ثقافة التطبيع والحرب الناعمة

إن جوهر التطبيع هو كسرُ حاجزِ العداءِ مع الكيان الصّهيوني بهدف جعل الاستيطان في فلسطين أمراً طبيعياً او مقبولاً أو عادياً؛


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2021-11

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للدراسات الثقافيَّة


المقدِّمة

المقدِّمة

لم يعد الحديث اليوم حول التطبيع مع العدوِّ وأدواته ومخاطره بحاجة إلى الكثير من التنقيب والبحث لمعرفة امتداداته، بخاصَّةً أنَّ بعضهم قد تجاوز ما كان يحيط به من استغرابٍ واستهجان. وإذا أخذنا بالحسبان أنَّ الحديث عن التطبيع يُراد به بشكلٍ مباشرٍ وتلقائيٍّ العدوّ الصهيونيّ والعمل لجعل وجوده طبيعيًّا في منطقة تختلف عنه أيديولوجيًّا وثقافيّا و.... إلَّا أنَّ ما يجري في السرِّ والعلن ينبِّئ عن مخطّطاتٍ تعمل عليها بعض الأنظمة لتحقيق مكاسب سياسيَّة متناسيةً انتماءها وهويَّتها. ومع كلِّ الهجمة التي تتولَّاها بعض الأنظمة للترويج للعدوّ وجعل وجوده طبيعيًّا إلَّا أنَّ هناك العديد من الدول الإسلاميّة والعربيَّة والمنظَّمات والمؤسَّسات وغيرها، ترى أنَّ الصهيونيّ يبقى عدوًّا، وأنَّ وجوده، وجودٌ غريبٌ غير مقبول ولا مرغوب فيه.

انطلاقًا ممَّا تقدَّم، تبرز جدليَّة العلاقة بين المحيط الإسلاميّ والعربيّ والكيان الدخيل غير الطبيعيّ. ولعلَّ التجارب التي عاشها الكيان الصهيونيّ أوصلته إلى فهمٍ واضحٍ، أنَّ الوجود الطبيعيّ يتطلَّب العمل على الوعي وتغيير القيم والأولويَّات ليتمكَّن من فرضِ وجوده على مستوى الوعي فتَسهُل عمليَّة انخراطه في المحيط. وممَّا لا شكَّ فيه أنّ أفضل سُبُلِ تغيير الوعي (كيّ الوعي) تنطلق من أدواتٍ خاصَّة. وبعبارة أخرى أصبح الصهيونيّ يدرك أنَّ القوَّة والإلزام لا تجعلانه طبيعيًّا،

 

7


1

المقدِّمة

وما يساعد في ذلك، العمل عبر أدواتٍ ووسائل ومنظَّمات ثقافيّة، تُروِّج لثقافة الآخر وتُغيّر المفاهيم لتحلّ مكان مفاهيم أخرى، وتُبدِّل المناهج -بنظرهم- التربويَّة وتنشر الوعي عبر الإعلام والمنتجات الثقافيَّة والفنيَّة. وكل ذلك يُساهم في تخفيف حِدَّة العداء للصهيونيّة في الأذهان أوَّلًا، ثمَّ في الواقع العمليّ.

من هنا، يحاول هذا البحث الإطلالة على مسألة التطبيع كونها أداة أو استراتيجيَّة من استراتيجيَّات الحرب الناعمة، والتي تنشط في تقديم فكر الصهيونيّ وثقافته وقيمه بشكل رقيق جذَّاب ليتمّ القبول بوجوده كأمر واقع. وإذا كان البحث عن التطبيع واسعًا ومتشعِّبًا، فإنَّ هذا المختصر لا يتّسع للإحاطة بكلّ أجزاءه، عدا أنَّ بعض تفاصيله لا يمكن فهمها بسهولة كونها تجري في الخفاء. لذلك كانت هذه الكلمات مشاركة مبدئيِّة تُمهِّد للغوص في جوانب التطبيع بكّ أوجهه وما يترتّب عليه من علاقات وطيدة مع الأنظمة وبين الشعوب والمجتمعات.

انطلاقًا من أهداف البحث وحيثيَّاته التي تقدَّمت، كانت الاستفادة من قراءات وأفكار وتحليلات المهتمين بمواجهة التطبيع الثقافيّ، بهدف ايجار نسق يضيء على القضيَّة بمختلف أبعادها ويساهم في نشر الوعي حول مخاطر التطبيع.

مركز المعارف للدراسات الثقافيَّة


2

المقدِّمة

مفهوم التطبيع

المقصود من التطبيع جعل ما هو غير طبيعيّ طبيعيًّا بحيث لا يكون مستنكرًا أو مرفوضًا، ولا يعني بالضرورة إعادة الأمور إلى طبيعتها. تأتي لفظة تطبيع في اللغة على وزن «تفعيل»[1]، وهي عمليَّة وصيرورة دائبة وصولًا لتحقيق غاية. التطبيع نهجٌ وأداءٌ وعقليَّةٌ، جوهره كسر حاجز العداء مع العدوّ الصهيونيّ بأشكالٍ مختلفة، سواء أكانت ثقافيّة أو إعلاميَّة أو سياسيَّة أو اقتصاديّة أو سياحيَّة أو دينيَّة أو أمنيَّة أو استراتيجيَّة أو غيرها.

ويُستفاد من هذا المعنى أنَّ استخدام عبارات مثل «مقاومة التطبيع مع العدوّ الصهيونيّ» لا يُقصد منها مقاومة أمر ينحو باتّجاه العودة إلى الحالة الطبيعيَّة؛ هذا في المبدأ، مع العلم أنَّ الدِّقة تُبيِّن أنَّ الصهاينة طارِئون ولم يكن لهم وجود، ثمَّ حاول بعضهم إعادتهم إلى ما كانوا عليه[2]! إذًا التطبيع هو جعل العلاقات طبيعيَّة بين طرفين ليست العلاقات بينهما طبيعيَّة حاليًّا، سواء أكانت طبيعيَّة سابقًا أم لا.

 


[1] عدنان عدوان، التطبيع مع الكيان الصهيونيّ جريمة لا تغتفر، مجلة الوحدة الإسلاميَّة، العدد 172، 2016.

[2] يمكن الاستنتاج من خلال هذا التحليل أنَّ استخدام عبارة «التطبيع» قد لا يكون صحيحًا باعتبار أنّ الصهيونيّ بكافّة مكوّناته ليس له وجود حقيقي ولا شرعيَّة لممارساته فهو طارئٌ جيء به من الخارج بينما التطبيع ينطبق على إعادة العلاقات بين اثنين افترقا وهنا لا يوجد اثنان فالصهيوني ليس من المكوِّن الحقيقي للمنطقة.

 

9


3

المقدِّمة

مفهوم التطبيع

المقصود من التطبيع جعل ما هو غير طبيعيّ طبيعيًّا بحيث لا يكون مستنكرًا أو مرفوضًا، ولا يعني بالضرورة إعادة الأمور إلى طبيعتها. تأتي لفظة تطبيع في اللغة على وزن «تفعيل»[1]، وهي عمليَّة وصيرورة دائبة وصولًا لتحقيق غاية. التطبيع نهجٌ وأداءٌ وعقليَّةٌ، جوهره كسر حاجز العداء مع العدوّ الصهيونيّ بأشكالٍ مختلفة، سواء أكانت ثقافيّة أو إعلاميَّة أو سياسيَّة أو اقتصاديّة أو سياحيَّة أو دينيَّة أو أمنيَّة أو استراتيجيَّة أو غيرها.

ويُستفاد من هذا المعنى أنَّ استخدام عبارات مثل «مقاومة التطبيع مع العدوّ الصهيونيّ» لا يُقصد منها مقاومة أمر ينحو باتّجاه العودة إلى الحالة الطبيعيَّة؛ هذا في المبدأ، مع العلم أنَّ الدِّقة تُبيِّن أنَّ الصهاينة طارِئون ولم يكن لهم وجود، ثمَّ حاول بعضهم إعادتهم إلى ما كانوا عليه[2]! إذًا التطبيع هو جعل العلاقات طبيعيَّة بين طرفين ليست العلاقات بينهما طبيعيَّة حاليًّا، سواء أكانت طبيعيَّة سابقًا أم لا.

 

 


[1] عدنان عدوان، التطبيع مع الكيان الصهيونيّ جريمة لا تغتفر، مجلة الوحدة الإسلاميَّة، العدد 172، 2016.

[2] يمكن الاستنتاج من خلال هذا التحليل أنَّ استخدام عبارة «التطبيع» قد لا يكون صحيحًا باعتبار أنّ الصهيونيّ بكافّة مكوّناته ليس له وجود حقيقي ولا شرعيَّة لممارساته فهو طارئٌ جيء به من الخارج بينما التطبيع ينطبق على إعادة العلاقات بين اثنين افترقا وهنا لا يوجد اثنان فالصهيوني ليس من المكوِّن الحقيقي للمنطقة.

 

9


4

المقدِّمة

بغضّ النظر عن الشكل، فإنَّ فحوى التطبيع مع العدوّ الصهيونيّ يبقى واحدًا، وهو جعل الوجود اليهوديّ في فلسطين أمرًا طبيعيًّا، تاليًا فإنَّ أيّ عملٍ أو قولٍ أو صمتٍ أو تقاعسٍ يؤدِّي إلى التعامل مع الوجود الصهيونيّ في فلسطين أمرًا طبيعيًّا يحمل في طيَّاته معنًى تطبيعيًّا.

وهنا، ندخل في صراع مبدئيٍّ مع من لا يرى في التواجد اليهوديّ في فلسطين مشكلة، متجاهلًا أنَّه احتلال وأنَّه يُمثِّل التجسيد الديموغرافيّ للفكرة الصهيونيَّة في فلسطين، فتراه يعترف به، وبكلّ حماسة، تحت ستار مقولات مخترقة تطبيعيًّا بالتعريف مثل مقولة «الدُوَيْلَة الفلسطينيّة» و«الدولة الواحدة» و«قرارات الشرعيَّة الدوليَّة» أو ما شابه، لأنَّها مقولات تتضمَّن قبولًا إمَّا بالتواجد اليهوديّ في فلسطين، وإمَّا بدولة «إسرائيل»، بشكلها الحالي، أو بصفتها دولة من المطلوب «إصلاحها ديموقراطيًّا وسلميًّا من الداخل».

إنَّ جوهر التطبيع هو كسر حاجز العداء مع الكيان الصهيونيّ بهدف جعل الاستيطان في فلسطين أمرًا طبيعيًّا أو مقبولًا أو عاديًّا[1]. وينبغي الإشارة إلى إمكانيَّة تطابق مفهوم التطبيع مع كلّ الموارد المشابهة، حين يُعمل على توجيه الناس والمجتمعات والدول للتطبيع مع الآخر الظالم، وإن كان ظلمه واضحًا للعيان مقابل مكاسب سياسيَّة أو اقتصاديّة للأنظمة.

 


[1] إبراهيم علّوش، موضوعات في التطبيع الثقافيّ مع العدو الصهيونيّ، محاضرة ألقيت في فرع رابطة الكتاب الأردنيين في الزرقاء مساء يوم 1/10/2013.

 

10


5

المقدِّمة

عَرّف سماح إدريس[1] التطبيع على النحو الآتي: «التطبيع هو السعيُ إلى ترويض عقولنا على تقبّل الفكرة الآتية: لا إمكانيّةَ لعيشنا إلّا بقبول القامع وشروطِه. وهذا التقبّل ناجمٌ عن قناعتنا بأنّ القامع أقوى منّا الآن، وربّما إلى الأبد؛ أو هو ناجمٌ عن جهلِنا بلحظاتِ قُوَّةٍ وفَخارٍ وانتصارٍ في تاريخنا القديم أو الحديث»[2].

ويضيف قائلًا: (يتفاقم خطرُ هذا التفكير إلى حدّ اعتبار القمع الذي نتعرّض إليه أمرًا «طبيعيًّا»، لا مجرَّدَ استسلامٍ للواقع. وقد يذهب بعضُنا إلى القول بإنّنا «نستحقّ» هذا القمعَ لعلّةٍ فينا، في «عقلنا العربيّ» أو تاريخنا أو ديننا أو تركيبتنا الاجتماعيَّة.

في هذه الأثناء، يواصل القامعُ قمعَه، ولكنّه يسعى ـ بالتوازي مع ذلك ـ إلى تلميع صورته، إذ يبدو: حارسًا لقيم الحداثة، ومنقِذًا من الضلال، وقاطرةً لتحرير الشعوب الضعيفة. هنا يحرص القامعُ على «الحوار» مع المقموع بهدف تشريبه قيمَه «الإنسانيّة»؛ أيْ إنّه يحاول أن لا يفرضَها عليه بالقوّة بل بأسلوب الندوات ووُرَش العمل المشتركة، كي تصبح في النهاية مذوَّتةً (internalized)، راسخةً في ذات المقموع

 


[1] رئيس تحرير مجلة الآداب الورقيّة (1992 ـ 2012) والإلكترونيّة (2015 ـ...). له كتابان في النقد الأدبيّ، وأربعُ رواياتٍ للناشئة، وإحدى عشرة قصّة مصوّرة للأطفال، وعشراتُ الدراسات والمقالات والكتب المترجمة. عضوٌ مؤسِّسٌ في «حملة مقاطعة داعمي «إسرائيل» في لبنان».

[2] سماح إدريس، التطبيع الثقافيّ- التعريف- المخاطر- القانون- المعايير- الذرائع، المسؤوليَّة، نشر في 12/10/2017، مجلة الاداب.

 

11


6

المقدِّمة

بشكلٍ آليّ، بحيث يستطيع المقموعُ «المقتنعُ حديثًا» أن ينشرَها بين المقموعين الآخرين في العالم)[1].

 

 


[1] م.ن.

 

 

12


7

المقدِّمة

وعرّف آخرون التطبيع بأنَّه: «يشمل (كلّ اتّفاقٍ رسميٍّ أو غير رسميٍّ أو تبادلٍ تجاريٍّ أو ثقافيٍّ أو تعاونٍ اقتصاديٍّ مع إسرائيليّين رسميِّين أو غير رسميِّين) ويهدف إلى (إعادة صياغة العقل والوعي العربيّ والإسلاميّ بحيث يتمّ تجريده من عقيدته وتاريخه ومحو ذاكرته بخاصَّة فيما يتعلَّق باليهود، وإعادة صياغتها بشكل يُرضي اليهود) ومآله: الاستسلام غير المشروط للأمر الواقع والاعتراف بالكيان الصهيونيّ الغاصب للأرض كدولة ذات شرعيَّة، وتحويل علاقات الصراع بينها وبين البلدان العربيَّة والإسلاميّة إلى علاقات طبيعيَّة وتحويل آليَّات الصراع إلى آليَّات تطبيع»[1].

أمَّا التطبيع الذي يسعى إليه العدوّ الصهيونيّ فهو دفع العرب نحو الإقرار والقبول باغتصاب فلسطين والاعتراف بالكيان العنصريّ العدوانيّ كدولة طبيعيَّة وعضو في منظَّمة دول المنطقة وإقامة علاقات طبيعيَّة معه. ويقتضي ذلك التسليم بصحَّة العقيدة الصهيونيَّة وتسويغ كلّ ترجماتها من غزوٍ واحتلالٍ ومجازرَ بشريَّةٍ وتدميرٍ وتهجيرٍ لأهل فلسطين[2].

 

 


[1] ورقة لحسين عبيدات ألقيت في المؤتمر العام العاشر للصحافيِّين العرب عام 2004 م.

[2] سمير أحمد، غزو بلا سلاح؛ التطبيع المستحيل، دار الكنوز الأدبيّة، بيروت، ط1، 2001، ص42.

 

13


8

المقدِّمة

أنواع وأنماط التطبيع

تنقسم درجات العداء ومستويات السلوك اتّجاه الكيان الصهيونيّ وجودًا ونشاطًا إلى أنماط وأنواع:

1. نمط مقاومة التطبيع ومقاطعة الكيان الصهيونيّ (مستوى التطبيع يساوي صفر):

يكون التطبيع بمستوى الصفر إذا كانت نظرة الفرد إلى الكيان الصهيونيّ وللأفراد الصهاينة على أنَّهم عدوٌّ خطيرٌ على البلاد والأمَّة والمقدَّسات والقيم. فلا يُقبل من العدوّ أي شيء ويُشعر اتّجاه أي فرد أو مؤسَّسة للعدوّ بنوعٍ من العار والاشمئزاز، ويشعر بردِّ الفعل والكراهيَّة والرغبة بالمواجهة والتعبير عن الغضب لو توفرت الظروف والفرص.

2. التطبيع الكامل:

ويكون التطبيع على العكس بمستوى كامل إذا كانت نظرة الفرد أو الجماعة للكيان الصهيونيّ على أنَّها دولة طبيعيَّة عاديّة أو ديمقراطيّة أو غير معادية بالحدّ الأدنى، فلا حرج من التعامل معها بشتّى الطرق.

3. التطبيع الرسمي:

يكون الأداء التطبيعيّ رسمي إذا كانت النظرة للكيان الصهيونيّ حكوميًّا وشعبيًّا على أنَّها دولة احتلال وعدوان وعنصريَّة، لكنَّها أصبحت 

 

14


9

المقدِّمة

بنظر الحكومات والأنظمة موجودةً وأمرًا واقعًا مفروضًا؛ كما تُبادر الحكومات، لدوافع عديدة، إلى بناء وإقامة علاقات دبلوماسيّة واتّفاقات أمنيّة، وتبادلات اقتصاديّة، وهذا هو تطبيع الحكومات والأنظمة والدول أو التطبيع الرسمي. رغم أنَّ الشعب يبقى مقاومًا للتطبيع مثل مصر والأردن.

4. التطبيع الشعبي:

هو انخراط الشعب في التطبيع إلى جانب الدولة (لا يعتبر الشعب الفلسطينيّ الواقع تحت الاحتلال مُطبِّعًا بالضرورة لأنّه واقعٌ تحت ضغط وِإكراه الاحتلال).

5. التطبيع النخبوي:

وهو انخراط فئات ونخب فنّيّة وثقافيّة وأكاديميّة في التطبيع تحت ذرائع فنّيّة وثقافيّة، وهو في جوهره عمالةٌ وتواطؤٌ؛ مثل انخراط بعض الفنانين اللبنانيِّين في التطبيع كحالة المخرج زياد الدويري الذي زار الأراضي المحتلة وأقام أشهرًا طويلة في ظلِّ الاحتلال الصهيونيّ.

6. التطبيع التكتيكيّ السياسيّ (التطبيع المكبوت):

هو التطبيع المبنيّ على نظرة تكتيكيَّة وتقاطع مصالح مع العدوّ على أساس أنَّ الكيان الصهيونيّ في هذه المرحلة غير عدوّ، ولا يُشكِّل خطرًا مباشرًا على المصالح، وأنَّ هناك عدوًّا أخطرًا مثل إيران وسوريا وحزب الله ومحور المقاومة. كما يسمَّى التطبيع التكتيكيّ التطبيع المكبوت السريّ، وهو تطبيع الفئات الخائفة التي تعيش في أوساطنا اللبنانيَّة، لكنَّها تكتم نظرة الصداقة للعدوّ خشيةً من ردَّات 

 

16


10

المقدِّمة

الفعل واتّهامها بالعمالة، ومن نماذجه بعض فريق 14 آذار في لبنان.

7. التطبيع كثمن لبقاء الأنظمة (صفقة القرن):

هو تطبيع المضطّر لدفع الثمن، بناءً على رغبةٍ صهيونيَّةٍ أميركيّةٍ بضرورة إعلان العلاقات والتطبيع العلني وليس السرّي في إطار صفقة القرن (نموذج ورشة البحرين)، ويدخل فيه نمط التطبيع الشعبيّ المفروض حكوميًّا، والمروَّج بعناوين مُضَلَّلة لأجل دعم شرعيَّة ومصالح الحكومات الخليجيَّة، وهو ليس وليد حاجة أو مطلب للشعوب المنخرطة فيه، مثل التطبيع السعوديّ والإماراتيّ والبحرينيّ، هذه الدول لم تكن بحاجة إلى هذا التطبيع تاريخيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، كان تطبيعها استخباريًّا، عبارةً عن علاقات سرّيَّة بين الأنظمة الخليجيَّة وبين الصهاينة. إلَّا أنَّ العداء الهستيريّ لإيران ومحور المقاومة رفع منسوب النظرة التطبيعيّة من الدرجة التكتيكيَّة إلى مستوى التحالف الاستراتيجيّ، هذا النوع من التطبيع هو الثمن الذي طلبته «إسرائيل» مقابل التحالف على صفقة القرن؛ إن كان هذا التطبيع لا يزال قلقًا في الأوساط الخليجيَّة، إلَّا أنَّه ينتقل من الدرجة السرّيَّة إلى العلنيَّة، تحت حجَّة العلاقات التجاريَّة مع اليهود ومنتديات حوار الأديان، والمنتديات والمؤتمرات الأمنيَّة الدوليَّة (ميونيخ) ولقاءات مراكز الدراسات.

8. التطبيع الليبراليّ غير الأيديولوجيّ:

هو التيار الذي لا يُمانع من التعايش مع الكيان الصهيونيّ، بخاصَّة في المراحل والفترات التي تشهد مواجهات عسكريَّة 

 

17


11

المقدِّمة

ومستويات عدائيَّة مرتفعة مع الكيان الصهيونيّ، وهو يأتي نتيجة عدم الإيمان بمبدأ مقاومة التطبيع أصلًا. هؤلاء لا تعنيهم فلسطين، ولا ما حصل تاريخيًّا من مواجهات، ولا يؤمنون بالصراع الأيديولوجيّ مع الكيان الصهيونيّ، وهم يقبلون التطبيع بشكلٍ غير مباشر، ويُعبِّرون عن موقفهم عن طريق سلوك عدم الاهتمام بإدانة الشخصيّة أو الجهة المطبِّعة مع العدوّ، لعدم

الشعور بالغلط أو العار، وتنعكس بقبولهم أعمال الشخصيّة الفنيَّة التطبيعيّة تحت ذريعة تعدُّد الجنسيَّات (يحمل الجنسيَّة اللبنانيَّة أو العربيَّة أو الأوروبيَّة)، وغير ذلك، مثل: قبول الكثير من النسيج اللبنانيّ من غير مجتمع المقاومة بالفنان والمخرج السينمائيّ التطبيعيّ اللبنانيّ زياد الدويري صاحب فيلم (القضيَّة 23)، حيث قال هؤلاء إنَّه فنَّانٌ حرٌّ ومبدعٌ ولا ضير من زيارته الكيان الصهيونيّ ويحمل أكثر من جنسيَّة وغير ذلك..).

9. التطبيع الشعوريّ النفسيّ (تطبيع العقل الباطنيّ):

هو تطبيعٌ سطحيٌّ أو نوعٌ من التطبيع المجازيِّ المعنويِّ غير السلوكي، يحصل على مستوى الوعي أو النفس أو الشعور إذا كان الفرد أو الجماعة ينظرون إلى الكيان الصهيونيّ على أنَّه دولةٌ معاديةٌ وخطيرةٌ - لكنه مع الأسف - متفوقٌ علميًّا وعسكريًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا حتى أخلاقيًّا وقانونيًّا.

