قبسات مهدوية من خطاب الأمين

قبسات مهدوية من خطاب الأمين


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2021-01

النسخة:


الكاتب

مجلة بقية الله

بقية الله مجلة إسلامية جامعة متنوعة المواضيع متوجهة إلى جمهور القراء؛ لذا فهي تعتمد أسلوب اللغة الواضحة، والمفهومة، وبساطة التعبير، مع المحافظة على العمق والدقة؛ بحيث يمكن للجميع قراءة مضمونها مهما كانت مستوياتهم العلمية، حيث يجد كل منهم ما يستحق القراءة ويحقق الاستفادة.


المقدّمة

إلا أنّ هذه العقيدة المهمّة، حيث كانت تتناول الحديث عن أمر غيبيّ يتعلّق بمستقبل البشريّة، وما يؤول إليه مصيرها، صارت مسرحاً لدى بعضهم للتوظيف والتلاعب بعواطف الناس وعقيدتهم بهذا الإمام العظيم.

ومن هنا، تصدّى العلماء والخطباء المسؤولون لتبيان النظرة الصحيحة للروايات التي يتداولها الناس في الحديث عن العقيدة المهدويّة، سواء على مستوى التفسير الصحيح، أو التوجيه العلميّ، أو تمييز الرواية الصحيحة من غيرها، أو دراسة أبعادها المختلفة...

وقد قام سماحة الأمين العامّ السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) بإلقاء مجموعة من الخطابات في هذا المجال، في مناسبات متعدّدة، اشتملت على موضوعات قيّمة وتوجيهات نافعة ومفيدة، أحببنا في مجلّة بقيّة الله جمعها وترتيبها وتبويبها، ووضعها بين أيدي القرّاء الأعزّاء للاستفادة منها في طرح الثقافة المهدويّة والاطلاع عليها.

 

8


1

المقدّمة

إلا أنّ هذه العقيدة المهمّة، حيث كانت تتناول الحديث عن أمر غيبيّ يتعلّق بمستقبل البشريّة، وما يؤول إليه مصيرها، صارت مسرحاً لدى بعضهم للتوظيف والتلاعب بعواطف الناس وعقيدتهم بهذا الإمام العظيم.

ومن هنا، تصدّى العلماء والخطباء المسؤولون لتبيان النظرة الصحيحة للروايات التي يتداولها الناس في الحديث عن العقيدة المهدويّة، سواء على مستوى التفسير الصحيح، أو التوجيه العلميّ، أو تمييز الرواية الصحيحة من غيرها، أو دراسة أبعادها المختلفة...

وقد قام سماحة الأمين العامّ السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) بإلقاء مجموعة من الخطابات في هذا المجال، في مناسبات متعدّدة، اشتملت على موضوعات قيّمة وتوجيهات نافعة ومفيدة، أحببنا في مجلّة بقيّة الله جمعها وترتيبها وتبويبها، ووضعها بين أيدي القرّاء الأعزّاء للاستفادة منها في طرح الثقافة المهدويّة والاطلاع عليها.

 

8


2

المقدّمة

عملنا في هذا الكتاب

1. قمنا بجمع وإعداد مادة هذا الكتاب من مجموعة خطابات سماحة الأمين العام حفظه الله في مناسبات متعددة، بعضها نشر سابقاً وبعضها لم ينشر.

2. أجرينا بعض التحرير والتغيير الطفيف وحذف التكرار، وبعض التقديم والتأخير، والترتيب الموضوعي، مع المحافظة على مضمون الخطاب وطريقة عرضه كما جاء على لسان سماحته.

3. وثّقنا بعض ما أشار إليه سماحته من آيات وروايات ونصوص في الهامش.

4. رتّبنا الكتاب ضمن تمهيد وفصول وخاتمة، ووضعنا عناوين لها ولموضوعاتها بما يتناسب معها.

في الختام، نسأل الله تعالى أن يحفظ إمامنا ولي أمر المسلمين الإمام الخامنئي}، وأن يحفظ سماحة الأمين العام، ويعجِّل في فرج مولانا صاحب العصر والزمان صلوات الله عليه، ويجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه، إنّه سميع مجيب.

مجلّة بقيّة الله

 

9


3

تمهيد

تمهيد

تُنشد البشريّة اليوم، بعد هذه التّجارب والحروب كلّها، الحاجةَ إلى نظام عالميّ يضمن الاستقرار، ويحقّق العدل والسلام والأمن في العالم.

اليوم، وبسبب النّظام الرّسميّ في الأعمّ الأغلب من الدول في العالمَين العربيّ والإسلاميّ، وهشاشة الأنظمة، وافتضاح الحكّام، والظلم، والقمع، وسوء الحال، وبسبب حجم الخلافات القائمة على المستوى العرقيّ، والمذهبيّ، والقطريّ، والمناطقيّ، والطائفيّ، والمحلّيّ، والحزبيّ، والفئويّ، والشخصيّ، لو قمنا -مثلاً- باستفتاء الأمّة كلّها، سوف نجد أنّها تتطلّع إلى قائدٍ عظيمٍ وكبيرٍ ومنقذٍ ومخلّصٍ، يمكنه أن يلمّ شَعَثها، ويجمع كلمتها، ويوحّدها، ويعيد إليها عزّها الماضي. فمَن هو هذا القائد الذي يمكنه ذلك -بعد مئات السنين، وبعد صعوبات الماضي والحاضر وتحدّيات المستقبل كلّها-، وأن يجمع أمّة المليار وأربعمئة مليون مسلم؛ ليجعل منها أقوى أمّة في هذا العالم، سوى ابن بنت رسول الله المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)؟[1].

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في 11/3/2003م.

 

11


4

تمهيد

هذه المرحلة التي نعيشها اليوم تختلف عن الأيّام الغابرة، نتيجة وجود الفضائيّات والإنترنت ووسائل الإعلام وثورة الاتصالات. فالشخص يستطيع، وهو جالسٌ في مكانه، أن يعرف أغلب ما يجري في العالم من أحداث وتطوّرات ومصائب ومآسٍ ومظالم تُنقل عبر وسائل الإعلام، نسمعها، ونتأثّر بها.

اليوم، نحن في عالم مليء بالظلم والقهر والجوع والتجويع والفساد والحروب والقتل والجريمة، حتّى بعض الدول التي يبدو من بعيد أنّها دول آمنة، هي دول تنخر فيها الجريمة ليلاً نهاراً.

اليوم، عندما نقرأ إحصاءات العالم العربيّ عن الجِياع والأمّيّين والعاطلين عن العمل، نعرف أعداد المحتاجين الذين يعيشون تحت خط الفقر بكثير. وفي مقابل هؤلاء المحتاجين، تملك بعض الشخصيّات العربيّة وحدها 3000 مليار دولار في البنوك الأميركيّة من أموال النفط؛ نفط العرب والمسلمين.

هذه هي مظالم هذا الزمن، وهذا العصر. وهناك أشخاص ليس لديهم أدنى مشكلة في إنفاق مئات ملايين الدولارات من أجل الفتنة في هذا البلد أو ذاك، ولكنّهم ليسوا مستعدّين لأن يدفعوا فلساً واحداً من أجل تعليم أو طبابة أو إطعام أو تحقيق أمن واستقرار.

اليوم، شعوب العالم كلّها تبحث عن حلّ، والعالم مليء بالمشاكل التي تعود أسبابها إلى الفساد والظلم والجرائم،

 

12


5

تمهيد

كما تنتظر تحوّلاً وتغييراً كبيرَين يجب أن يحصلا لدى الإنسان والبشريّة. فمن منطلق حاجتنا إلى حلّ جذريّ -نحن المسلمين شيعةً وسنّة- نؤمن بالإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه).

إذاً، نحن عندما نتحدّث عن هذه الحاجة، لا نقصد حاجة مجموعة من الناس أو أهل لبنان أو أهل المنطقة أو الشيعة أو السنّة أو المسلمين أو المسيحيّين أو جيل من الأجيال، بل إنّنا نتحدّث عن حاجة حقيقيّة واقعيّة لكلّ إنسان، ولكلّ بشريّ على وجه هذه الأرض يعاني من الظلم، ويبحث عن العدل، ويعاني من الحروب، ويبحث عن الأمن والاستقرار والعدالة والكرامة وعزّ العيش، في الدنيا والآخرة؛ لأنّ بركات فرج الإمام صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه)، وبعده السيّد المسيح (عليه السلام)، ليست فقط على دنيا البشريّة، بل ستكون عظيمة جدّاً على آخرتها أيضاً؛ لأنّ هذه الراية هي راية هداية إلى الله والصلاح والتوحيد والعبوديّة لله سبحانه وتعالى وحده في هذه الأرض[1].

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 11/8/2012م.

 

13


6

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

المبحث الأوّل:
 معرفة الغيب وفوائد الاطلاع عليه

الغيب والمستقبل مثار اهتمام الناس

يوجد في العالم اليوم -وكذا في الماضي- اهتمامٌ كبير لدى الناس جميعاً بأنباء المستقبل وأخباره، وإن كان بعضهم يهتمّ بتلك الأخبار للبحث عن الحقائق التاريخيّة. وكشاهدٍ يؤكّد حبّ الناس واهتمامهم بتلك الأخبار، واستماعهم لها، ما نراه في ليلة رأس السنة من تنافس بين القنوات التلفزيونيّة في عرض أخبار الفلكيّين والمنجّمين والدجّالين، ومشاهدة الناس لهم؛ لأنّ الإنسان بفطرته وغريزته ينشدّ إلى المستقبل، ومستعدّ لأن يستمع ساعات عدّة إلى هذه الأخبار دون أن يشعر بالملل؛ كونها في حدّ ذاتها جذّابة. هذا على مستوى الأفراد، أمّا على مستوى الدول والحكّام والإدارة السياسيّة في العالم، فإنّهم يبنون على أساس هذه الأخبار خيارات مصيريّة، وكذلك يعتمدون عليها في دراسة الموقف، وخلفيّات الموقف[1].

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 19/5/2017م.

 

17


7

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

أميركا تهتمّ بأخبار آخر الزمان

من المعروف أنّ أغلب رؤساء أميركا -دولة العلم والحضارة والتكنولوجيا- لديهم خطٌّ ساخنٌ مع المنجّمين، فإنّهم يستشيرونهم في دخول الحرب الفلانيّة، أو توقيع الاتّفاقيّة المعيّنة.

منذ مدّة كُشِف النقاب في الولايات المتّحدة عن وجود مراكز دراسات تابعة للبنتاغون والـ CIA، متخصّصة بما له صلة بآخر الزمان، وخصوصاً بما له صلة بالإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه). ومن خلال هذه المراكز، استطاعوا تجميع عدد من المخطوطات والكتب التي لم تصل إلينا نتيجة الحروب والغزوات، مكّنتهم من الحصول على عددٍ من الأخبار الحاكية عن آخر الزمان؛ وهم يهتمّون بها، ويدرسونها، ويبنون عليها[1].

وقرأت في بعض الدراسات الأكاديميّة ذات القيمة العلميّة، أنّ من أهمّ أسباب إصرار الأميركيّين على إقامة قواعد لهم في السعوديّة وفي منطقة شبه الجزيرة العربيّة وفي العراق، هي قراءاتهم للأخبار والنبوءات التي تقول لهم إنّ القائد الذي ينتظره المسلمون سيخرج من مكّة، وإنّ أوّل حركته ومواجهته ستكون في شبه الجزيرة العربيّة وفي العراق. فالأميركيّون والإسرائيليّون باتوا قلقين بشكلٍ جدّيّ على بقاء هذا الكيان الغاصب السرطانيّ الذي اسمه «إسرائيل».

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 19/5/2017م.

 

18


8

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

وأنا أقول لهم: اجمعوا اليهود من أنحاء العالم كلّه في فلسطين، أحسنتم، فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفاً. ها أنتم تجمعون اليهود من أنحاء العالم كلّه إلى فلسطين. ها أنتم تُسقطون جميع الأقنعة الكاذبة والخادعة في الحديث عن السلام والأمن والقانون الدوليّ والمنظّمة الدوليّة والنظام العالميّ والاستقرار؛ لتكشفوا عن وجوهكم المتوحّشة التي تعشق سفك الدماء والاستبداد والهيمنة. وهذا الأمر سيعجّل بالفرج، وسوف يعجّل بعودة السيّد المسيح (عليه السلام) إلى الدنيا[1].

اليهود أكثر مَن يعوّل على أنباء المستقبل

إنّ اليهود هم أكثر مَن يعوّل على أنباء المستقبل؛ وذلك راجعٌ إلى عاملين أساسيّين:

1. كثرة الأنبياء المبعوثين لهدايتهم.

2. كثرة الروايات الحاكية عن آخر الزمان الموجودة لديهم.

فقد وصلت إليهم أحداثٌ كثيرة، وكان أنبياء اليهود يُخبرونهم بما سيحصل؛ لذلك كان لديهم أخبار كثيرة من أنباء الغيب، سواء الذي تحقّق منه -كبعثة النبيّ (صلى اله عليه وآله)- أو لم يتحقّق، كأخبار آخر الزمان. ولليهود مراكز دراسات تبحث في الأنباء الموجودة في كتبهم.

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 11/3/2003 م.

 

19


9

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

ومن الوقائع التي جرت، وأثبتت أنّهم يعملون انطلاقاً من هذه الروايات لمحاربة الإرادة الإلهيّة، هي خوف الإسرائيليّين كثيراً بعد انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران، على الرغم من بُعدِ المسافة؛ وذلك أنّه قد ورد في كتبهم ورواياتهم وعلى لسان أحبارهم أنّ دولتهم سوف يزيلها جيشٌ يأتي من المشرق، ولأنّ إيران إذا قامت لها قائمة، وثبّتت نظاماً وقوّة، بحسب نبوءاتهم وإخباراتهم وكتبهم، ستكون هي العامل الأساس الحاسم في هزيمة «إسرائيل» وإزالتها.

لذلك، عندما ظهر فشل حرب صدّام حسين على إيران، احتلّ جيش العدوّ الإسرائيليّ في العام 1982م جنوب لبنان؛ لقطع الطريق على إيران، وحينها قال رئيس حكومة العدوّ «بيغن»: إذا أراد الخمينيّ -بحسب قوله- أن يرسل قوّاتٍ إيرانيّةً إلى فلسطين سندمّرها في الأردن؛ أي في الطريق، مع العلم أنّ إيران كانت في طور التأسيس والإصلاح لِما خلّفه الشاه من مفاسد[1].

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 19/5/2017م.

 

20


10

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

المسلمون وأخبار الغيب

لقد أخبر الله في القرآن الكريم على لسان النبيّ محمّد (صلى اله عليه وآله) عن المستقبل وآخر الزمان. كما يمتلك المسلمون ثروة هائلة من الروايات عن الرسول (صلى اله عليه وآله) موجودة في كتبهم عمّا سيحصل آخر الزمان، وثمّة عناية بهذا الأمر لديهم، خصوصاً عندما يصل الأمر إلى مسألة مهمّة جدّاً، كمسألة المهديّ المنتظر(عجل الله تعالى فرجه)[1].

أخبار الغيب والحرب النفسيّة

في أيّامنا، ومع تطور وسائل الاتّصال والإعلام، أصبحت الأخبار التي تتحدّث عن المستقبل منتشرة أكثر، خصوصاً مع الأحداث والتطوّرات الهائلة والخطيرة التي يشهدها العالم، ويشهدها العالمان العربيّ والإسلاميّ، حيث ازداد استغلالها -في بعض الأماكن- بأشكال مختلفة؛ إذ يلجأ بعض الناس -ليبرهنوا على أنّ طريقهم طريق الحقّ، وليؤكّدوا على صوابيّة قرارهم وخيارهم- إلى أخبار المستقبل وأخبار آخر الزمان. وبعضهم من أجل الكلام عن الانتصارات والهزائم يستفيد من هذه الأخبار؛ لاستخدامها في الحرب النفسيّة، سواء أكانت هذه الأخبار روايات خاصّة عن الرسول (صلى اله عليه وآله) والصحابة، أم عن متنبّئين ومنجّمين[2].

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 29/10/2014م.

[2] المصدر نفسه.

 

21


11

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

مَن يعلم الغيب؟

نحن كمسلمين، من عقيدتنا أنّه لا يعلم الغيب إلّا الله سبحانه تعالى. نعم، قد يُطلع الله تعالى -لحكمةٍ ما ولمصلحة العباد ولهدايتهم ولإرشادهم ورحمةً بهم- بعضَ الأنبياء والمرسلين أو بعض الملائكة على بعض غيبه أو علمه. وهؤلاء لا يعلمون إلّا ما أعلمهم به الله، وبحدود ما أطلعهم عليه سبحانه ليس أكثر، وهم لا يدّعون أكثر من ذلك أيضاً، يقول تعالى: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيءٖ مِّن عِلمِهِۦ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾[1].

طريق معرفة الغيب ومرجعه

نحن نؤمن أن لا طريق إلى علم الغيب والمستقبل، سوى الطريق الذي منشؤه ومرجعه الله سبحانه وتعالى، كالأخبار الواردة في القرآن الكريم، أو ما جاء عن الأنبياء (عليهم السلام) من الأنبياء (عليهم السلام)، أو ما سمعه الجيل الأوّل عن رسول الله (صلى اله عليه وآله)، أو ما وصلنا عن طريق أهل البيت (عليهم السلام)، أو ما سُمع عنهم (عليهم السلام).

إذاً، هذا الطريق هو الوحيد المتاح أمام الإنسان ليعلم المستقبل علماً صحيحاً ويقينيّاً، وليس أوهاماً وشكوكاً وخيالات[2].

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 255.

[2] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 29/10/2014م.

 

22


12

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

المنامات والرؤى الصادقة

إنّ المنامات التي يراها الناس أكثرها أضغاث أحلام، لا يعوّل عليها، وبعضها رؤى صادقة. والرؤيا الصادقة قد تحصل لمؤمن ولغيره، كما أخبرنا القرآن الكريم عن عزيز مصر عندما قال: ﴿وَقَالَ ٱلمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبعَ بَقَرَٰتٖ سِمَانٖ يَأكُلُهُنَّ سَبعٌ عِجَافٞ وَسَبعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضرٖ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٖ﴾[1]، وأيضاً: ﴿يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسقِي رَبَّهُۥ خَمرٗاۖ وَأَمَّا ٱلأخَرُ فَيُصلَبُ فَتَأكُلُ ٱلطَّيرُ مِن رَّأسِهِۦ قُضِيَ ٱلأَمرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَستَفتِيَانِ﴾[2].

وفي هذا الموضوع، لو وصلنا إلى تشخيص رؤيا ما أنّها صادقة، فمَن يفسّرها؟ مثلاً، رؤيا فرعون احتاجت إلى النبيّ يوسف (عليه السلام) ليفسّرها، وكذلك رؤيتَا صاحبَي السجن.

وفي الخلاصة، المنامات ليست حجّة من الناحية الشرعيّة، ولا يمكن اعتمادها أو البناء عليها، ولا يصحّ لأحد أن يتصرّف عمليّاً على أساس أنّه رأى مناماً[3].

 

 


[1] سورة يوسف، الآية 43.

[2] السورة نفسها، الآية 41.

[3] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 29/10/2014م.

 

23


13

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

لماذا لا نعلم الغيب؟

سخّر الله عزّ وجلّ، بحلمه وكرمه، للإنسان الكثير من أبواب العلم والمعرفة، حتّى بات لدينا اليوم في عالم التكنولوجيا والاتّصال والأبحاث العقليّة والفلسفيّة كمّ هائل، ولكنّه أقفل باب علم الغيب؛ رحمةً ورأفةً بعباده وإشفاقاً عليهم. وممّا يدلّ على ذلك، أنّ الله سبحانه لو وهب أحداً منّا علم الغيب وأطلعه -مثلاً- على أنّ أباه سيموت في يومٍ محدّد، وأمّه ستموت بمرض فلانيّ وزوجته أيضاً وابنه وهو، كيف ستصبح حياته بعد علمه؟ ولو أطلع الله الإنسان على علم المنايا، وبات يعلم كيف سيموت الناس كلّهم ومتى، فهل تهنأ حياة هذا الشخص؟

نحن إذا علمنا أنّ شخصاً قريباً لنا سيموت بعد ثلاثة أشهر بمرض السرطان، وهو في المستشفى، عندما نراه لا نستطيع تحمّل رؤيته، فكيف سنتحمّل هذه المعرفة؟

لأجل ذلك، ولأنّ الله عزّ وجلّ رحيم بنا، وأراد لنا حياة سويّة، أقفل علينا هذا الباب. ولأنّه تعالى أراد لنا أن نكدّ، ونسعى، ونجاهد، ونتعلّم، ونعلم، ونصبر، ونتحمّل، فهذه الدنيا دنيا الابتلاءات، وصنعُ الكمالات والرقيّ. وخوضُ الامتحان والاختبار يحتاج إلى عمل؛ فإذا أصبح كلّ شيء واضحاً أمامنا لتعطّلت الحياة، وهي التي بناها الله على الحكمة.

لذلك، لم يخبر الله تعالى بعض أنبيائه من الغيب إلّا ما هو

 

24


14

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

بمقدار المصلحة المرتبطة بحياة الناس ودينهم ومستقبلهم وراحتهم الدينيّة والدنيويّة والأخرويّة[1].

فوائد الاطّلاع على أخبار المستقبل

1. فائدة عقائديّة: تصديق الأنبياء (عليهم السلام)

إنّ الله تعالى عندما يخبرنا عن المستقبل في القرآن الكريم، فلا شكّ في أنّ له حكمة ورحمة وراء ذلك، وكذلك ما ورد على لسان النبيّ (صلى اله عليه وآله) إنّما هو لهدف وحكمة. والله عزّ وجل أطلع رسُله وأنبياءه على الغيب لهذه المصلحة، سواء اكتشفنا الحكمة منها أو الفائدة أو لم نكتشف، فمن المؤكدّ أنّ هناك حكمة.

وعلى المستوى العقائديّ، فمتابعة هذه الأحاديث والتثبّت منها، والتأكّد من صحّتها، له فائدة عظيمة. فالأنبياء (عليهم السلام) عندما كانوا يأتون إلى قومهم كانوا يُطالَبون دائماً بدليل، والدليل هو المعجزة، وكان للنبيّ (صلى اله عليه وآله) معجزة أو معاجز حتّى لا يختلط الأمر على الناس، ويصبح أيُّ شخصٍ مدّعياً للنبوّة والرسالة والاتّصال بالغيب. ومن جملة معاجز الأنبياء السابقين (عليهم السلام)، موسى وعيسى (عليه السلام) مثلاً، كان الإخبار عن المستقبل، وعمّا سيحدث. فقد ورد أنّ النبيّ عيسى (عليه السلام) كان يخبر الناس عمّا يوجد في بيوتهم[2]، ونُقل عن نبيّنا (صلى اله عليه وآله) -بعد التثبّت من النقل- هذا الكمّ

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 29/10/2014م.

[2] يقول تعالى: ﴿وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ أَنِّي قَدۡ جِئۡتُكُم بِ‍َٔايَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ أَنِّيٓ أَخۡلُقُ لَكُم مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيۡ‍َٔةِ ٱلطَّيۡرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيۡرَۢا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُبۡرِئُ ٱلۡأَكۡمَهَ وَٱلۡأَبۡرَصَ وَأُحۡيِ ٱلۡمَوۡتَىٰ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۖ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأۡكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾؛ سورة آل عمران، الآية 49.

 

25


15

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

الهائل من الأخبار المتعلّقة بالمستقبل، فنقرأ الماضي والحاضر، ونجد أنّ الكثير ممّا تحدَّث عنه النبيّ (صلى اله عليه وآله) تحقّق ووقع. أليس هذا دليلاً على صدق هذا النبيّ (صلى اله عليه وآله)، وعظمته، وسَعة علمه بما كان وبما هو كائن إلى يوم القيامة؟ نحن الذين نؤمن بنبوة النبيّ محمّد (صلى اله عليه وآله)، نزداد إيماناً بنبوّته وكرامته، وهذا له فائدة واضحة. فعندما يأتي شخص مثلاً، ويخبرنا بقضيّة ما فتصحّ، وأخرى فتصحّ أيضاً، ومئة قضيّة فتصحّ، هذا يزيدنا ثقةً بقدراته، حتّى لو لم يكن يتكلّم عن الغيب، فكيف إذا كان نبيّاً يخبرنا عن الوحي، وأنّه سوف يحدث ما يحدث على مدى مئات السنين إلى قيام الساعة، وهو يتكلّم عن الغيبيّات، وقد تحقّق أغلبها، وسوف تحدث أمورٌ أخرى في المستقبل؟ فهذه فائدة عقائديّة من المعرفة، بينما لو أهملنا هذا البحث، وأبقيناه في الكتب لما استفدنا منه[1].

2. الأمل بالمستقبل

تساهم هذه الروايات في تعزيز الأمل بالمستقبل، وهي على قدر كبير من الأهميّة. فاليوم يتفشّى في واقعنا الإسلاميّ جوّ من الضغط النفسيّ أكثر من أيّ وقت مضى، وذلك يعود إلى عوامل كثيرة لم تكن موجودةً في الأزمان السابقة.

ففي الماضي، لم يكن أهل المشرق يطّلعون على ما يقع على أهل المغرب من أحداث، لبُعد المسافات وضعف التواصل بين البلدان، فكان أهل كلّ بلد على دراية بشؤون بلدهم فقط.

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 31/10/2014.

 

26


16

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

أمّا اليوم، وبسبب اتساع رقعة الفضائيّات ووسائل الاتّصال، فإنّا نسمع ونرى كلّ شيء، ونطّلع على الأحداث كلّها، في مشارق الأرض ومغاربها، ونتأثّر بها، ما يرفع نسبة الضغط النفسيّ، خصوصاً إن كانت الأحداث تطال المسلمين بسوء. كما أنها مترابطة بشكل كبير، ففي الماضي أيضاً، لم يكن هناك تخطيط لإدارة العالم ككلّ، أمّا اليوم، فقد اختلفت الظروف، حيث باتت بعض الدول الكبرى تسعى إلى إدارة العالم بالنحو الذي يخدم مصالحها، ما يفرز صراعاً دوليّاً وإقليميّاً وتحديّاتٍ جديدة، على الصعد الفكريّة والعسكريّة والثقافيّة كلّها.

مضافاً إلى ذلك، توجد كوارث طبيعيّة وأمراض ومشاكل بيئيّة، كما أن أعداد البشر متزايدة باطّراد، ما يزيد من عامل الضغط النفسيّ الذي يؤدّي إلى غياب الأمل.

لذا، فإعادة الأمل وفتح الأفق على مستقبل زاهر أمر ضروريّ، كما لفتنا، والأمل هنا هو في الوعد الإلهيّ أنّه سيأتي زمان يحكم فيه المؤمنون المستضعفون العدول، ليقام السلام العالميّ، ويتحقّق الرفاه، فيفتحون أبواباً للعلم لم يصل إليها أحد. والإنسان، باطّلاعه على أخبار الغيب، يتعلّق بهذا الأمل، ما يولّد عنده العزم والإرادة والتصميم على العمل للتهيئة وللتحضير لهذا الأمل.

3. الانتظار الإيجابيّ

كما أنّ هذه الروايات على قدر من الأهمّيّة فيما خصّ الجانب

 

27


17

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

العمليّ في حياة المسلمين. فعندما يعلم الإنسان -عبر اطّلاعه على أخبار المستقبل- أنّ حدثاً تاريخيّاً وعالميّاً غير مسبوق بهذا الحجم سيحصل، وهو انهيار الطواغيت والجبابرة وقيام حكومة الصالحين المؤمنين المستضعفين في الأرض، فإنّه حتماً سيتشكّل في نفسه دافع عمليّ كبير نحو التحضير لهذا الحدث العظيم، الذي هو حلم الأنبياء، والذي سيتحقّق في آخر الزمان.

فحدثٌ كهذا لا يمكن حصوله مصادفةً، وبسحر ساحر، بل يحتاج إلى مقدّمات كثيرة وعلى المستويات كافّة للوصول إليه، ومنها المستوَيان الذهنيّ والفكريّ، وعلى بني البشر التحضير له وتهيئة الأسباب لتحقّقه، كما أنّه لا يحدث دفعةً واحدة، ولا يقع دون مؤشّرات وعلامات ودلائل، فلا يمكن أن نستيقظ يوماً لنجد أنّ الطواغيت قد سقطت، ودولة العدل قد قامت، بل إنّ البشر هم أنفسهم أدوات تحقيق دولة العدل الإلهيّ.

فالفائدة هنا هي توليد الدافع النفسيّ والثقافيّ للتمهيد والتهيئة والتحضير لتحقّق هذا الحدث؛ فقد كانت نبوّة موسى (عليه السلام) مثلاً منتظرةً من بني إسرائيل لمئات السنين، حيث تعرّضوا ولسنوات طويلة للعذاب والاستعباد من قِبل الفراعنة، ولكن كان عندهم أمل بما أخبرهم به أنبياؤهم، من أنّه سيأتي نبيّ عظيم يخلّصهم من فرعون وعمله وظلمه.

وانتظار بني إسرائيل لنبيّهم موسى (عليه السلام) لم يكن مستنداً إلى المجهول، بل كانت لديهم علامات للزمن الذي سيخرج فيه، والعلامات تلك كانت معلومةً لهم، كما واطّلع عليها فرعون

 

28


18

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

وأعوانه، فكانوا يذبحون في تلك السنة الأولاد الذين يولدون، ليحول ذلك دون ولادة موسى (عليه السلام).

ثمّ انتظر اليهود بعد ذلك العهدِ السيّدَ المسيح (عليه السلام)، ولكنّهم عند ولادته اتّهموا أمّه مريم الطاهرة (عليها السلام)، وظلموها، علماً أنّهم كانوا ينتظرون ولادته مئات السنين، حيث كان الأنبياء السابقون له يبشّرون به، ويذكرونه في إخبارهم عن المستقبل، وكانت علامات زمن ظهوره متحقّقةً.

وكذا نبيّنا (صلى اله عليه وآله)، فإنّه مذكور في كتب اليهود، وقد كان علماؤهم يترصّدون ولادته، ويخبرون العرب أنّه سيولد هنا نبيّ آخر الزمان، كما كان هذا الأمر معلوماً عند المسيحيّين، بل كان معروفاً في إيران أيضاً، فإنّ سلمان الفارسيّ جاء من إيران بهدف اللقاء بالرسول (صلى اله عليه وآله).

وبناءً على ما مرّ، نقول: إنّ حدثاً بهذا المستوى؛ أي قيام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) وعودة السيّد المسيح (عليه السلام) إلى الأرض، لا يمكن وقوعه فجأةً ومن دون مقدّمات وتمهيد واستعداد نفسيّ وروحيّ وثقافيّ وفكريّ وميدانيّ وبشريّ، بل إنّ عودة السيّد المسيح (عليه السلام) إلى الدنيا لا تعود محمودةً مع غياب عامل الانتظار الإيجابيّ

 

29


19

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

والجدّيّ، وإلا تآمر عليه اليهود مجدّداً، ولا يعود -مع غياب هذا العامل- مقبولاً بالمعايير العقلائيّة للمهديّ (عجل الله تعالى فرجه) أن يقوم لِئلّا يخذله الناس كما خذلوا جدّه الحسين (عليه السلام)، بل من المفترض أن يوجد أنصار وعابدون مؤمنون ليرثوا الأرض، فيأذن اللّه حينها لأوليائه بالحركة والخروج.

4. الأمل باقتراب الفرج

وهي فائدة أخرى من فوائد الاطّلاع على أخبار الغيب، حيث يبشّر تحقّقُ كلّ علامة من علامات الظهور باقتراب الأمل بالفرج الإلهيّ، والحال معها كحال المسافر من محلّة إلى أخرى، فإنّه يشهد على الطريق طوال فترة سفره لافتات تدلّ على المسافة المتبقّية لبلوغ المدينة المقصودة، وهذا أمر مفيد لكونه يُبقي الأمل بالوصول، ويشحذ من همم المسير.

