زاد المبلّغ في شهر الله

|الجزء الأوّل|


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2022-03

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


مقدّمة

مقدّمة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله الطاهرين.

جاء في دعاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) في استقبال شهر رمضان: «وَأَلْهِمْنَا مَعْرِفَةَ فَضْلِهِ وَإِجْلالَ حُرْمَتِهِ»[1].

من اللّازم على الإنسان المؤمن أن يتعرّف حقيقةَ شهر رمضان المبارك ومنزلته، ومكانته العظيمة عند اللّه تعالى، وقد اختُصّ شهرُ رمضان المبارك بأوصاف كثيرة جدًّا، يمكن تعرّفها من خلال ملاحظة الآيات المباركة والروايات الشريفة وأدعية أهل البيت (عليهم السلام).

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «شهر رمضان الذي أُنزِل فيه القرآن، وهو شهر الله -تعالى ذكره-، وهو شهر البركة، وهو شهر المغفرة، وهو شهر الرحمة، وهو شهر التوبة، وهو شهر الإنابة، وهو شهر قراءة القرآن، وهو شهر الاستغفار، وهو شهر الصيام، وهو شهر الدعاء، وهو شهر العبادة، وهو شهر الطاعة، وهو شهر العتق من النار والفوز بالجنّة...»[2].

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص87.

[2] الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، ص117.

 

11


1

مقدّمة

وكانت «سلسلة زاد المبلِّغ»، التي تصدر سنويّاً بمناسبة الشهر الفضيل، إسهاماً في زيادة معرفة الإخوة المؤمنين بفضل هذا الشهر وعظمته، وما ينبغي للمؤمن أن يعمل فيه اغتناماً لفضله، من عبادةٍ وتقرّبٍ إلى الله وتهذيبٍ للنفس...

هذه السنة، قمنا بجمع مواعظ الإصدارات السابقة لهذه السلسلة وترتيبها، ثمّ تصنيفها ضمن موضوعات وعناوين جامعة، لتصدر في أجزاءٍ تكون مرجعاً شاملاً للإخوة المبلِّغين في مختلف الموضوعات والمناسبات التي يمكن الاستفادة منها في هذا الشهر الفضيل.

وتشتمل هذه العناوين على مختلف المفاهيم العقديّة والعباديّة والسلوكيّة والتربويّة والأخلاقيّة، مضافاً إلى المواعظ المرتبطة بمناسبات هذا الشهر الفضيل، من ولادات الأئمّة (عليهم السلام) وشهاداتهم وأصحاب الفضل في الإسلام وذكرى معركة بدر وليالي القدر المباركة.

في هذا العام، يصدر الجزء الأوّل من مجمع زاد المبلِّغ، على أن تليه الأجزاء الأخرى تباعاً إن شاء الله، سائلين الله أن ينتفع به الإخوة الكرام في التبليغ والهداية ونشر المعرفة، إنّه سميع مجيب.

 

 

12

 


2

الموعظة الأولى: الأبعاد المعنويّة للصوم

الموعظة الأولى: الأبعاد المعنويّة للصوم

 

محاور الموعظة:

البعد السلوكي للصوم
البعد الجزائي للصوم
البعد الفعلي للصوم

 

هدف الموعظة:

شرح بعض خصائص فريضة الصوم التي ينبغي الالتِفات إليها أثناء أدائها.

 

تصدير الموعظة:

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «قال الله عزّ وجلّ: كلّ عملِ ابنِ آدم له، إلّا الصيام، فإنّه لي، وأنا أجزي به»[1].

 

 


[1] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج10، ص404.

 

17


3

الموعظة الأولى: الأبعاد المعنويّة للصوم

لا شكّ في أنّ عبادةَ الصوم مِن العبادات المتميّزة، وإلّا لما اختار الله أفضلَ الشهور على الإطلاق لِيكون زماناً لأدائها. وهذا دَأْبُ الشرْعِ في كثيرٍ مِن الأعياد والمناسبات، بلْ وحتّى بعض الزيارات والأفعال المُستحبّة التي رَبَطَها بِقضايا أساسيّةٍ أرادَ لها أنْ تبقى خالدة، وتبقى مدرسةً مفتوحةً، تُربّي الأجيال على مَرّ العُصور والدهور. فالعلاقة بين فريضة الصوم وشهر رمضان هي أنّ الصوم يكبح جِماح المَرْءِ عن الخطأ إلى الحدّ الأقصى، في الوقت الذي يفتح فيه شهرُ رمضان آفاق العَمَلِ الصالح إلى حدّه الأقصى، فيَرتَقي المرءُ مَعارِج الكمال، كما لا يرتقيه في غيرِه مِن الشهور.

 

لو تأمّلنا مَلِيّاً في هذا الحديث الشريف، لَظَهَرتْ لنا جَلِيّةً ثلاثةُ أبعاد مهمّة:

1. البُعد السلوكيّ: تختلف عِبادة الصوم عن باقي العبادات في أنّها عبادةُ تَرْكٍ وامتناعٍ، ولَيْسَتْ عبادةَ فِعْلٍ وعَمل؛ بِمعنى أنّ جميعَ العبادات تُؤدّى عبر أفعالٍ ظاهريّة لا يستطيع الإنسانُ أن يُخفيها أو يكتمها، فالصلاة لها أفعالُها التي يُمارِسها ولها أثرٌ خارجيّ، وكذلك الزكاة ومناسك الحجّ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... أمّا الصوم فليس له مَظهرٌ خارجيّ؛ لأنّه عبادة يَعصِم المرءُ بأدائها نفسَه عن جُملةٍ من الأمور، لكنّه لا يُمارس أيّ فِعْل يُظهره أنّه صائم، فقد يكون صائماً -في شهر رمضان أو سِواه من الشهور- ولا يَعلم أحدٌ بأنّه صائم، وقد يكون مُفطِراً ويَظهر أمام الناس كأنّه صائم.

 

ومعنى أنْ ليسَ للصوم مَظهرٌ خارجيّ، أنّه اتّصالٌ مُباشَر بالله، لا يطّلع

 

 

18


4

الموعظة الأولى: الأبعاد المعنويّة للصوم

على حقيقته وجوهره إلّا هو سبحانه. وهذه الخصوصيّة هي تربيةٌ للإنسان على أنْ تَكون نِيّته خالصةً لِوجه الله في جميع العِبادات، انطلاقاً من عبادة الصوم المكتومة. فالصوم سِرٌّ مِن أسرار الإخلاص لله تعالى، قائمٌ بَيْن العبدِ وربِّه، لا يطَّلعُ عليه إلّا الله. فإِنّ الصائمَ إذا ابتعد عن أعيُن الناس، تمكَّنَ من تناوُلِ ما حرَّمهُ الله بالصيام، لكنّه لا يتناولُه؛ لأنّه يعلم أنّ له ربّاً يطَّلع عليه في خلوتِه، وقد حرَّم عَلَيْه ذلك، فيترُكُه لله خوفاً من عقابه، ورغبةً في ثوابه. فمِن أجل ذلك كان الصومُ باباً إلى الإخلاص، بالتالي فَقَد شَكَرَ اللهُ له ذلك، وعَدّ هذه الفريضةَ مُختصّةً به؛ ولِهذا قال: «يَدَعُ شهوتَه وطعامَه مِن أجْلي»[1].

2. البُعد الجزائيّ: أي ما يرتبط بالثواب. فلمّا كانت فريضة الصوم سِرّاً مكتوماً بين العبد وربّه، كان ثواب الصوم مَكتوماً أيضاً؛ إذ إنّنا لا نجدُ في النصوص ما يُحدّد ثواب الصوم وحسناته ودرجته ومقدار الجزاء الذي يستحقّه الصائم كما نرى في باقي العِبادات؛ لأنّ الله استأثرَ بذلك له تشويقاً لِعباده على الصوم، فقال: «وأَنَا أجْزي به»[2]. وقد أضافَ الجزاءَ إلى نفسه الكريمةِ؛ لأنَّ الأعمالَ الصالحةَ يُضاعَفُ أجْرُها بالعَدد، فالحسنةُ بعَشْرِ أمثالها إلى سَبْعِمئة ضِعفٍ إلى أضعاف كثيرةٍ، أمَّا الصَّوم فإِنَّ اللهَ -وهُوَ سبحانه أكرَمُ الأكرمين وأجوَدُ الأجودين- أضافَ الجزاءَ عليه إلى نفسه من غير اعتماد العَدد -فالعطيَّةُ بِقَدْرِ مُعْطيها- لِيكون أجرُ الصائمِ عندئذٍ عظيماً

 

 


[1] المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج8، ص448.

[2]  المصدر نفسه.

 

19


5

الموعظة الأولى: الأبعاد المعنويّة للصوم

بِلا حساب، ولا سيّما أنّ أنْواع الصبر الثلاثة اجتمَعَتْ فيه؛ فالصيام صبْرٌ على طاعةِ الله، وصبرٌ عن مَحارِم الله، وصَبْرٌ على أقْدارِ الله المُؤلمة، مِنَ الجُوعِ والعَطَشِ وضعفِ البَدَنِ والنفْس، يقول تَعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَيۡرِ حِسَاب﴾[1].

3. البُعد الفِعليّ: معناه أداءُ هذه الفريضة على حقيقتها وِفاقاً للصورة الباطنيّة التي رَسَمَها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فليس كلّ صومٍ صوماً يُقرّبك مِن الله، ولا كلّ قيامٍ قياماً خالصاً لِوجهه الكريم؛ لذلك نقرأ في الدعاء في أوّل يوم مِن شهر رمضان: «اللهمّ، اجعَلْ صيامي فيه صيامَ الصائمين، وقيامي فيه قيامَ القائمين، ونبِّهْني فيه مِن نَوْمة الغافلين»[2].

ولو سألَ سائلٌ: كيف يكون الصيامُ صيامَ الصائمين، والقيامُ قيامَ القائمين؟ لَكانَ الجواب ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) لِجابر بن عبد الله: «يا جابر، هذا شهر رمضان، مَن صام نهاره وقام وِرْداً مِن لَيْله وعَفَّ بطنه وفَرْجه وكفَّ لِسانه، خرجَ مِن ذنوبه كخروجه مِن الشهر»[3].

فالصوم في حقيقته مَدرسةٌ تربويّةٌ تُعيد بِناءَ الداخل مِن جديدٍ لِتصنع باطن الإنسان، وتُصفّي سريرته، وتنقّي قلبه، وتجعله أكثر تذكُّراً للآخرة وشعوراً بأهوالها وعقباتها؛ وهذا معنى الحديث المَرويّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «للصائم فَرحتان؛ فرحة عند إفطاره، وفرحة عند لقاء ربِّه»[4].

 

 


[1] سورة الزمر، الآية 10.

[2]  الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجِّد وسلاح المتعبِّد، ص613.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص87.

[4]  المصدر نفسه، ج4، ص65.

 

20


6

الموعظة الأولى: الأبعاد المعنويّة للصوم

فهي فرحة الانتصار على العدوّ الداخليّ، والسموّ في معارج الكمال، وإلّا لَما جعل الله هذه الفرحة موازيةً لِفرحة لقائه، بالتالي فإنّ جَعْلَها في كَفَّتَيْ ميزانه تعالى في مُقابل لقائه، ينسجمُ مع كَوْن فرحة لقائه تُعادِل فرحة الانتصار على الشيطان.

ونختم بالحديث الذي يجبُ أن نتذكّره دائماً أثناء أداء هذه الفريضة، المرويّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ألا أخبركم بشيء، إنْ أنتم فعلتموه تَباعَد الشيطان مِنكم كما تَباعد المشرق مِن المغرب؟»، قالوا: بلى. قال: «الصوم يُسَوِّد وجهه، والصدقة تَكسِرُ ظَهره، والحبّ في الله والمؤازرة على العمل الصالح يَقطع دابِره، والاستغفار يَقطع وَتينَه»[1].

 

قصّة وعِبرة

من أجمل المواقف التي منها يتطلّع الإنسان إلى قيمة هذه الدعوة، موقفُ الأعرابيّ مع الحجّاج الذي بيّن فيه للحجّاج أنّ الصومَ دعوةٌ إلهيّة. فقد خرجَ الحجّاجُ في يومٍ قائظٍ، فأُحضِر له الغداء، فقال: اطلبوا مَن يتغدَّى معنا. فَطلبوا، فلم يجِدوا إلّا أعرابيّاً، فأَتَوْا به. فَدارَ بين الحجّاج والأعرابيّ هذا الحوار:

الحجّاج: هَلُمَّ أيّها الأعرابيّ لِنتناول طعام الغداء.

الأعرابيّ: قد دعاني مَن هو أكرمُ مِنك، فأجبتُه.

الحجّاج: مَن هو؟

الأعرابيّ: الله تبارك وتعالى دعاني إلى الصيام، فأنا صائم.

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص62.

 

21


7

الموعظة الأولى: الأبعاد المعنويّة للصوم

الحجّاج: أَصَوْمٌ في مثل هذا اليوم على حرِّه؟!

الأعرابيّ: صُمْتُ لِيومٍ أشدّ منه حرّاً.

الحجّاج: أفطِر اليوم، وَصُمْ غداً.

الأعرابيّ: أَوَ يَضمنُ الأمير أن أعيش إلى الغد؟

الحجّاج: ليس ذلك إليّ، فَعِلْمُ ذلك عند الله.

الأعرابيّ: فكيف تسألني عاجلاً بآجلٍ ليس إليه مِن سبيل.

الحجّاج: إنّه طعام طيّب.

الأعرابيّ: والله، ما طيّبه خبّازك وطبّاخك، ولكن طَيّبَتْه العافية[1].

 

 


[1]  ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج6، ص235.

 

22


8

الموعظة الثانية: الصيام والتقوى

الموعظة الثانية: الصيام والتقوى

 

 

محاور الموعظة:

علاقة الصيام بالتقوى
الآثار المُترتّبة على التقوى

 

هدف الموعظة:

بيانُ بعض النتائج المَرجُوّة مِن التقوى التي جَعَلَها اللهُ ثمرةَ الصيام.

 

تصدير الموعظة:

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾[1].

 


[1] سورة البقرة، الآية 183.

 

23


10

الموعظة الثانية: الصيام والتقوى

تُوضِّح الآية المُتقدّمة أنّ الله جعل الصيام مقدّمةً وطريقاً إلى بُلوغ التقوى، وهذا كاشفٌ عَن عَظَمة هذه الفريضة بِالنَظَر إلى عَظَمة الثمرةِ التي نَجنيها بأدائها، والمعلول الذي تُحقّقه هذه العلّة. لكنّ الأهمّ في الآية أنّها لا تُحدّثنا عن التقوى في بُعدِها الفرديّ، بلْ في بُعدها المُجتمعيّ؛ فهي عبادةٌ يقوم بها المسلمون معاً، في شهرٍ واحدٍ، وفي مدّةٍ زمنيّةٍ مُحدّدةٍ للجميع بين السحور والإفطار، لِتُنتِج في النهاية مجتمعاً تقيّاً وَرِعاً مُراقِباً أعمالَه وأقوالَه في كلّ كبيرةٍ وصغيرة. ولا يَخفى أنّ التقوى التي يُحرِزها المجتمع وعموم المسلمين لها آثارُها وبَرَكاتُها وألطافُها التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى على جميع أفراد المجتمع.

والتقوى التي نرجوها مِن عبادة الصوم هي تلك المَلَكة التي تجعلُ صاحبَها في حالةٍ مِن الرقابة المستمرّة والدائمة لكلّ ما يصدر عنه -صغيراً كان أو كبيراً-، فيكون مِن آثارها أنّها تعصِمُه عن الخطأ والمعصية والرذيلة.

فالتقوى في بُعدها العمليّ هي هذا الاحتراز والحَذَرُ الدائمَان واليَقَظة المُتواصلة؛ لذلك فإنّ علماء الأخلاق جعلوا الغَفلة وعدم التبصُّر في الأشياء على الحدِّ المُقابِل للتقوى.

 

علاقة الصيام بالتقوى

يُساهم الصيام في صناعة التقوى بِمعناها المُتقدِّم، سواء أكان على المستوى الفرديّ أو المجتمعيّ، ونَخُصّ بالذِكْر النقاطَ الآتية:

1. السيطرة على الأهواء في شهر رمضان، إذ الأجواء أكثر إتاحةً،

 

 

24

 


11

الموعظة الثانية: الصيام والتقوى

والراحل إلى الله أقرب مسافة، والانتصار في معركة الجهاد الأكبر أكبر أملاً وفُرصةً، في لحظةٍ غُلَّتْ فيها أيْدي الشياطين وغُلِّقَتْ فيها أبواب النيران. فالصوم يُساهم في فَوْزِ هذه المعركة التي هي حقيقة التقوى.

2. الربط بين أهوال يوم القيامة والجوع والعطش، وإلّا فبِماذا ينتفع الصائم من صومه ما لمْ يتذكّر أهوال يوم القيامة، وما لمْ يَكُنْ هذا التذكُّر مَعبراً إلى فِعل الخيرات والإحجام عن الأفعال التي نهى الله عنها؟

والجوع والعطش، كما تشير الروايات، لَيْسا سِوى حالةٍ ظاهريّةٍ تقودُك إلى ما هو أبعد مِن ذلك؛ إلى الحالتَيْن النفسيّة والروحيّة.

3. إنّ الأداء الجَماعيّ لهذه الفريضة يترك أثراً بالغاً في النفس، فَكَما أنّ الجوّ الجماعيّ للمعصية يُشجّع المرء على استسهال ارتكابها ويُخفّف في نفسه الورَع والاجتناب عنها، فإنّ الجوّ الجماعيّ للعبادة يُساهم أيضاً في تقوية أدائها بأفضل صُوَرِها. فالإنسان بِطَبْعِه لا يَأنَس بِفعلٍ يَنفرد به أو لا يتّفق مع الآخرين عليه، أمّا في الصوم فالجميع مُتساوُون في هذا الجوع والعطش، بالتالي فإنّ سعيَ الإنسان لاغتنام فرصة أداء هذه الفريضة سيتضاعف على مستواه الباطنيّ من دون الاقتصار على الظاهر فقط.

 

الآثار المُترتّبة على التقوى

للتقوى في حقيقتها آثارٌ متعدّدة، لكنْ من الممكن اختصارها بِمقام الولاية الحقّة لله تعالى، بِحيث لا يكون بين المرء وبين الله حجاب، فيصبِح مولى لله تعالى، والله وَلِيُّه. وقد بيّن القرآن الكريم الآثارَ المترتّبة على التقوى، أهمّها:

 

25


12

الموعظة الثانية: الصيام والتقوى

الأوّل: الفوز يوم القيامة، قال تعالى: ﴿وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَكَفَّرۡنَا عَنۡهُمۡ سَيِّ‍َٔاتِهِمۡ وَلَأَدۡخَلۡنَٰهُمۡ جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ﴾[1]. فالصوم بابٌ إلى التقوى التي هي بِدورها بابٌ لِتكفير السيّئات والفوز بِجنّات النعيم في الآخرة.

الثاني: التقوى غاية العبادة، قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعۡبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾[2]. فالتقوى التي جعلها الله غاية العبادات، جَعلها في مكانٍ آخر غاية الصيام، وهذا يعني أنّ عبادة الصوم مِن العبادات الاستثنائيّة على مستوى صناعةِ باطن الإنسان وبناءِ سريرتِه وتخليصِه مِن شوائب ما عَلِقَ على أطراف قَلبِه ونفسِه.

الثالث: البُشرى في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ٦٣ لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۚ لَا تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ﴾[3].

فالتقوى -بِصريح القرآن- نعيمٌ في الدنيا والآخرة، إذ إنّ الله استخدم التعبيرَ نفسه للدنيا والآخرة -وهو (البُشرى)- ليُدلِّل على عظيم بَرَكات هذه المَنقبة، فأطلَقَ على نتيجتها تعبير (الفوز العظيم). وهل بعد ذلك مقامٌ وشأنٌ ورِفعةٌ يَبلُغُها المرءُ بِبَركة الصيام؟

الرابع: قبول العمل، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ﴾[4]. وهذا مِن أعظم بَرَكات التقوى؛ حين تُصبح هذه الأعمال مقبولةً عند

 


[1] سورة المائدة، الآية 65.

[2] سورة البقرة، الآية 21.

[3] سورة يونس، الآيتان 63 - 64.

[4] سورة المائدة، الآية 27.

 

26


13

الموعظة الثانية: الصيام والتقوى

الله. فلا يستصغرُ الإنسانُ عملاً بعد قبوله، ولا يمتنع أو يتلكّأ عن عملٍ ما دام مقبولاً. وهذا مِن أكبر الغايات التي ننشدها جميعاً في أعمالنا التي نَنظر إليها دائماً بِعين الخَوْف مِن أنْ تكون غير مُحرزة لِرضا الله وَقَبوله.

الخامس: العناية الإلهيّة، فالإنسان التقيّ يبقى في عين الله، بِحيث لا تُسَدُّ في وجهه أبواب حياته المادّيّة والمعنويّة، فالله تعالى يُهيّئ له المَخارج ويُيَسِّر له سُبُل الرزق مِن حيث لا يحتسب، قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجا ٢ وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡء قَدۡرا﴾[1].

 

 


[1] سورة الطلاق، الآيتان 2 - 3.

 

 

27


14

الموعظة الثالثة: البعد الاجتماعيّ لفريضة الصوم

الموعظة الثالثة: البعد الاجتماعيّ لفريضة الصوم

 

 

محاور الموعظة:

المظاهر الاجتماعيّة التي ينبغي تفعيلها
مظاهر ينبغي اجتنابها
أمور ينبغي المحافظة عليها

 

هدف الموعظة:

الحرص على تفعيل الجانب الاجتماعيّ خلال شهر رمضان المبارك، وبيان أهمّ هذه المظاهر الاجتماعيّة.

 

تصدير الموعظة:

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خطبة استقبال شهر رمضان: «وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقّروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم»[1].

 

 


[1]  الشيخ الصدوق، الأمالي، ص 154.

 

 

28


15

الموعظة الثالثة: البعد الاجتماعيّ لفريضة الصوم

لا يخفى أنّ لفريضة الصوم وراء البعد العباديّ الخاصّ بعدها الاجتماعيّ، فهي ليست طقساً فرديّاً ومناجاة خاصّة، بل تتعدّى ذلك إلى الميدان الاجتماعيّ، لتكون أساساً في بناء المجتمع السليم وتعاضده وتكاتف أفراده، وذلك من خلال التكاليف التي ينبغي للصائم أن يقوم بها خلال أدائه لفريضة الصوم.

1. تفعيل الحسّ الاجتماعيّ: وأرفع ما يكون ذلك في الصوم؛ لأنّ الغنيّ يشارك الفقير في شعوره بالجوع وألمه، فهو بذلك أرفع من الصدقة أو الهديّة مثلاً التي يشارك الغنيّ فيها في رفع الجوع عن الفقير من دون الشعور بألم الجوع.

وقد بيّن الإمام الصادق (عليه السلام) هذا الجانب الاجتماعيّ، عادّاً إيّاه من علل الصوم، فقال (عليه السلام): «إنّما فرض الله عزّ وجلّ الصيام ليستوي به الغنيّ والفقير؛ وذلك أنّ الغنيّ لم يكن ليجد مسّ الجوع، فيرحم الفقير، لأنّ الغنيّ كلّما أراد شيئاً قدر عليه، فأراد الله عزّ وجلّ أن يسوّي بين خلقه، وأن يذيق الغنيّ مسّ الجوع والألم، ليرقّ على الضعيف فيرحم الجائع»[1].

2. مقاومة الأنانيّة: وذلك بالنظر إلى حاجات الآخرين والتفاعل معها ومشاركتهم هذا الشعور، بل والسعي في قضائها ما أمكن، كما ورد في الدعاء الذي نقرأه بعد كلّ فريضة في هذا الشهر الشريف: «اللّهُمَّ أشْبِعْ كُلَّ جائِعٍ، اللّهُمَّ اكْسُ كُلَّ عُرْيان...»[2].

 

 


[1] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص73.

[2] الشيخ عبّاس القمّيّ، مفاتيح الجنان، ص287.

 

29


16

الموعظة الثالثة: البعد الاجتماعيّ لفريضة الصوم

المظاهر الاجتماعيّة التي ينبغي تفعيلها

1. إفطار الصائمين: ولا يخفى ما لإفطار الصائمين من أثر في تعزيز روابط الأخوّة ونشر الإلفة والمودّة في المجتمع، ولعلّه لذلك ربط رسول الله (صلى الله عليه وآله) بينه وبين المغفرة واتّقاء النّار، إذ قال (صلى الله عليه وآله): «أيّها النّاس من فطّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر، كان له بذلك عند الله عتق نسمة ومغفرة لما مضى من ذنوبه»، فقيل: يا رسول الله، وليس كلّنا يقدر على ذلك! فقال (صلى الله عليه وآله): «اتّقوا النّار ولو بشقّ تمرة، اتّقوا النّار ولو بشربة من ماء»[1].

ولا يخفى أنّ إفطار الصائم له أجره على الداعي كما على المدعوّ، فعنه (صلى الله عليه وآله): «ما من صائمٍ يحضر قوماً يُطعِمون إلّا سبّحت له أعضاؤه، وكانت صلاة الملائكة عليه، وكانت صلاتهم استغفاراً»[2].

وعنه (صلى الله عليه وآله): «من فطّر صائماً فله مثل أجره من غير أن ينتقص منه شيء...»[3].

2. إكرام الأيتام: وهي من الصفات التي شدّدت عليها الشريعة للقضاء على أيّ مظهر من مظاهر الحاجة والعوز في المجتمع الإسلاميّ، فاليتيم الذي لا معيل له تجب إعالته كفائيّاً حتّى يستغني، فقد قال (صلى الله عليه وآله) في خطبة استقبال شهر رمضان: «ومن أكرم فيه يتيماً، أكرمه الله يوم يلقاه»[4].

 

 


[1] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص154.

[2] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص87.

[3]  الشيخ المفيد، المقنعة، ص342.

[4] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص155.

 

30


17

الموعظة الثالثة: البعد الاجتماعيّ لفريضة الصوم

وفي موقع آخر من الخطبة بالغ في الإكرام إلى حدّ التحنّن، فقال (صلى الله عليه وآله): «وتحنّنوا على أيتام الناس، يُتحنّن على أيتامكم»[1]، والتحنّن أعلى شأناً من الإكرام لأنّه يستبطن معاملة اليتيم كالابن الذي يتحنّن عليه والده.

3. التواصل والتكافل الاجتماعيّ: عن الإمام الرضا (عليه السلام) في حديثٍ له عن إحدى علل وجوب الصوم: «ولِيعرفوا شدّة مبلغ ذلك على أهل الفقر والمسكنة في الدنيا، فيؤدّوا إليهم ما فرض الله تعالى لهم في أموالهم»[2].

فالمسألة لا تقتصر على معرفة الأغنياء لشظف الحياة وضيق العيش عند الفقراء أو الشعور بألم الجوع، بل ليكون ذلك سبيلاً إلى أداء حقوقهم التي فرضها الله للفقراء في أموال الأغنياء، فيتحقّق بذلك التكافل في أبهى صوره ومعانيه.

وفي موقع آخر من الخطبة، يولي (صلى الله عليه وآله) اهتماماً خاصّاً بصلة الرحم باعتبارها من أبرز مصاديق التواصل الاجتماعيّ، فيقول (صلى الله عليه وآله): «ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه»[3].

وفي الحديث إشارة صريحة إلى مضاعفة أجر الحسنة، لكنّه يصرّح بمضاعفة عذاب السيّئة كذلك في هذا الشهر.

 

 


[1]  الشيخ الصدوق، الأمالي، ص 155.

[2] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج1، ص270.

[3] الشيخ الصدوق، الأمالي، ص155.

 

31


18

الموعظة الثالثة: البعد الاجتماعيّ لفريضة الصوم

مظاهر ينبغي اجتنابها

1. تنوّع أنواع الطعام والإكثار منها عند الإفطار والسحور.

2. تمضية الوقت نهاراً بالتسلية واللهو والأمور العبثيّة.

3. المنافسة غير الإيجابيّة في الولائم وما يستتبعها من رمي للأطعمة.

4. طول السهر إلى وقت متأخّر، بحيث يضيّع على نفسه صلاة الصبح وثوابها.

5. الغضب والعصبيّة والصوت العالي والسباب والشتم واستخدام الألفاظ النابية.

أمور ينبغي المحافظة عليها

1. الحرص على المشاركة في إحياء المناسبات خلال الشهر.

2. الاطّلاع الدقيق على أوضاع المحتاجين وإعانتهم.

3. إعداد برامج عباديّة وسلوكيّة لتزكية النفس.

4. الاستعداد لشهر رمضان ولو بصيام عدّة أيّام من شهر شعبان.

5. الحرص على المشاركة في صلاة العيد.

 

 

32

 


19

الموعظة الرابعة: المراقبة في شهر رمضان

الموعظة الرابعة: المراقبة في شهر رمضان

 

 

محاور الموعظة:

مراقبات شهر رمضان

 

هدف الموعظة:

بيان بعضِ الأمور التي تَجبُ مراقبتها في شهر رمضان، بالاستناد إلى ما جاء في خطبة النبيّ (صلى الله عليه وآله).

 

تصدير الموعظة:

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ومَن تَطوَّعَ فيه بصلاة، كتبَ اللهُ له براءةً من النار»[1].

 

 


[1]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج10، ص313.

 

33


20

الموعظة الرابعة: المراقبة في شهر رمضان

عندما نقرأ في خطبة النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّ شهر رمضان هو عند الله أفضلُ الشهور، وأيّامه أفضل الأيّام، ولياليه أفضلُ اللّيالي، وساعاته أفضل السّاعات، نستكشفُ أنّه يجبُ علينا أنْ نُولي اهتماماً بالغاً للَحظات هذا الشهر، لحظةً لحظةً، وإلّا لَما كان هذا التأكيد منه (صلى الله عليه وآله) على الأيّام والليالي والساعات. فيجبُ على المؤمن أنْ يُراعي حُرمةَ هذا الشهر، فكلّما مرَّتْ عليه ليلة مِن ليالي شهر رمضان المبارك ازداد خوفاً وقلقاً؛ لأنَّه بانصِرام كلّ يوم وكلّ ليلة، يفقِد فرصةً مِن فُرَصِ التقرُّب إلى الله تعالى. عليه إذاً أن يضعَ خطّةً مناسِبة له في إحياء ليالي وأيّام هذا الشهر مِن الليلة الأولى، وأن يَحرص على عدمِ تضييع هذه الفرصة التي لن تتكرّر إلّا في شهر رمضان منَ العامِ التالي. ولعلّه -والعِلْم عند الله- يكون ممّن لن تتكرّر عليهم أبداً.

مراقبات شهر رمضان

من الضروريّ أن نستلهمَ مِن خطبة النبيّ (صلى الله عليه وآله)الغرّاء بعض الأمور التي تحتاج إلى مراقبة، والتي نبّه إليها فيها، نُورِدُ بعضها:

1. الصلاة: هي مِن أهمّ ما ينبغي الالتِفات إليه ومراقبته، من ناحية الخشوع والتوجُّه والأداء أوّل الوقت، فإنّه أفضل الأوقات، وطول السجود والاستغفار في القنوت. فيتساءلُ: هل بقِيَتْ صلاتي على ما كانت عليه قبل دخول الشهر، أم أنّ تغيُّراً طرأ عليها ممّا يُرجى منَ التحسُّن والارتقاء؟

ومِنَ الصلاة التي تَجبُ مراقبتُها صلاة النافلة التي يتطوّع بها المرء، والتي قال فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ومَن تطوّع فيه بصلاةٍ، كتب الله له

 

34


21

الموعظة الرابعة: المراقبة في شهر رمضان

براءة من النار»[1]، في حين أنّ العطاء الإلهيّ لمْ يشمل الفريضة كما شملَ النافلة، فقال (صلى الله عليه وآله): «ومَن أدّى فيه فرضاً، كانَ له ثواب مَن أدّى سبعين فريضةً فيما سِواه مِن الشّهور»[2].

لا شكّ في أنّنا جميعاً نُخطّط لِأنْ يكون هذا الشهر متميِّزاً ومختلفاً بالنسبة إلينا عن باقي شهور السَنة، ولكنْ -في مقام العمل- نرى أنْ لا جديد. وهنا يجب أنْ نُدرك أنّنا أمام مُشكلةٍ روحيّةٍ يجبُ علاجها؛ لأنّ ذلك أشبه بإنسان يجلسُ إلى مائدة شهيّة، لكنّ نفْسه لا تشتهي الطعام، بالتالي فإنّه لن يستفيد مِن هذه المأدبة.

2. قراءة القرآن: واضحةٌ هي العلاقة القائمة بين هذا الشهر وبين كتاب الله تعالى؛ فَلْيُراقِب كلٌّ منا نفْسه في قراءته القرآن، والتدبُّر في آياته، وفهم معانيه، وسَبْر أغواره، وشرْح مُفرداته، والعيْش بين ثنايا دُرَرِه اللامُتناهية. ومع ضرورة ألّا تنحصِر قراءة القرآن بهذا الشهر الكريم، إلّا أنّه يجبُ في هذا الشهر ألّا تكونَ قراءة القرآن كما في غيره مِن الشهور.

والعلاقة التكوينيّة الغَيْبيّة التي لا يُمكننا إدراكها بعقولنا القاصرة، هي التي حَدَتْ بالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) لِيقول: «ومَن تلا فيه آيةً مِن القرآن، كان له مِثل أجْرِ مَن خَتَمَ القرآن في غيره مِن الشهور»[3].

3. الدعاء: هو مِن أهمّ ما أنعمَ اللهُ على العِباد في هذا الشهر؛ فأغدقَ عليهم ما لمْ يُغدِقه في غيره مِن الشهور، ووَعَدَهم بالاستجابة والتلبِية والعطاءِ كما جاء على لسان النبيّ (صلى الله عليه وآله): «وارفَعوا إليه


 


[1] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج10، ص313.

[2] المصدر نفسه.

[3] المصدر نفسه.

 

35


22

الموعظة الرابعة: المراقبة في شهر رمضان

أيديكم بالدّعاء في أوقات صلاتِكم،‏ فإنّها أفضل السّاعات، ينظر الله عزّ وجلّ فيها بالرّحمة إلى عباده، يُجيبهم إذا ناجَوْه، ويُلبّيهم إذا نادَوْه، ويُعطيهم إذا سألوه، ويَستجيبُ لهم إذا دَعَوْه»[1]. فهل بعد هذا الوعد شكٌّ ورَيْبٌ أو شُبْهةٌ في أنّنا يجبُ أنْ نُراقب أدعِيَتَنا ونُصرّ على الطلب والسؤال والمناجاة بين يدي الله تعالى؟

كانَ أحدُ العلماء الكبار يقول: لماذا تَقتصرون على دعاء رفْعِ المصاحف -مثلاً- في ليلة القَدْر؟ -إذ إنّ في دعاء رفع المصاحف «اللهمّ إنّي أسألك بكتابك المُنْزَل وما فيه، وفيه اسمك الأعظم الأكبر وأسماؤك الحسنى»[2]- يقول: لماذا لا تلتجئون إلى رفْعِ المصاحف في غيرِ ليلة القَدْر؟ ففي كلّ وقتٍ يشعر الإنسان أنَّ ثمّة إقبالاً، عليه أن يَغتنم هذه الفرصة.

4. الأعمال المُستحَبَّة: مِن التعاليم المهمّة التي يُعلّمنا إيّاها الإسلام في شهر رمضان بناءُ علاقة قويّة مع النوافل والمُستحبّات، التي لو قارنَها الإنسان بالفرائض، لَوَجَدَها تفوقُها بِمئات المرّات. ولَو كانت أموراً يصحّ الاستغناء عنها، لَما زخرَتْ بها كُتُب الأدعية والزيارات.

فالإنسان الذي يُواظب على قراءة القرآن والدعاء، والتطوّع بالصلاة، والإكثار مِن الصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وإفطار الصائمين، والتصدّق، وسواها مِن المستحبّات التي وردَتْ في خطبة النبيّ (صلى الله عليه وآله)، مِن شأنه أنْ يُقوّي علاقته بهذه النوافل، ويتنعّم بحلاوة هذه العبادة، فيتمسّك بها ويحافظ عليها بعد شهر رمضان المبارك.

 


[1]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج 10، ص 313.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص629.

 

36


23

الموعظة الرابعة: المراقبة في شهر رمضان

والمُتأمِّل في الروايات التي تتحدّث عن شهر رمضان، يجِدُها مستفيضة بالكلام عن قيام الليل وإحيائه. ومِن المَعلوم أنّ هذا القيام لا يتمّ إلّا إذا كان ساحةً للمُستحبّات والنوافل والإكثار مِن الذِكْر والتسبيح لله تعالى، ما يُدلّل على أهمّيّة التنفُّل في هذا الشهر الكريم.

فالنافلة تنقُل الإنسان إلى مقامات القُرْب مِن الله والتنعُّم بِجواره المُقدَّس، ففي الحديث الذي يورِدُه رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن الله تعالى: «ما يزالُ عبدي يتقرّبُ إليَّ بالنوافل حتَى أحبّه، فإذا أحببْتُه كنتُ سَمْعَه الذي يسمعُ به، وبصره الذي يُبصِر به، ويَده التي يَبطشُ بها، ورِجْله التي يمشيبها»[1].

والنوافل تستَبْطِنُ صِدقَ العبودية لله تعالى وحِرصَ الإنسان على واجباتِه وفرائضِه -لِما ورد مِن أنّ المستحبّات سياج الواجبات-، فالحِرصُ عليها حرصٌ على سلامة الفرائض. ويُمكن للخوف مِن العذاب والفوز بالجنّة أنْ يَدفعا المرءَ للقيام بِفرائضه، لكنْ أيّ دافع يدفع المرء للقيام بالمستحبّات والنوافل الكثيرة سوى نيّة القُرب وجمال المعبود؟ وأيّ حافزٍ يجعل المرء يترك فِراشَه ونوْمَه وراحتَه لِيقضيَ قِسْطاً منْ وقته مع خير المُجالسين وأشدِّهم أُنساً، سِوى التقرُّب والتحبُّب وصدقِ العبودية، واليقينِ بِما فيخَلْوةِ النافلة مِن بَرَكاتٍ وأنوارٍ لا يَعرِفُ حقيقتَها وطَعْمَها إلّا مَن تذوّقها حقّاً؟

 


[1] المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج7، ص770.

 

37


24

الموعظة الرابعة: المراقبة في شهر رمضان

على المرْءِ إذاً أنْ يترصَّد قلبَهُ دائماً، ولا يُضيّع فرصةَ إقباله، ففي الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلَتْ فتنفّلوا، وإذا أدبرَتْ فَعليْكم بالفريضة»[1].

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج3، ص454.

 

 

38


25

الموعظة الخامسة: زكاة الفِطرة بين الصوم والعيد

الموعظة الخامسة: زكاة الفِطرة بين الصوم والعيد

 

محاور الموعظة:

زكاة الفطرة وعلاقتها بالصيام

 

هدف الموعظة:

بيان طبيعة العلاقة التي تربط زكاة الفِطرة بِفريضة الصوم ومَفهوم العيد.

 

تصدير الموعظة:

﴿قَدۡ أَفۡلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ١٤ وَذَكَرَ ٱسۡمَ رَبِّهِۦ فَصَلَّىٰ﴾[1].

 

 


[1] سورة الأعلى، الآيتان 14 - 15.

 

 

39

 


26

الموعظة الخامسة: زكاة الفِطرة بين الصوم والعيد

مِن المَفاهيم التي أكّدتها الشريعة مَفهومُ الزكاة، والذي يَعني -بِشكلٍ عامّ- ضرورةَ إخراجِ سَهْمٍ مِن أيّةِ نِعْمةٍ أنعَمَها الله تعالى علينا. وقد جعلَ اللهُ لِكُلّ شيء زكاته الخاصّة والمُناسِبة له؛ فالصوْم زكاةُ البدن، وزكاةُ القُدرةِ الإنصاف، وزكاةُ الجَمال العفاف، وزكاةُ الظَفَر العَفْو، وزكاةُ اليَسار بِرُّ الجيران وصِلَةُ الأرحام، وزكاة الصِحّةِ السعْيُ في طاعة الله، وزكاة الشجاعة الجهاد في سبيل الله، وزكاة النِعَم اصطِناع المعروف، وزكاة العِلْم بَذْلُهُ لِمُستحقّه وإجهادُ النفْس في العمَلِ به، وزكاة العقل احتمالُ الجُهّال، والعِلَلُ زكاة الأجساد، والشفاعة زكاة الجاه. وعلى كلّ جُزْءٍ مِن أجزائك زكاةٌ واجبةٌ لله عزّ وجلّ، بلْ على كلّ شَعرة، أو على كلّ لحظة! فزكاة العين النظرُ بالعِبرة والغضُّ عن الشهوات وما يُضاهيها، وزكاة الأُذُن استماع العِلْم والحِكمة والقرآن. والأهمّ، أنّ ما أدّيْتَ زكاتَه فهو مَأمونُ السَلْب.

إنّ القراءة المتأنّية لِزكاة الفِطَرِ وعلاقتها بالصيامِ الذي كان قبلها، والعيدِ الذي بَعدها، تَلحَظُ رابطاً قويّاً بين هذه المفاهيم الثلاثة، نقِفُ على بعضها:

1. زكاةُ الفِطرة شرطٌ في قبول الصوم: وَرَدَ في الحديث المَرويّ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ صَوْمَ رمضانَ مُعلّقٌ بين السماء والأرض، لا يُرفع إلّا بِزكاةِ الفِطَر»[1]، وهو كِنايةٌ عن توقُّفِ تمامِ ثوابه، حتّى تُؤدّى الزكاة. فلا يُنافي حُصول أصلِ الثواب مِن دونها، إلّا أنّ هذا التعبير لِرسول الله (صلى الله عليه وآله) يُشعرك بأنّ الثواب والدرجات والحسنات

 


[1] البكريّ الدمياطيّ، إعانة الطالبين، ج2، ص190.

 

40


27

الموعظة الخامسة: زكاة الفِطرة بين الصوم والعيد

مَرهونةٌ بالأثر الذي تَرَكَه الصيام في القلوب، والذي يتجلّى يومَ العيد، بِدَفْع مِقدارٍ مِن المال إلى المُستحقّين.

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ مِن تمامِ الصوم إعطاء الزكاة -يعني الفِطرة- كما أنّ الصلاة على النبيّ (صلى الله عليه وآله) مِن تمام الصلاة؛ لأنّه مَن صامَ ولمْ يُؤدِّ الزكاة، فلا صوم له إذا تَرَكَها مُتعمِّداً»[1].

2. استحبابُ إخراجها قبل الإفطار: مِن يوم العيد، وهذا كاشفٌ عن ضرورة بَدْءِ يومِ العيد بالتفكير في الفقراء والمُحتاجين، لِيكون الصوم قد أدّى آثارَه على المستوى الباطنيّ للإنسان؛ وبهذا نكون قد أعطَيْنا مفهومَ العيد بُعدَه الحقيقيّ، فالإسلام يُريد أنْ يربّينا على ثقافةِ أنّ حاجةَ الفقراء يجبُ أن نُؤْثِرَها على حاجَتِنا.

3. استحبابُ دَفْعِها إلى مُستحقّيها: قبل دخولِ المسجد لِصلاة العيد؛ لِما له من أثرٍ بالغٍ في قبول الصلاة وروحيّة أدائها؛ لذلك نَجِدُ أنّ القرآنَ الكريم قد قدّم مَن (تزكّى) على قوله (فصلّى)، وجعلَ الفَلاح مرتبطاً بِمجموعهما، فالارتباط الحقيقيّ بالله تعالى ليس سوى الشعور الإنسانيّ الذي نَعيشه تجاه الآخرين.

4. استحبابُ دَفْعِها بِاليد: فإنّها تقع بِيَدِ الله. والواقع أنَّ دفْعَها بِاليد لهُ آثارُه الروحيّة البالغة، لِضرورة أنْ تكون العلاقة -مِن غير عُذْر- بِالفقراء والمحتاجين علاقةً مُباشرةً وبِلا وساطة، ما يجعل العلاقة أكثرَ تفاعُلاً وأكثر تفهُّماً، بالتالي أكثر استمراريّةً وبقاءً، بِخلاف العلاقة غير المباشرة التي لا تَترك هذا الأثر في النفوس.

 


[1] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص183.

 

41


28

الموعظة الخامسة: زكاة الفِطرة بين الصوم والعيد

إنّ مفهومَ العيد في بُعْدِه الأخلاقيّ يعني إدخال السرور إلى قلوب المُحتاجين، وإدخالُ السرور إلى قلبك لا يتمّ إلّا عبر تفريح قلوبهم ومَسْح أحزانهم وبَلْسَمة جِراحاتهم.

5. كَراهة إخراجها مِن البلدة: هذا يعني أهمّيّة الاطّلاع على أوضاع الأقرب فالأقرب مِن أهلِ القرية؛ لأنّ ذلك سيُؤدّي في النهاية إلى معرفة المحتاجين في البلدة. ولا شكّ في أنّ الشارِعَ عندما سَنَّ هذه الفريضة بِهذه القيود، إنّما أراد أنْ تَبقى هذه العلاقة بالفقراء والمحتاجين في القرية علاقةً دائمةً ومُستمرّةً، لا تقتصر على شهر رمضان المبارك.

6. يوم العيد يومُ الجائزة: بعد أنْ صام المسلمون أيّام شهر رمضان وقاموا لياليه، ها هم يُقبِلون على يوم العيد مُهنّئين مُتودّدين، يَمسحون رأسَ اليتيم، ويَمدّون يدَ العَوْن والمساعدة إلى الفقراء والمساكين بِالبِرّ والعطاء.

إنّه يوم الجائزة؛ لأنّه يومٌ جَنى فيه الصائمون ثوابَ صيامهم، وأثابهم به الله تعالى على نجاحهم في عبور هذا الامتحان، فأقبلوا على ربٍّ كريمٍ يقول لهم: لقد أُمِرْتُم بِقيام الليل فَقُمتم، وأُمرتم بصيام النهار فصُمتم، وأطَعْتُم ربّكم، فاقبضوا جوائزكم، فهذا اليومُ يُسمّى في السماء: يوم الجائزة.

7. دعاء صلاة العيد: مِن الجَميل في صلاة العيد، أن تَقِفَ بين يَدَي الله تعالى، بعد الصيام والقيام، وبعد الزكاة وما تَرَكَتْ مِن نَقاءٍ وصفاءٍ في القلْب والنفْس، لتقول: «اللهمّ إنّي أسألك أنْ تُدخِلَني في كلّ خيرٍ أدخلْتَ فيهِ محمّداً وآلَ محمّد، وأنْ تُخرِجَني مِن كلّ

 

 

42


29

الموعظة الخامسة: زكاة الفِطرة بين الصوم والعيد

سوء أخرَجْتَ مِنه محمّداً وآلَ محمّد. اللهمّ إنّي أسألك خير ما سألَكَ عبادُك الصالحون، وَأعوذُ بكَ مِن شرِّ ما استعاذ مِنه عِبادُك المُقرّبون»[1].

إنّه سؤالُ اللهِ التوفيقَ إلى مزيدٍ مِن القُرب والرضا، ووعدٌ بِالمزيد مِن الطاعةِ والعملِ الصالح.

إنّ مجموعَ ما تَقدّمَ يفيدُ أنَّ البُعْدَ الاجتماعيّ للصوم يتجلّى يوم العيد عن طريق التفكير بعموم المؤمنين، والخروج من الدائرة الضيّقة للأنا إلى الدائرة الأوسع للمسلمين، بلْ لِعموم الناس. وهُو ما يَظهر على ألسنتنا في الدعاء الذي نقرأه عقيب كلّ صلاة في شهر رمضان: «اللهمّ أدخِلْ على أهل القبور السرور، اللهمّ أغنِ كلّ فقير، اللهمّ أشبع كلّ جائع، اللهمّ اكسُ كلّ عُريان، اللهمّ اقضِ دَيْن كلّ مَدين، اللهمّ فرِّج عن كلّ مكروب، اللهمّ رُدَّ كلّ غريب، اللهمّ فُكّ كلَّ أسير، اللهمّ أصلِحْ كلّ فاسدٍ مِن أمور المسلمين، اللهمّ اشفِ كلّ مريض، اللهمّ سُدَّ فقرنا بغناك، اللهمّ غيِّرْ سوءَ حالنا بِحُسْنِ حالِك، اللهمّ اقضِ عنّا الدَيْن، وأغنِنا مِن الفَقْر، إنَك على كلّ شيءٍ قدير»[2].

 

 


[1] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجِّد وسلاح المتعبِّد، ص654.

[2] العلاّمة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج83، ص98.

 

43


30

الموعظة السادسة: فضل الاعتكاف وثوابه

الموعظة السادسة: فضل الاعتكاف وثوابه

 

محاور الموعظة:

مفهوم الاعتكاف
فضل الاعتكاف
أفضل أوقات الاعتكاف
مكان الاعتكاف
قضاء حوائج المؤمنين أفضل من الاعتكاف

 

هدف الموعظة:

توضيح عبادة الاعتكاف، وبيان فَضْلها، ودعوة الناس إلى الاهتمام بها في شهر رمضان المبارك.

 

تصدير الموعظة:

﴿وَإِذۡ جَعَلۡنَا ٱلۡبَيۡتَ مَثَابَة لِّلنَّاسِ وَأَمۡنا وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ مُصَلّىۖ وَعَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡعَٰكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ﴾[1].

 


[1]  سورة البقرة، الآية 125.

 

44


31

الموعظة السادسة: فضل الاعتكاف وثوابه

يرتبط مبدأ الاعتكاف ارتباطاً وثيقاً بِموضوع اعتزالِ الناس وصَخَبِ الحياة والابتعادِ عن مُفرداتها اليوميّة، ومحاولةِ الخَلْوة بالله تبارك وتعالى، والانشغالِ بِمختلف أنواع العِبادات، ما يُساهم في تقوِية الشعور بِلذّة الطاعة عند الإنسان، وتربيته على ضرورة تخصيص وقتٍ -بِشكلٍ دائم- للخَلْوة مع الله.

 

ويرتكز مفهوم الاعتكاف على أمريْن أساسيَّيْن:

1. الانقطاع إلى الله: لِما للانقِطاع إلى الله مِن أثَرٍ بالغٍ في صَفاء النفوس وبُلوغِها أعلى المراتب. فقد وَرَدَ في الدعاء: «إلهي هَبْ لي كمالَ الانقطاع إليك، وأَنِرْ أبصارَ قلوبِنا بِضياء نَظَرِها إليك، حتّى تَخْرقَ أبصارُ القلوب حُجُبَ النورِ، فَتَصِل إلى مَعْدِن العَظَمة، وتَصير أرواحُنا مُعلّقةً بِعِزّ قُدْسِك»[1].

2. الإعراض عن الدنيا: أي عدم الانشغال بالشؤون الدنيويّة، مِن بَيْعٍ أو تِجارةٍ أو أحاديثِ لَغْوٍ، أو لَهوٍ، أو خَوْضٍ في باطل، وسوى ذلك ممّا يُفسِد الانقطاع إلى الله. بالتالي تَنزيل الدنيا مَنزلة مبدأ المَعاصي ورأس كلّ خطيئة في النفس، وأنّها الحِجاب الأكبر الذي يَحجبُ الإنسانَ عن التقرُّب والإخلاص لله.

فضل الاعتكاف

للاعتكاف ثوابُه العظيم، فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يُردّد دائماً: «ثواب الاعتكاف يُعادِلُ حجّتيْن وعُمرتيْن»[2].

 

 


[1] السيّد ابن طاووس، إقبال الأعمال، ج3، ص299.

[2] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص60.

 

45


32

الموعظة السادسة: فضل الاعتكاف وثوابه

أفضل أوقات الاعتكاف

لمّا كان الصوم شَرْطاً في صِحّة الاعتكاف، وأفضل الصوْمِ في شهر رمضان، كانَ أفضل الاعتكاف في شهر رمضان المبارك. فقد وَرَدَ أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) إذا كانَ مُقيماً اعتكفَ العَشْرَ الأواخر مِن شهر رمضان، وإذا سافرَ اعتكفَ مِن العامِ المُقبِل عِشْرين[1].

 

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «كان رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) إذا كانَ العشر الأواخر -يعني مِن شهر رمضان- اعتكفَ في المسجد، وضُرِبَتْ له قُبّة مِن شَعر، وشَمّرَ المَئزر، وَطوى فِراشه»[2].

 

مكان الاعتكاف

عن الإمام الصادق(عليه السلام): «لا اعتكاف إلّا في مَسجدِ جَماعةٍ قد صلّى فيه إمامٌ عَدْلٌ بِصلاة جَماعة»[3].

 

قضاء حوائج المؤمنين أفضل من الاعتكاف

عن ميمون بن مهران: كنتُ جالساً عند الحَسن بن عليّ(عليهما السلام)، فأتاهُ رَجُلٌ فقال له: يابنَ رسول الله، إنّ فلاناً له عَلَيَّ مالٌ، ويُريد أن يَحبِسَني، فقال (عليه السلام): «والله، ما عندي مالٌ فأقضي عنك»، قال: فَكَلِّمْه، قال: فَلَبِسَ(عليه السلام) نَعلَه، فقلتُ له: يابن رسول الله، أنَسيتَ اعتِكافَك؟! فقال (عليه السلام) له: «لَمْ أنْسَ، ولكنّي سَمِعتُ أبي (عليه السلام) يُحدِّث عن جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: مَن سعى في حاجةِ أخيه المُسلم، فَكأنّما

 

 


[1] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص260.

[2]  العلاّمة المجلسيّ، روضة المتّقين، ج3، ص496.

[3]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج7، ص401.

 

46


33

الموعظة السادسة: فضل الاعتكاف وثوابه

عَبَدَ اللهُ عزّ وجلّ تسعةَ آلافِ سَنة، صائماً نَهارَه، قائماً ليلَه»[1].

 

ولا يخفى أنّ قضاءَ حوائجِ المُؤمنين عبادة، بلْ مِن أهمّ العِبادات؛ لأنّ لها بُعداً عامّاً يَطال سلامةَ المجتمع، وهذا أرفعُ شأناً مِن العبادة التي لها بُعدٌ خاصٌّ وفرديٌّ فقط.

 

 


[1]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج7، ص409.

 

47


34

الموعظة السابعة: الفتح المبين والرحمة الواسعة

الموعظة السابعة: الفتح المبين والرحمة الواسعة

 

محاور الموعظة:

الفتح العظيم
تجلّي الأخلاق المحمّديّة

 

هدف الموعظة:

تقديم بعض الدروس والعِبَر الأخلاقيّة التي تُلائم ثقافة النصر في الإسلام، والتي جسّدها رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم فتح مكّة.

 

تصدير الموعظة:

﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَة لِّلۡعَٰلَمِينَ﴾[1].

 

 


[1] سورة الأنبياء، الآية 107.

 

51


35

الموعظة السابعة: الفتح المبين والرحمة الواسعة

الفتح العظيم

كان فتح مكّة بدايةَ فتحٍ عظيمٍ للمسلمين، فقد كان الناس تبعاً لقريش في جاهليّتهم، كما أنّهم تبعٌ لقريشٍ في إسلامهم، وأتت مكّة عاصمةً الشرك والوثنيّة، وكانت القبائل تنتظر ما يفعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع قومه وعشيرته، فإن نصره الله عليهم، دخلوا في دينه، وإن انتصرت قريش، يكونوا بذلك قد كفوهم أمره. من هنا، فقد كان يوم فتح مكّة من الأيّام الإلهيّة التي انهارت فيها أكبر قلاع الشرك والباطل، وتحطّمت الأصنام التي لطالما عكف عليها الناس، وصدع صوت الله أكبر وحده لا شريك له وأنّ محمداً (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله في مكّة المكرّمة، كما استسلم أهلها، وكتب الله لرسوله النصر المبين.

 

من المعلوم أنّ هذه الحملة العسكريّة على مكّة إنّما كانت بعدما نقض المشركون بنودَ صلح الحديبية، وذلك بإغارتهم على قبيلة خزاعة حليفة المسلمين، وبالتالي فقد كان الدرس الأوّل من هذه المعركة هو بيان عاقبة نكث العهود، وأنّه وخيم للغاية، إذ نكثت قريش عهدَها، فحلّت بها الهزيمة، وخسرت كيانها الذي كانت تدافع عنه وتحميه.

 

تجلّي الأخلاق المحمّديّة

في هذا اليوم، سطّر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أروع معاني الأخلاق الكريمة والسجايا الفاضلة التي انصهرت شخصيّته الرساليّة بها، فكان فتحاً لا يشابهه أيّ فتح في أيٍّ من الحروب والمعارك.

 

من المهمّ والضروريّ في يوم فتح مكّة الوقوف على المشاهد الآتية:

 

 

52


36

الموعظة السابعة: الفتح المبين والرحمة الواسعة

1. العفو عند المقدرة: لمّا استتبّ الأمر لرسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم فتح مكّة، دخل الكعبة وطرح ما بها من أصنام وأمر بتكسيرها، ثمّ توجّه إلى المكّيّين وسألهم: «ماذا ترون أنّي فاعلٌ بكم؟»، قالوا: خيراً، أخٌ كريم، وابن أخٍ كريم، فقال (صلى الله عليه وآله): «إنّي أقول لكم ما قال أخي يوسف لإخوته، لا تثريب عليكم اليوم، يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، اذهبوا فأنتم الطلقاء»[1].

بهذا الموقف جسّد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّ الإسلام دين عفو ورحمة، وأنّه لا يعامل قريشاً بحقدٍ وانتقام، على الرغم من معاناته معهم طيلة عشرين عاماً، ومحاصرتهم له، وخوضهم المعارك ضدّه، وقتلهم لأصحابه وأنصاره، ومحاولتهم اغتياله والقضاء على مشروعه كلّه.

2. المحافظة على الدماء والأعراض: أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهذا الفتح أن يكون نموذجاً وتجسيداً لمكارم الأخلاق في الإسلام، فقد كان باستطاعته أن يدخل مكّة بالقوّة، وقد جاءها في عشرة آلاف مقاتل، لكنّه أعلن أنّ الموقف ليس للانتقام والكراهية، بل إنّ الناس وأموالهم وأرزاقهم وممتلكاتهم في أمنٍ وأمان، فنادى فيهم مقولته المشهورة: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن»[2].

وفي روايةٍ أنّ أحد قادة جيش المسلمين أخذ ينادي حين دخول مجموعته العسكريّة مكّة من أحد مداخلها: «اليوم يوم الملحمة،

 

 


[1] العلّامة الحلّيّ، تذكرة الفقهاء، ج1، ص428.

[2]  النمازيّ، مستدرك سفينة البحار، ج8، ص109.

 

53


37

الموعظة السابعة: الفتح المبين والرحمة الواسعة

اليوم تُسبى الحُرمة»، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهذا الشعار، وقال ردّاً عليه: «اليوم يوم المرحمة»[1]، ولم يكتفِ بذلك، بل أمر بأخذ اللواء منه، ودفعه إلى شخصٍ آخر [أمير المؤمنين (عليه السلام)] تأديباً له.

3. التواضع عند النصر: فالانتصار عند غير المسلمين يكون مدعاة للتكبّر والتعالي والاستئثار وفرض القرارات الجائرة والانتقاميّة والغفلة عن الله، بينما نرى أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا أشرف على مكّة ورأى منازلها، اغرورقت عيناه بالدموع، فانحنى تواضعاً لله وشكراً، وأنّه لمّا دخل الكعبة، فإنّ أوّل ما قام به أن صلّى ركعتي شكر لله تعالى.

ومن بيان تواضع الرسول (صلى الله عليه وآله) لربّه شكراً له على آلائه وإنعامه عليه، إذ دخل مكّة وهو مطأطئ الرأس، حتّى إنَّ لحيته لمست رحلَ ناقته تواضعاً لله وخشوعاً، فلم يدخل -وهو الظافر المنتصر- دخولَ الظلمة الجبّارين سفّاكي الدماء البطَّاشين بالأبرياء والضعفاء.

4. الوفاء: عندما دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) مكّة في موكب عظيم وجليل، دخلها من ناحيةٍ يُقال لها «أذاخر»، وهي أعلى نقطة في مكّة، فضُرب له قبّة عند قبر عمّه أبي طالب ليستريح فيها، وقد أصرّوا عليه أن ينزل في بعض بيوت مكّة، فأبى[2]، وهذا الموقف منه (صلى الله عليه وآله) إنّما كان لشدّة محبّته لأبي طالب، ووفاءً لدوره في رعاية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحمايته الرسالة عند بدايات الدعوة.

 

 


[1]  الواقديّ، المغازي، ج2، ص821 - 822.

[2] المقريزيّ، إمتاع الأسماع، ج1، ص380.

 

54


38

الموعظة السابعة: الفتح المبين والرحمة الواسعة

الموعظة الثامنة: أبو طالب ناصر الرسول(صلى الله عليه وآله)

 

 

محاور الموعظة:

علاقته برسول الله (صلى الله عليه وآله)
نصرته لرسول الله (صلى الله عليه وآله)
رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووفاة أبي طالب

 

هدف الموعظة:

التعريف بشخصيّة أبي طالب وأهمّ مواقفه الرساليّة، ودوره في إعلاء صوت الرسالة، ومؤازرته للنبيّ (صلى الله عليه وآله).

 

تصدير الموعظة:

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «هبط عليّ جبرائيل، فقال لي: يا محمّد، إنّ ربّك يقرئك السلام، ويقول: إنّي قد حرّمتُ النار على صُلبٍ أنزلكَ، وبطنٍ حملكَ، وحِجرٍ كَفَلَكَ... وأمّا حِجرٌ كَفَلَكَ فحِجرُ أبي طالب»[1].

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص446.

 

55


39

الموعظة الثامنة: أبو طالب ناصر الرسول(صلى الله عليه وآله)

أبو طالب: اسمه عبد مناف بن عبد المطّلب بن هاشم، ومن ألقابه: أبو طالب، سيّد البطحاء، شيخ قريش، رئيس مكّة، بيضة البلد، الشيخ، شيخ الأباطح[1].

 

كان يتمتّع بشخصيّة ومَهابة في نفوس قومه، وكان طاهراً مستقيماً، يقلّدونه في أفعاله، ولا يتقدّمونه في أمرٍ إلّا بعد أن يستشيروه، وكانت رئاسة قريش له بعد عبد المطّلب، وكان أمره نافذاً[2].

 

 

علاقته برسول الله (صلى الله عليه وآله)

كَفَل أبو طالب رسولَ الله (صلى الله عليه وآله) بطلبٍ من عبد المطّلب، فكان عنده كأحد أبنائه، بل كان يتقدّمهم في الرعاية والعطف والمودّة، فكان ينام بجنبه، وإذا خرج يُخرِجه معه، وكان يخصّه بالطعام، فشبّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عند أبي طالب يكلؤه ويحفظه ويحوطه من أمور الجاهليّة ومعائبها لما يريد من كرامته[3].

 

وفي روايةٍ أنّ جبرائيل نزل ليلة وفاة أبي طالب، فقال: «يا محمّد، اُخرج من مكّة، فما لك بها ناصر بعد أبي طالب!»[4].

 

نصرته لرسول الله (صلى الله عليه وآله)

تجلّت نصرته لرسول الله (صلى الله عليه وآله) من خلال المواقف الداعمة له، ولا سيّما في بدايات الدعوة والرسالة، وفي كفّ أذى قريش عنه، وأهمّ ما يمكن لفت النظر إليه:

 

 


[1]  أحمد بن عليّ الحسينيّ، عمدة الطالب في أنساب أبي طالب، ص20.

[2]  ابن دحلان، أسنى المطالب، ص6.

[3] ابن كثير، السيرة النبويّة، ج1، ص249.

[4] الشيخ الأمينيّ، الغدير، ج7، ص390.

 

56


40

الموعظة السابعة: الفتح المبين والرحمة الواسعة

1. تعزيزه وإكرامه أمامهم: كان يُقدِّمه في الحديث على ساداتهم، ولا يرضى منهم مقاطعته، ويصدّقه ويكذّبهم، حتّى أنّ أبا لهب حاول أن يعترض النبيّ(صلى الله عليه وآله) يوماً بالكلام، فقال له أبو طالب: «اسكت يا أعور، ما أنت وهذا!»، ثمّ قال: «لا يقومنّ أحد»، فجلسوا، ثمّ قال للنبيّ(صلى الله عليه وآله): «قم يا سيّدي، فتكلّم بما تحبّ، وبلّغ رسالة ربّك، فإنّك الصادق المصدّق»[1].

 

2. دعوة أقربائه لنصرته: كان أبو طالب يحثّ أبناءه طالباً وعقيلاً وجعفراً وعليّاً على الإيمان برسول الله (صلى الله عليه وآله) والتصديق به، وشدّ أزره، فكان يقول لعليّ(عليه السلام): «وازِر ابنَ عمّك وانصره»[2].

 

3. وقوفه في وجه قريش: عندما عزمت قريش على مواجهة النبيّ(صلى الله عليه وآله)، كان أبو طالب بالمرصاد، يواجههم ولا يستجيب لمطالبهم، وتحدّى في ذلك وجهاء القوم وساداتهم، كما أنّه كان يدعوهم إلى الإيمان برسول الله (صلى الله عليه وآله). ومن مواقفه مدحه للنجاشيّ بشعر، ممّا جعله يزيد في إكرام مهاجري الرسالة إلى الحبشة، ويُكثِر من إعظامهم[3].

 

4. رفضه العروض كافّة لإبعاده عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): حاولت قريش إقصاء أبي طالب وإبعاده عن النبيّ (صلى الله عليه وآله)، عبر عرضها عليه المال وخيرة أبنائها وسلطانها على أن يسلّمهم محمّداً (صلى الله عليه وآله)، فواجههم وأحبط كيدهم وأبطل مخطّطاتهم.

 


[1] ابن كثير، البداية والنهاية، ج3، ص319.

[2]  ابن كثير، السيرة النبويّة، ج1، ص431.

[3]  راجع: العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج35، ص122.

 

57


41

الموعظة الثامنة: أبو طالب ناصر الرسول(صلى الله عليه وآله)

رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووفاة أبي طالب

لمّا قُبِض أبو طالب -رحمه الله-، آتى أميرُ المؤمنين (عليه السلام) رسولَ الله (صلى الله عليه وآله)، فآذنه بموته، فتوجّع لذلك النبيّ(صلى الله عليه وآله)، وقال: «امضِ يا عليّ، فتولَّ غسله وتكفينه وتحنيطه، فإذا رفعته على سريره، فأعلمني»[1].

 

ففعل ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام)، فلمّا رفعه على السرير، اعترضه النبيّ(صلى الله عليه وآله)، فرقّ له، وقال: «وصلتك رحم، وجُزيتَ خيراً، فلقد ربّيتَ وكفَلتَ صغيراً، وآزرتَ ونصرتَ كبيراً»، ثمّ أقبل على الناس، فقال: «أما والله، لأشفعنّ لعمّي شفاعةً يعجب منها أهل الثقلين»[2].

 

 


[1]  الشيخ المفيد، إيمان أبي طالب، ص26.

[2]  المصدر نفسه.

 

58


42

الموعظة التاسعة: السيّدة خديجة، النموذج والقدوة

الموعظة التاسعة: السيّدة خديجة، النموذج والقدوة

 

 

محاور الموعظة:

إسلامها وإيمانها
منزلتها ومقامها
جهادها وبذلها مالها في الدعوة
مقامها في الآخرة

 

هدف الموعظة:

التعريف بالجوانب المُشرِقة للسيّدة خديجة (عليها السلام) وعلوّ شأنها، ومساهماتها في نجاح الدعوة.

 

تصدير الموعظة:

﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلسَّٰبِقُونَ ١٠ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلۡمُقَرَّبُونَ﴾[1].

 

 


[1]  سورة الواقعة، الآيتان 10 - 11.

 

59


43

الموعظة التاسعة: السيّدة خديجة، النموذج والقدوة

من الضروريّ الإلمام الواسِع بعظمة هذه الشخصيّة التاريخيّة وأسبقيّتها في حمل أعباء الرسالة مع النبيّ (صلى الله عليه وآله)، ودورها الفعّال في دفع عجلة الرسالة إلى الأمام، والوفاء لجهادها وبذلها وتضحياتها مع بدايات الدعوة، وتخليداً لها، وتقديمها كنموذج للاقتداء، ولا سيّما في حياة المرأة.

إسلامها وإيمانها

كانت أوّل الناس تصديقاً بنبوّة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإيماناً برسالة الإسلام من النساء، كما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) أوّل المؤمنين من الرجال. وقد تشرّفت بمنقبة الوضوء، وصلّت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أوّل يوم نزلت فيه فريضة الصلاة[1].

كانت أوّل من بايع الإمام عليّاً (عليه السلام) بعد إسلامها، فقد قال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا خديجة، هذا عليّ مولاك ومولى المؤمنين، وإمامهم بعدي»، فقالت: «صدَّقتُ يا رسول الله، قد بايعته على ما قلت»[2].

 

منزلتها ومقامها

عدّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم وفاتها يوم مصيبة على الأمّة، نظراً لدورها وجهادها في سبيل الدعوة، إذ قال: «اجتمعت على هذه الأمّة في هذه الأيّام مصيبتان (أي وفاة السيّدة خديجة ووفاة أبي طالب)، لا أدري بأيّهما أنا أشدّ جزعاً»[3].

 

 


[1]  ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام)، ج2، ص15.

[2] السيّد البروجرديّ، جامع أحاديث الشيعة، ج1، ص482.

[3]  اليعقوبيّ، تاريخ اليعقوبيّ، ج1، ص355.

 

60


44

الموعظة التاسعة: السيّدة خديجة، النموذج والقدوة

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ أفضل نساء أهل الجنّة أربع: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمّد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون»[1].

 

جهادها وبذلها مالها في الدعوة

لقد تبرّعت بمالها كلّه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ولخدمة الرسالة، إذ قالت لعمّها ورقة: خذ هذه الأموال وسر بها إلى محمّد (صلى الله عليه وآله)، وقل له: «إنّ هذه جميعها هديّة له، وهي ملكه، يتصرّف فيها كيف شاء، وقل له: والله يا محمّد، إنّ مالي وعبيدي وجميع ما أملك وما هو تحت يدي، فقد وهبته لمحمّد إجلالاً وإعظاماً له»[2].

وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك: «ما نفعني مال قطّ، كما نفعني مال خديجة»، وهذا الموقف الكريم منها مدحه الله تعالى بقوله: ﴿وَوَجَدَكَ عَآئِلا فَأَغۡنَىٰ﴾[3]؛ أي بمال خديجة[4].

فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يفكّ من مالها الغارم والعاني، ويحمل الكلّ، ويعطي في النائبة، ويرفد فقراء أصحابه ويحمل من أراد منهم الهجرة[5]. وقد كان لمالها الفضل في صمود المسلمين عندما حاصرتهم قريش في شُعَب أبي طالب، فقد ورد أنّ خديجة وأبا طالب أنفقا جميع مالهما[6].

 

 


[1]  ابن الأثير، أُسدُ الغابة، ج7، ص83.

[2]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج16، ص55.

[3] سورة الضحى، الآية 8.

[4]  ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام)، ج3، ص120.

[5]  الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص468.

[6]  قطب الدين الراونديّ، الخرائج، ج1، ص85.

 

61


45

الموعظة التاسعة: السيّدة خديجة، النموذج والقدوة

ومن جهادها أنّها آثرت الحصار في شعب أبي طالب، على الرغم من صعوبة العيش، وتحمّلها الجوع والعطش وحرارة الشمس، وعزلتها عن قومها، على الحياة الهانئة المرفّهة التي كانت تحظى بها، وما ذلك إلّا مواساةً لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وانتصاراً للرسالة.