أنموذج: ما يحصل أحيانًا عندما يقول أحدنا أنَّ الصهاينة لديهم قضاءٌ مستقلٌّ ويحاسبون قادتهم أو أنَّ لديهم أهمّ مراكز 

 

18


12

المقدِّمة

الدراسات، أو إذا شعر أنَّ العدوّ الصهيونيّ أقل همجيَّة ووحشيَّة من داعش في القتل وأنماط التعذيب وما شاكل، أو إذا قَبِلَ الدُخول إلى مواقع الإنترنت الصهيونيَّة وأُعجِب بها، أو إذا تفاعل بشكلٍ متسامحٍ ولو على سبيل السخرية من الناطق بإسم الجيش الصهيونيّ أفيخاي أدرعي على مِنصَّات التواصل الاجتماعيّ أو إذا استخدم كلمة «إسرائيل» من دون الشعور بشيءٍ من الغلط أو الكراهيَّةِ.

 

19


13

المقدِّمة

10. التطبيع الأكاديميّ:

مِثل اعتماد الدراسات والأبحاث المنشورة من قِبل جامعات صهيونيَّة في الأبحاث الأكاديميَّة وهو ما حصل في الجامعة الأميركيَّة في بيروت مع عددِ من الطلاب والباحثين[1].

 

11. التطبيع الإعلاميّ:

هو مثل القبول باستضافة شخصيَّات صهيونيَّة على الشاشات العربيَّة كتطبيع قنوات الجزيرة والعربيَّة وسكاي نيوز وغيرها، أو القبول بتحرُّك وتواصل مراسل القنوات مع المؤسَّسات والأجهزة الصهيونيَّة داخل الأراضي المحتلَّة مثل مراسلي بعض القنوات اللبنانيَّة[2].

 


[1] انظر كتاب الحرب الاميركية الناعمة على حزب الله، صادر عن مركز الحرب الناعمة للدراسات 2018

[2] لمزيد من المعلومات راجع مقال: العدو خلف القناع، حسن الزين، مجلّة بقية الله، العدد 333، 30/5/2019

 

20


14

المقدِّمة

أوَّلًا: التطبيع في القانون

من المفيد أن نَعْلم أنّ مقاومتَنا للعدوّ الصهيونيّ عملٌ يَكفله القانونُ اللبنانيّ، بل يَفرضه أيضًا. والقانون المقصود هو «قانون مقاطعة إسرائيل»، الصادر عن جامعة الدول العربيَّة سنة 1955، تبنّاه لبنانُ وما يزال، وهو ينصّ في مادّته الأولى بشكلٍ صريحٍ على الآتي:

«يُحظَّر على كلّ شخصٍ، طبيعيٍّ أو معنويّ، أن يَعْقد، بالذاتِ أو بالواسطة، اتّفاقًا مع هيئاتٍ أو أشخاصٍ، مقيمين في إسرائيل، أو منتمين إليها بجنسيّتهم، أو يعملون لحسابِها أو لمصلحتها، وذلك متى كان موضوعُ الاتفاق صفقاتٍ تجاريّةً أو عمليّاتٍ ماليّةً أو أيَّ تعاملٍ آخرَ مهما كانت طبيعتُه...»[1]

ويظهر من هذا النصّ أنَّ القانون أكَّد على وجودِ عدوٍّ هو الصهيونيّ، وأنَّه مغتَصِبٌ للحقوق ومُعتَدٍ وأنَّه لا يمكن التعامل معه وإلَّا أدَّى ذلك إلى تبعات كثيرة يحدِّدها القانون نفسه.

 

ذرائع التطبيع

يُطلق المطبِّعون مجموعة من الذرائع التي يُبرِّرون من خلالها تَوجّهَهُم نحو العدوّ الصهيونيّ هي[2]:

 


[1] نقلًا عن سماح إدريس، التطبيع الثقافيّ: التعريف، المخاطر، القانون، المعايير، الذرائع، المسؤوليَّة، 6/10/2017.

[2] م.ن.

 

22


15

المقدِّمة

1 . التطبيع ضرورة وطنيّة تُحتّمها معرفةُ العدوّ

كلّما تحدّثنا عن «مقاومة التطبيع الثقافيّ» انبرى بعضهم لإطلاق شعار «إعرفْ عدوَّك»، وكأنّ الشعاريْن متناقضان. والصحيح أنَّ معرفة العدوّ لا تعني التعامل معه والاستسلام له أو القبول به على أنَّه أمر واقع.

إذن بإمكاننا معرفةَ عدوّنا، بل مِن واجبنا معرفتُه، ثقافيًّا وأكاديميًّا وسينمائيًّا إلخ، لكنْ من دون الاحتكاكِ به مادّيًّا، ومن دون فرضِه على الفضاء اللبنانيّ والعربيّ العامّ رغمًا عن أنف الحق والقانون والشهداء والتاريخ. نستطيع، مثلًا، أن نتعرّفَ إلى إنتاج العدوّ من خلال أدوات ووسائل وطُرُق شتَّى، وليس من خلال دعوته إلى بلادنا، أو السماحِ له (أو لناشره أو مُنتِجِه أو موزّعِه) بالاستفادة من أموالنا. بل المسألة تتعدّى الاستفادة الماليّة؛ ذلك لأنّ قبولنا بالاحتكاك المباشر بالأكاديميِّين والمثقَّفين والمحامين والعلماء والفنّانين والأطبّاء الصهاينة هو بمثابة رسالةٍ إلى العالم تقول إنّ شعوبَنا تفْصل بين «الجيش» الصهيونيّ الذي قتلها وهجّرها، وبين «مؤسّساته» الجامعيّة والقانونيّة والثقافيَّة والعلميّة والطبّيّة؛ وهذا مخالفٌ للواقع والمنطق.

يُمكن أن نأخذ الجامعات في الكيان الصهيونيّ كمثال؛ فهذه الجامعات تُساهم في الاحتلال والقمع من خلال أمورٍ عديدة، أكثرها مباشرةً هو دعمُ الجيش الإسرائيليّ. فمعهدُ تخْنيون التقنيّ يطوّر أنظمةً قتاليّةً، ويضمُّ أكبرَ نسبةٍ من الطلّاب العاملين في احتياطيّ الجيش، فضلًا عن مهندسين معماريِّين بنوْا جدارَ الفصل العنصريّ. كما صَمّمتْ جامعة تل أبيب عشراتِ الأسلحة، وتضمّ «معهدَ دراسات الأمن القوميّ 

 

24


16

المقدِّمة

صاحبَ نظريّة «القوَّة غير المتوازنة» الداعيةِ إلى «تدمير البنية التحتيّة [المدنيّة] وإنزالِ أشدّ أنواعِ المعاناة بحقّ الشعب [المدنيّ]». وجامعةُ حيفا أيّدتْ عمليَّة «الرصاص المصبوب» ضدّ غزّة (2008 ـ 2009)، وأستاذُ الجغرافيا فيها

هو الذي اخترع فكرةَ الجدار العنصريّ، وهو صاحبُ قول: «إذا كنّا نريد أن نبقى على قيْد الحياة، فعلينا أن نَقتلَ ونَقتلَ ونَقتلَ طوالَ اليوم، كلَّ يوم...». كما أنّ هذه الجامعات نفسَها تُزوّد المحاكمَ العسكريّةَ، المشاركة في جريمة قمع الشعب الفلسطينيّ ومقاوميه، بمتخرّجي القانون.

أمّا المؤسَّسات الطبّيّة الصهيونيَّة فتضمّ أطبّاءَ يُشْرفون على تعذيب الفلسطينيّين، وذلك بحسب الدكتور يوران بلاشار، الرئيسِ السابقِ للجمعيّة الطبّيّة في الكيان الصهيونيّ، والدكتور إيران دوليف، رئيسِ قسم «الأخلاقيّات» فيها[1]!

وفي إطار اعتبار التطبيع مع العدوّ «ضرورةً وطنيّةً»، يأتي كلامُ بعضهم عن لزوم الحوار مع وسائل الإعلام الصهيونيَّة من أجل «اختراق الوعي الإسرائيليّ». غير أنّ الصهيونيّ لا ينتظر هذا المثقَّف العربيّ أو ذاك كي «ينوّرَه» في شأنِ ما ترتكبه دولتُه أمام عينيْه! ثمّ إنّ «الاجتهادَ» الشخصيّ لمثل هذا المثقَّف أو ذاك يؤثّر سلبًا في حركة المقاطعة العالميّة للكيان الغاصب ووقف أيّ شكل من أشكال التطبيع معه، حتّى حُسن النيَّة، وهو ما يعزِّز كذبةَ ديموقراطيَّة الإعلام الصهيونيّ.

 

 


[1] سماح ادريس، م.س.

 

25


17

المقدِّمة

2. التطبيع ضرورة فنّيّة

هنا نتذكّر، بشكل خاصّ، ذرائعَ المُخرج زياد دويري لتصوير فيلمه طوال 11 شهرًا في تل أبيب، وهي تكاد تَجمع كلَّ مبرِّرات التطبيع الثقافيّ أو الفنيّ فيدّعون أنَّ:

1. الفنّ يتطلّب عرضَ «الروايتين»، وكأنّ الرواية الفلسطينيّة، المشبعةَ بالعدالة والمظلوميّة والثورة، يمكن أن توازي الروايةَ الصهيونيَّة، القائمة على الظلم والتزوير والتهجير.

2. الضرورة الفنّيَّة هي التي «تُحتِّم» أن يذهب الفنّانُ إلى كيان العدوّ، وأن يستعينَ بممثّلةٍ صهيونيَّة.

3. الفنّان «لا يُسأل» عن أساليبه. والحقّ أنّ الفنّان هو أكثرُ مَن ينبغي أن يُسأل لأنَّه يُفترض أن يَحملَ مسؤوليّةً اجتماعيَّة وسياسيَّة تفوق مسؤوليّاتِ غيرِه من البشر! أما لماذا لا يُسأل، فللمبرِّرات المتقدّمة وأهمّها أنّ الفنان يعرض الروايتين وهو لا يُروِّج لجهة دون أُخرى بل هو يُقدِّم الحقائق كما هي لتكون الصورة أكثر وضوحًا أمام المُشاهد، بحسب هذه الدعوى.

3. التطبيع ضرورة إنسانيّة

لا ينبغي أن يكونَ المرء، بحسب منطق التطبيع، ضدَّ الأديان والأعراق الأخرى. هنا يتعمَّد المطبِّعون، أمثال دويري، إظهارَ خصومهم كأنّهم ضدّ التواصل مع «اليهود» بصفتهم أتباع ديانة سماويّة، لا ضدّ التطبيع مع «إسرائيل» كونها احتلالًا تهجيريًّا دمويًّا.

 

26


18

المقدِّمة

وهنا لا يتردّد المطبّعون أحيانًا في التبجّح بأنّ مَن يطبّعون معهم «إسرائيليّون يساريّون»، وكأنّ الهويّة الأديولوجيَّة تَنْزع عن المحتلّ صفةَ الاحتلال.

4. التطبيع ضرورة ثقافيّة وأكاديميّة

يشدّد التطبيعيّون على أنّ «العالم قرية كبيرة» وأنّه مليء بالصهاينة، وأنّ المؤتمرات العالميّة تحديدًا تضمُّ صهاينة. ويتساءلون بتذاكٍ: هل تريدوننا، أيّها المقاطِعون، أن ننقطع عن العالم؟ وقد سارع بعض العرب إلى الحديث عن التطبيع الثقافيّ على أنَّه ضرورة لا بدَّ منها وهذا ما جاء في بعض بنود اتّفاقيَّة كامب ديفيد بين العرب والكيان الصهيونيّ عام 1979، مثل: «يتّفق الطرفان على أنّ التبادل الثقافيّ في الميادين كافّة أمرٌ مرغوب به، على أن يدخلا في مفاوضات في أقرب وقت ممكن، وفي موعدٍ لا يتجاوز ستّة أشهر بعد الانسحاب المرحليّ، بغية عقد اتّفاق ثقافيّ»[1].

ويؤيِّد الفكرة التي قدَّمها المطبِّعون نصوص الاتّفاقيَّة الثقافيَّة التي عُقدت في الثامن من أيَّار عام 1980 في القاهرة، بين مصر والكيان الصهيونيّ، وصادقت عليها حكومة العدوّ في الأوَّل من حزيران 1980. ومن جملة بنودها:

- تشجيع التعاون في المجالات الثقافيَّة والعلميَّة والفنيَّة.

- تشجيع الاتّصالات وتبادل زيارة الخبراء في المجالات الثقافيَّة والفنيَّة والتكنيكيَّة والأثريَّة والأعمال الفنيَّة.

 


[1] عادل الراجحي، التطبيع.. أيصبح العدو اللدود صديقًا حميمًا!، ص9.

 

27


19

المقدِّمة

- تشجيع إقامة المعارض العلميَّة والتكنولوجيَّة ومعارض الفنون وتبادل برامج الإذاعة والتلفزيون والتسجيلات الإعلاميّة والثقافيَّة والعلميَّة.

 

- تسهيل زيارات العلماء والدارسين والباحثين إلى مؤسّسات البلد الآخر.

 

- معادلة الشهادات والدرجات التي تمنحها المؤسَّسات التعليميَّة لدى الطرفين[1].

 

وكذلك ما جاء في بنود اتّفاقيَّة وادي عربة الموقَّعة بين الأردن والكيان الصهيونيّ عام 1994: «انطلاقًا من رغبة الطرفين في إزالة حالات التمييز كافَّة التي تراكمت عبر مراحل الصراع؛ فإنَّهما يعترفان بضرورة التبادل الثقافيّ والعلميّ في الحقول كافَّة، ويتّفقان على إقامة علاقات ثقافيَّة طبيعيَّة بينهما».

 

وجاء في المادَّة الحادية عشرة: «يسعى الطرفان إلى تعزيز التفاهم المتبادل فيما بينهما والتسامح القائم على ما لديهما من القيم التاريخيّة المشتركة، وبموجب ذلك فإنَّهما يتعهَّدان بما يلي:

- الامتناع عن القيام ببثّ الدعايات المعادية القائمة على التعصُّب والتمييز، واتّخاذ الإجراءات القانونيَّة والإداريَّة

 


[1] سمير أحمد، غزو بلا سلاح؛ التطبيع المستحيل، دار الكنوز الأدبيّة، بيروت، ط1، 2001، ص111.

 

29


20

المقدِّمة

الممكنة التي من شأنها منع انتشار مثل هذه الدعايات؛ وذلك من أي تنظيم أو فرد موجود في المناطق التابعة لأيّ منهما.

- القيام، بأسرع وقت ممكن، بإلغاء ما من شأنه الإشارة إلى الجوانب المعادية، وتلك التي تعكس التعصُّب والتمييز، والعبارات العدائيَّة في نصوص التشريعات الخاصَّة بكل منهما.[1]

يجهل المطبِّعون أو يتجاهلون أنّه بإمكاننا الذهابَ إلى غالبيّة المؤتمرات العالميّة، إنّما ضمن شروطٍ تمليها علينا واجباتُنا تجاه قانوننا ووطننا وأمّتنا وإنسانيّتنا. فإذا دُعينا إلى مؤتمر عالميّ علينا، قبل الموافقة على الدعوة، أن نتأكّدَ من عدم حصوله على تمويلٍ أو رعايةٍ من السفارة الصهيونيَّة أو من أيّ مؤسّسةٍ صهيونيَّة أخرى، سواء أكانت رسميّةً أم خاصَّةً. ثم نتأكّد من خلوّ جلستنا من المحاضرين الصهاينة.

كما يتجاهلون أنَّ الاتّفاقيَّات التي تُعقد مع الدول والمنظَّمات في المجتمعات العربيَّة والإسلاميّة لا تعني أنَّ الصهيونيّ لم يعد محتلًّا ومغتصبًا ولا تعفيه من تحمّل تبعات كلِّ أشكال الظلم التي يمارسها. فعلى الرغم من كلِّ الاتّفاقيَّات والأصوات المنادية بالتطبيع يبقى المحتلّ محتلًّا والظالم ظالمًا فلا تُشَرْعِن تلك الاتّفاقيَّات التطبيع معه.

 


[1] عادل الراجحي، م.س، ص10.

 

29


21

المقدِّمة

ثانيًا: التطبيع الثقافيّ

انطلاقًا ممَّا تقدَّم، يحتاج مفهوم التطبيع الثقافيّ إلى وقفة متأنّيَة بحدِّ ذاته. فالتطبيع، إن كان يعني إقامة علاقات طبيعيَّة بين دولتين متعاديتين أو غير متعاديتين، فإنَّه لا يفترض أبدًا تدخّل إحداهما في وسائل إعلام الدولة الأخرى والمناهج الدراسيَّة والإنتاج الفنيّ والأدبيّ، كما تحاول دولة العدوّ الصهيونيّ أن تفرض في علاقتها مع الدول العربيَّة التي تُطبِّع علاقاتها معها، وكما تنصّ المعاهدات المعقودة مع العدوّ الصهيونيّ.

ثمَّة قوى كبيرة في المجتمع الصهيونيّ لا تعترف أصلًا بحقَّ الفلسطينيّين بالتواجد على أرض فلسطين، أو لا تعترف لهم بحقوق أصيلة على أرضهم، وتتعامل معهم كأجانب، حتَّى إنَّ مفهوم «الدولة اليهوديّة»، أي الدولة الخالصة لليهود، بات مفهومًا مسيطرًا في الخطاب السياسيّ الصهيونيّ، فكيف يُطالب العرب بتغيير منظومتهم الثقافيَّة – القيميَّة والمفهوميَّة – لتقبُّل الآخر الذي لا يتقبَّلهم ابتداءً، والذي يقوم وجوده على نفيهم جسديًّا وإلغائهم ثقافيًّا؟!

يكمن جَذر المشكلة في مفهوم ثقافيّ يهوديّ متأصِّل في التلمود، الذي بات إرثًا ثقافيًّا لغير المتديِّنين من اليهود؛ يعدُّ هذا المفهوم الثقافيّ

 

30


22

المقدِّمة

اليهوديّ أنَّ «الأغيار» أو غير اليهود، بهائم خلقها الله على هيئة البشر لخدمة اليهود، ويعدُّ اليهود «شعبُ الله المختار»، ويُبيح لليهود التعامل مع الآخرين بمقاييس «أخلاقيَّة» مختلفة تمامًا عن تلك التي يجدر التزامها بين اليهود في تعاملاتهم مع بعضهم بعضهم (كما وثَّق الكاتب إسرائيل شاحاك في كتابه «التاريخ اليهوديّ، الديانة اليهوديّة، وطأة ثلاثة آلاف عام»). فكيف يُطالب العرب مثلًا بحذف آيات قرآنيَّة من مناهجهم التعليميَّة يزعم الصهاينة من يهود وغير يهود أنَّها تُحرِّض عليهم، ولا يفرضون الأمر عينه على من يقتطفون تلك الفقرات العنصريّة الدمويَّة من كتبهم وتفسيراتها؟!

المشكلة الأخرى هي أنَّ دولة الكيان الصهيونيّ المخترعة، لمَّا تحسم هويَّتها الثقافيَّة المتميِّزة بعد (إذا جاز الحديث عن هويَّة ثقافيّة متميِّزة لدولة احتلال ومجتمع استيطانيّ يحتوي خليطًا عجيبًا من الأعراق والثقافات). فهل هذا الكيان دولة ذات ثقافة شرقيَّة أم غربيَّة؟ هذا هو السؤال المهم. إنْ كانت تحسَب نفسها دولة غربيَّة، كيف يمكن أن تُنشِئ علاقات ثقافيّة طبيعيَّة بين المحيط العربيّ والإسلاميّ وتلك القلعة الغربيَّة المسمّاة «إسرائيل»؟! وما دمنا لا نتحدَّث هنا عن تبادل تجاريّ أو علاقات سياسيَّة أو دبلوماسيَّة فحسب، كيف سيعيش بيننا بشكل «طبيعيّ» ذلك التجمّع اليهوديّ المستورد على أرض فلسطين المحتلَّة وهو يصرّ على اعتبار نفسه امتدادًا لأوروبا في المشرق العربي؟!

المشكلة الثقافيَّة الأخرى لا تمسّ العرب وحدهم، بل تتعلَّق بالحساسيَّة الثقافيَّة والدينيَّة المفتعلة المتعلِّقة برواية 

 

31


23

المقدِّمة

«المَحرقة»، وفَرض تقديسها على شعوب الأرض كلِّها ومَنع مناقشَتها قطعيًّا، 

 

32


24

المقدِّمة

وهو مَنعٌ تتهيَّب تخطِّيه العديد من الأنظمة العربيَّة والإسلاميّة للأسف، في الوقت الذي يصبح فيه «تجاوز الحساسيَّات الدينيَّة» شرطًا من شروط التطبيع الثقافيّ فعليًّا، إلى أن يُصبح الاعتراف الشعبيّ والنخبويّ العربيّ غير المشروط بأساطير «المَحرقة» خرم الإبرة الذي يفترض أن يمرَّ عبره أيّ «تطبيع ثقافيّ» حقيقي.

إنَّ معادلة التطبيع الثقافيّ لا يمكن حلَّها أبدًا، فالمسألة خرجت من كونها تطبيعًا ثقافيًّا مرتبط بالوعي والمعرفة وكلّ النتاجات التي تساهم في تكوّن العقل العربيّ والإسلاميّ على شاكلة يقبل بها بالمحتلّ الصهيونيّ وكون التطبيع استراتيجيَّة من استراتيجيَّات الهيمنة الثقافيَّة الصهيونيَّة، ومحو كل الثقافات المحيطة على حساب رواج ثقافة المحتلّ. حتى لو افترضنا جدلًا تقبُّل العرب الكامل لمبدأ العلاقات الثقافيَّة الطبيعيَّة، إلّا بقيام علاقات غير متكافئة وغير طبيعيَّة وانعدام التكافؤ يُصبح في صلب التطبيع الثقافيّ مع العدوّ الصهيونيّ، لا نتحدَّث هنا عن التطبيع بمعناه الحرفيّ، بل عن علاقة هيمنة ثقافيّة تُتَمِّم علاقة الهيمنة السياسيّة والتجاريَّة والأمنيَّة وغيرها، أي أنَّ التطبيع الثقافيّ مع العدوّ الصهيونيّ لا يُمكن أن يكون أمرًا طبيعيًّا.

إنْ كان هذا معنى التطبيع الثقافيّ، كما يفهمه العدوّ الصهيونيّ، فإنَّ مشروع الهيمنة الثقافيَّة الصهيونيَّة على المحيط، أي مشروع فرض الرواية والرؤية الصهيونيَّة على عقول العرب وقلوبهم، بات يقتضي أوَّلًا تذليل العقبات الثقافيَّة وتقبُّل الهيمنة الصهيونيَّة والتواجد اليهوديّ في فلسطين، أي التغلُّب على المقاومة. وثانيًا إعادة تشكيل

 

33


25

المقدِّمة

 المنطقة ثقافيًّا كوعاء قادر على تعزيز عناصر قوَّة المشروع الصهيونيّ، أي التغلُّب على

 

34


26

المقدِّمة

المقاومة والممانعة الثقافيَّة العربيَّة. وهذا يثبت الادّعاء الذي سقناه من أنَّ مشروع التطبيع هو في الحقيقة مشروع هيمنةٍ ليس إلَّا.

