المجالس العاشورائية

أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا!


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2021-08

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدّمة

المقدّمة

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

إنّ إحياء عاشوراء من خلال المجالس المحكمة بكلماتها، البعيدة عن الخرافات والأباطيل، إنّما هي إحياء لأمر آل محمّد (صلى الله عليه وآله)؛ ذلك أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) في ثورته المباركة التي امتدّت عبر القرون، وسوف تمتدّ إلى قيام قائم آل محمّد (عجل الله تعالى فرجه) إنّما هي عصارة فكرهم وحركتهم في هذه الحياة، من مواجهةٍ للظلم، وتمسّكٍ بالدّين المحمّدي الأصيل، الذي يرفض التشويه والتحريف لما جاء به هذا النبيّ الكريم في رسالته المباركة.

إنّ ما بين أيديكم كتاب يحوي بين دفّتيه العديد من مجالس عزاء أبي عبد الله الحسين(عليه السلام)، التي تجمع الفكر والعاطفة، لتستنهض العقول والقلوب بتلك الواقعة الأليمة التي جرت على ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته وأصحابه، وهي بموضوعاتها وقصائدها ومراثيها مصداق من مصاديق قول الإمام الصادق(عليه السلام): «أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا!»[1].

 

 


[1] الحرّ العامليّ، هداية الأمّة إلى أحكام الأئمّة عليهم السلام، ج5، ص137.

 

10


1

المقدّمة

وقد آلينا على أنفسنا في مركز المعارف للتأليف والتحقيق، أن نُسهِم في نشر ثقافة عاشوراء، غير غافلين عن محلّ الدمعة والعاطفة ومكانتها في تحريك النفوس والقلوب، فكانت هذه المجالس التي كُتِبت بعناية مشدّدة، تسهيلاً لخطباء المنبر الحسينيّ الأفاضل، الّذين كرّسوا أنفسهم لخدمة هذا الخطّ المبارك، في أن يتّخذوها زاداً لهم إلى منابرهم.

تميّز إصدار هذا العام «زاد المبلِّغ للمجالس العاشورائيّة» باحتوائه على أربعة مجالس مختلفة لكلّ ليلة من ليالي عاشوارء، مدعّمة بملحقات تحتوي على أشعار وقصائد من القريض والشعبيّ، تسهيلاً للقرّاء الأعزّاء في انتقاء ما يرونه مناسباً؛ سائلين المولى العليّ القدير أن يتقبّل هذا العمل، وأن يثبّتنا على هذا الخطّ المحمّدي القويم، وأن يحشرنا مع الحسين وأصحابه(عليهم السلام).

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

 

11

 

 


2

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء
المجلس الأوّل: العزاء للسيّدة الزهراء(عليها السلام)

القصيدة

قَدْ عَادَ حُزْنِي وَالْبُكَا وَتَأَلُّمِي

مُذْ أَبْصَرَتْ عَيْنِي هِلَالَ مُحَرَّمِ

وَلَبِسْتُ ثَوْبَ الْحُزْنِ فِيْهِ مُوَاسِيًا

آلَ الْنَّبِيِّ الأَطْهَرِينَ بِمَأتَمِ

ثُمَّ انْثَنَيْتُ إِلَى الهِلَالِ مُخَاطِبًا

وَالْدَّمْعُ مِنْ عَيْنِي جَرَى كَالْعَنْدَمِ

بِكَ يَا هِلَالُ عَدَتْ جُيُوش أُمَيَّةٍ

وَلِآلِ أَحْمَدَ أَهْرَقَتْ أَزْكَى دَمِ

بِكَ يَا هِلَالُ هَوَى ابْنُ بِنْتِ مُحَمَّدٍ

مِنْ بَعْدِ مَا فِي قَلْبِهِ سَهْمًا رُمِي

بِكَ جِسْمُهُ فَوْقَ الْصَّعِيدِ مُبَضَّعًا

تَرَكَتْهُ شَرُّ عِصَابَةٍ لَمْ تَرْحَمِ

وَالْرَّاسُ شِيلَ عَلَى قَنَاةٍ بَيْنَهُمْ

يَعِظُ الْعِبَادَ بِآيِ ذِكْرٍ مُحْكَمِ

بِكَ يَا هِلَالُ بُيُوتُ أَحْمَدَ أُحْرِقَتْ

وَبَقِينَ رَبَّاتُ الْخُدُورِ بِلَا حَمِي

فَفَرَرْنَ لِلْبَيْدَاءِ يَنْدُبْنَ الْأُولَى

نَالُوا الشَّهَادَةَ كَالْطُّيُورِ الْحُوَّمِ

وَلِشِدَّةِ الْبَلْوَى تَنَحَّتْ زَيْنَبٌ

عَنْ جَمْعِهِنَّ تأمُّ نَهْرَ الْعَلْقَمِ

تَسْتَنْهِضُ الْعَبَّاسَ مِنْ آلَامِهَا

وَتَقُولُ قُمْ وَاحْمِ الْحِمَى بِالْمِخْذَمِ

هَذِي أُمَيَّةُ أَقْبَلَتْ بِخُيُولِهَا

وَالْنَّارُ تَحْمِلُهَا لِحَرْقِ مُخَيَّمِي

 

12

 


3

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

(شعبي)

ويلاه عسى لا طب شهر عاشور

ولا هل بالسما هلاله

بس ما يهل عيني تهل

دمعها وتظل همّاله

بس ما يهل عيني تهل دمعها

ودم على الخدين

واصبغ للهضوم ولا

تنشف دموع العين

وانوحن وانتحب واحزن

من أذكر بيه مصاب حسين

وخوته بلا ذنب قتلوا

ومن هجموا على عياله

من هجمت عليه الخيل

شبّت نار بخيمها

واهلها مقتّله وتندب

ولا واحد وصل يمها

هذي تشوف ابنها

وذيك تنظر والدها وعمها

وصارت شجرة النشّاب

على شمس الضحى ظلها

(أبو ذيّة)

يحق لأهل السما يحسين تنصاب

مآتم والعيون عليك تنصاب

مصابك ما بمثله الناس تنصاب

يبكِّي الصخر واعظم كل رزيّه

المصيبة

ما إنْ يَهِلّ هلال شهر محرَّم حتىّ يخيِّم الحزن والمصاب على كلّ الموالين والمحبّين لرسول الله وآل بيته (عليهم السلام)، وفي ذلك علامة

 

13


4

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

المحبّة والموالاة، فالحسين (عليه السلام) قتيل العبرات، وصريع الدمعة الساكبة، وقد جاء عنه (عليه السلام) قوله: أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمن إلّا استعبر.

وما يزيد في لوعة قلب المحبّ أن يرى حالة آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند ذكرهم للحسين (عليه السلام) أو دخول هذا الشهر بالخصوص:

فعن إمامنا الرضا (عليه السلام): إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهليّة يحرِّمون فيه القتال، فاستُحِلَّت فيه دماؤنا، وهُتِكت فيه حرمتنا، وسُبي فيه ذرارينا ونساؤنا، وأُضرمت النيران في مضاربنا، وانتُهِب ما فيها من ثقلنا، ولم تُرعَ لرسول الله (صلى الله عليه وآله) حرمة في أمرنا. إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلَّ عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، أورثتنا الكرب والبلاء، إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإنّ البكاء يحطّ الذنوب العظام.

ثمّ قال (عليه السلام): كان أبي -صلوات الله عليه- إذا دخل شهر المحرّم لا يُرى ضاحكًا، وكانت الكآبة تغلب عليه حتىّ يمضي منه عشرة أيّام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قُتل فيه الحسين!

وعن دِعبِل الخُزاعيّ، قال: دخلت على سيّدي ومولاي عليّ بن موسى الرضا (عليهما السلام)، في مثل هذه الأيّام، فرأيته جالسًا جِلسة الحزين الكئيب وأصحابه من حوله، فلمّا رآني مقبلًا، قال: مرحبًا بك يا دِعبِل، مرحبًا بناصرنا بيده ولسانه. ثمّ إنّه وسَّع لي في مجلسه وأجلسني إلى جانبه، ثمّ قال لي: يا دِعبِل، أحبُّ أن تنشدني شعرًا، فإنّ هذه الأيّام

 

14


5

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

أيّام حزن كانت علينا أهل البيت، وأيّام سرور كانت على أعدائنا، خصوصًا بني أميّة. يا دِعبِل، من بكى أو أبكى على مصابنا ولو واحدًا، كان أجره على الله. يا دعبل، من ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لما أصابنا من أعدائنا، حشره الله معنا في زمرتنا. يا دعبل، من بكى على مصاب جدّي الحسين (عليه السلام) غفر الله له ذنوبه البتّة.

ثم إنّه (عليه السلام) نهض وضرب سترًا بيننا وبين حرمه، وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدّهم الحسين (عليه السلام)، ثمّ التفت وقال: يا دعبل، اِرثِ الحسين (عليه السلام)، فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حيًّا، فلا تقصّر عن نصرنا ما استطعت.

قال دعبل: فاستعبرتُ وسالتْ عبرتي، وأنشأتُ أقول:

بَكَيْتُ لِرَسْمِ الدَّارِ مِن عَرَفاتِ

وَأَذْرَيْتُ دَمْعَ العَيْنِ بِالعَبَرَاتِ

وأنشد قصيدتَه المعروفة، إلى أن قال (عليه السلام) له: يا دعبل، عرّج بنا إلى كربلاء، فجعلتُ أقول:

أُفاطِمُ لَوْ خِلْتِ الحُسَيْنَ مُجَدَّلًا

وَقَدْ مَاتَ عَطْشانًا بِشَطِّ فُرَاتِ

إذًا لَلَطَمْتِ الخّدَّ فَاطِمُ عِنْدَهُ

وَأَجْرَيْتِ دَمْعَ العَيْنِ فِي الوَجَناتِ

أَفَاطِمُ قُومِي يابنةَ الخَيْرِ وانْدُبِي

نُجومَ سَمَاوَاتٍ بِأَرْضِ فَلَاةٍ

قُبُورٌ بِكُوفُانٍ وَأُخْرَى بِطَيْبَةٍ

وَأُخْرَى بِفَخٍّ نَالَها صَلَوَاتِي

ليست الزهراء(عليها السلام) غائبة عن مصائب كربلاء ولا عن مجالس البكاء على ولدها الحسين (عليه السلام)، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: وما من عين أحبّ إلى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه،

 

 

15

 


6

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

وما من باكٍ يبكيه إلّا وقد وصل فاطمة(عليها السلام) وأسعدها عليه، ووصل رسول الله وأدّى حقّنا...

وعنه (عليه السلام) أنّه قال لأبي بصير: يا أبا بصير، إذا نظرتُ إلى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أتى إلى أبيهم وإليهم. يا أبا بصير، إنّ فاطمة (عليها السلام) لتبكيه وتشهق فتزفر جهنّم زفرة... فلا تسكن حتّى يسكن صوت فاطمة... يا أبا بصير، أما تحبّ أن تكون فيمن يُسعِد فاطمة(عليها السلام)؟

أنا حاضرة يحسين يبني

يمن ريت ذبّاحك ذبحني

اسعدني على ابني يالتحبني

أنا الوالدة والقلب لهفان

ودوّر عزا ابني وين ماكان

جسمه طريح ولا له اكفان

ولعبت عليه الخيل ميدان

أويلي على ابني المات عطشان

أنا الوالدة المذبوح ابنها

وطول الدهر ما قل حزنها

مصيبة ويشيب الطفل منها

سبعين جثة ابدور كنها

في كربلا ماحد دفنها

وينه اليواسيني يشيعه

بالحسين واولاده ورضيعه

وابن والده عين الطليعه

عباس اكفوفه القطيعه

وينه اليواسيني بدمعته

على ابني الذي حزّو رقبته

وظلّت ثلاث تيّام جثّته

اويلاه يبني الماحضرته

وما غسّلت جسمه ودفنته

 

 

16


7

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

كأنّي بالحسين يجيبها:

أحضنيني يمّه برضاك عليَّ

أحضنيني ما اقدر أضمّك بديّه

أحضنيني قطّع أوداجي الدعيّه

سيّدتي يا زهراء، إنْ لم تكوني حاضرة بجسدك يوم عاشوراء، فقد نابت عنك ابنتك زينب(عليها السلام)، أمّ المصائب والرزايا، ساعد الله قلبها كم رأت من المصائب! الشاعر يعدّد مصائبها بلسان الحال:

أنا اللي شفت نارين لكن نار أشدّ من نار

نار احرقت خيمتنا ونار احرقت باب الدار

أنا امّ الخدر زينب من اهلي اطلعت مفجوعه

وأنا لشاهدت كفّين للعباس مقطوعه

وأنا لشفت أخويه حسين منّه مرضّضه اضلوعه

ولا ضل من هلي واحد بذاك الحال اخبرنّه

أنا امّ الخدر زينب وأنا اللي فجعني البين

وأنا كنت محيّرة بدنياي وأنا اللي شفت طشتين

كبد الحسن بيه واحد وواحد بيه راس حسين

وأنا سهام الدهر قلبي بفقد حسين صابنّه

وأنا اللي وقفت مرتين والمرتين آذنّي

وحدة بمجلس ابن زياد والشامت نشد عنّي

ووحدة بمجلس الشامات وذيك لزيّدت ونّي

وأنا لشفت راس حسين بعصاه يزيد ضربنّه

هَذِهِ زَيْنَبُ وَبِالأَمْسِ كَانَتْ

بِفِنَا دَارِها َتُحُطُّ الرِّحَالُ

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

17


8

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

المجلس الثاني: العزاء لصاحب الزمان (عجل الله تعالى فرجه)

القصيدة

خطابٌ إلى المولى بقيّة الله (عجل الله تعالى فرجه) في الليلة الأولى من محرَّم:

أَيَخْفى عن مُعَزِّيهِ المُعزّى؟!

فكم هذا على الأحبابِ عزّا!

وَمِمَّا في نياطِ القلبِ حزّا

محرَّمُ عادَ مجروحَ الهِلالِ

أتتكَ «الليلةُ الأولى» وجيعهْ

دعَتْ «اللهَ يَا حامي الشريعهْ»

رَجَعْتُ وأنتَ تفْقِدُكَ الطَّليعَهْ

ونحرُ السِّبطِ ينْزِفُ في الرِّمالِ

كأنَّكَ بَعْدَ أحمدَ والوصِيِّ

وبعْدَ المُجتبى الحسنِ الزكِيِّ

لدى الزَّهراءِ بالدَّمْعِ السَّخِيِّ

تنوحُ على المشرَّدِ بالعِيالِ

على المذبوحِ صبرًا دونَ ماءِ

تدورانِ المجالسَ بالبكاءِ

فلا تنسَ المُحبَّ مِنَ الدُّعاءِ

يضجُّ لديكَ في هٰذي الليالي

لَقَدْ واساكَ بالدمِعِ السكيبِ

على المرضوضِ ذي الجسمِ السليبِ

ويا حُزْناهُ للشَّيبِ الخضيبِ

يُطافُ بِرأْسِهِ فَوقَ العوالي

أُخفِّفُ ما بِقلْبِكَ مِنْ مصيبَهْ

بآهاتٍ لِعمَّتِكَ الغريبَهْ

أتصبحُ زينبُ الحَوْرا سليبَهْ

فواألَمِي لِربّاتِ الحِجَالِ!

 

18

 


9

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

نعم، هذا الشهر هو شهر الحزن، شهر المصيبة، شهر أليم على قلب مولانا صاحب الزمان، يذكر فيه مصائب الحسين (عليه السلام) وأمّ المصائب زينب(عليها السلام)، يبكي بدل الدموع دمًا...

(بحر طويل)

يا هلال الحزن هلّيت

ولونك مظلم قبالي

صور مرسومة بالدلّال

أشوفه بجمرة اهلالي

يا هلال الحزن هلّيت

ريتك ترحل بهالحين

من اشوفك آنه اتذكّر

من جاله الشمر لحسين

واتذكّر بعد فجعة

من طاحت كفوف الإيدين

وقلبي انشطر نصّين

أشوفه بجمرة اهلالي

لك كلّ العزاء سيدي، أين أنت في هذه الليلة؟! لا بدّ أنّك مولاي عند قبر جدِّك الحسين، تذرف دموع الآهات، دموع الحنين، دموع الحسرة لطلب الثار...

(لحن الفراق)

بقبر الحسين يجري الدموع الغزيره

بقبر الحسين يذكره الفاقد نصيره

بقبر الحسـين يغفى عد بدر العشيره

هالله هالله يندب المهدي بونينه

هالله هالله هذا جدّي مقطعينه

هالله هالله يمتى اداوي جبينه

 

19

 


10

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

(أبو ذيّة)

هلّ هلال شهر حسين بسماي

حسيني وينعرف هالشهر بسماي

راد حسين من الناس بسماي

انمنع وتروّه من كاس المنيّه

المصيبة

عذرًا سيّدي ومولاي يا صاحب الزمان، فذنوبنا تؤخّر ظهورك وتزيد من غربتك ومظلوميّتك، تؤخّرك عن طلب ثأر جدّك الحسين (عليه السلام) الذي تندبه صباحًا ومساءً في زيارة الناحية المقدّسة مخاطبًا إيّاه: فلئن أخرّتني الدهور، وعاقني عن نصرك المقدور، ولم أكن لمن حاربك محاربًا، ولمن نصب لك العداوة مناصبًا، فلأندبنّك صباحًا ومساءً، ولأبكينّ عليك بدل الدموع دمًا، حسرةً عليك، وتأسفًا كما دهاك، وتلهفًا حتى أموت بلوعة المصاب وغصّة الاكتياب.

مولاي، كربلاء حاضرة معك صباحًا ومساءً، مشهد الإمام الحسين وهو طريح على رمضاء كربلاء، عريان، سليب، محزوز النحر، لا يفارقك...

مشهد الخيام المحروقة، الأطفال يتصارخون ويتراكضون وينادون: عمّه زينب، أين والدي؟ أين أخي؟ أين عمّي العبّاس؟

وأكثر ما يؤلم قلبك تلك المرأة الصابرة المحتسبة، بطلة كربلاء، التي تحمّلت ألام الفراق في كربلاء، وآلام السبي...

سلام الله على قلبك مولاتي!

 

20


11

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

كأنّي بالإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) يزور عمّته زينب(عليها السلام)، يقف عند قبرها، يتذكّر المصائب التي مرّت عليها، ويبكي!

(خلّي) قلبك مع الإمام في بلاد الشام، لندخل معه إلى ضريح مولاتنا زينب(عليها السلام)!

(لحن يمّه أنا زينب عد من تخلّيني)

عمّه، أنا المهدي، آلامِچ آلامي

واللّي جره ابحالك، چن صار جدّامي

لو ذكرت متنچ، تحرقني اعظامي

ضربوچ يا زينب، وانه اجري حسرات

يا عمّه يا عمّه، يا عمّتي زينب

عذريني يا زينب، لو ما چنت موجود

عالناقه من صحتي، اشچم طفل مفقود

قتلوا هلي ومالي بس نخوة الموعود

يالمهدي أدركني، ودوني للشامات

يا عمّه يا عمّه، يا عمّتي زينب

يا مولاي، ليتك تراها يوم عادت إلى كربلاء في العشرين من صفر، آه لقلبكِ يا زينب!

كيف تحمّلت فراق كربلاء، وفيه أجساد إخوتك وأبنائك وكلّ عزيز على قلبك؟!

نعم، ففي يوم الأربعين عاد ركب السبايا إلى كربلاء...

تخيّل -بعين القلب- حال زينب، وصلت إلى الأرض التي تركت فيها الحسين مذبوحًا! أي واإماماه! والعبّاس مقطوع الكفّين، والسهم نابت بالعين! ما غابت هذه المشاهد عن عينيها، وهي الآن تشمّ رائحة الأحبّة...

 

 

21

 


12

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

يُروى أنّه لمّا دنا منها الإمام زين العابدين (عليه السلام)، قالت: خذ بيدي، فلقد غُشي على بصري، دلّني على قبر أخي!

أخذ السجّاد (عليه السلام) بيدها، أقبل بها إلى قبر الحسين (عليه السلام)، وَضَعَت يديها على القبر، نادت: واحسيناه! واحسيناه!

أخي حسين، هل غسّلوك أم كفّنوك أم بغير كفنٍ دفنوك؟!

(أبو ذيّة)

أنا ضعت وتحيّرت يحسين بعداك

وتمّنيت الفنا بعد يا خوي بعداك

والله ما ريد العمر يحسين بعداك

عمت عيني ولا شوفك عالوطيّه

زينب(عليها السلام) أخذها الحنين لأخيها الحسين (عليه السلام)، كأنّي بها راحت تخاطبه بهذه الكلمات:

مشتاقة بعد مَرة

أضمّك خويه لأحضاني

واتسامر أنا وانته

يا فرحه عمري واحزاني

اتذكر ليالي هواي

يمّي لا تفارقني

تمسك بيديّ كل ليله

عن أمّي تسليني

واذا عيني غفت يا حسين

اشوفك تمسح جبيني

كنّك فاطمه أُمك

يا فرحة عمري واحزاني

كبرت ويّاك يا خويه

وانت قبالي تلالي

يوميّة أصد وادعي

ربّي يحفظ الغالي

 

22


13

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

يا سلوة أهلي كلها

يا نجم سهيلي العالي

شلون تغمض عيونك

يا فرحة عمري واحزاني

يتيمه من صغر سنّي

وانه بيتمي تأذّيت

ومن طاح الأبو حيدر

ابويه انته تمنّيت

تدلّلني تعزّزني

أميرة بظلك ظلّيت

وعقب عينك أتيسّر

يا فرحة عمري واحزاني

ثمّ التفتت زينب(عليها السلام) إلى النساء:

نادت يا الحرم گومن مشنَّه

لعند لي تكفّلنا من اهلنا

نريده يگوم ويردنا لوطنّا

ما هو لي جابنا وبينا تكفّل

أقبلت الحوراء مع النساء إلى قبر أبي الفضل، جلست عنده!

(لحن الفراق)

خويه عبّاس انا جيتك هالمسيّة

خويه عبّاس خويه اگعد رد عليّه

خويه عبّاس شوف خويه شصار بيّه

جبت الايتام وحرم وعيال النبي

جبت الايتام اگعد وشوف العبي

جبت الايتام مترّبه من السبي

يابو الاحساس احچي لو اخفي شجوني

يابو الاحساس ردتك تشاهد عيوني

يابو الاحساس واثر السياط بمتوني

 

 

23


14

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

كأنّي بالعبّاس (عليه السلام) يجيبها:

يگلها خويه لا تعتبي يا عقيله

يگلها خويه امصيبتچ والله ثجيله

يگلها خويه برگبتچ صارت العيله

مو بديّه خويه كلّ الصار بيكم

مو بديّه ومگدر احضركم واجيكم

مو بديّه وأشهره سيفي واحميكم

(عاشوري)

الگلب لتلومه لو ذاب بحنينه آه آه

تراهو يندب بو الفضل حامي الضعينة

يويلي ومن گطعوا يساره ويمينه آه آه

شحال گلب السبط من يسمع ونينه

انحنه ظهره عالعضيد وزاد العتاب آه آه

وزينب تشوفه بياوضع نايم عالتراب

ظلّت تصيح بصوت مااعظم هالمصاب آه آه

لا طال بعدك هالعمر يااغلى الاحباب

(أبو ذيّة)

راعي الثار ما يظهر علامه

وينشر للدّنا نوره علامه

درى بمتون عمّاته علامه

بضرب سياط زجر وجور اميّه

 

يا صاحبَ العصرِ أدركْنا فليسَ لنا

وردٌ هنيءٌ ولا عيشٌ لنا رغدُ

طالَتْ علينا ليالي الانتظارِ فهلْ

يابنَ الزكيِّ لليلِ الانتظارِ غدُ

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

24

 

 


15

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

المجلس الثالث: بكاء أهل الكساء (عليهم السلام)

القصيدة

أرخصْتَ يا شهرَ المحرّمِ أدمُعِي

وَنزعْتَها منْ قلبِيَ المتفجِّعِ

وَتركتَني والحزنُ ملؤ جوانحِي

سهرانَ مِنْ حرِّ الأسى لم أهجَعِ

وَكسَوتني ثوبَ الحدادِ برزءِ مَنْ

أبكى رسولَ اللهِ قبلَ المصرعِ

ذاكَ الحسينُ وَكيفَ يحسنُ بعدَهُ

حالٌ وَيرقى فيهِ مدمعُ مَنْ يعي

أوَلمْ يكنْ ريحانةً لِمحمدٍ الـ

هادي الرسولِ وَفاطمٍ وَالأنزعِ

أوَلمْ يكنْ يؤذي النبيَّ بكاؤُه

عندَ الطفولةِ في مِهادِ الرضَّعِ

أوَلمْ يُقبِّل نحرَهُ عنْ ثغرِهِ

بدلًا، لما يجري عليهِ مِنَ الدعي

أنا كيفَ أنساهُ وَفي قلبي لَهُ

قبرٌ وَفي عيني أعظمُ موضعِ

عميَتْ إذا لمْ تستدرَّ دموعَها

عينايَ مِنْ قلبي لهُ بِتوجُّعِ

بِهلالِكَ الدامي الذي فيهِ قضى

ظاميًا وَغِلّةُ قلبِهِ لمْ تُنقعِ

ذاوي الحشا ملقًى على وجهِ الثرى

بِدمائِهِ بينَ العداةِ ملفَّعِ

فَعليهِ أعولَتِ البتولُ بِقبرِها

وَبكى الملائكُ في السماءِ الأرفعِ

 

26

 


16

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

(شعبي)

هلّيت يا محرّم عليَّ وذكّرَتني باخوتي

واذكرت شيخ العيشرة وغصب هلّت دمعتي

يوم عاشور يوم نوحي ويوم هضمي وفجعتي

ذِبحوا شيخ العيشرة وقطّعوا منّه الوتين

حسين حسين حسين يا حسين

من يهلّ هلال المحرّم قلبي يعصر جمرته

واذكر حسين ورضيعه الحزّوا منّه رقبته

واذكر خيول الأعادي يوم داست جثّته

واللي يمّ النهر نايم والسهم ناشب بعين

حسين حسين حسين يا حسين

(لحن الفراق)

هل محرّم زينب الحورا حزينة

هل محرّم تذكر اللي امقطّعينه

هل محرّم كربلا اشسويتي فينا

آه يا حزني من يهل شهر المحرّم

آه يا حزني قلبي بالفجعة يتألّم

آه يا حزني واذكر اللي سابح بدمْ

رَدْ عليَّ يا خلق عاشور الاحزان

رَدْ عليَّ فجعتي باهلي والاخوان

رَدْ عليَّ واذكر اللي انذبح عطشان

(أبو ذيّة)

والله جبريل المهد لحسين هزّه

وشمر راسه على العسّال هزّه

الدنيا اظلمت صار الكون هزّه

لمّن حبّته بنحره رقيّه

 

 

27


17

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

من خصائص مصيبة الإمام الحسين (عليه السلام) أنّ البكاء عليه عمَّ الموجودات كلّها، وما يُرى من خلق الله وما لا يُرى.

ومن خصائص هذه المصيبة -أيضًا- أنّ البكاء على الإمام (عليه السلام) سبق مقتله وشهادته، وهذا ما لا نجده في فقيدٍ قطّ عبر التاريخ، إلّا الإمام الحسين (عليه السلام)، فإنّ العادة أن يُبكى على الفقيد بعد قتله أو موته.

وذلك كلّه، إنّما لأجل عظم المصاب، فإنّه لا يوم كيوم الحسين (عليه السلام).

ومن خصائص مصيبته (عليه السلام) أنّ جميع المعصومين (عليهم السلام) قد بكَوه وحزنوا لمصيبته، وخصوصًا أهل الكساء الذين كانوا يلفتون النظر إلى الحسين (عليه السلام) وإلى مصيبته بشكل أو بآخر.

فهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا حضرته الوفاة، كان يبكي لما يجري على أهل بيته من بعده، فسأله أمير المؤمنين (عليه السلام) عن سبب بكائه، فقال: أبكي لما يُصنع بكم من بعدي... أبكي من ضربتك القَرن، ولطم فاطمة خدّها، وطعنة الحسن في الفخذ، والسمّ الذي يُسقى، وقتل الحسين... فبكى أهل البيت جميعًا!

وفي يوم وداع أمّه فاطمة(عليها السلام)، ما أطاقت الزهراء(عليها السلام) مشهد ولديها الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما يناديانها ويبكيان عليها، حتّى حنّت وأنّت وضمّتهما إلى صدرها مليًّا، فأبكيا ملائكة السماء.

وأمّا يوم أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقد كان (عليه السلام) ينظر في أوجه أولاده، وينعاهم واحدًا واحدًا، حتّى وصل إلى الحسين (عليه السلام)، فقال

 

28

 

 


18

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

له: يا أبا عبد الله، أنت شهيد هذه الأمّة؛ فعليك بتقوى الله والصبر على بلائه، وكأنّي بك تستسقي من الماء فلا تُسقى، وتستغيث فلا تُغاث، وكأنّي بأهل بيتك قد سبوا، وبثقلك قد نُهب...

وأمّا أخوه الحسن (عليه السلام)، فعلى الرغم من السمّ الذي كان قد فتك به حتّى لفظ أحشاءه، لمّا نظر إلى أخيه الحسين (عليه السلام) يبكي عليه، قال له: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال أبكي لما يُصنع بك يا أبا محمّد، فقال الحسن (عليه السلام): إنّ الذي يؤتى إليّ سمّ يُدسّ إليّ فأقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل... فيجتمعون على قتلك وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك...

المصيبة

هذا حال أهل الكساء -صلوات الله عليهم-، ولكن ما حال العقيلة زينب(عليها السلام)؟!

ساعد الله قلبك يا أمّ المصائب! فقد رأت ذلك كلّه بعينيها!

أنا اللي شفت نارين

لكن نار أشدّ من نار

نار احرقت خيمتنا

ونار احرقت باب الدار

نعم، لهفي لها، كيف حالها وقد رأت جسد أخيها الحسين (عليه السلام) جثّة بلا رأس، رأته مكبوبًا على وجهه، عاري اللباس، قطيع الرأس، منخمد الأنفاس...

مرّوا بها على جسده ورأته بتلك الحالة، صاحت: يا جدّاه! يا

 

29


19

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

محمّداه! صلّى عليك مليك السماء، هذا حسينك بالعراء، مسلوب العمامة والرداء، محزوز الرأس من القفا... وا حسيناه! وبناتك سبايا... وا زينباه! وإلى الله المشتكى، وإلى محمّد المصطفى، وإلى عليّ المرتضى، وإلى فاطمة الزهراء...

يابه ياجدّي

تعالوا لابنكم غسّلوه

والكفن ويّاكم دجيبوه

دجيبوا قطن للجرح تنشفوه

وعلى اكتافكم لحسين تشيلوه

هذا حالها لما رأت جسده على الثرى، وأمّا رأسه الشريف، فقد رأته في أكثر من مكان، لكنّها لمّا أدخلوها على الطاغية يزيد في الشام، ورأت الرأس بين يديه في الطشت، وهو يضرب بعصاه شفتَي الحسين (عليه السلام) وثناياه، بكت ولطمت وجهها بيديها، ثمّ نادت بصوت حزين تقرع القلوب: يا حسيناه، يا حبيب جدِّه الرسول، ويا ثمرة فؤاد الزهراء البتول، يابن بنت المصطفى، يابن مكّة ومنى، يابن عليّ المرتضى... فضجّ المجلس بالبكاء!

يخويه حسين راسك حين شفته

تلعب عصا يزيد على شفته

أنا ذاك الوقت وجهي لطمته

وصدّيتله بحرقة وندهته

شلّت يمينك يلضربته

 

لو أدري الدموع ترجّع اللي راح

جا أكَضي العمر بدموع ونياح

 

30


20

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

وما ملّ من الونين

لو بس يرجع حسين

أعظم محنه عندي طبّت الشام

أمشي وراس أخوي حسين جدّام

يطفح مدمع العين

لو بس يرجع حسين

 

زينب آنه

آنه ذيك الشافت على الرمضه أخوهه

زينب آنه

يا هي مثلي الصوبوا بالراس أبوهه

زينب آنه

يا هي مثلي بأمهه عدواني افزعوهه

زينب آنه

يا هي مثلي اعله الهزل ويلي سبوهه

 

خويه خويه

آنه عالتلّ وصحت يابن الزكيّه

خويه خويه

شلون أروح وانت عالغبره رميّه

خويه خويه

خنصر اديك منقطع يا بعد ايديّه

خويه خويه

مدلّلة حيدر نوت تمشي سبيّه

 

يا هلالًا لمّا استتمَّ كمالا

غالَهُ خسفُهُ فأبدى غروبا

ما توهَّمْتُ يا شقيقَ فؤادي

كانَ ذاك مقدَّرًا مكتوبا

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

31


21

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

المجلس الرابع: بكاء النبيّ (صلى الله عليه وآله) والإمام الصادق (عليه السلام)

القصيدة

تَاللهِ لَا أَنْسَى ابْنَ فَاطِمَ والعِدَىْ

تُهْدِي إلَيْهِ بَوَارِقَا وَرُعُوْدَا

فَانْصَاعَ لمَ ْيَعْبَأ بِهِمْ عَنْ عِدَّةٍ

كَثُرَتْ عَلَيْهِ وَلا يَخَافُ عَدِيدَا

عَمَدَتْ لهُ كَفُّ العِنَادِ فَسَدَّدَتْ

سَهْمَا عَدَا التَّوْفِيْقَ والتَسْدِيدَا

فَثَوَىْ بِمُسْتَنِّ النِزَالِ مُقَطَّعَ الـ

أَوْصَالِ مَشكُورَ الفِعَالِ حَمِيدَا

لله مَطْرُوْحٌ حَوَتْ مِنْهُ الثَّرَى

نَفْسَ العُلَىْ والسُّؤْدَدَ المَفْقُودَا

وَمُجَرَّحٌ مَا غَيَّرَتْ مِنْهُ القَنَا

حُسْنًا وَلَا أَخْلَقْنَ مِنْهُ جَدِيدَا

وَثَوَاكِلٌ في النَّوْحِ تُسْعِدُ مِثلَهَا

أَرَأَيْتَ ذَا ثُكْلٍ يِكُونُ سِعِيدَا

وَنَوائِحٌ لَمْ تَرَ مِثْلَهُنَّ نَوَائِحًا

إِذْ لَيْسَ مِثْلُ فَقيْدِهِنَّ فَقِيدَا

نَادَتْ فَقَطَّعَتِ القُلُوْبَ بِشَجْوِهَا

لَكِنَّمَا انتَظَمَ البَيَانُ فَرِيدَا

إِنْسَانَ عَيْنِيَ يَا حُسَيْنُ أُخَيَّ

يَا أمَلِيْ وَعِقْدَ جُمَانِيَ المَنْضُودَا

مَا لِيْ دَعَوْتُ فَلَا تُجِيْبُ ولَم تَكُنْ

عَوَّدْتَنِي مِنْ قَبْلِ ذَاكَ صُدُوْدَا؟!

أَلِمِحْنَةٍ شَغَلَتْكَ عَنِّي أمْ قِلًى؟

حَاشَاكَ إِنَّكَ مَا بَرِحْتَ وَدُوْدَا

 

32

 


22

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

(شعبي)

خويه معذور يالنايم بالطفوف

دگعد من منامك وشوف

منّه امسلّبه والگلب ملهوف

خويه ودمعي عالوجنات مذروف

انه مشيت درب الما مشيته

وگتّال اخيّي رافگيته

من گِلّة الوالي نخيته

شتم والدي وانكر وصّيته

(أبو ذيّة)

أنا ضعت وتحيّرت يحسين بعداك

وتمّنيت الفنا بعد يا خوي بعداك

والله ما ريد العمر يحسين بعداك

عمت عيني ولا شوفك عالوطيّه

المصيبة

لم نسمع بمولود ينعقد له مأتم حين ولدته أمّه، بدلًا من حفل السرور والفرح، لكنّ الحسين (عليه السلام) اختصّ بذلك، حيث ذكر له من أوّل ساعة ولد فيها حديث قتله ومقتله ومصرعه.

فحينما وُلد الحسين (عليه السلام) جاؤوا به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثمّ وضعه في حجره وبكى، وقال: تقتله الفئة الباغية، لا أنالهم الله شفاعتي! وقال: ليت شعري، من يقتلك بعدي؟!

وعن الإمام الباقر (عليه السلام): كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا دخل عليه الحسين (عليه السلام) جذبه إليه، ثمّ يقول لأمير المؤمنين (عليه السلام) أمسكه، فيقع عليه فيقبّله ويبكي، يقول الحسين (عليه السلام): يا أبه لِمَ تبكي؟ فيقول:

 

33


23

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

يا بُنّي أقبّل موضع السيوف منك وأبكي...

وكان ينظر إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) ويقول: يا عبرة كلّ مؤمن...

وكان الحسين (عليه السلام) يقول: أنا قتيل العبرة، لا يذكرني مؤمن إلّا استعبر...

وعندما دخل الحسين (عليه السلام) يومًا على أخيه الحسن (عليه السلام)، ونظر إليه بكى، فقال له: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال: أبكي لما يُصنع بك، فقال له الحسن (عليه السلام): إنّ الذي يؤتى إليّ سمٌ يدسّ إليّ فأُقتَل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله، يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل، يدّعون أنّهم من أمّة جدّنا محمّد (صلى الله عليه وآله)، وينتحلون دين الإسلام، فيجتمعون على قتلك، وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك...

وكان الإمام الصادق (عليه السلام) لا يُذكر عنده الحسين (عليه السلام) ويُرى في ذلك اليوم مبتسمًا... وإذا دخل عليه بعض الشعراء يرثون عنده الحسين (عليه السلام)، يجلس كما يجلسون ويبكي عليه!

في إحدى المرّات، استأذن عليه السيّد الحميريّ -رحمه الله-، فأذن له، وأقعد حرمه خلف الستر، واستنشده شعرًا في الحسين (عليه السلام)، فأنشده السيّد هذه الأبيات التي تشير إلى مصيبة من مصائب الإمام الحسين (عليه السلام)، فقال:

أُمْرُرْ عَلَىْ جَدَثِ الحُسَيْنِ

وُقُلْ لِأَعْظُمِهِ الزَّكِيَّةْ

يَا أَعْظُمًا لَا زِلْتِ مِنْ

وَطْفَاءَ سَاكِبَةً رَوِيَّةْ

مَا لَذَّ عَيْشٌ بَعْدَ رَضِّكِ

بِالجِيَادِ الأَعْوَجِيَّةْ

 

34

 


24

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

قال: فرأيتُ دموع جعفر بن محمّد تنحدر على خدّيه، وارتفع الصراخ من داره، حتّى أمره الإمام بالإمساك فأمسك...

سيّدي يا أبا عبد الله، يا جعفر بن محمّد، لم تتمالك أن تسمع مصيبةً واحدةَ من مصائب جدّك الحسين (عليه السلام)، مصيبةً لم ترها عيناك لكن سمعتها أذناك.

أنا حرّ قلبي لعمّتك زينب أمّ المصائب! حينما سمعت نداء عمر بن سعد: ألا من ينتدب للحسين، فيوطئ الخيل صدره وظهره... يا خيل الله اركبي ودوسي صدر الحسين!

ما حالها لمّا نظرت عيناها إلى جسد الحسين (عليه السلام) جثّةً بلا رأس، ملقىً على رمضاء كربلاء، عندما ابتدر عشرة فُرسان وداسوا بحوافر خيولهم صدر الحسين وظهره، حتّى طحنوا عظامه؟!

واحسيناه! واسيّداه!

نادى ابن سعد يا خيلنا وين

من يركب يرض ضلوع الحسين

يرض صدره ويرض للظهر زين

ويرض الباقي من عظامه ويسدر

ركبت له من الفرسان عشره

ولعبت خيلهم ويلي على صدره

أنا أرد انشد الخيّاله المقبلين

لعبت على ابن امي ميادين

بعده يون لو بطَّل حسين

أنا حرّ قلبي لسكينة عزيزة الحسين، تأتي إلى جسد أبيها

 

35


25

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

المرضوض، تعتنق جثّته، تمرّغ وجهها بصدره، وهي تبكي وتنادي: واأبتاه! واحسيناه!

(نصّاري)

شبكت فوق جسمه اوظلّت اتنوح

تشم صدره اودمع العين مسفوح

يصير امشي واتظل يا بويه مطروح

على التربان عارش موش مقبور

(مجردات)

لنوحن واقضّي العمر بالنوح

واعمي عيوني واتلف الروح

شلون الصبر وحسين مذبوح

على الشاطي وعلى التربان مطروح

قال الراوي: فصاح عمر بن سعد: نحّوها عن جسد أبيها، فاجتمع عليها عدّة من الأعداء، حتّى جرّوها من على جسد الحسين (عليه السلام)!

(مجردات)

برضاك يورغمًا عليك

يجرني العدو من بين ايديك

وانا اصرخ وادير العين ليك

وانا ادري ابحميتك ما تخلّيك

اشو شيمتك ما ثوّرت بيك

لجن معذور يالحزَّوا وريديك

(أبو ذيّة)

دفعني الشمر عن جثّتك ولي ساب

ابسوط ورّم امتوني ولي ساب

ترضه ويّه امشي ولي ساب

شِفَه غيضه يبويه اوشمت بيّه

 

36

 


26

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

يَا لَيْتَ عَيْنَ المُصْطَفَى نَظَرَتْ إِلَى

أُمِّ المَصَائِبِ حَوْلَهَا أَيتَامُهَا

مَا بَينَ نَائِحَةٍ وَصَارِخَةٍ غَدَتْ

تَرْثِي كَمَا يِرْثِي الفِرَاخَ حِمَامُهَا

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

 

37


27

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

الملحقات الشعريّة

الشعر القريض

القصيدة الأولى: هذا المحرّم قد أطلَّ هلالُهُ

هذا المحرّم قد أطلَّ هلالُهُ

شهرٌ بهِ وُترَ النبيُّ وآلُهُ

شهرٌ به سُفِكتْ دماءُ محمّدٍ

وأُبيح دينُ اللهِ جلّ جلالُهُ

شهرٌ بهِ بيتُ النبَّوةِ هدّمت

منهُ القواعدُ وانمحت أطلالُهُ

شهرٌ به قُتلَ الحسينُ بكربلا

ظامي الحشا وسُبينَ فيه عيالُهُ

شهرٌ بهِ الإسلامُ هدّم ركنُهُ

وعلى البلادِ الكفرُ عمَّ ظلاِلُهُ

شهرٌ بهِ الشمسُ المنيرةُ كوِّرَتْ

غدواتُهُ سودٌ كذا آصالُهُ

شهرٌ بهِ عينُ السماءِ بكتْ دمًا

وبكى البسيطُ سهولُهُ وجبالُهُ

شهرٌ بهِ ثِقْلُ النبيِّ مضيَّعٌ

وابنُ النبيِّ نهبن فيهِ رحالُهُ

شهرٌ على سبطِ النبيّ محرّمٌ

فيه الورودُ وقد أبيح قتالُهُ

يا شهرَ عاشوراء كمْ لكَ في الحشا

ضَرَمٌ يزيدُ على المدى إشْعالُهُ

 

 

38


28

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

القصيدة الثانية: يُعِيدُكَ لِلتَّارِيخِ بِالدَّمْعِ وَالدَّمِ ‏

يُعِيدُكَ لِلتَّارِيخِ بِالدَّمْعِ وَالدَّمِ ‏

مَتَى لَاحَ مَكْسُوفًا هِلَالُ مُحَرَّمِ

عَشِقْتُ الأَسَى شَوْقًا إِلَيْكَ لِأَنَّنِي ‏

أَرَاكَ بِعَيْنِ الثَّاكِلِ المُتَأَلِّمِ

فَمَا جَزَعِي مِنْ نَهْضَةٍ يَهْتِفُ الإِبَا ‏

لَهَا وَيَرَاهَا المَجْدُ أَرْفَعَ مِيسَمِ

وَلَيْسَ لِأَنَّ الدِّينَ أَلْفَى بَظِلِّهَا ‏

حِمَاهُ وَفِي أَمْثَالِها الدِّينُ يَحْتَمِي

وَلَكِنْ لآلَامٍ عَلَى السِّبْطِ قَدْ جَرَتْ ‏

مَتَى أَتَذَكَّرْ شَجْوَهَا أَتَأَلَّمِ

بِنَفْسِي وَحِيدًا فِي الجِهَادِ مُكَافِحًا ‏

عَدُوًّا يُلَاقِيهِ بِجَمْعٍ عَرَمْرَمِ

وَأَصْحَابُهُ صَرْعَى عَلَى الأَرْضِ حَوْلَهُ

وَنِسْوَتُهُ مَذْعُورَةٌ فِي المُخَيَّمِ

وَفِي حِجْرِهِ الطِّفْلُ الرَّضِيعُ مُرَفْرِفًا

يُعَالِجُ سَهْمًا فِي وَرِيدِهِ مِرْثَمِ

وَقَدْ شَعَبَ السَّهْمُ المُثَلَّثُ قَلْبَهُ ‏

وَزَادَ عَلَى آلامِهِ أنَّهُ ظَمِي

وَيَسْقُطُ فِي المَيْدَانِ وَهوَ بِحَالَةٍ ‏

يَضِيقُ بِهَا وَصْفًا فَمُ المُتَكَلِّمِ

وَيَذْبَحُهُ شِمْرٌ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ ‏

سِنَانٌ وَيُهْدَى مِنْ دَعِيٍّ لِمُجْرِمِ

وَتُسْبَى حَرِيمُ اللهِ وَهْيَ ثَوَاكِلٌ ‏

تَحِنُّ إلى خِدْرٍ وَتَبْكِي عَلَى حَمي

القصيدة الثالثة: مَا لِلْبَسِيطَةِ زُلْزِلَتْ أَقْطَارُهَا

مَا لِلْبَسِيطَةِ زُلْزِلَتْ أَقْطَارُهَا

وَالشَّمْسُ قَدْ خُسِفَتْ بِهَا أَنْوَارُهَا

وَعَلا الضَّجِيجُ مِنَ العَوَالِمِ كُلِّهَا

وَكَذا المَجَالِسُ سُوِّدَتْ أَسْتَارُهَا

قَدْ أُبْدِلَتْ بَعْدَ السُّرُورِ مَآتِمًا

وَالخَلْقُ حُزْنًا أُقْرِحَتْ أَبْصَارُهَا

 

39


29

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

أَفَهَلْ دَهَى الأَكْوَانَ خَطْبٌ مُهْلِكٌ

فأُزِيلَ مِنْ عَطْبٍ بِهَا اسْتِقرَارُهَا

قَالُوا أَمَا تَرْنُو هِلَالَ مُحَرَّمٍ

قَدْ هَلَّ فَانْهَلَّتْ لَهُ أَنْظَارُهَا

فَالْبَسْ ثِيَابَ الحُزْنِ وَاجْلِسْ لِلْعَزَا

فَالحُزْنُ لِلأَطْهَارِ فِيهِ شِعَارُها

مُتَفَكِّرًا فِيمَا جَرَى فِيهِ عَلَى

آلِ الرَّسُولِ وَمَا جَنَتْ أَشْرَارُهَا

ظَنَّتْ عُلُوجُ أُمَيَّةٍ مِنْ جَهْلِهَا

أَنَّ العَبِيدَ تُطِيعُهُمْ أَحْرَارُهَا

خَابَتْ وَخَابَ رَجَاؤُهَا الخَاطِي وَقَدْ

فَشِلَتْ وَبَانَ إِلَى البَرِيَّةِ عَارُهَا

القصيدة الرابعة: هَذَا المُحَرَّمُ قَدْ وَافَتْكَ صَارِخةً

هَذَا المُحَرَّمُ قَدْ وَافَتْكَ صَارِخةً

مِمَّا اسْتَحَلُّوْا بهِ أَيَّامَهُ الحُرُمُ

يَمْلَأنَ سَمْعَكَ مِنْ أصْوَاتِ نَاعيةٍ

في مَسْمَعِ الدَّهْرِ مِنْ إعْوَالِها صَمَمُ

مُوَسِّدِينَ عَلَى الرَّمْضَاءِ تَنْظُرُهُمْ

حَرَّى القُلُوْبِ عَلَى وُرْدِ الرَّدَى ازْدَحَمُوا

وَخَائِضيْنَ غِمَارَ المَوْتِ طَافِحَةً

أمْوَاجُهَا البِيْضُ بالهَامَاتِ تَلْتَطِمُ

مَشَوا إِلَى الحَرْبِ مَشْيَ الضَارِيَاتِ

لَهْا فَصَارَعُوا المَوْتَ فِيهَا وَالقَنَا أُجُمُ

وَلَا غَضَاضَةَ يَوْمَ الطَّفِّ إنْ قُتِلُوا

صَبْرًا بِهَيْجَاءَ لَمْ تَثْبُتْ لَهْاَ قَدَمُ

فَالحَرْبُ تَعْلَمُ إنْ مَاتَوْا بِها فَلَقَدْ

مَاتَتْ بِهَا مِنْهُمُ الأَسْيَافُ لَا الهِمَمُ

وَحَائِرَاتٍ أطَارَ القَوْمُ أَعْيُنَهَا

رُعْبًا غَدَاةَ عَليْهَا خِدْرَها هَجَمُوا

فغُودِرَتْ بَينَ أيدِي القَومِ حاسِرَةً

تُسبَى وَليسَ لَها مَنْ فيهِ تَعتَصِمُ

نَعَمْ لَوَتْ جِيْدَهَا بالعَتْبِ هَاتِفَةً

بِقَوْمِهَا وَحَشَاهَا مِلْؤُهُ ضَرَمُ

 

 

40


30

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

القصيدة الخامسة: يَا صَاحِبَ العَصْرِ اسْتَهِلَّ مُحَرَّمَا

يَا صَاحِبَ العَصْرِ اسْتَهِلَّ مُحَرَّمَا

وَبِمُقْلَتَيْكَ أَهِلَّ دَمْعَكَ وَالدِّمَا

فَهِلَالُ شَهْرِ مُحَرَّمٍ شَقَّ السَّمَا

حُزْنًا عَلَى سِبْطِ الرَّسُوْلِ فَأَظْلَمَا

أَتَرَاهُ يَا مَوْلَايَ مُحَمَّرًا بَدَا

يَبْكِيْ حُسَيْنًا يَسْتَغِيثُ تَظَلُّمَا

فَمُحَرَّمٌ فِيهِ الهَنَاءُ مُحَرَّمٌ

وَبِهِ التَّبَاكِيْ لِلشَّعَائِرِ عَظَّمَا

لَا غَرْوَ إِنْ بَكَتْ الكَوَاكِبُ كُلُّهَا

وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ المُنِيْرُ تَعَتَّمَا

لِمُصَابِ مِصْبَاحِ الوِلَايَةِ وَالهُدَىْ

وَسَفِيْنَةٍ فِيْهَا الخَلَاصُ تَحَتَّمَا

فَمُصَابُهُ أَبْكَى الرَّسُوْلَ الأَعْظَمَا

وَعَلِيًّا المَوْلَى الإِمَامَ الأَكْرَمَا

وَكَذَاكَ أَبْكَتْ ذِي المصيبة فَاطِمًا

وَالجِنُّ نَاحَتْ وَالمَلَائِكُ فِي السَّمَا

أَفَلَسْتَ تَنْدُبُهُ صَبَاحًا وَالمَسَا؟

أَوَلَسْتَ تَبْكِيْهِ مِنَ الدَّمْعِ دَمَا؟

فَمَتَى سَتَخْرُجُ لِلتَّظَلُّمِ رَافِعًا

رَايَاتِ ثَأرٍ لِلْحُسَيْنِ وَقَائِمَا؟

فَلَقَدْ تَحَيَّرَتِ العُقُوْلُ تَرَقُّبًا

وَلَقَدْ تَفَطَّرَتِ القُلُوْبُ تَأَلُّمَا

فَاظْهَرْ لِتَمْلَأَ أَرْضَنَا عَدْلًا كَمَا

مُلِئَتْ فَسَادًا وَاسْتُبِيحَتْ بِالدِّمَا

القصيدة السادسة: خُذْ بِالبُكَاءِ فَقَدْ أَتَاكَ مُحَرَّمُ

خُذْ بِالبُكَاءِ فَقَدْ أَتَاكَ مُحَرَّمُ

وَاعْلَمْ بِأَنَّ بِهِ السُّلُوَّ مُحَرَّمُ

وأَذِلْ بِهِ دَمْعًا أَذَلَّ عَزِيْزَهُ

يَوْمٌ يُذَلُّ الدِّينُ فِيْهِ فَيُهْضَمُ

لِلْحُزْنِ فَوْقَ جَبِيْنِ كُلِّ مُوَحِّدٍ

وَسْمٌ بَرَغْمِ عَدُوِّهِ هُوَ مِيسَمُ

 

41


31

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

فَيَحُقُّ أَنْ يُجْرِي مَدَامِعَهُ دَمًا

عَبْدٌ جَرَىْ مِنْ نَحْرِ سَيِّدِهِ الدَّمُ

إِنِّي أَلِفْتُ وَمَا سَئِمْتُ مِنَ البُكَا

سَئِمَتْنِيَ العَلْيَاءُ إنْ أَنَا أَسْأَمُ

فَوْقَ البَسِيطَةِ لِلأَنَامِ وَتَحْتَهَا

لِلْجِنِّ فِيْهِ لِلنِّيَاحَةِ مَوْسِمُ

وَالحِجْرُ أَعْوَلَ وَالمَشَاعِرُ كُلُّهَا

وَالرُّكْنُ ضُعْضِعَ والحَطِيْمُ وَزَمْزَمُ

وَتَجَاوَبَتْ بِالنَّوْحِ أَنْدِيَةُ العُلَى

وَالمَكْرُمَاتُ وَكُلُّ نَادٍ مَأتَمُ

شَهْرٌ بِهِ شَهَرَتْ أُمَيَّةُ مِخْذَمًا

فَتَكَتْ بِهِ فِي الدِّينِ فَهْوَ مُخَذَّمُ

فَعَجِبْتُ حَتَّىْ قُلْتُ لِمْ لَا حَلَّهُمْ

غَضَبُ الإلَهِ وَكَيْفَ عَنْهُمْ يَحْلُمُ؟!

وَبِعَيْنِهِ زُمَرُ الضَّلَالَةِ أَقْبَلَتْ

عَدْوًا عَلَىْ حَرَمِ الإِمَامَةِ تَهْجُمُ

صَاحُوْا بِهِ نَهْبًا فَهَا هُوَ مُقْسَمٌ

بَيْنَ العِدَىْ وَبَنَاتُ أَحْمَدَ مَغْنَمُ

القصيدة السابعة: الدَّمْعُ مِنِّيْ لِسِبْطِ المُصْطَفَى هَمَعَا

الدَّمْعُ مِنِّيْ لِسِبْطِ المُصْطَفَى هَمَعَا

وَالقَلْبُ مِنِّي بِنَارِ الحُزْنِ قَدْ لَسَعَا

لَمْ أَنْسَهُ مُذْ أَتَى أَرْضَ الطُّفُوْفِ وَقَدْ

حَطَّ الخِيَامَ وَحَرْبٌ جَيْشُها اجْتَمَعَا

دَعَا بِصَحْبٍ كِرامٍ كَالأُسُوْدِ إِذَا

قَامَ الهِيَاجُ وَثَارَ النَّقْعُ وَارْتَفَعَا

تَرَاهُمُ فِي الوَغَىْ مُسْتَبْشِرينَ بِهَا

وَكُلُّ فَرْدٍ بِمَوْتِ العِزِّ قَدْ طَمِعَا

فَمُذْ دَعَاهُمْ إِلَهُ العَرْشِ خَالِقُهُمْ

هَوَوا عَلَى التُّرْبِ إِذْ دَاعِي القَضَاءِ دَعَا

وَظَلَّ سِبْطُ رَسُوْلِ الله بَعْدَهُمُ

فَرْدًا وَحِيدًا وَمِنْهُ الدَّمْعُ قَدْ هَمَعَا

 

42


32

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

فَشَدَّ فِي القَوْمِ يِحْمِي عَنْ عَقَائِلِهِ

كَأَنَّهُ حَيْدَرُ الكَرَّارُ قَدْ طَلَعَا

حَتَّى أُصِيْبَ بِسَهْمٍ فِيْ حُشَاشَتِهِ

أَصَابَ قَلْبَ عَلِيٍّ وَالنَّبيِّ مَعَا

فَارْتَجَّتِ الأَرْضُ والسَّبْعُ الطِّبَاقُ بَكَتْ

وَالعَرْشُ قَدْ مَادَ والرُّوحُ الأَمِينُ نَعَى

لَهْفِي عَلَى زَيْنَبٍ قَدْ عَايَنَتْهُ عَلَى

وَجْهِ الصَّعِيدِ قَتيْلًا بِالعَرَا صُرِعَا

الجِسْمُ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الصَّعِيدِ لُقًى

وَرَأسُهُ فَوْقَ عَالِي الرُّمْحِ قَدْ رُفِعَا

وَبَيْنَهَا حُجَّةُ الجَبَّارِ مُضْطَهَدًا

بِالقَيْدِ بَاكٍ فَدَيْتُ البَاكِيَ الوَجِعَا

لَمْ أَنْسَهُ نَاظِرًا رَأسَ الشَّهِيْدِ عَلَى

رَأسِ القَنَاةِ وَدَمْعُ العَيْنِ قَدْ هَمَعَا

القصيدة الثامنة: هَلَّ المُحَرَّمُ فَالسُّرُورُ مُحَرَّمُ

هَلَّ المُحَرَّمُ فَالسُّرُورُ مُحَرَّمُ

وَنُعِيْ حُسَيْنٌ حِينَ هَلَّ مُحَرَّمُ

هَلَّ المُحَرَّمُ وَالنَّبِيُّ المُصْطَفَى

أَمْسَى كَئِيْبًا وَالوَصِيُّ الأَعْظَمُ

هَلَّ المُحَرَّمُ وَالبَتُولَةُ أَصْبَحَتْ

ثَكْلَى تَنُوْحُ عَلَى الحُسَيْنِ وَتَلْطِمُ

هَلَّ المُحَرَّمُ وَالزَّكِيُّ المُجْتَبَى

يَبْكِي الحُسَيْنَ وَقَلْبُهُ مُتَأَلِّمُ

هلَّ المُحَرَّمُ لَيْتَهُ لَا هَلَّ إِذْ

فِيْهِ لِسِبْطِ مُحَمَّدٍ سُفِكَ الدَّمُ

مَوْلًى بَكَاهُ آَدَمٌ وَبَكَتْ لَهُ

حَوَّا وَنُوحٌ وَالكَلِيمُ مُكَلَّمُ

وَبَكَى الخَلِيلُ عَلَيْهِ حُزْنًا وَابْنُهُ

وَلَهُ أَسًى نَاحَ المَسِيحُ وَمَرْيَمُ

وَبَكَتْهُ كُلُّ الأَنْبِيَا وَلَهُ جَمِيْ

عُ الأَوْصِيَا نَاحَتْ وَمَدْمَعُهَا دَمُ

 

43


33

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

وَبَكَتْ لَهُ الأَمْلَاكُ فِي أَفْلَاكِهَا

وَبَكَى لَهُ قَمَرُ السَّمَا وَالأَنْجُمُ

وَبَكَتْ عَلَيْهِ الحُورُ فِي جَنَّاتِهَا

وَلَهُ أُقِيْمَ بِكُلِّ أَرْضٍ مَأْتَمُ

وَبَكَىْ لَهُ البَيْتُ الحَرَامُ وَحِجْرُ إِسْـ

ـمَاعِيلَ حُزْنًا وَالمَقَامُ وَزَمْزَمُ

القصيدة التاسعة: هلّ المُحرّمُ فاسْتهلّتْ أدْمُعِي

هلّ المُحرّمُ فاسْتهلّتْ أدْمُعِي

وروى زنادُ الحُزنِ بين الأضْلُعِ

مُذْ أبْصرتْ عيني بُزُوغ هِلالهِ

ملأ الشّجا جِسْمِي ففارق مضْجعِي

وتنغّصتْ فيه عليّ مطاعِمِي

ومشارِبي وازْداد فِيهِ توجُّعِي

الله يا شهْر المُحرّمِ ما جرى

فيه على آلِ البطِينِ الأنْزعِ

الله مِن شهْرٍ أطلّ على الورى

بمصائِبٍ شيّبْن روْس الرُّضّعِ

شهْرٌ لقدْ فُجِع النّبِيُّ محمّدٌ

فيهِ وأيُّ مُوحِّدٍ لم يُفْجعِ

شهْرٌ بِهِ نزل الحسينُ بِكربلا

في خيرِ صحْبٍ كالبُدُورِ اللُّمّعِ

فتلأْلأتْ مِنْها الرُّبوعُ بِنورِهِ

وعلتْ على هامِ السِّماكِ الأرْفعِ

لكِنّما البارِي أحبّ لِقاءهُم

فغدوا على البوْغا بِأكرمِ مصْرعِ

وبقى وحِيدًا بعْدهُمْ سِبطُ الهُدى

ينعاهُمُ أسفًا بِأشرفِ مدْمعِ

 

 

44


34

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

الشعر الشعبيّ

أوّلًا: الأبو ذيّات

1. قصد ظعن الحرم كوفان والشام

قصد ظعن الحرم كوفان والشام

اوسوط الشمر منها المتن وشّام

ضمير العدو منه مات والشام

بلا رحمة سباها الفاطميّه

2. ما لاجل الثواب بكيت واجره

ما لاجل الثواب بكيت واجره

لچن نار بصميم الگلب واجره

مصاب حسين آبد ما صار واجره

فرض كل يوم ننصبله عزيّه

3. يمـن حكمك جراه الله علملاك

يمن حكمك جراه الله علملاك

متى تنشر يبو صالح علملاك

ابگتل احسين ما واصل علملاك

او نساه المشت للطاغي هديّه

4. اهلال الكدر والاحزان هليت

اهلال الكدر والاحزان هلّيت

اودمه عين الموالي بيك هلّيت

يشهر النوح عالاسلام هلّيت

لا تظهر او تفرح بيك اميّه

5. وين الأيّام اللي كنّا نعشها

وين الأيّام اللي كنّا نعشها

أبونا علي بوجود ونعشها

وكلّ الناس بيحمل نعشها

ونعشك يخويه تراب الغاضريّه

 

45

 


35

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

6. لولاك الفرض يحسين ما تم

لولاك الفرض يحسين ماتم

وحقّ كبدك المنّه ثلث ماتم

إلك بقلوبنا منصوب ماتم

لاجلك يا غريب الغاضريّه

7. جسمي امن الحزن يا ناس ينهار

جسمي امن الحزن يا ناس ينهار

اودمع العين عالوجنات ينهار

عسنّك لا تجي يا ريت ينهار

ابشمس وعداي تتفرّج عليّه

8. عاشور على الاسلام هلهل

عاشور على الاسلام هلهل

اودمع العين على الوجنات هلهل

الشيعه احزنت وابن زياد هلهل

ابگتل احسين ابن حامي الحميّه

ثانيًا: القصائد والأبيات

1. هلّ المحرم واستهلتْ دمعة العينْ

هلّ المحرم واستهلتْ دمعة العينْ

الإسلام نصبتْ للمآتم تندب حسينْ

كل عام احنه ابهالشهر ننصب عزيّه

نذكر شهيد الدين بسيوف آل أُميّه

وانعزّي الكرار معْ سيد البريّه

وانعزي احنه فاطمه ست النساوين

نبكي على المذبوح وبكانا عباده

نبكي على ذبحة اطفاله معَ أولاده

نبكي على المطروح ما تحته وساده

نبكي على مذبحهم وحرق الصواوين

نبكي على صدره تدوسه الأعوجيّه

نبكي على راسه بروس السمهريّه

نبكي على مشي الحرم حسره سبيّه

نبكي على سلب الوديعه والخواتين

 

46


36

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

2. يا هلال من النبي اشعندك عذرْ

يا هلال من النبي اشعندك عذرْ

من ينشدك ليش بحسين اتغدرْ

شلك سابق عند بني هاشم ديون

مضتْ واسّا بادرتها ابهالشجون

جرّعته الهضم خلّيتْ العيون

دم تهلْ وقلوبنه شبه الجمرْ

يا هلال ولا عِمَلْ مثلك اهلالْ

بينه ولا مثل يومك يوم نال

ولا بغيرك ضلت النه أعلى الرمال

جثث شالوا روسهه ابعالي السمرْ

3. استعدوا للبواكي والمناح

استعدّوا للبواكي والمناح

على احسين ابكلّ مسيّه اوكلّ صباح

استعدّوا للبواكي والعويل

اوخلوا دمع العين دم احمر يسيل

گامت الأملاك تنعى وجبرئيل

ينعى بس اهلال شهر الحزن لاح

اهلال شهر الحزن لوّح بالسمه

كاسف اوجبريل ناصب مأتمه

كلها حزنانه اعلى بن حامي الحمه

اوما بگه مخلوق إلّا بكه وناح

4. خويه اجيتك آنه وشوف حالي (طور العكراوي)

خويه اجيتك آنه وشوف حالي آه آه آه

گوم لي يا عزّي ودلالي

خويه شلون تخلّيني بغير والي آه آه آه

ما تدري من بعدك اشجرالي

آه يا خويه آه يا خويه آه يا خويه آه

 

47


37

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

يخويه اگعد وشوف شصار بيه آه آه آه

أختك رحت مگيوده سبيّه

خويه ولاتناشدني عن فعل اميّة آه آه آه

روّعونا وشعلوا النيران بيّه

وتراهي اعلى راسك ماتت رقيّة آه آه آه

5. وين لينوح وياي وينه

وين لينوح وياي وينه

وينه ليهل دموع عينه

وين ليساعدني بونينه

لابني الذي قطعوا وتينه

وثمّ بس جسد وموزعينه

فوق الثرى ولا دافنينه

واحنا ليساعدنا ببكينا

بالمصايب لصارت علينا

يوم الحشر لازم نعينه

6. أنا أمّ الغريب لمات مذبوح

أنا أمّ الغريب لمات مذبوح

ودمّه بوادي الطفّ مسفوح

وتقبل عوادي الظلم وتروح

تلعب على جسمه المطروح

فوق القبر كلّه والجروح

وخواته بكثرة تحن وتنوح

7. يبني يبني

يبني يبني مصبيتك هدّت كياني

يبني يبني والفرح عقبك ما لفاني

يبني يبني والشمر وايد أذاني

يبني يبني مصيبتك أصعب مصايب

يبني يبني يمتى يظهر الغايب

يبني يبني وياخذ بثار الأطايب

 

48


38

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

8. يبو صالح

يبو صالح غيبتك طالت علينا

يبو صالح وللحزن هاليوم اجينا

يبو صالح نبكي اللي بكاه نبينا

9. وبنت النبي وي الحور نصبت له عزيّه

وبنت النبي وي الحور نصبت له عزيّه

صارت مآتم في السماوات العليّه

والكل ينادي يا غريب الغاضريّه

وهذا ينادي وا شهيدٍ مات عطشان

عافت المكسب والحزن بالقلب وقّاد

لبست الشيعة بكل وادي ثياب السواد

نصبت مأتمها على بو زين العباد

تبذل على ابن المصطفى غالي الأثمان

10. وانعى على اللي بكربلا صدره تهشم

وانعى على اللي بكربلا صدره تهشّم

إبكي يا شيعي بهالشهر واجري الدمع دم

فاطمة الزهرة بهالشهر تنصب المأتم

وتنوح ابنها بالقبر وتزيد الونين

وتهل دمعها على القضى بالسيف منحور

فاطمة الزهرة تنوح ويَّه جملة الحور

وتصيح يبني ذاب كبدي بشهر عاشور

هاجت أحزاني والقلب منقسم نصّين

11. هلّت الشيعة بالحزن يا هلال عاشور

هلّت الشيعة بالحزن يا هلال عاشور

ونصبت عزيّة بالمآتم ولطمت صدور

يا هلال المحرّم ليش أشوفك كاسف اللون

لابس سوادك ليش قلّي شصار بالكون

ونّ الهلال وقال سيد الرسل محزون

وكلّ العوالم محزنة والدين مقهور

من حين هلّ الشهر هلّ بكلّ الأحزان

وجدّد مصاب اللي قضى بالطف حيران

 

49


39

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

ناحت عليه أملاكها والإنس والجان

على الذبيح اللي بقى بالطف منحور

وأمّا المصيبة اللي لوّعت مهجة افادي

أهل المدينة يسمعوا الزهرا تنادي

عاشور جاني وزاد حزني على ولادي

وأني نصبتلهم عزا في وسط القبور

12. يا موالي

يا موالي استعدّ بهالمسيّه

يا موالي وشعظم هاي الرزيّه

يا موالي صيح آيالغاضريّه

يا موالي واسي فاطمة الزكيّه

يا موالي خلّي دمعاتك جريّه

يا موالي وحسرتك تصبح شجيّه

يا موالي حسين مرمي أعلى الوطيّه

يا موالي وجثّة الكافل رميّه

يا موالي وزينب أخذوها سبيّه

يا موالي سيروا سكنة ورقيّه

يا موالي والطفل ما شرب ميّه

يا موالي وجاسم واكبر اخيّه

13. يمّه الليل كلّه ما ننامه

يمّه الليل كلّه ما ننامه

يا يمّه الدهر صوّبنا بسهامه

يا يمّه بقينا من عقبك يتامه

14. يمّه أنا زينب عد من تخلّيني

يا يمّه يا يمّه يا يمّه يا يمّه

يا يمّه يا يمّه يا يمّه يا يمّه

يمّه أنا زينب عد من تخلّيني

طفلة بزغر سنّي منك تحرميني

 

50


40

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

يا يمّه أنتظرك لمن يجي عاشور

أنت التسنديني يم جثّة المنحور

أنت التباريني لو سلبوا الخدور

لو فرّت أيتامي قلبي يظل مجمور

15. يمِّ الحسنْ يا زهرا تِعالي

يمِّ الحسنْ يا زهرا تِعالي

وشُوفي كربلا شْسَوَّتْ بحالي

يُمّه ضاع كل عزِّي ودلاي

يُمّه اشحال الغريبه ابغير والي

يا زينبْ انا يمِّك مو بِعيده

انا شِفْتِ حْسِين مِنْ حَزَّوا وِرِيدَه

ثلاثْ تِيام يمَّه ساكنَه البِيدَا

يُمه انا نُوبه ادوِّر خِنْصُر ايده

ونُوبه ادوِّر كَفْ عِضِيْدَه

16. من شافت عيوني المنارة وقبّة حسين

من شافت عيوني المناره وقبّة حسين

هاجت احزاني وسالت الدمعه من العين

من عادة الزوّار تستأذن الرحمن

والزهره والكرار والمصطفى العدنان

وانا من اللهفة إجيتك بلا استئذان

أهتف وانادي النصرتك لبيك يا حسين

يلّي تزو احسين بلّغلي رساله

وصّل ضريحه وخلِّ دمعك بانهماله

وسِئْله صدق داس الشمر صدره بنعاله

هبَّر اوداجه وشال راسه فوق عسّال

يلّي تزور احسين بلّغلي تحيّه

وصّل ضريحه وخلِّ عبراتك جريّه

وسِئْله صدق رضّت اعظامه الأعوجيّه

رضّضت صدره وطشَّرت منّهِ الأوصال

يلّي تزو احسين خلّي الدمع هدّان

وسِئْله صدق خلّوه عاري بغير أكفان

 

51


41

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

وسِئْله عقب عينه اشجره بحالة النسوان

يقولون ودّوها سبايا فوق الاجمال

يلّي تزو احسين خلّي الدمع جاري

وسِئْله صدق لفّوِ اعظامه في بواري

وراسك رجع للجسد لو ظل في البراري

ما ينعرف راسك بأي بلدة يا سردال

17. قلبك هالمسيّه اشلون

قلبك هالمسيّه اشلون

يابن العسكري حالـه

ابعينك من شفت عاشــور

بيّن بالسمـا اهلالــــه

تضل طول الدهر محجوب

يلغايب شلك نيّه

ما تسمع نواعي احسين

والدين او نواخيّه

تريد اثلطعش مهيوب

يالمهدي او ثلاث ميّه

او بيهم تنتهض للدين

وتطالب ابدمّ احسين

ما تدري ينور العين

جدّك قابل ابسبعين

جيش الدهر واشراره

عينك من تشوف الماي

يا لغايب او جاريّه

ما تذكر اطفال احسين

وشعملوا بنو اميّه

إلكم كم طفل تجري

على اخدوده مجاريّه

يلوج امن العطش والحر

او كبده امن الظما اتفطر

وأمّه ليه تتفكّر

تشوف اوليدها يبكي

او سهم الموت يبرالـــه

 

 

52


42

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

18. للجنّة بيدي كون أودّيه

للجنّة بيدي كون أودّيه

كل من يزهرا ابنك بكى عليه

واعله الصراط اشلون أخلّيه

يا ما لطم لحسين صدره

كل عين هلّت يوم عاشور

لحسين واعله اصحابه لبدور

تنحشر مسروره اومسرور

صاحب هلجنان الزهيّه

19. گلبي يبو حمزة تراه اتفطر اوذاب

گلبي يبو حمزة تراه اتفطّر اوذاب

مثل المصيبة اللي دهتني محّد انصاب

ذيك الاقمار اللي ابمنازلنه يزهرون

والليل كله من العبادة ما يهجعون

سبعة اوعشرة عاينتهم كلهم اغصون

فوگ الوطيّة امطرّحين ابحر الاتراب

ما نكّست راسي لجل ذيك الصناديد

ما قصّروا بالغاضريّة زلزلوا البيد

نكّسه الراسي ادخول زينب مجلس ايزيد

حسرى او من نوح اليتامه راسها شاب

20. انا اصيحن او بالصياح راح صوتي

انا اصيحن او بالصياح راح صوتي

يا ريت گبل احسين موتي‏

ولا اشوف العِدا تنهب ابيوتي

21. خويه انعمت عيني ولا شوفك

خويه انعمت عيني ولا شوفك

ذبيح ويجري من دم نحرك

وأصحابك وأهل بيتك

ضحايا مطرّحة بقربك

عساها اتعگرت هالخيل

ولا داست على صدرك

 

53


43

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

22. يحسين يابني هيّجت حزني عليّه

يحسين يابني هيّجت حزني عليّه

لأجلك بگبري لابسة ثياب العزيّه

أبـكي عليكم ياضحايا الغاضريّه

الله كاتب كربلا تحويك يحسين

23. يا عين ابكي وسحّي الدمع غدرا

يا عين ابكي وسحّي الدمع غدران

على المذبوح بأرض الطف عطشان

ابكي وسحّي الدمع يا عين

على أهل المجد سبعين واثنين

24. شيعتنه يگلها اعليه يبكون

شيعتنه يگلها اعليه يبكون

كل عام اليجي ومأتم ينصبون

وابهذا العزا كلهم يگومون

اوحتّى اطفالهم تحزن على احسين

25. هل عاشور هلن دمع يا عيوني

هل عاشور هلن دمع يا عيوني

قومي يا خلق بحسين عزّوني

هل عاشور من يدخر بواكيّه

وبعاشور زينب غدت مسبيّه

يويلي ضلوعها من الحزن محنيّه

تنادي يا هلي من اليسر فكّوني

26. ياللي تناشدني عليمن تهمل العين

ياللي تناشدني عليمن تهمل العين

كلّ البكا والنوح والحسره على حسين

حبّه بگلبي وتظهره بصبها دموعي

مجبور في حبّه ولا شوفه بطوعي

يا ليت گبل ظلوعه نرضّت ضلوعي

ومن گبل خدّه تعفّرت منّي الخدين

ابكي على مصابه بكل صبح ومسيّه

أبكي واساعد عالبكا الزهرا الزكيّه

المازال تندب يا ذبيح الغاضريّه

يحسين يبني يا حبيبي وقرّة العين

 

 

54


44

الليلة الأولى: إحياء ذكرى عاشوراء

27. يبويه قوم شوف اشلون ولياي

يبويه قوم شوف اشلون ولياي

كلها امذبّحه اوما ذاقت الماي

يبويه لو تشوف اشماتة عداي

وتشوف ابناتكم تاهت بالبرور

28. انحنت فوگه تشم نحره وصدره

انحنت فوگه تشم نحره وصدره

وتندب صارخه والعين عبره

هذي نيابتي عنّك يا زهره

وسفه يروح والينه للقبور

29. نوحي على الأولاد يا زهرة الحزينة

نوحي على الأولاد يا زهرا الحزينة

في كربلا واحد وواحد في المدينة

اتفرّقوا عنّك وصار الشمل تبديد

واحد من جعيدة قضى وواحد من يزيد

واحد اندفن عندك وواحد عنّك ابعيد

قبر الحسن عندك وقبر احسين وينه

30. هلنّوح يا زهرة على منهو تنوحين

هلنّوح يا زهرة على منهو تنوحين

نوحك على المسموم لو نوحك على احسين

حنّت او نادت والدمع بالخدّ بادي

إن تسألوني يا خلق كلهم اولادي

لكن امصاب احسين ساطي في فؤادي

واعظم مصايبنه علينه امصيبة احسين

حزني على ولادي ذبايح يوم عاشور

لنصب عليهم مآتم في وسط القبور

ونسيت ضلعي اللي بجنب الباب مكسور

واعظم عليّ لو نعى الناعي على حسين

 

55


45

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة
المجلس الأوّل: البكاء لمصابِ سيّدِ الشّهداء (عليه السلام)

القصيدة

هِيَ الطُّفُوفُ فَطُفْ سَبْعًا بِمَغْنَاهَا

فَمَا لِبَكَّةَ مَعْنىً دُونَ مَعْنَاهَا

أَرْضٌ وَلَكِنَّها السَّبْعُ الشِّدَادُ لَهَا

دَانَتْ وَطَأطَأَ أَعْلَاهَا لِأَدْنَاهَا

هِيَ المُبَارَكَةُ المَيْمُونُ جَانِبُهَا

مَا طُورُ سِينَاءَ إِلَّا طُورُ سِينَاهَا

وَصَفْوَةُ الأَرْضِ أَصْفَى الخَلْقِ صَلَّ بِها

صَفَّاهُ ذُو العَرْشِ إِكْرَامًا وَصَفَّاهَا

وَكَيْفَ لَا وَهْيَ أَرْضٌ ضُمِّنَتْ جُثَثًا

مَا كَانَ ذَا الكَوْنِ لَا وَاللهِ لَوْلَاهَا

فِيهَا الحُسَيْنُ وَفِتْيانٌ لَهُ بَذَلُوا

فِي اللهِ أَيَّ نُفُوسٍ كَانَ أَزْكَاهَا

أَنْسَى الحُسَيْنَ وَسُمْرُ الخَطِّ تَشْجُرُهُ

إذًا فَمَا انْتَفَعَتْ نَفْسِي بِذِكْرَاهَا

الإِنْسُ تَبْكِي رَزَايَاكَ التِّي عَظُمَتْ

وَالِجنُّ تَحْتَ طِبَاقِ الأَرْضِ تَنْعَاهَا

وَكَيْفَ تَنْسَى مُصَابًا قَدْ أُصِيبَ بِهِ

قَلْبُ الوَصِيِّ وَقَلْبُ المُصْطَفَى طَهَ

خَطْبٌ دَهَى البِضْعَةَ الزَّهْرَاءَ حِينَ دَهَى

رِزْءٌ جَرَى بِنَجِيعٍ مِنْهُ عَيْنَاهَا

آلُ النَّبِيِّ عَلَى الأَقْتَابِ سَارِيَةٌ

كَيْمَا يُسَرَّ يَزِيدٌ عِنْدَ رُؤيَاهَا

وَرَأْسُ أَكْرَمِ خَلْقِ اللهِ يَرْفَعُهُ

عَلَى السِّنَانِ سِنَانٌ وَهْوَ أَشْقَاهَا

 

56

 


46

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة
المجلس الأوّل: البكاء لمصابِ سيّدِ الشّهداء (عليه السلام)

القصيدة

هِيَ الطُّفُوفُ فَطُفْ سَبْعًا بِمَغْنَاهَا

فَمَا لِبَكَّةَ مَعْنىً دُونَ مَعْنَاهَا

أَرْضٌ وَلَكِنَّها السَّبْعُ الشِّدَادُ لَهَا

دَانَتْ وَطَأطَأَ أَعْلَاهَا لِأَدْنَاهَا

هِيَ المُبَارَكَةُ المَيْمُونُ جَانِبُهَا

مَا طُورُ سِينَاءَ إِلَّا طُورُ سِينَاهَا

وَصَفْوَةُ الأَرْضِ أَصْفَى الخَلْقِ صَلَّ بِها

صَفَّاهُ ذُو العَرْشِ إِكْرَامًا وَصَفَّاهَا

وَكَيْفَ لَا وَهْيَ أَرْضٌ ضُمِّنَتْ جُثَثًا

مَا كَانَ ذَا الكَوْنِ لَا وَاللهِ لَوْلَاهَا

فِيهَا الحُسَيْنُ وَفِتْيانٌ لَهُ بَذَلُوا

فِي اللهِ أَيَّ نُفُوسٍ كَانَ أَزْكَاهَا

أَنْسَى الحُسَيْنَ وَسُمْرُ الخَطِّ تَشْجُرُهُ

إذًا فَمَا انْتَفَعَتْ نَفْسِي بِذِكْرَاهَا

الإِنْسُ تَبْكِي رَزَايَاكَ التِّي عَظُمَتْ

وَالِجنُّ تَحْتَ طِبَاقِ الأَرْضِ تَنْعَاهَا

وَكَيْفَ تَنْسَى مُصَابًا قَدْ أُصِيبَ بِهِ

قَلْبُ الوَصِيِّ وَقَلْبُ المُصْطَفَى طَهَ

خَطْبٌ دَهَى البِضْعَةَ الزَّهْرَاءَ حِينَ دَهَى

رِزْءٌ جَرَى بِنَجِيعٍ مِنْهُ عَيْنَاهَا

آلُ النَّبِيِّ عَلَى الأَقْتَابِ سَارِيَةٌ

كَيْمَا يُسَرَّ يَزِيدٌ عِنْدَ رُؤيَاهَا

وَرَأْسُ أَكْرَمِ خَلْقِ اللهِ يَرْفَعُهُ

عَلَى السِّنَانِ سِنَانٌ وَهْوَ أَشْقَاهَا

 

56

 


46

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

(فايزي)

بالله أرد أنشدك كربلا متجاوبيني

شنهو العذر يا كربلا بالله اخبريني

حقّي أعتبنك وأريدك تعلميني

شنهو العذر يا كربلا من هذا المصاب

يا كربلا الخطَّار لازم يكرمونه

واللي يجي وياه بعز يضيفونه

خُطَّار عن الماي شفتي يمنعونه

يا كربلا بفعلك ثره القلب ذاب

يا كربلا هذا الذي ناغاه جبريل

شمامة الهادي ومهجة حامي الدخيل

وبأرضك تخليني تسحق صدره الخيل

ما تعرفينه هذا ابن دحاي الأبواب

قالت أراضي كربلا لا تعتبوني

غصبن عليه مالجرى بكرة عيوني

كعبة صرت والناس كلهم يقصدوني

والحاربوا الحسين خسروا يوم الحساب

(أبو ذيّة)

بقلبي مأتمك يحسين ينصاب

وذكرك من يمرّ الدمع ينصاب

قلبي بدال قلبك ريت ينصاب

وخدّي بدال خدّك على الوطيّه

المصيبة

ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): رحم الله شيعتنا! إنّهم أوذوا فينا ولم نؤذَ فيهم، شيعتنا منّا قد خُلقوا من فاضل طينتنا، وعُجنوا بنور ولايتنا، رَضُوا بنا أئمّةً ورضينا بهم شيعة، يُبكيهم ما أصابنا، ويُحزنهم حزنُنا ويسرّهم سرورُنا، ونحن أيضًا نتألمَّ بتألمُّهم، ونطَّلع على أحوالهم، فهم معنا لا يفارقوننا ولا نفارقهم؛ لأنّ مرجع العبد إلى

 

57


47

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

سيّده، ومُعَوَّلُه إلى مولاه، فهم يهجرون من عادانا، ويجهرون بمدح من والانا، ويباعدون من آذانا، اللهمّ إنّ شيعتنا منّا ومضافون إلينا، فمن ذكر مصابنا وبكى لأجلنا أو تباكى استحى الله أن يعذّبه بالنّار.

أقول: وكيف لا نبكي على مصاب الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يبكي بمجرّد أن يرى الحسين (عليه السلام)؛ لأنّه يتذكّر ما سيجري عليه. وقد رُوي عن ابن عبّاس أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان جالسًا ذات يوم، إذ أقبل الحسن (عليه السلام) فلمّا رآه بكى، ثمّ قال: إليَّ إليَّ يا بنيّ، فما زال يُدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليمنى، ثمّ أقبل الحسين (عليه السلام) فلمّا رآه بكى، ثمّ قال: إليَّ إليَّ يا بنيّ، فما زال يدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليسرى.

وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أواخر أيّامه يبكي إذا رأى أحدًا من أهل بيته كأمير المؤمنين (عليه السلام) وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، فإذا ما سألوه عن بكائه، كان يقول: إنّي أتذكّر ضربة عليّ على رأسه! ولطم فاطمة على خدّها! وطعن الحسن في فخذه والسمّ الذي يُسقاه! وقتل الحسين!

خَطْبٌ يُذِيبُ مِنَ الصُّخُورِ صِلَابَها

وَيُزِيلُ مِنْ شُمِّ الجِبَالِ هِضَابَها

فَلَوْ أنّ ما قَاسَيْتَ مِنْهُ صَادَفَتْ

صُمُّ الصَّفَا مِعْشَارَهُ لَأَذَابَها

سيّدي يا رسول الله، المصائب كلّها على قلبك عظيمة، ولكن أشدُّها ألمًا مصيبة الذي ذبحوه من القفا، وتركوه جثّة في أرض كربلاء لم يوارَ جثمانه الثرى.

سيّدي يا رسول الله، أين أنت عن ابنتك زينب يوم عاشوراء، عندما

 

 

58

 


48

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

سقط الحسين صريعًا على رمضاء كربلاء، وجاءت النسوة إلى مصارع الشهداء، وهم ما بين من قطع الحمام أنينه، وصافح التراب جبينه!

برزْنَ منَ الخدورِ، على الخدودِ لاطمَات، وبالعويلِ داعيات، وبعدَ العزِّ مذلّلات، وإلى مصرعِ الحسينِ مبادرات!

فواحدةٌ تحنُوْ عليهِ تضمُّهُ

وأُخرى عليهِ بالرداءِ تظلّلُ

وأُخرى بفيضِ النحرِ تصبغُ وجهَهَا

وأُخرى تُفدّيهِ وأُخرى تقبّلُ

وأُخرى على خوفٍ تلوذُ بجنبِهِ

وأُخرى لِمَا قَدْ نالَهَا ليسَ تعقِلُ

نعم، خرجَتْ زينبُ(عليها السلام) ومِنْ خلفِها النساءُ والأرامِلُ واليتامَى مِنَ الفِسطاطِ إلى أرضِ المعركة!

يقول الراوي: فوالله لا أنسى زينب بنت عليّ، وهي تندب الحسين، وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب: وامحمّداه! صلّى عليك مليك السماء، هذا حسين مرمّل بالدماء، مقطّع الأعضاء، وبناتك سبايا، وإلى الله المشتكى، وإلى محمّد المصطفى، وإلى عليّ المرتضى، وإلى حمزة سيّد الشهداء... بأبي من لا هو غائب فيرتجى، ولا جريح فيداوى، بأبي من نفسي له الفداء، بأبي المهموم حتّى قضى، بأبي العطشان حتّى مضى، بأبي من شيبته تقطر بالدماء، بأبي من جدّه رسول إله السماء، بأبي من هو سبط نبيّ الهدى، بأبي محمّد المصطفى، بأبي خديجة الكبرى، بأبي عليّ المرتضى، بأبي فاطمة الزهراء سيّدة النساء... فأبكت والله كل عدوّ وصديق!

 

59


49

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

(مجردات)

أخبرك يجدّي احسين ذبحوه

ومن القفا للراس حزّوه

ومن فوق ظهر المهر ذبّوه

ولا راقبوا جدّه ولا أبوه

وراسه براس الرمح شالوه

وصدره بجرد الخيل رضّوه

وحتّى الطفل ويلاه ذبحوه

وشربة اميَّه أبد ما سقوه

يجدّي العدا خانوا بالحسين

وخلّوه عاري بغير تكفين

وسلبوا عقب عينه النساوين

وحرقوا خيمهم والصواوين

(لحن الفراق)

وينه جدّي يشوف خوية حسين وينه

وينه جدّي يشوف عبّاس مصيوبه عينه

وينه جدّي يشوف شنهو لجرى علينه

(أبو ذيّة)

المصيبة حلَّت علينه وترها

وكبدتي انقطع يا جدّي وترها

يريتك تنظر شبولك وترها

غدت مرتع لحافر خيول أميّه

ثمّ وجّهت وجهها ناحية الغري، ناحية أبيها أمير المؤمنين (عليه السلام).

يبويه قوم شوف شلون ولياي

يبويه لو تشوف شماتة عداي

كلّها مذبّحة وما ذاقت الماي

وتشوف بناتك تاهت بالبرور

 

60

 


50

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

يَا مَيِّتًا تَرَكَ الأَلْبَابَ حَائِرَةً

تَنَاوَشَتْهُ سِهَامُ البَغْيِ رَامِيَةً

وَأَعْظَمُ الخَطْبِ فِي الإِسْلَامِ دَاهِيَةً

عَارٍ تَجُولُ عَلَيْهِ الخِيْلُ عَادِيَةً

حَاكَتْ لَهُ الرِّيحُ ضَافِي مِئْزَرٍ وَرِدَا

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

61


51

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

المجلس الثاني: وداع النبيّ (صلى الله عليه وآله) والسيّدة الزهراء (عليها السلام)

القصيدة

مضى سبطُ النبيِّ لِبنتِ طهَ

يودّعُ قبرَها وَهْوَ الوَصولُ

وناداها أيَا أمَّاهُ قومي

لِتوديعي فَقدْ حانَ الرحيلُ

فَحنَّتْ وسْطَ مرقدِها وأنَّتْ

لِمحنةِ شبلِهَا الطهرُ البتولُ

وَنادَتْ يا أبا السجّادِ صبرًا

على البلوى بِما حكمَ الجليلُ

بُنيّ بِكربلا تُمسي صريعًا

فَيُثكَلُ في مصيبتِكَ الرسولُ

وَتُذبحُ ظامئًا وَالماءُ يجري

لِجنبِكَ يا لهُ خطبٌ مهولُ

كأنّي بِالخيولِ عليكَ تعدو

ألا لا سابقَتْ تلكَ الخيولُ

وَتُؤسَرُ بعدَك الخَفِراتُ ظلمًا

وَلا حامٍ لهَا فَبها يعولُ

وداعُكَ فوقَ كسرِ الضلعِ كسرٌ

لهُ في قلبِ أمِّكَ لا يزولُ

سَتبقى لِلقيامةِ نارُ حزني

لِرزئِكَ وَالكآبةُ وَالعويلُ

 

62

 


52

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

(شعبي)

بالله بالعجل قومي من قبرك يا حزينة

مطرود يا يمّه أنا من أرض المدينة

قومي يا يمّه الحزينة ودعيني

ومسحي دموعي اللي على خدّي وعيني

قال مسافر يا يمّه ونيتي أقصد هالطفوف

وهناك أظلّ وحدي وحولي تدور الصفوف

وجسمي يقطعونه العدا برماح وسيوف

وأوقع رميّة وجثتي تبقى رهينة

ريتِك تحضري بكربلا وحالي تشوفين

ودم الحجر من هامتي بيدك تمسحين

وسهم المثلّث ويلي من قلبي تشيلين

وتداوي جروحي بيدك يا أمينة

(لحن الفراق)

يالزكيّة أدري روحك حاضرة وياي

يالزكيّة وادري تبكين اعلى بلواي

يالزكيّة من أنذبح وما اشرب الماي

قال الإمامُ الحسين (عليه السلام): فعلى الإسلامِ السّلام، إذْ بُلِيَت الأُمةُ بِراعٍ مثلِ يزيد.

شخَّصَ الإمامُ الحسينُ (عليه السلام)، في فصلٍ حسَّاسٍ جدًّا من تاريخ الإسلام، الوظيفةَ الأساسَ من بينِ الوظائفِ المتنوِّعةِ، والتي لها مراتبُ متفاوتةٌ في الأهمّيَّة، وقامَ بإنجازِها، ولم يُخطِئْ أو يَشتبهْ في معرفةِ ما كانَ العالَمُ الإسلاميُّ في ذلكَ اليومِ بحاجةٍ إليه أمامَ الخطر الأُمويّ الكبيرِ الذي بدأَ يفتِكُ بدينِ الإسلام، وبشكلٍ كبيرٍ من تحريفِ أحاديثِ الرسولِ الأكرمِ (صلى الله عليه وآله)، ووضعِ ما لمْ يقُلْهُ النَّبيُّ والانحرافِ

 

63


53

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

الكبيرِ عن الخطِّ المحمَّديِ الأصيل، والتضليلِ وانعكاسِ جَوٍّ منَ الإحباطِ على المسلمين عامّة، والاحتيالِ والإعلامِ الكاذبِ، وتلفيقِ الأحاديث، ومنعِ ذِكرِ فضائلِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام)، وترويجِ ثقافةِ السكوتِ، والتسليمِ والخضوعِ للحاكمِ وإن كانَ فاسدًا، والفسادِ الأخلاقيِ، وترويجِ مجالسِ اللّهوِ والشرابِ والقِمَار...

أمامَ هذا الواقعِ، كانَ لا بدَّ للإمامِ الحسينِ (عليه السلام) من ثورةٍ يعيدُ بها تصويبَ ما خرَّبَهُ معاويةُ، وما تُشَكِّلهُ شخصيّةُ يزيدَ من ضَررٍ على بقاءِ الإسلامِ واستمراريَّتِهِ. لذلكَ، نجِدُ أنَّ الإمامَ الحسينَ (عليه السلام) يوضِحُ أسبابَ رفضِهِ لمبايعةِ يزيد، وذلك عندما طلَبَ منْهُ الوليدُ بنُ عُتْبَةَ البيعةَ ليزيد، فبادَرَهُ الحسينُ (عليه السلام) قائلًا: إنَّ مِثلي لا يبايعُ سِرًّا، ولا يَجْتزِئُ بها مني سِرًّا، فإذا خرجْتَ إلى الناسِ ودعوْتَهم للبيعةِ دعوْتَنا مَعَهُم، كانَ الأمرُ واحدًا. فقال الوليدُ: أجلْ، اِنصرفْ إذا شِئْتَ على اسمِ الله، حتَّى تأتيَنَا مع جماعَةِ النَّاس.

عندها قال مروان للوليد: واللهِ، لئن فارقَكَ الحسينُ الساعةَ ولم يبايعْ، لا قدِرْتَ مِنْهُ على مِثِلها أبدًا، حتّى تكثُرَ القَتلى بينَكم وبينَه. احبِسَنَّ الرجلَ، فلا يَخرجُ من عندِكَ حتّى يبايعَ أو تضربَ عنُقَه. فوثَبَ الحسينُ (عليه السلام) قائلًا: أنتَ تقتُلُني أمْ هوَ؟ كذبْتَ واللهِ ولَؤُمْتْ!... ثمّ أقبَلَ على الوليدِ مُخاطبًا: أيُّها الأميرُ، إنَّا أهلُ بيتِ النبوةِ، ومعْدَنُ الرسالةِ، ومختلَفُ الملائكة، ومحلُّ الرحمة، بنا فَتَحَ اللهُ وبنا ختَم. ويزيدُ رجلٌ فاسقٌ، شاربٌ للخمرِ، قاتلٌ للنفسِ المحترَمةِ، مُعلِنًا بالفِسْق، ومِثلي لا يبايعُ مثلَه، لكنَّا نصبحُ

 

64


54

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

وتصبحِون، ونَنظرُ وتَنظرونَ، أيَّنا أحقُّ بالخلافة والبيعة.

ثمّ دخلَ فِتيةُ الحسينِ وأَخرجُوه، فقال مروانُ للوليد: عصيتَني! لا واللهِ، لا يُمكِّنُكَ مثلَها من نفسهِ أبدًا. فقال له الوليدُ: ويْحَكَ، أشرتَ عليَّ بذهابِ دِيني ودُنياي! واللهِ، ما أُحبُّ أنْ أَملكَ الدنيا بأسرِها، وإنِّي قَتلتُ حُسينًا. سبحانَ اللهِ، أَأَقتُلُ الحسينَ إنْ قال: لا أبايع! واللهِ، ما أظنُّ أحدًا يلقَى اللهَ بدمِ الحسينِ إلّا وهو خفيفُ الميزان، لا ينظرُ اللهُ إليه يومَ القيامةِ، ولا يُزكِّيه، وله عذابٌ أليم. فردَّ عليهِ مروانُ مستهزِئًا: إنْ كان هذا رأيَكَ، فقد أَصَبْتْ. ولهذا، فقدْ عَزَلَ الوليدَ بعدَ ذلك، وعيَّن سعيدَ الأشْدَقَ محِلَّه.

المصيبة

أمَّا الحسينُ (عليه السلام)، فإنَّه خرجَ من دارِ الإمارةِ إلى مسجدِ جدّه رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، فأتَى قبرَه وقال: السّلام عليكَ يا رسولَ الله. أنا الحسينُ بنُ فاطمة، فرخُكَ وابنُ فرختِك، وسِبطُكَ الذي خلَّفتني في أمَّتِك، فاشهَدْ عليهم يا نبيَ اللهِ أنّهم خذلوني ولم يحفظوني. وهذه شكوايَ إليكَ حتّى ألقاك. ولم يزلْ راكعًا وساجدًا حتّى الصباح.

لقد كانَ الحسينُ (عليه السلام) يعلمُ أنَّ ساعةَ فراقِهِ جدَّه ومدينةَ جدِّه قدْ أزِفَتْ، وهذهِ الساعاتُ تمرُّ سريعًا، فهو (عليه السلام) يريدُ أن يتزوَّدَ من الصلاةِ والدعاءِ وزيارةِ قبرِ جدِّه (صلى الله عليه وآله). وفي الليلة الثانيةِ، وهيَ الليلة الأخيرةُ للحسين (عليه السلام) في المدينة، حيثُ قضَاها أيضًا بجوارِ قبرِ جدِّه (صلى الله عليه وآله)، فقد وقف أمام القبر الشريف حزينًا كئيبًا يناجي ربَّه عند قبر

 

65


55

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

المصطفى (صلى الله عليه وآله): اللّهُمَّ، إنَّ هذَا قبرُ نبيِّك مُحمد، وأَنا ابنُ بنتِ محمدٍ، وقدْ حضَرني من الأمر ما قدْ عَلمْتَ. اللهُمَّ إنِّي أحبُّ المعروفَ، وأُنكرُ المنكرَ، وأنا أسألُكَ يا ذا الجلالِ والإكرامِ، بحقِّ هذا القبرِ ومَنْ فيه، إلّا ما اختَرْتَ لي ما هوَ لكَ رضًا ولرسولِكَ رضا.