فالبشر لولا اطّلاعهم على هذه الأخبار، لما كان لديهم أيّ قرينة وعلامة على الفرج، ولضاقت عندئذ لديهم دائرة الأمل بالفرج، ولأدّى ذلك بهم إلى الإحباط؛ إذ حتّى الآيات القرآنيّة التي تحكي عن علامات آخر الزمان، فإنّ بالإمكان تأويلها -لولا هذه الإشارات والقرائن- بأنّها تحكي عن يوم القيامة.

أمّا واقع الحال، فإنّ بين أيدينا علامات وإخبارات وتوقّعات لأمر الظهور، وإنّ كلّ تحقّق لواحدة من العلامات هو بشرى باقتراب الفرج وعامل لتعزيز الأمل كما ذكرنا؛ ولذا فالتعلّق بالمستقبل أمر حاسم لخلق الإرادة والعزيمة والجِدِّية[1].

 

 


[1]  من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 29/10/2014م.

 

30


20

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

المبحث الثاني:
 مبدأ الانتظار في الأديان السماويّة

مبدأ الانتظار في الأديان السماويّة

إنّ أتباع الديانات كلّهم يتطلّعون، ويترقّبون، وينتظرون الظهور والمخلّص، وهذا موجود في الكتب، وراسخ في التربية الدينيّة، ويُذكر في الخطابات والمؤتمرات ومواقع التواصل الاجتماعيّ، ولكن لكلّ دين سماويّ مبدأ يعوّل عليه في انتظاره له، ورجائه إيّاه.

انتظار اليهود

يعتقد اليهود بأنّ السيّد المسيح (عليه السلام) لم يُبعَث بعد، ولم يُولَد، وأنّ عيسى ابن مريم ليس هو المسيح، ويطلقون عليه أوصافاً معيبة، ويعتقدون أنّ مسيحهم سيأتي في آخر الزمان؛ ليُقيم دولتهم على وجه الأرض كلّها، وهم ينتظرونه على طريقتهم. وليتنا نتعلّم -مع الأسف الشديد- من الفكرة العامّة التي ينتظرون بها مسيحهم، وهي ليست فكرة الانتظار السلبيّ، وإنّما فكرة إحكام السيطرة على المقدّسات، وعلى الأموال، وعلى البنوك، وعلى وسائل الإعلام، وعلى أجهزة الاستخبارات،

 

31


21

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

وعلى المؤسّسات الدوليّة بانتظار أن يأتي مسيحهم، ليعلنوه ملك الملوك على هذا العالم؛ هؤلاء هم اليهود[1].

ثمّة اتّفاق بيننا وبينهم على كلمة المسيح (عليه السلام)، ولكنّ المسيح (عليه السلام) الذي يتطلّع إليه اليهود، ويتوقّعون مجيئه، ويعتبرونه ملك العالم الذي سيرث الأرض، ليس المسيح عيسى ابن مريم (عليها السلام)، وإنّما مسيح آخر؛ لأنّهم -كما حصل في التاريخ- أنكروه، ورفضوه، وحاربوه، وافتروا على أمّه الصدّيقة السيّدة مريم (عليها السلام)  بُهتاناً كبيراً وعظيماً، على الرغم ممّا أظهره من معجزاتٍ عظيمة وكريمة وقويّة[2].

قلق اليهود

عندما تحصل أحداث معيّنة، يرتفع منسوب الانتظار عند الكثير من حاخامات اليهود مثلاً، ولكنّ اعتقادهم خاطئ؛ لأنّ الذي سيأتي ليس من يأملون! وسيتكرّر ما حصل معهم في مدينة يثرب وفي المدينة المنوّرة، إذ يُقال إنّ بني النضير وبني قريظة الذين جاؤوا، وسكنوا في المدينة وفي شبه الجزيرة العربيّة، كانت كتبهم الدينيّة تقول لهم إنّ نبيّاً آخر الزمان سيخرج من هذه الأرض، ومن هذه المدينة، وتبيِّنُ مواصفاتِه، فانتظروه مئات السنين، وتوارثوا هذه الثقافة جيلاً بعد جيل. وعندما وجدوا أنّ النبيّ ليس منهم، وإنّما هو محمّد بن عبد الله

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 5/12/1998م.

[2] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 7/4/2020م.

 

32


22

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

الهاشميّ القرشيّ العربيّ التهاميّ المكيّ المدنيّ، كانوا أوّل مَن أعلن عليه الحرب والعداء!

ثمّة حالة قلق لدى اليهود، حتّى في ثقافتهم الدينيّة، على دولة «إسرائيل»، الكيان الغاصب لفلسطين المحتلّة. وأنا سمعت كلاماً مسجّلاً لوزير الحرب الإسرائيليّ يتحدّث بقلقٍ عن مستقبل دولة «إسرائيل»، ويقول: أُقيمت لنا دولتان في التاريخ؛ دولة في زمن داوود وسليمان (عليهما السلام)، ودولة ما قبل الميلاد بنحو 150 أو 160 سنة، وكلتا الدولتين لم تصل إلى عمر الثمانين عاماً. فدولة «إسرائيل» الحاليّة باتت تقترب من عمر الثمانين؛ ولذلك هم خائفون وقلقون، خصوصاً أنّ كلتا التجربتين السابقتين سقطت بسبب الاختلافات، والصراعات الداخليّة، والاجتياح الخارجيّ. ولذلك عندما يشعرون بالخطر، يرتفع منسوب الانتظار[1].

انتظار المسيحيّين

يعتقد المسيحيّون أيضاً بعودة السيّد المسيح (عليه السلام) إلى الدنيا؛ ليمارس عملية الإنقاذ البشريّ من جديد. والسيّد المسيح الذي سيعود إلى الدنيا هو عيسى ابن مريم (عليها السلام).

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 7/4/2020م.

 

33


23

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

وهذه نقطة اتفاق واشتراك؛ لأنّ المسلمين أيضاً يعتقدون بعودته (عليه السلام) إلى الدنيا في آخر الزمان، لكنّهم يؤمنون بتحالف استراتيجيّ ومصيريّ ونهائيّ ووحدويّ بالمطلق بين السيّد المسيح (عليه السلام) وإمام المسلمين من عترة رسول الله (عجل الله تعالى فرجه)؛ هذا هو الفارق[1].

يوجد في العالم المسيحيّ منظّمات ضخمة -خصوصاً في الولايات المتحدة الأميركيّة- ثقافتها وأيديولوجيّتها وبرنامجها وخططها وأعمالها اليوميّة وعملها الإعلاميّ والدعائيّ، ذلك كلّه ينصبّ على هذا الموضوع، وطبعاً لهم طريقتهم الخاصّة في معالجة هذا الموضوع. أمّا عموم المسيحيّين، فينتظرون على طريقتهم عودة السيّد المسيح (عليه السلام)؛ ليرفع الظلم، ويقيم ملكوت الله في الأرض.

ومن الطبيعيّ أنّ حالة الانتظار هي حالة ترقّب وتوقّع، وتطلّع إلى المستقبل الواعد. وقد وُضِعت في الديانات كلّها علامات وظواهر، تحدّثت عن إرهاصات تبشّر بمجيء وتحقّق هذا الوعد وهذا الأمل. ولذلك كان الناس طوال التاريخ يبحثون عن هذه العلامات، وهذه الظواهر، وهذه

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 30/11/2001م.

 

34


24

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

الإرهاصات، ويدقّقون فيها؛ فيقبلون بعضها، ويرفضون الآخر، ويتابعون من خلال تطوّر الأحداث في العالم إن تحقّقت، وهل نحن نقترب أم نبتعد.

الجميع يتطلّع إلى هذا المستقبل، المسيحيّون كلّهم يعتقدون بعودة المسيح إلى الدنيا، وأنّه سيظهر، وهناك جمعيّات مسيحيّة ضخمة تعمل على ثقافة الانتظار والتمهيد للسيّد المسيح (عليه السلام)، ولكن -مع الأسف- بعضهم يعمل على التمهيد بصورةٍ مختلفة؛ لأنّهم يعتبرون أنّ من جملة العلامات لعودة المسيح هو اجتماع اليهود في فلسطين. وقد تكون هذه العلامة ممّا يعتقده المسلمون أيضاً بناءً على بعض التفسيرات الواردة في بداية سورة الإسراء[1]، ولكن على نحوٍ من الفهم المختلف.

والجمعيّات المسيحيّة تعمل على مساعدة اليهود على الاجتماع تحت سماء فلسطين من أجل ذلك، مع أنّها تؤمن أنّ

 

 


[1] يقول تعالى: ﴿وَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا ٤ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا ٥ ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا ٦ إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُ‍ُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا ٧ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يَرۡحَمَكُمۡۚ وَإِنۡ عُدتُّمۡ عُدۡنَاۚ وَجَعَلۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَٰفِرِينَ حَصِيرًا﴾؛ سورة الإسراء، الآيات: 4-8.

 

35


25

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

هذه الأرض لأصحابها، وهذه عقيدة الصهيونيّة المسيحيّة[1].

وهذا الخطّ موجود اليوم بقوّة في الولايات المتحدة الأميركيّة وفي وزارة الدفاع الأميركيّة تحديداً، حتّى الذين يضعون الخطط والسيناريوهات، ويرسمون استراتيجيّات الولايات المتّحدة الأميركيّة على مستوى العالم، الآن هم يهود من جماعة نتنياهو، ومن جماعة الليكود، وأسماؤهم معروفة.

هذا التيّار؛ أي الصهيونيّة المسيحيّة، له نفوذ قويّ الآن في وزارة الدفاع وفي أجهزة الأمن الأميّركية وفي مواقع القرار في البيت الأبيض. ويُقال إنّ ريغن وجورج بوش ينتسبان إلى هذا التيّار، وإنّ كونداليزا رايس هي امرأة مؤمنة متديّنة تؤمن بما تفعل، وتتقرّب إلى الله تعالى بذلك. فما هي المشكلة إذاً؟

الخطّ أو التيّار المسيحيّ يؤمن بعودة السيّد المسيح إلى الدنيا. وقد خرقت الصهيونيّة اليهوديّة هذا المبدأ لترتّب روايات ونبوءات، وتقول: من أجل أن نضمن عودة سريعة للسيّد المسيح (عليه السلام) إلى الدنيا، يجب أن نوفّر ظروف عودته ومعطياتها، فما هي الظروف والمعطيات؟ من أهمّها: أن نجمع اليهود من شتات العالم إلى فلسطين المحتلّة، ونبني لهم دولة اسمها «إسرائيل»، وأن تكون هذه الدولة قويّة جدّاً ومسيطرة

 

 


[1]  من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 19/5/2017م.

 

36


26

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

الولايات المتحدة الأميركيّة، حيث يبرز تحالف وثيق وقويّ جدّاً في القيادة والإدارة بين أصحاب الشركات الكبرى من النفط والصناعة والسلاح وتّيار الصهيونيّة المسيحيّة، يتحرّك بهذه الخلفيّة، وتقاطع مصالح لم يسبق له مثيل في تاريخ الإدارات الأميركيّة. هذا هو التحدّي الذي نواجهه اليوم، وهذا هو الخرق الذي أحدثه اليهود في المسيحيّة.

وإن كانت النبوءات الإسلاميّة تتحدّث عن قيام دولة كهذه في فلسطين، واجتماع اليهود من أنحاء العالم كلّه، لكن ليس من أجل أن يحكم مسيحهم الدجّال العالم، وإنّما يريد الله سبحانه وتعالى أن يوفّر علينا عناء الذهاب إلى أنحاء العالم كلّه لقتالهم، فهم سيجتمعون في مكانٍ واحد، وستكون المعركة الحاسمة والفاصلة، والتاريخ محكوم بالسير في هذا الاتجاه كما أثبتت التجارب كلّها منذ خمسين أو ستّين سنة إلى الآن؛ فالمستقبل ليس مستقبل التسوية مع الكيان الإسرائيليّ[1].

انتظار المسلمين

يتّفق المسلمون مع المسيحيّين على انتظار السيّد المسيح (عليه السلام)، ولكنّهم أيضاً يؤمنون بظهور ‏رجل قائد ومصلح

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 30/11/2001م.

 

38


27

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

كبير وعظيم من أولياء الله عزّ وجل، من ذريّة رسول الله محمّد (صلى اله عليه وآله) ‏ومن نسل السيّدة فاطمة سيّدة نساء العالمين (عليها السلام)، هو المهديّ (عجل الله تعالى فرجه). هذا ممّا يجمع عليه المسلمون، وإن كانوا ‏يتفاوتون أو يختلفون في بعض ما يتعلّق بهذا القائد المصلح الآتي في آخر الزمان، بين مَن يقول إنّ المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) وُلد، وأنّه هو الإمام محمّد بن الحسن العسكريّ ابن الإمام الهادي ابن الإمام الجواد ابن الإمام الرضا وصولاً ‏إلى أعلى السلسلة، وأنّه وُلد في الخامس عشر من شعبان سنة 255 للهجرة في مدينة سامرّاء، وأنّه ‏ما زال على قيد الحياة، وأنّه سيظهر للبشريّة وللعلن وللملأ عندما تتوفّر ظروف الانتصار، ومن يقول من المسلمين إنّ الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) سيولد في الزمن الذي يقدّر الله ويشاء أن ‏يخرج فيه؛ ليقيم العدل ويمحو الفساد والظلم في العالم كلّه قبل موعد ظهوره بما يقارب ‏الأربعين عاماً؛ لأنّه عندما يظهر يكون له من العمر أربعون عاماً،‏ لكنّ وجود هذا الإمام في مستقبل البشريّة، وحركته وانتصاره والتحوّل الذي ‏سيصنعه هذا الإمام في تاريخ البشريّة هي نقاط إجماع بين المسلمين.‏

ونحن، كمسلمين، نضيف في إيماننا أنّ التحوّل في مستقبل

 

 

39

 


28

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

البشريّة سيتحقّق على يدَي السيّد المسيح ‏(عليه السلام) الذي نعظّمه ونقدّره، وعلى يدَي حفيد رسول الله وخاتم النبيّين محمّد (صلى اله عليه وآله)[1].‏

فالمسلمون -إذاً- يعتقدون ويتّفقون على أنّ حفيداً لرسول الله من وُلد فاطمة (عليها السلام)، سيظهر في آخر الزمان؛ ليقيم دولة العدل الإلهيّ في الأرض، وسيخرج معه عيسى (عليه السلام)، ويُصلّي خلفه في المسجد الأقصى[2].

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ ‏22/4/2019م.

[2]  من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 05/12/1998م.

 

40


29

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

المبحث الثالث:
 الغيب والمستقبل في الإسلام

الإيمان بالغيب من عقائدنا

من أهمّ المرتكزات العقائديّة والفكريّة والثقافيّة والتربويّة في الإسلام هو الإيمان بالغيب. ومن جملة الأمور الأساسيّة التي نجدها في كتاب الله القرآن المجيد وفي الكتب السماويّة السابقة على القرآن، وفي كلمات أنبياء الله ورسله (عليهم السلام)، هي مسألة الإخبار بالغيب وبالمغيبات بشكل عامّ. ومن أهمّ معجزات الأنبياء والرسل (عليهم السلام) هو إخبارهم بالمغيّبات؛ أي أن يأتي رجل ويخبر عن الماضي أخباراً صحيحة، ويخبر عن المستقبل أخباراً صحيحة، ويصحّ كلّ ما أخبر به. وهذا لا يمكن أن يحصل إلّا من خلال اتّصال بالسماء وبمصدر الغيب ومنبع الغيب وبالعلم الإلهيّ وبالوحي الإلهيّ[1].

إذاً، نحن نؤمن بالغيب، وهذا جزء من عقيدة الأنبياء (عليهم السلام) جميعاً، يقول الله تعالى: ﴿الم ١ ذَٰلِكَ ٱلكِتَٰبُ لَا رَيبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلمُتَّقِينَ ٢ ٱلَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِٱلغَيبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقنَٰهُم

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 8/2/2006م.

 

41


30

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

يُنفِقُونَ ٣ وَٱلَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبلِكَ وَبِٱلأخِرَةِ هُم يُوقِنُونَ﴾[1]. إذاً، إنّ أوّل صفة للمتّقين هي إيمانهم بالغيب، ثمّ بما أُنزل إلى رسول الله، وبما أُنزل من قبله، وبالآخرة أيضاً؛ وهذا كلّه من الغيب[2].

روايات المستقبل وآخر الزمان

تزخر كتب المسلمين بالروايات والأحاديث الكثيرة التي تتحدّث عن أحداث المستقبل. فالنبيّ (صلى اله عليه وآله) كان يحدّث أصحابه { عن أحداث المستقبل -المستقبل القريب ومستقبل آخر الزمان- ويقول لهم: سيكون بعدي كيت وكيت وكيت، وصولاً إلى أحداث آخر الزمان وقيام الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) وتحقّق أهدافه، إلى إرهاصات القيامة وأحداثها.

هذا كلّه تحدّث عنه النبيّ (صلى اله عليه وآله) ونقله الصحابة لنا، وأخبر به أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) عنه ونقلوه، وموجود في كتب المسلمين السنّة والشيعة[3].

وهذه الأخبار يمكن تقسيمها على الشكل الآتي:

1. الأخبار التي تحقّقت

ثمّة صنف من الروايات تتحدّث عن أحداث آخر الزمان. طبعاً، آخر الزمان ليس مشروطاً ضمن العشر سنين أو

 

 


[1] سورة البقرة، الآيات 1-4.

[2] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 29/10/2014م.

[3] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 5/6/2015م.

 

42


31

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

العشرين سنة هذه، بل قد يطول كثيراً، والدليل على ذلك أنّنا في الأدبيّات الإسلاميّة نقول إنّ رسول الله محمّداً (صلى اله عليه وآله) هو نبيّ آخر الزمان. إذاً، نحن في آخر الزمان، ولكن كم سيمتدّ؟ عشرات السنين؟ مئات السنين؟ آلاف السنين؟ العلم عند الله سبحانه وتعالى. ليس لدينا في الأدبيّات والنصوص الإسلاميّة نصّاً إسلاميّاً يذكر تاريخاً محدّداً لولادة النبيّ آدم (عليه السلام)، أو تحديداً زمنيّاً حول بداية تاريخ البشريّة، وإذا وُجد مَن يحدّد، فهو يقدّم رأياً شخصيّاً، كما لا يوجد توقيت لآخر الزمان؛ لأنّ آخر زمان الدنيا يعني قيام الساعة، وقيام الساعة هي من العلم الذي اختصّ الله به نفسه، ولم يُطلع عليه أحداً حتّى من أوليائه وأحبّائه.

كان هناك مَن يتحدّث عمّا له علاقة بآخر الزمان أو مستقبل الزمان بعد رسول الله (صلى اله عليه وآله)، بعد الجيل الأوّل، دون أيّ ربط بالمهدويّة أو عودة السيّد المسيح (عليه السلام)، أو تحقّق العدل الإلهيّ على الأرض، وعلى امتداد مئات السنين.

ومن المسلّم به أنّ أحد الأشكال التي تؤكّد مصداقيّة هذا النوع من الروايات هو تحقّقها الخارجيّ؛ إذ توجد مجموعة من الروايات التي تتحدّث عن تغيّر أحوال المساجد والحجّ والتجارة وهجران القرآن في زمانٍ ما، وأنّ المعروف سيصير منكراً، والمنكر معروفاً، وغيرها الكثير من المسائل. وهذا كلّه منقول عن رسول الله (صلى اله عليه وآله)، وقد تحقّق في هذا الزمن،

 

43


32

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

سواء في موضوع العلاقات الزوجيّة، أو الاجتماعيّة، أو السياسيّة، أو حتّى الحكّام، وكذلك في موضوع القضاة والفقهاء والمساجد[1].

ومن جملة الروايات، والتي نسمّيها تداعي الأمم، أن تأتي مجموعة صغيرة، وتلحق هزيمة بالأمّة العظيمة أو بالمجموعة الكبيرة، بعد أن تكون هذه الأخيرة قد أحبّت الدنيا، وتخلّت عن الجهاد. هذا كلّه موجود، وكثير منه تحقّق، وبعضه الآخر لم يتحقّق حتّى الآن. وميزة هذه الروايات بعدم وجود رمز زمنيّ فيها، بالتالي، فلننتظر إن كان سيتحقّق ما قيل أم لا. أمّا أهميّتها فتكمن في أنّها تنبّهنا، وتدعونا إلى أن نلتفت إلى خطورة ما قد يحصل، ومعرفة تكليفنا تجاهه، وعدم الوقوع في فخّه[2].

2. الأخبار التي لم تتحقّق بعد

وهذه الأخبار على نوعَين:

الأولى: أخبار لا ترتبط بالظهور

ثمّة نوع من الأخبار التي تتحدّث عن أحداث قد تحصل في

 

 


[1] انظر: الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد، المفيد، ج2، ص 368.

[2] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 7/4/2020م.

 

44


33

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

المستقبل، ولكنّها غير مرتبطة بالإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، وبعضها قد يتحقّق أمامنا[1].

الثانية: أخبار ترتبط بالظهور

أمّا النوع الثاني من الأخبار، والتي لا إشكال فيها، فهو الذي يربط الأحداث بالمهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، وبالمشروع الإلهيّ الذي سيتحقّق في آخر الزمان. وهي تُقسم إلى:

أ. أخبار لا تتحدّث عن ارتباط زمانيّ محدّد بالظهور

وهي الأخبار التي ليس فيها ربط زمنيّ مشخّص ومحدّد، كأن تقول بعد هذه الحادثة بسبعة أشهر، أو سنة، أو ثلاث سنوات. ولكن يأتي في السياق مثلاً، أن تربط بعض الروايات حصول حادثة ما بفترة ما قبل قيام القائم (عجل الله تعالى فرجه)، دون أيّ تحديد زمنيّ دقيق[2]، وإن كان بعض المحقّقين، من حيث الدلالة، يقولون إنّها تشعر بالقُرب، ومع ذلك لا يوجد أيّ تحديد لهذا القرب.

ب. أخبار تتحدّث عن ارتباط زمانيّ محدّد بالظهور

وهذه الأخبار هي النوع الحسّاس والخطر، والذي أريد أن ألفت إليها؛ لأنّها الأخطر في المعادلة، وهي العلامات التي تتحدّث عنها الروايات مع تحديد زمنيّ، مثل الصيحة، وهي من العلامات المجمع والمتّفق عليها بين المسلمين، وهي بمثابة

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 5/6/2015م.

[2] انظر: الغيبة، النعمانيّ، ص 33.

 

45


34

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

المعجزة الإلهيّة؛ فالصيحة من السماء هي التي ستبشّر البشريّة ببدء هذه الحركة وهذا الظهور. قبل عشرات السنوات، حاول بعضهم القول إنّ المقصود بالصيحة هي الفضائيّات، وهذا كلام غير صحيح؛ لأنّ المقصود فيه هو جانب المعجزة، والصيحة التي ستصدر في السماء ستكون معجزة إلهيّة خارج قوانين الطبيعة وخارج القدرات الطبيعيّة. فالصوت الذي سيأتي من السماء، سيدخل في اللحظة ذاتها إلى كلّ بيت، وإلى كلّ غرفة في الكرة الأرضيّة، وتسمعه حتّى النساء في بيوتهنّ[1]، وبعض الروايات تذكر أنّ الواقف يخرج من البيت، والجالس يقف، والنائم يستيقظ من شدّة الصوت وقوّته[2]. والصوت سيصل كلاماً واضحاً إلى كلّ أذن، وباللغة التي يفهمها كلّ فرد[3]. لا علاقة لهذا الأمر بالدوبلاج، أو بالستلايت، أو بوسائل الاتّصال، ولا بالفضائيّات، ولا بوسائل التواصل الاجتماعيّ. وما بين هذه العلامة وتحقّق الوعد الإلهيّ بظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه) أسابيع أو أشهر أو سنة؛ أي مدّة قصيرة.

أمّا العلامات الأخرى، كالسفيانيّ والخراسانيّ واليمانيّ،

 

 


[1] عن الإمام الصادق(عليه السلام): «وفزعة في شهر رمضان توقظ النائم وتفزع اليقظان وتخرج الفتاة من خدرها»؛ بحار الأنوار، المجلسيّ، ج 52، ص 233.

[2] عن الإمام الباقر(عليه السلام): «... ينادي منادٍ من السماء باسم القائم(عليه السلام)، فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلّا استيقظ، ولا قائم إلّا قعد، ولا قاعد إلّا قام على رجليه فزعاً من ذلك الصوت»؛ كتاب الغيبة، النعمانيّ، ص 260-261.

[3] عن زرارة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السلام) قال: «ينادي منادٍ باسم القائم (عليه السلام)، قلت: خاصّ أو عامّ؟ قال: عامّ يسمع كلّ قوم بلسانهم»؛ الوافي، الفيض الكاشاني، ج 2، ص 445.

 

46


35

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

فكلّها مثل حبّات الخرز[1]، تبدأ بالتحقّق تباعاً، وفي وقتٍ متقارب، وفي السنة نفسها. «فإذا خرج السفيانيّ»، مثلاً، فهذا يعني أنّ أشهراً قليلة تفصلنا عن ظهور صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه)، وكذلك إذا خرج اليمانيّ، فهذا يعني أنّ الإمام صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه) سيظهر بعد أشهر، خصوصاً إذا أخذنا بالروايات التي تتحدّث عن يوم الجمعة أو يوم السبت أو العاشر من محرّم[2][3].

المستقبل للصالحين

في أخبار الغيب، وعدنا الله سبحانه وتعالى أنّ هذه الأرض في نهاية المطاف سيرثها الصالحون والصدّيقون والمبارَكون، وسيُقام فيها العدل، وتتحقّق فيها العدالة والسلام والأمن والاستقرار والسلامة والعافية، وستنفتح فيها الكثير من أبواب الخير للبشريّة. هذا وعد إلهيّ، على الرغم ممّا

 

 


[1] انظر: الغيبة، النعمانيّ، ص 264، وفيه: «خُرُوجُ السُّفْيَانِيِّ وَالْيَمَانِيِّ وَالْخُرَاسَانِيِّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، فِي‏ شَهْرٍ وَاحِدٍ، فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، نِظَامٌ كَنِظَامِ الْخَرَز».

[2] عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت له: جعلت فداك، متى خروج القائم (عليه السلام)؟ فقال(عليه السلام): «يا أبا محمّد، إنّا أهل بيت لا نوقّت، وقد قال محمّد (صلى اله عليه وآله): كذّب الوقّاتون، يا أبا محمّد، إنّ قدّام هذا الأمر خمس علامات: أولاهنّ النداء في شهر رمضان، وخروج السفيانيّ، وخروج الخراسانيّ، وقتل النفس الزكيّة، وخسف بالبيداء،... ولا يخرج القائم حتّى ينادى باسمه من جوف السماء في ليلة ثلاث وعشرين في شهر رمضان ليلة جمعة»؛ كتاب الغيبة، (م.س)، ص 299.

[3] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 7/4/2020م.

 

47


36

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

ستمتلئ به على مدى آلاف السنين من ظلم وفساد وسفك للدماء وعلوّ وعتوّ واستكبار واستضعاف وحروب وفتن وصراعات.

سيأتي زمانٌ على البشريّة تتخلّص فيه من هؤلاء الطغاة، والجبابرة، والفراعنة، والنماردة القدامى والجدد، والمتوحّشين ماليّاً واقتصاديّاً وأخلاقيّاً وبطشاً وقمعاً، وستّتجه البشريّة حكماً إلى اليوم الذي يتحقّق فيه هذا النوع من المجتمع البشريّ الذي تلخّصه بعض الروايات عن رسول الله (صلى اله عليه وآله) عندما يتحدّث عن الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، فيقول مثلاً: «يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً»[1]. وهذا الوعد الإلهيّ سيتحقّق على يد مجموعة كبيرة من الناس اللائقين وقادة كبار من أوليائه العظام.

هناك الكثير من الشواهد القرآنيّة حول هذه الفكرة، مثل قوله تعالى: ﴿وَلَقَد كَتَبنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعدِ ٱلذِّكرِ أَنَّ ٱلأَرضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّٰلِحُونَ﴾[2]. والزبور هو كتاب داوود (عليه السلام) أو أنّه مزامير داوود نفسه. يقول بعض المفسّرين إنّ الذكر هو كتب الأنبياء السابقين (عليهم السلام)، وآخرون يقولون إنّه كتاب موسى (عليه السلام). في الأحوال كلّها، الآية تقول لنا إنّ الله سبحانه وتعالى كَتَب في كتب الأنبياء السابقين هذا الوعد، وأكّد هذا الوعد في القرآن، هذا الكتاب الخالد إلى أبد الآبدين. فالصالحون الأنقياء الطاهرين المخلصين، الذين لا يظلمون، ولا يقتلون ظلماً، ولا

 

 


[1]  انظر: بحار الأنوار، المجلسيّ، ج 36، ص 368.

[2] سورة الأنبياء، الآية 105.

 

48


37

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

ينهبون، ولا يسرقون، ولا يُفسدون، هؤلاء هم أهل العلم وأهل المعرفة وأهل الجدّ وأهل العمل الدؤوب وأهل المسؤوليّة، سيحكمون الأرض ويرثونها.

وبالعودة إلى كتاب العهد القديم والعهد الجديد الموجود الآن، والمتبنّى عند اليهود والمسيحيّين، في المزمور رقم 37 مثلاً من مزامير داوود في الفقرة تسعة يقول: «لأنّ عاملي الشرّ يُقطعون، والذين ينتظرون الربّ هم يرثون الأرض»[1]. وفي الفقرة 11 ورد: «أمّا الودعاء -ودعاء يعني وادع أو وديع؛ أي الناس الطيّبون الوديعون- فيرثون الأرض، ويتلذّذون في كثرة السلامة»[2]؛ أي إنّ السلام والسلامة سيعمّان البشريّة والأرض، والناس سيتلذّذون من كثرة السلام. وفي الفقرة 22 يقول: «لأنّ المباركين منه -مِنَ الله- يرثون الأرض والملعونين منه يُقطعون»[3]. والملعونون هم الفراعنة والنماردة، والطغاة، والمستبدّون، والمتجبّرون، والمتوحّشون، فلا مكان لهم في مستقبل البشريّة. وفي فقرة 29 يذكر: «الصدّيقون يرثون الأرض، ويسكنونها إلى الأبد»[4]. إذاً، هذا الوعد الإلهيّ ثابتٌ في الكتب السماويّة ومتّفق عليه[5].

 


[1] الكتاب المقدّس، المزامير، الفقرة 9، ص 857.

[2] الكتاب المقدّس، المزامير، الفقرة 11، ص 857.

[3] الكتاب المقدّس، المزامير، الفقرة 22، ص 858.

[4] الكتاب المقدّس، المزامير، الفقرة 29، ص 858.

[5] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 7/4/2020م.

 

49


38

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

كيف نتعاطى مع أحداث المستقبل؟

ثمّة موضوع على درجة عالية جدّاً من الحسّاسيّة، وهو: كيف يجب أن نتعاطى مع أحداث المستقبل؟ فالناس يحبّون أن يحدّثهم أحد عن المستقبل.

لذلك، نرى الناس، حتّى لو كانوا لا يؤمنون بالتنجيم، يهتمّون بالبرامج التلفزيونيّة التي يتحدّث فيها المنجّمون والمتوقعون، ويستمعون إليهم؛ لأنّ هذا الموضوع في حدّ ذاته جذّاب. وهنا الخطورة. لماذا؟ لأنّه يفتح الباب أمام الاستغلال. فأيّ موضوع قد يتحوّل إلى نعمة أو نقمة بحسب استخدامنا له، مثل العلم، والسلاح، والمال؛ فهو نعمة يمكن أن نستخدمها في الخير، ونقمة يمكن أن نستخدمها في الشرّ.