 

مقامها في الآخرة

عند اشتداد مرضها، أتى جبرئيل رسولَ الله (صلى الله عليه وآله)، وقال له: «يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هذه خديجة قد أتتك ومعها إناء فيه إدام -أو طعام أو شراب-، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربّها ومنّي، وبشّرها ببيت في الجنّة»[1].

 

 


[1]  ابن الأثير، أُسدُ الغابة، ج7، ص84.

 

 

62


46

الموعظة العاشرة: يوم القدس وليلة القدر، غرّة على جبين الأمّة

الموعظة العاشرة: يوم القدس وليلة القدر، غرّة على جبين الأمّة

 

 

محاور الموعظة:

بركة المسجد الأقصى
إرث المستضعفين الصابرين
عاقبة ترك بيت المقدس
جزاء تتبّع سنن بني إسرائيل
من رحمة الله تعالى
يوم انطلاق تحرير الأمّة

 

 

هدف الموعظة:

الدعوة إلى إحياء ليلة القدر، ويوم قدْر قُدس الأمّة.

 

تصدير الموعظة:

﴿سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ﴾[1].

 

 


[1] سورة الإسراء، الآية 1.

 

63


47

الموعظة العاشرة: يوم القدس وليلة القدر، غرّة على جبين الأمّة

لمـّا أراد الله تعالى أن يُري خاتم النبيّين (صلى الله عليه وآله) المزيد من آياته الكبرى، أسرى به من بيته الحرام إلى أرض أخرى قد حباها بالبركة والقداسة، وقد قال الله عزّ وجلّ في بيان هذه البركة والقداسة:


﴿وَلِسُلَيۡمَٰنَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَة تَجۡرِي بِأَمۡرِهِۦٓ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَاۚ﴾[1] وقال على لسان موسى (عليه السلام): ﴿يَٰقَوۡمِ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡأَرۡضَ ٱلۡمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡ﴾[2].

 

بركة المسجد الأقصى

المـُجمَع عليه أنّ هذه الأرض المباركة المقدّسة المذكورة في آيات الفرقان هي بيت المقدس، والمتسالم عليه عند أهل الإيمان أنّ مركز البركة في تلك الأرض المقدّسة هو المسجد الأقصى[3].

 

أُولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ورمز عقيدة المسلمين وتاج مدينة القدس، بناهُ الأنبياء وانتسب إليه كثير من العلماء، وسقط على أرضه كثير من الشهداء، وهو دار الإسلام في نهاية الزمان، وأهله مرابطون إلى يوم القيامة.

 

وفي قول الحقّ سبحانه: ﴿بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ﴾، دليل واضح على المبالغة في البركة، فإنْ كان الله قد بارك ما حوله، فالبركة فيه شيء مُسلَّم، ومن باب أَوْلى[4].

 

 


[1] سورة الأنبياء، الآية 81.

[2] سورة المائدة، الآية 21.

[3] في بُعْد المسافة نقول: هذا قصيّ؛ أي بعيد؛ وهذا أقصى أي أبعد، وكأن الله سبحانه وتعالى يلفت أنظارنا إلى أنّ مع مرور الليالي والأيام سيتواجد بين المسجد الحرام، والمسجد الأقصى مسجدٌ آخر قصيّ، وقد كان؛ فما هي إلّا سنوات قلائل حتى شُيّد مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فالمسجد الأقصى؛ أي الأبعد، وهو مسجد بيت المقدس.

[4]  ومثال على ذلك عندما نقول: جماعة يعيشون حول فلان في نعمة، فمعنى ذلك أنّه في نعمة أعظم.

 

64


48

الموعظة العاشرة: يوم القدس وليلة القدر، غرّة على جبين الأمّة

وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «اللهمّ بارك لنا في شامنا»[1]، وبيت المقدس هو سُرَّةُ بلاد الشام، ومركز البركة فيها.

 

إرث المستضعفين الصابرين

قال الله تعالى: ﴿إِنَّ فِرۡعَوۡنَ عَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَجَعَلَ أَهۡلَهَا شِيَعا يَسۡتَضۡعِفُ طَآئِفَة مِّنۡهُمۡ يُذَبِّحُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَيَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ﴾[2].

وهذه الآية الكريمة تصوّر الظرف الهائل الذي قضى فيه فرعون على بني إسرائيل أن لا يعيش منهم مُتنفِّسٌ ولا يبقى منهم نافخ نار، وقد أحاطت بهم قدرته الطاغية، وملأ أقطار وجودهم رعبه وهو يستضعفهم حتى يقضي عليهم قضاءً تاماً؛ وقد انفجر في حناياه طوفان من الغضب العارم، فأمر في لوثة حمقاء بقتل كلّ غلام وليد، حتى لا يعانق الحياة ذلك البازغ المنتظر موسى بن عمران (عليه السلام)، فتعقّب الطاغية نسل بني إسرائيل من الذكور بالقتل، واستحيا[3] نسائهم إهانةً واحتقاراً لهم. وكان يسومهم سوء العذاب والنكال، وقد بقي بنو إسرائيل على هذا الحال إلى أن نجّاهم الله تعالى على يدي نبيّه الكليم موسى(عليه السلام)، وانتقم من فرعون وجنوده، وفي ذلك يقول الباري تبارك وتعالى: ﴿فَٱنتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡيَمِّ بِأَنَّهُمۡ كَذَّبُواْ

 


[1] البخاريّ، صحيح البخاريّ، ج6، ص2598، ونص الحديث: ذَكَرَ النبيُ(صلى الله عليه وآله): «اللهمّ بارك لنا في شامنا، اللهمّ بارك لنا في يمننا». قالوا: يا رسول الله، وفي نجدنا؟ قال: «اللهمّ بارك لنا في شامنا، اللهمّ بارك لنا في يمننا». قالوا يا رسول الله، وفي نجدنا؟ فأظنّه قال في الثالثة: «هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان».

[2] سورة القصص، الآية 4.

[3] أي يُبقي على حياة الإناث من الأطفال للسخرة، وللاسترقاق والاستخدام، وكانوا يفردون النساء عن الأزواج، وذلك من أعظم المضار والابتلاء. إذ الهلاك أسهل من هذا.

 

65


49

الموعظة العاشرة: يوم القدس وليلة القدر، غرّة على جبين الأمّة

بِ‍َٔايَٰتِنَا وَكَانُواْ عَنۡهَا غَٰفِلِينَ ١٣٦ وَأَوۡرَثۡنَا ٱلۡقَوۡمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسۡتَضۡعَفُونَ مَشَٰرِقَ ٱلۡأَرۡضِ وَمَغَٰرِبَهَا ٱلَّتِي بَٰرَكۡنَا فِيهَاۖ وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ ٱلۡحُسۡنَىٰ عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ بِمَا صَبَرُواْۖ وَدَمَّرۡنَا مَا كَانَ يَصۡنَعُ فِرۡعَوۡنُ وَقَوۡمُهُۥ وَمَا كَانُواْ يَعۡرِشُونَ﴾[1].

 

عاقبة ترك بيت المقدس

أنقذ الله بني إسرائيل من فرعون وجنوده، وشقّ لهم البحر ﴿فَكَانَ كُلُّ فِرۡق كَٱلطَّوۡدِ ٱلۡعَظِيمِ﴾[2]، ثمّ حباهم الله بمزيد من النعم العظيمة، وأوحى لنبيّه المرسل موسى بن عمران (عليه السلام) أن يأخذ عليهم الميثاق، وأن يعدِهُم الغلبة على الجبارين، وكلّفه أن يدخل بهم الأرض المقدّسة «بيت المقدس»، ويقودهم لفتح مشارق تلك الأرض ومغاربها، فقام كليم الله بما كلفه الله به، وقال (عليه السلام): ﴿يَٰقَوۡمِ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡأَرۡضَ ٱلۡمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَارِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ﴾[3].

 

وكان في الميثاق الذي أُخذ عليهم: دخول بيت المقدس سُجّداً، وتعظيم السبت الذي طلبوا أن يكون لهم عيداً؛ ولكن ما الذي حصل؟

 

لقد أقرحوا قلب كليم الله موسى (عليه السلام) بكثرة جدالهم، ثمّ قالوا له: ﴿فَٱذۡهَبۡ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَٰتِلَآ إِنَّا هَٰهُنَا قَٰعِدُونَ ٢٤ قَالَ رَبِّ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِيۖ فَٱفۡرُقۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ﴾[4].

 

 


[1] سورة الأعراف، الآيتان 136 - 137.

[2]  سورة الشعراء، الآية 63.

[3] سورة المائدة، الآية 21.

[4] سورة المائدة، الآيتان 24 - 25.

 

 

66


50

الموعظة العاشرة: يوم القدس وليلة القدر، غرّة على جبين الأمّة

إنّهم بمجرد ذهاب خوفهم من فرعون، وغياب القهر عنهم، تملّصوا من الميثاق الغليظ، فنقضوه، وكفروا بآيات الله تعالى، فما كان من الله سبحانه إلّا أن جازاهم، فحرّم عليهم تلك الأرض المباركة المقدسة: ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡۛ أَرۡبَعِينَ سَنَةۛ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ﴾[1].

 

وكُتب عليهم التيه في الأرض أربعين سنة لا يهتدون لشيء، وليس لهم مخرج من التيه، وذلك كلّه بسبب عصيانهم وتركهم القتال؛ ونُصرة الأرض المقدّسة التي كان يحتلّها قومٌ ظالمون جبارون.

 

جزاء تتبّع سُنن بني إسرائيل

مع مطلع القرن الماضي؛ بدأ حال العرب والمسلمين يُشابه إلى حدّ المطابقة حال بني إسرائيل في سنين التيه. والحقّ أنّه لا غرابة في ذلك، فإنّ الله تعالى يقول: ﴿وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِۦ وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱللَّعۡنَةُ وَلَهُمۡ سُوٓءُ ٱلدَّارِ﴾[2].

 

وقال النبي (صلى الله عليه وآله): «لتتبعنّ سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتّى لو سلكوا جحر ضبّ لسلكتموه». قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟!»[3].

 

 


[1] سورة المائدة، الآية 26.

[2] سورة الرعد، الآية 25.

[3] البخاريّ، صحيح البخاريّ، ج3، ص1274 - الشيخ المفيد، الإفصاح في الإمامة، ص50.

 

67


51

الموعظة العاشرة: يوم القدس وليلة القدر، غرّة على جبين الأمّة

وقال (صلى الله عليه وآله): «يكون في هذه الأمّة كلّ ما كان في بني إسرائيل، حذو النعل بالنعل، والقذّة بالقذّة»[1].

 

يوم القدس يوم انطلاق تحرير الأمّة

تحدّث الإمام الخمينيّ { تحت هذا العنوان وفي أكثر من مرّة بهذه المناسبة المقدّسة، قائلاً:

«إنّ يوم القدس يوم الإسلام ويوم إحياء الإسلام، يوم القدس يوم المستضعفين، يوم القدس يوم الولادة الإسلامية، لا بدّ من فضح عملاء الاستعمار في يوم القدسِ احيوا ذكرى يوم القدس كلّ عام، لا بدّ من إنقاذ جميع المسلمين في هذا اليوم».

 

فقد كان يرى أنّ الأمة كلّها محتلّة وواقعة في دائرة الخطر ما دامت القدس أسيرة الاحتلال الصهيونيّ البغيض الجاثم فوق أرضها الطاهرة المقدّسة، لأنّ القدس بما ترمز إليه تشكّل عنوان كرامة المسلمين وعزّتهم وكرامتهم. إلى ذلك؛ قضيّة القدس هي القضيّة الأبرز من بين قضايا الأمّة كلّها التي يمكن أن تلتفّ حولها لتتّخذ منها طريقاً للوحدة، نظراً لما لها من قوّة إثارة وتحريك للمشاعر، واستنهاض للهِمم، وتقريب لوجهات النظر، وتجميع القدرات والطاقات الموجودة في الأمّة من أجل تحريرها من براثن ذلك العدوّ. ولهذا؛ نجد أنّ الإمام الخمينيّ { يعبّر عن مقولته هذه في إعلان تأسيس يوم القدس، فيقول: «إنّ آخر جمعة من شهر رمضان المبارك يُعدّ يوماً للقدس، والعشرة الأخيرة من شهر رمضان تضمّ ليلة القدر على احتمال قويّ، وهي الليلة

 

 


[1]  الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج1، ص203.

 

68


52

الموعظة العاشرة: يوم القدس وليلة القدر، غرّة على جبين الأمّة

التي يكون إحياؤها سنّة إلهيّة، وهي أفضل من ألف شهر من حياة المنافقين، وفيها تُقدَّر مصائر الناس، ويوم القدس مجاور لليلة القدر، فيجب على المسلمين أن يُحيوه، ويجعلوه مثاراً لعظمتهم وانتباههم، وبذلك يخرجون من الغفلة التي أُصيبوا بها طوال التاريخ، وخصوصاً في القرون الأخيرة، ليكون ذلك اليوم الذي يَنتبهون فيه وينهضون، وهكذا يأخذ المسلمون في كلّ أنحاء العالم بأيديهم زمام مقدّراتهم».

 

يوم مواجهة المستضعفين للمستكبرين

يقول الإمام الخمينيّ قدس سره في أحد نداءاته حول القدس: «إنّ يوم القدس يوم عالميّ، لا يختصّ بالقدس، بل هو يوم مواجهة المستضعفين للمستكبرين؛ إنّه يوم مواجهة الشعوب، التي رزحت طويلاً تحت نَيْر الظلم الأميركيّ وغير الأميركيّ، يومٌ يجب أن يستعدّ فيه المستضعفون لمواجهة المستكبرين، ولتمريغ أنوفهم في الوحل.

 

إنّه يوم الفصل بين المنافقين والملتزمين... الملتزمون يتّخذون هذا اليوم يوماً للقدس، ويحرصون على تكريمه؛ أمّا المنافقون، الذين يرتبطون بالقوى العظمى من وراء الستار، ويعقدون أواصر الصداقة مع إسرائيل، سيتجاهلون هذا اليوم، بل وسيصدّون الشعوب عن الاحتفاء به»[1].

 

 

 


[1]  من نداء الإمام الخمينيّ قدس سره إلى الشيعة، بتاريخ 09/06/1979م.

 

69


53

الموعظة الحادية عشرة: ليلة القدر

الموعظة الحادية عشرة: ليلة القدر

 

محاور الموعظة:

أحاديث في فضلها
سِرُّ خفائها
فضائل ليلة القدر
فضيلة إحياء ليلة القدر

 

 

هدف الموعظة:

بيان فضيلة هذه الليلة، وترسيخ أهمّيّة إحيائها.

 

 

تصدير الموعظة:

﴿وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ٢ إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَة مُّبَٰرَكَةٍۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ٣ فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ ٤ أَمۡرا مِّنۡ عِندِنَآۚ إِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِينَ ٥ رَحۡمَة مِّن رَّبِّكَۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ﴾[1].

 

 


[1]  سورة الدخان، الآيات 2 - 6.

 

70


54

الموعظة الحادية عشرة: ليلة القدر

تُمثّل ليلة القدر عقدة القلب في شهر رمضان، وتبلغ فيها المَكرُمات قمّةً نبوغها، وأمر الله تعالى عباده أن يحيوها بأكرم أعمالهم، ويبلغوا فيها أبلغ آماد الصفاء والخشوع، ثمّ ردّدها في ليالٍ عدّة، كي ينصرف الناس فيها إلى الحسنات، وهم لا يخسرون المعروف إن وفّروه في غير ليلة القدر، بل يحتفظون بآثاره في ركائزهم، مهما تقادمت العهود، وربّما كانت الأخيرة ليلة القدر، فالسابقات ترهف تأهّبهم، واعتيادهم العبادة لليلة القدر.

 

من فضل الله سبحانه أن جعل تصريف الأقدار في هذه الليلة المباركة التي يُخلِص الناس فيها لله، وينـزعون من صدورهم الأحقاد، والنوايا السوداء، ويحاولون إشاعة المعاني النبيلة في نفوسهم، فيكون أقرب إلى الأقدار الخيّرة، عمّا لو كانت الأقدار تُوزّع وتأخذ مقرّراتها ومراكزها، والناس منهمكون في اشتباك مستميت حول جيفة الدنيا.وقد قيل: إنّ شهر رمضان هو ليلة القدر.

 

أحاديث في فضلها

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ الله عزَّ وجلَّ اختار من الأيّام يوم الجمعة، ومن الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر»[1].

وقال (صلى الله عليه وآله) لأصحابه: «آمنوا بليلة القدر، إنّها تكون لعليّ بن أبي طالب وولده الأحد عشر من بعدي»[2].

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عليّ، أتدري ما معنى ليلة القدر؟ فقلتُ: لا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: إنّ الله

 

 


[1] الشيخ الصدوق، كمال الدين وإتمام النعمة، ج1، ص309.

[2]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص82.

 

71


55

الموعظة الحادية عشرة: ليلة القدر

تبارك وتعالى قدَّر فيها ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة، فكان فيما قدّر عزَّ وجلَّ ولايتك، وولاية الأئمّة من ولدك إلى يوم القيامة»[1].

 

وقال (صلى الله عليه وآله): «يا عليّ، ليلة القدر خُصّصنا ببركتها، ليست لغيرنا»[2].

 

قال الإمام الباقر (عليه السلام): «من وافق ليلة القدر فقامها، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر»[3].

 

سأل رجلٌ الإمام الصادق (عليه السلام) عن ليلة القدر، قال: أخبرني عن ليلة القدر، كانت أو تكون في كلّ عام؟ فقال الإمام (عليه السلام): «لو رُفعت ليلة القدر، لرُفع القرآن»[4].

 

وعنه أيضاً (عليه السلام): «صبيحة يوم ليلة القدر مثل ليلة القدر، فاعمل واجتهد»[5].

 

ليلة القدر ليلة لا يضاهيها في الفضل والمنزلة سواها من الليالي على الإطلاق، والعمل فيها خيرٌ من عمل ألف شهر، وفيها من الكرامات والفيوضات الإلهيّة ما لا يُحصى.

 

سِرُّ خفائها

تعمّدت النصوص إبقاء هذه الليلة مردّدة بين ثلاث ليالٍ، وقد سُئِل الإمام الباقر (عليه السلام) في أحاديث عدّة عن ليلة القدر: أيّ الليلتين هي؟ فلم يعيّن، بل قال: «ما أيسر ليلتين فيما تطلب!»، أو قال: «ما عليك أن تفعل خيراً في ليلتين»[6].

 

 


[1] العلاّمة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج94، ص18.

[2] المصدر نفسه، ج94، ص24.

[3] القاضي النعمان المغربيّ، دعائم الإسلام، ج1، ص281.

[4]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص158.

[5]  العلاّمة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج94، ص11.

[6]  المحقّق الخوانساريّ، مشارق الشموس، ج2، ص446.

 

72


56

الموعظة الحادية عشرة: ليلة القدر

وقد ورد في سرّ خفائها أنّه تعالى أخفى هذه الليلة لأوجه:

أولها: أنّه تعالى أخفاها كما أخفى سائر الأشياء، فإنّه أخفى رضاه في الطاعات، حتّى يرغبوا في الكلّ، وأخفى الإجابة في الدعاء ليبالغوا في الدعوات كلّها، وأخفى الاسم الأعظم ليعظّموا الأسماء كلّها، وأخفى في الصلاة الوسطى ليحافظوا على الكلّ، وأخفى قبول التوبة ليواظب المكلّف على جميع أقسام التوبة، وأخفى وقت الموت ليخاف المكلَّف، فكذا أخفى هذه الليلة ليعظِّموا جميع ليالي شهر رمضان.

ثانيها: كأنّه تعالى يقول: لو عيّنت ليلة القدر، وأنا عالم بتجاسركم على المعصية، فربّما دعتك الشهوة في تلك الليلة إلى المعصية، فوقعت في الذنب، فكانت معصيتك مع علمك أشدَّ من معصيتك لا مع علمك؛ فلهذا السبب أخفيتها عليك. رُوي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخل المسجد فرأى نائماً، فقال: «يا عليّ، نَبِّهْه ليتوضّأ»، فأيقظه عليّ، ثمّ قال (عليه السلام): «يا رسول الله، إنّك سبّاق إلى الخيرات، فلِمَ لم تنبّهه؟!»، قال: «لأنّ ردّه عليك ليس بكفر، ففعلت ذلك لتخفَّ جنايته لو أبى»[1]. فإذا كانت هذه رحمة الرسول (صلى الله عليه وآله)، فقِس عليها رحمة الربّ تعالى، فكأنّه تعالى يقول: إذا علمت ليلة القدر، فإن أطعت فيها اكتسبت ثواب ألف شهر، وإن عصيت فيها اكتسبت عقاب ألف شهر، ودفع العقاب أولى من جلب الثواب.

ثالثها: أنّي أخفيت هذه الليلة حتّى يجتهد المكلّف في طلبها، فيكتسب ثواب الاجتهاد.

 

 


[1]  الرازي، التفسير الكبير، ج32، ص29.

 

73


57

الموعظة الحادية عشرة: ليلة القدر

رابعها: إذا لم يتيقّن العبد ليلة القدر، فإنّه يجتهد في الطاعة في جميع ليالي رمضان، على رجاء أنّه ربّما كانت هذه الليلة هي ليلة القدر، فيُباهي الله تعالى بهم ملائكته، يقول: كنتم تقولون فيهم يفسدون ويسفكون الدماء.

 

فضائل ليلة القدر

1. ليلة مباركة: قال تعالى: ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَة مُّبَٰرَكَةٍۚ﴾[1].

2. مضاعفة الثواب: قال تعالى: ﴿لَيۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَيۡر مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡر﴾[2]، وقد ذكرت النصوص أنّ العمل في هذه الليلة له أجرٌ، وثواب العمل في ألف شهر.

3. عرض الأعمال بين يديّ صاحب العصر والزمان: لينظر كلٌّ منّا ماذا يقدّم بين يديّ الحجّة القائم(عجل الله تعالى فرجه)، وإلى أيّ حدّ ستساهم أعمالنا في تعجيل الفرج الذي هو واجب الأمّة في عصر الغيبة.

4. نزول القرآن: قال تعالى: ﴿إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ﴾[3]، ولا يخفى أنّ إنزال القرآن في هذه الليلة إنّما كان دفعةً واحدة على قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله)[4].

5. ليلة التقدير والإبرام: قال تعالى: ﴿فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ﴾[5]. ففي هذه الليلة يُطلع اللهُ ملائكتَه على شؤون السنة كلّها، من

 

 


[1]  سورة الدخان، الآية 3.

[2]  سورة القدر، الآية 3.

[3]  سورة القدر، الآية 1.

[4]  الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج15، ص14.

[5]  سورة الدخان، الآية 4.

 

74


58

الموعظة الحادية عشرة: ليلة القدر

الأعمار والأرزاق والابتلاءات وسوى ذلك، ولا يخفى أنّ تقدير الله لا يحدث في تلك الليلة، فإنّه تعالى قدّر المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض في الأزل، بل المُراد إظهار المقادير للملائكة في تلك الليلة بأن يكتبها في اللّوح المحفوظ.

6. نزول الملائكة: قال تعالى: ﴿تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡر﴾[1]. هي التي تتشرّف بالحضور بين يدي صاحب العصر والزمان، وتُعرض عليه ما قدّر الله لكلٍّ من المقدّرات.

7. ليلة سلام ورحمة: قال تعالى: ﴿سَلَٰمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ﴾[2].

فضيلة إحياء ليلة القدر

هذه الليلة يُستحبُّ إحياؤها حتّى مطلع الفجر بالأعمال الخاصّة والعامّة الواردة، وبالإكثار من الصلاة والاستغفار والدعاء لمطالب الدنيا والآخرة، والدعاء للوالدين والأقارب، والإخوة المؤمنين، والصلاة على النبيّ وآله، فقد ورد في الحديث عن الإمام الباقر(عليه السلام): «من أحيا ليلة القدر، غُفِرت له ذنوبه، ولو كانت عدد نجوم السماء ومثاقيل الجبال ومكاييل البحار»[3].

وأمّا ما يُستحبُّ الدعاء به، فقد رُوي أنّه قيل للنبيّ (صلى الله عليه وآله): ماذا أسأل الله تعالى إذا أدركت ليلة القدر؟ قال: «العافية»[4].

 

 


[1]  سورة القدر، الآية 4.

[2]  سورة القدر، الآية 5.

[3]  الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، ص118.

[4]  الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج7، ص458.

 

75


59

الموعظة الثانية عشرة: عيد الفطر

الموعظة الثانية عشرة: عيد الفطر

 

محاور الموعظة:

مفهوم العيد
العيد يوم تقييم

 

هدف الموعظة:

بيان الآثار التي رسّختها فريضة الصوم في النفس الإنسانيّة، والجوانب التي يتوجّب على المرء تقييمها ومعرفة التغيير الذي أصابها.

 

تصدير الموعظة:

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «للصائم فرحتان؛ فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربّه»[1].

 

 


[1]  ابن بابويه القمّيّ، فقه الرضا، ص205.

 

76


60

الموعظة الثانية عشرة: عيد الفطر

مفهوم العيد

يتلازم مفهوم العيد عرفاً وشرعاً مع مفهوم الفرح والسرور، هذا الفرح الذي ينشأ من أمرين أساسيّين؛ أوّلهما: فوز الإنسان على نفسه عبر أدائه للتكليف الذي أمره الله تعالى به، وثانيهما: عبر وديعة الأجر والثواب التي يستحقّها يوم لقاء الله نتيجة قبول أعماله، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّما هو عيدٌ لمن قَبِل الله صيامه وشكر قيامه»[1].

 

العيد يوم تقييم

إنّ العبادة التي أدّاها الإنسان خلال شهر رمضان المبارك ينبغي أن تتجلّى في سلوكه وأدائه، وأن تُحدِث تحوّلاً جوهريّاً في أخلاقه وممارساته، مع كلّ ما يحيط به، ويوم العيد هو اليوم الذي جعله الله مؤشّراً يحاسِب فيه المرء نفسه ويراقب مستوى التغيّر الذي اكتسبه.

 

ويمكن هنا الإشارة إلى جوانب أساسيّة عدّة ينبغي أن يطالها التغيير على المستوى الشخصيّ:

1. التقوى: بما تختزنه من مواظبة على الطاعات، وترك نهائيّ للمحرّمات والمعاصي، وقد جعلها الله هدفاً لهذه العبادة، إذ قال: ﴿كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾[2]، وفي روايةٍ عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «كُلُّ يَوْمٍ لَا يُعْصَى اللَّهُ فِيهِ، فَهُوَ يَوْمُ عِيدٍ»[3].

 

 


[1]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج15، ص308.

[2]  سورة البقرة، الآية 183.

[3]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص551.

 

77


61

الموعظة الثانية عشرة: عيد الفطر

2. الإخلاص: وذلك عبر تصفية النيّة والتوجّه إلى الله وحده دون سواه، وقد أشار الحديث الشريف إلى ضرورة بناء هذه العلاقة وتمتينها مع الله: «الصوم لي، وأنا أُجزي به»[1].

3. التعوّد على تحمّل المشاقّ: فإنّ ألم الجوع والعطش من شأنه أن يُكسِب الإنسان القدرة على تحمّل أعباء الحياة أكثر، وأن يمنحه همّةً عالية في مواجهة الصعاب والتحدّيات، وخوض معالي الأمور بحزم وثبات.

4. الصبر: ليس المراد هنا الصبر على أداء العبادات، بل الصبر على المكاره وأذى الآخرين، وتحمّل سوء أخلاقهم والتجاوز عنهم، بل أكثر من ذلك، الصبر على مبادلة القطيعة بالصلة، والإساءة بالإحسان، والأذى بالعفو، والحقد بالمحبّة، والكلمة السيّئة بالكلمة الطيّبة، وهكذا في سائر الآداب والأخلاق الإسلاميّة.

5. المواظبة على فعل الخيرات والعمل الصالح: عدّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خطبته الكثيرَ من الأعمال الصالحة التي حثّنا على القيام بها في شهر رمضان المبارك، ووعدنا بمضاعفة الأجر عند أدائها، وما ذلك إلّا لتعويد الإنسان على هذه الأعمال، ومن ثمّ لتكون هذه الطاعات متجذّرة في النفوس، وبالتالي يستمرّ المرء في القيام بها بعد يوم العيد.

ولا ننسى في يوم العيد الرأفة بالفقراء والمحتاجين الذين لا يَقدِرون على توفير الحاجات المادّيّة المطلوبة، ومساعدتهم ليشاركوا إخوانهم في هذا الفرح، فقد ورد عن الإمام الصادق(عليه السلام): «من

 


[1]  السيّد محمّد العامليّ، مدارك الأحكام، ج6، ص10.

 

78


62

الموعظة الثانية عشرة: عيد الفطر

نفّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا، نفّس الله عنه كرب الآخرة، وخرج من قبره وهو ثلج الفؤاد»[1].

 

ولا بدّ من عيادة المرضى ومواساتهم، ولا سيّما الجرحى، وزيارة أهل القبور، ولا سيّما قبور الشهداء. كما لا ننسى الدعاء للمجاهِدين المرابِطين على الثغور حفظاً لكرامة الأمّة وعزّتها، الذين يمضون يوم العيد مع بنادقهم وفي متاريسهم.

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص199.

 

79


63

الموعظة الثالثة عشرة: الصلاة في أوّل الوقت

الموعظة الثالثة عشرة: الصلاة في أوّل الوقت

 

 

محاور الموعظة:

الصلاة وجه الدين
المحافظة على الصلوات
الاستخفاف بالصلاة

 

هدف الموعظة:

تحذير الناس من الاستخفاف بالصلاة أو التهاون بها، وبيان أهمّيّة تعويد النفس على مراعاة أوقاتها وأجزائها وشرائطها.

 

تصدير الموعظة:

«اللهمّ، إنّي كلّما قلتُ قد تهيّأت وتعبّأتُ وقمتُ للصلاة بين يديك وناجيتُك، ألقيتَ عليّ نعاساً إذا أنا صلّيت»[1].

 

 


[1]  الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجِّد وسلاح المتعبِّد، ج2، ص588.

 

85


64

الموعظة الثالثة عشرة: الصلاة في أوّل الوقت

الصلاة وجه الدين

الصلاة قربان كلّ تقيّ، هي عمود الدين، وأحبّ الأعمال الى الله، وكانت آخر وصايا الأنبياء (عليهم السلام)، إن قُبِلَت قُبِل ما سواها، وإن رُدَّت رُدَّ ما سواها.

 

عن الإمام الباقر (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): لكلّ شيء وجه، ووجه دينكم الصلاة، فلا يشيننّ أحدُكم وجهَ دينه...»[1].

 

فالصلاة وجه الدين؛ لذا قرنها الله تعالى بالكثير من الأعمال، من أدعية وزيارات وإحياءات... لكي تبقى عنواناً للمؤمن.

 

المحافظة على الصلوات

وإذ شدّدت الشريعة على ضرورة المحافظة على الصلاة، أشارت إلى بعض البركات التي يحظى بها المحافظون عليها، نذكر منها:

1. خوف الشيطان منه: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لا يزال الشيطان ذعِراً (خائفاً) من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس، فإذا ضيّعهنّ تجرّأ عليه فأدخله في العظائم»[2].

 

2. كونه ذاكراً وليس غافلاً: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «أيّما مؤمن حافظ على الصلوات المفروضة فصلّاها لوقتها، فليس هذا من الغافلين»[3].

 

وعن الفضيل، سألتُ أبا جعفر [الإمام الباقر] (عليه السلام) عن قوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَوَٰتِهِمۡ يُحَافِظُونَ﴾[4]، قال: «هي الفريضة»،

 

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج3، ص270.

[2]  المصدر نفسه، ج3، ص269.

[3]  المصدر نفسه، ج3، ص270.

[4]  سورة المؤمنون، الآية 9.

 

86


65

الموعظة الثالثة عشرة: الصلاة في أوّل الوقت

قلتُ: ﴿ٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ دَآئِمُونَ﴾[1]، قال: «هي النافلة»[2].

 

3. نزول الرحمة الإلهيّة: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا قام المصلّي إلى الصلاة، نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى أعنان الأرض، وحفّت به الملائكة، وناداه ملك: لو يعلم هذا المصلّي ما في الصلاة ما انفتل[3]»[4].

 

وحريّ بنا أن نقتدي بالإمام الحسين (عليه السلام) الذي أدّى صلاة الظهر أوّل وقتها في كربلاء بين جموع الأعداء الذين يتوعّدونه القتل، ولم يتهاون بها أو يستخفّ أو يؤجّل.

 

الاستخفاف بالصلاة

حذّر القرآن الكريم من الاستخفاف أو التكاسل والتباطؤ في أداء الصلاة، عادّاً ذلك من صفات أهل النفاق، فقال تعالى: ﴿وَإِذَا قَامُوٓاْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلَا يَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ إِلَّا قَلِيلا﴾[5].

 

من أهمّ العواقب التي يورثها الاستخفاف بالصلاة:

1- النار والعذاب: قال تعالى: ﴿فَوَيۡل لِّلۡمُصَلِّينَ ٤ ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ﴾[6].

 

وقال تعالى: ﴿أَضَاعُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَٰتِۖ فَسَوۡفَ يَلۡقَوۡنَ غَيًّا﴾[7].

 

 


[1]  سورة المعارج، الآية 23.

[2]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج3، ص270.

[3]  أي ما انصرف.

[4]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج3، ص265.

[5]  سورة النساء، الآية 142.

[6]  سورة الماعون، الآيتان 4 - 5.

[7]  سورة مريم، الآية 59.

 

87


66

الموعظة الثالثة عشرة: الصلاة في أوّل الوقت

2. عدم استحقاقه الشفاعة: عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «إنّه لمّا حضر أبي الوفاة، قال لي: يا بُنيّ، إنّه لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة»[1].

 

3. لا يدخل الجنّة: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «لا تتهاون بصلاتك، فإنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال عند موته: ليس منّي من استخفّ بصلاته، ليس منّي من شرب مسكِراً، لا يرد عليّ الحوض»[2].

 

4. الموت على غير الإسلام: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس في المسجد، إذ دخل رجل، فقام يصلّي، فلم يُتِمّ ركوعه ولا سجوده، فقال (صلى الله عليه وآله): نقر كنقر الغراب، لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني»[3].

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج3، ص270.

[2]  المصدر نفسه، ج3، ص269.

[3]  المصدر نفسه، ج3، ص268.

 

88


67

الموعظة الرابعة عشرة: الغفران غاية المسلم في شهر رمضان

الموعظة الرابعة عشرة: الغفران غاية المسلم في شهر رمضان

 

 

محاور الموعظة:

المغفرة هدف الصائم في شهر رمضان
الاستغفار
بَرَكات الاستغفار

 

هدف الموعظة:

تعريف الناس بالمغفرة هدفاً ينبغي بلوغه في أيّام شهر رمضان المبارك ولياليه، وحثّهم عليها.

 

تصدير الموعظة:

«إلهي وسيّدي ومولاي، وعزّتك وجلالك، لَئِنْ طالبتَني بذنوبي لأُطالبنّك بعفوك، ولئِنْ طالبتني بلؤمي لأُطالبنّك بكرمك، ولئِنْ أدخلتَني النار لأخبرنَّ أهل النّار بِحُبّي لك»[1].

 

 


[1]  الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجِّد وسلاح المتعبِّد، ج2، ص596.

 

89


68

الموعظة الرابعة عشرة: الغفران غاية المسلم في شهر رمضان

أملُ الإنسان المذنِب ورجاؤه الذي يطمح إلى وصوله في أيّام شهر رمضان المبارك ولياليه هو المغفرة، فبِها يمسح ذنوبه، ويُنوّر صحيفته، ويَجبُر ما فاته من الخير، ويُدرك قَبول أعماله من صيامٍ وقيام.

 

المغفرة هدف الصائم في شهر رمضان

المغفرة هي الهدف الأسمى الذي يسعى المُسلم في شهر رمضان إلى نَيْله، وقد عَدَّ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) مَن لا يُدرك هذا الهدف مِن الأشقياء، فقال: «إنّ الشقيَّ مَن حُرِمَ غفران الله في هذا الشهر العظيم»[1].

 

وقد وَرَد هذا الهدف في دعاء وداعِ شهر رمضان: «فأسألك بوجهك الكريم وكلماتك التامّة، إن كان بَقِيَ عَلَيَّ ذنبٌ لم تغفره لي، أو تريد أن تعذّبني عليه، أو تُقايسني به، أن يطلعَ فجرُ هذه الليلة، أو يتصرّم هذا الشهر، إلّا وقد غفرتَه لي»[2].

 

فإذا حُرِمَ الإنسانُ المغفرةَ في شهر رمضان المبارك، على الرغم من العطاءات العظيمة والفيوضات الواسعة ومُضاعَفة الأجر وفتْحِ أبواب الجنان وقبول الأعمال، فإنّه لن ينال المغفرة في غيرها من الأيّام، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَن لم يُغفر له في شهر رمضان، لم يُغفر له إلى قابِل، إلّا أن يَشهد عرفة»[3].

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1118.

[2]  الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجِّد وسلاح المتعبِّد، ج2، ص636.

[3]  الشيخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، ص133.

 

90


69

الموعظة الرابعة عشرة: الغفران غاية المسلم في شهر رمضان

الاستغفار

أمّا في كيفيّة الوصول إلى هذا الهدف، فإنّ كثرة الاستغفار سفينة الوصول إلى المغفرة في هذا الشهر، إذ وَرَدَ في خطبة الرسول (صلى الله عليه وآله): «إنّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم، ففكّوها باستغفاركم»[1].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «أكثِروا من الاستغفار، فإنّ الله تعالى لم يعلِّمكم الاستغفار إلّا وهو يريد أن يغفرَ لكم»[2].

 

بَرَكات الاستغفار

1. الاستغفار آلة النجاة: ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «العَجب مِمّن يَهلك والمَنجاة معه، قيل: ما هي؟ قال: الاستغفار»[3].

 

2. الاستغفار يفتح أبواب السماء: يستجيب به الله لحاجات الإنسان الدنيويّة والأخرويّة، قال تعالى: ﴿ٱسۡتَغۡفِرُواْ رَبَّكُمۡ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارا ١٠ يُرۡسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيۡكُم مِّدۡرَارا ١١ وَيُمۡدِدۡكُم بِأَمۡوَٰل وَبَنِينَ وَيَجۡعَل لَّكُمۡ جَنَّٰت وَيَجۡعَل لَّكُمۡ أَنۡهَٰرا﴾[4].

 

3. الاستغفار يَمنع نزول العذاب: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «كان رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) والاستغفارُ لكم حِصنَيْنِ حَصينَيْن مِن العذاب، فمضى أكبرُ الحِصنَيْن وبقيَ الاستغفار، فأكثِروا منه فإنّه ممحاة للذنوب، قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمۡ وَأَنتَ فِيهِمۡۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمۡ وَهُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ﴾[5]»[6].

 

 


[1]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج10، ص314.

[2]  السيّد البروجرديّ، جامع أحاديث الشيعة، ج15، ص494.

[3]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج9، ص283.

[4]  سورة نوح، الآيات 10 - 12.

[5]  سورة الأنفال، الآية 33.

[6]  السيّد البروجرديّ، جامع أحاديث الشيعة، ج14، ص336.

 

91


70

الموعظة الرابعة عشرة: الغفران غاية المسلم في شهر رمضان

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ادفعوا أبواب البلايا بالاستغفار»[1].

 

4. العصمة من الشيطان: أيْ عدم تسلّط الشيطان عليه، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ثلاثة معصومون من إبليس وجنوده: الذاكرون لله، والباكون من خشية الله، والمستغفرون بالأسحار»[2].

 

 


[1] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص871.

[2]  المصدر نفسه، ج3، ص2276.

 

92


71

الموعظة الخامسة عشرة: الدعاء

الموعظة الخامسة عشرة: الدعاء

 

محاور الموعظة:

من وصيّة أمير المؤمنين لابنه الحسن (عليهما السلام)
الدعاء سبيل الارتباط بالله
عدم القنوط مِن فَيْضِه
أُنس الداعي بالله
الدعاء مفتاح خزائن الله
تأخُّر الإجابة
مُتعلَّق الدعاء

 

هدف الموعظة: [1]

التركيز على الدعاء كواحدٍ مِن أهمّ مفردات العلاقة مع الله، والتي لا يَستغني عنها أحد في الوجود.

 

تصدير الموعظة:

﴿قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا﴾[2].

 


[1]  مقتطعة من وصيّة أمير المؤمنين لابنه الحسن(عليهما السلام)، التي كتبها له عند خروجه إلى صفّين. السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص398-400.

[2]  سورة الفرقان، الآية 77.

 

93


72

الموعظة الخامسة عشرة: الدعاء

يرى أهلُ البيت (عليهم السلام) الدعاءَ مدرسةً قائمةً بذاتها، يُمكن الدخول عَبْرها إلى عناوين الرسالة كافّة، والتعرّف عليها. وقد زخرَت المرويّات المأثورة عنهم عليهم السلام بالكثير من الأدعية التي يرى المتأمِّل فيها أنّها تعمُّ أيّام السَنة وساعاتِها، فضلاً عن المناسبات، في إشارةٍ لطيفة إلى أهمّيّة -بل وضرورة- الارتباط بالله ومُناجاته في كلّ حين.

 

وللحديث عن الدعاء وفضلِه وآدابه أبوابٌ عديدة، استَعَنّا على بيان بعضها بما جاء في وصيّة أمير المؤمنين لابنه الحسن (عليهما السلام)، في إشارةٍ إلى الآتي:

1. الدعاء سبيل الارتباط بالله

أ. التعهُّد بالإجابة: يقول (عليه السلام): «وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏ قَدْ أَذِنَ‏ لَكَ‏ فِي‏ الدُّعَاءِ، وَتَكَفَّلَ لَكَ بِالْإِجَابَةِ»، فتوسيط الدعاء بين الإنسان وربِّه قد أمرَ به الله تعالى، وهو الذي اعتمده باباً بينه وبين الخلائق.

 

ب. وجوب الدعاء: يقول (عليه السلام): «وَأَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَهُ لِيُعْطِيَكَ، وَتَسْتَرْحِمَهُ لِيَرْحَمَكَ»، ففي المعادلة الإلهيّة، العطاء فرع السؤال، والرحمة فرع الاسترحام.

 

ج. الدعاء تواصُلٌ بلا واسطة: يقول (عليه السلام): «وَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ مَنْ يَحْجُبُكَ عَنْهُ، وَلَمْ يُلْجِئْكَ إِلَى مَنْ‏ يَشْفَعُ‏ لَكَ‏ إِلَيْهِ‏»، وفي ذلك إشارة إلى سهولة التواصُل، وأنّ الطريق إليه سالكة للراغبين بالسؤال.

 

 

94

 


73

الموعظة الخامسة عشرة: الدعاء

2. عدم القنوط مِن فَيْضِه

الرحمة الواسعة، يقول (عليه السلام): «وَلَمْ يَمْنَعْكَ -إِنْ أَسَأْتَ- مِنَ التَّوْبَةِ، وَلَمْ يُعَاجِلْكَ بِالنِّقْمَةِ، وَلَمْ يُعَيِّرْكَ بِالْإِنَابَةِ، وَلَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ الْفَضِيحَةُ بِكَ أَوْلَى، وَلَمْ يُشَدِّدْ عَلَيْكَ فِي قَبُولِ الْإِنَابَةِ، وَلَمْ يُنَاقِشْكَ بِالْجَرِيمَةِ، وَلَمْ يُؤْيِسْكَ مِنَ الرَّحْمَةِ، بَلْ جَعَلَ نزُوعَك عَنِ الذَّنْبِ حَسَنَةً، وَحَسَبَ سَيِّئَتَكَ وَاحِدَةً، وَحَسَبَ حَسَنَتَكَ عَشْراً، وَفَتَحَ لَكَ بَابَ الْمَتَابِ».

 

يُبيّن (عليه السلام) في هذا المقطع كرمَ الله سبحانه، وجوانب اللُطف في تشريع الدعاء، فالله يعلَم أنّ كلّ إنسان معرّض للخطأ والزلل والوقوع في الشُبهات والمُحرّمات، فلَمْ يستعجِله بالعذاب على ذلك، بل فتحَ له باباً من أبواب الرحمة، لِيتوب ويرجع إليه.

 

3. أُنس الداعي بالله

يقول (عليه السلام): «فَإِذَا نَادَيْتَهُ سَمِعَ نِدَاكَ، وَإِذَا نَاجَيْتَهُ عَلِمَ نَجْوَاكَ‏، فَأَفْضَيْتَ إِلَيْهِ بِحَاجَتِكَ، وَأَبْثَثْتَهُ ‏ذَاتَ نَفْسِكَ، وَشَكَوْتَ إِلَيْهِ هُمُومَكَ، وَاسْتَكْشَفْتَهُ كُرُوبَكَ وَاسْتَعَنْتَهُ عَلَى أُمُورِكَ»، فوحده من يسمع نداءك، وتستأنسُ بِبَثِّ الشكوى إليه، وتفتح له قلبكَ -المُطّلع عليه أساساً- لِيسمع منك ما يعرفُه ويعلَمه.

 

4. الدعاء مفتاح خزائن الله

اليقين بِكونه مصدر العطاء؛ يقول (عليه السلام): «وَسَأَلْتَهُ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إِعْطَائِهِ غَيْرُهُ، مِنْ زِيَادَةِ الْأَعْمَارِ وَصِحَّةِ الْأَبْدَانِ وَسَعَةِ الْأَرْزَاقِ، ثُمَّ جَعَلَ فِي يَدَيْكَ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِهِ بِمَا أَذِنَ لَكَ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَتِهِ، فَمَتَى شِئْتَ اسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعْمَتِهِ، وَاسْتَمْطَرْتَ شَآبِيب َرَحْمَتِهِ».

 

95


74

الموعظة الخامسة عشرة: الدعاء

فكأنّه (عليه السلام) في هذا المقطع يقطع الطريق على الإنسان في عدم السؤال؛ فخزائن الله وسعَتْ كلّ شيء، والإذن بالدخول موجود، والمفتاح بِيَدِكَ، ما عليك سوى استعمال المفتاح لِتدخلَ ميادين رحمته.

 

5. تأخُّر الإجابة

اليقين بحكمته، يقول (عليه السلام): «فَلَا يُقَنِّطَنَّكَ ‏إِبْطَاءُ إِجَابَتِهِ، فَإِنَّ الْعَطِيَّةَ عَلَى قَدْرِ النِّيَّةِ. وَرُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ الْإِجَابَةُ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَعْظَمَ لِأَجْرِ السَّائِلِ وَأَجْزَلَ لِعَطَاءِ الْآمِلِ، وَرُبَّمَا سَأَلْتَ الشَّيْ‏ءَ فَلَا تُؤْتَاهُ وَأُوتِيتَ خَيْراً مِنْهُ عَاجِلاً أَوْ آجِلاً، أَوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ، فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ فِيهِ هَلَاكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَهُ».

يستعرضُ (عليه السلام) بعض إيجابيّاتِ تأخُّرِ الإجابة التي قد لا يلتفت إليها السائل:

أ. عدم الجِدّيّة في النيّة.

ب. زيادة الأجْرِ في زيادة السؤال.

ج. إعطاؤه ما هو أفضل.

د. دَرْأ ما هو خطر عليه.

 

6. مُتعلَّق الدعاء

الدعاء لأمر الآخرة، يقول (عليه السلام): «فَلْتَكُنْ مَسْأَلَتُكَ في ما يَبْقَى‏ لَكَ جَمَالُهُ، وَ يُنْفَى عَنْكَ وَبَالُهُ، فَالْمَالُ لَا يَبْقَى لَكَ وَ لَا تَبْقَى لَهُ».

فلا ينبغي أن يكون متعلَّق الدعاء مِن الأمور الماديّة التي تَفنى، أو الدنيويّة التي تزول، بل ليَكُن سؤالُك عمّا يرتبط بأمور دينك وآخرتك، فإنّه لا يبقى لك شيء سواها.

 

96


75

الموعظة السادسة عشرة: موانع استجابة الدعاء

الموعظة السادسة عشرة: موانع استجابة الدعاء

 

محاور الموعظة:

أهمّيّة الدعاء
ما يمنع استجابة الدعاء
مّما يُستحبّ للداعي أن يفعله

 

هدف الموعظة:

الحثّ على بناء علاقة قويّة مع الله عبر الدعاء، لِكَونِه باب استنزال النِعَم الإلهيّة.

 

تصدير الموعظة:

«أدعوك يا سيّدي بِلسان قد أخرسَه ذنبُه، ربِّ أناجيك بِقلبٍ قد أوْبَقه جُرمه، أدعوك يا ربِّ راهباً راغباً راجياً خائفاً، إذا رأيتُ مولاي ذنوبي فزعْت، وإذا رأيتُ كَرمك طمِعْت»[1].

 


[1]  الشيخ الكفعميّ، المصباح (جنّة الأمان الواقية وجنّة الإيمان الباقية)، ص590.

 

97


76

الموعظة السادسة عشرة: موانع استجابة الدعاء

الدعاء هو الباب الذي فتحه الله لعباده من أجل مناجاته وطلب حوائجهم منه، وهو ميزان اهتمام الله بهم ورعايته لهم، كما قال تعالى: ﴿قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا﴾[1].

 

أهمّيّة الدعاء

عن الإمام الرضا (عليه السلام): «عليكم بسلاح الأنبياء، قيل: وما سلاح الأنبياء؟ قال: الدعاء»[2].

وعنه (عليه السلام): «عليكم بالدعاء، فإنّ فيه شفاء مِن كلّ داء»[3].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «الدعاء يردّ القضاء بعدما أُبرم إبراماً، فأكثِر من الدعاء، فإنّه مفتاح كلّ رحمة ونجاح كلّ حاجة، ولا ينال ما عند الله عزّ وجلّ إلّا بالدعاء، وإنّه ليس باب يكثر قرعه، إلّا يوشك أن يُفتَح لصاحبه»[4].

وأمّا ما يُستحبُّ الدعاء به في هذا الشهر فَقولك: «وارزقنا حجَّ بيتك، وزيارة قبر نبيّك صلواتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليه وعلى أهل بيته، إنّك قريب مجيب»[5].

 

ما يمنع استجابة الدعاء

1. الذنْب: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ العبد يسأل الحاجة، فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجَلٍ قريبٍ أو وقتٍ بطيء، فيُذنبُ العبد

 

 


[1]  سورة الفرقان، الآية 77.

[2]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج7، ص39.

[3]  السيّد البروجرديّ، جامع أحاديث الشيعة، ج15، ص213.

[4]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص470.

[5]  الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجِّد وسلاح المتعبِّد، ج2، ص587.

 

98


77

الموعظة السادسة عشرة: موانع استجابة الدعاء

ذنباً، فيقول الله تبارك وتعالى للمَلك: لا تَقْضِ حاجتَه واحْرِمه إيّاها؛ فإنّه تعرَّض لسخطي، واستوجبَ الحرمان منّي»[1].

 

2. عدم حضور القلب: عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «لا يقبل اللهُ دعاءَ قلبٍ ساهٍ»[2].

 

3. عدم معرفة الله يقيناً: قال قومٌ للإمام الصادق (عليه السلام): ندعو الله فلا يُستجاب لنا، قال: «لأنّكم تدعون مَن لا تعرفونه»[3].

 

مّما يُستحبّ للداعي أن يفعله

1. أن يكون على طهارة، ويبدأ بالبسملة والثناء على الله، ثمّ الصلاة على النبيّ وآله، وأن يُقرّ بذنبه ويعترف به بين يدي الله تعالى:

«إلهي إنْ كان قد دنا أجلي، ولم يقرّبني منك عملي، فقد جعلتُ الاعتراف إليك بذنبي وسائل عِلَلي»[4].

«الحمد لله الذي أدعوه فيجيني، وإن كنتُ بطيئاً حين يدعوني»[5].

«الحمد لله الذي لا أدعو غيره، ولو دعوْتُ غيرَه لم يستجِبْ دعائي»[6].

 

2. التضرّع والخوف أثناء الدعاء: «أدعوك يا ربِّ راهباً راغباً راجياً خائفاً»[7].

 

3. الدعاء في السرّاء والضرّاء: أوحى الله إلى داوود (عليه السلام): «اذكُرني

 

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص271.

[2]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج7، ص53.

[3]  الشيخ الصدوق، التوحيد، ص289.

[4]  الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجِّد وسلاح المتعبِّد، ج2، ص593.

[5]  المصدر نفسه، ج2، ص582.

[6]  المصدر نفسه.

[7]  الشيخ الكفعميّ، المصباح (جنّة الأمان الواقية وجنّة الإيمان الباقية)، ص59.

 

99


78

الموعظة السادسة عشرة: موانع استجابة الدعاء

في أيّام سرّائك، حتّى أستجيب لك في أيّام ضرّائك»[1].

 

4. ألّا يستصغرَ أو يستعظمَ أمراً على الدعاء: أيْ أنْ يدعوَ في القضايا الصغيرة التي تُواجهه، كما يدعو الله في القضايا الكبيرة.

 

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «عليكم بالدعاء، فإنّكم لا تقربون بمثله، ولا تتركوا صغيرة لِصِغرها أن تَدعوا بها، فإنّ صاحب الصغار هو صاحب الكبار»[2].

 

5. عدم الاستعجال: أيْ التسليم المُطلق للمصلحة والحكمة الإلهيّة: «ولعلّ الذي أبطأ عنّي هو خيرٌ لي، لِعِلمِكَ بِعاقبة الأمور»[3].

 

 


[1]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج14، ص37.

[2]  السيّد البروجرديّ، جامع أحاديث الشيعة، ج15، ص199.

[3]  الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجِّد وسلاح المتعبِّد، ج2، ص564.

 

100


79

الموعظة السابعة عشرة: الاستعانة بالله

الموعظة السابعة عشرة: الاستعانة بالله

 

محاور الموعظة:

مفهوم الاستعانة بالله
مفردات الاستعانة بالله
بَرَكات الاستعانة بالله

 

 

هدف الموعظة:

توضيح مفهوم الاستعانة بالله، وبيان موارد الاستعانة، والفهم الخاطىء لهذا المفهوم.

 

تصدير الموعظة:

﴿إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ﴾[1].

 

 


[1]  سورة الفاتحة، الآية 5.

 

103


80

الموعظة السابعة عشرة: الاستعانة بالله

بالاطّلاع على الآية أعلاه، نرى أنّ الله لم يأمرنا بعبادته -وحده لا شريك له- وحَسْب، بل أمرنا كذلك بالاستعانة به من دون سواه، وأراد منّا الرجوع إليه في كلّ ما يعترض حياتنا من حوادث وتحدّيات. وهذا إن دلّ على شيء، فإنّه يدلّ على أنّ العلاقة بالله ليست علاقة طقسيّة تقتصر على بعض العبادات والفرائض، وإنّما هي علاقة مستمرّة وفاعلة، والإنسان هو المسؤول عن تفعيلها وتقوِيَتها واللّجوء إليها في ساعات الشدّة والرخاء. ولعلّ كمال العبادة هو في الاستعانة به من دون سواه، وعدم الاستعانة بالله نقصٌ في العبادة، ونقصٌ في فهمنا للمعبود أيضاً.

 

مفهوم الاستعانة بالله

يمكن أن تتحقّق الاستعانة بالله أو بغيره بصورتين:

الأولى، أن نستعين بعامل -سواء أكان طبيعيّاً أم غير طبيعيّ- مع الاعتقاد بأنّ عمَله مستند إلى الله؛ بمعنى أنّه قادر على أن يُعين العباد ويُزيل مشاكلهم بقدرته المكتسَبة من الله وإذنه.

 

وفي الحقيقة، هذا النوع من الاستعانة لا ينفكّ عن الاستعانة بالله ذاته، لأنّه ينطوي على الاعتراف بأنّه هو الذي منحَ تلك العواملَ ذلك الأثر، وأَذِن لها به، وإن شاء سلَبَها إيّاه وجرَّدَها منه.

 

فإذا استعان الزارع بعوامل طبيعيّة كالشمس والماء وحرث الأرض، فهو في الحقيقة استعان بالله، لأنّه تعالى هو الذي منحَ هذه العوامل القدرةَ على إنماء ما أودع في بطن الأرض من بَذر، وإنباته، للوصول به إلى حدّ الكمال.

 

 

104

 


81

الموعظة السابعة عشرة: الاستعانة بالله

الثانية، أن يستعين بإنسان حيّ أو ميّت، أو عامل طبيعيّ، مع الاعتقاد بأنّه مستقلّ في وجوده أو في فِعله عن الله، فلا شكّ في أنّ ذلك الاعتقادَ شِرك، والاستعانة به عبادة له.

 

فإذا استعان زارعٌ بالعوامل المذكورة، وهو يعتقد بأنّها مستقلّة في تأثيرها أو في وجودها ومادّتها، كما في فِعلها وقدرتها، فالاعتقاد شِرك، والطلب عبادةٌ للمُستعان به.

 

ولإيقاف القارئ على هذه الحقيقة، نلفت نظره إلى آيات تحصِر جُملةً من الأفعال الكونيّة في الله تارة، وتنسِبها إلى غيره طَوْراً. وما هذا إلّا لعدم التنافي بين النسبتيْن، بسبب اختلاف نوعيّتهما، فهي محصورة في الله سبحانه مع قَيْد الاستقلال، وتُنسب إلى غير الله مع قَيْد التبعيّة والعَرضيّة.

 

الآيات التي تَنسب الظواهر الكونيّة إلى الله وإلى غيره:

أ. يقول سبحانه: ﴿وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ يَشۡفِينِ﴾[1]، بينما يقول سبحانه في العَسَل: ﴿شِفَآء لِّلنَّاسِۚ﴾[2].

ب. يقول سبحانه: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ﴾[3]، بينما يقول تعالى: ﴿وَٱرۡزُقُوهُمۡ فِيهَا﴾[4].

ج. يقول سبحانه: ﴿ءَأَنتُمۡ تَزۡرَعُونَهُۥٓ أَمۡ نَحۡنُ ٱلزَّٰرِعُونَ﴾[5]، بينما يقول سبحانه: ﴿يُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ﴾[6].

 

 


[1]  سورة الشعراء، الآية 80.

[2]  سورة النحل، الآية 69.

[3]  سورة الذاريات، الآية 58.

[4]  سورة النساء، الآية 5.

[5]  سورة الواقعة، الآية 64.

[6]  سورة الفتح، الآية 29.

 

105


82

الموعظة السابعة عشرة: الاستعانة بالله

د. يقول تعالى: ﴿وَٱللَّهُ يَكۡتُبُ مَا يُبَيِّتُونَۖ﴾[1]، بينما يقول سبحانه: ﴿ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيۡهِمۡ يَكۡتُبُونَ﴾[2].

 

ه. يقول تعالى: ﴿ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ﴾[3]، بينما يقول سبحانه: ﴿ فَٱلۡمُدَبِّرَٰتِ أَمۡرا﴾[4].

 

و. يقول سبحانه: ﴿ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا﴾[5]، بينما يقول تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ﴾[6].

 

إلى غير ذلك من الآيات التي تَنسِب الظواهر الكونيّة تارةً إلى الله تعالى، وأخرى إلى غيره[7].

 

مفردات الاستعانة بالله

1. الصبر والصلاة: قال تعالى: ﴿وَٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلۡخَٰشِعِينَ﴾[8]، فالاستعانة بالله ليس لها مِصداقٌ غير الصبر أوّلاً، والاشتغال بمناجاة الله وعبادته ثانياً.

 

وقال تعالى: ﴿قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصۡبِرُوٓاْۖ إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ ١٢٨ قَالُوٓاْ أُوذِينَا مِن قَبۡلِ أَن تَأۡتِيَنَا وَمِنۢ بَعۡدِ مَا جِئۡتَنَاۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يُهۡلِكَ عَدُوَّكُمۡ وَيَسۡتَخۡلِفَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَيَنظُرَ كَيۡفَ تَعۡمَلُونَ﴾[9].

 


[1]  سورة النساء، الآية 81.

[2]  سورة الزخرف، الآية 80.

[3]  سورة يونس، الآية 3.

[4]  سورة النازعات، الآية 5.

[5]  سورة الزمر، الآية 42.

[6]  سورة النحل، الآية 32.

[7]  الشيخ جعفر السبحانيّ، الأسماء الثلاثة، ص86 - 88.

[8]  سورة البقرة، الآية 45.

[9]  سورة الأعراف، الآيتان 128 - 129.

 

106


83

الموعظة السابعة عشرة: الاستعانة بالله

تشير هذه الآية إلى مبادئَ وشروطٍ ثلاثة: الأوّل في العقيدة، وهو (الاستعانة بالله)، والثاني في الأخلاق، وهو (الصبر والثبات)، والثالث في العمل، وهو (التقوى). وهي ليست شرائط انتصار قومِ بني إسرائيل وحدهم على العدوّ، بل إنّ أيّ شعبٍ يريد الغَلَبة على أعدائه، لا بدّ له من تحقيق هذه البرامج الثلاثة، فالأشخاص غير المؤمنين والجبناء وضَعيفو الإرادة، والشعوب الفاسقة الغارقة في الفساد، إذا ما انتصرت فإنّ انتصارها يكون مؤقّتاً وغير باقٍ[1].

 

كما أنّ فرعون لا يملك الأرض حتّى يمنحها من يشاء، ويمنع من التمتّع بها من يشاء، بل هي لله يورثها من يشاء، وقد جرت السُنّة الإلهيّة على أن يَخصّ بحسن العاقبة من يتّقيه من عباده؛ فإن استَعَنْتُم بالله، وصبرتم في ذات الله على ما يُهدّدكم من الشدائد -وهو التقوى- أورثكم الأرض التي ترَوْنها في أيدي آل فرعون[2].

 

2. مكارم الأخلاق: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في بيان ما يجبُ على الأمّة أن تستعين بالله به نصرةً لإمامها: «أَعِينُونِي بِوَرَعٍ‏ وَاجْتِهَادٍ وَعِفَّةٍ وَسَدَاد»[3].

 

3. الدعاء: قال تعالى: ﴿ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ﴾[4].

 

4. القرآن: آيات الله وكلماته خيرُ ما يستعين به المرء في حياته، وقد كَثُرَت الروايات التي حثّتْنا على الاستعانة بكتاب الله.

 

 


[1]  الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج5، ص167.

[2]  العلاّمة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، ج8، ص224.

[3]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص417.

[4]  سورة غافر، الآية 60.

 

107


84

الموعظة السابعة عشرة: الاستعانة بالله

5. التوسّل بالأنبياء والأئمّة (عليهم السلام): وذلك لِرِفعة مقامهم عند الله تعالى، فقد أوجبَ علينا التوسّل بهم لاستنزال إعانة السماء، إذ إنّهم باب الله الذي منه يُؤتى، والتوسّل بهم -بخلاف ما يتوهّم به البعض من عَدِّهم سلطةً مُستقلّةً وتأثيراً مُستغنياً عن الله-هو لما أعطاهم الله من سُلطة، ومَنَّ عليهم مِن تأثير.

 

6. الصمت: قال تعالى عن لسان مريم (عليها السلام): ﴿إِنِّي نَذَرۡتُ لِلرَّحۡمَٰنِ صَوۡما فَلَنۡ أُكَلِّمَ ٱلۡيَوۡمَ إِنسِيّا﴾[1]. فقد أعانَ الله مريمَ ليُنجّيها من القوم الذين أرادوا بها سوءاً، عن طريق الصمت وعدم الدخول معهم في الجدل والقيل والقال.

 

بَرَكات الاستعانة بالله

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَأَكْثِرِ الِاسْتِعَانَةَ بِاللَّهِ يَكْفِكَ‏ مَا أَهَمَّكَ‏، وَيُعِنْكَ عَلَى مَا يُنْزِلُ بِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ‏»[2].

 

لأنّ مَن استعان بغيره فقد استسمنَ ذا وَرَم، ونفخَ في غير ضَرَم. أفلا يُستعان به وهو الغنيّ الكبير؟! أم كيف يُطلب من غيره، والكلّ إليه فقير؟! وإنّي لَأرى أنّ طلب المحتاج ِمن المحتاج سَفَهٌ مِن رأيه، وضَلّةٌ مِن عقْله، فكم قد رأينا مِن أُناس طلبوا العِزّة من غيره فذلّوا، وراموا الثروة مِن سواه فافتقروا، وحاولوا الارتفاع فاتّضَعوا؛ فلا يُستعان إلّا به تعالى وتقدَّس، ولا عونَ إلّا منه تبارك وتمجَّد.

 

 


[1]  سورة مريم، الآية 26.

[2]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص408.

 

108


85

الموعظة السابعة عشرة: الاستعانة بالله

ولقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يدعو الله: «امنُنْ علينا بالنشاط، وأعِذْنا مِن الفشل والكسل والعجْز والعِلَل والضرر والضجَر والمَلل»[1].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «اللهمَّ إنّي أعوذ بك من الهَمّ والحزن والعجز والكسل»[2].

 

وأوضح من ذلك ما ورد من آيات في (التوكّل) لِكونِه شعبة من شعَب الاستعانة بالله عزَّ وجلَّ، إذ قال تعالى: ﴿وَمَا تَوۡفِيقِيٓ إِلَّا بِٱللَّهِۚ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ﴾[3].

 

﴿فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُلۡ حَسۡبِيَ ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَلَيۡهِ تَوَكَّلۡتُۖ وَهُوَ رَبُّ ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡعَظِيمِ﴾[4].

 

﴿وَإِن يَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ﴾[5].

 

﴿وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡ‍ًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ﴾[6].

 

﴿وَلِلَّهِ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَإِلَيۡهِ يُرۡجَعُ ٱلۡأَمۡرُ كُلُّهُۥ فَٱعۡبُدۡهُ وَتَوَكَّلۡ عَلَيۡهِۚ﴾[7].

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص2706.

[2]  المصدر نفسه، ج3، ص2200.

[3]  سورة هود، الآية 88.

[4]  سورة التوبة، الآية 129.

[5]  سورة آل عمران، الآية 160.

[6]  سورة المجادلة، الآية 10.

[7] سورة هود، الآية 123.

 

109


86

الموعظة الثامنة عشرة: التوكُّل على الله

الموعظة الثامنة عشرة: التوكُّل على الله

 

 

محاور الموعظة:

حدّ التوكُّل
ثَمَرات التوكّل

 

هدف الموعظة:

بيان معنى التوكّل، وجمال التحلّي بهذه الصفة، وآثارها في الدنيا، وبركاتها في الآخرة على الإنسان.

 

تصدير الموعظة:

«سيّدي عليك مُعوّلي ومُعتمدي ورَجائي وتوكُّلي، وبرحمتك تَعلُّقي، تُصيب برحمتك من تشاء، وتَهدي بكرامتك من تُحِبّ»[1].

 

 


[1]  الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجِّد وسلاح المتعبِّد، ج‏2، ص591.

 

110


87

الموعظة الثامنة عشرة: التوكُّل على الله

التوكُّل رُكنُ الإيمان وعضدُه، وهو سلاح الأنبياء والأولياء الذين يؤمنون بأنّ الله هو مصدر الخير المطلق، وأنّ أسباب الأمور كلّها بيده، وأنّ التوكّلَ على سواه اتّكالٌ على وَهْمٍ وسراب.

 

قال تعالى: ﴿وَإِن يَمۡسَسۡكَ ٱللَّهُ بِضُرّ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَۖ وَإِن يَمۡسَسۡكَ بِخَيۡر فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡء قَدِير﴾[1].

 

حدّ التوكُّل

عن الحسن بن الجهم قال: سألتُ الرضا (عليه السلام) فقلت له: جُعلتُ فِداك، ما حدّ التوكّل؟ فقال لي: «ألّا تخاف مع الله أحداً»[2].

 

وفي رواية أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) سأل جبرائيل: «ما التوكّل؟ فقال: العِلم أنّ المخلوقَ لا يضرُّ ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع، واستعمال اليأس مِن الخَلق، فإذا كان العبدُ كذلك، لم يعمل لأحدٍ سوى الله، ولم يَرْجُ ولم يَخَفْ سوى الله، ولم يطمع في أحدٍ سوى الله، فهذا هو التوكُّل»[3].

 

ثَمَرات التوكّل

1. القوّة: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَن سَرّهُ أن يكون أقوى الناس، فَلْيتوكَّل على الله»[4].

 

2. الغِنى والعزّ: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «الغنى والعزّ يجولان في قلب المؤمن، فإذا وصلا إلى مكانٍ فيه توكّل أقْطَناه»[5]. (أي سَكَنا فيه).

 

 


[1]  سورة الأنعام، الآية 17.

[2] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج15، ص274.

[3]  المصدر نفسه، ج15، ص194.

[4]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص3659.

[5]  المصدر نفسه.

 

111


88

الموعظة الثامنة عشرة: التوكُّل على الله

3. تذليل الصِعاب: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَن توكّلَ على الله، ذلَّتْ له الصِعاب، وتسهّلَتْ عليه الأسباب»[1].

 

4. البصيرة: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَن توكّلَ على الله، أضاءَتْ له الشُبهات»[2].

 

5. الكفاية: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن أُعطيَ التوكّل، أُعطيَ الكِفاية، ثمّ قال: أتَلَوْتَ كتاب الله عزّ وجلّ ﴿وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡء قَدۡرا﴾[3]؟»[4].

 

6. عدم تسلُّط الشيطان: قال تعالى: ﴿إِنَّهُۥ لَيۡسَ لَهُۥ سُلۡطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ﴾[5].

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص3660.

[2]  المصدر نفسه.

[3]  سورة الطلاق، الآية 3.

[4]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص65.

[5]  سورة النحل، الآية 99.

 

112


89

الموعظة التاسعة عشرة: الذكر والشكر

الموعظة التاسعة عشرة: الذكر والشكر

 

محاور الموعظة:

التجارة الرابحة
قانون مضاعفة الحسنات
الذكر والشكر

 

هدف الموعظة:

بيان أهمّيّة ذكر الله وشكره سبحانه، وأثر ذلك على علاقة الإنسان به تعالى.

 

تصدير الموعظة:

من دعاءٍ للإمام زين العابدين (عليه السلام): «وَأَنْتَ الَّذِي زِدْتَ فِي السَّوْمِ عَلَى نَفْسِكَ لِعِبَادِكَ، تُرِيدُ رِبْحَهُمْ فِي مُتَاجَرَتِهِمْ لَكَ، وَفَوْزَهُمْ بِالْوِفَادَةِ عَلَيْكَ وَالزِّيادَةِ مِنْكَ، فَقُلْتَ -تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَيْتَ-: ﴿مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشۡرُ أَمۡثَالِهَاۖ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجۡزَىٰٓ إِلَّا مِثۡلَهَا﴾[1]، وَقُلْتَ: ﴿مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ

 

 


[1]  سورة الأنعام، الآية 160.

