك لما وسعه السكوت على المنصور وهارون ومعاوية وعبد الملك- وفي سبيل أن يبقى الناس على جهلهم وألّا تسنح لهم فرصة الوقوف على آلامهم الاجتماعية وإدراك الحقائق الفكرية الإسلامية، شغلوهم بسلسلة من المباحث التي لا أصل لها ولا أساس، كالبحث حول خلق القرآن وأنّه هل هو حادث أم قديم؟ لسنوات (طويلة) والقضية هذه تسبّبت في قتل أناس وتكفير آخرين، وهي قضية أنّ القرآن هل هو مخلوق أم أنه كان من القديم ومن الأول ومنذ الأزل دون أن يُخلق؟ تصوّروا أنّ المسألة هذه كم هي تافهة من الأساس، وإذا بالمتكلّمين الإسلاميين كانوا يتناولونها بتحريض من الخلفاء. إذ تارة يتسلّم هذا الخليفة مقاليد الأمور، فيُقمَع أصحاب الفكر المعارض لفترة من الزمن في المجالس والمنازل والمحافل والمساجد وخطب الجمع وفي مناسبات أخرى. ثم يتربّع الخليفة التالي على كرسيّ الحكم فيرى أن الشعار هذا أصبح بالياً والسلاح هذا أضحى كليلاً، فيقوّي الطرف الثاني ويفسح له المجال ويطالبه بقمع الطرف الآخر وسحقه وعرقلة مسيره وما إلى ذلك.

لسنواتٍ بل لقرونٍ والفكر الإسلامي هذا قد جمّدوه وأرخوا عليه ستار التحجّر، وأنا وأنتم اليوم نتلقّى الضربات والصدمات من ذلك التحجّر. فالإسلام «يعلو ولا يُعلى عليه»[1]، وإذا به نراه اليوم أسيراً بيد

 

 


[1] النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله)، نهج الفصاحة.

 

21


16

شرح وتفسير آية الكرسي

شرذمة من أعداء الله، والمسلمون اليوم أذلّاء ومغلوبٌ على أمرهم أمام أعداء الإسلام، والعالم اليوم عالم سيادة الطاغوت.. لماذا؟ ألم يرد في حقّ الإسلام (قوله تعالى: ) ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾[1]؟ ألم يأتِ الإسلام لتحقيق ذلك؟ لماذا يجب أن يكون فكر الإسلام وفكر المسلمين أكثر الأفكار تخلّفاً، ومجتمعهم أشدّ المجتمعات انحطاطاً، وآلامهم أكثر الآلام عصية على العلاج، وعُقَدُهم أشدّ العُقَد عصية على الحلّ؟ وعلى حدّ قول ذلك الشاعر المسلم مخاطباً أمير المؤمنين (عليه السلام):

انهض يا علي فلم يبقَ عبدٌ من العبيد لم يحطّم ربقة العبودية إلا أتباعك وشيعتك[2]

لماذا تسير الأمور على هذا المنوال؟ نحن نتجرّع مرارة مئات السنين من التحجّر والتوقّف. والتوقّف يستتبعه توقّف (آخر). فلو أردتَ أن تجعل أحداً كسولاً، عليك أن تَذَره يعيش لفترة في بيت الكسالى، فإنه بعد خروجه سيغدو كسولاً (من تلقاء نفسه). إنهم وضعوا اللبنة الأولى عوجاء ليرتفع الجدار إلى الأعلى وهو أعوج، وهو بالفعل قد كان ومازال كذلك.

إنّ روّاد السياسية، وفي سبيل أن يحرفوا أفكار الناس والمجتمع عن الطرق الرئيسية الصائبة، يُشغلوهم إما بالبطن أو بالمسائل الجنسية والغرائز الحيوانية أو بالاختلافات الفكرية الزائفة التي لا أساس لها وبالمسائل التي لا مفهوم لها. والقرآن لا يروم إيداع مثل هذه المسائل الكلامية في آياته. وما ورد فيه عن الله (سبحانه وتعالى) ليس إلا أمورًا نافعة، يتعيّن على المجتمع العلم بها وتضرّه إذا جهلها.

 

 


[1] سورة التوبة، الآية 33، سورة الفتح، الآية 28، سورة الصف، الآية 9.

[2] للشاعر الإيراني نعمت ميرزا زاده.