 

أمَّا تحقيق هذين الهدفين الإستراتيجيَّين فيقتضي:

1. شطب هويَّة المنطقة العربيَّة والإسلاميّة (التي تشمل حتى غير العرب وغير المسلمين الذين يعيشون فيها).

2. نسف ثقافة أبناء المنطقة وتفكيكها، من خلال وسائل الإعلام المعرَّبة ومنظَّمات التمويل الأجنبيّ.

بات التطبيع الثقافيّ والإعلاميّ حجر زاوية في الإستراتيجيَّة الصهيونيَّة، وبندًا رئيسيًّا دائمًا على رأس أجندة المفاوضين الصهاينة والوسطاء الغربيّين. لكن ذلك لا يجوز أن يُفهم أنَّهم يقصدون علاقات ثقافيّة طبيعيَّة أو متكافئة كما قد يوحي المصطلح، فلدى الصهاينة منطلقات ثقافيَّة وتكوينيَّة تمنعهم من التطبيع معنا حتى وهم يطالبوننا بالتطبيع معهم. المقصود بالتطبيع الثقافيّ هو فتح أبواب العقول والقلوب التي تحاصر القلعة الصهيونيَّة لكي تتمكَّن «إسرائيل» من اختراق محيطها ثقافيًّا ووجدانيًّا وتغيير مفاهيمه وقيمه؛ وقد أشار أمنون شاحاك، الرئيس السابق للاستخبارات العسكريَّة الصهيونيَّة، إلى أهداف كيانه المستقبليَّة حين قال: «ينبغي أن تسعى سياسة «إسرائيل» خلال السنوات القليلة المقبلة إلى ترسيخ مفهوم انتمائها إلى الواقع الشرق أوسطي»[1]. نحن نتحدَّث عن مشروع إلحاق، ليس فقط فيما يتعلَّق بحالة العداء المتأصِّلة تجاه العدوّ الصهيونيّ، بل إنَّ إزالة حالة

 


[1] سمير أحمد، م.س، ص55.

 

35


27

المقدِّمة

العداء نفسها تتطلَّب هدم وإعادة هدم كلّ شيء عربيّ حتَّى لا تبقى عروبة ولا تبقى أصالة أو نهضة، فقط محيطٌ من الخراب الثقافيّ الذي لا يمكن أن يشكِّل يومًا خطرًا على الكيان الصهيونيِّ، نحن نتحدَّث فعليًّا عن سرطان ثقافيّ لا يمكن أن يتعايش مع بيئته إلَّا ليفتك بها.

إنَّ جوهر التطبيع الثقافيّ هو إعادة تشكيل منظومة القيم والمفاهيم العربيَّة صهيونيًّا، وهو ما يتطلَّب ضرب فكرة المقاومة العسكريَّة والثقافيَّة من جهة، وفكرة العروبة والانتماء من جهة أخرى[1].

 


[1] إبراهيم علوش، م.س.

 

36


28

المقدِّمة

ثالثًا: تاريخيَّة التطبيع

ضمن إطار العمل المستمر لدعاة التطبيع من الصهاينة والأمريكيّين والعرب من أجل استحداث مؤسّسات وهيئات وجماعات وملتقيات تصبّ في المشروع التطبيعيّ، تكوّنت «مؤسّسة المبادرة من أجل السلام والتعاون في الشرق الأوسط» في أيلول 1991م. وتضمّ المؤسَّسة نخبة من الشخصيَّات الأمريكيّة والصهيونيَّة والعربيَّة، ويترأسها «جون ماركس» بصفته من الخبراء الأمريكيّيّن في شؤون المنطقة على مدى العقود الأربعة الماضية. يعمل في «مؤسّسة المبادرة» خمسة وعشرون شخصًا من الأمريكيّين والعرب والإسرائيليّين، وتُعدّ واحدة من المطابخ الرئيسة في طرح الأفكار والتصوّرات الممهّدة لتأسيس «نظام الشرق أوسطي» على أنقاض النظام العربيّ، يقوم اليهود فيها بدور القيادة وتتمحور حول مصالحهم واستراتيجيّتهم شبكة التفاعلات الإقليميّة الجديدة. برزت أخبار هذه «المؤسّسة» إثر خلوتهم السرّيَّة السادسة التي عُقِدت في مراكش بالمغرب (في الفترة من 18-22 آذار 1994م)، حيث اعترف المجتمعون أنَّ هدف اجتماعاتهم هو إعداد الجماهير العربيَّة لقبول «السلام» بشروطه الحاليَّة أي فرض هذا «السلام» طوعًا بإرادتها أو رغمًا عنها، عن طريق تزييف وعي الناس وإرادتهم المقاومة

 

38


29

المقدِّمة

للعدوان والاستيطان والعنصريّة الصهيونيَّة، ولتحقيق برنامجها قرّرت المجموعة القيام بإجراءات وتحرّكات واسعة، تتمثّل خطوطُها العامَّة بما يلي:‏

- ينبغي إحداث تحوّلات في التوجّه والإدراك في الشرق الأوسط إذا أرُيدَ للمنطقة الانتقال من ثقافة المواجهة والحرب إلى ثقافة السلام.‏

- يمكن للإعلام أن يلعب دورًا أساسيًّا في بناء السلام لتجاوز القيود الحكوميَّة والثقافيَّة السائدة، التي تضع عقبات مانعة أمام تقدُّم السلام.‏

عُقِد بعدها في أيلول عام 1994م، «خلوة أنقرة» التي قامت المؤسّسة الأمريكيّة الصهيونيَّة المعروفة بـ «مشروع البحث عن أرضَّية مشتركة» بتمويلها والإشراف عليها وتنظيم أعمالها وتجهيز أسماء المدعوِّين. استمَّرت أعمال «خلوة أنقرة» لثلاثة أيام تحت شعار «نحو ثقافة سلام في الشرق الأوسط»، وبدأت بتنفيذ برنامج العمل المستقبليّ، الذي أُقِرَّ في الاجتماع السادس في مراكش (آذار 1994م) مِن قبَل مجموعة العمل الأساسيَّة في إطار «المبادرة» من أجل السلام والتعاون في الشرق الأوسط. كما ساهم بدور واضح في «خلوة أنقرة»، «مركز تاتي ستينمتيز الإسرائيليّ لأبحاث السلام» في تل أبيب، الذي يترأسه «شمعون شامير» (كان مديرًا للمركز الأكاديميّ الإسرائيليّ بالقاهرة)، ومؤسّسة «وقف الأمل» التركيّة بأنقرة وجمعيَّة إعلام العالم بباريس، إضافةً إلى تسعة صحافيِّين عرب.

 

39


30

المقدِّمة

وقد أجمع المشاركون على ضرورة اتّخاذ الخطوات التالية:‏

- ينبغي على صحف المنطقة نشر مقالات وزوايا دائمة من دول أخرى، وقد قبل أكثر من صحافيّ عربيّ دعوة المساهمة في كتابة مقالات في الصحف «الإسرائيليّة».‏

- أن يتمّ ترجمة وتوزيع المقالات الرئيسة التي تصدر في الصحف الصهيونيَّة، التي لا يُسمح بدخولها إلى الدول العربيَّة من قِبَل المشاركين، كما يتمّ ترجمة وتوزيع المقالات الرئيسة، التي تصدر في الصحف الأخرى التي لا تتوافر (للصهاينة)، والهدف من ذلك هو رفع مستوى العلاقات وتقويتها بين الصحافيِّين العرب و(الصهاينة).‏

- ينبغي على الصحافيِّين المشاركين من دول مختلفة أن يكتبوا مقالات مشتركة من شأنها جعلهم يتبنون ذات الأفكار والمفاهيم، كما وافقت مراسلة صحيفة «الحياة» مشاركة صحافي (إسرائيليّ) في كتابة مقالات مشتركة.‏

- أعلن المشاركون عن تشكيل شبكة مهنيَّة لصحافة الشرق الأوسط، كما دعوا إلى ضرورة توسيعها والنشر عنها لضمّ أكبر عدد ممكن من الصحافيِّين العرب و(الصهاينة) وغيرهم، بالإضافة إلى تقديم إرشادات حول ماهيّة المقالات التي يريدون كتابتها[1].

 

مرّ التطبيع بمراحل عديدة أبرزها:

 


[1] عادل الراجحي، م.س، ص14.

 

40


31

المقدِّمة

المرحلة الأولى: قبل عام 1967م (اللقاءات السرّيَّة)

كانت بدايات مراحل التطبيع الأولى تتمثّل بقدرٍ من التواصل

السياسيّ الذي يتحّرك عبر الاتّصالات السرّيَّة بين بعض الدول العربيَّة والكيان الصهيونيّ، كالاتّصالات التي كانت قائمة بين المغرب والكيان الصهيونيّ وبينه والأردن، وبعضها قبل حرب 1967م؛ وما كشفه كتاب (تواطؤ عبر الأردن)، يكفي في بيان المقصود ففيه توثيقٌ للعلاقات السرّيَّة التي كانت قائمة بين الكيان الصهيونيّ والأردن ومن ذلك التوقيع على مسودَّة الاتّفاق عام 1950م التي تضمن عدم الاعتداء بين الجانبين لمدَّة خمس سنوات وتشكيل لجان مشتركة بهدف التوصُّل إلى تسوية شاملة بين الطرفين، وقد برز هذا اللون من التطبيع منذ الاحتلال العسكريّ الصهيونيّ للضفَّة الغربيَّة وقطاع غزة في حزيران 1967م إثر توافق النظام العربيّ الرسميّ بعد اعتراف مصر بالقرار الدولي رقم 242- الكيان الصهيونيّ قد وُجد ليبقى، وما من سبيل لإزالته- لكنَّ هذا التوجّه بدا أكثر وضوحًا بعد عام 1974م عندما انضمَّت منظَّمة التحرير الفلسطينيّة إلى السرب العربيّ، واعترفت بالقرار المذكور. لم يكن خافيًا الترابط بين اعتراف المنظَّمة بالقرار الدوليّ وبين الاعتراف بها ممثِّلًا شرعيًّا ووحيدًا للشعب الفلسطينيّ في مؤتمر الرباط عام 1974م، بل بدأت مشاريع اتّصالاتٍ سريَّة مع الكيان الصهيونيّ من خلال ما عُرف بالاتّصالات مع «التقدميّين الإسرائيليّين»، أو «اليسار الإسرائيليّ»، وكان من أبرزها اللقاءات المتتابعة للملك حسين مع اليهود في عامي 1975 – 1976م حيث بلغت ستَّة لقاءات، وذلك لشعور الملك بخسارته لجزءٍ مما كان يملكه بعد الاعتراف 

 

41


32

المقدِّمة

بمنظَّمة التحرير الفلسطينيّة ولخوفه من اتّفاقٍ وشيكٍ بين مصر والكيان الصهيونيّ.

المرحلة الثانية: مرحلة توقيع معاهدة كامب ديفيد وتداعياتها عام 1979م (كسر الحاجز النفسيّ)

زار السادات فلسطين المحتلَّة عام 1977م، والتقى بقادة اليهود

حيث ألقى خطابًا في الكنيست «الإسرائيليّ»، ثم تسارعت المفاوضات حتَّى تمخَّضت عن توقيع معاهدة كامب ديفيد برعاية أمريكيَّة وذلك عام 1979م، وتمَّ عزل مصر عن بقيَّة الدول العربيَّة بهذه المعاهدة المنفردة.

 

المرحلة الثالثة: مرحلة أوسلو عام 1993 م...(الهرولة السريعة)

جاءت مرحلة مدريد بعد حرب الخليج الثانية ثم أوسلو لتطلق حصان التطبيع العربيّ الصهيونيّ من عقاله بخاصَّة مع الطرف المباشر وهم الفلسطينيّون؛ فما هي سوى عشرة أشهر، وتحديدًا في شهر تموز 1994م، حتّى وقَّع الأردن اتّفاقيَّة (وادي عربة)، وما أن حدث ذلك حتى انطلق مسلسل سريع من الهرولة العربيَّة صوب تل أبيب؛ من موريتانيا إلى المغرب صاحب العلاقات التاريخيَّة مع تل أبيب، إلى تونس وبقيَّة الدول العربيَّة.

 

المرحلة الرابعة: مرحلة ما بعد مؤتمر الإسكندريَّة عام 1995م (التهدئة التكتيكيَّة)

 

42


33

المقدِّمة

أدركت الدول العربيَّة المحوريَّة، وعلى رأسها السعوديَّة ومصر وسوريا أنَّ موجة الهرولة العربيَّة صوب تل أبيب تؤذِّن بإنجاح مشروع «شيمون بيريز» الشرق أوسطي القائم على فكرة التمدُّد السياسيّ والاقتصاديّ الصهيونيّ في المنطقة من خلال السوق الشرق أوسطيَّة بلا ثمن، وأنَّ الكيان الصهيونيّ يتجاهل النوايا العربيَّة في التطبيع بالحدّ الأدنى من الحقوق؛ في هذه الأجواء جاء مؤتمر القمَّة الذي عُقِد في الإسكندريَّة مطلع عام 1995م لتهدِئة الهرولة تجاه الكيان الصهيونيّ، وبدأت موجة من الضغوط التكتيكيَّة على الدول العربيَّة المُطبِّعة أوالمتَّجهة نحو التطبيع

كي تَلجُم جماح التطبيع، وهو ما استجابت إليه معظم الدول في واقع الحال؛ أمّا في ما يتعلّق بسير المفاوضات، فقد كانت استراتيجيَّة الدول العربيَّة تقول: إنَّ مسيرة التطبيع يجب أن تتزامن مع سير المفاوضات، فمن دون الوصول إلى تسوية حقيقيَّة لا يمكن الحديث عن تطبيع مع الكيان الصهيونيّ. كما جاءت مسيرة المفاوضات الأوَّليَّة من خلال جملة الاتّفاقات التي تلت (أوسلو) لتؤكّد أنَّ نوايا الكيان الصهيونيّ بالتسوية بعيدة جدًا، وهو ما تأكَّد بعد ذلك في قمَّة كامب ديفيد صيف عام 2000م، وهي القمة التي أكَّدت صعوبة التسوية مع مطالب الصهيونيَّة التي لا يقبل بها أحد في الساحة الفلسطينيّة والعربيَّة.

 

المرحلة الخامسة: مرحلة تصاعد انتفاضة الأقصى واشتداد المقاومة المسلحة (تكافؤ القوى)

جاءت انتفاضة الأقصى بعد ثلاثة أشهر من قمَّة كامب ديفيد، ثمَّ تصاعدت واستمرَّت مع تصاعد المقاومة المسلَّحة 

 

43


34

المقدِّمة

لتحصر جهود التطبيع التي بُذِلت طَوَال سبع أو تسع سنوات في زمنٍ قياسيّ وفي أضيق نطاق. بعدها بدأت مرحلة جديدة في الخطاب الرسميّ العربيّ حيال الكيان الصهيونيّ تقوم على هذه الرؤية للتطبيع، حتَّى إنّ مصر والأردن المرتبطتين باتّفاقيات سلام مع الكيان الصهيونيّ وتجمعهما علاقات دبلوماسيَّة معها، قد اضطرتا إلى سحب سفيريهما من تل أبيب تحت وطأة الضغوط الشعبيّة والرسميّة والتكتيك السياسيّ.

 

المرحلة السادسة: مرحلة ما بعد عرفات واحتلال أمريكا للعراق (الهرولة الجماعيَّة)

يمكن التأريخ لهذه المرحلة بوفاة الرئيس الفلسطينيّ ياسر عرفات

 

44


35

المقدِّمة

نهاية عام 2004م، وتعيين محمود عباس خلفًا له؛ محمود المعروف بمناهضته لبرنامج المقاومة الذي تبنَّته حركة حماس والجهاد وفصائل فلسطينيَّة أخرى. كما يمكن التأريخ لها باحتلال العراق، على اعتبار أنَّ ذلك الحدث هو الذي مهّد لمرحلة الرعب بالنسبة للنظام العربيّ الرسميّ الذي شكّل وقوفه خلف (محمود عباس) سببًا أساسيًّا في إنهاء مرحلة انتفاضة الأقصى، وإعلان التعامل مع التسوية بلغة جماعيَّة جديدة، أمَّا كيف كانت طبيعة المسارعة العربيَّة للتطبيع مع الكيان الصهيونيّ:

1ـ البحرين:

بدأت موجة التطبيع في البحرين بوضوح عام 1994 حين استقبلت البحرين وزير البيئة الإسرائيليّ «يوسي ساريد»، كما التقى ولي عهد البحرين «سلمان بن حمد آل خليفة» في مؤتمر (دافوس) العالمي عام 2000 بوزير التعاون الإقليميّ الصهيونيّ آنذاك «شمعون بيريز»، ثم تكرّر اللقاء «بيريز» عام 2006، على هامش اجتماعات مبادرة كلينتون العالميَّة، ولم يتردَّد وزير خارجيَّة البحرين، خالد بن أحمد آل خليفة، في التعزية بوفاة بيريز،  فكتب في تغريدة نشرها باللغة الإنجليزيَّة على (تويتر) يخاطب بيريز: «أرقد بسلام أيَّها الرئيس شمعون بيريز، رجل حرب ورجل سلامٍ لا يزال بعيد المنال في الشرق الأوسط».

وأعلنت البحرين عن رفع الحظر عن البضائع «الإسرائيليّة» عام 2005، واستقبلت بعد عامين من هذا الإعلان المدير العام السابق في وزارة الخارجيّة الصهيونيَّة «رون بروساور» مبعوثًا من وزيرة خارجيّة إسرائيل 

 

45


36

المقدِّمة

السابقة «تسيبي ليفني»، ليطالب وزير الخارجيَّة البحرينيّ «خالد آل خليفة» عام 2008 بتأسيس تجمّع شرق أوسطيّ يضمّ إسرائيل. كما

أمرت البحرين المساجد بوقف الخطب المناهضة لإسرائيل، فأضحت تتوجَّه بشكلٍ متزايدٍ إلى الكيان الصهيونيّ من خلال الكراهيَّة المشتركة تجاه إيران بين الدولتين، فحسب تقرير موقع «ميدل إيست آي» فإنَّ: «إسرائيل تسير على طريق تطبيع العلاقات الدبلوماسيَّة مع مملكة البحرين في الوقت الذي تقترب فيه الدولتان من عدائهما المشترك لإيران»[1].

كما زار وفدٌ بحرينيٌّ مؤلّفٌ من 24 شخصًا، من ناشطي جمعيَّة «هذه هي البحرين»، فلسطين المحتلّة لمدَّة 4 أيام. ووَصَفت وسائل الإعلام الإسرائيليّة هذه الزيارة بالتاريخيَّة، لأنَّها جاءت بشكل علنيّ، وقالت قناة «أي 24» الصهيونيَّة إنَّ الوفدَ يضم مجموعة من الشخصيَّات التي تمثّل مختلف الأديان والطوائف من البحرين، في حين قالت «القناة الثانية» الصهيونيَّة إنَّه «وبالرغم من أنَّ وزارة الخارجيَّة البحرينَّية أصدرت بيان شجبٍ لإعلان ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونيته نقل السفارة الأمريكيّة إليها، فإن ذلك لم يمنع البحرين من إرسال وفد إلى القدس»[2].

 

2ـ السعوديَّة

 


[1] البحرين الأكثر سرعة في المارثون الخليجي للتطبيع مع إسرائيل، ساسة بوست، 28/9/2017.

[2] م. ن.

 

46


37

المقدِّمة

أجرى معهد السياسات الاستراتيجيّة الصهيونيَّة التابع لمركز هرتسيليا استطلاعًا داخل السعوديَّة حول القلق من تهديدات إيران وداعش و«إسرائيل»، فتبيَّن أنَّ الغالبيَّة العظمى من السعودَّيين تُعرب عن دعمها لما يسمى مبادرة «السلام» السعوديَّة مع الكيان الصهيونيّ. ووُفق الاستطلاع فإنّ «53% من السعودیَّین یرون في إیران عدوَّهم الأساس، فیما أعرب 22% من المشارکین فی الاستطلاع أنَّ عدوَّهم الأساس هو «داعش»، بینما قال 18% فقط من المشارکین في الاستطلاع إنَّ «إسرائیل» هي عدوَّهم الأساس». وأعرب 85% من المشارکین في الاستطلاع عن دعمهم لمبادرة التسویة العربیَّة التي تقدَّمت بها السعودیَّة والتي تدعو إلى إجراء تطبیع و«سلام» مع «إسرائیل» مقابل انسحاب «إسرائیلي» کامل حتَّى حدود الرابع من حزیران [1]1967.

كشفت الوثائق التاريخيَّة عن اللقاءات السرّيَّة بين السعوديَّة والكيان الصهيونيّ، وكانت أولى تلك الخطوات ما قدَّمه النظام السعوديّ في مؤتمر العقير عام 1922 عندما كتب تعهّدًا كتابيًّا إلى السير بيرسي زكريا كوكس، المندوب السامي البريطانيّ، يقرُّ فيه بأنَّه لا يُمانع من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود أو غيرهم، كما تراه بريطانيا التي لا يخرج عن رأيها حتى تصبح الساعة.

وحدث أوَّل لقاء صهيونيّ- سعوديّ عام 1939 في لندن، ووفد يهوديّ كان يحضرُ مؤتمرًا حول القضيَّة الفلسطينيّة.

 


[1] صحيفة الوفاق (الإيرانية)، 14 حزيران 2015.

 

47


38

المقدِّمة

لكن هذه المعلومات ظلَّت بلا راعٍ رسميٍّ إلى أن رفعت واشنطن صفة السرّيَّة عن عددٍ كبيرٍ من وثائقها إحداها واحدة بعنوان (الملفات السرّيَّة بين واشنطن وإسرائيل ودول الخليج).

ثم توالت الاتّصالات السرّيَّة بين الجانبين، كما أشارت وسائل إعلام غربيَّة وصهيونيَّة إلى العديد من المظاهر التي تعكس تطوُّر العلاقات السرّيَّة بين السعوديَّة والكيان الصهيونيّ منها: التنسيق السياسيّ

 

48


39

المقدِّمة

والتعاون الأمنّي، وتبادل الزيارات بين المستويات التنفيذيَّة في الجانبين. وأشار الإعلام الصهيونيّ والغربي، إلى قيام «مئي ردغان» الرئيس الأسبق للاستخبارات الإسرائيليّة الموساد، وسلفه «تامير باردو»، بزيارة الرياض وعقد لقاءات مع المسؤولين السعوديّين، في حين تمَّ الكشف عن زيارة قام بها الأمير بندر بن سلطان، رئيس المخابرات السعوديّ الأسبق عام 2006 إلى تل أبيب، وعقده لقاء مع رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت.

إلى جانب ذلك، لم يتردّد مسؤولون وأمراء سعوديُّون في التورّط بأنشطة تطبيعيَّة علنيَّة مع إسرائيل. كما التقى مدير المخابرات السعوديّ الأسبق تركي الفيصل، مرَّاتٍ عِدَّة، بوزيرة الخارجيَّة السابقة تسيفي ليفني، وشارك في برامج ومناظرات إعلاميَّة مع مستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو الجنرال يعكوف عامي درور، ورئيس شعبة الاستخبارات الإسرائيليّ الأسبق عاموس يادلين.