فالسلاح، مثلاً، يمكن أن يحمله أحدهم ليدافع عن شعبه وأهله وبلده وأعراضه، ويمكن أن يحمله في الوقت نفسه ليقطع طريقاً، ويعتدي على الناس، الشيء نفسه بالنسبة إلى العلم. وربّما يستغلّ أحدهم هذه الروايات إيجابيّاً، فيؤلّف الكتب، ويحقّق، ويتحدّث بهذه الموضوعات من أجل هداية الناس وإضاءة الطريق أمامهم وبعث الآمال في قلوبهم. وفي المقابل، قد يأتي أشخاص من أجل أن يسرقوا الناس، وينهبوهم، ويستغفلوهم، ويقطعوا طريق الحقّ، ويستغلّوا طيبة الناس وعقولهم وقلوبهم وآمالهم وإيمانهم.

وأمّا في موضوع الظهور، فالأمر نفسه يحصل. أناس كثر

 

50


39

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

يتكلّمون اليوم عن علامات الظهور، فماذا يتطلّب منّا هذا الموضوع؟

وهنا أؤكّد على وجوب الانتباه والحذر؛ لأنّه توجد «موضة» اليوم تتمثّل بقيام أشخاص يتحدّثون عن علامات وعن أحداث وعن وقائع وأمور لا أساس لها في الروايات الإسلاميّة أصلاً، وأحداث وعلامات لم يرد ذكرها حتّى في رواية ضعيفة السند، ولا حتّى في رواية نعلم أنّها مكذوبةٌ وموضوعة، ولم يأتِ ذكرها أيضاً على لسان أحد لا النبيّ (صلى اله عليه وآله)، ولا أهل البيت (عليهم السلام)، ولا صحابة النبيّ الذين نقلوا عنه (صلى اله عليه وآله)، ولا هي موجودة في كتب المسلمين على الإطلاق. ومع ذلك، نجد بعض الناس يجلسون، ويتحدّثون ساعة وساعتين وثلاثاً، ويختلقون أحداثاً وعلامات وشخصيّات وتطوّرات لا صلة لها بالإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، وهي لا أساس لها من الصحّة على الإطلاق، بل هي عبارة عن اجتهادات وتكهّنات شخصيّة من قبيل: هذا رأى مناماً، وهذا سمع من فلان، وهذا رأى أحدهم وهو مارّ بالشارع فنقل له.

هذه الأخبار ليس لها أيّ قيمة على الإطلاق، أمّا ما له قيمة، فهو أن تستند هذه الحادثة أو العلامة إلى روايةٍ تعود إلى مصدر

 

51


40

الفصل الأوّل: الغيب والمستقبل

الوحي ومعدن العلم، وتتّصل بالغيب الإلهيّ؛ أي الروايات الشريفة التي تتّصل برسول الله وأهل بيت العصمة (عليهم السلام). لذلك، يجب أن نرفع منسوب الحذر والانتباه، خصوصاً في ظلّ عالم الإنترنت، أو ما يسمّى بالعالم الافتراضيّ أو المجازيّ؛ لأنّه عالم ضخم وهائل يصعب السيطرة عليه، ما يساعد على ضخّ الكثير من الأفكار والمؤلّفات[1].

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 5/6/2015م.

 

 

52


41

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

المبحث الأوّل:
 الحاجة إلى الفكر المهدويّ

تزايد الاهتمام بالقضيّة المهدويّة

من الواضح أنّه سنةً بعد سنة، نشهد اهتماماً متزايداً بالقضيّة المهدويّة على المستوى العالميّ والبشريّ، سواء كان هذا الاهتمام إيجابيّاً أو سلبيّاً. ففي العالم اليوم، توجد وسائل إعلام، ودراسات، ومنابر ثقافيّة وفكريّة، ومواقع إنترنت، وقيادات سياسيّة تهتمّ بما يجري في العالم والمنطقة، تتداول قضيّة الإمام وعلامات الظهور. والحديث عن الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) في حدّ ذاته، وأن تصبح هذه المسألة مطروحةً بين الناس -على ما ورد في بعض الروايات- هو من العلامات عندنا، وهذه إشارةٌ منيرةٌ إن شاء الله[1].

أصل مسألة المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)

نحن نؤمن ونعتقد أنه في صبيحة يوم الخامس عشر من شعبان وُلد حفيد رسول الله (صلى اله عليه وآله) الإمام الثاني عشر من أئمة أهل

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 19/5/2017م.

 

55


42

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

البيت (عليهم السلام) الذين وعد رسول الله (صلى اله عليه وآله) أمّته بأنه سيكون منهم اثنا عشر إماماً هادياً مهديّاً. وبدأت هذه السلسلة العظيمة والمباركة بأبي الأئمّة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) إلى أن وصلت إلى الإمام الحادي عشر الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام)، وأصبحت الأرض والمحبون كلّهم بانتظار ولادة خاتم هذه السلسلة والوعد النهائيّ، وهو الإمام الثاني عشر(عجل الله تعالى فرجه)[1].

القضية المركزيّة هنا هي قضيّة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) في إخبارات رسول الله (صلى اله عليه وآله). وهنا، نتحدّث عن المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)؛ لأنّه هو الأمل، وباب الرحمة المفتوح أمام هذه الأمّة، وباب النصر الموعود. فعندما نعود إلى كتب المسلمين الحديثيّة، سوف نجد أنّ الكثير من الأحاديث المرويّة عن رسول الله (صلى اله عليه وآله) تنبئ بهذه الفكرة. فأصل المسألة أنّه في آخر الزمان سوف يخرج قائدٌ مسلمٌ عظيمٌ كبيرٌ، ليملأ الأرض كلّها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، هو أمرٌ مجمعٌ عليه في كتب المسلمين ورواياتهم ولا نقاش فيه.

يقول الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر { إنّ مجموع ما أحصي من أخبارٍ من طرق الشيعة والسنة واردة في الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، وحول قضيّته، وتفاصيل سيرته، وما سيجري عليه، هو أكثر من 6000 رواية[2]. هذا ما وصل إلينا[3]، ناهيك

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 30/11/2001م.

[2] انظر: بحث حول المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، السيّد محمّد باقر الصدر، ص338.

[3] انظر: منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر (عليه السلام)، الشيخ لطف الله الصافي گلبايگانيّ.

 

56


43

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

عن المخطوطات التي اختفت أو احترقت أو نُهبت وما ضاع في صدور الرجال. ويصف الشهيد الصدر بأنّ هذا العدد رقمٌ إحصائيٌّ كبير لا نظير له في الكثير من قضايا الإسلام البديهيّة التي لا يشكّ فيها مسلمٌ. ومع أنّ هناك نقاط اختلاف بين المسلمين إلّا أنّه يمكننا إيجاد نقاط اتفاق مهمّة بينهم حول شخصيّة هذا القائد المصلح المنقذ المنتظر الذي ننتظره جميعاً.

أولى هذه النقاط هي أنّ هذا القائد الموعود هو عربيٌّ، قرشيٌّ، هاشميٌّ من سلالة النبيّ (صلى اله عليه وآله)، من ولد فاطمة بنت محمّد (صلى اله عليه وآله)[1] ، وأنّه يملك مستوًى عالياً جدّاً من المواصفات الدينيّة والإيمانيّة والروحيّة والمعنويّة والعلميّة والمعرفيّة والقياديّة، وأنّه سيواجه طواغيت العالم، وسيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وأنّه سيبسط العدل على وجه الأرض[2].

في 31 أيّار عام 1996، وفي معرض الإجابة عن سؤالٍ ورده حول الإمام (عجل الله تعالى فرجه)، أصدر المجمع الفقهيّ في رابطة العالم الإسلاميّ في مكّة المكرّمة -وهو مؤلّف من مجموعة من الفقهاء والعلماء من إخواننا أهل السنّة- فتوىً جاء في سياقها أنّ المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) هو محمّد بن عبد الله الحسنيّ العلويّ

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 11/3/2003م.

[2] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 5/6/2015م.

 

57


44

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

الفاطميّ المهديّ الموعود المنتظر، وأنّ موضوعه صحيح وظهوره، من علامات الساعة الكبرى، وأنّه يظهر عند فساد الزمان وانتشار الكفر والظلم، وأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، ويبايع له في مكّة المكرّمة بين الركن والمقام وبين باب الكعبة المشرّفة والحجر الأسود الملتزِم[1]، وأنّه يحكم العالم كلّه، وتخضع له الرقاب بالإقناع تارةً، وبالحرب تارةً أخرى، ويملك الأرض سبع سنين، وينزل عيسى (عليه السلام) من بعده، فيقتل أو يساعده على قتل الدجال بـ«باب لدّ» بأرض فلسطين، وأنّه هو آخر الخلفاء الراشدين الاثني عشر الذين أخبر النبيّ (صلى اله عليه وآله) عنهم في الصحاح، إلى أن يقول: إنّ الاعتقاد بخروجه واجب؛ لأنّه من عقائد أهل السنة والجماعة، ولا ينكره إلا جاهل بالسنة، ومُبتِدع في العقيدة.

وعليه، فنصّ الفتوى هذه يحسم أنه موضوعٌ إجماعيّ بين المسلمين. ومضافاً إلى الإجماع على أصل القضية، وعلى وجوب الاعتقاد بالمهديّ (عجل الله تعالى فرجه) وعلى أنّه من أهل البيت (عليهم السلام)[2] ، هناك اتفاق على مجموعة من صفاته الجسديّة والنفسيّة، كالطول واللون وشكل العينين والأنف والكتفين، وعلى مجموعةٍ من الصفات النفسيّة، وعلى حتميّة انتصاره، وعلى عددٍ من علامات ظهوره المبارك، وعلى بعض الأحداث التي تلي ظهوره (عجل الله تعالى فرجه)،

 

 


[1] الملتزِم: المستجار مقابل باب الكعبة، سمّي به لأنّه يستحبّ التزامه وإلصاق البطن به، والدعاء عنده، وقيل: المراد به الحجر الأسود أو ما بينه وبين الباب أو عتبة الباب؛ بحار الأنوار، المجلسيّ، ج71، ص327.

[2] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 8/2/2006م.

 

58


45

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

كمسألة الخسف في البيداء، حيث إنّ السفيانيّ يرسل جيشاً لينال من الإمام (عجل الله تعالى فرجه) في مكّة، فيُخسف بجيشه في البيداء بين المدينة ومكّة[1]، وأنّ الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) يدخل إلى المسجد الأقصى في فلسطين، ويُصلّي إماماً بالمسلمين هناك[2].

ومع وجود نقاط خلافيّة -كما ذكرنا- حول: هل أنّه وُلد، لكنّه غائب وسيظهر، أو أنّه سيولد في آخر الزمان عندما تتعلّق المشيئة الإلهيّة بظهوره وخروجه؟ وهل هو مَن ولد الحسن أو الحسين؟ وهل اسم أبيه عبد الله أو الحسن أو مسكوت عن اسم أبيه؟ وهل هو إمام معصوم أم أنّه إمام على درجة عالية من العدالة والفقه والورع والتقوى دون أن يرقى إلى مستوى العصمة؟ إلّا أنّ الاتفاق على هذا الحجم من النقاط والتفاصيل والأحداث المتعلّقة به لن يضيّع أحداً عندما يخرج الإمام (عجل الله تعالى فرجه)؛ لأنّ أمره (عجل الله تعالى فرجه) عندما يقف بين الركن والمقام ومن خلفه العلامات الحاسمة كلّها؛ من نداء السماء وغيره، سوف يكون أمره كعين الشمس في رابعة النهار[3]، وسيجمع الله به الكلمة، ويوحّد به هذه الأمة[4].

 

 


[1] التشريف بالمنن في التعريف بالفتن (الملاحم والفتن)، السيّد ابن طاووس، ص158.

[2] عقد الدرر في أخبار المنتظر، المقدسيّ، ص231.

[3] عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه ع يَقُولُ: «... أَمَا واللَّه لَيَغِيبَنَّ إِمَامُكُمْ سِنِيناً مِنْ دَهْرِكُمْ، ولَتُمَحَّصُنَّ حَتَّى يُقَالَ: مَاتَ قُتِلَ هَلَكَ بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟ ولَتَدْمَعَنَّ عَلَيْه عُيُونُ الْمُؤْمِنِينَ... ولَتُرْفَعَنَّ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُدْرَى أَيٌّ مِنْ أَيٍّ، قَالَ: فَبَكَيْتُ، ثُمَّ قُلْتُ: فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟ قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى شَمْسٍ دَاخِلَةٍ فِي الصُّفَّةِ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّه تَرَى هَذِه الشَّمْسَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: واللَّه لأَمْرُنَا أَبْيَنُ مِنْ هَذِه الشَّمْسِ»؛ الكافي، الكلينيّ، ج1، ص336.

[4] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 8/2/2006م.

 

59


46

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

القائد الذي يحقّق وعد الله

من جملة ما يوصف الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) به، أنّه «وعد الله الذي ضمنه»[1]، وهذا يؤكد أهمية هذا الوعد الإلهيّ ومتانته[2].‏

بالنسبة إلى قائد مشروع وراثة الصالحين للأرض -كما تقدّم- فإنّ أتباع الأديان السماويّة قد يختلفون؛ فاليهود مثلاً يعيشون على أمل مجيء المسيح لا عودته، ويعتبرونه ملك العالم الذي سيرث الأرض، أمّا المسلمون فيعتقدون أنّ هذا الوعد الإلهيّ سيتحقّق على يد رجلَين: الأوّل من نسل رسول الإسلام الأعظم محمّد بن عبد الله (صلى اله عليه وآله) وهو المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، والثاني هو المسيح، وهكذا فنحن نعتقد أنّ هذا الوعد الإلهيّ وهذه الوراثة للصالحين سيتحقّقان على يدَي هذَين العظيمَين الكبيريَن. ونحن عندما نقول إنّ الإمام (عجل الله تعالى فرجه) وُلد، فهذا يعني أنّ ولادته هي إيذان ببدء العدّ العكسي لتحقيق هذا المشروع وانطباقه ومجيئه، ولكن في فاصلٍ زمنيٍّ لا نعلمه، ولا نعلم إلى أي مدى يمتدّ، وتتحضّر له الأرض[3].

 


[1]  الاحتجاج، الطبرسيّ، ج2، ص316 (زيارة آل ياسين).

[2] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ ‏22/4/2019م.

[3] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 7/4/2020م.

 

60


47

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

الحاجة إلى الفكر المهدويّ الصحيح

عندما نقف في مثل هذه الأيّام بالتحديد، ونتطلّع لما يجري حولنا في منطقتنا وفي عالمنا نشعر أكثر من أي زمن مضى أنّنا بحاجة إلى فكرٍ مهدويّ وإلى ثقافةٍ مهدويّة، نستشرف بها المستقبل، ونفتح من خلالها الآفاق كلّها، ونربّي عليها أجيالنا، ونستقوي بها لمواجهة التحدّيات.

وممّا لا شكّ فيه، في هذا الإطار، أنّنا محتاجون جدّاً إلى تحديد هذا الفكر وهذه الثقافة؛ لأنّ هذه الثقافة المهدويّة إن لم نأخذها من المصادر الصحيحة، ولم نتمكّن من تأصيلها وتكوين فكرة صحيحة عنها، فمن الممكن أن تؤدي بنا إلى الأخطار، أو توصلنا للفكر المهدويّ الخاطئ، وهو الفكر أو الثقافة التي تتحدّث تحت اسم المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) لكنّها قد تحوّل مجموعةً معينةً من الناس إلى مجموعةٍ هادئةٍ، مستكينة قاعدة، تحمل مفهوم الانتظار السلبيّ، ولا تحرّك ساكناً، مستسلمة، ذليلة.. في حين لو استطعنا أن نفهم هذا الفكر بشكلٍ صحيح فسوف نحصل على طاقةٍ هائلةٍ يمكنها أن تجعل مجموعةً صغيرةً من المؤمنين المجاهدين العاملين منشأ لتحوّلات عظيمة في زمن الغيبة وعلى أبواب انتظار الظهور المبارك. لذلك نحن يجب أن نفتش عن هذا الفكر، ولا نكتفي بالعموميّات ولا نتجاهله. وعندما نقرأ في كتب المسلمين من الشيعة والسنة نجد مئات الروايات التي تتحدّث عن صاحب

 

61


48

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

الزمان (عجل الله تعالى فرجه)، وعن علامات الظهور، وأحداث آخر الزمان، ولا يمكننا أن نتجاهل هذا الكمّ الهائل من الروايات ببساطة ونقول يكفينا من الفكر المهدويّ أن هناك إماماً عظيماً من سلالة رسول الله (صلى اله عليه وآله)، سيظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً وكفى، أمّا بقية الأمور التي تتعلق بهذا الإمام، كواجباتنا نحوه في زمن الغيبة، وعلامات ظهوره؛ وإرهاصات ذلك ومقدماته، والأحداث المقبلة على الأمّة في مستقبل السنين والأيّام، فلندعها جانباً! فهل من المعقول أنّ هذا الكم من الروايات عُرض عبثاً أو لهواً أو بالصدفة، أم أنّه قُدّم لأغراض عقلائيّة ترتبط بهذه الحركة الإلهيّة المخطّط لها في مستقبل الزمان؟ إذاً، نحن بحاجة إلى هذه الثقافة لنواجه بها الحاضر، ونُقبل بها على المستقبل؛ لأنّها ثقافة مستقبل، فالفكر المهدويّ ليس فكراً يتحدّث عن الماضي فقط، بل هو فكرٌ يرتبط بالمستقبل، وبصناعة المستقبل، وصياغة الحياة على وجه هذه الأرض، وهو فكرٌ يحمل آمالاً وآفاقاً ومشروع الأنبياء والرسل (عليهم السلام)[1].

وقضيّة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) والاعتقاد به بالنسبة إلينا مسألة حسّاسة ومصيريّة، خصوصاً في هذه الأزمة، فالآن آخرتنا وديننا ومستقبلنا ووجودنا وثقافتنا وحرّيتنا وكرامتنا، هذا كلّه -بصفتنا أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) بشكل خاصّ- بات مرتبطاً بهذه العقيدة المهدويّة، وبالاعتقاد بالقيادة الشرعيّة،

 

 


[1]  من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 05/12/1998م.

 

62


49

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

وبالأمل بالمستقبل، ومرتبطاً بأهل البيت (عليهم السلام). لذلك نحن عندما نعدّ هذه القضيّة من الأولويّات التي تحتاج إلى تركيز؛ لأنّها موضع ابتلاء وعناية لكلّ الناس، على مستوى الشيعة بشكل خاصّ، وعلى مستوى المسلمين[1] بشكلٍ عامّ.

وهذا الموضوع له صلة بعقيدتنا وسلوكنا وثقافتنا وقتالنا وشهدائنا وجرحانا وأسرانا، وهو حاجة عقليّة وقلبيّة وروحيّة، والناس تستمع لكلّ ما له صلة بالإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) من العلامات أو السفراء أو الغيبة بلهفة ولا تملّ؛ لأنّ ثمّة حاجة روحيّة وعقليّة، ناتجة عن أنّ هذه المسألة هي من مسائلنا الأساسيّة والمهمّة جدّاً، وتصنّف من القضايا المعرفيّة ذات الأولويّة[2].

العقيدة المهدويّة الصحيحة

أجمع علماؤنا ومتكلّمونا على أنّ الإمام موجود حيّ يُرزَق في هذه الأرض، في هذه الدنيا، في مكّة، في المدينة، في النجف، في كربلاء، يأكل الطعام، ويمشي في الأسواق، ويعيش

 

 


[1] أو البشريّة.

[2] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 27/5/2016م.

 

63


50

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

كما يعيش الناس، لكنّه غائب عن الأنظار، لذلك نقول الإمام الغائب، ولا نقول الإمام الميّت، وأنّ الله يعدّه، ويعدّ الأرض لليوم الذي سيأذن تعالى له فيه بالظهور والقضاء على كلّ فساد وجور، وإقامة دولة العدل الإلهيّ. هذه عقيدتنا التي نريد أن نثبّتها، ونقوّيها. وعلماؤنا كتبوا، وأكثروا، وقدّموا الأدلّة التي تثبت غيبة عمر الإمام وطوله، وهذا كلّه موجود بالأدلّة العلميّة التي تثبت وتعطي نتيجة قطعيّة[1].

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 27/5/2016م.

 

64


51

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

المبحث الثاني:
 وجود الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) والإشكاليّات المتعلّقة به

ظروف ولادة المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)

حصلت ولادة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) في أجواء من الغربة والمظلومية؛ لأنّ مسألة الإمام الثاني عشر من عترة رسول الله (صلى اله عليه وآله) لم تكن أمراً مجهولاً، بل كان يعرفه الناس، ويعرفه العلماء، ويتداولُه رُواة الأحاديث عن رسول الله (صلى اله عليه وآله) من مختلف المذاهب والاتجاهات الإسلاميّة، وكان السلطان العبّاسيّ أيضاً عارفاً بهذا الأمر ومتتبعاً له، حاله حال كلّ سلطان طوال التاريخ، يجمع المعلومات والمعطيات عن كلّ تهديدٍ محتمَل. ومن المعروف في الروايات الإسلاميّة أنّ هذا الإمام سوف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ولن يكون في ظلّ حركته وظهوره وقيامه مكانٌ للظَلمة والطواغيت والعتاة والمستبدّين. لذلك، كانت ولادة هذا الإمام ووجوده المبارك تهديداً جدّياً، وليس

 

65

 


52

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

محتملاً فقط، للسلطان العبّاسيّ، فبثّ العيون، وهو يتوقّع أن يكون الإمام الثاني عشر من ذرّيّة الإمام الحادي عشر وهذا أمر منطقي وطبيعيّ جداً، ولذلك، نقرأ في السيرة والتاريخ أنّ الإمام العسكريّ (عليه السلام) عاش حياته -بل شبابه؛ لأنّه استشهد شابّاً- في حالة حصارٍ شديد. والحصار الشديد على الإمام (عليه السلام) لعلّه من عجائب التاريخ؛ إذ يمكن أن تتجسّس على الإنسان: على كلماته، ومخطّطاته وتنظيمه وتشكيلاته، أو على علاقاته السياسيّة واتصالاته مع الآخرين، ولكن أن يكون محور التجسّس والتعقّب والإحاطة المعلوماتية هو الحياة الشخصيّة للإمام العسكريّ (عليه السلام)، فهذا أمر قد لا يكون له سابقة في التاريخ.

لذلك، كانت قصّة ولادة هذا الإمام (عجل الله تعالى فرجه)-منذ البداية- قد حصلت في ظروف صعبة، تحيط بها المظلوميّة والغربة والبعد عن الناس؛ لأنّ هذا الإمام كان مستهدفاً منذ انعقاد النطفة -إن صح التعبير- وعندما كان جنيناً، وفي أثناء الولادة، وحينما صار طفلاً، لقد كان السلطان العبّاسيّ يتعقّب أيّ ذكرٍ لهذا الإمام، أو أيّ اسمٍ أو حديثٍ له حتّى يقضي على التهديد في لحظاته الأولى، ووصل الأمر إلى حدّ أنّه كان ممنوعاً حتّى على المحبّين الذين اطّلعوا على ولادة الإمام(عجل الله تعالى فرجه)، والتقوا به وهو صغير، وشاهدوه، أن ينقلوا ما شاهدوا وما رأوا، إلّا في فتراتٍ زمنيّة معيّنة ولأشخاصٍ محدّدين، حفاظاً على حياته. وقد كان من الطبيعيّ أن يأذن الإمام العسكريّ (عليه السلام) لبعض

 

66


53

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

ثقاته بأن يروه، ولقد شاهده العشرات من مختلف البلدان الإسلاميّة الذين جاؤوا إلى دار الإمام العسكريّ (عليه السلام) في أوقات زمنيّة متفاوتة، وسلّموا علي، واستمعوا إلى حديثه، وآمنوا به، بل كان حتّى الاسم ممنوعاً من أن يُذكر؛ لأنّ الحديث عن الاسم يعني وجود المُسمّى، وبالتالي سيبدأ السلطان العبّاسيّ في قلب الدنيا رأساً على عقب بحثاً عن هذا المولود الذي يشكّل وجوده هذا التهديد الكبير له[1].

إشكاليّة ولادة الإمام (عجل الله تعالى فرجه) والجواب عنها

موضوع التشكيك في قضية الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) قديم، وكلّ ما حُكي اليوم من الإشكاليات والتشكيك، قيل من ألف سنةٍ، وكلّها لها أجوبةٌ وردود. والشيعة مع الزمن كانوا يأتون بالأدلّة على أنّ الإمام حيٌّ ووُلد، مقابل ما حُكي في الغيبة الصغرى من أنّ الشيعة يعتقدون بإمامٍ لم يُولَد بعد، ويكفينا أن يخبرنا ثقةٌ واحد حتّى نسلّم بذلك، ولكن في الواقع هناك عشرات الثقات الذين شهدوا أنّ الإمام (عجل الله تعالى فرجه) قد وُلِد، وهذا يكفي لإثبات الولادة المباركة، فكيف إذا شاهده العشرات من كبار القوم الذين رأوا الإمام (عجل الله تعالى فرجه) في زمن أبيه الإمام العسكريّ (عليه السلام)، وقد قعدوا معه

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 30/11/2001م.

 

67


54

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

خمسةً وعشرة، وأخذوا منه أجوبةً. وفي زمن الغيبة الصغرى قعد معه بعضٌ من كبار العلماء. إذاً، العشرات والمئات التقوا بالإمام بعد ولادته وفي الغيبة الصغرى، وفي بدايات الغيبة الكبرى، وقد كتب الشيخ الصدوق عن هذا الموضوع الذي كان محلّاً للنقاش[1].

إشكاليّة طول عمر الإمام (عجل الله تعالى فرجه) والجواب عنها

أمّا فيما يتعلّق بعمر الإمام (عجل الله تعالى فرجه)، وإشكاليّة طول عمره الشريف، فإنّ هذه النقاشات أيضاً كانت من زمن الشيخ المفيد والشيخ الطوسيّ، والعلماء قد أجابوا عنها، فقد ورد في القرآن أنّ النبيّ نوح (عليه السلام) قد قضى في قومه 950 سنة[2]، من حياته أو نبوّته، فطول عمر النبيّ نوح (عليه السلام) يجيبنا عن إشكاليّةٍ كهذه. وفي الدائرة الإسلاميّة، صحيحٌ أنّ إخواننا السنّة يقولون إنّ الإمام يُولد في آخر الزمان، لكنّهم كجميع المسلمين يقولون إنّ السيّد المسيح ما زال على قيد الحياة، وإنّ الله قد رفعه بروحه وجسده، ما يعني أنّ عمره أكثر من ألفَي سنة، وعمر صاحب الزمان يقارب الألف ومئتَي سنة، فمَن يؤمن بأنّ السيّد المسيح -وفق القرآن والإجماع- لا زال على قيد الحياة، لماذا يستبعد هذا الأمر عن الإمام(عجل الله تعالى فرجه)؟!

 


[1] انظر: كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق، الباب الثالث والأربعون: مَن هنّأ أبا محمد العسكريّ بولادة القائمL، ومَن شاهد القائم(عليه السلام) ورآه وكلّمه، ص434-479.

[2]  يقول تعالى: ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦ فَلَبِثَ فِيهِمۡ أَلۡفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمۡسِينَ عَامٗا فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمۡ ظَٰلِمُونَ﴾؛ سورة العنكبوت، الآية 14.

 

68


55

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

ومثال آخر هو الخضر، أستاذ النبيّ موسى (عليه السلام)، الذي تحدّث عنه القرآن في قصّة النبيّ موسى (عليه السلام) وخرق السفينة -وطبعاً هناك نقاش هل أنّه كان نبيّاً أم لا- لقد كان على صلةٍ وثيقةٍ بالله تعالى، وعالماً عظيماً، وجزءاً من الإرادة الإلهيّة، والتدبير الإلهيّ في هذه الحياة، وما زال على قيد الحياة، منذ زمن موسى (عليه السلام)، وما قبل موسى (عليه السلام)، ما يعني أنّه مضى على حياته أكثر من 3000 أو 4000 سنة. إذاً، ما المانع من ذلك في حقّ الإمام (عجل الله تعالى فرجه)؟!

إشكاليّة غياب الإمام (عجل الله تعالى فرجه) في السرداب والجواب عنها

من جملة الإشكالات التي يركزّون عليها في الفضائيّات، وتُقدّم من قبيل السخرية والاستهزاء في حقّ الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) أنّ الإمام دخل في السرداب وغاب، أو أنّه يسكن في السرداب.

في العراق نتيجة الطقس الحارّ يبنون تحت البيت مستودعاً، أو ملجأ، ويسمّونه سرداباً، حيث يجلسون فيه في الصيف هرباً من حرّ النهار، وفي الليل ينامون على السطح. وبيت الإمام العسكريّ (عليه السلام) في سامرّاء مثل باقي البيوت في العراق يوجد تحته سرداب.

وفي تحقيق لأحد علمائنا ومحقّقينا، يقول: إنّه لا يوجد

 

69


56

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

عالمٌ من علماء الشيعة، ولا رواية تقول إنّ الإمام (عجل الله تعالى فرجه) غاب في السرداب، وأصل هذه الرواية من عالمٍ سنّي، ثمّ صارت تتداول. ونحن نقول إنّ آخر ظهورٍ علنيٍّ للإمام كان في جنازة أبيه، حيث صلّى عليه وغاب، فالإمام إذا غادر البيت لماذا ينزل إلى السرداب؟ بل إنّ الإمام في أوّل غيبته غادر سامرّاء كما في بعض الروايات، وانتقل إلى جبالها، أو إلى المدينة المنوّرة. وعلى أي حال، فإنّ رواية أنّه غاب في السرداب لا أصل لها ولا أساس[1].

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 19/5/2017م.

 

70


57

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

المبحث الثالث:
 أسباب الغيبة والهدف منها

أسباب الغيبة

ما هو سبب غيبة الإمام؟ وما هي الحكمة من ذلك؟

في الحقيقة، لم يكن هذا السؤال هو الوحيد المطروح في حياة الإمام العسكريّ (عليه السلام)، بل كان الطلب شديداً حول ابن الإمام العسكريّ (عليه السلام)، فهل حقّاً وُلد للإمام العسكريّ (عليه السلام) ولدٌ أم لا؟

وعلى سبيل السرد التاريخيّ، فإنّ الإمامَين الهادي والعسكريّ (عليه السلام) كانا يعيشان في مدينة رسول الله (صلى اله عليه وآله)، فاستدعاهما الخليفة العبّاسيّ إلى العراق، ثمّ إلى مدينة جديدة كان قد أسّسها الخلفاء العباسيّون، كانت في الأصل معسكراً يخيّم فيه الجيش والقوّات، بنَوا فيه بيوتاً وقصوراً، ثمّ تحوّل بعد ذلك إلى مدينة سكنها الخليفة العبّاسيّ ووزراؤه وأمراؤه وضبّاطه وعسكره، وسُميت «سامرّاء»، أو«سُرَّ من رأى» لجمالها وطيب مائها وهوائها[1].

 

 


[1] انظر: مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج3، ص519.

 

71


58

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

استدعى السلطان العبّاسيّ الإمام الهادي (عليه السلام) ومعه ابنه الإمام العسكريّ (عليه السلام) ليسكنهما داخل هذه الثكنة، أو -إن صحّ التعبير- المعسكر، ليبقى الإمام (عليه السلام) تحت رقابته وفي حصاره، ولكي يعزله قدر الإمكان عن قواعده الشعبيّة الممتدّة على امتداد العالم الإسلاميّ. فقضى الإمام الهادي (عليه السلام) بقيّة حياته في هذه المدينة، واستُشهد ودُفن هناك، وكذلك الإمام العسكريّ (عليه السلام) عاش بقيّة حياته في تلك المدينة، واستُشهد ودُفن فيها أيضاً. ولهذا المعسكر نُسب الإمام الحسن العسكريّ (عليه السلام)، وليس العكس.