 

22


17

شرح وتفسير آية الكرسي

﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾.. عندما تقرأون الآية الأولى من آية الكرسي حتى قوله: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ بتدبّر وتوجّه وإمعان نظر، ثم ترفعون رؤوسكم من المصحف أو تفتحون أعينكم وتلقون نظرة إلى العالم، ستجدون أن آلهة الزيف والكذب كم يعيشون اعتباطاً، وأن المدّعين للألوهية في الأرض كم هم مخطئون في تكبيل الناس وتقييدهم وأسرهم.

عندذاك يفهم الإنسان ما هي ثمرة آية الكرسي، ويُدرك لماذا يطالبوننا بقراءة آية الكرسي مرة ومرتين وعشر مرات، وفي يوم عرفة المتعلق بسيد الشهداء مئة مرة، ويعرف لماذا يؤكّدون كلّ هذا التأكيد على تلاوة آية الكرسي في الصلاة وبعد الصلاة وفي الصباح وفي المساء؟ لأنها تحمل راية التوحيد.. لأنها تدلّ المعتقدين بالإسلام على طريق التوحيد.

يقولون لنا: اِشربوا هذا الدواء ليترك أثره، ولكننا نشمّ الدواء فقط، وننظر إلى زجاجته، ونلمسه أحياناً، ونقبّل زجاجته، ونضعه على الرفّ، ولا نشربه أبداً!

أيها المسلمون التالون للقرآن! انتهلوا (من معين) آية الكرسي، فإنها درسٌ لنا.. هذه هي الآية الأولى.

الآية الأولى بإيجاز تفضح آلهة الأرض وتميط اللثام عن المدّعين للألوهية. فليقدِم كلّ من يتحلّى بهذه الصفات لنكون عبيداً له. ولكنّكم عبيدٌ من أمثالنا، يأخذكم النوم، ويستولي عليكم النعاس، وحياتكم كما هي حياتنا محدودة، وحياتنا لا تُناط بحياتكم، فقد كنّا قبلكم أحياءً وسنبقى بعدكم على قيد الحياة أيضاً، وعليه فحياتنا لا تتلخّص في حياتكم ولا تُناط إذًا بتلك الحياة كذلك. كما ولا تتّصفون بصفة

 

 

23


18

شرح وتفسير آية الكرسي

القيومية ولا الحياة ولا سائر صفات الله، ولم تفرضوا هيمنتكم على السماوات والأرض، وكرسيّكم واقتداركم لم يقبض السماء والأرض، إذن أنتم تعيشون في أوهام، وتتبجّحون بالألوهية اعتباطاً، ونحن نرفض ألوهيّتكم، لأنها (لا تنطبق على) آية الكرسي.

أراد رجلٌ مسلمٌ الدخول على إمبراطور الروم في قصره، فقالوا له: عليك أن تسجد عند الدخول. قال: لماذا؟ قالوا: لأنك تريد زيارة الإمبراطور الجالس هناك (على عرشه)، وكلّ من يدخل عليه ينبغي له أن يسجد أمامه. قال: إذن لا أدخل ولا أبلّغ رسالتي وسأعود من حيث أتيت. قالوا: لماذا؟ فأجابهم: نحن جِئنا لاجتثاث هذه السنّة المبنيّة على أن يكون الإنسان عبداً للإنسان.

وعلى حدّ قول إقبال الباكستاني[1]: أنا لم أرَ كلباً طأطأ رأسه أمام كلبٍ آخر.

ماذا يعني ذلك؟ يعني أن نكون جميعاً عبيداً لله.. هذه هي الآية الأولى.

الآية الثانية: اِفتحوا مصاحفكم: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾[2].

نحن لا نفرض رأينا على العالم بالقوة.. أجل، لو تطاولت يدٌ على أن تصدّنا عن لغة القرآن لقطعناها، ولو تعالت قبضة يدٍ لتضرب قارئ القرآن لصددناها، ولو وضع أحدٌ ستارة ليحجب بها دين الإسلام والقرآن لمزّقناها.

وهذه هي اللغة المستوحاة من القرآن لدى المسلمين في الصدر الأول:

 

 


[1] (1256-1317) محمد إقبال اللاهوري، عالم فيلسوف وشاعر باكستاني ينظم بالفارسية، وهو أحد الشخصيات البارزة في التيار التنويري الإسلامي.

[2] سورة البقرة، الآية 256.