 

113


90

الموعظة التاسعة عشرة: الذكر والشكر

فِي كُلِّ سُنۢبُلَة مِّاْئَةُ حَبَّةۗ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ﴾[1]، وَقُلْتَ: ﴿مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضۡعَافا كَثِيرَةۚ﴾[2]، وَمَا أَنْزَلْتَ مِنْ نَظَائِرِهِنَّ فِي الْقُرْآنِ مِنْ تَضَاعِيفِ الْحَسَنَاتِ. وَأَنْتَ الَّذِي دَلَلْتَهُمْ بِقَوْلِكَ، مِنْ غَيْبِكَ وَتَرْغِيْبِكَ، الَّذِي فِيهِ حَظُّهُمْ، عَلَى مَا لَوْ سَتَرْتَهُ عَنْهُمْ، لَمْ تُدْرِكْهُ أَبْصَارُهُمْ، وَلَمْ تَعِـهِ أَسْمَاعُهُمْ، وَلَمْ تَلْحَقْـهُ أَوْهَامُهُمْ، فَقُلْتَ: ﴿فَٱذۡكُرُونِيٓ أَذۡكُرۡكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِي وَلَا تَكۡفُرُونِ﴾[3]، وَقُلْتَ: ﴿وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكُمۡ لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد﴾[4]، وَقُلْتَ: ﴿ٱدۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾[5]، فَسَمَّيْتَ دُعَاءَكَ عِبَادَةً، وَتَرْكَهُ اسْتِكْبَارًا، وَتَوَعَّدْتَ عَلَى تَرْكِهِ دُخُولَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ»[6].

 

يكشف الإمام(عليه السلام) في هذا الدعاء، بأسلوبِ المناجاة، عن بعض هذه الأسرار، ونعني بها بعضَ وسائل الإقناع التي استخدمها سبحانه وخاطب بها العباد، لجذبهم إليه، واستمالتهم إلى دينه وشريعته، والتخلّي عن سائر الأديان والمعتقدات الزائفة الباطلة. وإليك الشرح والتفسير لِمَا كشف عنه الإمامُ(عليه السلام) في هذا الدعاء.

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 261.

[2] سورة البقرة، الآية 245.

[3] سورة البقرة، الآية 152.

[4]  سورة إبراهيم، الآية 7.

[5]  سورة غافر، الآية 60.

[6]  الإمام عليّ بن الحسين (عليها السلام)، الصحيفة السجّاديّة، ص196.

 

114


91

الموعظة التاسعة عشرة: الذكر والشكر

التجارة الرابحة

«وَأَنْتَ الَّذِي زِدْتَ فِي السَّوْمِ».

 

الخطاب مع الله سبحانه، و«السَوْمُ» من البائع: عرض السلعة مع تحديد الثمن، ومن المشتري: طلب الشراء بما يريد من الثمن.

 

ومعنى هذه الكلمات المشرقة، بجملتها، أنّ الله يطلب من عباده أن يؤمنوا به، ويعملوا بدينه وشريعته، كما يطلب التاجر من الناس أن يشتروا ما لديه من سلعه ومتاع. وأيضًا، التاجر يستميل المستهلِك بالإعلام والدعاية، والله سبحانه ينشر دعوتَه، ويتصدّى لأعدائها، بالحكمة والموعظة الحسنة، كما في قوله تعالى: ﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِينَ﴾[1]، وقال سبحانه لموسى وهارون، حين أرسلهما إلى فرعون: ﴿فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلا لَّيِّنا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ﴾[2]، وقال تعالى: ﴿فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمۡ ذُو رَحۡمَة وَٰسِعَة وَلَا يُرَدُّ بَأۡسُهُۥ عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ﴾[3]. وسماحة الخُلق عند الرسول(صلى الله عليه وآله)، هي، بذاتها، أبلغ أثرًا من كلّ إعلامٍ ودعايةٍ، وبها مَلكَ قلوبَ الناس، ودخلوا في دين الله أفواجًا، بشهادة العناية الإلهيّة: ﴿فَبِمَا رَحۡمَة مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي

 

115

 

 

 

[1] سورة النحل، الآية 125.

[2]  سورة طه، الآية 44.

[3] سورة الأنعام، الآية 147.


92

الموعظة التاسعة عشرة: الذكر والشكر

ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ﴾[1]، إذ ربط سبحانه إقبال الناس عليه وهدايتهم به، بخلقه الكريم العظيم.

 

أجل، إنّ الله سبحانه يدعو الناس إليه، ويساوم كالتاجر، ولكن مع الفروق التي تنطوي عليها هذه المناجاة، وهي:

1. أنّ الله سبحانه يعطي كلّ شيء، ولا يأخذ من أحدٍ شيئًا؛ لأنّه لا يحتاج إلى شيء، والتاجر لا يعطي حتّى يأخذ.

2. أنّ الله يعطي باستمرارٍ، والخلائق كلّهم يعجزون عن ذلك.

3. أنّ التاجر يعطي الفانيات، والله يعطي الباقيات الصالحات.

 

4. أنّ الهدف الأوّل والنهائيّ للتاجر من تجارته، هو الربح الشخصيّ والمنفعة الخاصّة، وفيها يجد الغبطة والسعادة، أمّا ربح التجارة مع الله سبحانه، فهو بالكامل للمشتري، ولا شيء منه للبائع. وهذا ما أراده الإمام بقوله: «تُرِيدُ رِبْحَهُمْ فِي مُتَاجَرَتِهِمْ لَكَ، وَفَوْزَهُمْ بِالْوِفَادَةِ عَلَيْكَ وَالزِّيادَةِ مِنْكَ». وحتّى الدعاة إليه تعالى وحمَلَة رسالته يُعطون ولا يأخذون: ﴿قُلۡ مَآ أَسۡ‍َٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍ إِلَّا مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلا﴾[2]. إنّ التاجر يعطي بمقدار ما يأخذ من المال، والله سبحانه يعطي على الحسنة الواحدة أضعافًا تزيد إلى عشرة أمثال، أو إلى سبعمئة، أو إلى ما لا يبلغه الإحصاء، وفقًا لنوايا المحسِن وصفاتِه ومقاصدِه.

 

 


[1] سورة آل عمران، الآية 159.

[2]  سورة الفرقان، الآية 57.

 

116


93

الموعظة التاسعة: السيّدة خديجة، النموذج والقدوة

قانون مضاعفة الحسنات

من الآيات القرآنيّة التي بيّنت هذا القانون المبارك، نذكر أوّلًا ما ورد في الدعاء، ثمّ نذكر بعض الروايات في هذا المجال:

قال سبحانه: ﴿مَن جَآءَ بِٱلۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ عَشۡرُ أَمۡثَالِهَاۖ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلَا يُجۡزَىٰٓ إِلَّا مِثۡلَهَا وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ﴾[1].

 

وقال تعالى: ﴿مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنۢبُلَة مِّاْئَةُ حَبَّةۗ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ﴾[2].

 

أمّا الروايات، فكثيرة جدًّا، نذكر منها:

عن الإمام عليّ(عليه السلام): «مَنْ قَابَلَ اَلْإِحْسَانَ بِأَفْضَلَ مِنْهُ فَقَدْ جَازَاهُ»[3].

 

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ(عليه السلام)، فِي قَوْلِهِ: ﴿لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ ٱلۡحُسۡنَىٰ وَزِيَادَةۖ﴾: «فَأَمَّا اَلْحُسْنَى فَهِيَ اَلْجَنَّةُ، وَأَمَّا اَلزِّيَادَةُ فَالدُّنْيَا، مَا أَعْطَاهُمُ اَللَّهُ فِيهَا لَمْ يُحَاسِبْهُمْ بِهِ فِي اَلْآخِرَةِ، وَيَجْمَعُ اَللَّهُ لَهُمْ ثَوَابَ اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةِ، وَيُثِيبُهُمْ بِأَحْسَنِ أَعْمَالِهِمْ فِي اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةِ، يَقُولُ اَللَّهُ: ﴿وَلَا يَرۡهَقُ وُجُوهَهُمۡ قَتَر وَلَا ذِلَّةٌۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ﴾»[4].

 


[1] سورة الأنعام، الآية 160.

[2] سورة البقرة، الآية 261.

[3]  الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ج1، ص459.

[4]  البحرانيّ، البرهان في تفسير القرآن، ج3، ص25.

 

117


94

الموعظة التاسعة عشرة: الذكر والشكر

الذكر والشكر

قال سبحانه: ﴿فَٱذۡكُرُونِيٓ أَذۡكُرۡكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِي وَلَا تَكۡفُرُونِ﴾[1]. وقال تعالى: ﴿لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ وَلَئِن كَفَرۡتُمۡ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيد﴾[2].

 

ممّا لا شكّ فيه، أنّ الله سبحانه وتعالى ليس بحاجةٍ إلى شكرنا، في مقابل نِعَمِه علينا، وإذا أَمرَنا بالشكر، فذاك لنستوجب نعمةً أُخرى، وهي واحدةٌ من المبادئ السامية في التربية.

 

من المهمّ أن نعرف ما هي حقيقة الشكر، لكي تتّضح علاقته في زيادة النعمة، وكيف تستطيع أن تكون عاملًا مهمًّا للتربية.

 

إنّ حقيقة الشكر ليست فقط في قول الإنسان: «الحمد لله»، أو الشكر اللفظيّ، بل ثمّة ثلاث مراحل للشكر:

الأُولى: يجب أن نعلم مَن هو الواهب للنعم. هذا العلم والإيمان هو الركن الأوّل للشكر.

 

والثانية: الشكر باللسان.

 

والثالثة: وهي الأهمّ، الشكر العمليّ، أي أن نعلم الهدف من مَنحِنا للنعمة، وفي أيّ موردٍ نصرفها، وإلّا كفرنا بها، كما قال العظماء: الشكرُ صرفُ العبدِ جميعَ ما أنعمه الله تعالى فيما خُلِقَ لأجله.

 

لماذا أعطانا الله تعالى العين؟ ولماذا وهبَنا السمع والنطق؟ فهل كان السبب غير أن نرى عظمتَه في هذا العالَم، ونتعرّف إلى الحياة؟

 

وبهذه الوسائل، نخطو إلى التكامل، ندرك الحقّ، وندافع عنه،

 

 


[1]  سورة البقرة، الآية 152.

[2]  سورة إبراهيم، الآية 7.

 

118


95

الموعظة التاسعة عشرة: الذكر والشكر

ونحارب الباطل. فإذا صرفنا النعم الإلهيّة في هذا المسير، كان ذلك هو الشكر العمليّ له، وإذا أصبحت هذه الأدوات وسيلةً للطغيان والغرور والغفلة والابتعاد عن الله، فهذا هو الكفران بعينه.

 

يُروَى عن الإمام الصادق(عليه السلام): «فِي كُلِّ نَفَسٍ مِنْ أَنْفَاسِكَ شُكْرٌ لاَزِمٌ لَكَ، بَلْ أَلْفٌ وَأَكْثَرُ. وَأَدْنَى اَلشُّكْرِ رُؤْيَةُ اَلنِّعْمَةِ مِنَ اَللَّهِ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ يَتَعَلَّقُ اَلْقَلْبُ بِهَا دُونَ اَللَّهِ، وَاَلرِّضَا بِمَا أَعْطَاهُ، وَأَنْ لاَ تَعْصِيَهُ بِنِعْمَتِهِ وتُخَالِفَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ بِسَبَبِ نِعْمَتِهِ، وَكُنْ لِلَّهِ عَبْدًا شَاكِرًا عَلَى كُلِّ حَالٍ، تَجِدِ اَللَّهَ رَبًّا كَرِيمًا عَلَى كُلِّ حَالٍ»[1].

 

وهنا، يتّضح أنّ شكر العلم والمعرفة والفكر والمال والسلامة، كلّ واحدٍ منها من أيّ طريقٍ يتمّ، وكيف يكون كفرانها، فالحديث الوارد عن الإمام الصادق (عليه السلام) دليلٌ واضحٌ على هذه التفسيرات، حيث يقول: «شُكْرُ اَلنِّعْمَةِ اِجْتِنَابُ اَلْمَحَارِمِ، وَتَمَامُ اَلشُّكْرِ قَوْلُ اَلرَّجُلِ: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾»[2].

 

وتتضّح أيضًا هذه العلاقة بين الشكر وزيادة النعمة، لأنّ الناس لو صرفوا النعم الإلهيّة في هدفها الحقيقيّ، فسوف يُثبتون عمليًّا استحقاقَهم لها، وتكون سببًا في زيادة الفيوضات الإلهيّة عليهم.

 

في كلّ مرحلة من مراحل الشكر الإلهيّ -إن كان باللسان أو العمل- سوف نحتاج إلى شكرٍ جديدٍ لمواهب وعطايا جديدة، ولذلك، فلسنا قادرين أن نؤدّي حقّ الشكر، كما نقرأ في مناجاة الشاكرين للإمام زين العابدين عليّ بن الحسين(عليه السلام): «فَكَيْفَ لِي بِتَحْصِيلِ الشُّكْرِ،

 

 


[1]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج68، ص52.

[2]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص95.

 

119


96

الموعظة التاسعة عشرة: الذكر والشكر

وَشُكْرِي إِيَّاكَ يَفْتَقِرُ إِلى شُكْرٍ؟ فَكُلَّما قُلْتُ: لَكَ الحَمْدُ، وَجَبَ عَلَيَّ لِذلِكَ أَنْ أَقُولَ: لَكَ الحَمْدُ»[1].

 

ولهذا، فإنّ أعلى مراحل الشكر، أن يُظهِر الإنسانُ عجزَه أمام شكر نعمائه تعالى، كما جاء في الحديث عَنِ الإمام اَلْبَاقِرِ(عليه السلام)، قَالَ: «قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ: يَا مُوسَى، اُشْكُرْنِي حَقَّ شُكْرِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كَيْفَ أَشْكُرُكَ حَقَّ شُكْرِكَ، وَاَلنِّعْمَةُ مِنْكَ، وَاَلشُّكْرُ عَلَيْهَا نِعْمَةٌ مِنْكَ؟! فَقَالَ اَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِذَا عَرَفْتَ أَنَّ ذَلِكَ مِنِّي، فَقَدْ شَكَرْتَنِي حَقَّ شُكْرِي»[2].

 

 


[1]  الشيخ عبّاس القمّيّ، مفاتيح الجنان، ص215.

[2]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج68، ص55.

 

120


97

الموعظة العشرون: الرضا بِقضاء الله وقَدَره

الموعظة العشرون: الرضا بِقضاء الله وقَدَره

 

 

محاور الموعظة:

معنى الرضا بقضاء الله وقَدَرِه
منزِلة الرضا
القضاء الإلهيّ بين الرضا به أو السخط به

 

هدف الموعظة:

بيان أنّ التسليم للحكمة الإلهيّة والرضا بقضاء الله من حقيقة الإيمان الذي ينبغي التحلّي به.

 

تصدير الموعظة:

«وإنّ في اللهْفِ إلى جودك والرضا بقضائك عِوَضاً مِن منْع الباخلين، ومندوحةً عمّا في أيْدي المستأثرين»[1].

 

 


[1]  الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجِّد وسلاح المتعبِّد، ج2، ص563.

 

121


98

الموعظة العشرون: الرضا بِقضاء الله وقَدَره

إنّ الرضا بقضاء الله تعالى على عباده، والتسليم به، مِن أعلى درجات الإيمان التي تُجسِّد العبوديّة الحَقَّة واليقينَ المطلق بالغيب وبالحكمة التي لا يعلمُها إلّا الله، وبها وحدها يَستغني الإنسان عمّا في أيْدي الناس.

 

معنى الرضا بقضاء الله وقَدَرِه

عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) سائلاً جبرائيل عن الله تعالى: «... قلتُ: فما تفسير الرضا؟ قال: الراضي لا يَسخط على سيّدِه، أصابَ مِن الدنيا أم لَم يُصِبْ، ولا يرضى لنفسه باليسير مِن العمل»[1].

 

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ أعلمَ الناس بالله، أرضاهُم بقضاء الله»[2].

 

وعنه (عليه السلام): «اعلَموا أنّه لن يؤمن عبدٌ مِن عبيده حتّى يرضى عن الله في ما صنعَ الله إليه وصنَع به، على ما أَحَبَّ وكرِه»[3].

 

وَوَرَد عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيما﴾[4]: «التسليم والرضا، والقنوع بقضائه»[5].

 

وكما يظهر، فإنّ هذه الآية تتحدّث عن ثلاث مراتب للرضا:

الأولى: تحكيم الرسول (صلى الله عليه وآله) في كلّ نزاعٍ أو شِجارٍ أو خلاف.

 

 


[1]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج15، ص194.

[2]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص60.

[3]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص193.

[4] سورة النساء، الآية 65.

[5]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1093.

 

122


99

الموعظة العشرون: الرضا بِقضاء الله وقَدَره

الثانية: القبول بِحُكمه وعدم الحَرَج به، أيْ خُلُوّ النفْس مِن أيّ حُكْم مُسبق، بل تكون الغاية معرفة الحُكم لِتطبيقه فقط.

 

الثالثة: التسليم والرضا المُطلقَيْن بِهذا الحُكم.

 

ومِن شواهد التسليم المُطلق والرضا بِقضائه، ما وَرَد في قصّة نبي الله إبراهيم ووَلدِه النبي إسماعيل(عليهما السلام) في القرآن الكريم، حيث نرى التسليم المُطلق والرضا بالأمر الإلهيّ عند نبيّ الله إبراهيم (عليه السلام) عندما أمَرَه الله بِذَبح وَلده، وكذلك التسليم المُطلق والرضا عند نبيّ الله إسماعيل (عليه السلام) بِقبوله امتثال الأمرِ من دون تردُّد أو خوف أو تشكيك، وقد بيّنها الله تعالى بقوله: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾[1].

 

منزِلة الرضا

الرضا مِن أعلى درجات القُرْب، فقد ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «أعلى درجةِ الزُهد أدنى درجةِ الوَرع، وأعلى درجةِ الورع أدنى درجةِ اليقين، وأعلى درجةِ اليقين أدنى درجةِ الرضا»[2].

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا أَحبَّ الله عبداً ابتلاه، فإنْ صبرَ اجتباه، وإنْ رَضِيَ اصطفاه»[3].

 

 


[1] سورة الصافات، الآية 102.

[2]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص62.

[3] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج2، ص427.

 

123


100

الموعظة العشرون: الرضا بِقضاء الله وقَدَره

وممّا جاء في دعاءٍ لقضاء حوائجِ الدنيا والآخرة: «اللهمّ مُنَّ عَلَيَّ بالتوكُّل عليك، والتفويض إليك، والرضا بِقدَرك، والتسليم لأمرِك، حتّى لا أُحِبَّ تعجيلَ ما أخّرْت، ولا تأخيرَ ما عجّلْت، يا أرحم الراحمين»[1].

 

القضاء الإلهيّ بين الرضا به أو السخط به

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن رضِيَ القضاء أتى عليه القضاء وهو مأجور، ومَن سخِطَ القضاء أتى عليه القضاء وأحبطَ الله أجرَه»[2].

 

وعنه (عليه السلام): «مَن لمْ يَرْضَ بما قسمَ اللهُ عزّ وجلّ، اتَّهَمَ اللهَ في قضائه»[3].

 


[1]  الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجِّد وسلاح المتعبِّد، ص72.

[2]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1095.

[3]  الشيخ هادي النجفيّ، موسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، ج1، ص113.

 

124


101

الموعظة الحادية والعشرون: التوبة

الموعظة الحادية والعشرون: التوبة

 

محاور الموعظة:

ما ينبغي التوبة عنه
حقيقة التوبة
مِن بَرَكات التوبة
فَوريّة التوبة

 

هدف الموعظة:

التنبُّه إلى فضيلة التوبة، والمبادرة إليها في هذا الشهر المبارك.

 

تصدير الموعظة:

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ تُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوۡبَة نَّصُوحًا﴾[1].

 

 


[1]  سورة التحريم، الآية 8.

 

124


102

الموعظة الحادية والعشرون: التوبة

التوبة باب الله إلى مغفرته وعَفوِه، فتحه لعباده تحنُّناً منه ورحمة، كما ورد في مناجاة التائبين: «إِلهِي، أَنْتَ الَّذِي فَتَحْتَ لِعِبادِكَ باباً إِلى عَفْوِكَ سَمَّيْتَهُ التَّوْبَةَ، فَقُلْتَ: تُوبُوا إِلى الله تَوْبَةً نَصُوحاً، فّما عُذْرُ مَنْ أَغْفَلَ دُخُولَ البابِ بَعْدَ فَتْحِهِ؟!»[1].

 

فَوريّة التوبة

لا يخفى أنّ المبادرة إلى التوبة عن الذنبِ واجبٌ فَورِيٌّ، كما تشير الآية المباركة، خشيةَ أمرين أساسيّيْن:

1. تراكُم المعاصي.

2. الخوف مِن إدراك الموت للإنسان مِن قَبْل تَوبته.

 

حقيقة التوبة

إنّ حقيقةَ التوبة شعورُ الإنسان بالندم وتأنيب الضمير، فَيَلومُ نفسه على ما أخطأ وعصى، ويَعزم على عدم صدور مثل هذا الذنب منه مرّةً أخرى، ففي الحديث الشريف: «كفى بالندم توبة»[2].

 

وَوَرد في مناجاة التائبين: «إنْ كانَ الندمُ عن الذنب توبةً، فإنّي -وعِزّتك- مِن النادمين»[3].

 

وحذّرَت الروايات من الإصرار على الذنب مِن بَعد التوبة، فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ، وَالْمُقِيمُ عَلَى الذَّنْبِ وَهُوَ مُسْتَغْفِرٌ مِنْهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ»[4].


 


[1]  الشيخ عبّاس القمّيّ، مفاتيح الجنان، ص209.

[2]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص426.

[3]  الإمام زين العابدين (عليه السلام)، الصحيفة السجّاديّة، ص402.

[4]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص435.

 

126


103

الموعظة الحادية والعشرون: التوبة

مِن بَرَكات التوبة

1. محبّة الله: قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ﴾[1].

2. تبديل السيئات بالحسنات: قال تعالى: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَٰلِحا فَأُوْلَٰٓئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّ‍َٔاتِهِمۡ حَسَنَٰتۗ﴾[2].

3. سَتْر الله عليه: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا تاب العبد تَوبةً نصوحاً، أَحبَّه الله فَسَتر عليه»[3].

4. إحياء القلب: فقد ورد في مناجاة التائبين: «أمات قلبي عظيم جنايتي، فأحيِهِ بِتوبةٍ مِنك يا أملي وبُغيتي»[4].

 

ما ينبغي التوبة عنه

1. التوبة عن حقوق العِباد: هي من أهمّ الأمور، كظُلم الناس بمال أو غيبة أو افتراء أو نميمة أو تشويهِ صورة، وسوى ذلك ممّا هو من حقوق الناس.

2. التوبة عن حقوق الله: عن طريق أداء الواجبات التي أمرَ الله بها، وقضاء ما فاته منها، وترْك المحرّمات التي نهى عنها.

3. التوبة عن التقصير في العبادة: كالإهمال في ترْك المستحبّات من نوافلَ وأدعيةٍ وزيارات.

 

 


[1]  سورة البقرة، الآية 222.

[2]  سورة الفرقان، الآية 70.

[3]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص236.

[4]  الإمام زين العابدين (عليه السلام)، الصحيفة السجّاديّة، ص401.

 

127


104

الموعظة الثانية والعشرون: قراءة القرآن 132

الموعظة الثانية والعشرون: قراءة القرآن

 

 

محاور الموعظة:

الحثّ على تلاوة القرآن
أسرار تلاوة القرآن

 

هدف الموعظة:

الحثّ على تلاوة القرآن الكريم، مع مراعاة الأمور الواجبة والمستحبّة، العلميّة والفنيّة والروحيّة في القراءة.

 

تصدير الموعظة:

﴿ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَتۡلُونَهُۥ حَقَّ تِلَاوَتِهِۦٓأُوْلَٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ﴾[1].

 

 


[1]  سورة البقرة، الآية 21.

 

133


105

الموعظة الثانية والعشرون: قراءة القرآن 132

الموعظة الثانية والعشرون: قراءة القرآن

 

 

محاور الموعظة:

الحثّ على تلاوة القرآن
أسرار تلاوة القرآن

 

هدف الموعظة:

الحثّ على تلاوة القرآن الكريم، مع مراعاة الأمور الواجبة والمستحبّة، العلميّة والفنيّة والروحيّة في القراءة.

 

تصدير الموعظة:

﴿ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَتۡلُونَهُۥ حَقَّ تِلَاوَتِهِۦٓأُوْلَٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ﴾[1].

 

 


[1]  سورة البقرة، الآية 21.

 

133


106

الموعظة الثانية والعشرون: قراءة القرآن 132

الموعظة الثانية والعشرون: قراءة القرآن

 

محاور الموعظة:

الحثّ على تلاوة القرآن
أسرار تلاوة القرآن

 

هدف الموعظة:

الحثّ على تلاوة القرآن الكريم، مع مراعاة الأمور الواجبة والمستحبّة، العلميّة والفنيّة والروحيّة في القراءة.

 

 

تصدير الموعظة:

﴿ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَتۡلُونَهُۥ حَقَّ تِلَاوَتِهِۦٓأُوْلَٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ﴾[1].

 

 


[1]  سورة البقرة، الآية 21.

 

133


107

الموعظة الثانية والعشرون: قراءة القرآن 132

في روايةٍ عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير وبيان قوله تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَتۡلُونَهُۥ حَقَّ تِلَاوَتِهِۦٓ﴾، قال: «يرتّلون آياته، ويتفهَّمون معانيه، ويعملون بأحكامه، ويرجون وعدَه، ويخشوْن عذابه، ويتمثَّلون قِصَصه، ويعتبرون أمثالَه، ويأتون أوامره، ويجتنبون نواهيه، ما هو والله بحفظ آياته وسرد حروفه، وتلاوة سُوَرهِ، ودرس أعشاره وأخماسه، حفَظَوا حروفَه وأضاعوا حدودَه، وإنّما هو تدبّر آياته، يقول الله تعالى: ﴿كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ مُبَٰرَك لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ﴾»[1].

 

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوله تعالى: ﴿يَتۡلُونَهُۥ حَقَّ تِلَاوَتِهِۦٓ﴾، قال: «يتَّبعونه حقَّ اتّباعه»[2].

 

الحثّ على تلاوة القرآن

قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّا وَعَلَانِيَة يَرۡجُونَ تِجَٰرَة لَّن تَبُورَ﴾[3].

1. الحديث مع الله: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا أحبَّ أحدُكم أن يحدِّث ربَّه، فليقرأ القرآن»[4].

2. أهليّة القيادة: بعَثَ النبيّ (صلى الله عليه وآله) وفداً إلى اليمن، فأمَّر عليهم أميراً منهم وهو أصغرهم، فمكث أيّاماً لم يسِر... فقال له رجل: يا رسول

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص2526.

[2]  المصدر نفسه.

[3]  سورة فاطر، الآية 29.

[4]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص2524.

 

134


108

الموعظة الثانية والعشرون: قراءة القرآن 132

الله، أتؤمِّره علينا وهو أصغرنا؟! فذكر النبيّ (صلى الله عليه وآله) قراءته القرآن[1].

 

3. جلاء القلوب: عنه (صلى الله عليه وآله): «إنَّ هذه القلوب تَصْدأ كما يَصدأ الحديد»، قيل: يا رسول الله، فما جلاؤها؟ قال:«ذكر الله، وتلاوة القرآن»[2].

 

4. الغنى الأكبر: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «من قرَأ القرآن فهو غنىً لا فقرَ بعدَه»[3].

 

5. الأُنس الأكبر: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «من أَنس بتلاوة القرآن، لم تُوحشه مفارقة الإخوان»[4].

 

وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «لو مات من بين المشرق والمغرب، لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي»[5].

 

6. كفَّارة الذنوب: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «عليك بقراءة القرآن، فإنَّ قراءته كفارةٌ للذنوب، وسَترٌ في النار، وأمانٌ من العذاب»[6]، وعنه (صلى الله عليه وآله): «يا بنيّ، لا تَغفل عن قراءة القرآن، فإنَّ القرآن يَحيي القلب، ويَنهى عن الفحشاء والمُنكر والبغي»[7].

 

7. تحت ظلال الوحي: عنه (صلى الله عليه وآله): «من قرأ القرآن فكأنّما استُدرجت النبوّة بين جَنْبيه، غير أنّه لا يُوحى إليه»[8].

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج 3، ص 2524.

[2]  القطب الراوندي، الدعوات، ص237.

[3]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص605.

[4]  الآمديّ التميميّ، غرر الحكم ودُرر الكلم، ص638.

[5]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص602.

[6]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج89، ص17.

[7]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص2525.

[8]  المصدر نفسه.

 

135


109

الموعظة الثانية والعشرون: قراءة القرآن 132

8. أحبّ الخلق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله): عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لمّا سمع ضجّة أصحابه في المسجد وهم يقرؤون القرآن: «طوبى لهؤلاء كانوا أحبّ الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)»[1].

 

أسرار تلاوة القرآن

1. الاستعاذة: يُراد بذلك رفع موانع التلاوة، قال تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأۡتَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ ٱلرَّجِيمِ﴾[2].

 

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «أغلقوا أبواب المعصية بالاستعاذة، وافتحوا أبواب الطاعة بالتسمية»، وعنه (عليه السلام) لما سُئل عن التعوّذ عند افتتاح كلّ سورة: «نعم، فتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم، وذكر أنّ الرجيم أخبث الشياطين»[3].

 

2. الترتيل: قال تعالى: ﴿أَوۡ زِدۡ عَلَيۡهِ وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا﴾[4].

 

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قوله تعالى: ﴿وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا﴾: «بيّنه تبياناً، ولا تَنثره نثرَ البقل، ولا تهذّه هذَّ الشِعر، قِفوا عند عجائِبه، حرِّكوا به القلوب، ولا يَكن همُّ أحدِكم آخرَ السورة»[5].

 

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفات المتّقين: «أَمَّا اللَّيْلَ فَصَافُّونَ أَقْدَامَهُمْ، تَالِينَ لِأَجْزَاءِ الْقُرْآنِ،‏ يُرَتِّلُونَهَا تَرْتِيلاً، يُحَزِّنُونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ، وَيَسْتَثِيرُونَ‏ بِهِ دَوَاءَ دَائِهِمْ»[6].

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص2521.

[2]  سورة النحل، الآية 98.

[3]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص2527.

[4]  سورة المزمّل، الآية 4.

[5]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص2527.

[6]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص304.

 

136


110

الموعظة الثانية والعشرون: قراءة القرآن 132

3. التدبّر: قال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ﴾[1]، وقال تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفا كَثِيرا﴾[2].

 

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ألا لا خيرَ في قراءةٍ ليس فيها تدبّر، ألا لا خيرَ في عبادة لا فقه فيها»[3].

 

4. التفهّم: أي أن ينظر في كلّ آية ليستبين معناها، فعن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «آيات القرآن خزائن العلم، فكلّما فتَحتَ خزانة فينبغي لك أن تنظر فيها»[4].

 

5. الاعتبار: أي أن يرى كلّ خطاب في كتاب الله موّجهٌ إليه، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «تدبّروا آيات القرآن واعتبروا به، فإنّه أبلغ العِبَر»[5].

 

6. كشف الباطن والحقائق: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما أنزل الله عزّ وجلّ آية إلّا لها ظهر وبطن، وكلّ حرف حدّ، وكلّ حدّ مُطّلع»[6].

 

وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «كتاب الله عزّ وجلّ على أربعة أشياء: على العبارة، والإشارة، واللطائف، والحقائق. فالعبارة للعوامّ، والإشارة للخواصّ، واللطائف للأولياء، والحقائق للأنبياء»[7].

 


[1]  سورة محمّد، الآية 24.

[2]  سورة النساء، الآية 82.

[3]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص63.

[4]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص2528.

[5]  المصدر نفسه، ج3، ص2528.

[6]  المصدر نفسه، ج3، ص2521.

[7]  المصدر نفسه، ج3، ص2531.

 

137


111

الموعظة الثانية والعشرون: قراءة القرآن 132

7. الخشوع: قال تعالى: ﴿أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِير مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ﴾[1].

 

وفي الرواية، كان الإمام الرضا (عليه السلام) في طريق خراسان يُكثِر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن، فإذا مرّ بآية فيها ذكر جنّة أو نار بكى، وسأل الله الجنّة وتعوّذ به من النار[2].

 

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّي لأعجب كيف لا أشيب إذا قرأت القرآن»[3].

 

وفي الحثّ على قراءة القرآن بالحزن والبكاء، قال (صلى الله عليه وآله): «اقرؤوا القرآن بالحزن، فإنّه نزل بالحزن»[4].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «اقرؤوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا، ليس منّا من لم يتغَنَّ بالقرآن»[5].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «ما من عين فاضت من قراءة القرآن، إلّا قرَّت يوم القيامة»[6].

 

وفي الحثّ على التفاعل مع الآيات التي يقرؤها، قال (صلى الله عليه وآله) لمّا سُئل عن أحسن الناس قراءة: «إذا سمعت قراءته، رأيت أنّه يخشى الله»[7].

 

 


[1]  سورة الحديد، الآية 16.

[2]  الشيخ عليّ النمازيّ الشاهروديّ، مستدرك سفينة البحار، ج8، ص467.

[3]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص632.

[4]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص2528.

[5]  المصدر نفسه.

[6]  المصدر نفسه، ج3، ص2529.

[7]  الأمير ورّام، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام)، ج‏1، ص3.

 

138


112

الموعظة الثالثة والعشرون: أوصاف القرآن من القرآن

الموعظة الثالثة والعشرون: أوصاف القرآن من القرآن

 

محاور الموعظة:

خصائص القرآن في القرآن
السرُّ في تحوّل العرب وقوّتهم
العمل بالقرآن أمر ملحٌّ
تلاوة القرآن أعمّ من أن تكون باللّسان

 

هدف الموعظة:

التعريف بأهمّ خصائص القرآن الكريم ومميّزاته كما وردت فيه، وبيان فضل تعلّم القرآن وتعليمه.

 

تصدير الموعظة:

﴿الٓرۚ كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ﴾[1].

 

 


[1]  سورة إبراهيم، الآية 1.

 

139


113

الموعظة الثالثة والعشرون: أوصاف القرآن من القرآن

القرآن الكريم مصدرٌ للحياة، وإنّ ممّا يدلّ على سموّ الهدف، ونبل المقصد الذي لأجله نزل القرآن هذه الأوصاف التي أطلقها الله على كتابه، فهو، حسبما وصفه ربُّ العزّة، القرآن الكريم، والقرآن المجيد، والكتاب العزيز، والكتاب المبين، والذكر الحكيم، والذكر المبارك، والصحف المطهّرة، وأحسن القَصص، وأحسن الحديث، والبرهان، والفرقان، والحقّ، والسراج، والبلاغ، إلى آخر هذه الأسماء والأوصاف التي تعبّر عن جلال القرآن وعظمته في ذاته، وعظمة وسموّ الغاية التي لأجلها نزل. فكثرة الأسماء تدلّ على شرف المسمّى، ألا ترى أنّ كثرة أسماء النبيّ (صلى الله عليه وآله) دلّت على علوّ رتبته وسموّ درجته؟ وكذلك كثرة أسماء القرآن دلّت على شرفه وفضيلته.

 

خصائص القرآن في القرآن

إلى جانب الأوصاف السالفة الذكر، نجد ربَّ العزّة تبارك وتعالى يُثني على كتابه بصفات تتعدّى إلى من أُنزل القرآن من أجلهم، والذين خوطبوا به.

1. إنّه الروح: وذلك في قوله تعالى: ﴿وَكَذَٰلِكَ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ رُوحا مِّنۡ أَمۡرِنَاۚ﴾[1]. وفي هذا الوصف إشارة إلى أنّ بالقرآن تحيا القلوب، كما أنّ بالروح تحيا الأبدان، وهو ما أشارت إليه آية أخرى، هي قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ﴾[2].

2. إنّه نور: وذلك في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُم بُرۡهَٰن مِّن رَّبِّكُمۡ وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ نُورا مُّبِينا﴾[3]. وفي وصفه بالنور ما يشير إلى

 

 


[1]  سورة الشورى، الآية 52.

[2]  سورة الأنفال، الآية 24.

[3] سورة النساء، الآية 174.

 

140


114

الموعظة الثالثة والعشرون: أوصاف القرآن من القرآن

كونه سبباً في تلاشي الظلمات وتبديد حلكتها به، كما قال في آية أخرى: ﴿الٓرۚ كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ﴾[1].

 

3. إنّه موعظة وشفاء لما في الصدور وهدًى ورحمة للمؤمنين: ذلك في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَتۡكُم مَّوۡعِظَة مِّن رَّبِّكُمۡ وَشِفَآء لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدى وَرَحۡمَة لِّلۡمُؤۡمِنِينَ﴾[2]، والموعظة هي بمعنى النصح والتذكير بالعواقب.

 

وفي وصف القرآن بأنّه شفاء لما في الصدور بيانٌ لكون القرآن يبني النفس الإنسانيّة بدفعها إلى الخيرات، ووقايتها من السيّئات، فهو شفاء للقلب والنفس والروح من الأدواء والعلل كافّة، مثل: الوسوسة، والشكّ والشرك، والنفاق، والطمع، والحسد، والبغي، وحبّ الظلم، وغير ذلك من العلل القاتِلة.

 

وفي وصف القرآن الكريم بالهدى دليلٌ على استقامة الطريق به، فلا اعوجاج ولا انحراف، كما قال تعالى في آية أخرى: ﴿إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ﴾[3].

 

القرآن نورٌ وهداية، وباعتبار أنّ الهداية أصلٌ في إنزال القرآن، ومظهرٌ من مظاهر إعجازه، لذا نجد الله سبحانه وتعالى يؤكّد على هذا في العديد من الآيات، وقد أُحصِيت ما وصف الله فيه كتابه بالهدى، فزادت على عشرين مرّة، وأحياناً كان يذكرها في الآية الواحدة مرّتين،

 

 


[1]  سورة إبراهيم، الآية 1.

[2] سورة يونس، الآية 57.

[3]  سورة الإسراء، الآية 9.

 

141


115

الموعظة الثالثة والعشرون: أوصاف القرآن من القرآن

وذلك كقوله تعالى: ﴿شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰت مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِۚ﴾[1].

 

ينتج من هذا كلّه أن يكون القرآن الكريم رحمةً من الله ساقها لعباده، وهو ما خُتِمتْ به الآية الكريمة من أوصاف القرآن الكريم.

 

4. إنّه نعمة: لم يخصّ الله بها رسوله فقط، بل هو لكلّ الناس، وشكرها واجب عليهم جميعاً، فقال تعالى: ﴿وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَٱلۡحِكۡمَةِ يَعِظُكُم بِهِۦۚ﴾[2]. فمن اتّعظ بالقرآن كان له رحمة، ومن خالف أوامره كان عليه لعنة.

 

5. إنّه أحسن الحديث: قال تعالى: ﴿ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِيثِ﴾[3]؛ لأنّه يُقدّم للإنسان سبيل خلاصه، مستفيداً من تجارب الماضين وعبر الحاضر.

 

وهكذا كلّ وصف أطلقه الله على القرآن الكريم نجد جانباً مشرقاً يعبّر عن سموّ الغاية، ونبل الهدف الذي لأجله أنزل الله القرآن. والحقيقة أنّ الدنيا كلّها لو أشبعت القرآن ثناءً، فلن توفّيَه حقّه؛ لأنّها لا تحيط به علماً. فما سجّلوه في حقّ القرآن قطرة من بحر، بجانب ما ذكره الله تعالى في وصف كتابه، وأبان به عن سموّ غايته، وجلال رسالته. هذا الخير العظيم الذي احتوى عليه القرآن الكريم في آياته، ظهرت ثمراته وبركاته واضحة جليّة على أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأجيال التي تلتهم، فأعزّهم الله بعد ذلّ، وجمعهم بعد فرقة، وأصبحوا سادة بعد أن كانوا عبيداً، ودعاة بعد أن كانوا رعاة.

 


[1]  سورة البقرة، الآية 185.

[2]  سورة البقرة، الآية 231.

[3]  سورة الزمر، الآية 23.

 

142


116

الموعظة الثالثة والعشرون: أوصاف القرآن من القرآن

السرُّ في تحوّل العرب وقوّتهم

لقد كان السرّ وراء هذا التحوّل كلّه في حياة العرب نزول القرآن الكريم، إذ لم يكن بديارهم قبل نزول القرآن معاهد للتعليم، ولا أساتذة للتربية، وكانوا إلى جانب ذلك فقراء في أسباب الحضارة ومظاهرها، فهم قبائل مشتّتة، يثور في ما بينهم التنازع لأتفه الأسباب، ومعبوداتهم من الأصنام والأوثان، وحالتهم الاجتماعيّة والاقتصاديّة في أدنى الدرجات، ولم يكن للنبيّ (صلى الله عليه وآله) قبل نزول القرآن عليه أستاذ يعلّمه أو كتاب يقرؤه: ﴿وَمَا كُنتَ تَتۡلُواْ مِن قَبۡلِهِۦ مِن كِتَٰب وَلَا تَخُطُّهُۥ بِيَمِينِكَۖ إِذا لَّٱرۡتَابَ ٱلۡمُبۡطِلُونَ﴾[1]. وفي الدلالة على كون القرآن الكريم هو العامل الأساسيّ في إخراج الأمم من أوضاعهم المتردّية إلى ما يسمو بإنسانيّتها قول الله تعالى: ﴿الٓرۚ كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ﴾[2]، والشاهد في الآية أنّ الله جعل القرآن وسيلة الرسول (صلى الله عليه وآله) التي بها يستخرج الناس من الظلمات إلى النور، ولم يفقد القرآن الكريم خاصيّته تلك، بل بقي، وسيبقى أبد الدهر، لا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الردّ.

 

الغاية العظيمة من القرآن هي تكوين الأمّة، وعبر ما ذكرناه في النقاط الخمس السابقة، يتّضح لنا أنّ الله تعالى أنزل هذا القرآن لغاية عظيمة، هي تكوين الأمّة وصناعتها على عين الله، إذ تتميّز في عقائدها وعبادتها وأخلاقها، وتتبوّأ مكان الصدارة على غيرها في هذه الدنيا، فإذا كان يوم القيامة، نالت شرف الشهادة على الناس جميعاً.

 

 


[1]  سورة العنكبوت، الآية 48.

[2]  سورة إبراهيم، الآية 1.

 

143


117

الموعظة الثالثة والعشرون: أوصاف القرآن من القرآن

العمل بالقرآن أمر ملحٌّ

لذا كان العمل بالقرآن والتزام تعاليمه فريضةً على كلّ مسلم، ومطلباً ملحّاً أكّد عليه ربُّ العزّة مراراً وتكراراً، ونضرب لذلك بعض الأمثلة:

فمرّة يأمر الله عباده باتّباع القرآن والسير على نهجه فيقول: ﴿وَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَك فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ﴾[1].

ومرّة يأمرنا بالاستمساك به وعدم التفريط فيه، فيقول: ﴿فَٱسۡتَمۡسِكۡ بِٱلَّذِيٓ أُوحِيَ إِلَيۡكَۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَٰط مُّسۡتَقِيم﴾[2].

وثالثة يدعونا إلى تحكيمه في كلّ ما ينزل بنا، ويحذّرنا من الميل بأهوائنا، بعيداً عن هديه، فيقول: ﴿وَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ﴾[3].

ورابعة يدعونا إلى تلاوته، ويثني على من يواظبون على تلاوة القرآن، فيقول: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّا وَعَلَانِيَة يَرۡجُونَ تِجَٰرَة لَّن تَبُورَ ٢٩ لِيُوَفِّيَهُمۡ أُجُورَهُمۡ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ غَفُور شَكُور﴾[4].

 

تلاوة القرآن أعمّ من أن تكون باللّسان

تكرّر الأمر بتلاوة القرآن في كثيرٍ من الآيات، حتّى عُدّ في بعضها هدفاً بُعث لأجله رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وذلك في نحو قوله تعالى: ﴿كَذَٰلِكَ أَرۡسَلۡنَٰكَ فِيٓ أُمَّة قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهَآ أُمَم لِّتَتۡلُوَاْ عَلَيۡهِمُ ٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ﴾[5]. والتلاوة في هذه الآيات وأمثالها أعمّ من أن تكون مجرّد ترديد اللّسان.

 

 


[1]  سورة الأنعام، الآية 155.

[2]  سورة الزخرف، الآية 43.

[3]  سورة المائدة، الآية 49.

[4]  سورة فاطر، الآيتان 29 - 30.

[5]  سورة الرعد، الآية 30.

 

144


118

الموعظة الرابعة والعشرون: أثر القرآن الكريم في الأمن النفسيّ

الموعظة الرابعة والعشرون: أثر القرآن الكريم في الأمن النفسيّ

 

 

محاور الموعظة:

الأمن ضرورة حياتيّة
الإيمان منبع الأمان
القرآن أمان الإنسان
الأمن النفسيّ وتحدّيات الإنسان
الرجوع إلى القرآن

 

هدف الموعظة:

بيان عناية القرآن الكريم بالنفس الإنسانيّة عناية شاملة.

 

تصدير الموعظة:

﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَمۡ يَلۡبِسُوٓاْ إِيمَٰنَهُم بِظُلۡمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ﴾[1].

 

 


[1]  سورة الأنعام، الآية 82.

 

145


119

الموعظة الرابعة والعشرون: أثر القرآن الكريم في الأمن النفسيّ

ممّا لا شكّ فيه أنّ هناك علاقة وطيدة بين السعادة والأمن النفسيّ الذي يُنشِده كلّ إنسان؛ لذلك نرى القرآن الكريم يُبشّر أهل الإيمان بالأمن يوم القيامة. هذه البشرى التي تستلزم مفردات السعادة كافّة، إذ يقول لهم: ﴿وَهُم مِّن فَزَع يَوۡمَئِذٍ ءَامِنُونَ﴾[1]، وفي آية أخرى يقرن بين الأمن والنار بقوله تعالى: ﴿أَفَمَن يُلۡقَىٰ فِي ٱلنَّارِ خَيۡرٌ أَم مَّن يَأۡتِيٓ ءَامِنا يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ٱعۡمَلُواْ مَا شِئۡتُمۡ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ﴾[2].

 

والسعادة التي نعنيها هي السعادة الروحيّة الكاملة التي تبعث الأمل والرضا، وتُثمر السكينة والاطمئنان، وتُحقّق الأمن النفسيّ والروحيّ للإنسان، فيحيا سعيداً هانئاً آمناً مطمئنّاً، فلا سعادة للإنسان بلا سكينة نفس، ولا سكينة نفس بلا اطمئنان القلب.

 

وليس الأمن النفسيّ بالمطلب الهيّن، فبواعث القلق والخوف والضيق ودواعي التردّد والارتياب والشكّ تُصاحب الإنسان منذ ولادته، وفي مراحل حياته كافّة حتّى يواريَه التراب.

 

لقد كانت قاعدة الإسلام التي يقوم عليها بناؤه كلّه هي حماية الإنسان من الخوف والفزع والاضطراب، وكلّ ما يحدّ حريّته وإنسانيّته، والحرص على حقوقه المشروعة في الأمن والسكينة والطمأنينة، وهذا ليس أمراً سهلاً، فكيف يحقّق الإسلام للمسلمين الأمن والسكينة والطمأنينة؟

 

 


[1]  سورة النمل، الآية 89.

[2]  سورة فصّلت، الآية 40.

 

146


120

الموعظة الرابعة والعشرون: أثر القرآن الكريم في الأمن النفسيّ

الأمن ضرورة حياتيّة

الأمن في الحياة ليس أمراً هامشيّاً، بل هو ركنٌ من أركان الحياة، التي من دونه تصبح الحياة مليئةً بالمخاوف، ويصبح الإنسان منفعلاً في الحياة لا فاعلاً، وهارباً من دوره لا مُقبلاً عليه، ويفكّر بحياته الخاصّة والشخصيّة من دون أن يرقى إلى التفكير بمصالح الأمّة. لذلك نرى الدول تسعى إلى توفير الأمن لشعوبها كقاعدة أساسيّة من قواعد العيش والإبداع والعمل والاستثمار وسوى ذلك، ونرى هذه الضرورة في القرآن الكريم، إذ جعل البيت مكاناً آمناً لاعتبارات عدّة، منها أن يُدرك الناس قيمة هذه النعمة الإلهيّة، قال تعالى: ﴿أَوَ لَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا جَعَلۡنَا حَرَمًا ءَامِنا﴾[1].

 

الإيمان منبع الأمان

قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلا قَرۡيَة كَانَتۡ ءَامِنَة مُّطۡمَئِنَّة يَأۡتِيهَا رِزۡقُهَا رَغَدا مِّن كُلِّ مَكَان فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ﴾[2]، فالإسلام بحسب الآية يقيم صرحه الشامخ على عقيدة أنّ الإيمان مصدر الأمان، كما أنّ الكفر مصدر الخوف والقلق، فالإقبال على طريق الله هو الموصل إلى السكينة والطمأنينة والأمن.

 

ولكن كيف نصل إلى هذا الإيمان الحقيقيّ لكي تتحقّق السعادة والسكينة والطمأنينة التي ينشدها ويسعى إليها الإنسان لينعم بالأمن النفسيّ؟

 

 


[1]  سورة العنكبوت، الآية 67.

[2]  سورة النحل، الآية 112.

 

147


121

الموعظة الرابعة والعشرون: أثر القرآن الكريم في الأمن النفسيّ

القرآن أمان الإنسان

إنّنا نستطيع أن نصل إلى هذا الإيمان بنور الله وسنّة رسوله (صلى الله عليه وآله)، ونور الله المتجسّد بالقرآن الكريم الذي نستدلّ به على الطريق السليم، ونأخذ منه دستور حياتنا، وننعم بنوره الذي ينير القلب والوجدان والنفس والروح والعقل جميعاً. أليس ذلك طريقاً واضحاً ووحيداً لنصل إلى نعمة الأمن النفسيّ؟

 

لقد عُنِي القرآن الكريم بالنفس الإنسانيّة عناية شاملة؛ عناية تمنح الإنسان معرفة صحيحة عن النفس وقاية وعلاجاً من دون أن ينال ذلك من وحدة الكيان الإنسانيّ، وهذا وجه الإعجاز والروعة في عناية القرآن الكريم بالنفس الإنسانيّة، وترجع هذه العناية إلى أنّ الإنسان هو المقصود بالهداية والإرشاد والتوجيه والإصلاح.

 

لقد أوضح لنا القرآن الكريم في الكثير من آياته الكريمة أهمّيّة الإيمان للإنسان، وما يُحدِثه هذا الإيمان من بثّ الشعور بالأمن والطمأنينة في كيان الإنسان، وثمرات هذا الإيمان هي تحقيق سكينة النفس وأمنها وطمأنينتها. قال تعالى: ﴿ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوع وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۢ﴾[1].

 

الإنسان المؤمن يسير في طريق تقوى الله آمناً مطمئنّاً؛ لأنّ إيمانه الصادق يمدّه دائماً بالأمل والرجاء في عون الله ورعايته وحمايته، وهو يشعر على الدوام بأنّ الله عزَّ وجلَّ معه في كلّ لحظة. ونجد أنّ هذا الإنسان المؤمن يتمسّك بكتاب الله لاجئاً إليه دائماً، فهو بالنسبة إليه خير مرشدٍ بمدى أثر القرآن الكريم في تحقيق الاستقرار النفسيّ

 


[1]  سورة قريش، الآية 4.

 

148


122

الموعظة الرابعة والعشرون: أثر القرآن الكريم في الأمن النفسيّ

له، وهذا الأمن النابع من التقوى ينعكس أماناً يوم الفزع الأكبر، كما يُعبّر أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَإِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الْأَكْبَرِ»[1].

 

الأمن النفسيّ وتحدّيات الإنسان

الإنسان مهما قابله من مشكلات وواجهه من محن، فإنّ كتاب الله وكلماته المُشرقة بأنوار الهدى كفيلة بأن تزيلَ ما في نفسه من وساوس، وما في جسده من آلام وأوجاع، ويتبدّل خوفه إلى أمن وسلام، وشقاؤه إلى سعادة وهناءة، كما يتبدّل الظلام الذي كان يراه إلى نور يُشرق على النفس، ويشرح الصدر، ويبهج الوجدان. فنحن نقرأ عن أصحاب الإمام الحسين يوم العاشر أنهم كلّما اقتربوا من لحظة المواجهة، كلّما أشرقت وجوههم وأشرقت نفوسهم وسكنت أطرافهم وبردت قلوبهم، إلى غير ذلك من الصفات التي تكشف مدى الأمن النفسيّ الذي كانوا يعيشونه، ومدى الطمأنينية التي كانت تحيط بهم.

 

الرجوع إلى القرآن

إنّ كتاب الله يحقّق للإنسان السعادة؛ لأنّه يسير في طريقه، لا يخشى شيئاً إلا الله، صابراً حامداً شاكراً ذاكراً لله على الدوام، شاعراً بنعمة الله عليه، يحسُّ بآثار حنانه ودلائل حبّه، فكلّ هذا يبثّ في نفسه طاقة روحيّة هائلة تُصقله وتُهذّبه وتُقوّمه وتجعله يشعر بالسعادة والهناءة، وبأنّه قويٌّ بالله، سعيدٌ بحبّ الله، فينعم الله عزَّ وجلَّ عليه بالنور والحنان، ويفيض عليه بالأمن والأمان، فيمنحه

 


[1]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص417.

 

149


123

الموعظة الرابعة والعشرون: أثر القرآن الكريم في الأمن النفسيّ

السكينة النفسيّة والطمأنينة القلبيّة.

 

ممّا سبق يتّضح لنا أنّ للقرآن الكريم أثراً عظيماً في تحقيق الأمن النفسيّ، ولن تتحقّق السعادة الحقيقيّة للإنسان إلّا في شعوره بالأمن والأمان، ولن يحسّ بالأمن إلّا بنور الله الذي أنار سبحانه به الأرض كلّها، وأضاء به الوجود كلّه، بدايته ونهايته، وهذا النور هو القرآن الكريم.

 

ويؤكّد لنا القرآن الكريم بأنّه لن يتحقّق للإنسان الطمأنينة والأمان إلا بذكره لله عزَّ وجلَّ، قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطۡمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ﴾[1].

 

إذاً، علينا أن نتمسَّك بكتاب الله ونقتدي به، ونتدبّر في آياته البيّنات، ونتأمّل في كلماته التي لا تنفد أبداً، قال تعالى: ﴿قُل لَّوۡ كَانَ ٱلۡبَحۡرُ مِدَادا لِّكَلِمَٰتِ رَبِّي لَنَفِدَ ٱلۡبَحۡرُ قَبۡلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَٰتُ رَبِّي وَلَوۡ جِئۡنَا بِمِثۡلِهِۦ مَدَدا﴾[2]، حتّى نتحلّى بالإيمان الكبير في هذه الرحلة الروحيّة مع آيات الله، فنتزوّد بما جاء به القرآن الكريم من خلق عظيم، وأدب حميد، وسلوك فريد، ومعرفة شاملة بحقيقة النفس الإنسانيّة، كما أرادها الله عزَّ وجلَّ أن تكون، وترتقي حيث الحبّ والخير والصفاء والنورانيّة، فننعم بالسلام الروحيّ الممدود، والاطمئنان القلبيّ المشهود، والأمن النفسيّ المنشود.

 

 


[1]  سورة الرعد، الآية 28.

[2]  سورة الكهف، الآية 109.

 

150


124

الموعظة الخامسة والعشرون: سيماء المصلحين في القرآن الكريم

الموعظة الخامسة والعشرون: سيماء المصلحين في القرآن الكريم

 

محاور الموعظة:

الشرائط الذاتيّة
الشرائط العمليّة
الشرائط الوضعيّة التي تتعلّق بكيفيّة أداء العمل وظروفه

 

هدف الموعظة:

التعريف ببعض الصفات التي وردت في القرآن الكريم في أهل العمل الصالح والمصلحين.

 

تصدير الموعظة:

﴿وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهۡتَدَوۡاْ هُدىۗ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابا وَخَيۡر مَّرَدًّا﴾[1].

 

 


[1]  سورة مريم، الآية 76.

 

151


125

الموعظة الخامسة والعشرون: سيماء المصلحين في القرآن الكريم

ورد في القرآن الكريم في المصلحين صفات متعدّدة زيادةً على صفات أهل العمل الصالح؛ ذلك أنّهم لم يكتفوا بالعمل الصالح لأنفسهم فحسب، وإنّما توجّهوا لإصلاح المجتمع، بالكلمة والعمل، ويتطلّب منهم ذلك أن يكونوا في موضع القدوة والريادة، ومن السبّاقين إلى الخيرات والباقيات الصالحات.

 

فإنّ هذه الصفات يجب أن تتوكّد وتتحقّق في الإنسان المُصلح حتى يكون صادقاً في دعوته، مُحِقّاً في قضيّته، فيؤمن به الناس ويتّبعونه، وإلّا كان من الذين يقولون ما لا يفعلون. وقد نهى الله عن هذه الخصلة المقيتة، قال تعالى: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ١ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفۡعَلُونَ﴾[1].

 

ولأهل العمل الصالح والذين يعملون الصالحات شرائط وصفات، نجدها مبثوثة في مواضع مختلفة من القرآن الكريم، نذكر من أهمّها:

1. شرائط ذاتيّة، منها:

أ. الإيمان: قال تعالى: ﴿وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِن فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ نَقِيرا﴾[2].

ب. التوبة: قال تعالى: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحا فَأُوْلَٰٓئِكَ يَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ وَلَا يُظۡلَمُونَ شَيۡ‍ٔا﴾[3].

 


[1]  سورة الصفّ، الآيتان 1 - 2.

[2]  سورة النساء، الآية 124.

[3]  سورة مريم، الآية 60.

 

152


126

الموعظة الخامسة والعشرون: سيماء المصلحين في القرآن الكريم

ج. طلب رضا الله تعالى: قال تعالى: ﴿فَتَبَسَّمَ ضَاحِكا مِّن قَوۡلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحا تَرۡضَىٰهُ وَأَدۡخِلۡنِي بِرَحۡمَتِكَ فِي عِبَادِكَ ٱلصَّٰلِحِينَ﴾[1].

 

د. الإخلاص له وعدم الشِّرك به: قال تعالى: ﴿قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَر مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰه وَٰحِدۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلا صَٰلِحا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا﴾[2].

 

هـ. الصبر والاستقامة في العمل: قال تعالى: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّار لِّمَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحا ثُمَّ ٱهۡتَدَىٰ﴾[3].

 

2. شرائط عمليّة، أهمّها:

أ. أكل الحلال وتجنّب الحرام: قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَٱعۡمَلُواْ صَٰلِحًاۖ إِنِّي بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيم﴾[4].

 

ب. ردّ المظالم وحقوق الناس إلى أهلها: قال تعالى: ﴿فَمَن تَابَ مِنۢ بَعۡدِ ظُلۡمِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيۡهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُور رَّحِيمٌ﴾[5].

 

ج. الالتزام بالعبادات: قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَوٰةَ لَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾[6].

 


[1]  سورة النمل، الآية 19.

[2]  سورة الكهف، الآية 110.

[3]  سورة طه، الآية 82.

[4]  سورة المؤمنون، الآية 51.

[5]  سورة المائدة، الآية 39.

[6]  سورة البقرة، الآية 277.

 

153


127

الموعظة الخامسة والعشرون: سيماء المصلحين في القرآن الكريم

د. التصدُّق: قال تعالى: ﴿وَمِنۡهُم مَّنۡ عَٰهَدَ ٱللَّهَ لَئِنۡ ءَاتَىٰنَا مِن فَضۡلِهِۦ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ﴾[1].

 

3. شرائط وضعيّة تتعلّق بكيفيّة أداء العمل وظروفه، منها:

أ. العمل بالتكليف وفي حدود القدرة والاستطاعة: قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَا نُكَلِّفُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَآ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ﴾[2].

ب. استخدام الكلمة الطيِّبة: قال تعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلۡعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ جَمِيعًاۚ إِلَيۡهِ يَصۡعَدُ ٱلۡكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلۡعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرۡفَعُهُۥۚ وَٱلَّذِينَ يَمۡكُرُونَ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِ لَهُمۡ عَذَاب شَدِيدۖ وَمَكۡرُ أُوْلَٰٓئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾[3].

ج. القول السديد: قال تعالى: ﴿أَمۡ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجۡتَرَحُواْ ٱلسَّيِّ‍َٔاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَوَآء مَّحۡيَاهُمۡ وَمَمَاتُهُمۡۚ سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ﴾[4].

د. الدعوة إلى الله: قال تعالى: ﴿وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ﴾[5].

هـ. التواصي بالحقّ والصبر: قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ ٢ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾[6].

 


[1]  سورة التوبة، الآية 75.

[2]  سورة الأعراف، الآية 42.

[3]  سورة فاطر، الآية 10.

[4]  سورة الجاثية، الآية 21.

[5]  سورة فصّلت، الآية 33.

[6]  سورة العصر، الآيتان 2 - 3.

 

154


128

الموعظة الخامسة والعشرون: سيماء المصلحين في القرآن الكريم

و. الافتراق عن سبيل المُفسدين والفُجّار: قال تعالى: ﴿أَمۡ نَجۡعَلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ كَٱلۡمُفۡسِدِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ نَجۡعَلُ ٱلۡمُتَّقِينَ كَٱلۡفُجَّارِ﴾[1].

 

ز. الابتعاد عن كلّ سوء ومُسيء: قال تعالى: ﴿وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَلَا ٱلۡمُسِيٓءُۚ قَلِيلا مَّا تَتَذَكَّرُونَ﴾[2].

 


[1]  سورة ص، الآية 28.

[2]  سورة غافر، الآية 58.

 

155


129

الموعظة السادسة والعشرون: حقّ النبيّ (صلى الله عليه وآله)

الموعظة السادسة والعشرون: حقّ النبيّ (صلى الله عليه وآله)

 

محاور الموعظة:

حقّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أمّته

 

هدف الموعظة:

التعريف بالحقوق التي فرضها علينا الإسلام تجاه النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)، والتي يُعدّ عدم التحلّي بها خروجاً من الدين.

 

تصدير الموعظة:

﴿ٱلنَّبِيُّ أَوۡلَىٰ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ مِنۡ أَنفُسِهِمۡۖ﴾[1].

 

 


[1]  سورة الأحزاب، الآية 6.

 

159


130

الموعظة السادسة والعشرون: حقّ النبيّ (صلى الله عليه وآله)

الحديث عن حقّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) ليس ناظراً إلى الإعجاب بشخصه، أو جميل أخلاقه، أو التغنّي بإنجازاته، أو أن نختزن له الاحترام والتقدير، بل إِنّ حقّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) أمرٌ أبعد من ذلك، ويرتبط بعلاقة الإنسان بربّه وخالقه، التي يمثّل رسول الله (صلى الله عليه وآله) مفتاحها، وسبيلها، ونورها، التي من دونها لا يمكن الاهتداء إلى الله تعالى.

 

وفي ما يلي، بعض هذه الحقوق:

1. طاعته (صلى الله عليه وآله): وقد ورد التأكيد عليها في كتاب الله، قال تعالى: ﴿مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظا﴾[1].

وقال تعالى: ﴿وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ﴾[2].

 

2. التسليم لحكمه (صلى الله عليه وآله): قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِن وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلا مُّبِينا﴾[3]. وهذه الآية واضحة في أنّ التسليم لقضاء الرسول (صلى الله عليه وآله) وحكمه شرط في تحقّق الإيمان، وليس للمسلم خيار بعد رأي رسول الله (صلى الله عليه وآله).

 

وقوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيما﴾[4]. فشرط الإيمان ليس مجرّد القبول بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإنّما عدم الإحساس بأيّ حرجٍ أو ضيق تُجاه حكمه.

 


[1]  سورة النساء، الآية 80.

[2]  سورة الحشر، الآية 7.

[3] سورة الأحزاب، الآية 36.

[4]  سورة النساء، الآية 65.

 

160


131

الموعظة السادسة والعشرون: حقّ النبيّ (صلى الله عليه وآله)

3. محبّته (صلى الله عليه وآله): إنّ مسألة المحبّة ترتبط ارتباطاً مباشراً بمشاعر المرء وأحاسيسه، التي أراد الله سبحانه أن تبقى نقيّة طاهرة، تساهم في سلامة الفطرة، ومنشأ لسلامة السلوك والفعل، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَن أحبّني فقد أحبّ الله، ومَن أبغضني فقد أبغض الله»[1].

وفي الحديث: أخذ النبيّ (صلى الله عليه وآله) بيد الحسن والحسين(عليهما السلام) فقال: «مَنْ أحبّني وأحبّ هذَين، وأباهما، وأُمّهما، كان معي في درجتي يوم القيامة»[2].

4. الصلاة عليه (صلى الله عليه وآله): قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا﴾[3].

وعن الإمام الرضا (عليه السلام): «مَن لم يقدر على ما يكفّر به ذنوبه، فليُكثِر من الصلاة على محمّد وآله؛ فإنّها تهدم الذنوب هدماً»[4].

وللصلاة على النبيّ وآله (صلى الله عليه وآله) أثر عظيم في قَبول الأعمال، واستجابة الدعاء، وإزالة الهموم، وتنوير القلب، وغير ذلك الكثير.

5. مودّة أهل بيته (صلى الله عليه وآله): قال تعالى: ﴿ذَٰلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِۗ قُل لَّآ أَسۡ‍َٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ وَمَن يَقۡتَرِفۡ حَسَنَة نَّزِدۡ لَهُۥ فِيهَا حُسۡنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُور شَكُورٌ﴾[5]. وما أروع هذا التفاني من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) عندما يجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أجر الرسالة أمراً لمصلحة العباد وسعادتهم

 


[1] الشيخ جعفر كاشف الغطاء، كشف الغطاء، ج1، ص17.

[2] المصدر نفسه.

[3]  سورة الأحزاب، الآية 56.

[4]  المحقّق البحرانيّ، الحدائق الناضرة، ج8، ص471.

[5]  سورة الشورى، الآية 23.

 

161


132

الموعظة السادسة والعشرون: حقّ النبيّ (صلى الله عليه وآله)

وهو لا يرد بأيّ خير على الأئمّة أنفسهم، بل يستلزم منهم جهداً ومشقّةً وجهاداً وإنّما نفعه وخيره كلّه على الرسالة وعلوّ كلمة المسلمين في الأرض.

 

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره في ما أفناه، وشبابه في ما أبلاه، وعن ماله من أين كسبه وفي ما أنفقه، وعن حبّنا أهل البيت»[1].

 


[1]  الشيخ الصدوق، الأمالي، ص93.

 

162


133

الموعظة السابعة والعشرون: أمير المؤمنين (عليه السلام) في دعاء الافتتاح

الموعظة السابعة والعشرون: أمير المؤمنين (عليه السلام) في دعاء الافتتاح

 

 

محاور الموعظة:

صفات أمير المؤمنين (عليه السلام) في دعاء الافتتاح

 

هدف الموعظة:

بيان الصفات والألقاب التي وردت في حقّ أمير المؤمنين (عليه السلام) في دعاء الافتتاح، من خلال الأحاديث، وأنّها ليست أمراً عرفيّاً أو شعبيّاً.

 

تصدير الموعظة:

«اَللّهُمَّ، وَصَلِّ عَلى عَليٍّ أَميرِ الْمُؤْمِنينَ، وَوَصِيِّ رَسُولِ رَبِّ الْعالَمينَ، عَبْدِكَ وَوَليِّكَ، وَأَخي رَسُولِكَ، وَحُجَّتِكَ عَلى خَلْقِكَ، وَآيَتِكَ الْكُبْرى، وَالنَّبأِ الْعَظيمِ...»[1].

 

 


[1]  السيّد ابن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة، ج‏1، ص141.

 

163


134

الموعظة السابعة والعشرون: أمير المؤمنين (عليه السلام) في دعاء الافتتاح

إنّ قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): «يا عليّ، لا يعرفك إلّا الله وأنا»[1]، سيبقى التحدّي الأكبر في فهم أبعاد شخصيّة أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى يوم القيامة، وإِنّ كلَّ ما كتب وقيل، وتناوله الباحثون بالدراسات والأبحاث، لم ولن يكشف النقاب كاملاً عن هذه الشخصيّة التي حيّرت العالم، وسيبقى الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وحدهما اللّذان يعرفان هذه الشخصيّة، كما سيبقى الله وعليّ (عليه السلام) وحدهما يعرفان رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما سيبقى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليّ (عليه السلام) وحدهما يعرفان الله تبارك وتعالى.

 

وفي ما يأتي، سنقف فقط عند هذه الصفات التي وردت في دعاء الافتتاح، وإلّا فإنّ الحديث عن صفات أمير المؤمنين (عليه السلام) وألقابه، ومعانيها ودلالاتها يحتاج إلى أبحاث طويلة.

 

1. اللّهمّ صلِّ على عليٍّ أمير المؤمنين: وهذه الصفة تستلزم كونه (عليه السلام) أرفع مقاماً من بقيّة المؤمنين، فعن بُريدة الأسلميّ قال: أمَرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن نُسلِّم على عليّ (عليه السلام) بإمرة المؤمنين ونحن سبعة، وأنا أصغر القوم يومئذٍ[2].

 

2. وصيّ رسول ربّ العالمين: أي القائم بأعباء الرسالة بعده، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ لكلّ نبيٍّ وصيّاً ووارثاً، وإنّ عليّاً وصيّي ووارثي»[3].

 

 


[1]  الشيخ محمّد تقيّ المجلسيّ، روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه (ط - القديمة)، ج‏13، ص273.

[2]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص138.

[3]  المصدر نفسه، ج1، ص137.

 

164


135

الموعظة السابعة والعشرون: أمير المؤمنين (عليه السلام) في دعاء الافتتاح

وعنه (صلى الله عليه وآله) -مشيراً إلى عليّ (عليه السلام)-: «إنّ هذا أخي ووصيِّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا»[1].

 

3. عبدك: وقد تضمّنت الكتب الكثير من الآثار التي تُحدّثنا عن عبادة عليّ (عليه السلام)، وأنّه أعبد الناس صلاةً وصياماً وقياماً وخدمةً للفقراء وإعالةً للأيتام، وغير ذلك ممّا لا يسع المقام لذكره.

 

4. ووليّك: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «... يا بُريدة، ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟»، فقلت: بلى، يا رسول الله، فقال: «مَن كنت مولاه فعليّ مولاه»[2].

 

وقال (صلى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام): «أنتَ منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي»[3].

 

5. وأخي رسولك: عن أَنَس قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول لعليّ: «أنت أخي في الدنيا والآخرة»[4].

 

6. وحجّتك على خلقك: عن أَنَس قال: كنت جالساً مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) إذ أقبل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): «يا أنس، أنا وهذا حجّة الله على خلقه»[5].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «أتاني جبرائيل، فقال: يا محمّد، إنّ ربّك يقول لك: إنَّ عليَّ بن أبي طالب وصيُّك، وخليفتك على أهلك وأُمّتك»[6].

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج 1، ص 137.

[2]  المصدر نفسه، ج1، ص138.

[3]  المصدر نفسه، ج1، ص140.

[4]  المصدر نفسه.

[5]  ابن شهرآشوب، مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام)، ج‏3، ص97.

[6]  الشيخ المفيد، الأمالي، ص168.

 

165


136

الموعظة السابعة والعشرون: أمير المؤمنين (عليه السلام) في دعاء الافتتاح

7. وآيتك الكبرى والنبأ العظيم: عن الإمام الرضا (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ ١ عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِيمِ ٢ ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ مُخۡتَلِفُونَ﴾[1]، قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ما لله نبأ أعظم منّي، وما لله آية أكبر منّي، وقد عُرض فضلي على الأُمم الماضية على اختلاف ألسنتها، فلم تقرّ بفضلي»[2].

عن أبان بن تغلب قال: سألت الإمام الباقر (عليه السلام) عن هذه الآية: ﴿عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ ١ عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِيمِ﴾، فقال: «هو عليّ (عليه السلام)؛ لأَنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليس فيه خلاف»[3].