ثمّ جَعَلَ يبكي عندَ القبرِ، حتّى إذا كانَ قريبًا من الصبح، وضعَ رأسَهُ على القبرِ فَأغْفَى، فإذا هوَ برسولِ اللهِ، قدْ أَقْبَل في كَتيبةٍ منَ الملائكة عنْ يمينِهِ وشمالِهِ، وبين يديْهِ، ومن خَلفِهِ، فجاءَ وضمَّ الحسينَ إلى صدرِهِ، وقبَّل بينَ عينيهِ وقال: حبيبي يا حُسين، كأنِّي أراكَ عن قريبٍ، مُرمَّلًا بدمائِكَ، مذبوحًا بأرضِ كربلاء، بينَ عِصابةٍ من أُمّتي، وأنتَ في ذلكَ عطشانُ لا تُسقى، وظَمآنُ لا تُروى، وهمْ في ذلك يَرجُون شفاعتي، ما لهم؟ لا أنالَهم اللهُ شفاعتي. فجَعَلَ الحسينُ (عليه السلام) في رؤياهُ ينظرُ إلى جدِّهِ ويقول: يا جدَّاهُ، لا حاجةَ لي في الرجوعِ إلى الدُّنيا، فخُذْني إليكَ وأدْخِلْني معَكَ في قبرِكَ.

ضُمَّني عِندكَ يا جَدّاهُ في هذا الضَّريحْ

عَلَّنِي يا جَدُّ من بَلوى زماني أستريحْ

ضاقَ يا جَدَّاه من رَحْبِ الفَضَا كلُّ فسيح

فعسَىَ طودُ الأَسى ينْدَكُّ بينَ الدَّكَتينْ

جَدُّ صفوُ العيشِ من بعدِكَ بالأَكدارِ شِيبْ

وأَشابَ الهمُّ رأسي قبلَ إِبَّانِ المَشِيبْ

فعَلا منْ داخلِ القبرِ بكاءٌ ونَحيبْ

ونداءٌ بافتجاعٍ يا حبيبي يا حُسين

ستذوقُ الموتَ ظُلمًا ظاميًا في كربَلا

وستبقى في ثَراها ثَاويًا مُنْجدِلًا

وكأني بلئيمِ الأصْلِ شمرٍ قَدْ عَلا

صدْرَكَ الطاهرَ بالسيفِ يحزُّ الوَدَجين

 

66

 


56

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

مـُهجةِ الزَّهرا فوقْ قبرِ المصطفى يْنوُح

يـنادي مـن الـدِّنيا يَـجدِّي مَلَّتِ الرُّوح

تـعفَّر عـلى قبْرَهْ وزِفَرْ زَفْرَةِ المَهضوم

غَـمَّضِتْ عـينَه وشافَ جدَّه ابعالم النُّوم

ضـمَّهِ الْـصَدْرَه والـدَّمعْ بالخَدِّ مَسْجُومْ

وقـلَّه ابـحِريمَك وِلـَوْلادِ الكربلا رُوحْ

يَـحسينْ سـافِرْ واتْرُكِ دياركْ وِلَوْطَان

ﭼَـنِّي أعـاينْ جـِثِّتَكْ لـلخيل مَـيدانْ

والـرّاسْ مـثلِ البَدِرْ يِزْهِرْ فوقْ لِسْنَانْ

مِـنْ تِـلتِفِتْ زِيـنب تِشُوفَه اقبَالها يْلُوحْ

أما بعد، هناكَ قبرٌ عزيزٌ على قلبِ مولانا الحسينِ، لا بدَّ من وداعِهِ! قبرُ أمِّهِ الزهراء... كأنّي بمولانا الحسينِ يذهبُ إلى قبرِها الشريف... ينحني عليه مُناديًا: السّلام عليكِ يا أُمّاه، ليتكِ حاضرةٌ، وَتَرَيْ ولدَكِ الحُسين... كأنِّي به يُوصي أُمَّه الزهراء (عليها السلام):

أَوصِّي عليكْ يا يُمّه (لحن لفى عاشور)

أَوصِّي عليكْ يا يُمّه

عِندِ الموت حِضْريني

واذا جاني السَّهَم مَسمُومْ

أَريدنِّكْ تِداويني

وإذا شِفتي الشِّمِرْ جَاني

على الطَبْراتْ سَلّيَني

حُطِّي ايدِكِ بَصدْري

تَراهَ منْشِطِرْ شَطْرين

وا ويلي على المظلوم

على المظلوم وا ويلاه

أَوصِّي عليكْ يا يُمه

تِغَسْلي دْمُومْ عن نَحري

وإذا شِفتي هَذِيكْ الخِيل

تِشِيلْ اوصالْ عن صدري

 

67


57

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

اريدنِّكْ تِجْمعِيها

وتِخلِّيها بوسَط قَبري

أخافَنْ زينب تْجيني

يا يُمّه وتِلْطِمِ الخدِّين

وا ويلي على المظلوم

على المظلومْ واويلاه

(طور الخضيب)

آنا عزِيزِجْ بالعَجَلْ ودْعيني يازهرا

فِتْحِي الي بابِ القَبِر وابكي عَليْ حَسْرة

خلِّيني بَحْضَانِجْ اصُبْ بكْفُوفِجِ العَبْرا

واشبَعْ حنانِ وعاطِفَه وحُضْنِجْ اشِم عِطْره

آه يزهرا آه يزهرا آه يزهرا

ودْعي رُقية وزينبِجْ وودْعي علي الأَكبر

رايحْ علي ابطفْ كربلا يالحُرَّه يِتْوذَّر

شِمِّي الرضيع ابمنْحَرَهْ هذا علي الأصغر

يِصبِحْ ذِبيح اعلى الثَّره يِرضَع دمِّ المَنْحَر

آه يزهرا آه يزهرا آه يزهرا

أقول: مضى ركب الحسين وأهل بيته وأصحابه، وخرجوا من مدينة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى مكّة المكرّمة، ثمّ إلى العراق، حتّى نزلوا في أرض كربلاء ورايات الهاشميّين ترفرف فوق رؤوس الهاشميّات، كلّما رفعت إحداهنّ رأسها رأت راية أبي الفضل العبّاس وإخوته وبقيّة آل أبي طالب، ولكنْ حَرّ قلبي لهنّ، كيف خرجنَ من كربلاء؟ خرجنَ والشمر عن يمينهنّ، وزجرٌ عن شمالهنّ، وكلّما رفعت واحدةٌ منهنّ رأسها رأت رؤوس حُماتِها على الرّماحِ العالية!

 

68


58

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

مشينة والدمع يجري اعله الخدود

وهموم الگلب حملان وتزود

عگب هذا الولي المعروف بالجود

وعگب ذاك الأخو المگطوع الزنود

وعگب شبه النبي العالترب ممدود

وعگب ذيك الأقمار الصيد الأسود

شمر يحدي بضعنة وناگتي يگود

أقول: سيّدي يا صاحب الزمان، المشهد الأعظم على قلب عمّتك زينب يوم الحادي عشر من المحرّم، عندما أرادوا الخروج عن كربلاء، وأقبل رجال ابن سعد ليساعدوا بنات رسول الله (صلى الله عليه وآله) للنهوض فوق أكتاب المطايا، فقالت زينب لابن سعد: ويلك يابن سعد! سوّد الله وجهك! أتأمر الأجانب أن يساعدونا ونحن بنات رسول الله؟! قل لهم فليتباعدوا عنّا حتّى يساعد بعضنا بعضًا، فأركبت الحوراء زينب النساء والأطفال بمساعدة أختها أمّ كلثوم حتّى بقيتا معًا، وكأنّي بزينب قالت لأمّ كلثوم: أختاه تقدّمي لأُركِبك، فقالت لها: لا يا أختاه اركبي أنت أوّلًا، فقالت زينب(عليها السلام): لا بل أنت اركبي، فقالت أمّ كلثوم: أختاه إن أنا ركبت فأنت من يُرْكِبُكِ؟! فردّت عليها غصّتها!

إلى أين ذهبت بها الذاكرة؟ كأنّي بها تذكّرت يوم خروجها من مدينة جدّها؟ من الذي أركبها؟!

وين الذي ينغر علينه

يوصل لعد حامي الضعينه

وان كان ما يعرف ولينه

العلامه السهم نابت ابعينه

 

69


59

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

ويسراه مقطوعه ويمينه

وبالعمد راسه صايبينه

تقلّه يلجبتنا امن المدينه

اخلافك يبو الغيره انولينه

شوف الزمان اشعمل بينه

خـلّاك عالشـاطي رهينه

انت طحت واحنه انسبينه

وكأنّي بالعبّاس يجيبها:

يقلّلـها يـزينب لا تجينـــي

انا ما ريدك تشوفين راسي وسهم عيني

ما ريدك تشوفين يسراي ويميني

لا ينصدع قلبك يـزينب يا ام الاحزان

 

تعتبين يا زينب عليّ

أنا وين راسي ووين ايديّه

تعتبين وحقّك لو عتبتي

لكن انا مقطوع الراس يختي

 

عـندك يبو فاضل يخـويه أشتكي حالي

حـرمـة بـلا والـي والـشـمر يبرالي

ولـيـحـدي لي الناقة زجر عبّاس يعيوني

تـرضـى يـذلـّونـي ولـلشام يهدوني

خـويه الـفـواطـم بالدرب منهو ليباريها

عـقـبـك يـوالـيـهـا يا ويلي عليها

وتـروح تـالـيـهـا بيسر عباس  يعيوني

تـرضـى يـذلّـونـي ولـلشام يهدوني

 

عبّاسُ تَسمَعُ زَينبًا تَدعوُكَ مَن

لِي يا حِمايَ إذا العِدَى نَهرُونِي

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

70


60

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

المجلس الثالث: وداع النبيّ(صلى الله عليه وآله) وفاطمة العليلة

القصيدة

رحلُوا وما رحلُوا أٌهيلُ وِدادِي

إلا بحُسنِ تصبُرِي وفُؤادِي

وخلت منازِلُهُم فها هِي بعدهُم

قفرى وما فِيها سِوى الأوتادِ

ولقد وقفتُ بِها وُقُوف مُولهٍ

وبِمُهجتِي لِلوجدِ قدحُ زِنادِ

يا دارُ أين مضى ذوُوكِ أما لهُم

بعد الترحُّلِ عنكِ يوم معادِ

يا دارُ قد ذكرتِنِي بِرُبُوعِكِ

القفرا رُبُوع بنِي النبِيِّ الهادِي

لما سرى عنها ابنُ بِنتِ مُحمدٍ

بِالأهلِ والأصحابِ والأولادِ

قد كاتبوهُ بنُو الشِقا أقدِم فليس

سِواك نعرِف مِن إِمامٍ هادِي

لكِنهُ مُذ جاءهُم غدرُوا بِهِ

واستقبلُوُهُ في ضُبًا وصِعادِ

تبًا لهُم مِن أُمةٍ لم يحفظُوا

عهد النبيِّ بِآلِهِ الأمجادِ

قد شتتُوهُم بين مقهُورٍ ومأ

سُورٍ ومنحُورٍ بِسيفِ عِنادِ

هذا بِسامِرا وذاك بِكربلا

وبِطُوسٍ ذاك وذاك في بغدادِ

 

72


61

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

(شعبي)

وصل ويلي قبر جدّه وبكى حسين

يودعه والدمع يهمل من العين

هوى فوق الضريح وصاح صوتين

يجدي مفارقك غصبًا عليّه

يجدّي بوسط لحدك ضمني وياك

تراني الضيم شفته عقب عيناك

يقلّه يا حبيبي وعدك إهناك

تروح وتنذبح بالغاضريّه

تروح وتنذبح يحسين عطشان

وتبقه أعلى الأرض مطروح عريان

يظل جسمك لصد الخيل ميدان

ولا تبقه من ظلوعك بقيّه

(أبو ذيّة)

تعنّه القبر جدّه حسين يا جد

يقلّه بعد مثلك وين يا جد

ضمني للضريح وياك يا جد

وخلصّني من الهمّ العليّه

المصيبة

لمّا أعلن الإمام (عليه السلام) عن نهضته المباركة وعزم على الخروج من المدينة، أقبل سيّد الشهداء (عليه السلام) لزيارة قبر جدّه (صلى الله عليه وآله)، فقال: السلام عليك يا رسول الله، أنا الحسين بن فاطمة (يشكو إليه حاله) فرخك وابن فرختك، وسبطك الذي خلّفتني في أمّتك، فاشهد عليهم يا نبيّ الله أنّهم خذلوني ولم يحفظوني، وهذه شكواي إليك حتّى ألقاك.

ولم يزل راكعًا ساجدًا حتىّ الصباح.

 

73


62

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

وفي الليلة الثانية جاء إلى قبر جدّه (صلى الله عليه وآله)، وصلّى رَكَعات، ثمّ قال: اللَّهمَّ إنّ هذا قبر نبيّك محمّد، وأنا ابن بنت نبيّك، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللَّهمَّ إنّي أحبّ المعروف وأنكر المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال بحقّ القبر ومن فيه إلّا ما اخترت لي ما هو لك رضى ولرسولك رضى. وبكى، ثمّ وضع رأسه على القبر فغفا، فرأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كتيبة من الملائكة عن يمينه وشماله وبين يديه، فضمّ الحسين إلى صدره وقبّل بين عينيه، وقال: حبيبي يا حسين! كأنّي أراك عن قريب مرمَّلا بدمائك، مذبوحًا بأرض كربلاء، بين عصابة من أمّتي، وأنت مع ذلك عطشان لا تُسقى وظمآن لا تروى، وهم بعد ذلك يرجون شفاعتي، لا أنالَهُم الله شفاعتي يومَ القيامة. حبيبي يا حسين، إنّ أباك وأمّك وأخاك قدموا عليّ وهم مشتاقون إليك، فصار الحسين (عليه السلام) ينظر في منامه إلى جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويبكي، ويقول له: يا جدّ، لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا، خذني معك! فأجابه رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا بنيّ، يا حسين، لا بدّ لك من الرجوع إلى الدنيا حتى تذوق الشهادة.

لقبر الرسول امن اعتنى

يبچي وعلى جدّه انحنى

للمصطفى لمّن دنا

رايح حسين لكربله

يگله يجدّي انصونه

دينك أبد ما نخونه

يكلمه وتجري اعيونه

رايح يا جدّي لكربله

ماخذ أنه كلّ اخوِتي

عبّاس حامل رايتي

اطلب من الله نصرتي

رايح يا جدّي لكربله

 

74

 


63

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

ولمّا أراد إمامنا الحسين(عليه السلام) السفر إلى العراق، وجهّز نفسه وعياله ونساءه وأهل بيته وأصحابه، ودَّع كلّ من بقي في المدينة، وكان قد ترك المدينة طفلته فاطمة، وكانت عليلة مريضة لا تقوى على السفر؛ تركها عند زوجة النبيّ أمّ سلمة، يقول الراوي: عندما ودّعهم جميعًا ومشى متوجِّهًا إلى القافلة، وإذا به يسمع مناديةً تناديه من خلفه: أبه يا حسين! أمهلني هنيهة.

(لحن الفراق)

يل عفتني بداري وحدي ودمعي يجري

يل عفتني ونار تلهب جوّه صدري

يل عفتني بالمرض مشغوله تدري

يل عفتني ورحت لرض الغاضريّه

يل عفتني وخذت عبدالله ورقيّه

يل عفتني بس انوح بكل مسيّه

يل عفتني عيني علباب واناطر

يل عفتني يالولي اكسر الخاطر

يل عفتني ماكطع دمع النواظر

يل عفتني اسهر الليل بمناحه

يل عفتني والدي ما شفت راحه

يل عفتني طير متكسّر جناحه

(عاشوري)

يبويه حسين ويّاكم خذوني آه آه

عقبكم ياهلي يعمن عيوني

وحدي بها لوطن لا تخلُّوني آه آه

عليلة والجسم يلظم بالسم

 

 

75


64

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

كأنّي بمولانا الحسينِ رجعَ إليها، ضمَّها الى صدْرِهِ:

لمَّنْ سِمَعْها حْسِين

رَدِّ مْنِ الضَعِنْ لِيها

قِعَدْ يَمها يَصبِّرها

وعلى الفرقَةْ يَسلِّيها

يـﮕلها يا ضِوا عِيوني

دمْعِتِكْ لا تِهِلِّيها

جعلَ أبوها يلاطفُها ويُسلِّيها، وهي لا تَرْقأُ لها عَبْرةٌ، ثُمَّ قالَ لها: بُنيَّة، إذا نزلنا أرضَ العراقِ واطمأنَّتْ بنا الدار، أرسلْتُ إليكِ عمَّك العباسَ أو أخاكِ عليًّا الأكبر، يأتونَ بكِ، والآنَ أنتِ مريضةٌ. فقالتْ: إذا كانَ لا بدَّ منْ ذلك، فاتركوا عندي أخي عبدَ اللهِ لأتسلَّى بهِ بعدَ فراقِكُم ساعةً بعدَ ساعة؛ فقال لها: بُنية، إنَّه طفلٌ صغيرٌ، لا يقدِرُ على فراقِ أمِّهِ؛ فنادت: واوحْدتَاه! كيفَ أَجلسُ في منازلكُمْ، وأراها خاليةً منكم؟

تقلَّه شلون أتم بالدار وحدي

عليكم مقدر اصبر وحق جدّي

يبويه عاد خلِّي الطفل عندي

يسرّ قلبي من اشوفنّه يتبسّم

ناداها الحسين ودمعته تسيل

يبعد أهلي سفرنا دربه طويل

يبويه انتي عليله وجسمك نحيل

وعلى المثلك يبويه السفر يحرم

يبويه رديّ وتميّ ابها لدار

وكل يوم اليمر نبعثلك أخبار

يبويه لو شفت لينه الفلك دار

تجينه انتي وشملنه هناك يلتم

وبعدَما ودَّعت عماتها وأخواتِها، أرجعَهَا الحسينُ إلى أمِّ سَلَمَة وأودَعَها عندَها.

كانتْ تأتي كلَّ يومٍ إلى دارِ أبيها الحسينِ (عليه السلام)، تجلسُ خلفَ الباب، علَّها تسمعُ شيئًا عن أبيها وأهلِها، وطال انتظُارها، إلى أن دخلَ

 

76


65

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

الناعي مدينةَ رسولِ الله ناعيًا أبا عبدِ الله!

يا أهلَ يثرِبَ لا مُقامَ لكُم بها

قُتل الحسينُ فأدمُعِي مِدرارُ

الجسمُ منهُ بِكَربلاءَ مُضَرَّجٌ

والرأسُ منهُ على القَناةِ يُدارُ

كأنّها لم تصدّق ما سمعَتْ أذناها، تقدّمَت إلى الناعي تسألُه عن أبيها!

قلّي اشتقول هناك بِنداك

قلها أصيحن يالنبي اعداك

ذبحوا حسين وسفكوا ادماك

صاحت يبويه احنا ننخاك

تجينا وتلوذ الحرم بحماك

واليوم ناعي القدر ينعاك

قالوا: وكانت تجلسُ على طريقِ المسافرين!

والله انا لاقعد على درب الضعون

أسايل اليرحون ويجون

كل من لها غيّاب يلفون

وانا غايبي باللحد مدفون

 

هلْ تعودونَ يا كرامُ علينا

أمْ قضى ذو الجلالِ ألّا تعودوا

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

 

77


66

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

المجلس الرابع: الخروج من المدينة ووداع فاطمة العليلة

القصيدة

بكيْتُ لرسمِ الدارِ منْ عرفاتِ

وأذريْتُ دمعَ العينِ بالعبراتِ

وبانَ عُرى صبري وهاجَتْ صبابتي

رسومُ ديارٍ أقفرَتْ وعِراتِ

مدارسُ آياتٍ خلَتْ منْ تلاوةٍ

ومنزلُ وحيٍ مُقْفِرُ العرصاتِ

ديارُ عليٍّ والحسينِ وجعفرٍ

وحمزةَ والسجّادِ ذي الثفناتِ

منازلُ كانَتْ للصلاةِ وللتقى

وللصومِ والتطهيرِ والحسناتِ

ديارُ رسولِ اللهِ أصبحْنَ بلقعًا

وآلُ زيادٍ تسكنُ الحجراتِ

قفا نسألِ الدارَ الّتي خفَّ أهلُهَا

متى عَهدُهَا بالصومِ والصلواتِ

وأينَ الأُلى شطَّتْ بهمْ غربةُ النوى

أفانينَ في الآفاقِ مفترقاتِ

أفاطمُ لوْ خلتِ الحسينَ مجدّلًا

وقدْ ماتَ عطشانًا بشطِّ فراتِ

إذًا للطمتِ الخدَّ فاطمُ عندَهُ

وأجريتِ دمعَ العينِ في الوجناتِ

أفاطمُ قومي يابنةَ الخيرِ واندبي

نجومَ سماواتٍ بأرضِ فلاةِ

تُوفُّوا عطاشا بالفراتِ فليتني

توفّيتُ فيهمْ قبلَ حينِ وفاتي

سأبكيهِمُ ما حجَّ للهِ راكبٌ

وما ناحَ قمريٌّ على الشجراتِ

 

 

78


67

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

(شعبي)

حمَّلْ اضْعُونَه منِ المِدينْة بُوعلي وْشَالْ

ويَّاه صَفْوه مِنْ هَلَه شيَّالةِ احْمَالْ

حمَّلْ اضعونه منِ المدينه وشَالْ بِالليل

ويَّاه صفوة مِنْ هَلَهْ شَدَّتْ على الخِيل

وزِينَبْ تْعايِنْ للوطَنْ وادْموعْها تْسِيلْ

تْنادي ابجمِعْنَه انعودْ لُو يتْبدَّلِ الحَال

لِيشْ يا زينبْ عندِكِ رجالْ وِتْخافينْ

قَبْلِ المُصِيبه بِالهَضِمْ والذِّلْ تِحسِّينْ

الْوِّنْ حالِكْ لُو مِشَوا كِلْهُم عنِ حسِين

تالي العِشِيرَهْ حْسينْ ظَل مِتْوسِّدِ رْمَالْ

وانتي تنخِينِ الأَهِلْ والكِلْ على الـﮕَـاع

كِلْهُم نِشَامَهْ واخوتِكْ حِلوين الاطْبَاعْ

لكِنْ يا زِينب ما نِهَضْ للحَرمْ فَزَّاعْ

يِحمِي الخِيَمْ في كربلا ويردِّ الانْذالْ

 

ضَلَّتْ فاطمه اتنُوحْ اعلى اهلَهْا

عِليلَه والمرَضْ ذَلْها ونَحلْها

طَالِ اغيابْهُم مارِجْعوا الِها

تِناديْ لِيشْ اهلي فارقوني

(أبو ذيّة)

اقضَّي بالحزِنْ يومي وابِيتَهْ

عِفْتِ العِيشْ عالذِّله وأَبِيتَه

شالْ حْسِين عن داره وبِيتَه

بْلِيل وظلَّت دْياره خِليَّه

(أبو ذيّة)

آنه الماشفت هدنه وراحات

عليلة المرض حتني وراحات

عمت عيني يخواتي وراحات

خوله وفاطمة وسكنه ورقيّة

يروي عبد الله بن سنان الكوفيّ، عن أبيه، عن جدّه، أنّه قال: خرجت

 

79

 


68

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

بكتابٍ من أهل الكوفة إلى الحسين (عليه السلام)، وهو يومئذٍ بالمدينة، فأتيته فقرأه، فعرف معناه، فقال: أنظرني إلى ثلاثة أيّام، فبقيت في المدينة، ثمّ تبعته إلى أن صار عزمه بالتوجّه إلى العراق... فأتيت إلى باب داره، فرأيت الخيل مُسرَجة، والرجال واقفين، والحسين (عليه السلام) جالس على كرسيّ، وبنو هاشم حافّون به، وهو بينهم كأنّه البدر ليلة تمامه وكماله، ورأيت نحوًا من أربعين محملًا.

قال: فعند ذلك أمر الحسين (عليه السلام) بني هاشم بأن يُرْكِبوا محارمهنّ على المحامل...

المصيبة

بينما أنا أنظر، وإذا بشابٍّ قد خرج من دار الحسين (عليه السلام)، وهو طويل القامة، وعلى خدّه علامة، ووجهه كالقمر الطالع، وهو يقول: تنحّوا يا بني هاشم، وإذا بامرأتين قد خرجتا من الدار، وهما تجرّان أذيالهما على الأرض حياءً من الناس، وقد حفّت بهما إماؤهما، فتقدّم ذلك الشابّ إلى محمل من المحامل وجثا على ركبتيه، وأخذ بعضديهما وأركبهما المحمل، فسألت بعض الناس عنهما، فقيل: أمّا إحداهما فزينب والأخرى أمّ كلثوم ابنتا أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقلت: ومن هذا الشاب؟ فقيل لي: هو قمر بني هاشم العبّاس بن أمير المؤمنين، ثمّ رأيت ابنتين صغيرتين كأنّ الله -تعالى- لم يخلق مثلهما، فجعل واحدة مع زينب، والأخرى مع أمّ كلثوم، فسألت عنهما، فقيل لي: هما سكينة وفاطمة ابنتا الحسين (عليه السلام)، ثمّ خرج غلام آخر كأنّه البدر

 

80


69

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

الطالع، فسألت عنه، فقيل لي: هو عليّ الأكبر بن الحسين (عليه السلام)، ثمّ خرج غلام ووجهه كفلقة القمر، ومعه امرأة، فسألت عنهما؟ فقيل لي: أمّا الغلام فهو القاسم بن الحسن المجتبى، والامرأة أمّه رملة، ثمّ خرج شابٌّ آخر، وهو يقول: تنحّوا عنّي يا بني هاشم، تنحَّوا عن حرم أبي عبد الله، فتنحّى عنه بنو هاشم، فسألت عنه؟ فقيل لي: هو زين العابدين بن الإمام، ثمّ أركبوا بقيّة الحرم والأطفال على المحامل، فلمّا تكاملوا، نادى الإمام (عليه السلام): أين أخي؟ أين كبش كتيبتي؟ أين قمر بني هاشم؟ فأجابه العبّاس: لبَّيْك لبَّيك يا سيّدي، فقال له الإمام (عليه السلام): قدّم لي يا أخي جوادي، فأتى العبّاس بالجواد إليه، وقد حفّت به بنو هاشم، فأخذ العبّاس بركاب الفرس حتّى ركب الإمام، ثمّ ركب بنو هاشم، وركب العبّاس، وحمل الراية أمام الإمام.

يوم الذي راعي الشيم

أنوى يشدّ الراحلة

جاب المحامل للحرم

كل فرد وجّه حيد إله

طب لعند زينب مبتسم

عبّاس راعي المرجلة

قاللها يا مهجة علي

قومي نروح الكربلا

قالتله خويه محملي

يا هو الذي يتكفّله

قاللها عيناك ابشري

أمرك نود نتمثّله

يقول الراوي: ما إن مشى رَكْبُ الحسين قليلًا، وإذا به يسمع مناديةً تناديه: أبه يا حسين، أمهلني هنيهة، التفت الحسين وراءه، فإذا بها

 

81

 

 


70

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

ابنته فاطمة العليلة، وكان قد تركها مع أمّ سلمة لعيائها ومرضها، أمر الركب بالوقوف، نزل إليها، ضمّها إلى صدره، قال لها: بنيّة فاطمة، ألم أوصِكِ بالبقاء في المدينة؛ قالت: بلى يا أبتاه، لكنّي عندما رجعت إلى الديار، ووجدتها خاليةً منكم، أظلمت الدنيا في عينَي، فلا تتركني وحدي في هذه الدار. قال لها: بنيّة فاطمة، إذا وصلتُ إلى مقرّي، أبعثُ لكِ عمّك العبّاس أو أخاك عليًّا فيحملك إلينا، قالت: لا لا يا أبه، إنّ نفسي تحدّثني بأن لا لقاء بكم بعد هذا اليوم!

يبويه خذني وياك

ما احتمله فرقاك

شي العيشة بلا ايّاك

ضعنك لا تشيله (محتاره العليلة)

خوفي على رقيّة

وما يعود خوية ليّه

ونتلاقى بعزيّة

همّي مين يزيله (محتاره العليلة)

 

يبويه حسين وياكم خذوني

عقبكم ياهلي يعمن عيوني

وحدي بها لوطن لا تخلُّوني

عليلة والجسم يلظم بالسمّ

حاول الإمام الحسين (عليه السلام) أن يبيّن صعوبة السفر عليها، وأنّهم سيـأتون بها إذا استقرّ بهم المقام، وجاءت لهم الأيّام بما يتمنَّون ويرجون. ثمّ سار الركب الحزين، وهي تنتقل من هودج إلى هودج، ومن محمل إلى محمل، تتوسّل وتبكي، فضمّتها أمّ سلمة إليها وأرجعتها إلى البيت.

 

82


71

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

(لحن الفراق)

راحَوا اهلي أُبوي واخواني والعِيله

راحَوا اهلي وحْدِي خَلُّوني عِليلة

راحَوا اهلي دَمْعي من دمْ گِمْتَ اسِيله

جِسْمي ناحِلْ امْنِ المرَضْ يابويه والهَمْ

جِسْمي ناحِلْ لْفَرگِتَكَ گَلْبي تِأَلَّم

جِسْمي ناحِلْ بُويه يَالْشُوفِتَكْ بَلْسَم

قالوا: كانت تجلس كلّ يوم أمام الدار تنتظر خبرًا عن أبيها، وكأنّي بها تنظر إلى زوايا البيت، وتعود بها الذكريات، والشوق والحنين إلى أهلها!

(لحن الفراق)

آه يَبويه ارجَعِ وْخِذْني مَعاكُم

آه يَبويه صَعْبَة أيامي بَلاكم

آه يَبويه جْروحي ما تِشْفى ابْجَفَاكم

إلى أن رجعت قافلة الإمام الحسين (عليه السلام) من العراق إلى المدينة، لكن كيف رجعت؟ رجعت بلا سيّدها وشبّانها، خاليةً من الرجال إلّا الإمام زين العابدين (عليه السلام) وخلفه عمّته المسبيّة؟! أنا حرّ قلبي لزينب لمّا وصلت إلى دار الحسين، هذه الدار التي تربّت فيها، أين جدّها؟ أين أبوها؟ أين أمّها؟ أين إخوتها؟ تراها خالية من أهلها.

راح اخويه راح اخويه راح اخويه حسين

راح اخويه راح اخويه راح اخويه حسين

 

83

 


72

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

اشما أنسى تذكّرني

دراة خويه بصبانا

آنا وياك يالغالي

واخونا الحسن ويّانا

على وساده ننام الليل

آنا وياك فرحانه

ومن يقبل صبح باكر

مسرورين نقضي النوم

راح اخويه راح اخويه راح اخويه حسين

راح اخويه راح اخويه راح اخويه حسين

جاءتِ العليلة تسأل عمّتها عن أبيها، ولسان حالها:

وينه ابويه وينه ابويه وينه ابويه حسين

وينه ابويه وينه ابويه وينه ابويه حسين

ان كان تريدني أنساك

وابطلِ النوح وونيني

اخذ ذكراك من قلبي

واخذ صورتك من عيني

أيّامِ القضيت وياك

أناغيك وتناغيني

شسوّي وعايشة عندي

من ذاك الوقت أشبح

وينه ابويه وينه ابويه وينه ابويه حسين

وينه ابويه وينه ابويه وينه ابويه حسين

 

84

 


73

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

لكن بعد عند فاطمة العليلة سؤال:

تقلّلها يا عمّة كلكم شفتكم

يا عمّة رقيّة ما شفتها

خاف يا عمّة جزت عنها وما عرفتها

تقلّلها يا عمة عظّم الله أجرك

رقيّة بالشام ادفنتها

 

منازلُ كانتْ نيّراتٍ بأهلِها

فأضحَتْ عليهَا غبرةٌ وقَتَامُ

ألا لا تُزانُ الدارُ إلّا بأهلِهَا

على الدارِ من بعدِ الحسينِ سلامُ

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

85


74

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

الملحقات الشعريّة

الشعر القريض

القصيدة الأولى: أَفْدِي حُسَيْنًا حِيْنَ خَفَّ مُوَدِّعًا

أَفْدِي حُسَيْنًا حِيْنَ خَفَّ مُوَدِّعًا

قَبْرًا بِهِ ثِقْلُ النُّبُوَّةِ أَوْدِعَا

وَافَى إِلَى تَودِيْعِهِ وَفُؤَادُهُ

بِمُدَى الفِرَاقِ يَكَادُ أَنْ يَتَقَطَّعَا

وَغَدَا يَبُثُّ لَهُ زَفِيرَ شُجُونِهِ

بِشُكَاتِهِ وَالطَّرفُ يُذرِي الأَدمُعَا

يَا جَدُّ حَسْبِي مَا أُكَابِدُ مِن عَنَا

فِي هَذِهِ الدُّنْيَا يَقُضُّ المَضْجَعَا

فَأَجَابَهُ: صَبرًا بُنَيَّ عَلَى الأَذَى

حَتَّى تَنَالَ بِذَا المَقَامَ الأَرفَعَا

وَلَقَدْ حَبَاكَ اللهُ أَمرًا لَم يَكُن

بِسِوَى الشَّهَادَةِ ظَهرُهُ لَكَ طَيِّعَا

وَكَأَنَّنِي بِكَ يَا بُنَيَّ بِكَربَلَا

تُمسِي ذَبِيحًا بِالسُّيُوفِ مُبَضَّعَا

وَلَقَد رَآهُ بِمَشهَدٍ مِن زَينَبٍ

هُوَ والوَصِيُّ وَأُمُّهُ الزَّهرَا مَعَا

مُلقَىً بِرَمضَاءِ الهَجِيرِ عَلَى الثَّرَى

تَطَأُ السَّنَابِكُ صَدرَهُ وَالأَضلُعَا

في مَصرَعٍ سُفِكَت عَلَيهِ دِمَاؤُهُ

أَفدِي بِنَفسِي مِنهُ ذَاكَ المَصْرَعَا

 

86


75

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

القصيدة الثانية: قِفْ إِنْ وَصَلْتَ لِرَوْضَةِ الزَّهْرَاءِ

قِفْ إِنْ وَصَلْتَ لِرَوْضَةِ الزَّهْرَاءِ

وَاخْشَعْ بِحَضْرَةِ كَعْبَةِ الأَرْزَاءِ

وَاسْكُبْ دُمُوعَكَ حَسْرَةً وَتَلَهُّفًا

وَأَذِبْ حَشَاكَ بِمُقْلَةٍ حَمْرَاءِ

وَاذْكُرْ رَزَايَاهَا التِي صُبَّتْ عَلَى

قَلْبِ النَّبِيِّ بِمُقْلَةٍ حَمْرَاءِ

وَاذْكُرْ بِمَوْقِفِكَ الحُسَيْنَ وَقَدْ أَتَى

قَبْرَ النَّبِيِّ مُجَلَّلًا بِسَنَاءِ

لَمَّا تَزَاحَمَتِ الهُمُومُ بِقَلْبِهِ

وَعَلَيْهِ سَدَّ الجَوْرُ كُلَّ فَضَاءِ

فَهَوَى عَلَى القَبْرِ المُشَرَّفِ يَشْتَكِي

مَا قَدْ يُلَاقِي مِنْ عَظِيمِ بَلاءِ

أُمَّاهُ هَا أَنَا عَنْ جِوَارِكِ مُبْعَدٌ

وَعَلَى أَذَايَ تَكَالَبَتْ أَعَدَائِي

أُمَّاهُ هَلْ أَعْنُو لِجَوْرِ أُمَيَّةٍ

وَأَنَا الحُسَيْنُ سُلَالَةُ العَلْيَاءِ

أُمَّاهُ أَخْبَرَنِي النَّبِيُّ وَصِنوُهُ

عِنْدَ المَمَاتِ بِأَفْجَعِ الأَنْبَاءِ

أُمَّاهُ فِي عَيْنِي صَحَائِفُ مَصْرَعِي

فِي كَرْبَلاءَ وَحَيْرَتِي وَبَلائِي

القصيدة الثالثة: هي المعالمُ ابلتها يدُ الغِيَرِ

هي المعالمُ ابلتها يدُ الغِيَرِ

وصارمُ الدهرِ لا ينفكُّ ذا أثرِ

يا سعدُ دعْ عنك دعوى الحبّ ناحيةً

وخلنّي وسؤال الأرسُمِ الدُثِرِ

أين الأُّلى كان إشراقُ الزمانِ بهم

إشراقُ ناصيةِ الآكامِ بالزَهَرِ

جار الزمان عليهم غير مكترثٍ

واأُّ حُرٍّ عليه الدهرُ لم يَجُرِ

وكم تلاعب بالأمجادِ حادثُهُ

كما تلاعبت الصبيان بالأكري

 

87


76

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

وإن يَنَل منك مقدارَّ فلا عجبٌ

هلِ ابنُ آدمَ إلّا عُرضةُ الخطرِ

وكيف تأمن من جورِ الزمانِ يدٌ

خانت بآل عليٍّ خيرةِ الخِيَرِ

افدي القرومَ الأُلى سارت ركائبهم

والموت خَلفُهُم يمشي على الأثرِ

ساروا فلولا قضاءُ اللهِ يُمسكهُمْ

لم يتركوا لبني سفيان من أثرِ

(قد غادروا مكَّةً والدمع منهمرٌ

نحو العراق بعزمٍ رائع الصِوَرِ)

القصيدة الرابعة: أيُّ يومٍ دهى الهدى بمصابِ

أيُّ يومٍ دهى الهدى بمصابِ

نُسفتْ فيه شامخاتُ الهضابِ

يومَ سارَ الحسينُ من طيبةَ في

خيرِ سَفْرٍ من رهطهِ والصّحابِ

هجرَ الدارَ قد سرى كابنِ عِمرا

نَ من الليلِ يرتديِ بإهابِ

يقطعُ الوعرَ مثل ما يقطعُ البدْ

رُ عسراهُ من خلالِ السَّحابِ

بنساء كأن صبرها الشمّ

مثل رملى وزينبٍ وربابِ

ونجوم من صبيَةٍ وصغارٍ

طلعتْ في هوادجٍ كالقبابِ

تتهادى بها هوادٍ كآطا

مِ قصور ملثمة الأعتابِ

هو أمَّ يوم فرَّ من حرم اللـ

ـهِ إلى دار نُزحةٍ واغترابِ

تترامى به القفارُ كحيرا

نَ يجوبُ الدُجى بأرضِ خرابِ

ليس يدري يأوي إلى أي أرضٍ

أبصنعاء أم بروسِ الشعابِ؟

ترك الجوارَ جوارَ جدِّ هادٍ

لَمَّ ذكرى لسُنةٍ وكتابِ

 

88

 


77

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

القصيدة الخامسة: أضحى الفُؤادُ كَوَالهٍ مَفجوعِ

أضحى الفُؤادُ كَوَالهٍ مَفجوعِ

وَجَرَى على خدَّيَّ سيلُ دُموعي

لمَّا تذكَّرتُ الحسينَ وقدْ رَنَا

نحوَ البتولِ بساعةِ التَّوديعِ

تَجري مدامِعُهُ بِطَرْفٍ خَاضِعٍ

والثَّغرُ يهمسُ اسمَها بخشوعِ

أمَّاهُ ها أنا راحلٌ لا عن قِلىً

لأذوقَ غُصَّةَ قلبِكِ المفجوعِ

إنْ كان ضلعُكِ هشَّمتهُ يدُ الوَغَى

فَغَدًا سَتُهشَمُ في الطُّفوف ضُلوعي

أمُّاهُ إنْ قتلوا جنينَكِ مُحسِنًا

فَعَلَى يَدَيَّ سيذبحونَ رَضيعي

إنْ مَانَعُوكِ من البكاء فَمِنْ رِوَىً

في الطَّفِّ أُمنعُ والظِّماءُ صَريعي

إنْ تُدفني ليلًا فجسميَ في العَرَا

يبقى ثلاثًا مُرْمَلًا بِنجيعي

أمَّاهُ لو خُيِّرْتُ لم أرحلْ وما

فارقتُ رَبعًا كانَ فيهِ ربيعي

لكن يَهونُ الخطبُ كوني لاحقًا

بِكِ عن قريبٍ يا ضياءَ شُمُوعي

سارَ الحسينُ وطرفُهُ متنقِّلٌ

بين النبي وأمِّهِ وبقيعِ

والدَّهرُ أطرقَ رأسَهُ مُتَهيِّبًا

مِمَّا أَلَمَّ بِشَملِهِ المصدوعِ

القصيدة السادسة: سِرْ حَثِيثًا يَا رَاكِبًا شَدْقَمِيَّة[1]

سِرْ حَثِيثًا يَا رَاكِبًا شَدْقَمِيَّة

زُرْ حُسَيْنًا فِي كَرْبَلاءَ العَلِيَّه

فَإِذَا نَارُ طُورٍ لَمَعَتْ فَاخْلَعْ

فَثَمَّ الحَضِيرَةُ القُدْسِيَّه

فَامْشِ هَوْنًا وَقَصِّرِ المَشْيَ

فَالخُطْوَةُ جَاءَتْ بِحُجَّةٍ نَبَوِيَّه

 

 


[1] شدقم: اسم فحل كان للنعمان بن المنذر، تنسب إليه الشدقميّات من الإبل، والشدقم: الواسع الشدق، والميم زائدة.

 

89


78

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

فَاغْتَسِلْ بِالفُرَاتِ وَالْبَسْ قَمِيصَ

الحُزْنِ وَانْثُرْ دُمُوعَكَ الدَّمَوِيَّه

وَإذا جِئْتَ لِلضَّرِيحِ فَسَلِّمْ

ثُمَّ زُرْهُ الزِّيَارَةَ الوَارِثِيَّه

ثُمَّ صِحْ وَادْعُ فَالدُّعَاءُ سَرِيعًا

مُسْتَجَابٌ فِي القِبَّةِ الحَائِرِيَّه

قُلْ حَبِيبِي حُسَيْنُ يَا مُهْجَةَ الهَادِي

وَيَا مُهْجَةَ البَتُولِ الزَكِيَّه

أنَا أَدْعُوكَ يَا حُسَيْنُ وَأَنَّى

بَعْدَ رَفْعِ الكَرِيمِ بَالسَّمْهَرِيَّه

أنَا أَدْعُوكَ لا تُجيبُ وَأَنَّى

بَعْدَ رَضِّ العِظَامِ بِالأَعْوَجِيَّه

الشعر الشعبيّ

أوّلًا: الأبو ذيّات

1. وحقّ اللّي سعى بالبيت والطاف

وحقّ اللّي سعى بالبيت والطف

عندي الموت مثل الشهد والطف

أنا الحرّة القبل عاشور والطف

طولي بالشمس ما شفت فيّه

2. عيوني من الدمع غارت وعمّت

عيوني من الدمع غارت وعّمت

المصايب صوّبت روحي وعمّت

إلك أيتام يالغايب وعمّات

على الأكوار أخذوهن سبيّه

3. اكتبوله اتنعش ألف كتاب بالسرّ

اكتبوله اتنعش ألف كتاب بالسرّ

إمام وشيعتك تنخاك بالسرّ

آمر للفواطمْ تشد بالسرّ

اركبنْ والعزم للغاضريّه

 

 

90


79

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

4. اقضّي بالحزن يومي وابيته

اقضّي بالحزن يومي وابيته

عفت العيش عالذلّه وابيته

شال حسين عن داره وبيته

بليل وظلِّت دياره خليّه

5. أبوك القال إمّا الموت وامّه

أبوك القال إمّا الموت وامّه

حياة العزّ قصد للبيت وامّه

الطفل بحضان ابوه ارباه وامّه

وعليها يصعب افراقه وعليّه

ثانيًا: القصائد والأبيات

1. مشتاق أشوفك قبل أرحل يا زكيّه

مشتاق أشوفِك قبل أرحل يا زكيّه

أقسم عليك بضلعك تردّي عليّه

يمّه مثل حالي أبد ما صار أي حال

أنا مطرود من طيبة وعندي حرم وأطفال

واشوف بيّن في سما الأهوال الهلال

ليتك تشوفي هلال ذبحي بها المسيّه

ماشي بطريق الموت وهمّي ماشي وياي

تعبان من جور الدهر ما غفت عيناي

ضمّيني لصدرك قبل تذبحني اعداي

وين المدينة ووين أرض الغاضريّه

يمّه أنا ماشي وهذا آخر وداع

يمّه بأمان الله يمكسورة الأضلاع

والله أحسّ روحي تنازع منّي انزاع

وين المدينة ووين أرض الغاضريّه

طالع وعندك فاطمة بنتي وديعة

فوق المرض ما تحتمل ضيم وفجيعة

مكسور خاطرها وحالتها فظيعة

عساني الموت ولا تنظرني بهالحال

 

91


80

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

2. أوصّي عليك يا يمّه عند الموت حضريني

أوصّي عليك يا يمّه عند الموت حضريني

وإذا جان السهم مسموم أريدنّك تداويني

وإذا شفتي الشمر جاني على الطبرات صبريني

وحطّي ايدك بصدري تراهو منشطر شطرين

أوصّي عليك يا يمّه غسلي دموم عن نحري

وإذا شفتي الخيل بالميدان تقطع أوصال من صدري

أريدنك تجمعيها وتخليها بوسط قبري

أخافن زينب تجيني يا ويلي وتلطم الخدّين

من نومتك قعدي يمكسورة الضلعين

نشفي دمع عيني تراني أنا عزيزك حسين

ما كانت العادة عن ولادك تصدّين

خان الدهر وتشمتت بينا الأعادي

3. يبني فطّرت قلبي من وداعك يا حبيبي

يبني فطّرت قلبي من وداعك يا حبيبي

يا حسين هالسفرة ترى ما هي بطيبي

لبكي عليكم بالقبر ويعله نحيبي

4. يمّة يا يمّة ريتك تضّميني

يمّة يا يمّة ريتك تضّميني

ما انا الغريب حسين عنّك يبعدوني

يمّة يا يمّة ريتك تشوفيني

واقف على قبرك واشكيلك اشجوني

يمّة يا يمّة جيتك تودعيني

رايح انا يمّة بالمحشر تلاقيني

5. يخويه تنادي ولا لك امعين

يخويه تنادي ولا لك امعين

وقومك على الغبره مطاعين

أنا منين اجيب المرتضى منين

عن كربلا بويه غبت وين

 

92


81

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

تدري بأميّه تطلب بدين

يطلبون ثار ابدر وحنين

هجموا فرد هجمة على حسين

6. يحسين يابني هيّجت حزني عليّه

يحسين يابني هيّجت حزني عليّه

لأجلك بگبري لابسة ثياب العزيّه

أبكي عليكم ياضحايا الغاضريّه

الله كاتب كربلا تحويك يحسين

يابني مصابك بالطفوف يشيّب الراس

گلّي عليمَن انتحب يا وافي‏ الباس

لابنك علي يو لبو فاضل العبّاس

يبگه اعله نهر العلگمي من غير كفّين

7. سار حسين وامسه الحرم مغبر

سار حسين وامسه الحرم مغبر

أويلي والمدينة غدت تصفر

طلعوا آل هاشم عن وطنهم

اوظل خالي حرم جدهم بعدهم

ساروا ليلهم وابعد ظعنهم

اولن صوت العليلة ابگلب محتر

8. تطلع خايف امن البيت

تطلع خايف امن البيت

يبن الشيّد اركانه

او حجّك بالطفوف ايصير

وانتـه البيـت عنوانـه

يوم العاشر الحجّي

ينحر له فده يحسين

وانته اسبعطش ضحّيت

غير الواحد اوسبعين

كلهم فدى الوجه الله

اومقصودك حياة الدين

 

93


82

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

لمّن خلصت اصحابك

وامنهم فرغت اطنابك

ما تملك امن احبابك

غير الطفل عبد اللّه

وعيـالـك العطشـانه

شفت ماتم بعد عندك

غير اخدور نسوانك

لكن تِنِهْـتِك بوجــودك

ما هان اعلى وجدانك

قلت كلمه يبو اليمّه

من قلبك اوبلسانك

يسيوف العده اخذيني

اوفده الهالدين خلّيني

حتّى من عقب عيني

يعز او يحتيي اوجــوده

او يعله اعلى الملل شانه

9. خرجنا بشملنه من المدينه

خرجنا بشملنه من المدينه

والناس كانوا حاسدينه

ولرض كربلا لمّن لفينه

أخونه انذبح واحنه انسبينه

يدرون اهلنه اشصار بينه

بديرة غُرُب شنهو حكينه

وعبّاس حمّاي الظعينه

عالعلقمي مقطّعين ادينه

10. ودّع قبر جدّه أو قصد قبر الزكية

ودّع قبر جدّه أو قصد قبر الزكية

واحنى يشم القبر ودموعه جريّه

ولنّه البتول توّن ونّات خفيّه

وتصيح يبني أنسيتني ضلعي المكسور

 

94


83

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

بوداعة الله يا عزيزي الكربلا روح

كنّي أشوفك في فيافي الطفّ مذبوح

او كنّي اعاين نسوتك من حولك تنوح

اوخوتك اوولدك بين مطعون ومنحور

11. يجدّي ريتني حاضر

يجدّي يا ريتني حاضر

بوادي كربلا يمّك

واشدّن جرح البكبدك

واخضّب شيبي بدمّك

عليّ امصيبتك يحسين

مثل مصاب ضلع أمّك

12. من ضاگت أعلى حسين الأوطان

من ضاگت أعلى حسين الأوطان

واتكاثرت كتب أهل كوفان

لجدّه اعتنه يشتكيله الأحزان

زاره وغفه والگلب لهفان

اجاه النده يبني يعطشان

ظامي الكبد والگلب ولهان

او تنذبح يبني بين عدوان

او تبگه ثلاثا على التربان

13. يبويه قوم شوف شلون ولياي

يبويه قوم شوف شلون ولياي

كلّها مذبّحة وما ذاقت الماي

يبويه لو تشوف شماتة عداي

وتشوف بناتك تاهت بالبرور

14. صاح ارشد يحادي

صاح ارشد يحادي وسير

وتقدّم على ظعوني

هيهات أصبر على الضيم

وعليه تغمض عيوني

 

95


84

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

ولن صوت العليلة تصيح

يا اهل الظعن تانوني

يااهلي وياكم خذوني

وحدي لا تخلّوني

عليكم يعمن عيوني

فرقاكم هدم حيلي

وروحي المرض سلّاها

يويلي من سمــعها حســين

رد امــن الظــعن ليـها

گــعـد يمــها يصبـّرها

واعلـى الفـــرگه يسلـّيها

يگلـها يا ضـيا عـيوني

دمعــتك لا تهلّيها

يـا يابــه للوطــن ردّي

وخلّـيني أرشــد بگصدي

ونّتــك گطّــعت كبدي

وتراني امن أسمع ونينك

روحي تزيد بلواها

15. ناديت والدمعه بعيني

ناديت ... والدمعه بعيني

ناديت ... ليش اتخليني

وياك ياروح الروح

بنتك تتمنّه تروح

بويه هاي انه العليله

امدلله كنت انه اسمي

ليش هسّه تروح عنّي

تدري حيل ايزيد همّي

بداري ابقه بلا اخوتي

ولا اخوه الخليته يمّي

 

96


85

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

محتاره والمدمع يهل

وشلون عنّي ترتحل

 

اتذكّر أيامي قبل

والجفن من دمعي مدمي

بس آه ... تبقه بدلالي

بس آه ... بعدك يالوالي

دمعي بخدي مسفوح

بنتك تتمنه تروح

بويه اخذني وياك فدوه

عمري مايسووه بدونك

كل صبح كنت انه بويه

انسر بشوفة عيونك

يا كحل كحّل جفوني

واسمي مكحّل جفونك

ابجي وانوح بغيبتك

يا بويه اخذ ابنيّتك

شمحلات بويه شوفتك

بويه اخوتي من يجونك

كل يوم ... جنت اتناديني

كل يوم ... تنظرلك عيني

عليك الناظر مشبوح

بنتك تتمنّه تروح

انه حسراتي جبيره

والمرض هدّالي حيلي

بويه بعدك ما اهوّد

ولا انامن ساعه ليلي

صحت يادمعه بوجنتي

خلاف ابويه بحركه سيلي

 

97


86

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

لو وحدي اضلن حايره

والدمع عالوجنه جره

گلبي بعد شيصبّره

ريت وياكم رحيلي

ما اريد ... ابقه انه ابوحدي

ما اريد ... دمعاتي بخدي

خلافك گلبي مجروح

بنتك تتمنه تروح

اوگف اعله الباب وانطر

لو رحت يمته تجيني

عيني بويه اتضل تناطر

وما تبطل الدمع عيني

ليل ونهار بغيابك

بويه ما بطّل ونيني

مهظومه ابقه بكل وگت

والدمعه عل وجنه تگت

يا بويه حيل اتحيّرت

تشتعل جمرة حنيني

مجروح ... دلالي ودامي

مجروح ... يسعر بألامي

ما مثل اجروحي جروح

بنتك تتمنّه تروح

16. ضمني يـجدّي ابضريحك خَل تِهيد الروح

ضمني يـجدّي ابضريحك خَل تِهيد الروح

خَل دمع عيني يـجف وتستريح الـروح

 

98


87

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

خَله گـلبي لا يـون ولا يعـرف الـنوح

ولا يعرف الـهَم ولا يتزاحم ويا جـروح

وخَل جفن عـيني ينام ولا علـيه ايلـوح

حلم وبصخرة أجفانـي من الحزن مذبوح

نام ... يا جفني يـم گـبر النبي واتهنّه

نام ... واتزوَّد اللّـيله ابـمعينك مـنَّه

نَمْ يا جفـني نَمْ

بس أنسى الهضم

لحظة غفوتي

17. واقف على قبرك يا يمّه وهمّي واقف وياي

واقف على قبرك يا يمّه وهمّي واقف وياي

ضمّيني بحضنك قبل تذبحني اعداي

تعبان من جور الدهر ما غفت عيناي

انه العزيز دارت عليه الدنيّه

ماشي بطريق الموت وهذا آخر وداع

وأظن روحي يا يمّه تنازع نزاع

يمّه بأمان الله يمكسورة الأضلاع

وين المدينة ووين أرض الغاضريّه

18. صاح احسين يا فاطمة ارتدّي

صاح احسين يا فاطمة ارتدّي

إرتدّي للمدينه وطن جدّي

أوديلك علي ابني وكبدي

ولا بد ما يجي يمّك امخبّر

ردّت للمدينة وسار أبوها

وظلت ترگب عمها وأخوها

ظنّت فاطمة لانهم يجوها

أخوها والبطل عمها المشكر

19. وين الذي ياخذلي كتاب

وين الذي ياخذلي كتاب

بيه البواكي وبيه العتاب

 

99


88

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

للخلّوا عيوني على الباب

ما عليّ ودوَّا شنهو الأسباب

ظليت احسّب ميّة حساب

مدري اشصار بهلي الغيّاب

لحدّ يلوم القلب لو ذاب

20. تقلّه كلكم اتغيبون

تقلّه كلكم اتغيبون

وابگا بها الوطن وحدي

مالي حيل فرگاكم

او ذاب امن الحزن كبدي

يبويه عاد خلّيلي

عبد الله الطفل عندي

بلكن يرد وحشتكم

او يسليني اعلى فرگتكم

اخاف اتطول غيبتكم

او تبگـه دمعتــي تجـري

ولا ينگطـع مجــراهـا

 

يگلّلها عليله انتي

يبويه او خطر مسرانه

وخاف امن التعب ياذيك

لو خذناكِ ويانه

تمّي اهنا او بعد ايّام

اودّيلك الريحانه

يجيبك والشمل يلتم

گلبك لا يضل مهتم

گلبي اعليك يتألّم

لو شـفتك ابهـا الحالـــه

اوروحي الحزن يعلاهـا

 

100

 


89

الليلة الثانية: وداع المدينة المنوّرة

21. طوَّح الحادي والظعن هاج ابحنينه

طوَّح الحادي والظعن هاج ابحنينه

وزينب تنادي سفرة الصعبة علينا

صاحت بكافلها شديد العزم والباس

شمِّر زنادك وانشد البيرق يا عباس

كني أعاينها مصيبة تشيب الراس

ما ظني نرجع بجمعتنه المدينة

قلها يزينب هاج عزمي لا تنخّين

ما دام أنا موجود يختي ما تذلِّين

لو تنقلب شاماتهم والعراقين

لاطحن جماجمهم وأنا حامي الضعينة

قالت أعرفك بالحرب يا خوي وافي

وقطع الزند هذا الذي منه مخافي

اليوم بمعزة وبعدكم مدري شوافي

ياهو ليرد الخيل لو هجمته علينه

22. يالمدينة رجعتي تصعب عليَّ

يالمدينة

رجعتي تصعب عليَّه

يالمدينة

ظل حسين بالغاضريّه

يالمدينة

رزية ما بعدا رزيّه

 

101


90

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء
المجلس الأوّل: الخروج من مكّة والوصول إلى كربلاء

القصيدة

يا صاحِبَ العصْرِ اسْتغاثَتْ مكّةٌ

فأجابها السِّبْطُ الحُسيْنُ مُلبِّيا

قدْ جاءها مِنْ طيْبةٍ مُتخوِّفًا

جوْرَ الطُّغاةِ ولِلشّرِيعةِ حامِيا

وأبى مُبايعةَ الدّعِيِّ بِذِلّةٍ

واخْتار عِزًّا بِالشّهادةِ دامِيا

ورجا الأمانَ بِظِلِّ بيْتٍ آمِنٍ

فأقام فِيهِ مُسْتجِيرًا داعِيا

وأتتْهُ مِنْ أهْلِ العِراقِ رسائِلٌ

تدْعُوهُ أنْ أقْدِمْ إِليْنا والِيا

فأجاب دعْوتَهمْ وأرْسل مُسْلِمًا

مُتثبِّتًا مِنْ حالِهِمْ كيْ يأْتِيا

قدْ بايعُوهُ مُذْ أتاهُمْ مُسْرِعًا

فأجابه أسْرِعْ إِليْنا ساعِيا

ويزِيدُ دسّ معَ الحجِيجِ رِجالَهُ

كيْ يقْتُلُوا سِبْطَ الرّسُولِ الهادِيا

لكِنْ تهيّأ لِلْخُرُوجِ لِكرْبلا

ولِحِفْظِ حُرْمةِ مكّةٍ مُتوخِّيا

وبِيوْمِ ترْوِيةِ الحجِيجِ مُهاجِرًا

قصد العِراقَ ولِلشّهادةِ راجِيا

نادى ألا منْ كان فِيْنا باذِلًا

مُهجًا بِصِدْقٍ فلْيُلبِّ ندِائِيا

إِنِّي لِأسْلافِي بِشوْقٍ والِهٍ

ولسوْف أقْضِي لِلشّرِيعةِ فادِيا

 

 

102

 


91

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

(شعبي)

شال حسين من طيبه

وقلبه زايد الهيبه

وزينب طلعت بهيبه

وابو فاضل اليحميها

قصد كربلا ابيا حاله

دمعه على الوجه ساله

يدري هناك قتّاله

وبعد لعياله يسبيها

يسبي عياله الخدّر

وتمشي بالشمس والحرّ

وعليها الناس تتفكّر

وزجر تالي اليباريها

المصيبة

بلغ الحسين (عليه السلام) أنّ يزيد أمر عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق على الحجّ، وأوصاه بأن يقبض على الحسين (عليه السلام) سرًّا، وإن لم يتمكّن منه يقتله غيلة، فدسّ بين الحجيج ثلاثين رجلًا من شياطين بني أميّة، وأمرهم باغتيال الحسين (عليه السلام) ولو كان متعلّقًا بأستار الكعبة.

فعزم على الخروج من مكّة إلى العراق امتثالًا للأمر الإلهيّ، وبعد قيام الحجّة بوجود الناصر هناك وخشيةً من استباحة حرمة البيت الحرام والبلد الحرام بسفك دمه الطاهر الحرام في الشهر الحرام.

فجاءه الناصحون ليثنوه عن ذلك، ومن بينهم ابن عمّه عبد الله بن العبّاس، فقال له الحسين (عليه السلام): يابن العمّ، إنّي أعلم أنّك ناصح مشفق؛ ولكن قد أزمعت وأجمعت على المسير، وهذه كتب أهل الكوفة ورسلهم، وقد وجبت عليّ إجابتهم، وقام لهم العذر عند الله

 

103

 


92

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

-سبحانه-، ثمّ قال (عليه السلام): يا بن العمّ، ما تقول في قوم أخرجوا ابن بنت نبيّهم من وطنه وداره وقراره وحرم جدّه، وتركوه خائفًا مرعوبًا لا يستقرّ في قرار، ولا يأوي إلى جوار، يريدون بذلك قتله وسفك دمائه، لم يشرك بالله شيئًا؟! فقال ابن عبّاس: ما أقول فيهم إلّا أنّهم كفروا بالله ورسوله، ثمّ قال: جُعلت فداك يا حسين! إن كان لا بدّ من السير إلى الكوفة، فلا تسر بأهلك ونسائك.

فقال: يابن العمّ، إنّهنّ ودائع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا آمن عليهنّ أحدًا، وهنّ لا يفارقنني.

يقول ابن عبّاس: فسمعت باكيةً من وراء الحسين تقول: يابن عبّاس، أتشير على شيخنا وسيّدنا أن يخلّفنا هاهنا ويمضي وحده؟! لا والله، بل نحيا معه ونموت معه، وهل أبقى الزمان لنا غيره؟! فبكى ابن عباس بكاءً شديدًا، وجعل يقول: يعزّ -والله- عليَّ فراقك يابن العمّ!

نعم أيّها المؤمنون رحل الحسين (عليه السلام) عن مكّة في الثامن من ذي الحجّة، قبل إتمام حجّه إلى أرضه الموعودة، إلى تلك البقعة المباركة التي قدّسها الله ورفعها على بقيّة أتربة الجنّة، وهي تتفاخر يوم القيامة، وتقول: أنا التربة التي اختصّها الله بجسد سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).

فَيَا كَرْبَلَا قُولِي بِأَيِّ وَسِيلَةٍ

تَوَسَّلْتِ حَتَّى اختَارَكِ السِّبْطُ مَضْجَعَا

نعم، مضى الإمام (عليه السلام) إلى كربلاء التي مرَّ عليها الأنبياء 

 

 

104

 

 


93

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

(عليهم السلام)، وبكوا فيها على الحسين (عليه السلام)، وقد ورد عن عيسى (عليه السلام) أنّه قال مخاطبًا أرض كربلاء: فيكِ يُدفَن القمر الأزهر. أمير المؤمنين (عليه السلام) مرَّ بكربلاء بعد عودته من صفّين، وبكى هناك حتّى علا صوته، وهو يقول: هاهنا مناخُ ركابهم، وهاهنا موضع رحالهم، وهاهنا مهراق دمائهم، فتيةٌ من آل محمّد (صلى الله عليه وآله) يُقتلون، تبكي عليهم السماء والأرض!

لهذا، لمّا وصل الإمام الحسين (عليه السلام) إلى أرض كربلاء، قيل: لم يخطُ الجواد خطوة واحدة، بدّله الحسين (عليه السلام)، فلم يخطُ أيضًا، فنزل الحسين (عليه السلام) عن ظهر جواده، وسأل أصحابه: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: تُسمّى الغاضريّة، تُسمَّى أرضَ الطفوف، قال: وهل لها اسم آخر؟ قالوا: تُسمَّى كربلاء؛ فقال (عليه السلام): اللهمّ إنّي أعوذ بك من الكرب والبلاء!

(لحن الفراق)

كربلاهاي آه يا أرض الغاضريّه

كربلاهاي جينا والعبرة جريّه

كربلاهاي ينزل مصابك عليَّه

يقول أحد العلماء: لمّا نزل الحسين (عليه السلام) أرض كربلاء هبَّت ريح ضربت وجوه أهل البيت، فأقبلت زينب(عليها السلام) إلى أخيها الحسين (عليه السلام) وقالت: أخي، لقد انقبض قلبي من هذه الأرض! فأخذ الحسين (عليه السلام) بيدها إلى موضع في كربلاء، وقال: أخيّه زينب، هاهنا مصرعي، فصاحت واأخاه! واحسيناه! ومن ثَمَّ أخذ بيدها إلى موضع

 

105


94

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

آخر، وقال: أخيّه، هاهنا مصرع أخي أبي الفضل العبّاس، فصاحت: واأخاه! واعبَّاساه!

كربلا يعني ركض فوق التراب

كربلا يعني مصاب بصف مصاب

كربلا يعني ألم يقطع الروح

كربلا جروح وجروح وبس جروح

كربلا يعني مرا ثكلى تنوح

كربلا يعني أبو اليمّه ذبيح

كربلا يعني جريح بصف جريح

كربلا يعني مرا تقوم وتطيح

ومن تطيح يحل على الناس العذاب

كربلا يعني طفل خايف هواي

لايذ بأمّه وهي مشدوهة راي

كربلا عبد الله ظامي يريد ماي

تالي يتروّى بدما نحر المصاب

كربلا يعني شبيه المصطفى

يعالج بروحه وبدر وجهه انطفى

ويمّه ابوه يصيح عالدنيا العفا

بعد عينك يا علي يابن الأطياب

كربلا يعني وفا ماله حدود

يعني راية ويعني غيرة ويعني جود

كربلا كفّين مقطوعة وعمود

كربلا يعني بنات مدلّلات

ومن بعد والدهن صفن متحيّرات

فاطمة تقول لرقيّة حسين مات

صوّبوه بسهم بيه ثلاث شعاب

هذه كربلاء، وهكذا وصلت زينب(عليها السلام) إلى كربلاء؛ الحسين عن يمينها والعبّاس عن شمالها، وبقيّة أولاد بني هاشم، ولكن من الذي كان مع زينب يوم خرجت من كربلاء في اليوم الحادي عشر، خرجت

 

 

106

 


95

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

من كربلاء وليس معها أحد، والأعظم أنّها تركت أخوتها على تراب كربلاء بلا غسل ولا كفن ولا دفن! ولهذا لما مرّوا على الحسين (عليه السلام) عند خروجهم، أرادت زينب أن ترمي بنفسها من على ظهر الناقة، فقال لها الإمام زين العابدين (عليه السلام): عمّة، زينب ارحمي حالي! إذا رميت بنفسك فإنّ النساء سيرمين بأنفسهن، ودّعي أخاكِ من على ظهر الناقة.

نايم أخيّي شلون نومه

عريان ومسلّبة هدومه

وحرّ الشمس غيّر رسومه

 

أنخى وبالنواخي راح صوتي

يِسِمْعونِّي ويغضون اخوتي

أنا تمنّيت هذا اليوم موتي

قيل: طأطأت برأسها إلى الأرض، ثمّ جعلت تطيل النظر إلى جسد الحسين (عليه السلام)، وقالت: أخي أبا عبد الله، أستودعك الله السميع العليم! أخي، لو خيّروني بين المقام عندك والرحيل عنك لاخترت المقام، ولو أنّ السباع تنهش لحمي!

ودّعتك الله يا عيوني

يردون عنّك ياخذوني

زجر وخولّة اليباروني

أنا ندبت أخوتي ولا جاوبوني

يا اهل الحميّة ما تجوني

من ايد الأعادي تخلّصوني

ودّعتك الله يا غريب الما شرب ماي

يا نور العين سافرت بيتاماي

 

107


96

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

يمقطّع الأوصال لو يحصل على هواي

أنا ما فارقت جسمك يا سلطان المدينه

تقلّة ودّعتك الله سفرتي صعبة وطويلة

يا حجاب صوني ناقتي عجفة وهزيلة

ما حد بقا من عدكم يعقلي نلتجيله

بسّ العليل وفوق ناقة مقيدينه

ثمّ حوّلت خطابها إلى كربلاء:

يا كربلا وطرّ الفجر

وين انطي وجهي لياگطر

لا خيمة ظلّت لا ستر

وتدريني آني امّ الخدر

يا كربلا وشحچي بعد

لا ظل أخو لا ظل ولد

عالشاطي مطروح الأسد

نصّين راسه من العمد

واعظم مصيبة وفاجعة

جثّة حسين موزّعة

وامّه تدوگ يم مصرعة

شايلة چفوف مگطّعة

 

يَا نَازِلِينَ بِكَرْبَلَاءَ هَلْ عِنْدَكُمْ

خَبَرٌ بِقَتْلَانَا وَمَا أَعْلَامُهَا

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

108

 


97

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

المجلس الثاني: الوصول إلى كربلاء والخروج عنها

القصيدة

هذا الحسينُ يجوبُ أرجاءَ الفلا

وعنِ المدينةِ غاضبًا قدْ رُحِّلا

بينَ جوادُ السبطِ يمشي مُقبلًا

وإذا بهِ يقفُ الوقوفَ المذهلا

فيحارُ سبطُ المصطفى متعجِّبًا

لوقوفِهِ وعنِ المكانِ مسائلا

فيجيبُهُ الأصحابُ هذي نينوى

والغاضريةُ والطفوفُ وكربلا

ناداهُمُ حطّوا الرحالَ فهاهنا

ألقى الشهادةَ بالدماءِ مغسّلا

وهنا مقاتلُكُمْ جميعًا فاعلموا

وهنا دمانا سوفَ تُسفكُ باطلا

وكذلكَ الأطفالُ تذبحُ هاهنا

من غيرِ ذنبٍ يقتضي أنْ تُقتلا

وتشبُّ نارٌ للعِدا بخيامِنا

لِتهدَّ بيتًا بالفضائلِ قدْ علا

وهنا ستُسبى للدعيِّ نساؤنا

وتُساقُ ضربًا بالسياط على الملا

شُلَّت يدٌ مُدَّتْ لتضربَ زينبًا

وسكينةً بلْ والربابَ ثواكلا

 

 

110


98

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

(شعبي)

طلعنا من المدينة ديار أهلنا

وبخوف عنها بليل شلنا

ولكربلا لمّن نزلنا

كل من كتب لينا خذلنا

وين ابويه يشوف ذلنا

من احبالهم بلكت يحلنا

 

طلعنا واسياف ذيك النشامة مشغّره

حايطين الظعن قدّام وورا

اشلون يرضى اليوم اردّ محيّره

 

أني زينب اليحكون عنّي

سليت المصايب ما سلنّي

نزلن على عيوني وعمنّي

عساني ميتة من زغر سنّي

مصايب اخوتي دوهننّي

 

آنه وياك يابن امّي

بلبن واحد تغذّينا

وابيت الزهره والكرّار

يابن امّي تربّينا

وراح العمر شاوصفلك

اشلون تقضّت سنينه

ما اقدر تون يمّي

تزيد مصابي وهمّي

أخاف تروح يابن امّي

واظل بعدك وحيدة شلون

وتتشمّت أعادينا

 

111


99

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

ان كان هذي كربلا بشروا بلايا

نزلوا ترى لاحت علامات المنايا

ولازم بجانب هالنهر نقضي ظمايا

وتبقى جنايزنا على الغبره سليبه

المصيبة

خرج الإمام الحسين (عليه السلام) من حرم جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ملتجئًا إلى حرم الله -تعالى-، ومع ذلك لم يتركه أعداؤه، بل دسّ إليه يزيد بن معاوية ثلاثين جاسوسًا، وأمرهم أن يقتلوا الإمام الحسين (عليه السلام) ولو كان معلّقًا بأستار الكعبة.

أراد الإمام الحسين (عليه السلام) أن يحفظ حرمة هذا الدين وحرمة مقدّساته، لذا خرج من مكّة المكرّمة يوم التروية لثمانٍ مضين من ذي الحجّة سنة ستين للهجرة قبل أن يعلم بقتل مسلم، لأنّه (عليه السلام) خرج من مكّة في اليوم الذي قُتل فيه مسلم.

وروي أنّه لمّا عزم (عليه السلام) على الخروج إلى العراق، قام خطيبًا، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: خُطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف! وخَيْرٌ لي مصرع أنا لاقيه، كأنّي بأوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن منّي أكراشًا جوفًا، وأجربة سُغبًا، لا محيص عن يوم خُطّ بالقلم، رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفّينا أجر الصابرين، لن تشذّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرّ بهم عينه، وينجز بهم وعده، ألا من كان باذلًا فينا مهجته، وموطّنًا على لقاء الله نفسه، فليرحل معنا،

 

 

فإنّني راحل مصبحًا، إن شاء الله 

 

112


100

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

فإنّني راحل مصبحًا، إن شاء الله تعالى.

بينما السبط بأهله مجدًّا في المسير

وإذا الهاتف ينعاهم ويدعو ويشير

إنّ قدّام مطاياهم مناياهم تسير

ساعةً إذ وقف المهرُ الذي تحت الحسين

لمّا وصل أرض كربلاء، توقّف جواد الحسين (عليه السلام) من تحته، فنزل عنه وركب آخر، فلم ينبعث من تحته خطوة واحدة يمينًا وشمالًا، ولم يزل يركب جوادًا بعد جواد، وهو على هذه الحال، فلمّا رأى الإمام (عليه السلام) ذلك الأمر الغريب، قال: يا قَوم، ما يُقالُ لِهذَهِ الأرْضِ؟ قالوا: أرض الغاضريّة، قال: هَلْ لَهَا اسْمٌ غَيْرُ هذا؟ قالوا: تسمّى نينوى، قال: هَلْ لَهَا اسْمٌ غَيرُ هذا؟ قالوا: تسمّى شاطئ الفرات، قال: هَلْ لَهَا اسْمٌ غَيْرُ هذا؟ قالوا: تسمّى كربلاء.

فتنفّس الإمام الصعداء، وقال: اللهمّ، إنّي أعوذ بك من الكرب والبلاء، ثمّ قال: قِفُوا وَلا تَرْحَلُوا، فَهاهُنا وَاللهِ مُناخُ رِكابِنا، وَهاهُنا وَاللهِ سَفْكُ دِمائِنا، وَهاهُنا وَاللهِ هَتْكُ حَريمِنا، وهاهُنا وَاللهِ قَتْلُ رِجالِنا، وَهاهُنا وَاللهِ ذَبْحُ أَطْفالِنا، وَهاهُنا وَاللهِ تُزارُ قُبُورُنا، وَبِهذِهِ التُّرْبَةِ وَعَدَني جَدّي رَسُولُ اللهِ، وَلا خُلْفَ لِقَوْلِهِ (صلى الله عليه وآله).

سبط الرسول بكربلا اتحيّر نجيبه

ونادى اش اسم هالقاع يا ليوث الحريبه

قالوا يبو السجّاد اسمها الغاضريّات

والها اسم عند الخلايق شطّ الفرات

مع نينوى والعقر يا سيّد السادات

قلهم وقلبه من الحزن يسعر لهيبه

بالله اش اسمها غير هذي يا صناديد

قالوا تسمّى الطفوف وكربلا يابن الأماجيد

قلهم إِنِزْلوا غير هذي الأرض ما ريد

وقولوا لزينب تستعدّ لهالمصيبة

 

 

113


101

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

فصاحت زينب: وا أخاه وا حسيناه!

في كربلا حلّ البلا

أرض المصايب والبلا

في كربلا حزّ النحور

في كربلا رضّ الصدور

في كربلا سلب الخدور

أرض المصايب والبلا

في كربلا سلب الحريم

في كربلا يقطعوا الكريم

في كربلا يضربوا اليتيم

أرض المصايب والبلا

أقول: إن كانت هذه حالهم يوم نزولهم في كربلاء، فما حال زينب يوم خروجها منها، ترى إخوتها، أولاد إخوتها على رمضاء كربلاء، بلا غسل ولا كفن ولا دفن؟!

مرّوا على الجاسم

وعلى الثرى نايم

نادوا بني هاشم

خلهم يزفّونه

مرّوا على الأكبر

وعلى الثرى معفّر

نادوا بني حيدر

خلهم يشيلونه

مرّوا على العبّاس

جثّة بلا راس

شلون الصبر يا ناس

نمشي وتخلّونه

مروا على ابن امّي

وعلى الثرى مرمي

نادوا بني عمّي

خلهم يشيعونه

 

114


102

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

مرّوا على العطشان

وعلى الثرى عريان

نادوا بني عدنان

خلهم يدفنونه

أرادت(عليها السلام) أن ترميَ بنفسها من على ظهر ناقتها، فناداها الإمام السجّاد: عمّة زينب، ارحمي حالي، ارحمي ضعف بدني، ودّعي أخاكِ من على ظهر الناقة، قالوا: فجعلت تطيل النظر إليه...

خويه لا تقول ما عندك مروّة

ولا تقول يا اختي ضيّعتي الأخوّة

أنا مأخوذة يا حسين قوّة

وتدري الشمر بيّه اش سوّه

سوطه على متوني تلوّه

وكأنّي بها تلتفت إلى كفيلها، إلى أخيها أبي الفضل العباس، عاتبةً نادبةً!

يعبّاس جبتنا قوم ردنا

لعند المدينة حرم جدنا

مهي مناسبة نمشي لوحدنا

ومهي مناسبة الغربة تردنا

(لحن الفراق)

يا بو فاضل احترقت الخيمة وعباتي

يا بو فاضل حايره آنا وخواتي

يا بو فاضل يا الأخو ضاعت حياتي

يقولوا صبري والصبر من وين أجيبه

يقولوا صبري اشحاله الفارق حبيبه

يقولوا صبري المدلّله صارت غريبه

أويلاه يا كربلا أويلاه يا كربلا أويلاه يا كربلا أويلاه يا كربلا

 

115


103

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

جيت عالهودج يحرسوني الأهل

بالخدر والصون صرت اروع مثل

ما يضلّ عندي محامي ما يضلّ

بيك اعوف حسين وعبّاس البطل

وِيِسبيني حرمله

أويلاه يا كربلا أويلاه يا كربلا أويلاه يا كربلا أويلاه يا كربلا

أويلاه يا كربلا أويلاه يا كربلا أويلاه يا كربلا أويلاه يا كربلا

شلون ستر الزهرا ترضوا يسلبوه

شلون يذلّوا اللي علي حيدر أبوه

متني بالسوط الأعادي يضربوه

آنا ستر الله وعجيبه ما رعوه

سبيّه ومكبّله

أويلاه يا كربلا أويلاه يا كربلا أويلاه يا كربلا أويلاه يا كربلا

أويلاه يا كربلا أويلاه يا كربلا أويلاه يا كربلا أويلاه يا كربلا

كربلا خيامي تحرقيها اشعجب

ولليسر أمشي سبيّه شي السبب

لو نسيتي ويا النبي لينا نَسَب

آنا عندي وياك لكن فد طلب

تستريني بالفلا

أويلاه يا كربلا أويلاه يا كربلا أويلاه يا كربلا أويلاه يا كربلا

أويلاه يا كربلا أويلاه يا كربلا أويلاه يا كربلا أويلاه يا كربلا

 

هذهِ زينبٌ ومنْ قبلُ كانَتْ

بفِنا دارِها تُحَطُّ الرحالُ

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

116


104

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

المجلس الثالث: الوصول إلى كربلاء والعودة يوم الأربعين

القصيدة

يا راحلينَ إلى المنونِ تمهَّلوا

مَنْ للْمدينةِ بعْدكُمْ إِنْ ترْحلوا؟!

هذي الديارُ غدتْ تسحُّ دموعَها

وتجرُّ آهاتِ الوَدَاعِ وتسْألُ

أتُرى يعودُ بِنَا الزمانُ ونلتقي؟

أمْ إنَّهُ السفَرُ البعيدُ الأطْوَلُ؟

يا راحِلينَ أرى النِّياقَ تسمَّرتْ

في أرضِها! أفَهَلْ درتْ ما يحصلُ؟

ظعنَتْ يظلّلُها الكفيلُ برايَةٍ

الكــوْنُ تحتَ جــناحِها يتـظلَّلُ

في عينِهِ اليُسرى تسيرُ محامِلٌ

ويسيرُ في اليُمنى لزينبَ محملُ!

إِنْ مالَ مالَ القلْبُ عَنْ خفقانِهِ

فدنـا عــلى عجـلٍ إليْهِ يُعــدِّلُ

عبّـــاسُ ليتَ تراهُ ساعةَ خيلُهمْ

هجَمَتْ على خِيَمِ الرِّسالةِ تُشْعِلُ

بالنّارِ أحْرقَهُ اللئيمُ وزينبٌ

خرجتْ أمامَ الظالمينَ تُهْرولُ

عثرتْ أمامَ الشِّمْرِ وهْيَ مَروعةٌ

فاهتزَّ وادي كربلا يتزلزلُ

مهما قسى ذاكَ اللعينُ بشَتْمِها

لكنَّ شتْمَ الأمِّ لا يُتحمَّلُ!

أسفي عليها بَعْدَ فَقْدِ كفيلِها

أضحتْ على عُجْفِ المطايا تُحْمَلُ

يبكي عليها الحبلُ وهْوَ يشدُّها

ودموعُ ناقَتِها الهزيلةِ تُهمَلُ!

 

118


105

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

(شعبي)

وصلنا كربله يختي

رقيّة هنانه نزلوهه

واخيام الحرم عبّاس

والأكبر ينصبوهه

انقبض گلب العقيلة ابساع

من گالوا اسم هالگاع

شافت بالخيال ادموم

وعطش طفلة وگلب مرتاع

شافت چن سكينة اتصيح

يبويه سلّبولي اقناع

واچفوف البطل عبّاس

ابسيوف النيبة گطعوهه

آه يازينب آه يازينب آه يازينب آه

شافت چنهه خيمة ونار

وصريخ أطفال تتچوه

شبّان اعلى حر ارمال

من الطعنات تتلوّه

شافت ثكلى عالجمرات

تحمل بالهِدِم گوّه

تنادي ابصوت يا جسّام

عماتك يضربوهه

آه يازينب آه يازينب آه يازينب آه

تدير العين لَنهه اتشوف

رضيع امن العطش ينحب

على متن الأبو ذبحوه

من دم رگبته يشرب

وساعة اتشوف عالرمضاء

شيب الطاهر اتخضّب

العزيز احسين جثته اهناك

زلم واخيول رضوهه

آه يازينب آه يازينب آه يازينب آه

گامت تحتسب وتگول

يمّه زهرة حضريني

 

119


106

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

ما احمل قهر واهموم

وآنه البيّه كافيني

دِنَت من الحبيب احسين

تگله يانظر عيني

هاي الگاع بيهه امصاب

وبيهه اختك يسلبوهه

آه يازينب آه يازينب آه يازينب آه

(أبو ذيّة)

الليالي اعليّه بالكلفات خيمات

ولا بگّت إليّه النار خيمات

ترا لي ابكربله مو بس خي مات

گظوا كلهم اخوتي ع الوطيّه

المصيبة

لمّا خرج الحسين (عليه السلام) من مكّة متوجّهًا إلى الكوفة مرّ بمنزل يسمّى بقصر بني مقاتل، وكان ركب الإمام يسير والحُرّ يسير إلى جانبه بألف فارس حيث كان عبيد الله قد أرسله ليضيّق على الحسين ويجعجع به... فبينا القوم يسيرون إذ خفق الحسين (عليه السلام) بخفقة، وهو على ظهر جواده، ثمّ قال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، والحمد لله ربّ العالمين، فأقبل عليه ولده عليّ الأكبر، فقال له: أبه، ممَّ حمدت الله واسترجعت؟ قال: يا بنيّ، إنّي خفقت خفقة، فعنَّ لي فارس وهو يقول: القوم يسيرون والمنايا تسير بهم، فقال عليّ بن الحسين: أفلسنا على الحقّ؟ قال: بلى، والذي إليه مرجع العباد، قال: أبه، إذا لا نبالي أن نموت محقّين، فقال الحسين (عليه السلام): جزاك الله خير ما جزى ولدًا عن والده!

وعندما وصل إلى عذيب الهجانات، قال لأصحابه: من منكم

 

120


107

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

يعرف الطريق على غير الجادّة؟ فقال الطرماح بن عديّ: أنا يابن رسول الله، فقال الحسين (عليه السلام): سر على بركات الله، فأخذ الطرماح بزمام الناقة، وأنشأ يقول:

يَا نَاقَتِيْ لَا تَجْزَعِيْ مِنْ زَجْرِيْ

وَامْضِيْ بِنَا قَبْلَ طُلُوْعِ الفَجْرِ

بِخَيْرِ رُكْبَانٍ وَخَيْرِ سَفْرِ

إِلَى رَسُوْلِ الله أَهْلِ الفَخْرِ

السَّادَةِ البِيْضِ الوُجُوْهِ الزُّهْرِ

ألطَّاعِنِيْنِ بِالرِّمَاحِ السُّمْرِ

ألضَّارِبِيْنَ بِالسُّيُوْفِ البُتْرِ

يَا مَالِكَ النَّفْعِ مَعًا وَالضُّرِّ

أَمْدِدْ حُسَيْنًا سَيِّدِي بَالنَّصْرِ

عَلَى الطُّغَاةِ مِنْ بَقَايَا الكُفْرِ

ولم يزل ركب الحسين (عليه السلام) يسير، وإذا بجواده يقف عن المسير، فنزل عنه وركب جوادًا غيره فلم يسر، فبعثه فلم ينبعث، وزجره فلم ينزجر... فالتفت إلى أصحابه، وقال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: أرض الغاضريّة، قال: هل لها اسم غير هذا؟ قالوا: تُسمّى نينوى... العقر... شاطىء الفرات، قال: هل لها اسم غير هذا؟ قالوا: تسمّى كربلاء، فقال (عليه السلام): أرض كربٍ وبلاء! ثمّ قال: انزلوا، هاهنا مناخ ركابنا، هاهنا تُسفك دماؤنا، هاهنا والله تُقتل رجالنا، هاهنا والله تُذبح أطفالنا، هاهنا والله تُزار قبورنا، وبهذه التربة وعدني جدّي رسول الله ولا خُلْفَ لقوله...

بَيْنَمَا السِّبْطُ بِأَهْلِيْهِ مُجِدٌّ فِي المَسِيْرْ

وَإِذَا الهَاتِفُ يَنْعَاهُمْ وَيْدْعُوْ وَيُشِيرْ

إِنَّ قُدَّامَ مَطَايَاهُمْ مَنَايَاهُمْ تَسِيْرْ

سَاعَةَ إِذْ وَقَفَ المُهْرُ الَّذِيْ تَحْتَ الحُسَيْنْ

 

121


108

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

فَعَلَا صَهْوَةَ ثَانٍ فَأَبَى أَنْ يَرْحَلَا

فَدَعَا فِيْ قَوْمِهِ يَا قَوْمُ مَا هَذِي الفَلَا؟

قِيْلَ هَذِي كَرْبَلَاءٌ قَالَ كَرْبٌ وَبَلَا

خَيِّمُوْا إِنَّ بِهَذِي الأَرْضِ مَلْقَى العَسْكَرَيْنْ

وَبِهَذِيْ مَيْتَمُ الأَزْوَاجِ مِنْ أَزْوَاجِها

وَبِهَذِيْ تَشْرَبُ الأَبْطَالُ مِنْ أَوْدَاجِهَا

وَتَهَاوَىْ أَنْجُمُ الإِشْرَاقِ عَنْ أَبْرَاجِها

غَائِبَاتٍ فِيْ ثَرَى البَوْغَاءِ مَحْجُوْبَاتِ بَيْنْ

كأنّي بالامام الحسين (عليه السلام) صار يخاطب أخته الحوراء زينب (عليها السلام):

خُويه يا زينبْ لارضِ الحزنْ جينا

حَضْري ثيابِ السودْ البسِيهم اعلينه

يمَّ الخِدر يخْتي بهالبقعة مدفنْنَا

وْوَاجِبْ علَّيه اوصِّيچْ ياخُويه واتْمنى

اصِبْرِي يبعدِ الروحْ أبداَعَةِ الزَهره أُمْنا

ساعةْ تشوفينا محزوزةْ رُگَبنْا

وعباسْ مِنْ تلِگيه امگطَّعه إدِينه

السَّهِم لَتْجِيسِيه متوسِّط بْعينَه

منْ تنظُري جثتي ياخويه مَرمِيَّه

خايفْ على گَلبِچْ لاتنظُري اليَّه

داري الخدِرْ خُويه وعينِچْ على ارقْيَّه

امِسْحِي دَمْعَتْها منْ تِبچِي اعليَّه

والليلْ لو چَلچَلْ خايفْ تجي لِينَه

واحنَه جِثَثْ عالگاَعْ بالدِّما امْغَسْلينه

خُويه يا زينبْ لارضِ الحزنْ جينا

حَضْري ثيابِ السودْ البسِيهم اعلينه

يمَّ الخِدر يخْتي بهالبقعة مدفنْنَا

وْوَاجِبْ علَّيه اوصِّيچْ ياخُويه واتْمنى

اصبري يبعدِ الروح ابْداعَةِ الزَّهره

أُمنا ساعةْ تِشوفينا محْزوزَةْ رُگَبْنا

وعباس مِنْ تِلْگِيه امگطَّعه ادينه

السهم لتجيسيه متوسّط بعينه

 

122

 


109

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

(أبو ذيّة)

مِشى الوالي بجميعِ اهلَه وَسِرْنا (عائلاتنا)

وكِفِيليْ يِحْدِي بِضْعُوني وَسِرْنا (مشينا)

احِمْلَه اشْلون مقْتَلْكُم وَسِرْنا(سبينا)

واسِيرْ اوْيَه العِدا خُويه سِبيّه

كأنّي بزينب تجيب أخاها

(لحن الفراق)

ها يَخُويه

هي هِيَّه ارضِ لِطْفُوف

ها يخويه

جِسمك تْگَطْعه بالسيوف

ها يخويه

امنِ القَهَر مِنْ هسَّه ماشوف

گِللِّي يحسين

شلون اظَل للظِيم وحدِي

گِللِّي يحسين

ابْقِي دمعاتي اعلى خَدِّي

گِللِّي يحسين

احَلْفَكْ ابْهادينا جدِّي

خَلْنَه نِرْجَع

لارضْ جَدْنا يا حبيبي

خَلْنَه نِرْجَع

خُويه لتّزيِّدْ لِهِيبي

خَلْنَه نِرْجَع

شوفَةِ اعيونَك طِبيبي

(عاشوري)

خويه لَتْزِيدي آلامي والجْروح آه آه

تَرا يومِ العاشِرْ يَخُويه يَكثِّر النُّوح

يَزِينَبْ مِنْ تِشوفي النَّحَر مذبوح آه آه

مِنِّي وتشوفي الدِّمَهْ مَسْفُوحْ

ساعد الله قلب مولاتنا زينب (عليها السلام)! كيف تحمّلت أخاها

 

123


110

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

الحسين ينعى نفسه بهذه الكلمات؟! نعم، انكسر قلبها وهي تسمع مولانا الحسين يعدّد مصائب كربلاء، ولكن كيف بها وقد شاهدت كلّ تلك المصائب بأمّ عينها، وهي وحيدة من دون إخوتها؟! ساعد الله قلبها، دخلت الى كربلاء بعزّها ودلالها مع إخوتها وأهلها! ولكن كيف خرجت من كربلاء؟! بأيّة حال؟!

سيّدي يا صاحب الزمان، هذه عمّتك زينب، وقد أجّجت قلبها ساعة التوديع، وما أصعب توديع الحبيب من على ناقة عجفاء! بأبي وأمّي كأنّي بها والركب يمضي، وهي ترى جسد المولى على صعيد كربلاء تصهره حرارة الشمس، فكيف تودّعه؟! توصي أرض كربلاء بأخيها ونور عينها...

(نعي شعبي)

يا كربله

أوصيك بخويه ابن حيدره

جثته عالترب سليبه معفّره

وإحنه نسوان وسبايا محسره

ما نقدر نظل وياه نغسله

يا كربله

كل عشيرة نادت بنسوانها تطلع

وعالمحامل تصعدها وللوطن ترجع

وانا مهمومه وقلبي من الهم تِصدّع

رايده صوت من الاهل يصدح

يا كربله

صعدونا على الجمال غَصبن علينه

مخدّرات مدلّلات ونتستّر بگفوف إيدينه

 

124


111

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

صاح الرجس يتشمّت وين الولي خلينه

وگلمن يصد بالعين يصوب لينه

يا كربله

أمانه حسين عندك أمانه

ارد بالاربعين واطفاله ويانه

نقعد على القبر وننصب عزانه

وزين العباد يقرأ بحزن وعزيّه

بلى، خرجَت من كربلاء، وجسد أخيها على رمضائها، تصهره الشمس بحرارتها، أمّا رأسه الشريف فقد خرج معها، وكان أمام ناظريها طيلة مسيرة السبي، على رأس رمح طويل، إلى أن رجعت يوم الأربعين إلى كربلاء، لتجدّد العزاء!

بلى وصلوا إلى أرض كربلاء، وكان قد سبقهم إليها جابر بن عبد الله الأنصاريّ، لمّا التقى الإمام السجّاد بجابر، قال: أجابر هذا؟ قال: فداك جابر يا سيّدي! فقال: يا جابر، هاهنا -والله- قتلت رجالنا! وذبحت أطفالنا! ومن هنا سبيت نساؤنا!

يجابر مات أبوي حسين ظامي

بشط العلقمي والماي طامي

ولا واحد لفى من أهلي واعمامي

بس الخيل حول الخيم تفتر

وجد الإمام السجّاد من يعزّيه ويواسيه، أمّا مولاتنا زينب فعزاؤها كان بوصولها إلى كربلاء، كأنّي بها لمّا لاحت لها علائم كربلاء، رمت بنفسها من على ظهر الناقة!

يَا نَازِلِينَ بِكَرْبَلَاءَ هَلْ عِنْدَكُمْ

خَبَرٌ بِقَتْلَانَا وَمَا أَعْلَامُهَا

جاءت إلى قبر الحسين، والنساء والأيتام من حولها! تشكو إليه ما جرى عليها!

 

125


112

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

بايتامها طاحت على قبره تجر حسره

وتلطم يولي خدودها ودموعها عَبْره

وتصيح اقعد يالذي عفتك على الغبره

اقعد يا نور العين ياحسين جتكم يتامامكم

شحكي وشعدّ من المصايب يا عزيز الروح

شلت بيتاماكم وعفتك عالثرى مطروح

قلبي انصدع من قالوا الشامات نبغي نروح

ما تعوّدت ياحسين أمشي بلا ايّاكم

اوجيناك يا باقي هلي اقعد تلقّانا

وردّ المدينة يا عزيز الروح ويّانا

ترى قلبي شبّت يا نور العين نيرانه

اقعد يا نور العين ياحسين جتكم يتامامكم

(أبو ذيّة)

أنا ضعت وتحيّرت يحسين بعداك

وتمنّيت الفنا بعد يخويه بعداك

والله ما ريد العمر يحسين بعداك

عمت عيني ولا شوفك عالوطيّه

بلى، جعلت تبثّه شكواها وأحزانها، والنساء من حولها، فاطمة بنت الحسين، الرباب...

أمّ كلثوم تنادي: اليوم مات جدّي المصطفى، اليوم مات أبي المرتضى، اليوم ماتت أمّي فاطمة الزهراء!

سكينة تصيح: وامحمّداه، واجدّاه، يعزّ عليك ما فعلوا بأهل بيتك، ما بين مسلوب وجريح، ومسجونٍ وذبيح، واحزناه، واأسفاه...

جينه وعلى قبرك گعدنه

ونخيناك يا عزنه وضمدنه

هاي المحامل گوم ردنه

لرض المدينه ووطن جدنه

مهي مناسبه الغربه تردنه

 

126


113

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

مَا حَالُ جثَّةِ مَيِّتٍ في أرضِكُمْ

بَقِيَتْ ثَلاثًا لا يُزارُ مَقَامُهَا

بِاللهِ هَلْ وَارَيْتُمُوْهَا فِيْ الثَّرَى

وَهَلِ اسْتَقَرَّتْ فِي الُّلحُوْدِ رِمَامُهَا

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

 

127


114

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

المجلس الرابع: بكاء الإمام زين العابدين (عليه السلام)

القصيدة

ما إِنْ بَقِيتَ مِنَ الهَوانِ عَلى الثَّرى

مُلْقًى ثَلاثًا فِي رُبًا وَوِهادِ

لَكِن لِكَي تَقْضِي عَليكَ صَلاتَها

زُمَرُ المَلائِكِ فَوْقَ سَبْعِ شِدادِ

لَهْفِي لِرَأْسِكَ وَهوَ يُرْفَعُ مُشرِقًا

كَالبَدْرِ فَوْقَ الذَّابِلِ المَيَّادِ

يَتْلُو الكِتابَ وَما سَمِعْتُ بَواعِظٍ

اتَّخَذَ القَنا بَدَلًا عَنِ الأَعْوادِ

لَهْفِي عَلى الصَّدْرِ المُعَظَّمِ يَشْتَكِي

مِنَ بَعْدِ رَشْقِ النَّبْلِ رَضَّ جِيادِ

وَالَهْفَتاهُ عَلى خُزَانَةِ عِلْمِكَ

السَجَّادِ وَهوَ يُقادُ بِالأَصْفادِ

بَادِي الضَّنا يَشْكُو عَلى عَاري المَطَى

عَضَّ القُّيودِ ونَهْشَةَ الأَقْتادِ

ما لِي أَراكَ وَدَمْعُ عَيْنِكَ جَامِدٌ

أَوَ ما سَمِعْتَ بِمِحْنَةِ السَجّادِ

وَيَصيحُ وَا جَدَّاهُ أَيْنَ عَشِيرَتِي

وَسُراةُ قَوْمِي أيْنَ أَهْلُ وِدادِي

مِنْهُمْ خَلَتْ تِلْكَ الدِّيارُ وَبَعْدَهُم

نَعَبَ الغُرابُ بِفِرْقَةٍ وَبُعادِ

 

128

 


115

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

(شعبي)

گضوا بالطف قتل قومه وعمامه

اوظلّوا عالترب صرعه ونيامه

بس ظلّت حرم تبكي ويتامه

على اظهور الهزل ومسلّبيها

الله يساعد السجّاد صبره

مريض ومنحني من القيد ظهره

يشوف الحرم فوق النوق يسره

وعن وجوهها تستر بديها

(أبو ذيّة)

المرض والقيد للسجّاد باريه

يصد شمر وزجر للظعن باريه

راس الدين من الجسد باريه

ابراس الرمح راس ابن الزكيّه

المصيبة

عن إمامنا الرضا (عليه السلام): من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة، ومن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبكِ عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلسًا يُحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.

وعنه (عليه السلام): إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهليّة يحرّمون فيه القتال، فاسُتحلّت فيه دماؤنا، وهُتكت فيه حرمتنا، وسُبيَ فيه ذرارينا ونساؤنا، وأضرمت النيران في مضاربنا، وانتهب ما فيها من ثقلنا، ولم ترعَ لرسول الله (صلى الله عليه وآله) حرمة في أمرنا. إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا، بأرض كرب وبلاء، وأورثتنا الكرب والبلاء، إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون، فإنّ

 

 

129


116

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام.

قال الرضا (عليه السلام) بعد ذلك: كان أبي -صلوات الله عليه- {يعني الإمام الكاظم (عليه السلام)} إذا دخل شهر المحرّم لا يُرى ضاحكًا، وكانت الكآبة تغلب عليه حتّى يمضي منه عشرة أيّام، فإذا كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه، ويقول: هو اليوم الذي قُتِل فيه الحسين.

لذا، نحن في هذه المجالس نواسي أهل البيت (عليهم السلام) بحزننا وبكائنا وعزائنا، ونجتمع كما أمرونا، وكما كانوا يجتمعون للعزاء على سيّد الشّهداء (عليه السلام)، نواسي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والإمام الحسن (عليهم السلام)... نواسي إمامنا زين العابدين (عليه السلام) الذي بكى على أبيه الحسين بقيّة عمره الشريف بعد مصاب كربلاء!لم يقدّم له طعام أو شراب إلّا بلّه بدموع عينيه، ويقول: كيف آكل؟ وكيف أشرب؟ وقد قُتل أبي جائعًا وعطشانَ! وكان (عليه السلام) إذا أخذ إناءً ليشرب الماء بكى حتّى يمزجها بدموعه، ويقول: وكيف لا أبكي، وقد مُنع أبي من الماء الذي كان مطلقًا للسباع والوحوش...