وبلغت الأنشطة التطبيعيّة للنخب السعوديَّة مرحلة متقدّمة في الزيارة التي قام بها وفدٌ يضمُّ نخبًا سعوديَّة برئاسة اللواء المتقاعد أنور عشقي للكيان الصهيونيّ، حيث التقى بعددٍ من المسؤولين السياسيّين والعسكرييِّن في تل أبيب.

في هذا السياق نقلت صحيفة «التايمز» البريطانيَّة عن مصادر سعوديَّة أنَّ «وفدًا سعوديًّا قاده لواء متقاعد أجرى زيارةً إلى إسرائيل عام 2016»، وأضافت أنّ «القادة الإسرائيليّين الكبار مُتحمِّسون لتوسيع هذا التحالف». وأشارت التايمز إلى أنَّ الخوف من إيران يدفع دول الخليج 

 

49


40

المقدِّمة

إلى بناء علاقات مع إسرائيل، وربطت الصحيفة بين ما حدث مؤخرًا بين 

 

50


41

المقدِّمة

الخليج وقطر، والتقارب بين السعوديَّة والكيان الصهيونيّ[1].

في تشرين الثاني 2017 استيقظ العالم العربيّ والإسلاميّ على وقع فضيحة من العيار الثقيل، عندما أشعلت الصورة التي نشرها الصحافيّ والمدوِّن الإسرائيليّ «بن تزيون» على جميع منصَّات التواصل الاجتماعيّ، وتساءل مغرِّدون عن مدى مصداقيَّة الصور، والمغزى من نشرها في هذا الوقت.

كان تزيون قد نشر مجموعة صور منها ما هو من داخل الحرم النبويّ الشريف، وأخرى مع سيِّدات منقَّبات في المملكة وأُخريات غير منقّبات، ثم حذفها عن حسابه في وقتٍ لاحقٍ، أو تعرَّض للقرصنة. كما انتشرت صورة تحت وسم (صهيونيّ في الحرم النبويّ)، هذا الوسم تصدَّر قائمة التغريد عربيًّا، وقد تساءل مغرِّدون حول كيفيَّة دخوله إلى المملكة ووصوله إلى الحرم النبويّ ثمَّ قيامه بتصوير فيديو والتجول في مناطق أخرى حتَّى وصل إلى الجامعة وتصوَّر مع فتيات هناك؟

أخذ التطبيع السعوديّ الإسرائيليّ طابعًا جديدًا عندما سمحت الرياض للخطوط الهنديَّة باستخدام أجوائها للعبور من وإلى الكيان؛ في خطوة عدَّها بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيونيّ اختراقًا كبيرًا يبشِّر بقرب تسيير خطوط طيران مباشرة بين المطارات السعوديَّة والصهيونيَّة[2].

 


[1] التطبيع السعودي - الإسرائيلي من التعهدات في مؤتمر «العقير» إلى التنازلات، اخبار عربية، 4/4/2018.

[2] م. ن.

 

51


42

المقدِّمة

وكشف وزير المواصلات والاستخبارات الصهيونيّ عن مخطَّط لإنشاء خطَّة سكَّة حديديَّة تربط بين «إسرائيل» والسعوديَّة مرورًا بالأردن ودول الخليج، تحت إسم «مشروع سِكَّة السلام الإقليميّ»، في خطوة قد تبدو متوقَّعة لعمليَّة تطبيع متسارعة بين دولة الاحتلال ومحيطها العربيّ، والذي يشمل الرياض.

وستنطلق السكة من مدينة حيفا إلى بيسان (داخل الأراضي الفلسطينيّة المحتلة عام 48)، لتمر عبر جسر الشيخ حسين الذي يربط بالأردن، ومن هناك إلى مدينة إربد شمالًا، ومن ثمَّ إلى دول الخليج العربيّ والسعوديَّة.

من جهة أُخرى تنشط حملات على مواقع التواصل الاجتماعيّ تسيء إلى الفلسطينيِّين وتدعو للتخلّص من قضيَّتهم، وقد تصل إلى درجة التسليم بحقّ الصهاينة في فلسطين. هذه الحملات ينشط فيها سعوديُّون، عُرفوا أخيرًا باللجان الإلكترونيَّة أو «الذباب الإلكتروني»؛ يقودها -حسب ما يقال- مستشارًا في الديوان الملكي السعوديّ، بيد أن الأمر لا يقتصر على تلك اللجان، بل تساندها شخصيَّات معروفة، سواء في المواقع ذاتها أو في الصحافة الورقيَّة أو في الفضائيَّات التلفزيونيَّة. من المحال أن تكون هذه الحملات خارج الإرادة الرسميَّة، وهذه الحقيقة تحيل إلى سلوك دفن الرأس في الرمال الذي تمارسه بعض الشخصيَّات السعوديَّة الناشطة في المواقع إيَّاها؛ التي تنفي وجود أيّ توجّه رسميّ تطبيعيّ لحكومتها مع الكيان الصهيونيّ، وتنسب هذه 

 

53


43

المقدِّمة

الاتّهامات لقطر ومن يدور في فلكها، وهي بالتأكيد لن يفوتها التذكير بالسلوك التطبيعيّ الذي مارسته قطر[1].

 

 


[1] ساري عرابي، التطبيع السعودي الاسرائيلي... قطر ومثقفون سعوديون، 28 تشرين الثاني 2017.

 

54


44

المقدِّمة

وقد نشر موقع ويكيليكس مراسلات للخارجيَّة السعوديَّة ممهورة بعبارة «سرّي للغاية»، تكشف حقائق جديدة عن تطبيع المملكة العربيَّة السعوديَّة مع الكيان الصهيونيّ. تكشف الوثائق المُسرّبة مراحل التقارُب بين السعوديَّة وإسرائيل، إذ بدأت بإلحاح سعوديّ على طرح مسألة التطبيع مع الكيان ومبادرة السلام السعوديَّة عام 2002 التي تبنّتها جامعة الدول العربيَّة في قمّة بيروت في العام نفسه.

أكّدت وثائق ويكيليكس أنَّ شخصيَّات سعوديَّة نافذة بدأت عام 2006 بالحديث علانيَّة بأنَّ «إسرائيل» لم تعد ضمن قائمة أعداء المملكة العربيَّة السعوديَّة بل هي أقرب لحليف غير رسميّ، ليتطوّر الأمر إلى مبادرات سعوديّة للتقارُب مع إسرائيل عام 2008، وفعاليَّات التقارُب مستمرَّة منذ ذلك التاريخ وحتّى اليوم. تُظهر إحدى البرقيَّات المؤرّخة في27 نيسان 2005، والمُرسَلة من وكيل وزارة الخارجيَّة للشؤون الاقتصاديّة والثقافيَّة إلى وزير الخارجيَّة السعوديّ، حجم التطبيع الذي وصلت إليه السعوديَّة مع الكيان. وكانت البرقيَّة المذكورة بشأن تلقّي وزارته برقيَّة من رئيس ديوان مجلس الوزراء السعوديّ لإستبيان الموقف القانونيّ والدبلوماسيّ بشأن تعامل المملكة مع شركات أجنبيَّة وثيقة الصلة بحكومة «إسرائيل». وبحسب البرقيَّة فإنَّ وكيل وزارة الخارجيَّة السعوديَّة أشار إلى قرار مجلس الوزراء السعوديّ رقم (5) المؤرّخ بـ13 حزيران عام 1995 الخاص بوقف مقاطعة «إسرائيل» من الدرجتين الثانية والثالثة. وأشار موقع «ويكيليكس» إلى أنَّ هذه البرقيَّة كشفت أنَّ السلطات السعوديَّة قد سمحت للشركات التي لها علاقة بـ «إسرائيل» 

 

55


45

المقدِّمة

بالعمل داخل المملكة في مختلف المجالات، وأنَّ المراجعة تتم فقط في حالات خاصَّة متعلّقة بأمن المعلومات، وذلك منذ منتصف التسعينات.

 

أمَّا في مجال الرصد والتحليل الأكاديميّ، وبالعودة قليلًا إلى التاريخ وبعيدًا عن وثائق ويكيليكس، نجد إنَّ حرب الخليج عام 1991 قد شكّلت منعطفًا هامًا بالنسبة لصناعات «إسرائيل» العسكريَّة فقد مكّنتها من بيع الأسلحة الإسرائيليّة على نطاق واسع للعرب؛ فمثلًا اشترت السعوديَّة منصّات إطلاق صواريخ توماهوك، وقذائف مُضادّة للدروع، وطائرات استطلاع من دون طيّار، وأجهزة ملاحة، فضلًا عن 14 جسرًا عسكريًا صنّعتها شركة تاس الصهيونيَّة[1].

يقول ألكسندر بلاي في (جيروزاليم كوارتلي) عن عمليَّات التبادل التجاري: «إنَّ النفط يغادر الموانئ السعوديَّة وما أن يصل إلى عرض البحر حتّى يتمّ تغيير مسار القافلة وتفريغ حمولتها في عرض البحر، وتزييف أوراقها وتحويل الحمولة إلى الموانئ الإسرائيليّة، يتم هذا منذ التسعينات ولايزال مستمرًا وسرّيًّا حتى اليوم»[2].

وتتحدّث مجلة الإيكونوميست البريطانيَّة: «إنَّ إسرائيل تقوم بحماية النفط السعودي الذيّ يُضَخّ من (ميناء ينبع) على

 


[1] موقع السرائر، لمسكوت عنه في التطبيع بين السعودية و«إسرائيل»، د. رفعت سيّد أحمد، 16-9-2017.

[2] الميادين، المسكوت عنه في التطبيع بين السعودية وإسرائيل!، نشر بتاريخ 31/8/2017.

 

56


46

المقدِّمة

البحر الأحمر، وعملًا باتّفاق سرّي بين إسرائيل والسعوديّة ومصر فإنّ إسرائيل تقوم بحماية القطاع الشماليّ من البحر الأحمر بينما تقوم مصر بحماية القطاع الجنوبيّ والغربيّ مقابل حصولهم على مساعدات ماليّة سعوديّة»[1].

 

 


[1] م.ن.

 

57


47

المقدِّمة

ولا يقتصر الأمر على علاقات سرّيَّة بهذا الاتّساع والعُمق في تجارة السلاح والنفط بل تتجاوزها إلى مجالات أخرى متعدّدة تعود إلى حقبة التسعينات من القرن الماضي، منها قيام الشركات والحكومة السعوديَّة باستيراد أجهزة كمبيوتر «إسرائيليّة» ماركة (ياردين) لريّ حدائق الأمراء والحدائق العامّة (يديعوت أحرونوت 16/12/1993)، ومنها عقد اتفاقيَّات رسميَّة لتصدير الحمضيَّات من الكيان (برتقال-ليمون) عبر الأردن (معاريف 4/1/1995)، بينما تذكر صحيفة معاريف في 29/10/1993 أنَّ شركة سعوديَّة اتّصلت بمكتب المجلس المحليّ لمستوطنة (كرنى شمرون) وأبدت عن استعدادها لشراء شقق سكنيَّة في المستوطنة، ليس هذا فقط بل إنَّ المفاوضات التي جرت مع دولة قطر لتزويد الكيان بالغاز الطبيعيّ قد خلقت تنافسًا بين رجال الأعمال العرب، فقد أبدى رجال الأعمال السعوديِّين، الذين يقومون بزيارة الكيان الصهيونيّ بشكل مستمر، اهتمامًا بعقد صفقات نفط وبيع الغاز الطبيعيّ (دافار 1/2/94)[1].

وتتعدّد المعلومات وتتوالى، عن تاريخ وأسرار العلاقات السرّيَّة الصهيونيَّة السعوديَّة، فتذكر مجلة الفجر التي كانت تصدر في القدس في 14/5/1992، أنَّ رئيس بلديَّة القدس (تيدي كوليك) اجتمع مع الشيخ إسحق إدريس -مستشار الرابطة الإسلاميّة العليا في الرياض- الذي وصل على متن طائرة شركة العال الإسرائيليّة قادمًا من القاهرة؛ هذه هي أوَّل زيارة تقوم بها شخصيَّة دينيَّة إسلاميَّة على هذا المستوى، وقد سلّم كوليك للشيخ إدريس تمثالًا من النحاس

 


[1] الميادين، م.س.

 

58


48

المقدِّمة

لقبّة الصخرة وعبّر له الشيخ إدريس عن رغبته في الحصول على صورة تشتمل على ما أسماه هو بـ «حائط المبكى»! [1].

إنَّ ما تقدَّم هو غيضٌ من فيض عمليَّات التطبيع بين السعوديَّة والكيان الصهيونيّ، ولعلّ ما وصلت إليه العلاقة في إدارة محمد بن سلمان خير دليل على أنَّ عمليَّة التطبيع آخذة في التصاعد من كافَّة النواحي والاتّجاهات. وقد ساهم محمد بن سلمان في نقل العمليَّة من السرّ إلى العلن محاولًا بذلك رسم مسار جديد للتطبيع العربيّ الصهيونيّ. وللدلالة على ما يحمله بن سلمان من اتّجاهات تطبيعيَّة يكفي الإشارة إلى بعض تصريحاته العلنيَّة: «أعتقد عمومًا أنّ كلّ شعب، في أيّ مكان، له الحق في العيش في بلده مسالمًا. أعتقد أنَّ الفلسطينيّين والإسرائيليّين لهم الحق في امتلاك أرضهم الخاصَّة. لكن يجب أن يكون لدينا اتّفاق سلامٍ عادلٍ ومُنصفٍ لضمانِ الاستقرار للجميع ولإقامة علاقات طبيعيَّة بين الشعوب.

تُشكل (إسرائيل) اقتصادًا كبيرًا متنامٍ مقارنة بحجمها ، ولعل هناك الكثير من المصالح الاقتصاديّة المحتملة التي قد نتشاركها مع إسرائيل، متى ما كان هناك سلام مُنصف، فحينها سيكون هناك الكثير من المصالح بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجيّ ودول كمصر والأردن»[2].

 

3ـ المغرب

 

 


[1] م.ن.

[2] حوار ذي اتلانتيك مع محمد بن سلمان بتاريخ 3/4/2018.

 

59


49

المقدِّمة

نشطت محاولات إحياء التطبيع الثقافيّ والأكاديميّ مع الكيان الصهيونيّ في المغرب، وثار جدالٌ واسعٌ حول موقف الحركة الأمازيغيَّة من التنسيق الذي يجري بين الكيان الصهيونيّ، وبين بعض مكوِّنات هذه الحركة التي لا ترى أيَّ حرجٍ في تبادل الزيارات، وتعتبر أنَّ الأمازيغ غير

 

60


50

المقدِّمة

معنيِّين بقضايا الصراع العربيّ الإسرائيليّ، وأنَّ هذا الأمر يخصُّ العرب، وأنَّ المغرب يجب أن ينأى بنفسه عن «التورُّط» في الصراع مع الدولة العبريَّة، لأنَّ هويَّته أمازيغيَّة، وليست عربيَّة!

بدأت القصَّة سنة 2009، عندما قام وفدٌ يضمُّ حوالي عشرين أستاذًا من مستوياتٍ وتخصُّصاتٍ متعدِّدة، بزيارة الدولة العبريَّة للمشاركة في حلقة دراسيَّة نظّمها معهد «ياد فاشيم الإسرائيليّ» حول «المحرقة اليهوديّة»، وذلك بالتنسيق مع «جمعيَّة الصداقة الأمازيغيَّة اليهوديّة»، التي تمَّ الإعلان عنها في أيار عام 2007، وعام 2018 قام وفدٌ مغربيٌّ يضمُّ خمسة إعلامييِّن بزيارة إلى الكيان، تلبيةً لدعوة وزارة خارجيّة الدولة العبريَّة، إلى جانب أربعة إعلاميِّين من لبنان واليمن وسوريا، في تخليدٍ لذكرى «الهولوكوست» وسط حضور كبار المسؤولين الإسرائيليّين.

يبرر بريس مادي وايزمان[1] دواعي الرهان على الحركة الأمازيغيَّة الحليفة لإسرائيل في أربع أسباب:

1. لأنَّها تحمل خطابًا مع الرصيد الحضاريّ التاريخيّ العربيّ الإسلاميّ.

2. لأنّها تتبنَّى خطابًا يرتهن إلى النموذج الحضاريّ الغربيّ ويتبنّى مفاهيمه الكونيّة، ويعتبر أنّ الأفضليّة للمواثيق الدوليَّة على التشريعات الوطنيَّة.

 


[1] اكاديمي امازيغي صاحب كتاب الهوية البربرية.

 

61


51

المقدِّمة

3. لأنَّ اهتمامها وأولويَّاتها للمشاكل الحقيقيَّة للمنطقة وليس قضيَّة الصراع العربيّ الإسرائيليّ، لأنَّها لا تدخل ضمن خانة المشاكل الحقيقيَّة الداخليَّة.

 

4. لأنّها تتبنَّى خطابًا لا يعادي إسرائيل ولا يناهضها، كما تبحث عن الجذور الثقافيَّة التاريخيَّة للحوار الأمازيغيّ الإسرائيليّ، وما يَنتج عن ذلك من مبادرات للاتصال والتطبيع مع إسرائيل[1].

في المقابل نشطت العديد من الجمعيَّات المغربيَّة الرافضة للتطبيع من أبرزها «خليَّة مناهضة مؤتمر المستقبل» التي ساهمت في إلغاء «مؤتمر الشرق الأوسط الكبير» الذي كان سيُعقد برعاية وزير الخارجيَّة الأميركي كولن باول، كما وقفت الخليَّة في مواجهة العمليَّة التطبيعيّة التي تقودها الحركة الأمازيغيَّة[2].

4ـ السودان:

دعا رئيس حزب الوسط الإسلاميّ في السودان يوسف الكودة[3]، حكومة بلاده للتطبيع مع إسرائيل من دون شروط، بحجَّة أنَّ الخرطوم «خسرت ماديًّا ومعنويًّا بانتهاك سيادتها بالقصف الجويّ المتكرر». وقال الكودة في محاضرة

 


[1] التطبيع مع اسرائيل باستعمال الورقة الامازيغية، بلال التليدي، نشرت بتاريخ 2/4/2018.

[2] لينا كنوش، المغرب ضد التطبيع مع إسرائيل، جريدة الأخبار، 10 آب 2018.

[3] رئيس حزب إسلامي سوداني يدعو للتطبيع مع إسرائيل، الخرطوم- وكالات، 7/2/2017.

 

62


52

المقدِّمة

بعنوان «العلاقة مع إسرائيل .. البعد الدينيّ»، نظَّمها مركز «طيبة برس» (غير حكوميّ)، بالتعاون مع «منتدى مراجعات النهضة والحوار»، قال: «إنَّ مقاطعة إسرائيل ارتَّدت إلى صدورنا، ولا مانع في إقامة علاقة مع أيّ جهة من الجهات طالما أنَّها لم تتدخَّل في شأنك الخاصّ».

وأضاف الكودة أنّه «لا مانع شرعًا من تغيير موقف المقاطعة ودراسة موقف الدخول في علاقة مع إسرائيل». وتابع: «يلاحظ المراقب أنَّ إسرائيل على استعداد لإيجاد علاقة، والآن الدول التي تقيم علاقات مع إسرائيل لديها مواقف أقوى، للمطالبة بالحقوق الفلسطينيّة».

وأوضح الكودة أنَّ «المقاطعة موقفٌ يراد منه الوصول إلى غاية، ولكنَّنا لم نصل إلى تلك الغاية، بل لم تتضرَّر إسرائيل وتضرَّرنا نحن، والأمر واضح، لذلك أقول لماذا لا نقترح إعادة النظر في ذلك الموقف واستبداله بآخر، ما الذي يمنع؟» .وأضاف: «هل حدَّثتنا السيرة النبويَّة عن القتال فقط؟ السيرة حدَّثتنا عن المداركة، والموادعة والمهادنة والمعاهدة، وأمّا نحن لا نعرف غير القتال والجهاد، لماذا؟» .

 

63

 

 


53

المقدِّمة

رابعًا: استراتيجيَّات التطبيع الثقافيّ مع العدوّ الصهيونيّ

يعتمد التطبيع الثقافيّ على مجموعة من الاستراتيجيَّات التي تساهم في بلورة الاتّجاه نحو التطبيع مع العدوّ ومن أبرز هذه الاستراتيجيَّات:

1. الاهتمام بعيِّنة من الكُتّاب والصحافيِّين والأكاديميِّين وفتح المنابر لهم، وتوفير فرص تدفعهم إلى مناصب سياسيَّة واجتماعيَّة متقدِّمة، حتّى وإن كانت مؤهّلاتهم الحقيقيَّة متواضعة وضعيفة، أو من خلال جمعيَّات أهليَّة عربيَّة تدعم مشروع التسوية، وتدفع باتّجاه التطبيع كجمعيَّة بذور السلام غير الحكوميَّة التي تأسَّست عام 1993م، إثر اتّفاق أوسلو بين الفلسطينيّين والكيان الصهيونيّ.

2. إيجاد أنصار للتطبيع مع دعمهم وإبرازهم من خلال المنظَّمات المموَّلة أمريكيًّا وأوروبيًّا تحت لافتات متعدِّدة ومتنوِّعة، مثل منظَّمات الدفاع عن حقوق المرأة ومنظَّمات الدفاع عن حقوق الإنسان، داخل المجتمع العربيّ ليقوموا بالأدوار الآتية:

أ. الطعن في الإسلام وادّعاء عدم صلاحيَّة الشريعة للتطبيق، وضرورة علمنة المجتمعات العربيَّة والإسلاميّة وتبديل أحكام الشريعة ومحاصرة دعاة الإسلام واتّهامهم بالتطرّف والإرهاب والظلاميَّة، إلخ.

 

65


54

المقدِّمة

ب. القول إنَّ النصّ القرآنيّ يجوز التعامل معه على أنَّه نصّ تاريخيّ، أو الهجوم على كلّ تفسير صحيح للإسلام وبشكل خاصّ الآيات القرآنيَّة التي تتعلَّق بالجهاد.

ج. الدعوة إلى كل ما يثير الاضطراب داخل المجتمعات الإسلاميّة والعربيَّة بإثارة المسائل العرقيَّة والطائفيَّة والأقليَّات، وإبراز الحضارات السابقة للإسلام كالفرعونيَّة والفينيقيَّة.

3. الترويج لما يُسمَّى بثقافة السلام الذي وجد طريقه إلى العديد من الكتابات والأفكار التي طُرحت في العديد من المؤتمرات والملتقيات الدوليَّة والعربيَّة العامَّة، وكذلك في الندوات والحوارات عبر القنوات الفضائيَّة التي تدعو إلى نسيان التاريخ- تاريخ الصراع العربيّ الصهيونيّ- وإلغاء ذاكرة الأُمَّة.

4. مُمَارسة الضغوط على الدُول التي لا تتجاوب مع التطبيع بالسرعة المطلوبة، فقد حثَّ أعضاء الكونغرس الأمريكيّ- إدارة الرئيس جورج بوش- على رفض التوقيع على اتّفاق يسمح للسعوديَّة بالانضمام إلى منظَّمة التجارة العالميَّة حتَّى تنسحب من المقاطعة العربيَّة لـ«إسرائيل».