 

24


19

شرح وتفسير آية الكرسي

نحن نعمل في سبيل القضاء على المناوئين للهداية، ولكن لا نطرح فكرنا على أحدٍ جبراً وقسراً. فمن رأى وأراد ورغب فليحمل (ذلك الفكر)، ومن لم يرغب يستطيع أن (يعيش) في ظلّ نظامنا وأن يتنعّم بما يتمتّع به مجتمعنا، ولا ضير في ذلك. فقد كان اليهود والنصارى يعيشون حياة رغيدة في ظلّ المجتمع النبوي والعلوي والتوحيدي.

لعلي رويتُ لكم ذات مرة هذه الرواية التأريخية، وسأذكرها اليوم على سبيل الإشارة فقط: عندما فَتَح المسلمون بيت المقدس ومدينة حمص الواقعة في حدود بلاد الشام، وذلك في السنين الأولى بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) [1]. وتعلمون أنّ الأمر هذا حينذاك لم ينهض به أمير المؤمنين(عليه السلام) والرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وإنما نهض به أناسٌ لا نعتبرهم كاملين مئة في المئة، بل كانوا ناقصين والبعض منهم أحياناً مغرضين. ولكن رغم ذلك حينما دخل الإسلام بصورته في تلك المنطقة، قبض المسلمون الجزية من أهاليها وأودعوه في صندوق بيت المال. وعندما علم المسلمون أن الإمبراطورية قد جيّشت لهم جيشاً للهجوم عليهم قرّروا ترك المدينة، فجمعوا أهلها وقالوا لهم: هذه أموالكم التي دفعتموها لنا بعنوان الجزية رددناها لكم. فقال الناس مستغربين: لم نشهد ولم نسمع قطّ حكومة تأخذ الجزية من جماعة ثم تُعيدها لهم، لـِمَ تفعلون ذلك؟! قالوا: كنّا نأخذ منكم هذه الجزية كمساعدة

 

 


[1] تشكّل بلاد الشام في العصر الحديث كلًا من: سوريا والأردن ولبنان وفلسطين وقبرص وأجزاء من تركيا ومصر. وقد انضمّت هذه المنطقة إلى الحكومة الإسلامية في عهد الخليفة الأول. مدينة حمص التي تعتبر في الوقت الراهن ثالث أكبر مدينة في سوريا وتقع في الجانب الغربي من هذا البلد، سقطت بيد المسلمين في السنة الخامسة عشرة للهجرة. وبيت المقدس الذي يعتبر من أقدم مدن العالم، وقبلة المسلمين الأولى، ومن أكثرها قداسة لدى اليهود والنصارى والمسلمين، فُتحت على يد المسلمين في السنة السابعة عشرة للهجرة. واليوم تقع هذه المدينة في أراضي فلسطين المحتلة، ويعتبرها الكيان الصهيوني الغاصب عاصمة له.

 

 

25


20

شرح وتفسير آية الكرسي

الرؤية الإسلامية.

يوم كانت الأيادي تضع الأستار والحجب أمام الأعين وتحول دون وصول كلمة الحق إلى مسامع العالم، كان السيف هو الـمُسيِّر للأمور، ولكن بعد أن تَبيّن الرُشد من الغيّ وامتازت الهداية عن الضلالة وانفصل الطراط المستقيم عن الطريق الوعر الملتوي، عرف الناس مدى جمال الإسلام وحُسنه، وأدركوا أنّه من ألطاف الله وبركاته، وعلموا أن الحياة السعيدة والرغيدة لا إكراه فيها ولا إجبار: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾ وامتاز الصراط المستقيم عن طريق التيه والضلالة.

﴿فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾. لا إصرار لدينا على أن يؤمن الناس بالله، ولكن لا يعني ذلك أننا غير راغبين فيه. فالنبي الأكرم بمنزلة الأب لهذه الأمة وللبشرية، ويرغب في أن يتّخذ الجميع سبيل العبودية لله، سوى أنّ الأمر لا يتم بالإجبار والقوة. ولكن فليعلم البشر بأنّه لو كفر بالطاغوت وتنصّل من القوى المدّعية والمتشدّقة بالألوهية، وخلع ربقة الإيمان بها والائتمار بأوامرها، وآمن بالله ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾. وليعلم بأنّ هذا هو النهج الصحيح، وأنّ هذا هو الطريق الصائب، وأنّ هذا هو السبيل الذي سوف يوصله إلى الكمال، وهو الذي سيأخذ بيده، في وسط تعرّجات الحياة ومنعطفاتها، إلى جنة السعادة التي هي غاية كلّ إنسان.