لذلك، ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّ الإمام زين العابدين أحد البكّائين الخمسة في التاريخ، آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمّد وعليّ بن الحسين (عليهم السلام). فقد بكى الإمام (عليه السلام) بقيّة حياته بعد واقعة كربلاء، وما وُضِع طعام إلّا بكى، حتّى قال له مولى له: جُعِلت فداك يابن رسول الله! إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين، فقال: إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله، وأعلم من الله ما

 

130


117

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

لا تعلمون، إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلّا خنقتني لذلك العبرة!

يسأله أحدُ الموالين: يابن رسول الله، أما آن لحزنك أن ينقضي؟! فقال له: ويحك! إنّ يعقوب النبيّ (عليه السلام) كان له اثنا عشر ابنًا، فغيّب الله عنه واحدًا منهم، فابيضّت عيناه من كثرة بكائه عليه، وشاب رأسه من الحزن، واحدودب ظهره من الغمّ، وكان ابنه حيًّا في الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمّي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي! فكيف ينقضي حزني؟!

يا سيِّد العُبّادِ رِزْؤُك فادِحٌ

جللٌ تكادُ لهُ الجِبالُ تصدّعُ

فأبوك والأهْلُون والأنْصارُ قدْ

أمْسوا وهُمْ بِالطّفِّ حوْلك صُرّعُ

كما كان الإمام زين العابدين (عليه السلام)، كلّما اجتمع إليه جماعة، أو وفد من وفود الأقطار يردّد عليهم تلك المأساة. ويخرج إلى السوق أحيانًا، فإذا رأى جزّارًا يريد أن يذبح شاة أو غيرها، يدنو منه ويقول: هل سقيتها الماء؟ فيقول له: نعم، يابن رسول الله، إنّا معاشر الجزّارين، لا نذبح الشاة حتّى نعرض عليها الماء، فيبكي الإمام زين العابدين (عليه السلام) عند ذلك، ويقول: الشاة لا تُذبح حتّى تُسقى، وأبو عبد الله عطشانَ!

ويْلُ الفُراتِ أباد اللهُ غامِرهُ

وردّ وارِدهُ بِالرّغْمِ لهْفانا

لمْ يُطْفِ حرّ غليلِ السِّبْطِ بارِدُهُ

حتّى قضى فِي سبيلِ اللهِ عطْشانا

لمْ يُذْبحِ الكبْشُ حتّى يُرْوى مِنْ ظمأٍ

ويُذْبحُ ابنُ رسولِ اللهِ ظمْآنا

ذات يوم، سمع الإمام زين العابدين (عليه السلام) رجلًا ينادي في السوق:

 

131


118

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

أيها النّاس، ارحموني أنا رجل غريب، توجّه إليه الإمام (عليه السلام) وقال له: لو قُدِّر لك أن تموت في هذه البلدة، فهل تبقى بلا دفن؟ فقال الرجل: الله أكبر! كيف أبقى بلا دفن، وأنا رجل مسلم وبين ظهرانيّ أمّة مسلمة؟! فبكى الإمام زين العابدين، وقال: إذًا أنت لست بغريب، إنّما الغريب أبو عبد الله! واأسفاه عليك يا أبتاه! تبقى ثلاثة أيّام بلا دفن، وأنت ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)...

كأنّ كُلّ مكانٍ كرْبلا لدى

عيْنِي وكُلّ زمانٍ يوْمُ عاشُورا

لهْفِي لِظامٍ على شاطِي الفُراتِ قضى

ظمْآن يرْنُو لِعذْبِ الماءِ مقْرورا

إِنْ يبْق مُلْقىً بِلا دفْنٍ فإِنّ لهُ

قبْرًا بِأحْشاءِ منْ والاهُ محْفُورا

لعلّ أكثر المصائب التي أثّرت في قلبه الشريف تلك التي يذكرها لأبي حمزة الثماليّ حين دخل عليه يومًا فرآه حزينًا كئيبًا على عادة الإمام، فقال له: سيّدي، أما آن لحزنك أن ينقضي؟! إنّ القتل لكم عادة وكرامتكم من الله الشهادة؛ فقال له الإمام (عليه السلام): شكر الله سعيك يا أبا حمزة، كما ذكرت، إنّ القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة، ولكن يا أبا حمزة، هل سمعت أذناك أو رأت عيناك أنّ مخدّرةً لنا سُبيَت قبل يوم عاشوراء؟! والله يا أبا حمزة، ما نظرت إلى عمّاتي وأخواتي إلّا وذكرت فرارهنّ في البيداء من خيمة إلى خيمة ومن خباء إلى خباء، والمنادي ينادي أحرقوا خيام الظالمين!

وحائِراتٍ أطار القوْمُ أعْيُنَها

رُعْبًا غداة عليْها خِدْرها هجمُوا

فغُودِرتْ بيْن أيْدِي القوْمِ حاسِرةً

تُسْبى وليْس ترى منْ فِيهِ تعْتصِمُ

 

132

 


119

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

قال سهل: ففعلت ذلك ورجعت إليه، وقلت له: مولاي، هل من حاجة أخرى؟ قال: يا سهل، هل عندك ثوب عتيق؟ قلت: سيّدي، هذه عمامتي بين يديك، ما تصنع بها؟ قال: يا سهل، أضعها تحت الجامعة، فلقد أكلت عنقي!

(نصّاري)

من گيد الحديد ايسيل دمّي

وعاين للحرم ويزيد همّي

عسن ياليت لا ولدتني أمّي

اويراني ايزيد بالذلّه اموسم

(مجردات)

راحوا هلي او گومي مچاتيل

والروس هالتبره المداليل

او عماتي هاي اعله المهازيل

اولو ثوب عندك زايد اتميل

للجامعه عن رگبتي اتشيل

آذتني وانه امريض وانحيل

ثمّ يقول (عليه السلام): أوقفونا أوّلًا على باب من أبواب القصر ثلاث ساعات في طلب الإذن من يزيد، ثمّ أدخلونا عليه ونحن مربّطون بحبل واحد، وكان الحبل في عنقي وعنق عمّتي زينب وأمّ كلثوم وباقي النساء والبنات، وكلّما قصّرنا عن المشي ضربونا حتّى أدخلونا على يزيد...

(أبو ذيّة)

قصد ظعن الحرم كوفان والشام

اوسوط الشمر منها المتن وشّام

ضمير العدو منه مات والشام

بلا رحمة سباها الفاطميّه

 

 

134


120

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

ولهْفِي لِزيْنِ العابِدين وقدْ سرى

أسِيرًا علِيلًا لا يُفكُّ لهُ أسْرُ

وآلُ رسولِ اللهِ تُسْبى نِساؤُهُمْ

ومِنْ حوْلِهِنّ السترُ يُهْتكُ والخِدْرُ

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

135


121

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

الملحقات الشعريّة

الشعر القريض

القصيدة الأولى: تاللهِ لا أنسَى ابنَ فَاطِمَ والعِدَى

تاللهِ لا أنسَى ابنَ فَاطِمَ والعِدَى

تُهدى إليهِ بَوَارِقَا وَرُعُودَا

فَأقَامَ مَعدُومَ النَّظِيرِ فَرِيدُ بَيـ

تِ المَجْدِ مَعدُومَ النَّضِيرِ فَرِيدَا

فَانصَاعَ لم يَعْبَأْ بِهِمْ عَن عِدَّةٍ

كَثُرَتْ عَليْهِ وَلا يَخَافُ عَدِيدَا

عَمَدَتْ لهُ كَفُّ العِنَادِ فَسَدَّدَتْ

سَهْمَا عَدَا التَوفِيقَ والتَسْدِيدَا

فَثَوَى بِمُستَنِّ النِزَالِ مُقَطَّعِ الأَو

صَال مَشكُورِ الفِعَالِ حَميدَا

للهِ مَطروحٌ حَوَتْ منهُ الثَرَى

نَفسُ العُلَى والسؤدَدِ المَفقُودَا

وَمَجرَّحٌ مَا غَيَّرَتْ مِنْهُ القَنَا

حُسْنَا وَلا أَخْلَقْنَ مِنْهُ جَدِيدَا

وَثَوَاكِلٌ في النَوْحِ تُسعِدُ مِثلَهَا

أَرَأَيْتَ ذَا ثُكلٍ يِكونُ سِعيدَا

وَنَوائِحٌ لَم تَرَ مِثلَهُنَّ نَوَائِحَا

إذ ليسَ مِثلُ فَقيدِهِنَّ فَقيدَا

 

136


122

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

نَادَتْ فَقَطَّعَتْ القُلوبَ بِشَجوِها

لكنَّمَا انتَظَمَ البَيَانُ فَريدَا

إنسانَ عَينِي يا حُسينُ أُخَيّ

يا أمَلِي وَعِقْدَ جُمَانِيَ المَنضُودَا

ما لِي دَعَوْتُ فَلا تُجِيبُ ولَم تَكُنْ

عَوَّدتَني مِن قَبلِ ذَاكَ صُدُودَا

أَلِمِحنَةٍ شَغَلَتكَ عَنِّي أمْ قِلَى؟

حاشاكَ إنَّكَ مَا بَرِحْتَ وَدُودَا

القصيدة الثانية: يا محنةً خشَعَتْ لها الأرزاءُ

يا محنةً خشَعَتْ لها الأرزاءُ

وتواضَعتْ لجلالها العَلياءُ

عجزتْ عقولُ الخلقِ عن إدراكِها

فطغى سكوتٌ والسكوتُ رِثاءُ

هي محنةُ السبطِ الغريبِ وقدْ أَتى

أرضَ الطفوفِ وأهلَه النجباءُ

فتوقَّفَتْ خيلٌ لهمْ عن سيرِها

تأبَى مَسيرًا فالمُرادُ بَقاءُ

ناداهُمُ أيُّ البقاعِ بقاعُنا؟

قالوا له تَتَعدَّدُ الآراءُ

الغاضريةُ والطفوفُ ونَينَوى

أو كربلاءُ فكلُّها أَسماءُ

نادى إذًا هي كربلا فتهَيأوا

كربٌ عظيمٌ ها هُنا وبَلاءُ

فهنا سنُذْبحُ يا رفاقُ ومِنْ هنا

تُسبى النساءُ وزينبُ الحوراءُ

وهنا سنُترَكُ دُونَ غُسْلٍ في العرَا

ورؤوسُنا يلهو بها السُّفَهاءُ

بالهمسِ يُوصي أختَه سبطُ الهدى

صَبرًا إذا ما جاءَ عاشوراءُ

فستُحملين بلا دِثارٍ في المَلا

والكلُّ ينظُرُ والرُؤى استهزاءُ

وتُرحَّلينَ إلى قُصورِ أميْةَ

لتُسبَّ فيها فاطمُ الزهراءُ

فلْتَصبري يا بنتَ حيدرَ إنَّه

قدرٌ بأسفارِ البَلا وقضاءُ

 

137


123

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

شاءَ الإلهُ بأنْ يراكِ سبيةً

ويَرى رضيعي ضرّجتْهُ دماءُ

ويرى وحوشَ الليل تشربُ من

دمي فيُقامُ لي عند البتولِ عزاءُ

القصيدة الثالثة: كَرْبَلا لَا زِلْتِ كَرْبًا وَبَلَا

كَرْبَلا لَا زِلْتِ كَرْبًا وَبَلَا

مَا لَقِيْ عِنْدَكِ آَلُ المُصْطَفَى؟

كَمْ عَلَى تُرْبِكِ لمَاَّ صُرِّعُوا

مِنْ دَمٍ سَالَ وَمِنْ دَمْعٍ جَرَى؟!

وَضُيْوْفٍ لِفَلَاةٍ قَفْرَةٍ

نَزَلُوا فِيْهَا عَلَى غَيْرِ قِرَى

لَمْ يَذُوقُوْا المَاءَ حَتَّى اجْتَمَعُوْا

بِحِذَا السَّيْفِ عَلَى وِرْدِ الرَّدَى

وَوُجُوْهٌ كَالمَصَابِيْحِ فَمِنْ

قَمَرٍ غَابَ وَمِنْ نَجْمٍ هَوَى

يَا رَسُوْلَ الله لَوْ عَايَنْتَهُمْ

وَهُمُ مَا بِيْنَ قَتْلٍ وَسَبَى

مِنْ رَمِيضٍ يَمْنَعُ الظَّلَّ وَمِنْ

عَاطِشٍ يُسْقَىْ أَنَابِيْبَ القَنَا

لَرَأَتْ عَيْناكَ مِنْهُمْ مَنْظَرًا

لِلْحَشَىْ شَجْوًا وَلِلْعَيْنِ بُكَا

لَيْسَ هَذَا لِرَسُولِ الله يَا

أُمَّةَ الطُّغْيَانِ والبّغْيِ جَزَا

جَزَّرُوا جَزْرَ الأَضَاحِيْ نَسْلَهُ

ثُمَّ سَاقُوا أَهْلَهُ سَوْقَ الإِمَا

قَتَلُوهُ بَعْدَ عِلْمٍ مِنْهُمُ

أَنَّهُ خَامِسُ أَصْحَابِ الكِسَا

مَيِّتٌ تَبْكِيْ لَهُ فَاطِمَةٌ

وَأَبُوْهَا وَعَلِيٌّ ذُو العُلَى

القصيدة الرابعة: للهِ أقمــارٌ أفـلن بـكِربلا

للهِ أقمــارٌ أفـلن بـكِربلا

ولها بِيثرِب والمُحصبِ مطلعُ

أنِست بِهِم أرضُ الطُفوفِ وأوحشت

هضباتُ يثرِب والمقامُ الأرفعُ

 

138


124

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

طِفا بِي على أرضِ الطُفوفِ وقُل لها

مُستعبِرًا أعلِمتِ من بِكِ مُودعُ

فِيكِ الإمامُ أبو الأئِمةِ والذي

هُو لِلنُبُوةِ والإمامةِ مجمعُ

فِيكِ الذي أشجى البتول ونجلها

ولهُ النبِيُّ وصِنوُهُ مُتفجِّعُ

مولى بِتُربتِهِ الشِفاءُ وتحت قِبتِهِ

الدُعا مِن كُلِّ داعٍ يُسمعُ

فحياةُ أصحابِ الكِساءِ حياتُهُ

وبيومِ مصرعِهِ جميعًا صُرِّعُوا

للهِ سِبطُ مُحمدٍ ظامِي الحشا

يبغِي الوُرود إلى الفُراتِ فيُمنعُ

دمُهُ يُبُاحُ ورأسُهُ فوق الرِماحِ

وشِلوُهُ بِشبا الصِفاحِ مُوزعُ

لهفِي لِآلِك كُلما دمِعت لها

عينٌ بِأطرافِ الأسِنةِ تُقرعُ

القصيدة الخامسة: ورد الحُسينُ إلى العِراقِ وظنُّهُ

ورد الحُسينُ إلى العِراقِ وظنُّهُ

تركُوا النِفاق إِذِ العِراقُ كما هِيه

ولقد دعوهُ لِلعنا فأجابهُم

ودعاهُم لِهُدىً فردُّوا داعِيه

قستِ القُلوبُ فلم تمِل لِهِدايةٍ

تبًا لِهاتِيك القُلوبِ القاسِيه

ما ذاق طعم فُراتِهِم حتّى قضى

عطشًا فغُسِّل بِالدِماءِ القانِيه

يابن النبِيِّ المُصطفى ووصِيِّهِ

وأخا الزكِيِّ ابنِ البتولِ الزاكِيه

تبكيكَ عينِي لا لِأجلِ مثوبةٍ

لكِنما عينِي لِأجلِك باكِيه

تبتلُّ مِنكُم كربلا بِدمٍ ولا

تبتلُّ مِنِّي بِالدموعِ الجارِيه

ولقد يعِزُّ عِلى رسولِ اللهِ أن

تُسبى نِساهُ إلى يزيد الطاغِيه

ويرى حُسينًا وهو قُرةُ عينِهِ

ورِجالهُ لم تبق مِنهُم باقِيه

 

139


125

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

وجُسومُهُم تحت السنابِكِ بِالعرى

ورُوؤسُهُم فوق الرِماحِ العالِيه

وإذ أتت بِنتُ النبِيِّ لِربِّها

تشكُو ولا تخفى عليهِ خافِيه

ربِّ انتقِم مِمن أبادُوا عِترتِي

وسبوا على عُجُفِ النِياقِ بناتِيه

واللهُ يغضبُ لِلبتولِ بِدونِ أن

تشكُو فكيف إذا أتتهُ شاكِيه

القصيدة السادسة: ذِكْرُ الطُّفُوْفِ وَيَوْمُ عَاشُوْرَاءِ

ذِكْرُ الطُّفُوْفِ وَيَوْمُ عَاشُوْرَاءِ

مَنَعَا جُفُوْنِيْ لَذَّةَ الإِغْفَاءِ

وَتَذَكُّرِيْ رُزْءَ الحُسَيْنِ بِكَرْبَلَا

أَغْرَىْ دُمُوْعَ العَيْنِ بالإِجْرَاءِ

لَمْ أَنْسَهُ لَمَّا سَرَىْ مِن يَثرْبٍ

بِعِصَابَةٍ مِن رَهْطِهِ النُّجَبَاءِ

للهِ كَمْ جَالُوا هُنَاكَ مَن بِفَدْفَدٍ

تَكْبُو الرِّيَاحُ بِهِ مِنَ الإِعْيَاءِ

حَتَّى أَتَوْا أَرْضَ الطُفُوْفِ فَدَتْهُمُ

أَرْضُ الطُّفُوْفِ وَأَرْضُ كُلِّ بَلَاءِ

وَيْلَاهُ إذْ وَقَفَ الجَوَادُ وَلَمْ يَسِرْ

فَغَدَا يَقُوْلُ لِصَحْبِهِ الخُلَصَاءِ

يَا قَوْمُ مَا اسْمُ الأَرْضِ قالوا نَيْنَوَىْ

قَالَ أوْضِحُوْا عَنْهَا بِغَيْرِ خَفَاءِ

قَالُوْا تُسَمَّى كَرْبَلَا فَتَنَفَّسَ الصُّعَـ

ـدَاءِ وَقَالَ هُنَا مَحَلُّ فَنَائِي

حُطُّوا الرِّحالَ فَذَا مَحَطُّ خِيَامِنَا

وَهُنَا تَكونُ مَصَارِعُ الشُّهَدَاءِ

وَبِهَذِهِ يَغدُوْ جَوادِيَ صَاهِلًا

مُرْخَى العِنَانِ يَجُوْلُ فِي البَيْدَاءِ

وَبِهَذِهِ أغْدُوْ لِطِفْلِيَ حَامِلًا

فِي الكَفِّ أَطلُبُ جَرْعَةً مِنْ مَاءِ

 

 

140


126

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

الشعر الشعبي

أوّلًا: الأبو ذيّات

1. حرت بنحور اخوتي ياهو اقبله

حرت بنحور اخوتي ياهو اقبله

ومنو بيهم صلاتي ياهو قبله

حرت بأمرين بالطف ياهو قبله

امر الموت لو سبي آل اميّه

2. الدَهَرْ شَتَّتْ شمِلْنَه اومَنْ يِلِّمَّه

الدَهَرْ شَتَّتْ شمِلْنَه اومَنْ يِلِّمَّه

افراﮔَك الوطنْ دَلَّالي مَنْ يِلِمَّه

رَيحانَةْ رسولِ اللهِ مَنْ يِلِمَّه

طِلَعْ خايفْ مِشَه لِلْغاضِريّه

3. نزل وبكربلا خيامه نصبها

نزل وبكربلا خيامه نصبها

ولعد الموت راياته نصبها

عليه امقدّر من الله نصبها

مصارعهم بهل التربة الزكيّه

4. بارض الطف مهر احسين ما سار

بارض الطف مهر احسين ما سار

وگف وبوگفته لحسين ما سار

إشارة بهالأرض للحرم ما سار

اومنها اتروح للطاغي هديّه

ثانيًا: القصائد والأبيات

1. خوي انادي وما يشجيلك نداي

خوي انادي وما يشجيلك نداي

ولا تسمع عتابي ونخواي

انا المن بعد يحسين شكواي

خوي ظني انقطع وانقطع رجواي

 

141

 


127

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

2. تگلّه أنا بعيني لباريلك عيالك

تگلّه أنا بعيني لباريلك عيالك

وبروحي لسكتّلك اطفالك

خويه الموت لو يرضه بدا لك

انروح كل احنا فدا لك

خويه تحيّرت والله بيتاماك

ما ينحمل يحسين فرگاك

والمثل هالوگت ردناك

3. أني ما حد سمع لليوم صوتي

أني ما حد سمع لليوم صوتي

راح اشبع بواكي بفقد اخوتي

يا ليت قبل حسين موتي

ولا شوف لعدا تنهب بيوتي

4. يبني يراعي الفخر والباس

يبني يراعي الفخر والباس

يبني امصابك شيّب الراس

يبني بحوافر خيل تنداس

يبني او تبقى ابغير حرّاس

5. مشينة والدمع يجري اعله الخدود

مشينة والدمع يجري اعله الخدود

وهموم الگلب حملان وتزود

عگب هذا الولي المعروف بالجود

وعگب ذاك الأخو المگطوع الزنود

وعگب شبه النبي العلترب ممدود

وعگب ذيك الأقمار الصيد الأسود

شمر يحدي بضعنة وناگتي يگود

 

 

142


128

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

7. في الغاضرية وقف مهر الظامي احسين

في الغاضرية وقف مهر الظامي احسين

اوظل عن اسمها ينشد أصحابه الطيبين

قالوا اطفوف او نينوى والغاضريّة

اوشط الفرات اوعقر يا حامي الحميّة

ينصار في هاي الأرض نصبوا اخيامي

هذي منايانه ترى هيّه اتحوم أمامي

كم شاب روحه اتروح منّه القلب ظامي

كلنه نظل في هالأرض من غير تكفين

7. كنت يوم الذي ما شوف ملقاك

كنت يوم الذي ما شوف ملقاك

تظل روحي حزينة لمن ألقاك

مدري شلون هذا اليوم فرقاك

تظّل بكربلا واحنا مرحلين

8. إن كان هاذي كربلا بشروا بلايه

إن كان هاذي كربلا بشروا بلايه

نزلوا تره لاحت علامات المنايا

لازم بجانب هالنهر نقضي ظمايا

طير المنيّة اسمع على راسي نعيبه

كم شاب ما يهنه بشبابه يظلّ معفور

اجسادته تبقه رميّة مالهم قبور

هذه مصارعنه ووعدنا يوم عاشور

قولوا لزينب تستعد إلها لمصيبة

9. جينا ننشد كربلا مضيعينه

جينا ننشد كربلا مضيعينها

بيها زينب قالوا اميسرينها

يسّروهه ولالهه واحد فزع

بليل حادي ظعونه شال وقطع

جينا ننشد وين أبو فاضل وقع

ما تدلونه الشريعة وينها

 

143


129

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

جينا ننشد كربلا اعليها انعتب

نقول هاي رجال واتدوّر الغلب

حرمه زينب بيش مطلوبه بذنب

فوق قتل حسين وميسرينا

ارد انشدك جاوبيني بالصحيح

وين وقفت زينب وقامت تصيح

 

144

عدل خويه حسين وللا انت جريح

10. يا دار وين الميامين

يا دار وين الميامين

العبّاس وينه ووين الحسين

يا دارهم چنت زهيّه

وكانت قناديلك مُضيّه

11. خويه معذور يالنايم بالطفوف

خويه معذور يالنايم بالطفوف

دگعد من منامك وشوف

منه امسلّبه والگلب ملهوف

خويه ودمعي عالوجنات مذروف

12. انه مشيت درب الما مشيته

انه مشيت درب الما مشيته

وگتّال اخيّي رافگيته

من جلّت الوالي نخيته

شتم والدي وانكر وصيته

13. خلّص طوافه وودّع الحجّاج في الحين

خلّص طوافه وودّع الحجّاج في الحين

واستند للكعبة وحلّ احرامه حسين

كبّر ولبّى وصاح يا ربّي تراني

مطرود من بيتك ولا واحد حماني

طالع وأنا خايف وحيّرني زماني

بنزع احرامي وأرتحل دون المحرمين

 

144


130

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

لبّيك يا ربّي بأشد العصايب

لبّيك ساعدني على مقاساة المصايب

لبّيك صبّرني على فراق الحبايب

لبّيك هذي مصيبة يبكيها النبيّين

لبّيك خلّي ابن الضبابي يحزّ نحري

لبّيك خلي الأعوجيّة تدوس صدري

لبّيك انكان بكربلا محفور قبري

لبّيك با سوي بذاك القبر سبعين

لبّيك خلّي جنازتي تسبح بدمّي

لبّيك هذي عزوتي وأولاد عمي

لبيك خلّي هالضحايا تعتفر يمّي

لبّيك رضعان وشيوخ بغير تكفين

لبّيك هذا سناد ظهري وحامل لواي

خلّه رقيّة وبالعطش تصرخ يتاماي

لبّيك هذا نور عيني ومهجة حشاي

خلني أشوفه على الثرى معفّر الخدّين

لبّيك انكان بذبحتي تسلم الشيعة

خلهم يذبحوني ويسلمون الوديعة

وإن كان ترضى بذبحة حسين ورضيعه

لبّيك خلنا ننذبح ونشيد الدين

لبّيك خلها من العطش تخلص أنفاسي

لبّيك خلّه عالرمح يرتفع راسي

لبّيك خلني على الثرى طايح أقاسي

لبّيك حرّ الشمس والعطش وصراخ النساوين

14. يجابر ما دريت اشصار بينه

يجابر ما دريت اشصار بينه

يجابر هالأرض بيها انولينه

يجابر وانذبح بيها ولينه

يجابر ذبحوا واحد وسبعين

يگله والدمع فيّض الوديان

قتل خلصوا اعمامي ابهذا المكان

ظلت بس يتامه اوجمع نسوان

اوعندي الهالفواطم عدل ما تم

 

145


131

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

شگلك يجابر مالي لسان

على وجهين فرّن النسوان

حسبالهم بالكون وليان

جابر يعمي ريتك تشوف

يوم الرحت للشام مكتوف

وعماتي تتراجف من الخوف

15. خويه يضربوني واشقف بديّه

خويه يضربوني واشقف بديّه

أنا شبيدي إعلى دهر الخان بيّه

أنا امنين اجتني الغاضريّه

راحوا هلي من بين إيديّه

16. لاوين قاصد بالسفر يابن الأماجيد

لاوين قاصد بالسفر يابن الأماجيد

اقضّيه الجحد يا حبيبي وعيّد العيد

قلّه ودمع العين فوق الخدّ تبديد

حجّي وسعيي في طفوف الغاضريّه

حجّي مهو بذي الحج حجيّ يوم عاشور

صدري الكعبة والحجر نحري المنحور

وحِجر النبي إسماعيل الأكبر بدر البدور

أمّا طوافي حول اخيام خليّه

17. من شاف دين الله بخطر من آل أميّة

من شاف دين الله بخطر من آل أميّة

عزّم على ترك الحجيج ابن الزكيّة

من سمعوا بنيته اكصدوه الهاشمييّن

قالوله ناوي بالسفر يحسين لاوين

عزنا يتهدم بعد عينك والمسلمين

يذلون وبيوتك تظل وحشه وخليّة

محمد يقلّه يصعب اعليّ هالفراق

من روحتك ذاب القلب بيّ الفضا ضاق

إن كان هذي سفرتك خويه للعراق

إتركْ أخاف عليك غدر جيوش أُميّة

 

146


132

الليلة الثالثة: الوصول إلى كربلاء

ناده يخويه هالسفر خارهُ الرحمان

لا بد اروح لكربلا وانذبح عطشان

وتبكي عليّ أملاكها والأنس والجان

وأميّ وأبوي المرتضى وسيد البريّة

18. إن صحت بويه يشتموني

إن صحت بويه يشتموني

وإن گلت خويه يضربوني

وامن الضرب ورمن إمتوني

وامن البكا عمين عيوني

أنادي هلي وما يسمعوني

19. آنه زينب آنه زينب كربله راوتني ألوان الأسيّه

آنه زينب...آنه زينب

كربله راوتني ألوان الأسيّه

آنه زينب...آنه زينب

تنربط ايدي وأنه بنت الزچيّه

يا كثر عظم المصاب اللي جرالي

هالأرض فاضت من ادموم الغوالي

كل الأحباب...فوگ لتراب

وبدماهم يحيي دين الله ونبيّه

آنه زينب...آنه زينب

كربله راوتني ألوان الأسيّه

شگد عجيبة...يا مصيبة

بت نبي الإسلام بسياط اضربوني

شگد عجيبة...يا مصيبة

ضنّوا العدوان أذلّ من سلِبّوني

اظن ما يدرون أنه الحرّة الأبيّة

والله ما انذل وَابي حامي الحميّه

بس أسيرة...مو كسيرة

أسري شوفة خوّتي فوگ الوطيّه

آنه زينب...آنه زينب

كربله راوتني ألوان الأسيّه

 

147

 


133

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء
المجلس الأوّل: محمّد بن الحنفيّة والعودة إلى المدينة

القصيدة

عَيْنُ جُودِي عَلَى الشّهيد القَتيلِ

واتْرُكِي الخَدَّ كَالمَحِيْلِ المُحِيلِ

كيفَ يَشْفِي البكاءُ فـي قَتـلِ

مولايَ إمامِ التنزيلِ والتأويلِ

قاتَلوا اللهَ والنَّـبيَّ ومَولاهـمُ

عَلِـيًّا إذْ قاتَلوا ابنَ الرسُولِ

يَا لِكربٍ بكربـلاءَ عظيـمٍ

ولِـرُزءٍ عَـلَى النَّبـيِّ ثقيـلِ

هيَ نفسُ الحسينِ نفسُ رسولِ

اللهِ نفـسُ الوصيِّ نفسُ البتولِ

ذَبَحُوه ذَبحَ الأضاحي فيَا

قلبُ تصـدَّعْ عَـلَى العزيزِ القتيلِ

وَطأوا جسـمَه وقد قطَّعُـوه

وَيْلَهم مِن عقابِ يـومٍ وَبيـلِ

أَخذُوا رأسَـه وقد بضَّعـُوه

إنَّ سـعيَ الكفارِ في تضليلِ

نَصَبُوه عَلَى القَنَـا فدمَائِـي

لا دمُوعِـي تَسِيلُ كلَّ مَسِـيْلِ

واسـتباحُوا بناتِ فاطمةَ الز

هـراءِ لمَّا صَرَخْنَ حولَ القتيلِ

حَمَلوهُنَّ قد سُبينَ عَلَى الأ

قْتـَابِ سـبْيًا بالعُنفِ والتهويلِ

 

 

148


134

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

(شعبي)

ساقِ الضِعِينَه احسِين مِنْ مَكَّه او مِشَه ابْلِيلْ

اوْ وَحـشَه الـكَعَبة والخلايقْ دمِعْها ايسيِل

نـادهْ مـحمَّدْ يـا عـزيزي او گِرَّةِ العِين

لا ويـنْ گاصِـدْ ما تِگلِّي ابْهَلْ سَفَرْ وِين

او بـاچِرْ يوگَفِ الـحاج يا سيدِ المُسِلمين

والـيـومْ يـومِ الـتَروِيَه يـبنِ الـبهَاليل

گَلَّــه يـخُويه گاصِـد آنَـه الـغاضِريَّه

وآنـي أحِـجْ فـيها واهـلْ بِـيتي سِوِّيه

وانْ كـانْ تِـسأَلْ عـن اِحرامي يا شِفِيَّه

ثـُوبي الـيسِلْبوُنه بـعدْ ذِيـجِ الاراذِيـل

وانْ كـان تـِسأَلْ عن مِنى ويَّه الضَحايه

كِـلِّ اخـوْتَك بَـعدِ الـذَبِحْ تُـبْگه عَرايه

ذُولـه الأَضـاحي مـا مِـثِلْهم في البَرايه

بـعدِ الـذبِحْ يِـبْگُون أويلي ابْغِير تَغْسِيل

وانْ كـانَ تِـسأَلْ عن المشعَرْ يا عِضِيدِي

أُوگَفْ أنـا مِـحتار وبْـحِضنيِ اوْلـيدي

بـالسَّهَمْ يِـسْگونه وِهُـْو يِـْفحَصْ ابيديه

اوْدَمَّـه عـلى صدري يخويه واللهِ ايْسيل

(أبو ذيّة)

اگُول ابيَقْضِتي اولا هَجَر بالطَّفْ

تِكَمْلِ الناسْ حجِّ البيتْ بالطَّفْ

وانَهَ مُحرِمْ صُبَحْتِ اليومْ بالطَّفْ

احِجْ كَعْبةْ ذِبيحْ الغَاضريه

حينَ غادرَ الإمامُ الحسينُ مدينةَ جدِّه رسولِ الله (صلى الله عليه وآله) إلى مدينةِ مكّةَ، لم يكنْ يفكِّرُ في اتّخاذِها مستقرًّا لإقامتِهِ، إنما أرادَ أن يتّخذَها محطّةً يتوقّفُ فيها مدّةً من الزمن، ثمّ يواصلُ بعدَها المسيرَ إلى العراقِ. وحينَ وصلَ الإمامُ الحسينُ إلى مدينةِ مكّةَ، وأقامَ في جوارِ بيتِ اللهِ الحرام، زارهُ كثيرٌ من الصحابةِ والتابعينَ، وطلبوا منه الإقامةَ في هذهِ المدينة. وفي خلالِ إقامتِهِ في مدينةِ مكّةَ لم تنقطعْ عنه وفودُ أهلِ

 

149


135

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

الكوفةِ، وهي تدعوه إلى القدومِ إلى العراق، ولم يكنْ الإمامُ راغبًا في البقاءِ في مكّةَ، لأنّه يعرفُ نوايا الأمويّين وخططَهم لقتلهِ، وقد أعدُّوا العِدَّة لذلك، ومن المحتملِ أنَّهم جعلوا توقيتَها في موسمِ الحجّ.

فوَّتَ الإمامُ هذه الفرصةَ عليهم بخروجِهِ قبلَ وقتِ التنفيذِ، في الثامنِ من ذي الحِجة سنة 60 للهجرة، على الرغمِ من معارضةِ عددٍ كبيرٍ من الصحابةِ والتابعينَ وبني هاشم لهذا الخروج. ويبدُو أنَّ الإمامَ قد حسَمَ أمرَهُ، واتّخذَ قرارَهُ بالرحيلِ إلى العراق.

واختيارُ هذا اليومِ له دلالتانِ؛ الأولى: اختارَ هذا اليومَ ليتفادى ما يدبِّره الأمويونَ من محاولةٍ لاغتيالِهِ، وقد انتدبوا لذلكَ عمرو بنَ سعيدٍ الأَشدق، الذي فاجأه خروجُ الإمامِ الحسينِ وأفشلَ خطّتَه، ولم تفلحْ كلُّ محاولاتِهِ في منعِ الإمامِ منَ الخروج. والثانية: إنَّ هذا اليومَ هو اليومُ الذي يفيضُ فيه حُجَّاجُ بيتِ اللهِ الحرامِ إلى عرفات، وفي هذا اليومِ يُعلنُ الإمامُ سخَطَه وثورتَهُ على حكمِ يزيد. وهذا الخروجُ يمثّلُ رسالةً ثائرةً إلى كلِّ بقاعِ البلادِ الإسلاميّةِ في العالمِ، وبذلكَ استطاعَ أن يوصلَ إعلانَ ثورتِهِ إلى كلِّ بقاعِ الدنيا.

المصيبة

لذلكَ خطبَ (عليه السلام) في مكَّةَ قائلًا: أَيُّهَا الْنَّاسُ، خُطَّ الْمَوْتُ عَلَىَ وُلدِ آَدَمَ مَخَطَّ الْقِلَادَةِ عَلَىَ جِيْدِ الْفَتَاةِ. وَمَا أوْلَهني إلى لِقَاءِ أسْلافِي اشْتِيَاقَ يَعْقُوْبَ إلَى يُوَسُفَ. كَأَنِّيْ بَّأَوْصَالِيْ تُقَطِّعُهَا عُسْلانُ الْفَلَوَاتِ بَيْنَ النْوَاويسِ وَكَرْبَلاءَ...

 

150


136

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

وكأنّي به يلبّي (عليه السلام) بهذه التّلبية في آخر حجّةٍ له:

لبّيك يا ربّي عن جوارك أنا مطرود

لبّيك يا ربّي يذبحون ارجالي واظل مفرود

لبّيك يا ربّي وقلبي من الظّما ممرود

لبّيك أنا خايف وكلّ النّاس مأمونة

لبّيك أنا حسين السّبط وانت العالم بحالي

لبّيك في مرضاتك يذبحون لي اطفالي

لبّيك نسواني تسافر ما لها والي

ولبّيك أنا خايف وكلّ النّاس مأمونة

لبيك يا ربّي واقبل نسكي والاعمال

لبّيك واقبل تلبياتي بذبحة الابطال

لبّيك حتّى الشّمر يصعد صدري بالنّعال

لبّيك أنا خايف وكلّ النّاس مأمونة

الشاعر يصوّر حال زينب بجوار البيت الشريف:

قبل ما يشيل من مكّة ظعن الدّين والقران

ابو السّجّاد بالكعبة قام يطوّف النّسوان

زينب بالعفاف تطوف بين اخوتها عن الرجال

ابو السّجّاد باليمنى وابو فاضل على لشمال

وبخدها الشّريف دموع بس تنظر الى الهلال

وابو اليمّة لمح زينب وادرك علّة الاحزان

لمحها تعاين الكعبة وعلى خدها الدمع نثّار

ويزيد النّوح من زينب بس تنظر صدع الجدار

عرفها حسين تتذكّر ولادة حيدر الكرار

وتذكر مسجد الكوفة وضربة الزلزلت الاكوان

تطوف وبيدها العبّاس وعلى خدها الدّمع سايل

تقلّه تذكر يوم ابونا يقول من تختارين لك كافل

قِلِتله يوم ودّعني قلبي اختار ابو فاضل

غيور وليدك العبّاس وبحمايته ما بنهان

أمر الحسين (عليه السلام) العبّاس والهواشم وأبناء عمومته وأولاده بتجهيز المحامل والهوادج فأتمروا بأمره...

وتزلزلت مكّة بأهلها وارتفع منها الونين

سمعوا الكعبة تنادي يابن امير المؤمنين

ناعية تصرخ وكم ناعية تصرخ لوداع الحسين

 

151


137

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

حاولَ ابنُ الحنفيّة أنْ يُقنِعَ أخاهُ الحسينَ (عليه السلام) بالبقاءِ في مكةَ المكرَّمة، وألَّا يلحقَ بالأماكنِ النائيةِ في الصحاري وشُعَبِ الجبال، وأنْ ينتقلَ من بلدٍ إلى آخرَ، كما اقترحَ عليه أن يذهبَ إلى اليَمن. فلمَّا رأى الحسينُ (عليه السلام) شدّةَ حِرْصِ أخيه عليه، أرادَ أن يهدِّئَ روعَه، فقالَ له: أَنظُرُ في ما قُلتَ. وكان ذلكَ في آخرِ ليلةٍ للحسينِ في مكّة. وفي سَحَرِ تلك الليلة تهيَّأَ الإمام الحسين (عليه السلام) ورَكْبُهُ لمغادرةِ البيتِ الحرام، فلمَّا سمعَ ابنُ الحنفيّةِ جاءَ مسرعًا، وأخذ بزمامِ دابّةِ أخيه الحسينِ وهو يقول: يا أخي، ألمْ تعِدْني النظرَ في ما سألتُك؟ فقال الحسينُ (عليه السلام): بلى، ولكنْ أتاني رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) بعدما فارقتُكَ، وقالَ لي: يا حسينُ، اخرجْ، فإنَّ اللهَ شاءَ أن يراكَ قتيلًا! فبكى ابنُ الحنفيةِ ثمَّ قالَ للحسينِ(عليه السلام): إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون! فما معنى حملِ هؤلاءِ النساءِ والأطفال، وأنتَ على مِثْلِ هذه الحال؟! فأجابه (عليه السلام): شاءَ اللهُ أن يراهُنَّ سبايا!

جِسمي على حَرِّ الصعيدِ خضِيبا

أَأُخيَّ إنَّ اللهَ شاءَ بأنْ يَرى

أَسْرى وزينَ العابدينَ غريبا

ويَرى النساءَ على النياقِ حَواسِرًا

أُمسيْ بساحةِ كربلاءَ سليبًا

اكفُفْ فَقَد خُطَّ القضاءُ بأنّني

(شعبي)

قلّه ودمع العين فوق الخدّ تبديد

حجّي وسعيي في طفوف الغاضريّه

حجّي مهو بزيّ الحجّ حجيّ يوم عاشور

صدري الكعبة والحجر نحري المنحور

وحجر النبي اسماعيل الأكبر بدر البدور

أمّا طوافي حول اخيام خليّه

 

 

152


138

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

رجع ابنُ الحنفيّة إلى المدينةِ كسيرَ القلبِ دامعَ العين، حتّى جرى ما جرى على الحسينِ وعيالهِ من قتلٍ وسبيٍ، ودخلَ بِشْرُ بنُ حَذْلَم ينعاه في المدينة.

روى المؤرّخونَ أنَّ الإمامَ السجادَ(عليه السلام) لمَّا قدِمَ المدينة، نَصَبَ الخيامَ، وأَمَرَ بأنْ يُنعى الحسين... وبدأ الناسُ يتوافدونَ على خيمةِ الإمامِ لاطِمِي الرؤوس، وإذا بمحمّد بن الحنفيّة أخِ الإمامِ الحسينِ يصِلُ إلى مكانِ الإمامِ زينِ العابدين... والإمامُ ينادي: أيُّها الناسُ، قُتِلَ والدي الحسينُ، وطافوا برأسِهِ إلى جميعِ البلدانِ!

يـﮕِـلَّك وتِهِلْ دمعاتْ عِينَه

يَشِبْل حْسين ابُوك حسين ويِنه

يـﮕـلَّله يا عمِّي بُويَ انذِبَحْ واحنا انسبينا

يا عمِّي قَلبي كيف اعدِّدْلك صْدُوعَة

منْ كربلا للكوفْة للشامِ الفِجِيعَة

تَصدِّق يا عمِّي من فعايلها الشنيعة

والله ذبْحَوْ على صدْرَه رِضِيْعَه

عمِّ يا زينَ العابدين، ذَبَحوا أباك؟! ذبَحوا أعمامَك؟! قال: بَلى يا عم... وجعل الإمامُ (عليه السلام) يقُصُّ عليه ما جرى!

(مجردات)

مْـحمَّدْ يَعمِّي جِيتَك ايتيم

او ظَلْ معي بس الحريم

شَقِلَّكْ يا عمِّي مالي لْسَانْ

على وجوهُهِنْ فرّنَ النسوانْ

قال الراوي: فما كانتْ إلّا ساعَة، وقد أتَتْ نساءُ أهلِ المدينة، فتلقّتْهُنَّ نساءُ الحسين (عليه السلام) بلطمٍ يكادُ الصخرُ يتصدَّعُ له، ثمّ دخلوا

 

153

 

 


139

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

الزهراءُ(عليها السلام) تجيبُها بلسانِ الحال:

يزينبْ يُّمه خِبريني اريدْ اسمَع شِنو اللي صار

ترا همِّچْ هِدَمْ حِيلي يابنتِ المُرتضى الكرَّار

خِبريني ينورِ العِين ترا گَلْبِي توجَّر نارْ

اُخوتِچْ ليش مارِجْعَوا ولا اولادِچْ الاطهار

الگَلُبْ مِشتاگ يايُمّة للحسين اللي يحمِيِ الجَار

آه يازينبْ آه يازينبْ آه يازينبْ آه

شْعَجَبْ جيتيني مهضُومة وجيتي امحمَّلة أحزان

الدمعْ جاري على خدِّچ وتحچِي دْموعِچِ الأشْجانْ

ييُمَّة فرغي هَمْ گلبِچْ ترا گَلبِي إلچْ وَجْعانْ

أَموتَ أنا ولاانظْرِچْ شِلتي امنِ الحزِنْ ألوانْ

آه يا زينبْ آه يا زينبْ آه يا زينبْ آه

تجاوبها زينب(عليها السلام):

شَجَاوِبْ يُمّة شَرْدَ اَحْچي على گَلبِي الهمومْ اجْبال

ابْياَ هَمْ أبْدِي وِبْيا ضِيْم يَنكْبةْ اشْكيلِچ ويَاحَال

اذا تْسألِين عنِ اخواني جُثَثْ ظَلّوا على لِرْمَال

ابْوادي كربلا انْذِبْحو كِلْهُم والدِّما سيَّال

ورِكَبْتِ اعلى الِهزِل ويْه الأعادي مْربَّطة بأحبال

آه يايمّه آه يايمّه آه يايمّه آه

 

155


140

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

يَايُمَّة اخواني واولادي ظمايا بِقَوا مسلوبين

لا جاسمْ ولا الاكبرْ ظَلوا عالثَرى امْطاعين

وحِمَه خِدري بعمَدْ ضِرْبُوه على اجْبينه وسهمْ بالعين

منْ بعدِ الضرِبْ بِسْهَام گِطْعوا يسرِتَه وِليْمِين

اسكُتْ لو اكمِّلْ لِچْ عن اعزيزِچْ حبيبي حسين

آه يايّمة آه يايمّة آه يايمّة آه

يَلِحْبَيبةْ احسَنِّچ نِحلْتي ولونِچْ اتغيَّر

امنِ اَجتْ سيرةِ حسينِ اهْنا اشُوفَنْ حالِچْ اتكدَّر

هذا بس حچِي بلسانْ بدليلِچْ هالكُثر اثَّر

ماينلامْ انا گَلبي لوَن باحزانَه يتفجَّر

آه يا يمّة آه يا يمّة آه يا يمّة آه

شِفْتَ انا السبِطْ عالگَاعْ ومِنِ جْر وحَه يسيل الدَّم

بسهِمْ مسمُومْ بالدَّلال وشِفتْ دلَّالهْ امْخذَّم

رحِتْله بونِّتي وهمِّي لگِيته ضامي يِتألمْ

رِدِتْ اسگِيه منِ ادمُوعي لگِيتْ اعيوني صبَّتْ دَم

بُقيت انا انْحب بْكِتْره اجاهْ الشِمِر محزَّم

دِفْعني بحقدَه من عِندَه وبِدَه يحزْ نحرَه يامَعظَّم

هالمصيبة هالمصيبة هالمصيبة آه

 

 

156


141

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

 

 حَمَلوهُنَّ قد سُبينَ عَلَى الأ

قْتـَابِ سـبْيًا بالعُنفِ والتهويلِ

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

157


142

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

المجلس الثاني: أمّ سلمة وأمّ البنين (عليهما السلام)

القصيدة

١/حرَّ قلبي حينَ جاءتْ في ذهولْ

جفنُها المقروحُ أعياهُ الهطولْ

أيّها الناعي ترفَّقْ ما تقولْ؟

زدْتَ كربي وانكساري والحنينْ!

٢/قَالَ من هذي أتَتني بالسؤالْ؟

ما وَعَتْني نعيُهُ دكَّ الجبالْ!

قيلَ ذي بنتُ الوفا، أمُّ الرجال

خفِّضَنْ يا بِشْرُ ذي أمُّ البنينْ

٣/مالَ بِشْرٌ نحْوها ينْعى الشبابْ

قائلًا يا أمُّ قدْ جلَّ المُصابْ

(جعفَرٌ) ملقىً وَ(عَوْنٌ) في الترابْ

قُرْبَ (عبدِ اللهِ) مَطْروحٌ طعينْ

٤/فَدَنَتْ تبكي تُنادي بالنَحيبْ

بِشْرُ خبِّرني عَنِ السبطِ الحبيبْ

كُلُّهُمْ والخلْقُ والكَوْنُ الرحيبْ

لَيْتَهُمْ يَفْدونَ ابنَ الطيِّبينْ

٥/صاحَ بينَ النَّاسِ يا أمَّ العضيدْ

شبلُكِ العباسُ ذو البأسِ الشديدْ

جالَ يُذري رُوسَهمْ ذرْيَ الحصيدْ

مِثْلَ كرّارِ الوغى ليثِ العــرينْ

٦/فإذا ما خرَّ مطروحًا جديلْ

ضاعَ شَملُ السبطِ مُذْ راحَ الكفيلْ

فانثنتْ بالآهِ تدْعو والعويلْ

لا تقلْ يا بشرُ قد ماتَ الحسينْ

٧/قالَ إي يا أُمُّ أَمْسى في الفَلاةْ

بَعْدَ ذَبْحٍ رَضْرَضَتْهُ الصافِناتْ

 

158


143

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

رأْسُهُ المَقْطوعُ تَبْكيهِ القَناةْ

ينظُرُ الحوراءَ يسبيها اللَّعينْ

٨/فهوى مِن كفِّها طفلٌ رضيعْ

مِثْلَ سِقْطٍ خرَّ في اليومِ الفجيعْ

لا تَسَلْني إنّهُ خَطْبٌ فظيعْ

وهْوَ أصْلُ الطَّفِّ والفعلِ المُشينْ

لسان حال أمّ البنين (لحن أمانة هالوصيّة)

خذت قلبي ورحت وين

ترد يوليدي يحسين

لو اتطول هالغياب

دليلي انقسم نصين

آه يبني...يبني...يبني آه

الك مشتاگه روحي

يبلسم كلّ جروحي

يا ريحانة محمّد

عليك يزيد نوحي

آه يبني...يبني...يبني آه

لظل معصوبة الراس

بعدكم يا اعز الناس

ثكلتو اگلیبي والروح

وسكنتوا بوسط الأنفاس

آه يبني...يبني...يبني آه

 

 

159


144

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

(أبو ذيّة)

وين الدهر عن عيني بعدهم

عسه ام عبّاس ماعاشت بعدهم

شلون احمل هجر احبابي اوبعدهم

بعدهم هدني ما ضل حيل بيّه

المصيبة

لمّا عزم الإمام الحسين (عليه السلام) على الخروج من المدينة، يقول الراوي: جاءت أمّ سلمة، قالت له: يا بنيّ، لا تحزنّي بخروجك إلى العراق؛ فإنّي سمعت جدّك يقول: يُقتل ولدي الحسين بأرض العراق، في أرضٍ يُقال لها كربلاء، فقال لها: يا أمّاه، والله إنّي أعلم ذلك... وإنّي، والله، لأعرف اليوم الذي أُقتل فيه، وأعرف من يقتلني، وأعرف البقعة التي أُدفن فيها، وأعرف من يُقتَل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي... فبكت أمّ سلمة، وسلّمت أمرها إلى الله، وقالت: يا أبا عبد الله، عندي تربة دفعها إليَّ جدّك رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قارورة. فأعطاها الحسين تربة في قارورة أخرى، وأمرها أن تحتفظ بها في قارورة مع قارورة جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإذا رأتهما تفوران دمًا، تيقّنت أنّه قد قُتِل! فأخذتها أمّ سلمة ووضعتها مع قارورة رسول الله (صلى الله عليه وآله).

سار الحسين (عليه السلام) إلى العراق... وأمّ سلمة تنظر كلّ يوم إلى القارورتين، حتّى كان يوم العاشر من المحرّم، نظرت أمّ سلمة إلى القارورتين، فإذا بهما تفوران دمًا! فصاحت: واولداه! واحسيناه! علا صوتُها بالنوح والبكاء، اجتمعت النسوة من بني هاشم في المدينة عندها، قالت لهنّ: أسعدنني بالبكاء على ولدي الحسين!

 

160

 


145

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

إجاني الخبر بحسين مذبوح

ودمّه على التربان مسفوح

والله لنوحن وقضّي العمر بالنوح

واعمي عيوني واتلف الروح

اشلون الصبر وحسين مذبوح

إلى أن جاء اليوم الذي قدِم فيه الإمام زين العابدين إلى المدينة بعمّاته وأخواته، ودخل بشر بن حذلم ينعى الحسين، وصل إلى مسجد رسول الله، رفع صوته مناديًا:

يا أهلَ يثرِبَ لا مُقامَ لكُم بها

قُتل الحسينُ فأدمُعِي مِدرارُ

الجسمُ منهُ بِكَربلاءَ مُضَرَّجٌ

والرأسُ منهُ على القَناةِ يُدارُ

ضجّت المدينة بالخبر، خرج الناس، الرجال والنساء، وكان كيوم رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله). يقول بشر: بينما أنا أسير، وإذا بامرأة طويلة القامة، على كتفها طفل رضيع، قالت: يا بشر، أخبرني عن الحسين (عليه السلام)، فقلت لها: سيّدتي، من أنت؟ من تكونين؟ فقالت: يا بشر، أنا أمّ البنين، أمّ أبي الفضل العباس! فقلت لها: يا أمّ البنين، أعظم الله لك الأجر بولدك جعفر!

قالت: ما سألتك عن جعفر، أخبرني عن الحسين.

فقلت: أعظم الله لكِ الأجر بولدك عبد الله!

قالت: ما سألتك عن عبد الله، يا بشر، أخبرني عن الحسين.

قلت لها: أعظم الله لكِ الأجر بولدك عثمان!

 

161


146

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

قالت: أخبرني عن الحسين.

قلت: يا أمّ البنين، أعظم الله لكِ الأجر بولدك قمر العشيرة أبي الفضل العبّاس!

لمّا سمعت ذلك، وضعت يدها على خاصرتها، وقالت: يا بشر، لقد قطّعت نياط قلبي، ما سألتك عن أولادي، أخبرني عن الحسين! عند ذلك قلت لها: يا أمّ البنين، أعظم الله لكِ الأجر بالحسين، فلقد خلّفناه بأرض كربلاء جثّة بلا رأس، فصاحت: واولداه! واحسيناه!

هَامَتِ وعَلْمَتِ انشال الطفل حمّاي الضعينه

واسمَعَتْ بشر بن حذلم ينعى باطراف المدينه

نادته يا بشر قلّي عن عزيزي حسين وينه

حسين حسين يا حسين

قلها عظّم المعبود أجرك واصبري بهاي الفجيعه

بكربلا بدر الهواشم نايم بجنب الشريعه

بالعمود افضخَوا راسه والسهم ناشب بعينه

حسين حسين يا حسين

يقوللها ضلّ بوادي كربلا بغير تكفين

بس زينب الردّت بالنساوين

ردّت فاقده العبّاس وحسين

حسين حسين يا حسين

 

162


147

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

(عاشوري)

يگلها عظّم الله أجرك بالحسين آه آه

بقى بوادي الطفوف من غير تكفين

اومشى السجاد بظعون النساوين آه آه

ونصب برّه المدينة إلهم امخيّم

قالوا: طلبت مولاتنا زينب (عليها السلام) بأن لا يدخل عليها أحد، إلّا من فقدت لها عزيزًا في كربلاء، وجلست في منزلها، وجعلت جاريتها على الباب، وإذا بالباب يطرق، فقالت الجارية: من على الباب؟ فقالت لها: قولي لسيّدتك زينب إنّي شريكتها في العزاء، أنا أمّ البنين.

صـاحت صـوت آيا فگد الأطياب

والله اشـموحشه يـا دور الأحباب

اهناك اوسمعن الصرخه على الباب

أنـا أم عـبّاس اجـيتچ لا تفترين

فلمّا دخلت استقبلتها زينب واعتنقتها وبكت وقالت: واخاه! واعبّاساه! فأجابتها أمّ البنين: واولداه! واحسينا!

اچت زيـنب او نـادت تلگنها

بالله اويـاي گومـن سـاعدنها

هـاي أم الـبنين الـراح منها

صناديد اربعه او بالحرب نفلين

بچت زينب اوصاحت آه يحزني

اولفتها أمّ البنين ابضلع محني

تـصيح ابصوت آه يحسين يبني

هـاي امصيبتك بچَّت الدارين

 

اشلون أم البنين اصياح صاحت

اهنا يحسين يبني روحي راحت

تـلگلنها الحرم عيَّت اوناحت

 

 

163

 


148

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

قيل: وذهبت أمّ البنين وزينب (عليهما السلام) إلى قبر الزهراء (عليها السلام)، إلى قبر الأمّ الحنون...

امّ البنين الأربعة وي زينب اتلاگن

گلب الصخر ظل ينتحب من نحبن وصاحن

گعدن على گبر الطهر بصوت الحزن ناحن

جنب الزچية امّ الحسن نصبن عزا راحن

لطمت وجهها الطاهرة واتنادي يا زهره

واستها عالمولى السبط تنحب على العتره

تگلها يا بنت المصطفى ابني اسحگوا صدره

شلون العگيلة تنسبي زينبكم الحرّه

(أبو ذيّة)

أنا أمّ الأربعة الراحوا ولا جوا

عقبهم أرض ما تلمّني ولا جوّ

اشكثر ونَّوا على الغبره ولاجو

بعت دمهم على الزهرا الزكيّه

 

أني أربعه بدور اذخرتهم لن مشوا للغاضريّه

والله لو رجعوا يا دهري لوفي الندور الـ عليّه

عبّاس عون ويا جعفر وعبد الله يا عظم الرزيّه

راحت الأولاد راحوا وما بعد للبيت جيّه

 

كأنَّ كلَّ مكانٍ كربلاءُ لدى عيني

وكلَّ زمانٍ يومُ عاشورا

لهفي لظامٍ على شاطي الفراتِ قضى

ظمآنَ يرنو لعذبِ الماءِ مقرورا

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

164


149

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

المجلس الثالث: وصيّة السيّدة الزهراء للسيّدة زينب (عليهما السلام)

القصيدة

للهِ أشكو لوعتي وشُجوني

أدميتَ يا شهرَ الحرامِ جُفوني

يأبى هلالُكَ أن يلوحَ لناظرِي

إلَّا ويُجري بالدموعِ عيوني

شهرٌ به نزلتْ أجَلُّ رزيةٍ

للهِ خطبٌ هدَّ رُكنَ الدينِ

أيُحَزُّ رأسٌ للحسينِ بكربلا

ويظلُّ منجدلًا بلا تكفينِ

أَتَرُضُّ خيلُ بني أميَّةَ صدرَهُ

ثأرًا لحقدٍ في الصدور دفينِ

أيُشالُ فوقَ السَّمْهَرِيَّةِ رأسُهُ

ونداءُ زينبَ يا أخي ومعيني

والشمرُ يَجلدُ بالسياط متونَها

فيسيلُ مَدْمَعُها دمًا بأنينِ

حَرَّمْتَ يا شهرَ المحرَّمِ فرحتي

مُذْ كنتَ شهرَ عزا بني ياسينِ

وسقَيتني منذُ الطفولةِ حُرقَةً

ستظلُّ تُشْجيني ليومِ الدِّينِ

(لحن لِفَى عاشور)

لِفَى عاشورْ يمولانا

وِإجِينا المْأتَمِ نُحضْرَه

گْلُوبِ الشيعة حَزْنَانَه

وْتِوَاسي گَلْبَكِ وْصَبْرَه

آه يا مولاي آه يا مولاي آه يا مولاي آه

 

166


150

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

إذا كان الموالون والمحبّون في مشارق الأرض ومغاربها يتألّمون في هذه الأيام، ويتجدّد الحزن والعزاء في قلوبهم، وينصبون المآتم، ويذرِفون الدّموع على جدّك الإمامِ الحسين (عليه السلام)، فكيف حالُ قلبِك سيّدي، والثارُ ثارُك، والعزاءُ عزاؤك سيّدي يا صاحب الزمان؟!

عظّم الله لكَ الأجرَ بجدِّك المظلومِ والعطشان، الذي بكتْ عليه ملائكةُ السماء والأنبياءُ جميعًا!

نعم، كلُّ الوجودِ بكى على مصابِك سيّدي أبا عبد الله، مِن أوّل الأنبياءِ آدمَ (عليه السلام)، فعندما رأى أسماءَ الخمسةِ من أهل الكساءِ، وهم: محمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، لقنّهُ جبرائيلُ (عليه السلام) أن يقول: يا حميدُ بحقّ محمّد، ويا عالي بحقّ عليّ، ويا فاطرُ بحقّ فاطمة، ويا محسنُ بحقّ الحسن، ويا قديمَ الإحسانِ بحقّ الحسين، فلما سمع بذكر الحسين (عليه السلام) سالت دموعهُ وانخشعَ قلبُه، فقال: يا أخي جبرائيل، في ذِكْرِ الخامسِ ينكسرُ قلبي وتسيلُ عَبْرَتي، فأخذَ جبرائيل في بيان السببِ راثيًا الحسينَ (عليه السلام)، وآدمُ والملائكةُ الحاضرون هناك يسمعونَ ويبكون، فالناعي جبرائيل، والمستمعون آدمُ والملائكة، فقال جبرائيل (عليه السلام): يا آدم، وَلَدُكَ هذا يصابُ بمصيبةٍ تصغُرُ عندها المصائب، قال: وما هي؟ قال: يُقتَل عطشانَ غريبًا وحيدًا فريدًا، ليس له ناصرٌ ولا معين، ولو تراهُ يا آدمُ، وهو يقول: واعطشاه! واقلّة ناصراه! حتّى يحولَ العطشُ بينَه وبينَ السماءِ كالدخان، فلم يجبْهُ أحدٌ إلّا بالسيوفِ وشَرَرِ الحتوف، فيُذبَحُ ذَبْحُ الشاةِ من قفاه، ويُنهَب رحلُه، وتُشْهَرُ رؤوسُهم في البلدان، ومعهم النِّسوان، كذلكَ سبق في علم الواحدِ المنّان.

 

 

168


151

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

وهذا خاتمُ الأنبياءِ الرسولُ الأكرمُ محمدٌ (صلى الله عليه وآله)، كما تروي أمُّ سَلَمَة، قالت: كان النبيُّ (صلى الله عليه وآله) جالسًا ذاتَ يومٍ في بيتي، فقال: لا يَدْخُلَنَّ عليَّ أحد، فانتظرتُ، فدخل الحسين، فسمعتُ نشيجَ النبي (صلى الله عليه وآله) يبكي، فاطَّلعتُ، فإذا الحسينُ في حِجْرِه، أو إلى جنبه، يمسحُ رأسَه وهو يبكي، فقلت: والله، ما علمتُ به حتّى دَخل.

قال النبيّ (صلى الله عليه وآله): إنّ جبرائيل كان معنا في البيت، فقال لي: أتحبُّه؟ فقلتُ: أمّا مِن حُبِّ الدنيا نَعَمْ، فقال: إنّ أمّتكَ ستَقتُلُ هذا بأرضٍ يقال لها كربلاء، فتناول من ترابها، فأراهُ النبيَّ (صلى الله عليه وآله)، فلمّا أُحيط بالحسينِ حين قُتل، قال: ما اسمُ هذه الأرض؟ قالوا: أرضُ كربلاء، قال: صدقَ رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وآله)، أرضُ كَرْبٍ وبلاء...

أمّا أئمّتُنا (عليهم السلام)، فكانت مصيبةُ الإمامِ الحسين دائمًا حاضرةً في قلوبهم ووجدانهم!

فنجدُ الإمامَ عليَّ بْنَ الحسينِ (عليه السلام) يقول: أيّما مؤمنٍ ذَرَفَتْ عيناهُ لقتل الحسينِ بنِ عليّ (عليه السلام) حتّى تسيلَ على خدِّه، بوَّأهُ اللهُ بها في الجنّة عزًا يسكنُها أحقابًا.

ويقول الإمامُ الباقرُ (عليه السلام): رَحِمَ اللهُ عبدًا اجتَمع مع آخَرَ فتذاكرا في أمرِنا، فإنّ ثالثَهما مَلَكٌ يَستغفِر لهما.

وبهذه المجالس يوصي الإمام الصادقُ (عليه السلام): إنّ تلك المجالس أُحبُّها، فأحيوا أمرَنا، رحم اللهُ مَن أحيا أمرنا.

وعن الإمام الرضا (عليه السلام): مَن تذكّر مصابنا وكبر لما ارتكب منا،

 

 

169

 


152

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

كان معنا في درجتنا يومَ القيامة. ومن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى، لم تبكِ عينُه يومَ تبكي العيون. ومن جلس مجلسًا يُحيا فيه أمرُنا، لم يمت قلبه يومَ تموت القلوب.

وها همُ الشيعة والموالون في مشارق الأرض ومغاربها، يهبّون في كلّ محرّمٍ ويجتمعون لإحياء هذه الأيّام المباركة، حزنًا على سيّدهم الإمامِ الحسينِ (عليه السلام)، وامتثالًا لأمر أئمّتنا (عليهم السلام)، ومواساةً لهم ولصاحبة العزاء في هذه الأيّام مولاتِنا الزهراء(عليها السلام) التي بكت على مصاب ولدها الإمامِ الحسينِ عندما أخبرها الرسولُ الأكرمُ (صلى الله عليه وآله) بما سيجري على مولانا الحسين...

كأنّي بمولاتنا الزهراء(عليها السلام) في آخر أيّامها، وهي ممدَّدة على الفراش... ولكن مع هذا لا تنسى مصائبَ أولادها!

كأنّي بها توصي مولاتَنا زينب (عليه السلام)... وتحكي لها المصائبَ القادمة:

هِيَّ نارِيْن يا زينب

الأُولى شِفِتْها بْعيني

أمَّا الثانية تْنَادِين

لكِنْ وِينِكِ وْوِيني

إِهِيْ طَشْتِينْ يا زينب

عَليها الباريِ يْعِينِجْ

جِبْدِ الْحسنْ باوّلها

ويْداريه عن عِينِجْ

يَزِينَب ثانيِ الْطَشْتِينْ

بِتْشِيليَنه بِيْدِينج

رُقَيّه اعلَه الطَشِتْ بِتْمُوتْ

وتْنِظرين مَنْظَرها

 

 

170


153

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

بُنَيَّة زينب، أنا عندي وصيّة إذا رأيتِ أخاكِ الحسين وحيدًا في كربلاءَ، لا ناصرَ لهُ ولا مُعين قبِّليهِ في نحرِهِ، وشُمِّيهِ في صدرِهِ!

(على طور سامحيني)

يالحِبِيبَة...يالحبيبة

اُقتربي يُمّه واسمعَي مِنِّي الوِصيَّة

يالحبيبة... يالحبيبة

أظِنْ هاي الليلةْ تِلفيني المِنيّة

بعدي تلفِيكُم نِوايبْ هالدِنيَّة

يِنطِبِر راسِ الوِليْ بسيفِ المِنيّة

ورا المظلومْ...الحَسنْ مَسمُوم

تْشوفي چَبْده يِقذِفَهِ اگبالِچْ يا يُمَّه

وتنظُرِي احْسين...يِبْچِيِ ادْمُوم

وراسَ اخوهْ بلهفَة لَحضَانَه يُضُمَّه

يا نِجِيبَة... يا نجيبة

وتُبْـﮕَـى دمعاتِچْ على اخوانِچْ جِريَّة

يالحبيبة... يالحبيبة

اقْتُربي يُمّه واسْمَعِي مِنِّي الوِصيَّة

بَعِدْ كَمْ عام... تِشوفيِ حْسِين

ظَامي للخِيمة يجي يودَّع عِيالَهْ

تْحيطَه ظِلّام... ماإلَهْ امْعِين

ابْلهَب نارِ المعركةْ تركُضْ اطْفَالَه

مثِل ماشفتي دِمَهْ المِحسن عالاعْتَابْ

تِشوفي اخوانچِ دْماهُم يِصْبَحِ اخضَاب

والمصيبة... يا غِرِيبَة

تبْقِي بين اعْدَاچْ مَگيودَه وْحِنيَّة

يالحبيبه... يالحبيبه

اقْتُربي يُمّه واسْمعي مِنّي الوصِيَّة

مِنْ أَثرْ هاي... سطرَةِ العِين

تنِسبينِ انْتي وتِضرُبِچْ آل امَيّة

وتِنْظُري راسْ...اخُوچِ الحسِين

عالرُمِح والجسَدْ مرمي اعلى الوِطيّة

 

171


154

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

بسْ گَبُل ماتِسْحَگِ الخِيلِ اعلى صَدْرهْ

قَبِّلي مِنَّه الصدُرْ وْشِمِّيلي نَحْرَه

والعِجِيبه... انْتي سِليبَه

يِضِربُوچ بْسُوط وتْروحي سِبيَّه

يالحبيبه... يالحبيبه

اقتُربي يُمّه واسمَعي مِنِّي الوِصيّة

لذلك يومَ عاشوراءَ، عندما ودَّع الإمامُ الحسينُ زينبَ والنساءَ الوداعَ الأخيرَ...

وإذا بمناديةٍ من خلفه: أخي حُسين، قِفْ لي هُنَيهةً، فالتفتَ الحُسين (عليه السلام) إلى خلفِهِ، وإذا بها أختُه زينبُ(عليها السلام). قال لها: أُخيَّة، ما تريدين؟! قالت: أخي، انزِلْ مِنْ على ظهرِ جوادِك، فنزلَ الحسينُ (عليه السلام). جاءتْ إليه، قالت: أخي، اكشِفْ لي عن صدرِكَ ونحرِك، فكشفَ لها الحسينُ. ضَمَّتْهُ إلى صدرِها، قَبَّلتْهُ في نحرِهِ، شمَّتهُ في صدرِهِ، ثمُّ حَوَّلتْ وجهَهَا ناحيةَ المدينة، وصاحتْ: أُمّاهُ، لقد أدَّيتُ الأمانة. قال الحسينُ (عليه السلام): أُخيّه، وما الأمانة؟!

قالت: أخي، لمّا دَنَت الوفاةُ من أمّنا فاطمة، دَعتْني إليها، ضمَّتْني إلى صدرِها، قبَّلتني في نحري، شمَّتني في صدري، وقالت: بنيَّة زينب، إذا رأيتِ أخاكِ الحسينَ وحيدًا فريدًا في كربلاء، قبِّليه في نحرهِ، فإنَّه موضعُ السيوف، شمُّيه في صدرِهِ، فإنَّه موضعُ حوافرِ الخيُول!

(لحن الفراق)

شَمِتَّه بْنحرَه صاحتْ سلامَ الله يِزِكَّيّه

شَمِتَّه بْنحرَه يُمَّه أدِّيتِ الك الوِصيَّة

شَمِتَّه بْنحرَه بأمانَ الله والْدَمْعة جِريَّه

 

172


155

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

ودِيعِتِكْ يُمَّه خَذِتْها وقَبَّلتِ الصَدُر

ودِيعِتِكْ يُمَّه خَذِتْها وشمّيت النَحَر

ودِيعِتِكْ يُمَّه عَلِيها لَبْكِي هالعُمُر

هذا الوداعُ كانت مولاتُنا زينبُ تضُمُّ أخاها الحسين إلى صدرِها... وتنظرُ إلى وجهه وهو سالمٌ مُعافى... ولكنْ هناك وداعٌ آخرُ صعبٌ على قلب زينب...

لمَّا نظَرتْ إلى مَولانا الحسين مطروحًا على رمال كربلاء، مُرمَّلًا بالدِّما، انحنتْ عليه، وضعَتْ يدَيها تحتَ ظهرِهِ ورفعتْهُ إليها، وصارتْ تمسحُ الدمَ والترابَ عن وجهِهِ، وتقول: أَأَنتَ أخي الحسين؟! أأنت ابنُ والدي؟!

أخي، بحقِ جدِّنا رسولِ اللهِ، بحقّ أبينا أميرِ المؤمنين، بحقِّ أمِّنا الزهراء... كلِّمني يا نور عيني!

خُويا يا خُويا لا تَخلِّيني

شوفِتَكْ خُويا تْعوِّدَتْ عِيني

تِرضَى يا خُويا يِستِمِرْ يُتْمِي

فاقِدَةْ بُويا وفاقدة أُمّي

تِرضى أتْضَيَّع ولا أحد يَمِّي

تترِكِ الحَورا والدَّمِع يِهْمِي

ارجعِ لبِيتَك تِكفه دَاريني

شُوفِتَك خُويا تعوِّدت عيني

كِنْتِ إذا أنوي زيارةِ الزَهرا

بُويا ياخِذْني وْيمسحِ العَبْرة

ظِلِّيِ وْطُولي إنْتَ اللي تِسِتْره

خايفْ عْلَّيه حتى مِنْ نَظْرة

ومن بَعِد فقدَكْ مِنْهو يحميني

شوفِتَكْ خويا تعوَّدتْ عيني

 

173


156

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

كانَوِ يْسَمُّوني أُمِ الخِدِرْ زينب

وْتَالي بالمجلِسْ أنضِربْ وانْسَبْ

عَجْفَة مَهزولة تِرضَى أتْركَّبْ

وكِلْ هَلي يِرْوحُونْ واني أتْعذَّبْ

كِلْ هَلي يِرْوحُونْ ولا حَدِّ يْجيني

شوفِتَكْ خُويا تعوِّدَتْ عيني

 

لا بُدَّ أنْ ترِدَ القيامةَ فاطمُ

وقميصُها بدمِ الحسينِ ملطَّخُ

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

174


157

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

المجلس الرابع: الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) صاحب الثار

القصيدة

ثَارَ الحُسَيْنِ فُؤَادُ عَبْدِكَ قَدْ بَكَى

حُزْنًا عَلَى المَظْلُومِ وَالعَطْشَانِ

وَالعَيْنُ قَدْ جَادَتْ بِدَمْعٍ أَحْمَرٍ

لَمَّا ذَكَرْتُ غَرِيبَةَ الأَوْطَانِ

تِلْكَ الِّتِي وَرِثَتْ مَصَائِبَ أُمِّهَا

وَبِقَيْدِهَا سَارَتْ مَعَ العُدْوَانِ

سَارَتْ وَغُلُّ القَيْدِ يُدْمِي مَتْنَهَا

وَالحَبْلُ يَجْمَعُهَا مَعَ النِّسْوانِ

وَمُتُونُهَا قَدْ وُشِّحَتْ بِسِيَاطِهِمْ

وَالظَّهْرُ مُنْحَنِيًا مِنَ الأَحْزَانِ

وَمَلَامِحُ الوَجْهِ الكَرِيمِ تَشَتَّتَتْ

مِنْ جَوْرِ عُدْوَانٍ وَسَيْرٍ ضَانِ

وَدُخُولُهَا لِلشَّامِ أَوْقَدَ فِي الحَشَا

نِيرَانَ وَجْدٍ هَيَّجَتْ أَشْجَانِي

يَا سَيِّدِي لَوْ خِلْتَهَا بِخَرَابَةٍ

تَحْمِي النِّسَا مِنْ أَعْيُنِ الخُوَّانِ

وَتُعَايِنُ الأَغْلَالَ تَرْفُلُ فِي يَدَيْ

زَيْنِ العِبَادِ وَخِيرَةِ الشُّبَّانِ

فَتَصِيحُ مِنْ قَلْبٍ حَزِينٍ مُوجَعٍ

أَحُسَيْنُ لَيْتَكَ حَاضِرٌ وَتَرَانِي

بَعْدَ الحِمَى وَالصَّوْنِ صِرْتُ أَسِيرَةً

وَإِلَى يَزِيدَ وَرِجْسِهِ أَهْدَانِي

 

176


158

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

(شعبي)

تصد ليّه وتنقط سم

وين امشي أشوف عيون

جمرة وتنقط سم

واشوف سيوفهم

سمعني الشمر وتبسّم

صحت وينك يا بو الغيرة

للكوفة انقودك مسبيّة

صاح وسوطه ألتف عليَّ

تاليها الشمر يمّي

أنا امّ الخدر يا حيف

ويشتم والدي وأمّي

يباو عليّ ويهز السوط

وآنه تمايل بهمّي

محّد قال عيناك

 

اركض واتلفّت واتعثّر

وين الكافل ظعن الخدر

وين الدق إلي صدره

وقال بخدرك أتكفّل

تالي عافني بغربة

وعليّه الشمر يتمرجل

اريد امشي لراعي الجود

وشوفه بها لوضع يقبل

اشعر صوته يرد بضلوعي

وما خليته يشوف دموعي

آخر دمعة عتاب

على الشاطي أخلّيها

تذكرني بالذي ينشد

زينب وين أهاليها

هزيلة الناقة جابوها

وأختك تركب عليها

يا هو العنّاقة يركّبني

ومن أوقع خاف تعاتبني

 

177

 


159

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

(أبو ذيّة)

كان وكان اذكر يمّك آني

البشر ما كان يقرب يم مكاني

يخويه شلون يضربني ويَمّك آني

يضربوني ويشتمون الزكيّه

المصيبة

لمّا علَّم جبرئيل (عليه السلام) زكريا (عليه السلام) أسماء الخمسة من آل محمّد (صلى الله عليه وآله)، كان زكريا يقول: إلهي ما لي كلّما ذكرتُ أربعًا منهم تسلَّيتُ بأسمائهم من همومي، وإذا ذكرتُ اسم الحسين اختنقتُ بعبرتي وثارت زفرتي، فأخبره جبرائيل بما سوف يجري على أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) في كربلاء.

فلمّا سمع زكريا ذلك، جلس في محرابه ومنع النّاس من الدخول عليه، وكانت ندبته: إلهي، أتفجع محمّدًا حبيبك بولده! أتُلبِس عليًّا وفاطمة ثوب هذه المصيبة! وكان من دعائه: اللهمَّ، ارزقني ولدًا تقرّ به عيني، واجعل محلّه منّي محلّ الحسين، فإذا رزقتنيه فافتنيّ بحبّه، ثمّ افجعني به كما تفجع محمّدًا حبيبك بولده! فرزقه الله يحيى (عليه السلام)، وكان حمل يحيى ستّة أشهر كما كان حمل الحسين (عليه السلام)، وذُبِح يحيى كما ذُبِح الحسين، وأُهدي رأسه إلى بغيّ من بُغاة بني إسرائيل كما أُهدي رأس الحسين إلى بغيّ من بُغاة بني أميّة.

وقد ورد في تفسير قوله -تعالى-: ﴿يَٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَٰمٍ اسمُهُۥ يَحيَىٰ لَم نَجعَل لَّهُۥ مِن قَبلُ سَمِيّٗا﴾، عن الإمام الصادق (عليه السلام)، إنّ الحسين بن عليّ ويحيى بن زكريا لم يكن لهما من قبل سميّ، وقد بكت السماء

 

178


160

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

عليهما أربعين صباحًا، وقيل فما بكاؤها؟ قال: كانت تطلع الشمس حمراء وتغيب حمراء!

أقول: هذه السماء، وهذه الأرض تبكيان، فكيف بالقلوب التي امتلأت حبًّا للحسين وأهل بيته (عليهم السلام)؟! وصاحب العزاء في أيّامنا هو إمام الزمان الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)، العزاء كلّ العزاء لك سيّدي، وأنت القائل: يا جدّ، لئن أخّرتني الدهور وعاقني عن نصرك المقدور، لأندبنَّك صباحًا ومساءً، ولأبكيّن عليك بدل الدموع دمًا.

أين أنت يا صاحب الثار؟ أين الطالب بدم المقتول بكربلاء؟

(لحن الفراق)

يبو صالح طالتِ الغيبة علينه

يبو صالح طالتِ الغيبة علينه

يبو صالح طالتِ الغيبة علينه

خِذ لِثارك عمّتك زينب سَبُوها

خِذ لِثارك في المجالس دَخَّلوها

خِذ لِثارك شَتَّمَوا أمها وابوها

يبو صالح طالتِ الغيبة علينه

يبو صالح طالتِ الغيبة علينه

يبو صالح طالتِ الغيبة علينه

يمتى تظهر حرمله وزجر اضْربوها

يمتى تظهر المقنعة والله اسْلبوها

يمتى تظهر الكوفة والشام ادْخلوها

 

 

180


161

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

وينفتح قبره وتطلع الجثّة بلا رأس

ويموج وادي كربلاء من ضجّة الناس

ويمشي ابو صالح المهدي لقبر عبّاس

يوقف على راس البطل راعي الحميّه

تصوّر أنّ الإمام (عجل الله تعالى فرجه) في كربلاء، ووقف عند قبر أبي الفضل العبّاس (عليه السلام)، يتذكّر بطولات أبي الفضل، وما يؤلم قلبه عمّته زينب (عليها السلام) التي كانت وديعة أمير المؤمنين (عليه السلام) عند أبي الفضل. لأنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) عند شهادته وضع يد زينب في يد العبّاس، وقال: بني أبا الفضل، هذه وديعتي عندك. أين صارت هذه الوديعة؟ صارت أسيرة مسبيّة من بلد إلى بلد!

يقولون زينب طلعوها

وحرقوا قلبها براس أخوها

وكلما بكت بالسوط ضربوها

سبّوا الزكيّة وشتّموا أبوها

بلى مولاي يا صاحب الزمان، راحت أسيرة من كربلاء إلى الكوفة إلى الشام! ولعلّ من أعظم المواقف وأصعبها على قلبها دخولها إلى مجلس يزيد بن معاوية في الشام! بأيّة حال؟ يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): أدخلونا على مجلس يزيد، وكان الحبل ممدودًا من عنقي إلى كتف عمّتي زينب.

والله بس هاي ما كانت على البال

أنا طبّ لمجلسه وبزنودي الحبال

وراسك بالطشت وتشوفه العيال

وبيده العصا ويوسّم المبسم

 

 

181


162

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

بلى سيّدي، رأت رأس أخيها الحسين بين يدي يزيد، وهو يضرب ثنايا أبي عبد الله بخيزرانة، ويردّد أبيات الشماتة:

لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرٍ شَهِدُوا

جَزَعَ الخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الأَسَلْ

لَأَهَلُّوا وَاسْتَهَلُّوا فَرَحًا

ثُّمَ قَالُوا يَا يَزِيدُ لَا تَشَلْ

فصاحت: واأخاه! واحسيناه! يابن مكّة ومنى، أهكذا يُفعل برأسك يا حسين!

تقلّه راسك يخوي حين شفته

مخضّب بدمّه ولا عرفته

وتلعب عصا يزيد على شفته

انا ذاك الوقت خدّي لطمته

اوصديتله بحرقه وندهته

شلّت يمينك يا لضربته

وحق راسك يخويه ونور عيني

أنا طول الدهر ما يبطل ونيني

شلون تلومني من أعمي عيوني

على فرقاك وانت نور العين

يَا قَلْبَ زَيْنَبَ كَمْ قَاسَيْتَ مِنْ مِحَنٍ

فِيكَ الرَّزَايَا وَكُلُّ الصَّبْرِ قَدْ جُمِعَا

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

182


163

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

الملحقات الشعريّة

الشعر القريض

القصيدة الأولى: إِنْ تَكُنْ كَربَلَا فَحَيُّوا رُباهَا

إِنْ تَكُنْ كَربَلَا فَحَيُّوا رُباهَا

وَاطْمَئِنُّوا بِنَا نَشُمُّ ثَرَاهَا

وَالثِمُوا جَوَّها الأَنِيقَ عَلَى مَا

كَانَ فِي القَلْبِ مِنْ حَرِيقِ جَوَاهَا

وَاغْمُرُوهَا بِأَحْمَرِ الدَّمْعِ سَقْيًا

فَكِرَامُ الوَرَى سَقَتْها دِمَاهَا

قُلْتُ لِلْقَلْبِ حِينَ فَارَقَ مَغْنَاهَا

وَيَشْتَاقُ بَعْدَ ذَاكَ لِقَاهَا

كُنْتَ وَاصَلْتَهَا مَلِيًّا قَدِيمًا

فَلِمَ اخْتَرْتَ بَعْدَ وَصْلٍ جَفَاهَا؟

مَا بِأَحْيَائِها عَلِقْتَ فَتَجْفُو

حَيْثُ مَحْيَاكَ سَاكِنُونَ ثَرَاهَا

فَعَلَامَ البُعَادُ بَعْدَ التَّدَانِي

مِنْ رُبَاهَا وقَدْ عَشِقْتَ رُبَاهَا؟

بِئْسَمَا أَنْتَ إِذْ تَخَيَّرَتْ أَهْلًا

مِنْ ذَوِيهَا وَمَنْزِلًا مِنْ سِوَاهَا!

وَبِنَفْسِي مُوَدِّعِينَ وَلِلْعَيْنِ

بُكَاهَا وِلِلْقُلُوبِ لَظَاهَا

 

184


164

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

رَكْبُهُمْ وَالقَضَا بِأَظْعَانِهِمْ يَسْرِي

وَحَادِي الرَّدَى أَمَامَ سُرَاهَا

وَكَأَنِّي بِهَا عَشِيَّةَ أَلْقَى

سِبْطُ خَيْرِ الوَرَى الرِّكَابَ لَدَاهَا

يَسْأَلُ القَوْمَ وَهْوَ أَعْلَمُ حَتَّى

بَعْدَ لَأيٍ أَنْ صَرَّحُوا بِسَمَاهَا

إِنَّها كَرْبَلا فَقَالَ: اسْتَقِلُّوا

فَعَلَيْنا قَدْ كَرَّ حَتْمُ بَلَاهَا

وَبِها تُؤْسَرُ الكَرائِمُ مِنَّا

وَرُؤوسُ الكِرامِ تَعْلُو قَنَاهَا

القصيدة الثانية: قَتِيلٌ بِأَرْضِ الطَّفِّ هَيَّجَ أَدْمُعِي

قَتِيلٌ بِأَرْضِ الطَّفِّ هَيَّجَ أَدْمُعِي

فَأَلْهَبَ نَارَ الوَجْدِ مَا بَيْنَ أَضْلُعِي

فَفَاضَتْ جُفُونِي وَاسْتَبَدَّ بِيَ الأَسَى

فَمَا هَدَأَتْ نَارِي وَلَا جَفَّ مَدْمَعِي

سَأَنْدُبُهُ مَا دُمْتُ حَيًّا بِلَوْعَةٍ

وَمَا مَرَّ ذِكْرٌ لِلطُّفُوفِ بِمَسْمَعِي

فَيَا لِقَتِيلٍ وَزَّعَتْ جِسْمَهُ الظُّبَا

وَظَلَّ ثَلَاثًا فِي العَرَا لَمْ يُشَيَّعِ

كَأَنِّي بِجُثْمَانِ الحُسَيْنِ عَلَى الثَّرَى

تُجَلِّلُهُ شَمْسُ الفَلَا فِي تَخَشُّعِ

وَأَشْلَاؤُهُ بَيْنَ الأَسِنَّةِ وَالظُّبَا

وَقَدْ وُزِّعَتْ بِالطَّفِّ أَيَّ مُوَزَّعِ

يُخَاطِبُ مِنْ سَاحِ الوَغَى كُلَّ مُرْهَفٍ

وَيَصْرُخُ مَهْلًا يَا أُمَيَّةُ فَاسْمَعِي

خُذِي يَا شِفَارَ البِيضِ جِسْمِي ضَرِيبَةً

إذَا كَانَ دِينُ الله يَحْيَا بِمَصْرَعِي

وَهَا هُوَ جُثْمَانِي عَلَى أَرْضِ كَرْبَلَا

كَمَا شِئْتِ فِيهِ يَا أُمَيَّةُ فَاصْنَعِي

وَهَا هُوَ رَأْسِي فَارْفَعِيهِ عَلَى القَنَا

وَدُوسِي بِجُرْدِ الخَيْلِ صَدْرِي وَأَضْلُعِي

وَهَا هِيَ كَفِّي قَدْ غَدَتْ دُوْنَ إِصْبَعِ

وَهَا هِيَ أَوْصَالِي كَمَا شِئْتِ قطِّعِي

أَؤُقْتَلُ ظَمْآنًا وَجَدِّي مُحَمَّدٌ

وَيُهْدَى بِرَأْسِي مِنْ دَعِيٍّ إِلَى دَعِي

 

185


165

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

وَتُسْبَى بَنَاتُ الوَحْيِ حَرَّى مَرُوعَةً

تَجُوبُ الفَيَافِي بَلْقَعًا بَعْدَ بَلْقَعِ

أَيُدْفَنُ جِسْمِي دُونَ رَأْسِي بِمَوضِعٍ

وَيُدْفَنُ رَأْسِي دُونَ جِسْمِي بِمَوضِعِ

القصيدة الثالثة: هَذِهِ دَارُهُمْ تُهِيجُ شُجُونِي

هَذِهِ دَارُهُمْ تُهِيجُ شُجُونِي

كَيْفَ حَبْسُ الدُّمُوعِ بَيْنَ الجُفُونِ

جُودِي بِالدَّمْعِ فَوْقَ خَدِّي جُودِي

هَذِهِ دَارُ صَحْبِنا يَا عُيُونِي

بَعُدُوا وَالبُعَادُ أَمْرٌ مُرِيبٌ

وَبِمَا لَا أُطِيقُهُ حَمَّلُونِي

وَاصَلُونِي دَهْرًا وَمَا كُنْتُ أَدْرِي

بَعْدَ وَصْلٍ وَرَحْمَةٍ يَهْجُرُونِي

وَدَّعُونِي وَوَدَّعُوا السَّهْمَ قَلْبِي

لَيْتَنِي مَا حَيِيتُ مُذْ وَدَّعُونِي

أَيُّهَا الَّلائِمُونَ كُفُّوا وَلَكِنْ

بِمُصَابِ ابْنِ فَاطِمَ ذَكِّرُونِي

تَرَكَتْ زَيْنَبٌ تُنَادِي حُسَيْنًا

يابن أُمِّي وَوَالِدِي رَوَّعُونِي

تِلْكَ ذِكْرَى بِهَا تَهُونُ الرَّزَايَا

وَهْيَ مِنْ أُمَّهَاتِ رَيْبِ المَنُونِ

غَيَّرَتْنِي مَصَائِبُ الطَّفِّ حَتَّى

أَنَّ مَنْ يَعْرِفُونِي لَمْ يَعْرِفُونِي

القصيدة الرابعة: كَمْ أَوْدَعُوا قَلْبِي عَشِيَّةَ وَدَّعُوا

كَمْ أَوْدَعُوا قَلْبِي عَشِيَّةَ وَدَّعُوا

حُرَقًا تُؤَجِّجُهَا عُيُونٌ تَدْمَعُ

خَفُّوا فَسَافَحَ عَبْرَتِي وَتَصَبُّرِي

إِثْرَ الرِّكَابِ مُشَيِّعٌ وَمُشَيَّعُ

أَبْكِي فَلَا حُرَقِي تُجَفِّفُ أَدْمُعِي

كَلَا وَلَا تُطْفِي الحَرِيقَ الأَدْمُعُ

لِلهِ أَقْمَارٌ أَفَلْنَ بِكَرْبَلا

وَلَهَا بِيَثْرِبَ وَالمُحَصَّبِ مَطْلَعُ

 

186


166

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

طُفْ بِي عَلَى فَلَكِ الطُّفُوفِ وَقُلْ لَهُ

مُسْتَعْبِرًا: أَعَلِمْتَ مَنْ بِكَ مُودَعُ؟

فِيكَ الإِمَامُ أَبُو الأَئِمَّةِ وَالَّذِي

هُوَ لِلْنُّبُوَّةِ وَالإِمَامَةِ مَجْمَعُ

مُوْلىً بِتُرْبَتِهِ الشِّفَاءُ وَتَحَتَ قُبَّتِهِ

الدُّعَا مِنْ كُلِّ دَاعٍ يُسْمَعُ

فِيكَ الَّذِي أَشْجَى البَتُولَ وَنَجْلَهَا

وَلَهُ النَّبِيُّ وَصِنْوُهُ مُتَفَجِّعُ

مَنْ كانَ فِي حِجْرِ الإِمَامَةِ بِالهُدَى

يَرْبُو وَمِنْ ثَدْيِ النُّبُوَّةِ يِرْضَعُ

فَحَياةُ أَصْحَابِ الكِسَاءِ حَيَاتُهُ

وَبِيَوْمِ مَصْرَعِهِ جَمِيعًا صُرِّعُوا

مَا أَحْدَثَ الحَدَثَانِ خَطْبًا فَاظِعًا

إِلَّا وَخَطْبُ السِّبْطِ مِنْهُ أَفْظَعُ

دَمُهُ يُبَاحُ وَرَأْسُهُ فَوَقَ الرِّمَاحِ

وَشِلْوُهُ بِشَبَا الصِّفَاحِ مُوَزَّعُ

القصيدة الخامسة: يَا وَقْعَةَ الطَّفِّ كَمْ أَوْقَدْتِ فِيْ كَبِدِيْ

يَا وَقْعَةَ الطَّفِّ كَمْ أَوْقَدْتِ فِيْ كَبِدِيْ

وَطِيْسَ حُزْنٍ لِيَوْمِ الحَشْرِ مَسْجورَا

كَأنَّ كُلَّ مَكَانٍ كَرْبَلاءُ لَدَىْ

عَيْنِيْ وَكُلَّ زَمَانٍ يَوْمُ عَاشُوْرَا

أَفْدِيْ غَرِيْبَ رَسُوْلِ الله إذْ شَخَصَتْ

بِهِ مِنَ البَيْتِ كُتْبٌ ضُمِّنَتْ زُوْرَا

هُوَ الحُسَيْنُ الأَبيُّ الضَّيْمِ مَنْ شَرَعَتْ

عُلَاهُ نَهْجًا لِصَوْنِ العِزِّ مَأثُوْرَا

لَهْفِيْ لِظَامٍ عَلَى شَاْطِي الفُرَاتِ قَضَىْ

ظَمْآنَ يَرْنُوْ لِعَذْبِ المَاءِ مَقْرُورَا

لَا غَرْوَ إِنْ كُسِفَتْ شَمْسُ الضُّحَىْ حَزَنًا

عَلَى مَنِ اقْتَبَسَتْ مِنْ نُوْرِهِ النُّورَا

وَأَعْوَلَتْ فِي السَّما الأَمْلَاكُ مُزعِجَةً

ضَوْضَاؤُهَا العَرْشُ تَهْلِيلًا وَتَكْبِيرَا

يَا لَيْتَ عَيْنَ رَسُولِ الله نَاظِرةٌ

رَأسَ الحُسَيْنِ عَلَى العَسَّالِ مَشْهُورَا

 

187


167

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

وَجِسْمَهُ نَسَجَتْ هُوجُ الرِّيَاحِ لَهُ

ثَوْبًا بِقَانِي دَمِ الأَوْدَاجِ مَزْرُورَا

لَمْ يَشْفِ أَعْدَاهُ مِثْلُ القَتْلِ فَابْتَدَرَتْ

تُجْرِي عَلَى جِسْمِهِ الجُرْدَ المَحَاضِيرَا

إنْ يَبْقَ مُلْقًى بِلَا دَفْنٍ فِإنَّ لَهُ

قَبْرًا بِأَحْشَاءِ مَنْ وَالَاهُ مَحْفُورَا

لَمْ يَكْفِهِ قَتْلُ أوْلَادٍ لِفَاطِمَةٍ

حَتَّى سَبَا الفَاطِميَّاتِ المقَاصِيرَا

الشعر الشعبي

أوّلًا: الأبو ذيّات

1. لولاك الفرض يحسين ما تم

لولاك الفرض يحسين ما تم

وحق كبدك المنّه ثلث ما تم

إلك بقلوبنا منصوب ما تم

لاجلك يا غريب الغاضريّه

2. وسفه تنقتل ظامي وجدك

وسفه تنقتل ظامي وجدك

أبوك الساقي على الكوثر وجدك

هذا الماي مهر امك وجدك

اخبرني اشلون حاطت بيه اميّه

3. المصايب بس قلب زينب حملها

المصايب بس قلب زينب حملها

ودهرها بنايبه واخرى حملها

يهالناس وحيده بكربلاء حملها

وما ظل يقص كفوف غدر الغاضريّه

4. قتلني الحزن يمحمّد والخواي

قتلني الحزن يمحمّد والخواي

الألم يسعر بدلاّلي والأخواي

اجيتك لا ولد عندي ولا اخواي

عفتهم جثث بأرض الغاضريّه

 

188

 


168

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

5. ينار لما طفت بالقلب ورثي

ينار لما طفت بالقلب ورثي

حزين انعى على بو السجاد ورثي

السبي والسلب والآهات ورثي

وعقب ذيك اخوتي ينقطع بيّه

ثانيًا: القصائد والأبيات

1. يا تالي هلي يحسين

يا تالي هلي يحسين

يا صبري على بلواي

يابن امي حرمت الماي

عگبك لا شربت الماي

خوي ما ريد العمر بعدك

كلها وشلي بحياتي هاي

انكان انت رحت يحسين

حزنك بالقلب ما راح

2. اخبرك يجدّي احسين ذبحوه

اخبرك يجدّي احسين ذبحوه

وامن القفا للراس حزّوه

او من فوگ ظهر المهر ذبّوه

ولا راقبوا جدّه ولا ابوه

او راسه ابراس الرمح شالوه

او صدره ابجرد الخيل رضّوه

3. خويه أنا اتمرمرت والله بيتاماك

خويه أنا اتمرمرت والله بيتاماك

يحسين آنا مالي حيل فرقاك

يحسين إحنه بهذا الوقت ردناك

يحسين والله حيرتني

أنا حرمة بيتامى كلّفتني

جا ليش يبن امي جبتني

وبديار غربة ضيعتني

 

 

189


169

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

4. ما تدري يخويه شلون حالي

ما تدري يخويه شلون حالي

شحال الغريبه بغير والي

براس الرمح راسك گبالي

وكلمن شاف ذي الحال بكالي

5. بُقيتْ محيَّرهَ يُمّه

بُقيتْ محيَّرهَ يُمّه

بْوحْدي واصفِقْ الكفِّين

لا عبَّاس يبرالي

يا يُمّه ولا الحْسِين

ما بِينِ الصفا ومَرْوة

تِسْعى بالحِجيجِ النَّاس

وانا زينبْ صِرِتْ اسعى

بِينْ حْسِين والعبَاس

ياهو اللي اصِلْ يمَّه

واشوفْ جِسْمَه بلا راس

واصِيحْ بْلوعتي وهمِّي

واصيحْ بصوتْ يابنُ امِي

واويلي على المظلوم على المظلوم واويلاه

مِثِلْ ما تِفْتِدي الحِجَّاج

تقرِّب للذبِحْ قُربان

انا القُرْبان قدَّمَتَهْ

خُوي المِنْذِبِح عَطْشان

ظَلْ مَرْمِي تلاتْ تيَّام

بلا غُسلٍ بلا يا كْفَان

واصيح بلوعِتي وهَمِّي

واصيح بصوت يابن امي

واويلي على المظلوم على المظلوم واويلاه

 

 

190

 


170

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

6. اشْحالْ امِ الحزِنْ زِينبْ او كَلثَم

اشْحالْ امِ الحزِنْ زِينبْ او كَلثَم

عَليها الّليل مِنْ خيَّم او اظَلْم

اشحال الحرَمْ و شْحال اليِتَامه

لِيلْ اهْدَعِش مِنْ خيَّم ظَلامة

گامتْ تذكرِ احسِين او عَمَامَه

اوْ عَليها الهظُم فوگ الحِزِن خيَّم

غِدَتْ للحَرَمْ بالصِيوان حَنَّه

هاي تْصيح يَبْني اوْ تِجُرْ ونَّه

اوْ ذِيجْ تْصِيح رَاحَوا كِلْ اَهَلْنه

بَعِدْ ذاك الشَمِل هَيهاتْ يِلْتَمْ

و ليلة تصيح يوليدي يلأكبر

نايم عالثره او جسمك امطبّر

عَسَنْ يومِ اللِّفِيَنه يومِ الأگَشَرْ

اوْلاَ هَلْ عالخَلُگْ شَهرِ المْحَرَّم

او رَمْلَه اتْصِيح يَوْلِيديَ يَجاسِم

ابْدَال العِرِسْ عالتِّربان نايم

اگِعِدْ عاينِ الحَالْ الفِوَاطِم

گُبْعَتْ بالمِذَّلَه اوْ لِبْسَتِ الهَمْ

الربابْ اتْصِيح يَبْني او نُور عِينَاي

وِرَمْ صَدري او دَرَّتْ لك ثَداياي

يَعبدَ الله انگِطَع بِرْباك رَجْواي

او عُگُبْ عِينك عَليَّه النُّوم يِحْرَمْ

7. يا عمة راح الحيل مني

يا عمّة راح الحيل منّي

من غاب أبوك حسين عنّي

أنا ميتة حزن من زغر سنّي

وحكي الشماتة اللي قتلني

نزلن على عيوني وعمنّي

 

191


171

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

جواب زينب (عليها السلام)

أنا زينب مسلّبة خدري خذوني

أنا زينب من الضرب ورمن متوني

أنا زينب من البكا عمين عيوني

11. تگله والجفن تيّار دمعه

تگله والجفن تيّار دمعه

كلّ الكون والساكن الوسعه

يبن حذلم اوولادي الأربعة

فدوه اتروح بس احسين يسلم

يگلها عظّم الله أجرك بالحسين

بگه ابوادي الطفوف ابغير تكفين

12. يعبّاس يخويه منته اللي جبتني

يعبّاس يخويه منته اللي جبتني

وبيدك يعزّي ركّبتني

وطول الدرب ما فارگتني

إگعد يخويه وشوف متني

ترى سياط زجر الورمتني

13. تقلّلها ارد انشدك يا ضوه العين

تقلّلها ارد انشدك يا ضوه العين

عن عبّاس واولادي الميامين

اخافن قصّروا عن نصرة احسين

تقلّلها يم البنين اشتقولين

ثلاث تنعام من اخوتي الطيبين

تفانوا بالحرب في نصرة احسين

14. ها يزينب ليش وحــــــدچ راجعه من كربله

ها يزينب ليش وحدچ

راجعه من كربله

 

193


172

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

ها يزينب ليش وحدچ

وبمشيتچ مايله

ها يزينب ها يزينب ها يزينب

زينب أنه أمّ الكفيل أمّ الغوالي

وسفه محني ضهرچ ودمعچ يلالي

خدج ازرچ ليش مو عذبتي حالي

ها زينب دارت عليچ الليالي

ها يزينب وين اهلچ

وچنّي اشوفچ ذابله

ها يزينب ليش وحدچ

وبمشيتچ مايله

وين عفتيهم هلچ وبيا براري

وحدچ أمشيتي وگطعتي هل صحاري

وعله اخوچ حسين عذبني انتضاري

ما هده گلبي عليه ودمعي جاري

ها يزينب ماهو خدرچ

والچبير العايله

ها يزينب ليش وحدچ

وبمشيتچ مايله

وين سبع الگنطره خبريني عنه

الشيب البراسي يزينب كلّه منه

لا تقهريني بسكوتچ مات چنه

من بعد عبّاس راعي الجود ضعنه

ها يزينب ضاع قدرچ

من فگدتي كافله

ها يزينب ليش وحدچ

وبمشيتچ مايله

بالله حاچيني عل أكبر وعله جسّام

بيا أرض غابوا علينه ولد الإكرام

شلون اكضّيها عكبهم هاي الأيّام

وبعدهم ناعيه بنص گلبي الآلام

ها يزينب شلونه وضعچ

وانت عنهم سائله

 

194


173

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

ها يزينب ليش وحدچ

وبمشيتچ مايله

رايده تخبريي عن حالة رقيّه

شعجب ماهي وياكم بهاي المسيّه

شنهي ضلّت يم ابن حامي الحميّه

ليش ما جبتوها من الغاضريّه

ها يزينب شكبره صبرچ

وانتي تحدي القافله

ها يزينب ليش وحدچ

وبمشيتچ مايله

15. أمّ البنين الأربع عالغلي ويلي مروّعه

أمّ البنين الأربعه

عالغالي ويلي مروّعه

والجفن يهمل مدمعه

الرجعة حسين امناطره

ما همها عبّاس أنذبح

والقلب عالغالي أنجرح

ما مرّ على الحرّه الفرح

ضلّت الحرّه صابره

تبچي وتون من الهجر

ترخص لبو اليمّه العمر

من عرفت أنرضّ الصدر

دمعتها ضلّت هادره

يحسين تندب بالدمع

قلبي لمصابك منفجع

ياويلي مكسور الضلع

كم سنه أبقى صابره

ما أحمل غيابك أبد

يحسين يا أغلى ولد

دلالي يوليدي انمرد

صدرك الخيل اتكسّره

 

195

 


174

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

16. امحمّد اجاه او دمعة العين

امحمّد اجاه او دمعة العين

تسيل اعلى خدّه اوگال لا وين

ماشي وماخذ النساوين

بالكوفة ما يحصل لك امعين

گال الهم انّه معتني البين

لعد حفرتي البيها المعين

انّه انگتل واخوتي الطيبين

17. اجيتك يا عمّي يتيم

اجيتك يا عمّي يتيم

ما من معي غير الحريم

والله بمصابي عليم

وعبّاس راسه هشيم

 

196


175

الليلة الرابعة: مصائب كربلاء

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)
المجلس الأوّل

القصيدة

تَطوي الفيافيَ للحسينِ رسولُ

ودّعْتَ أهلَكَ والفراقُ يطولُ

وتخالُ صدقَ القولِ حينَ تقولُ

وتمنّي نفسَكَ بالوصولِ لكوفةٍ

غدرًا قضَوا والغادرونَ مثولُ

أينَ الوصيُّ؟ وأينَ غابَ المجتبى؟

إذ أنتَ ما بينَ اللّئامِ نزيلُ

فتَبيتُ في رَحْبِ البلادِ مشرَّدًا

واليومَ فوقَكَ للسيوفِ صليلُ

بالأمسِ صلّوا خُشّعًا بقلوبِهِم

مأوًى لمثلِكَ في الأنامِ جليلُ

عبثًا تَودُّ بأنْ تكونَ ديارُها

تلقاكَ طوعةُ للرجالِ بديلُ

فتَهيمُ في أنحائِها متعثِّرًا

فلمثلِكُم حبُّ القلوبِ يميلُ

وتقولُ اِنزلْ يا كريمُ بدارتي

شكواكَ للرحمنِ وَهْوَ كفيلُ

فقضيْتَ ليلَكَ في الصلاةِ موجِّهًا

تَلقى الهوانَ بهم وأنتَ نبيلُ

ساقوكَ رَغمًا بالقيودِ مكبَّلًا

بُغضًا لهم! كيلُ السُبابِ سبيلُ

يسترسلونَ بسبِّ آلِ محمّدٍ

 

 

198


176

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

والقلبُ صادٍ والدماءُ تسيلُ

حرموكَ حقدًا ماءَهُم وتشفّيًا

مولايَ كلٌّ ظالمٌ وجهولُ

وإلى الحسينِ رفعتَ صوتَكَ قائلًا

خانوا بعهدِكَ فتيةٌ وكهولُ

مولايَ لا تأتِ ولا تركنْ لمن

والعينُ ناحيةَ الحسينِ تجولُ

فأُطيحَ رأسُكَ بالحسامِ مجرَّدًا

جسمًا تدوسُ حوافرٌ وخيولُ

وتُجَرُّ بالأسواقِ بينَ أزقةٍ

تُطوَى بوادٍ خفيةً وطلولُ

يُؤتى بنعيِكَ للحسينِ بكربلا

وبطرفِهِ نحوَ السماءِ يُطيلُ

فيُقلِّبُ الكفينَ حزنًا قاتلًا

وعلا صياحٌ دائمٌ وعويلُ

بكتِ العيونُ دمًا لأجلِكَ مسلمٌ

أنَّ الحسينَ بكربلاءَ قتيلُ

وقُتلْتَ قبلَ الطفِّ غدرًا لم تعِ

لسان حال حميدة بنت مسلم (لحن الجفيري)

طفلة غريبة وحايره

تسأل على بوها اشجرى

بلهفة الحنينة تنطِره

وين الولي وين الولي

وقت الغروب اتندبه

فرگتك بويه صعبه

من بعدك ابقى ابغربه

وين الولي وين الولي

 

199


177

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

معقولة ما يرجع بعد

وابقى أنه ابلايه سند

بيت وصفى ابلايه عمد

وين الولي وين الولي

گلب اليتيمه يستعر

حسّت ببوها ينغِدر

شبكت على الراس العشر

وين الولي وين الولي

تتخايله ايغدرونه

والوالد ايذبحونه

والدمه فوگ اعيونه

وين الولي وين الولي

(أبو ذيّة)

زماني عگب عينك سلّمتني

او راحات النوايب سلّمتني

رحت عدمن يبويه سلّمتني

يتيمه ويا شهم وصّيت بيّه

المصيبة

لمّا دخل ابن زياد (لعنه الله ) الكوفة وهدّد أهلها ورغّب مناصريه، تفرّق النّاس عن مسلم، إذ كان يأتي الأب إلى ابنه والأمّ إلى ولدها والأخ إلى أخيه، يقولون: ما لنا والدخول بين السلاطين! فلم يطل

 

200


178

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

الأمر بهم حتّى تخلّوا عنه، وتفرّقوا جميعًا، ولم يبقَ معه أحد يدلّه على الطريق، وهو غريبٌ في تلك البلاد... خذلوه، ولم يثبتوا على مواقفهم كما فعلوا مع الحسين (عليه السلام)... فأخذ يسير في أزقّة الكوفة، لا يدري أين يذهب، حتّى وصل إلى دار امرأة يقال لها طوعة، رآها واقفةً على باب دارها، سلّم عليها، ردّت السّلام، فقال: أمة الله، اسقيني بعض الماء؛ فسقته ودخلت إلى بيتها، ثمّ خرجت، فرأته جالسًا على باب دارها، فقالت له: يا عبد الله، ألم تشرب؟ قال: بلى، قالت: اذهب إلى أهلك، فإنّه لا يصلح لك الجلوس على باب داري، ولا أحلّه لك!