عن أبي حمزة الثماليّ، عن الإمام الباقر (عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: ﴿عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ﴾، قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول لأصحابه: أنا -والله- النبأ العظيم الذي اختلف في جميع الأُمم بألسنتها، والله ما لله نبأ أعظم منّي، ولا لله آية أعظم منّي»[4].

 

 


[1]  سورة النبأ، الآيات 1-3.

[2]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج36، ص1.

[3]  المصدر نفسه، ج36، ص2.

[4]  المصدر نفسه، ج36، ص4.

 

166


137

الموعظة الثامنة والعشرون: السيّدة الزهراء (عليها السلام)

الموعظة الثامنة والعشرون: السيّدة الزهراء (عليها السلام)

 

محاور الموعظة:

خصائص السيّدة الزهراء (عليها السلام) وميزاتها

 

هدف الموعظة:

التعريف بمكانة السيّدة الزهراء (عليها السلام)، من خلال تبيان بعض الخصائص التي اختصّت بها سيّدة نساء العالمين (عليها السلام) عن سواها.

 

تصدير الموعظة:

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «فاطِمَة بَضْعَةٌ مِنّي، وَهِيَ قَلْبِيْ، وَهِيَ روُحِيَ التي بَيْنَ جَنْبَيّ»[1].

 

 


[1]  الشيخ الصدوق، الأمالي، ص175.

 

167


138

الموعظة الثامنة والعشرون: السيّدة الزهراء (عليها السلام)

لعلّ من أبرز المظاهر الإعجازيّة في شخصيّة السيّدة الزهراء (عليها السلام) اشتمالها على الكثير من الخصائص والميزات التي لم تتوفّر في أيّ إنسانٍ آخر، على صغر سنّها، وارتحالها عن الحياة الدنيا وهي لم تبلغ العشرين من عمرها، نذكر منها:

1. يغضب الله لغضبها: قول رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام): «إِنّ اللّهَ يَغْضِبُ لِغَضَبَكِ»[1].

 

2. سرور الرسول (صلى الله عليه وآله) وألمه في سرورها وألمها: عنه (صلى الله عليه وآله): «فاطِمَة بَضْعَةٌ مِنّي، يُؤْلِمُنِي ما يُؤلِمُها، وَيَسَرُّنِي ما يَسُرُّها»[2].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «فاطِمَة بَضْعَةُ مِنّي، فَمَنْ أَغْضَبَها أَغْضَبَنِي»[3].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «فاطِمَة بَضْعَةٌ مِنّي، يُؤْذيِني ما آذاها، وَيَنَصُبَني ما أنَصَبَها»[4].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «فاطِمَة بَضْعَةٌ مِنّي، مَنْ آْذاهَا فَقَدْ آذانِي»[5].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «فاطِمَة مضْغَةٌ مِنّي، يَقْبِضُني ما قَبَضَها، وَيَبْسُطُني ما بَسَطَها»[6].

 

3. علاقتها برسول الله (صلى الله عليه وآله): عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) قوله لفاطمة (عليها السلام): «أَنْتِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتي لُحُوقاً بِي»[7]. وهذا كاشف عن مدى العلاقة التي تربطها برسول الله (صلى الله عليه وآله)، ما جعل هذا الخبر منه يفرحها، وإلّا

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص150.

[2]  الشيخ عليّ الإربليّ، كشف الغمّة، ج1، ص373.

[3]  العلّامة الحلّيّ، إرشاد الأذهان، ج1، ص142.

[4]  العلّامة الأمينيّ، الغدير، ج7، ص232.

[5]  الشيخ الصدوق، الأمالي، ص165.

[6]  أحمد بن حنبل، مسند أحمد، ج4، ص323.

[7]  الشيخ الصدوق، الأمالي، ص692.

 

168


139

الموعظة الثامنة والعشرون: السيّدة الزهراء (عليها السلام)

فإنّ المنطق لا يقتضي أن يخبر أحدٌ ابنته أنّها أوّل الناس لحوقاً به، فيظهر الفرح عليها.

 

عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «فاطِمَة بَهْجَةُ قَلْبِي، وَابْناها ثَمْرَةُ فُؤادِي»[1].

 

4. سيّدة نساء العالمين: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ابنتي فاطمة سيّدة نساء العالمين»[2].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «أمّا ابنتي فاطمة، فهي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين»[3].

 

5. جلالها يوم القيامة: عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «إذا كانَ يَوْمُ القيامَةِ نادى مُنادٍ: يا أَهْلَ الجَمْعِ، غُضُّوا أَبْصارَكُمْ حَتّى تَمُرَّ فاطِمَة»[4].

 

6. رائحتها من الجنّة: عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «كُنْتُ إذا اشْتَقْتُ إِلى رائِحَةِ الجنَّةِ، شَمَمْتُ رَقَبَةَ فاطِمَة»[5].

 

7. زواجها بأمرٍ من الله: عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «يا عَلِيّ، إِنَّ اللّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُزَوِّجَكَ فاطِمَة»[6].

 

8. أولادها عصبة الرسول (صلى الله عليه وآله): عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «كُلُّ بَنِي أنثى عصبتهم لأبيهم، ما خلا وُلدَ فاطِمَة، فإنّي أنا عصبتهم»[7].

 

 


[1]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج23، ص110.

[2]  الشيخ الصدوق، الأمالي، ص78.

[3]  المصدر نفسه، ص575.

[4]  الشيخ عليّ الإربليّ، كشف الغمّة، ج2، ص78.

[5]  الشيخ الصدوق، الأمالي، ص546.

[6]  الفتّال النيسابوريّ، روضة الواعظين، ص147.

[7]  السيّد المرعشيّ، شرح إحقاق الحقّ، ج25، ص288.

 

169


140

الموعظة الثامنة والعشرون: السيّدة الزهراء (عليها السلام)

9. أحبّ الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله): عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «أَحَبُّ أَهْلِي إِليَّ، فاطِمَة»[1].

 

10. سيّدة نساء أهل الجنّة: عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «سيّدَةُ نِساءِ أَهْلِ الجَنَّةِ، فاطِمَة»[2].

 

11. أكمل النساء: عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «كَمُلَ مِنَ الرِّجال كَثِيرُ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النساءِ إِلّا أَرْبَع: مَرْيم وَآسِيَة وَخَديجة وَفاطِمة»[3].

 

12. أَوَّلُ مَنْ دَخَلَ الجَنَّةَ: عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «أَوَّلُ مَنْ دَخَلَ الجَنَّةَ، فاطِمَة»[4].

 

13. المهديّ(عجل الله تعالى فرجه) من نسلها: عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «المَهْدِيّ مِنْ عِتْرَتي مِنْ وُلدِ فاطِمَة»[5].

 

14. حرمة النار عليها وعلى ذريّتها ومَن أحبّهم: عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «إنّ اللّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَطمَ ابْنَتِي فاطِمَة ووُلدَها وَمَنْ أَحَبًّهُمْ مِنَ النّارِ؛ فَلِذلِكَ سُمّيَتْ فاطِمَة»[6].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله) لفاطمة (عليها السلام): «إِنّ اللّهَ غَيْرُ مُعَذِّبِكِ وَلا أَحَدٍ مِنْ وُلْدِكِ»[7].

 


[1]  الشيخ الأمينيّ، الغدير، ج3، ص24.

[2]  الشيخ الصدوق، الأمالي، ص178.

[3]  السيّد المرعشيّ، شرح إحقاق الحقّ، ج25، ص194.

[4]  القندوزيّ، ينابيع المودّة لذي القربى، ج2، ص322.

[5]  الشيخ الطوسيّ، الغيبة، ص186.

[6]  السيّد المرعشيّ، شرح إحقاق الحقّ، ج10، ص21.

[7]  الشيخ الأمينيّ، الغدير، ج2، ص176.

 

170


141

الموعظة الثامنة والعشرون: السيّدة الزهراء (عليها السلام)

15. ميزتها عن النساء: عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): «فاطِمَة خُلِقَتْ حورِيَّةٌ فِي صورة إنسيّة»[1].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «فاطِمَة حَوْراءُ آدَميّةَ، لَم تَحضْ، وَلَمْ تَطْمِث»[2].

 

16. كفؤ عليّ (عليه السلام): عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لولا أنّ أمير المؤمنين تزوّجها، لما كان لها كفو على وجه الأرض إلى يوم القيامة، آدم فمَن دونه»[3].

 


[1]  السيّد المرعشيّ، شرح إحقاق الحقّ، ج10، ص312.

[2]  المصدر نفسه، ج10، ص16.

[3]  الشيخ الصدوق، الأمالي، ص592.

 

171


142

الموعظة التاسعة والعشرون: حقّ الأئمّة (عليهم السلام)

الموعظة التاسعة والعشرون: حقّ الأئمّة (عليهم السلام)

 

محاور الموعظة:

علاقة المؤمن بأئمّته (عليهم السلام)

 

هدف الموعظة:

التعريف بطبيعة العلاقة التي ينبغي أن تربطنا بالأئمّة الأطهار (عليهم السلام)، وواجباتنا تُجاههم كأوصياء النبيّ (صلى الله عليه وآله) على الأمّة.

 

تصدير الموعظة:

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «حقٌّ على الإمام أن يحكم بما أنزل الله، وأن يؤدّي الأمانة، فإذا فعل، فحقٌّ على الناس أن يسمعوا له، وأن يطيعوا، وأن يجيبوا إذا دُعوا»[1].

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص124.

 

172


143

الموعظة التاسعة والعشرون: حقّ الأئمّة (عليهم السلام)

سُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿ثُمَّ أَوۡرَثۡنَا ٱلۡكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصۡطَفَيۡنَا مِنۡ عِبَادِنَاۖ فَمِنۡهُمۡ ظَالِم لِّنَفۡسِهِۦ وَمِنۡهُم مُّقۡتَصِد وَمِنۡهُمۡ سَابِقُۢ بِٱلۡخَيۡرَٰتِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَضۡلُ ٱلۡكَبِيرُ﴾[1]، فقال (عليه السلام): «الظالم لنفسه منّا مَن لا يعرف حقّ الإمام، والمقتصد العارف بحقّ الإمام، والسابق بالخيرات بإذن الله هو الإمام»[2].

 

وإليكم بعض العناوين التي تساهم في تعزيز علاقة المؤمن بأئمّة أهل البيت (عليهم السلام):

1. فضلهم (عليهم السلام): جاء في الروايات أنّ الإمامة تمام الدين، وأُسّ الإسلام، وأصل كلّ خير، وهي نظام الأمّة، وسبيل الله، والنور الذي تقتدي به الأمّة.

 

ومن فضلهم معرفةُ دورهم الرياديّ في حفظ الرسالة، وتلقّيهم مختلف أنواع المعاناة في سبيل صيانتها وإيصالها إلى الأجيال كلّها، وفي الأمكنة والأزمنة كلّها.

 

2. معرفتهم (عليهم السلام): عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة»[3]. وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّما يعرف الله عزّ وجلّ ويعبده مَن عرف الله، وعرف إمامه منّا أهل البيت»[4].

 

 


[1]  سورة فاطر، الآية 32.

[2]  الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص105.

[3]  الشيخ الأمينيّ، الغدير، ج10، ص16.

[4]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج1، ص187.

 

173


144

الموعظة التاسعة والعشرون: حقّ الأئمّة (عليهم السلام)

5. أداء حقّهم (عليهم السلام) الواجب في المال: وقد أشار الله تعالى إليه، بقوله: ﴿وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ﴾[1].

 

وعن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أصلحك الله! ما أيسر ما يدخل به العبد النار؟ قال: «مَن أكل مال اليتيم درهماً، ونحن اليتيم»[2]. ونفهم من هذا الحديث، أنّ أيّ تفريط أو تضييع أو تصرّف فيه شيء من التهاون وعدم مراعاة الضوابط الشرعيّة في أكل مالهم (عليهم السلام) من شأنه أن يُدخل الإنسان النار.

 

6. نشر فضائلهم (عليهم السلام): وهو مقام سامٍ، لا يَرقى إليه أحد في الخلق، لعلوّ درجتهم عمّا تدركه عقول الناس، أو تحيطه قلوبهم. ونشر فضائلهم كافٍ لاقتداء الناس بهم، بل لعلَّ التشويه والتضليل اللّذين مورسا في حقّهم، قد صرفا عقول الناس وقلوبهم؛ لذلك فإنّ من أوجب الواجبات هو تعريف الناس بمنازل أهل البيت (عليهم السلام)، وكراماتهم، وسَعة علومهم، وقراءة تجاربهم على مختلف الأصعدة، وتقديمهم للناس بصورتهم الحقيقيّة، التي تسكن إليها قلوب الناس في الأرض كافّة.

 

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أحيوا أمرنا، رحم الله مَن أحيا أمرنا»[3].

 

7. زيارة مشاهدهم (عليهم السلام): ولا تخفى الزيارات المختلفة التي تتضمّنها كتب الأدعية والزيارات، والتي منها ما هو خاصّ بإمام

 


[1]  سورة الأنفال، الآية 41.

[2]  المحقّق البحرانيّ، الحدائق الناضرة، ج12، ص425.

[3]  الحرّ العامليّ، هداية الأمّة إلى أحكام الأئمّة (عليهم السلام)، ج5، ص137.

 

175


145

الموعظة التاسعة والعشرون: حقّ الأئمّة (عليهم السلام)

دون آخر، وما يُخاطب الأئمّة (عليهم السلام) كافّة، كما منها ما يُقرأ في المناسبات وأيّام محدّدة، وسوى ذلك من زيارات كثيرة، فعن الوشّاء: سمعت الإمام الرضا (عليه السلام) يقول: «إنَّ لكلِّ إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإنَّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم، فمَن زارهم رغبةً في زيارتهم، وتصديقاً بما رغبوا فيه، كان أئمّتُهم شفعاءَهم يوم القيامة»[1].

 

وعن زيد الشحَّام قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما لمَن زار واحداً منكم؟ قال (عليه السلام): «كمن زار رسول الله (صلى الله عليه وآله)»[2].

 

وذكر الشيخ المفيد: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام) من عترته خاصّة، لا يخفى عليهم بعد الوفاة أحوال شيعتهم في دار الدنيا، بإعلام الله تعالى لهم بذلك حالاً بعد حال، ويسمعون كلام المناجي لهم في مشاهدهم المكرّمة العظام، بلطيفةٍ من لطائف الله تعالى، وتبلغهم المناجاة عن بُعد كما ورد في الرواية، وهذا مذهب فقهاء الإماميّة كافّة[3].

 

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص567.

[2]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج14، ص572.

[3]  الشيخ المفيد، أوائل المقالات، ص73.

 

176


146

الموعظة الثلاثون: انتظار الفرج مفهومه وحقيقته

الموعظة الثلاثون: انتظار الفرج مفهومه وحقيقته

 

محاور الموعظة:

عقيدتنا بالمهديّ والمهدويّة وانتظار الفرج
فلسفة الاستفادة من الإمام المهديّ(عجل الله تعالى فرجه) في غيبته
مفهوم انتظار الفرج ومنزلة المنتظرين
واجبات الانتظار وأسسه

 

هدف الموعظة:

بيان واجبات المؤمن تجاه الإمام المهديّ(عجل الله تعالى فرجه) في زمن الغيبة وكيفيّة الانتظار.

 

تصدير الموعظة:

عن جابر عن عبد الله الأنصاريّ أنّه سأل النبيّ(صلى الله عليه وآله): هل ينتفع الشيعة بالقائم (عليه السلام) في غيبته؟ فقال (صلى الله عليه وآله): «إي والذي بعثني بالنبوّة، إنّهم لَينتفعون به، ويستضيئون بنور ولايته في غيبته، كانتفاع الناس بالشمس، وإن جلّلها السحاب»[1].

 


[1]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج36، ص250.

 

177


147

الموعظة الثلاثون: انتظار الفرج مفهومه وحقيقته

وجود الإمام أمان لأهل الأرض

الإمام المهديّ(عجل الله تعالى فرجه) الذي شبّهه رسول الله(صلى الله عليه وآله) بالشمس من وراء السحاب، هو الذي بوجوده يتنعّم البشر، وتنتظم حياتهم، وتنفجر منه الخيرات والبركات والألطاف الخفيّة والفيوضات المعنويّة إلى الناس، وهو المهيمن على الكون -بإذن الله- ويملك الصلاحيات كافّة التي فوّضها الله إليه، وذلك كلّه من فضل الله تعالى على رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام)؛ ولهذا تتصّف تطابق أفعاله الحكمة والمصلحة، وقد أكَّدت الروايات على أنّهلو خَلَت الأرض طرفة عين أو يوماً واحداً بلا حجّة أو بلا إمام لساخت بأهلها.

 

عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت أتاهم ما يُوعَدون، وأهل بيتي أمان لأمّتي، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض»[1].

 

مفهوم الانتظار وحقيقته

الانتظار يعني الاستعداد التامّ والشامل للأفراد والمجتمع والأمّة، ومن مختلف الجوانب العقائديّة والروحيّة والعلميّة والعسكريّة والسياسيّة، وغيرها ممّا تحتاجه الدولة والأمّة؛ ولهذا نجد أنّ الروايات قد وصفت الانتظار بالعبادة، والمنتظرين بالمجاهدين والشهداء بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله).

 

عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج من الله عزَّ وجلَّ»[2].

 

 


[1]  المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج12، ص102.

[2]  الشيخ الصدوق، كمال الدين، ص645.

 

178


148

الموعظة الثلاثون: انتظار الفرج مفهومه وحقيقته

منزلة المنتظرين

سأل رجل الإمام الصادق (عليه السلام): ماذا تقول فيمن مات وهو على ولاية الأئمّة بانتظار ظهور حكومة الحقّ؟ فقال (عليه السلام): «فكان كمن هو مع القائم في فسطاطه»، قال: ثمّ مكث هنيئة، ثمّ قال: «لا، بل كمن قاتل معه»، ثمّ قال: «لا، بل -والله- كمن استشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)»[1].

 

كيف نربّي أنفسنا على الانتظار؟

إنّ المنزلة الرفيعة والخاّصة للمنتظرين في الأخبار والروايات ترتبط بالوظيفة الملقاة على عاتقهم والتكاليف الواجبة عليهم تجاه الرسالة والمجتمع والأمّة لناحية التمهيد، وحفظ الدين، والدفاع عن الأعراض والأموال والكرامات والأوطان، أسس الدولة المهدويّة الموعودة والعادلة، وهذا ما يستلزم تربية النفس والمجتمع على عدّة أمور، طبعاً بعد التسليم بسلامة العقيدة، وقوّة الإرادة والإيمان، وثباتهما، في ساحتي النظر والعمل.

 

1. الصبر والتضحية عند البلاء

عن الإمام الصادق(عليه السلام): «الصبر من الإيمان، بمنزلة الرأس من الجسد؛ فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، كذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان»[2]، فالأخبار والروايات عدّت الصبر ركناً ركيناً من الإيمان؛ وذلك لصلته الوثيقة بالعقيدة والدين والسلوك وفق مقتضيات

 

 


[1] العلّامةالمجلسيّ، بحار الأنوار، ج27، ص127.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص87.

 

179


149

الموعظة الثلاثون: انتظار الفرج مفهومه وحقيقته

الشريعة في مختلف الظروف؛ ولهذا كان الصبرُ على النوازل والمكاره وشظف العيش، وفقدان الأعزّة والأحبّة والأملاك، وغيرها ممّا يصيب الناس ويتعرّض لها المؤمنون، ولا سيّما في فترات الحروب، مرتبطاً بالإيمان، ومستوى تحمّل الناس للآلام والبلاءات التي تقع عليهم، فلا تزلزل ولا ارتداد ولا قنوط، بل المزيد من الشعور بالحاجة إلى الله، والعناد في الحقّ، دفاعاً عن العقيدة والكرامة، قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَة قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ﴾[1].

 

فالمؤمن عند المصيبة والبلاء، لا يحزن ولا يهن ولا يضعف، بل يصبر، وينتصر، ويرضى بقضاء الله وقدره، ويزداد ثباتاً وإيماناً، قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ﴾[2].

 

وورد في السنّة أيضاً: «لو يعلم المؤمن ما له من الأجر على المصائب، لتمنّى أنّه قُرِض بالمقاريض»[3].

 

2. الاستعداد الشامل

إنّ انتظار مصلح عالميّ كالإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه) يتطلّب تربيةً تنسجم في مبادئها ومعاييرها مع هذه العالميّة والشموليّة؛ لأنّ أوّل وأكثر ما يحتاجه هذا التحوّل إلى بناء العناصر الإنسانيّة، وهي:

أ. قوّة الإيمان والعقيدة.

ب. المستوى الفكريّ والعلميّ الكبيرين.

 


[1]  سورة البقرة، الآية 156.

[2] سورة آل عمران، الآية 173.

[3]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص255.

 

180


150

الموعظة الثلاثون: انتظار الفرج مفهومه وحقيقته

ج. الاستعداد النفسيّ والروحيّ للتضحية.

 

د. الاستعداد الجهاديّ والعسكريّ والسياسيّ.

 

هـ. إصلاح المجتمع وبناؤه وتماسكه وتآلفه، وإحياء روح الجماعة في مختلف المجالات.

 

3. الطاعة والتسليم

عن الإمام عليّ(عليه السلام): «إنّ للقائم منّا غيبتين؛ إحداهما أطول من الأخرى، [...] فلا يثبت على إمامته إلّا من قوي يقينه، وصحَّت معرفته»[1] ويلازم الثبات على الإمامة الطاعة للإمام (عليه السلام) ولنائبه في عصر الغيبة الوليّ الفقيه الذي يتمتّع بصلاحيّة إدارة شؤون البلاد والعباد، وحفظ المصالح العليا للإسلام والمسلمين ورعايتها تمهيداً لقدومه الشريف، ولا بدّ لهذه الولاية والطاعة من الارتباط الفكريّ لناحية الاعتقاد، والعمليّ لناحية الممارسة الوثيقة بالوليّ.

 

 


[1]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج51، ص134.

 

181


151

الموعظة الحادية والثلاثون: الجماعة

الموعظة الحادية والثلاثون: الجماعة

 

محاور الموعظة:

خطر ترك الجماعة
الجماعة ليست بكثرة العدد
ثقافة العمل الجماعيّ

 

هدف الموعظة:

تربية الأُمّة على ثقافة الجماعة، وبيان أهمّيّتها وفوائدها، وإظهار مضارّ الفرقة ومفاسدها على الفرد والمجتمع.

 

تصدير الموعظة:

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أيّها الناس، عليكم بالجماعة، وإيّاكم والفرقة»[1].

 

 


[1]  المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج1، ص206.

 

187


152

الموعظة الحادية والثلاثون: الجماعة

أكّدت الشريعة السمحاء على ضرورة ملازمة الجماعة، لِمَا توفّره من حصانة للفرد من الضياع والانحراف عن جادّة الهدى. وإنّ قدرة الشيطان على اختراق الجماعة أصعب منها على اصطياد الأفراد، وهذا ما عناه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله: «يد الله مع الجماعة، فإذا اشتذّ الشاذّ منهم اختطفه الشيطان كما يختطف الذئب الشاة الشاذّة من الغنم»[1].

 

خطر ترك الجماعة

1. خروجه من الإسلام: إنّ ترك الجماعة تعني ترك كلّ ما يطلبه الدين ممّا له علاقة بالمجتمع والأمّة والشأن العامّ، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من فارق جماعة المسلمين قَيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه»[2].

 

2. العذاب: ويُراد به عذاب الدنيا والآخرة؛ لأنّه يبقى في الدنيا بلا حماية ورعاية، وفي الآخرة يحاسب حساب مَن ترك أهمّ الواجبات، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الجماعة رحمة، والفرقة عذاب»[3].

 

3. تفكّك المجتمع: إنّ ترك الجماعة يجعل المجتمع عبارة عن أفراد لا يجمعهم أيّ رابط أو هدف أو مشروع، فيسهل على الشيطان النيل منهم، فقد ورد في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «... والشيطان مع مَن خالف الجماعة يركض»[4]؛ أي يعمل بسرعة وراحة.

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص406.

[2]  الشيخ المنتظريّ، دراسات في ولاية الفقيه، ج1، ص184.

[3]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص406.

[4]  المصدر نفسه.

 

188


153

الموعظة الحادية والثلاثون: الجماعة

الجماعة ليست بكثرة العدد

المراد بالجماعة ملازمة أهل الإيمان والصلاح والهدى، ومشاركتهم أعمالهم وهمومهم، وتفعيل حركتهم، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «سُئل رسول الله (صلى الله عليه وآله): عن جماعة أُمّته، فقال: جماعة أُمّتي أهل الحقّ وإنْ قلّوا»[1].

 

وفي رواية أخرى سُئل عن جماعة أُمّته، فقال (صلى الله عليه وآله): «من كان على الحقّ، وإن كانوا عشرة»[2].

 

مظاهر الجماعة

- إقامة صلاة الجماعة في المساجد والمراكز الدينيّة.

 

- المشاركة في الأدعية وإحياء المناسبات الدينيّة والعامّة.

 

- المشاركة في النشاطات العامّة، كالاحتفالات واللّقاءات العامّة والمسيرات التي تعني قضايا الناس كافّة.

 

- مشاورة أهل الإيمان في ما يطرأ على حياة الإنسان من مواقف وشبهات.

 

ثقافة العمل الجماعيّ

كما أنّ العمل الفرديّ له طريقته وأسلوبه، كذلك العمل الجماعيّ له خصائصه وممّيزاته التي ينبغي للفرد المسلم أن يتعلّمها ويتقنها، حتّى لا يقع في المحذور، فالخطأ في العمل الجماعيّ أشدّ ضرراً. وعليه، من المفيد التنبّه إلى الملاحظات الآتية:

 

 


[1]  الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص154.

[2]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص406.

 

189


154

الموعظة الحادية والثلاثون: الجماعة

1. العمل الجماعيّ ليس ملكاً لشخص، بل ملك الجميع، كما يُستوحى من قوله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُول قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ ٱلرُّسُلُۚ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡۚ﴾[1].

 

2. تضعيف العمل الجماعيّ، تضعيفٌ للأفراد كافّة.

 

3. عدم جواز إفشاء أسرار العمل الجماعيّ، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أنجح الأمور ما أحاط به الكتمان»[2].

 

4. ضرورة التكامل والتماسك، وعدم السماح بالخلل أو زعزعة الصفّ الجماعيّ، قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰن مَّرۡصُوص﴾[3].

 

وفي الحديث الشريف: «مَثَل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسّهر والحمّى»[4].

 

5. عدم التنازع، قال تعالى: ﴿وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ﴾[5].

 


[1]  سورة آل عمران، الآية 144.

[2]  الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص123.

[3]  سورة الصف، الآية 4.

[4]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2837.

[5]  سورة الأنفال، الآية 46.

 

190


155

الموعظة الثانية والثلاثون: التكافل الاجتماعيّ في الإسلام

الموعظة الثانية والثلاثون: التكافل الاجتماعيّ في الإسلام

 

محاور الموعظة:

دائرة التكافل الاجتماعيّ
الحثّ على التكافل الاجتماعيّ
التكافل الاجتماعيّ في الآيات والروايات

 

هدف الموعظة:

تعرّف أهمّيّة مفهوم التكافل الاجتماعيّ في الإسلام.

 

تصدير الموعظة:

﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ﴾[1].

 

 


[1]  سورة المائدة، الآية 2.

 

191


156

الموعظة الثانية والثلاثون: التكافل الاجتماعيّ في الإسلام

اهتمّ الإسلام ببناء المجتمع المتكامل، ليكون مجتمعاً قويّاً منيعاً قادراً على مواجهة التحدّيات كافّة. وحشد في سبيل ذلك جملةً من النصوص والأحكام، لإخراج المجتمع بنياناً مرصوصاً وسدّاً منيعاً في وجه شتّى أنواع المؤامرات.

 

التكافل الاجتماعيّ في الإسلام ليس مقصوراً على النفع المادّيّ، بل يتجاوزه إلى جميع حاجات المجتمع أفراداً وجماعات، مادّيّةً كانت أو معنويّةً أو فكريّةً، وبذلك تتضمّن جميع الحقوق الأساسيّة للأفراد والجماعات داخل الأُمّة.

 

كما أنّ التكافل في بُعده الروحيّ أرقى من التعاون والتكاتف والمؤازرة والمساعدة التي قد ينتظر المرء من الآخر وقوفه إلى جانبه في المقابل، بل هو عون ينطلق من بُعدٍ روحيّ لا ينشد سوى الرحمة الإلهيّة، ومن صفاء نفسيّ لا يتوسّم سوى القرب من الله.

 

تعريف التكافل الاجتماعيّ

يُقصد بالتكافل الاجتماعيّ أن يكون أفراد المجتمع مشاركين في المحافظة على المصالح العامّة والخاصّة، ودفع المفاسد والأضرار المادّيّة والمعنويّة، فيشعر كلّ فرد فيه أنّه عليه واجبات للآخرين، كما له من الحقوق، وخاصّة الذين ليس باستطاعتهم أن يُحقّقوا حاجاتهم الخاصّة، وذلك بإيصال المنافع إليهم، ودفع الأضرار عنهم.

 

دائرة التكافل الاجتماعيّ

إنّ مفهوم التكافل الاجتماعيّ في الإسلام يرتبط بالجانب الإنسانيّ، ويتحرّك من خلال كرامة الإنسان، ﴿وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ وَحَمَلۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ

 

192


157

الموعظة الثانية والثلاثون: التكافل الاجتماعيّ في الإسلام

وَٱلۡبَحۡرِ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِير مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِيلا﴾[1]، فهو لا يختصّ بالمسلمين المنتمين إلى الأُمّة المسلمة فقط، بل يشمل كلّ بني الإنسان على اختلاف ملَلهم واعتقاداتهم، كما قال تعالى: ﴿لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ﴾[2].

 

الحثّ على التكافل الاجتماعيّ

المجتمع كيان يتفاعل بعضه مع بعض، فالمجتمع الذي يسوده التكافل والتعاون، ويمدّ أفراده يد العون والمساعدة للمحتاجين منه، ستسوده المحبّة، ويعمّه الوئام، وتشتدّ فيه أواصر الأخوّة الإسلاميّة، بينما المجتمع الذي لا يعيش هذه القيمة الرائعة التي منَّ الإسلام علينا بها، سينشأ فيه أفراد عاجزون، يلفّهم الفقر والجهل والمرض، ممّا يفتح أبواب الفساد والرذيلة على مصراعيها، وهذا من شأنه أن ينعكس على المجتمع بأسره، ويضرّ بالجميع.

 

التكافل الاجتماعيّ في الآيات

قال تعالى: ﴿يَسۡ‍َٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَۖ قُلۡ مَآ أَنفَقۡتُم مِّنۡ خَيۡر فَلِلۡوَٰلِدَيۡنِ وَٱلۡأَقۡرَبِينَ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡر فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيم﴾[3].

 


[1]  سورة الإسراء، الآية 70.

[2]  سورة الممتحنة، الآية 8.

[3]  سورة البقرة، الآية 215.

 

193


158

الموعظة الثانية والثلاثون: التكافل الاجتماعيّ في الإسلام

قال تعالى: ﴿لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُوفُونَ بِعَهۡدِهِمۡ إِذَا عَٰهَدُواْۖ وَٱلصَّٰبِرِينَ فِي ٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَحِينَ ٱلۡبَأۡسِۗ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ﴾[1].

 

قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ﴾[2].

 

قال تعالى: ﴿وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ سَيَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم﴾[3].

 

قال تعالى: ﴿وَءَاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرۡ تَبۡذِيرًا﴾[4].

 

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَة فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ﴾[5].

 

التكافل الاجتماعيّ في الروايات

عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَثَلُ المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مَثَلُ الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسّهر والحمّى»[6].

 

 


[1]  سورة البقرة، الآية 177.

[2]  سورة المائدة، الآية 2.

[3]  سورة التوبة، الآية 71.

[4]  سورة الإسراء، الآية 26.

[5]  سورة الحجرات، الآية 10.

[6]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2837.

 

194


159

الموعظة الثانية والثلاثون: التكافل الاجتماعيّ في الإسلام

وعنه (صلى الله عليه وآله): «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يُسلِمُهُ. مَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة، فرَّج الله عنه بها كربة من كُرب يوم القيامة، ومن ستَرَ مسلماً سَتَره الله يوم القيامة»[1].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «من نفَّس عن مسلم كربةً من كُرَب الدنيا نَفَّسَ الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستَرَ على مسلم ستَرَ الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه»[2].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «وما مِن أهل قرية يبيت فيهم جائع، ينظر الله إليهم يوم القيامة»[3].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «المؤمن للمؤمن كالبُنيان يشدّ بعضه بعضاً (ثمّ شبك بين أصابعه)»[4].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكفّ عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه»[5].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «ما آمن بي من بات شبعانَ وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به»[6].

 

 


[1]  المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج1، ص150.

[2]  المصدر نفسه، ج15، ص849.

[3]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج12، ص130.

[4]  المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج1، ص141.

[5]  المصدر نفسه.

[6]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج17، ص209.

 

195


160

الموعظة الثالثة والثلاثون: موارد التكافل الاجتماعيّ في الإسلام

الموعظة الثالثة والثلاثون: موارد التكافل الاجتماعيّ في الإسلام

 

محاور الموعظة:

كفالة الصّغار وكبار السنّ
رعاية اللّقيط
رعاية أصحاب العاهات
رعاية الشواذّ والمنحرفين
رعاية المنكوبين والمكروبين

 

هدف الموعظة:

بيان الموارد التي يجب على الأغنياء والميسورين مدّ يد العون والمساعدة لها.

 

تصدير الموعظة:

﴿وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ﴾[1].

 

 


[1]  سورة الأنفال، الآية 41.

 

196


161

الموعظة الثالثة والثلاثون: موارد التكافل الاجتماعيّ في الإسلام

الموعظة الثالثة والثلاثون: موارد التكافل الاجتماعيّ في الإسلام

 

محاور الموعظة:

كفالة الصّغار وكبار السنّ
رعاية اللّقيط
رعاية أصحاب العاهات
رعاية الشواذّ والمنحرفين
رعاية المنكوبين والمكروبين

 

هدف الموعظة:

بيان الموارد التي يجب على الأغنياء والميسورين مدّ يد العون والمساعدة لها.

 

تصدير الموعظة:

﴿وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ﴾[1].

 

 


[1]  سورة الأنفال، الآية 41.

 

196


162

الموعظة الثالثة والثلاثون: موارد التكافل الاجتماعيّ في الإسلام

الموعظة الثالثة والثلاثون: موارد التكافل الاجتماعيّ في الإسلام

 

 

محاور الموعظة:

كفالة الصّغار وكبار السنّ
رعاية اللّقيط
رعاية أصحاب العاهات
رعاية الشواذّ والمنحرفين
رعاية المنكوبين والمكروبين

 

 

هدف الموعظة:

بيان الموارد التي يجب على الأغنياء والميسورين مدّ يد العون والمساعدة لها.

 

 

تصدير الموعظة:

﴿وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ﴾[1].

 

 


[1]  سورة الأنفال، الآية 41.

 

196


163

الموعظة الثالثة والثلاثون: موارد التكافل الاجتماعيّ في الإسلام

الموعظة الثالثة والثلاثون: موارد التكافل الاجتماعيّ في الإسلام

 

 

محاور الموعظة:

كفالة الصّغار وكبار السنّ
رعاية اللّقيط
رعاية أصحاب العاهات
رعاية الشواذّ والمنحرفين
رعاية المنكوبين والمكروبين

 

 

هدف الموعظة:

بيان الموارد التي يجب على الأغنياء والميسورين مدّ يد العون والمساعدة لها.

 

 

تصدير الموعظة:

﴿وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡء فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ﴾[1].

 

 


[1]  سورة الأنفال، الآية 41.

 

196


163

الموعظة الثالثة والثلاثون: موارد التكافل الاجتماعيّ في الإسلام

إنّ وجود المال الوفير واليسر عند بعضهم، مثله كمثل بقيّة النِعم والألطاف التي منَّ الله بها على عباده، ليمتحنهم ويختبرهم بها. فالمال الذي نملكه إنّما يسّره الله بين أيدينا، وجعلنا مستخلفين عليه، ليرى طاعاتنا له به.

 

ومن خلال النصوص من الكتاب والسنَّة، يمكن الوقوف على أهمّ الفئات التي دعا الإسلام إلى شمولها في دائرة التكافل الاجتماعيّ:

كفالة الصّغار وكبار السنّ

للإسلام عناية خاصّة بكبار السنّ، فعدّهم مستحقّين للرعاية المُثلى مقابل التضحيات التي بذلوها في تربية الأجيال الصالحة. والعناية بهم أُنيطت في الإسلام بالأبناء أوّلاً، قال تعالى: ﴿وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حُسۡناۖ﴾[1]. فمسؤوليّة الأبناء عن برّ الأباء ورعايتهم مسؤوليّة إلزاميّة، سواء أكانا مؤمنَين أم فاسقَين، وسواء أكانا على دينه أم على غير دينه. والرعاية لكبار السنّ لا تقف عند الجانب المادّيّ، بل يدخل فيها الجانب النفسيّ والعاطفيّ، الذي هم أشدّ حاجة إليه، قال تعالى: ﴿إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفّ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلا كَرِيما ٢٣ وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرا﴾[2]. وكما اهتمّ الإسلام برعاية الأبناء لآبائهم، كذلك أَوْلى اهتماماً خاصّاً بالطفولة، وألزم الأباء برعاية الأبناء وتربيتهم حتّى بلوغ سنّ الرشد مع القدرة على استقلالهم بالمسؤوليّة.

 

 


[1]  سورة العنكبوت، الآية 8.

[2] سورة الإسراء، الآيتان 23 - 24.

 

197


164

الموعظة الثالثة والثلاثون: موارد التكافل الاجتماعيّ في الإسلام

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ليس منّا مَن لم يرحم صغيرنا، ويوقّر كبيرنا»[1].

 

كفالة الأيتام

قال تعالى: ﴿وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنا وَبِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ﴾[2]، ﴿وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ﴾[3]، ﴿أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ ١ فَذَٰلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلۡيَتِيمَ ٢ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ﴾[4].

 

ومن مظاهر العناية التي أَوْلاها الإسلام للأيتام، حفظ أموالهم، والسعي في تنميتها، والابتعاد عن كلّ تصرّف ضارّ بها، قال تعالى:

- ﴿وَلَا تَقۡرَبُواْ مَالَ ٱلۡيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ أَشُدَّهُۥۚ﴾[5].

- ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَاراۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرا﴾[6].

- ﴿وَءَاتُواْ ٱلۡيَتَٰمَىٰٓ أَمۡوَٰلَهُمۡۖ وَلَا تَتَبَدَّلُواْ ٱلۡخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِۖ وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَهُمۡ إِلَىٰٓ أَمۡوَٰلِكُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ حُوبا كَبِيرا﴾[7].

- ﴿إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۖ فَرِيضَة مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم﴾[8].

 

 


[1]  المتّقي، الهنديّ، كنز العمّال، ج3، ص164.

[2]  سورة النساء، الآية 36.

[3]  سورة البقرة، الآية 177.

[4] سورة الماعون، الآيات 1 - 3.

[5]  سورة الإسراء، الآية 34.

[6]  سورة النساء، الآية 10.

[7]  سورة النساء، الآية 2.

[8]  سورة التوبة، الآية 60.

 

198


165

الموعظة الثالثة والثلاثون: موارد التكافل الاجتماعيّ في الإسلام

- ﴿لَّيۡسَ ٱلۡبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمۡ قِبَلَ ٱلۡمَشۡرِقِ وَٱلۡمَغۡرِبِ وَلَٰكِنَّ ٱلۡبِرَّ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ وَٱلۡكِتَٰبِ وَٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ وَءَاتَى ٱلۡمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَٱلسَّآئِلِينَ وَفِي ٱلرِّقَابِ﴾[1].

 

- ﴿فَ‍َٔاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِۚ ذَٰلِكَ خَيۡر لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجۡهَ ٱللَّهِۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾[2].

 

رعاية اللّقيط

اللّقيط شرعاً هو المولود الذي لا يُعرف له أب ولا أمّ، والذي يُلقى من دون أن يعترف به أحد، فيجب أخذه والاهتمام به، قال تعالى: ﴿وَمَنۡ أَحۡيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحۡيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعاۚ﴾[3].

 

وقد راعى الإسلام نفسيّة اللّقيط، فأعطاه الحقوق الممنوحة للولد الشرعيّ دون تمييز أو تفريق بينهما، حيث لا تزر وازرة وزر أخرى. وبهذه المعاملة الحسنة يكون المجتمع قد أعدَّ مواطناً صالحاً، يقوم بواجباته، وينهض بأعبائه، فلا يشعر بنقص، ولا تتولّد عنده العقد النفسيّة.

 

رعاية أصحاب العاهات

قد يتعرّض الإنسان أثناء قيامه بدوره في إعمار هذا الكون لعاهة من العاهات، يفقد إثرها عضواً من أعضائه، أو حاسّة من حواسه، وربّما لظروف تتعلّق بالحمل والولادة، يُولَد بعاهة مستديمة؛ كفقد

 

 


[1]  سورة البقرة، الآية 177.

[2]  سورة الروم، الآية 38.

[3]  سورة المائدة، الآية 32.

 

199


166

الموعظة الثالثة والثلاثون: موارد التكافل الاجتماعيّ في الإسلام

البصر أو السمع، أو تشويه في بعض أعضائه تُقلّل من عطائه. ومن أهمّ فئات هذه العاهات، هم:

العميان، والصمّ، والبُكم، والمعتوهون، والعاجزون بسبب ضعف البنية، وذوو العيوب الكلاميّة، كالتعتعة. وهؤلاء يجب أن يكونوا محلّ العناية والاهتمام الكامل في نظر الدولة والمجتمع على السواء، لتوفير العيش الأفضل لهم، حتّى يشعروا بالرحمة والتعاون والعطف.

 

أمّا العناية بالعميان والصمّ والبكم، فيجب أن تتركّز بفتح مدارس ومعاهد خاصّة بهم، لتعليمهم، وتدريبهم على الحِرَف اليدويّة، وجعل جميع الوسائل الإيضاحيّة والسمعيّة والبصريّة واللّمسيّة تحت تصرّفهم، ليشعروا بشخصيّتهم وكيانهم.

 

وأمّا العناية بالمعتوهين، وضعاف البنية، وذوي العيوب الكلاميّة، والصرعى، وأصحاب الأمراض المزمنة، فتتركّز في إزالة ضعفهم وعاهاتهم وعيوبهم بالعلاج الناجح، والغذاء الصالح، والوسائل الطبّيّة والصحّيّة اللّازمة، وتوفير الأجواء التربويّة المناسبة لهم.

 

رعاية الشواذّ والمنحرفين

والمراد مَن ينحرف من الأحداث والمراهقين إلى تناول المخدّرات، أو السرقة، أو القتل وارتكاب الجرائم. وهذا عيب اجتماعيّ خطير يجب معالجته. ويرجع الانحراف عند المراهقين والشباب إلى أسباب عدّة، أهمّها سوء التربية، وإهمال الوالدَين مراقبة أبنائهم، والصحبة السيّئة، ومشاهدة الأفلام الماجنة، ومعاملة الآباء القاسية لأبنائهم، وشدّة ظلمهم لهم، وإمساك النفقة عنهم، ومنها اليتم والجهل والفقر...

 

200

 


167

الموعظة الثالثة والثلاثون: موارد التكافل الاجتماعيّ في الإسلام

وعلاج الإسلام للشذوذ والانحراف، يعتمد على منع أسبابه، وإزالة العوامل التي تؤدّي إليه.

 

رعاية المنكوبين والمكروبين

حثَّت الشريعة الإسلاميّة على إغاثة المنكوب، والتفريج عن المكروب. والنصوص القرآنيّة في ذلك كثيرة، والأحاديث النبويّة عديدة.

 

وهذه الحالة تشمل المتضرّرين جرّاء الزلازل والبراكين والهزّات الأرضيّة، ومشرّدي الحروب وتفشّي الأوبئة، وما شابه.

 

201


168

الموعظة الرابعة والثلاثون: أهمّيّة مرحلة الشباب

الموعظة الرابعة والثلاثون: أهمّيّة مرحلة الشباب

 

محاور الموعظة:

اغتنام فرصة الشباب
سرّ الاهتمام بالشباب
الشباب أسرع إلى الخير
الرهان على الشباب في التغيير السياسيّ

 

هدف الموعظة:

بيان أهمّيّة هذه المرحلة مِن حياة الإنسان، وضرورة الاهتمام بها، عن طريق النُصوص المباركة.

 

تصدير الموعظة:

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «شيئان لا يَعرف فضلَهما إلّا مَن فقَدَهُما: الشباب والعافية»[1].

 

 


[1]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج77، ص200.

 

205


169

الموعظة الرابعة والثلاثون: أهمّيّة مرحلة الشباب

ورَدَ في وصيّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأبي ذرّ: «يا أبا ذرّ، اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصِحّتك قبل سُقمِك، وفراغك قبل شُغلك، وشبابك قبل هَرَمِك، وغِناك قبل فَقْرك»[1].

 

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «بادِر شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحّتك قبل سُقمك»[2].

 

سرّ الاهتمام بالشباب

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وإنّما قلبُ الحدثِ كالأرض الخالية، ما أُلقيَ فيها مِن شيءٍ قبِلَتْه»[3].

 

يُعَدُّ فراغُ الأوعية الفِكريّة للأحداث والشباب سرَّ اهتمامِ أهل البيت (عليهم السلام) بهم؛ لأنّ الأرضَ الخالية تستطيع أن تزرعَ فيها ما تشاء، بِخلاف الأرض التي زرَعَها الآخرون، والتي تحتاج جُهداً مضاعفاً، إذ عليك أن تقوم بِحراثتِها وتنظيفها ورَمْيِ ما زُرع فيها، ثمّ العملِ على زراعتِها مِن جديد. وَعلى سبيل المثال، عندما تُعلِّم شابّاً حُرمةَ شُربِ الخمر وضَرَرِه الشديد في حَداثته، فهو أهْوَن بِكثيرٍ مِن تعليمِ شارِبٍ للخَمر، وحثِّه على الإقلاع عن هذا الفِعل السيِّئ.

 

الشباب أسرع إلى الخير

سأل الإمام الصادق (عليه السلام) أبا جعفر الأحوَل -أحد تلامذته - الذي كانَ يعمل في تبليغ الرسالةِ وبيانِ مقامِ أهل البيت (عليهم السلام): «كيفَ

 

 

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص603.

[2]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج23، ص236.

[3]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص56.

 

207


170

الموعظة الرابعة والثلاثون: أهمّيّة مرحلة الشباب

رأيْت مُسارعة الناس إلى هذا الأمرِ ودخولهم فيه؟»، قال أبو جعفر: والله إنّهم لَقليل. فقال الإمام الصادق (عليه السلام): «عليك بالأحداث؛ فإنّهُم أسرعُ إلى كلّ خير»[1].

 

والرواية لا تتعرّض لِموضوع الدخول في أمرِ أهل البيت (عليهم السلام)، بلْ لِموضوع المُسارَعة في الدخول فيه، فهي تشير إلى أمريْن أساسيَّيْن:

الأوّل: أنّ عموم الناس لا يميلون إلى الخير بِسرعة، لِتعلُّقهم بِمصالحهم ورُكونهم إلى الدنيا.

 

والثاني: أنّه ينبغي الرِهان على الشبابِ في المُسارَعة، لأنّ قلوبهم لم تتعلّق بالدنيا وزَخارفِها بعد.

 

الرهان على الشباب في التغيير السياسيّ

يُحذّر الإمام الصادق (عليه السلام) مِن أنْ يكون الشباب بِطانةَ الزعماء وحواشيهم؛ لأنّهم بِذلك يكونون سَيْفاً بِيَدِ الظَلَمة في مواجهة أهلِ الصلاح، وهذا خلافُ التديُّن والتقوى والتقرُّب إلى الله تعالى، فيقول: «يا معشر الأحداث، اتّقوا الله، ولا تأتوا الرُؤَساء، ودَعوهم حتّى يَصيروا أذناباً»[2].

 

تُبيِّن هذه الرواية أنّ تَخلّي الشباب عَنهم -لا سِواهم مِن الشرائح الأخرى- يَجعلهم أذناباً لا قيمة حقيقيّة لوجودهم ولا قوّة ولا شأن؛ لأنّ الاستقواء بِشريحة الشباب تحديداً هو الذي يَمدُّهم بالقوّة والمِنعة، ويجعل مِنهم جِهةً مُهابة الجانب.

 

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج8، ص93.

[2]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج18، ص96.

 

208


171

الموعظة الرابعة والثلاثون: أهمّيّة مرحلة الشباب

من جهةٍ أخرى، يُبيّن الرسول (صلى الله عليه وآله) أهمّيّة تَحالُفِ الشباب معه في الدعوةِ إلى الله، عادّاً رِقّة قُلوبهم وصفاءَها وعدمَ تلوُّثِها بأدران الدنيا سِرَّ مَيْلِهم إلى هذه الدعوة، فعنهُ (صلى الله عليه وآله): «أوصيكم بالشبّان خيراً، فإنّهم أرقّ أفئدة، وإنّ الله بعثني بشيراً ونذيراً، فحالَفني الشبّانُ وخالفني الشيوخ»[1]، ثمّ قرأ: ﴿فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ﴾[2].

 

إنّ التجارب الميدانيّة، سواء أكانت في الميادين الدينيّة أو غيرها، تُؤكّد هذه الفكرة؛ فقد شهِدنا بعض التجارب العظيمة التي خاضَتْها شعوبنا الأبيّة في إيران ولبنان وفلسطين وغيرها من الدُوَل، والتي راهنَتْ على شبابِها في الوقوف في وجه المُؤامرات والتحدّيات الكبرى، فاستطاعت أن تُسقِط الأنظمة الخائنة، وأن تتّخذ لنفسها مكاناً بين الأُمم.

 

وَوَرَد في وصيَّة الإمام الخمينيّ { للشباب: «إنْ كُنتم تريدون أنْ تَقِفوا من دون خوف وهَلَعٍ أمام الباطل، وأنْ تُدافعوا عن الحقِّ، ولا تترك القوى الكبرى وأسلحتها المتطوّرة، والشياطين ومؤامراتهم، أثراً في أرواحكم، ولا تُخرِجكم مِن الميدان، عَوِّدوا أنفسكم على بساطة العيش، وامنَعوا تعلُّق القلب بالمال والمنال والجاه والمقام».

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، جواهر الحكمة للشباب، ص51.

[2]  سورة الحديد، الآية 16.

 

209


172

الموعظة الخامسة والثلاثون: الشباب يوم القيامة

الموعظة الخامسة والثلاثون: الشباب يوم القيامة

 

 

محاور الموعظة:

حداثة السنّ ومقام المرء
فضل الشابّ العابِد
مقام الشابّ العابد يوم القيامة

 

 

هدف الموعظة:

الحثّ على الاستقامة في فترة الشباب عن طريق تبيان عظيمِ أجْرِ الشباب المُلتزم يوم القيامة.

 

تصدير الموعظة:

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «كان في ما وَعَظَ به لقمان ابنَه: يا بُنيّ، واعلم أنّك ستُسأَل غداً إذا وقفْتَ بين يَدَي الله عزّ وجلّ عن أربعة: شبابك، فيمَ أبليْتَه؟ وعمرك، فيمَ أفنيْتَه؟ ومالك، مِمَّ اكتسبْتَه؟ وفيمَ أنفقْتَه؟»[1].

 

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص135.

 

210


173

الموعظة الخامسة والثلاثون: الشباب يوم القيامة

إنّ المُتأمِّل في هذا الحديث يرى أنّه قد خُصَّت مرحلة الشباب بالسؤال عنها يوم القيامة، مع أنّها واحدة من مراحل عمر الإنسان التي ورد في الحديث أنّه سيُسأل عنها، بل لعلَّها مِن أقصر هذه المراحل نسبةً إلى غيرها. وما ذلك إلّا لأهمّيّتها، ولما تُشكّله مِن قاعدةٍ صلبةٍ لِمَداميك المراحل الأخرى؛ فإنْ حَسُنَتْ ساهَمَتْ في إصلاح بَقيّة العمر، وإنْ فَسُدَتْ ساهمَتْ في إفسادها.

 

وجَعَلَها السؤالَ الأوّلَ قبلَ المال؛ لأنّ مرحلة الشباب هي المرحلة العمريّة التي تتكوّن فيها عند الإنسان أكثر قناعاته الفكريّة، والتي تُؤسِّس عَمَليّاً لأدائه في كلّ ما يرتبط بالمال، أيْ كيف جُمِع؟ وكيف أُنفِق؟

 

حداثة السنّ ومقام المرء

عن نبيّ الله أيّوب (عليه السلام): «إنّ الله يزرع الحكمة في قلبِ الصغير والكبير، فإذا جعل اللهُ العبدَ حكيماً في الصِبا، لم يضَعْ منزلتَه عند الحكماء حداثةَ سِنِّه، وهُم يَرَوْن عليه مِن نور الله وكرامته»[1].

 

يؤكّد هذا الحديث مقامَ الشابّ ومنزلتَه عند الحكماء والعقلاء، مِن غير أولئك الذين يستنكرون على الشابّ أن يكون متقدّماً عليهم في العبادة والتقوى والورع. فنقرأ في الرواية أنّ عموم الناس يرفضون الالتحاق بالإمام المهديّ(عجل الله تعالى فرجه) في آخر الزمان لِكَونه أكثر شباباً مِنهم.

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1401.

 

211


174

الموعظة الخامسة والثلاثون: الشباب يوم القيامة

فضل الشابّ العابِد

1. فضيلة القُدوة: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «فضلُ الشابّ العابدِ الذي تعبَّدَ في صِباه على الشيخ الذي تعبَّد بعدما كبرَتْ سِنُّه، كَفضْل المُرسَلين على سائر الناس»[1].

 

وفضلُ المرسَلين على بقيَة الناس يَظهرُ بالقدوة والأُسوة، وكذلك الشابّ الذي تفرّغ لعبادة الله، فيكون عملُهُ حُجّةً على الآخرين.

 

2. محبّة الله: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ الله يُحبُّ الشابّ الذي يفني شبابَه في طاعة الله»[2].

 

وأيّة عَظَمَةٍ بَعد هذه العَظَمة؟ بل أيّ مقامٍ بعد هذا المقام؟! أيْ أنْ يكونَ المرءُ مَحبوباً عند الله. فإنّ الإنسانَ إذا أَحبَّ وَلَدَه، أعطاهُ بلا حدود، وأغدقَ عليه العطاء بلا حِساب، وهذا لا يُمكن قِياسُه على الحُبِّ الإلهيّ الذي يفتحُ على العبد خزائنَ رحمةِ الله، ويستنزلُ الخيراتِ والبَرَكات مِن حيث يحتسب ولا يحتسب؛ فالله إذْ يُحِبّ الشابَّ المؤمن، فكأنّه باتَ تحت مِظلّتِه، والتعرُّض له بأدنى شيءٍ هو إساءةٌ لله، وتَجاوُزٌ لِحدودِ الذاتِ المُقدّسة.

 

وفي حديث آخر، لا يعدُّه محبوباً عند الله، بل أَحبَّ الخلائق إلى الله.

 

ويَخُصُّ النبيُّ (صلى الله عليه وآله) الشابَ التائبَ بِمحبّة الله: «ما مِن شيءٍ أَحبّ إلى الله مِن شابّ تائب، وما مِن شيءٍ أبغَض إلى الله تعالى مِن شيخٍ مُقيم على معاصيه»[3].

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج 2، ص 1401.

[2]  المصدر نفسه، ج2، ص1402.

[3]  المصدر نفسه، ج2، ص1401.

 

212


175

الموعظة الخامسة والثلاثون: الشباب يوم القيامة

وعنه (صلى الله عليه وآله): «إنّ الله يُحبُّ الشابّ التائب»[1].

 

وقد تكون علّة ذلك في أنّ الخطأ أمرٌ طبيعيّ مِن الشابّ، إلّا أنّ مبادرته إلى التوبة، وعدم رجوعه إلى الذنب، هي بِحَدِّ ذاتها مَنقبة كبيرة وفضيلةٌ سامية.

 

3. مباهاة الله به الملائكة: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):«إنّ أَحبَّ الخلائق إلى الله عزّ وجلّ شابٌّ حَدَث السنّ في صورةٍ حَسَنة، جَعَل شبابَه وجمالَه لله وفي طاعته، ذلك الذي يُباهي به الرحمن ملائكتَه، يقول: هذا عبدي حقّاً»[2].

 

فالملائكة عباد الله الذين لا يَعصونه ما أمَرَهم، وهُم بأمْرِه يعملون، وبحمده يُسبّحون، ويقدّسونه على الدوام. ومع ذلك، نرى أنّ الله تعالى يُباهي الملائكةَ بالشابّ العابد، عادّاً إيّاه مصداقاً أكمل لِحقيقة العبوديّة لله تعالى. وقد بيّن رسول الله (صلى الله عليه وآله) سِرَّ ذلك في كَونِه أعرضَ عن كلّ ما تزخرُ به نفسه من شهواتٍ ورغبات، ولَجَمَ شبابَه وجمالَه عن الخطيئة والمعصية، وفتحَ قلبَه لِطاعة الله، فشَغَلَه ذلك عمّا سواه.

 

مقام الشابّ العابد يوم القيامة

1. الأمن يوم القيامة: عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «سبعةٌ يُظِلُّهم الله في ظِلّه يوم لا ظلَّ إلا ظِلّه: الإمام العَدْل، وشابٌّ نشأَ في عبادة الله...»[3].

 

لا شكّ في أنّ المُراد بِـ «ظلّ الله» هنا هو الأمنُ وعدم الخوف

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج 2، ص 1401.

[2]  المصدر نفسه.

[3]  المصدر نفسه.

 

213


176

الموعظة الخامسة والثلاثون: الشباب يوم القيامة

والحزن في يومٍ لن ينفع المرءَ تمسُّكُه بشيءٍ، سوى أن يكون مشمولاً بهذه الرحمة الإلهيّة.

 

2. مضاعفة أجر الشباب: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما مِن شابّ يَدَعُ لله الدنيا ولهوَها، وأَهرمَ شبابَه في طاعة الله، إلّا أعطاه الله أجْرَ اثنَيْن وسبعين صِدّيقاً»[1].

 

وهذا الحديث يرفع الشابّ العازفَ عن لهو الدنيا إلى مقام الصِدّيقين. فما أكثر مراتعَ اللهو التي تستهدف شريحة الشباب اليوم، ولا سيّما في مجالات الترفيه والإعلان والإعلام والبرامج اللهويّة على الشاشات الكبيرة والصغيرة، وغير ذلك، لإلهائها عن مسؤوليّاتها الدينيّة وتكاليفها الاجتماعيّة، والتي يستبدلها الشبابُ المؤمن بالعبادة والتقرُّب إلى الله، طَمَعاً بِرحمة الله وجِوارِه وجوار أنبيائه والصِدّيقين والصالحين مِن عباده.

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج 2، ص 1401.

 

214


177

الموعظة السادسة والثلاثون: شبكات التواصل، إيجابيّات وسلبيّات

الموعظة السادسة والثلاثون: شبكات التواصل، إيجابيّات وسلبيّات

 

محاور الموعظة:

الاستخدام الإيجابيّ لشبكات التواصل الاجتماعيّ
الاستخدام السلبيّ لشبكات التواصل الاجتماعيّ

 

هدف الموعظة:

استعراض الجوانب السلبيّة والإيجابيّة لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعيّ.

 

تصدير الموعظة:

«لا تضيّعوا أوقاتكم عبثاً؛ فإنّ الكثير من شبابنا الجامعيّين وغيرهم يضيّعون أوقاتهم في شبكات التواصل الاجتماعيّ وأمثالها، أو في الحضور في الاجتماعات والجلسات العبثيّة التي يدور فيها بحث وجدل لا طائل منه»[1].

 

 


[1] من كلامٍ للإمام الخامنئيّ دام ظله في لقاء طلّاب الجامعات، بتاريخ 11/07/2015م.

 

217


178

الموعظة السادسة والثلاثون: شبكات التواصل، إيجابيّات وسلبيّات

لا يمكن النظر إلى تأثير مواقع التواصل الاجتماعيّ بوصفه إيجابيّاً أو سلبيّاً في المجمل، وإنّما كتأثير محايد. فطريقة استخدامنا هي التي تُحدّد هذا التأثير، سواء كان إيجابيّاً أو سلبيّاً، في علاقتنا بالمحيطين بنا. فهذه الوسائل مثلها كالكثير من المسائل المشتركة التي يمكن الاستفادة منها في الحلال إلى أبعد الدرجات، كما يمكن الانغماس بها في الحرام إلى أبعد دركاته. فالمسألة في المنفعل لا في الفعل، والعبرة بالمستخدِم لا بالمستخدَم، فكم من أناسٍ نقلتهم شبكات التواصل من الظلمات إلى النور، وكم من آخرين أرْدَتهم في الظلمات بعد أن كانوا من أهل الخير والصلاح!

الاستخدام الإيجابيّ لشبكات التواصل الاجتماعيّ

1. الاستخدامات الشخصيّة: أي سهولة التواصل الاجتماعيّ وإقامة العلاقات بين الأفراد والمؤسَّسات، حيث يمكن استخدام خدمات شبكات التواصل الاجتماعيّ للتواصل مع الأقارب، والأصدقاء، والطلّاب، والمدرّسين... ويمكنك من خلال هذه الشبكات الاتّصال هاتفيّاً أو إرسال رسائل نصّيّة أو صور أو فيديو مجّاناً. ويمكن من خلال الشبكات الاجتماعيّة الخاصّة تبادل المعلومات والملفّات الخاصّة، كما أنّها مجال رحب للتعارف والصداقة، وخلق جوّ مجتمعيّ يتميّز بوحدة الأفكار والرغبات غالباً، وإن اختلفت أعمارهم وأماكنهم ومستوياتهم العلميّة.

2. الاستخدامات الحكوميّة والتجاريّة: اتّجهت كثير من الدوائر الحكوميّة والشركات الكبرى إلى التواصل مع الجمهور من خلال

 

218


179

الموعظة السادسة والثلاثون: شبكات التواصل، إيجابيّات وسلبيّات

مواقع التواصل الاجتماعيّ، بهدف قياس الخدمات الحكوميّة والتجاريّة والتسويقيّة لديها وتطويرها، ومسايرة للتقنيّة الحديثة، بل أصبح التواصل التقنيّ مع الجمهور من نقاط تقييم الدوائر الحكوميّة وخدماتها المقدَّمة؛ فلذلك تسعى الدوائر الحكوميّة لمواكبة التكنولوجيا والتطوير من طرق تواصلها مع المواطنين، وبذلك تُقلّل من المصاريف والوقت والجهد وتُحسِّنُ سهولة وصول المستخدمين إلى خدماتها.

3. الاستخدامات التعليميّة: إنّ من ضروريّات الحياة اليوميّة استخدام التكنولوجيا الحديثة والمعاصرة ومواكبتها، حيث إنّ جيل الشباب اليوم أصبح ميّالاً لاستخدام العالم الافتراضيّ وشبكات التواصل الاجتماعيّة أكثر من نشاطه على أرض الواقع؛ فلذلك أصبح التعليم الإلكترونيّ ضروريّاً وليس اختياريّاً.

وجيل الشباب اليوم لا يحبّ التعليم التقليديّ، ولكن إذا دُمج التعليم وشبكات التواصل الاجتماعيّ معاً، فهذا قد يعطي نتائج أعلى بكثير، ويزيد من فرص مشاركة الطلّاب مع المعلّم...

4. الاستخدامات الإخباريّة: أصبحت شبكات التواصل الاجتماعيّ اليوم من المصادر الأولى، بل حتّى إنّها المصدر الأوّل للأخبار، وهي أخبار تتميّز بأنّها من مصدرها الأوّل وبصياغة ردّيّة حرّة غالباً. وهذه الوسائل تقوم بالتأثير في الرأي العامّ بشكل قويّ جدّاً، بحيث تحوّل الجميع إلى صحفيّين إنْ صحّ التعبير.

وقد تميّزت المدّونات الخاصّة باستقطاب الباحثين عن الأخبار، ومواقع الأخبار المتخصّصة، وقنوات إخباريّة كبيرة، في أحداث

 

219


180

الموعظة السادسة والثلاثون: شبكات التواصل، إيجابيّات وسلبيّات

مختلفة سابقة، وكان لأصحابها التأثير الكبير في نقل الأخبار الصحيحة للرأي العامّ.

 

5. مشاركة الأفكار الخاصّة: يمكن لجميع المستخدمين بدون النظر إلى انتماءاتهم أو ديانتهم أو لغاتهم أو جنسيّاتهم أو بلدانهم التواصل مع الجميع؛ وهذا يتيح إمكانيّة استخدام هذه الشبكات للدعوة إلى الإسلام مثلاً أو إلى النصرانيّة وغيرها أو إلى تأييد حزب معيّن أو دولة معيّنة وكذا...

 

الاستخدام السلبيّ لشبكات التواصل الاجتماعيّ

1. نشر أفكار هدّامة وتجمّعات مخالفة للقيم والقانون: فهذه الشبكات منبر مفتوح للناس كافّة بدون رقيب أو ضوابط، وليس ثمّة أيّ معايير للكلام أو الكتابة، ويمكن استهداف أيّ شريحة من الناس في عقائدهم وقناعاتهم، كما أنّه من الممكن الإساءة إلى مقدّسات الآخرين، كما حصل في موضوع الإساءة إلى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وعرض بعض البرامج والأفلام التي طالت الديانتَين الإسلاميّة والمسيحيّة، والترويج لمعتقدات وضعيّة ومنحرفة، تشوّه صورة الإنسان، وتحرفه عن جادّة الهدى.

 

2. عرض الموادّ الإباحيّة والصور الفاضحة: ولا يخفى العدد الهائل لهذه الشبكات التي تستهدف مختلف شرائح المجتمع على اختلاف العمر والجنس والحاجة، وما يستلزم ذلك من انحلال أخلاقيّ وتشويه للفطرة الإنسانيّة، وخدش لحياء المرأة وغيرة الرجل، والذي يترك آثاره في الأسرة والشباب والشابّات، والتسبّب 

 

220


181

الموعظة السادسة والثلاثون: شبكات التواصل، إيجابيّات وسلبيّات

في مشاكل عائليّة وزوجيّة قد تؤدّي إلى الطلاق، وتدمير الأسرة أو العزوف عن الزواج أو الدخول في المعاصي الفرديّة والعامّة.

3. التشهير ونشر الشائعات: فهذه الشبكات ساحة مفتوحة غير خاضعة للتدقيق أو التحقيق في الرواية الملقاة على صفحة جهاز الكمبيوتر، والتي يطّلع عليها ملايين البشر، وهي قابلة لاختلاق الأكاذيب وبثّ الافتراءات على غاربها، للحطّ من أيّ شخصيّة أو تناول أيّ جهة بعينها، ومضايقة الناس في بيوتهم.

4. التحايل والتزوير: إذ دخلت الكثير من البرامج التي تمكّن المرء من اللّعب بأصوات الآخرين وإدخال صوت مكان آخر وصورة إلى جانب أخرى أو بعض صورة إلى صورة إنسان آخر أو اقتطاع كلام وتوظيفه، أو اللّعب بأوراق الصحف وادّعاء نشرها لبعض الأخبار، وسوى ذلك من الألاعيب التي لا تُعدّ ولا تُحصى من أساليب التحايل وتزوير الحقائق وتوظيفها في سبيل أهداف رخيصة.

5. انتهاك الحقوق الخاصّة والعامّة: فلا سرّيّة لحقّ ولا حرمة لإنسان. وكيف يمكن للمرء أن يُحافظ على حقوقه الخاصّة والعامّة وهو يضعها أمام ملايين البشر وهو لا يدري الصالح منهم من الطالح، والمحسن من المسيء؟ ولا أقلّ في هذا المجال من الدخول على الملفّات الماليّة والشخصيّة والصحّيّة؛ إذ إنّه على صفحات الإنترنت لا حياة خاصّة لأحد ولا حقوق مصونة لأحد، وهذه المسألة تكفي لكي يبقى المرء في حالة من القلق والاضطراب، ما يؤثّر في سلوكه وأخلاقه ودوره في الحياة.

6. انتهاك الخصوصيّة: وهي من أبشع ما يحدث للمرء على شبكات

 

 

221

 


182

الموعظة السادسة والثلاثون: شبكات التواصل، إيجابيّات وسلبيّات

التواصل الاجتماعيّ، حيث الكثير من العلاقات المشبوهة والعلاقات المحرّمة والمكالمات غير الشرعيّة التي تقوم بين بعض الأطراف، والتي يمكن الاطّلاع عليها من الجهات الخاصّة بإدارة هذه الشبكات، والتي يمكن -عند الحاجة- توظيف هذه المعلومات وابتزاز أصحابها.

7. انتحال الشخصيّات: فيمكن للمرء أن ينتحل الشخصيّة التي يريد، واصفاً نفسه بأجمل الصفات، ويبني لنفسه كمّاً من الصداقات والمعارف والأحباب بناءً على شخصيّة وهميّة مفترضة. وقد أكّدت الدراسات أنّ هذا الإنسان قد يُصاب بالإحباط عندما يرى النجاح الكبير على شبكات الإنترنت ثمّ يُصدَم بالواقع المرير الذي يُعطيه حجمه الطبيعيّ، بل قد يؤدّي به ذلك إلى الانهيار، بل أكثر من ذلك، فإنّ انتحال الشخصيّة أدّى ببعضهم إلى الانتحار.

 

222


183

الموعظة السابعة والثلاثون: شبكات التواصل، الإرشادات الوقائيّة والعلاجيّة

الموعظة السابعة والثلاثون: شبكات التواصل، الإرشادات الوقائيّة والعلاجيّة

 

 

محاور الموعظة:

الإرشادات الوقائيّة
الإرشادات العلاجيّة

 

هدف الموعظة:

تعرّف بعض التعليمات التي تساعد الأهل ومستخدمي شبكات التّواصل في استخدام الإنترنت بطريقة إيجابيّة.

 

تصدير الموعظة:

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما أهدى المسلم لأخيه هديّة أفضل من كلمة حكمة، تزيده هدىً أو تردّه عن ردّة»[1].

 

 


[1]  الديلميّ، إرشاد القلوب، ج1، ص13.

 

223


184

الموعظة السابعة والثلاثون: شبكات التواصل، الإرشادات الوقائيّة والعلاجيّة

كما أنّ لشبكة الإنترنت إيجابيّات كثيرة جدّاً، فإنّ لها سلبيّات خطيرة جدّاً أيضاً. وعلاقة الشباب بالإنترنت لا تخلو من إيجابيّات، لكنّ سلبيّاتها عليهم أكثر.