﴿فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ﴾ الذي ينافس الله، ﴿وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾، أي تمسّك واعتصم بالعقد والرباط الوثيق المحكم، ﴿لَا انفِصَامَ لَهَا﴾، فإنّ العروة هذه لا تنفصم ولا تنقطع أبداً، ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.. سميع بما تقولون وعليم بما تفعلون.

 

 

27

 


21

شرح وتفسير آية الكرسي

ولكن ما الضير من وجود الطاغوت؟ لماذا يجب علينا التنصّل من الطاغوت والارتباط بالله؟ ما هو إشكال الطاغوت؟ إشكاله هو أنه يُخرجك من النور إلى الظلمات، ويصنع لك دنيا مظلمة وقلباً مظلماً وقبراً مظلماً وعالماً بعد عالم الدنيا مظلماً وبالتالي يخلق لك روحاً وفكراً وعيناً ووجوداً مظلماً. (فتعيش في حياة) ملؤها العتمة والظلمة والبؤس والتعاسة.. هذا هو إشكال الطاغوت. ولكن الله على العكس من ذلك، حيث ينتشل من وجودك الظلمات، بما في ذلك الظلمات المادية، فيأخذ منك الفقر ويعطيك الثروة والغنى - هكذا هو النظام الإسلامي-، ويقتلع الجهل ويهب ثقافة عالية سامية، ويستأصل الانقسام والاختلاف والحقد والشقاق والنفاق ويغرس محلّها زهرة المودة والأخوّة والراحة والسكينة، ويجعل منافسة الناس سباقاً في الخيرات بدلاً من أن يكون تنافساً فيما بينهم. فقد وردت في الروايات التي تتحدث عن آخر الزمان وعن ظهور الحكومة الإلهية الحقّة أنّ شخصاً سأل الإمام: ماذا يفعل الناس في ذلك اليوم؟ ومؤدّى سؤاله ومضمونه هو أنّ هذه الطاقات الجبّارة التي أودعها الله في وجود الإنسان ما هي ثمرتها في ذلك اليوم؟ فأجاب الإمام قائلاً: «يتسابقون إلى الخيرات».

هكذا هو الله.. ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾[1]، ولقد فسّروا الوليّ بمعنى الصديق والحبيب وهو تفسير خاطئ، ولطالما قلنا بأنّ المراد من قوله ﴿اللَّهُ وَلِيُّ﴾ هو أنّ الله مدير وحافظ، ولو أردنا تفسيرها بشكل أدقّ، نقول: مساير ومناصر.. هذا هو معنى الولي. ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يعني الله يحفظ الذين آمنوا ويدير شؤونهم ويقف في جبهتهم ويسايرهم.

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 257.

 

28


22

شرح وتفسير آية الكرسي

﴿يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾.. يُخرجهم من ظلمات الجهل والتعاسة والأهواء، ويسوقهم إلى النور؛ نور الهداية ونور الإيمان ونور المجتمع العامر الحرّ ونور الفضائل الأخلاقية وبالتالي نور الإنسانية. لكن ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ورفضوا الله والتحقوا بجبهة الطاغوت ﴿أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ﴾، أي إنّ الطاغوت هو الذي يقودهم ويدير شؤونهم ويحرسهم وهو الممسك بزمام أمورهم وهو الآمر والناهي فيهم.

ماذا يفعل بهم (أولياؤهم من) الطواغيت؟ ﴿يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾. ولكن ياتُرى هل كان لهم نور؟ نعم، إنه نور الفطرة الذي ينطفئ فيهم، ونور الإنسانية الذي يخمد فيهم، والجوهرة المشرقة والمنيرة التي تُسلَب منهم بعد أن أودعها الله في نفوسهم، فتستولي عليهم الجهالة والبلاهة والظلمة.

ولكن لا يقتصر الأمر على ذلك، بل ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ﴾.. إنهم أصحاب النار في ذلك العالم وفي هذه الحياة الدنيا أيضاً؛ نار الفقر ونار الذلّ ونار الهوان.