ولم يكن خافياً، في زمن الإمام العسكريّ (عليه السلام)، أنّ الإمام الثاني عشر هو من وُلده، وسيُظهر الله على يديه الحقّ والعدل، ويقهر الظلم والفساد والشرك وما شاكل، ولأجل ذلك كان الإمام (عليه السلام) تحت الرقابة الشديدة. وهذا التنبّؤ بولادة الإمام الثاني عشر من صلب العسكريّ (عليه السلام) لم يكن أمراً مستغرباً، وهذا التتبّع شبيه بمن كانوا يتابعون أخبار رسول الله (صلى اله عليه وآله) وينتظرونه من اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم، وكانوا يشخّصون الزمن الذي يُولد فيه (صلى اله عليه وآله) النبيّ الخاتم وسيّد الرسل.

وكانت الرقابة شديدة على بيت الإمام العسكريّ (عليه السلام) وعلى نسائه. ومن البديهي أنّهم كانوا يضيّقون عليهنّ؛ ليتبيّنوا هل بينهنّ امرأة حامل. ولم يظهر أثر الحمل على أيّ منهنّ. لذلك، كانت ولادة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) مفاجِئة لشيعة الإمام

 

72


59

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

العسكريّ (عليه السلام) قبل أعدائه، وكان من الطبيعيّ أن تخفى هذه الولادة؛ ليُحفظ (عليه السلام) من القتل.

نحن نؤمن أنّه بالعناية والحفظ الإلهيّين ولد الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، واطّلعت في تلك الليلة على ولادته عمّة أبيه حكيمة، ومع الوقت كان الإمام العسكريّ (عليه السلام) يُظهر الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) لبعض الخلّص والثقاة من شيعته، ويُشهدهم على أنّ المولود هو ابنه، وهو صاحب الأمر بعده، وهو خليفته. وكانت تظهر على يدي الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) أمام هؤلاء الأصحاب من الكرامات، ويخرج على لسانه من العلم، ما يؤكّد لهؤلاء جميعاً أنّه واقعاً هو معصوم وابنُ معصوم.

إلى أن استُشهد الإمام العسكريّ (عجل الله تعالى فرجه) مسموماً، وحاول السلطان العبّاسيّ أن يخدع شيعة الإمام العسكريّ (عليه السلام)، ويُنصّب عليهم إماماً كاذباً هو أخو الإمام العسكريّ (عليه السلام) -مع الأسف الشديد- المعروف بـجعفر الكذّاب. ولكنّ موضوع معرفة الإمام عند الشيعة سهل الانكشاف؛ لأنّ المواصفات التي يفترضها الشيعة في إمامهم (عليه السلام) لا يمكن لأيٍّ كان أن يدّعيها، أو يتستّر عليها أمام الناس. فمن شروط الإمام أن يكون معصوماً، وبالتالي يستحيل أن يكون ممّن ارتكب المعاصي في يوم من الأيّام، وجعفر كان معروفاً

 

73


60

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

بارتكاب المعاصي حتّى إنّه كان يشرب الخمر وما شاكل. ومن الشروط أيضاً، أن يكون الإمام على مستوى من العلم يجيبهم فيه عن كلّ ما يسألونه، وجعفر كان لا يُتقن، ولا يحسن الإجابة حتّى عن أسئلة عاديّة تتعلّق بأحكام الشريعة وشؤون الإسلام، ولذلك فُضح جعفر بسرعة.

كما ينقل لنا التاريخ أنّه حين وُضع جسد الإمام العسكريّ (عليه السلام) بعد استشهاده لإقامة الصلاة عليه، ووقف كبار أصحاب الإمام وأتباعه وشيعته، وتقدّم جعفر للصلاة على الإمام ليؤكّد شرعيّته، بما أنّ الإمام لا يصلي عليه غير الإمام في ظاهر الأمر، خرج صبيٌّ صغيرٌ لا يتجاوز عمره الخمس سنوات من داخل المنزل، وقال له: تنحَّ يا عم، وتقدم وصلّى على أبيه، وكان هو الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)[1]. وحتّى أفاق الناس والعبّاسيّون من دهشة ذلك المشهد، كانت صلاة الميت قد انتهت، واختفى سلام الله تعالى عليه عن الأنظار، وبدأت الغيبة الصغرى.

وتجدر الإشارة إلى أنّ موضوع غياب الإمام عن شيعته لم يكن أمراً مستهجناً في ذلك الحين، لأنّ أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) قد هيّأوا وربّوا شيعتهم على الغيبة الصغرى، ولاحقاً على

 

 


[1] الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة، ابن الصبّاغ المالكيّ، ج2، ص1089.

 

74


61

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

الغيبة الكبرى. فقد كان الإمام العسكريّ (عليه السلام) في أغلب الأوقات محجوباً عنهم، وكذلك في زمن الإمام الهادي (عليه السلام)، لم تكن حالة التواصل بين القواعد الشعبيّة والإمام أصلاً متوفرة.

وبالتالي، فإنّ أسباب الغيبة الحقيقيّة هي أسباب أمنيّة بامتياز. فلو أنّ الإمام (عجل الله تعالى فرجه) وقع في يد العبّاسيين لقتلوه، وقطّعوه، وانتهى الأمر، ولكن حفاظاً على حياة الإمام غاب واختفى عن الأنظار. أمّا باقي التفاصيل: أين أقام؟ هل بقي في منزل أبيه، أم غادر مدينة العسكر؟ هل سكن في الكهوف أو الجبال أو الوديان؟ وهل كان يتردّد على المدينة للتواصل مع بعض أصحابه مثلاً في زمن الغيبة الصغرى؟ ليست بالأمر الجوهريّ؛ لأنّ الإمام (عجل الله تعالى فرجه) وحده يشخّص مصلحة أين يجب أن يكون، وتنقل بعض الروايات أنّ بعض لقاءات الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) في زمن الغيبة الصغرى حصلت في بيت أبيه الإمام العسكريّ (عليه السلام)[1].

 

بقاء الأمل

مهديّنا غاب منذ أكثر من ألف سنة، ونحن لم نيأس، ننتظر هذا المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، على الرغم من كلّ ما جرى خلال أكثر من

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 21/6/1999م.

 

75


62

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

ألف سنة. تعرّضنا للسجون والتشريد والتهجير والمحن والمصائب ومحاولات التمزيق والتضليل، ولكن لم يسقط منّا هذا الأمل.

تذكر الروايات أنّ المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) يغيب حتّى يقول بعض الناس إنّه مات أو هلك، أو في أي وادٍ سلك، فهل يوجد الآن فينا بعد هذه السنين المتطاولة كلّها مَن يقول ذلك؟ أبداً[1].

من علامات الأمل

وفي الجبهة الأخرى، فإنّ هذا التحوّل الإيمانيّ والإسلاميّ الرائع والمعجز والكبير الذي يحصل اليوم في العالم هو أيضاً من علامات هذا الأمل. وإذا ما عدنا إلى أي مرحلة من مراحل الأئمّة (عليهم السلام) نجد أنّ مشكلة الأئمّة هي مشكلة الأنصار والأعوان. في كربلاء على سبيل المثال، كان الإمام الحسين (عليه السلام) بحاجة إلى الأنصار الذين يقاتلون معه، ويذودون عن وجهه، وعن حرم رسول الله وعن الإسلام. كان بحاجة إلى هذا النوع من المقاتلين الصابرين المؤمنين المخلصين. لذا، كان يصرخ وينادي دائماً: هل من ناصر ينصرنا؟

أمّا اليوم -في هذا العالم- فإنّ الملايين حاضرون للشهادة فقط من أجل عينَي أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وابتسامته. لم يكن هذا الجمع في التاريخ كلّه، لا في زمن الأنبياء،

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 6/1/1996م.

 

76


63

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

ولا في زمن الأئمّة، لم يكن للإسلام، للشهادة، للجهاد أنصار مخلصون ومجاهدون مضحّون، ورجال ونساء وكبار وصغار حاضرون للشهادة تحت هذه الراية، كما هي الحال في هذا العصر.

اليوم، وفي هذا العصر، وعلى هذه الأرض ثورة أطلقها الإمام الخمينيّ (قدس سره)؛ هذه الثورة القويّة والمتماسكة، والتي يجرؤ قائدها اليوم -وهو القائد الوحيد على وجه الأرض من موقع المسؤوليّة- أن يقول ما يقول عن الولايات المتّحدة الأميركيّة ورئيسها وإدارتها.

نحن في زمن إخوان رسول الله (صلى اله عليه وآله)؛ فقد كان النبيّ جالساً بين أصحابه، ودمعت عيناه، قيل: ما يُبكيك، يا رسول الله؟ قال: ذكرت إخواني. قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: لا، أنتم أصحابي، إخواني قوم يؤمنون بي، ولم يروني[1]. نحن لم نرَ رسول الله (صلى اله عليه وآله)، لم نسمعه بآذاننا، لم نلمس جسده، ولم نرَ إماماً من أئمّتنا، لم نصغِ إلى كلمة تنطلق من فِيه، ومع ذلك، نجد اليوم ذكرهم، أمرهم، كلمتهم نقرؤها في كتاب عن فلان، في أسانيد لا نعلم أحياناً مَن صاحبها، ومع ذلك إيماننا بهم ليس له حدود. نجد أنّ رجالاً كُثراً يؤمنون بهذا القول وتلك

 


[1] انظر: تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج 30، ص 138.

 

77


64

الفصل الثاني: العقيدة المهدويّة

الكلمة، لا لتزداد معلوماتهم، فهذا أمر يسير، وإنّما لينطلقوا من الكلمة في ساحة عطاءٍ من مال أو نفس، في ساحة جهاد وفي ساحة شهادة، هذا يجعل الأمل أقوى من أيّ زمن مضى. لذلك، نحن نقول: إنّنا في زمن عصر إخوان رسول الله (صلى اله عليه وآله)[1].

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 6/1/1996م.

 

78


65

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

المبحث الأوّل:
علامات الظهور

فلسفة علامات الظهور

يجب أن لا نزرع اليأس في نفوس الناس، وأن لا نجعلهم يشعرون أنّ الظهور بات قريباً جدّاً؛ لأنّ هذا الأمر خارج إرادتنا وسيطرتنا، ولا يمكن توقّع حصوله. على سبيل المثال: عندما كان الناس يسألون الإمام الكاظم أو الإمام الصادق (عليه السلام) عن الفرج وعن القائم (عجل الله تعالى فرجه)، لم يحدّدا وقتاً زمنيّاً للظهور، كأن يقولا مثلاً: بعد 200 سنة أو 1000 أو 2000، مع العلم أنّهما كانا يدركان أنّ القائم (عجل الله تعالى فرجه) هو من ولد الإمام العسكريّ (عليه السلام). إنّ قصّة علامات الظهور مثل قصّة شخص يريد أن يسافر من بلد إلى بلدٍ، وعليه أن يجتاز مسافة طويلة لبلوغ مقصده، ولكي يقوم بذلك، فإنّه يستعين بخريطة للاتّجاهات ترشده إلى الأماكن التي يجب أن يسلكها، لئلاّ يضلّ طريقه. وكذلك فعل أئمّتنا (عليهم السلام) على طول الطريق؛ رسموا لنا علامات لكي لا نضلّ طريقنا. فبعض علامات الظهور قد تتحقّق في زمننا، وبعضها تحقّق قبل 100 سنة، أو 200، أو 300، والهدف من

 

81


66

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

ذلك لنبقى محتفظين بهذا الأمل، ولنزداد إيماناً ويقيناً بما قاله أئمّتنا (عليهم السلام) من أنباء الغيب، ولنهتدي إلى الطريق، ولنشعر أنّنا نسير على الخطّ نفسه، وحتّى لا تتسلّط علينا عقيدة «مات أو هلك، في أيّ وادٍ سلك»[1]، ولكي يبقى فينا الإحساس قويّاً بحياة إمامنا (عجل الله تعالى فرجه) ووجوده وحضوره وغيبته[2].

الاهتمام بعلامات الظهور

في الديانات كلّها، ثمّة علامات وظواهر تبشّر بتحقّق الوعد الإلهيّ؛ ولذلك كان الناس طوال التاريخ يبحثون عن هذه العلامات والظواهر والإرهاصات؛ فيحقّقون ويدقّقون فيها، فيقبلون بعضها، ويرفضون بعضها الآخر، ويتابعون من خلال تطوّر الأحداث في العالم ارتباط هذه العلامات بها لناحية تحقّقها أو عدمها، وهذا ما يجب التوقّف عنده مليّاً.

ما سأقوله ليس كلاماً علميّاً أو نظريّاً، وإنّما كلام فيه مسؤوليّة، وتترتّب عليه آثار عمليّة، والسبب أنّ الناس عادةً، والذين لديهم آمال وتوقّعات في المستقبل، يبحثون عن هذه العلامات، وتحديداً عندما تحصل أحداث كبرى في حياتهم، مثل الحروب أو تطوّرات دراماتيكيّة كما يُقال، كاجتياح طاعون، أو أوبئة، أو جائحة كما يُقال الآن عن جائحة كورونا، فيستندون إلى الأخبار الغيبيّة، سواءٌ كانت هذه الأخبار تستند

 

 


[1] الغيبة، النّعماني، ص159.

[2] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 27/12/1996م.

 

82


67

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

إلى الكتب السماويّة أو إلى مصدر علميّ حقيقيّ أو إلى الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام)، وإلى من ينقل عن الأنبياء أو الأئمّة (عليهم السلام)، أو حتّى إلى تحليلات، أو توقّعات شخصيّة، أو فلك ونجوم وتنبّؤات، وتفسير ومنامات وأحلام[1].

كيف نقرأ روايات علامات الظهور؟

عندما تحصل حوادث كبرى، ويعجز الإنسان، أو يجد صعوبة في فهم ما يجري أو توقّع ما يُمكن أن يحصل، يلجأ أحياناً إلى الأخبار الغيبيّة، ومنها المنامات والأحلام. وهذه الحالات والظروف قد توفّر أحياناً أرضيّة لتوجّهات سليمة وصحيحة لتحويل التهديد إلى فرصة، حتّى في المجال العلميّ والفكريّ والأخلاقيّ والتربويّ والإيمانيّ والمعنويّ، ولكنّها قد توفّر في الوقت نفسه أرضيّة وفرصاً للكثير من التضليل والخداع والدجل والكذب واللعب بعواطف الناس ومشاعرهم، وتضليلهم، وتضييعهم، وهذا ما يجب الالتفات إليه بقوّة، خصوصاً عندما يبدأ الربط بين ما يجري من أحداث وبين الوعد الإلهيّ، أو ما يرتبط بالإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) أو بالسيّد المسيح (عليه السلام) أو بمستقبل البشريّة. هنا، يصبح الموضوع معقّداً وخطراً أكثر من أيّ وقتٍ مضى.

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 7/4/2020م.

 

83


68

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

لذلك، هذا الموضوع تترتّب عليه مسؤوليّات عمليّة:

1. الحذر في التعاطي مع هذه الأخبار

أوّل ما يجب أن نحذره في هذا الزمن هو وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعيّ، خصوصاً أنّ باستطاعة أيّ كان أن يقول ما يحلو له، ويعبّر عن موقفه ورأيه وقناعاته، وينشر الوثائق. في الأزمنة السابقة، لم يكن الإعلام بهذا المستوى من التطوّر، ومع ذلك كان يحصل أحياناً الخداع أو التضليل أو التزوير أو الاشتباه، في قرية معيّنة، أو في مدينة ما، أو ضمن دائرة معيّنة، لكنّ العالم كلّه الآن بات قرية ومدينة واحدة على المستوى الإعلاميّ، وهذا ما ينذر بالخطر الآن.

يجب أن نكون حذرين جدّاً من كثير من الأمور التي تُشاع، وتُنقل، وتُنسب، خصوصاً إلى الرسول (صلى اله عليه وآله) أو إلى أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، فيما يتعلّق بأحداث قائمة وموجودة. مثلاً: قبل مدّة، انتشر ما قيل إنّه قصيدة -طبعاً هي ليست قصيدة-، وثمّة من كتب نصّاً يحتوي على لغة قديمة وجديدة معاً، وتحدّث عن ظهور كورونا في الصين، وذكر ما سيحصل في إيطاليا، ومسار انتشارها، وما سيحصل في بقيّة العالم، ونسبها إلى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وذكر أنّها موجودة في الكتاب الفلانيّ للمؤلّف الفلانيّ! وطبعاً، الكتاب غير موجود، والمؤلّف غير معروف كذلك! ثمّة

 

84


69

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

أناس أُخذوا بالحماسة والحميّة، وقالوا إنّ هذه القصيدة موجودة في نهج البلاغة، بينما هي في الواقع لا تمتّ إلى البلاغة بصلة.

أمام هذه الحالة، نجد صنفين من الناس: أناس يستغلّون هذا الموضوع ويعملون عليه، وأناس تأخذهم الطيبة والحميّة والبساطة والسذاجة، وأحياناً الحبّ والعاطفة لأمير المؤمنين(عليه السلام)؛ فيقبلون بما يُتداول، وينسجون أقوالاً وأخباراً أنّه قبل 1400 سنة، تحدّث الإمام (عليه السلام) عن كورونا وانتشارها وتطوّرها، معتقدين أنّهم بذلك يمدحونه ويدعمونه! يجب أن نكون حذرين ويقظين من هذه الأمور جيّداً، خصوصاً وأنّها بدأت تكثر في السنوات الأخيرة، فلا نتداولها أو ننشرها أو نروّج لها. والموضوع نفسه عندما تحصل بعض الأحداث في مناطق عدّة، مثل سوريا، أو العراق، أو اليمن، أو إيران، أو أفغانستان، أو لبنان، أو غيرها، وهذا لا أساس له تاريخيّاً، وهو يندرج تحت ما يسمّى بالملاحم والفتن والمغيبّات التي تتحدّث عن المستقبل، والأحداث، والحروب، والممالك، والسلاطين، والتحوّلات، وكان يُستغلّ هذا النوع من الأحاديث والروايات لمصالح سياسيّة، وكان ثمّة مَن يختلق

 

85


70

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

الأحاديث أيضاً لمصلحة الشخصيّة الفلانيّة، أو القبيلة الفلانيّة، أو الجبهة الفلانيّة، أو الجهة الفلانيّة، أو السلطان الفلانيّ، وينسبها إلى رسول الله (صلى اله عليه وآله)، وهي غير صحيحة.

2. الروايات الإسرائيليّة

الروايات الإسرائيليّة هي الروايات التي أدخلها اليهود، الذين قالوا إنّهم دخلوا في الإسلام، في الروايات الإسلاميّة. وقد أحدثت مشكلة في هذا الشأن. وثمّة جزء منهم مهتمّ بهذا الملف. من هنا، لا يمكن البناء على كلّ ما هو موجود في الكتب؛ فهذا شأن علميّ تخصصيّ، ويحتاج إلى تحقيق علميّ دقيق، ويجب العودة فيه إلى أهل الاختصاص فقط.

أين تكمن الخطورة؟

1. تكمن الخطورة في أن يؤمن الإنسان بهذه الأمور، والتي هي أوهام أو خرافات أو أكاذيب أو تخيّلات لا أساس لها من الصحّة، والأخطر أن يرتّب عليها آثاراً ومواقف عمليّة، وميدانيّة، أو مواقف سياسيّة مثل العداوة والتحالف والتصالح.

2. ثمّة صنف من الروايات التي تتحدّث عن أحداث آخر الزمان. وقد لفتنا النظر إلى أنّ آخر الزمان ليس مشروطاً ضمن العشر سنين أو العشرين سنة هذه، بل قد يطول كثيراً، وقد لا ندركها لنرى صحّتها من خطئها.

 

86


71

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

والروايات التي تذكر هذه العلامات، تتحدّث عن توقيت محدّد، وهنا الخطورة، لماذا؟ لأنّ هذا الأمر يدفع بعضهم إلى تحديد تاريخ دقيق للظهور، وهو ما لا يستند إلى أيّ مُعطى علميّ قطعيّ، بل إنّها مجرّد ظنون واحتمالات وتخيّلات. ومن يُشغل نفسه بذلك، كأن يحدّد يوماً معيّناً أو ساعة معيّنة أو حتّى شهراً معيّناً، فإنّه يقوم بأمر منهيٍّ عنه بشدّة في الروايات، لأن لا أحد سوى الله عزّ وجلّ يعلم بوقت الظهور[1].

علامات الظهور المؤكَّدة

بناءً على ما ورد في المتون والنصوص الحديثيّة، وبلحاظ ما هو واضح من بعض الروايات المتواترة أو المستفيضة من حيث المعنى، نقول: إنّ أصل موضوع الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) موضوع مسلّم وقطعيّ. فعلى المستوى الشيعيّ، نحن نعتقد أنّ محمّد بن الحسن هو من سلالة الحسين (عليه السلام)، ومن ذريّة رسول اللّه (صلى اله عليه وآله)، ومواصفاته موجودة في الروايات. وأمّا عند عموم المسلمين، فلعلّ أصل أنّ المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) هو من ولد فاطمة (عليها السلام)  أمر متسالم لا نقاش فيه.

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 7/4/2020م.

 

87


72

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

أمّا موضوع السفيانيّ، ففيه الكثير من الروايات، وبالإمكان القول إنّ أصل السفيانيّ من خلال كثرة الروايات الموجودة في كتب المسلمين محتوم، وبالنسبة إلى التفاصيل، توجد روايات ضعيفة ومتفاوتة، وهذا يحتاج إلى التدقيق. وكذلك موضوع خروج اليمانيّ، أمر جليّ أيضاً في الروايات، كما موضوع الخراسانيّ، أو الرايات الآتية من المشرق الممهّدة لهذا الأمر.

وكذا موضوع الصيحة -وأنا هنا أركّز على خمس أو ستّ علامات هي المؤكّدة، لكن هناك علامات أخرى إلا أنّ فيها الكثير من التفصيل، وإذا أردنا التركيز على كلّ علامة نجد العشرات من الروايات حولها- أو النداء من السماء أو الفزعة من السماء، والخسف في البيداء بجيش السفيانيّ الخارج من المدينة إلى مكّة، هذه كلّها أمور ثابتة. كما تحدّثت الروايات عن سيّد حسنيّ يخرج قبل صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه) يُسفك دمه في محيط الكعبة[1].

فهناك -إذاً- شخصيّات مذكورة في الروايات، إلاّ أنّها ذُكرت بنحو غامض. وعليه، فالحذر في فهمنا لهذه العلامات وفي تطبيقنا لمجريات الواقع عليها واجب[2].

جميع العلامات تحت المشيئة الإلهيّة

قد يعترض بعضهم على ما ذكرنا بأنّ هذا الأمر لن يكون قبل السفيانيّ والخراسانيّ واليماني والصيحة وغيرها من

 

 


[1] الغيبة، الطوسيّ، ص445.

[2] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 31/10/2014م.

 

88


73

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

العلامات الخاصّة؛ إذ حتّى الروايات قسّمت العلامات إلى قسمين: محتومة وموقوفة غير محتومة، وهي التي يمكن حصولها ويمكن عدمه، فلو افترضنا عدم تحقّق الموقوفة، إلّا أنّ المحتومة لا بدّ من وقوعها، وبذلك لا يمكن أن يقع أمر الظهور فجأةً.

ولكنّنا نعيد أنّ كلّ شيء خاضع لإرادة اللّه تعالى، فلا سيطرة على إرادته وعلمه وحكمته سبحانه وتعالى، فما هو غير محتوم فأمره واضح، أمّا ما هو محتوم فالعلماء اعتبروا أنّه يخضع لقاعدة ﴿يَمحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثبِتُ﴾[1]، ولا يُستثنى منها، أي أنّه قد لا يحصل إن لم تشأ إرادة اللّه. وورد في بعض المرويّات أنّ الإمام الجواد (عليه السلام) حين سئل: هل السفيانيّ من المحتوم؟ قال: نعم، من المحتوم، فسُئل: هل يخضع ليمحو اللّه ما يشاء ويثبت؟ فقال: نعم، فسُئل: هل المهديّ يخضع؟ قال له: «لا، إنّ القائم من الميعاد، واللّه لا يخلف الميعاد[2].

 

 


[1] سورة الرعد، الآية 39.

[2] عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفريّ، قال: كنّا عند أبي جعفر محمّد بن عليّ الرضا (عليه السلام) فجرى ذكر السفيانيّ، وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر: هل يبدو لله في المحتوم؟ قال: «نعم». قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم. فقال: «إنّ القائم من الميعاد، والله لا يُخلف الميعاد»؛ الغيبة، النعمانيّ، ص 313-314.

 

89


74

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

وقد علّق أحدهم على هذه الرواية معتبراً أنّ بإمكاننا القول إنّ ما هو محتوم سيتحقّق، أمّا ما يمكن أن يتخلّف ففيه التفصيل؛ فبالإمكان مثلاً أن لا يكون بين هذه العلامات المدّة المذكورة في الروايات، بل قد يخرج اليمانيّ والسفيانيّ والخراسانيّ، ويصيح جبرائيل في السماء، ثمّ يأذن اللّه بظهور وليّه المخفيّ في خلقه لتحقيق الوعد الإلهيّ. قد يحصل ذلك كلّه في ليلة واحدة، ويكفي في ذلك أنّه لا مانع عقليّاً منه فيكون قابلاً للحصول. وهذا تفسير مقبول أيضاً. وبالتالي، يصبح واضحاً معنى أن نترقّب وننتظر ظهور إمامنا، وأن ندعو وأن نحضِّر ونمهّد لذلك، وأن نتوقّع هذا الأمر صباحاً مساءً[1].

آل سعود أكثر من يطبّق العلامات

عندما يصبح موضوع الإمام مطروحاً بقوّة، فمن الطبيعيّ أن يواجَه بالشكوك والنقد؛ لأنّ مسألة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) هي نقطة أمل المستضعفين، ونقطة خوفٍ ورعبٍ لكلّ المستكبرين والطواغيت، لذلك هم لا يحبّون أن يُقال أمامهم إنّه في يومٍ من الأيّام سيأتي شخص يزيل دولة الظلم، ويقيم دولة العدل الإلهيّ، بل يخلق لهم حالة رعب أيضاً. فمحمّد بن سلمان -وهو اليوم وليّ وليّ العهد- قال منذ فترة: «المشكلة مع إيران أنّها تنتظر الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)»، ويؤكّد أنّهم يعلمون بأنّ الإمام سيظهر، ولكنّهم يحاولون تأجيل ذلك، وهذا يعبّر عن الرعب

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 2/11/2014م.

 

91


75

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

المبحث الثاني:
 توقيت الظهور

التطبيق والتوقيت وخطورتهما

أنموذج عن مخاطر التطبيق في العصر الحاضر

ذهب بعضهم، في مرحلة من المراحل، إلى أنّ السفيانيّ هو صدّام حسين، مستشهدين على ذلك بما ارتكبه من أفعال شنيعة، إلا أنّ صدّام مات، وبطل هذا الادّعاء. ثمّ ذهب آخرون في العراق مثلاً إلى أنّ أبا مصعب الزرقاويّ الذي قام بالتكفير والقتل والذبح وسفك الدماء هو السفيانيّ، وأنّ راية السفيانيّ ظهرت، واشتبه الأمر على الناس أكثر لكون السفيانيّ يخرج من المنطقة المسمّاة بالوادي اليابس، وهي واقعة بالمثلّث بين سوريا والأردن وفلسطين، وهي المنطقة التي تواجد فيها الزرقاويّ، إلّا أنّه مات أيضاً.

والمشكلة الكبرى أن المدّعين يعمدون إلى نشر دعاواهم ساعين إلى نشر ثقافاتهم بين المؤمنين. وقد

 

93


76

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

ذهب آخرون -في مرحلة من المراحل، نتيجة تأثّر الكثير من الناس- إلى أنّ الإمام الخمينيّ (قدس سره)هو الخراسانيّ، باعتبار كونه من السادة، واعتبار أنّ كلّ إيران يصحّ اعتبارها خراسان، وخمين أو قم جزء من خراسان، وأنّه هو الذي سيسلّم الراية للإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، إلّا أنّ إمامنا الخمينيّ (قدس سره)توفّاه اللّه تعالى. كما ذهب آخرون عند رؤيته على فراش المرض في المستشفى، إلى أنّ الشيخ منتظري هو الخراسانيّ، وقد توفّاه اللّه أيضاً.

وحتّى في أيّامنا هذه، نجد من ادّعى أنّ أبا بكر البغداديّ (زعيم داعش) هو السفيانيّ، بقرينة قتله سبعين شخصاً سنيّاً من عشيرة أبو النمر كما روى بعضهم، وقتل مئتَي شخص على رواية أخرى، وثلاث مئة على غيرها، بين قتل وذبح الرجال والنساء والأطفال.

كما قد يأتي في أيّامنا مَن يقول إنّ سماحة الإمام الخامنئيّ (دام ظله) هو الخراسانيّ، وأنا من أكثر الذين يتمنّون أن يكون الواقع كذلك، ولكن لا يمكننا ادّعاء ذلك دون دليل وأساس وقرينة.

قد يفترض هؤلاء أنّهم بفعلهم هذا يضيفون نوعاً من الشرعيّة والقداسة إلى سماحة الإمام الخامنئيّ}، ولكن هل الإمام الخامنئيّ يحتاج إلى إضافة الشرعيّة؟! إنّ شرعيّته أهمّ من هذه الشرعيّة المدّعاة له؛ لأنّها مبنيّة على قواعد سليمة، وسلوكه وأداؤه وورعه وزهده وحكمته وشجاعته وتجربته الراقية

 

94


77

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

والمشرقة هي التي تزيده محبّةً وقداسةً عند المؤمنين.

وكذا عندما تصل النوبة إلى اليمانيّ، فهناك ادّعاءات أكثر، فقد ادّعى شخصان في العراق مثلاً أو ثلاثة أنّهم اليمانيّ. كما وذهب بعض المحبّين لحزب اللّه في لبنان إلى ادّعاء أنّ راية حزب اللّه هي راية اليمانيّ، وأنّ فلاناً هو اليمانيّ، وليت الأمر كذلك، ولكن ما الدليل عليه؟ المطلوب من المؤمن أن لا يقفو ما ليس له به علم؛ لأنّ الخطأ في التطبيق يؤدّي إلى نتائج غير سليمة.

نعم، أحياناً قد تتطابق بعض المواصفات المذكورة في المرويّات مع بعض الأشخاص، ولكن ذلك يبقى في دائرة الظنّ، ولا يرقى إلى مراتب العلم واليقين.

وقد ذكرنا ونكرّر، إنّ الخطأ في التطبيق قد يؤدّي إلى التشكيك في هذه العلامات كلّها، وهذا ما يجب أن نجتنبه بشكل حاسم.

ادّعاء المهدويّة

وهو من بين الأمور الخطيرة التي تنبع من هذا الباب. فمنذ أيّام بني العبّاس وحتّى يومنا، ظهر الكثير من أدعياء المهدويّة، وكلّهم كاذب وضالّ؛ لأنّ المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) الموعود بحسب الروايات، هو الذي «يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً

 

95


78

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

وجوراً»، وهذا أيضاً ما ورد في الآيات الكريمة بخصوص دولة العدل، بينما جميع الذين خرجوا لم تتحقّق دولة العدل على أيديهم.