 

إنّ هذه التأثيرات وغيرها تفرض علينا إعادة النظر في تربية الشباب وتأهيلهم للتعامل الإيجابيّ مع شبكة الإنترنت. إنّ الوقوف على حقيقة علاقة الشباب بالإنترنت، يفرض دراسة ميدانيّة اجتماعيّة لتحديد مكامن القوّة والضعف في مؤهّلات الشباب وقدرتهم على الاستفادة السليمة من الإنترنت، وإنّ الإجابة عن هذه الأسئلة الآتية التي وضعها بعض المهتمّين قد تساعدنا في معالجة الوضع: كيف يستعمل شبابنا الإنترنت؟ هل يستفيد من الإنترنت في التحصيل العلميّ والمعرفيّ؟ هل تطوَّر الأداء الدراسيّ سلباً أم إيجاباً بعد تعامله مع الإنترنت؟ هل تقوم الأُسر بدورها في توجيه أبنائها لاستعمال الإنترنت في الاتّجاه السليم؟ هل قامت المدرسة والجامعة بدورهما في تسخير الإنترنت لخدمة المنهج الدراسيّ؟ هل أنتجنا نحن إنتاجات إعلاميّة كافية للتفاعل من الإنترنت على المستوى الدوليّ والمشاركة في الإنتاج العلميّ والمعرفيّ على الشبكة؟ علماً أنّ المواقع العربيّة والإسلاميّة واللّغة العربيّة لا يتعدّيان واحداً في المئة ممّا هو معروض على الإنترنت.

 

الإرشادات الوقائيّة

هي بعض الإجراءات التي من المفيد لفت نظر مستخدمي شبكات التّواصل والإنترنت بشكلٍ عامّ كمقدَّمة للدخول في تفاصيل العلاج، والذي مثله كمثل أيّ دواء، ما لم يستخدمه بالشكل الصحيح فإنّه لا

 

224

 


185

الموعظة السابعة والثلاثون: شبكات التواصل، الإرشادات الوقائيّة والعلاجيّة

يمكنه أن ينتظر الشفاء من المرض. ومن أهمّ هذه التوصيات الوقائيّة:

1. تحديد أوقات معيّنة لاستخدام الإنترنت لا يمكن تجاوزها بأيّ صورة.

2. منع استخدام الإنترنت في الغرف المغلقة، والاهتمام بإمكانيّة مشاهدة ما يدخل عليه الطفل أو المراهق على الإنترنت بصفة مستمرّة.

3. تنويع الأنشطة التي يمارسها الأطفال والمراهقون داخل المنزل وخارجه.

4. الحرص على قضاء وقت عائليّ ممتع، والعمل على حلّ المشكلات العاطفيّة والتواصليّة التي قد تنشأ في البيت أو خارجه، من خلال التعبير عن المشاعر والصراعات واحترامها ومواجهتها، حتّى لا يصبح الإنترنت وغيره من السلوكيّات الإدمانيّة، وسبيلاً للهرب من المشكلات.

5. جعل الأسرة مكاناً خالياً من الإساءات بأنواعها المختلفة، إذ إنّ الإساءات والجروح والتربية غير السليمة تؤدّي إلى مشكلات في الشخصيّة، التي ربّما تؤدّي إلى الإدمان في ما بعد.

 

الإرشادات العلاجيّة

قبل الدخول في العلاج الذي يبحث عنه الجميع اليوم، يجب أن يُوقن المدمن على شبكات التّواصل الاجتماعيّ أنه مريض ويحتاج إلى علاج ويسعى إلى الشفاء من إدمان الإنترنت؛ إذْ لا يمكن للمرء أن يقلع عن أمر إلّا بعد يقينه بالخطر المحدق به من جرّاء هذا الأمر.

1. إجراء تعديلات على استخدام الإنترنت: فإذا اعتاد المريض استخدام الإنترنت طيلة أيّام الأسبوع، نطلب منه الانتظار حتّى يستخدمه

 

225


186

الموعظة السابعة والثلاثون: شبكات التواصل، الإرشادات الوقائيّة والعلاجيّة

في يوم الإجازة الأسبوعيّة؛ وإذا كان يفتح البريد الإلكترونيّ أوّل شيء حين يستيقظ من النوم، نطلب منه أن ينتظر حتّى يفطر، ويشاهد أخبار الصباح؛ وإذا كان المريض يستخدم الكمبيوتر في حجرة النوم، نطلب منه أن يضعه في حجرة المعيشة… وهكذا، فإنّ هذا السلوك الجديد يضع حدّاً للانجراف اللّاإراديّ، ويضعه أمام سكّة التحكّم والسيطرة على نفسه عند استخدام الإنترنت.

2. إيجاد موانع خارجيّة: نطلب من المريض ضبط المنبّه قبل بداية دخوله الإنترنت، بحيث ينوي الدخول على الإنترنت ساعة واحدة بعد انتهائه من دراسته إن كان تلميذاً، أو قبل خروجه إلى العمل مثلاً إن كان موظفاً، حتّى لا يندمج في الإنترنت بحيث يتناسى دراسته أو موعد خروجه إلى العمل.

3. تنظيم وقت الاستخدام وتحديده: وهذا الأمر يساعد في تنظيم الحياة واستقرارها عند المولعين باستخدام شبكات التواصل الاجتماعيّ، حيث يُطلب من المريض تقليل ساعات استخدامه لها وتنظيمه، بحيث إذا كان -مثلاً- يدخل على الإنترنت 40 ساعة أسبوعيّاً، نطلب منه التقليل إلى 20 ساعة أسبوعيّاً، وتنظيم تلك الساعات بتوزيعها على أيّام الأسبوع في ساعات محدّدة من اليوم، بحيث لا يتعدّى الجدول المحدّد.

4. الامتناع التامّ: إنّ إدمان بعض المرضى يتعلّق بمجال محدّد من مجالات استخدام الإنترنت. فإذا كان المريض مدمناً على حجرات الحوارات الحيّة (الدردشة)، نطلب منه الامتناع عن تلك الوسيلة امتناعاً تامّاً، في حين نترك له حرّيّة استخدام الوسائل الأخرى الموجودة على الإنترنت.

 

226


187

الموعظة السابعة والثلاثون: شبكات التواصل، الإرشادات الوقائيّة والعلاجيّة

5. إيجاد بدائل وأنشطة بديلة: نطلب من المريض أن يفكّر في الأنشطة التي كان يقوم بها قبل إدمانه للإنترنت، ليعرف ماذا خسر بإدمانه، مثل: قراءة القرآن، والرياضة، وقضاء الوقت في النادي أو مع الأُسرة، والقيام بزيارات اجتماعيّة وهكذا.. نطلب من المريض أن يعاود ممارسة تلك الأنشطة لعلّه يتذكّر طعم الحياة الحقيقيّة وحلاوتها.

6. عدم الاستغراق: في بعض الأحيان يُحدّد الفرد وقتاً للجلوس على الإنترنت، ولكن لا يستطيع الالتزام به نتيجة عدم شعوره بالوقت في استخدام الإنترنت، ولا يعرف أنّ الوقت المحدّد قد مرّ، فأنصحه باستخدام منبّه مثلاً وضبطه على الوقت المحدّد، حتّى إذا دقّ الجرس أغلق الكمبيوتر حتّى يتغلّب على الإدمان.

7. الانضمام إلى مجموعات اجتماعيّة: وذلك بهدف تفعيل الحياة الاجتماعيّة التي بدأ يخسرها، بل ويفشل فيها، حيث يمكن الطلب من المريض زيادة رقعة حياته الاجتماعيّة الحقيقيّة بالانضمام إلى فريق الكرة بالنادي مثلاً، أو الالتزام ببعض المهارات الإضافيّة، كالذهاب إلى درس لتعليم الخياطة للفتيات مثلاً، أو الذهاب إلى دروس المسجد، ليكوّن حوله مجموعة من الأصدقاء الحقيقيّين.

8. المعالجة الأُسريّة: والمراد إيجاد البيئة الأُسريّة السليمة والمعالجة؛ لأنّ المرض قد يكون منتشراً بحيث تحتاج الأُسرة بأكملها إلى تلقّي العلاج الأُسريّ بسبب المشاكل الأُسريّة التي يُحدثها إدمان الإنترنت، بحيث يساعد جوّ الأُسرة على استعادة النقاش والحوار في ما بينها. ولتقتنع الأُسرة بمدى أهمّيّتها في إعانة المريض، ليقلع عن إدمانه.

 

227


188

الموعظة الثامنة والثلاثون: شبكات التواصل، النوازع والمواقع المستخدَمة

الموعظة الثامنة والثلاثون: شبكات التواصل، النوازع والمواقع المستخدَمة

 

 

محاور الموعظة:

أسباب تجعل من الإنترنت سبباً في الإدمان
المواقع التى يستخدمها مدمنو الإنترنت

هدف الموعظة:

بيان النوازع التي تدفع الإنسان للدخول إلى شبكات التواصل الاجتماعيّ.

 

تصدير الموعظة:

عن الإمام الباقر (عليه السلام): «مَن أصغى إلى ناطقٍ فقد عَبَده، فإنْ كان الناطق يؤدّي عن الله فقد عَبَدَ الله، وإنْ كان يؤدّي عن الشيطان فقد عَبَدَ الشيطان»[1].

 


[1] الفيض الكاشانيّ، الوافي، ج4، ص196.

 

228


189

الموعظة الثامنة والثلاثون: شبكات التواصل، النوازع والمواقع المستخدَمة

أسباب تجعل من الإنترنت سبباً في الإدمان

لا شكّ في أنّ الشبكات الاجتماعيّة ظاهرة إعلاميّة واجتماعيّة جديدة تفرض نفسها على واقع المجتمعات والشعوب، كما لا شكّ في أنّ لها العديد من الجوانب الإيجابيّة والسلبيّة، والتي تستلزم الدراسة والتمحيص. فكما يمكن للمعلومات الإيجابيّة أن تنتقل بسرعة وتجد لها الأثر البالغ في المتابعة والرصد، فإنّ المعلومات السلبيّة ستنتشر بالسرعة نفسها إن لم يكن أكثر، ويمكن أن تترك تأثيراً مجتمعيّاً بالغاً.

ثمّة أسباب رئيسة عدّة تجعل من الإنترنت سبباً في الإدمان، أهمُّها:

1. السرّيّة: إنّ الإمكانيّة التي يوفّرها الإنترنت في الحصول على المعلومات، وطرح الأسئلة ومعرفة الأشخاص من دون الحاجة إلى تعريف النفس بالتفاصيل الحقيقيّة، توفّر شعوراً لطيفاً بالسّيطرة. إلى جانب ذلك، فإنّ القدرة على الظهور كلّ يوم بشكل آخر حسب اختيارنا، تُعدّ تحقيقاً لحلم جامح بالنسبة إلى الكثير من الناس، ما يقود بعضهم إلى إدمان الإنترنت.

2. الراحة: الإنترنت هو وسيلة مريحة للغاية، وهو يوجَد عادة في البيت أو العمل، ولا يتطلّب الخروج من البيت، أو السفر. هذا التيسير يوفّر حضوراً عالياً وسهولة في ما يتعلّق بتحصيل المعلومات التي لم نكن لنقدر على تحصيلها بدون الإنترنت، وذلك يجعل إدمان الإنترنت أمراً سهلاً.

3. الهروب إلى عالم آخر: مثل الكتاب الجيّد أو الفيلم المثير، فإنّ الإنترنت يوفّر الهروب من الواقع إلى واقع بديل. ومن الممكن

 

229

 

 


190

الموعظة الثامنة والثلاثون: شبكات التواصل، النوازع والمواقع المستخدَمة

للإنسان الذي يفتقر إلى الثقة بالنفس أن يصبح إنساناً مميَّزاً، ويجد الإنسان الانطوائيّ لنفسه أصدقاء، ويستطيع كلّ إنسان أن يتبنّى لنفسه هويّة مختلقة، وأن يحصل من خلالها على كلّ ما ينقصه في الواقع اليوميّ والحقيقيّ، ما يؤدِّي إلى إدمان الإنترنت.

4. التعبير عن أدقّ أسرارهم الشخصيّة ورغباتهم المدفونة: إنّ مستخدم تلك الشبكات يستطيع أن يُخبّئ اسمه وسنّه ومهنته وشكله وردود فعله أثناء استخدامه لها، وبالتالي يستغلّ بعض مستخدمي الإنترنت -خاصّة الذين يشعرون منهم بالوحدة وعدم الأمان في حياتهم الواقعيّة- تلك الميزة في التعبير عن أدقّ أسرارهم الشخصيّة ورغباتهم المدفونة ومشاعرهم المكبوتة، ما يؤدّي إلى توهّم الحميميّة والألفة... ولكن قد يصطدم الشخص بمدى محدوديّة الاعتماد على مجتمع لا يملك وجهاً لتحقيق الحبّ والاهتمام اللّذَين لا يتحقّقان إلّا في الحياة الحقيقيّة.

5. المساحة الكبيرة من الحرّيّة: إنّ مواقع التواصل الاجتماعيّ هي تقنيّة من التقنيّات الحديثة في عالم التواصل بين الأفراد والجماعات، والتي من خلالها يتبادل الفرد مع الآخرين المعلومة، والرأي، والفكر، والاتّجاه. ولعلّ أبرز ما يُميّز شبكات التواصل الاجتماعيّ هذه المساحة الكبيرة من الحرّيّة، التي يستطيع أن يُعبّر من خلالها الفرد عن هذه الاتّجاهات والأفكار والآراء بدون وجود أيّ ضوابط خارجيّة تمنع بشكل مناسب بعض الآثار التي من الممكن أن يسبّبها الفرد بعرضه لهذه المعتقدات الفكريّة.

 

 

230

 


191

الموعظة الثامنة والثلاثون: شبكات التواصل، النوازع والمواقع المستخدَمة

6. سهولة إيصال الفكرة: لأنّ الإنسان يميل بطبعه إلى الدّعة والسهولة، فإنّه يرى في الإنترنت سهولة وصول هذه التقنيّة إلى الكثير من أفراد المجتمع بطرق سهلة وبسيطة وميسّرة عبر أجهزة الحاسب الآليّ والآي باد والآي بود وغيرها، وحتّى عبر الهاتف النقّال الذي أسهم بشكل كبير في زيادة أعداد المستخدمين. وهو ما يُعدّ عنصراً وعاملاً آخر مهمّاً أثّر بشكل واضح في زيادة التّبعات السلبيّة التي ستؤثّر -بدون شكّ- في العديد من الجوانب الحياتيّة والأسريّة والمجتمعيّة، وتساهم في نشر الإشاعة، والأخبار الكاذبة، والمعلومات المتناقضة والمتنافية مع التعاليم الشرعيّة الدينيّة، والمعايير الأخلاقيّة، والتي لا يحكمها هذا الفضاء المفتوح والمتّسع.

7. عدم الحدود الجغرافيّة: حيث يستطيع الشخص في الشرق التواصل مع الشخص في الغرب بسهولة وبساطة وسرعة؛ وهذا يعطي حيِّزاً للتعبير والمشاركة الفاعلة من المشاهد والقارئ، وفرصة لا تتوفّر لأيٍّ كان في ميادين الحياة التي يحتكرها بعضهم، ويستأثر بالاستفادة منها.

8. تنوّع الاستعمالات: هذه البيئة مفتوحة على العلوم والمعارف كافّة، وتمكّن المرء من الدخول على عوالم لا تنتهي، والتعرّف على الكثير ممّا لا يعرفه، فيعطيه ثقافة واسعة وشاملة، فمثلاً يمكن التواصل في هذه البيئة الافتراضيّة من أجل الأمور العلميّة، الاقتصاديّة، الإخباريّة، الترفيهيّة وغيرها...

9. التوفير والاقتصاد: حيث نستطيع من خلال خدمات شبكات

 

231


192

الموعظة الثامنة والثلاثون: شبكات التواصل، النوازع والمواقع المستخدَمة

التواصل الاجتماعيّ توفير المال، والجهد والوقت، فلا أقلّ من أنّها تعرض علينا إرسال رسائل نصّيّة، ومكالمات صوتيّة أو مرئيّة، وإنشاء حسابات، وإقامة تجارات، والاطّلاع على ساحات العرض والطلب وآخر المبتكرات والاختراعات، وسوى ذلك من الكثير الكثير، وذلك كلّه بشكل مجّانيّ.

 

المواقع التي يستخدمها مدمنو الإنترنت

يختلف استخدام مدمني الإنترنت للمواقع، ولكن غالباً هذه هي المواقع والطرق التي تتسبّب فى إدمان الشخص على الإنترنت، وتجعله يقضي الساعات بدون شعور:

- مواقع الدردشة: بما فيها من مغريات للانطوائيّين وكذلك الاجتماعيّين، إذْ تجعلهم يتحدّثون مع أصدقائهم الوهميّين كثيراً. وأعتقد أنّها أكثر المواقع التي تتسبّب فى إدمان الإنترنت.

 

- الفايسبوك: بما فيه من مميّزات عديدة. فبه تبدي رأيك في ما تشاء، وتتناقش حول الموضوعات المختلفة، كما تتحدّث إلى أصدقائك. ولا يمكن لأحد أن ينكر أنه من أهمّ أسباب إدمان الإنترنت.

 

- المواقع الإباحيّة: التي يجلس بعض مدمني الإنترنت أمامها ساعات. وهذه المواقع الإباحيّة تدمّر أخلاق الشباب ومعنويّاتهم وقِيَمهم، إذْ تشير بعض التقارير إلى أنّ عدد المواقع الإباحيّة نحو سبعة ملايين، وكلّ موقع له عشرات الصفحات، وأنّ عشرة في المئة من هذه المواقع تخدمها مؤسّسات متخصّصة في توفير الصورة أو

 

232

 


193

الموعظة الثامنة والثلاثون: شبكات التواصل، النوازع والمواقع المستخدَمة

الفيديو أو توفير شبكات عالميّة. وهذه الأرقام تبقى نسبيّة؛ لأنّها في ارتفاع مستمرّ لما توفّره من أرباح ماليّة طائلة.

- مواقع الألعاب والأفلام: يقضي مدمنو الإنترنت عشرات الساعات من أجل مشاهدة الأفلام ولعب الألعاب المختلفة المنتشرة على الإنترنت.

- المواقع الإخباريّة والثقافيّة: فهي مليئة بالأخبار التي لا تنتهي، ويمكن للشخص من خلالها متابعة الأخبار والمعلومات كافّة من دون انتهاء؛ لذلك فهي تتسبّب فى إدمان الإنترنت.

 

233

 

 


194

الموعظة التاسعة والثلاثون: أسباب التنازع والتفرقة بين المسلمين

الموعظة التاسعة والثلاثون: أسباب التنازع والتفرقة بين المسلمين

 

 

محاور الموعظة:

الانحراف الفرديّ عن الإيمان
إشاعة التفرقة والخلاف
الاحتقان المذهبيّ
فساد الأنظمة السياسيّة الحاكمة

 

 

هدف الموعظة:

بيان أهمّ العقبات التي تساهم في زعزعة بنيان الأُمّة، وزرع بذور التنازع في داخلها.

 

 

تصدير الموعظة:

﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ ٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ يَنزَغُ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ كَانَ لِلۡإِنسَٰنِ عَدُوّا مُّبِينا﴾[1].

 

 


[1]  سورة الإسراء، الآية 53.

 

237


195

الموعظة التاسعة والثلاثون: أسباب التنازع والتفرقة بين المسلمين

إنّ زرع بذور الاختلاف والتنازع بين المسلمين، ومحاولة تفريقهم وتمزيقهم إلى كيانات متقاتلة ومتصارعة، عمل عليها الاستعمار الغربيّ في بلادنا، فقسّمها إلى دول تحكمها أنظمة مختلفة؛ قبليّ، وعلمانيّ، وديكتاتوريّ، وسوى ذلك من أنظمةٍ لا تمتّ إلى روح الشريعة بصلة، إلّا أنّ ذلك لم يكن ليتمّ لولا أن رأى الغرب في بلادنا قابليّة التمزّق، وعدم الانصهار بالمبادئ الإسلاميّة الأصيلة، والجهل بأحكام الإسلام، والابتعاد عن أهدافه السامية؛ ممّا جعلها مرهونة له في قراراتها ومواقفها، وأسيرة له في أيّ تطوّر أو ترقٍّ.

الانحراف الفرديّ عن الإيمان: قال تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوٓاْ أَهۡوَآءَ قَوۡم قَدۡ ضَلُّواْ مِن قَبۡلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرا﴾[1]. فالوحدة بين المسلمين تحتاج إلى أمّة واعية، تدرك أخطارها وأهدافها، وتعرف أصدقاءها وأعداءها، وتميّز بين صالحها وشرّها، وتعي الأهداف الإلهيّة وكيفيّة الوصول إليها. وهذا ما يعجز عنه ضعاف النفوس، والأشخاص غير المؤمنين بقضيّة الإسلام ورسالته المباركة.

قال تعالى مبيّناً التفرقة التي حصلت بين يوسف وإخوته، جرّاء اتباعهم أمر الشيطان، وانحرافهم عن الإيمان: ﴿فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيۡهِ أَبَوَيۡهِ وَقَالَ ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ ٩٩ وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّداۖ وَقَالَ يَٰٓأَبَتِ هَٰذَا تَأۡوِيلُ رُءۡيَٰيَ مِن قَبۡلُ قَدۡ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاۖ وَقَدۡ أَحۡسَنَ بِيٓ إِذۡ أَخۡرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجۡنِ وَجَآءَ بِكُم مِّنَ ٱلۡبَدۡوِ مِنۢ بَعۡدِ أَن نَّزَغَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بَيۡنِي وَبَيۡنَ إِخۡوَتِيٓۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيف لِّمَا يَشَآءُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَلِيمُ ٱلۡحَكِيمُ ١٠٠ ۞رَبِّ قَدۡ ءَاتَيۡتَنِي مِنَ ٱلۡمُلۡكِ وَعَلَّمۡتَنِي مِن تَأۡوِيلِ ٱلۡأَحَادِيثِۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ

 

 


[1]  سورة المائدة، الآية 77.

 

238


196

الموعظة التاسعة والثلاثون: أسباب التنازع والتفرقة بين المسلمين

وَٱلۡأَرۡضِ أَنتَ وَلِيِّۦ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۖ تَوَفَّنِي مُسۡلِما وَأَلۡحِقۡنِي بِٱلصَّٰلِحِينَ﴾[1].

 

إشاعة التفرقة والخلاف: قال تعالى: ﴿أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِۚ﴾[2].

 

إنّ آفَة الدين التعصّب الأعمى، وإماتة دور العقل، وعدم إطلاق الحرّيّة الفكريّة في إطارها الدينيّ، بل بإصدار أحكام مسبّقة تُجاه الآخر والحكم عليه، دون مراجعة آرائه حتّى من خلال كتبه. ونشاهد اليوم ونسمع بعض الأمور التي يلصقها أحد المذاهب بالمذهب الآخر، وهي ممّا قام الإجماع على خلافه، وإذكاء البحث في القضايا الخلافيّة، وإعطاءها عناوين أكبر من حجمها، كالاختلاف في بعض الفتاوى الفقهيّة أو الآراء الشرعيّة حول قضيّة حياتيّة صغيرة، حيث يصوّرها بعض على أنّها خروج من المذهب، وكفرٌ بالله العظيم، وهو ما يحدث عند أتباع المذهب الواحد.

 

الاحتقان المذهبيّ: بأن يعمد كلّ فريق إلى سبّ الفريق الآخر وشتمه ولعنه، وقد تصل الحال إلى تكفيره وإباحة دمه، كما نشاهد اليوم على شاشات التلفزة، وبعض القنوات الفضائيّة المأجورة، التي تعمل لحساب الحكّام الظالمين، وما يصدر عن بعض القيادات الدينيّة من فتاوى تجعل من أخيه المسلم عدوّاً له قبل العدوّ الحقيقيّ، المتمثّل بالكيان الغاصب وأمريكا والغرب المستعمر، وفبركة بعض الأحاديث أو تأويلها وإلصاقها بالطرف الآخر، والانجرار لحساب بعض القوى السياسيّة التي تسخّر هذا الاحتقان لمصلحة أهدافها السياسيّة بعيداً عن الدين

 

 


[1] سورة يوسف، الآيات 99 - 101.

[2]  سورة الشورى، الآية 13.

 

239


197

الموعظة التاسعة والثلاثون: أسباب التنازع والتفرقة بين المسلمين

والرسالة. وهذا كلّه، من أكبر التحدّيات التي يواجهها عالمنا الإسلاميّ، والتي يجب أن يوظّف لها جميع إمكانياته للتغلّب عليها.

فساد الأنظمة السياسيّة الحاكمة: التي تجد في النعرات الطائفيّة والفتنة المذهبيّة حاجة ملحّة لبقائها واستمرار سلطتها، فضلاً عن حاجات مَن يقف خلفها إلى إرساء قواعد خلافيّة ثابتة، وحواجز لا يمكن تخطّيها، تسهم في تفتيت دولة الإسلام إلى دويلات يكفّر بعضها بعضاً، ويغدق الجميع إمكانيّاته كافّة لإسقاط الآخر.

الرغبة في السيطرة: قال تعالى: ﴿وَمَا تَفَرَّقُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ وَلَوۡلَا كَلِمَة سَبَقَتۡ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰٓ أَجَل مُّسَمّى لَّقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِهِمۡ لَفِي شَكّ مِّنۡهُ مُرِيب﴾[1].

الوحدة تبدأ من داخل الإنسان، الذي ما لم يغيّر ما بنفسه، فإنّ الله لن يغيّر ما بواقعه، وما لم يترفّع الإنسان عن أنانيّاته ورغباته ونزواته في حبّ التسلّط والتملّك والتحكّم بمصائر الناس واستعبادهم، فإنّ مصير وحدة المجتمع سيبقى مهدّداً؛ لأنّ مجتمع الوحدة مجتمع تسوده القيم والمبادئ والفضائل وتحكمه الأخلاق السامية؛ ولذلك عبّر القرآن الكريم بقوله (بغياً بينهم)، فهم يظلمون بعضهم بعضاً من أجل الحكم والسيطرة. وما أحوجنا اليوم إلى الرجوع إلى قوله تعالى: ﴿وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآء فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَة مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ﴾[2].

 

 


[1]  سورة الشورى، الآية 14.

[2]  سورة آل عمران، الآية 103.

 

240


198

الموعظة الأربعون: نتائج التنازع والتفرقة بين المسلمين

الموعظة الأربعون: نتائج التنازع والتفرقة بين المسلمين

 

 

محاور الموعظة:

أخطار التفرقة في الآخرة
أخطار التفرقة في الدنيا

 

 

هدف الموعظة:

بيان الآثار الدنيويّة والأخرويّة الخطيرة التي يسبّبها انقسام الأُمّة.

 

 

تصدير الموعظة:

﴿وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيم﴾[1].

 

 


[1] سورة آل عمران، الآية 105.

 

241


199

الموعظة الأربعون: نتائج التنازع والتفرقة بين المسلمين

إنّ المتأمّل في كتاب الله يرى ربطاً قويّاً بين التنازع والتفرقة من جهة، والكفر من جهةٍ أخرى، كما يرى ربطاً قويّاً بين الوحدة من جهة، والإسلام والإيمان من جهةٍ أخرى، فالقرآن عندما يقول: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾[1]، ثمّ يجيب القرآن عن كيفيّة موت المرء مسلماً بقوله: ﴿وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ﴾[2]، وكأنّ الموت على الفرقة نقيض الموت على الإسلام. وفي مقامٍ آخر، يقول تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ ١٠٥... أَكَفَرۡتُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ﴾[3]، عادّاً التفرقة والاختلاف بمثابة الكفر بدين الله.

 

أخطار التفرقة في الآخرة

1. براءة النبيّ (صلى الله عليه وآله) منهم: وهذا يعني براءته منهم في الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعا لَّسۡتَ مِنۡهُمۡ فِي شَيۡءٍۚ إِنَّمَآ أَمۡرُهُمۡ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ﴾[4].

2. العذاب في الآخرة: إنّ من أكبر الكبائر تفرّق الأُمّة، قال تعالى: ﴿وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّة يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٠٤ وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيم﴾[5].

 

 


[1]  سورة آل عمران، الآية 102.

[2]  سورة آل عمران، الآية 103.

[3]  سورة آل عمران، الآيتان 105 - 106.

[4]  سورة الأنعام، الآية 159.

[5]  سورة آل عمران، الآيتان 104 - 105.

 

242


200

الموعظة الحادية والأربعون: أهمّيّة الأُسرة في الإسلام

قال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيم﴾[1].

 

أخطار التفرقة في الدنيا

1. مجمع الرذائل: التفرقة والاختلاف يقودان المرء إلى الرذيلة والفساد ومحق الدين، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إيّاكم والخصومة في الدين؛ فإنّها تشغل القلب عن ذكر الله عزّ وجلّ، وتورث النفاق، وتكسب الضغائن، وتستجير الكذب»[2].

 

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَإِنَّمَا أَنْتُمْ إِخْوَانٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ، مَا فَرَّقَ بَيْنَكُمْ إِلَّا خُبْثُ السَّرَائِر وَسُوءُ الضَّمَائِرِ، فَلَا تَوَازَرُونَ وَلَا تَنَاصَحُونَ وَلَا تَبَاذَلُونَ وَلَا تَوَادُّونَ»[3].

 

وبالتالي، فإنّ الأُمّة التي تتفشّى فيها الخصومات والنزاعات في الدين، تكثر فيها الأحقاد والضغائن وتبادل الاتهامات والافتراءات، ممّا يفقدها معايير الأمّة التي دعا إليها الإسلام، وأسّسها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وضحّى من أجلها الأئمّة الأطهار (عليهم السلام).

 

2. وهن الأُمّة وضعفها: قال تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾[4].

 

إنّ من أكبر التنازع تقديم الأعراق والقوميّات والقبليّة والشخصانيّات على إخوة الدين، كالتمييز بين العربيّ والفارسيّ والتركيّ والكرديّ،

 

 


[1]  سورة آل عمران، الآية 105.

[2]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج2، ص128.

[3]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص168.

[4]  سورة الأنفال، الآية 46.

 

243


201

الموعظة الحادية والأربعون: أهمّيّة الأُسرة في الإسلام

وبين قبيلة وأخرى... والكلّ ينادي بمناقب قومه، ويتعصّب لهم وإن كانوا على الباطل، والحال إنّ هذه الاختلافات أمور تكوينيّة لا يمكن إلغاؤها، وليست معياراً في تقدّم شعب أو قربه من الله على آخر، ﴿إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ﴾[1].

ثمّ إنّ تفرّق الأمّة هو العذاب بعينه، ﴿قُلۡ هُوَ ٱلۡقَادِرُ عَلَىٰٓ أَن يَبۡعَثَ عَلَيۡكُمۡ عَذَابا مِّن فَوۡقِكُمۡ أَوۡ مِن تَحۡتِ أَرۡجُلِكُمۡ أَوۡ يَلۡبِسَكُمۡ شِيَعا وَيُذِيقَ بَعۡضَكُم بَأۡسَ بَعۡضٍۗ﴾[2].

3. طمع الأعداء بالأُمّة: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يوشَك أن تداعى الأمم عليكم تداعي الأكَلة على قصعتها»، قال قائل منهم: مِن قلّة نحن يومئذٍ؟ قال: «بل أنتم كثير، ولكنّكم غثاء كغثاء السيل. ولينزعنَّ الله من صدور عدوّكم المهابة منكم، وليقذفنّ في قلوبكم الوهن»، قالوا: يا رسول الله، ما الوهن؟ قال: «حبّ الدنيا وكراهية الموت»[3].

فطمع الأعداء ليس ناشئاً من مشكلةٍ في العدد والكمّ والنوع، لكنّ المشكلة تعلّق القلوب بالدنيا، وهذا ما عبّر عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بـ«حبّ الدنيا وكراهية الموت».

4. ظهور أهل الباطل: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما اختلفت أُمّةٌ بعد نبيّها إلّا ظهر أهل باطلها على أهل حقّها»[4].

 

 


[1]  سورة الحجرات، الآية 13.

[2] سورة الأنعام، الآية 65.

[3]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص110.

[4]  المصدر نفسه، ج1، ص764.

 

244


202

الموعظة الحادية والأربعون: أهمّيّة الأُسرة في الإسلام

وهذه نتيجة طبيعيّة لابتعاد الأُمّة عن دينها، واختلافها في ما بينها. والتجربة التي خاضها المسلمون مع بدايات الدعوة خير شاهد على ذلك؛ لأنّ المحور الوحيد الذي يتّصف بالقداسة، وبالتالي المؤهّل لجمع الأُمّة وتوحيدها هو الدين والرسالة، وغيره من المحاور مهما علا شأنها فإنّها لا تحظى بالقداسة في نفوس الناس ولا تملك قوة الجذب التي يملكها الإسلام وسرعان ما تتجافى الناس عنه وتبتعد عن أيّ محورٍ يجمعها ليحلّ مكانه محاور الباطل والفساد ليجمع الناس بالقوّة ويقمع أيّ تمرّد أو عصيان أو عدم استجابة له، فتبتلى الأُمّة بالذل والهوان، وهذا معنى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر، أو ليستعملنّ عليكم شراركم، فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم»[1].

 

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص56.

 

245


203

الموعظة الحادية والأربعون: أهمّيّة الأُسرة في الإسلام

الموعظة الحادية والأربعون: أهمّيّة الأُسرة في الإسلام

 

 

محاور الموعظة:

أهمّيّة الأُسرة في الإسلام

 

 

هدف الموعظة:

بيان أهمّيّة تشكيل الأُسرة في الإسلام، والفوائد التي تتحقّق بقيامها، وما يترتّب على ذلك من مهمّات ومسؤوليّات.

 

 

تصدير الموعظة:

﴿وَلَهُنَّ مِثۡلُ ٱلَّذِي عَلَيۡهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيۡهِنَّ دَرَجَةۗ﴾[1].

 


[1] سورة البقرة، الآية 228.

 

251


204

الموعظة الحادية والأربعون: أهمّيّة الأُسرة في الإسلام

أكّد الإسلامُ أهمّيّةَ بناء الأُسرة كمقدّمةٍ لبناء المجتمع، وَعَدَّ الأُسرةَ أصغر الخلايا التي تتوزّع فيها الحُقوق والواجبات والمسؤوليّات، ضمنَ صيغة تكامليّة تضمَن بقاءَها واستمراريّتها ورُقِيّها وسعادتها. وحذّر مِن تَجاوُزِ الخطوط الحمراء داخل الأُسرة، مُشدِّداً على أنّه مِن أكبر المعاصي وأشدّ الذنوب التي يُحاسَب الإنسان عليها يوم القيامة.

 

تكمُن أهمّيّة الأُسرة في الإسلام في ما يأتي:

1. تلبية نداء الفِطرة: يتمثّل ذلك بالاستجابة الطبيعيّة لِلنُموّ الجسديّ والعاطفيّ عند الإنسان، وهو مِن أهمّ الأبعاد الفَرديّة التي أَوْدَعها الله تعالى في الإنسان لبناء الأُسرة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «النِكاح سُنّتي، فَمَن رَغِبَ عن سُنّتي، فليس مِنّي»[1].

2. تحقيق السَكَن والطمأنينة: قال تعالى: ﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّة وَرَحۡمَةًۚ﴾[2].

لا يَخفى أنَّ التلازُمَ قائمٌ بين المودّة والرحمة مِن جهة، وبين السَكَنِ مِن جهةٍ أخرى، وأنَّ تقويةَ المودّة تقويةٌ للسَكَن، بالتالي فإنّ إِضعاف المودّةِ إضعافٌ للسَكَن،عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «وأمّا حقّ الزوجة أنْ تعلَم أنّ الله جَعَلَها لكَ سَكَناً وأُنساً»[3].

3. بقاء النَسْل: فالله تعالى رَبَط بين استمرار النَسْل وتشكيل الأُسرة، لِكَونِها الخليّة الشرعيّة للإنجاب، قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفۡس وَٰحِدَة وَخَلَقَ مِنۡهَا زَوۡجَهَا وَبَثَّ مِنۡهُمَا

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص271.

[2]  سورة الروم، الآية 21.

[3]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج15، ص174.

 

252


205

الموعظة الحادية والأربعون: أهمّيّة الأُسرة في الإسلام

رِجَالا كَثِيرا وَنِسَآءۚ﴾[1]، وقال تعالى: ﴿وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَة﴾[2].

 

4. التدريب على تحمُّل المسؤوليّات: ولا سيّما اليوم، في ظلّ الغزو الثقافيّ الذي يَدخل بيوتنا وأُسَرنا عبر العديد مِن الوسائل، ما يُضاعف حجمَ مسؤوليّاتنا في تحصين عوائلنا.

 

أ. مسؤوليّة إدارة العلاقة الزوجيّة: تتمثّل في أداء كلٍّ مِن الزوجين مع الآخر، ومعرفة حقوق العلاقة الجديدة وواجباتها وحدودها التي أقدما عليها، وما لهذه العلاقة مِن تَبِعات على قضايا الأسرة.

 

ب. مسؤوليّة تربية الأطفال: هي مِن أعظم المسؤوليّات وأخطرِها، لما تشكّلهُ مِن تهديدٍ أو فُرصةٍ في بناء المجتمع. ويتحمّل الأهل مسؤوليّة دينيّة وأخلاقيّة وإنسانيّة مُباشرة في موضوع تربية الأبناء ومعرفة فقه بناء الأُسرة وأُسس التربية السليمة.

 

ج. مسؤوليّة بناء علاقات صحيحة وسليمة: فالأسرة تُصبح جُزءاً مِن شبكة علاقات مع الأهل والأخوة والأخوات والجيران والأصدقاء، الذين ينبغي التراحم والتزاور وأداء الحقوق بينهم.

 

5. الأُسرة نُواة بناء المجتمع: فالزواج، وإنْ كان مسألةً شخصيّةً وفرديّةً في أصلِ طَلَبِه، إلّا أنّ له دَخْلاً كبيراً في بناء المجتمع. وفَهمُ هذا البُعدِ يترك أثراً كبيراً في سلامة المجتمع ونموّه وارتقائه، أو في تردّيه وانحطاطه. لذا، شدّد الإسلام على كراهة الطلاق لكَونِه سبيلاً

 

 


[1]  سورة النساء، الآية 1.

[2]  سورة النحل، الآية 72.

 

253


206

الموعظة الحادية والأربعون: أهمّيّة الأُسرة في الإسلام

رِجَالا كَثِيرا وَنِسَآءۚ﴾[1]، وقال تعالى: ﴿وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَة﴾[2].

 

4. التدريب على تحمُّل المسؤوليّات: ولا سيّما اليوم، في ظلّ الغزو الثقافيّ الذي يَدخل بيوتنا وأُسَرنا عبر العديد مِن الوسائل، ما يُضاعف حجمَ مسؤوليّاتنا في تحصين عوائلنا.

 

أ. مسؤوليّة إدارة العلاقة الزوجيّة: تتمثّل في أداء كلٍّ مِن الزوجين مع الآخر، ومعرفة حقوق العلاقة الجديدة وواجباتها وحدودها التي أقدما عليها، وما لهذه العلاقة مِن تَبِعات على قضايا الأسرة.

 

ب. مسؤوليّة تربية الأطفال: هي مِن أعظم المسؤوليّات وأخطرِها، لما تشكّلهُ مِن تهديدٍ أو فُرصةٍ في بناء المجتمع. ويتحمّل الأهل مسؤوليّة دينيّة وأخلاقيّة وإنسانيّة مُباشرة في موضوع تربية الأبناء ومعرفة فقه بناء الأُسرة وأُسس التربية السليمة.

 

ج. مسؤوليّة بناء علاقات صحيحة وسليمة: فالأسرة تُصبح جُزءاً مِن شبكة علاقات مع الأهل والأخوة والأخوات والجيران والأصدقاء، الذين ينبغي التراحم والتزاور وأداء الحقوق بينهم.

 

5. الأُسرة نُواة بناء المجتمع: فالزواج، وإنْ كان مسألةً شخصيّةً وفرديّةً في أصلِ طَلَبِه، إلّا أنّ له دَخْلاً كبيراً في بناء المجتمع. وفَهمُ هذا البُعدِ يترك أثراً كبيراً في سلامة المجتمع ونموّه وارتقائه، أو في تردّيه وانحطاطه. لذا، شدّد الإسلام على كراهة الطلاق لكَونِه سبيلاً

 

 


[1]  سورة النساء، الآية 1.

[2]  سورة النحل، الآية 72.

 

253


207

الموعظة الحادية والأربعون: أهمّيّة الأُسرة في الإسلام

إلى تدمير خلايا المجتمع، فقد رُوِيَ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أوْصاني جبرائيل بالمرأة حتّى ظنَنْتُ أنّه لا ينبغي طلاقها إلّا مِن فاحشةٍ مبيّنة»[1].

وكأنّه يُريد القولَ: إنّ الطلاق يُشرَّع عندما يُشكٍّل الزواجُ خليّةً اجتماعيّةً فاسدةً، فيجبُ حينها التخلّص منها كي لا يمتدّ فسادها إلى بقيّة خلايا المجتمع. وفي حال وقوعِه، فإنّ الإسلام يُشدِّد على أن يكون في إطارِ عدم تدمير الأُسرة، وإن انْقطعَت العلاقة على المستوى الفرديّ للزوجين من دون المساس بالبعد المُجتمعيّ، قال تعالى: ﴿فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنۗ﴾[2].

 


[1]  الشيخ الجواهريّ، جواهر الكلام، ج31، ص148.

[2]  سورة البقرة، الآية 229.

 

254


208

الموعظة الثانية والأربعون: التربية العباديّة في الأسرة

الموعظة الثانية والأربعون: التربية العباديّة في الأسرة

 

 

محاور الموعظة:

دور الأهل في التربية على العبادة
مسؤوليّة الآباء
أثر التربية الصالحة في الأبناء
شهر رمضان فرصة للتوجيه العباديّ

 

 

هدف الموعظة:

بيان ضرورة أن يجتهد الأهل في بناء أسرة إيمانيّة رساليّة.

 

 

تصدير الموعظة:

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ﴾[1].

 


[1]  سورة التحريم، الآية 6.

 

255


209

الموعظة الثانية والأربعون: التربية العباديّة في الأسرة

دور الأهل في التربية على العبادة

لا يقتصر دور الأهل -الأباء والأمهات- في تربية الأسرة، على تأمين المأكل والمشرب والتعليم، وغير ذلك من متطلّبات التربية، إنّما ثمّة شيء عظيم للغاية، قد يغفل عنه الكثيرون، ألا وهو التربية على العبادة، وإضفاء جوّ عباديّ مناسب داخل الأسرة.

 

مسؤوليّة الآباء

إنّ إضفاء الحالة العباديّة داخل الأسرة هو في الواقع من مسؤوليّة الأب والأمّ في الدرجة الأولى؛ إذا هما الموكلان بتربية الأبناء وتأسيس الأسرة على ما فيه صلاح الدين والدنيا، ما يجعلهم مطالبين بالقيام بما يلزم للوصول إلى هذا الهدف المنشود.

 

وقد ورد العديد من الآيات والأحاديث التي تُلقي هذه المسؤوليّة على أرباب البيوت، خاصّة الآباء.

 

من ذلك، ما عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لمّا نزلت هذه الآية ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ﴾، جلس رجلٌ من المؤمنين يبكي، وقال: أنا عجزت عن نفسي وكُلِّفت أهلي! فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «حسبك أن تأمرَهم بما تأمر به نفسك، وتنهاهم عمّا تنهى عنه نفسك»[1].

 

أيضاً ما ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في حقّ الولد: «وأمّا حقّ ولدك، فأن تعلم أنّه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وأنّك مسؤول عمّا ولّيته من حسن الأدب والدلالة على ربّه -عزّ وجلّ-، والمعونة على طاعته؛ فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مُثابٌ على الإحسان إليه، مُعاقَبٌ على الإساءة إليه»[2].

 

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص62.

[2]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج15، ص175.

 

256


210

الموعظة الثانية والأربعون: التربية العباديّة في الأسرة

أثر التربية الصالحة في الأبناء

ورد أيضاً ما يدلّ على الأثر الواضح، سواء أكان أثراً إيجابيّاً أم سلبيّاً، لدور الآباء في هذا الشأن، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ويلٌ لأطفال آخر الزمان من آبائهم!»، فقيل: يا رسول الله، من آبائهم المشركين؟! قال: «لا، من آبائهم المؤمنين، لا يعلّمونهم شيئاً من الفرائض، وإذا تعلّموا منعوهم، ورضوا منهم بعرضٍ يسير من الدنيا، فأنا منهم بريء، وهم مني براء»[1].

 

وعن الإمام الصادق (عليه السلام)، إذ يؤكّد حقيقةَ أثر توجيه الأب في أسرته: «لا يزال المؤمن يُورِّث أهلَ بيته العلم والأدب الصالح حتّى يُدخِلَهم الجنّة جميعاً، حتّى لا يفقد فيها منهم صغيراً ولا كبيراً، ولا خادماً ولا جاراً، ولا يزال العبد العاصي يُورِّث أهلَ بيته الأدب السيّء حتّى يُدخِلَهم النار جميعاً، حتّى لا يفقد فيها منهم صغيراً ولا كبيراً، ولا خادماً ولا جاراً»[2].

 

شهر رمضان فرصة للتوجيه العباديّ

إنّ شهر رمضان المبارك، محطّة أساسيّة لتزويد الأسرة بمقوِّمات الإيمان والالتزام، وتوجيهها نحو الثقافة الدينيّة بأبعادها كلّها، ما يحتّم على أرباب الأسر وأفرادها أن يستغلّوا هذه الفرصة بما أوتوا من قوّة ونشاط، خاصّة أنّ المناخ العامّ بين الناس يساعد على الاهتمام بهذا الجانب، إذ تكثر الأعمال العباديّة والنشاطات القرآنيّة، مضافاً إلى ما يحمله هذا الشهر المبارك من بركات وفيوضات إلهيّة، حتّى قال فيه النبيّ (صلى الله عليه وآله): «الشقيّ من حُرِم غفران الله في هذا الشهر»[3]، وذلك دلالة على ما فيه من خير وبركة.

 

 


[1]  الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج15، ص164.

[2]  المصدر نفسه، ج12، ص201.

[3] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج10، ص313.

 

 

257


211

الموعظة الثالثة والأربعون: من مظاهر التربية العباديّة

الموعظة الثالثة والأربعون: من مظاهر التربية العباديّة

الأعمال العباديّة داخل الأسرة

 

 

هدف الموعظة:

إرشاد الأسرة إلى الأعمال العباديّة التي تساهم في تربيتها وتهذيبها.

 

تصدير الموعظة:

﴿وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَة مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ﴾[1].

 

 


[1]  سورة آل عمران، الآية 133.

 

258


212

الموعظة الثالثة والأربعون: من مظاهر التربية العباديّة

ثمّة العديد من الأعمال التي ينبغي القيام بها داخل الأسرة، والتي تضفي جوّاً عباديّاً، يُسهِم في تربية النفس وتهذيبها من الآثام والخصال السيّئة، وترويضها على فعل الخيرات والخصال الحميدة، من ذلك:

1. إقامة الصلاة جماعة

إنّ إقامة الصلاة جماعة، من أشدّ المظاهر العباديّة المؤثِّرة في تقوية الجانب الروحيّ لدى الأسرة؛ لما لها من آثار على النفس البشريّة، ويمكن لأبناء الأسرة أن يؤدّوها بإمامة أحدهم، ولو بشخصين اثنين.

وقد ورد ما يدلّ على عظمة الصلاة جماعة وفضلها، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بخمسٍ وعشرين درجة»[1].

 

2. أداء صلاة الصبح

لا بدّ من أفراد الأسرة، أن يحرصوا على أداء صلاة الصبح، وعدم تضييعها؛ لما لها من فضل عظيم وأثر بالغ في حياة الإنسان، ويأتي الدور الأساس في الاهتمام بها وأدائها في وقتها على الأب، إذ أُمِر بهذه المهمّة، كما يوحى من الآية المباركة: ﴿وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَيۡهَاۖ لَا نَسۡ‍َٔلُكَ رِزۡقاۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكَۗ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلتَّقۡوَىٰ﴾[2]. 

 

عن إسحاق بن عمار قال: قلتُ لأبي عبد الله [الصادق] (عليه السلام): يا أبا عبد الله، أخبرني عن أفضل المواقيت في صلاة الفجر، قال: «مع طلوع الفجر، إنّ الله تعالى يقول: ﴿إِنَّ قُرۡءَانَ ٱلۡفَجۡرِ كَانَ مَشۡهُودا﴾، هي صلاة الفجر يشهدها ملائكة النهار وملائكة الليل، فإذا صلّى العبد

 

 


[1]  الشيخ الصدوق، الخصال، ص521.

[2] سورة طه، الآية 132.

 

259


213

الموعظة الثالثة والأربعون: من مظاهر التربية العباديّة

صلاة الصبح مع طلوع الفجر أُثبتت له مرّتين، تثبتها ملائكة الليل وملائكة النهار»[1].

 

3. قراءة القرآن وتدبّره وحفظه

ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): «لكلّ شيء ربيع، وربيع القرآن شهر رمضان»[2]، وهذا يعني أنّه لا بدّ من الاهتمام بهذا الكتاب الكريم، ترتيلاً وتدبّراً وحفظاً، ويمكن للأسرة أن تعتمد أسلوب الحلقات اليوميّة لإنجاز ذلك، لتضفي حالة روحيّة وفكريّة خاصّة في هذا الشهر المبارك.

 

أمّا في تدبّر القرآن الكريم، فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «تَدَبَّر آياتِ القرآن واعتبر به؛ فإنّه أبلغ العبر»[3].

 

وعن تلاوة آياته المباركة، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «عليكُم بتلاوة القرآن؛ فإنَّ درجاتِ الجنّة على عَدَد آيات القرآن، فإذا كان يومُ القيامة قيل لقارئ القرآن: اقْرَاْ وارقَ. فكلّما قرأ آية يرقى درجة»[4].

 

وعن حفظ آياته، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَن استَظْهَرَ القرآن، وحفِظه وأحلّ حلالَه وحرَّم حرامَه أدخلَه الله الجنّة به، وشفّعه في عشرة من أهله كلّهم قد وجبَ لهمُ النّار»[5].

 

 


[1]  الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، ص36.

[2]  الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص228.

[3]  الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص200.

[4]  الشيخ الصدوق، الأمالي، ص441.

[5]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج89، ص20.

 

260


214

الموعظة الثالثة والأربعون: من مظاهر التربية العباديّة

4. قراءة الأدعية

ورد العديد من الأحاديث التي تبيّن فضل الدعاء وآثاره على حياة الإنسان، منها ما عن الإمام الصادق (عليه السلام): «الدعاء هو العبادة، التي قال الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي﴾[1]، اُدعُ اللهَ عزّ وجلّ، ولا تقل، إنّ الأمر قد فُرِغ منه، فإنّ الدعاء هو العبادة»[2].

لهذا، لا بدّ لأفراد الأسرة من أن يبذلوا جهدهم في المدوامة على الأدعية بشكل جماعيّ، خاصّة الأدعية المحدّدة ببعض الليالي والأوقات، كدعاء كميل ودعاء الندبة ودعاء التوسّل ودعاءَي العهد والصباح، وكذلك دعاء الافتتاح؛ فإنّ ذلك يضفي على البيت مناخاً روحيّاً كبيراً.

 

 


[1] سورة غافر، الآية 60.

[2]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص467.

 

261


215

الموعظة الرابعة والأربعون: آداب المائدة

الموعظة الرابعة والأربعون: آداب المائدة

 

محاور الموعظة:

فضل الالتزام بالآداب الإسلاميّة
آداب المائدة في شهر رمضان
من آداب المائدة

 

هدف الموعظة:

تعرّف الآداب الإسلاميّة للمائدة، وحثّ العائلة على الالتزام بها.

 

تصدير الموعظة:

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما من رجلٍ يجمع عياله ويضع مائدته، فيسمُّون في أوَّل طعامهم، ويحمدون في آخره، فتُرفع المائدة، حتّى يُغفر لهم»[1].

 

 


[1] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج24، ص263.

 

262


216

الموعظة الرابعة والأربعون: آداب المائدة

فضل الالتزام بالآداب الإسلاميّة

وضع الشرع الإسلاميّ عدداً من الآداب، التي يحسن الالتزام بها؛ لما فيها من آثار إيجابيّة على النفس البشريّة، فإنّ الأحكام الشرعيّة، إنّما وضعها الباري سبحانه وتعالى، لما لها من تلك الآثار، وهي في الوقت عينه تزيد من تكامل علاقة الانسان بالله سبحانه، وهذا ما أرشد إليه النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)، قولاً وفعلاً، ودأب عليه علماؤنا، حتّى وصلوا من خلالها الى مدارج الارتقاء في السير والسلوك.

 

آداب المائدة في شهر رمضان

نتكلّم في هذه الموعظة على بعض الأداب المتعلّقة بمائدة الطعام، خاصّة في مثل أيّام شهر رمضان المبارك، إذ تجتمع الأسرة على مائدة واحدة، فيحسن معرفة آدابها، من مستحبّات وغيرها.

 

من آداب المائدة

1. الوضوء قبل الطعام وبعده

عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «الوضوء قبل الطعام وبعده ينفي الفقر»[1].

وعنه أيضاً (صلى الله عليه وآله): «إذا توضّأت بعد الطعام، فامسح عينيك بفضل ما في يديك؛ فإنّه أمان من الرمد»[2].

 

2. البسملة والدعاء

هي من الآداب المشهورة، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «اذكروا الله -عزّ وجلّ- عند الطعام ولا تلغوا فيه؛ فإنّه نعمة من نعم الله،

 

 


[1] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص140.

[2]  المصدر نفسه، ص140.

 

263


217

الموعظة الرابعة والأربعون: آداب المائدة

يجب عليكم فيها شكره وحمده. أحسِنوا صحبة النعم قبل فراقها؛ فإنّها تزول وتشهد على صاحبها بما عمل فيها»[1].

 

وقد وردت التسمية على كلّ صنف من أصناف الطعام الموجود على المائدة، وإذا كان الشخص ممّن ينسى ذلك، فعليه أن يعمل بما أوصى به الإمام الصادق (عليه السلام): «من نسي أن يسمّي على كلّ لون، فليقل: بسم الله على أوّله وآخره»[2].

 

3. إطالة الجلوس

من الآداب أن يطيل الإنسان مكوثه أثناء تناوله للطعام، وأن لا يستعجل في الانتهاء، ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أطيلوا الجلوس على الموائد؛ فإنّها ساعة لا تُحسَب من أعماركم»[3].

 

4. تناول الفتات

من الآداب أن يتناول الإنسان الفتات المتساقط من الطعام، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من وجد كسرة أو تمرة فأكلها، لم تفارق جوفه حتّى يغفر الله له»[4].

 

5. الافتتاح بالملح والاختتام به

من آداب الطعام، أن يفتتح المرء الطعام بتناول شيء من الملح ويختتم بذلك أيضاً، عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّه قال لأمير المؤمين (عليه السلام): «يا عليّ، افتح بالملح واختتم به؛ فإنّه شفاء من سبعين داء،

 


[1]  الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص 140.

[2]  المصدر نفسه، ص143.

[3]  المصدر نفسه، ص141.

[4]  المصدر نفسه.

 

264


218

الموعظة الرابعة والأربعون: آداب المائدة

منها: الجنون والجذام والبرص ووجع الحلق ووجع الأضراس ووجع البطن»[1].

 

6. أن يأكل الإنسان ممّا يليه

أي أن يأكل ممّا هو موجود أمامه، ولا يمدّ يده إلى ما هو أمام الآخرين، عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «إذا وُضِعت المائدة بين يدي الرجل، فليأكل ممّا يليه، ولا يتناول ممّا بين يدي جليسه»[2].

 

7. عدم الأكل باليد اليسرى

من الآداب التي حثّت عليها الروايات أيضاً أن لا يأكل المرء أو يشرب بيده اليسرى، بل يباشر الطعام بيده اليمنى، عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه كره أن يأكل بشماله أو يشرب بها أو يتناول بها[3].

 

8. الجلوس السويّ على المائدة

عن عمر بن أبي شعبة قال: ما رأيت أبا عبد الله [الإمام الصادق (عليه السلام)] يأكل متّكئاً، ثمّ ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: «ما أكل متّكئاً حتّى مات»[4].

 

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا تأكل متّكئأ كما يأكل الجبّارون، ولا تربّع»[5].

 

 


[1]  الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص142.

[2]  المصدر نفسه، ص149.

[3]  المصدر نفسه، ص142.

[4]  المصدر نفسه، ص146.

[5] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج63، ص389.

 

265


219

الموعظة الخامسة والأربعون: فضل تربية الأبناء

الموعظة الخامسة والأربعون: فضل تربية الأبناء

 

 

محاور الموعظة:

للأهل أجرُ صالحِ أعمال الأبناء
بقاء العمل بعد الموت
ثواب تربية البِنْت
التكريم في الدنيا بالذِكْر الحَسَن
شرَفٌ عظيمٌ يوم القيامة

 

هدف الموعظة:

بيان ما أعَدَّ الله تعالى للأهل الذين يُحسِنون تربيةَ أبنائِهم مِن الفضل في الدنيا والآخرة.

 

تصدير الموعظة:

عن أمير المؤمنين لِوَلَدِه الحَسن (عليهما السلام): «وَجَدْتُكَ بَعْضِي، بَلْ وَجَدْتُكَ كُلِّي، حَتَّى كَأَنَّ شَيْئاً لَوْ أَصَابَكَ أَصَابَنِي، وكَأَنَّ الْمَوْتَ لَوْ أَتَاكَ أَتَانِي»[1].

 

 


[1]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص391.

 

269


220

الموعظة الخامسة والأربعون: فضل تربية الأبناء

لا يخفى ما لِتربية الأبناء مِن أهمّيّةٍ عظيمةٍ في صلاح المُجتمع المُسلِم، وصيانةِ الأمّة، ودفعِ شتّى صُنوفِ المكائدِ والمُؤامرات التي تُحاك ضِدّها، في ظِلّ ازدياد حجم التحدّي الثقافيّ بوسائله وأدواته ومُغرياته التي قد تُصيبُ بالإحباط، فضلاً عمّا نَجِدُه اليوم مِن إهمالٍ وتَسيُّبٍ مِن بعض الآباء والأمّهات، إمّا لِجهلِهم، وإمّا لانشغالِهم عن أبنائِهم، وإمّا لأنّهم لَم يعدّوا تربيتهم جُزءاً مِن عملِهم وضرورات حياتهم، وإمّا لِسوء أخلاقهم وعِصيانهم، مع أنّنا نقرأ في الشرعِ الحنيفِ ضرورةَ تقديمِ التربية والتعليم على أيّ عملٍ آخر، فهُما روح العبادة وهدف الشريعة والغاية من الفرائض، وثوابهما لا يُقارَن بِثواب، وفضلهما أسبق مِن كلّ فضْل.

1. للأهل أجرُ صالحِ أعمال الأبناء: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَن دَعا إلى هُدىً كانَ لهُ مِن الأجْرِ مِثل أُجورِ مَن تَبِعَه، لا ينقصُ ذلكَ مِن أُجورِهم شَيئاً، ومَن دعا إلى ضَلالةٍ كانَ عليه مِن الإثْمِ مِثل آثامِ مَن تَبِعَه، لَا ينقصُ ذلك مِن آثامهم شَيئاً»[1]، فالأهل يُشاركون أبناءَهم في الثواب والأجر والحسنات، ولَهُم ما لأولادهم مِن كلّ عملٍ صالح وُسنّةٍ حَسَنةٍ وفِعلِ خَيْرٍ ممّا علَّموهم، وهذا مِن أعظم الفضل الذي يَجِدُه الإنسان يوم القيامة. وهذا الكلام لا يحصِر الفضلَ بالأهل فقط، وإنّما يشمل كلّ مَن يُقدّم للأبناء معرفةً أو نصيحة، أو يهديهم إلى خَير.

 

 


[1]  الشيخ زين الدين العامليّ (الشهيد الثاني)، منية المريد، ص102.

 

270


221

الموعظة الخامسة والأربعون: فضل تربية الأبناء

2. بقاء العمل بعد الموت: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا ماتَ الإنسانُ، انقطعَ عنه عملُه إلّا مِن ثلاثٍ: صَدَقة جَارِية، وعِلْم يُنتفعُ بِه، ووَلَد صالح يَدعو له»[1].

فالأولاد، بِنَصِّ هذا الحديث، مِن أعمال الإنسانِ التي تَبقى بعدَ موتِه. والأعمال، منها ما هو صالحٌ يُؤجرون عليه، ومنها ما هو غير ذلك. وقد وصَّفَ القرآن الكريم ابن نوح بالعملِ غير الصالح، إذ قال تعالى: ﴿قَالَ يَٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيۡسَ مِنۡ أَهۡلِكَۖ إِنَّهُۥ عَمَلٌ غَيۡرُ صَٰلِحۖ﴾[2].

3. ثواب تربية البِنْت: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَن كان له ثلاث بناتٍ، فَصَبَرَ عليهِنّ وأطعمَهُنّ وَسَقاهُنّ وكَساهُنّ مِنْ جِدَتِه، كُنَّ له حِجاباً مِن النارِ يَومَ القِيامة»[3]، وتَخصيصُ البنتِ إشارةٌ إلى ضرورة العِناية اللازمةِ كَوْنها تتميَّز بالرقّةِ والضَعف، ولا تقوى على ما يقوى عليه الشابّ. بالإضافة إلى مُحاربة العادات الجاهليّة التي كانَتْ تَحتقر البنتَ وتعدّها عاراً يجبُ التخلُّص منه. وفي روايةٍ أخرى: «مَن عالَ جارِيَتَيْنِ حتّى تبلُغا، جاءَ يَومَ القيامةِ، أَنا وَهُوَ (وَضَمَّ أصابعه)»[4] ؛ و«مَن عالَ» معناه مَن قام عليهِما بالمَؤونةِ والتربية والتعليم والوُقوف إلى جانبِهِما في الأحوال كافّة. وهذا الحديث أكثر فضلاً، فَصُحبة النبيّ (صلى الله عليه وآله) أعلى مَنزِلةً مِن مُجرّد النجاة مِن العذاب، وأوسع معنىً، بِحيثُ يَشمل مَن عالَ غيرَ ابنتيْن، كأُختيْن

 

 


[1] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج4، ص612.

[2]  سورة هود، الآية 46.

[3]  المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج16، ص448.

[4]  المصدر نفسه.

 

271


222

الموعظة الخامسة والأربعون: فضل تربية الأبناء

أو نحو ذلك.

 

وقال (صلى الله عليه وآله): «مَن ابتُلِيَ مِن البناتِ بِشَيْءٍ فأحْسنَ إليْهنّ، كُنَّ له ستراً مِن النار»[1].

 

4. التكريم في الدنيا بالذِكْر الحَسَن: مَدَحَ الله تعالى نَبِيَّهُ إسماعيل (عليه السلام) في كتابه، فَكانَ مِن أهمّ ما أثنى به عليه أنّهُ كان مُهتمّاً بِأهله، يأمرهم بالصلاة ويُربّيهم على العبادة، فقال سبحانه: ﴿وَكَانَ يَأۡمُرُ أَهۡلَهُۥ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِۦ مَرۡضِيّا﴾[2].

 

وكرَّم لقمانَ فَذكرَه باسمه في القرآن، مع أنّه لمْ يذكُر كثيراً مِن الأنبياء فيه، وما ذلك إلّا لِوصيّتِه العظيمةِ لابنه، وحِرصِه على تربيته على العقيدة الصحيحة والأخلاق الفاضِلة، فقال تعالى: ﴿وَإِذۡ قَالَ لُقۡمَٰنُ لِٱبۡنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَٰبُنَيَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيم﴾[3].

 

فهذا الجهد المُبارك في تربية الأبناء كانَ مَوْرِد رضا وقبولِ الله تعالى، وقد أَورَده في كتابه لِيكون سُنّةً دائمةً يتأسّى بها العِباد الصالحون إلى يوم القيامة.

 

5. شرَفٌ عظيمٌ يوم القيامة: إنّ كلّ مَكرُمةٍ يُعلّمها الأهلُ لأبنائهم تزيدُ مِن مقامهم ودرجتهم يوم القيامة، فيبلغ المرءُ بذلك أعلى الدرجات. ولأنّ تعليم القرآن أفضل العلوم التي لا يُستغنى عنها لكلّ فردٍ منّا، خَصَّ اللهُ هذهِ الفضيلة بِبَيانِ ثوابها الجزيل يوم القيامة، فقد وَرَدَ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «... ويُكسى والداه حُلّتَيْنِ لا يَقوم لهما أهلُ الدنيا،

 

 


[1]  البيهقيّ، شعب الإيمان، ج7، ص468.

[2]  سورة مريم، الآية 55.

[3] سورة لقمان، الآية 13.

 

272


223

الموعظة الخامسة والأربعون: فضل تربية الأبناء

فيقولان: بِمَ كُسينا هذا؟ فيُقال: بِأَخْذِ ولدِكُما القرآن»[1].

 

وفي المقابل، فإنّ كلّ مَنقَصةٍ يَكتسبها الأبناءُ مِن آبائِهم ستتركُ إثمَها وعارَها عليهم، فقد وَرَدَ عن النبي (صلى الله عليه وآله): «كفى بالمرءِ إثماً أنْ يُضيِّع مَن يَعول»[2]؛ فإنْ كانَ في تربيتهم حِفظُهم ورِعايَتُهم الأجرَ والثواب وعالي الدَرَجات، فإنّ في ضَياعهم الإثمَ والعِقابَ والعذاب.

 

 


[1]  المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج1، ص552.

[2]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص12.

 

274


224

الموعظة السادسة والأربعون: الأبعاد الأساسيّة للتربية

الموعظة السادسة والأربعون: الأبعاد الأساسيّة للتربية

 

 

محاور الموعظة:

ترسيخ العقيدة وتحقيق العبوديّة
تربيتهم على العبادات
تربيتهم على القِيَم والأخلاق الإسلاميّة

 

هدف الموعظة:

بيان أهمّ الميادين التربويّة التي يجبُ على الأهلِ تربية شخصيّات أبنائِهم وتأهيلهم بالاستناد إليها.

 

تصدير الموعظة:

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ﴾[1].

 

 


[1]  سورة التحريم، الآية 6.

 

274


225

الموعظة السادسة والأربعون: الأبعاد الأساسيّة للتربية

تُعَدُّ تربية الأبناء مِن العُلوم الإنسانيّة التي يجبُ على الأهل، والمُقبِلين على الزواج أيضاً، أنْ يمتلِكوا ثقافةً تربويّةً عاليةً حولها؛ لأنّها تُساهم في صلاح أبنائِهم وعدم انجرافهم في مَتاهات الضياع، ولا سيّما أنّ موضوع التربية مِن الموضوعات الحسّاسة، والتي تتبدّل فيه القواعد التربويّة وِفقاً للظروفِ والأحوالِ والبيئةِ والمناطقِ والأعمارِ والمُستوياتِ الثقافيّة والوضعِ الدينيّ، وتتأثّر بالظروفِ الحياتيّة والمعيشيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة التي تَمُرّ بها البلاد أيضاً. وذلك كلّه مِن شأنه أنْ يجعلَ المسؤوليّة أكثرَ تعقيداً، وضرورة الاطّلاع والمعرفة أشدّ وُجوباً، والتفريط أو التقصير بها مِن أكبرِ الكبائر والمُوبقاتِ عند الله تعالى.

 

ويمكنُ الوُقوف على ثلاثة جوانب أساسيّة تُعَدُّ مسؤوليّةً واجبةً تجاه الأبناء:

الأوّل: ترسيخ العقيدة وتحقيق العبوديّة

يتجلّى ذلك في تربيتهم على التوحيد، وحِمايتهم مِن الشِرْك، قال تعالى: ﴿وَإِذۡ قَالَ لُقۡمَٰنُ لِٱبۡنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَٰبُنَيَّ لَا تُشۡرِكۡ بِٱللَّهِۖ إِنَّ ٱلشِّرۡكَ لَظُلۡمٌ عَظِيم﴾[1].

وهذا مِن أولى الأُمور التربويّة التي تُقوّي في نُفوس الأبناء روحَ العبوديّة لله تعالى، عن طريق تَعريفهم صفات الله وأسماءَه ومظاهرَ الرحمةِ الإلهيّة، وهدفَ إرسال الأنبياء والرُسُلِ، وَصِفات الأولياء والأئمّة، والنعمَ التي مَنَّ اللهُ بها على الخَلْق، والإيمانَ باليوم الآخِر الذي يُعزّز

 


[1]  سورة لقمان، الآية 13.

 

275


226

الموعظة السادسة والأربعون: الأبعاد الأساسيّة للتربية

المراقبة الداخليّة في نفسه. قال تعالى: ﴿يَٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثۡقَالَ حَبَّة مِّنۡ خَرۡدَل فَتَكُن فِي صَخۡرَةٍ أَوۡ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَأۡتِ بِهَا ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِير﴾[1].

 

وهناك غير وسيلةِ لِتحقيق ذلك وَغرس العقيدة:

1. ترسيخ العقيدة الصحيحة عن طريق التلقين: أي التدريس والإملاء، وإشراكِهم في حَلقاتِ دراسيّة، وحَثِّهم على ارتياد المساجد، والمطالعة.

 

2. ترسيخ العقيدة عن طريق تعليمه الأذكار: كأذكار الأحوال والمناسبات، مِن أكلٍ وشربٍ ونَوْمٍ ويَقَظة، والدعاء، وطلب الحاجة مِن الله في السرّاء والضرّاء، والأُنس بِذِكره، والتسمية باسمه عند الفزع والرهبة والخوف، والتوكُّل عليه وحده.

 

3. ترسيخ العقيدة عن طريق التدَبُّر: بِلَفْتِ نَظَرِ الطفلِ إلى مظاهرِ جمالِ الكون، وعَظَمةِ الطبيعةِ ونِظامها وارتباطِها بالتوحيد.

 

الثاني: تربيتهم على العبادات

قال تعالى: ﴿يَٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ﴾[2].

 

وقال تعالى: ﴿وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِسۡمَٰعِيلَۚ إِنَّهُۥ كَانَصَادِقَ ٱلۡوَعۡدِ وَكَانَ رَسُولا نَّبِيّا ٥٤ وَكَانَ يَأۡمُرُ أَهۡلَهُۥ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱلزَّكَوٰةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِۦ مَرۡضِيّا﴾[3].

 

 


[1]  سورة لقمان، الآية 16.

[2]  سورة لقمان، الآية 17.

[3] سورة مريم، الآيتان 54 - 55.

 

276


227

الموعظة السادسة والأربعون: الأبعاد الأساسيّة للتربية

فالصلاة مِنْ أهمّ العِبادات التي يَنبغي تَعليمها وتربية الأبناء على إقامتها ومراقبتهم في أدائها -ولو على سبيل العادة بِدايةً-، حِفظاً لهم مِن أيّ انحراف. فمِن الخطأ أنْ نُهمِل الطفل ثمّ نُلزمه بالتكاليف الشرعيّة بعد بُلوغه.

 

وعلى الأبِ أنْ يأمُرَ أولاده بالصلاة إذا دَخَلَ وقتُها، ويُذكّرهم بالله، ويُرغّبهم ويُخوّفهم، ويَحثّهم عليها. ولا مانع مِن تحفيزهم مادّيّاً ومعنويّاً -على أن يبقى الثواب الأُخرَويّ هو الهدف الأساس-. كما ينبغي أنْ يُعلّمَهم الوُضوء، ويَأخذهم معه إلى المسجد لأدائها جماعةً، ويجبُ أنْ يُلزِمَهم بِكُلّ ما يُشترط لِصحّة الصلاة مِن طهارةٍ وخُشوع وسترِ عَوْرة وغيرها. ويجب التنبُّه إلى أنّ مِن الخطأ أنْ يُكرّه الأهلُ أبناءَهم بالصلاة، وإلى عدم التغافل عن تعليمهم بقيّةَ العبادات وأحكامها.