(فايزي)

بالله يهالواقف ابابي اودمعك ايسيل

اسقيتك الماي روح لهلك هوّد الليل

قلها يحرمه ما لي بهالبلد دار

اومالي عشيره اولالي امحامي ولا انصار

وحدي ابهالبلد غريب اليوم محتار

داري ابعيده اوضعت في بلدة اراذيل

قالت اخبرني باسمك او من ايّه قبيله

قلها اودمعاته على خدّه هطيله

والله يحرمه عزوتي عزوه جليله

من بيت هاللّي نزل بيه الروح جبريل

وان كان ردتين النسب من آل ياسين

انا عمّي حيدر الضيغم مظهر الدين

 

201


179

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

طبّيت هالبلده رسول امن الولي حسين

اوخانوا عهدي اوتابعوا الفاجر الضلّيل

هلّت دمعها او نادته بالله ادخل الدار

تفديك روحي يابن اخو حيدر الكرار

يا ليت عند احسين توصل عنّك اخبار

ان كان جاك امن المدينة بهالليل

نعم، دخل الدار، وبات تلك الليلة، وهو يصلّي، فوصل الخبر إلى عبيد الله بن زياد، فبعث بجنوده واقتحموا عليه الدار، فشدّ عليهم وقاتلهم، فلمّا رأوا ذلك منه أشرفوا عليه من فوق أسطح البيوت، وجعلوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار بأطنان القصب. فلمّا رأى ذلك منهم، جعل يقاتلهم مقاتلة الأبطال، وهو يقول:

أَقْسَمْتُ لا أُقْتَلُ إلّا حُرًّا

وَإنْ رَأَيْتُ المَوْتَ شَيئًا نُكْرًا

كُلُّ امْرِىءٍ يَوْمًا مُلَاقٍ شَرًّا

هَيْهَاتَ أَنْ أُخْدَعَ أَوْ أُغَرَّا

فأقبلوا يحملون عليه من كلّ جانب، حتّى أكثروا فيه الجراحات وعجز عن القتال، فأسند ظهره إلى جنب جدار فضربوه بالسهام والأحجار، وضربه رجل من خلفه بعمود من حديد على رأسه، وطعنه آخر برمحٍ فخرّ إلى الأرضِ، وقيل: حفروا له حفرة فوقع فيها، مثخنًا بجراحاته، فتكاثروا عليه، وحاوطوه وأسروه... فقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون... وبكى!

فقال له عبيد الله بن العبّاس السلميّ: إنّ الذي يطلب مثل الذي طلبت، لا يبكي إذا نزل به مثل الذي نزل بك، فقال مسلم: والله، ما

 

202


180

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

لنفسي بكيت، ولكن أبكي لأهلي المقبلين عليكم، أبكي للحسين وآل الحسين!

كأنّي به يخاطب طوعة: (موشّح عراقي)

ياحرّه بعد أيّام واتجيكم حميده

ابعبره تنوح او تجري الونّه شديده

تنظر لراسي والظالم ايلوحه ابإيده

فجيعه بعد الغياب تشوفني بهالمنيّه

(لحن الفراق)

گلها طوعة

من تشوفين الابنيّه

گلها طوعة

وصّلي لبنتي تحيّه

گلها طوعة

ادري تنشدچ عليّه

جيء بعد ذلك بمسلم إلى قصر الإمارة، فأمر ابن زياد بأن يصعدوا به إلى أعلى القصر ويضربوا عنقه، فوجّه وجهه إلى ناحية الحسين، وقال: السّلام عليك يا أبا عبد الله، السّلام عليك يابن رسول الله. ثمّ ضُرب عنقه، فأهوى رأسه إلى الأرض، وأُتبع جسدُه رأسَه، ثمّ سحبوه بالحبال، وجرّوه في الأسواق... آه وامسلماه! واسيّداهّ!

كأنّي بطوعة تنظر إلى سيّدها مسلم بتلك الحال، لمّا رأته يُسحب على الأرض!

(لحن الفراق)

شهالرزيّة

ابعيني اشوفك عالوطيّة

شهالرزيّة

يابن اخو خير البريّة

شهالرزيّة

يا بو طاهر يا شفيّة

 

203


181

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

نعم، نادى (عليه السلام): إليّ بحميدة ابنة مسلم؛ أجلسها في حجره، راح يلاطفها ويمسحُ على رأسها، فاستشعرت حميدة بالخطب، فقالت: هل أصيب والدي بمكروه؟!

صاحت حميده

يبويه يبويه

بويه أريده

مشتاگه اشوفه

واهلالي غايب

حُرمت افراحي

والگلب ذايب

اتنطّر الرّجعه

مفجوعة بحبايب

من صغر سنّي

بويه أريده

ما يعَوّد إليّه

وهيّج حزنهه

نادها عَمهه

وتهلّ دمعهه

يمسح براسهه

تحاكي عَمدهه

صاحتله بعزيّه

بويه أريده

هاذي علامه

جاوبها الحسين:

وهاذي رقيه

أنه حسين أبوك

اتشوف الرزيّه

مثلك يا عمّه

تصير بعزيّه

بذبحة أبوها

بويه أريده

لن صاحوا سَويّه

 

 

205


182

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

لهف نفسي لمولاتنا رقيّة، الحسين يمسح الآن على رأس حميدة بعدما فقدت والدها، ولكن من لرقيّة بعدك أبا عبدالله؟!

تقول الرواية: جيء بموكب السبايا إلى الشام، أنزلوهم في خربة إلى جنب قصر يزيد (لعنه الله)، وكانت للحسين (عليه السلام) طفلة صغيرة يحبّها وتحبّه، وقيل اسمها رقيّة، كانت مع الأسرى في خربة الشام، وكانت تبكي ليلًا ونهارًا، وهم يقولون لها: هو في سفر، فينما هي نائمة ذات ليلة في الخربة، إذ انتبهت من نومها مذعورة باكية، وهي تقول: ائتوني بوالدي وقرّة عيني، أين أبي؟! الآن قد رأيته، ائتوني بأبي! أريد أبي!

نامت رقيّه مشتاگه لأبوها

مضروبة جَنب مسبيّه اذوها

للشام غصبن عليها سِبوها

نامت ودموعها علخدها جريّه

ولهانه والحشا منها ذاب

من راح الأبو عنها وغاب

ذبلانه لشوفة اهل واحباب

تنوحن من عظم الرزيّه

بحلم شافت حسين عَمدها

يمسح الخد بيديه ودمعها

تعاليلي يبويه لحضني يگلها

ونيران الحزن بگلبها سِريّه

نعم، أفاقت من نومها، تصرخ وتنادي: أريد والدي الحسين، الآن كان معي وضمنّي إلى صدره. وصلت الصيحة إلى مجلس ذاك اللّعين، سأل: ما الخبر؟ قالوا: طفلة للحسين تريد أباها، قال: احملوا رأس أبيها إليها!

 

206


183

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

آويلي من صدّت لراس احسين

نادت بصوت يبويه الحَنين

ذوبني الصبر والگهر والبين

وروحي تون صبح ومسيّه

گلي يبويه منهو اليتّم الطفوله

وخلّه دمعتي علخدّي هموله

لجرحي الدوه ريت يجيبوله

مصيوب خاطري بهم وعزيّه

اشتاگيت يبويه اشتاگيت

وهمّي لغيرك ما شكيت

ضربني العدو وليك انتخيت

وطول الدرب اصفگ بيديّه

كأنّي بالحسين يجيبها:

جِيتك يا رقيّه يبعد عمري

وياي الدِوه يبويه صبري

الموعد اللّيله اضمنّك تدري

واخذك وياي ونظل سويّه

صاحت: يا أبتاه، من ذا الذي خضّبك بدمائك؟! يا أبتاه، من ذا الذي قطع وريدك؟! يا أبتاه، من ذا الذي أيتمني على صغر سنّي؟!

أصير من صغر سنّي يتيمه

يا والدي والله هظيمه

أتاري الأبو يا ناس خيمه

والنوح من بعدك لگيمه

يفيي على ابناته وحريمه

لم تزل تنوح وتبكي على أبيها، حتّى غُشي عليها، فالتفت الإمام زين العابدين (عليه السلام) إلى عمّته زينب: عمّه زينب، ارفعي هذه اليتيمة من على رأس والدي؛ فلقد فارقت الحياة!

 

207


184

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

شيليها عن راس وليها

عمّه يزينب گومي ليها

واختي انكسر قلبي عليها

ماتت الطفلة من بكيها

 

ولكُم نساءٌ تلتجي بنساءِ

هذي يتاماكُم تلوذُ ببعضِها

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

208


185

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

المجلس الثاني

القصيدة

مَنْ قدْ نمتْهُ للمكارمِ هاشمُ

إنْ شئتَ عزًّا خذْ بمنهجِ مسلمٍ

وحسامَ حقٍّ للشقا هوَ حاسمُ

لقدِ اصطفاهُ السبطُ عنهُ نائبًا

كتبًا لها قلمُ الضلالةِ راقمُ

مُذ قالَ لمّا أرسلَتْ جندُ الشقا

حكمًا وفي فصلِ القضا هوَ حاكمُ

أرسلتُ أكبرَ أهلِ بيتيَ فيكمُ

خفَّتْ إليه وجمعُهَا متزاحمُ

قدْ بايعتْهُ ومذْ أتى شيطانُها

متردّدًا لم يتَّبعْهُ مسالمُ

فانصاعَ مسلمُ في الأزقّةِ مفردًا

ولهُ على الْوَجَناتِ دَمْعٌ سَاجِمُ

أسرتْهُ ملتهبَ الفؤادِ منَ الظما

منْ غَدْرِهِم فَتُبَاحَ منهُ مَحَارِمُ

يبكي حسينًا أنْ يُلاَقيَ ما لقِيْ

قصرِ المشومِ وليسَ يحنو راحمُ

والهفتاهُ لمسلمٍ يُرمى منَ ال

تُنْمِيهِ للشرفِ الصراحِ ضراغمُ

ويُجرُّ في الأسواقِ جهرًا جسمُ مَن

عبراتِ وهْو لدى المُلمّةِ كاظمُ

قدْ هدَّ مقتلُهُ الحسينَ فأسبلَ ال

 

210


186

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

(شعبي)

بلكت بجيّة الأبو يبشرونها

عالدرب شبحت حميدة عيونها

عادة الغايب يردّ من السفر

وتصيح يا هالناس دلّالي انفطر

والثكلى من تونّ لا تلومونها

راح أبويه وما إجا منّه خبر

تشوف عينك بالأبو شو اللي جرى

لو انّك يا حميدة حاضرة

وبالشوارع قاموا يسحبونها

جثّته بحرّ السيوف موذّره

يا عمّي الساع أبويه الساع وينه

تقلّه يا عمّي وينه وينه

واعمامه واهل بيته بالمدينه

والله وينه من غيبته ما رد علينه

أبوك انذبح يا حزينه

والله قاللها وجرت عينه

رُوي عن ابن عبّاس أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله، إنّك لَتحبّ عقيلًا؟، قال: إنّي -والله- لأحبّه حبّين؛ حبًّا له وحبًّا لحبّ أبي طالب له، وإنّ ولده لمقتولٌ في محبّة ولدك، فتدمع عليه عيون المؤمنين، وتصلّي عليه الملائكة المقرّبون، ثمّ بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتّى جرت دموعه، ثمّ قال: إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي!

بلى، أرسل الإمام الحسين (عليه السلام) مسلم بن عقيل سفيرًا له إلى الكوفة، وكتب إلى أهلها كتابًا، من جملة ما قاله لهم فيه: وقد بعثت إليكم أخي، وابن عمّي، وثقتي من أهل بيتي، وأمرته أن يكتب إليَّ

 

211


187

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

بحالكم وأمركم ورأيكم، فإن كتب إليَّ أنّه قد أجمع رأي مَلَئكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت عليَّ به رسلكم، وقرأت في كتبكم، أقدم عليكم وشيكًا إن شاء الله.

وصل مسلم إلى الكوفة، وبدأ أهلها يتوافدون عليه، ويبايعونه حتّى بلغ عددهم ثمانيةَ عشَرَ ألفًا، فكتب مسلم إلى الإمام (عليه السلام) كتابًا يقول له فيه: أمّا بعد، فإنّ الرائد لا يَكذِبُ أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانيةَ عشَرَ ألفًا؛ فعجّل الإقبال حين يأتيك كتابي.

المصيبة

قام مسلم (عليه السلام) بمهمّته التي أوكلها له الحسين (عليه السلام)، لكنّ الظروف حالت بينه وبين إتمامها، فانتقل إلى دار هانئ بن عروة، لكنّ ابن زياد استطاع أن يعرف مكانه، فقبض على هانئ، وضربه بخنجر على وجهه، وهنا كان على مسلم أن يتحرّك، فخرج وخرج معه أربعة آلاف، وحاصر بهم قصر الإمارة، لكنّهم بدؤوا يتفرّقون عنه، الواحد تلو الآخر، خوفًا من ابن زياد... وقيل: إنّه توجّه في مجموعة كبيرة إلى المسجد في الكوفة، وصلّى المغرب، فتفرّقوا بعد الصلاة وما بقي معه إلّا عشرة أشخاص!

ولن ينظر ولا واحد يعينه

بس خلّص صلاته ودار عينه

ولنِّ يشوف ما واحد بخلفه

تلفّت بالصفوف ودار طرفه

على العافوه وأمس مبايعينه

تحسّر ويل قلبه وصفق كفّه

خرج مسلم من المسجد، وإذا بهم قد تفرّقوا جميعًا، ولم يبقَ معه

 

212


188

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

شخص واحد يدلّه على الطريق، فبقي وحيدًا فريدًا...

عليه ضاقت الكوفة شلون ضيقه

طلع ودموعه بعيونه غريقة

ياخد بإيده ويلزم يمينه

ولا واحد يدلّيله طريقه

(عاشوري)

الغريب شلون ماي يشرب آه آه

مطلوب راسه وماله مهرب آه آه

راح يسير في أزقّة الكوفة، حتّى وصل إلى دار امرأة خلّد التاريخ اسمها، وصل إلى دار طوعة، وجدها واقفةً عند باب بيتها، سلّم عليها، طلب منها شربة ماء، فجاءته بإناء وقدح، شرب مسلم، أعادت الإناء إلى الدار، ورجعت فرأته جالسًا عند باب دارها، قالت: يا عبد الله، ألم تشرب؟؛ قال: بلى؛ قالت: اذهب إلى أهلك. سكت مسلم، أعادت القول ثانيةً، سكت مسلم، وفي الثالثة نظرت في وجهه، فرأت علامات التقى والصلاح، فقالت: سبحان الله يا عبد الله! قم -عافاك الله- إلى أهلك، فإنّه لا يصلح لك الجلوس على باب داري، ولا أحلّه لك.... فقام مسلم وقال: أمة الله، لا أهل لي في هذا المصر ولا عشيرة! فهل لك إلى أجر ومعروف، ولعلّي مكافئك به بعد هذا اليوم؟ قالت: ومن أنت حتّى تكافئني؟! قال: أنا مسلم بن عقيل، كذّبني هؤلاء القوم وغرّوني، وأخرجوني من دياري، ثمّ لم ينصروني، وتركوني وحيدًا!

ارشد يابني بنيتك

قالتله شربت الماي

ومن الماي روّيتك

شنهي وقفتك على الباب

 

213


189

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

يا وليدي اقصد البيتك

هذا اللّيل جنّ عليك

علينه من الخلق ينعاب

واقف لا تضل عالباب

مالك ما تردلي جواب

ودمعك ليش يتجاره

أشوفك مرعب وخايف

 

واظنّك ما تعرفيني

قاللها غريب آنه

عندك من تخلّيني

واجازيك بهذاك اليوم

قالتله التجازيني

يا ماي العين يا هو انته

مسلم وابن عمّ حسين

قاللها وتهلّ العين

عليّه دارت الصوبين

وكلها اصبحت غدّاره

خانت بيعتي الكوفه

قالت: أنت مسلم؟! قال: بلى؛ قالت: بأبي أنت وأمّي! وأدخلته دارها، لكنّ ابنها الشقي وشى به إلى الأعداء، فجاءه الجند مصبحين، فقام مسلم، وشكر طوعة على معروفها، وأوصاها بوصيّة:

أوصيك ان كان بهالبلد طبّوا يتامى

قلها يا طوعة اليوم ما تحصل سلامه

واجرك على الله والنبي سيّد الكونين

قولي ترى مسلم يبلّغكم سلامه

كنّي أراها بهالسكك بايتامها تدور

اتجيكم يا طوعة مخدّرة حيدر على كور

بالحبل مربوطة وراس حسين مشهور

 

 

214


190

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

خرج مسلم إليهم، قاتلهم قتال الأبطال، لكنّهم تكاثروا عليه، فأسروه وأخذوه إلى ابن زياد الذي أمر بقطع عنقه، فصعدوا به إلى القصر، ومسلم يكبّر الله ويهلّله، ويصلّي على النبيّ وآله، حتّى وصلوا به إلى أعلى القصر، صلّى ركعتين، ثمّ توجّه ناحية الحسين مسلّمًا عليه: السّلام عليك يابن رسول الله، السّلام عليك يا أبا عبد الله...

لارض الحجاز ويخبر حسين

وين الذي يوصل بهالحين

ودارت عليه القوم صوبين

مسلم وحيد وما له معين

أعظم الله أجوركم، وضُرِبت عنق مسلم، فأهوى رأسه إلى الأرض، وأُتبع جسدُه رأسَه!

عندما وصل الخبر إلى الإمام لحسين (عليه السلام) قالوا: بكى الحسين، وبكى الهاشميّون معه، حتّى ارتجّ الموضع لمقتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة، ثمّ قام إلى المخيّم، دعا بحميدة بنت مسلم، أجلسها في حجره، راح يلاطفها ويعطف عليها ويمسح على رأسها، فاستشعرت حميدة من ذلك المصاب، قالت: يا عم، ما لي أراك تعطف عليّ عطفَك على الأيتام؟! أفأصيب أبي مسلم؟!

(عاشوري)

طالت وصارت غيبته دوم

يا عمّي من ابوي اشعندك علوم آه آه

وانذبح امن الماي محروم

قلها يا عمّي غدرت بيّك القوم آه وآه

 

 

215


191

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

إنته بمكانه والأمل فيك

تقلّه يا عمّي ان كان ابوي انقتل يفديك

والله لهالعيلة يخلّيك

وظلّت يا عمّي عيونّا عليك

فقال لها الإمام لحسين (عليه السلام): يا بنيّة، لئن أصيب أبوك، فأنا أبوك، وبناتي أخواتك...

وغدا ينادي يا زينب سكّتيها

سمع ونها الحسين وحن عليها

يتيمة واليتم عالطفل يعظم

يا خويه قطّعت قلبي بحكيها

(لحن الفراق)

بويه يا مسلم يا غالي

ما نسيتك

ياللي ما فارق خيالي

ما نسيتك

يا دليلي ويا دلالي

ما نسيتك

صورتك دوم على بالي

ما نسيتك

بوي بس عنّك سؤالي

ما نسيتك

وانشد نجوم الليالي

ما نسيتك

 

يقولون بوي فوق القصر ودّوك

ومن فوق القصر للقاع ذبّوك

وتالي بحبل في الأسواق سحبوك

 

 

216


192

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

كلّا ولا الوجدُ المبرَّحُ فيهَا

لمْ يبكِهَا عدمُ الوثوقِ بعمِّهَا

تُمسي يتيمةَ عمِّهَا وأبيهَا

لكنَّهَا تبكي مخافةَ أنّها

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

217


193

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

المجلس الثالث

القصيدة

بالخَلقِ والخُلُقِ الإلهُ حَبَاكا

للهِ دَرُّكَ من فتىً دَرَّاكَا

يا مسلمُ بنَ عقيلٍ خُذْ بُشْراكا

فيكَ الخِصالُ الطيّباتُ تَجمَّعتْ

يومًا إلى أرضِ العراقِ هَدَاكا

قد نِبْتَ عن سِبطِ النبيِ مُحمدٍ

وبِذا الحسينُ على الأُلى ولّاكا

عَلِمَ الكفاءةَ منكَ في يومٍ الوغَى

وقلوبَها حتّى أبَتْ تَلقَاكا

فملكتَ من صِيدِ الرجالِ رقابَها

تَحيا بها واللهُ قد حيَّاكا

فعليكَ ياثقةَ الحسينِ تحيةً

حتّى إذا داعي الخلودِ دَعاكا

أدَّيتَ ما حُمِّلتَ خيرَ رسالةٍ

عينِ الحسين لِبُعدِها تَرْعاكا

وقُتِلتَ مَظْلومًا بِلا عونٍ سِوى

وبَكَى الحسينُ لعُظْمِ ما وافاكا

فبَكَى الحسينُ لطفلةٍ خَلَّفْتَها

يا عمُّ قلْ لي ما الذي أَبكاكا

وإذا اليتيمةُ ناشدَتْ مِنْ عمِّها

وعلى أبي تُجري الدموعَ أراكا

يا عمُّ إنَّ أبي نأى عنْ ناظري

 

218

 


194

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

 

(أبو ذيّة)

اضْلوعي الدَهَرْ اطْواها وحِنَّتْ

حِميِدَه صاحتِ اوناحَتْ وحِنّتْ

علَهْ مُسلم اُبويه الﮕِطَع بِيْنَه

مِسَحْتِ ادْموعي بِجفُوفي وحِنّتْ

(لحن أمانة هالوصيّة)

تِصِدْ لحسين هِيَّه

حِميدَة مِسْتِحِيَّة

على أبوها الشِّفِية

تِرِيدْ اتسِأله كِلْ ساعْ

آه مسلم مسلم مسلم

آه مسلم مسلم مسلم

رِمَقْها أُبو اليِّمه

مِشَتْ مِحْتَارة يَمّه

اجَتْلَه بأقصى هِمَّه

يِصِيحِلْها تِعالي

آه مسلم مسلم مسلم

صارتْ اتْهِم اتْهِم اتْهِم

ولاتِخفيلي اخبار

يا عمِّ احكيلي اصَّار

أُبويه راسَه يِنْدار

تِرَاني قلبي حاسِسْ

آه مسلم مسلم مسلم

حزني خيَّم خيَّم خيَّم

المصيبة

ثمّة محطَّاتٌ كثيرةٌ منيرةٌ في حياةِ مسلمِ بنِ عقيلِ (رضوان الله عليه)، يَقْتبسُ منها الإنسانُ الدروسَ، ويَسْتلِهمُ منها الفضائل، فتنيرُ له دربَه في حياتِهِ اليومية، ويتزوَّد منها بما يقرِّبُه إلى الله -عزَّ وجلَّ- ورسولِهِ وأهلِ بيتهِ (عليهم السلام). والقربُ من الله -عزَّ وجلَّ- يكونُ بعبادتِهِ

 

 219


195

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

وطاعتِه، والقربُ من الرسولِ (صلى الله عليه وآله) وأهلِ بيتهِ (عليهم السلام) يكونُ بطاعتِهم.

شاركَ مسلمُ بنُ عقيلٍ في معركةِ صفِّينَ سنة 37هـ، ولِبَسالتِه وشجاعتِه، جَعَلهُ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) على مَيمَنةِ المعسكرِ معَ الحسنِ والحسينِ عليهما السّلام، وعبدِ اللهِ بنِ جعفرَ الطيَّار، على الرغمِ من أنَّ عُمْرَ مسلمٍ لمْ يبلغْ آنذاكَ الثامنة عشرَ عامًا. وبعدَ موتِ معاويةَ وانقضاءِ مدةِ الصُّلح، وتَخلُّفِ معاويةَ عن بنودِ الصلحِ، أرسلَ الإمامُ الحسينُ (عليه السلام) مسلمًا، في أواخرِ شهرِ رمضانَ سنة 60 للهجرة، إلى أهلِ الكوفةِ بعد أنْ كَتبوا إليه الكُتبَ يَشْكون الحالَ، فأتى مسلمٌ المدينةَ المنوَّرةَ، وصلَّى في مسجدِ الرسول (صلى الله عليه وآله) ثمَّ غادَرَها إلى الكوفة. ولمَّا وصلَ الكوفةَ، نَزلَ دارَ المختارِ بن أبي عبيدةَ الثقفي، وبايعه 18 ألفًا من أهلِها، وكانوا يتردَّدون عليه بشكلٍ علنيّ، فأرسلَ كتابًا إلى الإمامِ الحسينِ (عليه السلام)، بتاريخ 12 ذي القعدة، مع عابسِ بنِ شبيبٍ الشاكري، يُخبِرُه ببيعةِ أهلِ الكوفة لِه.

إزاء ذلك، اشتكى جماعةٌ من أتباعِ بني أميةَ إلى يزيدَ من حالِ الوالي النُّعمانِ بنِ بشيرٍ، واتَّهموهُ بالضَّعف، وطالبوا بتغييرِهِ لعدمِ مواجهتهِ حركةَ مسلمِ بنِ عقيلٍ (عليه السلام) بالقوةِ والبَطْش، فوافَقَ يزيدُ على جعلِ عبيدِ اللهِ بنِ زيادٍ واليًا عليها، إضافة إلى ولايتهِ على البصرة. فقدِمَ ابنُ زيادٍ إلى الكوفةِ، ومَعَه جمعٌ من خاصَّتِه، وأخذَ يهدِّدُ الناسَ ويتوعَّدُهم. وأخذَتْ سياسةُ التهديدِ تؤثِّرُ في النفوسِ الضعيفة، فتحوَّلَ مسلمٌ (عليه السلام) إلى دارِ هانئِ بنِ عُروةَ، وصارَ الشيعةُ يتحوّلونَ إلى دارِهِ بشكلٍ مَخْفيّ، إلى أنْ اعتُقِلَ هاني بنُ عروة، فخرَجَ مسلمُ

 

220


196

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

بنُ عقيلٍ (عليه السلام) يوم الثامن من ذي الحجّة، فتخلَّفَ أهلُ الكوفةِ عن نُصرتِه حتّى بقيَ وحيدًا.

أضحى مسلمٌ وحيدًا يمشي في أزقَّةِ الكوفة، لا يجِدُ أحدًا يدلُّه على الطريق، وبعد أنْ أنهكَه العطشُ، وَقَفَ أمامَ إحدى الديارِ، فأحسَّتْ صاحبةُ الدارِ بوجودِهِ، وكانت تُدعى طَوْعة...

وَلنَّه وحَدَه والوكِتْ وَكِت الاغْروب

اوْ لَا يعرِفْ امنين مَنْفَذ هالدروب

غِمَدْ سِيفَه او وِكَفْ خوَّاض الاحروب

ابَّاب لكنْ غِدَتْ تِهْمِل دمْعِتَه

ابَّابْ لكنْ حاير ابْمالتْ هَلَه

مُوشْ نفسَه والحرايب ثوبِ اله

ولنْ حُرْمه طِلْعتِ امنِ البابِ اله

اتْصيح هذا الشخصْ شِنْهي وﮔْفِتَه

اتْصيح ياهذا أشوفَكَ على الباب

ومِنْ يِحلَّك توكَّفِ ابْاب الاجنْاب

سِكَتْ عنها او ردَّت اعليه الجواب

ﮔَال اريدَنْ ماي راحتْ جابته

ﮔَال اريدَنْ ماي ﮔَالت طلبِتَك

ماي هسَّه اشْربِتْ شِنهي وﮔْفِتَك

ما يجوزْ ابَّابْ غيرَك ظَلِّتَكْ

صِفنْ واتّحسَّر وسمِعَتْ حسْرِتَه

صِفَنْ واتْحَسَّر وﮔالتْ هَلَكْ وِين

ﮔَلها مُسلم بالصِّدِك طارش احسين

ﮔَالت ادخُلْ على الراسِ او على العين

ياهَلَه ابطارشِ احسين وجَيِّتَه

ياهَلَه ويامرحبه بجَيْتَك يَحُر

يبِنْ هاشم يا فَخَرْها والذُّخُر

بيِّنَتْ كوفان ويَّاك الغَدُرْ

ذاك ثوبِ الها او الذِّل لِبَسْتَه

 

221


197

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

تقولُ الرواياتُ: خرجت طوعةُ ظنًّا منها بأنّه ولدُها، وإذا بها ترى سيِّدًا جليلًا واقفًا على بابِ بيتها. قالت: يا عبدَ اللهِ، ماذا تريد؟ قال لها: أَمَةَ اللهِ، هل لي بشَربةٍ من ماء؟ فأتت لهُ بالماءِ فشرِبْ، ثمَّ دخلتْ دارَها، وبعدَ لحظاتٍ عادتْ إلى البابِ فوجدَتْهُ ما يزال واقفًا، قالتْ له: يا هذا، أمَا شربْتَ الماء؟ قال: بلى؛ قالت له: إذًا اِمضِ إلى أهلِك وبيتِك وعشيرتِك.. لمَّا سَمِع مسلمٌ بالأهلِ والعشيرةِ، تذكَّرَ عليَّ بنَ أبي طالب، تذكَّر فاطمةَ الزهراء، تذكَّرَ الحسنَ، تذكَّرَ الحسينَ الغريبَ، هذه هي عشيرتُه.فقال لها، ودموعُه تتحادرُ على خدَّيه: أَمَةَ اللهِ، أنا غريبٌ، ليس لي في هذا المِصْرِ أهلٌ ولا عشيرة. لستُ أدري لماذا بكى؟ هل تذكَّر مصابَ فاطمةَ، أمْ غُربةَ علي بنِ أبي طالب؟

لا أهل عندي ولا عشيره

يگلها وعينه مستديره

ومثل حيرتي ما جرت حيره

غريب وعمامي بغير ديره

أنا مسلم الفاگد نصيره

قال لها: هل لك بمعروفٍ، ولعلَّي مكافئُكِ يومَ القيامة؟ قالت له: يا عبدَ الله، ومَن أنتَ حتّى تكافئَني يومَ القيامة؟! قال: أنا مسلمُ بنُ عقيلِ بنِ أبي طالب، رسولُ الحسينِ بنِ عليٍ (عليه السلام)، كذَّبني هؤلاءِ القومُ وأخرجوني من دياري، ثمّ خَذَلوني ولم ينصروني، وتركُوني وحيدًا!

 

222


198

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

(أبو ذيّة)

افْرِحَتْ طُوعه ومنْها الدَّمع هَلِّيل

انه مُسلم وعِندِچْ ضِيف هالِّيل

بِسْرور اتفضَّل ومِنَّه عَليَّه

على رحبِ اوسِعَه والوجَّه هالِّيل

أدخلته دَارها، وبات ليلته بالصلاةِ والدعاءِ إلى الفجر. وكان لهذهِ المرأةِ ولدٌ غرَّهُ مالُ ابنِ زياد عندما عَلِمَ بوجودِ مسلمٍ في دارِهم، فأخبرَ عبيدَ الله بنَ زياد، فأرسلَ اللّعينُ عددًا من الأعداءِ، فحاصروا البيت. أَخبَرتْه طُوعةُ بذلك، وقالتْ له: ما رأيتُكَ نِمْتَ ليلةَ أمس، قال لها: اِعلمي أنَّه قد غَفَتْ عيني، فرأيْتُ عمِّي أميرَ المؤمنين، وهو يقولُ لي: العَجَلَ العَجَلَ، عجِّل إلينا، وما أظنّهُ إلّا أنُّه آخرُ أيامي.

شكر طوعةَ على معروفها، وخَرَجَ إليهم عازمًا على القتال. أخذَ الأعداءُ يجتمعونَ عليه منْ كلِّ حدَبٍ وصوب، فِرقةٌ يضربونَه بالحجارة، وفرقةٌ بالسِّهام والنبال... تقولُ الرواياتُ: إنَّ نساءَ أهلِ الكوفةِ اجتمعن وصِرن يضربن مسلمًا بالحجارة من على سطوحِ منازلِهنّ أَيْ وا مسلِماه! وحَفَرُوا له حُفرة، وسَتَروها بالتراب، وبينما هو يقاتُلهم وإذا به يَسْقُطُ في الحفرة، فحَمَلُوا عليه من كلِّ جانبٍ، قيَّدوه وأخذوه إلى ابن زياد هذا وطوعةُ تخاطبُ مسلمًا: كيفَ أنظرُ إلى وجهِ عمِّك عليٍّ بن أبي طالب؟! أَتُقْتَلُ وأنت ضيفي؟!

ولسانُ حالِها:

هذا ابنَ أخو الكَرار لا تِسِحْبوه

ظَلَّت تناديهم ياهِلْ كُوفان ارحمُوه

وانا حُرمة وضِعِيفة ما أقدَرْ أحميك

صاحتْ يا مُسلم يا عظمها خجلتي بِيك

 

 

223


199

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

بكى مسلمٌ، فقيل له: أومثلُك يبكي؟! قال: والله، ما لنفسي أبكي، لكنْ أبكي لأهلي المُقبلين! أبكي للحسين وآلِ الحسين! يعني أبكي للحسين والعباس... أبكي لزينبَ والأطفال...

(عاشوري)

لأرضْ مكة ويَخبِّر حسين

وينَه الِذي يوصَل بهالحين آه آه

كِتْفوه وظلْ يدير العين

مُسلم وحيد وما اله مْعِين آه آه

كأني بمسلمٍ يقولُ حينَها:

خانَوا اهلِ الكُوفة بعد ما بايعوني

يا حسين رِدُّوا لا تجُوني

وانتَوَ يا هَلي عنِّي بْعَاد

وللفاجِر ابنِ زيادْ سلِّموني

ثلاث مرّات مسلم ذكر الحسين (عليه السلام) وواساه وسلّم عليه قبل شهادته، كانت هذه المرّة الأولى، والمرّة الثانية حين جاؤوا له بالماء، كلَّما أرادَ أن يشربَ امتلأَ الكأسُ دمًا، رمى الكأس من يدِهِ، وقال: الحمد لله، لو كان لي من الرزق المقسوم لشربته. نعم، واسى الحسين في شهادته، فأبى أن يموت إلّا ظمآنَ كسيّد الشهداء!

لَمَّا دَرَتْ أَنْ سَيَقْضِي السِّبْطُ عَطْشَانَا

كَأَنَّمَا نَفْسُكَ اخْتَارَتْ لَهَا عَطَشًا

مِنْ ضَرْبَةٍ سَاقَهَا بَكْرُ بنُ حَمْرَانَا

فَلَمْ تُطِقْ أَنْ تَسِيْغَ المَاءَ عَنْ ظَمَأٍ

 

طلب ماي اليطفي جمرة احشاه

صَعد للقصر والقوم ويّاه

وما سلّم على ابن زياد بالحين

سقوه وبالقدح سِقطت ثناياه

 

224

 


200

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

والمرّة الثالثة التي ذكر فيها مسلم الحسين وسلّم عليه مودِّعًا، حينما صعدوا به إلى أعلى قصر الإمارة وجراحاته تنزف والعطش قد أخذ به وهو يذكر الله، بعد أن جرى بينه وبين ابن زياد (لعنه الله) محاورة قاسية، إذ لم يسلّم مسلم على ابن زياد، وردّ عليه شتمَه لعليّ والحسن والحسين (عليهم السلام)، قائلًا: أنت وأبوك أحقّ بالشتم، فاقضِ ما أنت قاضٍ يا عدوّ الله، فأمر ابن زياد (لعنه الله) بقطع رأسه.

ولمّا رأى مسلم السيف مشهورًا، استمهلهم ليصلّي، فصلّى ركعتين، وقال: اللّهمّ، احكم بيننا وبين قومٍ غرّونا وخذلونا وكذّبونا، وتوجّه نحو المدينة وصاح: السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يابن رسول الله.

وهاي آخرْ حَياتي يا إمامي

إلكْ ابعثْ يَبو اليِّمة سلامي

وِحيد وحاطَتْ الظُّلَّام بيَّه

من فوقِ القَصِر يرموني ظامي

أعظم الله أجوركم! وإذا بهم يَقْطَعون رأسَه، ويَرمون به من أعلى القصر، فوقَعَ على الأرض جُثَّةً بلا رأس! رحمَ اللهُ من نادى: وامسلماه! واغريباه!

الفجيعة العظمى عندما وصلَ الخبرُ إلى الحسين، فقد كان مصاب مسلم أولَ المصائبِ التي أبكتْ أبا عبدِ الله (عليه السلام) وزينب. وكانت لمسلمٍ ابنةٌ تُدْعى حَميدة، دعاها الإمام لمَّا دخلتِ الخيمةَ، تارةً تنظُرُ إليها زينبُ وتبكي، وتارةً تنظر إليها أمُّ كلثوم وتبكي، جَعَل يُلاطفها، أَجْلَسَها في حِجْرِهِ وصارَ يمسحُ بيده على رأسِها وَيَعطفُ عليها،

 

225


201

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

فاستشْعرتِ المصيبة، وقالت: يا عم، ما لي أراكَ تعطفُ عليَّ عطفَكَ على اليتامى، فهل أصابَ والدي مكروه؟!

هذا يَعمِّي مِنْ علاماتِ المُصايب

بْمَسْحَك عراسي تِرَكْتِ القَلُبْ ذايب

طوَّلِ الغيبه والله يْعَودَه بعجلْ ليَّه

ﮔَلبي تِروَّع وابوي بسَفَر غايب

وقَلْها يا حميدة والدِك ما ظَنِّتي يْعود

ضَمْها لْصدْره والدمِعْ يجري بالخْدود

ونادتْ يا عمِّي لا تفاولِ بالمنيّه

شِهْقَتِ وْظلَّتْ تنتِحِبْ وبْروحها تْجُود

(طور الخضيب)

وعيني اعْلى دربَك ناطِرة تتمنَّى شُوف اخْطَاك

بُويه يُمسلِمْ خاطري حِيلِ انِكسَر بِجْفاك

لاتترِكْ اعْيالك تَرا مانِحتِمِلْ فرَكاك

عُمري زْغَيَّر ابهالعُمر محتاجه آنه ارْباك

آه يا مسلم آه يا مسلم آه يا مسلم آه

يِمْسَحْ على راسي واحِسْ بعيونه الِفْ عَبْرة

عمِّي انِشْدَه ابكِلْ وكِتْ عنّك آنه ابْحسْرة

عمِّي يجيني ابكِلْ حزِنْ جنَّه انكِسَر ظهره

مقْدَر اترجِمْ دمعِتَه همَّه اصْبَحْ اشْكِثْره

آه يا مسلم آه يا مسلم آه يا مسلم آه

 

واليُتْمُ مَسْحُ الرَّأسِ فِيْهِ دَلِيْلُ‏

ولَهُ ابْنَةٌ مَسَحَ الحُسَينُ بِرَأسِهَا

يَا وَالِدِي حُزْنِي عَلَيْكَ طَوِيْلُ

لَمَّا أحَسَّتْ يُتْمَهَا صَرَخَتْ ألَا

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

226


202

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

المجلس الرابع

القصيدة

لِلهِ خَطْبٌ قَدْ أَطَلَّ جَلِيلُ

خَطْبٌ أَصَابَ مُحَمَّدًا وَوَصِيَّهُ

بِالنَّفْسِ حَيْثُ النَّاصِرُونَ قَلِيلُ

أَفْدِيهِ مِنْ فَادٍ شَرِيعَةَ أَحْمَدٍ

وَعنِ ابْنِ فَاطِمَةٍ يَزِيدُ بَدِيلُ

خَذَلُوهُ وَانْقَلَبُوا إِلَى ابْنِ سُمَيَّةٍ

مِنْ خَلْفِهِ عَدْوًا عَلَيْهِ تَجُولُ

آوَتْهُ طَوْعَةُ مُذْ أَتَاهَا وَالعِدَا

أَهْوَتْ عَلَيْهِ أَسِنَّةٌ وَنُصُولُ

حَتَّى هَوَى بِحَفِيرَةٍ صُنِعَتْ لَهُ

وَالجِسْمُ مِنْ نَزْفِ الدِّمَاءِ نَحِيلُ

فَاسْتَخْرَجُوهُ مُثْخَنًا بِجِرَاحِهِ

وَعَلَى الثَّرَى سَحَبُوهُ وَهْوَ قَتِيلُ

قَتَلُوهُ ثُمَّ رَمَوْهُ مِنْ أَعْلَى البِنَا

فِيهِ فَلَيْتَ أَصَابَنِي التَّمْثِيلُ

رَبَطُوا بِرِجْلَيْهِ الحِبَالَ وَمَثَّلُوا

فِقْدَانِ مُسْلِمَ رَنَّةٌ وَعَوِيلُ

مُذْ فَاجَأَ النَّاعِي الحُسَيْنَ عَلَتْ عَلَى

وَاليُتْمُ مَسْحُ الرَّاسِ فِيهِ دَلِيلُ

وَلَهُ ابْنَةٌ مَسَحَ الحُسَيْنُ بِرَأسِهَا

يَا وَالِدِي حُزْنِي عَلَيْكَ طَوِيلُ

لَمَّا أَحَسَّتْ يُتْمَهَا صَرَخَتْ أَلَا

 

 

228


203

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

(شعبي)

لسان حال حميدة بنت مسلم:

مثل اليتامى تمسح بكفك عليَّه

قلبي كسرته يا غريب الغاضريّه

كنّي يتيمة الكافي الله من هالاحوال

تمسح على راسي ودمع العين همّال

خلّيت عبراتي على خدّي جريّه

والله يا عمي هاي ما كانت على البال

جواب الحسين (عليه السلام):

غدرته الكوفة وظل وحيد يدير عينه

جاني الخبر عن حال مسلم يا حزينه

وراس البطل راح للطاغي هديّه

وبالحبل بالاسواق جسمه ساحبينه

جواب حميدة:

على الوالدها لماليش غيره

أنا قاعدة ولن البصيره

يتيمة صرت وانا زغيره

يبويه يمسلم والله حيره

لسان حال مسلم لابنته حميدة: (لحن الفراق)

يا حميدة غدرت الكوفة بمقامي

يا حميدة بلّغي المولى سلامي

يا حميدة بالقصر ذبحوني ظامي

جواب حميدة: (لحن الفراق)

بوي مسلم وامسح بكفك جفوني

بوي مسلم كحِّل بعينك عيوني

بوي مسلم ويَّ أحبابك سبوني

 

229

 


204

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

المصيبة

هذه الليلة عادةً تُخصَّص لتلاوة مصيبة الشّهيد العظيم والسفير لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وهو مسلم بن عقيل بن أبي طالب (عليه السلام)، باب الحوائج إلى الله، الغريب المظلوم والممهِّد لثورة الحسين (عليه السلام). ومن المهمّ أيضًا أن نشير إلى الممهَّدين أو بعضهم الذين كان لهم دور في بداية ثورة الإمام الحسين، وفي إيصال صوته إلى بعض المناطق الإسلاميّة، وهنا نذكر بعضهم:

1. سليمان بن رزين سفير الإمام الحسين (عليه السلام) إلى البصرة، والذي أرسله الإمام وحمّله رسالة إلى أهل البصرة وأعيانهم ووجوههم. وصل إلى البصرة وكان عليها عبيد الله ابن زياد، قبل أن يخرج منها إلى الكوفة. أوصل سليمان هذه الرسالة، لكن وشى به بعض أوجه البصرة عند ابن زياد، فقبض عليه وقتله، وهو أوّل الشّهداء السفراء في ثورة الإمام لحسين (عليه السلام).

2. عبد الله بن يقطر الذي كان سفيرًا للحسين (عليه السلام) إلى ابن عقيل برسائل، وأيضًا كان يأخذ الجواب من ابن عقيل إلى الحسين، وقد قبض عليه الحصين بن نمير عند مشارف الكوفة، وجاء به إلى ابن زياد، فقتله.

3. قيس بن مسهَّر الصيداويّ، سفير الحسين (عليه السلام)، جاء بكتاب من الحسين (عليه السلام)، فقُبض عليه وجيء به إلى ابن زياد، فسأله ابن زياد عن الكتاب وما فيه وإلى من أُرسل (وكان قد خرَّق الكتاب، وقيل: ابتلعه)، فرفض الإفصاح بأيّ شيء، فخيّره ابن زياد بين

 

230


205

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

أن يذكر تفاصيل الكتاب أو يصعد المنبر ويسبّ (الكذّاب ابن الكذّاب) -يعني الحسين (عليه السلام) والعياذ بالله-. فأجابه قيس إلى الثانية، وصعد المنبر، وقال: أيّها النّاس، إنّ الحسين بن عليّ بن فاطمة بنت رسول الله خير أهل الأرض، وقد أرسلني إليكم، وهو بالحاجر من بطن الرقَّة، فأجيبوه. ثمّ أثنى على الحسين (عليه السلام) ولعن ابن زياد ونزل، فأمر به ابن زياد فقتلوه، وقيل: إنّهم رموْه حيًّا من أعلى القصر، فتقطّع بدنه ومات (رضوان الله عليه).

4. هانىء بن عروة، كان سيّدًا في قومه ووجهًا من وجوه أهل الكوفة، ومواليًا لأهل البيت (عليهم السلام)، وكان له دور في التفاف النّاس حول مسلم بن عقيل وأخذ البيعة. وكانت داره منزلًا لمسلم بن عقيل (عليه السلام)، وقد اعتقله ابن زياد بحيلة سياسيّة بعد أن أعطاه الأمان. فلمّا مَثُل هانىء في مجلسه طالبه ابن زياد بمسلم (عليه السلام)، ثمّ أهانه وضربه على وجهه حتّى هشَّم أنفه، ثمّ حبسه، وقتله في ما بعد. وكان لاعتقاله أثر كبير في انتكاسة حركة مسلم في الكوفة. وقد ربطوا الحبال برجليه ورجلي مسلم (عليه السلام) وجرّوهما في أسواق الكوفة (رضوان الله عليهما).

5. مسلم بن عقيل ابن عمّ الإمام الحسين (عليه السلام) الذي ارسله الحسين (عليه السلام) إلى الكوفة بعدما جاءته رسلهم الكثيرة التي تحثّه على القدوم عليهم، وقد كتب الحسين (عليه السلام) كتابًا إلى أهل الكوفة مع مسلم، وممّا جاء فيه: وإنّي باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقثي من أهل بيتي، فإن كتب إليّ أنّه قد اجتمع رأي ملئِكم وذوي الحجا

 

231

 


206

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

والفضل منكم على مثل ما قَدِمَت به رسلكم وقرأتُ في كتبكم، أقدم عليكم وشيكًا إن شاء الله...

هذا الكتاب، يبيّن فضل مسلم بن عقيل، إذ إنّه شخصيّة مرموقة في أهل البيت (عليهم السلام)، وقد وصفه الإمام (عليه السلام) بأنّه أخوه وثقته. وهذا الوصف الأخير يبيِّن أنّ شخصيّة مسلم (عليه السلام) إلى جانب صلة القرابة التي تربطه بالحسين (عليه السلام) وحال القرب المعنويّ من الحسين (عليه السلام) حتّى وصفه بأنّه أخوه، فهو شخصيّة موثوقة مناسبة لهذه السفارة، ذو حنكة سياسيّة ودراية تامّة بثورة الحسين (عليه السلام) وأهدافها، ووعي تامّ للمسؤوليّة الملقاة على عاتقه. وهذا ما أظهره مسلم ابن عقيل في الكوفة في مواقف عديدة ومناسبات مختلفة. هذا فضلًا عن إيمانه وإخلاصه وولائه لسيّد الشّهداء (عليه السلام)؛ لذلك نرى الحسين (عليه السلام) يبكي في وداع مسلم، ويضمّه إلى صدره فيتعانقان، ثمّ يقول له: وإنّي لأرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشّهداء يوم القيامة.

ومضى مسلم إلى الكوفة، ووصل إليها وبايعه النّاس حتّى أحصى ديوانه ثمانية عشر ألف مبايع، وقد أرسل بعد ذلك كتابًا إلى الحسين (عليه السلام) جاء فيه: أمّا بعد، فإنّ الرائد لا يكذّب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألف مبايع، فأقبل حين يأتيك كتابي، والسّلام. ولكن أين كان هؤلاء المبايعون لمسلم بن عقيل؟ فدخول ابن زياد إلى الكوفة وترهيبه وترغيبه وملاحقاته وسجونه التي مُلئت بشيعة أهل البيت وحبسه لهانىء بن عروة، وما إلى ذلك من الظروف المعقّدة التي عاشتها الكوفة وأهلها في تلك المرحلة قلبَتْ الأمور رأسًا على

 

232


207

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

عقب، حتّى وصلت الأمور بمسلم الذي بايعه الآلاف إلى أن يمشي متلدّدًا في شوارع الكوفة، لا يجد من يدلّه على طريقه.

نعم، نبكي دمًا على مسلم، نبكي فيه أمورًا كثيرة؛ نبكي غربته، نبكي أطفاله الغرباء، نبكي ولديه محمّد وإبراهيم اللذين ضاعا بعد يوم العاشر من المحرّم وقُتلا بطريقة بشعة ومؤلمة، نبكي طفلته حميدة، نبكي وحدته وضياعه في أزقّة الكوفة، لا يهتدي سُبل الخروج منها، إلى أن انتهى به الأمر إلى باب طوعة المرأة الموالية التي لم تنسَ حكومة عليّ (عليه السلام) وعدله، والتي لمّا طلب منها مسلم الماء (وقد كانت تنتظر عودة ولدها على باب دارها) دخلت إلى الدّار وجاءته بالماء فشرب، ثمّ أدخلت القدح إلى الدّار، ولمّا خرجت وجدت مسلمًا ما يزال جالسًا عند باب دارها، قالت له :يا عبد الله، ألم تشرب الماء؟ قال: بلى، قالت: إذًا ما جلوسك على باب داري؟! اذهب إلى أهلك وعشيرتك، فإنّي لا أحلّه لك.

لا أهل عندي ولا عشيره

يگلها وعينه مستديره

ومثل حيرتي ما جرت حيره

غريب وعمامي بغير ديره

أنا مسلم الفاگد نصيره

قال لها: أمة الله، أنا مسلم بن عقيل، ليس لي في مصركم هذا أهل ولا عشيرة.

ولون ادري يا مسلم ما نشدتك

صاحت يا غالي ما عرفتك

 قالت له: أنت مسلم بن عقيل، لله درّ عمّك عليّ بن أبي طالب!

 

233


208

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

أدخلته دارًا غير التي كانت تسكنها، فقضى ليله بالعبادة والتهجّد وقراءة القرآن، اضطجع قليلًا فرأى عمّه أمير المؤمنين (عليه السلام) في منامه، وهو يقول: يا مسلم، أنّك صائر إلينا عن قريب. أفاق مسلمٌ على وقع حوافر الخيول، فلبس لامة حربه وخرج إليهم يقاتلهم وطوعة من خلفه تشجّعه على القتال حتّى أكثر القتلى، وقد رُوي أنّ ابن زياد أمدّهم بالجند، فتكاثروا عليه، وكانوا يرشقونه بالنّبال، وبعضهم يُلهِب النّار بأطناب القصب ويرمونها عليه من سطوح الدور، وقد اختُلف في كيفيّة اعتقاله، حتّى قالوا إنّه وقف ليستريح فحفروا له حفيرة، وانكشفوا من بين يديه، فشدّ عليهم ليقاتلهم، فسقط فيها، فانتزعوا سيفه واستخرجوه منها. فدمعت عيناه، قيل له: يا مسلم، إنّ الذي يطلب مثل الذي طلبت لا يبكي إذا نزل به مثل الذي نزل بك؛ فقال: والله ما لنفسي بكيت، وإنّما أبكي لأهلي المقبلين، لحسين وآل حسين!

لأرض الحجاز ويخبر احسين

وين الذي يقصد بهالحين

ودارت عليه القوم صوبين

مسلم وحيد ولاله معين

في وين راحوا هله الطيبين

بكوفان ظلّ يدير بالعين

حملوه إلى قصر الإمارة، وأدخلوه على ابن زياد. وجرى بينهما حوار حادّ، انتهى بأن أمر ابن زياد بضرب عنق مسلم، فصعدوا به إلى أعلى القصر. استمهلهم لحظات، فصلّى ركعات، ثمّ وجّه وجهه ناحية المدينة قائلًا: السّلام عليك يا أبا عبد الله، ثمّ أدنوه من أعلى

 

234


209

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

القصر وضربوا عنقه، ورموا بحثّته إلى الأرض.

ورموه الگوم من گصر الامارة

ويلي والمگدر گضى وشاعت اخباره

ثمّ ربطوا برجليه الحبال، وجرّوه في الأسواق.

المصيبة لمّا وصل الخبر إلى الحسين (عليه السلام) وهو في زرود، اغرورقت عيناه بالدموع وبكى أصحابه حتّى ارتجّ الموضع بالبكاء، ثمّ التفت الحسين ونادى أخته زينب: أخيّه عليَّ بطفلة مسلم حميدة. جاؤوا بحميدة الطفلة اليتيمة، وضعها في حجره، جعل يمسح على رأسها، أحسّت الطفلة بيتمها، قالت: عم يا أبا عبد الله، ما لي أراك تمسح على راسي كما يمسح على رؤوس اليتامى؟ هل أصيب والدي بشيء؟ فقال (عليه السلام): بنيّة لئن أصيب أبوكِ فأنا أبوكِ.

تقلّه يعمّي ابوي وينه

ومن زمان ما بيّن علينا

من طرشته ولا عاد لينه

يمكن ابوي قاتلينه

 

شبقهه ويمسح الدمعات بايده

أبو انا صرت لك يا حميدة

شوفة والدك صارت بعيدة

أيضًا ثمّة عزاء آخر لمسلم، وذلك عندما جاؤوا بسبايا أهل البيت إلى الكوفة في تلك الخربة، يُروى أنّ طوعة أقبلت واستأذنت في الدخول على الحوراء زينب(عليها السلام)، فقالت لها زينب: أخيّه من أنتِ؟ قالت: أنا طوعة التي آوت ابن عمّك مسلم، فقالت لها زينب(عليها السلام):

 

235


210

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

بلى، يا طوعة حدّثيني عن حالات ابن عمّي مسلم، قالت طوعة: لله درّه، فلقد ذكّرهم في ذلك اليوم بشجاعة عمّه أمير المؤمنين (عليه السلام)... ثمّ سألتها طوعة عن ابنة مسلم.

وصّاني مسلم من تجي اظعون اليتامى

بنته حميدة قال أبلّغها سلامه

وعنه أضمها وأمسح بكفي الهامه

لنّـه امفارقها ولا تترقبونه

 

سمعت حميدة ذكر أبوها وفاضت العيـن

وصاحت أني اللي تطلبيها يالتنشدين

آني اليتيمة اللي فجعني الدهر باثنين

مسلم أبويي وخالي اللي ذابحينه

جاءت حميدة تسأل طوعةَ عن أبيها:

عمّه يا طوعه احكيلي إشصار

من دارت بوالدي الكفّار

يگولون لي الكوفة كبيره

وعدوانه بيها كثيره

يبويه مسلم والله حيره

يتيمه صرت وآنا صغيره

عمّه يا طوعة إحكي لي حاله

من طاح ياهو التدنّى اله

غسِّله وعنِّ الگاع شاله

أنا كنت أرتجي عمّي بداله

يفيِّ عليّ وعلى عياله

 

236

 


211

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

وَكَم طِفلَةٍ لَكَ قَد أعوَلَتْ

وَجَمرَتُهَا في الحَشَا قَادِحَه

يُعَزِّزُهَا السِبطُ في حِجرِهِ

لِتَغدُو وَفي قُربِهِ فَارِحَه

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

237


212

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

الملحقات الشعريّة

الشعر القريض

القصيدة الأولى: لِمُسْلِمٍ عَيْنَ الهُدَى سُحِّي دَمَا

لِمُسْلِمٍ عَيْنَ الهُدَى سُحِّي دَمَا

وَيَا حَشَا الإِسْلامِ شُبِّي ضَرَمَا

أَفْدِي فَتىً بَكَتْ لَهُ أَمْلَاكُهَا

وَالمَلَأُ الأَعْلَى أَقَامَ المَأْتَمَا

أَفْدِيهِ مِنْ فَادٍ شَرِيعَةَ أَحْمَدٍ

حَتَّى اسْتُبِيحَ مِنْهُ مَا قَدْ حُرِّمَا

أَفْدِي فَتىً يَرَى الحَياةَ مَغْرَمًا

بَعْدَ الحُسَيْنِ وَالمَمَاتَ مَغْنَمَا

صَالَ وَجَالَ دُونَ دِينِ مُحَمَّدٍ

حَتَّى هَوَى بِحُفْرَةٍ مُجَرَّمَا

فَاسْتَخْرَجُوهُ بِالجِراحِ مُثْخَنًا

لَا يَسْتَطِيعُ المَشْيَ مِنْ نَزْفِ الدِّمَا

مُذْ صَعَدُوا القَصْرَ بِهِ رَنَا إِلَى

نَحْوِ الحُسَيْنِ بَاكِيًا وَسَلَّمَا

رَمَوْهُ حَتَّى كَسَّرُوا عِظَامَهُ

وَسَحْبُهُ بِالحَبْلِ كَانَ أَعْظَمَا

يَا لَيْتَ عَيْنًا قَدْ رَأَتْكَ مُسْلِمًا

تُسْحَبُ بِالأَسْوَاقِ نَالَهَا العَمَى

 

238


213

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

أَهَلْ دَرَى رَامِيهِ مِنْ أَعَلَى البِنَا

قَلْبَ النَّبِيِّ وَالوَصِيِّ قَدْ رَمَى

يَا أَرْضُ ابْلَعِي وَيَا جِبَالُ انْقَلِعِي

وَانْتَثِرِي حُزْنًا لَهُ شُهْبَ السَّمَا

القصيدة الثانية: أَجْرَى الأَسَى دَمْعًا بِعَيْنِ الْمُسْلِمِ

أَجْرَى الأَسَى دَمْعًا بِعَيْنِ الْمُسْلِمِ

فَأَصَابَ قَلْبَ الدِّينِ مَقْتَلُ مُسْلِمِ

هُوَ أَوَّلُ الشّهداء أَحْرَزَ سَابِقًا

فَضْلَ الشَّهَادَةِ فَهْوَ خَيْرُ مُقَدَّمِ

ثِقَةُ الْحُسَيْنِ بِفَضْلِهِ قَدْ أُوْدِعَتْ

أَكْرِمْ بِهِ ثِقَةً لَدَيهِ وَأَعْظِمِ

أَدَّى رِسَالَتَهُ الْبَلِيغَةَ حَافِظًا

حَقَّ الأَمَانَةِ بِاللِّسَانِ وَبِالدَّمِ

وَافَى لِكُوفَانٍ فَأَحْكَمَ بَيْعَةً

مَوْثُوقَةً لَوْلَا الْعَمَى لَمْ تُفْصَمِ

قَدْ بَايَعُوهُ مُقَدَّمًا وَمُؤَخَّرًا

غَدَرُوا بِهِ وَالْغَدْرُ طَبْعُ الْمُجْرِمِ

وَسَطَوْا عَلَيْهِ وَبَيْتُ طَوْعَةَ غَابُهُ

فَسَطَى لِجَمْعِهِمْ بِقَلْبِ الضَّيْغَمِ

مَا ضَرَّهُ عَدَمُ النَّصِيرِ عَلَى الْعِدَى

وَنَصِيرُهُ فِي الْحَرْبِ حَدُّ الْمِخْذَمِ

لَكِنَّمَا الأَقْدَارُ قَدْ أَوْدَتْ بِهِ فَرَمَتْهُ

مِنْ قَوْسِ الْقَضَاءِ بِأَسْهُمِ

فَهَوَى عَلَى وَجْهِ الثَّرَى بِحَفِيرَةٍ

مِنْ كَيْدِهِمْ نُصِبَتْ لِصَيْدِ الْقَشْعَمِ

القصيدة الثالثة: لَهْفَ نَفْسِي لِصَرِيع ٍقَدْ هَوَى

لَهْفَ نَفْسِي لِصَرِيع ٍقَدْ هَوَى

مُوثَقَ الأَكْتَافِ مِنْ قَصْرِ الإمَارَهْ

لَسْتُ أَنْسَاهُ وَحِيدًا مُفْرَدًا

وَعَلَيْه قَدْ هَجَمَ الأَعْدَاءُ َدَارَهْ

 

239


214

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

مُذْ أَتَاهَا فَغَدَا جَارًا لَهُم

وَأَبَى أَنْ يَحْفَظَ الَقَوْمُ جِوَارَهْ

مَا رَعَى أَهْلُ الشَّقَا ذِمَّتَهُ

لَا وَلَا بَنُو الشِّركِ ذِمَارَهْ

عَجَبًا لِمْ قَعَدَتْ فِهْرٌ وَلَمْ

تَشْرَعِ الأَسْيَافَ كَيْ تُدْرِكَ ثَارَا

أَتَنَاسَتْ مُسْلِمًا بَيْنَ العِدَى

والنِّسَا تَرْمِيهِ قَسْرًا بِالحِجَارَة

حَرَّ أَحْشَائِي عَلَى طِفْلَتِهِ

مُذْ رَأَتْ مِنْ عَمِّهَا السِّبْطِ انْكِسَارَا

فَغَدَتْ تَسْأَلُهُ عَنْهُ وَفِي قَلْبِهَا

الحُزْنُ قَدْ غَدَا يُضْرَمُ نَارَا

فَانْبَرَى السِّبْطُ لَهَا يُعْلِمُهَا

عَنْهُ بِالتِّلوِيحِ مِنْهُ وَالإشَارَه

فَغَدَا يَمْسَحُ مِنْهَا رَأسَهَا

وَهْيَ بِاْليُتْم ِلهَاَ أَجْلَى إِشَارَه

القصيدة الرابعة: يا صاحِب العصْرِ اسْتمِعْ لِمُصِيبةٍ

يا صاحِب العصْرِ اسْتمِعْ لِمُصِيبةٍ

أبْكتْ رسُول اللهِ قبْل وُقُوعِها

وبكى لها المولى عليٌّ صابِرًا

وجرتْ مدامِعُهُ بِحُمْرِ دُمُوعِها

وبكى الحُسيْنُ وأهْلُهُ حتّى علتْ

أصْواتُهُمْ وصُراخُهُمْ مِنْ وقْعِها

وارْتجّ موْضِعُهُم وماجتْ أرْضُهُم

حُزْنًا على فقْدِ العشِيرةِ نجْمها

أعْنِي مُصِيبة مُسْلِمٍ منْ قدْ غدا

اب الحوائِجِ مقْصدًا لِقضائِها

بهو ذلِك المِقْدامُ فِي سُوحِ الوغى

قِةُ الحُسيْنِ لِكُوفةٍ وسفِيرها

ويْلٌ لها إِذْ بايعتْهُ بِطوْعِها

غدرتْ بِهِ نكثتْ جمِيْع عُهُودِها

 

240


215

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

فقضى غرِيْبًا فِي الدِّيارِ وظامِئًا

ورمتْهُ مِنْ أعْلى البِناءِ لِأرْضِها

سحبتْهُ مِنْ رِجْليْهِ يا لهْفِي له

مع هانِيءٍ طُول النّهارِ بِسُوقِها

لهْفِي لِطِفْلتِهِ حمِيدة بعْدما

فقدتْ أباها تشْتكِي مِنْ يُتْمِها

فغدا يُلاطِفُها الحُسيْنُ بِحِجْرِهِ

وبِكفِّهِ مسح الإِمامُ بِرأْسِها

ويقُولُ لِلْحوْراءِ زيْنب مُشْفِقًا

قُولِي لها إِنِّي أبُوها وخالِها

وكأنّها قالتْ بِقلْبٍ والِهٍ

نِعْم الأُبُوّةُ يا حُسيْنُ وهبْتها

لكِنّنِي أخْشى بِفقْدِك أنّها

تغْدُو يتِيمة خالِها وولِيِّها

القصيدة الخامسة: قدْ خاض بحْر الموْتِ فِي حملاتهِ

قدْ خاض بحْر الموْتِ فِي حملاتهِ

وعُبابُهُ بِصِفاحِهِمْ مُتلاطِمُ

وتراهُ طلّاع الثنايا فِي الوغى

تبْكِي العِدى والثغرُ مِنهُ باسِمُ

قدْ آمنتْهُ ولا أمان لِغدْرِها

فبدتْ لهُ مِمّا تُجِنُّ علائِمُ

سلبتْهُ لامة حرْبِهِ ثُمّ اغْتدى

مُتأمِّرًا فِيهِ ظلُومٌ غاشِمُ

أسرتهُ مُلْتهِب الفُؤادِ مِنْ الظّما

ولهُ على الوجناتِ دمْعٌ ساجِمُ

لمْ يبْكِ مِنْ خوْفٍ على نفسٍ لهُ

لكِنّهُ أبْكاهُ ركْبٌ قادِمُ

يبْكِي حُسيْنًا أنْ يُلاقي ما لقى

مِنْ غدْرِهِمْ فتُباحُ مِنهُ محارِمُ

فرمتْهُ مكْتُوفًا مِن القصْرِ الّذي

قامتْ على الطُّغْيانِ مِنهُ قوائِمُ

 

241


216

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

وا لهْفتاهُ لِمُسْلِمٍ يُرْمى مِن ال

قصْرِ المشُومِ وليس يحْنُو راحِمُ

يُجرُّ فِي الأسْواقِ جهْرًا جِسْمُ من

تُنْمِيهِ لِلشّرفِ الصُّراحِ ضراغِمُ

قدْ هدّ مقْتلُهُ الحُسين فأسْبل ال

عبراتِ وهُو لدى المُلِمّةِ كاظِمُ

القصيدة السادسة: قَليلٌ بُكَائِيْ عَلَى ابْنِ عَقِيلِ

قَليلٌ بُكَائِيْ عَلَى ابْنِ عَقِيلِ

وإنْ سَالَ دَمْعِيَ كُلَّ مَسِيلِ

بِنَفسِي أَسِيْرًا بِأَيْدِي الضَّلَال

فَقَادُوْهُ لِلمَوتِ قَودَ الذَّلُولِ

وَأَعْظَمُ مَا كَان فِي قَلْبِهِ

مِنَ الهَمِّ ذِكرُ الحُسَيْنِ النَّبيلِ

مُحَاذَرَةً أنْ يَذوْقَ الحُسَيْنُ

كَمَا ذَاقَهُ مِنْ جَفَاءِ النُّغُوْلِ

لأَبكَى مُصَابُكَ سِبْطَ الرَّسُوْلِ

وَكانَ بُكَاهُ بِعَيْنِ الرَّسُوْلِ

يَعِزُّ عَليَّ بِأنّيْ أَرَاكَ

قَلِيْلَ النَّصيرِ كَثِيْرَ الخُذُوْلِ

ظَمِئْتَ وَآلَيْتَ أَنْ لَا تَعُبَّ

إلَّا مِنَ الكَوثَرِ السَّلسَبِيْلِ

لِعِلْمِكَ أنَّ ابْنَ بِنتِ النَّبِيِّ

يَلْقَى المَنِيَّةَ صَادِي الغَلِيْلِ

فَكُنتَ تُواسِيهِ قَتْلًا بِقَتْلٍ

وَحَرَّ غَلِيْلٍ بِحَرِّ غَلِيْلِ

سُقُوْطُكَ مِن فَوقِ عَالِي البِنَاءِ

ارتِفَاعُكَ عَن نَزَوَاتِ الخُمُوْلِ

أَرَاعَ فُؤادِي شَدُّ الحِبَالِ

بِرِجلَيْكَ يَا بُغيَةَ المُستَنِيْلِ

وَسَحْبُكَ فِي السُّوْقِ بَيْنَ الأَنَامِ

أَوْرَثَ جِسْمِيَ دَاءَ النُّحُولِ

 

242

 


217

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

القصيدة السابعة: لَوْ كَانَ يَنْفَعُ لِلعليْلِ غَليلُ

لَوْ كَانَ يَنْفَعُ لِلعليْلِ غَليلُ

فَاضَ الفُرَاتُ بِمَدْمَعِي والنِّيْلُ

كَيفَ السُّلُوُّ ولَيسَ بَعدَ مُصيْبَةِ

ابْنِ عَقِيْل لي جَلَدٌ وَلَا مَعْقُوْلُ؟

حَكَمَ الإِلَهُ بِمَا جَرَى فِي مُسْلِمٍ

والله لَيْسَ لِحُكْمِهِ تَبدِيْلُ

خَطْبٌ أَصَابَ مُحَمّدًا وَوَصِيَّهُ

للهِ خَطْبٌ قَدْ أَطَلَّ جَلِيْلُ

خَذَلُوْهُ وانقَلَبُوْا إلى ابْنِ سُمَيَّةٍ

وَعَنِ ابْنِ فَاطِمةٍ يَزيدُ بَديْلُ

سَلْ مَا جَرَى جُمَلًا ودَعْ تَفْصِيْلَهُ

فَقَلِيْلُهُ لَمْ يُحْصِه التَّفصِيْلُ

قَتَلُوْهُ ثُمَّ رَمَوْهُ مِنْ أَعَلَى البِنَا

وَعَلَى الثَّرَى سَحَبُوهُ وَهْوَ قَتِيْلُ

رَبَطُوْا بِرِجْلَيْهِ الحِبَالَ ومَثَّلُوْا

فِيْهِ فَلَيْتَ أَصَابَنِي التَّمْثِيْلُ

ولَهُ ابْنَةٌ مَسَحَ الحُسَينُ بِرَأسِهَا

واليُتْمُ مَسْحُ الرَّأسِ فِيْهِ دَلِيْلُ‏

لَمَّا أحَسَّتْ يُتْمَهَا صَرَخَتْ ألَا

يَا وَالِدِي حُزْنِي عَلَيْكَ طَوِيْلُ

الشعر الشعبي

أوّلًا: الأبو ذيّات

1. القدر كل عام عام الفرح يا عم

القدر كل عام عام الفرح يا عم

على المسكون كله يكون يا عم

بطلي النوح لا تبكين يا عم

أشوفك والحزن يشتدّ عليّه

 

243

 

 


218

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

2. عدوّك كيف يا مسلم تجاره

عدوّك كيف يا مسلم تجاره

ابحبل جسمك يشدونه تجاره

لمصابك دمع عيني تجاره

وعليك الروح يا مسلم شجيّه

3. بنت مسلم قضى بوها ومالها

بنت مسلم قضى بوها ومالها

غيرك وانت رادتها واملها

ذبها الدهر يا عمها وما لها

ولا والي العليها ايدوم فيّه

4. مسلم من وگع والسيف طرفاه

مسلم من وگع والسيف طرفاه

على احسين أبو اليمّة ايدير طرفاه

ينظر يمينَه ويسراه طرفاه

اوينادي لا تجي يابن الزكيّة

5. گلبي امن الحزن شايل علامه

گلبي امن الحزن شايل علامه

تحط ايدك على راسي علامه

يعمّي لليتم هذي علامه

وظن عودي انگتل وانگطع بيّه

6. أنه مسلم وعندك ضيف هالليل

أنه مسلم وعندك ضيف هالليل

فرحت طوعة ومنها الدمع هليل

على رحب وسعه والوجه هاليل

بسرور اتفضّل ومنّه عليّه

7. عمل كوفان هد حيلي وهاني

عمل كوفان هدّ حيلي وهاني

ولا شربي صفى طيّب وهاني

يوسفه رجل مسلم وهاني

بحبل بالسوق جروهن سويّه

 

244


219

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

8. دليلي لمسلم امن القهر ينـذاب

دليلي لمسلم امن القهر ينذاب

سفير احسين عنه فلا ينذب

من عالي القصر للأرض ينذب

او يجرونه ابحبل فوق الوطيّه

ثانيًا: القصائد والأبيات

1. بمسحك على راسٍ تركت القلب ذايب

بمسحك على راسٍ تركت القلب ذايب

هذا يا عمي من علامات المصايب

قلبي تروَّع حيث بويه بسفر غايب

طوَّل الغيبة يْعُوده الله بعجل ليّه

ضمها بصدره والدمع يجري بالخدود

وقلها يا حميدة والدك ما ظنتي يعود

شهقت وظلت تنتحب وبروحها تجود

ونادت يا عمي لا تفاول بالمنيّه

2. يا مسلم وين ذاك اليوم

يا مسلم وين ذاك اليوم

عمَّك يجيك يعاينك غارق بدمَّك

يا مسلم لا حد من الناس يمَّك

غريب بهالبلد ما لك معين

3. وسفَه على مسلم يقتلونه

وسفَه على مسلم يقتلونه

من القصر وسفه يذبَّونه

بالأحبال مسلم يجرونه

ما واحد اللي وقف دونه

شاوين أخوته ما يجونه

لونهم يجون ويشوفونه

 

245


220

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

4. يا ليت هالدم الذي يجري على الگاع

يا ليت هالدم الذي يجري على الگاع

مسفوح بين ايديك يا مكسور الاضلاع

يا حيف ما احتضيت ابساعة اوداع

بيني وبينك يا حبيبي فرق البين

5. واقف على بابي ودمع العين سايل

واقف على بابي ودمع العين سايل

سائل من السؤّال لو عندك رسايل

شوفتك من الذي كانوا وسايل

كنّك غريب بهالبلد ولا لك اصحاب

گلها غريب وغربتي دون الغرايب

كم من غريب بغربته حصّل حبايب

وانا بهالديرة بقيت بلا قرايب

والبايعوني داسوا البيعة بالتراب

6. من اجت عد عمها حميده

من اجت عد عمها حميده

گعدت تون ونّه شديده

تگله يعمي ابوي أريده

أشوف سفرته صارت بعيده

يگلها وبگه يصفگ بإيده

بالكوفه ابيّك بگه وحيده

وأهل الغدر گطعوا وريده

7. گلبي كسرت يا غريب الغاضرية

گلبي كسرت يا غريب الغاضرية

مثل اليتامى تمسح بكفك عليه

تمسح على راسي ودمع العين همّال

كني يتيمه الكافي الله من هالاحوال

ما عودتني بها الفعل من گبل يا خال

خليت دمعاتي على خدي جريه

تمسح على راسي ودمع العين سايب

هذا يعمي من علامات المصايب

 

 

246


221

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

8. يعمي اعله ابويه أرد أنشدك

سولفلي عنّه وآنه عندك

يعمي اعله ابويه أرد أنشدك

مقتول كأنّه وحگ جدّك

أشوفن خبر منّه مهيضدك

وگال اِلها جاني الخبر عنّه

لمّن سمعها جذب ونّه

وگطعت الرّجه وأيّست منّه

مقتول بالكوفه أظنّه

9. مسلم ظل يدير العين

من خانته انصاره

مسلم ظل يدير العين

بس يجول بفكاره

ما يدري الوجه لاوين

قام وتسكب ادموعه

يمشي وفلك فكره ايدور

ونار الهضم بضلوعه

بآيات الصبر يقره

الدار الطاهره طوعه

لمن جابته رجليه

حر العطش فت احشاي

قاللها اريدن ماي

قام امن القدح يشرب

جابتله قدح بي ماي

ومنـه الـروح محتاره

واظنك ما تعرفيني

قاللها غريب آنه

عندك من تخليني

وجازيك ابهذاك اليوم

گالتله لتجازيني

ينور العين ياهو انته

 

247


222

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

مسلم وبن عم احسين

جاوبها اوتهل العين

خانت بيعتي الكوفه

عليه دارت الصوبين

وكلها اصبحـت غدّاره

10. حميدة من تشوف احسين

ابو اليمّه يجي يمها

حميدة من تشوف احسين

دمعتها بوجه عمها

تذكر بيها وتسيل

وشوفنك يهل دمعك

يعمّي والدي غايب

وعلى حالي انحنى ضلعك

وشو تمسح على راسي

عرفته من شفت وضعك

يعمّي والدي مقتول

ابوي انت يماي العين

البقا براسك يعمّي حسين

عقب ذاك الصبر كله

ما أنصف وياي البين

وبعدني خايفه من البين

إلي هاي الدهر ضمها

يسلم راس عمّي احسين

تهون امصيبتي بس كون

لاكن هاي تحصل وين

هاذي طلبتي من الله

عمها حسين يرعاها

حميده كان رجواها

يتيمة بيها مسلم

تالي الدهر خلاها

وعمها حسين يتّمها

 

248


223

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

11. صاح الدعي ابن زياد فيهم لا تمِهلوه

صاح الدعي ابن زياد فيهم لا تمِهلوه

بالعجل من القصر للگاع ذبوه

گطعوا كريمه والجسد بالسوق سحبوه

بالحبل ما بين الملا وا فجعة الدين

12. صعدوا بمسلم والدمع يجري من العين

صعدوا بمسلم والدمع يجري من العين

توجه بوجهه للحجاز يخاطب حسين

يحسين أنا مقتول ردوا لا تجوني

خانوا أهل كوفة عگب ما بايعوني

وللكافر ابن زياد كلهم سلموني

مفرد وانتوا يا هلي عني بعيدين

13. صعد للقصر والقوم وياه

صعد للقصر والقوم وياه

طلب ماي اليطفي جمرة احشاه

سقوه وبالقدح سِقطت ثناياه

وما سلّم على ابن زياد بالحسين

14. تگله من گطع راسك ابسيفه

تگله من گطع راسك ابسيفه

اومن هشّم اعظامك واخذ حيفه

يبويه الجيش سلبنه اعله كيفه

اومتني ابسوط عدوانك تورّم

15. يعمّي گلّي بويه وينه

‏يعمّي گلّي بويه وينه

امن ازمان ما بيّن علينه

‏واخبار منّه ما تجينه

يمكن يعمّي لبييّ گاتلينه

 

249


224

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

16. يحسين انا مگتول ردّوا ولا تجوني

يحسين انا مگتول ردّوا ولا تجوني

خانوا اهل كوفان عگب ما بايعوني

وللفاجر ابن زياد كلّهم سلّموني

مفرد وانتو يا هلي عني بعيدين

17. المگدر گضى وشاعت اخباره

المگدر گضى وشاعت اخباره

ورموه الگوم من گصر الامارة

وهاني انقتل عقبه وبگت داره

مظلمه ولا بعد واحد يصلها

مصيبتهم مصيبة اتصدع الأجيال

ومن قبل الشيب اتشيب الأطفال

شفت ميت يجرونه بالحبال

يناعي لا تظن صاير مثلها

 

 

260


225

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)
المجلس الأوّل: مجلس الأنصار

القصيدة

كيْفَ يَصْحُو بَمَا تَقُولُ الّلوَاحِي

مَن سَقَتْهُ الهُمُومُ أنَكَدَ رَاحِ

كيْفَ تُهْنِينِيَ الحيَاةُ وَقَلْبِي

بَعْدَ قَتْلَى الطُّفُوفِ دَامِي الجِرَاحِ؟!

بِأَبِي مَنْ شَرَوْا لِقَاءَ حُسَينٍ

بِفِرَاقِ النُّفُوسِ وَالأَرْوَاحِ

وَقَفُوا يَدْرَؤونَ سُمْرَ العَوَالِي

عَنْهُ والنَّبْلَ وَقْفَةَ الأشْبَاحِ

فَوَقَوْهُ بِيضَ الظُّبَا بِالنُّحُورِ ال

بِيضِ والنَّبْلَ بِالوُجُوهِ الصِّبَاحِ

فِئَةٌ إنْ تَعاوَرَ النّقعُ لَيْلًا

أطْلَعُوا في سَمَاهُ شُهْبَ الرِّمَاحِ

وإذا غَنَّتِ السُّيُوفُ وَطَافَتْ

أكْؤُسُ المَوْتِ وانْتَشَى كُلُّ صَاحِ

بَاعَدُوا بَيْنَ قُرْبِهِم والمَوَاضِي

وَجُسُومِ الأعْدَاءِ والأَرْوَاحِ

أَدْرَكُوا بالحُسَيْن أكْبَرَ عِيدٍ

فَغَدَوْا فِي مِنَى الطُّفُوفِ أضَاحِي

بِأبِي الوَارِدُونَ حَوْضَ المَنايَا

يَوْمَ ذِيدُوا عَنِ الفُرَاتِ المُبَاحِ

بِأبِي اللّابِسُونَ حُمْرَ الثِّيابِ

طَرَّزَتهُنَّ سَافِيَاتُ الرِّياحِ

 

 

252

 


226

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

(شعبي)

غدوا هذا اعله حرّ الگاع مطروح

اوذاك ايعالج اودم منحره ايفوح

او هذا امن الطعن ما بگت بيه روح

اوذاك امن الطبر جسمه تخذّم

ويلي هذا الرمح بفّاده تثنّه

وهذا بيه للنشّاب رنّه

وهذا الخيل صدره رضرضنّه

وهذا وذاك بالهندي موزّر

(فايزي)

نمتوا يا أنصار الوغى كلكم يطيبين

وما گلتوا ظل وحده بلا ناصر ولا امعين

نمتوا على الغبره حسافه آيا فرسان

وارسومكم غطّاها دم مخلوط تربان

وآنه وحيد ابكربله ودلّالي حيران

نمتوا ولا گلتوا اشيصير بحالة حسين

آيا النشامه شو حِلَت إلكم النومه

اوليكم ثگلت عليه والله اهمومه

محد بگى منكم إله بساحة الحومه

وعبّاس يم المشرعه امگطع الچفين

(أبو ذيّة)

احشّمكم او روحي اتون لونكم

اچفوف الگدر يصحابي لونكم

وحيد او حاطت العدوان بيّه

تنهضون او تشوفوني لونكم

المصيبة

يروى أنّه يوم العاشر من المحرّم تقدّم عمر بن سعد نحو عسكر أبي عبد الله، ورمى بسهم قائلًا: اشهدوا لي عند الأمير أنّي أوّل من

 

 

253

 


227

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

رمى، ثمّ رمى الناس، فلم يبقَ من أصحاب الحسين أحد إلّا أصابه من سهامهم، فقال (عليه السلام) لأصحابه: قوموا -رحمكم الله- إلى الموت الذي لا بدّ منه؛ فإنّ هذه السهام رسل القوم إليكم.

فحمل أصحابه حملة واحدة، واقتتلوا ساعة، فما انجلت الغبرة إلّا عن خمسين صريعًا منهم، وأخذ أصحاب الحسين (عليه السلام) بعد أن قلّ عددهم وبان النقص فيهم يبرز الرجل بعد الرجل، فأكثروا القتل في أهل الكوفة، فصاح عمرو بن الحجّاج بأصحابه: أتدرون من تقاتلون؟ تقاتلون فرسان المصر وأهل البصائر وقومًا مستميتين، لا يبرز إليهم أحد منكم إلّا قتلوه على قلّتهم، والله لو لم ترموهم إلّا بالحجارة لقتلتموهم! فقال ابن سعد: صدقت، الرأي ما رأيت، أرسل في الناس من يعزم عليهم أن لا يبارزهم رجل منكم، ولو خرجتم إليهم وحدانا لأتَوا عليكم.

نزلوا احباب حسين لارض المنيّه

صاحوا رخيصة الروح لابن الزكيّه

وسافه تروح نفس وحده ضحيّه

وبصوت الفخر لبّيك يا أمير

ثمّ حمل عمرو بن الحجّاج من نحو الفرات، فاقتتلوا ساعة، وفيها قاتل مسلم بن عوسجة، وما انجلت الغبرة إلّا ومسلم صريع وبه رمق، فمشى إليه الحسين (عليه السلام) ومعه حبيب بن مظاهر، فقال له الحسين (عليه السلام): رحمك الله يا مسلم! ﴿فَمِنهُم مَّن قَضَىٰ نَحبَهُۥ وَمِنهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبدِيلٗا﴾، ودنا منه حبيب، وقال: عزّ عليَّ مصرعك يا مسلم! أبشر بالجنّة، فقال بصوت ضعيف: بشّرك الله بخير، قال حبيب: لولا أنّي

 

 

254

 


228

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

أعلم أنّي في الأثر لاحق بك لأحببت أن توصيني إليَّ بكلِّ ما أهمّك، فقال مسلم: أوصيك بهذا -وأشار إلى الحسين (عليه السلام)- أن تموت دونه، قال: أفعل وربّ الكعبة، وفاضت روحه بينهما.

ما وصّيك بعيالي وبيتي

وصلت يبن ظاهر منيتي

إن كان نيتك مثل نيتي

ولا تحفظ أولادي وثنيتي

بالحسين وعياله وصيتي

اريدنك تجاهد سويتي

ووقف عابس بن أبي شبيب الشاكريّ أمام الحسين (عليه السلام) وقال: يا أبا عبد الله، والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعزّ عليَّ ولا أحبّ إليّ منك، ولو قدرت على أن أدفع عنك الضيم والقتل بشيء أعزَّ عليَّ من نفسي ودمي لفعلت.

ثمّ مشى نحو القوم مصلتًا سيفه، وبه ضربة على جبينه، فأخذ ينادي: ألا رجل لرجل؟ فأحجموا عنه، وأخذ مناديهم ينادي في الصفوف: أيّها الناس، هذا أسد الأسود، هذا أشجع الناس، هذا ابن أبي شبيب، لا يخرجنَّ إليه أحد منكم، فصاح عمر بن سعد بالناس: أرضخوه بالحجارة؛ فرُمي بالحجارة من كلّ جانب، فلمّا رأى ذلك ألقى درعه ومغفره، ثمّ شدّ على الناس فهزمهم بين يديه... ثمّ إنّهم هجموا عليه من كلّ جانب حتّى قتلوه واحتزّوا رأسه!

نزل عابس ونادى وين الابطال

خلها بساح الحرب يمّي الرجال

نزع درعه بفنون العشگ آجال

وصاح جنّيت انا بالوجه المنير

 

255

 


229

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

ورمى نافع بن هلال الجمليّ بنبال مسمومة قد كتب اسمه عليها... فقتل اثني عشَر رجلًا سوى المجروحين، ولمّا نفذت سهامه جرّد سيفه، وحمل على القوم، وهو يرتجز ويقول:

أَنَا الغُلَامُ اليَمَنِيُّ الجَمَلِي

دِينِي عَلَى دِينِ حُسَيْنٍ وَعَلِي

إِنْ أُقْتَلِ اليَوْمَ فَهَذَا أَمَلِي

وَذَاكَ رَأْيِي وَأُلَاقِي عَمَلِي

فأحاطوا به يرمونه بالحجارة والنصال حتّى كسروا عضديه وأخذوه أسيرًا، فأمسكه الشمر ومعه أصحابه يسوقونه إلى عمر بن سعد، فقال له ابن سعد: ويحك يا نافع! ما حملك على ما صنعت بنفسك؟! فقال نافع: إنّ ربّي يعلم ما أردت... وانتضى الشمر سيفه ليقتله، فقال له نافع: أما والله يا شمر، لو كنتَ من المسلمين لعظم عليك أن تلقى الله بدمائنا، فالحمد لله الذي جعل منايانا على يد شرار خلقه، ثمّ ضرب الشمرُ عنقَه!

وحمل برير بن خضير سيّد القرّاء على القوم، وهو يقول: اقتربوا منّي يا قتلة المؤمنين، اقتربوا منّي يا قتلة أولاد البدريّين، اقتربوا منّي يا قتلة أولاد رسول ربّ العالمين وذرّيّته الباقين... واجتمع أكثر من واحد عليه حتّى قتلوه.

وبرز أنس بن الحارث الكاهليّ، وكان شيخًا كبيرًا صحابيًّا ممّن رأى النبيّ (صلى الله عليه وآله) وسمع حديثه وشهد معه بدرًا وحنينًا، وكان قد سمع من النبيّ (صلى الله عليه وآله) يقول والحسين (عليه السلام) في حجره: إنّ ابني هذا يُقتَل بأرض من العراق، ألا فمن شهده فلينصره.

 

256


230

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

فلمّا رآه الشيخ في طريقه إلى العراق، جاء معه إلى كربلاء لينصره، فجاء ووقف أمام الحسين (عليه السلام) يستأذنه في النزول إلى الميدان، وقد شدّ وسطه بعمامته ليستقيم ظهره، ووضع عصابةً على جبينه ليرفع حاجبيه عن عينيه، فلمّا نظر إليه الحسين (عليه السلام) بهذه الهيئة بكى، وقال: شكر الله سعيك يا شيخ!

(لحن الفراق)

ما نعوفك والله لو نلگه المنيّه

ما نعوفك يا غريب الغاضريّه

ما نعوفك لا وحگ ضلع الزجيّه

نبقى نبقى لو دهرنه سل سيوفه

نبقى نبقى إعله نهجك ما نعوفه

نبقى نبقى وحگ عباس وچفوفه

وكان كلّ من أراد القتال يأتي الحسين (عليه السلام)، فيودّعه ويقول: السلام عليك يابن رسول الله، فيجيبه الحسين (عليه السلام): وعليك السلام، ونحن خلفك، ويقرأ قوله -تعالى-: ﴿فَمِنهُم مَّن قَضَىٰ نَحبَهُۥ وَمِنهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبدِيلٗا﴾.

ولمّا نظر الحسين (عليه السلام) إلى كثرة من قُتِل من أصحابه، قبض على شيبته المقدّسة، وقال: اشتدّ غضب الله على قوم اتّفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيّهم. أما والله، لا أجيبهم إلى شيء ممّا يريدون حتّى ألقى الله وأنا مخضّب بدمي! ثمّ صاح: أما من مغيث يغيثنا؟! أما من ذابّ يذبّ عن حرم رسول الله؟!

 

257


231

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

سيّدي أبا عبد الله، إنْ كانَ لَمْ يُجِبْكَ بَدَنِي عِنْدَ اسْتِغاثَتِكَ وَلِسانِي عِنْدَ اسْتِنْصارِكَ، فَقَدْ أَجابَكَ قَلْبِي وَسَمْعِي وَبَصَرِي...

هكذا لبَّوا رجالنا وشبابنا نداء الحسين (عليه السلام) في ساحات الجهاد، (شباب بعمر الورد)

هم شايف ورد مجروح

شباب معفّره وتنام

حسافه موذّره الأوصال

تبكيهم أراضي الشام

راحوا ولا بعد ملگى

كلّ الدور تنعاهم

خلونا نعيش هموم

نذكر دوم حَكياهم

وايّام السعد وَلّت

مِن حَلّت مناياهم

شدّوا للحِرب همّه

ورادو يحفظوا الحضره

هذا عيونه مصيوبه

وذاك تصّوب بصدره

وزينب حاضره تنعى

كلمن نادى يا زهره

وما زال أنصار الحسين (عليه السلام) يتسابقون إلى المنيّة حتّى قتلوا بأجمعهم، وكأنّي بالحسين (عليه السلام) ينظر إليهم، وهم ما بين من صافح التراب جبينه وقطع الحمام أنينه، فصار يناديهم بأسمائهم: يا حبيب بن مظاهر، يا زهير بن القين، يا حرّ الرياحي... يا فلان يا فلان...