وأنا أذكر قبل سنوات، وتحديداً في 20 تشرين الثاني من العام 1979م، بعد انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران بأشهر عدّة، والذي يتزامن هجريّاً مع 1 محرّم 1400 هـ؛ أي اليوم الأوّل من السنة الأولى الهجريّة من القرن الهجريّ الجديد 1400، ظهرت شخصيّتان جمعتا مجموعةً من المسلّحين في مكّة عند الكعبة، أحدهما اسمه جهيمان العتيبيّ، والآخر محمّد بن عبد اللّه القحطاني، فدعا الأول المسلّحين الذين معه إلى بيعة محمّد بن عبد اللّه القحطانيّ على أنّه المهديّ الموعود، ووقعت يومها معركة قُتِل فيها القحطانيّ، واعتُقل جهيمان وأُعدم لاحقاً، وأُشيع لاحقاً أنّ القحطانيّ ادّعى المهدويّة. واللافت أنّ هذا الأمر جاء بعد انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران، فكان بالإمكان تطبيق العلامات على واقع رايات المشرق، وخروج الخراسانيّ من إيران، والمهديّ (عجل الله تعالى فرجه) من مكّة؛ فالظروف والزمان والأحوال كانت سانحةً ومواتيةً لتطبيق العلامات عليها، إلّا أنّه كان تطبيقاً باطلاً ومضلّلاً. وأمور كهذه وقعت وستقع، فعلينا التنبّه لذلك. وقد ورد في الروايات عن الرسول الأكرم (صلى اله عليه وآله) أنّ هناك أشخاصاً يدّعون المهدويّة، والأخطر من بينهم هم السادة؛ لأنّ المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) المنتظر من نسل فاطمة (عليها السلام)  من ولد الحسين (عليه السلام)، وخصوصاً إن كان اسم أحدهم «محمّد» واسم أبيه «الحسن‏».

 

96


79

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

ويكفي القول إنَّ كلّ من ادّعى المهدويّة أو أنّه الخراسانيّ أو اليمانيّ أو الحَسَنيّ أو النفس الزكيّة، فادّعاؤه موقوف على دليل يقدّمه. وما لم يقدّم دليلاً، فادّعاؤه كذب وافتراء وتجرّؤ كبير، كما وخطره على الأمّة قد يكون كبيراً ما لم يلتفت المؤمنون إلى تفاصيل الأمر كما بيّناها.

إذاً، لا يكفي التسليم بصحّة الخبر وبدقّة العلامة وبتحديد الشخصيّة، ولا يكفي العلم أنّ أصل الحدث سيقع في آخر الزمان، بل الأمر يحتاج إلى حذر وانتباه، ولعلّ هذا واحدٌ من فوائد الحديث عن العلامات وفهمها، وفهم أخبار آخر الزمان.

مخاطر التوقيت

يجب أن يهتمّ الجميع بهذا الموضوع، وخصوصاً الشباب والشابّات؛ لأنّ ذلك الآن جزء من مساحة الابتلاء الموجودة. وأخطر ما في العلامات، هي تلك التي تُدخلنا إلى جدولة زمنيّة، كأن يُقال مثلاً: هذا الخراسانيّ، وهذا اليمانيّ، وهذا السفيانيّ، وهذا الفلانيّ، وهذه الحادثة الفلانيّة، أو أن يُقال: هذا الأمر سيحصل بعد ستّة أشهر، وذاك بعد سبعة أشهر، وذلك بعد سنة، وهكذا. وهذا خطير جدّاً.

فالتطبيق بهذا المعنى هو غير جائز شرعاً؛ لأنّه قولٌ بغير علم، ولأنّه بتعبير أوضح كذب؛ أي أن يؤتى إلى التطبيق بغير علم فهو كذب، والكذب حرام، والقائل به كاذب مذموم، وهذا تضليل وتشويه للحقائق أيضاً.

 

97


80

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

وإنّ خطورة موضوع التوقيت تظهر، لو سألتَ عن مصدر علم هذا الموقّت بالوقت الذي حدّده، فإنّك لن تجد جواباً يرضى به ذو عقل. ففلان مثلاً، الذي رأى في نومه موشّراً ما -وقد سبق وذكرنا محذّرين أنّ المنام ليس بحجّة- أو العالم الفلانيّ الذي وصل إلى هذا التوقيت، فمن أين أتوا به؟ خصوصاً وأنّ بعض الروايات ذكرت أنّ أمر الظهور علم يختصّ باللّه، ولا يعلمه غيره، وأنّ هذا من علم الساعة، فكيف يتجرّأ هؤلاء إلى هذا المستوى، ويدّعي لنفسه العلم بالوقت؟

وقد يُفهم من التوقيت المنهيّ عنه تحديد وقت قريب للظهور، وهذا ليس وحده وجه الإشكال في مسألة التوقيت، بل ثمّة نقطة أخرى يجب الإلفات إليها والتحذير من مغبّتها ضمن عنوان التوقيت، وهي تيئيس الناس من موضوع الفرج بافتراض توقيت يطول على أساسه أمد الظهور، وهذا أيضاً أمر يقع بعضهم فيه بعلمٍ أو بغير علم، فيقول للناس مثلاً إنّ أمر الظهور بعيد جدّاً، وليس في الأفق المنظور من الزمن أيّ أمل، بل أمر الخروج سيتأخّر كثيراً عن الزمن الذي تحيون فيه. وهذا أمر خطير لما قد يبثّه من اليأس في نفوس المنتظرين، وما ينشره من أجواء التثبيط لعزائمهم، والحدّ بذلك من جهودهم الإصلاحيّة في مجتمعاتهم، وهو أمر يجب الحذر منه.

 

98


81

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

وقد ذكرت سابقاً ضمن الكلام عن إيجابيّات العلامات أنّ من فوائدها هو الأمل باقتراب الفرج، ولكن عندما يأتي شخص ليقول إنّ وقت الخروج سيكون بعد مئتي سنة على الأقل، ويأتي آخر ليقول إنّ الظهور مثلاً سيكون بعد أسبوع، فكلتا الحالتين كلام خاطئ بغير علم، وله مخاطر فكريّة وعقائديّة ونفسيّة كبرى، فإمّا يؤدّي إلى التيئيس والإحباط، وإمّا إلى النكران.

ومن مخاطر التوقيت -أيضاً- اللعب بمشاعر الناس وعواطفهم وعقائدهم وحياتهم. إنّ أحد أهداف الحديث عن العلامات هو زرع الأمل، وأنّ الظهور المبارك سيتحقّق يوماً ما. أمّا أن يأتي أحد ويقول إنّ السفيانيّ مثلاً هو الشخص الفلانيّ، ثمّ يموت هذا الشخص، فيقع الاختيار على شخص آخر على أنّه السفيانيّ، ثمّ يموت، وهكذا، فإنّ هذا الأمر يزرع اليأس في قلوب الكثير من المنتظرين.

وثمّة أيضاً الرواية التي تتحدّث عن موت الملك عبد الله: «ويذهب ملك السنين، ويصير ملك الشهور والأيّام»[1]، التي فسّرها بعضهم في زماننا الحاليّ أنّ المقصود بعبد الله هو ملك الحجاز، ولكنّه توفّي، فقام مقامه آخر، ولا يزال يحكم حتّى الآن، فأين تحقّق ذاك القول؟! وآخرون يقولون إنّ المقصود ليس عبد الله ملك الحجاز، بل يمكن أن يكون ملكاً آخر في مكان آخر، أو زعيماً، أو خليفة، أو ما شابه.

 

 


[1] انظر: الغيبة، الطوسيّ، ص 467.

 

99


82

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

ما أريد أن قوله في هذا الخصوص، إنّنا عندما نذهب إلى التطبيق الذي يؤدّي إلى التوقيت بشكل أو بآخر في هذا النوع من العلامات، فهذا خطر جدّاً، لأنّه عندما يرتفع منسوب التوقّعات، وتكون التطبيقات خاطئة، فإنّ ذلك يحدث صدمة نفسيّة، وكلّما لم تُصب التوقّعات، أحدث ذلك صدمات نفسيّة متتابعة. وبدل أن يعيش الناس أملاً صادقاً متواصلاً، يدخل اليأس قلوبهم، ويحبطون، وتهتزّ مشاعرهم، والأخطر من ذلك كلّه، تهتزّ عقائدهم، فتنفر نفوسهم من أن يصدّقوا أصل الوعد الإلهيّ، وأصل المهدويّة، وأنّ هناك قائداً ومشروعاً ويوماً من هذا النوع.

ولذلك، يجب أن لا نسمح بتداول هذا النوع من الثقافة الخاطئة، سواء في مجالسنا، أو في كتبنا أو في سهراتنا، أو في مساجدنا، أو في حلقاتنا الثقافيّة؛ لأنّها مدمّرة فكريّاً وثقافيّاً وروحيّاً وتفتح أبواب الفساد.

حسناً، قد يقول أحدهم: هذا احتمال، والاحتمال لا يسبّب مشكلة، بل إنّه يُبقي باب الأمل مفتوحاً. نحن لا نريد أن نسدّ باب الاحتمال، ولكن يجب أن يكون الإنسان محتاطاً في ذلك وحذراً، ولا يُكثر من الاحتمالات حتّى لا تكبر الآمال، وتأتي النتائج معاكسة[1].

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 5/6/2015م.

 

100


83

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

النهي عن التوقيت في روايات أهل البيت (عليهم السلام)

إنّ أمر التوقيت من الأمور التي نهى أئمّتنا (عليهم السلام) عنها في غير موضع، وأكّدوا على عدم الخوض فيها مطلقاً، ونقلوا عن رسول اللّه (صلى اله عليه وآله) النهي عن ذلك أيضاً، ففي الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): «يا أبا محمّد، إنّا أهل بيت لا نوقّت»[1]، وعن النبيّ محمّد (صلى اله عليه وآله): «كذب الوقّاتون»[2]، وهذا نصّ جليّ بالنهي عن التوقيت وتكذيب الوقّاتين، وورد أيضاً في الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) لمحمّد بن مسلم: «يا محمّد، من أخبرك عنّا توقيتاً فلا تهابنّ أن تكذّبه، وإنّا لا نوقّت لأحد وقتاً»[3].

وعن الرسول (صلى اله عليه وآله) أنّه حينما سُئل: متى يخرج القائم من ذريّتك؟ قال: «مَثَله مَثَل الساعة»؛ الساعة تعني القيامة، «لا يُجلّيها لوقتها إلاّ هو»[4]؛ الله عزّ وجلّ فقط يعرف توقيت الظهور، ولا أحد سواه لديه علم بهذا الأمر، على الإطلاق.

ثمّة إشارتان في هذا الحديث الشريف، الإشارة الأولى: أنّ العلم بالتوقيت هو عند الله سبحانه وتعالى، كالعلم بالساعة عنده سبحانه وتعالى فقط. والإشارة الثانية: هي المباغتة والفجائيّة؛ فكما أنّ الساعة تأتي بغتة، فظهور الإمام (عليه السلام) سيكون بغتة أيضاً. وفي توقيع صادر عن الإمام (عجل الله تعالى فرجه) يقول:

 

 


[1] انظر: الغيبة، النعماني، ج 1، ص 299.

[2] المصدر نفسه.

[3] انظر: إلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب، الحائريّ، ج 1، ص ص 178.

[4] الكافي، الكلينيّ، ج 1، ص 368.

 

101


84

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

«وأمّا ظهور الفرج، فإنّه إلى الله وكَذَب الوقّاتون»[1]. كما يُسأل الإمام محمّد الباقر (عليه السلام): هل لهذا الأمر وقتٌ؟ فيقول (عليه السلام): «كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون»[2]. إذاً، توقيت الفرج عند الله سبحانه وتعالى، وهو ما أشار إليه أئمّتنا[3] (عليهم السلام).

ضرورة تحديد العلامات الخاصّة

إنّ التحديد الواضح للعلامات الخاصّة أمر ضروريّ للباحثين عن حقيقة أمر الظهور. وفي هذا السياق، نقول: إنّ البحث في الروايات، الصحيح منها والمعتبر، والوقوف على آراء العلماء في المسألة، يرشد أنّ العلامات الخاصّة، والتي تحدث في سنة الخروج، هي ظهور اليمانيّ والخراسانيّ والسفيانيّ، وصيحة في السماء، وخسف في البيداء. ونحن عندما نقترب من هذه العلامات، فلن تتوه وجهتنا، وتكفينا المعرفة بهذه العلامات لنتمكّن من إدراك اقتراب الظهور؛ لأنّ العلامات هذه إنّما تقع متلاحقةً، بحيث يتلو واحدها الآخر، فتكون الأمور واضحةً لكلّ ذي نظر[4].

 

 


[1] انظر: الاحتجاج، الطبرسيّ، ج 2، ص 283.

[2] انظر: موسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، النجفيّ، ج 8، ص 366.

[3] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 11/8/2012م.

[4] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 2/11/2014م.

 

102


85

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

منهج الأخذ بالروايات

بناءً على كلّ ما تقدّم، نحن نحتاج إلى أن نعود إلى العلماء المحقّقين المدقّقين المتخصّصين ليقولوا لنا ما هو المقبول من تلك الروايات والأحاديث، وما هو المرفوض منها. ببساطة، أقول لكم: إنّ أحداث المستقبل وأخباره، وعلامات الظهور، وحركة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) وما بعد الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) إلى قيام الساعة؛ تندرج عند العلماء تحت اسم «الملاحم والفتن»، فنجد حول ذلك، مثلاً، كتاب في الملاحم والفتن، وثمّة أيضاً نوع آخر من الكتب يسمّى «كتاب الفضائل»، الذي يذكر لنا رواية مثلاً عن رسول الله (صلى اله عليه وآله) في فضل فلان وفلان.

وعلماء المسلمين عموماً، من السنّة والشيعة، وخصوصاً المهتمّين بعلم الحديث وعلم الرجال، يعتبرون أنّ دسّ الأحاديث المغلوطة، والتي لا أساس لها من الصحّة، ولم ترد على لسان رسول الله (صلى اله عليه وآله)، إنّما كان لسبب انتصار فلان على غيره، ولأجل أن يدعم رأيه يضع سنداً من عنده: وقال رسول الله، وإنّ أكثر هذه الأحاديث، وضعت في الملاحم والفتن، وفي الفضائل، وغالباً كان ذلك لأسباب سياسيّة[1].

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 5/6/2015م.

 

103


86

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

هذا الموضوع يحتاج إلى دقّةٍ ومواجهة، ويجب أن لا تحصل فيه أيّ شبهة؛ إذ يجب العودة فيه إلى العلماء المحقّقين؛ إذ ثمّة علماءُ متخصّصون بهذا النوع من التحقيقات، ويجب عدم الاعتماد على الروايات التي لا سند لها؛ لأنّنا لا ندري مَن هو ناقلها وراويها.

لكن -مع الأسف الشديد- بعض شبابنا لديهم تسامحٌ وتساهلٌ في هذا الموضوع، فنراهم ينجذبون نحو الروايات التي لها توظيفات سياسيّة معيّنة ويصدّقونها، بينما هدفها في واقع الأمر تضليل للناس. لذلك، من مسؤوليّاتنا الكبيرة اليوم أن نزيد من درجة الاهتمام والوعي تجاه هذه القضيّة عند الناس[1].

إنّ منهجيّة العمل في نصوص السنّة الشريفة، والتي ترد في الكتب عن فلان وعن فلان عن رسول الله (صلى اله عليه وآله)، تتطلّب منّا أن نرى مَنْ نقل هذه الأخبار عن رسول الله (صلى اله عليه وآله)، وذلك من خلال القواعد والموازين العلميّة التي تجعل من هذه الروايات مقبولة، وتجيز الاعتماد عليها.


 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 19/5/2017م.

 

104


87

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

إنّ أيَّ حديث يُنقل، له متن وسند، وأنا هنا أريد الاستشهاد بحديث حفظته من أحد العلماء الكبار، وقد علق في ذهني لجماليّته وحسنه، إذ إنّ سنده جميل ومتنه جميل كذلك عن أحد الرواة عن أبي الحسن عن أبي الحسن عن أبي الحسن عن الحسن عن الحسن عن الحسن بن عليّ (عليه السلام): «إنّ أحسن الحسن الخُلُق الحسن»[1]. فالتوارد والنقل يسمّى السند، والحديث هو المتن.

اتّفق علماء المسلمين، بل أجمعوا على أنّ كلَّ ما روي عن أهل البيت (عليهم السلام) وعن الرسول (صلى اله عليه وآله) ليس بالضرورة أن يكون أخباراً. قال الصدوق: فأمّا أبو الحسن الأوّل فمحمّد بن عبد الرحيم التستريّ، وأمّا أبو الحسن الثاني فعليّ بن أحمد البصريّ التمّار، وأمّا أبو الحسن الثالث فعليّ بن محمّد الواقديّ، وأمّا الحسن الأوّل فالحسن بن عرفة العبديّ، وأمّا الحسن الثاني فالحسن بن أبي الحسن البصريّ، وأمّا الحسن الثالث فالحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام). على الرغم من أنّها صحيحة، إلّا أنّهم يقولون إنّنا يجب أن نتابع وندقّق. لذا، ثمّة إجماع من المسلمين على أنّ الأحاديث فيها الصحيح وغير الصحيح، والمقبول والمعتبر. وهم متّفقون أيضاً، أنّ في حياة الرسول (صلى اله عليه وآله) وبعد حياته، برز أشخاص وضعوا أحاديثَ ونسبوها إلى النبيّ (صلى اله عليه وآله)؛ لذا وضع العلماء «علم الرجال» و«علم الحديث» حتّى

 

 


[1] انظر: بحار الأنوار، المجلسيّ، ج 68، ص 368.

 

105


88

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

يدقّقوا ويتبيّنوا، فحتّى لو ورد أنّ فلاناً مثلاً حفظ مئة ألف حديث، فعلماؤنا لا يقبلون أحاديثه كلّها، ولا يتعاملون معها على أنّها صحيحة، ولا أحد من المسلمين يتعاطى مع الأحاديث كلّها على أنّها صحيحة ومقبولة، وأنّه يجب الاعتماد عليها. فهم يهتمّون بدراسة السند؛ أي فلان عن فلان، على أن يكون صادقاً ومعروفاً بصدقه، وأنّه محلّ ثقة؛ فيدرسون علم الرجال وعلم الحديث ليحكموا عليه، وهذا من وظيفة أهل الاختصاص[1].

الوعد الإلهيّ ومعرفة التكليف

المطلوب أن نتعاطى مع النتيجة من خلال نقطتين، النقطة الأولى: إنّ كلّ ما يجري في الكرة الأرضيّة اليوم هو في سياق هذا الوعد الإلهيّ والهدف الإلهيّ، سواءٌ ذُكر كعلامات أم لم يُذكر، أو ورد في الروايات أم لم يرد، لأنّ البشريّة ستصل وحدها إلى مكان تيأس فيه ممّا في أيدي الناس من حروب ونزاعات وأوبئة، وغير ذلك، فتطلب الحلّ من الله سبحانه وتعالى، وتعود إليه، وتلجأ إلى شريعته، ودينه، وحكمه، ورسالته، وقيادة أنبيائه وأوليائه (عليهم السلام)، فيستجيب

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 29/10/2014م.

 

106


89

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

الله سبحانه وتعالى لنداء البشريّة، ويأذن لهؤلاء أن يظهروا، ويعودوا إلى الأرض، ويحملوا هذا المشروع ويحقّقوه، ليعمّ السلام والأمن والعدل الأرض كلّها. والنقطة الثانية: نحن معنيّون بمعرفة تكليفنا، وتحمّل مسؤوليّتنا، وأن لا نضيع بالتحليلات وبالأسئلة، وبدل أن نشغل أنفسنا بالتفكر في ما يشاع من علامات وهل هي صحيحة أو لا، فلنفكّر في المسؤوليّات المترتّبة علينا.

ففي موضوع قيام الكيان الصهيونيّ مثلاً، وكلّ ما قيل حول علاقة ذلك بآخر الزمان وأنّه من إحدى العلامات، فسواء سلّمنا بذلك أم لم نسلّم، يبقى الأهمّ أن نعرف تكليفنا اتجاه احتلال الصهاينة لتلك الأرض وتهديد شعبها، فهذا هو المطلوب[1].

على طريق التمهيد للظهور

يجب أن نسلّم لأمر الله ومشيئته، ومشيئة الله أن نعيش الرغبة في ذروتها في أن يخرج إمامنا، ويعجّل الله تعالى فرجه الشريف، وندعو له صباحاً ومساء، ونفكّر فيه ونتأمّل، ونعيش معه بكياننا وبقلوبنا وبأرواحنا. ولكن لا يجوز أن نيأس، كما

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 7/4/2020م.

 

107


90

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

لا يجوز أن نُحبط الناس من خلال الآمال والأحلام الكاذبة التي لا تستند إلى أيّ أساس عقليّ أو شرعيّ.

يجب أن نحمد الله على هذه النعمة الإلهيّة الكبرى التي منَّ بها علينا، نحن هذا الجيل، وفي هذا العصر. لا أريد أن أجزم، ولكنّني لا أظن أنّه مرَّ على آبائنا وأجدادنا والأجيال السابقة زمنٌ عاشوا فيه مشاعر القُرب من الإمام (عجل الله تعالى فرجه)، والتمهيد لظهوره المبارك، وهذا الوعي والحبّ والاشتياق إليه، كما هي الحال عليه في هذا الوقت. اليوم، يلهج باسم الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) الأطفال الصغار، والكبار، والشيوخ، وهو يعيش في عقول المجاهدين، والأسرى، وعوائل الشهداء، والجرحى، والمضحّين، والمستضعفين، والمظلومين، في أكثر نقاط هذا العالم، وفي قلوبهم وأمانيّهم.

فعندما تتطوّر هذه العلاقة، نعتقد أنّنا اقتربنا أكثر فأكثر من المشروع الإلهيّ، الذي هو اليوم جزءٌ من العمل في طريق التمهيد لظهور الحجّة (عجل الله تعالى فرجه)؛ لأنَّ المسجد والمدرسة والمركز الثقافيّ كما المحور في المقاومة ومعسكر التدريب، كلّها

 

108


91

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

ساحاتٌ لا بدّ منها، وهي ضروريّة ولازمة لصناعة الإنسان. فالمسجد يبني فينا الإيمان والتديّن، ويعرّفنا إسلامنا والولاية، فنمشي في ركاب الوليّ، ونجاهد في سبيل الله. ومن المسجد نتحرّك إلى المقاومة وإلى الجهاد، فنصبح ليوث النهار ورهبان الليل، ونتعلّم التضحية والفداء والجهاد والطاعة والانقياد، لنكون إن شاء الله من جنود المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) الذين هم أطوع له من بنانه، يلتزمون أمره ويخوضون البحار تحت رايته[1].

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 27/12/1996م.

 

109


92

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

المبحث الثالث:
الانتظار الإيجابيّ

الانتظار والترقّب الدائم

إنّنا نعتقد، بحسب ما وردنا من أحاديث عن النبيّ (صلى اله عليه وآله)، وبحسب ما جاء في القرآن الكريم، وبحسب ما نحمل من عقيدة قاطعة وحاسمة، بأنّ مستقبل الأرض هو مستقبل غلبة التوحيد، وغلبة الدين الإلهيّ والمستضعفين، هو مستقبل الحكمة والرخاء والرفاه، وبالتالي يتحقّق ما جاهد، وناضل، وضحّى، وجهد لأجله أنبياء اللّه (عليهم السلام) طوال التاريخ؛ وهذا يتحقّق على مستوى الدنيا قبل الآخرة. فما وردنا من أحاديث يثبت لنا صحة ذلك، ونعوّل عليه، ولكنّنا لا نعمد في حال الانتظار إلى التوقيت، لا تقريباً ولا إرجاءً.

ويكمن التعامل الصحيح مع هذا الأمر بأن ننتظر الأمر صباحاً ومساءً ولا نستبعده، فهو محتمل في كلّ ليلة وكلّ ساعة وكلّ يوم، وهو ككلّ شيء خاضع لمشيئة اللّه سبحانه وتعالى، ولو

 

111


93

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

شاء أن يحقّق وعده الليلة لحقّقه، فليست يد اللّه بمغلولة. لذا، فمن الممكن على مدار الساعات والأيّام والأسابيع والشهور والسنين أن يشاء اللّه تحقيقه، وإنّ أحداً منّا لا يعلم الغيب ليحدّد، ولا أحد منّا محيط بعلم اللّه وإرادته تعالى. فيجب أن ننتظر الأمر في كلّ آن، وأن ندعو اللّه تعالى أن يقرّبه ويعجّله. وهذا هو الفهم السويّ والإحساس الصحيح تجاه أمرنا هذا[1].

الانتظار السلبيّ

وفي المقابل، نجد بعض الناس، وهم ليسوا علماء بالطبع، بل بعض الجهلة من المسلمين يقولون إنّ علينا أن نساعد في ملء الأرض ظلماً وفساداً وجوراً وفسقاً حتّى نعجّل في ظهور صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه)[2].

في زمن الغيبة الكبرى، ثمّة أنواع من المنتظرين:

1. مجموعة تعتقد أنّ وظيفتنا الشرعيّة بالحدّ الأدنى أن نجلس في بيوتنا، نصلّي في المسجد، نصوم، نحجّ، ندفع الحقوق الشرعيّة. وهناك بعض الأشخاص يرون أن دفع الحقوق الشرعيّة لا يكون بإعطائها للفقراء والمساكين والمحتاجين والمدارس والحوزات، بل دفنها في التراب حتّى يظهر صاحب الزمان ويخرجها. وهذه الفئة من الناس البسطاء الطيّبين، يقول الإمام الخمينيّ (قدس سره)

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 2/11/2014م.

[2] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 05/12/1998م.

 

112


94

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

إنّه يعرف أحدهم، وقد اشترى سيفاً وفرساً، مجهّزاً نفسه لظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه). هؤلاء الأشخاص لا يفعلون شيئاً، وفي أحسن الحالات يمكن أن يأمروا بالمعروف، وينهوا عن المنكر في الدائرة الشخصيّة، كأن يعظ ابنه الذي ترك الصلاة أن يعود إليها، أو زوجته التي تهمل حجابها الشرعي أن تحسّنه، أو يلفت نظر كاذب إلى اجتناب ذلك. وهذه المجموعة ترى أنّ هذا هو التكليف الشرعيّ إلى أن يظهر الإمام (عجل الله تعالى فرجه)، ليقول لنا ما هو التكليف الآخر.

2. مجموعة أخرى ترى كذلك أنّ تكليفنا في زمن الغيبة الكبرى أن نقعد ونصلّي ونصوم ونحجّ، إلى آخر ذلك، لكنّ الفرق أنّها لا تأمر بمعروف ولا تنهى عن منكر، فقط صلاة وصوم وحجّ ودعاء وزيارة وحياة شخصيّة. وهؤلاء الأشخاص أيضاً أناس طيّبون ومتديّنون وبسطاء.

3. ومجموعة أخرى لا تأمر بالمعروف، ولا تنهى عن المنكر، بل تقول إنّه لا يجب في زمن الغيبة الكبرى، لذلك هم يتركونه.

4. وثمّة مجموعة أخرى أصعب من السابقة، تقول لا يجوز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في زمن الغيبة الكبرى، لماذا؟ لأنّ التديّن والتقوى والورع والعدل إذا انتشر لم يعد من فائدة من ظهور صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه).

 

113


95

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

5. أمّا المجموعة الأخيرة، فقد فاقت كلّ ما سبق عدّه، لا يقولون فقط إنّه لا يجوز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل يسعون حتّى ينتشر الفساد والظلم والمعاصي بسرعة، وذلك من أجل التعجيل في فرج صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه) بالظهور والخروج. يتحدّث الإمام الخميني { عن هذه المجموعة، ويصفهم بالبلهاء، وسبب وصفهم أنّه لم يستطع أن يتحمّل غباء هذا الفكر، ويعتبر أنّ كلّ هذه الأقوال مخالفة لبديهيّات الدين والإسلام في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد يصل بعض أولئك إلى القول بوجوب الأمر بالمنكر، وهذا يخالف ضروريّات الدين والحكم الفقهي. فالقاعدة الفقهيّة تقول مَن أنكر بديهيّةً من بديهيّات الإسلام، وهي وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يكون قد أنكر الآيات القرآنيّة الصريحة التي تحدثت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقتال في سبيل الله، وإقامة حكم الله والقيام في وجه الظالمين ونصرة المستضعفين. هذا القرآن مليء بهذه الأوامر والآيات، وأصحاب هذه الأقوال يريدون أن يقولوا لنا إنّ هذا القرآن كلّه معطّل منذ بداية الغيبة الكبرى، فهل نعلم حتّى متى يمكن أن تمتدّ؟

 

114


96

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

هذا النوع من الدسائس في المجتمع يشبه إلى حدّ كبير ما كان يسوَّق له من روايات مخالفة لروح ونصّ صريح القرآن وآيات القرآن في زمن الرسول (صلى اله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام)، فكان الرسول (صلى اله عليه وآله) يقف في مسجد المدينة على المنبر، ويقول: «أيّها الناس قد كثرت عليَّ الكذابة...»[1] ؛ أي الذين كانوا يضعون حديثاً، وينسبوه إلى رسول الله (صلى اله عليه وآله)، وهو ما زال حيّاً، واستمرّ هذا الأمر في حياة الأئمة (عليهم السلام). لذلك، كانت قاعدة قَبول الحديث أو الرواية هي ردّه إلى كتاب التشريع الأوّل، وهو القرآن، فما خالف نرمي به، وما وافق نأخذ به، وبذلك نتعلّم كيف ننتقي الأحاديث والروايات الصحيحة من غيرها.

ورواية القعود في زمن الغيبة الكبرى، على رأي الإمام الخمينيّ (قدس سره)، ولو كانت منقولة عن طريق أسانيد فيها من الرواة الثقاة، إلّا أنّها مخالفة لأصل الدستور والشريعة وكتاب الله، وإن كان بين سلسلة الناقلين أكثر من ناقل يعتدّ به، فنضرب بهذا الحديث أو الرواية عرض الحائط، ولا نضع أيّ احتمال لكونها مقبولة أو لا.

 

 


[1] الكافي، الكلينيّ، ج1، ص62.

 

115


97

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

والشيء الآخر الذي يشير إليه الإمام (قدس سره)، أنّ هذه الروايات التي استندوا إليها فهموها بشكل خاطئ، ومنها راية طاغوت، والتي هي الراية أو العلم أو القيادة التي تدّعي أنّها المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) هي راية طاغوت، وأنّ في الروايات يخرج اثنا عشر هاشميّاً يدّعي كلّ واحد منهم أنّه صاحب الزمان. يوضح الإمام أنّ الراية التي تدّعي أنّها شخص الإمام (عجل الله تعالى فرجه) هي راية طاغوت، لا الراية التي تطرح نفسها للتمهيد، وتقول أنا أقاتل من أجل أن أمهّد الأرض لصاحب الزمان، أنا جندي من جنود صاحب الزمان، أو كما يقول الإمام الخمينيّ (قدس سره): روحي فداءٌ لتراب قدمَي صاحب الزمان، فلا مشكلة في هذه الراية، وليست راية طاغوت، بل راية حقّ.

نحن نرى أنّ الحكومات الظالمة في الزمن القديم وحتى الآن يقفون وراء تعزيز هذه الروايات، وتعزيز الفهم الخاطئ لها، لأنّ من مصلحة الحكّام والمستكبرين والطواغيت تعزيز هذه الثقافة التي تفرّق، كما يعزّزون موضوع فصل الدين عن السياسة. لماذا؟ لأنّ الحكومات من مصلحتها أن يترك الناس الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاهتمام بشؤون المسلمين، فلينصرف الفرد منّا إلى صلاته

 

116


98

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

وصومه وحجّه، وفي ذلك مصلحة لهم. وفي الحقيقة، إنّ هذه الأقوال تنسجم مع مصالح الطواغيت والظالمين والحكومات الجائرة في التاريخ والمستكبرين حالياً، وهم يقفون وراء تعزيز هذا النوع من الأقوال والثقافات التي لا تستند إلى أيّ نصٍّ قرآنيّ، ولا إلى أيّ دليل شرعيّ حقيقيّ يمكن أن يقوم عليه[1].