 

الثالث: تربيتهم على القِيَم والأخلاق الإسلاميّة

التربية على الأخلاق الفاضِلة عُنوان صحيفةِ المُسلِم، وانعكاسُ مَدى تَديُّنِه والتزامهِ وسَعْيِه لِنَيْل الجزاء مِن الله تعالى. وَقَد عَدَّ القرآن الكريم نَماذجَ كثيرة في هذا المِضمار، منها:

1. تربِيَتهم على التواضعِ وخَفْضِ الجَناح: قال تعالى: ﴿وَلَا تُصَعِّرۡ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمۡشِ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَحًاۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخۡتَال فَخُور﴾[1].

وقال تعالى: ﴿وَٱقۡصِدۡ فِي مَشۡيِكَ وَٱغۡضُضۡ مِن صَوۡتِكَۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلۡأَصۡوَٰتِ لَصَوۡتُ ٱلۡحَمِيرِ﴾[2].

 

 


[1] سورة لقمان، الآية 18

[2]  سورة لقمان، الآية 19.

 

277


228

الموعظة السادسة والأربعون: الأبعاد الأساسيّة للتربية

2. تربِيَتهم على البِرِّ بالوالديْن: قال تعالى: ﴿وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡن وَفِصَٰلُهُۥ فِي عَامَيۡنِ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ﴾[1].

 

وقال تعالى: ﴿وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡم فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفاۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَيَّۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾[2].

 

والتربية على القِيَم والأخلاق لا بُدَّ مِن أنْ تَلحَظَ جوانبَ ثلاثة:

1. غرس العادات في مرحلة مُبكرة: يتحقّق ذلك بِتَعويدِ الطفلَ على مُساعدة الفُقراء ورَحمةِ الآخرين وبقائِهِ هادئاً مُتّزِناً خافِضاً صوتَه مُحِبّاً لِقضاء حوائج الناس حُرّاً في تصرّفاته، بعيداً عن التهوُّر والخِفّة والغَضب واللَجاجِ والطيْش والحِدّة وَما شاكل.

 

2. إلزامه بالأحكام والآداب الشرعيّة: فيُطلِعه على آداب الطعام واللباس والاستئذان والنوم وغيرها، ويمنعه عن المعاصي ومُفسِدات الأخلاق، كأشعار الغَزَل والأغاني والروايات والقصص الغراميّة والأفلام الفاسِدة، إذ تبذرُ فيه بِذرة الفساد. ويجبُ أنْ يَحرِص الوالدان على حِمايةِ أبنائِهم مِن رُؤية ما يَخْدِش الحَياء، سواءً أكان في وسائل الإعلام أو في البيت.

 

3. تنبيههُ إلى ما يُحرَم عليه: منَ الثياب أو الحُلِيّ أو المُقتنَيات كالكُتب والألعاب والصوَر الفاسدة، أو طريقة قصِّه الشَعْر، أو كيفيّة قضائه

 


[1] سورة لقمان، الآية 14.

[2]  سورة لقمان، الآية 15.

 

278


229

الموعظة السادسة والأربعون: الأبعاد الأساسيّة للتربية

الوقت، أو كلّ ما مِن شأنه أن يُسهّل عليه ارتكاب المعاصي والتجرُّؤ على الله تعالى.

 

4. حثّه على مكارم الأخلاق: مع الله أوّلاً، ثمّ مع الناس والحيوان والجَماد؛ لأنّ الأخلاق تشمل ذلك كلِّه. وهذا الحثّ يجِبُ أنْ يكون بالتوعيةِ وتكوينِ العاطفة التي تدفعه إلى التطبيق ابتغاءَ الأجْر، وتقويةِ إرادته حتّى يَقدِر على قَهْر الهَوى وضبطِ النفس. وقد يُستعانُ على ذلك بِقصص الصادقين وجزائِهم في الدنيا.

 

279

 

 


230

الموعظة السابعة والأربعون: وسائل تربية الأبناء

الموعظة السابعة والأربعون: وسائل تربية الأبناء

 

 

محاور الموعظة:

أهمّ الوسائل التي يُمكن الاستفادة منها في عمليّة التربية

 

 

هدف الموعظة:

التعريف بالوسائل المُتعدّدة التي يُمكِن اعتمادُها في مجال تربية الأبناء.

 

 

تصدير الموعظة:

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ الله سائلٌ كُلَّ راعٍ عمّا استرعاه، أحَفِظَ ذلك أمْ ضيَّعَه؟ حتّى يُسأل الرجلُ عن أهل بَيْتِه»[1].

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1212.

 

280


231

الموعظة السابعة والأربعون: وسائل تربية الأبناء

مِن المفيد الإشارة إلى أنّ الوسائل التي يُمكن اتّباعها في تربية الأبناء مُتعدّدة ومُتنوّعة، وهي تختلفُ باختلافِ العُمر والبيئة والمستوى الثقافيّ ونسبةِ التجاوُب وردودِ الفِعْل. إلّا أنّ اختيارَ الوسيلةِ وتشخيصَها أمرٌ في غاية الأهمّيّة والدِقّة، قد يُؤدّي العُدولُ عنهُ إلى نَتائجَ عَكْسِيّة. فمنَ الضروريّ اختيار طريقةٍ عِلميّةٍ لإيصال الفكرة، مع ملاحظةِ كيفيّتها؛ كأن تكونَ تلقينيّةً أو تعليميّةً أو إيحائيّةً أو حواريّة. وكلُّ ذلك تجبُ مُراعاتُه وعدمُ التهاوُنِ به، ولا سيّما أنّنا نقفُ هنا أمام مسؤوليّة كُبرى ترتبط بِأعزّاء، هُم فلذات الأكباد.

 

فمِن أهمّ الأنواع أو الوسائل التي يُمكن الاستفادة منها في عمليّة التربية، مع ضرورة اتّباعها بالترتيب المُدرَج:

1. التربية بالقُدوة: قال تعالى: ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَة﴾[1]. هيَ أجدى الوسائل في التأثير والتغيير، وأقربها إلى بلوغ المُراد؛ لأنّ هذا النوع مِن التربية ليسَ أمراً مَسموعاً أو مَقروءاً من غير تجربةٍ أو اختبار، بلْ يعتمد على المُشاهَدة الحَيّة بِأُمّ العَيْن للمبادىء والقِيَم، مُتجسِّدةً في إنسان، فيَعمَدُ إلى تَسييلها بين الناس بالطريقة نفسها؛ لهذا الأمرِ بعثَ اللهُ محمّداً (صلى الله عليه وآله) قُدوة لكلّ الناس.

 

فلا بُدّ مِن أنْ يَرى الأبناءُ مكارمَ الأخلاق في آبائِهم وحِرصَهم على امتثال أوامرِ الشريعة، حتّى تنغرِس هذه الفضائل في قلوبهم مِن قبل تَلقينهم إيّاها. كما يجبُ التنبٌّه إلى طريقة لَوْمِهم وتَوبيخِهم، فالأبناء

 

 


[1]  سورة الأحزاب، الآية 21.

 

281


232

الموعظة السابعة والأربعون: وسائل تربية الأبناء

الذين يَقسو عليهم آباؤهم لا يُمكن أنْ يتعلّموا الرحمة والتعاون.

2. التربية بالوَعْظ: قال تعالى: ﴿فَذَكِّرۡ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّر ٢١ لَّسۡتَ عَلَيۡهِم بِمُصَيۡطِرٍ﴾[1].

وقال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرا﴾[2].

فالإنسان بِحاجةٍ دائمةٍ إلى التذكير والتنبيه، وإنْ كان مُدرِكاً لما تُنبّهه إليه، فإنّ ما يطرَأ على النفس مِن تغيُّراتٍ تجعلهُ ينسى أو يغفل أو يتساهل في القرار الأصْوَب، خاصّةً أنّ النفس تتأثّر بِما يُلقى إليها مِن كلام.

3. التربية بالقِصّة: قال تعالى: ﴿لَقَدۡ كَانَ فِي قَصَصِهِمۡ عِبۡرَة لِّأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِۗ﴾[3].

هذا النوع مِن التربية له سِحرُهُ الخاصّ وتأثيرُه الكبير، فَترى الأبناء يَنسجمون مع حديثِ القصص ويَحفظونه ويُردِّدونه ويَستفيدون منه، ولا سيّما القصص التاريخيّة الواقعيّة المعروفة بِأماكنها وأشخاصها وحوادثها، فإنّها تتميّز كثيراً عن القصص التمثيليّة وما يُعرَض على شاشات التلفَزة، لأنّهم يُدرِكون بِالفِطرة أنّ ما يُمثَّل يُمكِن ألّا يكون صحيحاً أو هادفاً.

 

 


[1]  سورة الغاشية، الآيتان 21 - 22

[2]  سورة النساء، الآية 58.

[3] سورة يوسف، الآية 111.

 

282


233

الموعظة السابعة والأربعون: وسائل تربية الأبناء

4. التربية بالعادة: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «غيِّروا العادات، تَسهُلُ عليْكم الطاعات»[1].

 

وهذه إشارةٌ واضحةٌ إلى ضرورة تغيير العادات، عن طريق تدريب الأبناء على تبديل العادات السيّئة بالحَسَنة الفاضِلة، ما يُؤدّي إلى تغيير في سُلوكهم؛ لأنّ تغيير العادة هو في جَوهرِه تغييرٌ في منظومة القِيَم التي يُعطيها الإنسان أولويّة في حياته، فتنقله مِن البُخْل إلى الكرم، ومِن الحِقد إلى المَوَدّة، ومِن التواكُل إلى المُبادرة، ومِن اللامُبالاة إلى المسؤوليّة... عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إذا كان الشُغْل مَجْهَدة، فاتّصال الفراغِ مَفْسَدة»[2].

 

فالفراغ مِن أشدّ الأمور التي تَقتل في نفس الإنسان روحَ التضحية والعمل والإنتاجِيّة، وتَجعل منه إنساناً هامشيّاً. والأشدّ خُطورة من ذلك مَلْءُ الأبناءِ أوقاتَهم بما يُضيِّعها، كالمواقع والبرامج الإلكترونيّة التي لا جدوى ولا طائلَ منها، والتي لا تهدِف إلّا إلى قتْل روحيّة الشباب وإيمانهم، وجرِّهم إلى مستنقعات الفساد والرذيلة.

 

وهذه مِن أكبر المهامّ المُلقاة على عاتق الأهل اليوم، فَهُم يَرَوْنَ أعداءنا قد سبقونا لِمَلْء فراغِ أبنائنا بما لا ينسجم مع ثقافتنا وقِيَمنا الدينيّة والعُرفِيّة.

 

5. التربية بالأحداث: قال تعالى: ﴿قُلۡ سِيرُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ ٱنظُرُواْ كَيۡفَ 

 


[1]  الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص347.

[2]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص2412.

 

283


234

الموعظة الثامنة والأربعون: أخلاق الموالين

الموعظة الثامنة والأربعون: أخلاق الموالين

 

محاور الموعظة:

كونوا زيناً
صفات الموالين

 

هدف الموعظة:

بيان أهمّيّة الفضائل الأخلاقيّة والسمات المعنويّة لأتباع أهل البيت (عليهم السلام).

 

تصدير الموعظة:

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّما شيعة جعفر من عفَّ بطنه وفرجه، واشتدّ جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك، فأولئك شيعة جعفر»[1].

 

 


[1]  الشيخ الصدوق، صفات الشيعة، ص11.

 

287


235

الموعظة الثامنة والأربعون: أخلاق الموالين

كونوا زيناً

لطالما أوصى أهل البيت (عليهم السلام) شيعتَهم أن يكونوا لهم زيناً ولا يكونوا عليهم شيناً، فيكون كلّ واحدٍ منهم النموذجَ الذي يُحتذى به، والقدوة التي يتأسّى الآخرون بها، فلا ينبغي كما دلّت النصوص أن يكون في المصر أورع أو أعلم أو أتقى من شيعتهم، حتّى يكون ملاذ الجميع وملجأهم، كما كان أهل البيت (عليهم السلام)، ولا سيّما أنّنا منتسبون إليهم، والخطأ الذي نقترفه يُسهِم في تشويه الصورة الناصعة والمضيئة لهم، كما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «يا معشر الشيعة، إنّكم قد نُسبتم إلينا؛ كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً»[1]، وعن الإمام العسكري (عليه السلام): «اتّقوا الله، وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً، جرّوا إلينا كلّ مودّة، وادفعوا عنّا كلّ قبيح»[2].

 

صفات الموالين

لم يترك أهل البيت (عليهم السلام) فضيلةً إلّا سبقوا الناس إليها، كما لا يوجد فعل قبيح إلّا سبقوا الناس إلى تركه واجتنابه، مرشدين شيعتهم ومحبّيهم إلى الصفات التي ينبغي أن يتحلّوا بها، ونورد هنا بعض الأحاديث في هذا الشأن:

 

1. مواساة الأغنياء للفقراء: عن محمّد بن عجلان، قال: كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام)، فدخل رجلٌ فسلّم، فسأله: «كيف من خلّفت من إخوانك؟»، فأحسنَ الثناء، وزكّى وأطرى، فقال له: «كيف عيادة

 

 


[1]  الشيخ الطبرسيّ، مشكاة الأنوار، ص134.

[2]  ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، ص488.

 

288


236

الموعظة الثامنة والأربعون: أخلاق الموالين

أغنيائهم لفقرائهم؟»، قال: قليلة، قال: «كيف مواصلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم؟»، فقال: إنّك تذكر أخلاقاً ما هي فيمن عندنا، قال: «فكيف يزعم هؤلاء أنّهم لنا شيعة؟!»[1].

 

2. مكارم الأخلاق: عن جابر الجعفيّ، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «يا جابر، يكتفي من اتّخذ التشيّع يقول بحبّنا أهل البيت، فوالله ما شيعتنا إلّا من اتّقى الله وأطاعه، وماكانوا يُعرفون إلّا بالتواضع، والتخشّع، وأداء الأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم، والصلاة، والبرّ بالوالدين، والتعهّد للجيران من الفقراء، وأهل المسكنة، والغارمين، والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكفّ الألسن عن الناس إلّا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء»[2].

 

3. متمسّكون بروح الجماعة: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «شيعتنا المتباذلون في ولايتنا، المتحابّون في مودّتنا، المتزاورون في إحياء أمرنا، الذين إن غضبوا لم يَظلموا، وإن رضوا لم يُسرِفوا، بركةٌ على مَن جاوروا، سلمٌ لمَن خالطوا»[3].

 

4. أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «يا جابر، إنّما شيعة عليّ (عليه السلام) من لا يعدو صوتُه سمعَه، ولا شحناؤه بدنه، لا يمدح لنا قالياً، ولا يواصل لنا مبغضاً، ولا يجالس لنا عائباً، شيعة عليّ(عليه السلام) من لا يهرّ هرير الكلب، ولايطمعطمع الغراب، ولا يسأل الناس وإن مات جوعاً، أولئك الخفيفة عيشتهم، 

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص173.

[2]  الشيخ الصدوق، الأمالي، ص725.

[3]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص237.

 

289


237

الموعظة الثامنة والأربعون: أخلاق الموالين

المنتقلة ديارهم، إن شهدوا لم يعرفوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن مرضوا يُعادوا، وإن ماتوالم يشهدوا، في قبورهم يتزاورون»، قال جابر: وأين أطلب هؤلاء؟ قال: «في أطراف الأرض بين الأسواق، وهو قول الله عزّ وجلّ: ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾»[1].

5. إظهار الصورة الحسنة: سُئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن شيعتهم، فقال: «شيعتنا من قدّم ما استحسن، وأمسك ما استقبح، وأظهر الجميل، وسارع بالأمر الجليل رغبة إلى رحمة الجليل، فذاك منّا وإلينا ومعنا حيثما كنّا»[2].

6. الاستقامة: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّما المؤمن الذي إذا غضب لم يُخرِجْه غضبه من حقّ، والذي إذا رضيَ لم يُدخِلْه رضاه في الباطل، والذي إذا قدر لم يأخذ أكثر من ماله»[3].

وعنه (عليه السلام) أيضاً: «لو أنّ شيعتنا استقاموا لصافحتهم الملائكة، ولأظلّهم الغمام، ولأشرقوا نهاراً، ولأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولما سألوا الله شيئاً إلّا أعطاهم»[4].

7. التواصل مع الآخرين: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أوصيكم -عباد الله- بتقوى الله، ولا تَحملوا الناس على أكتافكم فتذلّوا، إنّالله عزّ وجلّ يقول في كتابه: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنا﴾[5]، ثمّ قال: عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، واشهدوا ولهم عليهم، وصلّوا معهم

 

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص239.

[2]  الشيخ الصدوق، صفات الشيعة، ص17.

[3]  المصدر نفسه، ص27.

[4]  ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، ص302.

[5]  سورة البقرة، الآية 83.

 

290


238

الموعظة الثامنة والأربعون: أخلاق الموالين

في مساجدهم، واقضوا حقوقهم، ثمّ قال: أيّ شيء أشدّ على قوم يزعمون أنّهم يأتمّون بقوم ويأخذون بقولهم، فيأمرونهم وينهونهم، ولا يقبلون منهم، ويذيعون حديثهم عند عدوّهم، فيأتي عدوّهم إلينا فيقولون لنا: إنّ قوماً يقولون ويروون كذا وكذا، فنقول نحن نتبرّأ ممّن يقول هذا، فتقع عليهم البراءة»[1].

 

8. ملاذ الناس لتقواهم: عن عبد الله بن زياد، قال: سلّمنا على أبي عبد الله (عليه السلام) بمنى، ثمّ قلت: يابن رسول الله، إنّا قوم مجتازون، لسنا نطيق هذا المجلس منك كلّما أردناه، فأوصِنا، قال (عليه السلام): «عليكم بتقوى الله وصدق الحديث وأداء الأمانة وحسن الصحبة لمن صحبكم وإفشاء السلام وإطعام الطعام، صلّوا في مساجدهم وعودوا مرضاهم واتّبعوا جنائزهم، فإنّ أبي حدّثني أنّ شيعتنا أهل البيت كانوا خيارَ من كانوا منهم، إن كان فقيهاً كان منهم، وإن كان مؤذِّناً كان منهم، وإن كان إماماً كان منهم، وإن كان صاحب أمانة كان منهم، وإن كان صاحب وديعة كان منهم، وكذلك كونوا، حبّبونا إلى الناس، ولا تُبغِّضونا إليهم»[2].

 

9. حسن العشرة: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «يا شيعة آل محمّد، إنّه ليس منّا مَن لم يملك نفسه عند الغضب، ولم يُحسن صحبة مَن صحبه، ومرافقة من رافقه، ومصالحة مَن صالحه، ومخالفة مَن خالفه»[3].

 

 


[1]  الشيخ الصدوق، صفات الشيعة، ص27.

[2]  المصدر نفسه، ص28.

[3]  ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، ص308.

 

291


239

الموعظة الثامنة والأربعون: أخلاق الموالين

عن الإمام الباقر (عليه السلام): «سُئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن خيار العباد، قال: الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤوا استغفروا، وإذا أعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، وإذا غضبوا غفروا»[1].

 

وعن الإمام العسكريّ (عليه السلام): «وشيعة عليّ (عليه السلام) هم الذين لا يبالون في سبيل الله أوقع الموت عليهم، أو وقعوا على الموت. وشيعة عليّ (عليه السلام) هم الذين يُؤثِرون إخوانهم على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة، وهم الذين لا يراهم الله حيث نهاهم، ولا يفقدهم من حيث أمرهم. وشيعة عليّ (عليه السلام) هم الذين يقتدون بعليّ في إكرام إخوانهم المؤمنين»[2].

 

 


[1]  الشيخ الصدوق، الأمالي، ص60.

[2]  الإمام العسكريّ (عليه السلام) (منسوب)، تفسير الإمام العسكريّ (عليه السلام)، ص319.

 

292


240

الموعظة التاسعة والأربعون: حُسن الخُلق

الموعظة التاسعة والأربعون: حُسن الخُلق

 

 

محاور الموعظة:

أهمّيّة الأخلاق الحسنة
ثواب حسن الخلق
ثمرة حسن الخلق في الدنيا
أبرز مصاديق حسن الخلق
الإبقاء على العمل

 

هدف الموعظة:

الحثّ على فضيلة حسن الخلق، والتأكيد على ضرورة التحلّي بمكارم الأخلاق لما فيه من سعادة الدارين.

 

تصدير الموعظة:

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «العدل حسن ولكن في الأمراء أحسن، السخاء حسن ولكن في الأغنياء أحسن، الورع حسن ولكن في العلماء أحسن، الصبر حسن ولكن في الفقراء أحسن، التوبة حسن ولكن في الشباب أحسن، الحياء حسن ولكن في النساء أحسن»[1].

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص804.

 

293


241

الموعظة التاسعة والأربعون: حُسن الخُلق

أهمّيّة الأخلاق الحسنة

يرى الإسلام أنّ الأخلاق الحسنة أهمّ عنصر استقطاب وجذب للآخرين، ولا شكّ في أنّ السيرة الأخلاقيّة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمّة الأطهار (عليهم السلام) كانت رصيداً كبيراً في حركة الدعوة عبر التاريخ، وكان لها تأثيرها على الأعداء والأصدقاء والقريب والبعيد، وقد عبرّ عن ذلك القرآن الكريم: ﴿فَبِمَا رَحۡمَة مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ﴾[1].

1. ضرورة في حياة المجتمعات: أي ضرورة إنسانيّة لتعايش الناس فيما بينهم في المجتمع الواحد، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لو كنّا لا نرجو جنّة، ولا نخشى ناراً ولا ثواباً ولا عقاباً، لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق؛ فإنّها ممّا تدلّ على سبيل النجاح»[2].

2. هدف الرسالة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) محدِّداً أحد أهمّ الأركان التي بُعِث من أجلها: «إنّما بُعِثت لأتمّم مكارمَ الأخلاق»[3].

3. قوّة للإيمان: عنه (صلى الله عليه وآله): «لمّا خلق الله تعالى الإيمان، قال: اللهمّ، قوّني فقوّاه بحسن الخلق والسخاء، ولمّا خلق الله الكفر، قال: اللهمّ قوّني فقوّاه بالبخل وسوء الخلق»[4].

ولا يخفى أنّ سوء الخلق ممّا يفسد الإيمان ويضعّفه وينفّر الناس ويبعدهم؛ لذلك عدّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) حسن الخلق كمالاً للإيمان، إذ قال: «أكمل المؤمنين إيماناً، أحسنهم خلقاً»[5].

 

 


[1]  سورة آل عمران، الآية 159.

[2]  الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج11، ص193.

[3]  الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص3.

[4]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص798.

[5]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص99.

 

294


242

الموعظة التاسعة والأربعون: حُسن الخُلق

4. خير الدارين: عنه (صلى الله عليه وآله): «حسن الخلق ذهب بخير الدنيا والآخرة»[1].

 

5. سمة أهل الإيمان: كأنّها صفة لازمة لا يمكن تصوّر الإيمان من دونها، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «عنوان صحيفة المؤمن، حسن خلقه»[2].

 

6. رأس الفضائل: عنه (عليه السلام): «حسن الخلق رأس كلّ برّ»[3].

 

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ثلاث من لم تكن فيه فليس منّي ولا من الله عزّ وجلّ»، قيل: يا رسول الله، وما هنّ؟ قال: «حلم يردّ به جهل الجاهل، وحسن خلق يعيش به في الناس، وورع يحجزه عن معاصي الله»[4].

 

ثواب حسن الخلق

أجزلت الشريعة الثواب على من يتحلّى بحسن الخلق، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من حَسُن خلقه، بلّغه الله درجة الصائم القائم»[5].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «إنّ العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل، وإنّه لضعيف العبادة»[6].

 

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ الله تبارك وتعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق كما يعطي المجاهد في سبيل الله، يغدو عليه ويروح»[7].

 

وعنه (عليه السلام): «ما يقدم المؤمن على الله عزّ وجلّ بعمل بعد

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص798.

[2]  المصدر نفسه.

[3]  المصدر نفسه، ج1، ص799.

[4]  المصدر نفسه.

[5]  الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج1، ص76.

[6]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص799.

[7]  المازندرانيّ، شرح أصول الكافي، ج8، ص308.

 

295


243

الموعظة التاسعة والأربعون: حُسن الخُلق

الفرائض أحبّ إلى الله تعالى من أن يسعَ الناس بخلقه»[1].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن»[2].

 

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «حسِّن خلقك، يخفّف الله حسابك»[3].

 

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ أحبّكم إليّ وأقربكم منّي يوم القيامة مجلساً، أحسنكم خلقاً وأشدّكم تواضعاً»[4].

 

ثمرة حسن الخلق في الدنيا

1. نموّ الرزق وأنس الصحبة: فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «حسن الأخلاق يدرّ الأرزاق ويؤنس الرفاق»[5].

2. زيادة العمر: فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ البرّ وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار»[6].

3. إماتة المعصية في النفس: كأنّ حسن الخلق والمواظبة عليه من شأنه أن يُميت في النفس ميلها إلى المعاصي، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «الخلق الحسن يميت الخطيئة، كما تميت الشمس الجليد»[7].

4. محبّة الناس له: فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «حسن الخلق يثبت المودّة»[8].

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «من حَسُن خلقه كثر محبّوه، وأنست 

 

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص100.

[2]  الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج8، ص442.

[3]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص622.

[4]  المصدر نفسه، ج1، ص805.

[5]  المصدر نفسه.

[6]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص100.

[7] المصدر نفسه، الكافي، ج2، ص100.

[8]  ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، ص45.

 

296


244

الموعظة التاسعة والأربعون: حُسن الخُلق

النفوس به»[1].

 

وعنه (عليه السلام): «أرضى الناس من كانت أخلاقه رضيّة»[2].

 

وعنه (عليه السلام): «من حسنت خليقته، طابت عشرته»[3].

 

أبرز مصاديق حسن الخلق

عن الإمام الصادق (عليه السلام) لمّا سُئل عن حدّ حسن الخلق: «تُليّن جانبك، وتُطيّب كلامك، وتلقى أخاك ببشر حسن»[4].

 

ومن الواضح أنّ هذا الحديث يبيّن حسن الخلق فيما يرتبط بالتعامل مع الآخرين.

 

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّما تفسير حسن الخلق، ما أصاب الدنيا يرضى، وإن لم يصبه لم يسخط»[5]؛ بمعنى الرضا في نفسه بما قسم الله له.

 

أمّا في تفسير قوله تعالى: ﴿خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ﴾[6]، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «هو أن تصلَ من قطعك، وتعطيَ من حرمك، وتعفوَ عمّن ظلمك»[7]. وهذه سجيّة أهل الإيمان مع من تجاوز حقوقهم من إخوانهم.

 

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) لجرّاح المدائنيّ: «ألّا أحدّثك بمكارم الأخلاق؟ الصفح عن الناس، ومؤاساة الرجل أخاه في ماله، وذكر الله كثيراً»[8].

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص805.

[2]  الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص120.

[3]  المصدر نفسه، ص443.

[4]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص103.

[5]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص801.

[6]  سورة الأعراف، الآية 199.

[7]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص800.

[8]  المصدر نفسه، ج1، ص804.

 

297


245

الموعظة التاسعة والأربعون: حُسن الخُلق

وعنه (عليه السلام) ناظراً إلى جهة حسن الخلق في كسب الرزق وخدمة العيال: «حسن الخلق في ثلاث: اجتناب المحارم، وطلب الحلال، والتوسّع على العيال»[1].

 

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ألا أُنبِّئكم بخياركم؟»، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «أحاسنكم أخلاقاً الموطِّئون أكنافاً، الذين يألِفون ويؤلَفون»[2].

 

وقد ورد عن أمير المؤمنين(عليه السلام) في صفة المؤمن: «لا يعمل شيئاً من الخير رياءً، ولا يتركه حياءً»[3].

 

الإبقاء على العمل

أحياناً، نتيجةً لبعض التنافس الدنيويّ، يحبِط الإنسان عمله بعد أن فعله قربة إلى الله، فعن الإمام الباقر (عليه السلام): «الإبقاء على العمل أشدّ من العمل»، قال الراوي: وما الإبقاء على العمل؟ قال: «يصل الرجل بصلة وينفق نفقة لله وحده لا شريك له، فتُكتب له سرّاً، ثمّ يذكرها فتُمحى، فتُكتب له علانية، ثمّ يذكرها فتمحى، وتُكتب له رياءً»[4].

 

 


[1]  المصدر نفسه، ج1، ص801.

[2]  المصدر نفسه.

[3]  المصدر نفسه، ج2، ص1022.

[4]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص296.

 

298


246

الموعظة الخمسون: الصدق

الموعظة الخمسون: الصدق

 

 

محاور الموعظة:

مقام الصدق
بركات الصدق
مقام الصادقين
الوفاء قرين الصدق

 

هدف الموعظة:

حثّ الناس على الاتّسام بصفة الصدق، التي لا ينبغي أن تُفارِق شخصيّة الإنسان المؤمن.

 

تصدير الموعظة:

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّٰدِقِينَ﴾[1].

 

 


[1]  سورة التوبة، الآية 119.

 

299


247

الموعظة الخمسون: الصدق

مدحت الشريعة فضيلة الصدق مدحاً بالغاً، فقد ورد في مضامين الأحاديث أنّه أقوى دعائم الإيمان وعزّ الإنسان وأخو العدل وزينة الحديث ورأس الدين وأمانة اللسان وحلية الإيمان... وتُحدِّثنا سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّ السمة الأبرز التي اشتهر بها قبل النبوّة، والتي كانت إحدى أكبر ركائز الجذب في شخصيّته، هي صدق الحديث. وهذا الأمر إنّما يدلّ على استبطان هذه الفضيلة للكثير من مكارم الأخلاق التي يتمتّع بها الإنسان الصادق.

 

مقام الصدق

يكفي في مقام الصدق أنّ الله أشار إلى هذه الصفة في ذاته، وأكّد على اتّصاف أنبيائه ورسله وأوليائه بها، فقد قال تعالى مبيّناً هذه الصفة في نفسه: ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَنُدۡخِلُهُمۡ جَنَّٰت تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَداۖ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقّاۚ وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللَّهِ قِيلا﴾[1].

 

ويُشير الإمام الصادق (عليه السلام) أنّها صفة ملازمة للأنبياء (عليهم السلام)، فيقول: «إنّ الله عزّ وجلّ لم يبعث نبيّاً إلّا بصدق الحديث، وأداء الأمانة»[2].

 

أمّا اتّصاف الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) بها، فيكفي ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) مستغرباً أن تنحرف الأمّة عن جادّة الصواب، ويستنكر عليها جموحها إلى التيه والضلال، فيقول (عليه السلام): «وكَيْفَ تَعْمَهُونَ، وبَيْنَكُمْ

 

 


[1]  سورة النساء، الآية 122.

[2]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص104.

 

300


248

الموعظة الخمسون: الصدق

عِتْرَةُ نَبِيِّكُمْ؟! وهُمْ أَزِمَّةُ الْحَقِّ وأَعْلَامُ الدِّينِ وأَلْسِنَةُ الصِّدْقِ»[1].

 

ويرفع أمير المؤمنين (عليه السلام) مقام الصدق إلى مقام الولاية في قوله تعالى: ﴿فَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى ٱللَّهِ وَكَذَّبَ بِٱلصِّدۡقِ إِذۡ جَآءَهُۥٓۚ﴾[2]، قال (عليه السلام): «الصدق، ولايتنا أهل البيت»[3].

 

ولعلّه إلى ذلك أشارت الآيات التي تحدّثت عن مقام الصدق الذي يطلبه الإنسان من الله، قال تعالى: ﴿وَٱجۡعَل لِّي لِسَانَ صِدۡق فِي ٱلۡأٓخِرِينَ﴾[4]، أو يمنحه الله للإنسان كما قال تعالى: ﴿وَوَهَبۡنَا لَهُم مِّن رَّحۡمَتِنَا وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ لِسَانَ صِدۡقٍ عَلِيّا﴾[5].

 

بركات الصدق

1. أقرب الأعمال إلى الله: عن جابر بن سمرة، عن أبيه، قال: كنّا عند النبيّ (صلى الله عليه وآله) إذ جاءه رجل، فقال: يا رسول الله، ما أقرب الأعمال إلى الله عزّ وجلّ؟ قال (صلى الله عليه وآله): «صدق الحديث، وأداء الأمانة»[6].

 

2. علامة المتّقين: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّ لأهل التقوى علامات يُعرَفون بها: صدق الحديث، وأداء الأمانة، والوفاء بالعهد، وقلّة الفخر والبخل، وصلة الأرحام...»[7].

 

3. باب إلى الجنّة: لأنّ الصدق يحجب المرء عن اقتراف المعاصي، ويلزمه جادّة التقوى والصلاح، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «عليكم

 

 


[1]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص120.

[2]  سورة الزمر، الآية 32.

[3]  الشيخ الطوسيّ، الأمالي، ص364.

[4]  سورة الشعراء، الآية 84.

[5]  سورة مريم، الآية 50.

[6]  المقريزيّ، إمتاع الأسماع، ج11، ص142.

[7]  الشيخ الصدوق، الخصال، ص483.

 

301


249

الموعظة الخمسون: الصدق

بالصدق؛ فإنّه بابٌ من أبواب الجنّة»[1].

 

4. تأييد الله: هذا من خفيّ الألطاف التي قلّما يتحسّسها الإنسان في يوميّاته، فعن الإمام الباقر (عليه السلام): «ألا فاصدقوا، فإنّ اللهمع مَن صدق»[2].

 

5. زكاة الأعمال: لأنّ الإنسان بصدقه يصبح أسوةً وقدوةً لغيره في نشر الصدق بين الناس، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن صدق لسانه، زكى عمله»[3].

 

6. نجاة الإنسان: كثيراً ما يُهلِك المرءَ عدمُ صدقه، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من صدق الله، نجا»[4].

 

7. علامة اختبار الإيمان: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم وكثرة الحجّ والمعروف وطنطنتهم بالليل، ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة»[5].

 

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لا تغترّوا بصلاتهم ولا بصيامهم، فإنّ الرجل ربّما لهج بالصلاة والصوم حتّى لو تركه استوحش، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة»[6].

 

8. الصدق خيرٌ من المال: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «...ولِسَانُ الصِّدْقِ يَجْعَلُه اللَّه لِلْمَرْءِ فِي النَّاسِ، خَيْرٌ لَه مِنَ الْمَالِ يَرِثُه غَيْرُه»[7].

 

 


[1]  الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1572.

[2]  المصدر نفسه.

[3]  المصدر نفسه.

[4]  المصدر نفسه.

[5]  المصدر نفسه.

[6]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص104.

[7]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص65.

 

302


250

الموعظة الخمسون: الصدق

مقام الصادقين

1. أكرم الناس: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما سُئل عن أكرم الناس: قال (عليه السلام): «مَن صدق في المواطن»[1]؛ أي ثبت وصمد في الحرب.

 

2. خير من الصدق: ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أحسن من الصدق قائلُه، وخيرٌ من الخير فاعلُه»[2]؛ لأنّ فاعل الخير ينشر الخير دائماً ويسنّ سنّة نشر الخير.

 

3. زينة المؤمن: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «تزيّن لله عزّ وجلّ بالصدق في الأعمال»[3]؛ أي إخلاص النيّة لله تعالى.

 

الوفاء قرين الصدق

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا خير في القول إلّا مع العمل، ولا في المنظر إلّا مع المخبر، ولا في المال إلّا مع الجود، ولا في الصدق إلّا مع الوفاء، ولا في الفقه إلّا مع الورع، ولا في الصدقة إلّا مع النيّة، ولا في الحياة إلّا مع الصحّة، ولا في الوطن إلّا مع الأمن والمسرّة»[4].

 

ومن خطبة له (عليه السلام): «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الْوَفَاءَ تَوْأَمُ الصِّدْقِ، ولَا أَعْلَمُ جُنَّةً أَوْقَى مِنْه، ومَا يَغْدِرُ مَنْ عَلِمَ كَيْفَ الْمَرْجِعُ»[5].

 

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «خير مفاتيح الأمور الصدق، وخير خواتيمها الوفاء»[6].

 

 


[1]  الشيخ الصدوق، الأمالي، ص479.

[2]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج16، ص292.

[3]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1573.

[4]  الشيخ الصدوق، من يحضره الفقيه، ج4، ص369.

[5]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص83.

[6]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج75، ص161.

 

303


251

الموعظة الحادية والخمسون: الأمانة

الموعظة الحادية والخمسون: الأمانة

 

 

محاور الموعظة:

أمانة المال
أمانة الحقوق
أمانة الوقت
أمانة القدوة
عاقبة خيانة الأمانة

 

هدف الموعظة:

بيان معياريّة الأمانة في إيمان المرء وبعض الميادين التي تتجلّى فيها مراعاة الأمانة.

 

 

تصدير الموعظة:

﴿وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِأَمَٰنَٰتِهِمۡ وَعَهۡدِهِمۡ رَٰعُونَ﴾[1].

 

 


[1]  سورة المؤمنون، الآية 8.

 

304


252

الموعظة الحادية والخمسون: الأمانة

جعل الله تعالى أداء الأمانة على اختلاف أشكالها وتنوّعها وأطرافها معياراً من معايير الإيمان والالتزام، وركناً من أركان الأخلاق والفضائل، وواحدةً من الأمور التي يُستدلّ منها على الصالحين؛ لأنّها انعكاسٌ لطهارة النفس وجلاء القلوب، حتّى وردعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم، وكثرة الحجّ، والمعروف، وطنطنتهم بالليل، ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة»[1]. وهي فضيلةٌ أساسيّةٌ من الفضائل التي يجب على العاملين التحلّي بها، ومنقبةٌ لا ينبغي الغفلة عنها. فعندما يشير رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أنّ العبرة بالأمانة لا بكثرة الصلاة والصيام، فهو يكشف عن أنّ بسقوطها من شخصيّة المسلم تُسقِط إيمانه.

 

لا شكّ في أنّ أداء الأمانة يسري إلى ميادين مختلفة في ساحات العمل والتقرّب إلى الله، ويواجِه العامل تحدّيات مختلفة على هذا الصعيد، نذكر أهمّها:

1. أمانة المال: المال الذي بين أيدينا هو مال الله الذي جعلنا أمناء عليه ليمتحِن قلوبنا وسرائرنا، وخيانته خيانة لله أوّلاً، ولعباده ثانياً، والتفريط بحقوق الناس مهما كانت بسيطة هي عند الله كبيرة وموبقة، وممّا توعّد الله بها بورود النار، فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أُقسِم لقد سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول لي قبل وفاته بساعة مراراً ثلاثاً: يا أبا الحسن، أداء الأمانة إلى البِرّ والفاجر فيما قلّ وجلّ، حتّى في الخيط والمخيط»[2].

 

2. أمانة الحقوق: ممّا لا شكّ فيه أنّ العامل الذي يشغل منصباً

 

 


[1]  الشيخ الصدوق، الأمالي، ص380.

[2]  ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، ص175.

 

305


253

الموعظة الحادية والخمسون: الأمانة

ما، ترتبط بموقعه الكثير من حقوق الناس المادّيّة؛ كالبدلات، والحسومات، والأمانات، والمال العامّ، والحقوق المعنويّة التي لها علاقة بالترقيات والكفاءات والمنافسات العملانيّة، وكلّ ذلك من أكبر الأمور التي ينبغي أداؤها بمنتهى الأمانة، وإنّ التفريط في حقوق الناس ممّا لا يُسقِطه شيء ما لم يسقطه صاحب الحقّ، فقد ورد أنّ الحقوق لا تُرفع حتّى عن الشهيد الذي يَغفِر الله له ذنوبه كافّة بمجرّد سقوط أوّل قطرة دم من جسده الطاهر إلى الأرض.

 

3. أمانة الوقت: الوقت الذي يمضيه العامل في عمله ليس ملكاً مُباحاً له بكلّ ساعاته ودقائقه وثوانيه، بل هو ملكٌ للعمل، والتهاون به شكلٌ من أشكال تضييع الأمانة. فكثيراً ما ترى بعض العاملين الذين يمضون أغلب أوقاتهم في القضايا الشخصيّة واللّهو والعبث، والزيارات غير المسؤولة، وغير ذلك، حتّى حلول وقت الدوام، من دون إنجاز حتّى أبسط الأعمال ورفعها من أمامهم.

 

كما أنّه من الضروري في الوقت ترتيب الأولويّات، فكلّ إنسانٍ في الحياة ليس سوى حصيلة تنظيم أولويّاته، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «من شغل نفسه بما لا يجب، ضيّع من أمره ما يجب»[1].

 

فنجاة المرء رهنٌ بعدم تضييعه لوقته واشتغاله بغير ما أوكل الله تعالى إليه، فكلٌّ منّا عليه أن يُنجزَ أمانة الوقت التي سوف يُسأل عنها يوم القيامة، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «من أفنى عمره في غير ما ينجيه، فقد أضاع مطلبه»[2].

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، عيون الحكم والمواعظ، ص456.

[2]  المصدر نفسه، ص450.

 

306


254

الموعظة الحادية والخمسون: الأمانة

وعنه (عليه السلام): «اشتغال النفس في غير ما يصحبها بعد الموت، من أكبر الوهن»[1].

 

كما أنّ هناك الكثير من الروايات التي تشير إلى ضرورة استغلال الوقت في السعي في حوائج الناس، والسعي في طلب الحلال، ومعاشرة الإخوان في الله.

 

4. أمانة القدوة: والمراد بها أداء الأمانة لا يُميِّز بها العامل بين من يحبّ ومن يكره، ومن له هوًى به أو سواه، ومن كان قريباً منه أو بعيداً، ومن كان ممّن يمدحه أو يذمّه. فالأمانة واحدة إلى الجميع لتعلّق حقّ الآخرين بها، فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): «ثلاث لم يجعل الله عزّ وجلّ لأحد فيهنّ رخصة: أداء الأمانة إلى البِرّ والفاجر، والوفاء بالعهد للبرّ والفاجر، وبِرُّ الوالدين بَرَّيْن كانا أو فاجرين»[2].

 

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «اتّقوا الله، وعليكم بأداء الأمانة إلى من ائتمنكم، فلو أنّ قاتل أمير المؤمنين (عليه السلام) ائتمنني على أمانة لأدّيتها إليه»[3].

 

وعنه (عليه السلام): «اتّقوا الله، وأدّوا الأمانات إلى الأبيض والأسود، وإن كان حروريّاً أو كان شاميّاً»[4].

 

وعنه (عليه السلام): «أدّوا الأمانة، ولو إلى قتلة أولاد الأنبياء (عليهم السلام)»[5].

 

 


[1]  ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، ص175.

[2]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص162.

[3]  الشيخ الصدوق، الأمالي، ص318.

[4] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص215.

[5]  المصدر نفسه، ج1، ص214.

 

307


255

الموعظة الحادية والخمسون: الأمانة

وعنه(عليه السلام): «لا تَخُن من ائتمنك وإن خانك، ولا تُذِع سرّه وإن أذاع سرّك»[1].

 

عاقبة خيانة الأمانة

إنّ لأداء الأمانة الآثار الإيجابيّة والمباركة، كما عن لقمان (عليه السلام): «يا بُنيّ، أَدِّ الأمانة تسلم لك دنياك وآخرتك، وكن أميناً تكن غنيّا»[2]. فإنّ خيانة الأمانة لها عاقبتها السيّئة على المستوى الدنيويّ والأخرويّ، فهي تسلخ عن صاحبها ثوب الإيمان في الدنيا، وتُلقي عليه غضب الله في الآخرة، وقد أشارت النصوص إلى بعض الآثار المُهينة التي تجرّها خيانة الأمانة، منها:

1. عدم الإيمان: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا إيمان لمن لا أمانة له»[3].

 

2. الخروج من الملّة: عنه (صلى الله عليه وآله): «من خان أمانة في الدنيا، ولم يردّها إلى أهلها، ثمّ أدركه الموت، مات على غير ملّتي، ويلقى الله، وهو عليه غضبان»[4].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «ليس منّا من يحقّر الأمانة، حتّى يستهلكها إذا استُودِعَها»[5].

 

3. الفقر في الدنيا: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الأمانة تجلب الغناء، والخيانة تجلب الفقر»[6].

 

وعن أمير المؤمنين(عليه السلام): «الأمانة تجرّ الرزق، والخيانة تجرّ الفقر»[7].

 

 


[1] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج 1، ص 214.

[2]  الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص253.

[3] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص215.

[4]  المصدر نفسه.

[5]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج72، ص172.

[6]  المصدر نفسه، ج72، ص114.

[7]  ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، ص221.

 

308


256

الموعظة الثانية والخمسون: القناعة

الموعظة الثانية والخمسون: القناعة

 

 

محاور الموعظة:

القناعة في القرآن
آثار القناعة في الروايات
القناعة صفة الأنبياء

 

هدف الموعظة:

إبراز أهمّيّة القناعة وضرورتها في الحياة، وجمال الاتّصاف بها.

 

تصدير الموعظة:

«اللهمّ، إنّي أعوذ بك من نفس لا تقنع وبطن لا يشبع»[1].

 

 


[1]  الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجِّد وسلاح المتعبِّد، ص105.

 

309


257

الموعظة الثانية والخمسون: القناعة

لا شكّ في أنّ للقناعة دوراً كبيراً في لجم غرائز النفس ومشتهياتها، وأنّه لولاها تغدو حياة الإنسان مريرة شاقّة، لا يستطيع الإنسان أن يملكها أو يتحكّم بها.

 

والقناعة تعني ترويض النفس على الاكتفاء بالمسائل الضروريّة، والتي لا يمكن الاستغناء عنها، وكبح جماحها عمّا سوى ذلك.

 

شكا رجل إلى الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه يطلب فيصيب فلا يقنع، وتنازعه نفسه إلى ما هو أكثر منه، وقال: علّمني شيئاً أنتفع به، فقال الإمام (عليه السلام): «إن كان ما يكفيك يغنيك فأدنى ما فيها يغنيك، وإن كان ما يكفيك لا يغنيك فكلّ ما فيها لا يغنيك»[1].

 

القناعة في القرآن

القرآن الكريم يربّي الإنسان على عدم الطمع بما في أيدي الغير، فيقول: ﴿وَلَا تَمُدَّنَّ عَيۡنَيۡكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجا مِّنۡهُمۡ زَهۡرَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا﴾[2].

 

سُئِل أمير المؤمنين (عليه السلام) عن قوله تعالى: ﴿مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِن فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰة طَيِّبَةۖ﴾[3]، فقال: «هِيَ الْقَنَاعَةُ»[4].

 

آثار القناعة في الروايات

1. القناعة غنى: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «من قنع بما رزقه الله، فهو أغنى الناس»[5].

 

 


[1]  الفيض الكاشانيّ، الوافي، ج3، ص79.

[2]  سورة طه، الآية 131.

[3]  سورة النحل، الآية 97.

[4]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص509.

[5]  الفيض الكاشانيّ، الوافي، ج3، ص79.

 

310


258

الموعظة الثانية والخمسون: القناعة

أوحى الله إلى داوود (عليه السلام): «وضعتُ الغنى في القناعة، والناس يطلبونه في كثرة المال، فلا يجدونه»[1].

 

2. العيش الهنيء: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «القناعة أهنأ عيش»[2].

 

وعنه (عليه السلام): «أنعم الناس عيشاً، من منحه الله القناعة، وأصلح له زوجه»[3].

 

3. الحساب اليسير: عن رسول الله(صلى الله عليه وآله):«اقنع بما أوتيته، يخفّ عليك الحساب»[4].

 

4. صلاح النفس: عن أمير المؤمنين(عليه السلام):«أعون شيء على صلاح النفس، القناعة»[5].

 

القناعة صفة الأنبياء

ممّا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ولَكِنَّ اللَّه سُبْحَانَه جَعَلَ رُسُلَه أُولِي قُوَّةٍ فِي عَزَائِمِهِمْ، وضَعَفَةً فِيمَا تَرَى الأَعْيُنُ مِنْ حَالَاتِهِمْ، مَعَ قَنَاعَةٍ تَمْلأُ الْقُلُوبَ والْعُيُونَ غِنًى، وخَصَاصَةٍ تَمْلأُ الأَبْصَارَ والأَسْمَاعَ أَذًى»[6].

 

عليّ (عليه السلام) المثل الأعلى في القناعة

جسّد أمير المؤمنين(عليه السلام) المثل الأعلى في القناعة بالكفاف والرضا بأبسط العيش، فقد ورد عنه (عليه السلام): «وايْمُ اللَّه يَمِيناً أَسْتَثْنِي

 

 


[1]  العلاّمة المجلسيّ، بحار الأنوار، 78، ص453.

[2]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص2639.

[3]  الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص124.

[4]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص2638.

[5]  الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص112.

[6]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص292.

 

311


259

الموعظة الثانية والخمسون: القناعة

أوحى الله إلى داوود (عليه السلام): «وضعتُ الغنى في القناعة، والناس يطلبونه في كثرة المال، فلا يجدونه»[1].

2. العيش الهنيء: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «القناعة أهنأ عيش»[2].

وعنه (عليه السلام): «أنعم الناس عيشاً، من منحه الله القناعة، وأصلح له زوجه»[3].

3. الحساب اليسير: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):«اقنع بما أوتيته، يخفّ عليك الحساب»[4].

4. صلاح النفس: عن أمير المؤمنين (عليه السلام):«أعون شيء على صلاح النفس، القناعة»[5].

 

 

القناعة صفة الأنبياء

ممّا ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ولَكِنَّ اللَّه سُبْحَانَه جَعَلَ رُسُلَه أُولِي قُوَّةٍ فِي عَزَائِمِهِمْ، وضَعَفَةً فِيمَا تَرَى الأَعْيُنُ مِنْ حَالَاتِهِمْ، مَعَ قَنَاعَةٍ تَمْلأُ الْقُلُوبَ والْعُيُونَ غِنًى، وخَصَاصَةٍ تَمْلأُ الأَبْصَارَ والأَسْمَاعَ أَذًى»[6].

 

عليّ (عليه السلام) المثل الأعلى في القناعة

جسّد أمير المؤمنين (عليه السلام) المثل الأعلى في القناعة بالكفاف والرضا بأبسط العيش، فقد ورد عنه (عليه السلام): «وايْمُ اللَّه يَمِيناً أَسْتَثْنِي

 

 


[1]  العلاّمة المجلسيّ، بحار الأنوار، 78، ص453.

[2]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص2639.

[3]  الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص124.

[4]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص2638.

[5]  الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص112.

[6]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص292.

 

311


260

الموعظة الثانية والخمسون: القناعة

فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللَّه، لأَرُوضَنَّ نَفْسِي رِيَاضَةً تَهِشُّ مَعَهَا إِلَى الْقُرْصِ، إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْه مَطْعُوماً، وتَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً»[1].

 

وممّا كان يحاسب أصحابه وولاته إذا خرج أحدهم عن حدّ القناعة ما كتبه إلى شُريح عندما بلغه أنّه اشترى داراً في عهده: «اشْتَرَى هَذَا الْمُغْتَرُّ بِالأَمَلِ مِنْ هَذَا الْمُزْعَجِ بِالأَجَلِ هَذِه الدَّارَ، بِالْخُرُوجِ مِنْ عِزِّ الْقَنَاعَةِ، والدُّخُولِ فِي ذُلِّ الطَّلَبِ والضَّرَاعَةِ»[2].

 

 


[1]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص419.

[2]  المصدر نفسه، ص365.

 

312


261

الموعظة الثالثة والخمسون: الحياء

الموعظة الثالثة والخمسون: الحياء

 

 

محاور الموعظة:

الحياء في الأخلاق
أنواع الحياء المطلوبة
بركات الحياء

 

هدف الموعظة:

بيان الحياء الممدوح الذي أوصت به الشريعة، وثماره على الفرد والمجتمع.

 

تصدير الموعظة:

«أو لعلّك بقلّة حيائي منك جازيتني، وسترت عليّ فما استحييت، أنا يا ربِّ الذي لم أستحيِك في الخلاء»[1].

 

 


[1]  الإمام زين العابدين (عليه السلام)، الصحيفة السجاديّة، ص222.

 

313


262

الموعظة الثالثة والخمسون: الحياء

الحياء في الأخلاق

هو خجل النفس من الإقدام على المعصية خوفاً من اللّوم والعقاب؛ لذلك فإنّ هذه الصفة ترتبط بالإيمان ارتباطاً وثيقاً، فقد ورد في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله): «من لا حياء له، فلا إيمان له»[1].

 

يقول أحد صحابة الرسول (صلى الله عليه وآله): ولقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أشدّ حياءً من العذراء في خدرها، وكان إذا كره شيئاً عرفناه في وجهه[2].

 

أنواع الحياء المطلوبة

1. حياء الإنسان من الله: يقول الله تعالى في حديث قدسيّ: «ما أنصفني عبدي، يدعوني فأستحي أن أردّه، ويعصيني وأنا أراه فلا يستحي منّي»[3].

 

وعن الإمام الكاظم (عليه السلام): «استحيوا من الله في سرائركم، كما تستحيون من الناس في علانيتكم»[4].

 

2. حياء الإنسان من الناس: عن أمير المؤمنين(عليه السلام): «من لم يستحِ من الناس، لم يستحِ من الله»[5].

 

وهنا ينبغي لفت النظر إلى ضرورة حياء المرأة في لباسها وكلامها وزينتها وتبرّجها، وآداب حضورها في الأماكن العامّة، وضرورة تحاشي المجالس المختلطة والجلسات والسهرات العبثيّة، فإنّ قلّة الحياء ممّا يفسد المجتمع ويشجّع على المعصية.

 

3. حياء الإنسان من نفسه: عن أمير المؤمنين(عليه السلام): «أحسن الحياء استحياؤك من نفسك»[6].

 

 


[1]  ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج19، ص47.

[2]  السيّد البروجرديّ، جامع أحاديث الشيعة، ج14، ص284.

[3]  ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج11، ص215.

[4]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص719.

[5] المصدر نفسه، ج1، ص718.

[6]  المصدر نفسه، ج1، ص719.

 

314


263

الموعظة الثالثة والخمسون: الحياء

وعنه (عليه السلام): «حياء الرجل من نفسه ثمرة الإيمان»[1].

 

4. الحياء في السرّ والعلانية: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من لم يستحِ من الله في العلانية، لم يستحِ من الله في السرّ»[2].

 

بركات الحياء

1. محو الخطايا: فعن أمير المؤمنين(عليه السلام): «الحياء من الله يمحو كثيراً من الخطايا»[3].

 

2. الصدّ عن الفعل القبيح: فإنّ من ملك الحياء لم يهن عليه الدخول في أيّ أمرٍ قبيح، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «الحياء يصدُّ عن الفعل القبيح»[4].

 

3. الستر: فالحياء يمنعه من الظهور بالعيب، فيبقى عيبه مستوراً عن العباد، فعن أمير المؤمنين(عليه السلام): «من كساه الحياء ثوبه، خفى على الناس عيبه»[5].

 

4. إضفاء الجمال: فالحياء من الصفات التي يميل إليها الإنسان بفطرته وينجذب إليها، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):«...ولا كان الحياء في شيء إلّا زانه»[6].

 

وجمعت بركات الحياء في حديث قدسيّ عن الله تعالى: «عبدي إنّك إذا استحيتَ منّي أنسيتُ الناس عيوبك، وبقاع الأرض ذنوبك، ومحوتُ من الكتاب زلّاتك، ولا أناقشك الحساب يوم القيامة»[7].

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص720.

[2]  المصدر نفسه،ج1، ص715.

[3]  المصدر نفسه، ج1، ص719.

[4]  المصدر نفسه، ج1، ص717.

[5]  البروجورديّ، جامع أحاديث الشيعة، ج14، ص284.

[6]  المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج3، ص599.

[7]  الديلميّ، إرشاد القلوب، ص144.

 

315


264

الموعظة الرابعة والخمسون: غضّ البصر

الموعظة الرابعة والخمسون: غضّ البصر

 

 

محاور الموعظة:

اطّلاع الله على خائنة الأعين
من ملأ عينه من حرام
غضّ البصر وحلاوة العبادة
النظرة الأولى خطأ والثانية عمد
ما يُستعان به على غضّ البصر

 

هدف الموعظة:

بيان أهمّيّة غضّ البصر، وما لذلك من آثار على مستوى صلاح الباطن، وانعكاسه على لذّة العبادة.

 

تصدير الموعظة:

﴿قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ ٣٠ وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ﴾[1].

 

 


[1] سورة النور، الآيتان 30 - 31.

 

316


265

الموعظة الرابعة والخمسون: غضّ البصر

لا شكّ في أنّ الحواس من النعم الإلهيّة التي أنعم الله بها على الإنسان، والتي لولاها لكانت الحياة شبه مستحيلة، إلّا أنّ هذه الحواس هي كذلك مسؤوليّة كبرى على عاتق الإنسان ليُحسِن استخدامها ويجعلها طريقاً إلى الجنّة والرضوان، لا إلى العذاب والشقاء. ومن أهمّ هذه الحواس حاسّة البصر التي أمرنا الله أن نؤدّيَ حقّها، وذلك بأن نغضّ أبصارنا عن حرامه.

 

ويُعدّ غضّ البصر اليوم من أشدّ الأمور التي تحتاج للكثير من الورع؛ نظراً لتفشّي أشكال المحرّمات حول الإنسان في كلّ مكان.

 

اطّلاع الله على خائنة الأعين

قال تعالى: ﴿يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ﴾[1].

 

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «قسم أرزاقهم، وأحصى آثارهم وأعمالهم، وعدّد أنفسهم، وخائنة أعينهم، وما تخفي صدورهم من الضمير»[2].

 

فالله محيطٌ بكلّ شيء ومطّلعٌ على أدقّ التفاصيل التي تصدر من الإنسان، يحصيها ويسجّلها كرام كاتبون لا تفوتهم كبيرة ولا صغيرة.

 

من ملأ عينه من حرام

شدّدت الشريعة على حرمة النظر المحرّم الذي يرجو فيه المرء لنفسه ما حُرّم عليه وتوعّدته بأشدّ العذاب، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من ملأ عينه من حرام، ملأ الله عينه يوم القيامة من النار، إلّا أن يتوب ويرجع»[3].

 


[1] سورة غافر، الآية 19.

[2]  الشيخ الصدوق، الأمالي، ص515.

[3]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص3291.

 

317


266

الموعظة الرابعة والخمسون: غضّ البصر

وفي روايةٍ أنّ هذا الغضبَ موجبٌ لغضب الله وسخطه، فعنه (صلى الله عليه وآله): «اشتدّ غضب الله عزّ وجلّ على امرأة ذات بعل، ملأت عينها من غير زوجها أو غير ذي محرم منها»[1].

 

غضّ البصر وحلاوة العبادة

شدّدت الشريعة على معاقبة من يمدّ بصره إلى الحرام، فإنّها وعدت من يغضّون أبصارهم رضاً لله بحسن الثواب في الدنيا والآخرة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما من مسلم ينظر امرأة أوّل رمقة ثمّ يغضّ بصره، إلّا أحدث الله تعالى له عبادة يجد حلاوتها في قلبه»[2].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «النظر سهم مسموم من سهام إبليس، فمن تركها خوفاً من الله، أعطاه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه»[3].

 

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «من نظر إلى امرأة فرفع بصره إلى السماء أو غمض بصره لم يرتدّ إليه بصره، حتّى يزوّجه الله من الحور العين»[4].

 

النظرة الأولى خطأ والثانية عمد

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): «يا عليّ، لك أوّل نظرة، والثانية عليك»[5].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «لا تتبع النظرة النظرة، لك الأولى وعليك الآخرة»[6].

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج 4، ص 3291.

[2]  المصدر نفسه.

[3]  المصدر نفسه،ج4، ص3291.

[4]  المصدر نفسه، ج4، ص3292.

[5]  الشيخ الصدوق، الخصال، ص306.

[6]  المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج5، ص468.

 

318


267

الموعظة الرابعة والخمسون: غضّ البصر

عن جرير: سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن نظرة الفجاءة، فأمرني أن أصرف بصري[1].

 

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة»[2].

 

وإذا كانت النظرة الثانية محرّمة، فمعنى ذلك أنّ الشيطان مختبئ بين النظرتين، وأنّه سرعان ما يدخل الشيطان بين الناظر والمنظور إليه.

 

ما يُستعان به على غضّ البصر

لا شكّ في أنَّ عفاف المجتمع وعدم ظهور الأشكال والصور المحرّمة من الإعلانات والدعايات والإغراءات يُساهم مساهمة كبرى في حفظ المجتمع وعدم انزلاق الرجال والنساء في مزالق السوء، كما أنّ غضّ البصر يحتاج كذلك إلى رادعٍ من نفس الإنسان يعصمه عن ذلك.

 

قال تعالى حكايةً عن لسان يوسف (عليه السلام): ﴿وَإِلَّا تَصۡرِفۡ عَنِّي كَيۡدَهُنَّ أَصۡبُ إِلَيۡهِنَّ وَأَكُن مِّنَ ٱلۡجَٰهِلِينَ﴾[3].

 

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ما اعتصم أحدٌ بمثل ما اعتصم بغضّ البصر، فإنّ البصر لا يغضّ عن محارم الله إلّا وقد سبق إلى قلبه مشاهدة العظمة والجلال»[4].

 

وسُئِل أمير المؤمنين (عليه السلام): بمَ يستعان على غضّ البصر؟ فقال: 

 

 


[1]  المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج5، ص468.

[2]  الشيخ المفيد، الأمالي، ص208.

[3]  سورة يوسف، الآية 33.

[4] العلاّمة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج101، ص41.

 

319


268

الموعظة الرابعة والخمسون: غضّ البصر

«بالخمود تحت سلطان المطّلع على سترك»[1].

 

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في صفة الراغبين في الله سبحانه بعد ذكر أصناف أهل الدنيا: «وبَقِيَ رِجَالٌ غَضَّ أَبْصَارَهُمْ ذِكْرُ الْمَرْجِعِ، وأَرَاقَ دُمُوعَهُمْ خَوْفُ الْمَحْشَرِ»[2].

 

وقال (عليه السلام) في وصف المتّقين: «غَضُّوا أَبْصَارَهُمْ عَمَّا حَرَّمَ اللَّه عَلَيْهِمْ، ووَقَفُوا أَسْمَاعَهُمْ عَلَى الْعِلْمِ النَّافِعِ لَهُمْ»[3].

 

 


[1]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 101 ، ص 41.

[2]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص75.

[3]  المصدر نفسه، ص303.

 

320


269

الموعظة الخامسة والخمسون: آداب الأخوّة من وصيّة أمير المؤمنين لابنه الحسن (١)

الموعظة الخامسة والخمسون: آداب الأخوّة من وصيّة أمير المؤمنين لابنه الحسن (١)

 

 

محاور الموعظة:

حقوق الإخوة في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)

 

هدف الموعظة:[1]

الحثّ على معرفة حقوق الإخوة التي أوصت بها الشريعة الإسلاميّة، واحترامها والالتزام بها.

 

تصدير الموعظة:

﴿وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآء فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنا﴾[2].

 

 


[1]  مقتطعة من وصيّة أمير المؤمنين لابنه الحسن(عليهما السلام) التي كتبها له عند خروجه إلى صفّين.

[2]  سورة آل عمران، الآية 103.

 

321


270

الموعظة الخامسة والخمسون: آداب الأخوّة من وصيّة أمير المؤمنين لابنه الحسن (١)

تُعدّ حقوق الإخوة من أهمّ القضايا وأقدسها في نظر الإسلام؛ لأنّها تتعدّى الأخلاق الفرديّة عند الإنسان لتؤثّر على قضايا الشأن العامّ والمجتمع، وذلك لما تتركه من أثرٍ بالغٍ على تماسك هذا المجتمع أو تفكّكه. وبالتالي، فإنّ الاستهتار بهذه الحقوق أو الاستخفاف بها أو تضييعها من الذنوب التي تُخرج المرء من حقيقة الإيمان.

 

وفيما يأتي نستعرض بعض ما جاء في وصيّة أمير المؤمنين، مع لفت النظر إلى العناوين الفرعيّة التي أشار إليها الإمام (عليه السلام) في مجال حقوق الإخوة:

1. التنافس في المودّة: يقول (عليه السلام): «اِحْمِلْ نَفْسَكَ مِنْ أَخِيكَ عِنْدَ صَرْمِه عَلَى الصِّلَةِ، وعِنْدَ صُدُودِه عَلَى اللَّطَفِ والْمُقَارَبَةِ، وعِنْدَ جُمُودِه عَلَى الْبَذْلِ، وعِنْدَ تَبَاعُدِه عَلَى الدُّنُوِّ، وعِنْدَ شِدَّتِه عَلَى اللِّينِ، وعِنْدَ جُرْمِه عَلَى الْعُذْرِ، حَتَّى كَأَنَّكَ لَه عَبْدٌ وكَأَنَّه ذُو نِعْمَةٍ عَلَيْكَ، وإِيَّاكَ أَنْ تَضَعَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِه، أَوْ أَنْ تَفْعَلَه بِغَيْرِ أَهْلِه»[1].

 

وفي كلامه (عليه السلام) دلالة واضحة أنّ المعادلة التي ينبغي اعتمادها بين الإخوة هي مبادلة الإساءة بالإحسان بشكلٍ عامّ، ودفع السيّئة بالحسنة.

 

2. لا تصادق عدوّه: يقول (عليه السلام): «لَا تَتَّخِذَنَّ عَدُوَّ صَدِيقِكَ صَدِيقاً، فَتُعَادِيَ صَدِيقَكَ»[2].

 

 


[1]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص403.

[2]  المصدر نفسه.

 

322


271

الموعظة الخامسة والخمسون: آداب الأخوّة من وصيّة أمير المؤمنين لابنه الحسن (١)

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أصدقاؤك ثلاثة وأعداؤك ثلاثة: فأصدقاؤك: صديقك وصديق صديقك وعدوّ عدوّك، وأعداؤك: عدوّك وعدوّ صديقك وصديق عدوّك»[1].

 

والمراد هنا ليس العدوّ الشخصيّ الذي يعاديه الصديق لنزاعٍ في أمرٍ من أمور الدنيا، وإنّما المراد به العدوّ في النهج والأخلاق الذي يعاديه في الدين والعقيدة.

3. النصح له: يقول (عليه السلام): «وامْحَضْ أَخَاكَ النَّصِيحَةَ، حَسَنَةً كَانَتْ أَوْ قَبِيحَةً»[2].

 

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّ أخاك حقّاً مَن غفر زلّتك، وسدّ خلّتك، وقَبِل عذرك، وستر عورتك، ونفى وجلك، وحقّق أملك»[3].

 

فالأخ ينتظر من أخيه النصح والهداية، وإنارة الطريق، ومدّ يد العون، ولا ينتظر الإدانة والاستنكار والشماتة ومجافاته عند أوّل زلّة.

 

4. تحمّل الأذى: يقول (عليه السلام): «وتَجَرَّعِ الْغَيْظَ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ جُرْعَةً أَحْلَى مِنْهَا عَاقِبَةً، ولَا أَلَذَّ مَغَبَّةً، ولِنْ لِمَنْ غَالَظَكَ، فَإِنَّه يُوشِكُ أَنْ يَلِينَ لَكَ، وخُذْ عَلَى عَدُوِّكَ بِالْفَضْلِ، فَإِنَّه أَحْلَى الظَّفَرَيْنِ»[4].

 

فإنّ الأذى من شِيَم النفوس الضعيفة، بينما تحمّل الأذى من شِيَم النفوس الكريمة.

 


[1] الشيخ المحموديّ، نهج السعادة، ج7، ص408.

[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص403.

[3]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص44.

[4]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص403.

 

323


272

الموعظة الخامسة والخمسون: آداب الأخوّة من وصيّة أمير المؤمنين لابنه الحسن (١)

5. عدم القطيعة المطلقة: يقول (عليه السلام): «وإِنْ أَرَدْتَ قَطِيعَةَ أَخِيكَ، فَاسْتَبْقِ لَه مِنْ نَفْسِكَ بَقِيَّةً يَرْجِعُ إِلَيْهَا، إِنْ بَدَا لَه ذَلِكَ يَوْماً مَا»[1].

 

فإنّ الهجران من أسوأ ما يصيب الإنسان المسلم ويُدحِض أعماله، ففي وصيّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأبي ذرّ: «يا أبا ذرّ، إيّاك وهجران أخيك؛ فإنّ الله لا يتقبّل عملاً مع الهجران. يا أبا ذرّ، أنهاك عن الهجران، فإن كنت فاعلاً فلا تهجره ثلاثة أيّام كملاً، فمن مات فيها مهاجراً لأخيه كانت النّار أولى به»[2].

 

6. كن عند حسن الظنّ بك: يقول (عليه السلام): «ومَنْ ظَنَّ بِكَ خَيْراً فَصَدِّقْ ظَنَّه»[3]؛ فإنّ عدمَ التصديق مدعاةٌ للشكّ، والشكَّ مدعاةٌ للجفاء، والجفاءَ مقدّمةٌ للقطيعة.

 

7. عدم الاستخفاف بحقوقه لقربه: يقول (عليه السلام): «ولَا تُضِيعَنَّ حَقَّ أَخِيكَ اتِّكَالاً عَلَى مَا بَيْنَكَ وبَيْنَه، فَإِنَّه لَيْسَ لَكَ بِأَخٍ مَنْ أَضَعْتَ حَقَّه»[4]، بل ينبغي في مراعاة الحقوق الأقرب فالأقرب، فكلّما كان الأخ قريباً وجب حقّه أكثر، وبات تضيّيع حقّه أكثر عصياناً ونكراناً لحقوق الإخوة.

 

8. عدم التعامل بقسوة: يقول (عليه السلام): «ولَا يَكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى الْخَلْقِ بِكَ»[5].


[1]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص 403.

[2]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج12، ص264.

[3] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص403.

[4]  المصدر نفسه.

[5] المصدر نفسه.

 

324


273

الموعظة الخامسة والخمسون: آداب الأخوّة من وصيّة أمير المؤمنين لابنه الحسن (١)

فالشقاوة تورث النفور، وإنّما الصفة التي ينبغي اعتمادها في التعاطي هي الرحمة والحرص على المؤمنين.

 

9. آخِ من يودّ مؤاخاتك: يقول (عليه السلام): «ولَا تَرْغَبَنَّ فِيمَنْ زَهِدَ عَنْكَ»[1].

 

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «زُهْدُكَ فِي رَاغِبٍ فِيكَ نُقْصَانُ حَظٌّ، ورَغْبَتُكَ فِي زَاهِدٍ فِيكَ ذُلُّ نَفْسٍ»[2].

 

10. المبادلة بالأحسن: يقول (عليه السلام): «ولَا يَكُونَنَّ أَخُوكَ أَقْوَى عَلَى قَطِيعَتِكَ مِنْكَ عَلَى صِلَتِه، ولَا تَكُونَنَّ عَلَى الإِسَاءَةِ أَقْوَى مِنْكَ عَلَى الإِحْسَانِ»[3].

 

11. التفكّر في عواقب الأمور: يقول (عليه السلام): «ولَا يَكْبُرَنَّ عَلَيْكَ ظُلْمُ مَنْ ظَلَمَكَ؛ فَإِنَّه يَسْعَى فِي مَضَرَّتِه ونَفْعِكَ، ولَيْسَ جَزَاءُ مَنْ سَرَّكَ أَنْ تَسُوءَه»[4].

 

 


[1]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص 403.

[2]  المصدر نفسه، ص555.

[3]  المصدر نفسه، ص403.

[4]  المصدر نفسه، ص403 - 404.