5. تشويه صورة الجهاد والمجاهدين المقاومين للاحتلال، في نفوس الشعوب المسلمة، والسعي لإيقاف الدعم عنهم ونعتهم بالإرهاب.

 

66


55

المقدِّمة

6. استخدام طوائف من عرب أراضي ثمانية وأربعين الذين هم داخل الخط الأخضر للترويج للتطبيع، كما هي خطَّة (عزمي بشارة) التي عرضها على الكنيست الصهيونيّ وقدَّمها بصفة مشروع لدولة المواطنين حيث يدعو فيها إلى المساواة بين الفلسطينيّين والصهاينة؛ هذا لا يعني سوى إضفاء شرعيَّة نهائيَّة على اغتصاب فلسطين بشرط الاعتراف بحقوق الفلسطينيّين في المواطنة[1].

 

خامسًا: مظاهر التطبيع الثقافيّ

يتبيَّن، من تاريخ الصراع بين العالم العربيّ والكيان الصهيونيّ وكذلك محاولات الدول الغربيَّة وعلى رأسها أمريكا في التقريب والتطبيع بينهما، أنَّ الخطوات العمليَّة للتطبيع باتت مقبولة وموضوعيَّة لدى البعض؛ فقد بدأت منذ مراحل طويلة تحت مسمّياتٍ عديدة، إلَّا أنَّ ما يجري يُمهِّد في الواقع إلى قبول الآخر الصهيونيّ وعدِّه طبيعيًّا في قلب العالم الإسلاميّ. من هنا سنحاول الإشارة إلى بعض مظاهر التطبيع الثقافيّ التي غزت المجتمع العربيّ:

1. ترجمة الكتب

تُعدُّ ترجمة الكتب العبريَّة إلى العربيَّة -بالأخصّ الكتب التي دوَّنها قادة الكيان الصهيونيّ- واحدة من أبرز معالم التطبيع الثقافيّ رغم كلِّ المبرّرات الثقافيَّة التي قدَّمها الأشخاص أو المؤسَّسات الفاعلة على المستوى الثقافيّ والفكريّ. كما برزت جدليَّات عديدة تتعرَّض لإشكاليَّة الترجمة مِن العبريَّة

 


[1] عادل الراجحي، م.س.، ص12.

 

67


56

المقدِّمة

وإليها، منذ توقيع معاهدة «كامب ديفيد» مع العدوّ الصهيونيّ، وهي إشكاليَّة تمسّ المشهد الثقافيّ العربيّ برمَّته. وقد انجرَّ مثقَّفون وكُتَّاب وأُدباء عرب، من أقطار عربيَّة متعدِّدة، إلى السجال الدائر حول هذه القضيَّة التي تُخفي في طيَّاتها العديد من المعاني.

 

68


57

المقدِّمة

وفي كلِّ مرَّةٍ، كانت تعود فيها قضيَّة الترجمة -من وإلى العبريَّة- إلى السطح كان يثور السجال مجدّدًا حول إذا ما كانت تطبيعًا أم معرفةً ضروريَّةً «للآخر»! وقد ذهب بعضهم إلى اتّهام العرب بالجهل لأنَّهم يرفضون معرفة «إسرائيل»، في الوقت الذي يقوم فيه «الإسرائيليّون» بترجمة الأدب العربيّ المعاصر منهجيًّا منذ عقود، من نجيب محفوظ إلى توفيق الحكيم إلى محمود درويش إلى صنع الله إبراهيم إلى عبد الرحمن منيف وغيرهم كثر، ناهيك عن الترجمات السياسيّة والفكريَّة.

ولكن لماذا يتجاهل «محبُّو المعرفة» ممَّن يروِّجون لترجمة الأدب «الإسرائيليّ» أنَّ مثل تلك الترجمات هي مشروع مؤسَّسيّ مُنظَّم للدولة الصهيونيَّة نفسها التي أسَّست لهذا الغرض عام 1962 «معهد ترجمة الأدب العبريّ» الذي يقول في موقعه على الإنترنت إنَّه يُقدِّم «الدعم المالي لدور النشر التي تتولَّى ترجمة الأعمال الأدبيّة الإسرائيليّة الحديثة بصورة مستقلَّة»، و«للمجلات التي تُخصِّص أعدادًا خاصَّة للأدب العبريّ الحديث، وللناشرين الذين ينشرون مقتطفاتٍ منه» بالاتفاق مع المعهد طبعًا. كما تولَّى المعهد، على مرّ السنين، نشر وتعميم مئات الأعمال الأدبيّة «الإسرائيليّة» حول العالم، وصدرت عنه آلاف العناوين بلغاتٍ عِدَّة؛ كما أنَّه يُرتِّب زياراتٍ لكُتَّاب وصحافيِّين وناشرين أجانب للتعرُّف على نظرائهم «الإسرائيليّين».

ثمَّة أموال تُضَخُّ، وجهودٌ تُبذل، واتّصالاتٌ تُجرى، وخُطَطٌ توضَع، من أجل إقناع العالم بوجود دولة طبيعيَّة إسمها «إسرائيل» تُنتج أدبًا وفكرًا وحضارةً، وهو مشروعُ تطبيعٍ 

 

69


58

المقدِّمة

ثقافيٍّ على مستوًى عالميٍّ تُحرِّكه عُقدة نقصٍ متجذِّرةِ في حداثةِ سنّ تلك الدولة المفتعلة التي تعرِف في قرارة 

 

70


59

المقدِّمة

نفسِها أنَّها كِذبةٌ بلا تاريخٍ ولا حضارةٍ، فهي التي تتلوَّى لكي نعترف بها ثقافيًّا، وليس العكس. أمَّا إقناع المواطن العربيّ بوجود دولة طبيعيَّة إسمها «إسرائيل» تُنتج ثقافةً وأدبًا ولا بدَّ من التواصل معها وتقديرها، لا يمكن إلّا أن يكون مشروعًا تطبيعيًّا من الدرجة الأولى، أو مشروعًا لإدخال الكاتب «الإسرائيليّ» في النسيج الثقافيّ والروائيّ والشعريّ العربيّ.

لتحقيق التطبيع الثقافيّ لا بدَّ أن تجري الترجمة ابتداءً على خطَّين، من العربيَّة إلى العبريَّة والعكس، وهذا لا يتحقَّق إلَّا إذا جاء البث باتّجاهٍ واحدٍ فقط، على الأقل في المرحلة الأولى، حتّى يتمّ تكريس المرجعيَّة الثقافيَّة الصهيونيَّة في «الشرق الأوسط الجديد» المفكَّك إلى معازل والفاقد لهويَّته العربيَّة. نحن لا نتحدَّث هنا عن ترجمة بضع كُتبٍ أو رُواياتٍ أو دواوينَ شعريَّةٍ كيفما اتّفق، بل نتحدَّث عن اختراقٍ وعن معالم مشروعٍ ثقافيٍّ لدولةٍ توسعيَّةٍ مُحتلَّة، فهل يصحُّ أن نتعامل مع مشروع «إسرائيل» الثقافيّ بمعزلٍ عن مشروعها السياسيّ؟!

من المنطقيّ أن تكون الخطوة الأولى في ذلك المشروع الثقافيّ هي تكريس الكيان الصهيونيّ كدولة طبيعيَّة، ومدّ قنوات التواصل الأدبيّ المفتوح معها، وفرض نتاج الأدبيّ كنتاج «حضاريّ» لا يختلف عن نتاج أيّ دولة طبيعيَّة أخرى. أما نحن أبناء هذه المنطقة الأصليِّين، لم نأتِ إليها من بولونيا وروسيا برعاية الاستعمار الغربيّ، ولم يأتِ نتاجنا الأدبيّ على حين غِرَّة بلغةٍ هجينةٍ ليست حتَّى عبرية أصليَّة. نحن وَرَثَة اللغة العربيَّة والحضارة العربيَّة- الإسلاميّة العريقة، علينا أن نحمي ثقافتنا من الاختراق، وأن 

 

71


60

المقدِّمة

نكشف ما يُسمَّى «الأدب العبريّ الحديث» كنتاجٍ طارئٍ مفتعلٍ لأنَّه نتاجُ دولةٍ ومجتمعٍ طارئٍ ومفتعلٍ. 

 

72


61

المقدِّمة

لا تكمن العقدة فيما إذا كانت الترجمة من العبريَّة تجري من خلال الاتّصال المباشر بدور نشر «إسرائيليّة» وكتّاب «إسرائيليّين» أم لا، فترتيب مثل تلك الاتّصالات يمكن أن يجري مع المطبِّعين بسهولةٍ من خلف الستائر؛ بل تكمن المشكلة في التعرُّف على ملامح مشروعِ إيصالِ الثقافة «الإسرائيليّة» إلى الطفلِ العربيّ والطالب العربيّ والمرأةِ العربيَّة والمواطن العربيّ، فيصبح من مُهِمَّات المقاومة الثقافيَّة كيفيَّة التصدِّي لمثل ذلك المشروع.

 

أبرز الكُتُب المترجمة عن العبريَّة:

يصعب الإحاطة بكلّ الكتب المترجمة عن العبريَّة إلّا أنَّ الإطلالة على بعض هذه الأعمال يُقدِّم فكرة واضحة حول مستويات التطبيع ومراحله. فكيف يمكن أن نفهم محاولةَ بعضهم ترجمة مذكَّراتِ قادة الكيان الصهيوني وهي في الواقع تجارب شخصيَّة لأشخاصٍ عاشوا نهاية حالةِ الإجرامِ بحقِّ العربِ والمسلمين؟ أبرز الكتُب المترجمة:

- «المملكة العربيَّة السعوديَّة والمشهد الاستراتيجيّ الجديد»: نشرته الدار المعروفة بإسم (مدارك) والتي يملكها الإعلاميّ السعوديّ تركي الدخيل. كتاب للمؤلِّف الإسرائيليّ جاشوا تيتلبام. قدَّم الكتاب الأستاذ الجامعيّ الأميركيّ من أصل لبنانيّ فؤاد عجمي، المعروف بقُربه من المحافظين في الولايات المتَّحدة، وترجمه الدكتور حمد العيسى. هذا الكتاب ليس الأوَّل من نوعه في الساحة الثقافيَّة السعوديَّة، حيث لا يُعَدُّ وجود كتب لمؤلفين إسرائيليّين أمرًا جديدًا.

 

73


62

المقدِّمة

- «أسطورة عن الحب والظلام»: في نيسان العام 2010. رواية ظهرت في معرض الرياض الدوليّ للكتاب وسوَّقتها دارُ نشرٍ عربيَّة بإسم

 

74


63

المقدِّمة

(الجمل)، للمؤلِّف الإسرائيليّ عاموس عوز؛ ولاقت الرواية إقبالًا ملحوظًا.

تكاد لا تخلو أي مكتبة عربيَّة معروفة من كتب لمؤلِّفين إسرائيليّين، كما تهتم مراكز الدراسات والأبحاث ووسائل الإعلام بالترجمة اليوميَّة للصحف الإسرائيليّة، وهناك مراكز تُتابع كلّ ما تنشره مراكز الأبحاث والدراسات الإسرائيليّة، وتقدِّم بعضه للعالم العربيّ. من أبرز الكتب التي تُسوَّق في الدول العربيَّة هي كتب لزعماء الحرب الإسرائيليّين الذين أصبحوا قادة الدولة العبريَّة، مثل:

- «سلام بيغن: قصة الأرغون»: لمؤلِّفه رئيس الوزراء الأسبق مناحم بيغن، وهو من ترجمة صلاح طوقان والناشر دار الشجرة للنشر والتوزيع، تسويق موقع مكتبة النيل والفرات.

- «الإرهاب»: كتاب لمؤلِّفه مناحم بيغن، وهو من ترجمة وتحقيق معين محمود، والناشر دار المسيرة للصحافة والطباعة، تسويق موقع مكتبة النيل والفرات.

- «معركة السلام، يوميات شيمون بيريز»: كتاب لمؤلِّفه رئيس الدولة العبريَّة شيمعون بيريس هو من ترجمة عمار فاضل ومالك فاضل، نشر دار الأهليَّة للنشر والتوزيع.

- «الشرق الأوسط الجديد»: كتاب لمؤلِّفه شيمعون بيريس، ترجمة محمد حلمي عبد الحافظ، نشر دار الأهليَّة للنشر والتوزيع.

 

75


64

المقدِّمة

- «قصة حياتي: قيام دولة إسرائيل وحروبها ضد العرب»: كتاب لوزير الدفاع الإسرائيليّ الأسبق موشي دايان، ترجمة طارق نصر الدين، ونشر مكتبة النافذة، تسويق موقع مكتبة النيل والفرات.

- «مكان بين الأمم: إسرائيل والعالم»: لمؤلِّفه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ترجمة محمد عودة وكلثوم السعدي، ونشر الأهليَّة.

- «مذكرات إسحق شامير»: كتاب صادر ضمن سلسلة شخصيَّات إسرائيليّة، عن دار الكتاب العربيّ، في العام 1995.

- «مذكرات إسحق رابين»: كتاب عن دار الجليل للطباعة والنشر 1993.

أضِف إلى ما سبق عدد من مؤلَّفات وزير الخارجيّة الأسبق ييجال آلون.

تُرجِمَتْ عشرات الكتب لمؤلِّفين إسرائيليّين في فلسطين مِن قِبَل مراكز دراسات فلسطينيَّة، مثل المركز الفلسطينيّ للدراسات الإسرائيليّة «مدار». تأسَّس المركز ربيع عام 2000 بمبادرة مجموعة من المثقَّفين والأكاديمِّيين الفلسطينيّين من بينهم الشاعر الراحل محمود درويش وآخرون، وقد أصدر عشرات الأبحاث والدراسات والترجمات والمنشورات المتخصِّصة في الشأن الإسرائيليّ، ولديه دائرة ترجمة تُنفِّذ برنامجًا لترجمة كُتُب 

 

76


65

المقدِّمة

موضوعة باللغة العبريَّة أو الإنجليزيَّة؛ وتمّ إصدار 32 كتابًا مترجمًا حتى نهاية 1102[1]. من بين إصدارات المركز:

- «اختراع أرض إسرائيل»: كتاب من تأليف شلومو ساند، أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب، والكتاب من منشورات (مدار) والمكتبة الأهليَّة في عمان.

- «فلسطين في الكتب المدرسيَّة في إسرائيل - الأيديولوجيا والدعاية في التربية والتعليم»: كتاب لمؤلِّفه نوريت بيلد – الحنان.

 


[1] موقع مدار.

 

77


66

المقدِّمة

- «نظام ليس واحدًا»: كتاب لمؤلِّفه لارئيلا ازولاي وعدي أوفير.

- «في مصيدة الخط الأخضر»: كتاب لمؤلِّفه يهودا شنهاف.

- «أسرى في لبنان»: كتاب لمؤلِّفه عوفر شيلح ويوءاف ليمور.

- «اختراع الشعب اليهوديّ»: كتاب لمؤلِّفه شلومو ساند.

- «سلام متخيّل - عن الخطاب والحدود، السياسة والعنف»: كتاب لمؤلَّفه ليف غرينبرغ.

- «قراءة إيران في إسرائيل - الذات والآخر، الدين والحداثة»: كتاب لمؤلِّفه حجاي رام.

- «أراض للتنزه - رواية في شذرات»: رواية لمؤلِّفها عوز شيلح[1].

 

2. النشاطات الفنيَّة

تُعتبر النشاطات المتعارف عليها بالفنيَّة من أوسع نوافذ التطبيع الثقافيّ مع العدوّ الصهيونيّ والأكثر انتشارًا، ولكنَّ الإلمام بكلّ المحاولات قد يكون متعذِّرًا ومع ذلك سنشير إلى بعض النماذج.

 


[1] ميرزا الخويلدي، ترجمة الكتاب الإسرائيلي.. تطبيع ثقافيّ أم ضرورة معرفية؟، 17/5/2014.

 

78


67

المقدِّمة

- نُشر في كانون الأوَّل عام 2016 شريط فيديو فاجأ الكثيرين، حيث ظهر فيه بحرينيُّون يرقصون شابكي الأيدي مع حاخامات حضروا حفلًا أقيم في العاصمة «المنامة». شارك في هذا الحفل، الذي عُدَّ «دينيًّا»، شخصيَّات بحرينيَّة رقصت مع  يهود من حركة (حباد) الدينيَّة المتطرِّفة. لم يكن الرقص على إيقاع أغنية «عام يسرائيل حاي» في الحفل السابق هو مظهر البهجة الأوَّل الذي جمع بين البحرينيّين والصهاينة على أنغام الموسيقى والكلمات التي تمجِّد «إسرائيل»، فقد ذهبت الفرقة الموسيقيَّة للملكيَّة البحرينيَّة إلى

«لوس أنجلس» وعزفت في المؤتمر السنويّ لمعهد «شمعون فيزنتال»؛ عزفت بمهارة نشيد «هاتكفاه» القوميّ الصهيونيّ، وقد عُدَّت بعض الكتابات الصهيونيَّة أنَّ تعمُّد وليّ العهد البحرينيّ اصطحاب الأوركسترا الوطنيَّة وإنشاد «هاتكفاه» تجاوزًا لكلّ الخطوط الحمراء بالنسبة للمسلمين في جميع أرجاء العالم[1].

- برز إسم المخرج اللبنانيّ زياد دويري الذي صَوَّر في العام 2010 أجزاءً من فيلمه «الصدمة» في الكيان الصهيونيّ. والفيلم يحكي عن جرّاح فلسطينيّ إسمه أمين الجعفري (علي سليمان) من تل أبيب، أمين الذي يَنعم بصيت اجتماعيّ راقٍ يُصدم بشكل كبير عندما يعلم بأنّ زوجته (ريموندا مسلم) نفّذت عمليَّة استشهاديَّة في مطعم صهيونيّ قُتل على إثرها ١٧ شخصًا، سيصلون قريبًا إلى سرير العمليَّات في المشفى

 


[1] البحرين الأكثر سرعة في المارثون الخليجي للتطبيع مع إسرائيل، ساسة بوست، 28/9/2017.

 

79


68

المقدِّمة

الذي يعمل فيه الجعفري. هذا الاكتشاف يزجّ بالجعفري في نفقٍ مظلمٍ، تأكله هواجس الشكّ والذنب والندم ويتساءل كيف عاش مع إمرأة استطاعت أن تُقدِم على خطوة منافية تمامًا لرسالته المهنيَّة؟

 

يحاول الفيلم تبييض صورة العدوّ، وتبرير عنصريَّته تجاه الفلسطينيّين. وذلك عندما ركَّز الفيلم على تكريم سلطات الاحتلال لأمين جعفري زوج منفِّذة العمليَّة ومنحه جائزةً تقديرًا لعطاءاته في المؤسّسة «الإسرائيليّة» التي اندمج فيها[1].

 

 


[1] النهار، 12/9/2017.

 

80


69

المقدِّمة

- قد لا تكون الإذاعات الإسرائيليّة الناطقة بالعربيَّة بعيدة عن النشاطات التطبيعيّة. فقد لجأ الاحتلال في الماضي إلى توظيف وسائط إعلاميَّة عن بُعد لمخاطبة العالم العربيّ، فاقتطعت «صوت إسرائيل» بالعربيَّة حصَّة من الاستماع، ثمّ اضمحلَّت مع صعود الفضائيَّات الإخباريَّة العربيَّة التي حاول الاحتلال محاكاتها بقنوات مرئيَّة دون جدوى. عمدت تلك الإذاعة إلى بثّ برامج إخباريَّة متعدِّدة ومحشوَّة بمضامين اجتماعيَّة وصحيَّة، مع استمالة المستمعين إلى أثير «راديو العدوّ» بأغاني مشاهير الطرب العربيّ. كما بثّت المحطَّة حصصًا لتعليم العبريَّة، ثم طوّرت دعايةُ الاحتلال الثقافيَّة وسائطَ تعليمها عبر الإنترنت ثمّ مواقع التواصل الاجتماعيّ. حققت الشبكات اقترابًا تواصليًّا يستدرج الجمهور إلى معايشة تتيحها التفاعليَّة المتبادلة ضمن مجتمع متحلِّق افتراضيًّا حول اهتمامٍ مشترك، خلافًا لأحاديَّة الاتّجاه في معادلة البثّ والتلقي في زمن الإذاعة[1].

 

- لا يغيب عن التطبيع الفنيّ زيارات ولقاءات ملكات جمال دول عربيَّة- من المفترض أنَّها مقاطعة لإسرائيل-، لملكة جمال الكيان الإسرائيليّ الغاصب[2].

 

3. وسائل التواصل الإجتماعيّ

لا يدّخر الكيان الصهيونيّ جهدًا في محاولاته المستمرَّة والمستميتة في جذب الشباب العربيّ وتبديل الحقائق وتزييف التاريخ. ومع السدود التي تقيمها الجهات الرسميَّة لصدِّ

 


[1] حسام شاكر، رهان التطبيع ...أنسنة الاحتلال في وعي العرب، الجزيرة.

[2] النهار، صورة «سيلفي» تجمع ملكتي جمال لبنان وإسرائيل تثير الجدل، 12/9/2017.

 

81


70

المقدِّمة

أفكارهم المشوَّهة، بدأ الكيان الصهيونيّ العمل لاستغلال الفضاء الإلكترونيّ بأشكاله كافَّة، وعلى رأسه

 

82 


71

المقدِّمة

مواقع التواصل الاجتماعيّ الشهيرة «فيسبوك» و«تويتر»، لتصبح «السوشيال ميديا» ملعبًا جديدًا للكيان لاستقطاب الشباب العربيّ، والضغط على القضيَّة الفلسطينيّة، وترسيخ أكاذيبهم في المواقف الخاصَّة كافَّة بمنطقة الشرق الأوسط، في خطواتٍ يمكن تسميتها بـ«التطبيع الإلكترونيّ»، الذي بدأ في جني ثماره والإيقاع بالكثير من الشباب العربيّ، وسط غيابٍ كاملٍ للردِّ العربيّ أو المواجهة الفكريَّة.

برزت إلى الواجهة ثلاث صفحات للعدّو الصهيونيّ ذات شعبيَّة واسعة هي «أفيخاي أدرعي»، و«إسرائيل تتكلَّم بالعربيَّة» و«إسرائيل في مصر». يتابع تلك الصفحات قرابة أربعة ملايين عربيّ[1]، وتتميَّز بتفاعلٍ كبير بخاصَّة صفحة المتحدِّث بإسم جيش الاحتلال الإسرائيليّ «أفيخاي أدرعي» التي يتابعها وحدها أكثر من مليون ونصف شخص. وإن كانت التعليقات يغلب عليها توجيه السباب للقوَّات العسكريَّة الإسرائيليّة ودعم ومناصرة القضيَّة الفلسطينيّة، لكن المشاركة بأشكالها كافَّة تُعطى انتشارًا أوسعًا لمنابر الكيان الصهيونيّ، وهو في حدِّ ذاته من أهداف إنشاء تلك الصفحات، الأمر الذي يسمح من وقتٍ لآخر بظهور تعليقات مثل «عاشت إسرائيل»، و«بإسم أهالي بغداد نعتدر نيابةً عن العرب عمَّا يقوم به الأشرار» وغيرها.