ما هو تكليفنا إذاً؟

وبعد أن ننسف الأقوال السابقة، نسأل الإمام { عن تكليفنا الشرعي في زمن الغيبة الكبرى، فيجيبنا بشكل واضح وصريح أنّ واجبنا أن نُهيّئ ونمهّد الأرض لظهور صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه). كلّ شي أو عمل يُفترض أن يسير وفق هذه القاعدة. بالتالي، يفسّر الإمام (قدس سره) انتظار الفرج الذي هو أفضل العبادة بهذا المعنى. ومن وجوه انتظار الفرج الالتزام الأقصى بالإسلام، ومن وجوهه أيضاً إقامة الدولة الإسلاميّة التي تحكم بالإسلام في هذه الأرض، والتي هي من الأمور الممهّدة لصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه)، وكان مصداقها الحقيقي في عصرنا إقامة الدولة الإسلاميّة في إيران التي يجب أن تعمل على نشر الإسلام، وتعريف الناس به، وتقديمه كطرحٍ بديل منقذ وكخيارٍ وحيد لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وإقامة العدالة في هذا العالم. هذا هو الواجب في زمن

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 21/6/1999م.

 

117


99

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

الغيبة الكبرى، فالذي يريد أن يخرج الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، عليه أن يهيّئ الناس لقبول حكم الإسلام، وتقديم صورة مشرقة نقيّة صافية أصيلة عنه.

ومن أوجب الواجبات في زمن الغيبة الكبرى بناء قواعد شعبيّة للإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، ووجود أنصار وأتباع مخلصين مضحّين. يذكر الإمام الخمينيّ (قدس سره) وصفاً رائعاً لأولئك الشباب في إيران في زمن الحرب، ويقول إنّ هذا الشوق والشغف عند الشباب للقاء الله تعالى هو من علائم ظهور الحجة، أرواحنا فداه. عندما يتّصف جيل الشباب خصوصاً بهذا التعلّق بالمعنويّات وبالآخرة، ويستحضرون هذا الحبّ والشوق بلقاء الله عزّ وجلّ، ويصبح هؤلاء عشّاقاً للشهادة وشغوفين إلى لقاء الله وقرب المولى، يمكن أن يتغيّر وجه العالم. ويعتبر الإمام الخمينيّ (قدس سره) أنّ هذا الشوق والشغف عند الشباب بلقاء الله تعالى هو من علائم ظهور الحجة (عجل الله تعالى فرجه).

وبالتالي، فإنّ تقوية القواعد الإسلاميّة في أكثر من مكان في هذا العالم كلّها عوامل مهيّئة لكشف الظالمين وزيف الثقافات الغربيّة والملحدة والمشركة والكافرة، وهو يساعد في أن ييأس الناس من هؤلاء، ويعلّقوا أملهم الوحيد على هذا الخطّ وهذا

 

118


100

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

الدين وهذا المنقذ الآتي بإذن الله عزّ وجلّ. هذه هي مسؤوليتنا في زمن الغيبة، بمعنى آخر مسؤوليّتنا أن نلتزم بتعاليم الإسلام في زمن الغيبة، والله طلب منّا أن نأمر بالمعروف، وأن ننهى عن المنكر، ونجاهد عدوّنا، ونواجه الظالمين. فإن لم أكن قادراً على إزالة الظلم من الأرض جميعها، على الأقلّ أن أسعى إلى ذلك في دائرة معيّنة من بلدي، أن أزيل الظلم على بعض الصُّعد. والآن، نحن في لبنان، لا نستطيع إقامة حكومة إسلاميّة، لا يمكن أن أجلس في البيت، وإذا كانت الظروف غير متاحة ومساعِدة لإقامة حكومة إسلاميّة ضمن الظروف الحالية والأوضاع والتركيبة اللبنانية وظروف المنطقة والوضع الإقليمي والدولي، على الأقلّ أقاتل «إسرائيل»، وأدافع عن أمّتي وكرامتها وعن شعبي ووطني وأرضي وعرضي بموقف أو نشاط سياسي، أو إعلامي، بمظاهرة، باحتفال، باتصال، بزيارة، أن أرفع عن هذه العائلة أو عن هذه المنطقة أو عن هذه المجموعة أو عن هذا الإنسان الظلم. ليس المطلوب منّا إقامة حكم الإسلام بالكامل في لبنان، ولم يطلب منّا أئمّتنا طوال التاريخ فرض هذا الحكم بالقوّة، مسؤوليّتنا أن نعمل على رفع الظلم قدر استطاعتنا[1]، وهذا في الحقيقة يهيّئ، ويحضر الأرضيّة لمجيء صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه).

 

 


[1]  من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 21/6/1999م.

 

119


101

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

من أهمّ وظائف زمن الغيبة الكبرى

يبقى هناك شيء لإضافته، من أهمّ الوظائف في زمن الغيبة الكبرى، في الحقيقة، هو تربية الأمّة والناس، وخصوصاً شيعة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، على طاعة الإمام (عجل الله تعالى فرجه). يمكن أن يكون الناس متديّنين، يصلّون صلاة الليل، ويقرأون القرآن، لكن كيف يمكن أن نضمن عدم انحرافهم كما حصل في معركة النهروان مع الخوارج حين رفعوا السيف في وجه إمامهم(عليه السلام)؟ وخصوصاً أنّ ما ورد في بعض الروايات يشير إلى أنّ المشكلة حين ظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه) تكمن في بعض العلماء والفقهاء والمتديّنين الذين لن يقبلوا به (عجل الله تعالى فرجه)، بل ويشكّكون في أنّه هذا ابن فاطمة (عليها السلام). وهذا يعني أنّهم سيكونون قساة معه، فكيف يمكن ضمان عدم انحراف القاعدة الشعبيّة؟ ونحن نعرف معاناة الأئمّة (عليهم السلام) مع أصحابهم طوال التاريخ؛ فالإمام عليّ (عليه السلام) كانت مشكلته مع أصحابه قبل معاوية، فلو كانوا على قدر من الوعي والبصيرة لكان تغيّر وجه التاريخ.

هناك مفاصل في التاريخ، لو اتخذ أصحابها موقفاً غير الذي كان لكان المسار التاريخيّ للأمّة والبشر مختلفاً، كحادثة التحكيم في حرب صفيّن. كان جيش الإمام عليّ(عليه السلام) على مشارف النصر النهائي على جيش معاوية، وكان مالك الأشتر على باب خيمة معاوية بن أبي سفيان الذي كان في أسوأ حالاته، إلّا أنّ الحيلة التي ابتدعها عمرو بن العاص في

 

120


102

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

مسألة الاحتكام إلى القرآن غيّرت وجه المعركة، فدبّ النزاع في جيش الإمام عليّ (عليه السلام)، ووصل الأمر إلى أن رفع بعض أصحاب الإمام السيوف عليه (عليه السلام)، فطلب الإمام (عليه السلام) من مالك أن يرجع، فصار جدل داخل جيش الإمام (عليه السلام)، حتّى اضطر (عليه السلام) إلى أن يرضخ للتحكيم حتّى لا يقع القتال في جيشه وتكون الكارثة الكبرى. ولو لم تحصل هذه الحادثة يومها، وقتل مالك الأشتر معاوية بن أبي سفيان لانتهت الفتنة في الأمّة، ولتمكّن الإمام عليّ (عليه السلام) من أن يقيم حكم العدل، ويمتدّ العدل في التاريخ.

انظروا إلى هذا المفصل التاريخي الخطر والمهمّ، أين كانت المشكلة؟ هل في إطاعة أصحاب الإمام (عليه السلام) له؟ هؤلاء كانوا يخرجون مع الإمام (عليه السلام)، ويقاتلون معه في حروبه كلّها، قاتلوا في حرب الجمل وصفين، بقوا أشهراً عدّة يقاتلون. ولكن، في اللحظة الحاسمة، خذلوا الإمام، ورفضوا طاعته (عليه السلام)، ورتّبوا على ذلك مظلومية شديدة للإمام عليّ (عليه السلام)، وفرضوا عليه التحكيم، وانظروا من وضع عمرو بن العاص للتحكيم، كان الإمام عليّ (عليه السلام) يريد أن يختار عبد الله بن العباس، لكنّ الجماعة أرادوا أبا موسى الأشعريّ، وإن لم يوافق (عليه السلام) سيبدأ السيف، واضطرّ إلى القبول، وماذا حصل

 

121


103

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

بعد ذلك؟ كانت نتيجة التحكيم سيّئة، فقد ثبّت عمرو بن العاص معاوية، وخلع أبو موسى الأشعري الإمام عليّاً (عليه السلام). وكلّ الذين فرضوا على الإمام عليّ (عليه السلام) أن يقبل التحكيم قالوا له (عليه السلام) إنّك أخطأت، وكفرت بقبول التحكيم، وعليك أن تتوب. نسوا أنّهم من فرض عليه القبول به. ليست المشكلة في التراجع عن موضوع التحكيم، بل في طلبهم التوبة، والتوبة بما تعنيه أن يسلّم أنّه كفر. الذين قاتلوا بالنهروان كانوا يقيمون صلاة الليل، كانت الكوفة في الليل تضجّ من أصوات تلاوتهم وتسبيحهم وعبادتهم، هؤلاء كانوا يدّعون أنّهم العبّاد الزهّاد الأتقياء الورعون، أوصلوا إمامهم إلى هذا المكان، وانشقّ الخوارج حتّى قُتل (عليه السلام) على يد أحدهم.

وكذلك المشكلة كانت نفسها في مرحلة الإمام الحسن (عليه السلام) مع أصحابه، وستكون هي ذاتها مع الإمام صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه). طبعاً، ليس المطلوب أن يتكرّر هذا الموضوع؛ فمن أهمّ المسائل المطلوبة والمرجوّة هي الطاعة المطلقة للإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، حتّى ورد في بعض الأحاديث أنّ من أهمّ مواصفات أصحاب الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) طاعة الفقيه العادل الجامع للشرائط، وحين نعصيه نكون قد عصينا بالفعل الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه). وعندما لا نطيعه نحن نعصي إمامنا (عجل الله تعالى فرجه)، ولا نبالي بأمره. فطاعة وليّ الأمر هي الحجّة الإلهيّة ومعيار وميزان طاعة المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) في زمن الغيبة الكبرى. ومن لا تساعده نفسه ولا دينه ولا عقله ولا شهواته ولا أهواؤه ولا ميوله على طاعة

 

122


104

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

نائب المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) لن يكون مطيعاً للإمام (عجل الله تعالى فرجه) عند الظهور، بل ستكون الحجّة له عليه ألزم وأقوى. وهذا ما يجب أن تتمرّن عليه قواعد الإمام (عجل الله تعالى فرجه). ففي زمن الغيبة، إذا لم يكن المرء متمرّساً على الطاعة سيحيد، وسينكر أيضاً أنّه ابن فاطمة لكثرة ما يرونه من الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) من قتل للظالمين والطواغيت والمستكبرين والفاسدين والمفسدين، لن يستطيعوا أن يفهموا فعله (عجل الله تعالى فرجه). وفي الحقيقة، فإنّ من أوجب الواجبات في زمن الغيبة الكبرى أن نربّي قواعد الإمام (عجل الله تعالى فرجه) على التديّن والتقوى، وأن نتدرّب بطاعة الوليّ الفقيه على طاعة الإمام (عجل الله تعالى فرجه).

خلاصة القول، إنّ الوظيفة الشرعية الملقاة على أتباع هذا الدين وهذه الرسالة في زمن الغيبة الكبرى هي طاعة وليّ الأمر، واتباع أمره وخطه ونهجه، وإنّ المطروح ليس القعود، وإنّما العمل الدؤوب إن شاء الله[1].

الدعاء لصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه)

وهو من أعظم ما يمكن للإنسان أن يطلبه. وهذا الأمر يستحقّ منّا أن نقضي ليالينا في ذلك. وهذا الأمر له بركات هائلة وعظيمة علينا وعلى البشريّة في الدنيا والآخرة. وهنا يأتي

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 21/6/1999م.

 

123


105

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

السؤال، هل يمكن لهذا الدعاء أن يؤثّر في تعجيل الفرج وفي ظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه)؟ أليس موضوع التوقيت مشخّص عند الله، ولا علاقة له بالدعاء؟

الإجابة عن هذا السؤال تستدعي مقدمة مفيدة لها علاقة بطريقة تفكيرنا وبعقيدتنا، ومنها نعود لموضوع الدعاء لصاحب الزمان ومسألة التوقيت ومسألة الانتظار.

من جملة الأعمال التي تعتبر خارج دائرة العقل الطبيعيّ البشريّ، والتي تساعد على التقديم أو التأخير في كثير من الأمور في الآجال والمصائر والبلاءات في الأحداث، وفي ما يطلبه الناس من جملة الأمور الأساسيّة والمهمّة هو الدعاء. وإذا ثبتت عندنا هذه القاعدة، أمكن لنا حين نعرّج على موضوع الدعاء لصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه) أن نقول لو أنّنا هذه الليلة دعونا، فإنّ كثيراً من المعادلات قد تتغيّر. وإذا اطّلع الله سبحانه وتعالى على قلوبنا، ووجدنا صادقين ومخلصين وخاشعين وخاضعين، نتوجّه إليه بانكسار؛ لأنّ الله عند القلوب المنكسرة، وبتذلّل وبتضرّع وبعبوديّة حقّة لله سبحانه وتعالى قد يغيّر الكثير من الأمور، ويقدّرها وفقاً لتقدير المصلحة والحكمة التي يراها طبعاً، وحتّى في موضوع التوقيت، وفي هذا الأمر كلام.

قد تشتدّ الأحداث والتطوّرات والابتلاءات، وتكثر في هذا الزمن، وهناك آفاق مسدودة أيضاً. وبطبيعة الحال، يلجأ الإنسان إلى الله سبحانه وتعالى، ويبحث عن فرج وحلّ عند

 

124


106

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

من يؤمن بهم؛ فيتطلّع إلى صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه)؛ لأنّه الإمام الحيّ في زماننا، فندعو كي يقرّب الله ظهوره ويعجّله، ويخلّصنا ممّا نحن فيه. فهل يقرّب الله توقيت خروجه؟ في موضوع التوقيت أمران: الأوّل، إنّ هذا من الأمور التي يقرّرها الله سبحانه وتعالى، وهي في يده عزّ وجل، ليست في يد أحد غيره على الإطلاق، كموضوع الآجال والأرزاق. وقد ترك الله هامشاً للناس وفي أنفسهم بدعائهم وأعمالهم لتغيير بعض التوقيت. ولكن في موضوع ظهور الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) حكمة بإخفاء وقته، فلم يقل النبيّ (صلى اله عليه وآله) إنّ المهديّ من وُلدي سيظهر في سنة كذا، وفي شهر كذا، وفي يوم كذا، ولم يقل ذلك أيضاً أئمتنا (عليهم السلام)[1].

إذاً، ظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه) يمكن أن يحصل في أيّ لحظة. ويجب أن يكون هذا هو شعورنا عندما نتوجّه إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء، وهذا جزء من الانتظار الحقيقي. فهل هناك أمور مؤثّرة في أنّ الله سبحانه وتعالى يعجّل الفرج؟ نعم، هناك أعمال يقوم بها الإنسان مؤثّرة جدّاً في تعجيل الفرج وفي تقريب زمن الظهور. وفي الوقت نفسه، هناك أعمال في بعض رواياتنا تؤجّل الفرج، وهذه الأمور كانت تحصل في زمن الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) حين يتحدّث أحد الأئمّة عن أمر ثمّ لا يحصل، فيقولون: نحن قلنا لكم فأذعتموه ونشرتموه، وهذا خلاف الكتمان، فضيّعتموه.

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 11/8/2012م.

 

125


107

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

إذاً، هناك أمور يمكن أن تؤجّل الفرج، وأعمال تعجّله. فلنرجع إلى مفاهيمنا الدينية والإسلاميّة ورواياتنا وأحاديثنا لنرى ما هو الشيء الذي علينا فعله نحن المنتظرين والمشتاقين والمستضعفين في الأرض الذين ننتظر أن يتحقّق وعد الله سبحانه وتعالى، نحن الذين نتألّم لكلّ معذّب ومظلوم وجائع وفقير ومضطهد في هذا العالم، نحن الذين نحلم أن يأتي الزمان الذي تتحوّل فيه البشريّة إلى عبادة الله وإلى عبوديّته وإلى العدل والسلام والأمن والاستقرار، وهذا سيتحقّق على يدي المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) من ذرية محمّد (صلى اله عليه وآله) والسيد المسيح(عليه السلام)[1].

لتعجيل الفرج

هل نستطيع أن نقوم بشيء يقرّب وقت الظهور، أم أنّ الموضوع محسوم عند الله، وبالتالي، لا فيه تقديم ولا فيه تأخير؟ لقد ذكرت الروايات وبعض كلمات علمائنا أنّ هناك بعض الأعمال التي تساهم في ما نريد؛ ففعل الطاعات والخيرات يساهم في تعجيل الفرج. وحين يصبح المجتمع

 

 


[1]  من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 11/8/2012م.

 

126


108

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

بيئة صالحة، أناسها أهل عبادة وصلاة وفعل خير، يهتمّون بمساكينهم وفقرائهم وأيتامهم، وهم أهل جهاد وأهل إرادة وأهل عزم وأهل نصرة وأهل الوقوف مع الحقّ حتّى لو أدّى ذلك إلى تضحيات جسام، نستحقّ أن يكون وقت الفرج قريباً. فليس المطلوب من الإمام (عجل الله تعالى فرجه) أن يخوض معركة، قد يستشهد هو وجماعته وتنتهي الحكاية، بل مطلوب منه أن يحقّق انتصاراً نهائيّاً، وهذا هو المعنى الحقيقي من أنّ الإمام (عجل الله تعالى فرجه) سيغيّر العالم، ويقيم العدل، ويزيل الظلم والطغيان. هو بحاجة إلى أنصار يهيّئون له أرضيّة هذا الانتصار، وإذا تأخّر الأنصار يتأخّر هو في الخروج.

ومن المفترض أنّ ذلك يصبح في ثقافتنا اليوم بديهة، فلا يكون انتظارنا سلبيّاً، انتظار الكسالى والتنابل والقاعدين في زوايا البيوت وزوايا المساجد. إنّ هذا الأمر يؤجِّل الفرج، أمّا الذي يعجِّله فهو أن نبني من أنفسنا وأولادنا وأحفادنا وأجيالنا أنصاراً لصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه) يكونون له أَطْوَع من بَنانِه، لا يتركونه في الساحة وحيداً؛ أنصار ورجال ونساء كتلك الثلّة الطاهرة التي ثبتت مع الحسين (عليه السلام) ليلة العاشر، والتي رفضت أن تغادر كربلاء مع أنّ الحسين أحلّها من بيعته. هذه النوعية من الناس عندما تتواجد وتتكاثر في أكثر من مكان في العالم، هذا الأمر يعجِّل في الفرج، وهو من أهمّ الأمور التي وردت أيضاً عن علمائنا وأكّدوا كثيراً على هذه النقطة، وينقلونها حتّى عن صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه) نفسه.

 

127


109

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

ومن الأمور التي تساعد أيضاً في تعجيل الفرج ترك الذنوب والمعاصي. مَن يقول إنّه مشتاق إلى الإمام (عجل الله تعالى فرجه) عليه أن يراقب نفسه حتّى في الموضوع الشخصيّ. جاء أحدهم إلى أحد العلماء العرفاء الكبار وقال له: دلّني على عمل يجعلني أرى صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه)، فقال له: لا تعصِ الله، فتراه. وطبعاً، يمكن أن تراه ولا تعرفه، ولكن ستكتشف يوماً ما أنّ مَن كنتَ جالساً معه هو (عجل الله تعالى فرجه)، مَن كان يحرسك، ويطلّ عليك، ويمكن أن لا يكشف عن هويّته.

من الأمور التي تساعد في تعجيل الفرج ترك الذنوب والمعاصي

يُروى أنّ أحد العرفاء الكبار أو أحد العلماء أراد أن يرى صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه)، فاجتهد في قراءة الأذكار والزيارات والأدعية والأعمال، فقيل له: إذا أردت أن ترى الإمام (عجل الله تعالى فرجه) اذهب إلى السوق الفلانيّ، عند الدكّان الفلانيّ، وقفْ هناك، ستجده. هذه القصّة معبّرة جدّاً. وختام الحديث، أنّ العالِم الجليل بعد أن أنهك نفسه بالذكر والقراءة وبالأعمال ذهب إلى الموعد، ووقف عند باب الدكان، وإذ به يرى رجلاً عاديّاً واقفاً، يبيع ويشتري، فيأتي شاب يُقال إنّه الإمام (عجل الله تعالى فرجه) يجلس عند باب الدكّان، فيلاطف صاحبها، ويبتسم في وجهه، فيتفاجأ العالِم، ويذهب ليستعلم عن سرّ ما رأى. اقترب من صاحب الدكّان، وإذ بامرأة كبيرة في السن تأتي ومعها بعض الأغراض البالية، وتقول له: أنا فقيرة، وليس لديّ

 

128


110

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

ما آكله، وعندي أطفال صغار أيتام، فهل تشتري منيّ هذه الأغراض بثلاثة دنانير؟ في هذه الحال، يمكن لصاحب الدكان أن يستغلّ حاجتها، ويأخذ الأغراض بأقلِّ ممّا طلبت حتّى، إلّا أنّه قال لها: إنّ هذه الأغراض التي بين يديك تساوي خمسة دنانير، والأغراض أصلاً لا تساوي ديناراً واحداً، وكان يمكن له أن يعطيها باقي ما أراد إعطاءه لها صدقة، ولكنّه حفظ ماء وجهها. انظروا إلى دقّة ما فعل. قالت له: هذه الأغراض لا تساوي المبلغ الذي أعطيتني إيّاه، وأنت متفضّل عليّ. قال لها: لا، أنت تستحقيّنها. فأخذت الدنانير وذهبت. فالشابّ السيّد الجميل، البهيّ الطلعة الذي كان جالساً عند باب الدكّان، أشار إلى العالم بيده، وقال له: لا تعصوا الله، وأنا آتي إليكم. هذا الأمر ليس سهلاً أو بسيطاً، فعندما نأخذ قراراً، علينا أن نكون شديدي المراقبة لأنفسنا وأقوالنا وأعمالنا، كيف نتكلّم مع الزوجة والأولاد والجيران والناس. فكلمة السوء معصية، ليس فقط شرب الخمر والزنا واللواط والسرقة، هناك أشكال كثيرة للمعصية قد نكون مبتلين بها.

لذلك، إذا أردنا فرج مولانا صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه)، علينا أن نعقد العزم على عدم المعصية، فكلّ فعل يحتاج إلى سعي وعمل،

 

129


111

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

كالعمل في طلب الرزق والعمل لتحقيق النصر والعمل في طلب العلم والعمل في طلب الفرج. إذا أردنا أن نكون حقاً منتظرين علينا أن نعمل، وأن نجتنب المعاصي والآثام.

فمن أعظم بركات اجتناب المعاصي والذنوب، هو تعجيل فرج مولانا صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه) الذي يعود بظهوره وخروجه وانتصاره بالبركات على البشريّة الدنيويّة والأخرويّة.

ومن جملة الأمور المؤثّرة أيضاً، ما جاء في رواية عن الرسول (صلى اله عليه وآله) يقول: «لا يردّ القضاء إلاّ الدعاء»[1]، وعن الإمام الكاظم(عليه السلام): «إنّ الدعاء يردّ ما قد قُدِّر وما لم يُقدَّر»[2]. فما هو مقدّر رُدّ بالدعاء أمر واضح، كأن قُدّر لفلان من أرحامي أن يموت بعد أسبوع، ونتيجة دعائي ودعاء المؤمنين والصدقة مدّ الله سبحانه وتعالى في عمره، و«ما لم يقدّر» يردّ بالدعاء أيضاً «حتّى لا يكون»[3] كما يقول الإمام (عليه السلام)، إلى هذا الحدّ الدعاء مؤثّر. فإذا توجّه إنسان بقلبٍ منكسر بخشوع وخضوع إلى الله سبحانه وتعالى يمكن أن يُستجاب دعاؤه، فإنّ الله عند أصحاب القلوب المنكسرة، ينظر إليهم.

إذا أردنا أن نفتّش عن حاجة هي مفتاح تحقيق حوائج الدنيا والآخرة، فهو هذا الفرج الذي يجب أن نتوجّه إلى الله سبحانه

 

 


[1]  مكارم الأخلاق، الطبرسيّ، ص268.

[2] الكافي، الكلينيّ، ج2، ص469.

[3] تتمّة الرواية السابقة: قُلْتُ: ومَا قَدْ قُدِّرَ عَرَفْتُه، فَمَا لَمْ يُقَدَّرْ؟ قَالَ: «حَتَّى لَا يَكُونَ»؛ المصدر نفسه.

 

130


112

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

وتعالى، ونسأله تعجيل الفرج بهذه الأسماء التي نعدّها في دعاء الجوشن[1].

التوجّه الصحيح في الانتظار

علينا إذاً:

أوّلاً: التوجّه الصحيح إليه، أن يكون لدينا الأمل، وأن نثق، وأن يكون لدينا اليقين بهذا الوعد الإلهيّ. هذا وعد إلهيّ سيتحقّق حتماً قطعا؛ لأنّ الله تعالى لا يخلف الميعاد. هذا وعدٌ إلهيّ قاطعٌ وجازم.

ثانياً: أن نتطلّع إلى هذا المستقبل بأمل.

ثالثاً: أن نترقّب، وننتظر، ونتربّص بهذا المستقبل بكل آفاقه الآتية.

رابعاً: أن نتحمّل المسؤولية؛ أن نعمل، لا أن ننتظر الأحداث، بل أن نصنعها، وأن نهيّئ الأرض ونمهّدها له (عجل الله تعالى فرجه).

وأيضاً أن ندعو الله سبحانه وتعالى بهذا الدعاء الذي دائماً يُؤكَّد على أهميّته واستحبابه في ليلة النصف من شعبان وفي ليالي القدر في شهر رمضان وفي جميع المناسبات والأوقات

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 11/8/2012م.

 

131


113

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

وفي قنوت الصلاة «اللهم كن لوليّك الحجة ابن الحسن» لتعجيل فرج الإمام (عجل الله تعالى فرجه).

هذا هو الانتظار الصحيح. لكن أيّ دعاء هو الذي ينفع؟ إنّه دعاء المجاهدين والعاملين والصابرين والمضحّين والمتحمّلين للمسؤولية، دعاء الذين يمهّدون الأرض، ويقفون في وجه الطواغيت والظلم والفساد. أمّا دعاء الكسالى والمتخاذلين والمثبطين والخانعين فلا يعبأ الله به أصلاً، ولا ينظر إليهم.

الدعاء هو جزء من عمليّة الانتظار. ونحن إن شاء الله وإيّاكم نسعى بشكل أكيد ودائم وأساسي أن نكون من أهل الانتظار الواعي والحكيم والحقيقي والصابر والمحتسب والعالم والمجاهد والمضحي والممهد الذي يصنع الإنجازات، ويصنع الأحداث ويهيّئ الأرض، وينتظر. هذا الذي ينتظره الإمام (عجل الله تعالى فرجه) من خلال فعل الجهاد والشهادة والصبر والاحتساب واليقين. ولذلك، عندما يأتي الإمام (عجل الله تعالى فرجه) لن يغيّر وجه الأرض بمسحة رسول، بل بالقدرات البشريّة الهائلة المؤمنة المجاهدة المضحّية. ونأمل إن شاء الله أن نكون جميعاً من أنصاره وأعوانه[1].

 

 


[1]  من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 5/6/2015م.

 

132


114

الفصل الثالث: الانتظار والتمهيد

فهمُنا لانتظار الفرج

إنَّ مسؤوليتنا في زمن الغيبة هي مسؤولية جسيمة وتاريخيّة وخطيرة وكبيرة جدّاً، لا ترتبط بمرحلتنا، وإنّما ترتبط المستقبل الآتي كلّه وبتحقّق وعد الله. ومسؤوليّتنا لا تتعلّق بحدود البلد الذي نعيش فيه، وإنّما تمتدّ لتشمل في آثارها وبركاتها البشريّة كلّها العالم وكلّه. مسؤوليتنا أن نمارس الانتظار الحقيقي في زمن الغيبة الكبرى حتّى عُدَّ انتظار الفرج من أفضل الأعمال، فتاه قومٌ وضاعوا في فهم انتظار الفرج. أمّا نحن أتباع الإمام الخمينيّ (قدس سره) الممهّد الأكبر لصاحب الزمان فنفهم انتظار الفرج بأن نحمل الإسلام فكراً وعقيدةً ورسالةً إلى كل أذنٍ وإلى كل عقلٍ وإلى كل قلبٍ في العالم. نفهم انتظار الفرج أن نحمل السيف في وجه الطواغيت والظالمين. نفهم انتظار الفرج في تمهيد الأرض وتهيئة الناس لظهور الحجّة وقيام العدل. نفهم انتظار الفرج في مقاومة المحتلّين وفي تشكيل القوّة الإسلاميّة العقائدية من الجنود والأنصار والمقاتلين الذين سيفون للحجّة بالبيعة، هكذا نفهم انتظار الفرج. ونفهم انتظار الفرج أن يصبح لنا أمّة أو حالة أو تيّار تُلبس الأم والوالدة فيه ابنها لامة الحرب، وتدفعه إلى القتال والشهادة بين يدَي حفيد الحسين (عليه السلام). هذه هي مسؤوليّتنا في إعداد الأرض والناس والأجيال وتهيئتهم، وفتح القلوب والعقول لاستقبال النور الآتي بالمهديّ ومع المهديّ(عجل الله تعالى فرجه)[1].

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 15/12/1997م.

 

133


115

الفصل الرابع: عصر الظهور

المبحث الأوّل:
 عصر الإمام الخمينيّ (قدس سره) وبركاته

عصر الإمام الخمينيّ (قدس سره)

نحن اليوم نشهد صحوة إسلاميّة راقية وعظيمة وكبيرة أطلقها وفجّرها في هذا العصر أكبر ممهدٍ لصاحب الزمان الإمام السيد روح الله الموسوي الخمينيّ (قدس سره). والعالم اليوم أيضاً يئنّ من الظالمين والجائرين والطواغيت، فهل مرَّ زمانٌ على وجه هذه الأرض ارتكب فيه هذا العدد وهذا الكمّ من المجازر؟ فإذا نظرنا إلى الماضي وجدنا أنّنا في زمنٍ -واقعاً- امتلأت فيه الأرض ظلماً وفساداً وجوراً أكثر من أي زمنٍ مضى.

والأهم في هذه الظواهر والعلامات والإرهاصات كلّها، وما نعوّل عليه، ونبني عليه الأمل هو أنّنا في عصرٍ يوجد فيه أنصارٌ لصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه) وأتباع وجنود من الرجال والنساء بما لم يتوفّر على مدى زمان الغيبة الكبرى وزمان الغيبة الصغرى، بل يمكن القول إنّ الأنصار الذين تهيّؤوا حتّى هذه اللحظة -بحسب الظاهر- لصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه) لم يتوفّروا منذ بعثة النبيّ (صلى اله عليه وآله) وصدر الإسلام، ولم يكن لإمامٍ من أئمتنا

 

137


116

الفصل الرابع: عصر الظهور

 المعصومين (عليهم السلام) هذا العدد والكمّ والنوع من الأنصار، طبعاً باستثناء بعض النوعيّات كسلمان الفارسيّ، وعمّار بن ياسر، ومالك الأشتر، وشهداء كربلاء، والقلّة التي كانت مع الإمام الحسن (عليه السلام).