ليش يا عابس يمسلم يحبيب

ليش يخوتي تخلّوني غريب

ليش اناديكم ولا اسمع مجيب

وبيه حاطت خيلها وفرسانها

 

 

258


232

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

يا فرسان الوغى وليوث الهيجاء، مالي أناديكم فلا تسمعون، وأدعوكم فلا تجيبون؟ أنتم نيام؟ أرجوكم تنتبهون؟ أم حالت نومتكم بينكم وبين إمامكم؟ فقوموا من نومتكم أيّها الكرام، وادفعوا عن حرم الرسول هؤلاء الطغاة اللّئام، ولكن صرعكم -والله- ريب المنون، وغدر بكم الدهر الخؤون، وإلّا لما كنتم عن نصرتي تقصّرون، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

ليش أنادي اوما تجيبون الندا

رحتوا عنّي اوحارت عليه العدا

ادري بيني وبينكم حال الردا

وبعدكم بيه اشمتت عدوانه

أَحِبَّايَ لَوْ غَيْرَ الحِمَامِ أَصَابَكُم

عَتِبْتُ وَلَكِنْ مَا عَلَى المَوْتِ مَعْتَبُ

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

 

259


233

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

المجلس الثاني: مجلس الحرّ الرياحيّ وحبيب بن مظاهر

القصيدة

جارَ الزمانُ وجارَتِ الأيّامُ

يومَ الطفوفِ وضجَّتِ الأقوامُ

للحربِ يدعونَ ابنَ بنتِ نبيِّهمْ

والظلمُ في أعطافِهِمْ إسهامُ

منعوا الفراتَ عن الإمامِ وصحبِهِ

وتمتَّعَتْ في مائِهِ الأنعامُ

كرُّوا الخيولَ وجرّدُوا أسيافَهُمْ

والسبطُ في أصحابِهِ قوَّامُ

وتسابقَتْ نحوَ المنيَّةِ ثلَّةٌ

تهوى الردى ويشدُّها الإلهامُ

يمشي الإمامُ السبطُ فيهم حائرًا

متثاقلًا في خطوِهِ استلهامُ

يتفقَّدُ الأمواتَ منهُمْ سائلًا

والجرحُ في أعماقِهِ إيلامُ

عجبي لأرضِ الطفِّ من أبطالِهَا

يهوي على رمضائِهَا الضرغامُ

ونساؤُهُم ثكلى يضجُّ صغارُهُمْ

عندَ الخيامِ وكلُّهُمْ أيتامُ

وتجولُ في وسطِ السبايا زينبٌ

تَفْري الصفوفَ رجالُهُمْ أصنامُ

لهفي على الأطهارِ يبهرُ نورُهُمْ

والعامُ تمضي بعدَهُ الأعوامُ

لكمُ السلامُ الصدقُ منْ أعماقِنَا

حُبًّا لكمْ ما حبَّرَتْ أقلامُ

 

 

260


234

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

(شعبي)

صاح يا هال ويا مسلم يا زهير ويا حبيب

صحبتي كلكم تركتوني وتركتوني وحيد غريب

قوموا شوفوا هاليتامى دوّبوني من النحيب

ظلّت اجثثهم تموج وتضطرب من نخوته

تصيح سامحنا يبو سكنه ترى احنا مجزّرين

شوفنا هذا مقطّع عالثرى وهذا طعين

صاح معذورين ياللي على الصعيد مجزّرين

ورد يا ويلي للنسا وغصب هلّت دمعته

(أبو ذيّة)

حبّ حسين في المرضع حَسِينْاه

سرى في عروقنا ويالدّم حسّيناه

أبد والله ما ننسى حُسيناه

نعيش نموت ويّا ابن الزكيّه

﴿مِّنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٞ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ اللَّهَ عَلَيهِۖ فَمِنهُم مَّن قَضَىٰ نَحبَهُۥ وَمِنهُم مَّن يَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبدِيلٗا﴾.

كان الإمام الحسين (عليه السلام) يتلو هذه الآية المباركة عند استشهاد أنصاره وأصحابه وأهل بيته الذين شهد لهم بأروع شهادة حينما جمعهم ليلة العاشر من المحرّم، قال لهم: أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحابًا أوفى ولا خيرًا من أصحابي، ولا أهل بيتٍ أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله جميعًا عنّي خيرًا! ألا وإنّي لأظنّ أنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غدا، ألا وإنّي قد أذنت لكم جميعًا؛ فانطلقوا في حلّ،

 

 

261

 


235

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

ليس عليكم حرج منّي ولا ذمام، وهذا الليل قد غشيكم، فاتّخذوه جملًا، ثمّ ليأخذ كلّ رجلٍ منكم بيد رجلٍ من أهل بيتي، وتفرّقوا في سواد الليل، وذروني وهؤلاء القوم، فإنّهم لا يريدون غيري.

وكان أوّل من أجابه في تلك الليلة بنو هاشم، وخلاصة قولهم: لنبقى بعدك؟! لا أرانا الله ذلك أبدًا...

وبدأ الأصحاب يعبّرون عمّا في أعماقهم، من جملة ما قاله مسلم بن عوسجة: وبماذا نعتذر إلى الله في أداء حقّك؟!

سعيد بن عبد الله قال: والله، لو علمت أنّي أُقتل فيك، ثمّ أُحيا، ثمّ أُحرق حيًّا، يُفعل بي ذلك سبعون مرّةً لما فارقتك أبدًا، حتّى ألقى حمامي دونك!

وقال زهير بن القين: لَوددْتُ أنّي قُتلت، ثمّ نُشرت، حتّى أُقتَل فيك هكذا ألف مرّة، وأنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك.

وهكذا، بدأ كلّ واحد من الأصحاب يُعبّر بكلمات تدلّ على مدى وفائهم وصدقهم، تدلّ على مدى إيمانهم الكامل وتعلّقهم بالإمام الحسين (عليه السلام)، وعلى مدى سرعتهم وشوقهم إلى لقاء الموت في سبيله...

المصيبة

وكان ممّن أجاب داعيَ الله أبا عبد الله، أوّل رجلٍ خرج لحربه وقتاله، وهو الحرّ بن يزيد الرياحيّ، الذي عندما رأى عزم القوم على

 

262


236

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

قتال الإمام الحسين (عليه السلام)، راح بعيدًا عن معسكر القوم يفكّر، رآه صاحبه يرتعد ويرتجف، قال له: يا حرّ، ما هذا الذي أراه منك؟! ولو سئلتُ: مَنْ أشجعُ أهل الكوفة؟ ما عدوتك، قال الحرّ: إنّي أخيّر نفسي بين الجنّة والنار، فوالله لا أختار على الجنّة شيئًا، ولو قُطّعت وحُرِّقت.

وضرب بفرسه نحو معسكر الحسين، منكّسًا رمحه، قالبًا ترسه، واضعًا يده على رأسه حياءً من آل الرسول... وهو ينادي: جعلني الله فداك يابن رسول الله، يا أبا عبد الله، إنّي قد جئتك تائبًا إلى الله ممّا كان منّي، مواسيًا لك في نفسي، حتّى أُقتل بين يديك، فهل تجد لي من توبة؟!

قال الحسين (عليه السلام): نعم، يتوب الله عليك فانزل...

قال: سيّدي، إن كنتُ أوّلَ من خرج عليك، فاسمح لي أن أكون أوّل قتيلٍ بين يديك، لعلّي أكون ممّن يصافح جدَّك في القيامة.

فأذِن له الحسين (عليه السلام)، نزل الحرّ إلى الميدان، قاتل قتال الأبطال، حتّى عُقرت فرسه، وتكاثرت عليه الرجّاله فصرعوه! حمله أصحاب الحسين إلى المخيّم، فجاء الحسين (عليه السلام)، وقف عنده، مسح الدم والتراب عن جبينه، وقال: أنت الحرّ كما سمّتك أمّك، وأنت الحرّ في الدنيا وسعيدٌ في الآخرة.

وكان الإمام الحسين (عليه السلام) قد قسّم الرايات يوم عاشوراء، وأبقى رايةً واحدة، كلّما تقدّم لها رجل، قال له الإمام (عليه السلام): أنت شهم كريم، ولكن يأتي صاحبها...

 

 

263

 


237

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

وإذا بغبرةٍ ثائرةٍ من ناحية الكوفة، وصل حبيب صاحب هذه الراية، قبّلَ الأرض بين يدي أبي عبد الله، وهو يقول: السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يابن رسول الله!

وصل خبر مجيء حبيب إلى الحوراء زينب، فقالت: بلّغوا حبيبًا سلامي.

ماحلى ذيك الشمايل يوم طبّ الكربلا

طلع عبّاس البطل بولاد اخوه يستقبله

مرحبا يقلّه الشهيد وزينب تقلّه هلا

وصل مستبشر لبو سكنه وتناول رايته

جاه من زينب سلام ومدمعه بالحال سال

واقبل يسلّم على الحورا وعلى ذيك العيال

صاح يا وسفه يا زينب تركبين على الجمال

وحيّته باحسن تحيّه وسر قلبها بنخوته

لمّا بلّغوه سلامها، لطم حبيب على وجهه، وقال: من أنا، ومن أكون، حتّى تسلّم عليّ بنتُ أمير المؤمنين؟!

أنا منين وتسلّم عليّ

بنت المرتضى حامي الحميّة

هاي مدلّلة عبّاس هيّ

بحقهم نزل وينصّ الكتاب

ثمّ استأذن حبيب من أبي عبد الله ليسلّم عليها، فجاء ووقف بإزاء خيمة النساء، وقال: السلام عليكِ يا بنت أمير المؤمنين، كأنّي بكِ وأنتِ تُحملين على بعيرٍ ضالعٍ من بلد إلى بلد...

نعم، هذا هو الهمّ الذي كان يحمله حبيب وبقيّة أصحاب الحسين (عليه السلام)، هَمُّ سبي زينب والنساء؛ لذلك عندما نزل حبيب إلى الميدان يوم عاشوراء، سرعان ما رجع إلى أبي عبد الله (عليه السلام) باكيًا،

 

264


238

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

فيسأله الحسين عن سبب بكائه، فيجيبه: أبكي لهذه الواقفة خلفك، وما يجري عليها من بعدك.

زينب هنا

كربلا والله عجيبة

زينب هنا

بضعة الزهرا النجيبة

زينب هنا

ما أصدّگ هالمصيبة

ثمّ عاد حبيب إلى الميدان، يذبّ عن حرم رسول الله، وصار يقاتلهم وحيدًا فريدًا، عظّم الله أجوركم!

والله يبو السجّاد ما فارگ جمالك

روحي ومالي والأهل كلها فدالك

كل شيعك تنفنى ولا تهتك عيالك

والتفت لاصحابه وعبراته جريّه

وبرزت شجاعة حبيب على كبر سنّه، وقتل منهم مقتلة، وهو يرتجز ويقول:

أنا حبيبٌ وأبي مظاهرُ

فارسُ هيجاءٍ وليثٌ قَسورُ

وأنتمُ ذو عدّة وأكثرُ

ونحنُ منكمْ في الحروبِ أصبرُ

ثمّ احتوشوه من كلّ مكان، وتكاثروا عليه، حتّى قتلوه... جاء الحسين (عليه السلام) إليه، وقف عنده ينعاه.

أحبيبٌ، أنت إلى الحسين حبيبُ

إنْ لم يَنُطْ نسبٌ فأنتَ نسيبُ

(أبو ذيّة)

قعد عنده الشهيد حسين ودعاه

حبيب اقعد حبيبك قوم ودعه

قام وغمّض عيونه وودعه

ورجع للخيم ودموعه جريّه

 

265

 


239

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

حرّ قلبي لك أبا عبد الله وحيدًا فريدًا، لا ناصر لك ولا معين! ينظر إلى أصحابه، وهم ما بين من صافح التراب جبينه، وقطع الحمام أنينه، فراح يناديهم بأسمائهم: يا حبيبُ بن مظاهر، يا زهيرُ بن القين، يا حرّ الرياحيّ، يا فلان، يا فلان...

يا علي الاكبر يا جاسم يا حبيب

يا هلال الوغى وانوى على المغيب

ليش انادي وما حصل منكم مجيب

بعد من يحمي الحرم وخدورها

والله يا شبّان بالله لا تونون

تصدعون گلبي من تونون

شبّان مثل الورد يزهون

يوسفه اوعلى الغبره ينامون

يا أبطال الوغى وليوث الهيجا، ما لي أناديكم فلا تسمعون، وأدعوكم فلا تجيبون؟! أنتم نيام، أرجوكم تنتبهون! أم حالت نومتكم بينكم وبين إمامكم؟! فقوموا من نومتكم أيّها الكرام، وادفعوا عن حرم الرسول هؤلاء الطغاة اللئام! (لبّيك يا حسين، لبّيك يا حسين)، ثمّ اعتذر عنهم قائلًا:

ولكن صرعكم -والله- رَيْبُ المنون، وغدر بكم الدهر الخؤون، وإلّا لما كنتم عن نصرتي تقصّرون، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون!

ومغسَّلين ولا مياهَ لهمْ سوى

عبراتِ ثكلى حرَّةِ الأحشاءِ

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

266


240

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

المجلس الثالث: مجلس عَمرو بن جنادة ووهب النصرانيّ

القصيدة

يا صاحِب الأمْرِ أدْرِكْنا فليْس لنا

وِرْدٌ هنِيءٌ ولا عيْشٌ لنا رغدُ

طالتْ عليْنا لياِلي الاِنْتِظارِ فهلْ

يابْن الزّكيِّ لِليْلِ الاِنْتِظارِ غدُ

فاكْحِلْ بِطلْعتِك الغرّا لنا مُقلًا

يكادُ يأْتِي على إِنْسانِها الرّمدُ

هبْ أنّ جُنْدك معْدُودٌ فجدُّك قدْ

لاقى بِسبْعِين جيْشًا ما لهُ عددُ

غداة جاهد مِنْ أعْدائِهِ نفرًا

جدُّوا بِإِطْفاءِ نُورِ اللهِ واجْتهدُوا

وعاد ريْحانةُ المُخْتارِ مُنْفرِدًا

بيْن العِدى ما لهُ حامٍ ولا عضُدُ

يكِرُّ فِيهِمْ بِماضِيهِ فيهْزِمُهُم

وهُمْ ثلاثُون ألْفًا وهْو مُنْفرِدُ

لوْ شِئْت يا عِلّة التّكْويْنِ محْوهُمُ

ما كان يثْبُتُ مِنْهُمُ فِي الوغى أحدُ

لكِنْ صبرْت لِأمْرِ اللهِ مُحْتسِبًا

إِيّاهُ والعيْشُ ما بيْن العِدى نكدُ

حتّى مضيْت شهِيْدًا بيْنهُم عمِيتْ

عُيُونُهُمْ شهِدُوا مِنْك الّذِي شهِدُوا

على النّبِيِّ عزِيزٌ أنْ يراك وقدْ

شفى بِمصْرعِك الأعْداءُ ما حقدُوا

ولوْ ترى أعْيُنُ الزّهْراءِ قُرّتها

والنّبْلُ فِي جِسْمِهِ كالهُدْبِ ينْعقِدُ

إِذًا لحنّتْ وأنّتْ وانْهمتْ مُقلٌ

مِنْها وحرّتْ بِنِيرانِ الأسى كبِدُ

 

 

268


241

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

(شعبي)

يابه يجدّي تعالوا لبنكم غسّلوه

والكفن ويّاكم دجيبوه‏

وجيبوا گطن للجرح نشّفوه

وعلى اكتافكم لحسين شيلوه‏

يجدّي مات محّد وگف دونه

ولا نغّار غمضله عيونه

وحيد يعالج او منخطف لونه

ولا واحد بحلگه ماي گطر

يجدّي مات محد مدّد ايديه

ولا واحد يجدّي عدّل رجليه

يعالج بالشمس محّد گرب ليه

يحطّله اظلال يجدّي امن الحر

المصيبة

لمّا أصبح يوم العاشر من المحرّم، عبّأ عمر بن سعد جيشه لقتال الحسين (عليه السلام)، ثمّ صاح: يا دريد، أدْنِ رايتك، فأدناها، فوقف تحتها، وأخذ سهمًا ووضعه في كبد قوسه، ورماه نحو معسكر الحسين، وقال: اشهدوا لي عند الأمير بأنّي أوّل من رمى فتبعه الجيش على ذلك فلم يبق أحد من أصحاب الحسين إلّا وأصابه من تلك السهام شيء، فقال الحسين لأصحابه: قوموا رحمكم الله، قوموا يا كرام إلى الموت الذي لا بدّ منه، هذه السهام رسل القوم إليكم، فحمل

 

269


242

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

أصحاب الحسين حملة واحدة واقتتلوا مع القوم، فما انجلت الغبرة إلّا عن خمسين صريعًا من أصحاب الحسين (عليه السلام).

يَتَسَابَقُونَ إِلَى الوَغَى فَكَأَنَّهُمْ

سَيْلٌ تَدَفَّقَ فِي بُطُونِ بِطَاحِ

قَدْ تَاجَرُوا رَبَّ السَّمَا بِنُفُوسِهِمْ

فَحَظُوا لَدَيْهِ بِأَغْنَمِ الأَرْبَاحِ

ولَمَّا قُتلَ من أصحابِ الحسينِ (عليه السلام) في هذهِ الحَملة مَن قُتلَ، صارَ يبرُزُ الرجُلُ والرجلانِ، ويستأذنونَ الحسين (عليه السلام) ويقاتلون ثمّ يُقتلونَ...

وما زال أصحاب الحسين يتسابقون إلى المنيّة واحدًا بعد آخر، وأقبلَتْ أمّ عَمرو إلى ولدها عَمرو بن جنادة الأنصاريّ الذي لم يبلغِ الحُلم، وعمره إحدى عشْرة سنة، وقد قُتِل أبوه في الحملة الأولى، فألبسَتْه لامةَ الحرب، وقلّدته سيف أبيه، وقالت: بُني عَمرو، قُم وقاتِل بين يدي ابن رسول الله.

جاء الغلام وقف بين يدي الحسين (عليه السلام)، مستأذنًا في النزول إلى الميدان، فأبى الحسين أن يأذن له، وقال: هذا غلام قُتل أبوه في المعركة، ولعلّ أمّه تكره خروجه! فقال عَمرو: سيّدي، إنّ أمّي هي التي ألبستني لامة حربي وقلّدتني سيف أبي! قال: بنيّ، عد إليها لعلّها تأنس بك.

رجع الغلام إلى أمّه، فأقبلت أمّه إلى الحسين، وهي تقول: سيّدي أبا عبد الله، أَفتُثكَلُ أمّك الزهراء بولدها ولا أُثكل بولدي؟! فقال الإمام (عليه السلام): جُزيتم عن أهل بيت نبيّكم خيرًا، ثمّ أذِن له في النزول

 

270


243

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

إلى الميدان، فنزل الغلام، وهو ينشد قائلًا:

أَمِيرِي حُسَيْنٌ وَنِعْمَ الأَمِيرِ

سُرُورُ فُؤَادِ البَشِيرِ النَّذِيرِ

عَلِيٌّ وَفَاطِمَةٌ وَالِدَاهُ

فَهَلْ تَعْلَمُونَ لَهُ مِنْ نَظِيرِ؟!

وجدّ في القتال إلى أن قُتل، واحتُزّ رأسه، ورُمي به نحو معسكر الحسين (عليه السلام)، جاءت أمّه، أخذته في حجرها، راحت تمسح الدم والتراب عنه، وهي تقول: أحسنت يا نور عيني، أحسنت يا سرور فؤادي، بيّض الله وجهك كما بيّضت وجهي عند فاطمة الزهراء(عليها السلام)، ثمّ أخذت عمودًا من الخيمة، وبرزت تقاتلهم قائلة:

أنَا عَجوزٌ في النِسا ضَعيفَة

خَاوِيَةٌ بَالِيَةٌ نَحِيفَة

أضرِبُكُم بِضَربَةٍ عَنيفَة

دُونَ بَنِي فَاطِمَةِ الشَرِيفَة

فجاء الحسين (عليه السلام) وردّها إلى المخيّم.

وكذلك وهب بن عبد الله النصرانيّ، فاز بنصرة أبي عبد الله في كربلاء، ومعه أمّه وزوجته، قالت له أمّه: يا وهب، قم وانصر ابن بنت رسول الله، قال: نعم يا أمّاه، أفعل ولا أقصّر إن شاء الله؛ فنزل وهب إلى الميدان، قاتل حتّى قتل عددًا من الرجال، ثمّ عاد إلى أمّه، وقف بين يديها، وقال: يا أمّاه، هل رضيتِ عنّي، قالت: لا والله، لا أرضى عنك حتّى تُقتَل بين يدي أبي عبد الله؛ فتعلّقت به زوجته، وقالت: يا وهب لا تفجعني بنفسك! فقالت له أمّه: أعزب عن قولها، وارجع وقاتل بين يدي أبي عبد الله، تنل شفاعة جدّه يوم القيامة.

 

271


244

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

عاد وهب إلى الميدان، قاتل حتّى قُطعِت يداه! وبينما هو يقاتل، إذا به يسمع زوجته تناديه من خلفه: يا وهب، قاتل دون الطيّبين، حُرمِ رسولِ الله! تعجّب وهب من حالها! قال: الآن كنتِ تنهَيْنني عن القتال، ما الذي جرى؟! قالت: يا وهب، لا تلمني إنّ واعية الحسين كسرَتْ قلبي! فقال لها: وما الذي سمعتِه منه؟ قالت: رأيته واقفًا بباب خيمته، وهو ينادي: واقلّة ناصراه!

يگلها هالساعه كنت تمنعيني

يهل الحرّه ولفيتي تشجعيني

وصوتك بالحرب زيد ونيني

وعلى الخدين سالت دمعة العين

تگله لا تلوم الگلب لو هم

يحگ لحسين تجري دموعنا دم

والله ابو السجاد شفت بباب الخيم

ينادي ولا حصله بكربلا امعين

الله يعينك مالك معين

وقومك على الغبره مطاعين

أنا منين اجيب المرتضى منين

عن كربلا بويه غبت وين

يبويه الناس تفقد واحد اثنين

وانا افقدت يا ناس سبعين

فبكى وهب بكاءً كثيرًا، وقال لها: ارجعي إلى النساء، يرحمكِ الله! فأبت أن ترجع، قال: سيّدي أبا عبد الله، ردّها إلى الخيمة، فقال الحسين (عليه السلام): جزاكم الله من أهل بيتٍ خيرًا، ارجعي -رحمكِ الله- إلى النساء.

أقول: سيّدي أبا عبد الله، أنت الذي أرجعتَ زوجة وهب إلى خيمة النساء، ولم تتركها تواجه الأعداء، لكن سيّدي من الذي أرجع

 

272


245

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

نساءك وبناتك وأخواتك، عندما سقطْتَ عن جوادك صريعًا، وهجم القوم على مخيّمك!

يقول الراوي: خرجت الحوراء زينب، وجاءت إلى التلّ المشرف على المعركة، التلّ الزينبيّ، صاحت: يابن أمّي يا حسين! نور عيني يا حسين! إن كنتَ حيًّا فأدركنا، فهذه الخيل قد هجمت علينا، وإن كنت ميتًا فأمرنا وأمرك إلى الله!

مالي غيرك

يا غريب الغاضريّه

مالي غيرك

يا طريح على الوطيّه

مالي غيرك

خويه راح امشي سبيّه

مالي غيرك

يا حبيب امّي الزكيّه

مالي غيرك

يالكنت خيمه عليّه

مالي غيرك

يا دمع عيني الجريّه

قالوا: كلّما حاول الحسين أن ينهض ليدافع عن حرمه، لم يتمكّن، وسقط إلى الأرض! ولمّا أيسَتِ الحوارء من نهوضه لنجدتها، إلى مَن تتوجّه؟ بمن تستغيث؟

(نصّاري)

يجدّي الرمح بفّاده تثنّه

يجدّي اوبالوجه للسيف رنّه

يجدّي اوشيبه ابدمّه تحنّه

يجدّي اوبالرمل خدّه تعفّر

تناديهم يهلنا او لا لفوها

ولا جدها يجاوبها ولا أبوها

حنّت وانگطع ظنها من اخوها

اوشافت علخيم صوّل العسكر

 

 

273


246

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

يا رسولَ اللهِ يا فاطمه

يا أميرَ المؤمنينَ المرتضى

عظَّمَ اللهُ لكَ الأجرَ بِمَنْ

قضَّ أحشاهُ الظما حتّى قضى

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

274


247

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

المجلس الرابع: مجلس سعيد بن مُرّة التميميّ

القصيدة

فصارعُوا الموْت فِيها والقنا أجمُ

مشوا إلى الحرْبِ مشْي الضّارياتِ لها

أمْواجُها البِيضُ فِي الهاماتِ تلْتطِمُ

وخائِضِين غِمار الموْتِ طافِحةً

صبْرًا بِهيْجاء لِمْ تثْبُتْ لهُمْ قدمُ

ولا غضاضة يوْم الطّفِّ إنْ قُتِلُوا

حتّى مضوْا ورِداهُمُ مِلْؤُهُ كرمُ

أفْناهُمُ صبْرُهُمْ تحْت الضّبا كرمًا

إلّا الدِّماءُ وإلّا الأدْمُعُ السُّجُمُ

سقْيًا لِثاوِين لمْ تُبلِلْ مضاجِعهُم

حرّى القُلُوبِ على ورْدِ الرّدى ازْدحمُوا

مُوسّدِين على الرّمْضاءِ تنْظُرُهُم

رُؤوسُها لمْ يُكفْكِفْ عزْمها الّلحْمُ

أبْكِيهمُ لِعوادِي الخيْلِ إنْ ركِبتْ

رُعْبًا غداة عليْها خِدْرها هجمُوا

وحائِراتٍ أطار القوْمُ أعْيُنها

سُرادِقًا أرْضُهُ مِنْ عِزِّهِمْ حرمُ

كانتْ بِحيْثُ عليْها قوْمُها ضربتْ

حتّى الملائِكُ لوْلا أنّهُمْ خدمُ

يكادُ مِنْ هيْبةٍ أنْ لا يطُوف بِهِ

تُسْبى وليْس منْ فِيهِ تعْتصِمُ

فغُودِرتْ بيْن أيْدِي القوْمِ حاسِرةً

قوْمها وحشاها مِلؤُهُ ضرمُ

نعمْ لوتْ جِيدها بِالعتْبِ هاتِفةً

 

 

276

 


248

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

(شعبي)

زجر وخوّله والشمر من عگب أهلنه

من گال بالله ننسبي ويحدي ابظعنّه

وامنه الزكيه فاطمة الخادمها جبريل

هاي الهظيمة واحنه سيّد الكون جدنا

عگب الخدر تالي يساره فوگ الجمال

الله يا هاي المصيبة المو على البال

حقها مشت عنهم اوخلّتهم مگاتيل

والحرم عالوليان تبكي ابدمع همّال

صرعى عرايا ابلا دفن والدم غسلها

واشحالها التمشي او تعوف اجسوم أهلها

وحسين ما خلّت صلح بين سالم الخيل

واعلى النهر مطروح ذاك اللي كفلها

(أبو ذيّة)

أبد ما شفت راحم وأنا صيح

زجر كل ساع يزجرني وأنا صيح

أبد ما كان جسر واحد عليّه

لون حاضر يخوي وأنا صيح

المصيبة

ورد عن الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) في زيارة الناحية الشريفة، وهو يزور أنصار الحسين وأصحابه الشّهداء معه: السّلام عليكم يا خير أنصار، السّلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار! بوّأكم الله مبوّأ الأبرار.

 

277


249

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

(شعبي)

زجر وخوّله والشمر من عگب أهلنه

من گال بالله ننسبي ويحدي ابظعنّه

وامنه الزكيه فاطمة الخادمها جبريل

هاي الهظيمة واحنه سيّد الكون جدنا

عگب الخدر تالي يساره فوگ الجمال

الله يا هاي المصيبة المو على البال

حقها مشت عنهم اوخلّتهم مگاتيل

والحرم عالوليان تبكي ابدمع همّال

صرعى عرايا ابلا دفن والدم غسلها

واشحالها التمشي او تعوف اجسوم أهلها

وحسين ما خلّت صلح بين سالم الخيل

واعلى النهر مطروح ذاك اللي كفلها

(أبو ذيّة)

أبد ما شفت راحم وأنا صيح

زجر كل ساع يزجرني وأنا صيح

أبد ما كان جسر واحد عليّه

لون حاضر يخوي وأنا صيح

المصيبة

ورد عن الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) في زيارة الناحية الشريفة، وهو يزور أنصار الحسين وأصحابه الشّهداء معه: السّلام عليكم يا خير أنصار، السّلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار! بوّأكم الله مبوّأ الأبرار.

 

277


250

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

أشهد لقد كشف الله لكم الغطاء، ومهّد لكم الوطاء، وأجزل لكم العطاء، وكنتم عن الحقّ غير بطاء، وأنتم لنا فرطاء، ونحن لكم خلطاء في دار البقاء، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هؤلاء الصفوة من أولياء الله الذين لم يسبقهم سابق، ولم يلحق بهم لاحق، اختارهم الله لنصرة دينه، لم ينقصوا رجلًا ولم يزيدوا رجلًا، معروفون بأسمائهم من قبل شهودهم، كما يقول ابن عبّاس في حقّ أصحاب الحسين، وكما يعبّر عنهم محمّد بن الحنفيّة: وإنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم. ويكفيهم فخرًا شهادة الإمام الحسين بحقّهم عندما قال: إنّي لا أعلم أصحابًا أوفى ولا خيرًا من أصحابي... وقد ذكرهم أمير المؤمنين (عليه السلام) حين مرّ بكربلاء وصار بمصارع الشّهداء قائلًا: ... مناخ ركاب ومصارع شهداء، لا يسبقهم من كان قبلهم، ولا يلحقهم من كان بعدهم. بشّرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بشهادتهم وفوزهم بأعلى الدرجات، حين ذكر لولده الحسين (عليه السلام) مصرعه في كربلاء، فقال: ... ويستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مسّ الحديد، وتلا قوله -تعالى-: ﴿قُلنَا يَٰنَارُ كُونِي بَردٗا وَسَلَٰمًا عَلَىٰٓ إِبرَٰهِيمَ﴾... وقد وصفهم الإمام الحسين (عليه السلام) لأخته الحوراء زينب (عليها السلام)، فقال: أما والله، لقد نهرتهم وبلوتهم، وليس فيهم إلّا الأشوس الأقعس، يستأنسون بالمنيّة دوني، استئناس الطفل بلبن أمّه.

وعندما أذن لهم سيّد الشّهداء (عليه السلام) بالانصراف والانطلاق وجعلهم في حلّ، كان الواحد منهم يقول: قبّح الله العيش بعدك...

 

278


251

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

أما والله! لو علمتُ أنّي أُقتَل، ثمّ أُحيى، ثمّ أُحرق، ثمّ أذرّى، يُفعل ذلك بي سبعين مرّة، ما فارقتك حتّى ألقى حمامي دونك، فكيف لا أفعل ذلك وإنّما هي قتلة واحدة؟! ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدًا... لذلك استحقّوا أن يكشف الإمام الحسين (عليه السلام) عن أبصارهم ليلة عاشوراء، ويريهم منازلهم في الجنّة، ويبيتوا معه تلك الليلة في العبادة ولهم دويٌّ كدويّ النحل، ما بين راكعٍ وساجد وقائمٍ وقاعد...

من أصحاب الحسين (عليه السلام) الذين كانت لهم تلك الكرامة ونالوا أعلى الرتب، وأدركوا سيّد الشّهداء في اليوم العاشر من المحرّم، سعيد بن مرّة التميميّ. كان من أهل البصرة إذ كاتب الإمامُ الحسين (عليه السلام) أشرافَها ورؤساءَها، ودعاهم إلى نصرته، فأجابه من أجابه، ولكنّ الكثيرين منهم فاتتهم نصرة الإمام (عليه السلام) والشهادة بين يديه، حيث خرجوا من البصرة متّجهين إليه، فوافاهم خبر مقتله في بعض الطريق، فرجعوا خائبين عن نصرته.

أمّا الّذين سُعِدوا ورُزِقوا الشهادة منهم فهم ستّة -كما ذكرهم أهل المقاتل- أوّلهم عبد الله الفقعسيّ وكان شيخًا كبيرًا طاعنًا في السنّ، ثمّ أولاده الأربعة، والسادس هو سعيد بن مرّة التميميّ. هذا الرجل كان شابًّا حديث الزواج، له من العمر تسعَ عشْرةَ سنة. لمّا سمع بأنّ الحسين (عليه السلام) يستنصر أشراف أهل البصرة في كتبه، أقبل إلى أمِّه في صبيحة عرسه، ولم يلتفت إلى فراشه الجديد وزينة عرسه وما حوله ممّا يعلّقه بالدنيا، توجّه مباشرة إلى أمّه قائلًا: أمّاه، عليّ بلامة حربي وفرسي، فقالت له: ما لك تنادي يا نور عيني، وما تصنع بها؟! قال: أمّاه، قد

 

279

 

 


252

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

ضاق صدري وأريد أن أمضي إلى خارج البساتين، فقالت له: ولدي، انطلق إلى دارك وزوجتك ولاطفها، فقال: يا أمّاه، لا يسعني ذلك. وبينما هما كذلك، إذ أقبلت زوجته، وقالت له: إلى أين تريد يابن العمّ؟ فقال لها: أنا ماضٍ إلى من هو خيرٌ منّي ومنك، فقالت: ومن هو؟ فقال لها: سيّدي ومولاي الحسين بن عليّ (عليهما السلام)، الحسين يطلب النصرة...

بكت أمّه وكذلك زوجته، وانطلق سعيد حاملًا لامة حربه متوجّهًا إلى فرسه، سار قليلًا، وإذا بأمِّه تناديه: بني سعيد، قف لي هنيئة؛ فوقف سعيد، جاءت إليه، قالت: ولدي، جزاك الله عن الحسين خيرًا! لكن عندي وصيّة إليك، قال: ما هي يا أمّاه؟، قالت: بني، حملتُك في بطني تسعة أشهر، سهرت عليك اللّيالي وفي تربيتك... قال: بلى يا أمّاه، قالت: بني، فاذكرني عند فاطمة الزهراء يوم القيامة... بني، إذا أدركت سيّد شباب أهل الجنّة، فاقرأه عنّي السّلام، وقل له: فليشفع لي يوم القيامة!

خلها عله بالك من تصل لابن الزجيّه

أوصيك يبني او يا بعد عيني بوصيّه

واتگول أريد هناك تشفعلي يالحسين

گله أمّي اتسلِّم عليك اهواي هيّه

آخذ سلامك لو رحت لحسين ويّاي

ناداها يمّه او يا لسهرتي الّليل برباي

أدّي وصيتي يا عزيز الروح والعين

گالتله يبني او ما أكلفك غير بس هاي

فقال لها: يا أمّاه، وأنا أوصيكِ بوصيّه، قالت: ما هي نور عيني؟ قال: إذا رأيتِ شابًّا لم يهنأ بشبابه وعريسًا لم يهنأ بعرسه، اذكري عرسي وشبابي!

 

280


253

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

گلها وصيتك راح اخبر احسين بيها

اوعندي وصيّه وارد أكلفنك عليها

لو شفتي مثلي شاب وامّه اعليه بكيها

ذكري شبابي او عرسي يمّه او موش تنسين

والعيد لو بيّن اوهل مصباح يومه

والشاب لو شفتي لبس زينة اهدومه

هم اذكريني وشبِّهي ارسومي ارسومه

وابكي لشبابي يمّه من تردين تبكين

انطلق سعيد خارجًا من البصرة، يجدّ السير في الّليل والنهار، واستخبر ببعض الطرق أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) قد نزل كربلاء، فتوجّه مسرعًا حتّى وصل إليها في يوم عاشوراء بعد الظهر. نظر إلى جهة،ٍ وإذا جيوش وعساكر وسواد متراكم، ونظر إلى جهةٍ ثانية وإذا خيام قليلة ليس حولها رجال ولا أعوان، قال: أظنّ أنّ هذه الخيام القليلة هي خيام الحسين. ولكن خاف أن يُقبض عليه، فجعل يدنو من مخيّم الإمام الحسين قليلًا قليلًا، حتّى وقف بالقرب منها، وصاح بأعلى صوته: السّلام عليكم يا أهل البيوت؛ فخرجت العقيلة زينب (عليه السلام)، وقالت: وعليك السّلام، من أنت أيُّها المسلِّم علينا في هذا اليوم؟ قال: أوّلًا، أمة الله أخبريني من أنتِ؟ فعرّفته عن نفسها. (السّلام عليكِ يا زينب الكبرى)

أنا زينب ليحكون عنّي

سليت المصايب ما سلنّي

نِزْلن على عيوني وعِمنّي

ماني تمرمرت من صغر سنّي

قال: سيّدتي، أنا سعيد ابن مرّة، جئت من البصرة لنصرة سيّدي ومولاي الإمام الحسين (عليه السلام)، فقالت (عليها السلام): يا سعيد، إن كنت

 

281


254

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

كذلك، فذاك سيّدك الإمام الحسين وحيدًا فريدًا يطلب الناصر؛ فأقبل سعيد إلى الميدان، وهو ينادي: لبّيك لبّيك سيّدي أبا عبد الله، لبّيك أبا عبد الله؛ لمّا رآه الحسين (عليه السلام) قال: يا سعيد، مرحبًا بك، ما قالت لك أمّك؟

گالتلي أمي او تهمل العين

يوليدي حين التوصل احسين

بلغه سلامي ابن الطيّبين

وقبّل أقدامه وقبّل الكفّين

اوسلّملي يبني اعله الخواتين

اوذبّ دونه اوحامي الصواوين

قال: سيّدي، أمّي تقرؤك السّلام، فقال: عليك وعليها السّلام، وبشّره أنّ أمّه في الجنّة (هنيئًا لهما)، ثمّ قال له الإمام الحسين: يا سعيد، خذ سيفك ودافع عن بنات رسول الله؛ فحمل على القوم وصار يقاتل حتّى قتل جمعًا كثيرًا، إلى أن أردوه صريعًا!

ويلي قضوا حق لعليهم دون الخيام

ولا خلّوا خوات حسين تنضام

لما طاحوا تفايض منهم الهام

تهاووا مثل مهوى النجم من خر

لمّا قُتِل سعيد، مشى إلى مصرعه الإمام الحسين (عليه السلام) ، جلس عنده، أخذ رأسه وضعه في حجره وجعل يمسح الدم والتراب عن وجهه قائلًا: أنت سعيد، كما سمّتك أمّك، سعيد في الدنيا وسعيد في الآخرة.

من طاح اعتناله وقعد يمّه

خذه راسه ابحضنه ومسح دمّه

دنيه او آخره ايگله أبو اليمّه

سعيد وبالإسم ما خابت امّك

 

282


255

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

يحسّ دمّه اويگله ابن الزجيّه

سعيد السمتك ما خطت هيّه

عفت عرسك اولاگيت المنيّه

واعله حنّت اجفوفك سال دمّك

هكذا كان الإمام الحسين كلّما استشهد واحد من الأصحاب يقف عند مصرعه ويؤبّنه بكلمة أو بآية من القرآن. ولكن من الذي وقف عنده (عليه السلام) عندما سقط عن ظهر جواده إلى الأرض؟! نعم، وقفت عليه الأعداء وهي تنوشه ضربًا بالسيوف وطعنًا بالرماح ورميًا بالسهام ورضخًا بالحجارة!

قتلُوهُ يوْم الطّفِّ طعْنًا بِالقنا

وبِكُلِّ أبْيض صارِمٍ ومُهنّدِ

لطالما ناداهُم بِكلامِهِ

جدِّي النّبيُّ خصِيمُكُمْ فِي المشْهدِ

ساعد الله قلب الحوراء زينب (عليه السلام)، في تلك الساعة، لم ترَ لأخيها شخصًا ولم تسمع له صوتًا، وهي ترى الكون قد تغيّر ولم تعلم ما جرى على أخيها الحسين (عليه السلام)، وبينما هي في تلك الحال، وإذا بالجواد قد أقبل يصهل صهيلًا عاليًا، وقد خضّب ناصيته بدم الحسين (عليه السلام)...

نظرت زينب إلى سكينة، قالت: عمّة، لقد عاد أبوك، فقومي لاستقباله، خرجت سكينة، فإذا بها ترى الجواد مخزيّا والسرج عليه ملويّا، صاحت: عمّة زينب، قُتل -والله- والدي الحسين!

بچت سكنه اونادت بالمذلّه

يعمّه المهر حط بالقلب علّه

 

283


256

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

طلعت صارخه زينب تگلّه

يمهر احسين وين احسينا خر

يمهر حسين وينه احسين گلّي

أشوفك جيتني تصهل ابذلّي

عگب احسين گلّي وين اولّي

اشمالك روّعت گلبي يمكدّر

يمهر احسين ما ظنّيت لينه

تجي واتعوف بالحومة ولينه

يگلها اصواب قلبه ما يعينه

واجيتك من شفت ما بيه قومه

يا جوادَ الحسينِ أينَ حسينٌ

أينَ مَنْ كانَ لي عمادًا ظِلالا

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

284


257

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

الملحقات الشعريّة

الشعر القريض

القصيدة الأولى: يا منفِقَ العمرِ في ما ليسَ يَنفعُه

يا منفِقَ العمرِ في ما ليسَ يَنفعُه

أَفِقْ فإنَّك كالماضينَ تَرتَحِلُ

وخُذْ لنفسِكَ زادًا لا نفادَ له

إلى المعادِ ليومٍ فيه تَنتقِلُ

ولا تكُنْ لاقيًا ربَّ العبادِ وقدْ

حَمَلْتَ وزرًا ثقيلًا ليس يُحْتمَلُ

ولا تكنْ باكيًا إلّا على نفرٍ

واسَوا حُسينًا وأرواحًا له بَذلُوا

لهْفِي لسبطِ رسولِ اللهِ منفرِدًا

يَرى أحبَّتَهُ في الطَّفِ قد قُتِلوا

دعا أمَا مِنْ ناصرٍ في الله يَنْصُرُنا

هلْ مِنْ مُغيثٍ مُعينٍ نحوَنا يَصِلُ

وجاءَ نحوَ جُسومِ الصَّحبِ مُنحنيًا

يدعُوهُمُ ودموعُ العينِ تنهمِلُ

يا خيرَ صَحبٍ فَدَوا بالطفِ سيّدَهم

مِنَ الخُطوبِ وبالأرواحِ ما بَخِلوا

خَلَّفْتموني وحيدًا بين مَنْ نَكَثوا

عَهْدَ الإلهِ وآلَ المصطفى خَذلوا

هنالِكَ خَفَّتِ الأبدانُ قائلةً

يابنَ الكِرامِ الأُلى بالحقِّ قد عُدِلوا

 

286


258

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

مُرْنا نُطِعْ نَبْذُلِ الأرواحَ سيّدَنا

نادى ومُهجتُه بالحرِّ تَشتعِلُ

وفيْتُمُ وقَضيتُم حقَّ سيّدِكم

وإنَّني عن قريبٍ سوفَ أَرتحِلُ

القصيدة الثانية: وَقَفَ الحُسَيْنُ وَيَا لَهُ مِنْ مَوْقِفٍ

وَقَفَ الحُسَيْنُ وَيَا لَهُ مِنْ مَوْقِفٍ

مِنْ وَقْعِهِ صُمُّ الصُّخُورِ تَلِينُ

إِذْ رَاحَ يَنْدُبُ فِتْيَةً وَيَرَاهُمُ

جُثَثًا عَلَى الغَبْرَا لَهُنَّ أَنِينُ

مَا بَيْنَ مَنْ قَطَعَ الحِمَامُ وَتِينَهُ

أَوْ صَافَحَ الرَّمْضَاءَ مِنْهُ جَبِينُ

مَا هَادَنُوا حَتَّى تَهَاوَوْا صُرَّعًا

لِلْبِيضِ وَقْعٌ فِيهِمُ وَرَنِينُ

فَهُنَا حَبِيبٌ وَالِّلوَاءُ مُخَرَّقٌ

وَهُنَالِكَ مُسْلِمٌ وَالفُؤَادُ طَعِينُ

وَهُنَاكَ حَوْلَ المَاءِ قَائِدُ جَيْشِهِ

عِنْدَ الشَّرِيعَةِ جُذَّ مِنْهُ يَمِينُ

نَادَاهُمُ وَالصَّوْتُ يَطْفَحُ حَسْرَةً

وَيَلُفُّ نَبْرَتَهَ شَجًا وَحَنِينُ

مَنْ بَعْدَكُمْ يَحْمِي الحِمَى وَيَذُودُ عَنْ

هَذِي النِّساءِ وَمَنْ لَهُنَّ يُعِينُ

القصيدة الثالثة: لَقَدْ هَاجَ فِي قَلْبِي الشَّجِيِّ غَرَامُ

لَقَدْ هَاجَ فِي قَلْبِي الشَّجِيِّ غَرَامُ

لِرَكْبٍ بِجَرْعاءِ الغَنِيمِ أَقَامُوا

سَرَوا فَأَذَلْتُ الدَّمْعَ إِثْرَ مَسِيرِهِمْ

دَمًا وَالحَشَا مِنِّي عَرَاهُ سِقَامُ

أَأَحْبَابَنَا هَلْ مِنَ سَبيلٍ لِوَصْلِكُمْ

فَيَحْيَا فُؤَادٌ لَجَّ فِيهِ هُيَامُ

وَهَلْ نَلْتَقِي بَعْدَ الفِرَاقِ سُوَيْعَةً

فَيُطْفَى مِنَ القَلْبِ الشَّجِيِّ أُوَامُ

 

 

287


259

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

فَيا سَعْدُ دَعَ عَنْكَ الصَّبابَةَ والهَوَى

وَعَرِّجْ عَلَى مَنْ بِالطُّفُوفِ أَقَامُوا

وَحَيِّي كِرَامًا مِنْ سُلَالَةِ هَاشِمٍ

نَمَتْهَا إلى المَجْدِ الأَثِيلِ كِرَامُ

بِنَفْسِيَ أَفْدِي أُسْرَةً هَاشِمِيَّةً

لَهَا قَدْ سَما فَوْقَ السِّمَاكِ مَقامُ

رَأَتْ أَنَّ دِينَ الله بَيْنَ أُمَيَّةٍ

تَلاعَبُ فَيهِ مَا تَشَاءُ طِغَامُ

فَقَامَتْ لِنَصْرِ الدِّينِ فُرسَانُ غَالِبٍ

عَلَيْها مِنَ البَأْسِ الشَّديدِ وِسَامُ

إلَى أَنْ ثَوَوا فِي التُّرْبِ بَيْنَ مُبَضَّعٍ

وَمُنْعَفِرٍ مِنْهُ تَطايَرَ هَامُ

 

288

فَجَاءَهُمْ سِبْطُ الرَّسُولِ مُنادِيًا

أَحِبَّايَ هُبُّوا فَالمَنَامُ حَرامُ

رَضِيتُمْ بِأنْ أَبْقَى وَحِيدًا وَأَنتُمُ

ضَحَايَا عَلَى وَجْهِ الصَّعِيدِ نِيَامُ

القصيدة الرابعة: كُلَّمَا تَعْذِلانِي زِدْتُ نَحِيبَا

كُلَّمَا تَعْذِلانِي زِدْتُ نَحِيبَا

يَا خَلِيلَيَّ إِنْ ذَكَرْتُ حَبِيبَا

يَا حَبِيبَ القُلُوبِ رُزْؤُكَ مَهْمَا

ذَكَرَتْهُ الرَّاثُونَ شَقَّ القُلُوبَا

يَا وَحِيدًا حَامَيْتَ دُونَ وَحِيدٍ

حَيْثُ لَا نَاصِرًا يُرَى أَوْ مُجِيبَا

بِعْتَ نَفْسًا نَفِيَسَةً فَاشْتَرَاهَا

بَارِئُ الخَلْقِ مِنْكَ وَالرِّبَحُ طُوبَا

إِنْ نَصَرْتَ الحُسَينَ غَيْرُ عَجِيبٍ

إِنْ تخلَّفْتَ عَنْهُ كَانَ العَجِيبَا

يَا وَزِيرَ الحُسَيْنِ حُزْتَ مَقَامًا

كُلَّ آنٍ يَزْدَادُ عَرْفًا وَطِيبَا

كَمْ عنِ السِّبْطِ قَدْ كَشَفْتَ كُرُوبًا

بَعْدَمَا قَدْ لَقِيتَ يَا حَبِيبُ كُرُوبَا؟!

 

288


260

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

إِنَّ يَوْمًا أُصِبْتَ فِيْهِ لَيَوْمٌ

فِيهِ طَهَ وَالمُرْتَضَى قَدْ أُصِيبَا

يَا مُصَابًا أَصَابَ قَلْبَ حُسَيْنٍ

أَيَّ قَلْبٍ لِذِكْرِهِ لَنْ يَذُوبَا؟

القصيدة الخامسة: هَذِي رُبُوعُ مُحَمَّدٍ سَاحَاتُهَا

هَذِي رُبُوعُ مُحَمَّدٍ سَاحَاتُهَا

قَد أَقفَرَتْ وَاستَوْحَشَتْ أَعلَامُهَا

خَرَجَ الحُسَينُ خُرُوجَ مُوسَى خَائِفًا

مُتَرَقِّبًا مَا أَضمَرَتهُ لِئَامُهَا

فَتَعَاهَدَتْ فِي حِفْظِ ذِمَّةِ أَحْمَدٍ

سَادَاتُ أَنْصَارِ الإِلَهِ كِرَامُهَا

حَتَّى إِذَا ضَرَبُوا القِبَابَ وَطُرِّزَتْ

بِالسُّمْرِ وَالبِيضِ الرِّقَاقِ خِيَامُها

قَامَتَ تَحُوطُ المُحْصَناتِ كَأَنَّها

أُسْدٌ وَهَاتِيكَ القِّبَابُ أُجَامُها

فَأَتَتْ جُيُوشُ أُمَيَّةٍ تَرْجُو بَأَنْ

يُعْطِي المَذَلَّةَ وَالقِيَادَ هُمَامُهَا

فَأَبَى أَبِيُّ الضَّيْمِ إِلَّا أَنْ تُرَى

شَعْوَاءَ يَلْحَقُ بِالنُّجُومِ قَتامُها

فَهُناكَ بَانَ مِنَ الكِرَامِ حِفَاظُها

وَلَظَى الحُرُوبِ قَدْ اسْتَطارَ ضِرَامُها

قَوْمٌ إِذَا عَبَسَ المَنُونُ تَهَلَّلَتْ

تِلْكَ الوُجُوهُ وَلَمْ تَطِشْ أَحْلَامُها

يَتَسَابَقُونَ لِورْدِ مَشْرَعَةِ الرَّدَى

فَكَأَنَّمَا قَطَعَ الحَيَاةَ مَرَامُهَا

القصيدة السادسة: إِنْ لمْ أقِفْ حيْثُ جيْشُ الموْتِ يزْدحِمُ

إِنْ لمْ أقِفْ حيْثُ جيْشُ الموْتِ يزْدحِمُ

فلا مشَتْ بِي فِي طُرْقِ العُلا قدمُ

يابْن الأُلى يُقْعِدُون الموْت إِنْ نهضَتْ

بِهِمْ لدى الرّوْعِ فِي وجْهِ الظُّبا الهِممُ

 

 

289

 


261

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

أُعِيذُ سيْفَك أنْ تصْدا حدِيدتُهُ

ولمْ تكُنْ فِيهِ تُجْلى هذِهِ الغُممُ

نهْضًا فمنْ بِظُباكُمْ هامُهُ فُلِقَتْ

ضرْبًا على الدِّينِ فِيهِ اليوْمَ يحْتكِمُ

لمْ تُبْقِ أسْيافُهُمْ مِنْكُمْ على ابْنِ تُقًى

فكيْفَ تُبْقِي عليْهِمْ لا أبًا لهُمُ

هذا المُحرّمُ قدْ وافتْكَ صارِخةً

مّا اسْتحلُّوا بِهِ أيّامُهُ الحُرُمُ

تنْعى إِليْك دِماءً غابَ ناصِرُها

حتّى أُرِيقَتْ ولمْ يُرْفَعْ لكُمْ علمُ

مسْفُوحةً لمْ تُجبْ عِنْد اسْتِغاثتِها

إِلّا بِأدْمُعٍ ثكْلى شفَّها الألمُ

حنَّتْ وبيْن يديْها فِتْيةٌ شرِبَتْ

مِنْ نحْرِها نُصْب عيْنيْها الظُّبا الخُذُمُ

مُوسّدِين على الرّمْضاءِ تنْظُرُهُمْ

حرّى القُلُوبِ على وِرْدِ الرّدى ازْدحمُوا

وخائِضِين غِمارَ الموْتِ طافِحةً

أَمْواجُها البِيضُ بِالهاماتِ تلْتطِمُ

مشَوْا إِلى الحرْبِ مشْيَ الضّارِياتِ لها

فصارعُوا الموْتَ فِيها والقنا أُجُمُ

ولا غضاضةَ يوْم الطّفِّ إِنْ قُتِلُوا

صبْرًا بِهيْجاءَ لمْ تثْبُتْ لها قدمُ

فالحرْبُ تعْلمُ إِنْ ماتُوا بِها فلقدْ

ماتَتْ بِها مِنْهُمُ الأسْياُف لا الهِممُ

القصيدة السابعة: يا صاحِب العصْرِ الطُّفُوفُ تشرّفتْ

يا صاحِب العصْرِ الطُّفُوفُ تشرّفتْ

لمّا بِها نزل الحُسيْنُ ونوّرتْ

لكُمُ العزا فبِكرْبلا نزل البلا

حيْثُ الشّهادةُ بِالدِّماءِ تصوّرتْ

فبِها مصارِعُ عِتْرةٍ علوِيّةٍ

مِنْ آلِ أحْمد بِالكرامةِ قُدِّرتْ

 

290


262

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

وبِها مصارِعُ خيْرِ أصْحابٍ وفوْا

لِإِمامِهِم بِعُهُودِهِمْ مُذْ أُعْطِيتْ

صدقُوْا وجادُوْا بِالنُّفُوسِ رخِيصةً

دُون الحُسيْنِ وأهْلِهِ مهْما غلتْ

حتّى هووْا فوْق الصّعِيدِ وضُرِّجُوا

بِدِمائِهِمْ وجُسُومُهُمْ قدْ قُطِّعتْ

مْ جاهدُوا أعْداءهُمْ بِبسالةٍ

كوبُطُولةٍ خيْر الملاحِمِ سطّرتْ

كالحُرِّ إِذْ لبّى النّداء بِتوبة

غسلتْ ذُنُوبًا بِالدِّماءِ تطهّرتْ

قدْ كان حُرًّا فِي الحياةِ عزِيزها

ولهُ السّعادةُ فِي الجِنانِ تخلّدتْ

وكذا زُهيْرٌ ذلِك البطلُ الّذِي

لمّا دعاهُ السِّبْطُ فرْحتُهُ بدتْ

أجاب دعْوتهُ وفاز بِنصْرِهِ

حتّى فداهُ بِنفْسِهِ حِيْن اهْتدتْ

وسعِيدٌ المِغْوارُ يقْضِي نحْبهُ

مُتلقِّيًا عنْهُ السِّهام كما أتتْ

مُتسائِلًا أوفيْتُ يابْن مُحمّدٍ

يُجِيبُهُ هذِي الجِنانُ تفتّحتْ

أبْوابُهُا وتواصلتْ أنْهارُها

أنْتُمْ أمامِي والمنِيّةُ قدْ دنتْ

القصيدة الثامنة: وقضى شهِيدًا بِالنِزالِ جُنادةُ

وقضى شهِيدًا بِالنِزالِ جُنادةُ

والرُوحُ صارت عِند حُورِ العِينِ

وإذا بِزوجتِه تهِبُّ كأنّما

هِي لبوةٌ فُجِعت بِليثٍ عرِينِ

قالت وقد ذبح الطُغاةُ حبِيبها

في حدِّ سيفٍ بِالردى مشحُونِ

يا عمرُو يا ولدي وأنت لِمُقلتِي

نُورٌ بِأحلاكِ الدُجى يهدِينِي

هيا إلى الميدانِ واغضب لِلهُدى

غضبًا يُوفِي لِلحُسينِ دُيونِي

 

291


263

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

نصرُ الحسينِ عليك حقٌّ واجِبٌ

قاتِل فإن مُصابهُ يكوِيني

خرج الغُلامُ إلى القِتالِ كأنهُ

سهمٌ وكأن الزِند غيرُ مكينِ

طِفلٌ صغيرٌ وهو غيرُ مُراهِقٍ

ولهُ مِن الأعوامِ تِسعُ سِنينِ

نالتهُ في الميدانِ ضربةُ فاجِرٍ

في قسوةٍ لم تتسِم بِالِلينِ

صاح الفتى والعُنقُ يشخبُ بِالدِما

أُماهُ يا أُماهُ قد ذبحُونِي

قالت وقد فرِحت بِمقتلِهِ لقد

أفرحتني هذا الذي يُرضِينِي

نم يا حبيبي هانِئًا فغدًا ترى

أُم الحسينِ حنِينُها كحنِينِي

القصيدة التاسعة: إنْ تَكُن جَازِعَا لَهَا أو صَبُورَا

إنْ تَكُن جَازِعَا لَهَا أو صَبُورَا

فَلَيَالِيكَ حُكمُهَا أنْ تَجُورَا

يومُ عَاشُورِ الذي قَد أرَانا

كُلَّ يَومٍ مُصابُهُ عاشورَا

يَومَ حَفَّت بابنِ النَبِيِّ رِجَالٌ

يَملَئونَ الدُروعَ بَأسَا وَخيرا

مَا تَعَرَّتْ بالطَفِّ حَتى كَسَا

هَا اللهُ في الخُلدِ سُندُسَا وَحَرِيرا

لم تَعثُر أقدَامُها يَومَ أمسَى

قَدَمُ المَوتِ فِي النُفوسِ عُثورا

بقلوبٍ كَأنَّمَا البَأسُ يَدعوهَا

بِقَرعِ الخُطوبِ كُونِي صُخورَا

عَشِقُوا الغَادَةَ التِي أنشَقَتهُم

مِن شَذَاهُ النَقعَ المُثارَ عَبِيرا

فَجَثَوا أنجُمَا وَغَابوا بُدُورا

وَهَوَوا أَجْبُلا وَغَاضُوا بُحُورا

 

292


264

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

مِن صَريعٍ مُرَمَّلٍ غَسَّلَتهُ

مِن دِمَاهُ السيوفُ مَاء طَهُورَا

وَمُعَرّى في الثَرَى كَفَّنَتهُ

أُمُّهُ الحَربُ نَقعَها المُستَثيِرا

عَفَّرَ التُربُ مِنهُم كُلَّ وَجهٍ

عَلَّمَ البَدرَ فِي الدُجَى أَنْ يُنِيرَا

القصيدة العاشرة: صحبته من خير الرجالِ عصابةٌ

صحبته من خير الرجالِ عصابةٌ

غرَّ فطاب الصحبُ والمصحوبُ

آساد ملحمةٍ ضراغم غابةٍ

همُ بنازلةِ الوغى ترحيبُ

أبطالُ حربٍ كم بهم قامت على

أهل النفاق وقائعٌ وحروبُ

منهم زهيرُ زاخر الأفعالِ يت

بعه بريرٌ ومسلمٌ وحبيبُ

وأتى المساء وقد تجهم وجههُ

واليوم محتشد البلاء عصيبُ

قال اذهبوا وانجوا ونجوّا أهل بي

تي إني وحديْ أنا المطلوبُ

فأبت نفوسهم الأبيّة عند ذا

أن يتركوه مع العدا ويئيبوا

ماذا يقول لنا الورى ونقوله

لهم ومن عنّا يجيبُ مجيبُ

إنا تركنا شيخنا وإمامنا

بين العدى وحسامُنا مقروبُ

فالعيش بعدك فبحّت أيّامُهُ

والموت فيك محبّب مرغوبُ

باتوا وبات أمامهم ما بينهم

ولهم دويُّ حوله ونحيبُ

وبدا الصباح فاقبلت زمرُ العدى

نحو الحسين لها الضلال حبيب

فتقدم الأنصار للأقران مس

رعة وللحرب العوان شبوب

يأبون يبقوا وآل نبيّهم

كلُّ على وجه الصعيد تريبُ

 

293


265

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

أن فاستقبلوا ضرب السيوف بأوجهٍ

غرّاء عن زُهر النجوم تنوبُ

حتى هووا فوق الصعيد كأنّهم

أقمارُ تمٍّ في الدماء رُسُوبُ

الشعر الشعبيّ

أوّلًا: الأبو ذيّات

1. عفنا اديارنا لجلك واهلنه

عفنا اديارنا لجلك واهلنه

العيش الما يلذ بعدك وهالنه

المنايا الهن قصدناهن واهلنه

دونك كالشهد عدنه المنيّه

2. بالطف لهيب الشمس والحرّ

بالطف لهيب الشمس والحرّ

ذاب اوسال دم العبد والحرّ

وهلال وحبيب الليث والحرّ

هووا مثل النجوم اعلى الوطيّه

3. يبو اليمه شرف حبك شملنا

يبو اليمه شرف حبك شملنا

اشكتبنا على القلب تدري شملنا

وحق ربي الذي جامع شملنا

للموت ما نعوفك يبن حامي الحميّه

4. على الأحباب دمعي فاض وجره

على الأحباب دمعي فاض وجره

عليهم بالقلب نيران وجره

الدهر عمله عملها اوياي وجره

أخذ مني الأحبة او قطع بيّه

 

294

 


266

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

5. الفزع يهل الوفى عليه تراكم

الفزع يهل الوفى عليه تراكم

حين على الثرى نمتوا تراكم

اصبر كيف وعيوني تراكم

گتل كلكم يفرسان الحميّه

6. تناخت والثلث تنعام منها

تناخت والثلث تنعام منها

تموت وياك كلها فرد منها

اشنقلْ للناس لو هيْ تقول منها

الاجت وحسين تم بالغاضريّة

7. وحق أنصار أبو السجّاد والحرّ

وحق أنصار أبو السجّاد والحرّ

انعرف بالغاضرية العبد والحرّ

رغم الموت رغم العطش والحرّ

فدوا أرواحهم لابن الزكيّة

8. بالطف من لهيب الحرب والحـرّ

بالطف من لهيب الحرب والحرّ

سال اوذاب دم العبد والحرّ

سعيد أو زهير الليث والحرّ

هووا مثل النجوم اعله الوطيّه

9. مَكْتوبِ الذبِحْ لَحسين مِنْصار (انولد)

مَكْتوبِ الذبِحْ لَحسين مِنْصار(انولد)

ومِثلْ آلامَه مايِحصَل ومِنْصَار (ما صار)

إلك يَحسين عوَّانَه ومِنْصَار (منا انصار)

حِبيبِ يصيح ماتْهِمْنا المنيّه

 

295


267

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

3. يجري دمَعَه والله مُو سهلَه المصيبة

يجري دمَعَه والله مُو سهلَه المصيبة

يجري دمَعَه عاشِقِ مفارِقْ حبَيبَه

يجري دمَعَه يلتِفِتْ صوبِ الغِريبه

يِقِلْها زِينب راحَوَ اصَحابي ضَحايا

يقِلْها زِينب عالنَّهَر ماتَوا ظِمايا

يقِلْها زِينب اتْجَهِّزي باكِر سِبايا

مالي ناصِرْ يا ليوثِ الغاضرِيه

مالي ناصِرْ صَرعْى كِلكُم عالوطِيَّه

مالي ناصِرْ وحْدِي بالطف هالمِسيَّه

وينِ المْعِين يِنصرِ حسينِ الغِريبْ

وينِ المْعِين نافِع وهْلالِ وحبيب

وينِ المْعِين اناديكُم هلْ مِن مُجيب

انه الغريبْ وحدي بسوحِ الغاضريه

انه الغريبْ احشِّمْكُم يَهلِ الحِمِيَّه

انه الغريبْ من ينصِرِ ابنِ الزكيه

4. ما صار في الأنصار مثل حبيب معلوم

ما صار في الأنصار مثل حبيب معلوم

جسمه مجدل في الثرى مخضب بالدموم

ويوصي على مسلم يجاهد عن المظلوم

يقله يا مسلم الله الله في هالغريب

5. وحبيب واقف من ورا خدر المصونة

وحبيب واقف من ورا خدر المصونة

وسلّم عليها بالوقار والسكينة

وردَّت سلامه زينب بعبره هتونه

ونادت هلا باللي لقانا اليوم خيَّال

 

297


268

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

ظلت تهل دموعها وتصيح يا حبيب

ياهل الحمية الله الله في هالغريب

قلها يا بنت الهاشمية قلبك يطيب

الديار والأولاد عفناها والأموال

سمعها وبعد ما كمل سلامه

انتخى قدامها وذبِّ العمامة

نادت يا هلا براعي الشهامة

وهلا باليرهب العدوان عزمه

تمرَّغ عالأرض يمها لمَّن نِخْوِتَه

دون حسين أموتن ألف موته

أنا قدوة لبو اليمة واخوته

على العدوان لخليها مظلمة

6. اتناول العلم حبيب العلم من كفّه الشفيّه

اتناول العلم حبيب العلم من كفّه الشفيّه

اوهزّه ابيمنه اوگال ظامي المنيّة

والله يابن بنت النبي لوگطّعوني

بالسيف والخطي او بالنار احرگوني

او ذرّوا عظامي بالهواء اوتالي انشروني

سبعين مرّة هالفعل يجري عليه

7. وگف ودموع عينه اتهمل من دم

وگف ودموع عينه اتهمل من دم

اومن عظم المصيبه ايصارع الهم

ناده يا حبيب انهدم حيلي

اوذايب من ألم فگدك دليلي

نهاري صار بعدك مثل ليلي

السبب هالكون كله ابعيني أظلم

يا راعي الوفا يا شيخ الانصار

يلعفت الأهل لجلي ولديار

إگعد ها آنه ظليت محتار

وحياتي بعد عينك غدت كالسم

 

298

 


269

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

8. إجاه احسين شافه ودمه مسفوح

إجاه احسين شافه ودمه مسفوح

وعاين بيرقه على الارض مطروح

جذب ونه ومنه راحت الروح

بعد عنه ودمع العين منشور

9. أوصيك يا عمي بالحسين

أوصيك يا عمي بالحسين

انصاره واهل بيته قليلين

خايفة من هجمت البين

على العبّاس يا عمي والحسين

10. ودّع العيلة حبيب ودمعه بخده يسيل

ودّع العيلة حبيب ودمعه بخده يسيل

صاح بيهم وداعة الباري ترى حان الرحيل

وانه يبني ارد اروح كربلاء الليلة سريع

بطلب طلوب المفاخر وبشتري فيها وببيع

11. أويلي من گرب حتفه او تدانه

أويلي من گرب حتفه او تدانه

او صابوه العده ابگلبه ابزانه

هوه وابن النبي انهدت اركانه

وطاح البيرق المنصور كل دور

شبح عينه او عج الخيل ثاير

او دمه يسفح اعله الأرض فاير

او گلبه امن العطش والطعن طاير

لما رفرفت روحه او ظل معفور

12. دون احسين بذلوا ذيك الأرواح

دون احسين بذلوا ذيك الأرواح

اويلي او گضوا كلهم فرد مصباح

او تم احسين مفرد يصفگ الراح

عگبهم ويل گلبي او تهمل العين

 

299


270

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

هووا كلهم يويلي على الوطيه

او صارت هدف لسهام المنيه

اراضيهم بگت وحشه وخليه

اظلمت عگب البدور المزهرين

13. ليش يا عابس يمسلم يحبيب

ليش يا عابس يمسلم يحبيب

ليش يا خوتي تخلوني غريب

ليش اناديكم ولا أسمع مجيب

وبيه حاطت خيلها وفرسانها

14. هاشم شدوا اعلى الخيل

هاشم شدوا اعلى الخيل

وتولّموا للغارة

لاكن عند ابو السجاد

راحت تشكي انصاره

راحت لعد صيوانه

وكلها اوقفت جدامه

حبيب الليث جادمها

وبيمناه صمصامه

شي قامت تحب ايده

وشي طاحت على اجدامه

لاكن الهضم وسم

بيها واعتلاهم هم

قام البطل يتكلم

حبيب او من كثر همه

تسـعر بالقلـب نــاره

يقله والدموع اتسيل

يا عزنه ويوالينه

طلّقنه حلايلنه

وعفنه اديارنه وجينه

كل الأهل عفناها

لعيونك يبو اسكينه

 

300


271

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

نريد انموت جدامك

ونحافظ على خيامك

هاي سيوف خدامك

بيها ابعونة الباري

يعلـه الديـن شــنياره

15. طلعت زينب اونادت

طلعت زينب اونادت

او من عدها الدمع سكاب

يا هي آنه تعرفوني

يفرسان الحرب يطياب

آنه الطاهرة أمي

وبوي علي داحي الباب

ماني امعوده اعلى الذل

اولاني للهضيمة احمل

خواتي اللي دمعها ايهل

تراهي ابذمة الباري

او ذممكـم يـا ضياغمها

16. زينب إجت يم احسين

زينب إجت يم احسين

تمشي او تعثر

تقلّه اتحارب العدوان

نيتك لو تسالمها

قالتله ينور العين

وانصارك يخويه اشلون

همّ اعرفت نيتهم

لو صار الزحف بالكون

اخاف ابساعة الشدّة

يا مظلوم بيك اتخون

وانته اعلم يبو السجاد

مر الموت ما ينراد

 

301


272

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

وهم عدهم حرم واولاد

وخافن من تشوف الموت

ما ترضى تيتمـهــــا

قاللها اخطبت بيهم

بس حطيت بضعوني

والهم رخّصت يختي

اوما رضيوا يعوفوني

لجلي عافوا الدنيا

او نيتهم يواسوني

وانصاري ينور العين

اهل دين اوّفا اوطيبين

دوني او دون هذا الدين

تود اعداي الف مرة

تحـييها او تخذمـهـــا

17. تعنّه احسين وصّل للمعاره

تعنّه احسين وصّل للمعاره

لقاهه امطرحه دمه يتجاره

جذب حسره وتوسّف على انصاره

غده يعتب عليه بدمع من دم

غده يعتب عليهم بقلب مهموم

يطيب الكم يفرسان الوغى النوم

تخلوني وحيدا بين هالقوم

وجيش اعداي للغارة تؤّلم

18. وقف ما بينهم والدمع سكّاب

وقف ما بينهم والدمع سكّاب

ينادي هاي تاليكم يالأحباب

يصير اعتب وأنا أدري ما من أعتاب

وعند الموت كل شي موش ميسور

 

302


273

الليلة السادسة: أنصار الإمام الحسين (عليه السلام)

19. حبيب تريد من عندي وصيّه

حبيب تريد من عندي وصيّه

اشبيدي حالت اعليَّ المنيّه

أوصيّك ابغريب الغاضرية

هذا حسين عنّه لا تكصرون

20. غدوا هذا اعلى حرّ الأرض

غدوا هذا اعلى حرّ الأرض

اوذاك ايعالج او دم منحره ايفوح

وهذا من الطعن ما بقت بيه روح

وذاك من الضرب جسمه تخذم

إذا يعتب عليهم بقلب مالوم

يطيب الكم يفرسان الوغى النوم

وتخلوني وحيد بين هالقوم

وكل منهم لعد قتلي تقدم

اشلون عيونكم يهل الوفا تنام

وتسمعون الحرم لاجت بالخيام

قامت تضطرب عالگاع الأجسام

ورادت تنهض لولا المحتم

21. بعد هيهات دهري بيكم يعود

بعد هيهات دهري بيكم يعود

ورد اشيل راسي بيكم اردود

وترد اكفوف أبو فاضل للزنود

وتتلايم النوب اجروح الأكبر

 

303


274

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)
المجلس الأوّل

القصيدة

أُمَّاهُ خَرَّ عَلَى الفُرَاتِ لِوَائِي

وَهَوَيْتُ مَخْضُوبًا بِفَيْضِ دِمَائِي

أُمَّاهُ يَا أُمَّ البَنِينِ أَمَضَّنِي

حَالُ الحُسينِ وَقَدْ جَثا بِإزَائِي

لَهْفِي عَلَيْهِ وَقَدْ أُرِيعَ لِمَصْرَعِي

فَأَسالَ أَدْمُعَهُ عَلَى أَشْلائِي

أُمَّاهُ لَيْتَكِ كُنْتِ عِنْدَ جَنازَتِي

وَحُسَينُ يَمْزُجُ دَمْعَهُ بِدِمَائِي

يَدْعُو كَسَرْتَ الظَّهْرَ منِّيْ يَا أَخِي

قَدْ هَدَّنِي يَا أُمُّ صَوْتُ عَزَائِي

مَا هَدَّنِي يَا أُمُّ قَسْوَةُ مَا جَرَى

لَكِنْ بَكَيْتُ لِسيّد الشّهداء

أُمَّاهُ وَالزَّهْرَاءُ تَنْدُبُ مَصْرَعِي

وَتَنُوحُ بَيْنَ بُكَائِهِ وَبُكائِي

لَمْ أَنْسَ لَمَّا أَنْ هَوَيْتُ عَلَى الثَّرَى

نَدْبَ البَتُولِ يَفُتُّ فِي أَحْشَائِي

عَبَّاسُ يَا وَلَدِي قُتِلْتَ وَلَمْ تَذُقْ

مَاءً فَوَاسَيْتَ الغَرِيبَ النَّائِي

فَصَرَخْتُ أَدْرِكْنِي أُخَيَّ فَجَاءَنِي

يَعْدُو وَيَعْثُرُ فِي شَجًى وَبُكَاءِ

نَارَانِ تَسْتَعِرانِ بَيْنَ جَوَارِحِي

حُزْنُ الحُسَينِ وَنَدْبَةُ الزَّهْرَاءِ

وَلَظًى يَشُبُّ مِنَ اسْتِغَاثَةِ زَيْنَبٍ

وَحَنِينِ أَشْبُلِهَا لِبَرْدِ المَاءِ

أُمَّاهُ مَا فَعَلَ العَمُودُ بِهَامَتِي

بِأَشَدَّ مِنْ حُزْنِي لِقَتْلِ سِقَائِي

 

 

304


275

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

(شعبي)

خويه يبو الغيرة يالكافل اضعوني

عگبك يبعد الروح عدواني يسبوني

گوم ارفع الراية لا تبقى مرميّه

ضعن اليتامى اهناك ينطر محاميّه

لطفال والرضعان منتظرة الميّه

كلهم يراعي الجود عنّك ينشدوني

ظلّيت أجري آهات لمّن ينادوني

وين البطل عبّاس تهمل دمه عيوني

جيتك واريد انخاك رد للخيم ويّاي

شو ما تردّ اجواب يااغلى من عيناي

ماريد أظل هاليوم وحدي بقهر دنياي

متنطرين اعداي باچر يأسروني

أنت وأبو اسكينه ماظن تحضروني

لمن شمر بالسوط يضربني بمتوني

(أبو ذيّة)

سهم جودك گطع بينه وعينك

يخويه من الخيم أنضر وعينك

وأريد جفوفي اودّيلك وعينك

وبدل عينك اخذ عيني هديّه

المصيبة

السّلام عَلَيكَ أيَّها العَبـدُ الصالِحِ المُطيعُ لله ولرسُولِهِ ولأَميرِ المؤمِنين والحَسَن والحُسـينِ، السّلام عليكَ ورَحَمَةُ اللهِ وَبركاتُهُ ومَغفرَتُهُ ورضوانُهُ، وعلى رُوحِك وبَدَنِكَ.

كانت للعبّاس (عليه السلام) منزلة خاصّة عند أمير المؤمنين وعند الإمام الحسين وعند السيّدة زينب (عليها السلام)، وفي الآخرة له منزلة يغبطه عليها جميع الشّهداء، كما يعبّر الإمام زين العابدين (عليه السلام): رحم الله عمّي

 

305


276

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

(شعبي)

خويه يبو الغيرة يالكافل اضعوني

عگبك يبعد الروح عدواني يسبوني

گوم ارفع الراية لا تبقى مرميّه

ضعن اليتامى اهناك ينطر محاميّه

لطفال والرضعان منتظرة الميّه

كلهم يراعي الجود عنّك ينشدوني

ظلّيت أجري آهات لمّن ينادوني

وين البطل عبّاس تهمل دمه عيوني

جيتك واريد انخاك رد للخيم ويّاي

شو ما تردّ اجواب يااغلى من عيناي

ماريد أظل هاليوم وحدي بقهر دنياي

متنطرين اعداي باچر يأسروني

أنت وأبو اسكينه ماظن تحضروني

لمن شمر بالسوط يضربني بمتوني

(أبو ذيّة)

سهم جودك گطع بينه وعينك

يخويه من الخيم أنضر وعينك

وأريد جفوفي اودّيلك وعينك

وبدل عينك اخذ عيني هديّه

المصيبة

السّلام عَلَيكَ أيَّها العَبـدُ الصالِحِ المُطيعُ لله ولرسُولِهِ ولأَميرِ المؤمِنين والحَسَن والحُسـينِ، السّلام عليكَ ورَحَمَةُ اللهِ وَبركاتُهُ ومَغفرَتُهُ ورضوانُهُ، وعلى رُوحِك وبَدَنِكَ.

كانت للعبّاس (عليه السلام) منزلة خاصّة عند أمير المؤمنين وعند الإمام الحسين وعند السيّدة زينب (عليها السلام)، وفي الآخرة له منزلة يغبطه عليها جميع الشّهداء، كما يعبّر الإمام زين العابدين (عليه السلام): رحم الله عمّي

 

305


277

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

العبّاس، فقد آثر وأبلى وفدى أخاه الحسين بنفسه حتّى قُطِعَت يداه، وإنّ لعمّي العبّاس منزلة يوم القيامة، يغبطه عليها جميع الشّهداء والصدّيقين.

كيف لا يكون كذلك؟ وهو الموصى من والده أمير المؤمنين بأن يفدي الحسينَ بنفسه، وأن يكون الكافل لزينب (عليها السلام). كيف لا يكون كذلك، وهو الموصى من مولاتنا أمّ البنين بكفالة زينب (عليها السلام)...

نعم، لمّا دنت الوفاة من أمير المؤمنين (عليه السلام) راح يوصي بوصاياه، أوصى الحسن، أوصى الحسين... ثمّ نادى ولده العبّاس (عليه السلام): بنيّ، إليّ إليّ، ثمّ صاح: بنيّة زينب إليّ إليّ، أخذ يمين الحوراء في يمين العبّاس، ثمّ التفت إليه، وقال: بنيّ عبّاس، هذه وديعتي عندك.

(لحن: لفى عاشور، تغريد حزين، يا جبريل نترجاك)

خل عينك على زينب

لو نزلت طفوف حسين

أمانة يبني يا عبّاس

خليها بجفون العين

حيدر يوصي العبّاس

وجفنه بمدمعه سايل

الوديعة بشيمتك يبني

خلها يا أبو فاضل

 

306


278

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

أمانة بيها وصّيتك

وانت لزينب الكافل

كفو انت بيوم الطف

يبو الغيره أعِرْفَك زين

يگله زينب بعيني وبالطف ليها انا خيّال

أخلّيها برموش العين

وما ينشاف اليها خيال

أموت آنه إذا خيتي

عالخدين دمعها سال

ما دام النفس بيّه

أفديها بچفوف وعين

وكأنّي بزينب، يدها في يد العبّاس!

يگلها

قرِّي العين يا زينب

سبع الگنطرة موجود

بالطف كافلك انه

وحق حيدر انا الموعود

أسگي الماي للاطفال

العلم بيدي وبيدي الجود

 

307


279

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

لكن يختي اعذريني

لو منّي انگطع چفّين

لكن لهف نفسي للعبّاس! يا أمير المؤمنين، ليتك كنت حاضرًا يوم العاشر من المحرم!كأنّي بالعبّاس لمّا رأى كثرة القتلى من أهله، وقد استشهد الأصحاب والإخوة والأبناء، وبقي الحسين (عليه السلام) وحيدًا، لا ناصر له ولا معين، والأطفال تنادي: العطش العطش، ما تحمّل صراخهم! تقدّم من أخيه الحسين (عليه السلام)، يستأذنه في النزول إلى الميدان، ألحّ عليه بأن يسمح له بالبراز، والإمام الحسين (عليه السلام) يجيبه: أخي، أنت صاحب لوائي، إذا مضيت تفرّق عسكري! ولكن أمام إصرار العبّاس، أجابه الإمام الحسين (عليه السلام): إن كان لا بدّ من النزول، فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلًا من الماء.

ركب العبّاس (عليه السلام) فرسه، حمل القربة، وقصد نحو الفرات، فأحاط به من كانوا موكلين بالفرات ورموه بالنبال، فحمل عليهم العبّاس وقتل منهم مقتلة عظيمة، ذكّرهم بحملات أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفرّقهم عن الماء، ثمّ دخل الماء، مدّ يده إلى الماء، لمّا أحسّ ببرودة الماء، تذكّر عطش أخيه الحسين، رمى الماء من يده، وجعل يقول:

يا نفسُ مِن بعدِ الحسينِ هوني

وبعدَهُ لا كنتِ أو تكوني

هذا حسينٌ وارِدُ المَنونِ

وتشربينَ باردَ المعينِ

تَللهِ ما هذا فِعالُ ديني

ولا فِعالُ صادقِ اليقينِ

 

308

 


280

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

ثمّ ملأ القربة، وخرج من المشرعة، فاستقبلته الكتائب، وصاح ابن سعد: اقطعوا عليه طريقه، ثمّ حمل عمر بن سعد، وقال: ويلكم ارشقوا القربة بالنبل؛ فوالله، لئن وصل الماء إلى مخيّم الحسين لأفناكم عن آخركم؛ فتكاثروا عليه، وأحاطوا به من كلّ جانب، فجعل يحاربهم محاربة الأبطال، وهو يقول:

لا أَرْهَبُ المَوْتَ إِذَا المَوْتُ زَقَا

حَتَّى أُوَارَى فِي المَصَالِيتِ لِقَا

نَفْسِي لِسِبْطِ المُصْطَفَى الطُّهْرِ وِقَا

إِنِّي أَنَا العبّاس أَغْدُوا بِالسِّقَا

وَلا أَخَافُ الشَرَّ يَوْمَ المُلْتَقَى

فكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة، وأعانه حكيم بن الطفيل، فضربه على يمينه فبراها، فأخذ السيف بشماله، وهو يرتجز ويقول:

واللهِ إِنْ قَطَعْتُمُ يَمِينِي

إِنِّي أُحَامِي أَبَدًا عَنْ دِينِي

وَعَنْ إِمَامٍ صَادِق اليَقِينِ

نَجْلِ النَّبِيِّ الطَّاهِرِ الأَمِينِ

فقاتل حتّى ضعُف عن القتال، فكمن له الحكيم بن الطفيل من وراء نخلة، فضربه على شماله، فقال:

يَا نَفْسُ لَا تَخْشَيْ مِنَ الكُفَّارِ

واستبشري برحمةِ الجبّارِ

قد قطعوا ببغيِهم يساري

فأَصلِهم يا ربُّ حرَّ النارِ

فحمل القربة بأسنانه، وكلّ همّه أن يوصل الماء إلى المخيّم، بينما هو كذلك جاء سهم فأصاب القربة وأُريق ماؤها، ثمّ جاء سهم آخر فأصاب صدره، ووقع آخر في عينه فأطفأها، وبينما العبّاس كذلك، لا

 

309


281

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

يدان يقاتل بهما، ولا ماء يأتي به إلى المخيم، وقف حائرًا، وإذا بلعين يضربه بعمود على رأسه، فيفلق هامته،وسقط إلى الأرض مناديًا: أخي أبا عبد الله، أدركني!

تعنّه امن الخيم للعلگمي احسين

يصيح ابصوت يعضيدي اوگعت وين

بعد ما شوف دربي يا ضوه العين

يخويه الكون كله ابعيني اظلم

يخويه ابياكتر طاحن زنودك

يخويه العلم وينه اوّين جودك

يبو فاضل زماني هم يعودك

او شملي اللي تشتت بيك يلتم

يقله سهم عينك يخوي شلون أطلعه

متعادل وسطها وصعب شلعه

أريد اقعد ينور العين وانعى

على مصابك وأبكي دموع من دم

فجاءه الحسين كالصقر، ولسانه يلهج بذكر العبّاس! ولمّا وصل إليه رآه صريعًا على شاطئ الفرات مقطوع اليدين، مرضوض الجبين، السهم نابت في العين، نادى: الآن انكسر ظهري، وقلّت حيلتي، وشمُت بي عدوّي!

تخوصر يم عضيده وصاح ويلي

يشمس نهاري ويا بدر ليلي

يبو فاضل يخويه اقطعت حيلي

طود الصبر من بعدك تهدّم

آه آه واعبّاساه!

 

يخويه انكسر ظهري ولا اگدر اگوم

وصرت مركز يخويه لكلّ الهموم

والله يخويه استوحدوني عگبک الگوم

ولا واحد عليّ بعد ينغرّ

أيّها الموالي، انتقل بقلبك إلى كربلاء، عندما وصل

 

310


282

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

الحسين (عليه السلام) إلى مصرع العبّاس، كيف وجده؟! وجده يتخبّط بدمه، جلس عنده، أخذ رأسه وضعه في حجره، أعاد العبّاس رأسه إلى التراب، فأرجعه الحسين، فأعاده العبّاس ثانية، وفي الثالثة قال الحسين (عليه السلام): أخي عبّاس، لِمَ لا تضع رأسك في حجري؟! قال: أخي يا نور عيني، أنت الآن تأخذ برأسي، ولكن بعد ساعة، من يرفع رأسك عن التراب؟!

يخويه من يغمّضلك اعيونك

ويا هواللي يقف يحسين دونك

على افراگي يخويه انخطف لونك

وتظل بعدي يبو سكنه محير

خوي انت تشيل راسي ودمعك عليه تسيله

وبعد ساعة لو طحت منهو لعد راسك يشيله

أخي حسين لي عندك طلب (لسان حال العبّاس)

(فايزي)

ياحسين سلّملي على الحرّة الحزينه

گلها وگع راعي العلم لا ترتجينه

گلها گطعوا كفوفه وصوّبوا بالسهم عينه

وراسه بعمد ياختي على الشاطي مهشمينه

(عاشوري)

ياخويه حسين خليني ابمكاني آه آه

يقلّه ليش يازهرة زماني

يقلّه واعدت سكنه تراني آه آه

بالماي والموت نزل بيّه

عظّم الله أجوركم، ثمّ فاضت روح أبي الفضل بين يدي أخيه الحسين! رحم الله من نادى: واعبّاساه!

 

311


283

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

ساعد الله قلبك أبا عبد الله، الآن أصبح وحيدًا، ترك العبّاس على شاطىء العلقمي، ورجع إلى مخيّمه منكسرًا حزينًا باكيًا يكفكف دموعه بكمّه، وقد تدافع الأعداء على مخيّمه، فنادى: أما من مغيث يغيثنا؟! أما من مجير يجيرنا؟! أما من طالب حقّ فينصرنا؟! أما من خائف من النّار فيذبّ عن حرمنا؟! أقبلت إليه سكينة، سألته عن عمّها، فقال لها: عظّم الله لك الأجر بعمّك العبّاس؛ فصرخت ونادت: واعمّاه! واعبّاساه! فسمعتها العقيلة زينب، فخرجت وهي تنادي: واأخاه! واعبّاساه! واضيعتاه بعدك يا أبا الفضل! فقال الحسين: إي والله، واضيعتاه! وانقطاع ظهراه بعدك أبا الفضل!

ويلي

ردّ امن النهر

والگامه محنيّه

يبچي والسمه

حنّ البواچيّه

يا عبّاس يخويه

اگطعت بيّه

ما تنسد يخويه

فيّتك اعليّه

أرادت الحوراء زينب أن تذهب إلى مصرع أخيها العبّاس، فقال لها الحسين: أخيّة، ارجعي، لا تشمّتي بنا الأعداء؛ قالت: يابن أمّي، لا تلمني إنّ مصاب أخي العبّاس قد قطّع نياط قلبي، ولم أستطع صبرا... نعم، توجّهت إليه ليلة الحادي عشر من المحرم، لمّا وصلت إلى المشرعة، نادت: واأخاه! واعبّاساه! جاءت، جلست عنده تشكو إليه مصابَها...

 

312


284

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

من نامت عيون عداي

إجيت لمصرعك عبّاس

اشكيلك عظم بلواي

وانه وحدي بِلا حرّاس

يصعب عالأخت اخوهه

يراها بولية الارجاس

يطلعُوها عجف النياگ

وتدير العين وتصيح الآه

بطور الفاگدة انعي

واشكي غربة الأيّام

من بيت الوحي اطلع

وخيالي ما تصد اوهام

من أمشي بين اهلي

مهيوبه أبد ما انضام

لكن كربله خلّت

احوالي أنين وآه

أطالب حگ الخوّه

ودمعي من الجفن سايل

ترضى يا عزيز أختك

جنبي من الضرب مايل

واذا هلّت حُمر العيون

يصيحوا بصوت يبوفاضل

يريدوا يلوعوا گلبي

بسهم فرگه وحنين وآه

نور عيني يا عبّاس، أنت تدري غدًا يأخذوننا سبايا، وأبي أوصاك بي، أنت كافلي، لمن تتركنا؟!

(لحن الفراق)

يا كفيلي

يالْ علي موصيك بينا

يا كفيلي

ارحم دموعي الحزينه

يا كفيلي

قوم ورجّعنا المدينه

 

313

 


285

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

يا إخوتي

باچر إلمن تِسلموني

يا إخوتي

مِن تغيبوا يأسروني

يا إخوتي

شمر يهشملي متوني

لسان حال العبّاس يجيبها

يا بت حيدر

هذي أرض الغاضريّه

يا بت حيدر

طوّقونا بكل رزيّه

يا بت حيدر

صعبة اخالفلك وصيّه

(عاشوري)

يا عبّاس لا تنسَ الوصيّه آه آه

ترى حيدر والدك وصّاك بيّه

عجب هاليوم ما اتحامي عليّه آه آه

نايم عالترب وانا سبيّه

(أبو ذيّة)

بعدكم يخوتي ماظل إلي دار

الدهر بهمومه عاين لي والي دار

بعينه من وگع عبّاس إلي دار

من شال الشمر سوطه عليّه

 

ظمآنَ ذابَ فؤادُهُ من غُلَّةٍ

لو مسَّتِ الصخرَ الأصمّ لذابا

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

314


286

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

المجلس الثاني

القصيدة

عبّاسُ للمجدِ أمْ للحزنِ عنوانُ

تبكي لذكرِكَ أقوامٌ وأزمانُ

كفيلُ زينبَ يومَ الطفِّ منفردًا

يلقى العدا بطلًا والقلبُ ظمآنُ

أبى أبو الفضلِ شربَ الماءِ مرتجزًا

يا نفسُ لا كنتِ بعدَ الأهلِ مَنْ كانوا

سيفٌ بغدرٍ على العبّاسِ منهُ برى

يمينَهُ ثمّ يسراهُ فما بانوا

منَ الحديدِ عمودٌ شقَّ هامتَهُ

طودٌ هوى وكأنَّ الهامَ بنيانُ

نادى أخاهُ بأعلى الصوتِ أدركني

أخي ويا مَنْ لنورِ العينِ إنسانُ

يمشي الحسينُ لساحِ الحربِ منكسرًا

دامي الفؤادِ ودمعُ العينِ غدرانُ

كسرْتَ يابنَ أبي ظهري وَهُنْتُ على

الأعداءِ بعدَكَ والأعداءُ ما لانوا

أخي أنا بعدَكَ المذبوحُ مُستَلَبًا

أنا القتيلُ ومنّي القلبُ عطشانُ

أنا الإمامُ قطيعُ الرأسِ مرفوعًا

فوقَ الرماحِ وتبكي الرأسَ أكوانُ

أنا الذي بعدَه تُسبى حرائرُهُ

ظلمًا ويُضرَبُ أطفالٌ وفتيانُ

أخي عليك سلامُ اللهِ ما كبَّرَتْ

للهِ مئذنةٌ أو صلّى إنسانُ

 

316


287

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

(شعبي)

يالرايح تجيب الماي

اودعك خويه لو ترجع

بالخيمه أَنِطْرَنَّك

يكافل واهمل المدمع

رايح للشريعه اتريد

تجيب الماي لطفالك

بس اعرف تره بحسره

تبگى تنطرك اعيالك

وعيوني يبو فاضل

راح اتناطر اهلالك

وافرح يا گمر عدنان

خويه الصوتك امن اسمع

انت اتكفّلتني وجيت

واعرفك يالگمر وفّاي

وهسّه ماخذ الگربه

للشاطي تجيب الماي

غيرك يا ابو فاضل

خويه ما الي حمَاي

آنه مخدّره وتدري

بوجودك خويه ما اطلع

گلها ودمعته بعيني

خويه ابوحده اعذريني

إذا جسمي وگع عالكاع

خويه وگطعوا ايميني

واذا صاب العمد راسي

خويه وصوّبوا عيني

من عندك عذر ردته

للأيتام والرضّع

(أبو ذيّة)

ألف وسفه على العبّاس ينصاب

او مخ راسه على الكتفين ينصاب

المآتم دوم إله ولحسين ينصاب

لمّن تظهر الراية الهاشميّه

 

317

 


288

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

﴿وَيُؤثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِم وَلَو كَانَ بِهِم خَصَاصَةٞ﴾

أروع صور الإيثار والتضحية بالنفس نجدها في أبي الفضل العبّاس (عليه السلام)، حين أعدّه الله -تعالى- لنصرة أخيه الحسين (عليه السلام). فقد طلب أبوه أمير المؤمنين (عليه السلام) من أخيه عقيل، والذي كان عالمًا بأنساب العرب، أن يختار له امرأة من أسرة معروفة بالبأس والشجاعة، فاختار له فاطمة بنت حزام، المعروفة بأمّ البنين. وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد هيّأ أسرته وبيته للدور العظيم الذي سوف يقوم به العبّاس (عليه السلام) في كربلاء منذ طفولته، إذ يُروى أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يحمل العبّاس ويقبّل يديه ويبكي، فتراه أمّ البنين، فتسأله عن سبب ذلك، فيجيبها بأنّ هاتين اليدين ستقطعان في نصرة أخيه الحسين (عليه السلام)!

شهد له الإمام الصادق (عليه السلام) بتميّزه ببعض الفضائل، إذ يقول (عليه السلام): كان عمّي العبّاس بن عليّ (عليه السلام) نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أخيه الحسين، وأبلى بلاءً حسنًا، ومضى شهيدًا... وكذلك الإمام زين العابدين (عليه السلام)، يترحّم عليه قائلًا: رحم الله العبّاس! فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه، حتّى قُطِعَت يداه، فأبدله الله -عزّ وجلّ- بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وإنّ للعبّاس عند الله -تبارك وتعالى- منزلةً يغبطه بها جميع الشّهداء يوم القيامة.

بدأ العبّاس (عليه السلام) يُظهر شجاعته وبأسه في بدايات فتوّته، وقد كلّفه أمير المؤمنين (عليه السلام) بالسقاية في صفّين؛ لذا لُقِّب بالسقّاء. وقد حصل على لقب آخر في كربلاء، ألا وهو ساقي العطاشى؛ إذ إنّ

 

318


289

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

الحسين (عليه السلام) أوكل إليه مهمّة جلب الماء، وقد كانت المرّة الأولى يوم السابع من محرّم، حين كان معه ثلاثون رجلًا من أصحاب الحسين (عليه السلام)، فاستطاع بهم أن يصل إلى الماء مطمئنًّا ويملأ القِرب...

المصيبة

لكنّ المرّة الثانية كانت يوم عاشوراء، حين كان العبّاس (عليه السلام) وحده بعد أن استشهد جميع أنصار الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته، فتألّم أبو الفضل حينما سمع النساء والأطفال يتصارخون: العطش! العطش!..فأقبل إلى أخيه مستأذنًا في النزول إلى الميدان، وهو يقول: لقد ضاق صدري من هؤلاء المنافقين. فطلب منه الحسين (عليه السلام) أن يطلب لهؤلاء الأطفال قليلًا من الماء، فذهب العبّاس ووعظهم وحذّرهم، فلم ينفعهم، فرجع إلى أخيه فأخبره، ثمّ ركب جواده، وتسلّح بسيفه، وحمل قربته، ومضى نحو الفرات...

شدّ اعلى الحرب عبّاس

وعلى المتن حط جوده

لعيونك يزينب صاح

لفني العسكر اوجوده

ما تسمع يبو فاضل

عزيزة گلبك اسكينه

تگلك يا گمر هاشم

يعمّي هالوعد وينه

شوف الطفل عبد الله

الجودك شابح ابعينه

ماي يريد من عنده

او ذاب من العطش كبده

خواتك صارت ابشدّة

وابوك البضنك يحضر

اوجودك بحـر من جوده

 

319


290

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

يا عبّاس عگب أمّي

أبوك النشد من عمّك

على حرّة من العرب طيبه

والبونا وصف أمّك

تراه المثل هذا اليوم

أبوك المرتضى ضمّك

عطاشى لا تخلّينه

جيب الماي واسگينه

اسرع والحگ اعلينه

تراهي اگلوبنا هليوم

امن العطش ممروده

وصل الفرات، كشف الجنود الذين كانوا يحيطون به، وصل إلى الماء، مدّ يده واغترف غرفة، وأدناها من فمه، فلمّا أحسّ ببرودة الماء تذكّر عطش أخيه الحسين (عليه السلام) ومن معه من النساء والأطفال، فرمى الماء من يده، وقال:

يَا نَفْسُ مِنْ بَعْدِ الحُسَيْنِ هُونِي

وَبَعْدَهُ لَا كُنْتِ أَنْ تَكُونِي

هَذَا حُسَيْنٌ وَارِدُ المَنُونِ

وَتَشْرَبِينَ بَارِدَ المَعِينِ

تَاللهِ مَا هَذَا فِعَالُ دِينِي

وَلَا فِعَالُ صَادِقِ اليَقِينِ

اشلون اشرب وخويه حسين عطشان

وسكنة والحرم وأطفال رضعان

واظن گلب العليل التهب نيران

يريت الماي بعده لا حله ومر

ملأ القربة، وركب جواده، وتوجّه نحو المخيّم، ولكنّ الأعداء قطعوا عليه الطريق، فراح يقاتلهم، وهو يرتجز ويقول:

لَا أَرْهَبُ المَوْتُ إِذَا المَوْتُ زَقَا

حتّى أُوَارَى فِي المَصَالِيتِ لِقَى

نَفْسِي لِسِبْطِ المُصْطَفَى الطُّهْرِ وِقَى

إِنِّي أَنَا العَبَّاسُ أَغْدُو بِالسِّقَا

وَلَا أَخافُ الشَّرَّ يَوْمَ المُلْتَقَى

 

320

 


291

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

فلمّا عجزوا عن مواجهته، راحوا يكمنون له وراء جذوع النخل، فلمّا مرّ العبّاس بنخلة، ضربه زيد بن الرقاد الجهنيّ من ورائها على يمينه فبراها، فأخذ العبّاس السيف بيساره، وهو يقول:

وَاللهِ إِنْ قَطَعْتُمُ يَمِيْنِي

إِنِّي أُحَامِي أَبَدًا عَنْ دِينِي

وَعَنْ إِمَامٍ صَادِقِ اليَقِيْنِ

نَجْلِ النَّبِيِّ الطَّاهِرِ الأَمِينِ

وما إن مرّ العبّاس بنخلة أخرى حتّى ضربه حكيم بن الطفيل الطائيّ على يساره فقطعها من الزند، فسقط السيف من يده، فأخذ يسرع إلى المخيّم علّه يوصل القربة، وهو يقول:

يَا نَفْسُ لَا تَخْشَيْ مِنَ الكُفَّارِ

وَأَبْشِرِي بِرَحْمَةِ الجَبَّارِ

قَدْ قَطَعُوا بِبَغْيِهِمْ يَسَارِي

فَأَصْلِهِمْ يَا رَبِّ حَرَّ النَّارِ

فلمّا رأى ابن سعد شدّة اهتمام العبّاس بالقربة، صاح في جيشه: ويلكم! ارشقوا القربة بالنبل؛ فوالله إنْ شرب الحسين من هذا الماء أفناكم عن آخركم؛ فتكاثروا عليه، وتساقطت السهام على العبّاس كالمطر، فأصابته في صدره! وسهم أصاب إحدى عينيه فأطفأها! وتجمّع الدم على عينه الأخرى فلم يبصر بها! وأصاب القربة سهمٌ، فأُريق ماؤها! وكأنّي بالعبّاس يقف حائرًا؛ فلا يدان يقاتل بهما، ولا عينان يبصر بهما، ولا ماء يوصله إلى المخيّم، وبينما هو كذلك ضربه لعين بعمود من حديد على رأسه، ففلق هامته، وسقط عن فرسه مناديًا: عليك منّي السّلام أبا عبد الله، أدركني يا أخي!