 

325


274

الموعظة السادسة والخمسون: مظاهر الفساد وأشكاله

الموعظة السادسة والخمسون: مظاهر الفساد وأشكاله

 

 

محاور الموعظة:

بعض مظاهر الفساد وأشكاله
أسس علاج الفساد

 

 

هدف الموعظة:

التنبيه إلى الأشكال المختلفة للفساد في مجتمعاتنا وضرورة مواجهته.

 

تصدير الموعظة:

﴿تِلۡكَ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فَسَاداۚ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ﴾[1].

 

 


[1]  سورة القصص، الآية 83.

 

329


275

الموعظة السادسة والخمسون: مظاهر الفساد وأشكاله

إنّ التصدّي للفساد، سواء أكان حالات فرديّة أم ظاهرة اجتماعيّة، يُعدّ حاجة دينيّة وأخلاقيّة وإنسانيّة، بل ضرورة من ضروريّات الحياة التي لا يمكن أن تستقيم من دونها، وهذا الأمر له وسائله العلميّة التي تحتاج إلى دراسة أيّ ظاهرة وطبيعتها وأسبابها أو دوافعها ونوعها ومحرّكاتها، وإظهار آثارها السلبيّة والمدمّرة للمجتمع، أفراداً وجماعات، وخطرها على انهيار القيم والمثل والمعايير، والتمسّك بمبادئ الإسلام بقيمه ومثله ومعاييره وأخلاقيّاته وقواعده وفضائله خياراً وحيداً في بناء المجتمع الصالح والمؤمن. فالإسلام مدرسة جامِعة في الطهر والطهارة والعفّة والصدق والأمانة، ودعوة للإصلاح والبناء والسلوك القويم، والبعد عن مظاهر الفساد كلّها، إذ باتت وباءً شديد الوطأة وسريع الانتشار في الوقت الراهن.

 

بعض مظاهر الفساد وأشكاله

1. الفساد الفكريّ: أي عدم الإيمان بالله، قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَمِنۡهُم مَّن يُؤۡمِنُ بِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن لَّا يُؤۡمِنُ بِهِۦۚ وَرَبُّكَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُفۡسِدِينَ﴾[1]، وقال تعالى: ﴿أَمۡ نَجۡعَلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ كَٱلۡمُفۡسِدِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ نَجۡعَلُ ٱلۡمُتَّقِينَ كَٱلۡفُجَّارِ﴾[2].

 

فالفساد نتيجة طبيعيّة للابتعاد عن الله؛ لأنّه على طرف النقيض مع الإيمان، ولا ينبغي أن نتأمّل الإصلاح من غير أهل الصلاح، قال تعالى: ﴿فَهَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن تَوَلَّيۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرۡحَامَكُمۡ﴾[3].

 

 


[1]  سورة يونس، الآية 40.

[2] سورة ص، الآية 28.

[3] سورة محمّد، الآية 22.

 

330


276

الموعظة السادسة والخمسون: مظاهر الفساد وأشكاله

2. الفساد الاقتصاديّ: ﴿وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ﴾[1]. فالغشّ في الكيل أو في الميزان وفي سائر المعاملات الاقتصاديّة والماليّة وما له علاقة بالأجور والضمانات والتقديمات، ومعايير المساواة والعدالة في التوزيع، وأخذ الرشاوى واستغلال المناصب، والتعدّي على المال العامّ، وغير ذلك من السلوكيّات التي نهى عنها الإسلام في الحقل التجاريّ وفي سائر حقول الحياة، وكم نحن اليوم بأمسّ الحاجة في هذه الأيّام إلى التمسّك بأخلاقيّات الإسلام وقيمه في تعاملاتنا الاقتصاديّة.

 

هذا النوع من الفساد يستشري اليوم في المجتمعات كافّة، وثمّة من يشجّع عليه، بل يجد فيه لذّة ومتعة ومنفعة وإشباعاً لأطماعه وحاجاته وغرائزه وشهواته وعلله المرضيّة.

 

3. الفساد السياسيّ: قال تعالى: ﴿يُذَبِّحُ أَبۡنَآءَهُمۡ وَيَسۡتَحۡيِۦ نِسَآءَهُمۡۚ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ﴾[2].

 

يحذّر الدين الإسلاميّ من ممارسة الفساد على يد من يتولّون الحكم أو الإدارة أو السيطرة على المجتمع، ويعطي النموذج الفرعونيّ شاهداً على ذلك. كما نلاحظ اليوم أنّ بعض الأشخاص قد يظلّون على قيم حتّى إذا ما تولّوا السلطة تحوّلوا إلى ظَلَمة وطغاة وجبابرة وعدوانيّين، وسادهم الطمع والجشع والغرور والتعالي، حتّى مع الذين ساعدوهم في تولّي السلطة.

 

 


[1]  سورة الشعراء، الآية 183.

[2]  سورة القصص، الآية 4.

 

331


277

الموعظة السادسة والخمسون: مظاهر الفساد وأشكاله

ومن أبشع مظاهر الفساد السياسيّ مواجهة الدعوة الإلهيّة باعتبارها فساداً في الأرض. قال تعالى حكايةً عن أصحاب فرعون: ﴿أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِيُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ﴾[1]، وكما حدث مع الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه عندما صوّروهم كخارجين عن الإسلام، وقالوا تلك المقالة الزائفة بأنّ الحسين (عليه السلام) قُتل بسيف جدّه.

 

4. الفساد الاجتماعيّ: قال تعالى: ﴿وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَا وَٱدۡعُوهُ خَوۡفا وَطَمَعًاۚ﴾[2]، وذلك إشارة إلى أنّ الأرض مخلوقةٌ بنظام تامّ، يكفل لها صلاحها، والإنسان هو الذي يُفسِدها. كما يلاحَظ اليوم في مشكلة تلويث البيئة الطبيعيّة، إنّما يحدث التلوّث المائيّ أو الهوائيّ أو الأرضيّ على يد الإنسان المعاصر بما يطلقه فيها من سموم وأبخرة وأتربة وغبار ودخان وغازات سامّة وجراثيم، وما يقوم به من اعتداءات على البيئة، فيصيبها بالتصحّر والجفاف، ويقوم بتجريف الأرض الزراعيّة، ويُلقي بمخلّفاته في مجاري المياه العذبة.

 

ولعلّ من أبرز أشكال الفساد الاجتماعيّ القضاء على روحيّة الإنسان وقيمه، وتدمير الروح الإنتاجيّة والمعطاءة في نفسه، كما عبّر الله تعالى بقوله: ﴿لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡفَسَادَ﴾[3].

 

5. الفساد الأخلاقيّ: قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ

 

 


[1] سورة الأعراف، الآية 127.

[2] سورة الأعراف، الآية 56.

[3]  سورة البقرة، الآية 205.

 

332


278

الموعظة السادسة والخمسون: مظاهر الفساد وأشكاله

قَالُوٓاْ إِنَّمَا نَحۡنُ مُصۡلِحُونَ﴾[1]، ولا شكّ في أنّ هذا النوع من الفساد يأبى مرتكبوه الاعتراف به، بل يصوّرونه على أنّه إصلاحٌ وهدى من باب التضليل، وقد يتوهّم ذلك فعلاً من جرّاء قصر بصيرته ووعيه وإدراكه.

كما أنّ الفساد الأخلاقيّ قد لا يقتصر على المعاصي؛ كالسرقة والزنا وتفشّي الرذيلة والفحشاء في المجتمع، بل قد يقود إلى حدوث الفتن والصراعات والنزاعات العرقيّة والطائفيّة والمذهبيّة، فيعكّر صفاء الحياة، ويصبح نوعاً من أنواع الفساد السياسيّ.

أسس علاج الفساد

1. التذكير بالآخرة: قال تعالى ﴿وَٱرۡجُواْ ٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ﴾[2]، فتربية الإنسان على الإيمان بالله وحده وعلى رجاء الفوز باليوم الآخر ومخافته وخشية حساب الله فيه وعقابه العاصين، واعتبار أنَّ الفوز والخسران مرتبطان بحسنات الإنسان وسيّئاته، وتعزيز هذه الثقافة، يجعل من المجتمع مجتمعاً مُصاناً من أيّ تلوّث أخلاقيّ أو تردٍّ إلى الفساد والانحطاط.

2. إيقاظ الضمير الأخلاقيّ: الضمير الأخلاقيّ من أهمّ عناصر بناء الشخصيّة في الإسلام، فهو عبارة عن القوّة الرادعة داخل الإنسان، وهو مستودع القيم والمثل والمعايير والمبادئ الأخلاقيّة والمثاليّة والفضائل والسمات الحميدة، وأفضل ما يتكوّن عن طريق التربية الإسلاميّة على حبّ قيم الحقّ والخير والجمال والعفّة والفضيلة

 

 


[1]  سورة البقرة، الآية 11.

[2]  سورة العنكبوت، الآية 36.

 

333


279

الموعظة السادسة والخمسون: مظاهر الفساد وأشكاله

والتقوى والأمانة والصدق والولاء والكرم والجود، وعن طريق الضمير الحيّ، فيستطيع الإنسان أن يميّز بين الصواب والخطأ بالنسبة إلى سلوكه، كما يستطيع أن يميّز الفساد وأهله من الصلاح وأهله في الحياة ببركة نعمة الضمير الإلهيّة.

 

3. تصدّي المجتمع: أحدهما إيجابيّ والآخر سلبي: أمّا السلوك الإيجابيّ، فيتمثّل بالتوعية على مواجهة الفساد منذ الصغر، والتنشئة الإسلاميّة تتعهّد الطفل منذ نعومة أظفاره وتغرس فيه قيم الحقّ والعدل والمساواة والواجب وتحمّل المسؤولية والإيمان بالله العظيم ورسوله الكريم وبالآخرة، والصدق والأمانة والعفّة، والتمسك بالشرف والشجاعة والرجولة والكرم والجود والكفاح والنضال والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الحقّ، والدفاع عن الأمّة الإسلاميّة، وحبّ الإسلام والتمسّك به قولاً وفعلاً أو عقيدة وسلوكاً.

 

وأمّا السلوك السلبيّ، فيعني معاقبة كلّ ما من شأنه الإضرار بالمجتمع الذي له حقّ الحياة الكريمة وقمع أشكال الفساد كافّة، ولا سيّما بعد فشل السلوك الإيجابيّ. ومن هنا كان تشريع الحدود والديّات والكفّارات والسجون وسواها من العقوبات التي تنشر الحياة بين الناس، قال تعالى: ﴿وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰة يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ﴾[1].

 


[1]  سورة البقرة، الآية 179.

 

334


280

الموعظة السابعة والخمسون: أسباب الفساد وآثاره

الموعظة السابعة والخمسون: أسباب الفساد وآثاره

 

محاور الموعظة:

أسباب ظهور الفساد
عاقبة الفساد في الدنيا والآخرة

 

 

هدف الموعظة:

بيان وجهة النظر القرآنيّة في موضوع ظهور الفساد وأسبابه وأشكاله.

 

تصدير الموعظة:

﴿ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ﴾[1].


 


[1]  سورة الروم، الآية 41.

 

335


281

الموعظة السابعة والخمسون: أسباب الفساد وآثاره

تبيّن الآية أنّ ظهور الفساد في الأرض وتفشّيه في جوانب الحياة العصريّة كافّة، السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والتربويّة والثقافيّة والإداريّة؛ ليطغى على كلّ شيء كما عبّر الله: ﴿فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ﴾، إنّما هو بفعل الإنسان وطغيانه وابتعاده عن سبيل الهدى، وظلمه لنفسه وللآخرين. كما أنَّ الله أوضح تماماً أنّ الإنسان سيُعاني من ظهور هذا الفساد، ويحّول حياته إلى جحيمٍ وعذابٍ شديديْن، لعلّ ذلك يجعل الإنسان يُدرك تماماً أن لا سبيل إلى الحياة الكريمة والهانئة إلّا في ربوع الإيمان وطاعة الله، فيرجع عن غيّه وفساده.

 

أسباب ظهور الفساد

1. عدم التكافل الاجتماعيّ: قال تعالى: ﴿وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡض لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ﴾[1]، فالفساد يُعشعش في المجتمعات التي لا تُولي الشأن العامّ أيّ أهمّيّة، وتعتني بكلّ ما هو فرديّ وخاصّ، ممّا يُفقِد المجتمع أيّ شكل من أشكال الترابط والتلاحم، فيَسهُل التسلّل إلى عمقه والقضاء عليه.

2. اتّباع الهوى: قال تعالى: ﴿وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلۡحَقُّ أَهۡوَآءَهُمۡ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ﴾[2]؛ أيّ إنّ الإنسان ما لم يكبح جماح شهواته وغرائزه؛ كالأنانيّة، والجشع، والطمع، وحبّ التسلّط وغيرها، ويضع حدّاً لنزواته وميوله النفسيّة الطائشة، فإنّ النفس تجمح بالإنسان وتقوده إلى الفساد الذي قد يطغى على السماوات والأرض.

 


[1] سورة البقرة، الآية 251.

[2]  سورة المؤمنون، الآية 71.

 

336


282

الموعظة السابعة والخمسون: أسباب الفساد وآثاره

3. سياسة الظالمين: قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلۡمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرۡيَةً أَفۡسَدُوهَا وَجَعَلُوٓاْ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَآ أَذِلَّةۚ وَكَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ﴾[1]، فسياسة الظالمين قائمة على تبديل المعايير في الحياة، فالأعزّة عندهم هم المقرّبون إليهم، وحاشيتهم، والحامون لضلالاتهم وانحرافاتهم، حتّى إن كانوا أذلّة، وأعزّة الناس الذين هم أهل الصلاح والكلمة الجريئة والرأي الحرّ يعترضون طريقهم ويجعلونهم أذلّة.

 

4. الابتعاد عن الشريعة: قال تعالى: ﴿إِلَّا تَفۡعَلُوهُ تَكُن فِتۡنَة فِي ٱلۡأَرۡضِ وَفَسَاد كَبِير﴾[2].

 

قال تعالى: ﴿فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِٱلۡمُفۡسِدِينَ﴾[3]؛ أيّ إنْ أعرضوا عن دين الله وأحكامه فلا يتوهمنّ أنّ الله غافلٌ عنهم، بل إنّ الله عليم بفساد المفسدين الذين يعدلون عن الحقّ إلى الباطل، أيّ الذين يبتعدون عن الحقّ ويلجؤون إلى الباطل.

 

5. عدم الإيمان: قال تعالى: ﴿وَمِنۡهُم مَّن يُؤۡمِنُ بِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن لَّا يُؤۡمِنُ بِهِۦۚ وَرَبُّكَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُفۡسِدِينَ﴾[4].

 

فإنّ عدم الدين الحنيف والتشكيك فيه يُعدّ مظهراً من مظاهر الفساد الدينيّ الذي واجهته الأمّة في مطلع الدعوة الإسلاميّة، وهي تواجهه اليوم، بل لقد تعدّدت أشكال الفساد واتّسع مداها، وأصبحت تشمل جوانب الحياة الأخلاقيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والأسريّة والدوليّة كلّها.

 

 


[1]  سورة النمل، الآية 34.

[2]  سورة الأنفال، الآية 73.

[3]  سورة آل عمران، الآية 63.

[4]  سورة يونس، الآية 40.

 

337


283

الموعظة السابعة والخمسون: أسباب الفساد وآثاره

6. ظلم الناس حقوقهم: قال تعالى: ﴿وَلَا تَبۡخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ﴾[1]. وهو من أسوأ أشكال فساد النفس التي يُقدِم صاحبها على التجرّؤ على الله ورسالته وعباده، فيظلمهم في ما يملكون. هذا النوع من الفساد الذي كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول فيه: «إنّي لو أُعطيت الأقاليم السبع، على أن أعصيَ الله في نملةٍ أسلبها جلب شعيرة، ما فعلت»[2].

 

عاقبة الفساد في الدنيا والآخرة

1. البغض من الله: قال تعالى: ﴿وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَاداۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ﴾[3]، وعدم حبّه للفساد يستلزم بطبيعة الحال عقابه عليه.

 

2. إبطال مفاعيل الفساد: قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبۡطِلُهُۥٓ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُصۡلِحُ عَمَلَ ٱلۡمُفۡسِدِينَ﴾[4]؛ لأنّ مصير الفساد أن تنكشف حقيقة الفاسد أمام الناس، وعدم صلاحيّته وأهليّته لحياة الناس، ممّا يُسهِم في ابتعاد الناس عنه.

 

3. عاقبة السوء في الدنيا: قال تعالى: ﴿فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ﴾[5]، والتاريخ القديم والحديث يزخران بقصص الطواغيت والحكّام الظالمين، وأئمّة الجور، وكيف كانت عاقبتهم في الدنيا، وكيف لفظهم الناس، وألقوا بهم على مزابل التاريخ.


[1]  سورة الشعراء، الآية 183.

[2] السيّد محسن الأمين، أعيان الشيعة، ج1، ص393.

[3]  سورة المائدة، الآية 64.

[4]  سورة يونس، الآية 81.

[5]  سورة الأعراف، الآية 103.

 

339


284

الموعظة الثامنة والخمسون: حبّ الدنيا

الموعظة الثامنة والخمسون: حبّ الدنيا

 

محاور الموعظة:

أخطار حبّ الدنيا في النصوص
آثار حبّ الدنيا
كيف ينبغي النظر إلى الدنيا؟

 

هدف الموعظة:

التذكير بعدم الركون إلى الدنيا وزخارفها والتعلّق بها، وإنّ ذلك يُبعِد عن الآخرة وأعمالها.

 

تصدير الموعظة:

«سيّدي أخرج حبّ الدنيا من قلبي، واجمع بيني وبين المصطفى وآله»[1].

 

 


[1]  الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجِّد وسلاح المتعبِّد، ص591.

 

340


285

الموعظة الثامنة والخمسون: حبّ الدنيا

يصوّر القرآنُ الكريم الدنيا بمجموعةٍ من الأوهام التي يَحسبُها الإنسان قضايا مهمّة، لكنّها في الواقع ليس لها أيّ قيمة، والتعلّق بها يؤدّي إلى النار والعذاب، وخسران الآخرة، كما قال تعالى: ﴿ٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا لَعِب وَلَهۡو وَزِينَة وَتَفَاخُرُۢ بَيۡنَكُمۡ وَتَكَاثُر فِي ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَوۡلَٰدِۖ كَمَثَلِ غَيۡثٍ أَعۡجَبَ ٱلۡكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰماۖ وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَاب شَدِيد﴾[1].

 

أخطار حبّ الدنيا في النصوص

1. حبّ الدنيا مصدر الخطايا: لأنّ مُحبّ الدنيا غافلٌ عن آخرته، ناسٍ لقاءَ ربّه، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «رأس كلّ خطيئة، حبّ الدنيا»[2].

2. لا يجتمع حبّ الدنيا مع حبّ الآخرة: فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِنَّ الدُّنْيَا والآخِرَةَ عَدُوَّانِ مُتَفَاوِتَانِ، وسَبِيلَانِ مُخْتَلِفَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ الدُّنْيَا وتَوَلَّاهَا أَبْغَضَ الآخِرَةَ وعَادَاهَا، وهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرِقِ والْمَغْرِبِ ومَاشٍ بَيْنَهُمَا، كُلَّمَا قَرُبَ مِنْ وَاحِدٍ بَعُدَ مِنَ الآخَرِ، وهُمَا بَعْدُ ضَرَّتَانِ»[3].

3. ترك الاستعداد للآخرة: ورد في الحديث عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «من أحبّ الدنيا، ذهب خوف الآخرة من قلبه»[4]، ومعناه ترك الإعداد لأهوالها والعمل للنجاة منها، فخوفها مقدّمة لذلك، فإذا نزع الخوف لم يحذر ليُفاجَأ بها.

 


[1] سورة الحديد، الآية 20.

[2]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص315.

[3]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص486.

[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج78، ص315.

 

341


286

الموعظة الثامنة والخمسون: حبّ الدنيا

4. حبّ الدنيا يضيّع الدين: فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أَلَا وإِنَّه لَا يَضُرُّكُمْ تَضْيِيعُ شَيْءٍ مِنْ دُنْيَاكُمْ بَعْدَ حِفْظِكُمْ قَائِمَةَ دِينِكُمْ، أَلَا وإِنَّه لَا يَنْفَعُكُمْ بَعْدَ تَضْيِيعِ دِينِكُمْ شَيْءٌ حَافَظْتُمْ عَلَيْه مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ»[1].

 

5. حبّ الدنيا تعلّق بوهمٍ: لأنّه تعلّقٌ بأمر فانٍ، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أَلَا وإِنَّهَا لَيْسَتْ بِبَاقِيَةٍ لَكُمْ، ولَا تَبْقَوْنَ عَلَيْهَا... وسَابِقُوا فِيهَا إِلَى الدَّارِ الَّتِي دُعِيتُمْ إِلَيْهَا، وانْصَرِفُوا بِقُلُوبِكُمْ عَنْهَا»[2].

 

آثار حبّ الدنيا

نقتصر هنا على ذكر حديثين يبيّنان الآثار التي يتركها حبّ الدنيا على النفس الإنسانيّة:

1. مفسدة العقل: رُوِيَ عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «حبّ الدنيا يُفسِد العقل، ويُصِمّ القلب عن سماع الحكمة ويوجب أليم العقاب»[3].

 

2. مجمع الرذائل: رُوِيَ عن الإمام الصادق (عليه السلام): «فمن أحبّها أورثته الكِبر، ومن استحسنها أورثته الحرص، ومن طلبها أورثته الطمع، ومن مدحها أورثته الرياء، ومن أرادها مكّنته من العُجب، ومن اطمأنّ إليها أركبته الغفلة»[4].

 

كيف ينبغي النظر إلى الدنيا؟

1. دار تزوّد ومزرعة للآخرة: فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «الدنيا دار

 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص249.

[2]  المصدر نفسه، ص248.

[3]  الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص231.

[4]  الإمام الصادق، جعفر بن محمّدعليهما السلام (منسوب)، مصباح الشريعة، ص197، باب 32.

 

342


287

الموعظة الثامنة والخمسون: حبّ الدنيا

ممرّ لا دار مقرّ، فخذوا من دار ممرّكم لمستقرّكم»[1]، وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «نعم العون على الآخرة الدنيا»[2].

 

وفي روايةٍ عن أبي يعفور: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّا لنحبّ الدنيا، فقال لي: «تصنع بها ماذا؟»، فقلت: أتزوّج منها، وأحجّ، وأنفق على عيالي، وأنيل إخواني، وأتصدّق، قال لي: «ليس هذا من الدنيا، هذا من الآخرة»[3].

 

2. مخلوقة لغيرها: فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «الدُّنْيَا خُلِقَتْ لِغَيْرِهَا، وَلَمْ تُخْلَقْ لِنَفْسِهَا»[4]؛ أي خُلقت معبراً يعبر منها الإنسان إلى آخرته.

 

 


[1]  الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص177.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص72.

[3]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج70، ص62.

[4]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، ص557.

 

343


288

الموعظة التاسعة والخمسون: أذيّة المؤمنين

الموعظة التاسعة والخمسون: أذيّة المؤمنين

 

محاور الموعظة:

من مصاديق الأذى

 

هدف الموعظة:

بيان مصاديق التعامل بأذى، وحثّ المؤمن على الاحتراز منها في تعامله مع الناس.

 

تصدير الموعظة:

﴿وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحۡتَمَلُواْ بُهۡتَٰنا وَإِثۡما مُّبِينا﴾[1].

 

 


[1]  سورة الأحزاب، الآية 58.

 

344


289

الموعظة التاسعة والخمسون: أذيّة المؤمنين

حرصت الشريعة على إظهار المؤمن بصورة المتسامِح الودود، الذي لا يُضمر ضغينة أو حقداً على أيٍّ من المخلوقات أو الأشياء، وأن يتميّز بشخصيّةٍ إنسانيّةٍ رقيقة، لا تتجرّأ على الإقدام على أيّ أمرٍ من شأنه أن يُدخلَ الأذى أو الإهانة على أخيه، بل يتصرّف من خلال احترامه لنفسه واحترامه للآخرين، ويحبّ لهم ما يحبّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لها، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «فازوا والله الأبرار، أتدري من هم؟ هم الذين لا يؤذون الذرّ»[1].

 

وسنستعرض بعض مفردات الأذى التي ورد النهي عنها في النصوص المقدّسة:

1. الإيذاء: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من آذى مؤمناً، فقد آذاني»[2]. ودلالة الحديث في اعتبار أنّ كرامة المؤمن وعزّته من كرامة رسول الله (صلى الله عليه وآله) واضحة، وكذلك فإنّ الاستخفاف بها استهتارٌ بكرامة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والعياذ بالله، وإيذاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) تعدٍّ على الذات المقدّسة؛ لذلك ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال الله عزّ وجلّ: ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن»[3].

 

2. الترويع: بمعنى التخويف وإدخال الرعب إلى قلب الآخر، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا يحلّ لمسلم أن يروّع مسلماً»[4]. ولا يخفى أنّ الترويع هنا ليس ناظراً إلى حالات شهر السلاح والتهديد بالقتل مثلاً، فإنّ ذلك له حكمه الخاصّ كما سيأتي.

 


[1] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص66.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج64، ص72.

[3]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص350.

[4] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص66.

 

345


290

الموعظة التاسعة والخمسون: أذيّة المؤمنين

3. نظرة إخافة: من مفردات الأذى التي قد تصدر عن المؤمن أحياناً من دون أن يوليَها اهتماماً، نظرة الإخافة للغير، والتي توعّد الله عليها بالعذاب، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من نظر إلى مؤمن نظرة يخيفه بها، أخافه الله تعالى يوم لا ظلّ إلّا ظلّه»[1].

 

4. الإهانة: كاستعمال الألفاظ الجارحة، أو بعض الكلمات النابية، التي ينبغي للمؤمن الترفّع عنها، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ الله تبارك وتعالى يقول: من أهان لي وليّاً فقد أرصد لمحاربتي، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي»[2].

 

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أذلّ الناس من أهان الناس»[3]؛ لأنّ الذي يُهين الناس لا يشعر بإنسانيّتهم، وبالتالي فهو لا يشعر بإنسانيّة نفسه، ويكفيه ذلك ذلّاً.

 

5. الإحزان: وذلك بتفويت أمر يفرح المؤمن أو التعرّض له أو لمحبيه بالإساءة أو ما شابه، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من أحزن مؤمناً ثمّ أعطاه الدنيا، لم يكن ذلك كفّارته ولم يؤجَر عليه»[4].

 

6. تحقير المؤمن: وذلك من خلال التعالي عليه وتصغيره والحطّ من شأنه، فقد ورد أنّ لقمان (عليه السلام) قال لابنه: «يا بنيّ، لا تحقرنّ أحداً بخلقان ثيابه، فإنّ ربّك وربّه واحد»[5].

 

ويعلّل رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا الحكم بقوله: «لا يزرأنّ أحدكم بأحد من خلق الله، فإنّه لا يدري أيّهم وليّ الله»[6].

 


[1]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج72، ص150.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص351.

[3]  الشيخ الصدوق، الأمالي، ص73.

[4]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص548.

[5]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص652.

[6]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج15، ص313.

 

346


291

الموعظة التاسعة والخمسون: أذيّة المؤمنين

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «من حقّر مؤمناً مسكيناً، لم يزل الله له حاقراً ماقتاً حتّى يرجع عن محقّرته إيّاه»[1].

 

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «حسب ابن آدم من الشرّ أن يحقّر أخاه المسلم»[2].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «لا تحقرنّ أحداً من المسلمين، فإنّ صغيرهم عند الله كبير»[3].

 

7. إذلال المؤمن: بالحطّ من شأنه أو فضحه في ما خفي عن الآخرين، أو التضييق عليه وما شابه، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «قال الله عزّ وجلّ: ليأذن بحرب منّي من أذلّ عبدي المؤمن»[4].

 

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من استذلّ مؤمناً أو مؤمنة، أو حقّره لفقره أو قلّة ذات يده، شهّره الله تعالى يوم القيامة ثمّ يفضحه»[5].

 

8. سباب المؤمن: قال تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدۡوَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِم مَّرۡجِعُهُمۡ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾[6].

 

وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) لمّا رأى رجلين يتسابّان: «البادي أظلم، ووزره ووزر صاحبه عليه ما لم يعتدِ المظلوم»[7].

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص652.

[2]  المصدر نفسه.

[3]  المصدر نفسه.

[4]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص350.

[5]  النيسابوريّ، روضة الواعظين، ص454.

[6]  سورة الأنعام، الآية 108.

[7]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص322.

 

347


292

الموعظة التاسعة والخمسون: أذيّة المؤمنين

وفي رواية عن عيّاض بن حمّاد، قلت: يا رسول الله، صلّى الله عليك، الرجل من قومي يسبّني وهو دوني، فهل عليّ بأس أن أنتصر منه؟ فقال: «المتسابّان شيطانان، يتعاويان ويتهاتران»[1].

 

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من أكبر الكبائر أن يسبّ الرجل والديه»، قيل: وكيف يسبّ والديه؟! قال: «يُسبّ الرجل، فيسبّ أباه وأمّه»[2].

 

وللسباب مصاديق كثيرة، منها:

أ. سبّ المؤمن: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه من معصية الله»[3].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «سابّ المؤمن كالمشرف على الهلكة»[4].

 

ب. سبّ الأعداء: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما سمع قوماً من أصحابه يسبّون أهل الشام: «إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابّين، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبّكم إيّاهم: اللهمّ احقن دماءنا ودماءهم»[5].

 

ج. سبّ الأشياء والمخلوقات والأزمنة: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن ذلك، فعنه (صلى الله عليه وآله): «لا تسبّوا الرياح، فإنّها مأمورة، ولا تسبّوا الجبال ولا الساعات ولا الأيّام ولا اللّيالي، فتأثموا وترجع عليكم»[6].

 

د. سبّ الناس: وعنه (صلى الله عليه وآله): «لا تسبّوا الناس، فتكتسبوا العداوة بينهم»[7].

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1237.

[2]  المصدر نفسه، ج2، ص1237.

[3]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص360.

[4] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1236.

[5]  المصدر نفسه.

[6]  المصدر نفسه.

[7]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص360.

 

348


293

الموعظة الستّون: عاقبة الظلم

الموعظة الستّون: عاقبة الظلم

 

محاور الموعظة:

الظلم في كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام)
أنواع الظلم
أبشع الظلم
إيّاك وإعانة الظالم أو الاستقواء به!

 

هدف الموعظة:

بيان أنّ ظلم النفس والناس والعباد من أكبر الموبقات والأكثر إفساداً لحياة الإنسان وآخرته.

 

تصدير الموعظة:

«فالآن من عذابك من يستنقذني، ومن أيدي الخصماء غداً من يخلّصني»[1].

 

 


[1]  الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجِّد وسلاح المتعبِّد، ص590.

 

349


294

الموعظة الخمسون: الصدق

الظلم بمعنى الجور، وهو تجاوز الحدّ، ويأتي بمعنى وضع الشيء في غير موضعه، وهو عنوان عامّ، تندرج تحته الذنوب والخطايا كافّة؛ لأنّها تجاوز لحدود الله تعالى، وقد توعّد الله الظالمين بالهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة.

 

قال تعالى: ﴿وَلَقَدۡ أَهۡلَكۡنَا ٱلۡقُرُونَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ﴾[1].

 

قال تعالى: ﴿فَتِلۡكَ بُيُوتُهُمۡ خَاوِيَةَۢ بِمَا ظَلَمُوٓاْۚ﴾[2].

 

الظلم في كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام)

من كلامٍ لأمير المؤمنين (عليه السلام): «واللَّه، لَئِنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً، أَوْ أُجَرَّ فِي الأَغْلَالِ مُصَفَّداً، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْقَى اللَّه ورَسُولَه يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِ، وغَاصِباً لِشَيْءٍ مِنَ الْحُطَامِ، وكَيْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْسٍ يُسْرِعُ إِلَى الْبِلَى قُفُولُهَا، ويَطُولُ فِي الثَّرَى حُلُولُهَا؟!»[3].

 

ومن كلامه أيضاً: «واللَّه، لَوْ أُعْطِيتُ الأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّه فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ، مَا فَعَلْتُه»[4].

 

وعنه (عليه السلام): «من ظلم عباد الله، كان الله خصمه دون عباده»[5].

 

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «بين الجنّة والعبد سبع عقاب (أي عقبات)، أهونها الموت»، قال أنس: قلت: فما أصعبها؟ قال: «الوقوف بين يديّ الله عزّ وجلّ، إذ تعلّق المظلومون بالظالمين»[6].

 


[1] سورة يونس، الآية 13.

[2]  سورة النمل، الآية 52.

[3] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص346.

[4]  المصدر نفسه، ص347.

[5]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1770.

[6] المصدر نفسه، ج2، ص1771.

 

350


295

الموعظة الخمسون: الصدق

أنواع الظلم

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أَلَا وإِنَّ الظُّلْمَ ثَلَاثَةٌ؛ فَظُلْمٌ لَا يُغْفَرُ، وظُلْمٌ لَا يُتْرَكُ، وظُلْمٌ مَغْفُورٌ لَا يُطْلَبُ. فَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يُغْفَرُ فَالشِّرْكُ بِاللَّه، قَالَ اللَّه تَعَالَى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ﴾[1]، وأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يُغْفَرُ، فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَه عِنْدَ بَعْضِ الْهَنَاتِ، وأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يُتْرَكُ، فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً»[2].

 

أبشع الظلم

إنّ أبشع الظلم وأشدّه على الله ظلم الضعفاء والعاجزين؛ كظلم الحكّام لشعوبهم، ومصادرة حقوقهم، وفرض الحياة الشاقّة عليهم، وتكبيدهم ما لا يطيقون ومعاقبتهم بما لا يستحقّون.

 

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ما من مظلمةٍ أشدّ من مظلمةٍ لا يجد صاحبها عليها عوناً إلّا الله عزّ وجلّ»[3].

 

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «من أفحش الظلم، ظلم الكرام»[4]؛ كظلم أهل الخير والإيمان، وظلم المجاهدين وأهل البرّ والعمل الصالح.

 

إيّاك وإعانة الظالم أو الاستقواء به!

إعانة الظالم من أكبر الكبائر، وهي بمثابة الظلم نفسه، وقد توعّد الله مرتكبها بالنّار في الآخرة، قال تعالى: ﴿وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ﴾[5].

 

 


[1]  سورة النساء، الآيتان 48 و 116.

[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص255.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص331.

[4] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1774.

[5]  سورة هود، الآية 113.

 

351


296

الموعظة الخمسون: الصدق

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من أعان ظالماً على ظلمه، جاء يوم القيامة وعلى جبهته مكتوب: آيسٌ من رحمة الله»[1].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: أين الظلمة وأعوانهم؟ من لاق لهم دواة أو ربط كيساً أو مدّ لهم قلم، فاحشروهم معهم»[2].

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1779.

[2] المصدر نفسه، ج2، ص1778.

 

352


297

الموعظة الحادية والستّون: تتبّع العثرات

الموعظة الحادية والستّون: تتبّع العثرات

 

 

محاور الموعظة:

النهي عن تتبّع العثرات
منزلة متتبّع العثرات
آثار تتبّع العورات

 

هدف الموعظة:

الإلفات إلى أنّ المسلم لا يذكر أخيه إلّا بالخير، ويدافع عنه في غيبته ولا يتناوله بسوء.

 

تصدير الموعظة:

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّي لم أؤمر أن أنقّب عن قلوب الناس ولا أشقّ بطونَهم»[1].

 

 


[1] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص390.

 

353


298

الموعظة الحادية والستّون: تتبّع العثرات

إنّ من أبرز مظاهر الرحمة الإلهيّة التي أمرنا بها الإسلام، التعامل بحسن الظاهر وحمل أمور المسلم على الأحسن وعلى الصحّة، وعدم التشكيك بها؛ لما في ذلك من تسهيل للتعامل وإذكاءً للمودّة وزرع بذور الثقة والتآلف بين الناس. لذلك، حرّمت الشريعة التنقيب عمّا وراء الظاهر والدخول إلى بواطن الأمور وخفاياها، والتفتيش عن عورات المؤمنين وعثراتهم، عادّةً ذلك من أنواع التجسّس والتدخّل في الشؤون الخاصّة والشخصيّة للإنسان التي تهدّد المجتمع من داخله وتقضي على لحمته وتماسكه.

 

النهي عن تتبّع العثرات

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا معشر من أسلم بلسانه ولم يُسلم بقلبه، لا تتّبعوا عثرات المسلمين؛ فإنّه من تتبَّع عثرات المسلمين تتبَّع الله عثرته، ومن تتبّع الله عثرته يفضحه»[1].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «إنّما الخوف على أمّتي من بعدي من ثلاث خصال: أن يتأوّلوا القرآن على غير تأويله، أن يتّبعوا زلّة العالِم، أو يظهر فيهم المال حتّى يطغوا ويبطروا»[2].

 

منزلة متتبّع العثرات

ذمّت الشريعة هذا المرض الأخلاقيّ، وبيّنت أنّ صاحبه أبعد ما يكون عن الله، وأقرب ما يكون إلى الكفر، فعن الإمام الباقر (عليه السلام): «أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يواخيَ الرجلُ الرجلَ على الدين،

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج 1، ص 390.

[2]  الشيخ الصدوق، الخصال، ص164.

 

354


299

الموعظة الحادية والستّون: تتبّع العثرات

فيحصي عليه زلّاته ليعيّره بها يوماً ما»[1].

 

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أبعد ما يكون العبد من الله أن يكون الرجل يواخي الرجل، وهو يحفظ عليه زلّاته ليعيّره بها يوماً ما»[2].

 

آثار تتبّع العورات

1. هدره لحرمات نفسه: قال تعالى: ﴿وَجَزَٰٓؤُاْ سَيِّئَة سَيِّئَة مِّثۡلُهَاۖ فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾[3].

 

وقال تعالى: ﴿فَمَنِ ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡ فَٱعۡتَدُواْ عَلَيۡهِ بِمِثۡلِ مَا ٱعۡتَدَىٰ عَلَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلۡمُتَّقِينَ﴾[4]. فسلوك الآخرين تجاه متتبّع عثراتهم أن يُسقِطوا حرمته وينشغلوا بتتبّع عثراتهم، فيكسب من عمله ذلك إثمين؛ إثم نفسه، وإثم من اقتدى به. وفي الحديث: «... ومن سنَّ سنّة سيّئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً»[5].

 

وهذا ما حذّر منه النبيّ (صلى الله عليه وآله) في قوله: «من اطّلع في بيت قوم بغير إذنهم، فقد حلَّ لهم أن يفقؤوا عينه، فافقؤوا عينه، فلا ديّة له، ولا قصاص»[6].

 

2. الفضيحة في الدنيا: فعنه (صلى الله عليه وآله): «لا تطلبوا عثرات المؤمنين، فإنّ من تتبّع عثرات أخيه تتبّع الله عثراته، ومن تتبّع الله عثراته يفضحه ولو في جوف بيته»[7].

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص355.

[2]  المصدر نفسه.

[3]  سورة الشورى، الآية 6.

[4] سورة البقرة، الآية 194.

[5] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1371.

[6]  المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج9، ص109.

[7]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص355.

355


300

الموعظة الحادية والستّون: تتبّع العثرات

3. بثّ الأحقاد في النفوس: إذ إنّ أيّ مساس للإنسان في دينه، ودمه، وعقله، وعرضه، وماله، وسمعته وسلوكه وحياته الخاصّة، سيترك في النفس الأحقاد والضغائن؛ لأنّ الإنسان من الطبيعي أن يغضب لحرماته، بل من غير الطبيعيّ أن لا يهتمّ المرء لهذه الانتهاكات.

 

4. فقدان الثقة: الإنسان المتتبّع لعثرات الآخرين غير جدير بثقة الناس ومودّتهم وألفتهم، فالمؤمن يتوسّم من أخيه أن يحفظه ويستر عليه، لا أن يتجسّس عليه ويحصي زلّاته وأخطاءه، وليس أصعب من حياةٍ يعيشها المرء بين أهله وهم لا يولونه ثقةً أو ذمّة، فمثله كمن يدمّر نفسه ويشوّه صورته، وهو يحسب أنه يدمّر الآخرين ويحطّ من قدرهم.

 

5. مدعاة للانحراف: لأنّ المتتبّع لعورات الناس قد يطّلع على ما يسوء ولا تُحمد عقباه، فيرى في سيّئات الآخرين ساتراً له على ارتكاب المعصية، وأنّه لا يختلف عن غيره لو أقدم على أقلّ ما أقدم عليه الآخرون، فيقوده ذلك إلى مزيد من الفسق والفجور، كالغيبة والنميمة. وقد نبَّه إلى هذا ربّ العزّة سبحانه، إذ يقول تعالى:﴿وَلَا تَجَسَّسُواْ﴾[1].

6. حلول الغضب الإلهيّ: لأنّ في ذلك مخالفة صريحة لحكم الله في حرمة التجسّس، وتتبّع عورات الناس، وهي من كبائر الذنوب التي تستوجب الغضب الإلهيّ والخسران في الآخرة، وقد قال تعالى: ﴿وَمَن يَحۡلِلۡ عَلَيۡهِ غَضَبِي فَقَدۡ هَوَىٰ﴾[2].

 

 


[1]  سورة الحجرات، الآية 12.

[2] سورة طه، الآية 81.

 

356


301

الموعظة الحادية والستّون: تتبّع العثرات

الموعظة الثانية والستّون: إشاعة الفاحشة

 

 

محاور الموعظة:

التعريف بإشاعة الفاحشة
ما يجب فعله بدل إشاعة الفاحشة
الآثار السيّئة لإشاعة الفاحشة

 

هدف الموعظة:

التحذير من آثار إشاعة الفاحشة على الفرد والأمّة.

 

تصدير الموعظة:

﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيم﴾[1].

 

 


[1] سورة النور، الآية 19.

 

357


302

الموعظة الثانية والستّون: إشاعة الفاحشة

لمّا كان صدور الخطأ والزلل من الإنسان أمراً لم يعصم الله منه إلّا الأنبياء والأولياء، كان من الطبيعيّ أن يكون من واجب المسلم تجاه أخيه المسلم أن يستر عوراته، ويعينه للتخلّص منها، ويمدّ له يد العون، كما يأمل كلٌّ منّا من إخوانه حين صدور الخطأ منه. لذلك، حرّمت الشريعة أيّ شكل من أشكال إشاعة الفاحشة وحديث السوء والطعن بالآخرين، عادّةً ذلك من أشنع الرذائل وأقبحها، لما لها من أثرٍ سيّء، على المستويين الفرديّ والعامّ في الدنيا، كما توعّدت صاحبها بأليم العذاب في الآخرة.

 

التعريف بإشاعة الفاحشة

المراد من إشاعة الفاحشة في النصوص، أن يُحدّث الإنسان عن سيّئةٍ أو أمرٍ حرام رآه أو سمعه يقيناً عن أخٍ له في الدين، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه، فهو من الذين قال الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيم﴾»[1].

 

وشدّد رسول الله (صلى الله عليه وآله) النهي عن ذلك، مبيّناً أنّ حكم المذيع كحكم مقترف السيّئة ابتداءً، فقال (صلى الله عليه وآله): «من أذاع فاحشة كان كمبتدئها، ومن عيَّر مؤمناً بشيء لم يمت حتّى يركبه»[2].

 

ما يجب فعله بدل إشاعة الفاحشة

1. الستر: أمرنا الله تعالى بالستر على إخواننا وحملهم على

 

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص357.

[2]  المصدر نفسه، ج2، ص356.

 

358


303

الموعظة الثانية والستّون: إشاعة الفاحشة

الأحسن، متوعّداً مذيع الفاحشة بالهتك يوم القيامة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «من ستر عورة مؤمن ستر الله عزّ وجلّ عورته يوم القيامة، ومن هتَكَ سِترَ مؤمن هتكَ الله ستره يوم القيامة»[1].

 

ومن الواضح أنّ جعل الستر في مقابل الهتك كاشفٌ عن أنّ الواجب تجاه سيّئات الآخرين هو الستر.

 

2. النصح: وذلك بأن يقدّم أحدنا النصيحة لأخيه سرّاً لا علانية، وخادماً لا معلِّماً، ومشفقاً محبّاً لا شامتاً، ومن دون أن يُعلِمه بما يعرفه عنه، ويمدّ له يد العون والمساعدة، ويقف إلى جانبه، ويمنع ذكره بالسوء، فالكلّ معرّض للخطأ، وليس منّا من ليس بحاجة إلى من يستر عليه سيّئاته وأخطاءه وزلّاته.

 

وما أجمل حديث الإمام الحسين (عليه السلام) لأصحاب عمر بن سعد الذين اجتمعوا على قتله: «أيّها الناس، اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما يحقّ لكم عليّ، وحتّى أعذر إليكم»[2].

 

وفي مقام آخر يقول لهم: «إنّ حقّاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتّى الآن إخوة وعلى دينٍ واحد وملّةٍ واحدة ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، وأنتم للنصيحة منّا أهل»[3].

 

فالحسين (عليه السلام) يرى أنّه ما زال للنصيحة مكانها، حتّى لو قبل إقدامهم على معصيتهم وجريمتهم بقتله بلحظاتٍ قليلة.

 

3. الدعاء له بالتوبة: فإنّ من حقّ أخينا علينا أن نطلب له التوبة والهداية، بل لعلّ دعاءنا له بظهر الغيب أرجى له في إقلاعه عمّا

 


[1]  الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج10، ص109.

[2] الشيخ المفيد، الإرشاد، ج2، ص97.

[3] أبو مخنف الكوفيّ، وقعة الطفّ‏، ص210‏.

 

 

359


304

الموعظة الثانية والستّون: إشاعة الفاحشة

يقترفه من ذنوب، ففي حديث الإمام الباقر (عليه السلام): «يابن جندب، لا تقل في المذنبين من أهل دعوتكم إلّا خيراً، واستكينوا إلى الله في توفيقهم، وسلوا التوبة لهم؛ فكلّ من قصدنا ووالانا، ولم يوالِ عدوّنا، وقال ما يعلم، وسكت عمّا لا يعلم أو أشكل عليه، فهو في الجنّة»[1].

 

الآثار السيّئة لإشاعة الفاحشة

1. تفكّك المجتمع: لأنّ النفوس إذا امتلأت بالحقد والكراهية، واستعرت في القلوب نار الحميّة والبغضاء، وتفشّت في المجتمع القطيعة وعدم التواصل، عمّ الفسق والفجور، وغابت المحبّة والمودّة والوئام، وقد أمر الله رسوله (صلى الله عليه وآله) بالتبرّؤ من هؤلاء الذين يمزّقون المجتمع إذ قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعا لَّسۡتَ مِنۡهُمۡ فِي شَيۡءٍۚ إِنَّمَآ أَمۡرُهُمۡ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ﴾[2].

 

2. العذاب في الآخرة: ذلك أنّ تفكّك المجتمع دعوة إلى التفرقة والتمزّق والابتعاد عن روح الجماعة والاتّحاد، وهو من أكبر الأخطار التي توعّد الله تعالى عليها بالعذاب، إذ قال: ﴿وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡبَيِّنَٰتُۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيم﴾[3].

 

3. إعانة الأعداء: فإنّ إشاعة الفاحشة بين الناس، ولا سيّما بين المؤمنين، تقدّم مادّة مهمّة وخطيرة بين يديّ الأعداء في تعرّف

 

 


[1]  ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، ص302.

[2] سورة الأنعام، الآية 159.

[3] سورة آل عمران، الآية 105.

 

360


305

الموعظة الثانية والستّون: إشاعة الفاحشة

نقاط الضعف في المسلمين وإمكانيّة تسعير الخلافات بينهم والإيقاع بهم، كما من شأنه أن يسهّل عليهم السيطرة على مجتمعاتهم الممزّقة التي تضيّع وقتها بإشاعة فواحش المؤمنين بدل التعريف بفواحش الأعداء وسيّئاتهم.

 

ولا يخفى أنّ ثمّة الكثير من الآثار السيّئة الأخرى التي لا يسع المقام لذكرها؛ كتشويه صورة المجتمع الإسلاميّ، والحطّ من مقام المسلمين وبهائهم وهيبتهم في نظر الشعوب والأمم الأخرى، مضافاً إلى إفقاد أفراد المجتمع حالة الأمان الاجتماعيّ نتيجة سوء الظنّ التي تتركه رذيلة إشاعة الفاحشة، ناهيك عن تخفيف قوّة الردع عن المعصية لدى أبناء الأمّة، ممّا يشجّع أصحاب النفوس المريضة إلى ممارسة رغباتهم وتنفيذ شهواتهم بالطرق المحرّمة وغير الأخلاقيّة، من دون رادعٍ أو وازع.

 

361


306

الموعظة الثالثة والستّون: الشرك الخفيّ

الموعظة الثالثة والستّون: الشرك الخفيّ

 

 

محاور الموعظة:

تعريف الرياء
عدم قبول عمل المرائي
علامات المرائي

 

هدف الموعظة:

التنبيه على ضرورة مراقبة النيّة وعدم الشرك في الدوافع والبواعث التي تحرّك الإنسان إلى أيّ عمل قربويّ.

 

تصدير الموعظة:

«ولا تجعل شيئاً ممّا أتقرّب به في آناء الليل وأطراف النهار رياءً ولا سمعة ولا أشراً ولا بطراً، واجعلني لك من الخاشعين»[1].

 

 


[1]  الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجِّد وسلاح المتعبِّد، ص595.

 

362


307

الموعظة الثالثة والستّون: الشرك الخفيّ

إنّ ما ينبغي استحضاره دائماً، أنّ الله تعالى عالمٌ بخفايا النفس الإنسانيّة، وأنّ الثواب والعقاب مرهونان بالإخلاص لله وعدم الشرك في النوايا، وأنّه يجب أن يبقى نصب أعيننا قوله تعالى: ﴿يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ﴾[1].

 

ومن المهمّ الإلفات إلى أنّ أيّ ذنب قد يصدر عن الإنسان هو قابلٌ للمغفرة إلّا الشرك، قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ﴾[2].

 

تعريف الرياء

عن الإمام الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلا صَٰلِحا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا﴾[3]، قال: «الرجل يعمل شيئاً من الثواب لا يريد به وجه الله، إنّما يطلب تزكية الناس، يشتهي أن يسمع به الناس، فهذا الذي أشرك بعبادة ربّه»[4].

 

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر»، قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال: «الرياء»[5].

 

عدم قبول عمل المرائي

إنّ أوّل ما يُبتلى به المرائي هو حبط عمله، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إيّاك والرياء، فإنّه من عمل لغير الله وكّله الله إلى من عمل له»[6].

 

 


[1]  سورة غافر، الآية 19.

[2]  سورة النساء، الآية 48.

[3]  سورة الكهف، الآية 110.

[4]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص294.

[5]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص111.

[6] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص293.

 

363


308

الموعظة الثالثة والستّون: الشرك الخفيّ

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ الله لا يقبل عملاً فيه مثقال ذرّة من رياء»[1].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «يابن مسعود، إذا عملت عملاً من البرّ، وأنت تريد بذلك غير الله، فلا ترجُ بذلك منه ثواباً، فإنّه يقول: ﴿فَلَا نُقِيمُ لَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَزۡنا﴾»[2].

 

علامات المرائي

بيّنت الشريعة علامات المرائي، فأرادت فضحه وعدم الستر عليه، حتّى لا يغشّ الناس أو يتوهمنّ أحدٌ إخلاصه وصفاءه فيتقرّب منه أو يقرّبه.

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «للمرائي أربع علامات: يكسل إذا كان وحده، وينشط إذا كان في الناس، ويزيد في العمل إذا أثني عليه، وينقص منه إذا لم يُثنَ عليه»[3].

 

 


[1] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1017.

[2]  الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص453.

[3]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1020.

 

364


309

الموعظة الرابعة والستّون: نظام العلاقات الماليّة في القرآن

الموعظة الرابعة والستّون: نظام العلاقات الماليّة في القرآن

 

 

محاور الموعظة:

المال أمانة الله عند الناس
حماية المال من السفهاء
الكسب المشروع
المُحافظة على المال العامّ
الاقتصاد في المعيشة
مكافحة الاحتكار وارتفاع الأسعار
القرض الحسن
تفتيت التّركة

 

هدف الموعظة:

بيان بعض القوانين العامّة التي أشار إليها القرآن الكريم في نظام العلاقات الماليّة.

 

تصدير الموعظة:

﴿وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسۡتَخۡلَفِينَ فِيهِۖ﴾[1].

 

 


[1]  سورة الحديد، الآية 7.

 

367


310

الموعظة الرابعة والستّون: نظام العلاقات الماليّة في القرآن

بعث الله تعالى الأنبياء (عليهم السلام) ليقوم الناس بالقسط، والقسط هو العدالة الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة؛ لأنّ العدل هو حياة الأحكام ودستور المجتمع الصالح.

 

وقد اهتمّ الإسلام بالمسائل الماليّة وتوجيه حركة المال وتعديلها في أيدي الناس وفي الأسواق اهتماماً بالغاً. فقد حرّم ألوان الظلم والطغيان الاقتصاديّ كلّها ضمن برنامج ماليّ شامل، وصولاً إلى العدالة الاقتصاديّة المرجوّة، ورفضاً لأشكال التبعيّة الاقتصاديّة، وعملاً بمبدأ التكافل الاجتماعيّ؛ لذلك كانت مقولة القرآن الكُبرى في هذا المجال هي: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ﴾[1].

 

المال أمانة الله عند الناس

قال تعالى: ﴿وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ ٱللَّهِ ٱلَّذِيٓ ءَاتَىٰكُمۡۚ﴾[2].

 

لمّا كان الإنسان مالك المال ملكيّة اعتباريّة ملكاً لله تعالى (إنّا لله)، فإنّه وما يملك لله؛ أي إنّ المالك الحقيقيّ هو الله سبحانه، وملكيّة الإنسان للأشياء والأموال والأمتعة ملكيّة مجازيّة توكيليّة، بحسب ما أعطاه الله له وجعله في يده. وفي ضوء هذه النظرة، فإنّ الأموال وسائر الثروات ما هي إلّا ودائع وأمانات عند الإنسان، ويُطلق عليها في بعض الروايات بـ«العارية»؛ أي أعارها الله للإنسان، متى ما شاء استردّها. يقول سبحانه: ﴿وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسۡتَخۡلَفِينَ فِيهِۖ﴾[3].

 

وبلحاظ الاستخلاف والأمانة، تكون حصّة المجتمع -في ما أشارَ إليه

 

 


[1] سورة النحل، الآية 90.

[2]  سورة النور، الآية 33.

[3] سورة الحديد، الآية 7.

 

368


311

الموعظة الرابعة والستّون: نظام العلاقات الماليّة في القرآن

القرآن من أنصبة الزكاة وغيرها- مكفولة؛ لأنّ كلّ إنسان في المجتمع الصالح يستحضر قوله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ فِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّ مَّعۡلُوم ٢٤ لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ﴾[1]، ويتفاعل معه، ويتذكّر قوله سبحانه: ﴿لَن تَنَالُواْ ٱلۡبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَۚ﴾[2]، ويتعاطى معه بإيجابيّة.

 

حماية المال من السفهاء

قال تعالى: ﴿وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٰلَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ﴾[3]؛ أيّ توظيف غير سليم للمال هو سفاهة، فالمجتمع مُطالَب بسلامة تداول الأموال وعدم التفريط بها في السفاسف والترّهات والأعمال غير المشروعة والإسراف؛ لأنّ الثروة الماليّة طاقة من طاقات بناء المجتمع وتطويره، وأيُّ هدرٍ لها تضييع لفرص البناء والنماء، ولذلك، فالمال مسؤوليّة، ويجب أن يُحمى ممّن لا شعور لديه بالمسؤوليّة.

 

يقول الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ من بقاء المسلمين وبقاء الإسلام أن تصير الأموال عند مَن يعرف فيها الحقّ ويصنع المعروف، وإنّ فناء الإسلام وفناء المسلمين أن تصير الأموال في أيدي مَن لا يعرف فيها الحقّ ولا يصنع فيها المعروف»[4].

 

الكسب المشروع

قال تعالى: ﴿وَرِزۡقًا حَسَنًاۚ﴾[5]، وقال سبحانه: ﴿فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ﴾[6].

 

 


[1]  سورة المعارج، الآيتان 24 - 25.

[2]  سورة آل عمران، الآية 92.

[3] سورة النساء، الآية 5.

[4]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص65.

[5] سورة النحل، الآية 67.

[6]  سورة الملك، الآية 15.

 

369


312

الموعظة الرابعة والستّون: نظام العلاقات الماليّة في القرآن

جاء الرِّزق الحسن في القرآن في مقابل الكسب غير المشروع أو المُحرّم، كصنع المسكّرات من التمر والعنب. والرزق الحسن هو كلُّ كسب حلال أراد الله للإنسان أن ينتفع به بيعاً وشراءً ومتاجرةً واستيراداً وتصديراً، وهو من حيث المساحة أوسع نطاقاً -بما لا قياس معه- من المكاسب المُحرّمة. وفي كلمة ﴿مِن رِّزۡقِهِۦۖ﴾ في الآية من سورة الملك دلالة أو إشارة إلى الانتفاع بالرِّزق الحسن الحلال المشروع، وإلّا ما كان نسبه تعالى إلى نفسه، فضلاً عمّا تندب إليه الآية من التسبّب والكسب وعدم الاتِّكال والتواكل.

 

سُئل النبيّ (صلى الله عليه وآله): أيّ كسب الرجل أطيب؟ قال: «عملُ الرجل بيده، وكلُّ بيعٍ مبرور»[1].

 

المُحافظة على المال العامّ

قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُكُمۡ أَن تُؤَدُّواْ ٱلۡأَمَٰنَٰتِ إِلَىٰٓ أَهۡلِهَا﴾[2].

 

أموال الدولة أو ما يُسمّى بالمال العامّ هو حقّ المواطنين، فلا يجوز التجاوز عليه بأيّ حيلةٍ أو أيّ عنوان. فقد دخل عمرو بن العاص ليلةً على أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو في بيت المال، فأطفأ السِّراج وجلس في ضوء القمر، ولم يستحلّ أن يجلس في الضوء (ضوء السراج) من غير استحقاق، خاصّة بعد أن علمَ أنّ عمرو بن العاص أتاهُ في موضوع لا يخصّ بيت المال؛ لذلك تجد بعض الصالحين يدفع شيئاً من المال لقاء استفادته من المال العامّ كبراءة ذمّة، بل يُقدِّم التعويض لأيّ تلفٍ أو ضياعٍ كان هو المُتسبِّب فيه.

 

 


[1]  الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، ج13، ص25.

[2]  سورة النساء، الآية 58.

 

370


313

الموعظة الرابعة والستّون: نظام العلاقات الماليّة في القرآن

الاقتصاد في المعيشة

قال تعالى في صفة عباد الرّحمن: ﴿وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَاما﴾[1].

 

الاقتصاد في المعيشة يعني التجمّل في حالتي التقتير والإسراف، بمعنى آخر إنّ الاقتصاد لا يعني البخل، وإنّما هو حُسن التدبير؛ لأنّه الحسنة بين السيِّئتين، وهو ممدوحٌ فرديّاً، وكما في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَجۡعَلۡ يَدَكَ مَغۡلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبۡسُطۡهَا كُلَّ ٱلۡبَسۡطِ فَتَقۡعُدَ مَلُوما مَّحۡسُورًا﴾[2]. كما هو ممدوحٌ جماعيّاً بحسب الإشارة الواردة في الصفات الحميدة إلى عباد الرحمن الذين يُمثِّلون المجتمع الصالح.

 

وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) مقولته الاقتصاديّة المهمّة في هذا الباب: «ضمنتُ لمن اقتصد أن لا يفتقر»[3].

 

وأُثِرَ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: «التدبير نصف العيش»[4]. وفي المحصِّلة، فإنّ الاقتصاد في المعيشة، أو الحكمة في الإنفاق، أو الاعتدال في الاستهلاك، يُحقِّق للمجتمع مصلحة عُليا في الابتعاد عن الابتلاء بالفقر والحاجة، وهذا ما يرسمه القرآن الكريم لأيّ مجتمع صالح من خلال ما فعلهُ النبيّ يوسف (عليه السلام) من توفير وادِّخار لوقت الحاجة. قال عزَّ وجلَّ: ﴿قَالَ تَزۡرَعُونَ سَبۡعَ سِنِينَ دَأَبا فَمَا حَصَدتُّمۡ فَذَرُوهُ فِي سُنۢبُلِهِۦٓ إِلَّا قَلِيلا مِّمَّا تَأۡكُلُونَ﴾[5].

 

 


[1]  سورة الفرقان، الآية 67.

[2] سورة الإسراء، الآية 29.

[3] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج17، ص64.

[4]  المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج3، ص49.

[5]  سورة يوسف، الآية 47.

 

371


314

الموعظة الرابعة والستّون: نظام العلاقات الماليّة في القرآن

وقد شكا قومٌ للنبيّ (صلى الله عليه وآله) سرعة نفاد طعامهم، فقال: «تكيلون أو تهيلون؟»، قالوا: نهيل يا رسول الله (يعني الجزاف)، قال: «كيلوا ولا تَهيلوا، فإنّه أعظم للبركة»[1].

 

مكافحة الاحتكار وارتفاع الأسعار

قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيم﴾[2].

 

فالمجتمع الصالح لا يعني بالضرورة أنّ أفراده كلّهم صالحون، لكنّ النسبة الغالبة فيه أو أكثريّته هم ممّن يتمتّع بصفة الصلاح، وذلك فتوقّع وجود المحتكرين أو المستغلِّين أو الغشّاشين أو المُرابين أو المُتلاعبين بالأسعار في مجتمعات الصلاح أمرٌ وارد، لذلك كان من بين أهمّ واجبات ومهامّ الحاكم الإسلاميّ مجابهة الاحتكار والرّقابة الدائمة على الأسعار.

 

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر: «ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وذَوِي الصِّنَاعَاتِ، وأَوْصِ بِهِمْ خَيْراً... واعْلَمْ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ ضِيقاً فَاحِشاً، وشُحّاً قَبِيحاً، واحْتِكَاراً لِلْمَنَافِعِ، وتَحَكُّماً فِي الْبِيَاعَاتِ، وذَلِكَ بَابُ مَضَرَّةٍ لِلْعَامَّةِ، وعَيْبٌ عَلَى الْوُلَاةِ؛ فَامْنَعْ مِنَ الِاحْتِكَارِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّه (صلى الله عليه وآله) مَنَعَ مِنْه، ولْيَكُنِ الْبَيْعُ بَيْعاً سَمْحاً بِمَوَازِينِ عَدْلٍ، وأَسْعَارٍ لَا تُجْحِفُ بِالْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْبَائِعِ والْمُبْتَاعِ، فَمَنْ قَارَفَ حُكْرَةً بَعْدَ نَهْيِكَ إِيَّاه فَنَكِّلْ بِه، وعَاقِبْه فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ»[3].

 

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص167.

[2]  سورة التوبة، الآية 34.

[3] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص438.

 

372


315

الموعظة الرابعة والستّون: نظام العلاقات الماليّة في القرآن

القرض الحسن

 

قال تعالى: ﴿مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥ وَلَهُۥٓ أَجۡر كَرِيم﴾[1].

 

عالجَ المُشرِّع الاقتصاديّ الإسلاميّ مشكلة الرِّبا معالجةً أخلاقيّة إنسانيّة، بطرحه لمفهوم القرض الحسن في قبال القرض الضارّ السيِّئ والمُسيء، وهو الربا كونه إقراضاً بفائدة، والحال أنّ القرض الحسن بفائدة أيضاً، لكنّها ليست من المُستقرِض أو المُستدين، بل من الله تعالى الذي جعل الحسنة بعشرة أمثالها، والقرض الحسن بثمانية عشر. وقد طابت نفوس المسلمين كمجتمع صالح لهذا الإجراء الماليّ أو الاقتصاديّ الذي نزع فتيل الأحقاد، وجفّف ينابيع الأثرة والتكاثر وامتصاص عرق الفقراء واستنزاف أموالهم. قال عزَّ وجلَّ: ﴿إِن تُقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنا يُضَٰعِفۡهُ لَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ﴾[2].

 

تفتيت التّركة

لا يريد الإسلام تجميد المال أو تخثيره، بل يسعى إلى تسييله وتدويره، حتّى تنشط حركته في واقع المجتمع الصالح ويعمّ نفعه الصالح العامَّ. لذلك، عمد إلى تفتيت تركة الميِّت أو ميراثه بين أهله وأقربائه من منطلق الفريضة الواجبة بما حدّده المُشرِّع الإسلاميُّ من حصص وأسهم وأنصبة في الأقربين من أهله، فإن لم يكن له والد ولا ولد، وُزِّعت تركته بين أقربائه البعيدين، وندبَ إلى إشراك أقرباء الميِّت من الفقراء واليتامى والمساكين ممّن يحضرون قسمة التّركة ليعطوا

 

 


[1]  سورة الحديد، الآية 11.

[2] سورة التغابن، الآية 17.

 

373


316

الموعظة الرابعة والستّون: نظام العلاقات الماليّة في القرآن

شيئاً منها تطييباً لخاطرهم. كلّ ذلك من أجل الشعور بامتداد العلاقة الإنسانيّة بين الراحل وبين أولئك الناس. قال سبحانه: ﴿ لِّلرِّجَالِ نَصِيب مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيب مِّمَّا تَرَكَ ٱلۡوَٰلِدَانِ وَٱلۡأَقۡرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنۡهُ أَوۡ كَثُرَۚ نَصِيبا مَّفۡرُوضا ٧ وَإِذَا حَضَرَ ٱلۡقِسۡمَةَ أُوْلُواْ ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينُ فَٱرۡزُقُوهُم مِّنۡهُ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلا مَّعۡرُوفا ٨ وَلۡيَخۡشَ ٱلَّذِينَ لَوۡ تَرَكُواْ مِنۡ خَلۡفِهِمۡ ذُرِّيَّة ضِعَٰفًا خَافُواْ عَلَيۡهِمۡ فَلۡيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلۡيَقُولُواْ قَوۡلا سَدِيدًا ٩ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَاراۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرا﴾[1].

 


[1] سورة النساء، الآيات 7 - 10.

 

374


317

الموعظة الخامسة والستّون: كيفَ يتعاملُ المُسلِم مع المال؟

الموعظة الخامسة والستّون: كيفَ يتعاملُ المُسلِم مع المال؟

 

 

محاور الموعظة:

حقّ مالِك
المال وسيلةٌ وليسَ هدفاً
المالُ فِتنة
الاعتدال سبيل الرّاحة
المال زينة الدنيا، فاحذَرْ

 

هدف الموعظة:

حثّ المسلمين على التعامل مع المال كوسيلة لا هدف.

 

تصدير الموعظة:

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّ أعظمَ‏ الحَسراتِ‏ يومَ‏ القيامةِ حَسرةُ رَجُلٍ‏ كَسبَ‏ مالاً في‏ غيرِ طاعةِ اللهِ، فوَرِثَه رَجُلٌ فأنفقَه فِي طاعةِ اللهِ سبحانَهُ، فدَخلَ به الجنّة، ودَخَلَ الأَوّلُ به النار»[1].

 

 


[1]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص552.

 

375


318

الموعظة الخامسة والستّون: كيفَ يتعاملُ المُسلِم مع المال؟

حقّ مالِك

كلّ شيءٍ يحتاجه الإنسان في سَكَنِه ولِباسِه وطعامِه وشَهوتِه ليسَ غايةً ولا هدفاً، بْل هو وسيلة يستخدمها كأمانةٍ في يَدِه لِمالكها الحقيقيّ. ومهما جمَعَ وادّخرَ فإنَّه يَجمع لِغيره ويَدَعه بَعده.

 

عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «أمّا حقّ مالِكَ فألّا تأخذَه إلّا مِن حِلّه، ولا تُنفقه إلّا في وجهه، ولا تُؤثِر على نفسك مَن لا يَحمدك. فاعمَلْ فيه بِطاعة ربِّك، ولا تبخلْ به فَتَبوءَ بالحسرةِ والنّدامة معَ السَعة»[1].

 

المال وسيلةٌ وليسَ هدفاً

حَرِصَ الإسلام على سدِّ حاجات الجسد الإنسانيّ وحثَّ على إشباعها، وأكَّد أيضاً أنَّ الأعيان المُستخدمة لإشباع هذه الحاجات يجبُ ألّا يتمادى الإنسانُ في نظرتِه إليها وعلاقتِه بها، لأنَّ الله تعالى هو خالقُ كلّ شيء وواهبه، وأنَّ الدُّنيا ممرٌّ لا مقرّ، وأنَّ الآخرة هي الحيوان والنّعيم الخالد.

 

رُوِيَ عن الإمام الباقر (عليه السلام) - لَمّا سُئل عن الدّنانير والدّراهم وما على النّاس فيها - قوله: «هي خواتيم الله في أرضه، جعلَها الله مصلحةً لِخَلقه، وبها تستقيم شؤونهم ومطالبهم. فمن أكثر له منها فَقام بِحقّ الله تعالى فيها وأدّى زكاتها، فذاك الّذي طابَتْ وخَلُصَتْ له، ومَن أكثر له منها فَبَخِلَ بها ولمْ يُؤدِّ حقَّ الله فيها واتّخذَ منها الآنية، فذاك الّذي حقَّ عليه وَعيدُ الله عزّ وجلّ في كتابه، قال الله: ﴿يَوۡمَ يُحۡمَىٰ عَلَيۡهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكۡوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمۡ وَجُنُوبُهُمۡ وَظُهُورُهُمۡۖ هَٰذَا

 

 


[1]  ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، ص267.

 

376


319

الموعظة الخامسة والستّون: كيفَ يتعاملُ المُسلِم مع المال؟

مَا كَنَزۡتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡنِزُونَ﴾[1]»[2].

 

إنَّ الإسلام بِذلك وضَعَ المال في مرتبةٍ ثانيةٍ من الأهمّيّة في حياة الإنسان، ووجّه هِمَّتَه إلى ما هو أسمى وأعظم.

 

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لَيْسَ الْخَيْرُ أَنْ يَكْثُرَ مَالُكَ ووَلَدُكَ، ولَكِنَّ الْخَيْرَ أَنْ يَكْثُرَ عِلْمُكَ، وأَنْ يَعْظُمَ حِلْمُكَ، وأَنْ تُبَاهِيَ النَّاسَ بِعِبَادَةِ رَبِّكَ»[3].

 

المالُ فِتنة

الإنسان مأمور بأنْ يجمع المالَ مِن حِلّه وِفاقاً للأحكام الّتي شرَّعها ربُّنا للكَسْب الطيِّب، عملاً بالحِيازة، أو ضرباً في الأرض في تجارة، أو عَرَقاً في زراعة، أو ما أشبه ذلك مِن العمل المُجهِد، لا أكلاً له بالباطل مِن رِباً أو قِمار أو زِنا أو غير ذلك مِن مفاسد الأعمال وفواجرها، عن الإمام الصّادق (عليه السلام): «لا خيرَ في مَن لا يُحبُّ جَمْع المال مِن حلال، يَكفّ به وجهه، ويقضي به دَيْنَه، ويَصِل به رَحِمَه»[4].

 

وهو فيه مسؤولٌ عن كيفيّة إنفاقهِ وتأْدِية حقّ الله منه، فأَعْظِم بها فتنةً قد يسوءُ فيها المصير والمُنقلَب، وما أكثر ما يسوء!