فنحن نعيش في عصرٍ يقول عنه سماحة الإمام الخامنئيّ (دام ظله): إنّنا في هذا العصر لا نستطيع أن نرى موقعاً للإسلام أو انتصاراً أو إنجازاً له، وليس موجوداً في عنوانه واسمه ورسمه اسم الإمام الخمينيّ (قدس سره). وهذا العصر لم يبدأ منذ انتصار الثورة يعني لم يبدأ عصر الإمام الخمينيّ سنة 1978 أو 1979، وإنّما بدأ من أوائل الستينيّات، عندما خرج الإمام من الحوزة، ودخل خطيباً في المدرسة الفيضيّة، وأعلن ثورته في وجه الشاه، وأصبح صوتها وصداها يملآن العالم.

وعن عمق هذه الثورة ومضمونها، يقول الإمام الخمينيّ (قدس سره) إنَّها ثورةٌ نخرج، ونقاتل، ونضحّي فيها تحت راية الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، وإنّ عنصر القوّة الرئيس في هذه الثورة -التي اختلفت عن كلّ ما سبقها من ثورات حتّى ثورة المشروطة وثورة العشرين في العراق- هو أنَّ قاعدتها الأصليّة والأساسيّة

 

138


117

الفصل الرابع: عصر الظهور

هي اعتقاد الشعب الإيرانيّ ككلّ بولاية الفقيه، وبأنّهم عندما يطيعون الإمام الخمينيّ إنّما يطيعون صاحب الزمان(عجل الله تعالى فرجه)، فقائد الثورة وإمامها الذي ينقاد له هذا الشعب بالطاعة هو الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) بالأصالة، والإمام الخمينيّ بالنيابة والوكالة عنه.

فالإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) لم يكن حاضراً بعنوانه وباسمه وبروحه وبالحبّ الذي يحمله أتباعه له كما كان حاضراً في هذه الثورة المعاصرة. وهذه الدولة التي -وفقاً لدستورها أيضاً- صاحبها ووليها وإمامها هو محمّد بن الحسن المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، وهذا يعني أنّ هذا الإمام المظلوم منذ انعقاد نطفته أصبح له في هذا الزمن دولة قويّة وعزيزة وكبيرة ومهمة، تقف اليوم ليس في موقع قيادة العالم الإسلاميّ على مستوى الشعوب فحسب، بل في موقع قيادة العالم الإسلاميّ أيضاً على مستوى الحكومات والأنظمة. وحتّى عندما يخاطب الإمام الخامنئيّ (دام ظله) القوّات المسلّحة -باعتباره القائد العامّ لها في إيران- يخاطبهم، ويحدثّهم عن لزوم التدريب ورفع الكفاءات وتحصيل الخبرة والاهتمام بالصناعات العسكريّة وما شاكل، يقول لهم إنَّ علينا أن نُعدَّ جيشاً قويّاً للمهديّ (عجل الله تعالى فرجه). فهذه هي ثقافة الإمام الخامنئيّ} وثقافة الجمهوريّة الإسلاميّة، وثقافة الثورة الإسلاميّة وثقافة الإمام الخمينيّ (قدس سره).

واليوم عندما ننظر نحن إلى هذه الثورة بعد 19 سنة، نجد -بحمد الله- أنّ ما كان يخشاه أئمّتنا (عليهم السلام) طوال التاريخ قد

 

139


118

الفصل الرابع: عصر الظهور

انتهى؛ لأنّ مشكلة أهل البيت طوال التاريخ لم تكن قلّة في وجود المحبّين أو في عدد الشيعة والمبايعين، فهؤلاء جميعاً كانوا قطعاً عدّةً كبيرةً وهائلةً في المراحل كلّها، بل مشكلة أهل البيت (عليهم السلام) ومأساتهم كانت في خذلان الناصر. فلقد كان جيش الإمام عليّ (عليه السلام) يتألّف من مئات الآلاف، حيث يقال وفقاً لبعض الأرقام إنّه في صفيّن كان معه تسعون ألف مقاتل، والإمام الحسن (عليه السلام) عندما خرج لقتال معاوية كان معه في معسكر المدائن فقط أربعون ألف مقاتل، والذين أرسلوا بالبيعة للإمام الحسين (عليه السلام) كانوا عشرات الآلاف، ونقرأ أنه عندما جاء ذاك الخراسانيّ إلى الإمام الصادق أو الإمام الكاظم (عليه السلام) قال له: إنَّ لديك في خراسان وحدها 200 ألف مقاتل.

إذاً، مشكلة الأئمّة (عليهم السلام) لم تكن أبداً في عدد المبايعين والأصحاب والأتباع والمحبين، فقد كانوا كثراً، بل هي في الصدق والإخلاص والثبات والاستقامة. وتكليف الإمام الحجّة ابن الحسن (عجل الله تعالى فرجه) مختلفٌ عن تكليف الإمام الحسين (عليه السلام) الذي كان يعرف أنّهم سيخذلونه، ويقتلونه، ويسلّمونه، ويسبون نساءه رغم مبايعتهم له ومراسلتهم إياه، ولكن قامت عليه الحجّة، ووجب عليه تلبية الدعوة. أمّا صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه)

 

140


119

الفصل الرابع: عصر الظهور

فتكليفه هو أنّه لن يخرج إلّا على يقينٍ من المستقبل؛ لأنَّ الوعد الإلهيّ سيتحقّق على أساس هذا الخروج والظهور.

وقد يأتي من يسأل: إنّه على مرّ التاريخ منذ بدء الغيبة الصغرى وحتّى اليوم يوجد عشرات أو مئات الآلاف، إن لم نقل الملايين، ممّن يتوجّهون بالدعاء إلى الله عز وجل أن يعجّل فرج صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه)، أو يخاطبون صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه)، ويقولون له: عجّل يا ابن الحسن، أفلا يشكّل هذا حجّة على الإمام (عجل الله تعالى فرجه) ليظهر؟

والجواب: لا، لا يشكّل حجّة عليه؛ لأنّه بالنسبة إلى ظهور الإمام (عجل الله تعالى فرجه)، فإنّه مشروطٌ بثبات الأنصار وإخلاصهم واستقامتهم، وبأنّهم لن يتركوه، ولن يخذلوه، ولن يسلّموه، بل سيفون له بالبيعة والعهد والميثاق حتّى الشهادة. فهو ينظر في صحائف أعمالهم، ويقرأ في وجوههم، ويدخل إلى أعماق قلوبهم، فإن كان في قلوب هؤلاء المبايعين علائق الدنيا أو طمع بها، أو ارتباطٌ بشيءٍ من حطامها، أسقطهم من لوائح الأنصار.

إنَّ القلوب التي يتطلّع إليها الإمام(عجل الله تعالى فرجه) هي القلوب المملوءة بحب الله والمتعلقة بالآخرة والعاشقة حقّاً للشهادة، والتي يحمل كلّ واحدٍ منها أمنيّة أن يظهر المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) ليكون مقاتلاً

 

141


120

الفصل الرابع: عصر الظهور

وشهيداً بين يديه، لا ليكون حاكماً من حكّامه أو والياً من ولاته. وفي هذا الزمن عندما ننظر في تجربة الثورة الإسلاميّة في إيران وعندما نتذكّر سنوات الحرب الثمانية، أو عندما نتطلّع إلى لبنان منذ سنة 1982 إلى اليوم، نستطيع أن نشعر بالثّقة وبالطمأنينة؛ لأنّنا نعرف وبشكلٍ جازم من خلال التجارب والمحن والمصائب والامتحانات والابتلاءات التي مررّنا بها حتّى الآن، وفي ما أعرفه من المجاهدين وعشقهم للإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، أنَّ للإمام في هذا البلد من الأنصار من الرجال والنساء مَن هم حاضرون لا لأن يقتلوا بين يديه عندما يخرج فحسب، بل هناك من حاجتهم الوحيدة التشرّف بلقاء صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه).

وأنا أعرف كثيرين إذا قيل لهم إنَّ ثمن اللقاء وضريبة اللقاء مع الحجّة هو روحكم ودمكم، أو أولادكم أو أهليكم أو مالكم فهم حاضرون لأن يدفعوا هذا كلّه من أجل التشرّف بلقاء صاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه)، فكيف بالقتال بين يديه ونصرته؟ إنّنا في زمن مختلف، والحمد لله ربّ العالمين الذي فتح أمامنا أبواب الجهاد؛ ليفتح أمامنا هذه الآفاق المباركة والكريمة والعظيمة. إنّ وجود هؤلاء المخلصين والمستقيمين من عشّاق الشهادة الذين لن يسلّموا الإمام ولو قطّعوا إرباً إرباً، بل هم الذين يقطّعون أجسادهم إرباً إرباً على أمل لقاء الإمام كما يفعل الاستشهاديّون، هو في الحقيقة أكثر عنصر يدعو إلى الأمل والتفاؤل والثّقة بالمستقبل القريب[1].

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 15/12/1997م.

 

142


121

الفصل الرابع: عصر الظهور

كيف حدّد الإمام الخمينيّ (قدس سره) كيفية انتظار الإمام (عجل الله تعالى فرجه) والتمهيد لخروجه؟

قدّم علماؤنا وفقهاؤنا الأجلّاء المعنى الصحيح للانتظار -كما وتحدّث عنه بالتفصيل الإمام الخمينيّ (قدس سره)- وهو المعنى الإيجابيّ للانتظار؛ أي أن ننتظر المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) ونحن نلتزم إسلامنا وأحكامنا الشرعيّة، وننتظره في الزيارة وفي الدعاء، وفي إحياء المساجد، وفي الدفاع عنه وعن دينه العزيز، وفي إعداد الأمة وإقناعها بمشروعه وتهيئتها لاستقباله، وأن ننتظره في أن نهيّئ من أنفسنا ومن إخواننا أنصاراً جديرين بمعركة الحسم الكبرى في العالم، وأن نحضّر له الأرض ونوطّئها له، ونبني له قواعد للإسلام وللمجاهدين في إيران وفي لبنان وفي أنحاء العالم كلّه[1].

الجمهوريّة الإسلاميّة تمهّد للإمام (عجل الله تعالى فرجه)

من الأمور التي لها صلة بالظهور هي الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران. توجد روايات عدّة قطعيّة الصدور من المعصوم حول التمهيد للإمام من إيران، وأنّ الفرس يساعدون في هذا المجال، وأنّه قبيل ظهور الإمام هناك مَن يوطّئ له الأرض في خراسان ويحضّر له قوّةً يعتمد عليها في الشرق. هذا محسوم ومن يريد أن ينفيه يقول: هل يمكن أن يكون في هذا الزمن أو بعد عشرين سنة؟ يكفي الاحتمال أنّ هذا هو الزمن.

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 15/2/1992م.

 

143


122

الفصل الرابع: عصر الظهور

لذلك، العالم كلّه يقاتل هذه الدولة، وأميركا و«إسرائيل» تحاربان إيران القويّة، والمقتدرة، والحزب اللهيّة التي تتحمّل المسؤوليّة تجاه المظلومين والمستضعفين. لو إيران الموجودة اليوم هي إيران البهلويّ، وظهرت داعش، لما بقي شيءٌ من المقامات، ولنبشت داعش قبور أئمّتنا... وهذا ما عبّر عنه الرئيس التونسيّ -بغضّ النظر عن مواقفه السياسيّة- يقول بلحظة شفافيّة: إنّ أملنا الوحيد في العالم العربيّ للوقوف في وجه «إسرائيل» هو إيران. وهناك عمل على قطع أيّ صلةٍ لأيّ شخصٍ في العالم مع إيران، وتقبيح العلاقة. في المقابل يجب أن نعرف بمعزل عن التطبيق أنّ أعظم حادثة ممهّدة في التاريخ منذ زمن بدء الغيبة إلى اليوم، ومحيية وموطّئة لظهور الإمام هي انتصار هذه الثورة المقدّسة ووجودها. لذلك يجب أن ندافع عنها ونحميها، وهذا جزء من المعركة الكبرى[1].

الإمام الخمينيّ (قدس سره) أعاد القضيّة المهدويّة إلى الواجهة

إنّ الحدث الذي أعاد قضيّة الإمام إلى قلوب المسلمين هو الإمام الخمينيّ (قدس سره) وانتصار الثورة. في لبنان في الستّينيّات

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 19/5/2017م.

 

144


123

الفصل الرابع: عصر الظهور

والسبعينيّات والثمانينيّات، لم يكن هناك شيءٌ اسمه ثقافة مهدويّة، ولا زيارة آل ياسين، ولا دعاء العهد، ولا 15 شعبان[1].

لقد امتلأت قلوب اليهود رعباً عندما أُعلن الانتصار الساحق للإمام الخمينيّ (قدس سره)في إيران على الشاه؛ لأنّ هذا الأمر موجود أيضاً في نبوءاتهم وفي كتبهم، ولديهم أحاديث عن تلك الدولة التي سيقيمها حفيد من حفدة الأنبياء اسمه على اسم أحد أنبياء بني إسرائيل، وستكون انطلاقة هذا الانتصار هي بداية النهاية لدولة «إسرائيل» في آخر الزمان[2].

«إسرائيل» تعترف بالعجز

المعركة الدائرة في جنوب لبنان وفي البقاع الغربيّ مع حزب الله هي معركة مختلفة عن أشكال القتال التي حصلت على هذه الجبهة منذ سنوات طويلة، ليس في الراية والعنوان والشعار فقط، بل في ماهية هذا القتال وحقيقته، وجوهره، وأفقه، وفي آثاره عند اليهود، وفي خلفيته وفهمهم له، وأن تمتلئ قلوبهم رعباً وخوفاً من هذه الفئة القليلة المجاهدة لهو أمر لافت.

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 19/5/2017م.

[2] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 05/12/1998م.

 

145


124

الفصل الرابع: عصر الظهور

فـ «إسرائيل» بعظمتها وجبروتها وعلوها وعتوّها يقف رئيس أركان جيشها أو رئيس حكومتها ليقول: نحن عاجزون في جنوب لبنان، لا نستطيع أن نفعل شيئاً، ما علينا سوى البقاء واتباع الإجراءات للحدّ من الخسائر، وأمام مَن؟ والحقيقة أنّه أمام مجموعة من الشبان المنتظرين لصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه)، وهذا غير مقبول أو متصوّر أو مفهوم بالمقاييس المادّيّة والعادّيّة، لكنّه بات واقعاً قائماً الآن[1].

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 15/12/1997م.

 

146


125

الفصل الرابع: عصر الظهور

المبحث الثاني:
 ولاية الفقيه وقضيّة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)

الإمام الخمينيّ (قدس سره) هو الذي طرح مسألة ولاية الفقيه ودعا إليها

المسألة الرئيسة التي كانت مطروحة منذ بداية الغيبة الكبرى وموجودة عند فقهائنا ومراجعنا منذ قدم التاريخ هي مسألة نيابة الفقيه العادل الكفؤ عن الإمام الحجة (عجل الله تعالى فرجه)، وهو أنّه في زمن الغيبة الكبرى لا يوجد نائب خاصّ، وإنّما هناك نائب عامّ للإمام (عجل الله تعالى فرجه)، وهو محدّدٌ بالعنوان وبالصفة.

من الفوارق الأساسيّة بين النائب الخاصّ والنائب العامّ، أنّ الأوّل يحدّد بالاسم، فقد ورد عن الإمام العسكريّ (عليه السلام) أنّه قال في محضر أصحابه حين سألوه عن نائبه، فقال: «اشهدوا على أنّ عثمان بن سعيد العمريّ وكيلي، وأنّ ابنه محمّداً وكيل ابني مهديّكم»[1]. أمّا النائب العامّ، فالإمام (عجل الله تعالى فرجه) يحدّده بالصفة، والعنوان؛ أيّ الفقيه، العادل، الصائن لنفسه، التارك لهواه، المطيع لمولاه، المتبع لأمر دينه. ومَن يمتلك هذه المجموعة

 

 


[1] الغيبة، الطوسيّ، ص 356.

 

147


126

الفصل الرابع: عصر الظهور

من الصفات ينطبق عليه أنّه نائبٌ عامّ للإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، وعلى المسلمين في الغيبة الكبرى للإمام المعصوم أن يطيعوا هذا النائب العامّ، الذي جعله ونصّبه الإمام حاكماً وقاضياً وحجةً على المسلمين، وبالتالي لا يجوز لهم أن يخالفوا أمره وحكمه وتنصيبه في إطاعة هذا النائب العامّ.

وفي لبنان، لعلنّا نشعر أحياناً أنّ مسألة النيابة العامّة وولاية الفقيه بهذه الصياغة المحدّدة لم نكن نسمع بها قبل انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران، وقلما كنّا نسمع أفكاراً من هذا النوع، حتّى ظنّ بعضهم أنّ فكرة ولاية الفقيه في غيبة الإمام الحجّة (عجل الله تعالى فرجه) هي من مختصّات فكر الإمام الخمينيّ (قدس سره). وتصوّروا أن هذه المسألة لم تكن قبل الإمام الخمينيّ (قدس سره)، وإنّما هو من خلال اجتهاده وفقهه واستنباطه، استخرج هذه المسألة، ووضعها أمام المسلمين، ودعاهم إليها.

إنّ هذا الكلام شبهة ناتجة عن عدم اطلاعنا على المسائل الفقهيّة، فحالة الاطلاع على الأحكام الشرعية والتفقّه عندنا نشأت مع بداية الصحوة الإسلاميّة، بينما في الفترات السابقة كان التفقّه والاطلاع على الأحكام الشرعية مقتصراً على فئة محدودة من الناس، وفي دائرة محدودة من القضايا. لكن الحقيقة أنّ هذه المسألة موجودة عند فقهائنا ومراجعنا وعلمائنا الكبار منذ القدم، وكانوا يؤمنون بها. أمّا ما فعله الإمام الخمينيّ (قدس سره)، فهو أنّه طرح هذه المسألة، وأعطاها شخصيّة قائمة، وقدمها

 

148


127

الفصل الرابع: عصر الظهور

للمسلمين كعلاج لأزمة القيادة الموجودة في حياة الأمّة، ومارسها بالفعل كقائد للثورة وكحاكم أسس أوّل جمهوريّة إسلاميّة في هذا الزمن. لقد بلور الإمام هذه المسألة أكثر على المستوى النظريّ، وجسّدها على المستوى العمليّ والتطبيقيّ، وإلّا فإنّ هذه القضيّة موجودة منذ زمن الأئمّة (عليهم السلام)[1].

الالتزام بأوامر الوليّ الفقيه في زمن الغيبة

اليوم نحن أمام محكّ واختبار أساسيّ؛ إذ بعضنا يقول: عجل يا ابن الحسن، إنّنا أنصارك وأعوانك ورهن إشارتك، وفي الحقيقة هناك أمر يمكن أن نختبر من خلاله أنفسنا إن كنّا مطيعين للمهديّ (عجل الله تعالى فرجه) أو غير مطيعين له. فمن المعروف أنّ المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) يريد أن يحكّم الإسلام في هذا العالم، فمَن لا يلتزم بالأحكام الإلهيّة الشرعيّة على مستوى السلوك الخاصّ والسلوك العام، ومن لا يطيع الله في أحكامه وتعاليمه وأوامره ونواهيه لن يكون مطيعاً للمهديّ (عجل الله تعالى فرجه) وهو وليّ الله وحجّته وعبده. ثمّ إنّ الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) أمرنا أن نطيع الفقهاء العدول، أمناء الرسل، وحصون الإسلام في زمن الغيبة.

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 15/2/1992م.

 

149


128

الفصل الرابع: عصر الظهور

إذا كنّا في زمن الغيبة الكبرى وفي مواجهة التحدّي، ولسنا بمستوى هذا التحدّي الذي سيقوده الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، وإذا كنّا اليوم نقف، ونتلكّأ عن طاعة نائب المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، وهو الذي لا يأمرنا بالجهاد الابتدائيّ، فكيف إذا طلب منّا أن نحضّر أنفسنا، ونشكّل قوانا، ونبدأ معركة القضاء على الظلم والطغيان في العالم، بل بالجهاد الدفاعي الذي هو واجب على كلّ مسلم ومسلمة وجوباً كفائيّاً؟ هو يأمرنا أن نقاوم، وأن ندافع عن شعبنا وعن إسلامنا العزيز، وأن نستعيد مقدّساتنا، ولا نستسلم لعدوّنا، ومع ذلك نجد الكثيرين يفتّشون عن الأعذار والحجج والمخارج والحيل الشرعية حتّى لا يطيعوا أمر نائب المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، فكيف يمكن لهؤلاء أن يطيعوا المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) في معركته وهي ليست معركة دفاع عن الإسلام والمسلمين والأمّة فحسب، وإنّما معركة إقامة الحق الإلهيّ، وإظهار دين الله، وتحقيق وعد الله بنصرة المستضعفين وحكم الصالحين، وإظهار دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون؟ كيف يمكن لهؤلاء الناس أن يكونوا أنصاراً وأتباعاً للمهديّ (عجل الله تعالى فرجه) في صراعٍ لا يريد فيه المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) أن يحكم الإسلام فقط في الجزائر أو لبنان أو فلسطين، وإنّما يريد أن يحكم الإسلام في العالم كلّه؟ فإذا كان هذا المستوى الدفاعيّ الذي نتلقّاه بهذا المستوى من الصعوبة، فكيف يمكن أن نتلقّى، أو أن نكون أتباعاً لمشروع الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)؟

اليوم مقياس الولاء والتبعية وصدق الدعاء والبيعة

 

150


129

الفصل الرابع: عصر الظهور

 للمهديّ (عجل الله تعالى فرجه) إنّما يكون من خلال التبعيّة الصادقة والوفاء المطلق والجدية والالتزام الخالص بأوامر نائبه المنصوب لقيادة المسلمين في غيبته، سواءٌ كان الإمام الخمينيّ (قدس سره) في حياته المباركة أو حاليّاً سماحة وليّ أمر المسلمين الإمام الخامنئيّ (دام ظله). والذين يفتشون اليوم عن مخارج ليجعلوا أنفسهم بعيدين عن الإلزام والالتزام بأوامر الوليّ الفقيه هم أنفسهم سيفتشون عن المخارج والحيل الشرعية للخروج على طاعة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)[1].

أهمّ الآثار النفسيّة للالتزام بولاية الفقيه

من أهم الآثار النفسيّة للالتزام بولاية الفقيه والعمل الجهاديّ والسياسيّ والمؤسّساتي والعامّ تحت راية الوليّ الفقيه، أنّ الإنسان يشعر أنّه يعمل في ظلّ الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)؛ لأنّنا عندما نتحدّث عن ولاية الفقيه فنحن نتحدّث عن نيابة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، ما يعني أنّه حاضرٌ في موقع القيادة والتوجيه. وإذا لاحظنا خطابات الإمام الخمينيّ (قدس سره) أو سماحة الإمام

 

 


[1]  من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 15/2/1992م.

 

151


130

الفصل الرابع: عصر الظهور

الخامنئيّ (دام ظله) منذ تولّيه القيادة نجد أنّه من النادر أن نجد خطاباً -وقد تتبعت هذا الأمر- يخلو من ذِكر الإمام الحجّة (عجل الله تعالى فرجه)؛ لأنهم هم أيضاً يشعرون بأنهم يمارسون المسؤوليّة من موقعه. ونحن يجب أن نحمل هذا الإحساس، وهذا الفكر، وهذه القناعة[1].

أهمّيّة التمسّك بالعلماء والفقهاء في عصر الغيبة

الإمام (عجل الله تعالى فرجه) لم يتركنا ضائعين في زمن الغيبة، بل حفظَ الدين والإسلام وحفظَ البقيّة النواة في هذه الأمّة التي ستمهِّد لدولة العدل الإلهيّ إن شاء الله، فأمرنا بالعودة إلى المرجعيّة من الثُّقاة والمراجع؛ لذلك إذا كَثُرت الادّعاءات يجب التمسُّك بالعلماء والفقهاء الذين جعلهم الإمام صاحب الزّمان (عجل الله تعالى فرجه) حجَّته علينا في زمن الغيبة، فالتمسك بهم هو الضمانة.

ومن جملة امتحانات التّمهيد لصاحب الزّمان (عجل الله تعالى فرجه)، ومن أهمّ صفات أنصار صاحب الزّمان هو الطاعة، وهي على مستويات:

- الأوّل: الطّاعة من دون سؤالٍ أو تردُّد.

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 05/12/1998م.

 

152


131

الفصل الرابع: عصر الظهور

- الثاني: هم أولئك الذين يسألون لماذا هذا يا إمامنا؟ فيشرح لهم فيقبلون منه، ويطيعونه.

- الثالث: هم الذين يشرح ويوضِّح لهم (عجل الله تعالى فرجه)، فيجادلونه، ويناقشونه ثمَّ يطيعونه. ومرّة أخرى يشرح لهم ويوضِّح لهم، لكنّهم لا يطيعونه.

إنّ طاعة المرجعيّة وطاعة الوليّ الفقيه في زمن الغيبة، هي امتحانٌ وتمرينٌ وتدريبٌ لطاعة الإمام المعصوم. فنحن إذا أطعنا الولي الفقيه قطعاً سنطيع الإمام المعصوم، وهو الأصل[1].

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 16 شعبان 1435 - 2013م.

 

153


132

الفصل الرابع: عصر الظهور

المبحث الثالث:
 العلاقة مع الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)

تعليم الأجيال ثقافة المقاومة

من النقاط المهمّة في الثقافة المهدويّة وثقافة الانتظار مسألة المقاومة في لبنان، والحفاظ عليها، وتنميتها، وتعليمها.

فاليوم في بيئتنا مَن هم دون عمر 17 سنة من الشباب والشابّات لا يعلمون ما هو 25 أيّار 2000م، وبالتالي هم لا يعرفون ما الذي حصل قبل عام 2000م، وكذلك بعد فترة سيكون لدينا شباب لا يعرفون حرب تموّز 2006م. إننا معنيّون بهذه الشريحة، ويجب أن تُكتب أخبار المقاومة بطريقة القصّة، وتتعلّق بجزءٍ من النشاط التعليميّ التربويّ لمدارس المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، على أن تكتب بطريقةٍ تناسب هذه الأعمار؛ لتدخل إلى وجدانهم. وعندما يصبح عمر الشاب خمس عشرة سنة سيعرف كلّ شيء عن المقاومة، ورموزها، وقادتها، وأحداثها كلّها[1].

 


[1]  من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 19/5/2017م.

 

155


133

الفصل الرابع: عصر الظهور

تكريس علاقة الأجيال بالإمام (عجل الله تعالى فرجه)

عندما نطلق اسم الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) على الكشّافة، فإنّنا نضع الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) في وجدان هذا العنصر، ونعطي فرصة للفتى والفتاة أن يعايشا الإمام بوجدانهما، كذلك الأمر بالنسبة إلى تسمية المدارس بمدارس الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)؛ لأنّ ربط الأجيال بالإمام هو أحد أشكال الربط الوجدانيّ الذي نحتاج إليه، وبالتالي في ثقافتنا الداخليّة نحن نؤسّس جيشاً للإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، وهذا أكبر حرب نفسيّة لليهود، ويشكّل لهم رعباً حينما نقول إنّه جزءٌ من جيش الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه).

في لبنان، توجد إنجازات في هذا الصدد، يجب أن نكمّلها، فإذا راجعنا الأحوال الشخصيّة لمعرفة عدد الأشخاص الذين يحملون اسم «مهديّ» في السبعينيّات والثمانينيّات، وبعد انتصار الثورة الإسلاميّة، في التسعينيّات وحتّى 2017م كم يبلغ هذا العدد؟ الفرق كبير جدّاً، ويجب أن يأتي الوقت الذي يكون فيه هذا الاسم موجوداً في كلّ بيت وأسرة، ليس من باب العادات والتقاليد، بل من باب تربية الطفل، وهذا أصلاً جزءٌ من خطّة الأئمّة (عليهم السلام) عبر التاريخ، وجزءٌ من تكريس العلاقة الوجدانية مع الإمام[1].

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 19/5/2017م.

 

156


134

الفصل الرابع: عصر الظهور

العلاقة والاتصال بالإمام (عجل الله تعالى فرجه)

نحن بحاجة إلى ثقافة العلاقة والاتصال والإحساس بالإمام (عجل الله تعالى فرجه)، وليس المقصود من ذلك -كما يشتبه على بعضهم- السعي لرؤية الإمام في المنام، وحصر الاهتمام بلقائه، مع أنّ هذا أمر ممكن في زمن الغيبة، ولكن له شروطه؛ أي أن يرفع الحواجز والحجب بينه وبين الإمام، لكن المقصود شيء آخر، فنحن نعتقد أن الإمام (عجل الله تعالى فرجه) موجودٌ وحيٌّ يُرزق، وأنّه حاضرٌ وفاعلٌ ومؤثرٌ -وهذه هي الحقيقة- وأنّه لولا وجوده، وهو حجّة الله الحقيقية، لساخت الأرض بأهلها، وأنّ نفعَ الإمام للبشر في هذا العالم كنفع الشمس التي حجبها الضباب، وأنّنا في هذا الوجود نعيش خيره وبركاته ودعاءه وعنايته وحمايته ومساندته وتأييده وتسديده وهدايته.

ومن جملة الشواهد الأكيدة على هذا الحضور الفاعل له(عجل الله تعالى فرجه)، هو هذه المقاومة في لبنان التي يقودها الإمام(عجل الله تعالى فرجه) وتنتصر به. فإذا كنّا نعتقد أنّ الإمام له هذا الحضور الفاعل في الساحات والميادين، فهو يستطيع أن يكون في أيّ مكان: في مكّة، في المدينة، في طهران، في بيروت، في القدس، ولا مشكلة لديه على هذا الصعيد. فهل نحن نحسّ ونشعر به أم أنّه يعني لنا أنّه إمامٌ عقائديّ، وعندما نعدّ الأئمة نقول الإمام الثاني عشر محمّد بن الحسن المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) فقط، كأنّه مجرّد

 

157


135

الفصل الرابع: عصر الظهور

معلومة مخزّنة في عقولنا دون أن يكون لها أيّ صلة بقلبنا وبروحنا ومشاعرنا؟ وهل نفكر فيه؟ وهل تربطنا علاقة الحب بإمامنا (عجل الله تعالى فرجه)؟

فعلاقة الولاية هي ليست علاقة الحاكم والمحكوم، وإنّما هي علاقة الحبّ والقرب والمودّة بين الولي وأتباعه. وعندما نتحدّث عن الحبّ فهذا يستلزم بطبيعة الحال الشوق إلى الحبيب، والحبّ يستلزم السعي إلى اللقاء، ويستلزم إدخال الفرحة على قلب الحبيب. فعندما نحبّ الإمام (عجل الله تعالى فرجه)، يجب أن نعرف أنّ أعمالنا تُعرض عليه، وأنّه يتألّم ويتأذّى، ويدخل الأذى على قلبه عندما يجد أن أتباعه ومنتظريه والمؤمنين به يرتكبون المعاصي والآثام والخطايا، أمّا عندما يجدهم يفعلون الطاعات والواجبات ويدافعون عن الأمة وكرامة الأمة، ويُعزّون الإسلام، ويخدمون الأيتام والمستضعفين والفقراء، وينشرون الدين والرسالة والأخلاق، فإنّ الفرحة تدخل إلى قلبه. ومن مستلزمات الحبّ -أيضاً- أنّ من يحبّ إنساناً يدعو له، ويُسلِّم عليه ولو من بُعد، ويتذكّره، ويأنس عندما يسمع اسمه أو قصّة من قصصه أو أثراً من آثاره. هذا كلّه نحتاج إليه في حياتنا اليوميّة[1].

 

 


[1]  من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 05/12/1998م.