«إسرائيل تتكلَّم بالعربيَّة» صفحة أخرى موثَّقة من إدارة فيسبوك، أنشأتها وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة كمصدر للمعلومات عن الكيان باللغة العربيَّة، ويتخطَّى عدد متابعيها على الفيسبوك مليوني شخص. اللافت في الأمر وجود حالة

 


[1] هذا العدد من المتابعين هو حتَّى عام 2019.

 

83


72

المقدِّمة

من الحوار بين القائمين على إدارة الصفحة والمتابعين، فكثيرًا ما نجد إدارة الصفحة تردّ على تساؤلات بعضهم،

 

84

 


73

المقدِّمة

وتُعلِّق على بعض القضايا، بالإضافة إلى الكثير من التعليقات المؤيَّدة والمناصرة للعدو الصهيونيّ، ودعاة التطبيع، الذين يُعَبِّرون عن رغبتهم الشديدة في تعايش العرب و«الإسرائيليّين» بسلام؛ عكس معظم التعليقات على باقي الصفحات.

يتخطَّى عدد متابعي الصفحة الرسميَّة لسفارة العدوّ «إسرائيل في مصر» الثلاثمائة ألف شخص، ومهمَّتها الرئيسيَّة نشر القضايا المثيرة في مصر، على غرار زيارة البابا تواضروس للقدس للصلاة على مطرانها الراحل إبراهام الأورشيلمي[1].

إنّ طبيعة مواقع التواصل الاجتماعيّ المتفلِّتة من التزامات وسائل الإعلام التقليديَّة، جعلتها منصّة ملائمة لمضامين متعدِّدة، من بينها مضامين تطبيعيَّة صادمة هي غالبًا نتاج حسابات موجَّهة ومزيّفة وجيوش إلكترونيَّة. ويزيد جاذبيَّة ترويج هذه المضامين ما تُحرزه من اهتمامٍ واسعٍ وتداولٍ عريض يغريان بالإقدام على رؤيتها.

يتحدَّث الناطق بإسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي لغةً عربيَّةً بلكنةٍ خاصَّة، ويظهر في الشاشات والشبكات بأقنعة متعدِّدة؛ فهو يبرر القصف ويسوّغ الجرائم أثناء العدوان عبر حشد ذرائع صاغتها منظومة الدعاية الصهيونيَّة. كما يرتدي قناع الابتسامة المفتعلة والتودُّد المتصنَّع في الأعياد والمناسبات، عبر مقاطع يظهر فيها ببزَّته العسكريَّة مخاطبًا العرب والمسلمين بالتهاني المشفوعة بمفاجآت للوعي. كما

 


[1] التطبيع الإلكتروني، أحدث وسائل «تل أبيب» لاستقطاب وسقوط الشباب العربي في الفخ، صحيفة اليوم السابع.

 

85


74

المقدِّمة

لا يقتصر أدرعي على الإدلاء بالتصريحات، بل ينبري لمخاطبة العرب بمقاطع 

 

86


75

المقدِّمة

ونصوص مخصَّصة للمناسبات السعيدة، مثل شهر رمضان والأعياد.

تراهن هذه الإطلالات على كسر الحاجز النفسيّ واختزال المسافة المعنويَّة بين الشعوب العربيَّة وجيش الاحتلال، مع إرباك التصُّور النمطيّ التقليديّ عبر محاولة «أنسنة العدوّ»، وعقد ارتباط شرطيّ بين رموز جيش الاحتلال والمناسبات السعيدة، والرسالة هي «لسنا كما تظنّون».

ومع تكرار المقاطع والإطلالات يتّضح الحرص على استعمال أسلوب التكرار والتثبيت الذي تعتمده الجهود الدعائيَّة التقليديَّة. لكن هذه الإطلالات تنطوي على تناقضات جسيمة بإظهار الاحترام للعرب والمسلمين وإنكار الشعب العربيّ المباشر، أي فلسطين وشعبها.

وتسلّط الصفحة الضوء حاليًا على أنَّ العدوّ الأوّل والأخير للعرب هم الإيرانيّون، داعيةً الشعوب العربيَّة إلى التخلّص من سلطة إيران. وقد أطلق أفخاي مؤخَّرًا وسم #خلص_إيران، داعيًّا متابعي صفحته إلى مشاركته بتصوير أنفسهم وهم يحملون هذا الوسم مكتوبًا على ورقة. بهذه الطريقة تتعرَّف الصفحة على وجوه مؤيِّديها من أنحاء العالم في خطوة استخباراتيَّة خطيرة من جهة، ومن جهة أُخرى تسلِّط الضوء على إيران كالعدوّ الأوَّل للعرب؛ هذا العدو المشترك مع الكيان الصهيوني الذي يوجب التكاتف للتخلّص منه في مسعاها لتكييف الوعي وإخضاعه؛ كما تعمد الدعاية الإسرائيليّة إلى زرع بذور الشك في قناعات سائدة عبر العالم العربيّ، من خلال تضمين عناصر وإشارات قد لا 

 

87


76

المقدِّمة

تكون ملحوظة تستهدف تقويض تصوّرات مستقرَّة في الوعي الجمعيّ العربيّ[1].

 


[1] حسام شاكر، رهان التطبيع ... أنسنة الاحتلال في وعي العرب، موقع الجزيرة.

 

88


77

المقدِّمة

4ـ المشاركة في مؤتمرات

أُقِيمت العديد من المؤتمرات التطبيعيّة التي شارك فيها صهاينة وعرب، حاولوا من خلالها فتح ثغرات داخل جدار مقاطعة الكيان الصهيونيّ. في ما يلي بعض المؤتمرات التي تمَّ التطبيع فيها ثقافيًّا مع الكيان الصهيونيّ:

مشاركة أَساتِذة جامعيُّون لبنانيُّون مثل الدكتورة حنان شرف الدين في ورشة «التطبيع الأكاديمي» التي أُقِيمت بتاريخ 3/4/2018 تحت عنوان «الفينيقيُّون في فينيقيا: اتّجاهاتٌ حديثة واكتشافاتٌ جديدة»، في ميونخ. والمشاركة هذه خرقٌ فاضحٌ لقانون مقاطعة الكيان الصهيونيّ[1].


مؤتمر التوحيد والأديان (12/10/1979) في مدينة القدس وشارك فيه مصريون.


عام 1982 عُقِدت ندوة التقارب بين الشريعتين (اليهوديّة والإسلاميّة) في المركز الأكاديمي اليهوديّ بالقاهرة.


عام 1984 عُقِد مؤتمر (وحدة الاديان) في دير سان كاترين في سينا ضمَّ يهودًا ومسيحيِّين ومسلمين لأداء صلاة مشتركة من كلّ الأديان[2].

 


[1] ما حقيقة المشاركة اللبنانية في ورشة «التطبيع الأكاديمي» في ميونخ؟، موقع العهد الاخباري، 3/4/2018.

[2] ناصر بن حمد الفهد، التبيين لمخاطر التطبيع، ص35.

 

89


78

المقدِّمة

وتطول قائمة النشاطات الفكريَّة والثقافيَّة التي تبرِّر محاولاتها في فهم الآخر وتقديم الرأي السليم وما شابه ذلك، إلَّا أنَّها محاولات واضحة لكسر حاجز العزلة عن الكيان الصهيونيّ.

 

5ـ تعديل المناهج الدراسيَّة

إنَّ تغيير المناهج التعليميَّة من أخطر مظاهر التطبيع وأشدّها تأثيرًا على مستوى إفراغ الحقوق الذاتيَّة والواقعيَّة من محتواها والتأسيس لقبول الكيان الصهيونيّ، فتترك المناهج تأثيرها على الأجيال الناشئة كونها تُربِّي على طريقة لا يظهر من خلالها العداء بين العرب والمسلمين من جهة والكيان الصهيونيّ من جهة ثانية. وبعبارة أخرى يهدف تغيير المناهج إلى تغييب العناوين والأفكار التي تحكي عن الحق الذاتي وتروِّج للمحتل الصهيونيّ كما تخفِّف من وطأة احتلاله واغتصابه وبالتالي فرضه كأمر واقع.

على المستوى الفلسطينيّ علت أصوات فلسطينيّة مِن الداخل والخارج، ضدّ «الأونروا» بعدما همّت بتغيير المناهج الدراسيّة للطلاب في مدارسها. وتحدَّثت صحيفة الأخبار عن بعض مظاهر تغيير المناهج لأنَّها تتضمَّن المناهج التي كان يُعمل عليها. كان من المفترض أن تتغيَّر كلمة «فلسطين» في أحد كتب المرحلة الابتدائيّة لتُصبح «يقطين»! أمّا الخريطة الفلسطينيّة، فكانت ستتبخّر تمامًا. والأم التي كانت تتعاون مع إبنتها في «تطريز خريطة فلسطين» ستُصبح، بعد التعديل، تتعاون معها في «تطريز ثوب فلسطينيّ». كما كانت ستتبخّر تمامًا كلمة «احتلال» مِن إحدى الصفحات، وكذلك التمرين المتعلّق بـ «يوم الأسير الفلسطينيّ». وفي 

 

90


79

المقدِّمة

مكانٍ آخر، في أحد دروس اللغة العربيَّة، سيحلّ «الأمير» مكان «الأسير». وستُستبدَل جملة «القدس عاصمة فلسطين» بجملة «القدس مدينة الديانات السماويّة». السجن سوف

يُصبح «بلديّة»... واللائحة طويلة، لكنّ الفصل الأخير مِن هذه المسرحيّة التافهة سيُحيل رسم جدار الفصل العنصريّ إلى هيئة «شلّال» [1].

كما قدَّمت المناهج الجديدة في مصر «إسرائيل» باعتبارها بلدًا صديقًا وليست عدوًّا، ولم تتطرَّق إلى حروب مصر وشهدائها على أيدي الصهاينة كما حذفت أهم بنود «معاهدة السلام» المرتبطة بالقضيَّة الفلسطينيّة، مثل الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينيّ، ودور مصر المحوريّ في مساندتهم[2].

يقول د. زكي البحيري في موضوع تغيير المناهج: «لقد كُرِّست المناهج المدرسيَّة الجديدة في مصر لإقناع تلامذة مدارسنا بقبول اتّفاقيَّة كامب ديفيد و«معاهدة السلام» مع الكيان الصهيونيّ»[3]. وما حصل في مصر جرى مثله في الكويت، حيث اعترفت لجنة حكوميَّة كويتيَّة في 14 آذار 1995 بأنَّها شطبت من المناهج التعليميَّة بعض الآيات القرآنيَّة التي تحذِّر من التعاطي مع اليهود والكيان

 


[1] محمد نزال، محرقة لوعي اللاجئ الفلسطيني- إسرائيليّون في الأونروا!، الأخبار، 3188.

[2] وجدي الكومي،هل سهّل طه حسين اختراق الصهيونيّة لمصر؟، موقع المدن،10/12/2017.

[3] سمير أحمد، غزو بلا سلاح، م.س.، ص 57.

 

91


80

المقدِّمة

الصهيونيّ، مبرِّرة ذلك بالحاجة إلى «حذف الحشو الزائد» في المناهج[1].

 

برز في لبنان العديد من المحاولات التي قامت بها وزراة التربية لتغيير بعض المناهج الدراسيَّة بهدف التخفيف عن التلامذة[2]. وفي المقابل برز

 

 


[1] م.ن.

[2] اتّخذ وزير التربية السابق إلياس بو صعب قرارًا في أيلول عام 2016 قضى بحذف عدد من الدروس والمحاور في التعليم المتوسط والثانوي للعام الدراسي 2016/2017. طال هذا القرار محاور ودروس مهمّة للغاية في اللغة وآدابها والكيمياء والفيزياء وعلوم الحياة والرياضيات والتربية والتاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع والاقتصاد والفلسفة... وكانت حجّته التخفيف عن التلامذة وترشيق الامتحانات الرسمية.

 

92


81

المقدِّمة

نشاط لافت في التغيير لمؤسَّسة أديان التي سيطرت على وُرش العمل التي جرت لمناقشة تعديل المناهج، وبثَّت فيها ما تعتبره قيم «السلام» و«قبول الآخر»، وضغطت لإزالة كل ما تعتبره تحريضًا على العنف من كُتُب التعليم الأساسي وما قبل الجامعي.

اللافت في محاولات التغيير هذه أن المقصّ في مادة التاريخ كان أمضى وأكثر إثارة للسجال، إذ جرى حذف 3 حصص (دروس) للسنة التاسعة تتعلَّق بـ: نشأة الصهيونيَّة، وفلسطين في ظلّ الانتداب البريطانيّ، والحروب العربيَّة ــ الإسرائيليّة، ونكبة سنة 1948، وحملة 1956 (العدوّان الثلاثيّ)، وحرب حزيران سنة 1967. هكذا جرى حذف «القضيَّة الفلسطينيّة» من درس التاريخ، فلم تعد مذكورة إلَّا عرضًا في حصَّة واحدة تحت عنوان «الأردن والقضيَّة الفلسطينيّة حتى 1967»[1].

6ـ إنشاء المراكز الأكاديميَّة

نشط العدوّ الصهيونيّ في إنشاء المراكز الأكاديميَّة والبحثيَّة في الدول العربيَّة بالأخص تلك الموقِّعة على اتّفاقيَّات مع العدوّ الصهيونيّ، كونها واحدة من أبرز مظاهر التطبيع الثقافيّ. من جملة هذه المراكز وأبرزها المركز الأكاديميّ الصهيونيّ في القاهرة الذي أُسِّس عام 1982، وعمل على تجنيد بعض المثقَّفين المصريِّين ودعوتهم لزيارة الكيان

 

 


[1] فاتن الحاج، شطب «القضيَّة الفلسطينية» من المناهج التعليمية: تطبيع مستتر مع إسرائيل. جريدة الأخبار الإثنين 29 أيار 2017 (على الرغم من أن وزارة التربية أكّدت في رسالة إلى الأساتذة الثانويين أن «لا علاقة لمؤسسة أديان بتغيير المناهج»).

 

93

 

 


82

المقدِّمة

الصهيونيّ والكتابة عنه والترويج للعلاقة معه كمدخل للازدهار والتقدُّم[1].

 


[1] سمير أحمد، م.س.، ص36.

 

94


83

المقدِّمة

يُركِّز «المركز الأكاديمي الإسرائيليّ» في القاهرة على الشباب المصريّ في جميع المجالات، فيعطيهم الضوء الأخضر عن طريق أساتذة مصريِّين وفنَّانين ورجال إعلام وصحافة ممَّا يجعل الأمر شيئًا طبيعيًّا في حالة السلم. إنَّ قراءة سريعة لعناوين المحاضرات التي أُلقِيت في المركز الأكاديميّ «الإسرائيليّ» في القاهرة تُظهِر ملامح الإستراتيجيَّة «الصهيونيَّة» بصورة جليَّة، وأهداف الكيان الصهيونيّ الحقيقيَّة من التطبيع والعلاقات الثقافيَّة. فيما يلي قائمة مختصرة لعناوين المحاضرات والندوات المنظَّمة في إطار المركز المذكور:

- دور التواصل والتقليد في تشكيل مفاهيم المجتمعات الحديثة للدكتور شموئيل إيزنيشتاد. (أستاذ علم الاجتماع في الجامعة العبريَّة في القدس وعضو الأكاديميَّة «الإسرائيليّة» للعلوم والإنسانيَّات).

- وثائق الجينيزاه في القاهرة كمصدر للتاريخ المصريّ للدكتور مارك كوهين. (أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برنيستون وأستاذ زائر في الجامعة العبريَّة في القدس، مزدوج الجنسيَّة إسرائيليّ/أمريكيّ).

- الآثار المسيحيَّة القديمة في مصر للدكتور آشير أوفاديا.

- التعليم في مصر للدكتور ميشيل وينتر. (أستاذ تاريخ الشرق الأوسط والدراسات الإسلاميّة في جامعة تل أبيب).[1]

 


[1] مراكز الأبحاث والمؤسسات العاملة في خدمة التطبيع والإستراتيجية «الصهيونيّة».

 

95


84

المقدِّمة

من جهة أخرى دفعت الولايات المتَّحدة الأمريكيّة، مراكز الأبحاث والجامعات الأمريكيّة لعقد لقاءات سرِيَّة وعلنيَّة للبحث في أنجع السبل

 

96


85

المقدِّمة

لتطبيع العلاقات. في هذا الإطار عهدت «وكالة التنمية الأمريكيّة» إلى ثماني عشرة مؤسَّسة ووكالة علميَّة حكوميَّة وخاصَّة، بإجراء دراساتٍ وأبحاثٍ هدفها التوصّل إلى تحديدٍ دقيقٍ لإمكانيَّات التعاون في الشرق الأوسط. وأصدرت الوكالة تقريرًا في 26 آذار 1979 شكَّل دليلَ عملٍ للحكومة الأمريكيّة والهيئات العاملة في حقل التطبيع تحت عنوان: «التعاون الإقليميّ في الشرق الأوسط». أبرز الأفكار التي جاءت في التقرير:

1. إنَّ آفاق التعاون الإقليميّ في الشرق الأوسط ترتكز حاليًّا على التطوّرات الإيجابيَّة في العلاقات بين مصر و«إسرائيل».

2. إنَّ الدور الأمريكيّ سيكون حاسمًا في مجال التعاون الإقليميّ، لذلك سيكون على الأمريكيّين أن يلعبوا دور الوسيط أو أن يكونوا بمثابة «الجسر» الذي يربط بين أعداء سابقين.

3. تقوم فكرة التعاون الإقليميّ المقترحة على أساس نفي «النظام الإقليميّ العربيّ» وإيجاد نظام شرق أوسطي يضمّ بعض الدول العربيَّة إلى جانب «إسرائيل».

4. إقامة مؤسَّسات جديدة للتعاون الإقليميّ تسمح باستيعاب «إسرائيل» وانخراطها في النظام الإقليميّ للشرق الأوسط وتجاوز مؤسَّسات جامعة الدول العربيَّة.

 

97


86

المقدِّمة

5. أهميَّة دور الأكاديميِّين ورجال الأعمال في البدء بالتعاون الإقليميّ وتطويره[1].

 

 


[1] سمير أحمد، م.س.، ص82.

 

98


87

المقدِّمة

إنَّ ما يجمع مظاهر التطبيع كافَّة، بالأخص تلك التي تنطلق من الجانب الصهيونيّ، هو تلميع صورة الكيان الصهيونيّ وتصويره كأنموذجًا للتقدّم والرقيّ والتحضّر عبر آليَّة الدعاية. حيث تعمل دعاية الاحتلال الإعلاميّة والثقافيَّة من مداخل عديدة، فتنبري لمخاطبة الجماهير العربيَّة مباشرةً بوسائطها المتعدِّدة، كما تحرص أيضًا على تهيئة أذهان النخب واستمالة وجوه وأسماء من أوساط الصفوة والناشطين.

بينما تستهدف دبلوماسيَّة الاحتلال الثقافيَّة نخبًا فكريَّة وفنيَّة وإبداعيَّة عربيَّة، فإنّ بعض وجوهها تظهر فجأة في فلسطين المحتلة لحضور مؤتمرات وإلقاء محاضرات وتقديم عروض فنيَّة، علاوةً على صعود التطبيع السياحي بمضامينه الثقافيَّة الطاغية. تحرص دبلوماسيَّة الاحتلال التطبيعيّة على استمالة نخب معينة بهدف المراهنة على تأثيراتها في مجتمعاتها، مع محاولة الاشتغال على صفوة الحاضر وطلائع المستقبل، أي القيادات الشابَّة الصاعدة، ذلك بغضّ النظر عن مدى النجاح الفعلي الذي تحقِّقه في هذا الشأن.

يحصل متابعو المواقع الشبكيَّة الصهيونيَّة ذات المحتوى العربيّ على مواد إعلاميَّة وموارد معلومات متجدِّدة، وضمن هؤلاء مثقَّفون وإعلاميُّون وبعض أوساط فئات الجمهور المتعدِّدة. وتحظى بعض المواد والصور والمقاطع برواجٍ واسع على مواقع التواصل وتطبيقات الأجهزة، بالنظر إلى محتواها المفاجئ أو الصادم الذي يبدو استثنائيًّا، وإنْ تناقلها بعض الجمهور من باب الاستنكار أو الاستهجان أو الطرافة.

 

99


88

المقدِّمة

طرأت تحوُّلات متلاحقة خلال العقود الأربعة الماضية أوجدت جيوبًا لدعاة التطبيع العرب الذين يتقمَّصون مضامين دعائيَّة صهيونيَّة. بات خطاب التطبيع تشارُكيًّا وفق تفاعلٍ متبادلٍ بين أطراف؛ منها ما يقع

 

100


89

المقدِّمة

في الجانب العربيّ ومنها ما يقع في مربع الاحتلال ذاته، علاوةً على أنَّه خطاب تحضّ عليه أطراف غربيَّة ودوليَّة. ويُعدّ التطبيع غير الرسمي من مقوِّمات القوَّة الناعمة لنظام الاحتلال، ويندرج ضمن دبلوماسيَّته لتشويش الوعي عمومًا، وصولًا إلى ما يحاكي غسيل الأدمغة في بعض الحالات.

تنهض بعض الأطر والتشكيلات والمشروعات والبرامج بأدوار مهمَّة في هذا الاتجاه، من قبيل الملتقيات التطبيعيّة، وتنظيم الزيارات والجولات والاستضافات التي تتحرّى تقاليد الدبلوماسيَّة الشعبيَّة في المجالات الثقافيَّة والفنيَّة والإعلاميّة، وفي العمل الشبابيّ والنسائيّ والقطاعيّ والتخصّصيّ.

وتأتي بعض وجوه التطبيع هذه تحت مظلَّات أو دعم ورعاية أوروبيّ وغربيّ، فتتَّجه إلى الشباب والناشئة لتهيئة الأجيال القادمة لتجاوز «ثقافة الصراع»، كما عبّر عنه مشروع «بذور السلام»-على سبيل المثال- الذي انطلق بعد إبرام اتّفاق أوسلو[1].

 


[1] حسام شاكر، م.س.

 

101


90

المقدِّمة

سادسًا: مواجهة التطبيع الثقافيّ مع الكيان الصهيونيّ

خلال السنوات الماضية عُقد العديد من اللقاءت والمؤتمراتُ، وكان الهدف الأساس منها زرع ثقافة محاربة التطبيع وتشجيع التمسك بالحقوق العربيَّة والإسلاميّة ونبذ الكيان الصهيونيّ من المحيط الذي فرض نفسه فيه. ليس من السهل الإحاطة بكافَة النشاطات الرافضة للتطبيع لكثرتها، كما أنَّ تعدادها خارج عن هدف هذا التقرير، لذلك سنكتفي بالإشارة إلى بعض نماذجها:

1. عُقِد مؤتمر مواجهة خطر التطبيع يوم الأثنين في 18 كانون الأول 2017 في اسطنبول التركيَّة، بمشاركة أكثر من 300 عالم من علماء المسلمين الذين مثَّلوا 36 هيئةً واتّحادًا ومؤسَّسةً سنّيةً حول العالم. هَدَف المؤتمر إلى الإعلان عن «ميثاق علماء الأمَّة» في مواجهة خطر التطبيع، الذي يقضي «شرعًا» بتحريم التطبيع مع إسرائيل، لما يشكِّله من مخاطر على القضيَّة الفلسطينيّة ومشروع المقاومة. وجاء في الميثاق أنَّ «التطبيع مع الكيان الصهيونيّ حرام شرعًا؛ لمناقضته مقتضيات الإيمان ولوازمه القائمة على الولاء للمؤمنين ووجوب نصرتهم».