 

321


292

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

قالوا: فرفع العبّاس رأسه من حجر الحسين (عليه السلام) وردّه إلى التراب، فأعاده الحسين (عليه السلام) إلى حجره، فردّه العبّاس ثانية، وهكذا في الثالثة، فسأله الإمام الحسين (عليه السلام): أخي، لِمَ لا تترك رأسك في حجري؟!

حط راسه ابحضنه وراد الوداع

شاله وتربه عبّاس بالگاع

رد احسين شاله ابگلب مرتاع

رده اردود للتربان والحر

كأنّي بالعبّاس يجيبه: أخي أبا عبد الله، أنت الآن تأخذ برأسي، ولكن بعد ساعة من الذي يأخذ برأسك؟!

يخويه من يغمضلك اعيونك

ويا هو اللي يقف يحسين دونك

على افراگي يخويه انخطف لونك

وتضل بعدي يبو سكنه محيّر

يحسين سلّملي على الحورا الحزينه

قلها وقع راعي العلم لا ترتجينه

قلها قطعوا كفوفه وصابوا بالسهم عينه

وراسه بعد يختي على الشاطي مهشمينه

عظّم الله أجوركم، ثمّ فاضت روحه الطاهرة بين يدي أخيه الحسين (عليه السلام)، فقام من مصرعه حزينًا، وهو ينادي: ألا من ناصرٍ ينصرنا؟! ألا من معينٍ يعيننا؟! ألا من ذابٍّ فيذبّ عن حرمنا؟!

گام حسين محنيّه ضلوعه

شبه صبّ المزن صبّن دموعه

طلعت صارخه زينب بلوعه

تگله طاح خويه وگمت عنّه

خرجت زينب وهي تنادي: واأخاه! واعبّاساه! واضيعتاه من بعدك يا أبا الفضل!

 

323


293

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

يخويه ليش هالساعة عفتني

رحت عنّي يخويه وضيّعتني

امصابك هالكسر قلبي ومتني

وناره بالقلب يا خويه تسعر

تقلّه خويه بس وحدك تجينا

وعبّاس راعي العلم وينه

قلها يا زينب يا حزينه

العبّاس اخوك مقطّعينه

يقلّلها يا زينب راح عبّاس

وراح الضيغم اللي يرفع الراس

وظل عقبه ينوح الدرع والطاس

وكأنّي بزينب (عليه السلام) تشكو آلامها إلى كفيلها وأخيها، فهي ستذهب مسبيّة بين البلدان، وهي مخدّرة الهواشم!

يعبّاس الخدر بعدك

ضامي وخيم ما عنده

وعبد الله يريد الماي

خويه ودمعته ابخده

ضعنك من رحت عنّه

ضلّ ابكربله وحده

ورقيّه تگلّي يا عمّه

هاي آثار لجدامه

كل ساعه يسألوني

عنّك وابگى محتاره

ليش الكافل اتأخّر

المخيّم من علت ناره

وانت اعلى النهر مذبوح

وموتك وصلت اخباره

 

324


294

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

جودك والعلم ويلاه

يمهن طاحت اعمامه

لا كفّ لا علم لا ماي

لا عين ودماك يسيل

واحنه من الصبح باكر

عن الطف اساره انشيل

ندعي الله اعلى حر باكر

يغطّينه ابجنح جبريل

ماضلّت ولا خيمه

كلها احترگن اخيامه

 

أَحِمَى الضَّائِعَاتِ بَعْدَكَ ضِعْنَا

في يَدِ النَّائِبَاتِ حَسْرَى بَوَادِي

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

325


295

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

المجلس الثالث

القصيدة

أَنْعِمْ بشبلِ المرتضى الكرّارِ

سيفِ الإلهِ وأحمدِ المُختارِ

عَضُدِ الحسينِ أبي الفضائل والتُّقَى

عبّاسٍ المندوبِ في الأخطارِ

مِن جُرحِهِ المفتوحِ فجَّرَ أنهُرا

جرفَتْ قِلاعَ الشركِ والإنكارِ

وبكِّفهِ المبتورِ خَطَّ حِكايةً

ومَلاحمًا للجودِ والإيثارِ

وبرأسِهِ المرفوعِ فوقَ الرمحِ قدْ

أعلى مقامَ النُبلِ في الأمصارِ

وبسيفِهِ قدْ هدَّ أركانَ العِدَى

ومعاقلَ الظُلاّمِ والكُفّارِ

لهفي عليه بكربلاءَ وقد دَنَتْ

منه العقيلةُ تَسْتَقِي لِصِغارِ

والنهرُ تحجبُهُ المخاطرُ فالعِدا

قَطَعوا السبيلَ إلى الفراتِ الجارِي

فاسْتَلَّ صارمَهُ ويمَّم وجْهَهُ

نحوَ الشريعةِ منْ عَسَاهُ يباري؟

فهو الغَضَنْفرُ شبلُ حيدرةِ الوغَى

شَقَّ الصفوفَ بضربةِ البتارِ

حتى اذا كَشفَ الفراتَ فإذْ بهِ

يَشكو أَساهُ لربِهِ الجبارِ

ربَّاه قد حَرموا الحسينَ من السِّقا

فلتُسْقِهم يا ربِّ حرَّ النارِ

 

326


296

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

وسكينةٌ عَطْشى وشِمرٌ هازئٌ

رَبَّاه فاخذُلْ عصبةَ الأشرارِ

حتّى إذا قطعوا يديه وأطفؤوا

عينيه غَدْرًا صاحَ بالكُفارِ

لا لستُ أَعَبأُ بالجراحِ ونزفِها

نفسي وقاءٌ لابنةِ الكرارِ

أَفْدي بعيني عينَ سبطِ محمَّدٍ

وأذُبُّ عن خيرِ الورى الأطهارِ

والماءُ ليس يَهمُّني فَمُحمدٌ

يَروي غليلي من مَعينِ الباري

لكنّني أَبكي على تلك التي

تُسبى بِعَتْمِ الّليل والأسحارِ

أبكي على الحوراءِ زينبَ تَرتقي

ظَهْرَ النياق بغيرِ أيِّ ستارِ

أبكي لحالِ سكينةٍ تشكُو الظِّما

فتُجابُ بالأسواطِ والأحجارِ

أبكي لعبدِ الله يُذبَحُ ظامئًا

في حِضْنِ سبطِ المُصطفى المختارِ

فلسوفَ أَمضي للمُهيمنِ أشتكي

جورَ اللّئامِ وفِعْلةَ الفُجّارِ

(أبو ذيّة)

احترِقْ قلبي بسعيرك والْتَهابَك

وتِرَكْ هالناس كِلْها والتهى بَك

شنهو السَبَبْ روحي التجِيلَك والْتَهَابك

تفارِقْها وتِشِبْ نِيران بِيَّه

(لحن لفى عاشور)

لفى يمِّ القُمَر عَبَّاس صوتِ الونَّه مِنْ زِينب

تصيح مْنِ الخيم بالنُّوح يَبَدْري شْلون تتغيَّب

بْعظيمِ الحَسْره و الآلام صاحتْ زينب اتْنادي

رِهينه بوحشَةِ الأحزان وِقَع بيتي وهِوى سْنادي

 

327


297

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

صِرِتْ بين المِحَن و هْموم ألطِمْ و أنْدِبِ عْمادي

يَماي الْضيَّعِ الآمال ماريدَنْ بَعِد أَشْربْ

تِصيحْ و تِهتِفِ بآهاتْ يَضِيغَم نام عن أشْجاني

كفيلي إنته و النُوماسْ وسَافَه الضِّيم تِولاَّني

قومْ إنهضْ إِلي هالسَّاع يَمَنْ بالغُربه خَلاَّني

وْرِدْني للوطن عبَّاس قَبُلْ مِنْ سبيي اتْعذَّب

آنه إختَكْ يبو الكَلْفات و عَلِي وصَّاك تِرعاني

عِجِيبَه و صَعْبَه يا رَجْواي تِصيرْ اعداي وِلياني

احَلْفَك بالله يلْ المهيوبْ قومْ و حامي صيواني

شِمِرْ شبِّ الخيم بالنَّار و نار افَّادي تِتْلَهّبْ

المصيبة

تزوّجَ أميرُ المؤمنين (عليه السلام) من فاطمةَ بنتِ حِزام العامرية، بعد شهادةِ الصّدّيقةِ الزهراءِ سيّدةِ النّساءِ (عليها السلام)، بعد أنْ تزوَّجَ بأُمامةَ ابنة زينبَ بنتِ رسولِ اللّهِ (صلى الله عليه وآله)، كما يراه بعضُهم؛ لأنّ اللّهَ قد حرَّم النّساءَ على عليٍّ (عليه السلام) ما دامت فاطمةُ (عليها السلام) موجودةً، كما جاء في الروايات.

وَلَدَتْ له فاطمةَ بنتِ حِزام العامرية أربعةَ بنينَ هم: العبّاسُ وعبدُ اللّه، وجعفرُ وعُثمان، وعاشتْ بعدَه مدّةً طويلةً، ولم تتزوَّجْ من غيره. كما إنَّ أُمامةَ وأسماءَ بنتَ عُميس وليلى النَّهشليةَ لم يخرجْنَ إلى أحد بعده، وهذه الحرائرُ الأربع تُوفي عَنْهُنَّ سيّد الوصيينَ (عليه السلام). وكانتْ أمُّ البنين من النّساءِ الفاضلاتِ العارفاتِ بحقِّ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) 

 

328


298

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

مُخلِصَةً في ولائِهم، مُمحَّضَةً في مودّتِهم، ولها عندَهم الجاهُ الوجيه والمحلُّ الرفيع، وقد زارتْها زينبُ الكبرى بعدَ وصولِها المدينةَ، تُعزِّيها بأولادِها الأربعة، كما كانت تزورُها أيّامَ العيد.

بَلغَ من عُظْمِها ومعرفَتِها وتبصُّرها بمقامِ أهلِ البيتِ (عليهم السلام) أنَّها لمَّا أُدخلتْ على أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكان الحسنان (عليهما السلام) مريضينِ، أَخَذَتْ تُلاطف القولَ معهما، وتُلقي إليهما من طيبِ الكلامِ ما يأخذُ بمجامعِ القلوب، وما بَرِحَتْ على ذلك تُحسنُ السّيرةَ معهما وتخضعُ لهما كالأمِّ الحنون. ولا بِدَعَ في ذلك، فإنَّها ضجيعةُ شخصِ الإيمان، قد استضاءتْ بأنواره، وربَتْ في روضةِ أزهاره، واستفادَتْ من معارِفه، وتأدَّبت بآدابِه، وتخلّقت بأخلاقه.

كما ذكر صاحبُ كتابِ (قمرِ بنيِ هاشم) أنَّ اُمَّ البنينَ رأتْ أميرَ المؤمنينَ (عليه السلام) في بعضِ الأيّام أجلسَ أبا الفضلِ (عليه السلام) على فخِذِه، وشمَّر عن ساعديه، وقبَّلهما وبكى، فأدهشها الحال؛ لأنّها لم تكنْ تَعهَدُ صبيًّا بتلك الشمائلِ العلويّةِ، ينظرُ إليه أبوه ويبكي من دونِ سببٍ ظاهر. ولمّا أوقَفَها أميرُ المؤمنين (عليه السلام) على غامضِ القضاء، وما يجري على يديه من القَطْعِ في نُصرةِ الحسين (عليه السلام)، بكَتْ وأَعْوَلَتْ، وشارَكها مَن في الدارِ في الزفْرةِ والحسرة، غيرَ أنَّ سيّد الأوصياءِ (عليه السلام) بشَّرها بمكانةِ ولدِها العزيزِ عندَ اللّه -جلّ شأنه-، وما حَبَاهُ عن يديه بجناحين يطيرُ بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل ذلك لجعفر بنِ أبي طالب، فقامتْ تَحمِلُ بُشرى الأبد والسّعادةِ الخالدة.

يا أميرَ المؤمنينَ، بكِيتَ على ولدِكَ العبّاسِ (عليه السلام)، وانكَسَرَ قلبُك،

 

329


299

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

ولم ترَ بأمِّ عينيك كَفّيهِ المقطوعة، ولا جبينَه المرضوض... لكنْ ساعد اللهُ قلب مولانا الحسينِ الذي رأى تلك المصائبِ كلّها بأمِّ عينيه يومَ عاشوراء، بعدما بقيَ وحيدًا لا ناصرَ له ولا مُعين!

لمّا رأى العبّاس كثرة من قُتِل من عسكر أخيه الحسين (عليه السلام)، تقدّم وقال لأخوته: يا بني أمّي تقدّموا لأحتسبكم عند الله، فتقدّم إخوته الثلاثة من أمّه، وهم: عبد الله، وجعفر، وعثمان فقاتلوا جميعًا واحدًا تلو الآخر حتّى قُتِلُوا.

ولمّا اشتدّ النزال، ولم يبقَ من أصحاب الحسين (عليه السلام) وأهل بيته من الرجال إلّا أبو الفضل، ونظر أبو الفضل إلى وحدة أخيه الحسين، أقبل، وقال: سيّدي، هل لي من رخصة؟

نظر الحسين (عليه السلام) إلى العبّاس، وبكى بكاءً شديدًا، ثمّ قال: يا أخي، أنت صاحب لوائي، وإذا مضيت تفرّق عسكري، فقال العبّاس: لقد ضاق صدري، وأريد أن أطلب بثاري من هؤلاء الأعداء، فقال الحسين (عليه السلام): إذا كان من بدٍّ، فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلًا من الماء، فذهب العبّاس ووعظهم وأبلغ في كلامه بهم، فلم ينفع مع هذه العصبة الظالمة، فرجع إلى أخيه، وإذا به يسمع الأطفال ينادون: العطش العطش! ما تحمّل أبيّ الضيم سماعَ صراخ الأطفال، إلّا أن ركب فرسه وأخذ القربة وتوجّه نحو الفرات.

لمّا وصل إلى النهر، وكان قد أحاط به من كانوا موكّلين بالمشرعة، رموه بالنبال فكشفهم عن النهر بعد أن قتل منهم جماعة، دخل الماء بجواده وركّز لواءه، ثمّ دنا من الماء، اغترف غرفة ليشرب، فلمّا أحسّ

 

330


300

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

ببرود الماء وقد كظّه العطش، تذكّر عطش الحسين وأهل بيته، فرمى الماء من يده، وقال: والله لا أشرب وأخي الحسين وعياله وأطفاله عطاشى، لا كان ذلك أبدًا، وأنشأ يقول:

يَا نَفْسُ مِنْ بَعْدِ الحُسَينِ هُوني

وبعدَه لا كُنْتِ أو تكوني

هَذا حُسَيْنٌ وَارِدُ المَنُونِ

وتَشْربينَ باردَ المَعينِ

تَاللهِ مَا هَذَا فِعَالُ دِينِي

ولا فِعَالُ صادقِ اليقينِ

ثمّ ملأ القربة وحملها، وتوجّه نحو المخيّم، فقطعوا عليه الطريق، وأحاطوا به من كلّ جانب فحاربهم، فأخذوه بالنّبال من كلّ جانب، حتّى صار درعه كالقنفذ من كثرة السهام، فلم يعبأ بهم، فكمن له زيد بن وَرقاء من وراء نخلة وعاونه حكيم بن الطُفَيلّ، فلمّا مرّ به العبّاس ضربه بالسيف على يمينه فقطعها، فأخذ السيف بشماله وحمل القربة على كتفه اليُسْرى، وهو يقول:

واللهِ إِنْ قَطَعْتُمُ يَمِينِي

إِنِّي أُحَامِي أَبَدًا عَنْ دِينِي

وَعَنْ إِمَامٍ صَادِق اليَقِينِ

نَجْلِ النَّبِيِّ الطَّاهِرِ الأَمِينِ

فقاتل حتّى ضعُف عن القتال، وقد أعياه نزف الدم، فكمن له حَكيمُ بن الطُفَيل من وراء نخلة، فضربه على شماله فقطعها من الزند، فجعل يقول:

يَا نَفْسُ لَا تَخْشَيْ مِنَ الكُفَّار

واستبشري برحمةِ الجبارِ

قد قَطعوا ببغيِهِم يساري

فأصْلِهِم يا ربُّ حرَّ النارِ

ولم يكن للعبّاس همٌ إلّا أن يُوصِلَ القربةَ إلى معسكر الحسين 

 

331


301

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

(عليه السلام)، ثمّ جاءته السهام من كلّ جانب فأصاب سهم عينه، وسهم أصاب القربة فأُريق ماؤها، وسهم أصاب صدره، وبينما العبّاس واقف حائر ماذا يصنع، فلا يدانِ فيقاتل بهما، ولا ماء يأتي به إلى المخيّم، جاءه لعين فضربه بعمود من حديد على رأسه، ففلق هامته، فانقلب عن فرسه إلى الأرض مناديًا: أخي أبا عبد الله أدركني!

فجاءه الإمامت، ورآه بتلك الحال؛ مقطوع اليدين، السهم نابت في العين، المخّ سائل على الكتفين، القربة مخرّقة، العلم ممزقّ، صاح الحسين (عليه السلام): الآن انكسر ظهري، الآن قلّت حيلتي، الآن شمُت بي عدوّي!

فَأكَبَّ مُنْحَنِيًا عَليهِ وَدَمعُهُ

صَبَغَ البَسيطَ كَأنَّمَا هو عَنْدَمُ‏

قَدْ رَامَ يَلثِمُهُ فَلَمْ يَرَ مَوْضِعًا

لمْ يُدمِهِ عَضُّ السِّلاحِ فَيَلثِمُ‏

نَادَى وقَدْ مَلَأَ البَوَادِيَ صَيْحَةً

صُمُّ الصُّخورِ لِهَولِهَا تَتَألَّمُ

 

ساعةْ ما وِقعْ عباسْ يمِ لِفْرات

وصِلْ لحسين عندَه وخنقِتَه العَبره

لكنْ لو تسايِلْ وصَّل ابيا حَال

اقولْ حسين وصِلْ مِنْكِسِر ظهره

شالْ الراس وبقَلْبه تشِبْ نيران

وحطْ راسَه العزيز الغالي في حِجْره

قلَّه اطلُب اتْخيَّر شِلْترِيد انطِيك

عيني خِذْها مِنّي واملِكِ النَظْره

إخِذْ عيني يابو فاضل حتى تتودَّع مني

ولو رايدْ بعد فِدْوه القْطَع لِچْفُون

خِذْ مني ايديني اليمنى واليسرى

ولو ما كفَّت الإيدين وي لعيون

خذْ قلبي قَبْلِ المثلَّث يحضره

 

332


302

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

ولو رايد بعدْ انطيك نحري السَّاع

لأنِّ حسين بعدَك يِنْقِطِعْ نَحْرَه

ولُو رايدْ صَبِر كَدِّ الجْبالِ يكون

مِنْ مُهجَةْ قَلُبْ زينب اخِذْ صَبْره

جاوبْ بو الفضِلْ لا ما أريد العين

حتى لا أشوفْ اطفال مِنْتِظْره

وماريدْ الأيادي لَجِلْ لُو ردِّيتْ

بيهم قَالَوا العباس ويش عُذْره

وما ريدْ القَلُبْ لَنَّه القَلُبْ مَكْسور

وقَلْبي والله صعْبَه ابقَلبَك اتِجبْره

وماريد النَّحَر لنَّه النَّحَر مَقْطوع

ومثلك راسي فوقِ ارمَاح مِتْشَهره

وخَلْ صَبْرِ العقيله حتى لوْ ماجِيْت

تِصْبِر عالعذاب وهمْها والسَّفْرَه

وارْدِ الحِينْ اقِلَّك ياعزيزي حسين

لو ردَّيتْ دُوني ابقَلْبَك الحسْره

صبِّر زينب اوقِلْها عليجْ الله

لاتِبْجِي ياضَنْوَة فاطِمَة الزهرا

هايْ اختي العزِيزه اعْلى القَلُب والروح

ما أقْدَرْ بعدِ لِنْياحه والزَفْره

قيل: وكانت هذه المرّة الأولى التي ينادي العبّاس فيه الإمام الحسين: أخي! وقد كان دائمًا يناديه: سيّدي.

يگلَّله يا عبّاس

عندي سؤال وفكري فيه مِحْتار

إنتَ دايم تِگلِّلي سيّدي في ليلْ وِنهار

بْيَا خُوي ما تناديني مَن كِنَّا زْغار

بسْ ما طِحِتْ ناديتني يا خوي يا حْسين

يجيبه العبّاس

يِگلَّه انا يومِ العَمَد فوگِ التُرُبْ ذَبْنِي

گبلْ ما أُوصَلِ التِّربان شِفِتْ إيدين إجَتْني

شِفْتُ امّك الزَّهرا تِگلِّلي هَلا يَبْني

نَسِيتْنِي آلامي وجْروحي والضِلْعِين

 

 

333


303

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

بينما الحسين، عنده وإذا بالعبّاس مدّ رجليه، واستودع أخاه الحسين وشهق شهقة، وفاضت روحه، رحم الله من نادى: واعبّاساه! واسيّداه! وامظلوماه! فقام الإمام من عنده منحني الظهر باكي العين، مناديًا: واأخاه! واعبّاساه!

يا أبو فاضل يا بَعِدْ عيني

مِنْ رِحِتْ عنَّي ضاعت سنيني

قُوم إلى الخِيمة ورِدْ يا خويَ ويَّاي

تريدك يتامي وما تريدْ الماي

بالخِيَم تِنْطُر رَجْعَتِ السَقَّاي

رِدْ قَلُبْ زينب يا أَمَلْ دِنياي

هذي عِدواني تشمِّتَتْ فيني

مِنْ رِحِتْ عنّي ضاعت سنيني

شِفِتْ انا بعيني للحرَمَ لمَّة

كِلْ طِفِلْ يبكي امَّه اتضْمَّه

بإسمكِ تْنَاغي وإسْمَك تْعلْمَه

تِقْلِه بو فاضل راح يجيب الماي

وطفلي عبدالله حالَه يِشجيني

مِنْ رِحِتْ عني ضاعت سنيني

رجع الإمام إلى المخيّم يكفكف دموعه بكمّه! من الذي كان بانتظاره؟! ابنته سكينة واقفة تنتظر أباها الحسين على باب الخيمة، لمّا رأت أباها بتلك الحال، هرولت إليه، قالت: أبه، ما لي أراك جئت إليّ وحدك؟ أين عمّي العبّاس؟ قال الحسين: بنيّة سكينة، عظّم الله

 

 

334


304

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

لك الأجر بعمّك العبّاس، فلقد خلّفته على شاطى‏ء الفرات مقطّع اليدين مرضوض الجبين! فسمعته الحوراء زينب، خرجت منادية: واأخاه! واعبّاساه! واضيعتنا بعدك يا أبا الفضل!

عندك يبو فاضل يخويه اشتكي حالي

حرمة بلا والي والشمر يبرالي

واليحدي للناگه زجر عبّاس يا عيوني

ترضه يذلّوني وللشام يسبوني

خويه الفواطم بالدرب منهو ليحاميها

عگبك يا واليها يويلي عليها

وانروح تاليها بيسر عبّاس يا عيوني

ترضى يذلّوني وللشام يسبوني

(لحن أمانه هالوِصِيَّة)

يعباسِ الشِّفيَّة

يبو النَّفسِ الأبيّة

تعالِ الحَگ عْلى احْسِين

يسلبونَه اميَّة

آه عباس عباس عباس

يَخويه رحت يَمّه

ردت نحرَه أَشِمَّه

لِگيت الشِمِرْ گاعد

علا صدِرْ بو اليمّة

يگطع الراس الراس الراس

آه عباس عباس عباس

حِچِيتْ اويا تَراني

گِلِتْ لهَ زينب اَني

يظالِم آنه أُختَه

ضِربني وشَتِّمَاني

احسين ينداس ينداس ينداس

آه عباس عباس عباس

 

335


305

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

اجيت ابهِمَّه احاوِل

أَنَه وكِلْ الأرامل

نِزِيحه عن حِمانا

وتِذكَّرتَك يكافل

صوت الاحساس لحساس لحساس

آه عباس عباس عباس

 

أَأُخَيُّ مَنْ يَحمِي بَنَاتَ مُحَمّدٍ

إنْ صِرْنَ يَستَرْحِمْنَ مَن لَا يَرحَمُ‏؟!

هَذا حُسَامُكَ مَن يُذِّلُ بِهِ العِدَى؟

وَلِوَاكَ هَذا مَن بِهِ يَتَقَدَّمُ

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

336


306

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

المجلس الرابع

القصيدة

وَمَا زَالَ فِي حَرْبِ الطُّغَاةِ مُجَاهِدًا

إِلَى أَنْ هَوَى فَوْقَ الصَّعِيدِ مُجَدَّلا

وَقَدْ رَشَقُوهُ بِالنِّبالِ وَخَرَّقُوا

لَهُ قَرْبَةَ المَاءِ الَّتِي كَانَ قَدْ مَلَا

فَنَادَى حُسَيْنًا وَالدُّمُوعُ هَوَامِلٌ

أَيَابْنَ أَبِي قَدْ خَابَ مَا كُنْتُ آمِلا

عَلَيْكَ سَلامُ اللهِ يَابَنْ مُحَمَّدٍ

عَلَى الرَّغْمِ مِنِّي يَا أَخِي نَزَلَ البَلا

فَلَمَّا رَآهُ السِّبْطُ مُلْقًى عَلَى الثَّرَى

يُعَالِجُ كَرْبَ المَوْتِ وَالدَّمْعَ أَهْمَلا

فَجَاءَ إِلِيهِ وَالفُؤادُ مُقَرَّحٌ

وَنَادَى بِقَلْبٍ بِالهُمُومِ قَدْ امْتَلا

أَخِي كُنْتَ عَوْنِي فِي الأُمُورِ جَمِيعِهَا

أَبَا الفَضَلِ يَا مَنْ كَانَ لِلنَفْسِ بَاذِلا

يَعُزُّ عَلَيْنا أَنْ نَرَاكَ عَلَى الثَّرَى

طَرِيحًا وَمِنْكَ الوَجْهُ أَضْحَى مُرَمَّلا

عَلَيْكَ مِنَ الرَحْمَنِ أَلْفُ تَحِيَّةٍ

فَقَدْرُكَ عِنْدِي يَا أَخِي الآنَ قَدْ عَلا

فَأَبْشِرْ بِجَنَّاتٍ مِنَ اللهِ فِي غَدٍ

وَبِالحُورِ وَالوِلْدَانِ وَالفَوْزِ وَالعُلَى

 

338

 


307

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

(شعبي)

صاح أبو فاضل بصوته وردده

أدركني يا خوي روحي ليك الفدا

التفت صوب الخيم والمدمع بكت

وصاح يا عِضيدي ترى عنَّك رحت

قطعوا كفّيني وعالغبرة طحت

وجاه مسرع من سمع منَّه الندا

صاح يا عباس يالحزت الفخر

خان بيه وغدر يا خوي الدهر

وهدّ قوتي وانكسر مني الظهر

وابد مثل مصابك عليَّ ما سِرا

المصيبة

كان للعبّاس بن عليّ (عليهما السلام) أربع وثلاثون سنة يوم عاشوراء، وكما يصفه المؤرِّخون كان أعلم أصحاب الحسين وأشجعهم، وكان بطلًا فارسًا وبين عينيه أثر السجود، وكان جميل الطلعة وسيمًا في محيّاه؛ ولذا لُقِّبَ بقمر بني هاشم. يركب الفرس المطهّم ورجلاه تخطّان في الأرض، صبورًا على الطعن في ميدان الكفاح والحروب. وكان معه لواء الحسين (عليه السلام)، اللّواء الأكبر، فهو قائد الجيش؛ لذلك كان الحسين (عليه السلام) يمنعه من البراز والتوجّه إلى الميدان، قائلًا: أخي، إن أنت مضيت تفرَّق عسكري، وآل جمعي إلى الشتات. حتّى حينما لم يبقَ مع الحسين أحد من أصحابه كان الحسين يقول له هذه المقالة. وإنَّما أذن له يوم عاشوراء أن ينطلق إلى المعركة ليستقي الماء للعطاشى والأطفال؛ ولذا سُمِّيَ السقاء.

يذكر المؤرِّخون أنَّه لمّا كاتب عمرُ بن سعد عبيدَ الله بن زياد في

 

339


308

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

أمر الحسين (عليه السلام)، وكتب إليه على يدي شمر بن ذي الجوشن (لعنه الله) بمنازلة الحسين (عليه السلام) ونزوله، أو بعزله وتولية شمر العمل، قام عبد الله بن أبي المحلّ بن حزام، وكانت عمّته أمّ البنين أمّ العبّاس، فطلب من عبيد الله كتابًا بأمان العبّاس وإخوته (عبد الله وجعفر وعثمان أو عون)، وقام معه شمر في ذلك، فكتب أمانًا وأعطاه لعبيد الله، فبعثه إلى العبّاس وإخوته مع مولى له يُقال له كزمان، فأتى به إليهم، فلمّا رأوه قالوا له: قل له: إنَّ لا حاجة لنا في أمانكم، أمان الله خيرٌ من أمان ابن سميّة. ووقف الشمر (لعنه الله) في اليوم التاسع إزاء خيم الحسين (عليه السلام)، وصاح: أين بنو أختنا؟ أين العبّاس وإخوته؟ وكان العبّاس حينئذٍ جالسًا بين يدي الحسين، فأطرق برأسه حياءً من الحسين، فصاح الشمر ثانيًا وثالثًا، فالتفت الحسين إلى أخيه العبّاس وقال: أخي، قُم وانظر ماذا يريد هذا الفاجر. فقام العبّاس وركب جواده وأقبل إليه، فقال له: ما تريد يابن ذي الجوشن؟ فقال: أبا الفضل، هذا كتاب من ابن زياد يذكر فيه أنّك أنت الأمير على هذا الجيش، وأنت وإخوتك آمنون، فلا تعرّض نفسك للقتل، فقال له العبّاس: لعنك الله ولعن أمانك، أتؤمِّننا وابن رسول الله لا أمان له؟! ويلك! أفبالموت تخوّفني وأنا المميت خوّاض المنايا؟ فرجع الشمر (لعنه الله)، ولوى عنان جواده، ورجع أبو الفضل كالأسد الغضبان.

يقول الراوي: ذهب العبّاس(عليه السلام) إلى القوم، وعظهم وحذّرهم غضب الجبّار، فلم ينفع، فنادى بصوت عالٍ: يا عمر بن سعد، هذا الحسين بن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد قتلتم أصحابه وأهل بيته،

 

340


309

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

وهؤلاء عياله وأولاده عطاشى فاسقوهم من الماء قد أحرق الظمأ قلوبَهم؛ فصاح الشمر بأعلى صوته: يابن أبي تراب، لو كان وجه الأرض كلّه ماءً، وهو تحت أيدينا، لما أسقيناكم منه قطرة؛ فرجع العبّاس إلى أخيه يخبره جواب القوم، فسمع الأطفال يتصارخون وينادون: العطش العطش! ثمّ إنّه وقف بباب الخيمة ليأخذ القربة وينزل إلى ساحة الميدان، فتعلّقت به أخته زينب (عليها السلام)، وقالت: اعلم يابن والدي لمّا ماتت أمّنا فاطمة، قال أبي لأخيه عقيل: أريد منك أن تختار لي امرأة من ذوي البيوت والشجاعة حتّى أصيب منها ولدًا ينصر ولدي الحسين بطفِّ كربلاء، وقد ادّخرك أبوك لمثل هذا اليوم، فلا تقصّر يا أبا الفضل.

يختي الأخوكمْ يوصّونه

بحزام ظهره اوضوه اعيونه

اسكون اعله بختك يمحزونه

بالشِّدّة أعوف احسين اخونه

يختي وحق شيبات أبونه

هاليوم أرجّ الكون دونه

والقوم أخيّك يعرفونه

او حربه السابق يذكرونه

صاحت هلا ابصاحب الغيرة

يا سورنه او فخر العشيرة

خويه نزلنه ابغير ديره

او خلاّك أبوك إلنه ذخيره

هلا وهلا ابراعي المروه

يا لخوّتك لحسين خوّه

يالبيك حيل اختك تگوه

يلّي تگوم ابغير نخوة

ركب جواده ومعه اللواء، وأخذ القربة وقصد الفرات، فأحاط به

 

341


310

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

من كانوا موكّلين بالفرات لمنع الحسين وأصحابه منه، ورموه بالنبال فكشفهم، وقتل منهم جماعة، حتّى وصل إلى المشرعة، نزل إلى الماء، فلمَّا أحسَّ ببرد الماء وقد كظّه العطش، اغترف غرفة ليشرب تذكّر عطش الحسين (عليه السلام) فرمى الماء من يده، وقال: لا والله لا أشرب الماء وأخي الحسين (عليه السلام) عطشان، ثمّ جعل يقول:

يَا نَفْسُ مِنْ بَعْدِ الحُسَيْنِ هُونِي

وَبَعْدَهُ لَا كُنْتِ أَنْ تَكُونِي

هَذَا حُسَيْنٌ وَارِدُ المَنُونِ

وَتَشْرَبِينَ بَارِدَ المَعِينِ

(نصّاري)

غرف غرفة بيمينه وراد يشرب

وقلبه من العطش نيران يلهب

ذكر كبدة عضيده والدمع صب

ذبَّ وعلي قال الماي يحرم

اشلون اشرب وخوي حسين عطشان

وسكنه والحرم وأطفال رضعان

وظن قلب العليل التهب نيران

يريت الماي بعده لاحله اومر

ثمّ ملأ القربة وحملها على كتفه، وخرج من المشرعة فاستقبلته جموع الأعداء، وصاح ابن سعد: اقطعوا عليه الطريق؛ ولمّا رأى ذلك منهم، حمل عليهم بسيفه، وهو يقول:

إِنِّي أَنَا العَبَّاسُ أَغْدُو بِالسِّقا

وَلَا أَخَافُ المَوْتَ يَوْمَ المُلْتَقَى

نَفْسِي لِابْنِ المُصْطَفَى الطُّهْرِ وَقَا

حَتَّى أُوَارَى فِي المَصَالِيتِ لُقَى

فرموه بالنّبال من كلّ جانب، حتّى صار درعه كالقنفذ من كثرة

 

342


311

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

السهام، فكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة، وعاونه حكيم بن الطفيل، فضربه على يمينه فقطعها، فأخذ السيف بشماله، وهو يقول:

وَاللهِ إِنْ قَطَعْتُمُ يَمِينِي

إِنِّي أُحَامِي أَبَدًا عَنْ دِيِني

وَعَنْ إِمَامٍ صَادِقِ اليَقِينِ

نَجْلِ النَّبِيِّ الطَّاهِرِ الأَمِينِ

فقاتل القوم حتّى ضَعُف عن القتال، وقد أعياه نزف الدم، فكمن له حكيم بن الطفيل فضربه بالسيف على شماله، فقطعها من الزند، فأخذ يقول:

يَا نَفْسُ لَا تَخْشَيْ مِنَ الكُفَّارِ

وَأَبْشِرِي بِرَحْمَةِ الجَبَّارِ

مَعَ النَّبِيِّ المُصْطَفَى المُخْتَارِ

قَدْ قَطَعُوا بِبَغْيِهِم يَسَارَي

فَأَصْلِهِمْ يَا رَبِّ حَرَّ النَّارِ

عند ذلك وقع السيف من يده، وأخذ القربة بأسنانه، ولم يكن للعبّاس همّ إلّا إيصالها إلى المخيّم حيث الأطفال، فقطعوا عليه طريقه، وأتته السهام كالمطر من كلّ جانب، فأصاب القربةَ سهمٌ فأريق ماؤها فوقف العباس متحيِّرًا كيف يذهب إلى المخيّم بلا قربة، بلا كفّين، جسمه كالقنفذ من كثرة السهام؟! وبينما هو كذلك، جاءه سهم وقع في صدره، وسهم آخر أصاب عينه اليمنى فأطفأها، وجاء إليه رجل من بني تميم فضربه بعمود من حديد على رأسه فخرَّ إلى الأرض صريعًا، ونادى بأعلى صوته: عليك منّي السّلام أبا عبد الله، أدركني يا أخي!

تعنّه امن الخيم للعلگمي احسين

يصيح بصوت يعضيدي وقعت وين

 

343


312

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

بعد ما شوف دربي يا خوه العين

يخويه الكون كله بعيني أظلم

يخويه امنين اجتني هل رميّه

يخويه اسا وقع بيتي عليّه

يخويه اسا عدوي شمت بيّه

وشوفنك يبو فاضل مطبَّر

قال الراوي: فانحنى عليه الحسين (عليه السلام) ليحمله، ففتح العبّاس عينه، فرأى أخاه الحسين (عليه السلام) فقال له: إلى أين تريد يا أخي؟ أخي، لا تحملني، دعني في مكاني هذا! فقال (عليه السلام): ولِمَ؟! قال: إنّي وعدت سكينة بالماء ولم آتها به، فإنّي مستحٍ منها!

(نصّاري)

يخويه حسين خليني بمكاني

يگله ليش يا زهرة زماني

يگله واعدت سكنة تراني

بماي ومستحي منها من اسدر

آجركم الله، وبينما الحسين (عليه السلام) عند أخيه أبي الفضل إذ شهق شهقة وفارقت روحه الدنيا، فصاح الحسين: واأخاه! واعبّاساه!

(فايزي)

ظهري انكسر خويه وانته اللي كسرته

ماني أخوك شلون أخوك اليوم عفته

انته اللتجيب الماي وانته الكافل انته

تخلي العقيلة بلا ولي بين آل أميه

أقول: هذه مصيبة عظيمة على قلب مولانا الإمام الحسين (عليه السلام)، ولكن الأشدّ ألمًا كيف يخبر أخته العقيلة باستشهاد أبي الفضل (عليه السلام)؟ يقول الراوي: لمّا رجع الحسين (عليه السلام) من مصرع أخيه،

 

344


313

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

رجع وهو يكفكف دموعه بكمّه، فتلقته أخته الحوراء زينب (عليها السلام) وقالت: أبا عبد الله، أراك رجعت وحيدًا فريدًا؟ أين ابن والدي؟ أين أخي العبّاس؟! قال: عظم الله لك الأجر بأخيك أبي الفضل، وقيل ما كلّمها بشيء، بل راح إلى خيمة العبّاس، فأسقط عمودها، فارتفعت الأصوات بالنحيب والبكاء!

(لحن الفراق)

يبو فاضل هذي تاليها الوصيّه

يبو فاضل ترضى أختك أجنبيّه

يبو فاضل حرمة واتستر بايديّه

يبو فاضل هذي تاليها الأخوة

يبو فاضل تدري بالشمر اشسوى

يبو فاضل سوطه بمتوني تلوَّى

يبو فاضل ودّي تعطيني الرايه

يبو فاضل أرد أساويها عبايه

يبو فاضل تدري مو احنا سبايا

 

عَبَّاسُ تَسْمَعُ زَيْنَبًا تَدْعُوكَ

مَنْ لِي يَا حِمَايَ إِذَا العِدا نَهَرُونِي

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

345


314

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

الملحقات الشعريّة

الشعر القريض

القصيدة الأولى: لَهَفِي لِصَدْرٍ قَبَّلَتْهُ الأَسْهُمُ

لَهَفِي لِصَدْرٍ قَبَّلَتْهُ الأَسْهُمُ

وَلِأَضْلُعٍ بِشَبَا الأَسِنَّةِ تُلْثَمُ

وَلِمُقْلَةٍ بِالسَّهْمِ أُطْفِئَ نُورُهَا

وَلِمُقْلَةٍ أُخْرَى أَضَرَّ بِهَا الدَّمُ

وِلِمُهْجَةٍ حَرَّى أَبَتْ إِلَّا الظَّمَا

فَالمَاءُ قَبْلَ فَمِ الحُسَيْنِ مُحَرَّمُ

لَهْفِي عَلَى حَامِي الظَّعِينَةِ إِذْ هَوَى

عَنْ مُهْرِهِ وَهُنَا المُصَابُ الأَعْظَمُ

سَقَطَ اللِّوَا قَمَرُ العَشِيرَةِ قَدْ هَوَى

قُضِيَ القَضَا وَقَضَاءُ رَبِّكَ مُبْرَمُ

وَأَتَى لِمَصْرَعِهِ الحُسَيْنُ مُنَادِيًا

ضِعْنَا وَضَاعَ بِكَ الحِمَى يَا ضَيْغَمُ

أَلْفَاهُ مَقْطُوعَ اليَدَيْنِ وَرَأْسُهُ

فَوْقَ الصَّعِيدِ يَسِيلُ مِنْهُ العَنْدَمُ

فَبَكَى وَنَادَى وَالجِرَاحُ كَثِيرَةٌ

يَا نُورَ عَيْنِي أَيُّ جُرْحٍ آلَمُ

إِنِي أَضُمُّكَ يَا أَخِي وَتَضُمُّنِي

أَوَ ظَلَّ عِنْدَكَ أَذْرُعٌ أَوْ مِعْصَمُ

عَبَّاسُ قُلْ لِي كَيْفَ صَافَحْتَ الثَّرَى

وَيَدَاكَ قَطَّعَهَا الحُسَامُ المِخْذَمُ

 

346


315

الليلة الخامسة: مسلم بن عقيل (عليه السلام)

أَعَلَى جَبِينِكَ وَالجَبِينُ مُحَطَّمٌ

وَالرَّاسُ مِنْ عَمَدِ الحَدِيدِ مُهَشَّمُ

أَمْ وَجْهُكَ المَيْمُونُ قَدْ لَطَمَ الثَّرَى

فَانْصَاعَ وَجْهُ الأَرْضِ خَدَّكَ يَلْطِمُ

أَمْ صَدْرُكَ الزَّاكِي هَوَى مُتَعَفِّرًا

فَغَدَتْ ضُلُوعُكَ عِنْدَهَا تَتَحَطَّمُ

أَمُجَدِّلَ الأَبْطَالِ كَيْفَ تَرَكْتَنِي

وَحْدِي وَجَيْشُ الظَّالِمِينَ عَرَمْرَمُ

آلآنَ قَلَّتْ حِيلَتِي وَبِيَ العِدَا

شَمَتُوا وَظَهْرِي فِي مُصَابِكَ يُقْصَمُ

القصيدة الثانية: أَبَا الفْضَلِ باِسْمِكَ جَلَّ الإِخَاءُ

أَبَا الفْضَلِ باِسْمِكَ جَلَّ الإِخَاءُ

وَهَلْهَلَ قِيثَارُهُ المُبْدِعُ

فَمَوْقِفُكَ الْفَذُّ يَوْمَ الطُّفُوفِ

بهِ كُلُّ مَكْرُمَةٍ تَسْجَعُ

غَدَاةَ اسْتَفَزَّتْ بِكَ الْحَادِثَاتُ

فَرُحْتَ لَهَا ظَمِئًا تَطْلَعُ

وَهَزَّ لِوَاكَ أَنِينُ الصِّبَى

يُصَعِّدُهُ عَطَشٌ مُوجِعُ

فَخُضْتَ الفُرَاتَ وَجَيْشُ الطُّغَاةِ

بِهِ غَصَّ شَاطِئُهُ المُمْرَعُ

وَرَاحَتْ تَلُوذُ وَرَاءَ النَّخِيلِ

سُيُوفٌ بِهَا تَرْجُفُ الأَذرُعُ

لِتَقْطَعَ مِنْكَ الْيَمِينَ الَّتي

لَهَا السَّيفُ مِنْ كَفِّهَا أَطْوَعُ

وَتَبْتَزَّ مِنْكَ الشِّمَالَ الَّتِي

لَهَا كُلُّ ذِي حَاجَةٍ يَبْرَعُ

وَيَخْسِفَ بَدْرَ بِنِي هَاشِمٍ

عَمُودٌ بِمَصْرَعِهِ يَصْدَعُ

فَتَهْوِي وَتَنْدُبُ أَدْرِكْ أَخَاكَ

فَيَهْرَعُكَ الَّليْثُ إِذْ يَهْرَعُ

 

347

 


316

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

القصيدة الثالثة: واضَيْعتي بَعْدَ سَهْمِ العينِ يَا عضُدي

واضَيْعتي بَعْدَ سَهْمِ العينِ يَا عضُدي

يَا واحِدَ الجيشِ يَا ذُخري ومُعتَمدي

إِنْ شابَ رأسي فلا ما عُدتَ تعرِفُني

واحدَودَبَ الظَّهْرُ مِنْ رُزئي ومِنْ كمَدي

أنا أخوكَ حُسينٌ بنُ فاطِمةٍ

فارقتَنِي كفراقِ الرُّوحِ للجسَدِ

الآنَ شِمْرٌ دعا دُورُوا بِعَسْكَرِ

يدري بِقَتْلِكَ آلَ الشَّمْلُ للْبدَدِ

والآنَ نادى بِهِمْ قوموا لِنذْبَحَهُ

يدري بِأنَّكَ يَا بنَ المُرتضى مددي

قُمْ يَا أبَا الفضلِ وانظُر للحسينِ غدا

بِلا أبي الفضلِ فردًا دونَما سنَدِ

ما بَيْنَ نارينِ أَنْ أمضي وأنتَ هُنا

تبقى تبضِّعُكَ الأعدا إلى قِدَدِ

أوْ أَنْ أظلَّ إذَنْ تُسْلب عقيلتُنا

وهْيَ الوحيدَةُ في جيشٍ بلا عددِ

عبّاس إِنْ سألتْ ماذا أجاوبُها

أهَلْ أقولُ مضى العبّاس لِلْأبدِ؟

وهل أقولُ بِأنَّ العينَ أطْفَأَها

مُثَلَّثٌ نَفْسُهُ تُرمى بِهِ كَبِدي؟

وأنَّهُمْ قَطَعوا منهُ اليدينِ لذا ال

جمّالُ يقطعُ يَا بِنتَ الكِرامِ يَدي؟

بينا الحسينُ لدى العبّاس يندبهُ

إِذْ فاطمٌ أقبلتْ تدعوه واولدي

أليومَ يُلطَمُ مِثلي خدُّ زينَبِكُمْ

واليومَ تُسْحَبُ بِالأغلالِ والصُفُدِ

وأنتَ فَوقَ القنا يَا ليتَ تنظُرها

بالسَّوطِ مِنْ بلدٍ تُسبى إلى بلَدِ

إِنْ لوَّحَ الرُّمْحَ شِمْرٌ كَيْ يُعذِّبَها

تسقطْ على الأرضِ مفضوخًا مِنَ العَمَدِ

لا غروَ إِنْ يبكِكَ المظلومُ مُنتحِبًا

فما بكى أسدٌ إلّا على أسدِ

 

348

 


317

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

القصيدة الرابعة: حامِي الظّعِينةِ منْ فادى بِمُهْجتِهِ

حامِي الظّعِينةِ منْ فادى بِمُهْجتِهِ

دُون ابنِ بِنْتِ رسولِ اللهِ والحرمِ

آلى على نفْسِهِ مُذْ صال مُرْتجِلا

نفْسِي الوِقاءُ لِنفْسِ المُفْردِ العلمِ

أنْ لا يُجِرِّد فِي الهيْجاءِ صارِمهُ

إلّا ويُغْمِدُهُ مِنْ غُرِّ كُلِّ كمِيِ

ومُذْ أحس بِبرْدِ الماءِ وهُو على

ما فِيهِ مِنْ ظمأٍ فِي القلْبِ مُحْتكِمِ

بكى وقال لِتروى غلّتِي وأخِي

اللهُ أكْبرُ مِنْ ماءِ الفُراتِ ظمِي

فآب يحْمِلُهُ عزْمًا بِهِمّتِهِ

ليْثُ العريِنةِ لِلأطْفالِ والحرمِ

لكِنّما القدْرُ المحْتومُ عاجلهُ

دُون الوُصولِ وفِي سهْمِ المنونِ رُمِي

نادى أخاهُ ألا أدْرِكْنِي فقدْ بلغتْ

مِنِّي أُميّةُ ما رامتْهُ مِنْ قِدمِ

عبّاسُ أنْت عِمادِي أنْت مُسْتندِي

وأنْت جامِعُ شمْلِي أنْت مُعْتصمِي

اليوْم خلّفْت عيْن الدِّينِ ساهِرةً

اليوْم نامتْ عُيُونٌ فِيك لمْ تنمِ

اليوْم فِي قتْلِك الأعداءُ قدْ شمتتْ

اليوْم خلّفْتنِي فرْدًا لِغيْرِ حمِي

إنّ الرزايا وإِنْ جلّتْ فرِزْؤُك قدْ

أحنى ضُلوعِي وأجْرى أعْيُنِي بِدمِ

القصيدة الخامسة: حمل الأثيرُ صدى نِداك هدِيلا

حمل الأثيرُ صدى نِداك هدِيلا

جُرِح النسيمُ فبات مِنهُ علِيلًا

هُو صوتُ ذِكرى بسمةٍ مجرُوحةٍ

نزفت دمًا فوق الثرى مطلُولا

مشحونةٌ بِالحُزنِ في طيّاتِها

ألمٌ حوى همس النِداءِ ضئِيلا

 

349


318

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

صوتٌ مِن العبّاسِ يصرُخُ ها أنا

أمسيتُ قبلك يا حُسينُ قتيلا

قطعوا يمينِي يا أخِي، ومُهجتِي

لم تُرو مِن ماءِ الفُراتِ غلِيلا

أمّا يسارِي فهِي تِلك على الثرى

قُطِعت وأصبح عزمُها مشلُولا

فأتى لِنجدتِهِ ولكِن بعدما

غدرُ الضلالةِ أطفأ القِندِيلا

ورآهُ مقطوع اليدينِ

كأنّما نسج النجِيعُ لِرأسِهِ إكلِيلا

فرمى عليه بِنفسِهِ مُتهالِكًا

حُزنا وأشبع ثغرهُ تقبِيلا

ناجاهُ يا بن أبي ونور محاجِرِي

بِسِواك لا أجِدُ الجمال جمِيلا

الآن يا عبّاسُ قلّت حِيلتي

والظهرُ أصبح عاجِزًا مشلُولا

عبّاسُ والهفي عليك وقد رأت

عيناي حامِل رايتِي مقتُولا

قتلوك يابن أبي كأّنّ بِغدرِهِم

قتلوا النبِيّ ومزّقُوا التنزِيلا

القصيدة السادسة: أنّى ويَومُ الطفِّ أّضرَمَ في الحَشَا

أنّى ويَومُ الطفِّ أّضرَمَ في الحَشَا

جذواتِ وَجْدٍ مِن لَظَى سِجِّينِ‏

يومٌ أبو الفَضلِ استَفَزَّت بَأسَه

فتياتُ فاطمَ من بَنِي يَاسينِ

في خَيرِ أنصارٍ بَراهُم ربُّهُم

للدّينِ أَوَّلَ عالَمِ التَكوِينِ

حتى إذا قَطَعُوا عَليهِ طَريِقَهُ

بِسَدَادِ جَيشٍ بَارِزٍ وَكَمينِ

وَدَعَتهُ أسرَارُ القَضَا لِشَهادَةٍ

رَسَمَت لهُ في لَوحِها المَكنُونِ

 

350

 


319

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

حَسَمُوا يَديْهِ وَهامَهُ ضَرَبوا في

عَمَدِ الحَديدِ فَخَرَّ خَيَرَ طَعِينِ

وَمَشَى إليهِ السِبطُ يَنعَاهُ كَسَرْتَ

الآنَ ظَهرِي يَا أَخِي وَمُعِينِي

عباسُ كَبْشُ كَتيبَتِي وكنَانَتي

وسَرِيُّ قَومِي بَل أعَزُّ حُصُونِي

يا سَاعِدِي في كُلِّ مُعتَركٍ بهِ

أسْطُو وَسَيفُ حِمَايَتِي بِيَمِينِي

لِمَن الِلوا أُعطِي وَمَنْ هوَ جَامِعٌ

شَملِي وفي ضَنَكِ الزِحَامِ يَقيِنِي

أَمُنازِلَ الأقْرَانِ حَامِلَ رايتِي

ورُواقَ أَخبِيَتِي وبَابَ شُؤونِي

عباسُ تَسمَعُ زَينبَا تَدعوُكَ مَن

لِي يا حِمايَ إذا العِدَى نَهرُونِي

أَوَلَسْتَ تَسمَعُ مَا تقولُ سُكَينَةٌ

عَمَّاهُ يومَ الأسْرِ مَن يَحمِينِي

القصيدة السابعة: دعاني فلّبيتُه مذ دعا

دعاني فلبّيتُه مذ دعا

هدىً أودع القلبَ ما أودعا

وما زلت أعصي دواعي الهيام

ولولاكم لم أجب طيِّعا

إذا القلب فيكم جوىً لا يذوب

فقد كذّب القلبُ فيما ادّعا

بكيتُ على ريعكم قاحلًا

فأخصب من أدمعي ممرِعا

فلا النومُ خالطَ لي ناظرًا

ولا اللومُ قد خاضَ لي مسمعا

جزعتُ ولولا الذي قد أصاب

بين الوحي ما كدتُ أن أجزعا

غداةَ أبو الفضلِ لفَّ الصفوف

وفلَّ الظَّبا والقنا شُرّعا

 

351


320

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

فتىً ذكَّر القوم مذّ راعهمْ

أباهُ الفتى البطل الأنزعا

إذا ركع السيفُ في كفِّهِ

هوت هامهم سجّدًا رُكّعا

وآب ولم يُروَ من شربةٍ

وجّرعهُ الموتُ ما جرّعا

فخرَّ إلى ضفةِ العلقميّ

صريعًا فأعظمْ بهِ مصرعا

قطيعَ اليمينِ عفيرَ الجبينِ

تشّقُ النصال لهُ مضجعا

لقد هجعتْ أعينُ الشامتين

وأخرى لفقدك لن تهجعا

أساقي العطاشى لقد كظّها

الظما فاستقتْ بعدك الأدمعا

القصيدة الثامنة: يَا صَاحِبَ العَصْرِ القُلُوبُ تَفَطَّرتْ

يَا صَاحِبَ العَصْرِ القُلُوبُ تَفَطَّرتْ

وَمَدَامعُ السِّبْطِ الحُسَيْنِ تَفَجِّرتْ

لِمُصَابِ حَامِلِ رَايَةِ الحَقِّ الَّذِي

فِيهِ الأُخُوَّةُ والشّجاعةُ فاخرتْ

هُو نجْلُ حيْدرةٍ أبُو الفضْلِ الّذِي

بِحُسامِهِ شرُّ الرُّؤُوسِ تطايرتْ

لمّا مشى نحْو الفُراتِ لِيسْتقِي

لِأخِيْهِ والأحْشاءُ مِنْهُ تسعّرتْ

ملأ السِّقاء وعاد نحْو خِيامِهِ

لكِنّ أعْداهُ عليْهِ تكاثرتْ

قطعُوْا يديْهِ والسِّهامُ تساقطتْ

فِي صدْرِهِ والعيْنُ مِنْهُ أُطْفِئتْ

وأصاب سهْمٌ قِرْبة الماءِ الّتِي

كُلُّ الأمانِي فِي إِصابتِها مضتْ

ضربُوهُ فِي عمدِ الحدِيدِ بِرأْسِهِ

فهوى صرِيعًا والدِّما مِنْهُ جرتْ

نادى سلامًا يا حُسيْنُ فإِنّنِي

ودّعْتُك البارِي ورُوحِي قدْ سمتْ

 

352


321

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

فأتاهُ محْنِيّ الضُّلُوعِ مُنادِيًا

ظهْرِي كسرْت ورايتِي قدْ أُسْقِطتْ

هذِي سكِيْنةُ والنِّساءُ وزيْنبٌ

تبْكِيك حُزْنًا بِافْتِقادِك أُفْجِعتْ

تدْعُوْك يا عبّاسُ أنْت كفِيلُنا

بعْد ارْتِحالِك ذِي الحرائِرُ ضُيِّعتْ

الشعر الشعبيّ

أوّلًا: الأبو ذيّات

1. على قلبي مصابك أبد ماهان

على قلبي مصابك أبد ماهان

عليك عيوني تدري خلص ماهان

أدوّر على الكفوف حداك ماهان

أتاري مقطّعات على الوطيّه

2. الدهر ما يوم فرّحني واليسار

الدهر ما يوم فرحني واليسار

علي لملم محاشيمه واليسار

وقف عبّاس لا يمنه ولا يسار

يصيح آه على سكنه مو لديّه

3. يخوي ابدِما نحرك (يا عبّاس) محنّه

يخوي ابدما نحرك (يا عبّاس) محنّه

يا عبّاس ليش العدا ما بيهم محنّه

عليك حسين ظلّ ظهره محنّه

تشابك آه وهلّ دمعه اعلى خيّه

4. الماي انمنع والظامي شريعه

الماي انمنع والظامي شريعه

واحنه أبناء من سنّ الشريعه

انطفت عينه الملك صدر الشريعه

اكفوفه اعلى النهر طاحن سويّه

 

 

353


322

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

5. عليه الخيل من هجمت وردها

عليه الخيل من هجمت وردها

وجاب الماي أبوفاضل وردها

الشهادة ابحگ تمنّاها وردها

وضحّه ابمهجته لابن الزكيّه

ثانيًا: القصائد والأبيات

1. زينب حايرة وحيرتها أشدّ حيرة

زينب حايرة وحيرتها أشدّ حيرة

فتنخى بغيرتك يخوي أشد غيرة

تنادي أنا أختك گوم يا عبّاس

وإذا ما تگوم تتشمّت يخوي الناس

أنا شگولن عالعمود الصوبك بالراس

وجفن عينك على أختك بعد ما تديرة

بس بشوفتك تتونس النسوان

وترتاح اليتامى وترتوي الرضعان

كم عطشان كبده وياك كم عطشان

وخوك حسين يصعب علي تصويره

يشوف أيتام بس تتنطرك يا حيد

وگطرة ماي من ايدك يخوي تريد

وأنت تأخرت والنهر موش بعيد

وگام يلوح أخوك وحيرته كبيرة

2. حرام العيش من بعدك يبو فاضل حرام العيش

حرام العيش من بعدك يبو فاضل حرام العيش

ياخوي ومن تظل هنا اردن للمخيم ليش

شگل للحرم لو گالن لينا رجعت وحدك ليش

گلن اشعوّگ العبّاس وترجع وحدك خلاك

اليوم الگدر يا عباس فرّگ بينك وبيني

وبگيت أتمنى سهم الصاب عينك صابني بعيني

 

354


323

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

وسيف اللي گطع عيناك گطع من گبلك يميني

وعمود الصاب راسك ريت آذاني ولا أذاك

3. يبو فاضل تدري بالطفل المدلّل

يبو فاضل تدري بالطفل المدلّل

يبو فاضل على الماي اشگد توسّل

يبوفاضل تحيرني شلون تگبل

يبو فاضل اليتامى كلها تسأل

يبو فاضل عمّه شو عمنا تعطّل

يبو فاضل لو أجيك اشلون أندل

لا تجيني زينب يگتلك ونيني

لا تجيني مگطّعة يساري ويميني

لا تجيني والسهم نابت بعيني

يبو فاضل احترگت الخيمة وعباتي

يبو فاضل حايره انا وخواتي

يبو فاضل يالأخو ضاعت حياتي

رد عليّا ياللي ظل فوگ الشريعة

رد عليّا ياللي كفّينه گطيعة

رد عليّا يالأخو أنا الوديعة

يگولوا صبري والصبر من وين اجيبه

يگولوا صبري اشحاله الفارگ حبيبه

يگولوا صبري المدلّله صارت غريبه

4. الگلب لتلومه لو ذاب بحنينه

الگلب لتلومه لو ذاب بحنينه آه آه

تراهو يندب بو الفضل حامي الضعينه

يويلي ومن گطعوا يساره ويمينه آه آه

شحال گلب السبط من يسمع ونينه

 

355


324

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

انحنه ظهره عالعضيد وزاد العتاب آه آه

وزينب تشوفه بياوضع نايم عالتراب

ظلّت تصيح بصوت مااعظم هالمصاب آه آه

لا طال بعدك هالعمر يااغلى الاحباب

5. يخويه العذر شنهو منروح الخيمة اسكينه

يخويه العذر شنهو منروح الخيمة اسكينه

تجاوبني يبويه حسين ها عمّي البطل وينه

أگلها على النهر نايم وصابو بالسهم عينه

عساني وياك أموت ولا أرد وبگتلك أعلمها

خويه ولو إجت زينب ونادتني أخوي حسين

أشوفك وحدك خويه ها كافل خدري وين

أگلها على النهر نايم وراسه من العمد نصّين

عساني وياك أروح ولا أرد وبگتلك أعلمها

يا زينب ذاب گلبي لا تنشدين

ولا تسأليني حامل الراية وگع وين

حمّاي خدرك صابه سهم الگوم بالعين

ومن عگب عينه ضاعت النسوة والايتام

6. دخليني يخويه احسين أشوفه

دخليني يخويه احسين أشوفه

صدگ عالمشرعه طاحت اكفوفه

أريد أگصد وأطر عسكر الكوفه

وأگله الحگ علينه يا مشگر

7. حط ايده على خاصرته وتلوّه

حط ايده على خاصرته وتلوّه

يعبّاس ظهري انكسر توّه

ياعبّاس يا طيب الخوّه

8. يخويه العلم گلي وين اودّيه

يخويه العلم گلي وين اودّيه

ينور العين دربي بيش اگديه

حِنه فوگه او شمّه او شبك ايديه

اوصاح احسين اخوي والله أكبر

 

356


325

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

يخويه انكسر ظهري ولا اگدر اگوم

صرت مركز يخويه لكل الهموم

يخويه استوحدوني عگبك الگوم

اولا واحد عليه بعد ينغر

9. عادة اليوگع موزع بالسيوف

عادة اليوگع موزع بالسيوف

كفوفه تتلقى الثرى بيوم الطفوف

لكن العبّاس مگطوع الكفوف

10. اجاه السهم للقربه وبراها

اجاه السهم للقربه وبراها

وگام يبكي وسكنه ما نساها

مواعدها على المي وحشاها

11. هذا الماي يجري بطون حيات

هذا الماي يجري بطون حيات

واذوگه گبل خويه احسين هيهات

واظن طفله يويلي من العطش مات

واظن موتي گرب والموت گدر

12. يا عبّاس حسّ حسين يمك

يعبّاس حسّ حسين يمّك

يبكي وخلط دمعه بدمّك

حاير يبو فاضل بلمّك

وسكنة تسكت الطفل بسمك

ساعة ويجيب الماي عمّك

13. يخويه ضاع صبري ابهل المصيبه

يخويه ضاع صبري ابهل المصيبه

يخويه الصبر گلي امنين أجيبه

يخويه امصايبك كلها عجيبه

العلم والجود والهامة واليدين

 

357


326

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

اشوف العلم معرض فوگ صدرك

وشوف الراس دمه صبغ نحرك

وشوف الجود متعلگ بگطرك

وشوف ازنود الك من غير كفين

يخويه العلم بعدك من يشيله

يخويه اوضيم زينب من يزيله

يخويه ضلت سكينه ذليله

وهي الدربك شابحة العين

14. حنّه امصابك اضلوعي اوهلّت العين

حنّه امصابك اضلوعي اوهلّت العين

لعد فگدك يخوّاض الميادين

يخويه ابطيحتك فرحت الصوبين

واخوك انهدم يا عبّاس حيله

يخويه انكسر ظهري ابطيحتك هاي

اوعليه اتحاشمت من عگبك اعداي

بعد منهو اليردها ايگوم ويّاي

اومنهو البظعن يبره العيله

15. خويه انت حامي الظعن وانت حامل الراية

خويه انت حامي الظعن وانت حامل الراية

بيوم الغاضريّة وبيك الكفاية

خويه وزينب من يردها لذيك الولاية

وضعن الحرم لو ويّ الغرب غرّب

16. ويلي تلگته تبكي سكينه

ويلي تلگته تبكي سكينه

تگله عمي العبّاس وينه

شرب ماي نسانه وما نسينه

العطش وگلوبنا تلهب امن الحر

17. اشحال گلب احسين من حين الوگع

اشحال گلب احسين من حين الوگع

گعد عنده وشافه مگطوع الكفوف

اكفوف مگطوعات والراس انفطر

سال دمع احسين يشبه للمطر

صاح يا خوية الظهر مني انكسر

يا بدرنه اشلون غطّاك الكسوف

 

 

358


327

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

18. گلّه خوي بوفاضل گلّي وين الكفوف

يگله يخويه گلي وين الكفوف

يگله يخويه اتگطعت ما بين الصفوف

دمي على عيني جمد يحسين ما شوف

نشف ادمومي يا بگيّة آل هاشم

گله يخويه لغسل بدمعي دمومك

تمنّيت كان لهالحريم الله يدومك

لكن يخويه بالأرض يومي ويومك

وتضيع عگبي وعگب عينك هالفواطم

19. يعبّاس أخوك حسين ينخاك

يعبّاس أخوك حسين ينخاك

وللعلگمي اعضيدك تعنّاك

عندك وگف ينحب وناداك

يخويه انكسر ظهري اعلى فرگاك

20. هوه اعليه وناده بهلال السعد

هوه اعليه وناده بهلال السعد

بيمن اتنخّه يبو فاضل بعد

انت نور خيامنه وانت العمد

وبعد عينك من يحامي العايله

21. شلون الماي أشربه قبل الحسين

شلون الماي أشربه گبل الحسين

وكبده من العطش مگسوم نصفين

وبعد طفله وسكنه والنساوين

بالخيمة ولعد جودي ينظرون

كل الماي ذبّه ونفض كفّه

وجذب ونّه وناده ألف وسفه

اشلون الماي أمد كفّي واغرفه

وانه ساگي العطاشا الناس يدرون

22. نادت يا الحرم گومن مشنَّه

نادت يا الحرم گومن مشنَّه

لعند لي تكفّلنا من اهلنا

نريده يگوم ويردنا لوطنّا

ما هو لي جابنا وبينا تكفّل

 

 

359


328

الليلة السابعة: العبّاس بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)

23. صاح احسين خويه يا عبّاس

صاح احسين خويه يا عبّاس

يا نور العين يا تاجي على الراس

يا خويه أنت الدرع والسيف والطاس

اشلون تروح وآنه ابگى امحيّر

 

 

360


329

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)
المجلس الأوّل

القصيدة

حُكْمُ المَنِيَّةِ فِي البَريَّةِ جَارِ

مَا هَذِهِ الدُّنْيَا بِدَارِ قَرَارِ

طُبِعَتْ عَلَى كَدَرٍ وَأَنتَ تُرِيْدُهَا

صَفْوًا مِنَ الأَقْذَاءِ وَالأَكْدَارِ

فَالعَيْشُ نَوْمٌ وَالمَنِيَّةُ يَقْظَةٌ

وَالمَرْءُ بَيْنَهُما خَيَالٌ سَارِ

فَاقْضُوْا مَآرِبَكُمْ عُجَالًا إنَّمَا

أَعْمَارُكُمْ سَفَرٌ مِنَ الْأَسْفَارِ

لَيْسَ الزَّمانُ وَإنْ حَرَصْتَ مُسَالِمًا

خُلْقُ الزَّمَانِ عَدَاوَةُ الأَحْرَارِ

لَا تَأمَنِ الأَيَّامَ يَوْمًا بَعْدَمَا

غَدَرَتْ بِعِتْرَةِ أَحْمَدَ المُخْتَارِ

فَجَعَتْ حُسَيْنًا بِابْنِهِ مَنْ أَشْبَهَ الْ

مُخْتَارَ فِي خُلُقٍ وَفِيْ أَطْوَارِ

لَمَّا رَآهُ مُقَطَّعَ الأَوْصَالِ مُلْ

قىً فِي الثَّرَىْ يَذْرِيْ عَلَيْهِ الذَّارِي

نَادَاهُ وَالأَحْشَاءُ تَلهَبُ وَالمَحَا

جِرُ تَسْتَهِلُّ بِدَمعِهَا المِدْرَارِ

يَا كَوْكَبًا مَا كَانَ أَقْصَرَ عُمْرَهُ

وَكَذَا تَكُوْنُ كَوَاكِبُ الأَسْحَارِ

عَجِّلَ الخُسُوْفُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَوَانِهِ

فَمَحَاهُ قبْلَ مَظَنَّةِ الإبْدَارِ

جَاوَرْتُ أَعْدَائِيْ وَجَاوَرَ رَبَّهُ

شَتَّانَ بيْنَ جِوارِهِ وَجِوارِي

 

362


330

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

(شعبي)

تَعَنَّىَ احْسينْ لَوْليْدَه

لگاهّ امْگَطَّعْ امْوَذَّرْ

صاحْ ابْصوتْ آيَبْني

يَنُور العينْ يَاَلأَكْبَرْ

يَوْليديْ لَوَنْ بِيْدِيْ

اَفْدِيْلَكْ گَلبيْ الْ امْفَطَّرْ

وَاَشِمْ نَحْرَكْ يَبَعْدِ الرُّوحْ

وَاَبُوْسَنْ خَدِّ الْ امْعَفَّرْ

شالْ ابْنَهْ علي امْنِ الگاعْ

شالَهْ وِالظَّهَرْ مَحْنيْ

اوْنادَىَ يا بَنيْ هاشِمْ

مُصابْ ابْنيْ عَلِيْ فَتْنِيْ

رَدْ شايِلْ اوْليْدَهْ اوْصاحْ

آيَبْنيْ الرِحِتْ مِنِّيْ

جابَهْ اوْمَدِّدَه اوْوَيّاه

تِمَدَّدْ وِالأَسَىَ يِسْعَرْ

(أبو ذيّة)

ركن عزمي تهاوى وطاح ونهار

وعليك الدمع يجري اسيول ونهار

على امصابك انوحن ليل ونهار

وأظل انحب لما تدنى المنيّه

المصيبة

قدّم الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء كلّ ما يملك، وهو يردّد: أرضيت يا ربّ؟! خذ حتّى ترضى... فَقَدَ أصحابه الواحد تلو الأخر، وتراه يردّد آيات التسليم والرضا بقضاء الله وقدره... وهذا الموقف تكرّر منه عندما تقدّم من أهل بيته ذلك الشاب البارّ الذي يمثّل نموذجًا وقدوة للشاب المؤمن الشجاع، ليكون أوّل هاشميّ يبادر مستأذنًا للقتال يوم عاشوراء.

 

363


331

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

لذلك، حين برز عليّ الأكبر إلى الميدان، رفع الإمام الحسين طرفه إلى السماء، وقال: اللهمّ، اشهد على هؤلاء القوم، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقًا وخُلقًا ومنطقًا برسولك محمّد (صلى الله عليه وآله)، وكنّا إذا اشتقنا إليه نظرنا إلى وجه هذا الغلام. اللهمّ، فامنعهم بركات الأرض، وفرّقهم تفريقًا، ومزّقهم تمزيقًا، واجعلهم طرائق قددًا، ولا تُرضِ الولاة عنهم أبدًا؛ فإنّهم دعونا لينصرونا، فغدوا علينا يقاتلوننا.

عَلِم عليّ الأكبر من هذه الكلمات أنّ أباه الحسين قد أذن له في القتال، فأتى إليه مودّعًا. نعم، فالحسين يودّع ذلك الجمال النبويّ، فراح يشمّه ويعانقه، وخرجن النسوة، فتعلّقت به عمّاته وأخواته، فعند ذلك كأنّي بالحسين قد تغيّر حاله، وصاح بعياله ونسائه: دعنه، فإنّه مقتول في سبيل الله! ثمّ أخذ بيده وأخرجه من بينهن، ونظر إليه نظرة آيس منه...

(موشّح)

يشمّ حسين خدّ ابنه ويحبّه

ودمعه مثل دمع ابنه يصبّه

ونار اللي بقلب ابنه بقلبه

يخفيها عليه ونوب تظهر

ودّع أباه، ثمّ ركب فرسه واتّجه نحو الميدان، وهو يرتجز ويقول:

أَنَا عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِي

نَحْنُ وَبِيْتُ اللهِ أَوْلَى بِالنَّبِي

تَاللهِ لَا يَحْكُمُ فِينَا ابْنُ الدَّعِي

أَطعنُكُمْ بِالرُّمْحِ حَتَّى يَنْثَني

أَضْرِبُكُمْ بِالسَّيْفِ أَحْمِي عَنْ أَبِي

ضَرْبَ غُلَامٍ هَاشِمِيٍّ عَلَوِي

 

 

364


332

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

فحمل على القوم، وجعل يقاتلهم قتال الأبطال، فقتل منهم عددًا كبيرًا، فلم يخرج إليه أحد إلّا قتله، إلى أن نادى عمر بن سعد: ألا رجل يخرج إليه؟ فبادر إليه بكر بن غانم، والإمام الحسين (عليه السلام) في تلك الساعة واقف بباب الخيمة، تغيّرت ملامح وجه أبي عبد الله، وبدا عليه الدهشة والقلق، هذا وليلى تنظر في وجه الحسين، نادت: سيّدي، هل أصاب ولدي عليًّا شيء؟ قال: لا يا ليلى، ولكن قد برز إليه مَن يُخشى منه عليه، فادعي لولدك، فإنّي قد سمعتُ جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنّ دعاء الأُمّ مُستجاب في حقّ ولدها. فجرّدت رأسها، وهي في الفسطاط، ودعت له إلى الله -عزّ وجلّ-: اللهمّ، بغربة أبي عبدالله، بعطش أبي عبدالله، يا راد يوسف علي يعقوب، ردّ عليّ ولدي!

(لحن أمانة هالوصيّة)

إلهي بحگ وليّك

وابن حيدر عليَّك

ابسلامة رد الاكبر

ابن بضعة نبيك

آه مولاي مولاي مولاي

لفت للخيمة تنحب

اجت وياهه زينب

يناجن ربّ الاكوان

ابگلب جمراته تلهب

آه مولاي مولاي مولاي

 

365


333

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

ابعجل خيمتهه راحت

يإله الكون صاحت

ابعطش لحسين قسمت

ومن الأحزان طاحت

آه يمه يمه يمه

استجاب الباري الهه

رجع ليهه ابنهه

لگاهه اعله الوطيّه

هِدَر دمعه اعله خدهه

آه يمّه يمّه يمّه

نعم، عاد عليّ الأكبر هذه المرّة سالمًا إلى أبيه الحسين، بعدما صرع بكرَ بنَ غانم، ولكن بأيّة حال؟ عاد يقول: أبه، العطش قتلني، وثقل الحديد أجهدني، فهل من سبيل إلى شربة ماء، أتقوّى بها على الأعداء؟!

(نصّاري)

يبويه شربة اميّه الكبدي

اتگوى ورد للميدان وحدي

يبويه انفطر كبدي وحگ جدّي

العطش والشمس والميدان والحر

يگلّه سهله يبويه طلبتك هاي

لكن يعگلي اوماي عيناي

امنين اجيبن شربة الماي

والعطش مثلك يبّس حشاي

 

366

 


334

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

انكسر قلب الإمام الحسين، وهو يسمع تلك الكلمات من ولده، فقال له: واغوثاه يا بني، من أين آتي لك بالماء؟! قاتل قليلًا، فما أسرع ما تلقى جدّك رسول الله، فيسقيك بكأسه الأوفى شربةً لا تظمأ بعدها أبدًا؛ فرجع الأكبر إلى المعركة، وما يزال يقاتلهم بسيفه، وهم يفرّون أمامه، إلى أن جاءه اللّعين مُرّة بن منقذ العبديّ، وهو يقول: عليَّ آثام العرب، إن لم أُثكِل به أباه! وبينما كان الأكبر يطارد كتيبة من القوم، جاءه هذا اللّعين من خلفه ليضربه على رأسه ويفلق هامته، فنادى الأكبر: عليك منّي السّلام يا أبتاه، يا أبا عبد الله!

ثمّ إنّ فرسه ذهب به إلى مخيّم الأعداء -أعظم الله أجوركم- هذا يضربه بسيفه وذاك يطعنه برمحه، حتّى سقط على الأرض، جاءه الإمام الحسين مسرعًا، اضطجع إلى جنبه، وضع خدّه على خدّه، وهو يقول: بني عليّ، على الدينا بعدك العفا! أمّا أنت فقد استرحت من همّ الدنيا وغمّها، وأبقيتَ أباك لهمّها وغمّها!

(عاشوري)

يبويه من عِدَل راسك ورجليك

ومن غمّض عيونك واسبل ايديك

يبويه ريت كل سيف الوصل ليك

صاب گلبي ولعند حشاي سدّر

قالوا: وتبسّم عليٌّ الأكبر في وجه أبيه، ثمّ بكى، فسأله الحسين عن سبب ذلك، فقال: أمّا تبسّمي، فلأنّي رأيت جدّي رسولَ الله، وبيده الكأس الأوفى الذي وعدتني به؛ وأمّا بكائي، فلأنّي رأيتُ جدّتي فاطمة، وهي تنظر تارةً إلى جراحي وأخرى إلى وجهك وتبكي!

 

367


335

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

سگاني جدّي ابكاسه يبويه وهالحضر يمّي

والزهره وعلي الكرّار ويّاه الحسن عمّي

يبويه اوبكوا عد راسي او تحنّوا كلهم بدمّي

اوكاسك من تجي مذخور يحسين اوبذل جهده

التفت إلى فتيانه، وقال لهم: احملوا أخاكم، فحملوه وجاؤوا به إلى الخيمة، واجتمعت النساء ومعهنّ ليلى، وارتفع البكاء منهن، هذا والحسين (عليه السلام) ينظر إلى المشهد الحزين! ساعد الله قلب الأم! خرجت إليه، وقعت عليه، احتضنته، شمّته...

ولسان حالها:

أخاف اعليك حتّى امن الهوا الهاب

ييمّه ويا عزيزي واغلى الاحباب

دليل أمّك ابهذا اليوم ينعاب

ومن ترحل تخلّيني ابرزيّه

شبيه المصطفى ابخلگه وجماله

يرى وجهك مَن اشتاگ لوصاله

يشمعة عمري يالأكبر يهاله

بوجودك ممتلي بيتي عليّه

يأرض الطف يبلواي ونصيبي

بيچ افگد أنه اعيوني وحبيبي

من الأحزان بان اليوم شيبي

اخذتي اعزاز گلبي للمنيّه

(لحن فراق)

والله صعبه

نغسّل بعبره الشباب

والله صعبه

حسره يناموا بالتراب

والله صعبه

للمنيّة نزف الشباب

 

 

368


336

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

(عاشوري)

علي وياك جيت وعيني بعينك آه آه

وتشيل امتاعي يبني بهاي چفينك

اصفگ بيدي هسّه واندبك وينك آه آه

وحشه بنور وجهك اصبحت دنياي

 

فَلْتَذْهَبِ الدُّنْيَا عَلَى الدُّنْيَا العَفَا

مَا بَعْدَ يَوْمِكَ مِنْ زَمَانٍ أرْغَدِ

وَمَحَا الرَّدَىْ يَا قَاتَلَ الله الرَّدَى

مِنْهُ هِلَالَ دُجَىً وَغُرَّةَ فَرْقَدِ

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

369


337

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

المجلس الثاني

القصيدة

أشبيهَ المصطفى يومَ التنادي

للوغى مستبشرٌ والقلبُ صادِ

لكَ منْ عزمِ أبيكَ السبطِ عزمٌ

وعليِّ المرتضى قهرِ الأعادي

ويحارُ السبطُ ما بينَ خيامٍ

نظرةً أوْ ساحِ حربٍ بارتدادِ

وإذا خلفَ غبارِ الحربِ صوتٌ

والدي، منّي سلامٌ إذْ ينادي

يقعُ الصوتُ بسمعِ السبطِ توًّا

يسرعُ السيرَ حثيثًا بجهادِ

فيرى الأكبرَ في الساحِ صريعًا

وعلى الرمضاءِ ملقًى لجيادِ

قطعَتْ منه سيوفُ الغدرِ هامًا

وجرى الدمُ على سهلٍ ووادِ

يُجْهِدُ القولَ أبي ذا جدّي

قدْ سقاني الكأسَ صفوًا بِودادِ

أحبيبي وعلى الدنيا العفا يا

ولدي بعدَ غيابٍ وافتقادِ

أأخيّه زينبٌ راحَ عليْ يا

ضيعتي بعدُ وطولًا لسهادي

ولدي أقفلْتَ دونَ العمرِ بابًا

وجعلْتَ الدمعَ طعمًا لوسادي

ولدي منْ لهفةِ القلبِ سلامٌ

لكَ ما خطَّ يراعٌ بمدادِ

 

 

370


338

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

(شعبي)

بعد يا عمِّتَه تدري ما عندي ولد غيره

واحد وانفگد منّي وضلّت خاليه دوره

هم هذا ويولومنّي والله حيرتي حيره

 

عساني الكربلا لا جيت

ولا بيها انبنالي بيت

يا ناس راح ابني علي وضلّيت

(لحن الفراق)

آه يالاكبر

يا بدر سعدي اللي غاب

آه يالاكبر

الله يا فگد الشباب

آه يالاكبر

واحمل بعمري العذاب

(أبو ذيّة)

الاكبر برز للميدان وحماه

وقلب ليلى سجر تنّور وحماه

يا من راد يوسف اليعقوب وحماه

تردّ ابني علي سالم عليّه

تصف بعض الزيارات عليًّا الأكبر أنّه كان من الفرحين بلقاء الله -تعالى-، وهذا يدلّ على عظم المستوى التربويّ، وذلك الاستعداد والوعي العميق الذي جاء نتيجة لتلك التربية والتواصل والأخذ من ذلك الأب العظيم، سبط رسول الله، الإمام المعصوم، وتلك الأسرة، بيت الوحي ومهبط الرسالة وموضع التنزيل. وقد تجسّدت تلك التربية الإيمانيّة الراقية لعليٍّ الأكبر في الطريق إلى كربلاء، حيث

 

371


339

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

خفق رأس الحسين (عليه السلام) خفقة، ثمّ انتبه، فأقبل يقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون والحمد لله ربِّ العالمين؛ فأقبل إليه عليّ الأكبر، وهو على فرس، فقال له: يا أبتِ، جُعِلت فداك! مِمَّ استرجعت؟ وعلامَ حمدت الله؟ فقال الإمام الحسين (عليه السلام): يا بني، إنّه عرض لي فارس على فرس، وهو يقول: القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم، فعلمت أنّها أنفسُنا نُعِيَت إلينا! فقال: يا أبتاه، لا أراك الله سوءًا أبدًا! ألسنا على الحقّ؟ قال: بلى، والذي يرجع إليه العباد؛ فقال: يا أبتِ، فإذًا لا نبالي؛ فقال الإمام (عليه السلام): جزاك الله خير ما جزى ولدًا عن والده!

ورثَ الصفاتِ الغرِّ وَهْيَ تراثُهُ

عنْ كلِّ غطريفٍ وشهمٍ أصيدِ

في بأسِ حمزةَ في شجاعةِ حيدرٍ

بِإبا حسينٍ وفي مهابةِ أحمدِ

المصيبة

لقد ترجم الأكبر مقولته هذه يوم عاشوراء، فعندما رأى أنّ أنصار أبيه قد استشهدوا أجمعهم، كان أوّل من بادر من أهل بيت الحسين (عليه السلام) للاستئذان في النزول إلى الميدان!

سيّدي أبا عبد الله، ساعد الله قلبك! وأعظم الله أجرك!

لم يتمالك الحسين (عليه السلام) نفسه دون أن نظر إليه نظر آيسٍ منه، وأرخى عينيه بالدموع، وضمّه إلى صدره وجعل يودّعه!

يگله والدمع بالعين دفّاگ

ابعبرة امكسّرة وبگلب خفّاگ

يبويه وداعة الله هذا الفراگ

يبويه اشبيدنّه هذا المگدّر

 

372


340

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

رفع الإمام الحسين (عليه السلام) شيبتَه الكريمة نحو السماء، وقال: اللهمّ اشهد على هؤلاء القوم، فلقد برز إليهم غلامٌ أشبه الناس خَلْقًا وخُلُقًا ومنطقًا برسولك محمّد (صلى الله عليه وآله)، وكنّا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه... ثمّ صاح الحسين (عليه السلام) بعمر بن سعد: مالك يابن سعد؟ قطع الله رحمك! ولا بارك لك في أمرك! وسلّط عليك من يذبحك على فراشك! كما قطعت رحمي، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله).

ثمّ إنّ عليًّا ودّع أمّه وعمّاته وأخواته، ونزل إلى الميدان، وهو يرتجز ويقول:

أَنَا عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِي

نَحْنُ وَبِيْتُ اللهِ أَوْلَى بِالنَّبِي

تَاللهِ لَا يَحْكُمُ فِينَا ابْنُ الدَّعِي

أَطعنُكُمْ بِالرُّمْحِ حَتَّى يَنْثَني

أَضْرِبُكُمْ بِالسَّيْفِ أَحْمِي عَنْ أَبِي

ضَرْبَ غُلَامٍ هَاشِمِيٍّ عَلَوِي

هذا، وأبو عبد الله واقفٌ على باب الخيمة، يراقب سير المعركة وينظر إلى ولده كيف يتغلّب على خصمه، فيتهلهل وجهه بالنور، ويبدو عليه الفرح والسرور. فجأةً، تغيّرت ملامح وجه الإمام الحسين (عليه السلام)، وبدا عليه القلق والدهشة، فرأته ليلى، قالت: سيّدي، أبا عبد الله، هل أصاب ولدي عليًّا شيء؛ قال: لا، يا ليلى، ولكن برز إليه مَنْ يُخشى منه عليه؛ فاذهبي إلى خيمتك، وادعي لولدك، فإنّي سمعت جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنّ دعاء الوالدة في حقّ ولدها مستجاب. فذهبت ليلى إلى خيمتها، رفعت يديها بالدعاء، توسّلت إلى الله بغربة

 

373


341

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

أبي عبد الله، بعطش أبي عبد الله، قالت: يا راد يوسف على يعقوب، ردَّ عليّ ولدي!

طبّت الخيمتها الغريبة

تبكي وعلى ابنيها مريبه

وتوسّلت لله بحبيبه

وبالحسين واش ما بيه مصيبه

يا راد يوسف من مغيبه

اليعگوب ومسكّن نحيبه

أريدن علي سالم تجيبه

استجاب الله دعاء ليلى، فتغلّب عليٌّ على خصمه، وعاد إلى أبيه وأمّه، لكن بأيّة حال؟! عاد يقول: أبه، العطش قتلني، وثقل الحديد أجهدني، فهل إلى شربة ماء من سبيل؟ فبكى الحسين (عليه السلام) وقال: واغوثاه يا بنيّ ، من أين آتي بالماء؟! قاتل قليلًا فما أسرع ما تلقى جدّك محمّدًا (صلى الله عليه وآله)، فيسقيك بكأسه الأوفى شربةً لا تظمأ بعدها!

يبويه شربة اميّه لكبدي

اتگوه وارد للگوم وحدي

يبويه انفطر كبدي وحگ جدّي

الشمس والعطش والميدان والحر

وقبل أن يعود عليٌّ إلى الميدان، مرّ على خيمة أمّه، وجدها مغشيًّا عليها، جلس عند رأسها، بكى رأفةً بها، فأفاقت ورأته فوق رأسها، قالت: ولدي عليّ! قال: فداكِ ولدكِ يا أمّاه!

(أبو ذيّة)

گلّي ابيا سبب يبني وداعي

تصد عنّي ولا تسمع وداعي

أنا ما طالب بحگي وداعي

گلّي وداعة الله وهاي هيّه

 

374

 


342

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

ودّعها عليٌّ الأكبر، ورجع إلى الميدان، قاتل حتّى ضجّ العسكر من كثرة القتلى، فرآه اللعين مرّة بن منقذ العبدي، وقال: عليَّ آثام العرب إن لم أُثكِل به أباه. وبينما كان الأكبر يكرّ على كتيبة، جاءه هذا اللعين من خلفه، وضربه على رأسه، ثمّ إنّ فرسه ذهبت به إلى مخيّم الأعداء -أعظم الله أجوركم- هذا يضربه بسيفه، وذاك يطعنه برمحه حتّى سقط على الأرض! نادى الأكبر: عليك منّي السّلام يا أبتاه يا أبا عبد الله، هذا جدّي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى شربةً لا أظمأ بعدها أبدًا!

لمّا سمعه الإمام لحسين (عليه السلام)، صاح: واولداه! واعليّاه! وأسرع نحوه، وهو ينادي: ولدي عليّ، ولدي عليّ! وصل إليه، رمى بنفسه عليه، وضع خدّه على خدّه، وهو يقول: قتل الله قومًا قتلوك يا بُنيّ، ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول! على الدنيا بعدك العفا!

(عاشوري)

بوي علي بطّل ونينك آه آه

أدري الأعادي باهظينك

يبني حال الگدر بيني وبينك آه آه

أنا ما ريد عمري بعد عينك

أعظم الله أجوركم! وفاضت روح عليّ الأكبر بين يدي والده الحسين (عليه السلام)، فنادى فرسانَ بني هاشم ليحملوه، فجاؤوا ببساط، وحملوا جسده عليه، وجاؤوا به إلى خيمة الشّهداء. فوصل الخبر إلى النساء، يقول الراوي: وإذا بامرأة تخرج من الخيمة، وهي تنادي:

 

375


343

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

واولداه! وامهجة قلباه! واثمرة فؤاداه! يقول: سألت: من هذه؟ فقيل لي: إنّها عمّته زينب!

(أبو ذيّة)

گعد عنده وصفگ راحن علي راح

شافه والنبل شابك علي راح

صاح بصوت يا زينب علي راح

يبويه اظلمّت الدنيا عليّه

ويظهر من رواية أخرى أنّها أمّه ليلى!

أمّك يا علي يبني

تريد تطالبك برباك

تخلّيها غريبة اشلون

يبني ابّين هاي عداك

أنت تكفّلت بيها

وجبتها من المدينة وياك

ليش تعوفها بهالحال

غريبة ابّين جمع أنذال

إلك بارض الطفوف عيال

غيرك من عگب عيناك

يا هو البعد يحماها

حرّ قلبي لهذه الأمّ الوالهة!

(لحن الفراق)

وينه إبني تصرخ المفجوعة أمّه

وينه إبني گلوا مغسّل بدمّه

وينه إبني أرد اشمّه أرد اضمّه

 

376

 


344

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

رد عليّه لا تخلّي فكري حاير

رد عليّه گبل ما تعمى النواظر

رد عليّه يا علي لا لا تسافر

 

يمّه صبري وين ارد كلّي جروح

يمّه صبري ما بگت في جسمي روح

يمّه صبري والولد عنّك يروح

 

الليالي ابدونك اسهرها

وافكّر بيك يالغالي

واذوب ابغيبتك يبني

ومثل الشمع ضل حالي

امّك ترضى يالاكبر

تضل بالطف بلا والي

يا نور وسكن بالعين

غيابك هدّم الصبري

أيّامك تمر عالبال

واذكرهن ينور العين

من تگعد چنت يمّي

ويناديك ابوك حسين

وجرحك يبني وسط الروح

اصبح مو جرح جرحين

الام ماتريد اتعيش

لو راح الولد تدري

حزنانه ويهل دمعي

وبالخيمه امن اشوفنّك

دامي وعيني تنظرلك

وما اكَدر اعوفنّك

اون ونّة گلب محزون

من اسمع الم ونّك

ورد ازرع جميع الكون

لو ترجع صبح نذري

 

377


345

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

المجلس الثالث

القصيدة

يا زائرًا قبرَ الحسينِ بكربلا

اِخلعْ نِعالَكَ إنْ قصدْتَ المَدْخلا

وأقِمْ صلاةَ الآيِ فوقَ صعيدِها

فبرُزئِها الدينُ الحنيفُ تَزلزلا

لمَّا رآهُمْ سبطُ أحمدَ صُرِّعوا

ناجى الإلَهَ مسبِّحًا ومُحوْقِلا

وبصوتِهِ المَكروبِ نادى هلْ لنَا

مَنْ يَدفعُ الكُرُباتِ عنَّا والبِلا

فإذا به في الُأفْقِ يلمحُ فارسًا

يأتيه مِنْ خِيَم الأكارمِ مُقْبِلا

في صوتِهِ وحيُ الرسالةِ صادِحٌ

وبوجهِهِ وجهُ الرسولِ تَمثَّلا

ردَّ الجوابَ فداكَ يا خيرَ الورَى

عارٌ عليَّ بأنْ أعيشَ وتُقتَلا

تَفديكَ رُوحي أيَّ عيشٍ أَرتضي

إنْ كانَ عنْه سناءُ وجهِكَ آفِلا

فتنهَّدَ السِّبطُ النَّقيُّ مُفوِّضا

لإلهِهِ مُرَّ المُصاب ومُوكِلا

وَلَدِي حبيبي قد رأيتُ بِكَ المُنى

والقَلبُ فيك رأى البهاءَ الأجْمَلا

قد شاءَ أن نُسقَى العذابَ فَيْرتَوي

مِنْ نزفِنا الإسلامُ كي لا يَذْبُلا

فمضَىَ إليهم كالغَضَنْفَرِ مُسرِعًا

يَقْفوه رُعبٌ للقلوبِ مُزلزِلا

 

380


346

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

لكنَّ حرَّ الشمسِ أظمأَ قلبَه

والجَهدَ أتْعَبَهُ فأَمسى مُثقَلا

فشَكَا لوالِدِهِ الأَسَى وظَمَا الحَشَا

فبكَى الحسينُ عليه من فَرْطِ البِّلا

عُدْ للوغى فإذا قُتلْتَ فأحمدٌ

يأتيكَ بالماءِ المَعِينِ فتَنهْلَا

ناداهُ يا أبتاه أَبْشِرْ ها أنا

أُسْقَى وجاورتُ الرسولَ الأكْمَلا

بيمينِهِ طَهَ سَقاهُ فمَنْ تُرى

يَسْقِي يَتامى السِّبطِ إنْ عنهُم سَلا

(شعبي)

گعد عنده وشافه إمغمّض العين

إبدمّه سابح مترّب الخدين‏

متواصل طبر والراس نصّين

حنا ظهره على ابنيّه وتحسّر

 

يبويه من سمع يمّك ونينك

أو من شبحت لعند الموت عينك

للعشرين ما حلّن سنينك

او هاتفني عليك الدهر الأگشر

(أبو ذيّة)

غصِبْ دمعي المُصَابْ اعْلِيك جَر آه

يالأكْبر كِلْ مُوالي اعليك جَر آه

اسير احزانْ وگلْبِي وضِيم جَر آه

لِمْحرَّم حيث بِيه اعظَمْ رِزيّه

المصيبة

ورد عن الإمام الحجّة (عجل الله تعالى فرجه) في زيارة الناحية عند السلام على عليّ بن الحسين (عليهما السلام): السلام عليك يا أوّل قتيلٍ من نسل خير سليل من سلالة إبراهيم الخليل.

 

381


347

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

أوّل الشهداء في كربلاء من شهداء بني هاشم، وأوّل فداء قدّمه الحسين (عليه السلام) في ميدان الشهادة بعد شهادة أصحابه، ولده وقرّة عينه وشبيه جدّه عليّ الأكبر. وإذا كان النبيّ إبراهيم (عليه السلام) قد ابتلاه الله بأن يقدّم ابنه للذبح، ثمّ فداه بكبشٍ عظيم، وقال الله -عزَّ وجلَّ-: ﴿إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ البَلَٰٓؤُاْ المُبِينُ﴾ فما حال الإمام الحسين (عليه السلام)؟ وكيف يكون ابتلاؤه؟ إذ لم يقدّم نفسه فقط، ولم يكن دمه الشريف وحده الذي يُراقَ على ميدان القربان الإلهيّ، بل قدّم أصحابه جميعًا وأولاده وإخوته وأولاد إخوته... الصغير منهم والكبير؛ الصغير يُذبح بين يديه عطشانَ، والكبير يُقتَل مقطّعًا بالسيوف ظامئًا عطشانَ، فأيّ بلاء هذا؟ إنّه البلاء الأعظم والفداء الأكبر الذي فدى الله به دينه عن أنبيائه وأوليائه؛ لذا ليس غريبًا أن يسكن دم الحسين الذي اختلط بدماء أهل بيته وأصحابه في الخلد، وتقشعرّ له أظلّة العرش، ويبكي له جميع الخلائق، كما في زيارة الإمام الصادق (عليه السلام).

نعم، قدّم ولده شهيدًا ورَضي به فداءً قبل أن يستشهد في كربلاء، وأيّ فداء يقاس بفداء الحسين بعليّ الأكبر أشبه النّاس خَلْقًا وخُلُقًا ومنطِقًا برسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذ إنّ أهل المدينة كانوا إذا اشتاقوا إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) نظروا إلى هذا الشاب، وكأنّهم ينظرون إلى رسول الله ويسمعونه، وكان يوصف (عليه السلام) بأنَّه شابٌّ حسنُ الصورة، صبيحُ المنظر على وجه لا نظير له، وشجاعته مشهورة، وكذلك سائر صفات الكمال من الجلالة والعظمة والسخاء وحُسن الأخلاق، وغير ذلك...

 

382

 


348

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

يقول الراوي: لمّا برز عليّ الأكبر واستأذن أباه، أذِن له وألبسه الدرع والسلاح وأركبه على العقاب -من أجياد خيل رسول الله (صلى الله عليه وآله)- فلمّا تجلّى وجه طلعته من أفق العقاب، واستولت يده وقدمه على العنان والركاب، خرجتِ النساء وأحدقن به، فأخذت عمّاته وأخواته بعنانه وركابه ومنعنه من العزيمة، فعند ذلك تغيّر حال الحسين (عليه السلام)! وصاح بنسائه وعياله: دعنه، فإنّه مقتول في سبيل الله! ثمّ أخرجه من بينهنّ، ونظر إليه نظر آيس منه، وأرخى عينيه بالدموع، ثمَّ قالَ: اللهُمَّ اشْهدْ على هؤلاء القوم، فقَدْ برَزَ إليهم غلامٌ أَشبهُ الناسِ خَلقًا وخُلقًا ومَنطِقًا برسولك (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكُنَّا إذا اشتقنا إلى نبيِك نَظَرْنا إليه، ثمّ نادى: يابنَ سعد، قَطَع اللهُ رحِمَك كَما قَطَعْت رحِمي!