 

158


136

الفصل الرابع: عصر الظهور

عملان يقرّبان من الإمام (عجل الله تعالى فرجه)

إنّ أهم عملين اليوم يقرّبان من الإمام (عجل الله تعالى فرجه)، ويوطّئان له هما المقاومة والمدارس التي تربّي الأطفال على حبّ صاحب الزمان وانتظاره؛ فالانتظار والتحوّل والتغيير وحتّى المقاومة تعتمد على العنصر البشريّ بالدرجة الأولى، وهي ليست عناوين وشعارات وثياباً عسكرية وبندقيّة وخبرة وكفاءة، بل هي بالدرجة الأولى المقاتل والمجاهد. وهؤلاء المجاهدون الذين يقفون اليوم، ويقاتلون بصدق، ويثبتون حتّى النفس الأخير هم الذين تربّوا في مدرسة التعلّق بالآخرة، والزهد في الدنيا، وعشق الشهادة ولقاء الله سبحانه وتعالى ولقاء أوليائه. فالواحد منهم لو قيل له الآن يمكنك أن تحصل على فرصة إلقاء نظرةٍ واحدةٍ على وجه الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) المبارك مقابل أن يسفك دمك في سبيل الله، يقول أنا حاضر. عندما يتربَّى جيل من هذا النوع لا يوجد بعد مشكلة أو غرابة في أن تهزم هذه المجموعة الصغيرة من حملة هذه الروح «إسرائيل» التي أعجزت العرب، وأن تفرض عليها الاعتراف بالعجز. فإذا كان هناك شعب أو شعوب أو أمة أو عدد كبير يحمل هذه الروح هل يبقى لدينا مشكلة؟ ألا يمكن أن يكون هذا -أيضاً- سبباً لتحوُّل على مستوى العالم، وليس على مستوى المنطقة فقط؟[1].

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 05/12/1998م.

 

159


137

الفصل الرابع: عصر الظهور

أهمّيّة ليلة النصف من شعبان

ليلة الخامس عشر من شعبان هي ليلة عظيمة ومباركة عند الله سبحانه وتعالى، ولها كرامتها وبركتها وقيمتها وفضلها. والله سبحانه وتعالى يعطي بعض الأزمنة قيمة وكرامة خاصّة. وفي الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) في فضل ليلة النصف من شعبان أنّه قال: «سئل الباقر (عليه السلام) عن فضل ليلة النصف من شعبان فقال: هي أفضل ليلة بعد ليلة القدر، فيها يمنح الله تعالى العباد فضله، ويغفر لهم بمنّه، فاجتهدوا في القربة إلى الله تعالى فيها، فإنّها ليلة آلى الله عزّ وجلّ على نفسه أن لا يردّ فيها سائلاً له فيها ما لم يسأل معصية»[1]. وهي ليلة من ليالي قضاء الحوائج، وما أحوجنا في هذه المرحلة وفي هذا الوقت أمام هذه الأخطار والتحدّيات التي تواجه البشريّة كلّها اليوم، إلى أن نسأل الله سبحانه وتعالى، وندعوه، ونطلب منه، ونلوذ به، ونلجأ إليه. في هذه الليلة، يفتح الله سبحانه وتعالى الأبواب، ولذلك يجب أن يُستفاد منها أقصى الاستفادة في السؤال والطلب والدعاء[2].

 

 


[1] الأمالي، الطوسي، ص 297.

[2] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 7/4/2020.

 

160


138

الفصل الرابع: عصر الظهور

الدعاء فيها مستجاب

عن الإمام الرضا (عليه السلام) في ليلة النصف من شعبان أنّه قال: «هي ليلةٌ يعتق الله فيها الرقاب من النار، ويغفر فيها الذنوب الكبار -إلى أن يقول- فإنّ أبي (عليه السلام) -يعني موسى بن جعفر- كان يقول: الدعاء فيها مستجاب»[1].

إذاً، نحن أمام ليلة يجب أن نستفيد منها في التوجّه إلى الله سبحانه وتعالى لقضاء حوائج الدنيا والآخرة؛ بالدعاء، والاستغفار، والمناجاة، والعبادة، والصلاة، وتلاوة القرآن. برنامج هذه الأعمال العباديّة موجود في الكتب المعروفة، ولكن من أكثر الأعمال وأهمّها، والتي أكّدت عليها الروايات، وذكرت لها ثواباً عظيماً وأجراً كبيراً، هي زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)[2].

ولنعترف أنّ إحياء هذه المناسبة لم يرقَ بعد إلى المستوى المطلوب، وما زال فيه قصور. ففي إيران مثلاً، نرى جميع المدن مضاءة في هذه الليلة، وكذلك المسيحيّون عندما يحتفلون بولادة السيّد المسيح (عليه السلام)، نجد في كلّ بيتٍ عندهم شجرة، وإضاءة، وطعاماً وعشاء، وتواصلاً واجتماعاً، وهدايا، و«بابا نويل» الذي يأتي بالهدايا، وكلّ ذلك من مالهم الخاص؛ لأنّه مرتبطٌ بوجدانهم، وجزءٌ من ثقافتهم. وعلامة الوهن والضعف أن تأتي جهةٌ لتموّل وتدفع. ويجب أن يأتي الوقت الذي يقوم فيه

 

 


[1] عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، الصدوق، ج 2، ص 263.

[2] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 7/4/2020م.

 

161


139

الفصل الرابع: عصر الظهور

الشيعة في لبنان، من التجّار في السوق، والمعلّمين في المدرسة، والمدارس، والمشايخ بتزيين المساجد. موضوع كيف نحوّل ذكرى 15 شعبان إلى أعظم وأبهج مناسبة عندنا يجب أن نضعه هدفاً لنا[1].

مواجهة تشويه الإسلام

لأجل إبعادنا عن قضيّة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، سوف نشهد هجوماً أقوى وأكبر على الإسلام يهدف إلى إبعاد الناس عن الإمام (عجل الله تعالى فرجه)؛ لأنّ دولة العدل الإسلاميّ التي سيبنيها الإمام هي دولة القرآن. فمنذ عام 1979م؛ أي بعد انتصار الثورة الإسلاميّة، يشهد العالم إقبالاً عالميّاً -خصوصاً من قبل الشباب- وتطوّراً كمّيّاً وكيفيّاً هائلاً اتجاه الإسلام، ونمواً مطرداً وواسعاً، حتّى في الغرب هناك أعدادٌ كبيرةٌ تنتسب إلى الإسلام. وهناك دراسةٌ علميّةٌ إحصائيّةٌ تشير إلى أنّه بعد عشرات السنين، سوف يصبح المسلمون وأتباع الدين الإسلاميّ هم الطائفة الأولى في أوروبا، وذلك نتيجة الإقبال على الإسلام.

ولمّا رأى الأميركيّون والإسرائيليّون والاستكبار العالميّ هذا الإقبال، أصبحوا بحاجة إلى الوقوف في وجه هذا الأمر وصدّه، فتمّ توظيف داعش -التي هي صنيعة السعوديّة والوهابيّة- وجعلوا العالم كلّه والفضائيّات والإنترنت بخدمة داعش والوهابيّة والنصرة، فالإعلام اليوم مفتوحٌ على مصراعيه

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 19/5/2017م.

 

162


140

الفصل الرابع: عصر الظهور

أمامها، وفي خدمة تشويه الإسلام. وهذا ليس صدفةً، بل هو محسوب؛ لأنّ وظيفة داعش هي تقبيح الإسلام؛ لكي يكفر المسلمون بالإسلام، ولا يقترب غير المسلمين منه، وأن يُفهم من «لا إله إلّا الله، والله أكبر» الذبح والقتل، فهم يتعمّدون أن يذبحوا ويردّدوا الله أكبر؛ لأنّ هذا يخلق اقتراناً ذهنيّاً حتّى عند الحيوانات، فقد أقدم أحد علماء النفس على وضع كلبٍ في مكان ما، وصار يرنّ الجرس، ثمّ يُدخل له الأكل، مرّة أولى، ثم ثانية، وثالثة، الكلب الذي يمتلك الغريزة، صار لديه اقترانٌ ذهنيّ، وربط بين المثير والاستجابة في المرة الرابعة. وهؤلاء عندما يقولون «الله أكبر» سواء الانتحاريّ أو عند الذبح أو تفجير سيارة، يحصل اقترانٌ بين الإسلام والظلم والذبح، وقد حصل هذا.

ومن الأمور التي حصلت، أنّ رجلاً في أحد أسواق العراق، يسأل عن سعر سلعة، فيتفاجأ بأنّها باهظة الثمن، فيصيح «الله أكبر» متعجّباً، فيهرب كلّ مَن في السوق مذعوراً! وهذا هو التشويه، وهو ما هيّأ الأجواء للإلحاد. لذا نرى اليوم بعض المناطق التي تشهد حالة ارتداد عن الدين، كمصر والسعوديّة مثلاً. ومن الطبيعيّ جدّاً أن يكون هذا الارتداد في السعوديّة، بسبب إسلام آل سعود والوهابيّين، وبسبب الأداء والسلوك والوحشيّة واللامصداقيّة.

وجزءٌ من مسؤوليّتنا مواجهة هذا التشويه الذي يسبّبه هؤلاء،

 

163


141

الفصل الرابع: عصر الظهور

وتقديم نموذج الثورة الإسلاميّة وإنجازاتها بصورةٍ القوّة، والأخلاق والإنسانيّة والودّ، مقابل النموذج الآخر وصورة الظلام والاسوداد التي قدّموها[1].

 

ضرورة وجود الأنصار

يجب التّأكيد مجدّداً على مفهوم الأنصار والأصحاب، والحاجة إلى ظهور الأنصار والممهِّدين والبيئة الحاضنة[2]. ولعلَّ هذا من أهمّ الشّروط الأساسيّة للظهور، ولو انتفى هذا الشّرط -حتى لو توفَّرت باقي الشّروط- لما تحقَّق الظهور؛ لأنّ الإمام لن يعمل بالمعجزة، بل بالأسباب الطبيعيّة.

انظروا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، لقد توفَّر له أكبر جيش من جيوش الأئمة (عليهم السلام)، أحد المؤرّخين القدامى، لديه كتاب اسمه الغارات، يتكلَّم فيه عن حروب الأمير ويقول إنَّه في آخر حياته كان كلامه كلّه فيه لَوم وألم وتقريع «لقد ملأتم قلبي

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 19/5/2017م.

[2] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 16 شعبان 1435-2013م.

 

164


142

الفصل الرابع: عصر الظهور

قيحاً»[1]، فهو كان لديه جيش، لكنّه فقد القادة حيث استشهد مالك، وعمّار بن ياسر، ومحمد بن أبي بكر، ولائحة طويلة من نخبة الكادر القياديّ معه (عليه السلام) الذين حين استشهدوا، اختلف الوضع، ووصلت الأمور إلى حائطٍ مسدود. وفي النهاية لكلّ شيءٍ حكمة، فقد أصبح الأمير (عليه السلام) في الأشهر الأخيرة أمام خيارَين؛ إما أن يقوم بصلح مع معاوية، أو أن تكون كربلاء. وقد منعت مصلحة الإسلام الإمام (عليه السلام) من الذّهاب إلى الصّلح أو كربلاء، وقام (عليه السلام) بما عليه.

وفي زمن الإمام الصّادق (عليه السلام)، كان هناك أيضاً أناسٌ متحمِّسون، وقد ازداد الأعداء، فاشتبه النّاس. وكان يوجد شخص يُدعى سدير، وكان من المتحمِّسين للإمام الصادق (عليه السلام). وفي الرواية عن محمّد بن الحسن عن سدير قال: «دخلتُ على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلتُ له: والله ما يسَعُكَ القُعود، فقال: ولِمَ يا سدير؟ قلت: لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك، والله لو كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) ما لك من الشّيعة والأنصار والموالي ما طمع فيه تيم ولا عدي، فقال: يا سدير وكم عسى أن يكونوا؟ قلت: مائة ألف، قال: مائة ألف؟ قلت: نعم، ومائتي ألف، قال: مائتي ألف؟ قلت: نعم ونصف الدّنيا، قال سدير: فسكت عنّي ثمَّ قال: يخف عليك أن تبلغ معنا إلى ينبع؟ قلت: نعم. فأمر بحمارٍ وبغلٍ أن يُسرجا، فبادرتُ فركبتُ الحمار، فقال: يا سدير أترى أن تؤثِرني بالحمار؟ قلت: البغل أزيَن وأنبل، قال: الحمار أرفقُ بي،

 

 


[1] نهج البلاغة، خطب الإمام علي(عليه السلام)، الخطبة27.

 

165


143

الفصل الرابع: عصر الظهور

فنزلتُ فركب الحمار وركبتُ البغل فمضينا فحانت الصّلاة، فقال: يا سدير انزل بنا نصلِّ، ثمَّ قال: هذه أرض سبخة لا تجوز الصّلاة فيها، فسرنا حتّى صرنا إلى أرضٍ حمراء ونظر إلى غلام يرعى جداء فقال: والله يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء ما وسعني القعود. ونزلنا وصلّينا فلمّا فرغنا من الصّلاة عطفتُ على الجداء فعددتها فإذا هي سبعة عشر»[1]. وليس المقصود 17 عنصراً أو عضواً أو مقاتلاً، بل يمكن أن يكون المقصود 17 قائداً وركناً يستند إليهم الإمام في إقامة دولته من أمثال مالك، وعمار، وسلمان، وهاشم، والمقداد.

وفي حديث ثانٍ عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال: «إذا اجتمع للإمام عدة أهل بدر -ثلاثمئة وثلاثة عشر- وجب عليه القيام والتغيير»[2]. فبحسب هذه الرواية، الذين ينتظرهم صاحب الزمان، ليسوا 313 جنديّاً أو مقاتلاً، بل 313 قائداً أو ركناً يمكن أن يستند إليهم الإمام لتحقيق العدل. إذاً، الأصل أن يكون هناك 313 قائداً، والباقي هم أنصار، وجنود وبيئة حاضنة.

ولا يخفى أنّنا مررنا بتجارب وبلاءات كثيرة، وأثبتنا بعون الله هذا الولاء، حتّى اليوم، في مواجهة البلاء والتّحدي الكبير الذي حصل في سوريا، لولا وجود أناس لديهم بصيرة ووعي ودرجة عالية من الصبر والتضحية، كان اليوم ليس فقط الشّيعة في لبنان وسوريا في محنة شديدة، بل اللبنانيّين والسوريّين كلّهم، والأمر نفسه نشهده في العراق، وعندما طلب سماحة آية

 

 


[1] الكافي، الكليني، ج 2، ص 242 و243.

[2] مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 11، ص 78.

 

166


144

الفصل الرابع: عصر الظهور

الله السّيد السّيستانيّ من كلّ شخصٍ قادر على حمل السلاح أن يحمله، لم يكن ذلك في خطاب، بل هو أرسل بياناً مكتوباً ووكلاؤه تولَّوا الأمر، فالمرجعيّة الحكيمة في العراق هي التي ستحبط المؤامرة.

مرّت أزمنة كان المرجع يصدر فيها مئة بيان، ويستغيث ولا ناصر له ولا معين، وينتهي به الأمر بالنفي أو القتل أو السجن، لكن اليوم والحمد لله أصبح الأمر مختلفاً. وهذه الحالة مبشِّرة، ومن مسؤوليّتنا اليوم أن نعمل على تثبيت هذا العنوان المهم وتركيزه؛ أي عنوان الكادر والبيئة الحاضنة[1].

هدف الإمام (عجل الله تعالى فرجه) هو تمتين العلاقة مع الله

إنّ الإمام (عجل الله تعالى فرجه) لديه في العُمق والجوهر هدف واقعيّ وحقيقيّ في دولته وحكومته، وهو هدف بعثة الأنبياء والرسل؛ أي ما يرتبط بالعلاقات بين الناس والأفراد والجماعات، والعلاقة بين الناس والله سبحانه وتعالى. وقبل أن نتحدَّث عن المال والأمن، فإنّ عمق موضوع تحقيق دولة صاحب العصر والزمان وجوهره هو إيصال العلاقة الروحية والعقليّة والعاطفيّة والنفسيّة، بين الناس والبشريّة والله، إلى المستوى العالي والراقي الذي يجب أن تصل إليه.

 

 


[1] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 16 شعبان 1435-2013م.

 

 

167


145

الفصل الرابع: عصر الظهور

وعندما نعود إلى بعثة الأنبياء (عليهم السلام)، يتَّضح في سورة هود وسورة الشّعراء (من خلال قصص الأنبياء (عليهم السلام)) أنّهم كانوا يريدون بناء علاقة بين الناس والله؛ علاقة أساسها المعرفة بأنّ الله سبحانه وتعالى إلهكم وربّكم، الذي أسماؤه كذا وصفاته كذا. فهدف بعثة الأنبياء أوّلاً، هو إيجاد المعرفة وإيجاد الإيمان بالله، بوجوده، وتوحيده، بأسمائه وصفاته، ثم ليطيعوه، ويعبدوه، ويخافوه، ويتّقوه، ثمّ إلى أعلى من ذلك فيحبّوه، وتصل العلاقة إلى مستوى الحبّ مع الله سبحانه وتعالى.

نحن نؤمن بالله وبوجوده وبأسمائه، وبوحدانيّته، وبصفاته الجليلة والعظيمة والمقدَّسة، ونعبده ونطيعه، ولكن -بطبيعة الحال- نحن لا ندري ذات الله، ولا ندرك كُنهَها وحقيقتها؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى فوق أن تدركه العقول والأبصار والخيالات؛ لذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) في أكثر من مكان (أو رواية أو قصّة) يقول ما معناه إنَّ كلّ شيء يخطر ببالك، أو يصل إليه وهمك ليس هو الله؛ لأنّ الله فوق الوهم وفوق الخيال وفوق خطرات العقول[1]. ونحن نتعرَّف على الله سبحانه -بسبب محدوديّة عقولنا- من خلال صفات يتجلّى ويظهر من خلالها. مثلاً: نحن نعرف أنَّ الله تعالى قدير من خلال إعمال قدرته في هذا الوجود، ونعرف أنّه هو الخالق؛ لأنّه هو الذي خلق هذا الكون، ونعرف أنّه حكيم ولطيف من خلال الحكمة

 

 


[1] انظر: خطب الإمام علي (عليه السلام)، نهج البلاغة، ج 2، ص 119، خطبته (عليه السلام) في التوحيد.

 

168


146

الفصل الرابع: عصر الظهور

المتجلِّية في هذا الكون ومن خلال دقّة الخلق، ونعرف أنّه عليمٌ ورحيمٌ، وجوادٌ كريم من خلال تجلّي هذه الصفات في مخلوقاته، وفي أفعاله.

لذلك، نحن عندما نقول إنَّ الإنسان والشمس والقمر هي تجلّياته، ثمّ من خلال تعرُّفنا على صفاته التي تتكشف وتتجلّى لنا، يترتّب موقفٌ وعلاقةٌ عاطفيّة تجاهه. وعندما نطَّلع على صفة المنتقم، وأنّ الله عزيز ذو انتقام، وأنّه جبّار السّموات والأرضين، وشديد الحساب، وشديد العقاب عنده جهنَّم، كما ورد عن رسول الله (صلى اله عليه وآله) أنّه قال: «لو أنّ ثوباً من ثياب أهل النار علق بين السماء والأرض لأحرق الأرض قاطبة»[1]. وبأنَّ لديه ملائكة شداداً غِلاظاً، فإنّ هذه المعرفة تولِّد الخوف والخشية والمهابة؛ فنهابه، ونخشاه، ونحسب له ألف حساب.

وعندما نرى أنّ الله سبحانه وتعالى هو الرّزّاق العليم، وهو الذي يحيي ويميت، ويُعزُّ ويرفع، ويشفي ويُشبِع ويرحم، وهو الذي عنده خزائن كلّ شيء، وهو صاحب الجنّات التي تجري من تحتها الأنهار، فإنّ هذه المعرفة التي تتجلّى في الكثير من الموجودات تخلق لدينا إحساساً بالرّغبة والطّمع.

عندما نتحدَّث عن الصّنف الأوّل فتلك عبادة العبيد، وعندما نتحدَّث عن الصّنف الثّاني فتلك عبادة التُّجّار. هناك صنفٌ ثالث -وهو أعلى من الخوف والرّهبة ومن الطّمع والرّغبة- يمكن

 

 


[1] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 10، ص 35.

 

 

169


147

الفصل الرابع: عصر الظهور

أن ينشِىء علاقة عاطفيّة وروحيّة مع الله، فينظر في الصّفات الإلهيّة التي تؤدّي المعرفة بها إلى علاقة وعاطفة روحيّة تُسمّى حبّ الله. إذاً، الخوف هو حصيلة معرفة بعض الصّفات الإلهيّة، والحبّ هو نتاج معرفة بعض الصّفات الإلهيّة، وهو لا يتنافى مع الخوف والرّهبة والطّمع، ففي الوقت نفسه الذي يحبّه فيه فهو يخاف عذابه ويطمع بجنّاته ورضوانه. ولننظر إلى أين يوصِل الحبُّ الأمير (عليه السلام)، فيخاف الله سبحانه ويخاطبه: «وإن أدخلتني النّار أعلمتُ أهلها أنّي أحبّك»![1]، ونقرأ في دعاء أبي حمزة الثماليّ: «ولا خرج حبُّك من قلبي»[2]. وهذا المستوى الراقي في العلاقة، ليس مستوى الأنبياء والمعصومين (عليهم السلام) فقط، بل نحن قادرون ومُطالَبون بذلك.

فما هي الصفات الإلهيّة التي إذا أضأناها، وأوضحناها لأنفسنا وأولادنا وأهلنا، وذكرنا تجلّياتها، أوجدت علاقة الحبّ وطورّتها ونمّتها؟

الحبّ شيء وجدانيّ وليس فلسفيّاً، فنحن لا نحتاج إلى دليلٍ على وجود حبّ، بل نحبّ ونشعر بذلك. والحبّ لا سقف ولا نهاية، وله درجاتٌ ومراتب، ومستوياته لدى الناس ليست هي نفسها، فأنت تحبُّ أولادك، ولكنَّك تشعر أنَّك تحبُّ هذا الولد أكثر من هذا الولد، أو هذه البنت أكثر من هذا الولد..

 

 


[1] انظر: بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 91، ص 97.

[2] المرجع نفسه، ج 95، ص 88.

 

170


148

الفصل الرابع: عصر الظهور

والإنسان بفطرته -وهذا لا يحتاج إلى عقيدة وفكر وفلسفة- يحبّ من يُنعم عليه، ومن يُحسن إليه، ويدفع، ويدافع عنه، ويحبّ من يحميه، ومن يتفضَّل عليه، وهذا شيءٌ طبيعيّ. فلو أتى شخصٌ ما إلى شابّ، وقال له أنت صديقي وعزيزي، وأنا أريد مساعدتك، فيؤمّن له منحة دراسيّة، وفرصة عمل، ومنزلاً وأثاثاً، ويؤمّن له إمكانات الزواج، ويتفقّده دائماً، ويعبِّر له عن مشاعره، كيف ستصبح العلاقة بينهما؟ لا شكّ في أنّ علاقة حبّ ستتكوَّن بينهما، وهذا - كما تقدّم- شيءٌ طبيعيّ وفطريّ في كلّ إنسان، وموجودٌ حتّى عند الحيوان.

وعندما نتحدَّث عن الأطفال -أو النّاشئة- الذين يمتلكون فطرةً طاهرةً، وننظر إلى هذا الطفل في علاقته مع الأب، والأمّ، أو الأخ، والأخت، أو قائد الفوج وقائد الفرقة؛ أي في تعاطفه مع من هو أكبر منه، نجده تارةً يتعاطى معه بالضغط والتخويف، فإذا فعلت كذا سأفعل كذا، دائماً هناك قهر وتخويف. ومن الممكن أن يرتدع هذا الشخص هنا، لكنّ العلاقة ستكون قائمة على قاعدة الخوف؛ لأنّه يعتقد بقدرة الشخص الآخر. وهناك مستوى ثانٍ، هو علاقة الترغيب، كأن يقول له: إذا فعلت كذا أكافئك، آخذك إلى المكان الفلاني، فتصبح العلاقة علاقة طمع ورغبة.

وكلّ من الخوف والرغبة يمكن أن يوصِل إلى الحبّ، ويمكن أن لا يوصِل إليه. ويوجد مثل ثالث، حيث لا يتوعّده، ولا يهدّده، ولا يطمّعه، بل يبدؤه بالنّعم، فيدفع الأذى عنه،

 

171


149

الفصل الرابع: عصر الظهور

ويتحنّن عليه، وهنا العلاقة التي تنشأ بين هذا الطفل وهذا الشخص هي علاقة حبّ ومودّة، وليست علاقة طمع أو خوف، إنّما يبادِره بالنعمة والفضل والإحسان. هذا المعنى نفسه ينطبق على العلاقة مع الله سبحانه وتعالى، حيث يمكن أن تكون هذه العلاقة على أساس الخوف أو على أساس الترغيب، ويمكن أن تكون قائمة على أساس الحبّ؛ لأنّه ابتدأنا بالنّعم والإحسان قبل أن يطلب منّا شيئاً. وأكثر من ذلك، فإنّه إذا أذنبنا لا يقطع عنّا نعمه وإحسانه، ويرحمنا ويحلُم بنا ويتوب علينا. هذا الرَّبُّ المنعِم الذي يبدأ عباده بالإنعام والفضل، والإحسان، هذا الرَّبُّ التّوّاب، هذا الرَّبُّ ألا نحبُّه؟

والله سبحانه وتعالى يربّينا من خلال القرآن، ويقول خلقتُ لكم كذا وكذا، وسخَّرتُ لكم كذا وكذا، وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها. والإمام الحسين (عليه السلام) يقول في دعاء عرفة -وهو من أجمل الأدعية-: « اللهمّ... ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئاً مذكوراً، وخلقتني من التراب، ثمّ أسكنتني الأصلاب...»[1] إلى آخر الدعاء، حيث يصف الإمام (عليه السلام) كيف يتكوّن المرء من النطفة وقبلها، حتّى الولادة إلى آخر العمر. وعندما نذهب أيضاً إلى دعاء أبي حمزة الثّماليّ، نقرأ: «أنا الصّغير الذي ربَّيته، وأنا الجاهل الذي علمته، وأنا الضّال الذي هدَيته، وأنا الوضيع الذي رفعته، وأنا الخائف الذي آمنته، وأنا الجائع الذي أشبعتَه،

 

 


[1] انظر: إقبال الأعمال، السيّد ابن طاووس، ج 2، ص 74.

 

172


150

الفصل الرابع: عصر الظهور

وأنا العطشان الذي رويته، وأنا وأنا...»[1]. وفي دعاء كميل أيضاً، يذكر أشكال النِّعَم: «اللّهم مولاي، كم من قبيحٍ ستَرتَه، وكم من فادحٍ من البلاء أقَلتَه، وكم من عِثارٍ وقيتَه، وكم من مكروهٍ دفعتَه، وكم من ثناءٍ جميلٍ لستُ أهلاً له نشرتَه...»[2].

وعندما نعرف هذه النِّعَم وعظيم النِّعَم الإلهيّة، وإحسانه إلينا في اللّيل والنّهار، وما أعدَّه لنا في الآخرة ممّا لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فمن الطبيعيّ أن يوجِد ذلك فينا الحبّ لله عزَّ وجلّ، والشّوق إلى الله، والعبادة له، والتوكُّل عليه، والثّقة به، والسّعي للقائه، والزّهد في الدّنيا؛ لأنّه لا يجتمع حبّان في قلبٍ واحد، حبُّ الله وحبُّ الدّنيا. حبّ الله يطرد حبَّ الدّنيا، وحيث يحلّ حبّ الله فإنّه يكتسح ما عداه كالنّور الذي يجلو الظّلام، فينهزم حبّ الدّنيا، وهنا النّجاة الحقيقيّة والنّور العظيم.

حتّى الطّفل الصّغير، يجب أن نعلِّمَه حبَّ ربِّه لأنَّه الأكثر استعداداً، ولديه مساحة من النّور والصفاء، ونعلّمه من هو المنعم الحقيقي. علينا أن نوجِد حب الله تعالى في قلوب الأطفال والنّاشئة لكي تنمو هذه القلوب وتنشأ على حبّ الله تعالى، وهي لا تزال في مساحة النّور والفطرة[3].

 

 


[1]  انظر: السيّد ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج 1، ص 165.

[2] انظر: مصباح المتهجّد، الطوسيّ، ص 854.

[3] من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 16 شعبان 1435-2013م.

 

173


151

خاتمة

خاتمة

كيف تتحقّق العدالة؟

طالما أنّ تحقيق الهدف الإلهيّ مرهونٌ بصاحب الزمان(عجل الله تعالى فرجه)، فالمطلوب هو الحفاظ على شخصه، والأمر يستحقّ غيبة صغرى وكبرى، ويستحقّ أن تطول الغيبة حفاظاً على شخص الإمام (عجل الله تعالى فرجه). فهو لن يحقّق العدالة عن طريق المعجزات، وإلّا لما كان من حاجة إلى أن يغيب أصلاً. فالتخطيط الإلهيّ منذ النبيّ آدم (عليه السلام) إلى رسول الله (صلى اله عليه وآله) إلى صاحب الزمان لم يكن قائماً أبداً على تحقيق العدالة في الأرض بالإجبار وبالمعجزات وبالإكراه وبالقوّة، بل المعجزة كان يلجأ إليها النبيّ ليصدّقه الناس، وإلا الأنبياء لم يسيطروا على الناس أو يقهروهم بالمعاجز، بل المعجزة كانت شاهد صدق على ادعاء النبيّ (صلى اله عليه وآله).

وعندما سيخرج الإمام (عجل الله تعالى فرجه) لا يريد أن يقاتل سنين طويلة تكون على حساب تحقيق الهدف، بل يجب أن يخوض معركةً حاسمة غير طويلة. وبناءً عليه، يجب أن تكون الأرض

 

 

174


152

خاتمة

مهيأةً له عند خروجه، وأن يكون العالم مستعدّاً لقبول العدالة والحكم الإلهيّين، فحين تتحقّق أسباب النصر الطبيعيّة وليس الإعجازية، من قبيل وجود الأعوان والأنصار للإمام(عجل الله تعالى فرجه)، فإنّه سيظهر. ولو ظهر الإمام (عجل الله تعالى فرجه) في ظروف غير ناضجة لتحقيق الهدف والمشروع، فإنّه سيكون مهدّداً أمنيّاً، وسيكون مشروعه أيضاً مهدّداً، فهذا الموضوع متابع طيلة القرون الماضية، وتُجرى عليه أهمّ الدراسات في العالم، فمستكبرو العالم حاضرون لتدمير أيّ مكانٍ من أجل القضاء على الإمام في حال ثبت أنه هو المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)[1].

مجاهدونا سيدخلون المسجد كما دخلوه أوّل مرّة

نحن نقاتل هذا العدوّ، وكلانا ينظر إلى نقطة محدّدة، ونقرأ في كتبنا أنّ مجاهدينا سيدخلون المسجد كما دخلوه أوّل مرّة، وسيقيمون الصلاة هناك، وسيقطعون جذور هذا الكيان الغاصب وهذه الغدّة السرطانيّة، وهم يقرأون الشيء نفسه في كتبهم، من قبيل أنّ دولتهم التي ستقوم في آخر الزمان ستزول على يد حفيد من أحفاد الأنبياء (عليهم السلام). إذاً، هم يقاتلون من

 

 


[1]  من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 21/6/1999م.

 

175


153

خاتمة

موقع القلق واليأس ونحن نقاتل من موقع الطمأنينة والأمل، وهم يشكّلون الكثرة والقوة الطاغية المرعوبة الخائفة من المستقبل، ونحن القلّة المؤمنة المطمئنّة للمستقبل.

والثقافة المهدويّة والفكر المهدويّ وقراءة المستقبل من خلالهما هي فقط التي تستطيع أن ترسم صورة هذَين الفريقَين وجبهتهما، ومن خلال هذا الفكر، نستطيع أن نهزم هذا العدوّ، ونذلّه ونقهره، ولقد فعلنا ذلك، ويمكننا أن نفعل ذلك عندما نتسلّح بهذا الفكر، ونواجه به جميع التحدّيات القائمة حاليّاً[1].

 

 


[1]  من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في تاريخ 05/12/1998م.

 

176


154
قبسات مهدوية من خطاب الأمين