فكم من غنيّ ثريّ وهو ذليل، وكم من مقتدر قويّ وهو ضعيف. لا تنظر إلى ظاهره، ولا تعتنِ بمدّعاه وبقوله المطنطن، فإنه عبدٌ ذليلٌ حقيرٌ صغيرٌ.. إنه وفي سبيل حفظ هذا الظاهر مُرغمٌ على أن يقترف الجناية ويرتكب الجريمة، ومُجبرٌ على أن ينهب ويظلم. ولذلك فهو عبد أهوائه وعبد غيره الذي قد يكون مهيمناً عليه.. إنه ذليلٌ لا شخصية له.

هذه هي نيران الحياة الدنيا، ومن ورائها في تلك الدار الآخرة نار غضب الله التي لا غاية لها ولا نهاية، وأصحابها ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.. النور والظلمة.

 

 

29

 


23

شرح وتفسير آية الكرسي

قد تنقدح هذه الفكرة في أذهانكم وهي أنّ الله كيف يكون وليّ المؤمنين وهو لم ينصرهم في كربلاء وفي واقعة زيد بن علي [1]وفي مواطن أخرى؟ لو كان الله معهم لماذا لم ينصرهم؟

الالتباس هذا ناتج عن تصوّرنا بأن نصرة جبهةٍ لا تتحقق إلا بحصاد رؤوس أعدائها، وهذا خطأ. إنما تحقق نصرة جبهةٍ ببقاء تلك الجبهة وخلودها، حتى إذا رحل أفرادها واستُبدِلوا بأناسٍ آخرين.

تلك الجبهة التي تدّعي، وتلك الجبهة التي تريد أن تتقدّم، وتلك الجبهة التي تروم الهيمنة على العالم، لا تخلد إلّا بخلود فكرها. فكم من أناسٍ كانوا يحملون فكراً ورؤية ولكنّهم ماتوا ورحلوا.

هل يتسنى لكم القول أبداً بأن النبي موسى قد انتهى أمره لأنه رحل عن الدنيا؟ كلا.. لقد بقي دين موسى وبقي دين إبراهيم وبقيت الأديان الأخرى.

ولا شأن لي بالحق والباطل، لأن الباطل كذلك يسير على هذا المنوال. فالجماعة تبقى ببقاء جبهتها والجبهة تبقى ببقاء فكرها. فإن بقي فكرهم، وتغلّبت رؤيتهم، وحكم التأريخ لصالحهم، فإنّهم لا يهلكون ولا يُهزَمون ولا يزولون، حتى إذا رحلوا بأنفسهم.

بل وأحياناً يوقّعون على رؤيتهم وعلى المنشور المتضمّن لتلك الرؤية في سبيل بقائها وخلودها، بأيّ شيء؟ بذلك اللون الثابت الذي لا زوال له ولا اضمحلال وهو الدم. كالحسين بن علي (صلوات الله وسلامه عليه) الذي وقّع بدمه في سبيل ألّا يتبدّد (فكره وهدفه). وهذا ما فهموه اليوم وأدركوه جيّداً في هذا العالم المعاصر وفي هذه الثقافات

 


[1] زيد من أولاد الإمام السجاد (عليه السلام)، قام في الكوفة عام 221 للهجرة ضدّ حكم بني أمية طلباً بثأر الإمام الحسين(عليه السلام)، إلا أنّ أهل الكوفة خذلوه فآل مصيره إلى الشهادة.

 

30


24

شرح وتفسير آية الكرسي

الحديثة، قائلين بأنّ أية رؤية وفكرة وُقِّع عليها بالدم، بقيت وتخلّدت في التأريخ. ومن هنا تجدون أن كلّ الأفكار التي بقيت عبر التأريخ وحظيت بطائفة من الأنصار، هي التي ضحّى (أتباعها) في سبيلها. وعلى هذا فالحسين بن علي هو الفاتح، لأنّ الله معه وناصره.

إلهنا! نقسم عليك بمحمد وآل محمد أن تعرّفنا إلى مقام المضحّين والمجاهدين في سبيلك أكثر فأكثر.

إلهنا! بمحمد وآل محمد قرّبنا من محمد وآل محمد وعرّفنا على طريقهم ونهجهم وحياتهم وسيرتهم أكثر فأكثر.

إلهنا! بمحمد وآل محمد أحينا ونحن من شيعة الحسين بن علي وأمتنا ونحن من شيعته.

إلهنا! بمحمد وآل محمد اِجعل القلب المقدّس لوليّ العصر راضياً عنّا.

واكتب لنا جميعاً حظاً وافراً فيما قلناه وما سمعناه.

رحم الله من قرأ الفاتحة..

 

31


25
شرح وتفسير آية الكرسي