2. مؤتمر دمشق (1980) الذي شاركت فيه 16 دولة عربيَّة عدا الجامعة العربيَّة والمنظَّمة العربيَّة للتربية والثقافة والعلوم.

 

102


91

المقدِّمة

أصدر هذا المؤتمر 31 توصية لمواجهة الغزو الثقافيّ الصهيونيّ باعتباره جزءًا من مخطَّطٍ معادٍ للأمَّة العربيَّة. وأوصى المؤتمر بضرورة تقديم كلّ أشكال المساندة والدعم للهيئات الثقافيَّة والنقابات والشخصيّات الثقافيَّة المصريَّة التي تنتهج خطًّا وطنيًّا معاديًا للصهيونيَّة، وأكّد ضرورة تشجيع ونشر وتوزيع إنتاج العلماء والكُتّاب والمثقَّفين المصريّين المؤكِّد لعروبة مصر والمتعلِّق بمقاومة الغزو الثقافيّ الصهيونيّ. كما أوصى بدعم المؤسَّسات الثقافيَّة والعلميَّة الفلسطينيّة داخل الأراضي المحتلة وخارجها، واتّخاذ الإجراءات العلميَّة الكفيلة بحماية التراث الشعبيّ الفلسطينيّ والآثار الفلسطينيّة بخاصَّة في مدينة القدس ودعم مؤسَّسات النشر الوطنيَّة في فلسطين المحتلة[1].

3. عُقد في طهران من 24 إلى 26 تشرين الثاني 2018 مؤتمر حمل عنوان «القدس، محور وحدة الأمّة». أكَّد على ضرورة أن تبقى القضيَّة الفلسطينيّة هي القضيَّة المركزيَّة للأمَّة الإسلاميّة وأنَّ العدوّ الحقيقيّ للأمَّة هو العدوّ الصهيونيّ الغاصب، ورفض كل أنواع التطبيع السياسيّة والتجارية والثقافيَّة والرياضيَّة مع العدوّ الصهيونيّ، لأنَّه فعلٌ محرّمٌ شرعًا وسياسةً وعقلًا ويجب على كلِّ مسلم مواجهته بكلِّ الوسائل .

4. نظَّمت رابطة علماء اليمن في العاصمة صنعاء في تاريخ 18/11/2018 لقاءً علمائيًا موسَّعًا أدان تطبيع بعض الأنظمة العربيَّة مع الكيان الصهيونيّ وذلك في إطار تجديد

 


[1] عواطف عبد الرحمن، الاختراق الثقافيّ وغياب المواجهة، نشر بتاريخ 15/3/2018.

 

103


92

المقدِّمة

موقفهم الرافض للتطبيع مع العدوّ الصهيونيّ وتصعيد العدوان في اليمن والتأكيد على مركزيَّة القضيَّة الفلسطينيّة.

 

104


93

المقدِّمة

وقد جاء في البيان الذي أصدره المجتمعون: «يدين علماء اليمن ما تقوم به بعض الأنظمة العربيَّة من تطبيع سِرّيٍّ وعلنيٍّ مع الكيان الصهيونيّ الغاصب الذي يأتي تنفيذًا لما يُسمى بصفقة القرن ويؤكِّدون على حرمة التطبيع معه، ذلك خيانة عظمى للَّه ولرسوله ولأرواح ودماء الشهداء الذين قضوا في سبيل الله وفي سبيل عِزَّة وكرامةُ الأمَّة واستعادة البقاع المقدَّسة والأراضي المغتصبة. كما يؤكِّدون على مركزيَّة القضيَّة الفلسطينيّة وأولويَّاتها في سُلَّم اهتمام الأمَّة العربيَّة والإسلاميّة».

5. أقامت «حملة مقاطعة داعمي إسرائيل» مع «اللقاء الوطني ضدّ التطبيع»، وبرعاية وزارة التربية والتعليم العالي في لبنان مؤتمرًا تحت عنوان «التطبيع في التربية والتعليم في لبنان: واقع الحال وسبل المواجهة»[1].

عُقِد اللقاء في المعهد العالي للدكتوراه في كليَّة الآداب والعلوم الإنسانيَّة والاجتماعيَّة الجامعة اللبنانية- سن الفيل؛ شارك فيه أكاديميُّون واختصاصيُّون استعرضوا خبراتهم في مقاربة قضيَّة التطبيع في التربية والتعليم في لبنان، ذلك بعدما شهدت الفترة الأخيرة فصولًا وفضائحًا متتالية، تخصّ مناهج ومقرّرات مدرسيَّة في المؤسَّسات التعليميَّة. وقد قارب المؤتمر وسائط التنشئة الاجتماعيَّة وأدوارها في وعي الخطر الصهيونيّ وكيفيَّة مناهضة التطبيع مع العدوّ، وعرض آخر التطوّرات حول ما آلت إليه العريضة الصادرة

 


[1] عبير حمدان، التطبيع في التربية والتعليم في لبنان- واقع الحال وسبل المواجهة، 21 أيار 2019، جريدة البناء.

 

105


94

المقدِّمة

عن حملة المقاطعة واللقاء الوطنيّ ضدّ التطبيع العام الماضي، بعنوان: «من أجل مناهضة التطبيع في

 

106 


95

المقدِّمة

التربية والتعليم». كما توزَّعت محاور المؤتمر على ثلاثة وهي: المناهج التربويَّة، والمؤسَّسات التربويَّة، والتنشئة الاجتماعيَّة ووسائطها.

تم عرض المحور الأوَّل تحت عنوان «دراسات في مناهج التعليم العام في لبنان»، وأدارته العضو في «حملة المقاطعة» عفيفة كركي. طُرِحت فيه مجموعة دراسات أُجريت عام 1997، عن مناهج التعليم العام في لبنان، والعناصر الغائبة عنها لجهة وعي الخطر الصهيونيّ ومناهضة التطبيع، إلى جانب الإضاءة على ما يوازيها في المناهج الأجنبيّة في بعض المدارس اللبنانيّة.

أمّا المحور الثاني ناقش «تجارب المؤسَّسات التربويَّة في لبنان» أداره رامي سلامي. ثمَّ تفرّع إلى ثلاث مداخلات هدفت إلى الإضاءة على تجارب تربويَّة مهنيَّة، وكيفيَّة مقاربتها لمسألة الاحتلال الصهيونيّ ومناهضة التطبيع، وسياسات بعض المؤسَّسات التربويَّة والعناصر الغائبة عنها لجهة وعي الخطر «الإسرائيليّ».

المحور الثالث «التنشئة الاجتماعيَّة ووسائطها» أدارته العضو في حملة المقاطعة عبادة كسر. استعرض أهميَّة دور الوسائط الاجتماعيَّة في وعي الخطر «الإسرائيليّ» ومناهضة التطبيع. وتفرّعت منه محاور عِدَّة منها مناقشة عوامل الدين والإعلام وعمل المجتمع المدنيّ والنقابات وروابط التعليم ومواجهة الاحتلال.

 

107


96

المقدِّمة

سابعًا: تحدِّيات التطبيع في لبنان

في كلمة مهمَّة وتشخيصيَّة لأحد الرموز اللبنانيَّة التي عملت في مجال مكافحة ومواجهة ثقافة التطبيع حدَّد الناشط البارز الدكتور سماح إدريس تحدِّيات مواجهة التطبيع في كلمة ألقاها في مؤتمر عامّ لمقاومة التطبيع وإسقاط وادي عربة، وجاءت على الشكل الآتي:

التحدّي الأول: القانون

صدر «قانونُ مقاطعة إسرائيل» عام 1955 عن جامعة الدول العربيَّة، وقد تبنّاه لبنان. ينصّ القانون على الآتي: «يُحظَّر على كلّ شخصٍ، طبيعيٍّ أو معنويّ، أن يَعْقد، بالذات أو بالواسطة، اتّفاقًا مع هيئاتٍ أو أشخاصٍ، مقيمين في إسرائيل، أو منتمين إليها بجنسيّتهم، أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها، وذلك متى كان موضوعُ الاتّفاق صفقاتٍ تجاريّةً أو عمليّاتٍ ماليّةً أو أيَّ تعاملٍ آخرَ مهما كانت طبيعته[1].

 

 


[1] كلمة سماح ادريس رئيس تحرير الآداب في مؤتمر عامّ لمقاومة التطبيع وإسقاط وادي عربة، أقيم في نهاية الأسبوع الأول من شهر (نيسان 2019) في عمّان (الأردنّ)، وهو من تنظيم لجنة مقاومة التطبيع والقضايا القومية في نقابة المهندسين الأردنيين واللجنة التنفيذية العليا لمجابهة التطبيع مع العدوّ الصهيونيّ.

 

108


97

المقدِّمة

إنّ بقاءَ هذا القانون ساريَ المفعول هو دعمٌ كبيرٌ لأنصار مقاومي التطبيع. ولبنان يحتاج إلى ثلاثة أمور في هذا المجال:

1. الأوّل هو تفعيلُ هذا القانون وتطبيقُه؛ فهذا هو القانونُ الوحيد في لبنان الذي ينصّ على «إسرائيل» بالإسم، بخلاف المادّة 285 من قانون العقوبات، وهي التي يحال عليها أحيانًا وتُبْطل ملاحقةَ المتَّصلين بـ«العدوّ» (من دون ذكر الهويّة) بعد مرور 3 سنوات.

2. الثاني هو إبعادُه عن الاستقطابات أو الاعتبارات السياسيّة والطائفيّة والزعاماتيّة الداخليّة.

3. الأمر الثالث هو وجوبُ توضيحِه وتفصيلِه، أي لزومَ الإشارة صراحةً إلى «طبيعة» التعاملات الأخرى المحظورة، فنيّةً كانت أو رياضيّةً أو أكاديميّةً أو نشريّةً أو تدريبيّةً أو علميّةً أو عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ،  كي لا يتوهّم بعضُ الناس أنّ عقوبةَ التعامل مقتصرةٌ على الجانب التجاريّ وحده.

لم يتصوّر أحدٌ عام 1955 أن تستمرَّ دولةُ الاحتلال على قيد الحياة طويلًا كي يفكّرَ ــ ولو مجرّدَ تفكير ــ في الحديث عن أشكال التعامل المذكورة الأخرى. وإنّما كانت الخشيةُ، كما يقول أستاذُ القانون في الجامعة اللبنانيّة د. عصام نعمة إسماعيل، محصورةً في أن يَعمدَ بعضُ «محبّي جمع الأموال» إلى إبرام «صفقاتٍ تجاريّةٍ» مع الاحتلال. لو كان المقصودُ من «مقاطعة إسرائيل» في ذلك القانون القديم حظرَ التعامل التجاريّ وحده، لَما أحال المشرِّعُ اللبنانيُّ 

 

109


98

المقدِّمة

اختصاصَ البتّ في هذا الجُرم على المحكمة العسكريّة، ولَما أدرجَه ضمن «الجرائم الماسّة بأمن الدولة!».

التحدّي الثاني – مكتب مقاطعة إسرائيل

هو تحدٍّ متّصلٌ بالأوّل، ويتعلّق بـ«مكتب مقاطعة إسرائيل»، التابعِ لوزارة الاقتصاد والتجارة في لبنان. هذا المكتب شحيحُ الإمكانيّات، ويواجه مشاكلًا معقّدةً ودقيقةً جدًّا من قبيل: كيف يحصي ويقوِّم كلَّ الأفلام أو الكتبِ أو المنتوجاتِ التي تدخل لبنانَ، كي يتيقّنَ من أنّها لا تحتوي «مكوّناتٍ» إسرائيليّة: إنتاجًا، أو بطولةً، أو تمثيلًا، أو تمويلًا، أو رعايةً، أو تصويرًا، أو توزيعًا، إلخ..؟

كما يَنْدُر أن يتحرّك هذا المكتب، إلّا على أساسِ ما ترسله إليه حملةُ المقاطعة من معلومات. وأحيانًا يعمد إلى «التحقّق» المتعجّل ممّا ترسله هذه الحملةُ، فيَخْرجُ بخلاصاتٍ عجيبةٍ غريبة (فمثلًا، تبيّن من خلال ردّه على كتاب رُفع إليه أنّه لا يَعرف الفرقَ بين «النقب» والنجف!).

لا توضع هذه المشاكل في آليّة عمل مكتب المقاطعة في لبنان ضمن إطار «شحّ الإمكانيّات»، ولا سوءِ النيّة. لكنْ، ماذا لو تعارضتْ قراراتُ مكتب المقاطعة (أو كافّةِ مكاتب المقاطعة في جامعة الدول العربيَّة) مع رؤية الأطرافِ المهيمنة على صناعة القرار في الحكومة اللبنانيّة؟ وماذا لو تعارضتْ مع مصالح بعض قوى الرأسمال في لبنان (كشركات توزيع الأفلام مثلًا)، أو مع رؤية وزير الداخليّة تحديدًا؟ النتيجة في هذه الحالة قد تأتي لصالح هذه الأطراف والقوى المذكورة.

 

110


99

المقدِّمة

التحدّي الثالث: ربط مقاومة التطبيع والاعتداء على حرّيّة الفكر

يطغى جوٌّ يروِّجُ أنَّ مقاومةَ التطبيع الثقافيّ والفنّيّ والرياضيّ والأكاديميّ هو بمثابة «اعتداءٍ» على حريّة الفكر والتعبير والتطوّر العلميّ والثقافيّ. يتبنَّى هذا الفكر تيّارٌ «ليبراليٌّ» متفاصحٌ يماهي بين الحريّات والتقدّم من جهة، و«الانفتاح» على كلّ شيء وأيٍّ كان ــ ولو كان عدوًّا ــ من جهةٍ ثانية.  مَن المسؤول عن هذه المماهاة؟ جوابُنا: إنّه الانبهارُ بـ«الغرب» في الأساس. فغالبيّةُ الناس، للأسف، تعتقد أنّ المنعَ والحظرَ سمةُ الدول المستبدّة، لا «المتحضّرة»، وهي تجهل وجودَ قوانين في الدول الأخيرة حيال الأفلام والكتب والمؤتمرات التي تُعتبر مروِّجةً لرُهاب المثليّة أو العنفِ أو «معاداةِ الساميّة» أو الاغتصاب أو إنكار المحرقة إلخ.. وعليه، فإنّ التحدّي الماثل أبدًا أمام حملة المقاطعة في لبنان هو أن تُبيِّنَ دائمًا أنّ حظرَ التطبيع ليس مساسًا بالحريّات، إنّما هو جزءٌ لا يتجزّأ من سيادة الدول وكرامةِ شعوبها واحترامِ مشاعرها.

 

التحدّي الرابع: الأحزاب

بعضُ أحزاب اليمين، مثل «القوّات اللبنانيّة» و«الكتائب» و«الوطنيِّين الأحرار»، تساوي بين «إسرائيل» وسوريا وإيران، مع تركيز الهجوم عمليًّا على الأخيرتيْن. وعندما نسمع قياداتٍ  من «القوّات اللبنانيّة» تُشدّد على ضرورة «مقاومة التطبيع»، يتّضح لنا لاحقًا أنّها تقصد مقاومةَ 

 

111


100

المقدِّمة

التطبيع مع النظام السوريّ حصرًا (حتى في ما يتعلّق بعودة النازحين السورييَّن في لبنان إلى سوريا)!

طبعًا من حقّ أيٍّ كان أن يكون له الموقفُ الذي يريدُه من أيِّ نظام. بيْد أنّ الموقف من «إسرائيل»، خلافًا للموقف من أيّ كيانٍ مجاورٍ أو إقليميّ، ينبغي أن لا يقتصرَ على العداء لنظامها بل لوجودها في ذاته، أيًّا كان نظامُها الحاكم. وتمييعُ «العدوّ»، الوجوديِّ الكيانيِّ، يُفقد استراتيجيّةَ

 

112


101

المقدِّمة

مقاومة التطبيع جزءًا كبيرًا من فعّاليّتها، ويضع حملةَ المقاطعة أمام مهمّةٍ توعويّةٍ يوميّةٍ دائمة.

أمَّا أحزابُ اليسار، التي يتوقّع المرءُ أن تكون في واجهة قوى المقاطعة والتصدّي للتطبيع، فهي تعاني ارتباكاتٍ كثيرةً لا مجالَ لاستعراضها ولو سريعًا. ومع أنّ قلبَها وعقلَها مع المقاطعة، فإنّ غالبيّتَها قليلًا ما شاركتْ في اجتماعات الحملة أو نشاطاتِها منذ تأسيسها سنة 2002؛ بل إنّ  بعضَ عناصرها يتصرّف كأنّه في حال تناقضٍ و«تنافسٍ» معها للأسف. علاوةً على ذلك، ثمّة، داخل هذا اليسار، فئةٌ مزايدة، وأُخرى تشرّبتْ بعضَ قيم «الليبراليّة» بحكم احتكاكها بمنظَّمات المجتمع المدنيّ ذاتِ المعاييرِ المائعة.

التحدّي الخامس: الإعلام

تعادي وسائل الإعلام اللبنانيّة، بخاصَّةً الفضائيّة، المقاطعةَ ومقاومةَ التطبيع في سياستها العامّة. وكان لهذه المحطات مواقف بالغة القسوة واللاموضوعيَّة مع مشاريع مقاطعة العدوّ. هذا، ويَجْمع بين هذه المحطّات رميُ المقاطعة بالجهل والتخلّف وضربِ الفنِّ والاقتصاد.

أمّا إعلامُ الـ«بيْن ــ بين» في لبنان، فيحاول أن يوضِحَ «وجهتَي النظر»، ويَتركَ للمُشاهدِ الحُكمَ. وقد يتجاهل خبرَ التطبيع من أساسه أحيانًا، إذا لم يكن (مثيرًا) ولم يجْلِبْ من «الرايتينغ» ما يكفي. وهناك في هذه المحطّة مَن عادى وما يزال يعادي حملة المقاطعة بطريقة مبنيّةَ على كمٍّ من الادّعاءات «المهنيّة».

 

113


102

المقدِّمة

أمّا الإعلامُ المقاوم، فهو أكثرُ تجاوبًا مع المقاطعة ومناهضةِ التطبيع،

 

114


103

المقدِّمة

ولا يُمْكن في أيّ حالٍ مقارنتُه بالإعلام السابق. إلّا أنّه غير ممنهج ويلْحق الخبرَ الآنيَّ، ولا يؤسِّس لثقافةِ مقاطعةٍ حقيقيّةٍ مستديمة؛ لكنْ للإنصاف، ينبغي القول إنّ إعلامَ المقاومة يخطو حثيثًا باتّجاه مواجهةٍ أكبرَ للتطبيع بمختلف أشكاله، الأمرُ الذي يرتِّب على حملة المقاطعة مسؤوليّةَ المتابعة الدائمة مع مراسليه وإدارته.

مؤتمر التطبيع في التربية والتعليم في لبنان: مؤتمر وطني في 17 أيار

هذا على صعيد الإعلام المرئيّ، أمّا على صعيد الإعلام اللبنانيَّ المكتوب، فإنَّها تتعامل مع المقاطعة كأنّها محضُ تخلُّف، أو «وجهةُ نظر» تقتضي أن نتّخذ منها موقفَ الحياد في أحسن الأحوال.

 وفي المقابل، هناك صُحُف أُخرى التي تمثّل حليفًا ثابتًا ودائمًا لحملة المقاطعة، رغم بعض الخلافات غير الجوهريّة، وبعضُها لصالح مواجهة التطبيع على نحوٍ يكون أكثرَ هدوءًا واستيعابًا لظروف التباينات اللبنانيّة. هذا إلى جانب مجلّة «الآداب»، التي كرّستْ مقالات وافتتاحيَّات،

 

 

115


104

المقدِّمة

بل ملفّاتٍ شاملةً أيضًا، على امتداد الأعوام الماضية تخصّ التطبيعَ والمقاطعة، وتستعدّ خلال أسابيع لإصدار ملفٍّ جديدٍ ينبثق عن مؤتمرٍ تنظّمه حملةُ المقاطعة و«اللقاءُ الوطنيُّ ضدّ التطبيع» عن التطبيع في التربية والإعلام والمجتمع.

وما يلفت الانتباه هنا، هو موقف بعض الشخصيَّات التي عُرفت بمناصرتها للقضيَّة الفلسطينيَّة ورفضها للتطبيع؛ حيث أخذت تُبرِّر مشاركتها في لقاء صحافيّ مع صحيفة «هآرتس» بأنّ المقصود من التطبيع إيقاف التعامل مع المؤسَّسات الصهيونيّة دون الأفراد والصحف، وهذا بحدِّ ذاته تطبيع من نوع آخر[1]

التحدّي السادس: التربية

يقول إدريس «تصوّروا أنّ الدولة اللبنانيّة، الملتزمةَ علنًا، في كلّ بياناتها الوزاريّة بعد مؤتمر الطائف، ببذْلِ كلّ الجهود «من أجل تحريرِ ما تبقّى من أراضٍ لبنانيّةٍ محتلّة، وحمايةِ وطننا من عدوٍّ لمّا يزلْ يطمعُ في أرضنا ومياهنا وثرواتِنا الطبيعيَّة... وبشتّى الوسائل المشروعة» (بحسب البيان الوزاريّ للحكومة ما قبل الأخيرة مثلًا)، واصلتْ تعليقَ «محور القضيَّة الفلسطينيّة» في منهاج التاريخ في الصف التاسع أساسيّ لغاية عام 2017. وقد برّر «المركزُ التربويّ للبحوث والإنماء» هذا التوجّهَ بورود «العديد من الملاحظات من جهاتٍ رسميّةٍ وخاصّة»، وبأنّ تدريسَ هذا المحور «يمْكن أن يَطرح إشكاليّةً في المجتمع اللبنانيّ»

 


[1] إلياس خوري، صلب المسيح في «إسرائيل»، زينب صالح، الأخبار، 3/7/2014.

 

116


105

المقدِّمة

مرتبطةً بقراءة الصراع الداخليّ اللبنانيّ أثناء الحرب الأهليّة وعدمِ وجود سرديّةٍ «متّفقٍ عليها وطنيًّا!»[1].

 

وحتى بعد صدور توجيهٍ من وزارة التربية يقضي بإعادة إدراج المحور المذكور، فإنّ ذلك لم يُلحظْ في الامتحانات الرسميّة منذ عام 1997. وهذا يعني ثلاثةَ أمور:

1. أنّ تدريسَه يَخْضع، عشوائيًّا، لـ«رغبة» هذه المدرسة أو تلك.

2. أنّه لن يُدرَجَ، على الأرجح، في أيّ امتحانٍ رسميّ، إذ لن يُسألَ الطلّابُ عمّا لم يُطلبْ منهم جميعِهم درسُه.

3. أنّنا سنواصل تخريجَ طلّابٍ ثانويِّين لا تعرف غالبيّتُهم العظمى شيئًا عن قضيَّة فلسطين ولا عن الصراع العربيّ ــ الصهيونيّ.