(نصّاري)

أَويلي مِنْ تِلاگوا عِنْدِ الاوداع

امشابِك طُول لمَّن هِوى للگاع

الإبن لاعْ لأَبيَّه والأبُو لاَعْ

على اوليدَه يويلي وداعِ الأگشَر

يِگلْه والدمِع بالعين دفَّاگ

ابْعَبْرة امكَسِّرة وبگلُبْ خَفَّاگ

يبويه وداعةَ الله هذا الفْراگ

يبويه اشبيدينه هذا المْگدَّر

ثم ودَّع النساءَ اللواتي تحلَّقْنَ حولَه، وقُلنَ له: ارحمْ غربتنَا، فلا طاقةَ لنا على فراقِك! ومضى إلى حيث لقاءُ الأحبَّة، محمّدٍ وحزبه، صارخًا بالقوم:

 

 

383

 

 


349

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

أَنَا عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِي

نَحْنُ وَبِيْتُ اللهِ أَوْلَى بِالنَّبِي

تَاللهِ لَا يَحْكُمُ فِينَا ابْنُ الدَّعِي

أَطعنُكُمْ بِالرُّمْحِ حَتَّى يَنْثَني

أَضْرِبُكُمْ بِالسَّيْفِ أَحْمِي عَنْ أَبِي

ضَرْبَ غُلَامٍ هَاشِمِيٍّ عَلَوِي

قالوا: فلم يخرج إليه أحدٌ إلّا قتله، إلى أن نادى عمر بن سعد: ألا رجلٌ يخرج إليه؟ فبادر إليه بكر بن غانم، هذا والحسين في تلك الساعة واقفٌ بباب الخيمة، وليلى تنظر في وجه الحسين تراه يتلألأ نورًا وسرورًا بشجاعة ولده الأكبر، فبينما هو كذلك وإذا بوجه الحسين قد تغيّر لونه، فقالت له: سيّدي، أرى لونك قد تغيّر، هل أُصيب ولدي؟ قال لها: لا، يا ليلى، ولكن برز إليه من يُخاف منه عليه. قالت: وما أصنع؟ قال: يا ليلى، ادعي لولدك، فإني سمعتُ جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إنّ دعاء الأمّ مستجابٌ في حقّ ولدها. دخلت ليلى إلى الخيمة، رفعت يديها إلى السماء قائلةً: إلهي، بغربة أبي عبد الله! إلهي، بعطش أبي عبد الله! يا رادّ يوسف إلى يعقوب، أردد لي ولدي عليّ...

استجاب الله دعاء ليلى، ورجع عليٌّ إلى أبيه، ولكن بأيّة حال؟ رجع إليه وهو ينادي: أبه، العطش قد قتلني، وثقل الحديد قد أجهدني، فهل إلى شربة ماءٍ من سبيلٍ أتقوّى بها على الأعداء؟ فصاح الحسين: واولداه؛ وارتفعت الصيحة عند الهاشميّات، كلٌّ تنادي: واعليّاه...

 

384


350

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

(طور الخضيب)

ابنِ الحسين ابكربلا يِسعَر لِهيب احْشاه

راحْ ابلهفِتَه لوالِدَه بقَطْرةْ عَذِب يِنْخَاه

ضَمَّاه ابوه اعلى الصَدُرْ ويگِلَّه واوِيلاه

جدَّكْ يِروّيِك العَذِبْ يابويه مِنْ تِلقَاهْ

آه يالاكْبر آه يالاكبر آه يالاكبر آه

عَمْتَه العقِيله بْهالوگِتْ سالتْ مَدامِعْها

صُوت الحدِيث اللي جِرى صَار ابْمسامِعها

گالتْ لَهْ عمَّه ياعلي امَّك لَتِفْجَعْهَا

لِلوالدة رُوح ابعْجَل ياعمّة وَدِّعْها

آه يالاكبر آه يالاكبر آه يالاكبر آه

قال له الحسين (عليه السلام) بُنيّ، يعزّ -والله- على أبيك أن يراك بهذه الحال. يا بُنيّ، قاتل قليلًا، فما أسرع ما تلقى جدّك محمّدًا، فيسقيك بكأسه الأوفى شربةً لا تظمأ بعدها أبدًا. ولكن بُنيّ، قبل أن تمضي، اذهب إلى أمّك ليلى وودّعها، فإنّ قلبها قد تفطّر. ذهب الأكبر إلى خيمة أمّه، وجدها مغشيًّا عليها. كأنّي به انحنى على أمّه، وضع رأسها في حجره، وصار يناديها: أمّاه، كلّميني، أنا ولدك عليّ! فتحت ليلى عينيها، وصارت تنظر إلى ولدها، ودموعها على خدّيها.

آيَلَكْبَر وگْفِتَك حِرْگتْ فُؤادي

آيلكبر لَنْ تِغيبْ عَنِّي أنادِي

آيلكبر يا گَلُبْ مَصْعَب هالرِزيّه

 

385


351

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

بعد ماذا تُوصيه يا ليلى

آيلكبر اوصِلِ لْجَدَّك سَلامي

آيلكبر گَبِلّ الغالي إمامي

آيلكبر وامسَحِ دموعِ الزِّچيِّه

عاد عليٌّ الأكبر إلى الميدان، وجعل يقاتل قتال الأبطال. يقول حميد بن مسلم: كنت واقفًا وبجانبي مرّة بن منقذ العبديّ، وعليّ بن الحسين يشدّ في القوم يمنةً ويسرةً فيهزمهم، فقال مرّة: عليّ آثام العرب إن مرّ بي هذا الغلام ولم أُثكِل به أباه، فقلت: لا تقل هذا، يكفيك هؤلاء الذين احتوشوه، فقال: والله لأفعلنّ، قال: ومرّ بنا عليٌّ الأكبر، وهو يطرد كتيبةً أمامه، فطعنه برمحه فانقلب على قربوس سرج فرسه، واعتنق الفرس، فحمله الفرس إلى معسكر الأعداء، فاحتوشوه وجعلوا يضربونه بأسيافهم. ولمّا بلغت روحه التراقي، نادى برفيع صوته: أبه، عليك منّي السّلام، هذا جدّي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى شربةً لا أظمأ بعدها أبدًا، وإنّ لك كأسًا مذخورةً حتّى تشربها.

(عاشوري)

خذاه مهره ورماه ابِّيْن ظلّام آه آه

تلگّوه ابطعن بسيوف وسهام

خَلَّوا الجسمِ الشْريف مَخذَّم اخذام آه آه

سِبِطْ حِيدَر علي حَامي الحميّه

لمّا سمعه الإمام الحسين(عليه السلام)، أسرع إلى مصرع ولده وهو ينادي: ولدي عليّ، ولدي عليّ! فلم يسمع جوابه، حتّى وصل إليه وانكبّ عليه، واضعًا خدّه على خدّه، وهو يقول: قتل الله قومًا قتلوك

 

386


352

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

يا بُنيّ، ما أجرأهم على الرحمن، وعلى انتهاك حرمة الرسول! على الدّنيا بعدك العفا!

(لحن إنت أمي إنت بويا)

لسان حال الحسين (عليه السلام) حين وصولِه إلى مكان جسدِ عليّ الأكبر (عليه السلام)

آه يا إبْني اعلِيكْ حُزْني كِسَر ظَهري يا علي

انا والِدْ گَلْبَه فاگِدْ هَمِّي لا ما يِنْجِلي

اليوم الاكبرْ هالشَّباب

اشُوفَه مَرمِي اعلى التِراب

گُوم يا روحي يالاكْبَر انا ابُوك وأرتجِيك

هايْ أولَ مرةَ تُبْقَى ابنومِتَك مِنْ اعْتِنيك

إگْعِدِ وسّمِّعْني صوتَك وخلِّي إيدي في إديك

ياشِبيه المُصطفى إنْتَ شْلون اشُوفك عالتُراب

تْخِلّي ابُوك ابهالعذاب

مِنْ سُكوتَك گلبي ذاب

يَبْني اجْيت ابْسِرعَه عِنْدَك مِنْ شِفِتْ مُهْرك يِصِيحْ

ومِنْ وسَطْ هالجِيش يَبني طِحِتْ مِنْ ظَهْرَه جِريحْ

لَنِّي اوصَلَلْك واشوفَك بينْ عِدْوانك طِريح

گُمْتَ اوِنْ آنَه لمصابَك ويا عُظُم هذا المُصاب

راسِي مِنْ اهوالَه شَابْ

ابني مَرْمِي اعْلى التُراب

 

387


353

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

أرادَ أن يحملَه إلى المخيم، صاح: يا بني هاشم، احملوا أَخاكم عليًّا. وضعوه في الخيمة، جاءت عمّته زينب، وهي تنادي: واعليّاه....

عَلِيْ رَاحْ عَلِيْ رَاحْ

يا زينب گومي سِنْدِيني عَليْ رَاحْ

تَعالِي وعاونيني نِشِدِ الجْراحْ

أَشِيْلَه شْلون لأمَه

أخافْ اتْموتْ يَمّه

عَلِيْ رَاحْ عَلِيْ رَاحْ يا زينب عَلِيْ رَاحْ

جاءتْ أُمُه ليلى، نظرتْ إلى ولدِهِا مرمَّلًا بالدماء!

لسانُ حالِ الوالدةِ الفاقدة (عكراوي)

يُمَّه جَفْنَك

يُمَّه جَفْنَك غمِّضِيّته آنه بْإدَّيه آه آه آه

عزيزي وفرْگِتَك تِصْعَبْ عليَّه

زغير وخِطْفِتَك مِنِّي المِنيَّة آه آه آه

إلكْ رجْعَه إلي لُو هَاي هِيَّه

حِلَتْلكَ نُومِتَك تَحْتِ الوِطيّة آه آه آه

أنا أُمك يبني إِسْمَع نْواحي

أنا گَلْبِي مَجْروح ضَمِّدْ جْراحي

أنا أُمّك يبني

كَلِّمني يبني همَّك تِعبني

نومَك شيَّبني وهَدْليِ جْنَاحي

أنا أُمّك يبني

 

388


354

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

أنا أُم الشّهيد شسَوّيِ بالعيد

بَزْرعِ التَنْهيد لِيلي وصباحي

أنا أُمّك يبني

 

كُنْتَ السوادَ لناظري

فعليكَ يَبْكي الناظرُ

مَنْ شاءَ بعدَك فلْيَمُتْ

فعليكَ كُنْتُ أُحاذِرُ

 

يَا زِينَةَ الشُّبَّانِ عَزَّ عَلَيَّ أَنْ

تُلْقَى وَإنَّكَ بِالدِّمَاءِ خَضِيبُ

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

389


355

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

المجلس الرابع

القصيدة

وَتَقَدَّمَ الشِّبْلُ العَلَيُّ بِكَفِّهِ

مَاضِي القَرارِ الأَبْيَضُ المَشْطُوبُ

مَنْ أَشْبَهَ الهَادِي النَّبِيِّ بِخَلْقِهِ

وَبِهِ الجَمَالُ عَلَى الجَلَالِ مَهِيبُ

وَمَضَى يُقَتِّلُ فِي الأُلُوفِ وَلِلْظَما

مَا بَيْنَ أَحْناءِ الضُّلُوعِ لَهِيبُ

ثُمَّ انْثَنَى لِأَبِيهِ يَشْكُو مِنْ ظَمًا

مُضْنٍ وَمِنْ ثِقْلِ الحَدِيدِ يَلُوبُ

أَبَتَاهُ هَلْ مِنْ شَرْبَةٍ تُرْوِي الحَشَى

لِي عِنْدَ وَالِدِي الشَّفِيقِ نَصِيبُ

أَبُنيُّ وَاغَوْثَاهُ أَيْنَ المَاءَ فَاصْبِرْ

فَالِإلَهُ مُرَاقِبٌ وَحَسِيبُ

قَاتِلْ فَمِنْ قُرْبٍ تُلَاقِي أَحْمَدًا

فِي كَفِّهِ كَأْسُ الرَّوِي مَشْرُوبُ

فَمَضَى عَلِيٌّ لِلْقِتَالِ فَجَاءَهُ

سَهْمٌ سَدِيدٌ لِلفُؤَادِ مُصِيبُ

أَبَتَاهُ هَا جَدِّي سَقَانِي كَفَّهُ

كَأْسًا يَلَذُّ شَرَابُها وَيَطِيبُ

نَادَى الحُسَيْنُ هُنَالِكُمْ فِتْيانَهُ

شِيلُوا أَخَاكُمْ فَاحْمِلُوهُ وأُوبُوا

وَضَعُوهُ قُدَّامَ الخِيَامِ وَزَيْنَبٌ

خَرَجَتْ وَمَدْمَعُها عَلِيهِ صَبِيبُ

يَا زِينَةَ الشُّبَّانِ عَزَّ عَلَيَّ أَنْ

تُلْقَى وَإنَّكَ بِالدِّمَاءِ خَضِيبُ

 

 

390


356

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

شعبي)

زينب اجت تمشي وتعثَّر

وحين الذي صدَّت للأكبر

جسمه بالسيوف غدا موذَّر

وحسين يم راسه يتحسَّر

صاحي يا ضي عيني يالأكبر

عگبك يا ريت العمر يگصر

يا شبيه جدّي النبي الأطهر

ومثله علينا مصاب ما مر

بحسين أبوك بيه أثَّر

ناحل بگى ولونه تغيَّر

ومن كثر ما يا بني تگدّر

ظلّ يعتب على الدهر الاگشر

(أبو ذيّة)

دارت عليه تندب يا علي

مصيبتك زلزلت بالسما عرش ال علي

وناعيك صار جدّك والمرتضى علي

وعالرَّاس ظلِّت تلطم الزهرا الزكيَّه

المصيبة

يقول المؤرّخون: جاء شبيه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، في يوم العاشر من المحرّم، إلى أبيه الحسين (عليه السلام) بعدما قُتِل أصحابه جميعًا، وهو أوّل شابٌّ وأوّل رجل يتقدّم من أهل بيت الحسين (عليه السلام) إلى الشهادة بين يدي الإمام (عليه السلام). يقولون: إنّه إذا تقدَّم أيّ شاب ليأخذ الإذن بالقتال، كان الإمام (عليه السلام) يردّه إلّا عليّ الأكبر فإنّه أذن له مباشرة. ولكن قال له الحسين (عليه السلام): ولدي عليّ إليَّ إليَّ، حتّى أودّعك وتودّعني، وأشمّك وتشمّني. فاعتنقه الحسين (عليه السلام) وبكت النساء

 

391


357

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

بجاه اللي انطبر راسه وطاح بمسجد الكوفة

وبحسين وعطش كبده وبالعبّاس وكفوفه

سلّملي بدر سعدي وخلي يعود باشوفه

ارحم غربتي باموت وارحم غربة الوالي

(أبو ذيّة)

حزن ليلى عليها اشتد وهمها

او گلبها عد علي الأكبر وهمها

تدرون اشعمل بيها وهمها

على ابنيها تغيّر وجه أبيّه

ما هي إلّا دقائق حتّى رجع عليّ إلى الحسين (عليه السلام)، وهو منتصرٌ على بكر بن غانم، وهو يقول: أبه يا حسين، ثقل الحديد أجهدني والعطش قتلني!

أريد گطرة ماي گلبي من العطش ذاب

وغارت اعيوني واظلم الوادي عليّه

غارت عيوني او نزف دمي كثر الجراح

واتفطّرت يا بوي چبدي والعزم راح

خل الدرع عنّي بهظني ثگل لسلاح

حرّ الشمس ذوب افادي يا شفيّه

وقبل أن يعود عليّ الأكبر إلى المعركة، قال له أبوه الحسين (عليه السلام): يا عليّ، أدرك أمّك ليلى في وسط الخيمة تكاد روحها أن تفارق بدنها. فجاء عليّ إلى أمّه، أخذ رأسها وضعه في حجره، وجعل يبكي حتّى فتحت عينيها، قالت: ولدي عليّ! قال لها: فداكِ ولدك يا أمّاه!

گام گبالهه ينگل أجدامه

وهي تعاين لعد نصبة الگامه

يبعد أهلي تگله بالسّلامه

ردّيت روحي بجيتك هاي

ثمّ عاد عليّ الأكبر إلى القتال، يضرب القوم يمينًا وشمالًا حتّى

 

393


358

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

قتل منهم مقتلة عظيمة. قال حميد بن مسلم: كان عليّ بن الحسين يطرد أمامه كتيبة من الفرسان والرجال، وكان مرّة بن منقذ العبديّ إلى جانبي، فقال: لئن مرَّ بي هذا الغلام، والله لأثكلنّ به أمّه وأباه. يقول: فلمّا مرَّ بنا عليّ بن الحسين حمل عليه، وضربه بالسيف على رأسه ففلق هامته، فاعتنق الفرس وسالت الدماء من رأسه الشريف، رحم الله من نادى: واعليا! أي واسيّداه!

ولمّا بلغت روحه التراقي، نادى: عليك منّي سلام الله أبه يا حسين، عليك منّي السّلام أدركني! فجاءه الحسين (عليه السلام) ولكن بأيّة حال؟ قال بعضهم ممّن رأى الحسين (عليه السلام): إنّ الحسين كان يمشي تارة ويجلس تارة أخرى! حتّى وصل إليه، قالوا: فجعل الحسين (عليه السلام) صدره على صدر ولده عليّ، يعني تمدّد إلى جانب ولده في ساحة المعركة، ونادى: ولدي عليّ، على الدنيا بعدك العفا، أمّا أنت فقد استرحت من همّ الدنيا وغمِّها!

گعد يمّه اوبكا او ناداه يبني

عفتوني وحيد اورحتوا عنّي

يبويه امصابكم والله گتلني

او ضرباتك شفت بيها المنيّه

يبويه اشلون گلي داروا اعليك

اظن من الضرب ما ظل نفس بيك

وحاكيني يروحي ماني أحاكيك

وحگ جدّك امصاب البيك بيّه

كان إلى جانب الإمام مجموعة من بني هاشم، أمرهم أن يحملوه إلى المخيّم، فحملوه والحسين (عليه السلام) يمشي خلف ولده وهو واضع يده على خاصرته، وينادي: واولداه! واعليّاه! حتّى وصل إلى المخيّم،

 

394


359

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

اجتمعت النساء حول جسده الطاهر، أقبلت ليلى تهرول إلى ولدها، وهي تصرخ: واولداه! واعليّاه!

إجت شايطة وحضنت ولدها

ما تنلام الولد گطعة من كبدها

 

يبني أنا ردتك ترد وحشة الغياب

وردتك تهيل عليَّ التراب

والله ذاب الگلب من شوفتك ذاب

(لحن الفراق)

ما أصدّگ يا شبيه الهادي جدّك

ما أصدّگ بالدما مخضوبة جثتك

ما أصدگ يا علي طفّو شمعتك

 

رَجَوْتُكَ يَا عَلِيُّ تَعِيشُ بَعْدِي

لِتُوَسِّدَ جُثَّتِي رَمْسَ الُّلحُودِ

وَتَمْشِي بَاكِيًا مِنْ خَلْفِ نَعْشِي

كَمَا يَبْكِي الوَلِيدُ عَلَى الفَقِيدِ

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

395


360

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

الملحقات الشعريّة

الشعر القريض

القصيدة الأولى: بِشِبْهِ المُصْطَفَى جَاؤُوا قَتِيلًا

بِشِبْهِ المُصْطَفَى جَاؤُوا قَتِيلًا

إِلَى خِيَمِ النِّسَا فَعَلَا العَوِيلُ

وَنَادَتْ زَيْنَبُ الكُبْرَى بِصَوْتٍ

وَدَمْعٌ مِنْ مَحَاجِرِهَا يَسِيلُ

لِلَيْلَى أَسْرِعِي هَذَا عَلِيٌّ

شِبِيهُ المُصْطَفَى الهَادِي قَتِيلُ

غَدَتْ تَمْشِي وَتَعْثُرُ وَهْيَ ثَكْلَى

عَرَاهَا مِنْ مُصِيبَتِهِ الذُّهُولُ

وَجَاءَتْ تَسْحَبُ الأَذْيَالَ حُزْنًا

وَحَوْلَ فَقِيدِهَا أَخَذَتْ تَجُوُلُ

وَوَالِدُهُ الحُسَيْنُ هَوَى عَلَيْهِ

وَقَدْ أَدْمَتْ مَحَاسِنَهُ النُّصُولُ

يُنَادِيهِ وَلَيْسَ بِهِ حِرَاكٌ

بُنَيَّ اليَوْمَ فَارَقَنَا الرَّسُولُ

عَلَى الدُّنْيَا العَفَا يَا نُورَ عَيْنِي

وَبَعْدَكَ غَيْرَ هَذَا لَا أَقُولُ

القصيدة الثانية: قِفْ بِي عَلَى ذَاكَ الضَّرِيحِ الْأَنْوَرِ

قِفْ بِي عَلَى ذَاكَ الضَّرِيحِ الْأَنْوَرِ

بِتَفَجُّعٍ لِنَوَى عَلِيِّ الْأَكْبَرِ

وَابْكِ وَخُصَّ أَبَاهُ عَنْهُ مُعَزِّيًا

بِتَفَجُّعٍ وَتَلَدُّدٍ وَتَحَسُّرِ

 

396


361

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

مَوْلًى عَلَى الدُّنْيَا الْعَفَا مِنْ بَعْدِهِ

قَالَ الْحُسَيْنُ لَهُ بِقَلْبٍ مُسْعَرِ

أَفْدِيهِ مِنْ شِبْلٍ لِأَحْمَدَ قَدْ حَوَى

سِمَةَ النَّبِيِّ لَهُ وَسَطْوَةَ حَيْدَرِ

لَمْ يَثْنِهِ الطَّعْنُ الدَّرَاكُ بِصَدْرِهِ

وَلَكَادَ يَثْنِي الطَّعْنُ صَدْرَ الْأَشْقَرِ

لِلهِ مِنْ قَمَرٍ أَبَى لِعُلُوِّه

يَهْوِي إِلَى الْغَبْرَا بِوَجْهٍ مُزْهِرِ

فَانْصَاعَ مُعْتَنِقًا هُنَالِكَ مُهْرَهُ

وَالْقَوْمُ بَيْنَ مُهَلِّلٍ وَمُكَبِّرِ

لَمْ أَنْسَ إِذْ وَلَّى الْجَوَادُ مُبَادِرًا

يَنْحُو الْعِدَاةُ بِهِ لِذَاكَ الْعَسْكَرِ

فَاسْتَقْبَلُوهُ وَقَطَّعُوا جُثْمَانَهُ

إِرْبًا فَإِرْبًا بِالسُّيُوفِ البُتَّرِ

تَرَكَتْ سُيُوفُ أُمَيَّةٍ جُثْمَانَهُ

مُتَوَزِّعًا بَيْنَ الْقَنَا الْمُتَكَسِّرِ

تَعْدُو الْجِيَادُ عَلَيْهِ وَهْيَ ضَوَابِحٌ

عُقْرًا لِهَاتِيكَ الْجِيَادُ الضُّمَّرِ

القصيدة الثالثة: جودي بفيضِ الدمعِ يا عينيَّا

جودي بفيضِ الدمعِ يا عينيَّا

حزنًا لمنْ أبكى الحُسينَ مَلِيّا

لا تغمضي جِفنًا على غيرِ القذى

وابكي دمًا شبهَ النبيِّ علِيّا

ألفى صِحابَ أبيه صرعى كُلّهم

فأتَى يريدُ الإذنَ منهُ حَييّا

أبتاهُ إذنك كي أكونَ لكَ الفِدَا

أنعمٍ بِذا فادٍ وذا مفديّا

نظرَ الحُسينُ إلى عليٍّ آيسًا

وتعانقا فدعا الإلهَ نَجيّا

يا سيّدي كُنّا إذا اشتقنا إلى

طهَ نظرْنا وجهَهُ النبويَّا

شدَّ الفتى وهو الكميُّ على العدا

فتذكّروا أسدَ الإلهِ عليّا

حتّى أُصيبَ بضربةٍ العبديّ عن

غدرٍ فنَادى يا أباهُ وحَيَّا

 

397


362

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

أبتاهُ جديّ قد سَقاني كأسَهُ

ويقولُ عجلِ يا حُسينُ إليَّا

فأتى الحُسينُ ويا لهولِ مُصابِه

ورأى فتَاه على الرّمالِ رميَّا

فتمدَّد السبطُ الغريبُ بجنبِهِ

ولدي عليْ أَبُنَي رُدّ عليّا

القصيدة الرابعة: جَرَى دَمْعِي لِمَصْرَعِ شِبْلِ طَهَ

جَرَى دَمْعِي لِمَصْرَعِ شِبْلِ طَهَ

وَتَاهَ الفِكْرُ فِي الحُزْنِ الشَّدِيدِ

فَمَا أَدْرِي أُعَزِّي أَمْ أُهَنِّي

عَلِيَّ المُرْتَضَى بِابْنِ الشّهيد

فَطَوْرًا لِلْوَصِيِّ بِهِ أُهَنِّي

وَأَنْظُمُ مَدْحَهُ نَظْمَ العُقُودِ

عَلِيٌّ بِالطُّفُوفِ أَقَامَ حَرْبًا

كَحَربكَ يَا عَلِيُّ مَعَ اليَهُودِ

وَقَاتَلَ بَكْرَهُمْ كَقِتالِ عَمْروٍ

وَجَدَّلَهُ عَلَى وَجْهِ الصَّعِيدِ

وَصَيَّرَ كَرْبَلا بَدْرًا وَأُحْدًا

وَنَادَى يَا حُرُوبَ الجَدِّ عُوُدِي

وَطَوْرًا يَا عَلِيُّ أُعَزِّي فِيه

وَتَبْكِي العَيْنُ لِلْعَقْدِ الفَرِيدِ

كَأَنِّي بِالحُسَيْنِ غَدَاْ يُنَادِي

عَلَيْنا يَا لَيَالِي الوَصْلِ عُوُدِي

رَجَوْتُكَ يَا عَلِيُّ تَعِيشَ بَعْدِي

لِتُوَسِّدَ جُثَّتِي رَمْسَ اللُّحُودِ

وَتَمْشِي بَاكِيًا مِنْ خَلْفِ نَعْشِي

كَمَا يِبْكِي الوَلِيدُ عَلَى الفَقِيدِ

وَلَمْ أَنْسَ النِّسَاءَ غَدَاةَ فَرَّتْ

إِلَى نَعْشِ الشّهيد ابْنِ الشّهيد

فَهَذي قَبَّلَتْ كَفَّا خَضِيبَا

وَشَمَّتْ تِلْكَ وَرْدًا فِي الخُدُودِ

وَزَيْنَبُ قَابَلَتْ لَيْلَى وَقَالَتْ

أَعِيدِي النَّوْحَ يَا لَيْلَى أَعِيدِي

عَلَى حُلْوِ الشَّبَابِ وَبَدْرِ تَمٍّ

شَبِيهِ مُحَمَّدٍ خَيْرِ الجُدُودِ

 

 

398


363

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

القصيدة الخامسة: يا صاحِب العصْرِ الفُؤادُ تفطّرا

يا صاحِبَ العصْرِ الفُؤادُ تفطّرا

لِابْنِ الحُسيْنِ ووابِلُ الدّمْعِ جرى

فهْو الشّبِيهُ بِأحْمدٍ خلْقًا وفِي

خُلُقٍ كرِيْمٍ منْطِقًا وتفكُّرا

قدْ كان أوّل منْ يجُودُ بِنفْسِهِ

مِنْ أهْلِ بيْتِ السِّبْطِ ساداتِ الورى

فبكى الحُسيْنُ تألمُّا لِوداعِهِ

والدّمْعُ فوْق خُدُودِهِ حُزْنًا سرى

نادى إِلهِي ذا شبِيهُ مُحمّدٍ

يبْغِي القِتال لِمنْ بغى وتجبّرا

ومضى علِيٌّ لِلْجِهادِ مُسارِعًا

خيْر الملاحِمِ فِي الشّجاعةِ سطّرا

لكِنْ شكا ظمأَ الفُؤادِ لِوالِدٍ

قدْ قضّ أحْشاهُ الظّماءُ وأثّرا

فأجابهُ عُدْ يا بُنيّ إِلى الوغى

يسْقِيك جدُّك مِنْ يديْهِ كوْثرا

فغدا يكِرُّ على العدُوِّ مُصابِرًا

وإِذا بِهِ يرْمِيهِ رُمْحًا غادِرا

وأحاطتْ الأعْداءُ فِيهِ بِأسْرِها

قدْ قطّعتْهُ سُيُوفُهُمْ فوْق الثّرى

نادى أباهُ قدْ سقانِي المُصْطفى

مِنْ كأْسِهِ الأوْفى شرابًا طاهِرا

فأجابهُ السِّبْطُ الشّهيد مُلبِّيًا

ورآهُ جِسْمًا بِالسُّيُوفِ مُشطّرا

نادى على الدُّنْيا العفا يا مُهْجتِي

فقدِ اسْترحْت مِنْ الهُمُومِ مُبكِّرا

القصيدة السادسة: سَلْ كرْبلا كمْ مِنْ حشىً لِمُحمّدٍ

سَلْ كرْبلا كمْ مِنْ حشىً لِمُحمّدٍ

نُهِبتْ بِها وكمْ استُجِذّتْ مِنْ يدِ

ولكمْ دمٍ زاكٍ أُرِيق بِها

وكمْ جُثْمانِ قُدْسٍ بِالسُّيوفِ مُبدّدِ

 

399


364

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

وبِها على صدْرِ الحُسيْنِ ترقْرقتْ

عبراتُهُ حُزْنًا لِأكْرمِ سيّد

وعلِيُّ قدْرٍ مِنْ ذُؤابةِ هاشِمٍ

عبقتْ شمائِلُهُ بِطِيبِ المحْتدِ

أفْدِيهِ مِنْ ريْحانةٍ ريّانةٍ

جفّتْ بِحرِّ ظمًا وحرِّ مُهنّدِ

للهِ بدْرٌ مِنْ مُراقِ نجِيعِهِ

مزج الحُسامُ لُجيْنهُ بِالعسْجدِ

ماءُ الصِّبا ودمُ الوريدِ تجاريا

فِيهِ ولاهِبُ قلْبِهِ لمْ يخْمُدِ

جمع الصِّفاتِ الغُّرّ وهِي تُراثُه

مِنْ كُلِّ غِطْرِيفٍ وشهْمٍ أصْيدِ

فِي بأْسِ حمْزة فِي شجاعةِ حيْدر

بِإِبا الحُسيْنِ وفِي مهابةِ أحْمدِ

وتراهُ فِي خُلُقٍ وطِيبِ خلائِقٍ

وبلِيغِ نُطْقٍ كالنّبِيِّ محمّدِ

ويؤُوبُ للتودِيعِ وهُو مُكابِدٌ

لِظما الفُؤادِ ولِلْحدِيدِ المُجْهِدِ

يشْكُو لِخيْرِ أبٍ ظماهُ وما اشْتكى

ظمأ الحشى إلّا إلى الظّامِي الصّدِي

فانْصاع يُؤثِرُهُ عليْهِ بِرِيقِهِ

لوْ كان ثمّة رِيقِهِ لِمْ يجمُدِ

القصيدة السابعة: حُزنُ ابنُ ليلى يستدِرُّ مدامِعِي

حُزنُ ابنُ ليلى يستدِرُّ مدامِعِي

وعظِيمُ همّتِهِ يُثيرُ هنائِي

سلْ عنهُ أكنافَ الطُفوفِ فكم بِها

تركَت صفيحتُهُ مِن الأشلاءِ

مَلَكَ الوغى بِحُسامِهِ فأحالَها

دهماءَ أعيَت ألسُنَ البُلغاءِ

غيرانَ يفتِكُ بِالأُلوفِ وعُمرُهُ

ما جاوزَ العقدينِ مِن الإحصاءِ

والسِبطُ يرصُدُهُ وفوقَ جبينِهِ

لِلناظِرين بوادِرُ السرّاءِ

 

400


365

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

وإذا بِهِ يدعوهُ أدرِكنِي فقد

دارَت عليّ بِجمعِها أعدائي

حتّى إذا دفعَ العِدى عن شِبلِهِ

آوى إليهِ بِلوعةٍ وبُكاءِ

ألفاهُ مُنعفِرَ الجبينِ تمازجَت

حُمرُ الدِماءِ بِوجنةٍ بيضاءِ

وأحلّ رأسَ وليدهُ في حِجرِهِ

وانصاعَ يِمسِحُ عثيرَ الغبراءِ

يا نبعةً غذّيتُها بِدمِ الحشا

وغرستُها في روضةٍ غنّاءِ

أبُنيّ كُنتَ الأنِيسَ إذا دجى

الّليلُ البهيمُ وكُنتَ بدرَ سمائِي

الشعر الشعبيّ

أوّلًا: الأبو ذيّات

1. بعديت وللقلب سرّيت بعداك

بعديت وللگلب سرّيت بعداك

وفعلت أفعال حامي الجار بعداك

على الدنيا العفى يا بويه بعداك

علي وسفه تروح من بين ايديّه

2. أنا ردتك ما ردت دنيا ولا مال

أنا ردتك ما ردت دنيا ولا مال

تحضرني لو وگع حملي ولو مال

يبني خابت ظنوني والآمال

عند الضيگ يبني گطعت بيَّه

3. يُمّاي لمين ربّيتك واريدك

يُمّاي لمين ربّيتك واريدك

كنت تبگه ويظل عيشي واريدك

بعد ما حسبت ينحز وريدك

بالطف وامشي اخلافك سبيّه

 

401


366

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

4. شبيهه الروح تلوح ما ادري شبيهه

شبيهه الروح تلوح ما ادري شبيهه

وكانون الغضا ضلوعي شبيهه

راح الكان للهادي شبيهه

طفه ضيّه بظلام الغاضريّه

5. بفضلنه احنه على الوادم علينه

بفضلنه احنه على الوادم علينه

يا زينب والدهر صوّب علينه

هذا النعش بيه جابوا علينه

شبيه المصطفى سيد البريّه

6. بدليلي يا سيوف العتب يمّي

بدليلي يا سيوف العتب يمّي

طريح وينعه بس الوحش يمّي

اتركي العتب لتعتبين يمّي

أشد من گتلي اعتابك عليّه

7. علي الأكبر صمت يحسين ونصار

علي الأكبر صحت يحسين ونصار

شباب ابني وعليه بالگلب ونصار

بعدك ما ظل لبوك أعوان وانصار

وبيه اگطعت يوم الغاضريّه

8. الحِبِيْبِ المُصطفى بْشَخْصَك تِجَلَّه

الحِبِيْبِ المُصطفى بْشَخْصَك تِجَلَّه

علي الأكبر واهل وَكْتَه تِجَلَّه

اِهِلْ عِلِمْ وشِعِرْ كِلْها تِجَلَّه (تجي اله)

رِبِيبِ حْسين بِعْلومَه الجِلِيَّه

9. يبني شلون سيف الوصل ورداك

يبني شلون سيف الوصل ورداك

گطع گلبي وصلّك گطع ورداك

امن الكوثر يبويه اليوم ورداك

يبني وآنه ظلمّت الدنيا عليّه

 

402


367

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

10. جمر العطش بگليبي شبابه

جمر العطش بقليبي شبابه

على اللي منحرم لذّة شبابه

يمدونه على الغبرة شبابه

انگطع منه الوصل وانگطع بيّه

ثانيًا: القصائد والأبيات

1. يبني لكبر

يبني لكبر دمّي ريته يا علي ماي

يبني لكبر ورشفك يا نور عيناي

يبني لكبر منين اجتني مصيبتي هاي

2. فگيده يا علي يبني فگيده

فگيده يا علي يبني فگيده

بعيده شوفتك صارت بعيده

اللي تجرَّى عليك انشلَّت ايده

وشرابه لا هِنه ولا طاب إله الزاد

3. گام حسين يضرب ايده بيده

گام حسين يضرب ايده بيده

ويخضب شيبته من دم وريده

أبو ومحتار يم جثة وليده

يريد وياه للمخيم يعيده

عمته تنتظر وأمه تريده

صعبة الوالدة تفگد وليده

4. گعد عنده وشافه مغمض العين

گعد عنده وشافه مغمض العين

متواصل طبر والراس نصّين

عاري مسلّب معفّر الخدين

حنى ظهره على وليده وتحسّر

 

403


368

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

5. على جثة ولدها تنوح ليلى

على جثة ولدها تنوح ليلى

وتنادي يا زينب يا عقيله

يمه يا ثمر قلبي ودليله

مطبر وطبراتك ثقيله

تمنيت تحضرني عليله

وتراب القبر بيدك تهيله

ونعشي على متونك تشيله

يمه قلبي بعد ما ينام ليله

مال الزمان شلون ميله

فرّق المحبوب وخليله

اجت يم جثة الأكبر

سكينة وبيدها طفلة

رقية كنها جابتها

تشوفه ودمعها تهلّه

حكوا ويّه الأخو الغالي

يتامى من الأخوة احنه

وجرح الغربة لو يصعب

فقدك أشد جارحنه

يهون عليك تتركنه

يبو الطيبة وتبارحنا

إذا سهلة تخلينا

تراهي العشرة مو سهلة

فتح عينه ونظر نظرة موقف

يفت صخر الأصم شوفه

طفله الهي بثلاث سنين

لشوفة خيها ملهوفة

وسكنة الواعدت عمها

وتركها بقطعة كفوفه

خواته شلون ينظرهم

وتكلم على مهله

يا سكنة بالله عذريني

وشوفي جسمي موذّر

على القومة يا بعد الروح

وحق الخوة ما أقدر

مو إنتي تعرفيني

خيّك تعرفي الأكبر

 

404


369

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

5. على جثة ولدها تنوح ليلى

على جثة ولدها تنوح ليلى

وتنادي يا زينب يا عقيله

يمه يا ثمر قلبي ودليله

مطبر وطبراتك ثقيله

تمنيت تحضرني عليله

وتراب القبر بيدك تهيله

ونعشي على متونك تشيله

يمه قلبي بعد ما ينام ليله

مال الزمان شلون ميله

فرّق المحبوب وخليله

اجت يم جثة الأكبر

سكينة وبيدها طفلة

رقية كنها جابتها

تشوفه ودمعها تهلّه

حكوا ويّه الأخو الغالي

يتامى من الأخوة احنه

وجرح الغربة لو يصعب

فقدك أشد جارحنه

يهون عليك تتركنه

يبو الطيبة وتبارحنا

إذا سهلة تخلينا

تراهي العشرة مو سهلة

فتح عينه ونظر نظرة موقف

يفت صخر الأصم شوفه

طفله الهي بثلاث سنين

لشوفة خيها ملهوفة

وسكنة الواعدت عمها

وتركها بقطعة كفوفه

خواته شلون ينظرهم

وتكلم على مهله

يا سكنة بالله عذريني

وشوفي جسمي موذّر

على القومة يا بعد الروح

وحق الخوة ما أقدر

مو إنتي تعرفيني

خيّك تعرفي الأكبر

 

 

404


370

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

ما يتعذّر بلحظة

ولا ينسى بعد أهله

رقيّة سامحي جروحي

ترى والله تعذبيني

كاني بك بأرض غربة

يمحزونة تفقديني

شيلي عينك بسرعة

لا توقع على عيني

إذا تحبيني عذريني

تراك من القلب أغلى

6. دخليني يخويه احسين يمه

دخليني يخويه احسين يمّه

احس ابدمع عيني اجروح جسمه

علي اعيوني واريد الصدري اضمّه

واشيله للخيم وياك يحسين

7. هوه فوگه اوحط خده على خده

هوه فوگه اوحط خده على خده

او صدره فوگ صدره اوزاد وجده

شمّه اوصاح عمرك هذا حده

ينور العين يوليدي يلكبر

8. يا علي يبني النوب ذلّيت

يا علي يبني النوب ذلّيت

والموت ياخذني تمنيت

عمود الوسط ياشايل البيت

يبني بعد عندي شخلّيت

انه بيش اجيت وبيش ردّيت

بعدك عساني لا بقيت

9. يبني عمّتك زينب

يبني عمّتك زينب

من عدها الگلب فرفر

تعنّت ليك للحومة

يبويه تنهض او تعثر

 

405


371

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

تصيح ابصوتها يحسين

دلّيني ابعلي الأكبر

انهض يا علي ليها

يبني اوأمّن اعليها

واعلى الضيم سلّيها

تراهي واقفة اوتنخاك

ما تنهض النخواها

10. هذا يگطع بسيفه وريده

هذا يگطع بسيفه وريده

وهذا بالخناجر فصل إيده

وهذا يغط من رمحه الحديده

بخاصرته وهو يعالج ويفخر

11. هوت فوقه تحب خدّه وتشمّه

هوت فوقه تحب خدّه وتشمّه

وغدت تصبغ وجهها بفيض دمّه

عسه بعيد البله تگلّه يعمّه

على التربان نايم ليش بهالحر

12. يبويه گول منهو الشرگ راسك

يبويه گول منهو الشرگ راسك

ينور العين من خمّد انفاسك‏

يعگلي من نهب درعك اوطاسك

يروحي اشلون اشوفنك امطبّر

13. على الدنيا العفا بعدك يلكبر

على الدنيا العفا بعدك يلكبر

عسن جسمي گبل جسمك توذر

أظل بعدك يبويه اشلون أگدر

وهاي انته نصب عيني امدد

 

 

406


372

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)
المجلس الأوّل

القصيدة

شِبلُ الزكِيِّ المُجتبى بدرُ الهُدى

شمسُ المناقِبِ والعُلا والسُؤددِ

وعلى البسالةِ قد تعوّد ناشِئًا

أسدٌ لِغيرِ البأسِ لم يتعوّدِ

لم أنسْهُ مُذ أشجاهُ وِحدةُ عمِّهِ

بين الأعادِي ما لهُ مِن مُنجِدِ

طلبَ القِتالَ مِن الحُسينِ وقلبُهُ

مُتوقِّدٍ بِالحُزنِ أيّ توقُّدِ

فتدفًّقًت عبراتُ بدرِ سنا الهُدى

سِبطِ النبِيِّ على شقيقِ الفرقدِ

فانصاعَ نحو القومِ يخطُبُ فِيهُمُ

بِلِسانِ صمصامٍ وأسمر أملدِ

ويِكِرُّ فِيهِم قِائِلًا إن تُنكِرُوا

إسمِي فإنِّي ابنُ الزكِيِّ الأمجدِ

فأبادَ شُجعانَ الوغى وسقاهُمُ

مُرّ الطِعانِ بِكأسٍ لِهذمِهِ الصدِي

وعليهِ أشقى الخلقِ شدّ مُقنِّعًا

في سيفِهِ رأسًا لأكرمِ سيّد

فَهَوَى كَمَا تَهوِي الِجبَالُ عَلَى الثَّرَى

ظَامٍ وَنَارُ فُؤَادِهِ لمَ تُخمَدَ

ودعا أيا عمّاهُ أدرِكنِي فقد

أورى الظما كبِدِي وبانَ تجلُّدِي

 

408


373

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

فأتاهُ غوثُ المُستغيثِ مُبادِرًا

وإذا بِهِ بِالرِجلِ يفحصُ واليدِ

وأتى بِهِ نحو المُخيّمِ نادِبًا

يبكِي ويرثِيهِ بِقلبٍ مُكمدِ

ساعد الله قلب الأم! كأنّي برملة تخاطب ولدها:

تگلة يمّه

جاسم ييمّه اشلون بيّه

لو عاينت دارك خليّه

يا بعد روحي تعال ليّه

تعال خل اگعد وحاچيك

واصواب البگلبي أراويك

يوليدي يل حلوة معانيك

(بحر طويل/ لفى عاشور/ تغريد حزين)

يقاسم يمّه رد اجواب

أمّك آنه محرومه

قلبي كم سهم منصاب

ومني الروح مالومه

آه يايمة آه يايمة آه يايمة آه

ممروده عيوني اعليك

تصب ادموعها من دم

ليل انهار أفكّر بيك

يا من للجرح بلسم

قلب أمّك بقى يناديك

نهاري بعدك إتعتم

 

409


374

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

تنام اعلى الترب ألقيك

مطول يبني هالنومه

آه يايمة آه يايمة آه يايمة آه

مثل شمعة ضوية جان

شبابك ياعزيز الروح

يوردة مشكلة بأغصان

تهل دم من أثر لجروح

شباب وزينة الشبان

يجاسم يبني يامذبوح

ثياب الزفه صار اكفان

ابدمه امغركه اهدومه

آه يايمة آه يايمة آه يايمة آه

(أبو ذيّة)

يريتك يالحسن رمله تراها

تشم بجروح جاسمها تراها

وتگله وليدي اگعدلي تراها

بغيرك ما أريد الروح بيه

المصيبة

هذا القاسم بن الحسن المجتبى، ذلك الشاب الذي لم يبلغ الحلم من عمره، كان المثال الأعلى لكلّ شاب بأخلاقه وأثاره وتضحياته للأمّة والإسلام في عصرنا هذا ودفاعًا عن مقدّساتنا وأعراضنا، ولا يهابون الموت وهم يرَونه أحلى من العسل.

يسأله الإمام الحسين: بنيّ قاسم، كيف تجد طعم الموت عندك؟ فيجيبه القاسم: والله يا عمّ، أحلى من العسل. وفي كربلاء،كان من جملة الذين أذن لهم الإمام بالرحيل، وأبَوا أن يعيشوا دون بذل مهجهم دون

 

410


375

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

الحسين (عليه السلام). فبعد استشهاد أصحاب الحسين، تقدّم القاسم مستأذنًا عمّه في القتال، ولكنّ الحسين أبى أن يأذن له. ولكن بعد استشهاد عليّ الأكبر وأبناء جعفر الطيّار وأبناء مسلم بن عقيل، ما تحمّل القاسم مشهد عمّه الحسين ينادي: هل من ناصر ينصرنا؟! ‎هل من ذابٍّ يَذُبُّ عن حرم رسول الله؟! هَل مِن مُوَحِّد يَخافُ اللهَ فِينا؟! هل مِن مُعين يرجُو ما عِندَ اللهِ في إعانَتِنا؟! فخرج ينادي: لبيَّكَ عَم أبا عبد الله.

‎أقبل الحسين (عليه السلام) إليه، ضمَّهُ إلى صَدرِهِ، وقال له: يابن أخي، أنت البقيَّة من أخي الحسن المجتبى، فلا أحبُّ أن أُعرِّضَكَ لِضربِ السُّيوف، قال القاسم: سيّدي ومولاي، خذ منّي هذه الوصيّة، أخذها الحسين منه، فتحها، وإذا هي كتاب من الإمام الحسن لأخيه الحسين (عليه السلام)، يقول فيها: أخي أبا عبد الله، ائذن لولدي القاسم بالشّهادة بين يديك.

(لحن الفراق)

يا خليصي

عندي طلبة بلبن أمّك

يا خليصي

اقبل اوليدي ينصرك

يا خليصي

قدّمه للموت قبلك

وكأنّه يقول: اسمح لي بأن أكون شريكًا معك في كربلاء. نظر الحسين (عليه السلام)) إلى القاسم نظرة عطف ورحمة، وسالت دموعه على خدّيه،كأنّي به تذكّر يوم رحيل أخيه الحسن (عليه السلام)وهو يلفظ كبده المسموم! ثم دنا من القاسم وضمّه إلى صدره، وجعلا يبكيان!

 

411


376

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

(عاشوري)

يِگِلَّه وداعَة الله يا عيوني آه آه

نِيَّتْكُم وَحْدِي تِخَلُّوني

هانْ عليكمُ يا ويلي تِوَدْعوني آه آه

يا عمِّي ودَاعْكُم للقَلُبْ يفطِر

‎أقبلَ القاسِمُ إلى أمِّهِ فرِحًا مسرورًا، وهو يقول: يا أُمَّاه يا أمّاه، إنَّ عمِّي قَدْ أذِنَ لِي، فَضمَّتهُ رملةُ إلى صدرِها. و‎بَعضُ الرِّواياتِ تقولُ: إنَّ رَمْلَةَ بِنَفسها ألبستْه لامَةَ الحَربِ ليقاتِلَ بَينَ يَدَي أبي عبدِ الله الحُسينِ  (عليه السلام).

كأنّي بها تخاطب ولدها:

وداعا يا حبيبي

يكل مالي ونصيبي

يا أغلى ما بگى لي

ذخرته ليوم شيبي

لچن هاليوم يومك

دگوم انفض همومك

فدا لحسين عمّك

ردت ترخص دمومك

تعال وودّع أمّك

يماخذ گلبي يمّك

گبل متروح عنّي

آيوليدي ارد اشمّك

وأحَملك هالوصيّه

سلامي للزچیّه

ولبوك الراح مسموم

إخذ منّي تحيّه

‎فانطلَقَ القاسِمُ إلى المعركةِ، وتَساءلَ الأعداءُ عَن شَخصِيَّةِ هذا الغُلامِ، فبدَأ يَرتَجِزُ ويَقولُ:

‎إنْ تنكروني فأنا نَجْلُ الحَسَنْ

سِبُط النَّبِيِّ المُصطفى والمُؤتَمَنْ

هذا حُسَيْنٌ كالأسيرِ المُرْتَهَنْ

بَيْنَ أُناس لا سُقُوا صَوْبَ المُزُنْ

 

412


377

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

يقول حميد بن مسلم: خرج إلينا القاسِمُ وبيده سيفُهُ، وجهُهُ كفلقَةِ قمر طالِع، وعليهِ قَميصٌ وإزارٌ، وفي رِجْلَيهِ نَعلان. ‎وفي ذلك يقول حميد بن مسلم: لو تَصَفَّحْتَ التاريخ لَما وجَدْتَ غُلامًا هَكذا، يبَرُز إليهِ سَبعونَ رَجُلًا وعَلَيهِ قميصٌ وإزارٌ، والحالُ أنَّ العربَ كانوا لا يبرُزونَ إلاّ بعد الاستعدادِ، ولبسِ الدُّروعِ والمفاخِرِ، حتى إنّ الرجل منهم كان لا يُعرَفُ لِكثرةِ ما عليهِ من الحديدِ ومن لامَةِ الحربِ، ولا يُرى منهُ إلاّ عيناهُ. والقاسِمُ بن الحسن (عليه السلام) برز يوم عاشوراء إلى الأعداء، وعليه قميصٌ وإزارٌ! وأعجَبُ من هذا أنّ القاسِمَ لعدَمِ مُبالاتِهِ بِكَثرَةِ الأعداءِ انقطَعَ شِسعُ نَعلهِ، ووقَفَ بين تلك الجموع يَشدُّه، وبينما هو كذلك إذ بدر إليه لعينٌ من أعداء اللهِ، وهو عُمرو بن سعد بن نُفيل الأزدي، قائلًا: ‎عَلَيّ آثامُ العرب، إن لم أُثكِل بهِ أُمَّهُ وعَمَّهُ. ‎فقال له حميد: أما ترى وجهه كفلقة قمر؟! دعه، يكفيك الذين احتوشوه، فقال: لا والله، حتَّى أضرب ضربتي، فما ولّى عدو الله حتّى ضرب القاسم على أُمِّ رأسه فشَقَّ هامته نصفين، فهوى على الأرض مناديًا: يا عمَّاه، أدركني!

عمّي يعمّي ابساع حضنك أرد اشمّه

خلني اودعك ياحبيبي يبو اليمّه

مگدر اشوفك صار هالميدان ظلمه

دم راسي غطّه العين

مگدر انظرك زين

‎أتاه عمه الحسين (عليه السلام)، وإذا بالغلام يفحص بيديه ورجليه، فقال الإمام (عليه السلام): عزَّ واللهِ على عمِّكَ أن تَدعوهُ فلا يُجيبُكَ، أو يُجيبُكَ

 

413


378

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

فلا يُعينُكَ، أو يُعينُكَ فلا يُغني عَنْكَ، بُعْدًا لقَوم قتلوكَ، ومن خَصمُهُم يَومَ القيامَةِ جَدُّك وأبوكَ، هذا يَومٌ واللهِ كَثُرَ واتِرُهُ وَقَلَّ ناصِرُهُ.

بكه اوناداه يا جاسم اشبيدي

ياريت السيف گبلك حز وريدي

هان الكم تخلوني اوحيدي

أو على اخيمّي يا عمّي الخيل تفتر

‎ثُمَّ نزل إليه، ووضع صدره على صدر القاسم، واحتمله إلى المُخيَّم، ورجِلاه تَخُطَّان الأرض. ‎جاء بالقاسم إلى الخيمة الّتي فيها ولده، عليّ الأكبر، طرحه إلى جنبه، وجعل ينظر تارةً إلى وجه الأكبر وينحني عليه، وينادي: واعليّاه! وينظر تارةً أخرى إلى وجه القاسم، وينادي: واقاسماه!

حِمل جسّام واتوجه

للخيمة يجر حسرات

يسترجع على الشبّان

وبصدره اعتلت زفرات

ابني الاكبر اليشبه

رسول الله بجماله

ربّيته بدمع عيناي

يحق للغالي دلاله

وي عبّاس يتمشّى

ملَثم يخفي اهلاله

وعين حسين اتناظر

تعوّذهم بسور وآيات

يگعد بين الاثنين

ودمعة عينهَ تتّحدر

وصيّة من الحسن هاليوم

صار حسين يتذكر

أمانه هالولد مدّة

وعلى فراگه أخي بَشَر

يوَسفه موسّد الغالي

وانه وحدي أجر وسفات

 

 

414


379

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

جابه ومدّده ما بين اخوته

وبكى عدهم يويلي وهم موته

بس ما سمعن النسوان صوته

إجت رمله تصيح الله اكبر

كأنِّي بأُمِّه رملة، جاءت رمت بنفسها عليه، ولسان حالها:

(عاشوري)

گلب والدتك اشلعته يجسّام آه آه

اشوفن جثّتك گدامي اقسام

وبجسمك جروحك يحوَ اسهام آه آه

وعٌيونك چنها تنظرلي ابأسيّه

 

طبُر راسك عسى ابراسي يمحبوب

يالتشبه ابوك الزكي المهيوب

وعلي الكرار جدّك داحي البوب

شبيهه لهامته راسك رميّة

(لحن يمجهّز حسين)

وسط الصواوين

نايم ضوه العين

يحلالك النوم

يزغير السنين

يايمه ويّاك

ارد احچي هاليوم

ارد ابث شكواي

واشكيلك اهموم

أمك يامحبوب

واتوسلك گوم

ما أحمل اجفاك

يا أغلى الابنين

أدري هالافراگ

ما منه رجعه

اغيابك يامظلوم

گلبي يشلعه

 

415


380

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

لاتترك احسين

وحده اسمعه

أمك واناديك

عليت الاونين

راسك المطبور

ماحركيته

شعرك اشوفه

شو دم مليته

خدك يوليدي

صابغ لگيته

أحمر والاعيون

غمضهن البين

گلب أمك اعليك

ينتحب وينوح

مترد على امك

يالماخذ الروح

ألگه الصبر وين

ووليدي مذبوح

يا حسرتي اعليك

يابن الميامين

(‎أبو ذيّة)

يبني ماذكرت أمّك وحنّيت

عفتني امن انطبكك ظهري وحنّيت

يجاسم خضبت شيبي وحنّيت

ابدمّك ياشباب الغاضريّه

ومرملٌ مُذْ رَأتْهُ رَملةٌ صَرَخَت

يا مُهجَتِي وَسُرورِي يا ضِيَا بَصَرِي

بُنَيّ تَقضِي على شَاطِي الفُراتِ ظَما

والماءَ أشرَبُهُ صَفْوا بِلا كَدَرِ

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

416


381

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

المجلس الثاني

القصيدة

كَمْ لِلمُتيَّمِ مِنْ دُمُوعٍ جَارِيَه

حُزْنًا عَلَى تِلْكَ الطُّلولِ الخَاوِيَه

يا دَارُ غَيَّرَكِ الزَّمانُ بِصَرْفِه

وَمَحَتْ مَحَاسِنَكِ الخُطوبُ العَادِيَه

وَأَبَادَ أَهْلَكِ بِالصُّروفِ فَأَصْبَحُوا

كُلٌّ يَؤُمُّ مِنَ النَّواحِي نَاحِيَه

مِثْلُ الحُسَيْنِ عَلَى الصَّعيدِ مُجَرَّدٌ

وَيَزيدُ يَرْفُلُ بِالبُرودِ الضَّافِيَه

لَمْ أَنْسَهُ ثَاوِيًا عَلَى حَرِّ الثَّرى

وَبَنُو أَبِيهِ كَالأَضاحِي ثَاوِيَه

فَوْقَ الرِّماحِ رُؤوسُهُمْ مَشْهُورَةٌ

وَجُسُومُهُمْ تَحْتَ السَنابِكِ عَارِيَه

قَدْ غُسِّلُوا بِدَمِ الرِّقابِ وَكُفِّنُوا

مِنْ نَسْجِ هَاتِيكَ الرِّياحِ السَّافِيَه

وَالقَاسِمُ بنُ المُجْتَبَى مَا بَيْنَهُم

وَجَبِينُهُ يَزْهُو كَشَمْسٍ ضَاحِيَه

لَمْ أَنْسَهُ بَيْنَ الرِّجالِ وَعُمْرُهُ

يا لِلْبَرِيَّةِ خَمْسَةٌ وَثَمانِيَه

يُرْدِي الكُمَاةَ بِسَيْفِهِ فَتَخالُهُم

فَوْقَ الثَّرَى «أَعْجازَ نَخْلٍ خَاوِيَه»

حَتَّى إذا أَرْدَوْهُ مُلْقًى لِلْثَرى

بِدِماءِ وَجْنَتِهِ المُضيئَةِ قانِيَه

نَادَى أَلَا يا عَمُّ أدرِكنِي فَقَدْ

وَزَّعْنَ أَعْضائِي السُّيوفُ الماضِيَه

فَأَتاهُ يُسْرِعُ بَالخُطَى وَدُمُوعُهُ

لِلأَرْضِ مِنْ عَيْنَيْهِ تُهْمَى جَارِيَه

 

418

 


382

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

(شعبي)

يعمّي من ضرب هامتك نصّين

يبعد اهلي اصواب اليوجعك وين

يعمي اشلون أشيلك للصواوين

وانته من الضرب جسمك مخذّم

شاله او للمخيّم بيه سدّر

وحط ّجاسم يويلي الصف الأكبر

گعد ما بينهم والدّمع فجّر

تشب ناره او عليه اتراكم الهم

يم جاسم غدت للحرم حنّه

لمن شافته ابدمّه تحنّه

أمّه اتصيح يا جاسم امهنّه

ابهلزفّه يبعد الخال والعم

(أبو ذيّة)

أنا ردتك ما ردت دنيا ولا مال

تحضرني لو وگع حملي ولا مال

يا جاسم خابت اظنوني والامال

بوگت الضيگ يبني اگطعت بيّه

المصيبة

ورد عن الإمام الحجّة (عجل الله تعالى فرجه) في زيارة الناحية عند ذكر القاسم بن الحسن المجتبى: السّلام على القاسم بن الحسن بن عليّ، المضروب هامته، المسلوب لامته، حين نادى الحسين عمّه، فجلى عليه عمّه كالصقر، فرآه يفحص بيديه ورجليه التراب، والحسين يقول: بُعدًا لقوم قتلوك، ومَن خصمهم يوم القيامة جدُّك وأبوك.

القاسم، على صغر سنِّه، عُبِّر عنه أنَّه لم يبلغ الحُلُم (كان عمره 12 أو 13 سنة تقريبًا)، كان متهيّئًا لنصرة عمّه الحسين، ومتدرّبًا على القتال

 

419


383

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

كالفرسان والشجعان، وليس عجيبًا أمره؛ إذ إنَّ أباه الحسن (عليه السلام)، وجدّه أمير المؤمنين (عليه السلام)، وتربّى في حجر الحسين (عليه السلام)، فغدا كاملًا في أخلاقه وإيمانه وثباته، وقدوة للعارفين والسالكين إلى الله في عشقه للشهادة. يسأله الإمام الحسين (عليه السلام) عندما أراد القاسم أن يعرف إن كان في جملة من يُرزقوا الشهادة -كما بشّر بها الإمام الحسين (عليه السلام) أصحابه ليلة عاشوراء- فقال له الحسين: ولدي قاسم، كيف تجد طعم الموت؟ قال: يا عمّاه، الموت بين يديك عندي أحلى من العسل؛ فبشَّره الإمام الحسين بالشهادة.

لذا، بعد أن قُتل أصحاب الحسين (عليهم السلام) يوم عاشوراء، وبرز للقتال أبطالُ بني هاشم، وقُتل عليّ الأكبر وجملة من شباب بني هاشم، وسمع القاسم نداء عمّه الحسين: وا غربتاه، وا قلّة ناصراه، أما من معين يعيننا؟! أما من ناصر ينصرنا؟! أما من ذابٍّ يذبّ عنّا؟! تقدّم إلى عمّه مستأذنًا في النزول إلى الميدان، فلم يأذن له الحسين (عليه السلام) بادئ الأمر، لكنّ القاسم كان مصرًّا على تحصيل الإذن من عمّه، فلم يزل يتوسّل إليه، ويقبّل يديه، حتّى أذن له. ثمّ إنّ الإمام الحسين (عليه السلام) قبل أن يسمح له في النزول إلى الميدان، أراد أن يودّعه وداعًا خاصًّا، لم يودّعه أحدًا من أهل بيته أو أصحابه، ألبسه ثوبًا على صورة الكفن، عمّمه بعمامة أبيه الحسن، ونظر إليه، فما ملك نفسه دون أن ضمّه إلى صدره، وجعلا يبكيان!

وكأنّي بالقاسم عندما حصّل الإذن من عمّه، توجّه إلى أمّه رملة مسرعًا، وهو فرحٌ بما أذن له عمُّه الحسين، كأنّي برملة ضمّته إلى

 

420


384

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

صدرها، وقالت: بني قاسم، بلّغ سلامي إلى والدك الحسن!

لزمت ركابه سكينه

وعمته بحلگه تشمّه

ومن الخيم مدهوشه

طلعت تنادي أمّه

يبني يجاسم هالوقت

حيلك لعمّك ضمّه

لهاليوم أنا ذاخرتك

بالك تخيّب ظنوني

فكان جوابه لأمّه:

هزّ الرمح وتكنّه

يا والدة دادعيلي

رايح أنا يا والده

من غير ما تقليلي

عمّي وحيد بكربلا

إلمن اضمن حيلي

أنت وعمّتي زينب

لمّن أغير انخوني

ثمّ نزل القاسم إلى الميدان، ودموعه جارية على خدّيه، وهو يقاتل قتال الرجال الشجعان، فأنكره بعضهم، وصاروا يتساءلون: من هذا الفتى؟ فأنشأ يقول:

إِنْ تُنْكِرُونِي فَأَنا نَجْلُ الحَسَنْ

سِبْطِ النَّبِيِّ المُجْتَبَى والمُؤْتَمَنْ

هَذا حُسَيْنٌ كَالأَسِيرِ المُرْتَهَنْ

بَيْنَ أُناسٍ لا سُقُوا صَوْبَ المُزُنْ

يقول حميد بن مسلم: خرج علينا القاسم، ووجهه كفلقة قمر طالع، بيده السيف يضرب به قُدمًا قُدمًا، وعليه قميص وإزار، وفي رجليه نعلان، فبينما هو يقاتل، إذ انقطع شسع نعله، ولا أنسى أنَّها اليسرى،

 

421


385

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

فوقف ليشدّها غير مكترثٍ بالأعداء من حوله. وكان عمر بن سعد بن نفيل الأزديّ إلى جانبه، فقال: والله، لأشدّنّ على الغلام، ولأثكلنَّ به أمّه... فشدّ على الغلام، فما ولّى حتّى ضرب الغلام بالسيف على رأسه، ففلق هامته، فخرّ القاسم إلى الأرض صريعًا ينادي: عليك منّي السّلام يا عمّاه، أدركني!

جاءه الحسين كالصقر المنقضّ على فريسته، فرّق الأعداء عن مصرع ابن أخيه -رحم الله من نادى: واقاسماه! وامظلوماه!- وجده يفحص بيدَيه ورجلَيه، نادى: بني قاسم، يعزّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا يعينك، أو يعينك فلا يُغني عنك، بُعدًا لقومٍ قتلوك، ومن خصمهم يوم القيامة جدّك وأبوك، هذا يومٌ، والله كَثُر واتره وقلّ ناصره!

يعمي اشگالت امن الطبر روحك

يجاسم ما تراويني اجروحك

لون ابگه يعمّي كنت أنوحك

ابگلب مثل الغضا وبدمع محمر

ثمّ إنّ الحسين (عليه السلام) وضع صدره على صدر القاسم، وحمله إلى المخيّم -ساعد الله قلبك أبا عبد الله- قالوا: احتمله ورجلاه تخطّان في الأرض، وجاء به إلى خيمة الشّهداء! وضعه إلى جانب عليّ الأكبر، فجعل ينظر تارةً إلى وجه الأكبر، وينادي: واعليّاه! واولداه! وأخرى وإلى وجه القاسم: واقاسماه! وابن أخاه!

شاله لخيمته ويسكِب دمع عينه

وقعد ما بين شِبله الأكبر وبينه

نِده وصاح يا رمله وسكينه

تعالن للعزيز واشوفن اشحاله

 

 

422


386

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

جابه لخيمة عياله

وحطّه بصف علي الاكبر

وقعد ما بينهم يبكي

وعليهم قام يتحسّر

نوبه يعاين وليده

ونار الحزن بيه تسعر

ونوبه يعاين الجاسم

يقلّه والدمع ساجم

يعمّي على الترب نايم

وانت زهرة خيامي

وبدر السعد وهلاله

 

غَرِيبُونَ عَنْ أَوْطانِهِمْ وَدِيارِهِمْ

تَنوحُ عَلَيْهِمْ فِي البَرارِي وُحُوشُها

وَكَيْفَ لا تَبْكِي العُيونُ لِمَعْشَرٍ

سُيوفُ الأَعادِي فِي البَرارِي تَنُوشُها

بُدورٌ تَوارَى نُورُها فَتَغَيَّرتْ

مَحَاسِنُها تُرْبُ الفَلَاةِ نُعُوشُها

 

يا شبّان بالله لا تونّون

او بونينكم گلبي تگطعون

تصدعون گلبي المن تحنّون

شبّان مثل الورد يزهون

وسفه على الغبرة ينامون

ساعد الله أمَّه رملة، لمّا نظرت إلى ولدها الوحيد مشقوق الهامة، مخضّبًا بدمه، ألقت نفسها عليه نادبةً، وهي تقول: واولداه! واقاسماه!

ربّيتك بماي العين

يبني واحسب سنينك

واتفكّر لعند طولك

وعيني ناظرة العينك

 

423


387

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

لبالي افرح بعرسك

واحنّي بيمنتي ايمينك

وانصب حوفتك بيدي

واعيّد وافرح بعيدي

بدال العرس يوليدي

اشوفنّك على التربان

يا مدلّل بهالحالة

 

يا لبيدي افرشلك كنت يبني وأغطِّيك

نايم عله التربان هِسّه اولا نفس بيك

لو يرضه منّي الموت والله ابروحي أفديك

 

رملة تنادي يبني يا جسّام

عرسك مبارك ما بين الأعمام

شوباش عرسك يا نفل

اسهام تنثر والنبل

الله أكبر

اتمنّيتك يبني يا نور العيون

تدفنّي وترد ويّه اليردّون

تدفنّي يوليد وترد

وانظر الطولك يا ورد

الله أكبر

 

مُرَمَّلًا مُذْ رَأَتْهُ رَمْلَةٌ صَرَخَتْ

أَيَا مُهْجَتِي وَسُرورِي يا ضِيا بَصَرِي

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

424


388

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

المجلس الثالث

القصيدة

أنْعِمْ بشبلِ غَضَنْفَرٍ مُستَشْرِسِ

حضَنَ الحِمامَ حَضانةَ المُستأنِسِ

لم يَبْلُغِ العشرينَ إلا أنَّه

بَلغَ الرِضا وجوارَ خيرِ الأَنفُسِ

ما راعَهُ حَشْدٌ لجندِ أميةٍ

فمَضَى ينازِلُهم نزالَ الأَشْوسِ

وبكفِّهِ سَيفُ الوصيِّ المُجتبى

والرعبُ يسبِقُهُ سِبَاقَ الأَحْمَسِ

ناداهُمُ لَوْ تُنكَرونَ فإنْني

مِن صُلبِ حيدرَ والرسولِ الأقدسِ

فغدا يُجندلُهم ويَسْحَقُ جُندَهم

ويَصدُّهم صَدَّ الفتى المُتمرّسِ

فإذا بِهم صَرْعى لديهِ ومَنْ نجا

فَيفِرُّ من صولاتهِ بِتحرُّسِ

لمّا رأَوه مُعالجًا نعلًا لهُ

غَدَروا به والغدرُ دأبُ المبلِسِ

نادى أيا عمَّاه أدرِكْ قاسِمًا

فَأتاهُ يَأتَزِرُ الدموعَ ويَكتسي

عُدْ يا بُنيَّ معي لأُمِّك عَلَّها

بالعَوْدِ تَأنسُ بعد طُولِ تَوجُّسِ

فأعادَهُ نحوَ السُرادَقِ عمُّه

لكِنَّما جَسَدًا بغيرِ تَنفُّسِ

 

 

426


389

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

(شعبي)

رَبّيتَك اوْ چِنْتَ احلم

ليلةْ زَفِّتَك أفْرح

وأعَلِّگ للزفافِ شْموع

وبْضَيْ طَلِّتَكْ اسْرَحْ

صَعِبْ اوْصِفْ إلك جَرْحي

هذا اليوم لُو أشْرح

خابِ الأملْ بعيوني

واللهْ بحالتي عالِم

كُلْ أُم مِثلي بالدِّنيه

يومِ الفَرح تِنْتِظْره

واترَّبي ولَدْها سنين

حتى لُوَكُبَر عُمْره

يِسْعِدْها ويَفرِّحها

ومنها گَلُبْها يْسِرّه

يرفعْ راسْها بعرِسه

وامَّه ابَّهجِتَه اتساهِم

ما تِتمَّنه يِفْجِعَها

بالموتِ او يَخلِّيها

واعليه تِظَلْ تتحّسَّف

وهمْ تصفِگ اياديها

ورمْلَه فِجَعْها الجاسِم

اوْخَلَاها ابَّواجِيها

تِمنِّيتَك تِفَرِّحني

اوترِدْ للخِيَم سالِم

محَّدْ يِحسْ بالفاگِد

إلا اللِّي فِگدْ مِثْلَه

اصْبَغْ راسي بِدْمُومَه

وبْكِلْ حَسْره اتْسلَّه

واليْفِگِدْ ضَنَا غالي

هَاي اعْلِيه مُوسَهْله

رمْلَه اشْتِصْطِبِر بَعْدَه

تِگْضِي بالحزِنْ لازمِ

 

 

427


390

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

المصيبة

من زيارة للسيّد المرتضى علم الهدى، يخاطب بها شهداء كربلاء ويذكر القاسم: السلام على القاسم بن الحسن بن عليّ ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يابن حبيب الله، السلام عليك يابن ريحانة رسول الله، السلام عليك من حبيب لم يقضِ من الدنيا وطرًا، ولم يشفِ من أعداء الله صدرًا، حتّى عاجله الأجل، وفاته الأمل. فهنيئًا لك يا حبيب حبيب رسول الله، ما أسعدَ جدَّك، وأفخَر مجدك، وأحسنَ منقلبك!

يُروى أنّه في ليلة العاشر من المحرّم جمع الإمام الحسين ((عليه السلام) أصحابه)، وكان فيما قاله لهم: يا قَوْمِ، إِنّي في غَدٍ أُقْتَلُ وَتُقْتَلوُنَ كُلُّكُمْ مَعي، وَلا يَبْقى مِنْكُمْ واحِدٌ. فقالوا: الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك وشرّفنا بالقتل معك، أولا ترضى أن نكون معك في درجتك يابن رسول الله؟! فقال عليه السلام: جَزاكُمُ اللهُ خَيْرًا! ودعا لهم بخير؛ فقال له القاسم بن الحسن (عليه السلام): وأنا فيمن يُقتل؟ فأشفق عليه فقال له: يا بُنَيَّ، كَيْفَ الْمَوْتُ عِنْدَكَ؟! قال: يا عمّ، أحلى من العسل! فقال (عليه السلام): إي وَاللهِ، فِداكَ عَمُّكَ! إِنَّكَ لأَحَدُ مَنْ يُقْتَلُ مِنَ الرِّجالِ مَعي...

لذلك، لمَّا قُتل عليّ الأكبر، ووصلت النوبة لأولاد الإمام الحسن (عليه السلام)، لم يطق القاسم صبرًا، فجاء إلى عمّه الحسين يستأذنه في النزول إلى الميدان...

تَصَوَّرْ هذا المشهد، كم هو مؤلم لقلب الحسين (عليه السلام)! فالقاسم هو وديعة أخيه الحسن عنده، وقد ربّاه وكان يتيمًا، وهو له بمنزلة

 

428


391

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

الولد العزيز، وكان يحبّه حبًّا شديدًا، وهو بهذه السنّ، إذ قالوا إنّه غلام لم يبلغ الحلم... لذلك تقدّم إليه الحسين (عليه السلام) واعتنقه وهو يودّعه، وجعل يبكي والقاسم يبكي...

لسانُ حالِ الحسين يخاطبُ أخاه الحسن:

(نعي طور لِفى عاشور)

آه يا خويه آه يا خويه آه يا خويه آه

يا خُويه الحسنْ آنه احْسِينْ بْمِحِنْتِيْ اليومْ اشكِيلَك

اوِّنْ يالمُجْتَبى لإبنَكْ القاسمِ بالوِفا امْثِيلَك

بِالطَفْ مِنْ نِظَرني اليومْ واَنا ابْضيگ انادِيلك

صاحْ ابْصوتْ عِدْ عيناك لفْديِلك يعمِّي الرُّوح

آه يا خويه آه يا خويه آه يا خويه آه

امنِ اجاني جاسِم، ويِطْلِبْ مِنِّي يِدْخِل المِيدان

چَنِّي شِفْتَك اگْبَالي تِقَدْمَه للحرُب فرَحان

وانه بالحسْرة والُّلوعة حِضَنْتَه وِالگَلُبْ وَجْعَان

شِبِيهَك يا أُخويَ شْلُون اشَوْفَه عالثَّرى مَذْبوح

آه يا خويه آه يا خويه آه يا خويه آه

ثمّ قامَ الحسينُ (عليه السلام)، وألبسَ القاسمَ ثوبًا على هيئةِ الكفن، عمَّمَهُ بعمامةِ الحسنِ (عليه السلام)، وأعطاهُ سيفَ أبيه.

لسانُ حالِ العبّاسِ (عليه السلام) مخاطبًا القاسمَ ابنَ أخيه الحسن (عليه السلام).

يجاسِمْ عمِّي إفْديها هالأنْفَاس

لِإبِنْ بِنْتِ النِّبي هذا اشرفِ النّاس

 

429


392

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

خلْ وجْهَكْ وِسَطْ هالحَرُب نِبْراس

يا نورِ الحسنِ يبني آنَه عبَّاس

بماذا يجيب القاسم(عليه السلام)؟

يِكِلَّه إيْ يَعمِّي الموتْ يِسْوَه

مِنِيْتِي وَيْ أميري احسِينْ حِلْوه

عَسَلْ هالموت وامْنِ الحِزِنْ سَلْوه

لْعُمْرِ ابنِ الزِّجيِه الرُّوحْ فِدْوه

مضَى القاسمُ إلى خيمةِ أمِّهِ رملة، أرادَ القاسمُ أن يودِّع أمَهُ وعمَّتَهُ زينبَ وبناتِ عمِّه. أَحَطْنَ بهِ منْ كلِّ جانب، هذه تقول له أبلِغْ سلامي إلى أخي عليّ الأكبر، وهذه تقول أَبلِغْ عمِّي عنِّي السّلام.

أَوصِّيكْ يا يُمّه وِصِيَّه

تْسِمْعِين لَفْظِ جْوابي

شبَابْ لُو شِفْتيهم

بالله اذُكْرِي شْبَابي

محرومْ مِنْ شَمِّ الهِوا

مِنْ دون كِلَّ صْحابي

عطشانْ أنا يا والِدَه

حين الشِرِبْ اذكْريني

ثمَّ ودَّعها ونزِلَ إلى الميدان. يقول حَمِيدُ بنُ مسلم: خَرجَ إلينا غلامٌ وجهُهُ كفِلْقَةِ القَمَرِ، جَعَلَ يَضْرْبُ بالسيفِ ويقول:

إنْ تُنكِروني فأنا نجلُ الحسن

سِبْطُ النبيِّ المصطفى والمُؤتَمن

هذا حسينٌ كالأسيرِ المُرتَهَنْ

بينَ أُناسٍ لا سُقُوا صَوبَ المُزَن

وبينما يقاتُلهم قتالَ الأبطالِ، رغمَ عطشِهِ وصِغَرِ سنِّهِ، حتى قَتَل منهم عددًا كبيرًا، إذ انقطَعَ شِسْعُ نعلِهِ، فانحنى ليُصلِحَهُ، وإذا باللعينِ اغتَنَمَ هذه الفرصةَ وقال: واللهِ لأُثكِلَّنَّ به عمَّه، فجاءَهُ من خلفِهِ، وضرَبهُ بالسيف على رأسِهِ، فوقَعَ مناديًا: يا عمَّاه، يا أبا عبدِ الله، أَدركني،

 

430


393

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

عليكَ منِّي السّلام، فلمَّا سَمِعَ الحسين (عليه السلام) نداءَ القاسمِ، أَسْرَعَ إلى الميدان، وضَرَبَ قاتِلَهُ، وأَقبَلَ إليه فَرَآهُ مخضَّبًا بدمائِهِ، وقال: عَزَّ واللهِ على عمِّك أن تدعُوَهُ فلا يجيبُك، أو يجيبَك فلا يعينُك، أو يعينَك فلا يُغني عنك...

يعمِّي من ضِرَبْ هامِتَك نِصِّين

يبعدَ أهلِي اصوابْ اليوِجْعك وين

يعمِّي اشلونْ أشيلك للصِواوين

وانْتَه من الضرِبْ جِسْمَك مْخَذَّم

أرادَ الإمام الحسينُ أن يرفَعَ القاسمَ إلى خيمةِ الشّهداء، وضَعَ صَدَرَهُ على صدرِهِ، وحمَلَهُ إلى المخيَّمِ ورِجْلاهُ تَخُطَّان في الأرض؛ لأنّ الحسينَ أصبحَ منحنيَ الظَهر لعُظْمِ المصاب. ثمّ دخل إلى الخيمةِ، وضَعَه إلى جانبِ وَلَدِه الأكبر، وجَلَسَ بينهما، صار تارةً ينحني على ولدِهِ الأكبر وينادي: واعليَّاه؛ وتارةً ينحني على ابنِ أخيه القاسم، وينادي: واقاسِماه!

دخلت رملةُ، صارتْ تَحومُ حولَهُ، وتَخْضِبُ وجهَهَا من فيضِ دمِهِ، ولسانُ حالها:

(لحن الفراق)

يُمَّة يُمَّة فَتِّح عيونك لأُمّك

يُمَّة يُمَّة انا اريد لْصَدْري اضُمَّك

يُمَّة يُمَّة أَمْسَحِ جْروحَك واشِمَّك

 

لِيَّه جَابَك عمَّك وظهرَهْ كِسَرْتَه

لِيَّه جَابَك ادْمُوعَه عخدودَه نِظَرْته

لِيَّه جَابَك دمَّك المسفوح شِفْتَه

 

 

431


394

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

(بحر طويل)

يقاسِم يُمَّه ردِ اجوابْ

امَّك آنه مَحرومة

قَلْبِي كَمْ سهِمْ مِنْصَاب

ومِنِّي الروحْ مالُومَه

مَمْرودَه عيُوني اعلِيك

تِصِبِ ادْمُوعَها مِنْ دَمْ

لِيلْ انْهار افكِّر بِيْك

يا مَنْ لِلْجَرِحْ بَلْسَم

قَلْبُ امَّك بُقَى يناديك

نَهاري بعدَك اتْعتَّم

تِنَام اعْلى التِرِبْ القِيك

مَطْولْ يَبْنِي هالنُومه؟

مِثِلْ شَمْعةْ ضِوِّية جَان

شَبَابَك ياعزيزِ الرُّوح

يَورْدَة مشكِّلة بأغْصَان

تِهِلْ دمْ مِنْ اَثَرْ لِجْروح

شَبَاب وزينةِ الشُّبان

يَجَاسِم يَبني يامذبُوح

ثيابِ الزَّفه صارْ اكْفَان

ابدَّمه امْغرَّكَه اهْدُوُمه

(أبو ذيّة)

ضُلُوع امَّك يجاسِم حَنه بِيها

عِليك وهَظُم هَجْرك حَنَه بِيها

إيدك ما اكُولن حَنَه بِيها

دمِّ وترابِ منِ الغَاضريّه

 

أَطْفَالُهُمْ بَلَغُوا الحُلُومَ بِقُرْبِهِمْ

شَوْقًا إِلى الهَيْجَاءِ لَا الحَسْنَاءِ

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

 

432


395

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

المجلس الرابع

القصيدة

نَاهِيكَ بِالقَاسِمِ ابْنِ المُجْتَبَى حَسَنٍ

مُزَاوِلِ الحَرْبِ لَمْ يَعْبَأْ بِمَا فِيهَا

كَأَنَّ بِيضَ مَوَاضِيهَا تُكَلِّمُهُ

غِيدٌ تُغَازِلُهُ مِنْهَا غَوَانِيهَا

لَوْ كَانَ يَحْذَرُ بَأْسًا أَوْ يَخَافُ وَغًى

مَا انْصَاعَ يُصْلِحُ نَعْلًا وَهْوَ صَالِيهَا

مَا عَمَّمَتْ بَارِقَاتُ البِيضِ هَامَتَهُ

فَاحْمَرَّ بِالأَبْيَضِ الهِنْدِيِّ هَامِيهَا

أَلَا غَدَاةَ رَأَتْهُ وَهْوَ فِي سِنَةٍ

عَنِ الكِفَاحِ غَفُولُ النَّفْسِ سَاهِيهَا

وَتِلْكَ غَفْوَةُ لَيْثٍ غَيْرَ مُكْتَرِثٍ

مَا نَالَهُ السَّيْفُ إِلَّا وَهْوَ غَافِيهَا

فَخَرَّ يَدْعُو فَلَبَّى السِّبْطُ دَعْوَتَهُ

فَكَانَ مَا كَانَ مِنْهُ عِنْدَ دَاعِيهَا

تَقَشَّعَتْ ظُلُمَاتُ الخَيْلِ نَاكِصَةً

فُرْسَانُهَا عَنْهُ وَانْجَابَتْ غَوَاشِيهَا

وَإِذْ بِهِ حَاضِنٌ فِي صَدْرِهِ قَمَرًا

يُزَيِّنَ الطَلْعَةَ الغَّراءَ دَامِيهَا

وَافَى بِهِ حَامِلًا نَحْوَ المُخَيَّمِ وال

آمَاقِ فِي وَجْهِهِ حُمْرٌ مَجَانِيهَا

تَخُطُّ رِجْلاهُ فِي لَوْحِ الثَّرَى صُحُفًا

الدَّمْعُ مُنْقِطُهَا وَالقَلْبُ تَالِيهَا

 

 

434


396

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

(شعبي)

طلعت صارخة العيله

ويمَ جاسم غدت داره

وحده تشم وجناته

ووحده تگلب اكثاره

وأمّه شابكة العشره

ودمع العين يتجارى

(طور العكراوي)

يَرمْلَه

گُومي يَرمْله ودِّعي ابنِچْ المظلــــوم آه آه آه

جابَه العِزِيز حسين يتحسَّر وْمَهمُوم آه آه آه

أبُّو السَّجاد جابَه والگلُبْ مآلــــــوم

يِگلَّه

صُبَحْ ظَهري يَبويه اعلِيك مَجْسوم آه آه آه

يا رِيحَةِ الغالي المُجتبى المَسموم آه آه آه

إِبْنِچْ يَرَمْله اتْحنَّه بْفيضِ الدْمُـــــوم

(أبو ذيّة)

ضلع احسين على القاسم محنّه

يعمّي ابموتتك زادت محنّه

شاله احسين وبدمّه محنّه

آه حال شلون حال أمّه الزكيَّة

المصيبة

إنّ القاسم بن الحسن المجتبى (عليه السلام) كان واقفًا يوم عاشوراء في بقيّة من بقي مع الإمام الحسين (عليه السلام)؛ وبعض الروايات تذكر أنّه استشهد

 

435


397

الليلة الثامنة: عليٌّ الأكبر بن الحسين (عليهما السلام)

قبل عمّه العبّاس، وأخرى تذكر أنّه استشهد بعد عمّه. وعلى أيّة حال، فقد لبَّى نداء عمّه الحسين (عليه السلام) عندما سمعه ينادي: ألا هل من ناصر ينصرنا؟! ألا هل من ذابٍّ يذبُّ عنّا؟! ألا هل من مغيث يغيثنا؟! فتحرّكت الروح القتاليّة، روح الفداء في القاسم، فجاء إلى عمّه يقول: يا عم، إئذن لي في البراز؛ قال له (عليه السلام): بُني قاسم، أنت الوديعة من أخي، أنت العلامة. فلم يزل القاسم يقبّل قدمي عمّه ويديه، فقال له الحسين: بُني قاسم، أراك تمشي إلى الموت برجليك، قال وكيف لا يكون ذلك وأنت بقيت بين الأعداء وحيدًا فريدًا لا تجد ناصرًا ومعينًا، روحي لروحك الفداء ونفسي لنفسك الوقاء، عندها قال له الحسين: بُني قاسم إليّ إليّ، فدنا منه القاسم، فجاء به الحسين إلى الخيمة، وأتى بصندوق الإمام الحسن المسموم الذي فيه ودائعه وملابسه ولامة حربه، فأخرج الحسين ملابس الحسن وعمامته وسيفه وقلّد القاسم السيف، وشقّ أزياقه، وقطع العمامة نصفين وأدلاها على وجهه، ثمّ ألبسه ثيابه على صورة الكفن، وما ملك نفسه دون أن ضمّه إلى صدره، وبكيا معًا، وقبل أن ينزل إلى الميدان، ودّع أمّك وأخواته، وما أصعبها من ساعة!

من طلع جاسم للحرب

واطلعت رمله اتودعه

او جاسم يقلها من برز

يا والده اسألك الدعه

ثمّ برز، وهو يرتجز قائلًا:

إنْ تُنْكِرُونِي فَأنَا نَجْلُ الحَسَنْ

سِبْطُ النَّبِيِّ المُجْتَبَى وَالمُؤْتَمَنْ

هَذَا حُسَيْنٌ كَالأَسِيرِ المُرْتَهَنْ بَيْنَ

أُنَاسٍ لَا سُقُوا صَوْبَ المُزُنْ

 

436

 


398

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

أخذ يقاتل القوم قتال الأبطال والشجعان، على الرغم من عطشه وصغر سنّه، وبينما هو يقاتل انقطع شِسْعُ نعله فأهوى إليه ليصلحه، قال حميد بن مسلم: وكان عمر بن سعد بن نفيل الأزديّ إلى جانبي، فقال: والله لأشدَّن على الغلام، ولأثكلنّ به أمه، فما ولّى حتّى ضرب القاسم بالسيف ففلق هامته! فخرّ إلى الأرض صريعًا، ينادي: عليك منّي السّلام يا عمّاه، أدركني، فجاء الحسين حتّى وقف عنده وإذا بالقاسم يفحص بيديه ورجليه وهو يرفرف كالطير المذبوح... -رحم الله من نادى: واقاسماه، واسيّداه- فقال له الحسين: بني قاسم، عزّ على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا يعينك، أو يعينك فلا يغني عنك شيئًا، هذا يوم والله كثر واتره وقلّ ناصره!

طاح وصاح يا عمّي

وأبو اليمّه تدناله

شافه يرفس برجله

وهمل دمعه على حاله

شاله ببردته شاله

وجابه لخيمة عياله

وصارت للخيم لمّه

هذي بنحره تشمّه

وهذي تحبّه وتضمّه

وأمّه تصيح يوليدي

عساك بعرسك مهنّه

يقول المؤرّخون: نزل الحسين (عليه السلام) إلى القاسم فاحتمله على صدره، وكانت رجلا القاسم تخطّان في الأرض، لماذا؟ لأنّ مصيبة القاسم هدَّت ركن الحسين (عليه السلام)، جاء به الإمام (عليه السلام)وألقاه في خيمة الشّهداء إلى جانب ولده عليٍّ الأكبر!

 

437


399

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

شاله احسين وايخطّن اجدامه

اوجابه الخيمته اومحني الگامه

يگله للحسن ردتك علامه

يجاسم تظل يا شمعة الشبان

ثمّ جعل ينظر تارةً إلى ولده، وينادي: واولداه! واعليّاه! وأخرى ينظر إلى القاسم، وينادي: واقسماه! وابن أخاه!