ناهيكم عن احتواء بعض كتب الجغرافيا في مناهج البكالوريا العالميّة أو الفرنسيّة خرائطَ لـ «إسرائيل»، وأشكالًا هندسيّةً لعَلَمِها الأبيض والأزرق في بعض كتب الرياضيّات، وحديثًا عن الهولوكوست من دون أدنى إشارةٍ إلى نكبة فلسطين في بعض كتب التاريخ.

 


[1] كلمة سماح إدريس في مؤتمر عامّ لمقاومة التطبيع وإسقاط وادي عربة. م.س.

 

117


106

المقدِّمة

التحدّي السابع: اختلافُ المعايير بين مكافحي التطبيع أنفسهم

هناك اختلافٌ لمعايير مكافحة ومواجهة التطبيع بين ناشطي حملة المقاطعة في لبنان وحملةِ المقاطعة في فلسطين، ما يَسْمحُ لبعض المطبِّعين أو الانتهازيِّين بالنفاذ من ثغرة ذلك الاختلاف. الجديرُ ذكرُه أنّه عام 2007، أقرّ ممثّلو الأحزاب والنقابات والهيئات الشعبيّة في فلسطين وثيقةً تطرح أدنى حدٍّ في تعريف التطبيع من أجل عزل «إسرائيل» دوليًّا، حيث اقتصرتْ معاييرُها على كلّ ما يضربُ الحقوقَ الفلسطينيّة غيرَ القابلة للتصرّف بموجب القانون الدوليّ (الحقّ في تقرير المصير، بما فيه حقُّ اللاجئين في العودةِ والتعويضِ طبقًا لقرار الأمم المتّحدة رقم

194، وكافّة القرارات المتعلّقة بعروبة القدس وعدم شرعيّة الاستيطان ومصادرة الأراضي وتهجير السكّان...).

بيْد أنّ هذه المعايير، رغم كونها طرحًا متقدّمًا بالنسبة إلى السياق الدوليّ، لا تتماشى تمامًا مع المعايير التي ترى وجوب تبنّي حملتنا في لبنان، بخاصَّة أنّنا في بلدٍ طَرد «إسرائيل» من معظم أراضيه ويملك أكثرَ من 150 ألف صاروخٍ ضدّها. لذا، لا نعتبر أنفسَنا ملزَمين بمعايير الحملة الفلسطينيّة.

كما أنّنا لا نكتفي بأن نشترط أن تكون العلاقاتُ مع الإسرائيليّين «خارج سياق مقاومة الاحتلال والاضطهاد»؛ لأنّ هذا الاكتفاء قد يَسمح للمطبِّعين والانتهازيّين العرب 

 

118


107

المقدِّمة

بالزعم أنّ علاقتَهم بالإسرائيليّين تندرج ضمن ذلك السياق، أيْ في «خدمة مقاومة الاحتلال».

ثم إنّ حملة المقاطعة في لبنان لا تحصر مسؤوليّةَ الاحتلال بـ«المؤسَّسات الإسرائيليّة المتواطئة» مع «النظام الاستعماريّ الإسرائيليّ»، على ما نصّت الوثيقة الفلسطينيّة؛ لأنّ أفرادًا يهودًا إسرائيليّين، وبمساعدة وكالاتٍ ومؤسّساتٍ صهيونيَّة وداعمةٍ للصهيونيَّة، يحتلّون أراضي الفلسطينيّين أو منازلَهم.

التحدّي الثامن: المنظَّمات غير الحكوميّة

هناك عددٌ لا يستهان به من هذه المنظَّمات يشكّل بيئةً حاضنةً لكلّ المتخلّين عن المشروع المقاوِم، وعلى رأس بنوده: المقاومة المسلّحة، والمقاطعة الشعبيّة، ومقاومةُ التطبيع. هذه المنظَّمات تستهوي فئةَ الشباب بشكلٍ خاصّ، بسبب سقفها السياسي المنخفض ووظائفِها

 

119


108

المقدِّمة

الماليّة المُجْزية. وقد اقتَنصتْ فرصةَ تخلّي الدولة عن واجباتها الاجتماعيَّة والصحّيّة والبيئيّة والتربويَّة، وفرصةَ تضعضع الأحزاب العِلمانيّة والتقدّميّة اللبنانيّة والفلسطينيّة، فاستقطبتْ مناضلين سابقين وحاليّين، وحوّلتْ أجنداتِهم تحويلًا جذريًّا: من العدالة الاجتماعيَّة إلى العدالة الانتقاليّة، ومن التحرير إلى التمكين، ومن الاشتراكيّة إلى محو الأمّيّة. وبات على جميع العاملين في السياسة، لا في مجال مقاومة التطبيع فقط، أن يواجهوا جيشًا جرّارًا من «الناشطين» الساخرين من المقاطعة والمقاومة والاشتراكيّة وكلِّ سرديّاتِ التحرير الكبرى[1].

استطلاع رأي: المؤشِّر العربي في مسألة التطبيع

خلافًا لما تروِّجه بعض وسائل الإعلام العربيَّة حول مسألة التطبيع مع الكيان الصهيونيّ، تشير المعلومات والتحليلات إلى أنَّ الكيان الصهيونيّ لا يزال يُشكِّل أكبر تهديدٍ للأمَّة العربيَّة والمنطقة، وأنَّ أغلبِيَّة الناس في جميع الدول العربيَّة ينظرون نظرة سلبيَّة إلى ميل بعض حكوماتهم إلى تطبيع العلاقات مع «إسرائيل»[2].

 

 


[1] للمزيد من المعلومات حول المنظَّمات غير الحكوميَّة انظر كتاب (الوجه الآخر للمنظَّمات غير الحكوميَّة) الصادر عن مركز المعارف للدراسات الثقافيَّة عام 2020

[2] موقع المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات.

 

120


109

المقدِّمة

وافق، في آخر استطلاعٍ للرأي، 92% من الرأي العام في العالم العربيّ أنَّ «إسرائيل» تُشكّل تهديدًا لأمن واستقرار المنطقة، فيما عارض فقط 3% هذه الفكرة، وتُظهِر هذه الإحصائيَّات زيادةً مقارنةً بنتائج عام 2016، حيث وافق 89% من العالم العربيّ أنَّها تشكّل خطرًا للمنطقة من ذلك العام.

وأحدثُ مثالٍ على البيانات المتاحة في هذا المجال هو تقرير المؤشِّر العربيّ 2017/2018 الصادر عن المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسيّات، الذي يهدف إلى الوقوف على اتّجاهاتِ الرأي العام العربيّ نحو مجموعةٍ من المواضيع الاقتصاديّة والاجتماعيَّة والسياسيّة، بما في ذلك اتّجاهات الرأي العام نحو قضايا الديمقراطيَّة، وقيم المواطنة والمساواة، والمشاركة المدنيَّة والسياسيّة.

قضيَّة فلسطين والنزاع العربيّ - الإسرائيليّ

أَوْلَى المؤشِّر الاهتمام، كعادته، لمواقف الشارع العربيّ من القضيَّة الفلسطينيّة، بل نظرة العرب اتّجاه الكيان الإسرائيليّ والاعتراف به أو التطبيع معه. وطَرح المؤشِّر العربيّ عِدَّة أسئلة على أعدادٍ كبيرةٍ من الشعب العربيّ، من بينها سؤال (هل تشكِّل القضيَّة الفلسطينيّة قضيَّة لكلّ العرب أم أنَّها تُعتَبر قضيَّة الفلسطينيّين وحدهم؟)، و(ما هي وجهة نظرك حول المعاهدات الثلاثيَّة الموقَّعة بين الطرفين العربيّ والإسرائيليّ؟)، و(ما هو موقفك من اعتراف بلادك بـ «إسرائيل»؟).

وفيما يتعلَّق بنوع التعامل مع القضيَّة الفلسطينيّة، فإنَّ أغلبيَّة

 

121


110

المقدِّمة

المستجوبين (77%)  أجابوا أنَّها تخصّ جميع العرب، فيما أجاب 15% منهم أنَّ القضيَّة الفلسطينيّة تخصَّ الفلسطينيّين وحدهم، والجدير بالملاحظة في هذه القضيَّة أنَّ أعلى نسبة تصويت أتت من الأردن (90%) وتونس (89%) ومصر (85%) والسعوديَّة (80%) ولبنان (80%) حيث أكّدوا على أنّ القضيَّة الفلسطينيّة هي قضيَّة كلّ العرب، وقد بلغت هذه النسبة على الأقل 64% في فلسطين نفسها، و67% في العراق و72% في السودان.

ومقارنةً مع استطلاع عام 2016 في هذه القضيَّة، أظهرت النتائج هذا العام زيادةً لا تزال أقلّ ممَّا كانت عليه في استطلاعات سابقة، حيث بلغت هذه النسبة 84%  عام 2011 و2012 و2013 وانخفضت إلى 77% عام 2014، وبعد ذلك عام 2015 و2016 وصلت إلى الحدّ الأدنى 75%، ثم عادت لترتفع عام 2017 لتبلغ 77%.

في المقابل، ارتفع عدد الذين يعتقدون أنَّ قضيَّة فلسطين هي قضيَّة الفلسطينيّين أنفسهم، وكانت هذه النسبة حوالي 8% و9% في 2011

 

123

 


111

المقدِّمة

و2012 و2013، ثم ارتفعت إلى 14% عام 2014. وعام 2015 و2016 وصلت نسبة هؤلاء إلى ذروتها 18%، فيما وصلت في العام الحالي إلى 15% تقريبًا.

إذا قمنا بمقارنة هذه النتائج بين عامي 2011 و2018 نلاحظ أنّ نسبة من ينظرون إلى القضيَّة الفلسطينيّة كمسألة تخصّ كل العرب قد انخفضت في جميع البلدان، لكنَّها انخفضت بنسبة أكبر (27% ) عند الفلسطينيّين أنفسهم. نقطة أخرى مثيرة للاهتمام هي الزيادة الكبيرة في هذه النسبة داخل كل من مصر والسعوديَّة، ويمكن ربط هذا الأمر بسبب الدعايات الإعلاميّة والخطابات الداعية إلى التطبيع مع العدوّ الإسرائيليّ.

هل يقبل العرب أن تعترف بلدانهم بـ «إسرائيل»؟

إنَّ الاعتراف بـ «إسرائيل» يواجه معارضةً جادَّةً وقويَّةً في العالم العربيّ. حيث رفض 88% من المستجوبين أن تعترف بلدانهم بـ «إسرائيل»، مقابل 8% من المستجوبين أفادوا أنهم يقبلون اعتراف بلدانهم بـ «إسرائيل» واشترط نصف الذين وافقوا على أن تعترف بلدانهم بالكيان أن يتمّ إنشاء دولة فلسطينيَّة مستقلَّة.

 

124


112

المقدِّمة

وكانت أعلى معدَّلات المعارضة للعلاقات مع الكيان الإسرائيليّ في لبنان (97%) والأردن (94%) وتونس (93%)، فيما بلغت 91% في كلّ من فلسطين وموريتانيا، وهنا يجب تسليط الضوء على نقطتين مهمتين:

1. في البلدان الثلاثة التي وقّعت معاهدة السلام مع الكيان الإسرائيليّ، وهي مصر والأردن وفلسطين، فإنَّ الأغلبيَّة المُطلَقة من الناس يعارضون تطبيع العلاقات مع تل أبيب، ففي الأردن، بلغت هذه النسبة 94% وفي فلسطين 91% وفي مصر تصل إلى 87%.

2. في السعوديَّة، عارض 55% من المستجوبين اعتراف بلادهم بالكيان الإسرائيليّ وتطبيع علاقاتهم معها، فيما وافق 9% منهم فقط على ذلك. وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ 36% من المستجوبين لم يجيبوا على هذا السؤال. كما انخفضت نسبة المعارضين بحدود 30% فيما ارتفعت 2% نسبة الموافقين مقارنة مع العام الماضي.

 

125


113

المقدِّمة

· ملخَّص نتائج التقرير

1. تُظهر النتائج صورة الكيان الإسرائيليّ في المجتمع العربيّ، وزيف ادّعاءات بعض الحكومات العربيَّة أنَّ الجمهوريَّة الإسلاميّة الإيرانيَّة هي عدوّ العرب الأول، كما تُظهر أيضًا عدم قبول أغلبيَّة الشعب العربيّ تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيليّ.

2. يعكس الفرق في النتائج بين مختلف البلدان والتغير الملحوظ في النسب خلال فترات الاقتراع المختلفة حقيقة أنَّ الرأي العامّ يتأثَّر بالدعاية التي يقوم بها هؤلاء المعارضون، ولكن هؤلاء يتأثَّرون أوَّلًا وقبل كل شيء بالظروف المتغيِّرة والعلاقات والسلوكيَّات، وثانيًا إنَّ نسبة التأثّر بهذه الادّعاءات في مختلف المناطق التي لديهم نفوذٌ فيها ضئيلة وغير متساوية.

3. تُعدُّ ردود أفعال محور المقاومة على السلوك الإسرائيليّ، ونقل السفارة الأمريكيّة إلى القدس، وصفقة القرن التي أعلنها ترامب، وعدم تفاعل السعوديَّة الكبير مقابل هذه الإجراءات، هي فرصة جيِّدة من أجل زيادة التنسيق بين الشعوب العربيَّة والإسلاميّة من أجل التوحّد وإيجاد استراتيجيَّة للعمل ضدَّ ما يقوم به الطرف الآخر.

4. يجب الاهتمام بمخاوف الرأي العام العربيّ من «إسرائيل» وعدم رضاهم عنها وعن المحور الذي يخطو بوضوح نحو تطبيع العلاقات عبر فرض معاهدات جديدة على الشعب الفلسطينيّ، ويتطلَّب ذلك العمل على الحد من 

 

126


114

المقدِّمة

النقاط المثيرة والدعاية التي يتبنَّاها هؤلاء كـ«نفوذ إيران» لعدم استخدامها كمبرِّر لتصرُّفاتهم.

إجراءات لمكافحة التطبيع

يُعتبر التطبيع الثقافيّ أبرز أوجه الحرب الناعمة لامتلاكه مقوّمات وأركان هذه الحرب كافَّة. فالحرب الناعمة تهدف إلى تغيير الوعي وتبديل الأولويَّات ورسم الآفاق المستقبليَّة بما تمتلكه من مصادر قوَّة جاذبة. وما سردناه من مصاديق ثقافيّة للتطبيع يُبيِّن السعي الناعم والخفي في الترويج للعلاقات الطبيعيَّة مع الكيان الصهيونيّ وجعله مكوِّنًا من مكوِّنات المنطقة. ويبدو من خلال ما ذُكر أنَّ مقاومة التطبيع ينبغي أن تنطلق من الوعي والمعرفة أيضًا.

أ. إجراءات ثقافيّة . إعلاميّة:

1. إعادة إيضاح وشرح معنى وخطورة التطبيع للجمهور في وسائلنا وبرامجنا الإعلاميّة. وبيان الفرق بين التطبيع وبين العمالة للعدو. وأنَّه سلوكٌ مجرَّم بنص القانون، وبيان مجالاته واتّساع دائرته وحدوده.

2. التواصل الدائم مع النخب الإعلاميّة والثقافيَّة، من حاملي راية مكافحة التطبيع، وتشجيعهم على متابعة جهودهم وتثمينها، والتأكيد على أنَّ هذا الجهد مُقدَّر ودوره فاعلٌ في التأثير إيجابًا على منع اتّساع دائرة التطبيع مع العدوّ.

3. الاستثمار الدينيّ والثقافيّ والإعلاميّ في مواقف رجال الدين والمؤسَّسات الثقافيَّة والإعلاميَّة، والسياسيّين والنخب، 

 

127


115

المقدِّمة

ممَّن يُعادون، أو هم مستعدُّون للانخراط في أنشطة مكافحة التطبيع، عبر مساهماتهم في كتابات أو مقابلات أو ندوات، على أن يُعمل لاحقًا على تغطيتها إعلاميَّا والترويج لها لدى الجمهور العامّ.

4. شنّ حملات تثقيفيَّة إعلاميَّة دعائيَّة متواصلة، تُذَكّر اللبنانيِّين بأنَّ

إسرائيل هي العدوّ، وتُذَكّر بمجازره واعتداءاته في لبنان، وكذلك في أطماعه.

5. التأكيد ضمن الحملات التثقيفيَّة والإعلاميّة على أنَّ حَمَلَة جوازات السفر من الجنسيَّات الأخرى غير اللبنانية (مزدوجي الجنسيَّة)، لا يعفيهم ذلك من المساءلة القانونيَّة في لبنان في حال زاروا الكيان أو طبَّعوا معه.

6. الإيضاح في إطار الحملة الإعلاميّة للعقوبات المنصوص عليها في القانون للحالات والجرائم التطبيعيّة وعدم مقاطعة العدوّ. وذلك عبر مقالات وتقارير ومقابلات وندوات وحلقات حواريَّة، في مختلف المنابر الثقافيَّة ووسائل الإعلام المتاحة.

7. التعميم بضرورة الامتناع عن التواصل مع العدوّ و«مواطنيه ومؤسَّساته وكلَّ أجزاء الكيان الصهيونيّ»، عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، مع إمكان المساءلة أمام القانون بخاصَّة في بيئة ومؤسَّسات ومجتمع حزب الله.

8. التغطية الإعلاميّة لتحرَّكات وأنشطة «مقاطعة إسرائيل» وأنشطة مواجهة التطبيع في لبنان والعالم.

 

128


116

المقدِّمة

9. الاستفادة ثقافيًّا وإعلاميًّا من التركيز على إبراز وتظهير الأصوات العربيَّة المعادية والمقاومة للتطبيع بخاصَّة من فلسطين وسوريا وتونس ومصر وغيرها لأجل التخفيض التكتيكي لقيمة ووتيرة الأصوات اللبنانيَّة التطبيعيّة الشاذَّة والمحدودة التي يعمل التطبيعيُّون على تكبير وتضخيم حضورها الإعلاميّ بدعمٍ أميركيٍّ صهيونيٍّ خليجيٍّ.

10. تعميم ضرورة عدم التفاعل مع العدوّ عبر مواقع وشبكات التواصل

الاجتماعيّ، والتأكيد على أنَّ الرد على أفراد العدوّ وناشطيه، هو عمليَّة تفاعل، والمطلوب عدم الرد وعدم التفاعل، لأنَّ التفاعل ولو كان سلبيًّا وعدائيًّا اتّجاه العدوّ هو أحد أهم أهداف العدوّ لاستدراج جمهورنا وبيئتنا، ويُعدُّ من ناحيته، نجاحًا باهرًا. بما في ذلك، خطأ اشتراك أفراد يعملون في جهات رسميَّة في حزب الله - الإعلام الحربيّ المركزيّ- في الردِّ على الناطق بلسان الجيش الإسرائيليّ أفيخاي أدرعي (نموذج «كرتونة أفيخاي» على شبكات التواصل الاجتماعيّ).

ب ـ إجراءات سياسيَّة وقانونيَّة وعمليَّة:

1. العمل من خلال المجلس النيابيّ، على تعزيز الردع ومنع التطبيع، من خلال تعزيز العقوبات وتشديدها، وتوسيع قدرة القضاء في التوسُّع في فهم النصّ القانونيّ وتطبيقه، وسدّ الثغرات القانونيَّة التي يَنفُذُ من خلالها التطبيعيُّون للنفاذ من الملاحقة القانونيَّة. هذا الجهد يستلزم عملًا من قِبَل النوَّاب، والأولى أن لا يكونوا من حزب الله كي يشارك الآخرون في 

 

129


117

المقدِّمة

العمليَّة باعتبارها عمل وطنيٌّ مقاوم وواجبٌ (الاقتراح يتعلَّق بكتلة الوفاء للمقاومة والحلفاء في المجلس النيابي).

2. تعزيز توجّهات وإجراءات ملاحقة وقائع وأحداث وأشكال التطبيع، من قِبل الجهات المختصَّة في حزب الله، لتحقيق مطلبين: الأوَّل المسارعة في اكتشاف حالات التطبيع، والثاني المسارعة إلى فضحها وإسقاطها وكذلك محاسبتها. وهنا قد يقع على عاتق حزب الله أساسًا، اكتشاف حالات التطبيع، لكن عمليَّة فضح التطبيع -والعمل على مكافحته- الأَوْلَى أن يكون من قِبَل جهات غير حزب الله وغير محسوبة عليه مباشرةً لإعطائها البعد الوطنيّ والقوميّ العام.

3. العمل على دفع وتحفيز وتشجيع جهاز الأمن العامّ وغيره على

 

130

 

 


118

المقدِّمة

التشدُّد في تطبيق القوانين والإجراءات المرعيَّة في مكافحة التطبيع.

4. على الصعيد الثقافيّ الداخلي، التعميم على علمائنا ضرورة إعادة التذكير بالحرمة الشرعيَّة تجاه أي شكل من أشكال التطبيع مع العدوّ ووجوب المقاطعة الشاملة من البضائع إلى وسائل التواصل الاجتماعيّ.

5. الاستفادة من مكتب مقاطعة إسرائيل و«الكيان الصهيونيّ» في وزارة الاقتصاد اللبنانيَّة وتفعيل دوره.

6. الاستفادة من موقع وزارة الخارجيَّة والمغتربين ومن شبكة البعثات والسفارات والقنصليَّات لملاحقة الحالات التطبيعيّة للبنانيّين المغتربين ومنع ذلك قانونيًّا والتحذير منه (بخاصَّة لدى الطلاب اللبنانيِّين في الجامعات الأجنبيَّة الأوروبيَّة والأميركيَّة).

7. رفع سقف المواجهة الثقافيَّة والسياسيّة مع الإدارة الأميركيَّة ومؤسَّساتها ورموزها، والربط بين المشروعين الأميركيّ والصهيونيّ، كي نضمن التسخين ضدَّ التطبيع، ونُحصِّن جمهورنا ضدَّ التطبيع، لأنَّ تقلّص درجة العداء ضدَّ الشيطان الأميركيّ الأكبر ساهم في تخفيض الشعور بمخاطر التطبيع مع الشيطان الصهونيّ الأصغر.

8. إعداد تقارير دوريَّة ونشر إحصاءات بجرائم العدوّ وأعمال الحصار والتضييق على قطاع غزة، وترجمتها وإرسالها إلى مرجعيَّات سياسيَّة وثقافيّة وإعلاميَّة وقانونيَّة ومنظَّمات ووكالات دوليَّة للحصول على قرارات دوليَّة

 

131


119

المقدِّمة

تُدين جرائم إسرائيل، ونشر هذه التقارير لتعميم حالة مكافحة التطبيع ورفع مستوى التعبئة ودرجة العدائيَّة الفكريَّة والنفسيَّة اتّجاه العدوّ لدى شرائح واسعة.

 

9. العمل على رعاية أو تنظيم مؤتمر دوليّ سنويّ (أو كل 3 سنوات) في لبنان، يضمّ المؤتمر كلّ الناشطين والأكاديميّين والقانونيِّين والمثقّفين والطلاب من كلّ الجنسيَّات سيما الغربيَّة منها لتعزيز ثقافة مقاطعة العدوّ الإسرائيليّ والكيان الصهيونيّ.

 

132


120
ثقافة التطبيع والحرب الناعمة