شَاَله اوْ لَلِمْخَيَّم بِيْه سَدَّرْ

وحَطْ جاسِم يويلي الصَف الكبر

گِعَدْ ما بينهُم والدَّمِعْ فَجَّر

تِشِبْ نارَهْ او عْلِيْه اتْراكَم الهَم

كأنّي برملة، هذه الأمّ الوالهة، تأتي إلى ولدها، تنادي: واولداه! واقاسماه! ولسان حالها:

ربّيتك ابماي العين

يبني واحسب اسنينك

واتفكّر لعد طولك

اوعيني ناظره العينك

لبالي افرح ابعرسك

واحنّي ابيمنتي ايمينك

وانصب حوفتك بيدي

واعيّد وافرح ابعيدي

ابدال العرس يوليدي

اشوفنّك على التربان

يمـدلل ابهـا الحالــه

 

آه يبني شقول عليك آه يبني

دولبني زماني عليك دولبني

آه يبني شقول عليك يا سلوى

شلون أنساك وأنسى أيامك الحلوة

شهالبلوى المثلها ما سدت بلوى

آه يبني لعند الموت ما تذبني

آه يبني شقول عليك آه يبني

 

 

438


400

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

(أبو ذيّة)

يبني ما ذكرت أمّك وحنّيت

عفتني من انطبق ظهري وحنّيت

يجاسم خضّبت شيبي وحنّيت

بدمّك يا شباب الغاضريّه

 

مَا كُنْتُ آمُلُ أَنْ أَبْقَى وَأَنْتَ عَلَى حَرِّ

الصَّعِيدِ ضَجِيعَ الصَّخْرِ والحَجَرِ

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

439


401

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

الملحقات الشعريّة

الشعر القريض

القصيدة الأولى: ذِكْرَى تَرَدَّدُ فِي فَمِ الْأَزْمَانِ

ذِكْرَى تَرَدَّدُ فِي فَمِ الْأَزْمَانِ

كَالشَّمْسِ مُشْرِقَةً عَلَى الْأَكْوَانِ

ذِكْرَى الْبُطُولَةِ وَهْيَ أَسْمَى

فِكْرَةٍ بِالنَّصْرِ وَالتَّوْحِيدِ وَالْإِيمَانِ

شَعَّتْ عَلَى أَرْضِ الطُّفُوفِ شُمُوسُهَا

مِنْ حَدِّ سّيْفٍ صَارِمٍ وَسِنَانِ

يَا مُنْقِذَ الدِّينِ الْحَنِيفِ مِنَ الْأَذَى

وَمُعِيدَ زَهْرَتِهِ إِلَى الرَّيَعَانِ

يَوْمَ الطُّفُوفِ وَإِنَّهُ لَصَحَائِفٌ

حَمْرَاءُ خَطَّتْ مِنْ دَمِ الشُّبَّانِ

يَوْمٌ بِهِ فُجِعَ الْحُسَيْنُ بِأَهْلِهِ

وَبِصَحْبِهِ صَرْعَى عَلَى التِّرْبَانِ

كَالْقَاسِمِ الْعَرِيسِ شِبْلِ الْمُجْتَبَى

ذَاكَ الْمُهَذَّبُ مِنْ بَنِي عَدْنَانِ

أَضْحَى صَرِيعًا وَالدِّمَاءُ خِضَابُهُ

فَأَصَابَ أَهْلَ الْبَيْتِ بِالْأَحْزَانِ

وَأَتَى الْحُسَيْنُ وَظَهْرُهُ مُتَحَدِّبٌ

يَدْعُو بُنَيَّ لَقَدْ هَدَمْتَ كَيَانِي

وَأَتَتْهُ رَمْلَةُ وَالْفُؤَادُ مُفَطَّرٌ

تَبْكِي الْعَرِيسَ وَشمْعَةَ الشُّبَّانِ

 

 

440

 


402

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

القصيدة الثانية: يَا عَيْنُ جُودِي بِالدُّمُوعِ السُّكَّبِ

يَا عَيْنُ جُودِي بِالدُّمُوعِ السُّكَّبِ

لِفَتىً بَكَى شَجْوًا لَهُ سِبْطُ النَّبِي

عَشِقَ الشَّهَادَةَ وَهُوَ فِي دَوْرِ الصِّبَا

وَسِوَى الشَّهَادَةِ مُذْ مَشَى لَمْ يَرْغَبِ

هُوَ قَاسِمٌ نَجْلُ الإِمَامِ المُجْتَبَى

أَفْدِيهِ لَوْ يُجْدِي الفِدَا بَأَبِي وَبِي

يَحْكِي أَبَاهُ شَمَائِلًا فَكَأَنَّهُ

هُوَ نَفْسُ وَالِدِهِ الزَّكِيِّ الأَنْجَبِ

لَمَّا رَأَى زُمَرَ الضَّلالِ بِكَرْبَلا

زَحَفَتْ وَمِنْ رَبِّ السَّمَا لَمْ تَرْقُبِ

زَحَفَتْ لِقَتْلِ السِّبْطِ سِبْطِ مُحَمَّدٍ

سَئِمَ الحَيَاةَ بِذِلَّةٍ وَهُوَ الأَبِي

فَانْصَاعَ يَطْلُبُ رُخْصَةً مِنْ عَمِّهِ

حَتَّى يَنَالَ بِها عَظِيمَ المَطْلَبِ

يَا عَمُّ نَادَى ضَاقَ صَدْرِي وَانْطَوَتْ

مِنِّي الضُّلُوعُ عَلَى سَعِيرٍ مُلْهِبِ

كَيْفَ الحَيَاةُ تَطِيبُ بَعْدَ أَحِبَّتِي

أَوْ أَسْتَلِذُّ بِمَطْعَمٍ أَوْ مَشْرَبِ

وَهُنَاكَ آَهَاتُ الحُسَيْنِ تَتَابَعَتْ

وَأَهَاجَ وَجْدَ فُؤَادِهِ طَلَبُ الصَّبِي

وَهَوَى عَلَيْهِ لَاثِمًا وَجَنَاتِهِ

وَالدَّمْعُ يَهْمِي كَالسَّحَابِ الصَّيِّبِ

نَادَاهُ أَنْتَ لَنَا بُنَيَّ عَلَامَةٌ

عَنْ ذَاتِ وَالِدِكَ السَّمِيمِ الأَطْيَبِ

فَارْجِعْ لِكَيْ تَرْعَى عَقَائِلَ حَيْدَرٍ

فِي حِينِ تُؤْسَرُ فَوْقَ أَخْشَنِ مَرْكَبِ

القصيدة الثالثة: متى مِنْ بنِي الزّهْراءِ يظْهرُ قائِمُ

متى مِنْ بنِي الزّهْراءِ يظْهرُ قائِمُ

فقدْ ظهرَتْ فِي العالمِينَ العلائِمُ

وقدْ شاعَ فِينا الظُّلْمُ وانْطمسَ الهُدى

ولمْ نرَ منْ فِيهِ تُردُّ المظالِمُ

 

441


403

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

أغِثْنا رعاك اللهُ يابْن مُحمّدٍ

وأنْتَ بِما قدْ حلَّ فِينا لعالِمُ

أتُغْضِي وشمْلُ الدِّينِ أمْسى مُبدّدًا

وأجْزاؤُهُ بِالجمْعِ لا تتلاءمُ

وعمُّك باِلسُّمِّ النّقِيعِ وفاتُهُ

ولمْ تُرْعَ فِيهِ لِلنّبِيِّ ذمائِمُ

وجدُّك بِالطّفِّ اسْتباحَتْ دِماءَهُ ال

عِدى فارْتوتْ مِنْهُ القنا والصّوارِمُ

غداةَ أتى أرْضَ العِراقِ بِفتْيةٍ

مصابِيحُ أنْوارٍ إِذا الّليلُ فاحِمُ

بِهِمْ ذلِك الغِطْرِيفُ والسيّد الّذي

نمتْهُ إِلى سِبْطِ النّبِيِّ الفواطِمُ

هُو ابْنُ الزّكِيِّ المُجْتبى القاسمُ الّذي

لِهامِ الأعادِي بِالمُهنّدِ قاسِمُ

فواللهِ لا أنْساهُ فِي حملاتِهِ

كمِثلِ عليٍّ والصُّفُوفُ تُزاحِمُ

فلهْفِي لِذاك الغُصْنِ بعْد اخْضِرارِهِ

ذوى يابِسًا ناحتْ عليْهِ الحمائِمُ

ولهْفِي لِذاك الخدِّ أشْرقَ قانِيًا

بِبحْرِ نجِيْعٍ موْجُهُ مُتلاطِمُ

ولسْتُ بِناسٍ سِبْطَ طهَ مُذِ انْحنى

عليْهِ وعيْناهُ دُمُوعًا سواجِمُ

أتى فِيهِ فُسْطاطَ النِّساءِ وصدْرُهُ

على صدْرِهِ فاسْتقْبلتْهُ الكرائِمُ

القصيدة الرابعة: على قبرٍ بأرضِ الطفِّ نوحٌ

على قبرٍ بأرضِ الطفِّ نوحٌ

وصرخةُ والدٍ فقدَ الوليدَا

عزاءٌ صدّعَ الأكوانَ حُزنًا

ألانَ بأنَّةٍ منهُ الحَديدا

كأنَّ المُجتبى يَنعى حبيبًا

لهُ في كربلا ينعى فقيدا

 

 

442

 


404

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

أقاسمُ ها أباكَ إليكَ لبّى

ليبكي في الثرى رأسًا وجيدا

فقم ولدي وحدِّث فيَّ جُرحًا

أجِبني كيفَ حزّوهُ الوريدا

وقل يا نورَ عيني أيُّ جرحٍ

يؤلّمُ فيكَ إيلامًا شديدا

أجرحُ القلبِ أم سهمُ المنايا

أم الأضلاعُ مذْ صارَت صعيدا

وإذ بالصوتِ من نحرِ المنايا

يُنادي والبُكا يتلو النشيدا

جراحُ المَوتِ يا أبَتاهُ تحلو

فدونَ العمِّ قد صرْتُ الشّهيدا

القصيدة الخامسة: على القاسِم العِرّيسِ أمُّ المَكارِمِ

على القاسِم العِرّيسِ أمُّ المَكارِمِ

أشَاعَتْ بِيْومِ العُرسِ نَشرَ المآتِمِ‏

لقد جُمِعَتْ فيه العجائِبُ كلُّها

كما جُمِعَت فيهِ دَواهِي العظائِمِ

ولم أنسَهُ لمّا هَوَى بَعدَ أنْ هَوَتْ

بِبَطشتِهِ الكُبرى كُماةُ الضيَاغِمِ

غَداةَ هَوَى يَشكُو الظَمَا قَدْ كُسِي دَما

جوارحُهُ كَلْمَى حَطيمُ مَبَاسِمِ

يُنادِي أيَا عَمَّاهُ أودعتُكَ الّذي

إليهِ مَصيرُ الخَلقِ يا خَيرَ عاصِمِ

لئنَ فُزتَ من عِزّي بِسَبقِكَ للعِدَى

فقد عزَّ أن تلقى العِداةَ بِلا حَمِي

وعزَّ عليهِ أنْ يَراهُ مُقَطّرا

عليهِ بُرودٌ من دماءٍ سَواجِمِ

ولم أنسَ تلكَ الأُمّ إذ ثُكِلَتْ بهِ

وقد شَكَرَتْ مَا حَازَهُ مِن مَغانِمِ

تقولُ لقَدْ بَيَّضْتَ وَجهِي لِفَاطِمٍ

وإنْ سَوَّدَتْ دُنيايَ سودُ القَواصِمِ

بُنيَّ لئن جلَّ المُصابُ بما جَرى

فقد فُزتَ في العُقبى بأربى الغنائمِ

 

443

 


405

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

الشعر الشعبيّ

أوّلًا: الأبو ذيّات

1. انهدم ذاك البنيته وطاح يبناي

انهدم ذاك البنيته وطاح يبناي

يجاسم ليش بيّه اقطعت يبناي

تبقى وياي ظنّي بيك يبناي

تباريني لمّن تدنّه المنيّه

2. ليالي اسهرت برباك وعدلك

ليالي اسهرت برباك وعدلك

وحسِّب للعرس يبني وعدلك

أتاري الموت تاليها وعدلك

تعوف العرس وآنه ابقى ابعزيّه

3. تعبت يبني على تربيتك ولا روح

تعبت يبني على تربيتك ولا روح

وبعد لا مهجة ظلّت لي ولا روح

أظل طول العمر بعدك ولا روح

شلون وأنت على الوطيّة

ثانيًا: القصائد والأبيات

1. طلع من خيمته الجاسم

طلع من خيمته الجاسم

وراح لعمّه يودعه

لازم مرهفه بيده

ولابس للحرب درعه

شافه من بعيد حسين

والجاسم هِمل دمعه

يقلّه يبني يا مشيّم

وطالع من المخيّم

 

444


406

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

واشوفك يالولد مهتم

لابس سيفك ودرعك

ومثل الغصن تتدنى

قال الحرب مقصودي

واريدنّك ترخّصني

قلب ما ظل بعد عندي

وعلى الصبر يسعدني

يقلّه شلون ارخصنك

واخافن تنقتل يبني

يبني شلون عليّ يهون

يجاسم تطب هذا الكون

ما بيه الذي يرحمون

ومن تنقتل يا وليدي

عودك شعتذر منّه

يقله بعد لا تظن يحسين

بعد ارجع للمخيم

وأنت تنذبح مظلوم

وأنا من الذبح أسلم

يعمي ما ترخّصني

قلبي خلص من الهم

قام يودعه عمّه

ولوجناته يشمّه

وجاسم ينتحب يمّه

وعمّه يهمل دموعه

وجاسم يجذب الونه

قصد جاسم إلى الميدان

لازم مرهفه بكفّه

وطلع ويلي من الخيمة

يخاف القوم ما تعرفه

صاح أنا الحسن عودي

وكل ذاك الجمع لفّه

 

445


407

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

وصاح أنا المرتضى جدّي

شوف عليكم اشيسدي

لكن عاجله الأسدي

عِمت عينه طبر راسه

وصارت بالخيم حنّه

طاح وصاح يا عمّي

وأبو اليمّه تدنّاله

شافه يرفس برجله

وهمل دمعه على حاله

شاله ببردته شاله

وجابه لخيمة عياله

وصارت للخيم لمّه

هذي نجده تشمه

وهذي تحبّه وتضمّه

وأمّه تصيح يوليدي

عساك بعرسك مهنّه

2. ورملة على الجاسم هوت تلطم صدرها

ورملة على الجاسم هوت تلطم صدرها

تنادي عروسك بن سعد يبني أثرها

وانت طريح وجثتك ما حّد قبرها

مدلل يعيني وبالثرى تبقى رميّة

گلها بلسان الحال صبري وودعيني

شقّي ضريح يالوالدة ولحّديني

وجمعي وسادة من الترايب وسديني

بالك اشبيدي والعدى دنّى المطيّة

يبني ضعيفة بحال وذوبني مصابك

بعدك شباب وما تهنّيت بشبابك

عريس يبني ومن دما نحرك خضابك

شخصك گبالي لوح منتصب صبح ومسيّة

 

 

446


408

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

3. نايم يبعد لكبد والروح

نايم يبعد لكبد والروح

لو نفذ دمك من الجروح

ما تسمع أمّك يمّك اتنوح

نوح الحمام اليحن بالدوح

يالحنتك دمّك المسفوح

أنا الوالده وانته ضناها

والوالده تطلب رباها

ليش انقطع منّك رجاها

يبني انطفه عيني ضواها

يومك يالوحيد عماها

وضلوعي القصر حناها

يبني امهنّه ابطيب نومك

عريان ومسلبّه اهدومك

حرّ الشمس غيّر ارسومك

لون تنشره ابروحي لسومك

وين الذي ياخذ اعلومك

لبوك الحسن وهلك وقومك

اويلاه يا لغسلك ادمومك

اويلاه يبني اليوم يومك

4. نوبه ينحني على ابنه ويحبّه

نوبه ينحني على ابنه ويحبّه

ويمد إيده يجسّ جروح قلبه

ونوبه الدمع عالجاسم يصبّه

ويقلهم اشبيدي على المحتم

5. وامّه الحزينه تنتحب واتنوح يمّه

وامّه الحزينه تنتحب واتنوح يمّه

تلطم صدرها اوتلثم اجروحه اوتشمّه

والشعر منها اتخضبه من فيض دمّه

واتقول قبلك ليت يابني غالني البين

 

 

447


409

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

يبني انقطع رجواي منّك يبن الطياب

من بعد ماني امأمّله بيّك الأمل خاب

واتصيح يا نسوان ماحر موتة الشاب

منلام لو منّي على اجله عميت العين

6. لفاهم واحد امن القوم

لفاهم واحد امن القوم

مشهر مرهفه ابيده

يضرب بي يريد احسين

لاكن من عرف قصده

عن عمّه شقف بيده

اوطاح المرهف ابزنده

صاح الطفل يا عمّي

طبرني وانهدر دمّي

إقرب صاحله يمّي

ايده امعلّقه او يصرخ

ويعايـن القـتـّالـــه

7. انا الوالده وحقّي اعاتب

أنا الوالدة وحقّي اعاتب

أنا ربّيتك وبرباي اطالب

يبني يجاسم ما يناسب

تعوف امّك لهاي المصايب

8. امبارك ما بين سبعين ألف جابوك

امبارك ما بين سبعين ألف جابوك

عن الحنه ابدما الراس حنّوك

ابدال الشمع بالنِّشاب زفُّوك

املبّس فوق راسك نبل تنثر

9. ربّيتك يا عيني وعيني بعينك

ربّيتك يا عيني وعيني بعينك

واتنطّر لعرسك واحسب سنينك

تاليها يا جاسم اسمع أنينك

واشوفك داير ابشخصك خيالها

 

448


410

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

10. جابوك يبني اولا عرفتك من الجروح

جابوك يبني اولا عرفتك من الجروح

يا شمعة البيت اوزهرته اوفرحة الروح

عگب الفرح يا حيف تالي العمر بالنوح

أگضّيه يبني لا عسن ظليت بعدك

11. يا لبيدي افرشلك كنت يبني وأغطِّيك

يا لبيدي افرشلك كنت يبني وأغطِّيك

نايم عله التربان هِسّه اولا نفس بيك

لو يرضه منّي الموت والله ابروحي أفديك

12. شباب اوبدور وابدمهم تحنُّوا

شباب اوبدور وابدمهم تحنُّوا

وابلذّت الدنيا ما تهنُّوا

عله موت الشرف والعزّ تعنُّوا

ولا ذلّوا لعند اسيوف اميّه

13. يبني يجاسم جيت أشمك

يبني يجاسم جيت أشمّك

وبدمعي أغسل جروح جسمك

اقعد يمن لا ظلت أمّك

ظل قلبي يبني يحوم يمّك

14. ربّيتك وعيني عليك تربي

ربّيتك وعيني عليك تربي

ويحسب بيك ليل نهار قلبي

يجاسم بيش أوقد بعد دربي

وضوء عيني طفاها الدهر واظلم

15. آَني امِ الشباب أبْچِي

آَني امِ الشباب أبْچِي

ومِنْ عيني الدمِعْ سَاجِمْ

لا تِرْحَلْ يَبعْدَ أهلي

وارْحَمْ حالي ياجاسِم

 

 

448


411

الليلة التاسعة: القاسم بن الحسن (عليهما السلام)

16. يَمْ جاسِم غِدَتْ للحَرَمْ حَنَّه

يَمْ جاسِم غِدَتْ للحَرَمْ حَنَّه

لمَّن شافِتَه ابدَمَّه تِحَنَّه

أُمْه اتْصيح يا جاسِمْ امْهَنَّه

ابْهلْزّفَه يَبَعْدِ الخَال والعَم

17. كل همّي اشوفنّك

كل همّي اشوفنّك

تكبر واحسب ايّامك

وتحقّق حلمي وانت الّي

تحقّق كلهن أحلامك

مااكَدر اصد نحرك

يجري وتكثر آلامك

يا مهجة حياة امّك

ترجع جثّه متقطعه

يجاسم ريت مو ميّت

ولا شوفك نحر دامي

ولا يبقى القلب بعدك

والله الشوفتك ضامي

صحت بصوت يوليدي

بعدك راحت أحلامي

أعظم شي على الام كون

ابنها للثرى اتودعه

ارجع يا نبض قلبي

ميته الأم بعد عينك

آنه الي صحت يبني

بالحومه طحت وينك

ليش اخضاب ماشوفن

بس دم صبغ كفّينك

يبني بعد من عندك

لا ما انتظر رجعه

 

 

450


412

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع
المجلس الأوّل

القصيدة

أوَما رقَقْتَ بكربلا يا حرْملهْ؟

ولما جنيْتَ بكتْ عيونُ البسْمَلهْ

هذي سِهامُكَ صوَّبتْ كَبِدَ الْهُدَى

بَلْ سطَّرَتْ في العَرْشِ آيَ الزلزلهْ

عينُ الكفالةِ أنتَ مَنْ أطفأْتَها

فلها البتولةُ في الجَنَائنِ مُعْوِلهْ

ورميتَ بالسَّهْمِ المُثلَّثِ مُهْجةً

دمُها رقى في الخُلْدِ أعلى منزِلَهْ

حدِّثْ ففي قَلْبِ الربابِ تساؤلٌ

(أوَمَا رققْتَ بِكَرْبلا يا حرْملَهْ)؟!

فيجيبُ لا أنسى حسينًا قادِمًا

يَمْشِي وبيْنَ يديْهِ طِفلٌ ظلَّلَهْ

قالَ ارْحَمُوه وبَلِّلوا عطشَ الحشا

ما كانَ ينقصُ ماؤكمْ إِنْ بلَّلهْ

صوتٌ بهِ انفصَمتَ عُرى سُفْيانِهمْ

ما بينَ مدْبِرةٍ وأخرى مُقْبِلَهْ

سدَّدتُ سَهْمِيَ لا أرى منْ نَحْرِهِ

إلا بياضًا ناصعًا ما أجْملَهْ!

وثكَلتُ والدَهُ بقَطعِ وريدِهِ

إِذْ كانَ قَطْعُ نِزاعِهم أنْ أقْتُلَهْ

كالطَّيْرِ رَفَرفَ للحُسَينِ ببسمةٍ

ودنَا إليْهِ يضمُّهُ فرققتُ لَهْ

 

 

452


413

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

ساعد الله قلب الحسين! أخذ ابنه عبد الله الرضيع ليسقيه شربة من الماء، بعدما جفّ لبن أمّه، فرمَاه القوم سهمًا ذبحوه من الوريد الى الوريد!

شالْ ابْنَه الرَّضِيعْ احْسينْ

طِفِلْ حَرِّ العَطَشْ ماذِيه

يا شِيْعَة بَنيْ سُفيانْ

شِرْبَة مايْ اَرِيدْ اسْگِيه

هذَاَ الغاليْ عَبْدَاللهَ

صَبَّحْ تِرْتِعِشْ رِجْليه

ما ظَلْ حيلْ بِوْليدي

يا ناسْ اوْسِبَلْ إِيْديه

بَسْ ايْدِيرْ لَيَّه العينْ

يِشْكِيْ ليْ لَهيبْ الْ بِيه

شَبِيْهّ المُصطَفَىَ جَدَّهْ

اوْ يِتْحَرَّمْ المايْ اعْليه

تِبَسَّمْ هَاَلْطِفِلْ لَحْسينْ

رادْ ايْوَدْعَهْ وِيْناغيِه

اوْلَنْ مالَتْ رُگُبْتَهْ اوْصاحْ

وِالدَّمْ فاضْ وِامْغَطِّيه

ليشْ انْذِبَحْ عَبدَ اللهَ

اوْشِنْهُو ذَنِبْ الْ امْسَوِّيه

أمّا حال أمّه الرباب، ساعد الله قلب الأم! كأنّي بها تخاطبه:

(فايزي)

نوم العوافي يالولد مستعجل تنام

فطموك يا يمّه الولد بالنبله اسهام

فطموك يا يمّه الولد بحضيني فطموك

بعدك ازغير يالولد والماي حرموك

وللبين عبدالله برمح يوليدي سلموك

صغيرون يوليدي ولا كمّلت هالعام

نوم العوافي يالولد مذبوح مذبوح

بالنبله يمّه يالولد بمهادك اتروح

 

453


414

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

خلّيت بقليبي آلالم واحزان وجروح

وياك ضاعت منّي يمّه كلّ الاحلام

لَتظن اذوقه يالولد من بعدك الماي

عطشان يا يّمه رحت يا بعد دنياي

واشلون اشرب واهتني من عمت عيناي

خلّيت امّك بالهضم والهم والالام

(أبو ذيّة)

امصاب الطفل كم مدمع به انصاب

يحقّلي ابكل أرض مأتم به انصب

سهم الصاب عبد الله به انصاب

دليلي وشفت ويّاه المنيّه

(عاشوري)

يا ناس حتّى الطفل مذبوح آه آه

ودمّه على زند حسين مسفوح

وين اليساعدني ويجي اينوح آه آه

قلبي على فرگاه مجروح

المصيبة

رُوي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) أنّه قال: إنّي لجالس في تلك العشيّة التي قُتل أبي في صبيحتها، وعندي عمّتي زينب تمرّضني، إذا اعتزل أبي في خباء له، وعنده جون مولى أبي ذرّ، وهو يعالج سيفه ويصلحه، وأبي يقول:

يَا دَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خليلِ

كَمْ لَكَ بالإِشْرَاقِ والأصيلِ

من صَاحِبٍ وَطَالِبٍ قتيلِ

والدَّهْرُ لاَ يَقْنَعُ بالبديلِ

وَإنّما الأَمْرُ إلى الجليلِ

وَكُلُّ حيٍّ سَالِكٌ سبيلي

ما أقرب الوعد من الرحيلِ

 

 

454


415

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

فأعادها أبي مرّتين أو ثلاثًا حتّى فهمتها، وعرفت ما أراد، فخنقتني العبرة فرددت دمعتي ولزمت السكوت وعلمت أنّ البلاء قد نزل! أمّا عمّتي زينب، فإنّها لما سمعت ما سمعت، وهي امرأة ومن شأن النساء الرقّة والجزع، فلم تملك نفسها دون أن وثبت تجرّ أذيالها حتّى انتهت إليه، وهي تنادي: واثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة! اليوم ماتت أمّي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن، يا خليفة الماضين وثمال الباقين!

‎فنظر إليها الحسين (عليه السلام) نظر رأفة ورقّة، وصار يسلّيها ويسكن قلبها، قالت: بأبي أنت وأمّي، استقتل ؟! نفسي فداك، فردّ الحسين غصّته وترقرقت عيناه بالدموع، فقالت: ردّنا إلى حرم جدّنا رسول الله؛ فقال: هيهات، لو تُرك القطا ليلًا لغفا ونام! فقالت: واويلتاه! أفتغتصب نفسك اغتصابًا؟! فذلك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي؛ فقال لها الحسين: أخيّة، اتّقي الله، وتعزَّي بعزاء الله، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون، وأنّ أهل السماء لا يبقَون.

نعم، إنّها ليلة صعبة على قلب زينب، ليلة الوداع!

(لحن لفى عاشور/ يا جبريل/ التغريد الحزين وألحان أخرى)

كم ليلة بأثر ليله

مرّت عالقلب مُرّه

لكن ليلة العاشر

أشد واصعب على الحوره

مكسورة گلب وصلَت

وخلّت راسها بصدره

 

455


416

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

نوبه تشمّه وتضمّه

ونوبه تصيح يا زهره

خويه موَدِّع اللّيله

وعيني من البكا حرّه

يحرم ع العيون تنام

لو شافت دِمه نحره

يصبّرها أبو سكينه

وعن البلوى يحاكيها

باكر لو لفاكم جيش

يختي وصيّة نفذيها

عبايه فاطمة أمّي

على رأسك دخلّيها

وان شفتي الشمر يمّي

نادي يمّه يالزهره

مرعوبه تهل دمعه

وعين تناظر المظلوم

دمعها يمسحه بكفّه

يختي اتصبّري بهاليوم

يَروح رويحتي زينب

ادري بالگلب مالوم

بجاه الزهره عذريني

الأخت دوم الاخو تعذره

سمعت بقيّة النسوة، فجئن وبكين ونصبن المناحة، ثم إنّ الحسين (عليه السلام) أنبأهن بما يحلّ بهنّ من رزايا ومحن، وأوصاهنّ بتقوى الله وتحمّل ذلك بصبر واحتساب. وكان للحسين (عليه السلام) وداع مع أخواته وإخوته وبناته وأبنائه، وكان له وداع خاصّ بطفله الصغير عبد الله، يطيل النظر إليه ويتأمّل محيّاه، وشبهه بجدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هذا وداع؛ ووداع آخر يوم عاشوراء، لمّا قُتل أصحابه وأهل بيته، ولم يبقَ معه أحد ينصره، وإذ بزينب تأتي إليه بطفله الرضيع، بعد أن جاءت به إليها أمّه الرباب، وهي تقول: هاكم رضيعكم يا آل محمّد!

 

456


417

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

(لحن الجفيري)

خويه رضيعك شيله

أمّه بألم تدعيله

واتسكته واتلوليله

حال الطفل يفجع تره

يبكي تراه وما غِفَه

كبدة رضيعك ناشفه

واتشگگت منه الشفه

حال الطفل يفجع تره

حالة لظى بي هوه

مو بس ضمي ويتروّه

شوف الطفل يتلوّه

حال الطفل يفجع تره

رقّ قلب الحسين لحال طفله الذي اصفرّ لونه من شدّة الظمأ، فأتى به نحو القوم ووقف مناديًا: يا قوم، قتلتم إخوتي، قتلتم أهل بيتي وأنصاري، ولم يبقَ عندي سوى هذا الرضيع! يا قوم، اسقوه شربة من الماء، فقد جفّ لبن أمّه من شدّة العطش! يا قوم، إن كنتم تخافون أن أشرب الماء فخذوه إليكم واسقوه أنتم. اختلف القوم فيما بينهم؛ منهم من قال: إن كان ذنب للكبار فما ذنب الصغار؟ ما ذنب هذا الطفل الرضيع؟ ومنهم من قال: لا تبقوا لأهل هذا البيت باقية (يعني لا ترحموا كبارهم ولا صغارهم). فلمّا رأى عمر بن سعد ذلك، صاح في حرملة: ويحك حرملة، اقطع نزاع القوم...

 

457

 


418

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

يقول حرملة: حكّمت سهمًا في كبد القوس، نظرت إلى الرضيع أين أرميه؟ في أيّ موضع من جسمه يرميه، لأنّه كان مقمّطًا بين يدي أبيه! وبينما أنا كذلك هبّت ريح، فكشفت النقاب عن وجه الرضيع، وإذا برقبته تلمع على عضد أبيه الحسين، كأنّها إبريق فضّة، فرميته فذبحته من الوريد إلى الوريد!

(عاشوري)

طفل هذا وشنو ذنبه يا ظُلّام آه آه

عطشان الزغير وعينه مَتنام

لچن هالگوم ردّوله بالاسهام آه آه

وذبحَوا علي الاصغر بيد ابيّه

نفض من حس ألم وانشبحت العين آه آه

ودُموعه تستغيث ابوجه الحسين

اويلاه رگبته گسموها نصّين آه آه

ابسهم مسموم راضعته المنيّه

لمّا رأى الإمام الحسين (عليه السلام) الدمّ يجري من نحر طفله، وضع كفّه تحت نحره، فلمّا امتلأت دمًا رمى به نحو السماء، وقال: هوّن ما نزل بي أنّه بعين الله!

(نصّاري)

تِلَگَّى حْسينْ دمِّ الطِفِل بِيْدَه

اشْحَالَه اليِنْكِتِلْ ابحُضْنه اوْلِيده

شاله ومِلا چَفَّه منِ وْرِيده

ارمَاه للسِمَا وللگَاع ما خَرْ

لمّا عاد إلى أمّه، ورأت رضيعها مذبوحًا، صرخت: واولداه! واذبيحاه! ساعد الله قلب الأم! ما حالها وقد عاد إليها طفلها مذبوحًا؟!

 

 

458

 

 


419

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

يبني يعبد الله يمحروم

يا من ابسهم البين مفطوم

عگبك تراني امفارگه النوم

امساهره اللّيل واحسب نجوم

اشعندك ذنب يبني ويّه هالگوم

لنحرك تگطعه ابسهم مسموم

ابدال الشرب ترويك بدموم

وصوّبوا گلب امّك المالوم

من يوم عنّي غبت لليوم

دمع البيابي عليك مسجوم

جمر الحزن بالچبد مضروم

وعليه طير الفاجعه يحوم

حگ ارضه واصبر على المقسوم

(لحن لفى عاشور/ يا جبريل نترجّاك/ تغريد حزين)

رضيعي ويا ضوه عيني گلب امّك يحوم اعليك

يدور اعلى المهد ويريد يشوفك يمّة ويناغيك

بس ابدال ضحكاتك سمع صوت الولي يناديك

ابوك حسين وبحضنه، إنت والدمه مسفوح

آه يامذبوح آه يامذبوح آه يامذبوح آه

اشفاك امن العطش ذبلت دمّك گام يرويها

يعبد الله اخذ وياك امّك لا تأذّيها

شوف الوالدة الثكلى يبني من يداويها

يريت الموت خذاني بساع وونيني هالگضالي الروح

آه يامذبوح آه يامذبوح آه يامذبوح آه

 

 

459

 


420

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

يبني ازداد ونّي اعليك اكثر من شفت لحسين

انكسر گلبه على عمرك ودمعاته احرگتله العين

يشوفك منذبح بيده ويسمعلك بكا وونين

ساعة مابقى بعدك وشفته عالترب مطروح

آه يامذبوح آه يامذبوح آه يامذبوح آه

شاهد الرباب بعين قلبك ليلة الحادي عشر، عندما جنّ اللّيل أخذت طفلها المذبوح بعدما درّ لبنها، كأنّي بها تخاطبه بصوت حزين يفجع القلب:

(لحن الفراق)

يا حبيبي يبني ون ورد عليّه

يا حبيبي يلرحت من بين ايديّه

يا حبيبي اشسوّت بروحي المنيّه

تعال بحضني عبدالله يبني گلي وين تنام

بحضن امّك ينور العين عسى تحلالك الاحلام

طلعت حايره باللّيل رباب وتقصد الحومه

تعثر ويلي بالاجساد كلها مدرجه دمومه

تصرخ وين عبدلله ينار بچبدي مضرومه

يتعب رباي يا مدلل وشمعة عمري والايّام

الله شلون حالتها تشوف اجساد عالغبره

بلا ايّا رؤوس عالتربان بدماها مغسّله كثره

 

460


421

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

جسد شافته بالحومه وطفل مذبوح من نحره

مهده صدر أبو السجّاد صار المنسجر بآلام

گعدت يمّه مذهوله والونه تفتّ الروح

تعاين للنحر دامي وشافت هالولد مذبوح

تگله والدک يبني نعشه اعلی الأرض مطروح

اتهنّه يبني بنومك يعبدالله بدلالک نام

(أبو ذيّة)

عيوني تسكب العبره بلا مهاد

على الظلوا على الغبره بلا مهاد

طفلهم ما لحق يناهز بلا مهاد (بالمهد)

وهزّت رقبته سهام المنيّه

 

ومنعطفٍ أهوى لتقبيلِ طفلِهِ

فقبَّلَ منهُ قبلَهُ السهمُ منحرا

لقدْ وُلِدا في ساعةٍ هوَ والردى

ومرَّ في نحرِهِ السهمُ كبّرا

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

461


422

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

المجلس الثاني

القصيدة

رضيعُ السبطِ في الشهرِ الحرامِ

فطيمُ الموتِ في حرِّ السهامِ

عزيزُ الروحِ والأحشاءِ ظامٍ

سقاهُ السهمُ من كأسِ الحمامِ

رويدًا جاءَ يحملُهُ أبوهُ

ونارُ القلبِ تزكو باضطرامِ

تهاوى الوردُ في الخدّين لونًا

وشاهَ الوجهَ موتٌ لابتسامِ

أحرملةُ الخبيثُ الأصلِ ماذا

فعلْتَ بعترةِ خيرِ الأنامِ

ذبحْتَ منَ الوريدِ إلى الوريدِ

رضيعَ السبطِ منْ قبلِ الفطامِ

يلوذُ بحضنِ والدِهِ صريعًا

نظيرَ الطائرِ المذبوحِ دامِ

وكفُّ أبيه تحملُهُ اصطبارًا

وسترُ الجسمِ بعضٌ من لثامِ

أيا أمَّ الرضيعِ خذي ذبيحًا

لعلّ الدمعَ بعضٌ من هيامِ

وللحوراءِ في الخطبِ نصيبٌ

تنوءُ بحملِهِ هامُ العظامِ

(شعبي)

الليلة حزينه ومِسْهره العين

من زينب وعبّاس وحسين

باكر هالنوايب كلها يا يمّه تلتم عليّه

وافقد اخوتي بالغاضريّه

 

 

462


423

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

يا ليل طوّل ساعاتك

يا ليل أحمل آهاتك

الليلة حزينه تهلّ دمعة العين

تودّع أهلها وتجرّ زفره وونين

تشم صدره وتنوح تحب نحر الحسين

تعاين أهلها وتصبِّرِ النساوين

ومدمعها يهمل دِما

حضريني يا فاطمة

بالنوح أحمل أنّاتك

يا ليل طوّل ساعاتك

تنادي يا زهره يا ليتك تجيني

تنظري لحالي تسكني ونيني

أودّع أخوتي ودمعتي في عيني

هالليلة ضيوفي وغدِ يفارقوني

أبكي فراق اخوتي

وابقى أنا بغربتي

يا حسين تبكي ابنيّاتك

يا ليل طوّل ساعاتك

ذكرتي الوصيّه يا يمّه يا زهره

أشمّه في صدره وأحبّه في نحره

ترى الأعوجيّه بتهشمله صدره

والسهم المثلّث يصيبه ويفطره

 

 

ويوقع على حرّ الثرى

والخيلِ صدره تكسّره

الخيام ننطر جيّاتك

يا ليل طوّل ساعاتك

وداعي لَعبّاس أقبله في الايدين

وأقبّلّه راسه واحب عينه اليمين

ابعباتي أضمّه واضمّ خويه الحسين

يودعوني بدموع وحولي النساوين

يا ليله كشره تمر

وباكر يجرني الشمر

للموت اذكر بسماتك

يا ليل طوّل ساعاتك

يُروى أنّ الإمام الحسين (عليه السلام) خطب في أصحابه ليلة عاشوراء قائلًا، بعد أن حمد الله وأثنى وعليه: أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحابًا أوفى ولا خيرًا من أصحابي، ولا أهل بيتٍ أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله جميعًا عنّي خيرًا! ألا وإنّي لأظنّ أنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غدا، ألا وإنّي قد أذنت لكم جميعًا؛ فانطلقوا في حلّ، ليس عليكم حرج منّي ولا ذمام، وهذا الّليل قد غشيكم، فاتّخذوه جملًا، ثمّ ليأخذ كلّ رجلٍ منكم بيد رجلٍ من أهل بيتي، وتفرّقوا في سواد الّليل، وذروني وهؤلاء القوم، فإنّهم لا يريدون غيري.

فقام إليه عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال: يابن رسول الله، ماذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا شيخنا وكبيرنا وسيّدنا وابن سيّد الأعمام، وابن نبيّنا سيّد الأنبياء، لم نضرب معه

 

463


424

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

بسيف، ولم نقاتل معه برمح، لا والله أو نرد موردك، ونجعل أنفسنا دون نفسك، ودماءنا دون دمك، فإذا نحن فعلنا ذلك فقد قضينا ما علينا، وخرجنا ممّا لزمنا. وقام إليه زهير بن القين البجليّ، فقال: لَوددْتُ أنّي قُتلت، ثمّ نُشرت، حتّى أُقتَل فيك هكذا ألف مرّة، وأنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتية من أهل بيتك. فقال له ولأصحابه: جُزيتم خيرًا!

بات الحسين (عليه السلام) وأصحابه تلك الليلة، ولهم دويٌّ كدويِّ النحل، ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد، فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد اثنان وثلاثون رجلًا.

بات الحسينُ وصَحْبُهُ من حَوْلِهِ

ولهم دويُّ النَّحْلِ لَمَّا بَاتُوا

مِنْ رُكَّع وَسْطَ الظلامِ وسُجَّد

للهِ منهم تَكْثُرُ الدَّعَوَاتُ

وَتَرَاءَتِ الْحُورُ الحِسَانُ وَزُيِّنَتْ

لِقُدُومِهِمْ بنعيمِها الجَنَّاتُ

وَبَدَا الصَّبَاحُ وَلَمْ تَنَمْ عينٌ لهم

كلّا وَلاَ نَابَتْهُمُ غَفَوَاتُ

المصيبة

سلامٌ على قلب زينب الصَبور، ولسانها الشَكور. سلامٌ على من تظافرت عليها المصائب والكروب، وذاقت من النوائب ما تذوب منها القلوب. سلامٌ على من تجرّعت غَصَصَ الآلام والمآسي، وما لا تقوى على احتمالها الجبال الرواسي... فأصبحت للبلايا قبلتها، وللرزايا كعبتها. سلامٌ على من شاطرتْ أمَّها الزهراء ضروبَ المحن والأرزاء، ودارت عليها رحى الكوارث والبلاء، يوم كربلاء. سلامٌ

 

465


425

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

على من عجبت من صبرها ملائكة السماء. سلامٌ على من فُجِعت بجدّها وأبيها، وأمّها وبنيها، والخيرة من أهلها وذويها.

يروي إمامنا زين العابدين (عليه السلام)، يقول: إنّي جالس في تلك الليلة التي قُتل أبي في صبيحتها، وعندي عمّتي زينب تمرِّضني، إذ اعتزل أبي في خباء له، وعنده جَون مولى أبي ذرّ الغفاري، وهو يعالج سيفه ويصلحه، وأبي يقول:

يَا دَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خليلِ

كَمْ لَكَ بالإِشْرَاقِ والأصيلِ

من صَاحِبٍ وَطَالِبٍ قتيلِ

والدَّهْرُ لاَ يَقْنَعُ بالبديلِ

وَإنّما الأَمْرُ إلى الجليلِ

وَكُلُّ حيٍّ سَالِكٌ سبيلي

فأعادها مرّتين أو ثلاثًا حتّى فهمتها، وعلمت ما أراد، فخنقتني العبرة، فرددتها، ولزمت السكوت، وعلمت أنّ البلاء قد نزل؛ أمَّا عمّتي فلمّا سمِعَتْ ما سمعت، لم تملك نفسها أن وثبت تجرُّ ثوبها حتّى انتهت إليه، وقالت: وا ثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت أمّي فاطمة، وأبي عليّ، وأخي الحسن، يا خليفة الماضين، وثمال الباقين!

فنظر إليها الحسين (عليه السلام) نظرَ رأفةٍ ورقّة.

فقالت: بأبي أنت وأمّي! أستُقتَل؟! نفسي لك الفدا!

فردّ الحسين غصّته وترقرقت عيناه بالدموع!

فقالت: ردّنا إلى حرم جدّنا رسول الله.

فقال: هيهات، لو تُرك القطا ليلًا لغفا ونام!

 

466


426

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

فقالت: واويلتاه! أفتغتصب نفسك اغتصابًا؟! فذلك أقرح لقلبي وأشدّ على نفسي!

فقال لها الحسين (عليه السلام): أخيّه زينب، تعزَّي بعزاء الله، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون، وأنّ أهل السماء لا يبقَون، ولي ولكلّ مسلم برسول الله أسوة، وأنّ كلّ شيء هالك إلاَّ وجه الله -تعالى- الذي خلق الخلق بقدرته، ويبعثهم فيعودون. إنّ أبي خير منّي، وأمِّي خير منّي، وأخي خير منّي، ولي ولكلِّ مسلم برسول الله (صلى الله عليه وآله) أسوة. ثمّ أوصاها: يا أختاه، إنّي أقسمت عليك فأبرّي قسَمي، لا تشقّي عليَّ جيبًا، ولا تخمشي عليَّ وجهًا، ولا تدعي عليَّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت.

لمّن شافها المظلوم

جاوبها بدمع هامي

يا زينب خاطري كسرتي

وحكيك نحّل اعظامي

يختي من أسولفلك

لا تبكين قدّامي

دمع عينك علي غالي

من اشوفه يذوب دلّالي

يختي تجلّدي قبالي

تراها رويحتي راحت

وامن الهضم خلصانه

سيّدي، يا صاحب الزمان، أنت المعزّى هذه الليلة!

سيّدي أنت الطالب بدم المقتول بكربلا، أنت المنصور على من اعتدى عليه وافترى!

 

467


427

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

متى تأتي أرض كربلاء إلى قبر جدّك الحسين (عليه السلام)، فتسلّم عليه، ثمّ تستخرج الطفل الرضيع، وترفعه وتنادي: ما ذنب هذا الرضيع حتّى ذبح من الوريد إلى الوريد؟!

(لحن الفراق)

يبو صالح طالت الغيبة علينا

يبو صالح طالت الغيبة علينا

يبو صالح طالت الغيبة علينا

يمتى تظهر تاخذ بثار الوديعه

يمتى تظهر وجدّك الذبحوا رضيعه

يمتى تظهر واللي نايم عالشريعه

بلى سيّدي، ذبحوا رضيعَه بين يديه، وذلك يوم عاشوراء، عندما أقبل الحسين لوداع نسائه وعياله، فجاءت الرباب بعبد الله الرضيع إلى الحوراء زينب، وهي تقول: هاكم رضيعَكم يا آل محمّد؛ فتحملُه الحوراء زينب إلى أبي عبد الله ليودّعه، فينظر إليه وقد اصفرّ لونه من شدّة الظمأ، وجفّ لبن أمّه!

الرباب تصيح يا زينب إذا عندكم لبن

شوفي عبد الله قبالي صاير قماطه كفن

والله ما ظنّيت يا زينب يدور ابْنَا الزمن

ويترك العدوان بالرضعان تفجعنا بشباب

روحي يمّ حسين يا زينب أنا ما اقدر اروح

ما احتمل يا هاشميّه تزيد لجروحه اجروح

بلكتي يشوفه أبوه وترد إلى وليدي الروح

والأبو يتسلّى من عبد الله عن فقد الشباب

 

468


428

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

أخذه الحسين (عليه السلام)، ومشى به إلى الأعداء، رافعًا إيّاه أمامهم، مناديًا: يا قوم، قتلتم إخوتي، قتلتم أهل بيتي وأنصاري، لم يبقَ عندي سوى هذا الرضيع، يا قوم اسقوه شربة من الماء، فلقد جفّ لبن أمّه! يا قوم، إن كنتم تخافون أن أشرب الماء، فخذوه إليكم واسقوه أنتم!

فدعا في القوم بالله من خطب فظيع

نبِّئوني أأنا المذنب أم هذا الرضيع؟!

لاحظوه فعليه شبه الهادي الشفيع

لا يكن شافعكم خصمًا لكم في النشأتين

عجّلوا نحوي بماءٍ أُسْقِهِ هذا الغلام

فحشاه من أوام باضطراب وكلام

فاكتفى القوم عن القول بتكليم السهام

وإذا بالطفل قد خرّ صريعًا لليدين

اختلف القوم فيما بينهم، فالتفت عمر بن سعد إلى حرملة: ويحك حرملة، اقطع نزاع القوم (يعني ارمِ هذا الرضيع). يقول حرملة: حكّمت سهمًا في كبد القوس، نظرت إلى الرضيع، أين أرميه؟

في أيّ موضع من جسمه يرميه، وهو مقمّط، عمره لا يزيد على ستّة أشهر!

يقول: وبينما أنا كذلك، هبّت ريح فكشفت النقاب عن وجه الرضيع، وإذا برقبته تلمع على عضد أبيه الحسين؛ فرميته، فذبحته من الوريد إلى الوريد!

أعظم الله أجوركم! وكأنّي به يرفرف بين يدي أبيه كالطير المذبوح، ساعد الله قلبك أبا عبد الله! فوضع الحسين كفّه تحت منحر الرضيع، فلمّا امتلأت دمًا، رمى به نحو السماء، وقال: هوّن ما نزل بي أنّه بعينك يا رب!

 

469


429

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

ثمّ جاء به إلى المخيّم، استقبلته ابنته سكينة، سألته عن أخيها، فقال لها: خذي أخاكِ مذبوحًا من الوريد إلى الوريد!

صاح بصوت يا زينب تعالي اخذي الطفل منّي

يخويه مصاب عبد الله هد حيلي ونحلّني

صابه حرمله بسهمه من عنده قطع ظنّي

 

يا زينب لمّن تشيليه

ابهيده وياه لا توجعيه

اسهم بالبنّحر خلّيه

أريد بساعة المحشر أروايه

لامّي الزهره

 

طلعت زينب وصاحت

يا عبدالله يا بعد الروح

يا عمّة يا ذنب جاني

ويردّك حرمله مذبوح

ابنحره قامت تشمّه

وصارت للحرم لمّه

تعاله وشوف حال أمّه

لمّن عاينت حاله

جاءت زينب، أخذت الرضيع، وضعته تحت عباءتها، أقبلت إلى الرباب، قالت: رباب، عليّ الأكبر قُتِل أم لا؟ قالت: قُتِل. قالت: القاسم قُتِل أم لا؟ قالت: قُتِل. رباب، أين العّباس؟

أحسّ قلبها بالشرّ، قالت: سيّدتي، هل أصاب ولدي شيء؟ قالت: رباب، هذا ولدك الرضيع مذبوح من الوريد إلى الوريد!

 

470


430

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

يبني يا عبد الله يا غالي

يالكنت بالظلمة تلالي

بس هاي ما كانت ابّالي

أهزّ المهد والمهد خالي

افتقدت زينب الرباب ليلة الحادي عشر، فخرجت تبحث عنها، سمعت أنينًا وبكاءً، فإذا بالرباب عند جسد الحسين، والرضيع على صدرها!

الرباب اتصيح يا زينب

عبد الله أريدنّه

وليدي وحن عليه صدري

واريد الساع ارضعنّه

قالت بعد ما يرجع

قالت بس اشوفنّه

(لحن الفراق)

يا حبيبي نادتك روحي الشجيّة

يا حبيبي يبني قوم اورد عليّه

يا حبيبي يالرحت من بين ايديّه

يا حبيبي ياللي طالت نومتك

يا حبيبي أردَ عاين بسمتك

يا حبيبي وِدّي أسمع ضحكتك

 

بُنيّ لقدْ كُنْتَ الأنِيسَ لِوَحْشتِي

وسلْواي إِذْ يسْطُو مِن الهمِّ غاشِمُهْ

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

471


431

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

تُخَاطِبُهُ فِي أَنْ يُطِيلَ ظَلَامَهُ

عَلَيْها وَمَا لِلَيْلٍ أُذُنٌ وَلَا فَمُ

شَكَتْ هَمَّهَا لِلَيْلٍ وَالّليل أَخْرَسُ

وَزَيْنَبُ حَيْرَى وَالفُؤَادُ مُكَلَّمُ

وَمَرَّ عَلَيْها وَقْتُهُ وَتَصَرَّمَتْ

دَقَائِقُهُ وَالصُّبْحُ بَالشَّرِّ مُفْعَمُ

وَلَاقَتْ مُصَابًا لَوْ أُصِيبَ بِبِعْضِهِ

أَشَمُّ الرَّوَاسِي الشَّامِخاتِ يُهَدَّمُ

لَقَدْ شَاهَدَتْ قَتْلَ الحُسَيْنِ بِعَيْنِها

وَهَلْ مِنْهُ أَدَهَى فِي الزَّمانِ وَأَعْظَمُ

(شعبي)

يبني يعبد الله يغالي

انا برباك ساهرت الليالي

يالكنت بالظلمة تلالي

عقبك غدت وحشه الليالي

خذت سلوتي وظليت اسالي

ودورن عن يميني وعن شمالي

انا بس هاي ما كنت ابالي

أهزّ بالمهد والمهد خالي

(أبو ذيّة)

مآتم للحزِنْ نِنْصُبْ وَنَبْنِيْ

رِمَاني حَرْملة ابسَهْمَه ونبني

الطِفِلْ عادَهْ يِفِطْمُونه

وانا بني انْفِطَمْ يا ناسْ بِسْهَام المِنيَّة

المصيبة

ورد في زيارة الناحية المنسوبة للإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه): السّلام على عبد الله الرضيع، المرميّ الصريع، المتشحّط دمًا، والمصعِّد بدمه إلى السماء، المذبوح بالسهم في حجر أبيه. وفي الخبر أن الحوراء (عليها السلام) 

 

473


432

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

جاءت به إلى أخيها الحسين (عليه السلام) تحمله فدفعته إليه وهي باكية، وقالت: أخي خذ طفلك. قيل: فجعله في حجره يقبّله، ويقول: بُعدًا لهؤلاء القوم إذا كان جدّك المصطفى (صلى الله عليه وآله) خصمهم. ثمّ أتى به نحو القوم يطلب له الماء قائلًا: يا قوم، قد قتلتم إخوتي، وأولادي وأنصاري وما بقي غير هذا الطفل، وهو يتلظى عطشًا من غير ذنب أتاه إليكم، فاسقوه شربة من الماء. فاختلف العسكر فيما بينهم، فمنهم من قال: إذا كان ذنب للكبار فما ذنب هذا الطفل؟ ومنهم من قال: اقتلوه ولا تبقوا لأهل هذا البيت باقية.

لمّا رأى ابن سعد ذلك، صاح بحرملة: ويلك حرملة! اقطع نزاع القوم، سأله حرملة: فما أصنع؟ قال: ارمِ الطفل بسهم. قال حرملة: فرأيت رقبته تلمع على عضد أبيه الحسين، فرميت الطفل بسهمي، فذبحته من الوريد إلى الوريد. فلمّا أحسّ الطفل الرضيع بحرارة السهم أخرج يديه من القماط واعتنق أباه، وجعل يرفرف كالطير المذبوح، فملأ الحسين (عليه السلام) كفّه من دمه، ورمى به نحو السماء قائلًا: اللهمّ، لا يكن أهون عليك من فصيل ناقة صالح.

نظر طفله ورقبته شلون مالت

حنَّ ودمعته من العين سالت

يبويه من السهم روحك اشقالت

ذبح وعطش بويه ذقت الاثنين

يقول أرباب المقاتل: لمّا رمى الحسين (عليه السلام) دم رضيعه المذبوح نحو السماء ما سقطت منه قطرة، وقال (عليه السلام): هوَّن ما نزل بي أنّه بعين الله. يا ربّ، إن كنت حبست عنّا النّصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير منه، وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين.

 

474


433

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

ثمّ جاء به إلى المخيّم، فاستقبلته ابنته سكينة قائلةً: أبه يا حسين، لعلّك سقيت أخي الماء وجئتنا ببقيّته؟ فقال الحسين (عليه السلام): بنيّة خذي أخاك مذبوحًا من الوريد إلى الوريد؛ فصاحت: واأخاه! واعبد الله!

(مجردات)

يبويه الطفل للماي أخذته

ابسهم العدى مذبوح جبته

شنهو الذنب خويه لعملته

والماي حاضر ما شربته

 

يبويه الطفل عني دَغطّيه

ما لي قلب بالعين اصد ليه

اشوفه ذبيح ومادّ رجليه

هذا الخفت منّه طحت بيّه

ثمّ جاءت إليه أمّه، فرأته والسهم مشكوك في نحره، صاحت واولداه:

يا ماء عيني وحياة قلبي

من لبلائي وعظيم كربي

رجوت أن تكون لي نِعم خلف

وسلوة لي عن مصابي بالسلف

ردّوك يبني بسهم مفطوم

يلرحت عن الماي محروم

بعدك لحرم لذّة النوم

واصبغ يعقلي سود الهدوم

وابكي عليك بقلب مالوم

أعظم الله أجوركم، هذه ليلة الأحزان، ليلة الوداع، ليلة الأنين، ليلة الدموع!

في مثل هذه الليلة خرج سيّد الشهداء (عليه السلام) يتفقّد بعض التلاع، وقيل إنّه كان يقتلع الأشواك والحجارة من طريق المخيّم لعلمه

 

 

475


434

المقدّمة

بفرار النساء والأطفال في يوم العاشر، يقول نافع بن هلال: فخرجت خلف الإمام (عليه السلام) خوفًا عليه من أن يغدر به أحد الأعداء، فبينما هو كذلك، إذ التفت إليَّ، وقال: من هذا؟ قلت: سيّدي، أنا نافع. قال: يا نافع، ما الذي أخرجك في مثل هذه الساعة؟ قلتُ: سيّدي، أزعجني خروجك إلى معسكر هذا الطاغية. فقال لي: يا نافع، خرجتُ أتفقّد بعض التلاع، لعلّها تكون مكمنًا لهؤلاء القوم يوم تغيرون ويغيرون، ثمّ قال لي: يا نافع، ألا تسلك بين هذين الجبلين فتنجو بنفسك؟ يقول: فوقعت على قدميه أقبّلهما، وأقول: سيّدي، إنّ فرسي بألف وسيفي بألف، فوالله لا أفارقك حتّى يكلَّ فرسي عن جري، وسيفي عن فري.

ثمّ رجعنا إلى المخيّم، فدخل الحسين (عليه السلام) إلى خيمة أخته زينب(عليها السلام)، فوقفت أنتظره بباب الخيمة، فسمعته يحدّثها، فما لثبت أن بكت وصاحت: واأخاه! واحسيناه! أخي، أَو أُشاهد مصرعك، وأبتلى بهذه المذاعير من النسوة؟! فقال: أخيّ زينب تعزّي بعزاء الله، إنّ أهل الأرض يموتون وأهل السماء لا يبقَون، ولي ولكلّ مؤمن ومؤمنة برسول الله أسوة حسنة، ثمّ أوصاها بوصايا، فقالت له زينب(عليها السلام): أخي أبا عبد الله، هل استعلمت من أصحابك نيّاتهم؟ فقال: إي والله، بلوتهم... فما وجدت فيهم إلّا الأشوس الأقعس ، يستأنسون بالمنيّة دوني.

يقول نافع: فجئت إلى حبيب بن مظاهر الأسديّ شيخ الأنصار، وأخبرته الخبر، فقام حبيب ونادى: يا ليوث الكريهة ويا ضراغمة

 

476


435

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

الهيجاء، فتطالع القوم من مضاربهم يتقدّمهم قمر العشيرة أبو الفضل العبّاس (عليه السلام) قائلًا: ما تريد يا بن أبي مظاهر؟ لمثل هذا اليوم ادّخرني والدي أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال حبيب: ارجعوا يا بني هاشم، لا سهرت عيونكم وإنّما حاجتي مع الأنصار. معي معي، خلفي خلفي، حتّى اهدّئَ من روع بنات رسول الله.

فأقبلوا حتّى وقفوا بإزاء خيمة العقيلة زينب، وصاحوا: السلام عليكنَّ يا عزّنا! السلام عليكنّ يا فخرنا! السلام عليكنّ يا بنات رسول الله! هذه أسنّة غلمانكم، آلوا أن لا يُركزوها إلّا في صدور أعدائكم، وهذه سيوف فتيانكم، آلوا ألّا يغمدوها إلّا في نحور من أراد السوء بكم.

التفت الحسين (عليه السلام) إلى زينب(عليها السلام)، وقال: أخيّه زينب كلّميهم، فوقفت الحوراء زينب على باب خيمتها، وهي ملتحفة بأزار أمّها فاطمة، ونادت: أنسبوني من أنا... أنا ابنة الضارب بالسيفين... أنا ابنة الطاعن بالرمحين... أنا ابنة أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، حاموا عنّا يا محيي الليل بالعبادة.

فضجّوا بالبكاء والنحيب وقالوا: يا سيّدتنا، نفوسُنا لكم الوقاء، أرواحُنا لكم الفدا.

تدرونْ بِيَّه هاشمية

چِلْمَةْ عَدُو تِصْعَبْ عَليَّه

أنا امنينْ إِجَتْني الغاضِرية

رِحْتُوا جَمِعْ مِنْ بين إدَيَّه

وصُّوا بنا گبلٍ تِرِحْلُونْ

ومِنْ گَبْلٍ عالغَبْرة تِنَامون

 

477


436

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

يحسين اْنتَه نورِ العْيون

حُرْمَه وغِرِيبه لا تِگِطْعون

مَشِفْنا الأهِلْ كِلْهُم يغيبون

وعنِّ الوطنْ كِلْهم يِشِيلون

أقول: سيّدي يا حسين، لقد جاء أصحابك ليلة العاشر من محرّم، وطمأنوا زينب والنساء، وهدّؤوا من روعهن، أقول: سيّدي، ما حالهنّ يوم عاشوراء، وأنصارك يتسابقون إلى المنيّة، حتّى قتلوا بأجمعهم؟!

يا اهل الشيم هذا محلكم

شنهو العذر يا كرام منكم

للمعركة ندّخر هممكم

تخلّون بالذلّة حرمكم

سيّدي ما حال أختك زينب، وقد سقطت على رمضاء كربلاء صريعًا، ولم ييقَ لهام محامٍ ولا كفيل! وقد هجم العدا على مخيّمكم، والنساء والأيتام تهيم على وجوهها في البيداء! تُمسِك هذا فيفلت ذاك، تُسكت هذي فتبكي تلك!

هذا يقول عمّه وين عمّي

وهاي تقول فارقني ابن امّي

طحت يحسين بالحومة

وخيمتنا عمدها طاح

عقبك لا هنالي العيش

ولا عاد القلب يرتاح

عمر ما فارقيتك بيه

تذكر يوم واحنا صغار

من حضن أمي الزهراء

لجوانح حيد الكرار

عيني تبحر بوجهك

وألهج بيك ليل انهار

 

478


437

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

أحسّك ماي بعيوني

وأحسّك بالقلب سباح

يا مصباحنا بالّليل

يا خيمة هلي كلها

تجمعنا على نورك

ننام ونقعد بظلها

قضت واهلي قضو كلهم

عقبك فاقدة وولهه

أون وايتامكم ويّاي

تون والدار كلها نياح

قالوا: جاءت إلى التلّ المشرف على المعركة (التلّ الزينبيّ)، صاحت: يابن أمّي يا حسين! نور عيني يا حسين! إن كنتَ حيًّا فأدركنا، فهذه الخيل قد هجمت علينا، وإن كنت ميتًا فأمرنا وأمرك إلى الله!

(لحن الفراق)

مالي غيرك يا حبيب أمّي الزكيّه

مالي غيرك يالكنت خيمة عليّه

مالي غيرك يا دمع عيني الجريّه

مالي غيرك يا ذبيح الغاضريّه

مالي غيرك يا طريح على الوطيّه

مالي غيرك خويه راح امشي سبيّه

 

أَحُسَيْنُ هَلْ وَافَاكَ جَدُّكَ زَائِرًا

وَرَآكَ مَقْطُوعَ الوَتِينِ مُعَفَّرًا

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

479


438

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

المجلس الرابع

القصيدة

ما زلتُ اسألُ والمدامعُ هُمَّلُ

أيُّ الخطوبِ على فؤادِكَ أثْقَلُ

وأقلُّ نائبةٍ دهَتْكَ بكربلا

مِنْ مَسِّها الجبلُ الأشمُّ يُزلزلُ

لَهْفِي عليكَ فقد حَمَلْتَ مِنَ البِلا

ومِنَ الأَسى ما لا يُطاقُ ويُحْمَلُ

لو أنَّ بعضَ أسَاك قُسِّمَ في الورى

لأَبادَهم جَزَعًا كذلك يَفْعلُ..

ودَّعْتَ سبعينًا مضَوا لحتوفِهم

هذا تعانِقُه وذاكَ تُقبِّل

وتذُبُّ عنْهُم ما استطعْتَ مِنَ العِدَى

ولأَنْتَ أَصدقُ مَنْ يَذِبُّ وأَنْبَلُ

حتى إذا صُرعَ الأحِبَّةُ كلُّهم

وبَقِيتَ وحدَكَ بينَهم تَتَنقَّلُ

أَعْطَوكَ طِفْلًا لا حِراكَ بِهِ وقَدْ

أَرْدَى بِهِ عَطَشٌ وعَزَّ المَنْهَلُ...

فأَخَذْتَه في حِجْرِك الزَّاكي إلى

نهرِ الفُرات ودَمعُ عينِك يَهْمِلُ

علَّ العدوَّ إذا رآهُ يُغِيثُهُ

وَتركْتَ خَلْفَكَ طِفْلةً تَتَوسَّلُ

تَدعو عسى ينْجُو الصغيرُ من الأَذى

ليكونَ مؤنِسَها إذا ما تَرْحَلُ

لكنَّهم خَذَلوا أمانيها فَقَدْ

ذَبحَ الصَّغيرَ بِسَهْم غَدْرٍ حَرْمَلُ

قَدْ أَثْكَلوا أُمَّ الحسينِ بهِ كَمَا

مِنْ قَبلُ أسيادٌ لهُ قَدْ أَثَكَلوا

أيموتُ ظَمْآنًا حفيدُ محمَّدٍ

وحفيدُ هِندٍ في القصورِ يُدَلَّلُ ؟

 

 

480

 


439

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

(شعبي)

ما تغمض اجفون العين ما تنشف مدامعها

اتودعك عيلتك يحسين هليله واتودعها

ليلة وترهب من الخوف ليلة عتب هالّليله

صارت ليلة التوديع بين احسين والعيله

ليلة اوبيها علم الموت عن باجر وتفصيله

يحسين الدهر يا حيف لعيالك يضيّعها

صاح احسين يزينب او عينه تهمل الدمعه

أمر الله نكتب هذا علينه وواجب انتبعه

ابصيوانك تشب النار باجر واخوتك صرعه

صبري القلب علشوكات تگله اصبر ويجزعها

عليك المصطفى وحيدر يخويه وكسر ضلع امك

صدق باجر على الغبره ذبيح وينهدر دمك

وصدق باچر يوالينه يهاجم خصمك اخيمك

انده ونخوتي من الناس ما واحد اليسمعها

من عمرك بعد ساعات ظلت خويه حاكيني

دونك يا ضوه عيوني يريت الموت يرديني

وغريبه الدار محتاره بالطف لا تخليني

واشلون العطش باجر منه الموت رضّعها

المصيبة

ساعدَ اللهُ قلبَ الحسينِ (عليه السلام)، أَخذَ ابنَهُ عبدَ اللهِ الرضيعَ، ليسقِيَه شربَةً مِنَ الماء... فرماه القومُ سهمًا ذَبَحوه منَ الوريدِ إلى الوريد.

 

481


440

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

(لحن الخضيب)

هذا رِضِيعي مِنِ الظّما اصْطَكَّت سْنُونَه

ما تْعاينُونَه منِ العَطَشْ غَارتِ عْيونه

يا لُوعِتي لذاكِ الطِفِلْ مِنْ غَارتْ عْيونه

وانْفِطَر كَبْدَه يا ويلي وانخِطَفْ لُونه

يِبْستِ شْفَافه منِ الظَما ومِنْكِسِفْ لُونه

خِذَه ابوُه منِ الخِيم للقُوم يِسْقُونه

والقاسي صوَّبِ عْليه سهْمِ المَنونة

وصابْ السَّهَم هذا الطِفِلْ المَقْصَدْ يِذِبْحونه

نادى الحْسِيْن بْلُوعِتَه وابْنَه يِهدُّونه

كَلْه دِمَا كِلَّه مصاب وزادَتِ همُومه

رِمى بدمَّه للسَّما وتذرِف عْيونَه

دمعِ المُصاب بلوعِتَه كِلْهُم يِوَدْعُونه

أما أمُّه الرباب، ساعدَ اللهُ قلبَ أمِّه! كأنّي بها تخاطبُ رضيعَها:

(آه) ردُّوك يبني ابسَهِم مَفْطوم

يالْرِحِتْ عنِّ المَاي مَحْروم

بَعْدَك لحرِّمْ لَذَّتِ النُّوم

واصْبَغْ يَعَگْلِي سُودِ الهْدُوم

وابكِي علِيك بْقَلُب مَآلوم

لقد استطَاع الإمامُ الحسينُ (عليه السلام) أن يُنقِّيَ مسيرَته الرائِدَةَ مِنْ كلِّ أصحابِ المطامعِ والمصالح، ولم يبقَ معَه إلا المُخلِصون الواعون الذين سَطَّروا أروعَ الصفحاتِ وأَبْيَنَ المواقِف، حيثُ لم يُغيِّروا مواقفَهم، ولم يَتركوا إمامَهم، ولم يَستسلموا لأعدائهم. وكانت أكبرُ عمليةِ تنقيةٍ قامَ بها الإمامُ الحسين (عليه السلام) في طريقِهِ إلى كربلاء حينَما أَخبرَ الناسَ بنبأِ استشهادِ مسلمِ بنِ عقيلٍ (عليه السلام)، حين تفرَّقَ الناسُ عنه يمينًا وشمالًا، ولم يبقَ معه إلا الذين خَرجُوا مَعَهُ مِنْ مكةَ

 

482

 


441

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

المكرَّمة، والقليلُ ممن التحقَ به في الطريق. فالتأثيراتُ مِنْ ذِكْر الموتِ كانت تقعُ موقعَ الفزعِ والهَلَعِ على أصحابِ المطَامع، فكانوا يَهربُون ويَتركون الرَّكْبَ الحسينيّ، في حين أن استمراريةَ ذِكْرِ الموتِ والشهادةِ والقَتْل كانت تُحدِثُ نتائجَ مغايرةً في المخْلِصينَ الوَاعين، في أنصارِ الحسينِ وأهلِ بيتِهِ، ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ﴾.

لهذا كانَ أصحابُ الحسينِ تَزدادُ وجوهُهم إشراقًا، ومواقفُهم رساليةً، وثباتُهم أُسطوريَّة، كُلَّمَا أَحَدَقَ بهمُ الخوفُ، وأحاطَ بِهِمُ العدوُ، واقتربتْ منهُمُ المواجَهة. وكان لهؤلاء الأبطال موقفٌ -وأيُّ موقفٍ هذِهِ الليلة- ليلةَ عاشُوراءَ، إذ إنَّ الإمامَ الحسينَ خَطَبهُم حينَما جَنَّ ظلامُ هذه الليلة، بعد أنْ جَمَعَهُم قائلًا: أُثني على اللهِ أحسنَ الثناء، وأَحمَدَهُ على السَّراءِ والضَّراءِ. اللهُمَّ إنِّي أحمدُك على أنْ أكرمْتَنا بالنبوّة، وعلَّمتنا القرآن، وفقَّهتنا في الدين، وجعلتَ لنا أسماعًا وأبصارًا وأفئِدة، ولم تجعلْنا من المشركين. أمَّا بعد، فإني لا أعلمُ أصحابًا أَوْلى ولا خيرًا من أصحابي، ولا أهلَ بيتٍ أَبرَّ ولا أَوْصَلَ من أهلِ بيتي، فجزاكُم الله عنِّي جميعًا. وقد أَخبَرني جدّي رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) بأنَّي سأُسَاقُ إلى العراقِ، فأَنزِلُ أرضًا يُقال لها: عَمُورا وكَربلاء، وفيها أُسْتشْهَدُ، وقد قَرُبَ الموعِد.

ألَا وإنَّي أظنُّ يومَنا مِنْ هؤلاءِ الأعداءِ غدًا، وإنّي قَدْ أَذِنْتُ لكم، فانطلِقوا جميعًا في حلٍّ، ليس عليكم منِّي ذِمامٌ، وهذا الّليل قد غَشِيَكُم فاتّخِذوه جَمَلًا، ولْيأخُذْ كُلُّ رجلٍ منكم بيدِ رجلٍ من أهلِ بيتي، فجزَاكُم الله جميعًا خيرًا، وتفرَّقوا في سوادِكم ومدائِنِكم، فإنَّ

 

483

 

 


442

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

القومَ إنما يَطلِبوني ولو أصابوني لذَهِلوا عن طلبِ غيري!.

قال له إخوتُه وأبناؤه وبنو أخيه وأبناءُ عبدِ الله بنِ جعفر: لِمَ نفعلُ ذلك؟ لنبقَى بعدَك، لا أرانا اللهُ ذلكَ أبدًا. بدأَهم بهذا القولِ العبّاسُ بنُ علي (عليه السلام) وتَابَعَهُ الهاشميون، والتفَتَ الحسينُ إلى بني عقيلٍ وقال: حسبُكُم من القَتْلِ مُسلِم، اذهبوا، قد أذِنْتُ لكم. فقالوا: إذًا ما يقولُ الناسُ، وما نقولُ لهم؟ إنَّا تَركْنا شيخَنا وسيّدنا وبني عمومتِنا خيرَ الأعمام، ولم نرمِ بسهمٍ ولمَ نَطْعنْ برمحٍ ولم نضربْ بسيفٍ، ولا نَدري ما صَنَعوا. لا واللهِ، لا نفعلُ ذلك، ولكنْ نَفْديك بأنفُسِنا وأموالِنا وأَهْلينا، نقاتلُ مَعَك حتى نَرِدَ مورِدَك. قبَّح اللهُ العيشَ بعدَك.

جاء بعد ذلك دورُ الأنصار، فقال مسلمُ بنُ عوسَجَةَ (رضوان الله عليه): أَنحنُ نُخْلِي عنك؟ وبماذا نعتذرُ إلى اللهِ في أداءِ حقِّك؟ أما واللهِ لا أُفارقُك حتى أَطْعَنَ في صدورِهم برمحي، وأَضْرِبَ بسيفي ما ثبت قائِمُهُ بيدي. ولو لمْ يكنْ معي سلاحٌ أقاتلُهم به لقذفتُهم بالحِجَارةِ حتى أموتَ معك. ثمّ قالَ سعيدُ بنُ عبدِ اللهِ الحنفي: واللهِ، لا نُخَلِّيكَ حتى يعلمَ اللهُ أنْ قدْ حفِظْنا غَيبةَ رسولهِ (صلى الله عليه وآله) فِيك. أَمَا واللهِ، لو علِمْتُ أني أُقتل ثمّ أُحيا أَم أُحرَقُ حيًا ثمّ أُذْرَى، يُفعَلُ بي ذلك سبعين مرّةً، لما فارقتُك حتى ألقى حِمامِي دونك. وكيفَ لا أفعلُ ذلك، وإنَّما هي قَتْلَةٌ واحدةٌ، ثُمّ هي الكرامةُ التي لا انقضاءَ لها!! وقال زهيرُ بنُ القَين: والله، وددت أني قُتلتُ، ثم نُشرتُ، ثم قُتلتُ، حتى أُقتَلَ كذا ألفَ مرة، وأن الله -عزّ وجلّ- يدفع بذلك القتلِ عن نفسِك، وعن أنفسِ هؤلاء الفتيان من أهلِ بيتك! ثم تكلّم باقي الأصحاب بما يشبهُ بعضُه بعضًا، فجزَّاهم الحسين خيرًا.

 

484


443

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

هكذا أوضحت المقالات عن عمق الإيمان، ووضوح الرؤية وثبات الموقف. وجاء يوم عاشوراء ليجدَ أولئك الأشاوسُ عميقَ ذلك الوعي والثبات.

وتنادبتْ للذَبِّ عنهُ عِصْبةٌ

ورِثُوا المَعالي أَشْيُبًا وشَبابا

مَنْ يَنتدْبُهم لِلكَرِيهةِ يَنْتَدِبْ

مِنْهم ضَراغِمَةُ الأُسودِ غِضَابا

خَفُّوا لداعي الحربِ حينَ دَعاهُمُ

ورِثُوا بِعَرْصةِ كربلاءَ هِضَابا

أُسُدٌ قدِ اتَّخذوا الصوارمَ حِليةً

وتَسربلوا حَلَقَ الدُّروعِ ثِيابا

وجَدُوا الرَّدى من دونِ آلِ محمدٍ

عَذْبًا وبَعْدَهُمُ الحياةَ عذابا

تفرَّغَ أصحاب الحسين (عليه السلام) هذه الليلة ليعدّوا للمواجهة يوم غدٍ، ثمّ لينقطعوا إلى الله -تعالى- قيامًا وقعودًا، ركوعًا وسجودًا. ذكر السيّد ابن طاووس، في اللهوف، أنّ اثنين وثلاثين رجلًا عبروا من معسكر عمرِ بن سعد إلى معسكر الحسين (عليه السلام) تلك الليلة، وبقوا معه حتى نالوا الشهادة. أمّا الحسين (عليه السلام)، فقد قضى بعض هذه الليلة في تفقّد التلاعِ ومواقعِ الأرض التي تحيط بالمخيَّم، ووضع خطّة الحرب، وأمر بحفر خندقٍ حول الخيام التي أمر بتقريبها، وسدَّ الفراغَ بينها. كما قضى شطرًا من هذه الليلة في انقطاعٍ إلى الله -تعالى-، تلاوةً لكتابه، وذكرًا لآلائه، وصلاةً لقدسِه -تبارك وتعالى-. وكان قد قال للقوم لمّا أرادوا الحرب عصرَ يومِ التاسع: إنّ الله -تعالى- يعلم أنّي أحبُّ الصلاةَ له، وتلاوةَ القرآن، وكثرةَ الاستغفار. بينما قضى الشطرَ الآخرَ من ليلته الأخيرةِ هذه مع أهله وعياله، في توديعِهم

 

485


444

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

وإعدادِهم لتحمُّلِ الرزايا ومواجهةِ المصائب ورحلةِ السبي الطويلة التي هي بانتظارهم.

رُوي عن الإمامِ زينِ العابدين (عليه السلام) أنّه قال: إنّي لجالسٌ في تلك العشية التي قُتل أبي في صبيحتها، وعندي عمتي زينبُ تمرِّضُني، إذ اعتزل أبي في خباءٍ له، وعنده جون مولى أبي ذر، وهو يعالج سيفَه ويصلحُه، وأبي يقول:

يَا دَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خليلِ

كَمْ لَكَ بالإِشْرَاقِ والأصيلِ

من صَاحِبٍ وَطَالِبٍ قتيلِ

والدَّهْرُ لاَ يَقْنَعُ بالبديلِ

وَإنّما الأَمْرُ إلى الجليلِ

وَكُلُّ حيٍّ سَالِكٌ سبيلي

ما أقربَ الوعدَ مِنَ الرحيلِ

فأعادها أبي مرتين أو ثلاثًا حتى فهمتها، فعرفتُ ما أراد، فخنقتْني العبرةُ، فرددتُ دمعتي ولزمتُ السكوت، وعلمتُ أنّ البلاء قد نزل! وأمّا عمّتي زينبُ (عليها السلام)، فإنّها لما سمعَت ما سمعت، لم تملك نفسها دون أن وثبت تجرّ أذيالَها وهي حاسرةٌ، حتى انتهت إليه وهي تنادي: واثكلاه! ليت الموتُ أعدمني الحياة، اليوم ماتتْ أمي فاطمة، وأبي علي، وأخي الحسن، يا خليفةَ الماضين وثمالَ الباقين! فنظر إليها الحسين (عليه السلام) نظرَ رأفةٍ ورقّةٍ وقال:يا أخيّة، لا يذهبنّ بحلمك الشيطانُ. قالت: بأبي أنت وأمي، أستُقتل؟! نفسي فداك! فردَّ الحسين غصّتَهُ وترقرقتْ عيناهُ بالدموع، فقالت: ردّنا إلى حرمِ جدِّنا رسولِ الله؛ فقال: هيهاتَ، لو تُرك القطا ليلًا لغفا ونام! فقالت: واويلتاه!

 

486


445

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

أفتغتصب نفسك اغتصابًا؟ فذلك أقرحُ لقلبي وأشدُّ على نفسي! فقال لها الحسين: أخيّة، اتّقي الله، وتعزَّي بعزاءِ الله، واعلمي أن أهلَ الأرض يموتون، وأن أهل السماء لا يبقَون.

صاحت يا بدر عزنه وسعدنه

يا خويه من تروح شيظل عدنه

يا خويه للمدينة إسدر وردنه

گبل ما نصبح إلهاالگوم مغنم

جاوبها وتهل عبرات عينه

امنين انرد يزينب للمدينه

الدروب كلها اتلزمت علينه

خيل اعداي دارت بالمخيم

كأني بزينبَ تكلّم أخاها الحسين، تطلب منه أن تودّعَهُ في آخر ليلة من عمره:

هالليلة هالليلة خَلِّيني هالليلة

بْقُربك يا خويه ساعاتٍ طِويلة

لا تِخَبِّي بجفونك دْموعَك يا غالي

أنا أقرا بعيونَك احزانِ الليالي

خليني أشِمَّك والشيْبِ الخَضِيب

وِلْصَدْري اضُمَّك ساعاتٍ طِويلة

هالليلة هالليلة خليني هالليلة

آخر ليلة بعُمْرك يا حسين هالليلة

خليني أَضُمك يا غالي واشِمَّكْ

خلّيني يَمَّكْ أَشْبع نَظَرْ مِنَّك

آخر ليلة بعمرك أصعب ليلة بعمري

خليني يمّك أنظر نور وجهك أشبع نظر منّك

شلونِ الليالي تمر الليالي من دونك يا غالي

خليني أشمّك ولصدري أضمك

خلّيني بقربك يا حسين هالليلة

 

 

487


446

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

نعم، مضت ليلة عاشوراء عليهم بالأسى والحزن، فكيف بهم يوم العاشر، وقد أضحى الحسين وحيدًا فريدًا لا ناصر ولا معين، فعزم على التضحية بنفسه في سبيل الله، وازداد شوقُه إلى لقائه، فجاء إلى خيمة النساء ليودّعُهَّن، راحلًا عنهنَّ، وقلبه كالجمر من لظى المصاب... ينظر إليهنّ ويرى حالهنّ من البكاء، وهنّ لائذات بحميّهنّ، ويرونه يريد تركهنّ بعين الله، وهو إليه ذاهب، فلمّا نظر إلى زوجته الرباب، وفي حجرها طفله عبد الله الرضيع، تناوله الحسين (عليه السلام) من حجرها، ووضعه في حجره وهو يقبّله، فدمعت عينه لحاله، لمّا رآه قد أُغمي عليه من العطش، فحمله على صدره، ووقف أمام الجيش وقال: يا قوم، قتلتم إخوتي! قتلتم أهل بيتي! لم يبقَ عندي سوى هذا الرضيع خذوه واسقوه جرعة ماء، فلقد جفّ لبن أمّه!

التفت عمرُ بنُ سعدٍ إلى حرملةَ بن كاهلٍ، وقال له: اقطعْ نزاعَ القوم؛ فرماهُ حرملةُ بسهمٍ فذبحه من الوريد إلى الوريد، فسال الدمُ وأَخرج الطفلُ يَديه من القماط، وجعل يرفرفُ على صدرِ أبيه الحسينِ كالطير المذبوح. وضع الحسين يدَهُ تحت منحره، فلما امتلأت دمًا رمى بها إلى السماء.

فالتَقَطَ ممّا هَمَى مِنْ مِنْحَر الطَّفْلِ دِما

ورَماه صاعدًا يشكو إلى ربِّ السما

وينادي يا حكيمُ أنتَ خيرُ الحُكَما

ولما عاد إلى أمّهِ ورأتْ رضيعها مذبوحًا، صرخت: واولداه، واذبيحاه! ساعد اللهُ قلبَ الوالدة!

 

488


447

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

تگله يبني

يايمّه يايمّه يايمّه يايمّه

يبني يبني ليشْ نايم عالتُرابْ

بعدَكِ انْتَ ازغَيَّر لَتْشوف العذَاب

مِنْ شِفِتْ نَحرك تِراني راسي شَاب

نار عَطْشَك يالابن تِكويني

يايمّه يايمّه يايمّه يايمّه

حرمَلَه ابسهمه فِجَعْ قَلْبِ الصَّخَر

ونار ما تِطْفه ولو وسْطِ البحر

ابسهم المثَلَّث ذِبَح ذاك النحر

ريتْ قبله نزفت اشراييني

يايمّه يايمّه يايمّه يايمّه

جيتَ اخِبْركْ يُمَّه دَرّْ مِنِّي الحِلِيب

اكِعِدْ وإفتح عيونَك يالحبيب

يمه اناغيلك أنه ما مِنْ مُجيب

امعوده لو جيتك اتناغيني

يايمّه يايمّه يايمّه يايمّه

كنتْ متوقِّعه افِطْمَك بيد ابوك

اخوانك وعمك يجون يلاعبوك

مو طِريح اعلى الرمُل ويْسِلْبوك

حتى غسلَك صار دمعة عيني

يايمّه يايمّه يايمّه يايمّه

نعي لسان حال الرباب لفقد الرضيع (طور الفراق)

آه ياابني يالْ عَليك احرگَوا گَلْبي

آه ياابني امْنِ البِچِي مااشوف دَرْبي

آه ياابني وشَكْوِتي للباري ربي

 

489


448

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

يبني وشلون تغفى يبني عيني بَعْدك

يبني وشلون اشوفَه خالي گبالي مَهْدك

يبني وشلون مِنَّ اشُوف بْعيني لَحْدَك

شاهِدِ الربابَ بعين قلبِك ليلةَ الحادي عشر، عندما جنَّ الّليل... أقبلت إلى أرض المعركة، إلى جسد الحسين، أخذت طفلها المذبوح تناغيه، كأنّي بها تخاطبه بصوتٍ حزين يُفجِعُ القلب...

(لحن سامحيني)

يالولد نام راح أقلك قِصَّه عَنِّ الغَاضريه

يالوِلد نام يا عسى النُّومه يا عبدالله هِنِيه

كانْ ما كانْ قِصَّةَ أحزانْ

بيها ناغيلك يا عبدَالله وأكَلْمك

أَدري عَطْشان والقَصِدْ جَان

تِلْتِهي بالقِصَّه حتى أقدَرْ أَنومَك

نامْ وَبلكَتَ اللهْ يِرْحَم حَالك ابْهاي

وانتَ نايم تحلَم إنك شاربِ الماي

يالوِلد حِيفْ صِرْنه بالطِّيف

نِنْدِعِي تشربْ ولَوْ قَطْرةٍ مَيَّه

يالوِلَدْ نام يا عسى النومه يا عبدالله هنيه

يبني معذورْ قَلبَكْ ايْفور

 

 

490


449

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

مِنْ ظَماك وأدري ما تِفْهَم كَلامي

بعدك اصْغير سِتَّةِ اشْهور

اشْلونْ أفهْمَك يبني راحِ تْموتْ ضَامي

والحَرَمْ صاحَنْ تَعالَنْ خَلْ نِسَكْتَه

تِبْتِسِمْ له عَمْتَه وتِضْحَك له أُخْتَه

نِدْري يِرْتاح يِبْطِلِ صْياح

لو نِظَرْ قامت تِهِزْ مَهْدَه رُقَيَّه

يالوِلَدْ نام يا عسى النومه يا عبدالله هنيّه

ومُرْضِعَةٍ ناحتْ بجنبِ رضيعِها

مولَّهةً والوجدُ بادٍ وكامنُ

رأتْهُ وما بَلَّتْ حُشاشَةَ صدرِهِ

ثديٌ ولا أحْنَتْ عليه الحواضِنُ

إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيهِ رَٰجِعُونَ

 

491


450

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

الملحقات الشعريّة

الشعر القريض

القصيدة الأولى: أَبَى بَيْعَةَ الْبَاغِي وَخَفَّ لِحَرْبِ

أَبَى بَيْعَةَ الْبَاغِي وَخَفَّ لِحَرْبِهِ

بِآلٍ لَهُمْ فِي النَّصْرِ آمَالُهُ الْغُرُّ

وَقَدْ مَنَعُوهُ الْمَاءَ وَهْوَ أَسِيرُهُمْ

فَضَاقَتْ بِهِ الدُّنْيَا وَضَاقَ بِهِ الأَسْرُ

يَرَى النَّهْرَ وَالْأَطْفَالَ يَبْكُونَ حَوْلَهُ

عَطَاشَى وَمَا غَيْرُ السَّرَابِ لَهُمْ نَهْرُ

وَجَفَّتْ ثَدَايَا الْمُرْضِعَاتِ مِنَ الظَّمَا

وَأَصْبَحْنَ فِي عُسْرٍ يَضِيقُ بِهِ الْعُسْرُ

أَبٌ فِي يَدَيْهِ طِفْلُهُ جَاءَ يَسْتَقِي

لَهُ الْمَاءَ إِذْ أَوْدَى بِمُهْجَتِهِ الْحَرُّ

رَضِيعٌ كَمِثْلِ الطَّيْرِ يَخْفُقُ قَلْبُهُ

فَمَا رَحِمُوا الطِّفْلَ الرَّضِيعَ وَمَا بَرُّوا

سَقَوْهُ دَمًا مِنْ طَعْنَةٍ فِي وَرِيدِهِ

فَخَرَّ ذَبِيحًا لَا وَرِيدَ وَلَا نَحْرُ

وَهَلْ يُقْتَلُ الطِّفْلُ الرَّضِيعُ بِشَرْعِهِمْ؟

فَإِنْ كَانَ هَذَا شَرْعَهُمْ فَهُوَ الْكُفْرُ

وَآبَ غَرِيقًا فِي دِمَاءِ رَضِيعِهِ

تَمُجُّ دَمًا مِنْهُ الْحَشَاشَةُ وَالثَّغْرُ

فَدَوَّى صُرَاخُ الْأُمِّ تَلْقَى وَلِيدَهَا

ذَبِيحًا قَدِ احْمَرَّتْ وَرِيدَاهُ وَالشَّعْرُ

تُقَبِّلُهُ مِنْ جُرْحِهِ وَتَضُمُّهُ

إِلَى قَلْبِهَا وَالْقَلْبُ مُسْتَعِرٌ جَمْرُ

 

 

492


451

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

القصيدة الثانية: وَرُبَّ مُرْضِعَةٍ مِنْهُنَّ قَدْ نَظَرَتْ

وَرُبَّ مُرْضِعَةٍ مِنْهُنَّ قَدْ نَظَرَتْ

رَضِيعَهَا فَاحِصَ الرِّجْلَيْنِ فِي التُّرَبِ

تَشُوطُ عَنْهُ وَتَأْتِيهِ مُكَابِدَةً

مِنْ حَالَةٍ وَظَمَاهَا أَعْظَمُ الكُرَبِ

فَقُلْ لِهَاجَرَ إِسْمَاعِيلُ أَحَزَنَهَا

مَتَى تَشَطَّطَ مِنْ حَرِّ الظَّمَا تَئِبِ

وَمَا حَكَتْهَا لَا وَلا أُمُّ الكَلِيمِ أَسًى

غَدَاةَ فِي اليَّمِّ أَلْقَتْهُ مِنَ الطَّلَبِ

هَذِي إِلَيْهَا ابْنُهَا قَدْ عَادَ مُرْتَضِعًا

وَهَذِهِ قَدْ سُقِي بِالبَارِدِ العَذْبِ

فَأَيْنَ هَاتَانِ مِمَّنْ قَدْ قَضَى عَطَشًا

رَضِيعُهَا وَنَأَى عَنْهَا وَلَمْ يَئِبِ

بَلْ آَبَ مُذْ آَبَ مَقْتُولًا وُمُنْتَهِلًا

مِنْ نَحْرِهِ بِدَمٍ كَالغَيْثِ مُنْسَكِبِ

كَانَتْ تُرَجِّي عَزِيزًا فِيهِ بَعْدَ أَبٍ

لَكِنَّهَا مَا حَظَتْ بِابْنٍ وَلا بِأَبِ

قَدْ شَارَكْنَهَا بِعُمُومِ الجِنْسِ وَانْفَرَدَتْ

عَنْهُنَ فِيمَا يَخُصُّ النَّوْعَ مِنْ نَسَبِ

فَأَصْبَحَتْ بِنَهَارٍ لَا ضِيَاءَ لَهُ

وَبَاتَتِ الّليل فِي جَوٍّ بِلا شُهُبِ

القصيدة الثالثة: اللهُ يا حامِي الشّرِيعه

اللهُ يا حامِي الشّرِيعه

أتُقِرُّ وهْي كذا مرُوعه

بِك تسْتغِيثُ وقلْبُها

لك عنْ جوىً يشْكُو صُدُوعه

مات التّصبُّرُ فِي انتِظارِك

أيُّها المُحْيِي الشّريعه

فانْهضْ فما أبْقى التّصبُّرُ

غيْر أحْشاءٍ جزوعه

قدْ مزّقتْ ثوْب الأسى

وشكتْ لِواصِلِها القطِيعه

 

493


452

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

كمْ ذا القُعودُ ودِينُكُم

هُدِمتْ قواعِدُهُ الرّفِيعه

تنْعى الفُروعُ أُصُولهُ

وأُصُولُهُ تنْعى فُروعه

فاشْحذْ شبا عزْمٍ لهُ

الأرواحُ مُذْعِنةٌ مُطِيعه

واطلُبْ بِهِ بِدمِ القتيلِ

بِكرْبِلاءِ فِي خيْرِ شِيعه

ماذا يُهيُجُك إنْ صبرْت

لِوقْعةِ الطّفِّ الفظيعه

أترى تجيئُ فجِيعةٌ

بِأمضّ مِنْ تِلك الفجِيعه

حيْثُ الحُسيْنُ على الثّرى

خيْلُ العِدى طحنتْ ضُلُوعه

قتلتْهُ آلُ أُميّةٍ

ظامٍ إلى جنْبِ الشّريعه

ورضيعُهُ بِدمِ الوريدِ

مُخضّبٌ فاطْلُبْ رضيعه

القصيدة الرابعة: هِي ليلةٌ كانت بِرغمِ سوادِها

هِي ليلةٌ كانت بِرغمِ سوادِها

بيضاء تبعثُ في الهُدى تغرِيدا

راح الحُسينُ السِبطِ يُصلِحُ سيفهُ

فِيها لِيهزِم بِالشِفارِ حُشودا

ويقولُ أفٍّ يا زمانُ حملت لِي

همًّا وكيدًا خالف التنكِيدا

والأمرُ لِلرحمنِ جلّ جلالُهُ

كتب المُهيمِنُ أن أموت شهيدا

سمِعت عقيلةُ هاشِمٍ إنشادهُ

فأتتهُ تلطِمُ بِالأكُفِّ خُدودا

وتقولُ وآثُكلاهُ ليت منِيّتِي

جاءت وشقّت لي فِداك لُحُودا

 

494


453

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

اليوم ماتت يابن أمِّي فاطِمُ

واليوم أصبح والِدِي ملحُودا

فأجابها: كُلُّ الوُجُودِ إلى الفنا

إلّا الذي وهب الحياة وُجُودا

شُدِّي العزائِم واستعِدِّي لِلعنا

ودعِي الرِسالة تبلُغُ المقصُودا

لا يستقيمُ الدِينُ إلّا في دمٍ

مِن مِنحري إن سال يخضِبُ جِيدا

لا تجزعِي أُختاهُ صبرًا واعلمِي

أنِّي سألقى في الجِنانِ خُلودا

لا تخمُشِي عليّ وجهًا إن أتى

حتفِي وصِرتُ على الثرى ممدُودا

والخيلُ تمشِي في حوافِرِها على

ظهرِي وتحتزُّ السُيوفُ وريدا

القصيدة الخامسة: بَكَتكَ السَمَاءُ وأهلُ السَماءِ

بَكَتكَ السَمَاءُ وأهلُ السَماءِ

فَما قَدرُ أدمُعِنَا البَاكيَة

وَفَاضَت دِماؤكَ فَوقَ الصَعيدِ

فَمَا فَيضُ أدمُعِنَا الجَاريَة

وَقيتَ بِنَفسِكَ دِينَ الإلَهِ

فَكُنتَ لهُ الجَنَّةَ الوَاقيَة

وَصِنت قَواعِدَهُ الراسِيَاتِ

بأرواحِ فِتيَتِكَ الغَاليَة

دَعَوتَهُمُ لاتباعِ الهُدَى

فَلَم تَلقَ مِن أُذُنٍ صَاغيَة

فَتَبا لَهُم كَمْ أراقوا دَما

وَكَمْ أثكَلوا مُهجَة داميَة

وَكَم أبرَزوا حُرّة بَرّة

كَمَا تُبرَزُ الأمَةُ الجَاريَة

وسَاقوا بِناتَ الهُدى لِلعِدَى

لإحضارِها مَجلِسَ الطاغيَة

 

495


454

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

وإنْ أنسَى لا أنسَى ذاكَ الرضيع

طريحا على كَفِّكَ الحانيَة

خَرَجتَ بِهِ طالِبا رَيَّهُ

فَعُدتَ بِهَ جُثَّة غافيَة

رَمَتْهُ يَدُ الرِّجسِ في نَحرِهِ

فَتَبَّا لِتلكَ اليدِ الراميَة

القصيدة السادسة: أَبَا صَالِحٍ يَا مُدْرِكَ الثَّارِ كَمْ تُرَى

أَبَا صَالِحٍ يَا مُدْرِكَ الثَّارِ كَمْ تُرَى

وَغَيْظُكَ وارٍ غَيْرَ أَنَّكَ كَاظِمُهْ

وَهَلْ يَمْلِكُ المَوْتُورُ صَبْرًا وَحَوْلَهُ

يَرُوحُ وَيَغْدُو آمِنَ السِّرْبِ غَارِمُهْ

أَتَنْسَى أَبِيَّ الضَّيْمِ فِي الطَّفِّ مُفْرَدًا

تَحُومُ عَلَيْهِ لِلْوَدَاعِ فَوَاطِمُهْ

أَتَنْسَاهُ فَوْقَ التُّرْبِ مُنْفَطِرَ الحَشَا

تَنَاهَبُهُ سُمْرُ الرَّدَى وَصَوَارِمُهْ

ورُبَّ رَضِيعٍ أَرْضَعَتْهُ قِسِيُّهُمْ

مِنَ النَّبْلِ ثَدْيًا دَرُّه الثَّرُّ فَاطِمُه

فَلَهْفِي لَهُ مُذْ طَوَّق السَّهْمُ جِيدَهُ

كَمَا زَيَّنَتْهُ قَبْلَ ذَاكَ تَمَائِمُه

وَلَهْفِي لَهُ لَمَّا أَحَسَّ بِحَرِّه

وَنَاغَاهُ مِنْ طَيْرِ المَنِيَّةِ حَائِمُهْ

هَفَا لِعِنَاقِ السِّبْطِ مُبْتَسِمَ اللَّمَى

وَدَاعًا وَهَلْ غَيْرُ العِنَاقِ يُلَائمُهْ

تسَلَّلُ فِي الظَّلْمَاءِ تَرْتَادُ طِفْلَهَا

وَقَدْ نَجَمَتْ بَيْنَ الضَّحَايَا عَلَائِمُه

وَلَهْفِي عَلَى أُمِّ الرَّضِيعِ وَقَدْ دَجَا

عَلَيْهَا الدُّجَى وَالدَّوْحُ نَاحَتْ حَمَائِمُه

فَمُذْ لَاحَ سَهْمُ النَّحْرِ وَدَّتْ لَوَ اْنَّها

تُشَاطِرُهُ سَهْمَ الرَّدَى وَتُسَاهِمُه

أَقَلَّتْهُ بِالكَفَّيْنِ تَرْشُفُ ثَغْرَهُ

وَتَلْثِمُ نَحْرًا قَبْلَهَا السَّهْمُ لاثِمُه

بُنِي أَفِقْ مِنْ سَكْرَةِ المَوْتِ وَارْتَضِعْ

بِثَدْيَيْكَ عَلَّ القَلْبَ يَهْدَأُ هَائِمُه

 

 

496


455

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

الشعر الشعبي

أوّلًا: الأبو ذيّات

1. يبو السجّاد قلّي اشصار وجره

يبو السجّاد قلّي اشصار وجره

أهَيِّس نار حَدْرِ الظِلِع وَجْرَه

يقلها الطفل دمّه سال وجره

دليلي وشفت ويّاه المنيّه

2. عليك انفتح جفن العين وافتاك

عليك انفتح جفن العين وافتاك

وسهم نحرك بگلبي ‏وگع وافتاك

بقتل الطفل من آمرك وافتاك

يابن كاهل شله ويَّاك أذيّه

3. الطِفِلْ ظامي يبو السَّجاد وِرْداه

الطِفِلْ ظامي يبو السَّجاد وِرْداه

آهُو شَمَّامهَ أخويه اوذِيل وِرْداه

النذِلْ سدَّد ابسهِم وِرْداه

كِطَعْ نَحْرَه على شَرْبَةٍ مَيَّه

4. يعبد الله سهم نحرك مردنه

يعبد الله سهم نحرك مردنه

مثلك يا بعد بيتي مردنه

ردنه ابماي تتروّه مردنه

نشوفك فايض ابدمّ المنيّه

ثانيًا: القصائد والأبيات

1. يخويه مالي حيل فرگاك

يخويه مالي حيل فرگاك

دخذنه يحسين للحرب ويّاك

أهي غيبة يخويه وأگعد بلا ايّاك

وگول غايب ويومين يرجع

 

497


456

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

2. ماني أُمّك يعبد الله ويبعد أمّك

ماني أُمّك يعبد الله ويبعد أمّك

ما أنساك وألهج يالولد باسمك

شعب گلبي السّهم من فجّره الدمّك

يا سلواي بعدك من يسليني

ستّ اِشهر بعد يالما وصل عمرك

شذنب اللي جنيته او ينگطع نحرك

يا بني سهم المثلّث خسف بدرك

ياريت الرماك بسهم راميني

3. يابن الحسن طفل حسين

يابن الحسن طفل حسين

يجري من النحر دمّه

عطشان ويريد الماي

يفطمه حرمله بسهمه

صاح وكلهم يسمعون

ياشيعة بني سفيان

قتلتوا كل هلي وقومي

اوسدتوهم التربان

ما ظل غير عبد الله

اواحد بالخيم وجعان

يا قوم اشتطلبوني

دعيتوني وخذلتوني

غدرتوني وهضمتوني

وتدرون النبي اشوصّه

بالقرآن والعتره

طلع حرمله امن الحومه

وبيده سهم المقدّر

وين ايصيب عبد الله

قام عليه يتفكّر

عيّن بالسهم جيده

وطاح السهم بالمنحر

 

 

498


457

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

سال امن النحر دمّه

وشبك ويلي على بو اليمّه

سدر بيه لِخيَمّه

لاكن تهل عبراته

وعليه يجذب الحسره

4. آه يبني يا عبد الله اعلى فرقاك

يبني يا عبد الله اعلى فرقاك

انا صبري انفنى ودرّن ثداياك

يا دين گلّي الحرملة اوياك

للموت حين اشبحت عيناك

نيشن عليك ابسهم ورماك

واگطع رجاي الكان برباك

5. قول العطش يبني النوبه ابسهم صابوك

قول العطش يبني النوبه ابسهم صابوك

وترفّ مثل طير الذي ينذبح خلّوك

يا بلت روحي تالي ابها الحالة ردّوك

لمك عسن لا ظلت امك يا جنيني

6. گطع اگماطة او شبك عودة

گطع اگماطة او شبك عودة

وامن السهم رفّت ازنودة

واتغيرت وردة اخدودة

7. لو بس الزلم تخلص قتل بالكون

لو بس الزلم تخلص قتل بالكون

هاي نقول عادة وأمر بلكي يهون

لكن ليش ما ذنب الّذي يرضِعون

عطاش وحرملة بسهام يسقيها

 

 

499


458

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

8. وساعد الله حال زينب والحريم

وساعد الله حال زينب والحريم

والرباب امن انفكد منها الفطيم

لا أم اسماعيلها وام الكليم

شابهنها ابنوح واصياح وندب

هاي ابنها رد ليها امن الرضاع

مكتفي أولا گلبها اتروّع او لاع

او هاجر اسماعيل رد ليها ابساع

مرتوي من بارد الماي العذب

لاچن مصيبة رباب أعظم وأشد

ما جرت سابگ مثلها على أم ولد

شال ابنها احسين منها امن المهد

راح ردّه ابدم وريده مختضب

9. ويّ الدهر يحكي ويذكر إله أفعاله

ويّ الدهر يحكي ويذكر إله أفعاله

وگفت ابجانب خيمته كفيلة اعياله

عرفت الحوراء مگصده بحكيه الگاله

دخلت اعليه وعيونه بمدمع تسيله

گلها يزينب ليش مرتاعة اوتبكين

گالت بعد إلمن تخفِّي ادموعها العين

إنكان ما تبكي عليك اليوم يا حسين

تبكي عليمن يا سبط طه وخليله

10. نادى وينكم يا أهل الحميّة

نادى وينكم يا أهل الحميّة

غبتوا فرد غيبة عليّه

انه منين اجتني الغاضريّه

خلصوا هلي كلهم سويّه

11. يا بني التسر گلبي بشرته

يا بني التسر گلبي بشرته

كسر خاطري مذبوح شفته

عطشان ولسانك دلعته

شنهو الذنب يا بني العملته

 

500


459

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

12. گطع اگماطه الطفل بيده

گطع اگماطه الطفل بيده

من صابته ابنحره الحديده

مال اعلى زند حسبن جيده

والدم تشاخب من وريده

13. أجت أمّ الطفل مذعورة وتصيح

اجت أم الطفل مذعورة وتصيح

يبني يا لوحيِّد أشوفنّك ذبيح

جيت أنا اترجاك وأنا أقع وأطيح

لأمك تباري يا نور عيونها

يا مفطوم بسهم يا ماي عيني

ما شوف الدرب منهو ليدليني

يا بني عليك ما يبطل ونيني

دهاني البين بأرض الغاضريّه

14. من حرّ السهم فرفرت روحه

من حر السهم فرفرت روحه

وأبوه حسين شافه وزاد نوحه

ورجع للخيم ودموعه مسفوحه

وجابه ومدده فوق الوطية

15. طلعت زينب وصاحت

طلعت زينب وصاحت

يعبد الله يبعد الروح

يعمه يا ذنب جاني

ويردّك حرملة مذبوح

16. قال حسين يا سجاد

قال حسين يا سجّاد

وزينب قاعدة وتسمع

يبني من ارحل بهالّليل

أخاف عليك تتصدع

باكر يا علي يبني

ليك أمر الحرم يرجع

 

501


460

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

الرحيل يصير تكليفك

تظل يو ترحل بكيفك

أنا بها المسا ضيفك

ولو تطلع شمس باكر

أغيبن قبل غيبتها

من سمعت يحكي حسين

زينب حلت وقامت

تتراجف مفاصلها

يو يلي وروحها هامت

زينب ليلة العاشر

كل الّليل ما نامت

من سمعت بحكي حسين

ما غمضت لزينب عين

تصوّت وين أروحن وين

عقب اخوتي هالليلة

يا زينب وهضمتها

ردت قصدت العبّاس

والهم قصد وياها

وحين الشافها العبّاس

تتعثر بممشاها

هلا يزبنب يقلها

هلا يا سلوتي كلها

وزينب لعد كافلها

صدت والقلب شاجر

واختنقت بعبرتها

زينب وي قمر عدنان

تقله يابن حامي الجار

سمعت حسين أخوك يقول

احنا بها لمسا خطّار

وأنا لازمة قلبي

وأخاف من الصبح لو صار

 

502


461

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

وأنا مخدرة وتدري

واخافن ينهتك ستري

عقبكم لا ردت عمري

والحرمة عقب ولياها

ما تسواش ظلتها

اغتاظ وقال يا زينب

شنهي الخيل وتهمك

أخوك وصارمي بيدّي

ومنهو اليقحم خيّمك

وحق الحسن يا زينب

وكبده وكسر ضلع أمك

لخلّي جموعها طشّار

وخلّي النايحة بكل دار

وخلي كربلا تذكار

وخلي الناس جيلٍ جيل

ما ينسوش عملتها

17. آه يبني الرضيع العظمته النبلة

آه يبني الرضيع العظمته النبلة

آه يبني بوريده وانقطع حبله

عسى أمّك ييمّه وتدرس وتبلى

دمك خضب كفوفي بدل حنّاي

18. أنا طولي الكان ما ينشاف شافوه

أنا طولي الكان ما ينشاف شافوه

وصوتي الكان ما ينسمع سمعوه

وخدري الكان ما ينهتك هتكوه

19. غدت تندب صدرها عليه تنوح

غدت تندب صدرها عليه وتنوح

يعبد الله يبعد العقل والروح

ما ظنيت يمّه تعود مذبوح

ويفطمك حرملة بسهم المحتم

 

503

 


462

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

20. نارِ الفْراگ يالزِغِير بگَلُبْ امَّك

نارِ الفْراگ يالزِغِير بگَلُبْ امَّك

نارِ الفْراگ يمه مَلْهوفة ارْدَ اضُمَّك

نارِ الفْراگ شِفْتَك امْفيَّضِ ابدَمَّك

الغاضريّة شْخلَّتِ بعمري وسنيني

الغاضريّة للأبدْ خَلَّتْ ونيني

الغاضريّة ذَبْحِتَك وذَبْحتِ احسيني

21. مرثيّة يا ليل طوّل ساعاتك

يا ليل طوّل ساعاتك

يا ليل أحمل آهاتك

لو ودّعت الوليان

تتولّاني العدوان

طول يا ليل الوداع

اشما تطول ويّاك ساهر

ما أمل من البواكي

حتّى لو تعمى النواظر

حسين بس هالليلة يمّي

ما تشوفه عيوني باكر

يا ليل إرحم دلالي

يا ليل ضاعت آمالي

أه يا دهري الخوّان

تتولّاني العدوان

آنا يا ليل العقيلة

زينب المعروف خدري

طولي الما واحد الشافه

ولا ستر يوصل الستري

لكن يا ليل اشبديّه

سلّمت للقدر أمري

دمعاتي يبسن بالجفن

من يطر مصباح الحزن

 

 

504


463

الليلة العاشرة: الطفل الرضيع وليلة التوديع

بطفال وبعيلة امتحن

والله ما ينحمل صبري

يا ليل كافي تروعني

يا ليل صبحك يفجعني

لو نزلوا للميدان

تتولّاني العدوان

 

 

505

 


464
المجالس العاشورائية