 

قال الله تعالى: ﴿وَأَلَّوِ ٱسۡتَقَٰمُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لَأَسۡقَيۡنَٰهُم مَّآءً غَدَقا ١٦ لِّنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَمَن يُعۡرِضۡ عَن ذِكۡرِ رَبِّهِۦ يَسۡلُكۡهُ عَذَابا صَعَدا﴾[5].

 

 


[1]  سورة التوبة، الآية 35.

[2]  الحرّ العامليّ، وسائل الشّيعة، ج9، ص30.

[3]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص484.

[4]  الشّيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص72.

[5] سورة الجنّ، الآيتان 16 - 17.

 

377


320

الموعظة الخامسة والستّون: كيفَ يتعاملُ المُسلِم مع المال؟

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «يقول إبليس -لَعَنَه الله-: ما أعياني في ابن آدمَ، فَلنْ يُعييني منه واحدة مِن ثلاث: أخْذ مالٍ مِن غير حِلّه، أو مَنْعه مِن حقّه، أو وضعه في غير وجهه»[1].

 

الاعتدال سبيل الرّاحة

إنِ استغنى المرءُ وعَظُمَ ماله، فقد وَقَعَ في همِّ الكَنْزِ والادّخار، وخِيفَ عليه مِن البَغْيِ والطغيان، ولَزِمه الحِرْص على سُلوك طريق الشرع والتأدُّب بآداب الربّ تعالى في الرحمة للفقراء والاستزادةِ مِن فِعْلِ الخير والتواضع للناس.

 

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «المال داعيةُ التّعب، ومَطيّة النّصب»[2].

 

وعنه (عليه السلام): «المالُ وبالٌ على صاحبه، إلّا ما قدّم منه»[3]، وقال (عليه السلام): «أمْسِكْ مِن المال بِقَدر ضرورتك، وقدِّم الفَضْل لِيوم فاقتك»[4].

 

المال زينة الدنيا، فاحذَرْ

إذا كان المال زينة الحياة الدنيا، فإنَّ على المؤمن أنْ يَقِفَ به عند هذا الحدّ.

 

قال الله تعالى: ﴿ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابا وَخَيۡرٌ أَمَلا﴾[5].

 

 


[1] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج9، ص45.

[2]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2982

[3]  السيّد البروجرديّ، جامع أحاديث الشيعة، ج8، ص330.

[4]  المصدر نفسه.

[5]  سورة الكهف، الآية 46.

 

378


321

الموعظة السادسة والستّون: البَذْل والعطاء

الموعظة السادسة والستّون: البَذْل والعطاء

 

محاور الموعظة:

البَذْل والإنفاق مِن وسائلِ إعمار الكون
لا يُخلِف اللهُ وعدَه
لا خوفٌ عليهم ولا هُم يَحزنون

 

هدف الموعظة:

تعرّف أهمّيّة الإنفاق في بناء الإنسان والكون.

 

تصدير الموعظة:

﴿وَمَا لَكُمۡ أَلَّا تُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَٰثُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ لَا يَسۡتَوِي مِنكُم مَّنۡ أَنفَقَ مِن قَبۡلِ ٱلۡفَتۡحِ وَقَٰتَلَۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَعۡظَمُ دَرَجَة مِّنَ ٱلَّذِينَ أَنفَقُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَقَٰتَلُواْۚ وَكُلّا وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِير ١٠ مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥ وَلَهُۥٓ أَجۡر كَرِيم﴾[1].

 

 


[1]  سورة الحديد، الآيتان 10 - 11.

 

379


322

الموعظة السادسة والستّون: البَذْل والعطاء

البَذْل والإنفاق مِن وسائلِ إعمار الكون

كرّم الله -عَزَّت آلاؤه- الإنسانَ مُنتهى التكريم، ورفعَ منزلتَه ومكانتَه على مكانةِ ومنزلةِ سائرِ خَلْقِه، وجعَله خليفةً له في الأرض، وسخّرَ له ما في السموات والأرضِ وما بينهما؛ ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعا مِّنۡهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰت لِّقَوۡم يَتَفَكَّرُونَ﴾[1]. وبِمُقتضى العهد الذي أخذَهُ الإنسان على نفسه بعد أنْ عَرَضَهُ الله عليه: ﴿إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُوما جَهُولا﴾[2]، عَهِدَ الخالقُ لهذا المخلوق أنْ يقومَ بأمانة الاستِخلاف وعُمران الأرض. ولأنّ ﴿ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ وَمَا ٱخۡتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۗ﴾[3]، فإنّ للإسلام نظرةٌ ذات طبيعة خاصّة إلى المال، إذ إنّه يَراه وسيلةً مِن وسائل الإعمار والاستخلاف، وله وظيفةٌ اجتماعيّة.

وفَضْل الإنفاق في الإسلام لا يخفى على ذي لُبٍّ، خاصّة إذا كان ما يُنفَقُ مَبذولاً خالصاً لله تعالى رغبةً بما عنده، فقال سبحانه: ﴿وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَناۚ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡر تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرا وَأَعۡظَمَ أَجۡراۚ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُور رَّحِيمُۢ﴾[4]، وضمّنَ الآيةَ دعوةً إلى الاستفادة مِن الخيرات المذكورة فيها. وقد رُوِيَ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: «إنّكم إلى إنفاقِ ما اكتسبتم، أَحْوَج منكم إلى اكتسابِ ما تَجمعون»[5].

 

 


[1] سورة الجاثية، الآية 13.

[2] سورة الأحزاب، الآية 72.

[3] سورة آل عمران، الآية 19.

[4] سورة المزمّل، الآية 20.

[5] الآمديّ التميميّ، غرر الحكم ودُرر الكلم، ص268.

 

380


323

الموعظة السادسة والستّون: البَذْل والعطاء

لا يُخلِف اللهُ وعدَه

قال الله تعالى: ﴿وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ ٱللَّهِۚ وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡر يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ﴾[1].

إنّ المتأمّل لآخر هذه الآية المباركة يَعلَم أنّ الله تعالى لا يُشجِّع الناس على الإنفاق فقط، بلْ يُبشّر الباذلين المُنفقين بأنّ ما يبذلونه ويُنفقونه في سبيل الله كلّه سَوف يُرَدّ إليهم. ويقول تعالى في آيةٍ ثانية: ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيۡء فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ﴾[2].

رُوِيَ أنّ رجُلاً سأل الإمامَ الصادق (عليه السلام) عن قوله تعالى: ﴿وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡء فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ﴾[3]، قال: إنّي أُنفق فلا أرى خَلَفاً، فقال له الإمامُ (عليه السلام): «أفترى الله أخلفَ وعدَه؟» قال: لا، قال (عليه السلام): «فَمِمَّ؟»، قال: لا أدري، قال (عليه السلام): «أما إنّكم لو كسبتم المال مِن حِلِّه ثمّ أنفقتُموه في حقّه، لمْ يُنفِق رجُلٌ دِرهماً إلّا أخلفَ الله عليه»[4].

 

لا خوفٌ عليهم ولا هُم يَحزنون

مدَحَ الله سبحانه أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: ﴿ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُم بِٱلَّيۡلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّا وَعَلَانِيَة فَلَهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾[5].

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 272.

[2] سورة الأنفال، الآية 60.

[3] سورة سبأ، الآية 39.

[4] السيّد ابن طاووس، فلاح السائل ونجاح المسائل، ص38-39.

[5] سورة البقرة، الآية 274.

 

381


324

الموعظة السادسة والستّون: البَذْل والعطاء

والعبادُ الذين سلكوا مسلَك أمير المؤمنين (عليه السلام)، وتَحلّوا بِصفته هذه، فإنّ أموالهم مَخلوفة وأجورَهم مكتوبة ودرجاتهم مرفوعة وكُروبهم مفروجة، لا هَمّ عليهم ولا غَمّ، آمنون إذا خاف الناس، فَرِحون إذا حَزِن الناس، قال الله تعالى فيهم: ﴿ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّا وَلَآ أَذى لَّهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾[1].

 

رُوِيَ أنّ أعرابيّاً جاءَ أميرَ المؤمنين (عليه السلام) وقال له: يا أمير المؤمنين، إنّي مَأخوذ بِثلاث عِلَل: عِلّة النفْس، وعلّة الفَقْر، وعلّة الجهْل، فأجابه أمير المؤمنين (عليه السلام): «يا أخا العرب، عِلّة النفس تُعرَض على الطبيب، وعِلّة الجهل تُعرَض على العالِم، وعِلّة الفقر تُعرَض على الكريم». فقال الأعرابيّ: أنت الكريم، وأنت العالِم، وأنت الطبيب، فأمر أمير المؤمنين (عليه السلام) بِأن يُعطى له مِن بيت المالِ ثلاثة آلافِ درهم، وقال: «تُنفِق ألفاً بِعِلّة النفس، وألفاً بِعِلّة الجهل، وألفاً بِعِلّة الفقر»[2].

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 262.

[2]  الشعيريّ، جامع الأخبار، ص138.

 

382


325

الموعظة السابعة والستّون: الإنفاق في سبيل الله

الموعظة السابعة والستّون: الإنفاق في سبيل الله

 

محاور الموعظة:

أمثال الإنفاق في القرآن
الحاجة إلى أجر الإنفاق
وعد الله بالخلف في الإنفاق
بقاء ما أُنفِق وفناء ما لم يُنفَق
من لم يُنفِق في طاعة الله يُنفِق في معصيته

 

هدف الموعظة:

بيان نظر الشرع إلى الإنفاق، وتقوية حسّ التعامل مع المال، وفق المعايير التي أقرّتها الشريعة الإسلاميّة.

 

تصدير الموعظة:

﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنۡ خَيۡر فَلِأَنفُسِكُمۡۚ﴾[1].

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 272.

 

383


326

الموعظة السابعة والستّون: الإنفاق في سبيل الله

حثّت الشريعة الإسلاميّة الإنسان على أن يمهّد لنفسه بالإنفاق في سبيل الله، عادّةً أنّ ذلك من أفضل الذخائر التي يقدّمها بين يديْ الله لآخرته، بل لعلّ المال الوحيد الذي ينتفع المرء به هو المال الذي أرسله أمامه وأنفقه ابتغاءَ المغفرة والرضوان من الله، وأنّ الإنسان أحوجُ إلى المال الذي يقدّمه منه إلى المال الذي يجمعه، بل هو أحوج إلى المال الذي يقدّمه منه إلى السائل الذي يطلبه، فالسائل بابك إلى رضوان الله ومغفرته، وبه يَمتحن الله عباده بصدق إيمانهم وسلامة يقينهم وقوّة دينهم.

 

أمثال الإنفاق في القرآن

قال تعالى: ﴿مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنۢبُلَة مِّاْئَةُ حَبَّةۗ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ﴾[1].

 

وقال تعالى: ﴿وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثۡبِيتا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ كَمَثَلِ جَنَّةِۢ بِرَبۡوَةٍ أَصَابَهَا وَابِل فَ‍َٔاتَتۡ أُكُلَهَا ضِعۡفَيۡنِ فَإِن لَّمۡ يُصِبۡهَا وَابِل فَطَلّۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ﴾[2].

 

الحاجة إلى أجر الإنفاق

قال تعالى: ﴿ءَامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسۡتَخۡلَفِينَ فِيهِۖ فَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَأَنفَقُواْ لَهُمۡ أَجۡر كَبِير﴾[3].

 


[1] سورة البقرة، الآية 261.

[2] سورة البقرة، الآية 265.

[3]  سورة الحديد، الآية 7.

 

384


327

الموعظة السابعة والستّون: الإنفاق في سبيل الله

لا شكّ في أنّ المال بذاته، بصرف النظر عن كيفيّة إنفاقه وسبل استخدامه، لا يمكن وصفه بالنعمة أو النقمة، وإنّما ذلك فرعُ استعمال الإنسان له، والجهة التي يبذله فيها، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّ إنفاق هذا المال في طاعة الله أعظم نعمة، وإنّ إنفاقه في معاصيه أعظم محنة»[1]، بل ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أكثر من ذلك، فقال: «ملعون ملعون من وهب الله له مالاً، فلم يتصدّق منه بشيء»[2].

والمال الذي تنفقه لا لحاجةٍ عند السائل تقضيها له، بل لحاجةٍ في المعطي نفسه، يبتغي التزكية والقرب، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّكم إلى إنفاق ما اكتسبتم أحوج منكم إلى اكتساب ما تجمعون»[3]، وعنه (عليه السلام): «إنّكم إلى جزاء ما أعطيتم أشدّ حاجة من السائل إلى ما أخذ منكم»[4].

يقول العرفاء في شرح هذا الحديث الشريف: إنّ الصورة الظاهريّة للإنفاق والصدقة هي أنّ المتصدّق يعطي الفقير مالاً، إلّا أنّ الصورة البرزخيّة للعطاء هي أنّ الفقير هو الذي يعطي المتصدِّق؛ لأنّه يعطيه الأجر والثواب؛ لذلك كان الإمام الباقر (عليه السلام) يمنع السائل أن يمدّ إليه يده، بل كان الإمام (عليه السلام) هو الذي يضع المال في يده ويقدّمه للفقير كالسائل، فيلتقطه من يده.

 

 


[1]  الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص143.

[2]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص3350.

[3] الآمديّ التميميّ، غرر الحكم ودُرر الكلم، ص268.

[4]  الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص174.

 

385


328

الموعظة السابعة والستّون: الإنفاق في سبيل الله

وعنه (عليه السلام) في وصيّته لابنه الإمام الحسن (عليه السلام): «إنّما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك، فأنفِق في حقّ ولا تكن خازناً لغيرك»[1]؛ أي للأولاد والورثة.

 

ويشبّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) مال الإنفاق نسبةً إلى المال الذي ادّخره ولم ينفقه، كنسبة ماله إلى المال الذي ورثه، فيقول لأصحابه: «أيّكم مال وارثه أحبّ إليه من ماله؟»، قالوا: يا رسول الله، ما منّا أحد إلّا ماله أحبّ إليه من مال وارثه، فقال: «فإنّ ماله ما قدّم، ومال وارثه ما أخّر»[2].

 

وعد الله بالخلف في الإنفاق

قال تعالى: ﴿قُلۡ إِنَّ رَبِّي يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُ لَهُۥۚ وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡء فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ﴾[3].

 

فالله يؤكّد للإنسان أن ينفق ممّا بسطه الله له، فهو الرازق، بل هو خير الرازقين، وما على الإنسان إلّا أن يتيقّن هذه المعادلة، ويبقى حاضر الذهن أنّ ما بيده من مال، فالله هو الذي أجراه بين يديه ليرى صدق يقينه بما أمره به، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «أنفِق، وأيقِن بالخلف»[4].

 

وإذا كان الله من وعد بالخلف، فمن أوفى من الله بوعده؟ فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَنْ أَيْقَنَ بِالْخَلَفِ، جَادَ بِالْعَطِيَّة»[5].

 

 


[1] ابن شعبة الحرانيّ، تحف العقول، ص83.

[2]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص3353.

[3] سورة سبأ، الآية 39.

[4]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج4، ص43.

[5]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص495.

 

386


329

الموعظة السابعة والستّون: الإنفاق في سبيل الله

وإذا كان الله يخلفه، فالإنفاق لا ينقص مالاً، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما نقص مال من صدقة قطّ، فأعطوا ولا تجبنوا»[1].

 

ورُوِيَ أنّ رجُلاً سأل الإمامَ الصادق (عليه السلام) عن قوله تعالى: ﴿وَمَآ أَنفَقۡتُم مِّن شَيۡء فَهُوَ يُخۡلِفُهُۥۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلرَّٰزِقِينَ﴾[2]، قال: إنّي أُنفق فلا أرى خَلَفاً، فقال له الإمامُ (عليه السلام): «أفترى الله أخلفَ وعدَه؟» قال: لا، قال (عليه السلام): «فَمِمَّ؟»، قال: لا أدري، قال (عليه السلام): «أما إنّكم لو كسبتم المال مِن حِلِّه ثمّ أنفقتُموه في حقّه، لمْ يُنفِق رجُلٌ دِرهماً إلّا أخلفَ الله عليه»[3].

 

بقاء ما أُنفِق وفناء ما لم يُنفَق

قال تعالى: ﴿مَا عِندَكُمۡ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقۗ وَلَنَجۡزِيَنَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُوٓاْ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾[4].

 

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تفسير هذه الآية: «كلّ ما أبصرته بعينك واستخلاه قلبك، فاجعله لله، فذلك تجارة الآخرة؛ لأنّ الله يقول: ﴿مَا عِندَكُمۡ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقۗ﴾»[5].

 

فإذا كان ما عند الله باقياً، فحريٌّ بالإنسان أن يقدّم إلى آخرته أفضل ما يرجو أن يرد عليه، بل ما نفع مالٍ لا يرى منه الإنسان شيئاً في آخرته، فهذا أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: «لم يُرزَق المال من لم ينفقه»[6]، وعنه (عليه السلام): «جودوا بما يفنى، تعتاضوا عنه بما يبقى»[7].

 


[1]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج93، ص131.

[2] سورة سبأ، الآية 39.

[3]  السيّد ابن طاووس، فلاح السائل ونجاح المسائل، ص38-39.

[4]  سورة النحل، الآية 96.

[5]  الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، ص455.

[6] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص414.

[7] المصدر نفسه، ص221.

 

387


330

الموعظة السابعة والستّون: الإنفاق في سبيل الله

من لم يُنفِق في طاعة الله يُنفِق في معصيته

كأنّ الإنفاق سنّة لا يمكن الحياد عنها، وعلى المرء أن يختار بين أن يُنفِق في طاعة الله فينعم بثواب ما أنفق، أو يُنفِق في معصية الله فيأثم على فعلته ويُعاقب عليها، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من منع ماله من الأخيار اختياراً، صرف الله ماله إلى الأشرار اضطراراً»[1].

 

ومثله عن الإمام الصادق (عليه السلام): «اعلم أنّه من لم يُنفِق في طاعة الله ابتُلِي بأن يُنفِق في معصية الله عزَّ وجلَّ، ومن لم يمشِ في حاجة وليّ الله ابتُلِي بأن يمشيَ في حاجة عدوّ الله عزَّ وجلَّ»[2].

 

وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «ما من عبد يبخل بنفقة ينفقها فيما يرضي الله، إلّا ابتُلِي بأن ينفق أضعافها في ما أسخط الله»[3].

 

وعن الإمام الكاظم (عليه السلام): «إيّاك أن تمنع في طاعة الله، فتنفق مثليه في معصية الله»[4].

 

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «ما من عبد يمنع درهماً في حقّه، إلّا أنفق اثنين في غير حقّه»[5].

 

 


[1]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج93، ص131.

[2]  الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص412.

[3]  ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، ص293.

[4]  المصدر نفسه، ص408.

[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج3، ص504.

 

388


331

الموعظة الثامنة والستّون: الاعتدال في الإنفاق

الموعظة الثامنة والستّون: الاعتدال في الإنفاق

 

 

محاور الموعظة:

الاعتدال في الإنفاق مسألة فرديّة واجتماعيّة
النهي عن الإسراف والتبذير

 

 

هدف الموعظة:

تعرّف المسؤوليّة تجاه الإنفاق وخطورة الإسراف والتبذير.

 

تصدير الموعظة:

﴿وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَاما﴾[1].

 


[1]  سورة الفرقان، الآية 67.

 

388


332

الموعظة الثامنة والستّون: الاعتدال في الإنفاق

الاعتدال في الإنفاق مسألة فرديّة واجتماعيّة

لمْ يعدِ الكلام في الإنفاق والاعتدال فيه قضيّةً فرديّة، فقد أصبحت قضيّةً عالميّة. إذ تقوم الدول والأنظمة في العالم بِوضع خطط اقتصاديّة شاملة -تكون في بعض الأحيان صارمةً وحاسمة- بُغية الحفاظ على الموارد الطبيعيّة والماليّة للمجتمعات البشريّة.

 

وإنْ دلّ هذا على شيء، فإنّما يَدلّ على المخاطر الجسيمة التي قد تُصيب المجتمعات البشريّة جرّاء هَدْرِ المال والموادّ الغذائيّة والأوّليّة التي أوجَدَها الباري سبحانه، لِينعَم بها الإنسان.

 

وقد أرشدَنا الله بِدينه الحنيف المُتمثّل بآيات القرآن الكريم وسُنّة نبيّه الأعظم (صلى الله عليه وآله)، إلى ضرورة الاعتدال في الإنفاق، وعدم إضاعة ما أنعمه علينا مِن مواردَ وخيرات، بلْ وصلَ أمرُ الإرشاد في ذلك إلى أنْ تكون هناك أحكامٌ صارمة وحازمة، كالحُكم بحُرمة الإسراف وهَدْر المال والنِعَم، وحُرمة تبذيرها.

 

ولا بدّ مِن ذكر نقطتيْن أساسيّتيْن في موضوعنا هذا:

 

الأولى: ما بين أيدينا كلّه لله

إنّ ما نملكه في هذه الحياة الدنيا كلّه ليس إلّا مُلكاً اعتباريّاً، وإنّ المالك الحقيقيّ هو الله سبحانه، فقد قال الله عزّ وجلّ: ﴿لِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا فِيهِنَّۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡء قَدِيرُۢ﴾[1]، ما يعني أنّ على الإنسان أنْ ينظر إلى النِعَم التي أنعم الله بها عليه نظرةً موضوعيّةً، وإلى أنّه ليس مُصاحباً لها.

 

الثانية: الإنسان مستخلَفٌ على ما يملك

إذا كان المالُ مالَ الله، فإنّ الإنسان في هذه الدنيا مُستخلَفٌ عليه.

 


[1] سورة المائدة، الآية 120.

 

390


333

الموعظة الثامنة والستّون: الاعتدال في الإنفاق

قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسۡتَخۡلَفِينَ فِيهِۖ﴾[1].

 

هاتان النقطتان، تؤسّسان لِكيفيّة تعامل الإنسان مع النِعَم التي بين يديْه، ولِأنْ يلتفت إلى أنّ ما يملكه في هذه الدنيا إنّما هو كصاحبٍ له، مآله أنْ يتركه يوماً، لِيذهب إلى عالَمٍ آخر بعد الموت.

 

النهي عن الإسراف والتبذير

لأنّ اللهَ تعالى حكيمٌ عالِمٌ بِمَصلحة العباد ونفوسِهم، فإنّه عزّ وجلّ وضعَ حُدوداً للإنفاق على ما يمتلكونه في هذه الحياة؛ فَنَهى عن الإسراف والتبذير، وأمَرَ بالاقتصاد والوَسَطيّة والاعتدال في الإنفاق، من دون أنْ يمنع الإنسانَ مِن التنعّم بِنِعَمِه تعالى، فهو القائل سبحانه: ﴿وَأَمَّا بِنِعۡمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثۡ﴾[2].

 

وقال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَاما﴾[3].

 

هذه الآية المباركة توضّح لنا أنّ الإنسان ينبغي أنْ يكون في مسألة الإنفاق مُعتدِلاً، فلا يُسرف ولا يَقتر.

 

أمّا الإسراف، فهو مجاوزة الحدّ في النفَقَة على الطعام والشراب واللّباس وغيرها مِن مَتاع الدنيا.

 

أمّا التقتير، فهو التضييق في النفَقَة، وهو ضدّ الإسراف.

 

والقَوام في الآية بمعنى الاعتدال والحدّ الوسَط.

 

وقال سبحانه: ﴿لِيُنفِقۡ ذُو سَعَة مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ سَيَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡر يُسۡرا﴾[4].

 

 


[1]  سورة الحديد، الآية 7.

[2]  سورة الضحى، الآية 11.

[3] سورة الفرقان، الآية 67.

[4]  سورة الطلاق، الآية 7.

 

391


334

الموعظة الثامنة والستّون: الاعتدال في الإنفاق

فالإنفاق على قَدْر ما يستطيع، بألّا يُضيّق على نفسه بُغية الحصول على ما تشتهيه نفسه إلّا بالقدر الذي يستطيع، وأن يكتفي بالأمور الضروريّة واللازمة، لا كما يفعل بعض الأشخاص الذين يُقْدمون على الاستدانة مِن أجل شراء بعض الكماليّات أو القيام بأمورٍ هُم أغنياء عنها.

وقد وَعَدَ الله تعالى بأنّه سيَرزقُ أمثال هؤلاء، وأنّه سيُيَسّر لهم أمورهم ويُخرجهم مِن الضيق الذي هم فيه، فقال: ﴿سَيَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡر يُسۡرا﴾[1].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «أتَرى اللهَ أَعطى مَن أَعطى مِن كرامَتِه عليه، ومَنَع مَن مَنَع مِن هَوانٍ به عليه؟! كلّا، ولكنَّ المالَ مالُ اللهِ يَضَعُه عند الرجُلِ وَدَائِعَ، وَجَوَّزَ لَهم أنْ يَأكلوا قَصداً، ويشربوا قَصداً، ويلبسوا قَصداً، وينكِحوا قَصداً، ويركَبوا قَصداً، ويَعودوا بِما سِوى ذَلِكَ عَلى فُقراءِ المُؤمنين، ويَرموا بِهِ شَعَثَهم، فَمَنْ فَعَلَ ذلك كانَ ما يَأْكُلُ حلالاً، ويشرَبُ حَلالاً، وَيَركَبُ حَلالاً، وَيَنْكِحُ حَلالاً، وَمَنْ عَدا ذَلكَ كانَ عَليه حَراماً»[2].

ثمّ قال: «﴿وَلَا تُسۡرِفُوٓاْۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُسۡرِفِينَ﴾[3]، أترى اللهَ ائْتمَن رجُلاً على مالٍ، يقول له أنْ يشتريَ فرَساً بِعشرة آلاف درهم، وتجزيه فرسٌ بِعشرين درهماً، ويشتري جاريةً بِألفٍ، وتجزيه جاريةٌ بِعشرين ديناراً»[4].

 

 


[1]  سورة الطلاق، الآية 7.

[2]  الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج11، ص500.

[3]  سورة الأنعام، الآية 141.

[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج72، ص305.

 

392


335

الموعظة التاسعة والستّون: أكلُ المالِ بالباطل

الموعظة التاسعة والستّون: أكلُ المالِ بالباطل

 

 

محاور الموعظة:

المال الباطل
مِن أشكال أَكْلِ المال بالباطل
آثار أَكْلِ الحَرام

 

 

هدف الموعظة:

بيان خطورة أكل المال بالباطل وآثاره الدينيّة والدنيويّة.

 

 

تصدير الموعظة:

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاض مِّنكُمۡۚ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِيما ٢٩ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ عُدۡوَٰنا وَظُلۡما فَسَوۡفَ نُصۡلِيهِ نَاراۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرًا﴾[1].

 

 


[1] سورة النساء، الآيتان 29 - 30.

 

393


336

الموعظة التاسعة والستّون: أكلُ المالِ بالباطل

المال الباطل

إنّ مِن أُسس الحياة الطيّبة التي أرشدَنا إليها الله تعالى أنْ يحفظَ الناسُ حقوقَ بعضهم بعضاً، وأنْ لا يعتدي أحدُهم على الآخر، لا في ماله ولا في عِرضه ولا في أرضه، وألّا يحصل الإنسان على المال عبر الطرُق غير المشروعة التي نَهى عنها سبحانه، فما يَجْنيه عبر هذه الطرق إنّما هو مِن المال الباطل الذي لا يجوز التصرّف فيه. وَوَضَعَ لذلك كلِّه أحكاماً شديدة.

 

ينقسمُ المال الباطل إلى قسميْن: مِنه ما كان بِفعلٍ مباشَرٍ كالسرقة والغَصْب والاختلاس والنهْب والغشّ وغيره، ومِنه ما كان عن طريق اللّهوِ كالقمار والرّهان والمَيْسِر...

 

فإنّ ذلك كلّه مِن أكل المال بالباطل، وممّا له آثارٌ خطيرة جدّاً على الإنسان، على مستوى الفرد والمجتمع على حدٍّ سواء، وكذلك على مستوى الدّنيا والآخرة.

 

مِن أشكال أَكْلِ المال بالباطل

1. الغشّ

له مصاديقُ عديدة، خاصّة في المعاملات التجاريّة وبيْع الموادّ المختلفة، عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «ليس مِنّا مَن غَشَّ مُسلِماً»[1].

 

2. الغَصْب

غصبُ الأرض، مَثَلاً، ووضْع اليدِ عليها مِن دون إذنِ صاحبها، عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «مَن أخَذَ شِبراً من الأرض بِغير حقّه، طُوِّق به يوم القيامة إلى سبع أرضين»[2].

 

 


[1] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، ج12، ص241.

[2]  الأحسائيّ، عوالي اللئالي، ج3، ص474.

 

394


337

الموعظة التاسعة والستّون: أكلُ المالِ بالباطل

3. الرشْوة

هي عملٌ سيّءٌ أخلاقيّاً، وله تداعيات كبيرة على الأداء الوظيفيّ -على سبيل المثال- في المؤسّسات المختلفة.

 

وقد وَرَدَ ذمُّ هذا الفِعل في أحاديث النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)، حتّى عُدّ مِن الكبائر، فقال (صلى الله عليه وآله): «لعن الله الراشي والمُرتشي، والماشي بينهما»[1].

 

 وعنه (صلى الله عليه وآله): «إيّاكُم والرشوة! فإنّها مَحضُ الكُفرِ، ولا يَشُمُّ صاحِبُ الرشوةِ رِيحَ الجَنَّة»[2].

 

4. الرِبا

هو مِن أشدّ الأفعال قُبحاً وسوءاً، لِما له مِن تداعياتٍ اجتماعيّةٍ خطيرةٍ على مستوى الفرد والمجتمع، إذ يؤدّي إلى تدمير البُنية الاجتماعيّة، ويزرع الأحقاد بين الناس، مضافاً إلى مَساوِئه الاقتصاديّة المختلفة، قال الله تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ ٱلرِّبَوٰاْ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مِنَ ٱلۡمَسِّۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡبَيۡعُ مِثۡلُ ٱلرِّبَوٰاْۗ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰاْۚ﴾[3].

 

آثار أَكْلِ الحَرام

ثمّة آثارٌ عديدةٌ لأكل المال بالباطل، منها:

1. سَلْبُ البَرَكة: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن كسِبَ مالاً مِن غير

 


[1]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج101، ص274.

[2]  المصدر نفسه، ج101، ص274.

[3]  سورة البقرة، الآية 275.

 

395


338

الموعظة التاسعة والستّون: أكلُ المالِ بالباطل

حِلِّه، سُلّط عليه البناء والطين والماء»[1]؛ أيْ يعيش دائماً هَمَّ البناء، فيصرف عمره وماله فيه، ولا ينفعه هذا في الدنيا ولا في الآخرة.

 

2. عدم قَبول العبادات: عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «العبادة مع أكْلِ الحَرام، كالبناء على الرمل»[2].

 

3. عدم استجابة الدّعاء: عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «مَن أَكَلَ لُقمةَ حرامٍ [...] لمْ تُستَجبْ له دعوةٌ أربعين صباحاً»[3].

 

وقال تعالى للنبيّ عيسى (عليه السلام): «قُلْ لِظَلَمة بني إسرائيل: لا تَدعوني والسُحْتُ تحت أحضانِكم»[4].

 

4. حِرمان الجنّة: عن الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «إنّ الله عزّ وجلّ حرَّمَ الجنّةَ جسداً غُذِّيَ بالحَرام»[5].

 

5. عدم التوفيق للعبادة: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ لله مَلِكاً على بيت المَقدِس يُنادي كلّ ليلة: مَن أكَلَ حراماً، لم يُعرَف مِنه صَرفٌ ولا عَدل»[6]؛ أيْ نافلة أو فريضة.

 

وفي مقابل ذلك، فقد أعظمَ اللهُ ردَّ المال الحرام وعدمَ قبوله، وذلك لِشِدّة قُبحه وَسوئه على الإنسان، فقد وَرَدَ عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله): «لَرَدُّ دانقٍ مِن الحرام يَعدِل عند الله سبعين ألف حجّة مبرورة»[7].

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج6، ص531.

[2]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج81، ص258.

[3]  المصدر نفسه، ج63، ص314.

[4]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج8، ص133.

[5]  المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج4، ص14.

[6]  الشيخ النراقيّ، جامع السعادات، ج2، ص127.

[7]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج100، ص12.

 

396


339

الموعظة السبعون: ذمُّ الرِبا

الموعظة السبعون: ذمُّ الرِبا

 

 

محاور الموعظة:

ظاهرة تَفشّي الرِبا
الرِبا مِن السُحت
أنواع الرِبا
بيع الذهب والفضّة
الرزق مقسوم

 

هدف الموعظة:

بيان خطورة الربا وآثاره القاتلة في المجتمع.

 

تصدير الموعظة:

﴿ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ ٱلرِّبَوٰاْ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مِنَ ٱلۡمَسِّۚ﴾[1].

 

 


[1]  سورة البقرة، الآية 275.

 

397


340

الموعظة السبعون: ذمُّ الرِبا

ظاهرة تَفشّي الرِبا

تتفشّى ظاهرةُ الرِبا في مجتمعاتنا بِشكل مُطّردٍ ومُتسارع، وهي تنذر بِخطرٍ كبير يُداهِم أمنَ المجتمع واستقرارَه على جميع الأصعِدة، خاصّة في ما يتعلّق بالاقتصادِ والعلاقات الاجتماعيّة بين الناس؛ ذلك أنَّ الرِبا سببٌ رئيسٌ في نشوء النزاعات والخلافات التي تُؤدّي في بعض الأحيان إلى سَفْكِ الدماء والاعتداء على الأعراض والأموال.

 

وللرّبا آثارٌ وخيمةٌ على الأفراد الذين يَقَعون فريسةَ المُرابين، إذ تتراكم عليهم الدّيون والفائدة، ويصبحون رَهْنَ الملاحقة، ما يدفعهم في بعض الأحيان إلى بَيْع بعض مُمتلكاتهم الضروريّة، مِن مصالح ومساكن ومركبات...

 

هذا كلّه يُساعدنا في فهم العِلّة والحكمة مِن تحريمِ الإسلامِ الربا بِلسانٍ صريح غيرِ قابلٍ للشكّ والرَيْب، إذ يقول سبحانه: ﴿وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰاْۚ﴾[1].

 

وقد شُدِّد النكيرُ على مَن يأكلُ الرِبا، بلْ ومَن يُؤاكله، دَرْءاً لتلك النتائج الوخيمة كلّها، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لَعَنَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) الرِبا وآكلَه ومُؤكلَه وبايعَه ومشتريَه وكاتبَه وشاهدَيْه»[2].

 

الرِبا مِن السُحت

إنّ الربا مِن السُحت -الذي يعني الانعدام والزوال-، فعن الإمام الصّادق (عليه السلام): «...والسُحتُ أنواع كثيرة؛ منها ما أُصيبَ مِن أعمال الوُلاة الظَلَمة، ومنها أُجور القضاة، وأجور الفواجر، وثمن الخمر

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 275.

[2]  الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج3، ص274.

 

398


341

الموعظة السبعون: ذمُّ الرِبا

والنبيذ المُسكِر، والرِبا بعد وُضوح حُرمته. وأمّا الرشا في الأحكام، فهو الكفر بالله العظيم وبرسوله»[1].

فكأنّ مال الرِبا لا يدوم كثيراً لِخُلُوِّه مِن البَرَكة، وقد أكّد الباري تعالى ذلك قائلاً: ﴿يَمۡحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَوٰاْ وَيُرۡبِي ٱلصَّدَقَٰتِۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾[2].

أنواع الرِبا

يقعُ الرّبا في نوعين:

1. الرِبا القرضيّ: القرضُ مع اشتراط الزيادة؛ بِأن يُقرِض المكلَّفُ المالَ بِشرط أنْ يؤدّي المقترِضُ أزيَدَ ممّا اقترضه. وقد وَرَدَ التشديدُ على حُرمةِ هذا النوع مِن الرِبا في الروايات.

2. الرِبا المعامليّ: بَيْع أحدِ المِثلَيْنِ بالآخر مع زيادة عَينيّة -كبيع كيلو مِن الحِنطة بكيلو ونصف الكيلو، أو بكيلو منها ودرهم- أو حُكميّة -ككيلو مِن الحنطة نقداً بكيلو منها نسيئةً-. والرِبا لا يختصّ بالبيع، بلْ يَجري في سائر المُعاملات أيضاً، كالصُلْح ونَحْوه؛ وشرطُه أمران:

الأوّل: اتّحاد الجِنس عُرْفاً، فما صَدَقَ عليه الحِنطة أو الأرُزّ أو التمر أو العنب بِنظر العُرف، لا يجوز بيع بعضهِ بالبعض الآخر بالتفاضُل -وإن اختلفَ في الصفات-؛ فلا يجوز التفاضل بين الحنطة الرديئة والجيّدة مثلاً، بِخلاف ما لا يُعدّ كذلك، فلا مانعَ مِن التفاضل بينهما.

الثاني: كَوْن العِوَضيْن مِن المَكيل أو الموزون، فلا ربا في ما يُباع بالعَدّ أو المشاهدة.

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص126.

[2]  سورة البقرة، الآية 276.

 

399


342

الموعظة السبعون: ذمُّ الرِبا

بَيْع الذهب والفِضّة

ممّا ينبغي أنْ يلتفتَ إليه المتعاملون، مسألة بيعِ الذهب والفضّة، فهُما مِن الأجناس التي يقع فيها الرِبا إذا بِيعَ كلٌّ منها بِجِنسه. لذا، يَلزم على المتعاملين إيقاعُه على نحو لا يَقعان في الرِبا، فإنّ مِن الرِبا، مثلاً، أنْ يُعطي الزبونُ الصائغَ خاتماً (وزنه 3غ) فيعطيه الصائغ خاتماً (وزنه 2.5غ) في مقابله.

 

الرزق مَقسوم

في مقابل النهي عن أكلِ الحرام والربا، دعا الإسلام إلى التكسُّب في ما أحلّه الله سبحانه، فعن الإمام الباقر (عليه السلام): «قالَ رَسولُ الله (صلى الله عليه وآله) في حجَّةِ الوَداع: ألا إنّ الروحَ الأَمينَ نفثَ في روعي أَنَّه لا تموتُ نفْسٌ حتّى تَستكملَ رِزقها، فاتّقوا الله عزّ وجلّ، وأجْمِلوا في الطلب. ولا يحملنَّكم استِبطاءُ شَيءٍ مِن الرزق أنْ تطلبوه بشيءٍ مِن مَعصية الله، فإنّ الله تبارك وتعالى قسَم الأرزاقَ بين خَلقِه حَلالاً، ولَمْ يَقسِمها حَراماً. فمَنِ اتّقى اللهَ عزّ وجلّ وصَبَر، أتاه الله برزقه مِن حِلِّه، ومَن هَتَكَ حِجابَ السترِ وعجَّلَ فأخذه مِن غَيرِ حِلِّه، قُصَّ بِه مِن رزقِه الحَلالِ، وحُوسِبَ عليه يومَ القيامة»[1].

 

 


[1]  العلّامة المجلسيّ، مرآة العقول، ج19، ص25.

 

400


343

الموعظة الحادية والسبعون: فضل الزراعة

الموعظة الحادية والسبعون: فضل الزراعة

 

محاور الموعظة:

التسخير والاستخلاف
مسؤوليّة الخِلافة
الزراعة مِن مظاهر تَحمُّل الأمانة

 

هدف الموعظة:

بيان فضل الزراعة كمظهر من مظاهر الاستخلاف وحمل الأمانة.

 

تصدير الموعظة:

﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعا مِّنۡهُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰت لِّقَوۡم يَتَفَكَّرُونَ﴾[1].

 


[1]  سورة الجاثية، الآية 13.

 

401


344

الموعظة الحادية والسبعون: فضل الزراعة

التسخير والاستخلاف

إنّ الله سبحانه كرّم الإنسان وشرّفه على مخلوقاته كلّها، فأحسن صورته، وأنعم عليه بالعقل والمنطق، وسخَّرَ له مخلوقاتِه لِتكون في طريق عَيْشِهِ الهانئ والآمن، ومِن ذلك ما سخّره مِن أرضٍ ودوابّ وماءٍ وهواء... قال تعالى: ﴿ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآء فَأَخۡرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزۡقا لَّكُمۡۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡفُلۡكَ لِتَجۡرِيَ فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلۡأَنۡهَٰرَ ٣٢ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلشَّمۡسَ وَٱلۡقَمَرَ دَآئِبَيۡنِۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَ﴾[1].

 

إنّ هذا التسخير مَبنِيٌّ على أنّ الإنسان مُستخلَفٌ في هذه الأرض، فقد قال تعالى: ﴿وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِل فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةۖ قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ﴾[2]. وهذه الآية تشير إلى نوع الإنسان؛ أيْ إنّ الخلافة تشمل كلّ إنسان في هذه الأرض. وممّا يدلّ على ذلك أيضاً قوله تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمۡ خَلَٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ﴾[3].

 

مسؤوليّة الخِلافة

إنّ الخِلافة التي أَوْلاها الله للإنسان، والتي هي عبارة أخرى عن تشريفِ الإنسان وتكريمه، إنّما هي أمانةٌ عُظمى ينبغي عليه تحمّلها والتعامل معها بكلّ مسؤوليّة. قال سبحانه: ﴿إِنَّا عَرَضۡنَا ٱلۡأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡجِبَالِ فَأَبَيۡنَ أَن يَحۡمِلۡنَهَا وَأَشۡفَقۡنَ مِنۡهَا وَحَمَلَهَا ٱلۡإِنسَٰنُۖ﴾[4].

 

 


[1] سورة إبراهيم، الآيتان 32 - 33.

[2] سورة البقرة، الآية 30.

[3]  سورة فاطر، الآية 39.

[4]  سورة الأحزاب، الآية 72.

 

402


345

الموعظة الحادية والسبعون: فضل الزراعة

الزراعة مِن مظاهر تَحمُّل الأمانة

مِن مظاهر تحمُّل الأمانة والمسؤوليّة تلك، حِفْظُ ما سخّره الله للإنسان مِن نِعَمٍ ومخلوقات، واستثمارها والاستفادة منها كما ينبغي، مِن دون هَدْرٍ وتضييعٍ أو إسرافٍ وتبذير.

 

وقد حثّ الدّين الإسلاميّ -عبر أحاديث المعصومين (عليهم السلام)- على الاستفادة مِن الموارد الطبيعيّة بِشكل كبير. ومِن أبرز أشكال الاستفادة الزراعة؛ أي زراعة الأرض وحرثها، والاستفادة مِن مواردها.

 

رُوِيَ أنّ رجلاً سأل الإمام الصادق (عليه السلام): جُعِلتُ فِداك! أسمعُ قوماً يقولون: إنّ الزراعة مكروهة، فقال (عليه السلام): «ازرعوا واغرِسوا، فلا والله ما عَمِل الناس عملاً أجلَّ ولا أطيَب منه»[1].

 

ومِن لطيف ما ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) في هذا الشأن قوله: «كان أبي (عليه السلام) يقول: خير الأعمال الحَرْث، يزرعه فيأكل منه البَرُّ والفاجر»[2].

 

فإنّ هذا الحديث ينظر إلى النّاس بِمساواة، من دون تفريقٍ بين مُسلِم وغير مُسلِم، أو بين مُتديِّن وغير متديّن؛ وهذا من الأخلاق الإسلاميّة الرفيعة.

 

بل إنّ الاستفادة التي يُنظر إليها في الزراعة، كانَتْ أوسعَ دائرةً وأكثرَ شموليّةً في أحاديث المعصومين (عليهم السلام)، إذ لا يقتصر ذلك على ما يستفيده الإنسان فَحَسْب، بلْ تشمل الطير والبهيمة أيضاً، فعن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): «ما مِن مُسلمٍ يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه


 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص260.

[2]  المصدر نفسه، ج19، ص340.

 

403


346

الموعظة الحادية والسبعون: فضل الزراعة

إنسانٌ أو طيْرٌ أو بَهيمة، إلّا كانتْ له به صدقة»[1].

 

ويكفي المُزارع شرفاً ما رُوِيَ عن الإمام الصادق (عليه السلام): «الزارعون كنوز الأنام، يزرعون طيِّباً أخرجه الله عزّ وجلّ. وهم يوم القيامة أحسنُ الناس مقاماً، وأقربهم منزلةً، يُدْعَون المباركين»[2].

 


[1]  المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج3، ص891.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص261.

 

404


347

الموعظة الثانية والسبعون: تفسير الموت في كلمات المعصومين عليهم السلام

الموعظة الثانية والسبعون: تفسير الموت في كلمات المعصومين (عليهم السلام)

 

 

محاور الموعظة:

الموت في كلمات المعصومين (عليهم السلام)
موت المؤمن
موت الكافر

 

هدف الموعظة:

بيان حقيقة الموت عبر كلمات المعصومين (عليهم السلام).

 

تصدير الموعظة:

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّ في الموت لراحة لمن كان عبد شهوته وأسير أهويته، لأنّه كلّما طالت حياته كثرت سيّئاته وعظمت على نفسه جناياته»[1].

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2962.

 

407


348

الموعظة الثانية والسبعون: تفسير الموت في كلمات المعصومين عليهم السلام

عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «لمّا اشتدّ الأمر بالحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) نظر إليه من كان معه، فإذا هو بخلافهم؛ لأنّهم كلّما اشتدّ الأمر تغيّرت ألوانهم وارتعدت فرائصهم ووجلت قلوبهم، وكان الحسين (عليه السلام) وبعض من معه من خصائصه تشرق ألوانهم وتهدي جوارحهم وتسكن نفوسهم، فقال بعضهم لبعضهم الآخر: انظروا لا يبالي بالموت! فقال لهم الإمام الحسين (عليه السلام): صبراً بني الكرام، فما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة، فأيّكم يكره أن ينتقل من سجن إلى قصر؟»[1].

 

الموت في كلمات المعصومين (عليهم السلام)

عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد سُئل عن تفسير الموت: «على الخبير سقطتم، هو أحد ثلاثة أمور يرد عليه: إمّا بشارة بنعيم الأبد، وإمّا بشارة بعذاب الأبد، وإمّا تحزين وتهويل وأمر مبهم، لا يدري من أيّ الفرق هو...»[2].

 

وعن الإمام الحسن (عليه السلام) لمّا سئل عن الموت: «للمؤمن كنزع ثياب وسخة قملة، وفكّ قيود وأغلال ثقيلة، والاستبدال بأفخر الثياب وأطيبها روائح، وأوطأ المراكب، وآنس المنازل، وللكافر كخلع ثياب فاخرة، والنقل عن منازل أنيسة، والاستبدال بأوسخ الثياب وأخشنها، وأوحش المنازل، وأعظم العذاب»[3].

 

وعنه (عليه السلام): «أعظم سرور يرد على المؤمنين إذ نقلوا عن دار

 

 


[1] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2959.

[2]  المصدر نفسه.

[3] المصدر نفسه.

 

408


349

الموعظة الثانية والسبعون: تفسير الموت في كلمات المعصومين عليهم السلام

النكد إلى نعيم الأبد، وأعظم ثبور يرد على الكافرين إذ نقلوا عن جنّتهم إلى نار لا تبيد ولا تنفد»[1].

 

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «للمؤمن كأطيب ريح يشمّه فينعس لطيبه وينقطع التعب والألم كلّه عنه، وللكافر كلسع الأفاعي ولدغ العقارب وأشدّ!». قيل: فإنّ قوماً يقولون: إنّه أشدّ من نشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض، ورضخ بالأحجار وتدوير قطب الأرحيّة على الأحداق، قال: «كذلك هو على بعض الكافرين والفاجرين...»[2].

 

وعن الإمام الكاظم (عليه السلام) لمّا دخل على رجل قد غرق في سكرات الموت: «الموت هو المصفاة يصفّي المؤمنين من ذنوبهم فيكون آخر ألم يصيبهم كفّارة آخر وزر بقي عليهم، ويصفّي الكافرين من حسناتهم فيكون آخر لذّة أو راحة تلحقهم، وهو آخر ثواب حسنة تكون لهم...»[3].

 

وعن الإمام الرضا (عليه السلام) في عيادة رجل من أصحابه: «كيف تجدك؟»، قال: لقيت الموت بعدك! -يريد ما لقيه من شدّة مرضه- فقال: «كيف لقيته؟»، فقال: أليماً شديداً، فقال: «ما لقيته، إنّما لقيت ما ينذرك به، ويعرّفك بعض حاله...»[4].

 

وعن الإمام الجواد (عليه السلام) لمّا سئل عن الموت: «هو النوم الذي يأتيكم كلّ ليلة إلّا أنّه طويل مدّته لا ينتبه منه إلّا يوم القيامة، فمن رأى في نومه من أصناف الفرح ما لا يقادر قدره، ومن أصناف

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج 4، ص 2959 .

[2]  المصدر نفسه.

[3] المصدر نفسه، ج4، ص2960.

[4] المصدر نفسه.

 

409


350

الموعظة الثانية والسبعون: تفسير الموت في كلمات المعصومين عليهم السلام

الأهوال ما لا يقادر قدره، فكيف حال فرح في النوم ووجل فيه؟ هذا هو الموت، فاستعدّوا له»[1].

 

وعن الإمام العسكريّ (عليه السلام): «دخل عليّ بن محمّد(عليهما السلام) على مريض من أصحابه وهو يبكي ويجزع من الموت، فقال له: يا عبد الله، تخاف من الموت لأنّك لا تعرفه، أرأيتك إذا اتّسخت وتقذّرت وتأذّيت من كثرة القذر والوسخ عليك وأصابك قروح وجرب وعلمت أنّ الغسل في حمّام يزيل ذلك كلّه، أما تريد أن تدخله فتغسل ذلك عنك أو ما تكره أن لا تدخله فيبقى ذلك عليك؟، قال: بلى، يابن رسول الله، قال: فذاك الموت هو ذلك الحمّام، وهو آخر ما بقي عليك من تمحيص ذنوبك وتنقيتك من سيّئاتك، فإذا أنت وردت عليه وجاوزته فقد نجوت من كلّ غمّ وهمّ وأذًى، ووصلت إلى كلّ سرور وفرح، فسكن الرجل واستسلم ونشط وغمض عين نفسه، ومضى لسبيله»[2].

 

موت المؤمن

قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾[3].

 

وقال تعالى: ﴿يَٰٓأَيَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَئِنَّةُ ٢٧ ٱرۡجِعِيٓ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَة مَّرۡضِيَّة ٢٨ فَٱدۡخُلِي فِي عِبَٰدِي ٢٩ وَٱدۡخُلِي جَنَّتِي﴾[4].

 

 


[1] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2959.

[2]  المصدر نفسه، ج4، ص2960.

[3] سورة النحل، الآية 32.

[4] سورة الفجر، الآيات 27 - 30.

 

410


351

الموعظة الثانية والسبعون: تفسير الموت في كلمات المعصومين عليهم السلام

الأهوال ما لا يقادر قدره، فكيف حال فرح في النوم ووجل فيه؟ هذا هو الموت، فاستعدّوا له»[1].

 

وعن الإمام العسكريّ (عليه السلام): «دخل عليّ بن محمّد (عليهما السلام) على مريض من أصحابه وهو يبكي ويجزع من الموت، فقال له: يا عبد الله، تخاف من الموت لأنّك لا تعرفه، أرأيتك إذا اتّسخت وتقذّرت وتأذّيت من كثرة القذر والوسخ عليك وأصابك قروح وجرب وعلمت أنّ الغسل في حمّام يزيل ذلك كلّه، أما تريد أن تدخله فتغسل ذلك عنك أو ما تكره أن لا تدخله فيبقى ذلك عليك؟، قال: بلى، يابن رسول الله، قال: فذاك الموت هو ذلك الحمّام، وهو آخر ما بقي عليك من تمحيص ذنوبك وتنقيتك من سيّئاتك، فإذا أنت وردت عليه وجاوزته فقد نجوت من كلّ غمّ وهمّ وأذًى، ووصلت إلى كلّ سرور وفرح، فسكن الرجل واستسلم ونشط وغمض عين نفسه، ومضى لسبيله»[2].

 

موت المؤمن

قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمُ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾[3].

 

وقال تعالى: ﴿يَٰٓأَيَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَئِنَّةُ ٢٧ ٱرۡجِعِيٓ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَة مَّرۡضِيَّة ٢٨ فَٱدۡخُلِي فِي عِبَٰدِي ٢٩ وَٱدۡخُلِي جَنَّتِي﴾[4].

 

 


[1] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2959.

[2]  المصدر نفسه، ج4، ص2960.

[3] سورة النحل، الآية 32.

[4] سورة الفجر، الآيات 27 - 30.

 

410


352

الموعظة الثانية والسبعون: تفسير الموت في كلمات المعصومين عليهم السلام

فالموت ريحانة المؤمن كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)؛ لأنه انعتاقٌ له من سجنه الدنيويّ إلى الحريّة الأبديّة في النعيم الإلهيّ. وقد شبّهه رسول الله (عليه السلام) بخروج الجنين من بطن أمّه، فقال (صلى الله عليه وآله): «ما شبّهت خروج المؤمن من الدنيا إلّا مثل خروج الصبيّ من بطن أمّه من ذلك الغمّ والظلمة إلى روح الدنيا»[1].

وعنه (صلى الله عليه وآله): «إنّ ملك الموت ليقف من المؤمن عند موته موقف العبد الذليل من المولى، فيقوم وأصحابه لا يدنو منه حتّى يبدأه بالتسليم ويبشّره بالجنّة»[2].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا﴾: «هو أن يبشّراه بالجنّة عند الموت، يعني محمّداً وعليّاً (عليهما السلام)»[3].

وعنه (عليه السلام): «أمّا المؤمن، فما يحسّ بخروجها، وذلك قول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَٰٓأَيَّتُهَا ٱلنَّفۡسُ ٱلۡمُطۡمَئِنَّةُ ٢٧ ٱرۡجِعِيٓ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَة مَّرۡضِيَّة ٢٨ فَٱدۡخُلِي فِي عِبَٰدِي ٢٩ وَٱدۡخُلِي جَنَّتِي﴾[4]، ذلك لمن كان ورعاً مواسياً لإخوانه وصولاً لهم»[5].

في حديث المعراج عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «وإذا كان العبد في حالة الموت يقوم على رأسه ملائكة، بيد كلّ ملك كأس من ماء الكوثر وكأس من الخمر يسقون روحه حتّى تذهب سكرته ومرارته، ويبشّرونه بالبشارة العظمى، ويقولون له: طبت وطاب مثواك، إنّك

 

 


[1] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2961.

[2] المصدر نفسه.

[3] المصدر نفسه.

[4] سورة الفجر، الآيات 27-30.

[5]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج 4، ص 2961.

 

411


353

الموعظة الثانية والسبعون: تفسير الموت في كلمات المعصومين عليهم السلام

تقدم على العزيز الحكيم الحبيب القريب»[1].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «أوّل ما يبشّر به المؤمن روح وريحان وجنّة نعيم، وأوّل ما يبشّر به المؤمن أن يُقال له: أبشر وليّ الله برضاه والجنّة! قدمت خير مقدم، قد غفر الله لمن شيّعك، واستجاب لمن استغفر لك، وقبل من شهد لك»[2].

 

موت الكافر

قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ فَأَلۡقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعۡمَلُ مِن سُوٓءِۢۚ بَلَىٰٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾[3].

 

قال تعالى: ﴿فَكَيۡفَ إِذَا تَوَفَّتۡهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ﴾[4].

 

نكتفي بحديثٍ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصف فيه موت الكافر وخروج روحه: «... وإن كان لأوليائنا معادياً، ولأعدائنا موالياً، ولأضدادنا بألقابنا ملقّباً، فإذا جاءه ملك الموت لنزع روحه مثّل الله عزَّ وجلَّ لذلك الفاجر سادته الذين اتّخذهم أرباباً من دون الله، عليهم من أنواع العذاب ما يكاد نظره إليهم يهلكه، ولا يزال يصل إليه من حرّ عذابهم ما لا طاقة له به. فيقول له ملك الموت: يا أيّها الفاجر الكافر، تركت أولياء الله إلى أعدائه، فاليوم لا يغنون عنك شيئاً، ولا تجد إلى مناص سبيلاً، فيرد عليه من العذاب ما لو قسم أدناه على أهل الدنيا لأهلكهم»[5].

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج 4، ص 2961.

[2] المصدر نفسه.

[3]  سورة النحل، الآية 28.

[4]  سورة محمّد، الآية 27.

[5]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2961.

 

412


354

الموعظة الثالثة والسبعون: التزوّد للآخرة

الموعظة الثالثة والسبعون: التزوّد للآخرة

 

محاور الموعظة:

الحثّ على التزوّد للآخرة
خير الزاد
التقوى
صالح الأعمال
علّة كراهة الموت

 

هدف الموعظة:

الحثّ على التزوّد من الدار الدنيا للآخرة قبل حلول الموت.

 

 

تصدير الموعظة:

﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ﴾[1].

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 197.

 

413


355

الموعظة الثالثة والسبعون: التزوّد للآخرة

الموعظة الثالثة والسبعون: التزوّد للآخرة

 

 

محاور الموعظة:

الحثّ على التزوّد للآخرة
خير الزاد
التقوى
صالح الأعمال
علّة كراهة الموت

 

 

هدف الموعظة:

الحثّ على التزوّد من الدار الدنيا للآخرة قبل حلول الموت.

 

 

تصدير الموعظة:

﴿وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ وَٱتَّقُونِ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ﴾[1].

 


[1] سورة البقرة، الآية 197.

 

413


356

الموعظة الثالثة والسبعون: التزوّد للآخرة

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لمّا أشرف على القبور، وهو يرجع من صفّين: «يَا أَهْلَ‏ الدِّيَارِ الْمُوحِشَةِ، وَالْمَحَالِّ الْمُقْفِرَةِ، وَالْقُبُورِ الْمُظْلِمَةِ، يَا أَهْلَ التُّرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْغُرْبَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْدَةِ، يَا أَهْلَ الْوَحْشَةِ، أَنْتُمْ لَنَا فَرَطٌ سَابِقٌ، وَنَحْنُ لَكُمْ تَبَعٌ لَاحِقٌ. أَمَّا الدُّورُ فَقَدْ سُكِنَتْ، وَأَمَّا الْأَزْوَاجُ فَقَدْ نُكِحَتْ، وَأَمَّا الْأَمْوَالُ فَقَدْ قُسِمَتْ، هَذَا خَبَرُ مَا عِنْدَنَا، فَمَا خَبَرُ مَا عِنْدَكُمْ؟». ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «أَمَا [وَاللَّهِ‏] لَوْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الْكَلَامِ لَأَخْبَرُوكُمْ أَنَ‏ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى‏»[1].

 

الحثّ على التزوّد للآخرة

لعلّ أهمّ ما في حياة الإنسان أن يعيَ دوره جيّداً في هذه الحياة الدنيا، وأنّها الدار التي ينبغي أن يكسب بها نفسه للآخرة، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «تزوّدوا في الدنيا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم غداً»[2].

فالدنيا إن كانت كذلك كانت نعم الدنيا، وإن لم تكن كذلك كانت دار فقر، ولو ملكت أطرافها وكلّ مالها، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّ الدنيا دار صدق لمن صدقها، ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزوّد منها»[3]. فهي الفرصة القصيرة للتزوّد للأبد، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «تزوّدوا في أيّام الفناء لأيّام البقاء، قد دُللتم على الزاد، وأُمرتم بالظعن، وحُثثتم على المسير»[4].

 

 


[1]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص492.

[2]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص2968.

[3]  المصدر نفسه.

[4] المصدر نفسه.

 

414


357

الموعظة الثالثة والسبعون: التزوّد للآخرة

وعنه (عليه السلام): «ألستم في مساكن من كان قبلكم أطول أعماراً، وأبقى آثاراً؟ تعبّدوا للدنيا أيّ تعبّد، وآثروها أيّ إيثار، ثمّ ظعنوا عنها بغير زاد مبلغ ولا ظهر قاطع»[1].

 

وعنه (عليه السلام): «إنّما الدنيا منتهى بصر الأعمى، لا يبصر ممّا وراءها شيئاً، والبصير ينفذها بصره ويعلم أنّ الدار وراءها، فالبصير منها شاخص، والأعمى إليها شاخص، والبصير منها متزوّد، والأعمى لها متزوّد»[2].

 

وعنه (عليه السلام): «إنّ الدنيا لم تُخلق لكم دار مقام، بل خُلِقت لكم مجازاً لتزوّدوا منها الأعمال إلى دار القرار»[3].

 

خير الزاد

لطالما كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يحثّ أصحابه على التزوّد من هذه الدار الدنيا، وأن يستقلّ المرء زاده، فما أروع قوله (عليه السلام) إلى أربعة أمور أساسيّة: «آهِ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ، وَطُولِ الطَّرِيقِ، وَبُعْدِ السَّفَرِ، وَعَظِيمِ الْمَوْرِدِ»[4].

 

نعم؛ لأنّ قلّة الزاد وكثرته ترتبطان بطول الطريق وقصره، وبعد السفر أو قربه، وعظيم ما ترد عليه أو ضعفه، فإذا كان الورود على الحساب، فجديرٌ بالمرء أن يستصغر عمله ويستقلّ زاده.

 

 


[1] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج 3، ص 2968.

[2] المصدر نفسه.

[3] المصدر نفسه.

[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص481.

 

415


358

الموعظة الثالثة والسبعون: التزوّد للآخرة

التقوى

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لَا خَيْرَ فِي شَيْ‏ءٍ مِنْ أَزْوَادِهَا إِلَّا التَّقْوَى»[1].

 

وعنه (عليه السلام) إذا صلّى العشاء الآخرة ينادي الناس ثلاث مرّات حتّى يسمع أهل المسجد: «أيّها الناس، تجهّزوا رحمكم الله، فقد نودي فيكم بالرحيل، فما التعرّج على الدنيا بعد نداءٍ فيها بالرحيل؟! تجهّزوا رحمكم الله، وانتقلوا بأفضل ما بحضرتكم من الزاد وهو التقوى»[2].

 

صالح الأعمال

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّك لن يُغنيَ عنك بعد الموت إلّا صالح عمل قدّمته، فتزوّد من صالح العمل»[3].

 

وعنه (عليه السلام) -وكان كثيراً ما ينادي به أصحابه-: «تجهّزوا رحمكم الله، فقد نودي فيكم بالرحيل، وأقلّوا العرجة على الدنيا، وانقلبوا بصالح ما بحضرتكم من الزاد، فإنّ أمامكم عقبة كؤوداً، ومنازل مخوفة مهولة، لا بدّ من الورود عليها، والوقوف عندها... فقطّعوا علائق الدنيا واستظهروا بزاد التقوى»[4].

 

وعنه (عليه السلام): «فليعمل العامل منكم في أيّام مهله قبل إرهاق أجله... وليتزوّد من دار ظعنه لدار إقامته»[5].

 

 


[1]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص165.

[2]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص2968.

[3] المصدر نفسه.

[4] المصدر نفسه.

[5]  المصدر نفسه، ج3، ص2969.

 

416


359

الموعظة الثالثة والسبعون: التزوّد للآخرة

ويشير أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى ثلاثة أمور أساسيّة تُشكّل خير الزاد، فلا ينبغي الغفلة عنها في دار الدنيا: الاجتهاد في طاعة الله، والاستعداد للقاء الله، والتزوّد لمجاورة الله، فيقول (عليه السلام): «عليكم بالجدّ والاجتهاد، والتأهّب والاستعداد، والتزوّد في منزل الزاد»[1].

 

علّة كراهة الموت

لكراهة الموت ارتباطٌ وثيقٌ بعدم التزوّد من الدنيا، بل لعلّ ذلك يصلح أن يكون مؤشّراً يقيس به المرء تزوّده، فكلّما كره الموت كلّما كان ذلك دليلاً على قلّة الزاد، وكلّما أحبّ الموت كلّما كان ذلك مؤشّراً على وفرة الزاد، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لرجل سأله عن علّة كراهة الموت: «ألك مال؟»، قال: نعم، قال: «فقدّمتَه؟»، قال: لا، قال: «فمن ثَمَّ لا تحبّ الموت»[2].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله) أيضاً يشير إلى المعنى نفسه، لكن بقرينة أنّ المرء يحبّ أن يبقى مع ما يحبّ، فيقول لأحدهم: «هل لك مال؟ فقدِّم مالك بين يديك، فإنّ المرء مع ماله، إن قدّمه أحبَّ أن يلحقه، وإن خلّفه أحبّ أن يتخلّف معه»[3].

 

وعن الإمام الحسن (عليه السلام) في علّة كراهة الموت: «لأنّكم أخربتم آخرتكم، وعمّرتم دنياكم، وأنتم تكرهون النقلة من العمران إلى الخراب»[4].

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص2968.

[2]  المصدر نفسه، ج3، ص2973.

[3]  المصدر نفسه، ج3، ص2972.

[4] المصدر نفسه.

 

417


360

الموعظة الثالثة والسبعون: التزوّد للآخرة

فمن تزوّد وأحسن التزوّد أحبّ الانتقال وانتظره وتمنّاه، ومن لم يتزوّد كره ذلك وفرّ منه، لكنّه فرارٌ قصير وسرعان ما سيدركه الأجل.

 

وعن الإمام الجواد (عليه السلام) لمّا سئل عن علّة كراهة الموت: «لأنّهم جهلوه فكرهوه، ولو عرفوه وكانوا من أولياء الله عزَّ وجلَّ لأحبّوه، ولعلموا أنّ الآخرة خير لهم من الدنيا»، ثمّ قال (عليه السلام): «يا أبا عبد الله، ما بال الصبيّ والمجنون يمتنع من الدواء المنقّي لبدنه والنافي للألم عنه؟»، قال: لجهلهم بنفع الدواء، قال: «والذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً، إنّ من استعدّ للموت حقّ الاستعداد، فهو أنفع له من هذا الدواء لهذا المتعالج، أما إنّهم لو عرفوا ما يؤدّي إليه الموت من النعيم، لاستدعوه وأحبّوه أشدّ ما يستدعي العاقل الحازم الدواء لدفع الآفات واجتلاب السلامات»[1].

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج3، ص2960.

 

418


361

الموعظة الرابعة والسبعون: الاستعداد للموت

الموعظة الرابعة والسبعون: الاستعداد للموت

 

 

محاور الموعظة:

التأكيد على الاستعداد للموت
تفسير الاستعداد للموت
بركات الاستعداد للموت
تمنّي الموت
عدم التأهّب للموت

 

 

هدف الموعظة:

بيان كيفيّة الاستعداد للموت وعلّة الاستخفاف به.

 

 

تصدير الموعظة:

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «بادروا الموت الذي إن هربتم منه أدرككم، وإن أقمتم أخذكم، وإن نسيتموه ذكّركم»[1].

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2967.

 

419


362

الموعظة الثالثة والسبعون: التزوّد للآخرة

فإنّ من أهمّ ما يوجب على المرء الاستعداد للموت أنّه لحظة الفصل بين السعادة أو الشقاء الأبديّين، وبالتالي فإنّ الاستعداد له ينبغي أن يكون بمستوى أهمّيّته وخطورته، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّ قادماً يقدم بالفوز أو الشقوة لمستحقّ لأفضل العدّة»[1]، وعنه (عليه السلام) أيضاً: «استعدّوا للموت فقد أظلّكم، وكونوا قوماً صِيح بهم فانتبهوا، واعلموا أنّ الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا... وما بين أحدكم وبين الجنّة أو النار إلّا الموت أن ينزل به...»[2].

 

التأكيد على الاستعداد للموت

أكّدت الروايات ضرورة الاستعداد للموت، وأنّه أمرٌ فطريّ يتناسب مع فطرة الإنسان الذي يستعدّ لأيّ أمر يُتوقّع نزوله به، فضلاً عن الأمر الذي يتيقّن حدوثه؛ لذلك كان الاستعداد للموت واحداً من هذه الأمور التي لا ينبغي أن يَغفل عنها، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّ أمراً لا تعلم متى يفجؤك، ينبغي أن تستعدّ له قبل أن يغشاك...»[3] ، وعنه (عليه السلام): «أسمِعوا دعوة الموت آذانكم، قبل أن يُدعى بكم»[4].

 

ويؤكّد أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّ الاستعداد للموت من صفات العاقل، فيقول (عليه السلام): «إنّ العاقل ينبغي أن يحذر الموت في هذه الدار، ويحسن له التأهّب قبل أن يصل إلى دار يتمنّى فيها الموت فلا يجده»[5].

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج 4، ص 2967.

[2]  المصدر نفسه، ج4، ص2966.

[3] المصدر نفسه.

[4] المصدر نفسه.

[5] المصدر نفسه.

 

420


363

الموعظة الرابعة والسبعون: الاستعداد للموت

تفسير الاستعداد للموت

لا يعني الاستعداد للموت ألّا ينشغل المرء بأمور حياته ويلبّي حاجاته اليوميّة، بل معناه كما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لمّا سُئِل عن ذلك: «أداء الفرائض، واجتناب المحارم، والاشتمال على المكارم، ثمّ لا يُبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه، والله ما يبالي ابن أبي طالب أوقع على الموت أم وقع الموت عليه»[1].

 

ومن الصور الجميلة ما يُعبّر عنه الإمام زين العابدين (عليه السلام)، لمّا سُئل عن خير الموت: «أن يكون قد فرغ من أبنيته ودوره وقصوره»، قيل: وكيف ذلك؟ قال: «أن يكون من ذنوبه تائباً، وعلى الخيرات مقيماً، يرد على الله حبيباً كريماً»[2]. ولعلّ المراد بهذا الحديث أنّ الإنسان إنّما يكون خير من استعدّ للموت إذا انتهى من بناء آخرته.

 

ويؤكّد أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّ ترك المعاصي وفعل الخيرات هو خير الاستعداد للموت، فيقول (عليه السلام): «إنّما الاستعداد للموت تجنّب الحرام، وبذل الندى والخير»[3].

 

وعنه (عليه السلام): «اعلم أنّ أمامك عقبة كؤوداً المخفّ (أي قليل الذنوب) فيها أحسن حالاً من المثقل (أي كثير الذنوب)، والمبطئ عليها أقبح حالاً من المسرع... فارتدّ لنفسك قبل نزولك، ووطِّئ المنزل قبل حلولك»[4].

 

وإنّ ممّا يساعد في الاستعداد للموت أن يعيش الإنسان فكرة

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2969.

[2] المصدر نفسه.

[3] المصدر نفسه.

[4]  المصدر نفسه، ج4، ص2966.

 

421


364

الموعظة الرابعة والسبعون: الاستعداد للموت

اقتراب الرحيل، فيرى الموت بعين اليقين لا بعين الشاكّ، ويتوقّعه في كلّ لحظة، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «من رأى الموت بعين يقينه، رآه قريباً»[1].

 

وعنه (عليه السلام): «إذا كنت في إدبار والموت في إقبال، فما أسرع الملتقى»[2]، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أصلحوا الدنيا، واعملوا لآخرتكم، كأنّكم تموتون غداً»[3].

 

بركات الاستعداد للموت

1. المسارعة إلى فعل الخيرات: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من ارتقب الموت، سارع في الخيرات»[4].

 

2. الموت الهنيء: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «من استعدّ لسفره، قرّ عيناً بحضره»[5].

 

3. العزوف عن الدنيا: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ازهد في الدنيا واعزف عنها، وإيّاك أن ينزل بك الموت وأنت آبق من ربّك في طلبها، فتشقى»[6].

 

4. المبادرة إلى العمل: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا تكن ممّن يرجو الآخرة بغير العمل... يخشى الموت، ولا يبادر الفوت»[7]؛ أيْ لا يبادر بالعمل قبل فوات الأوان.

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2958.

[2] المصدر نفسه.

[3] المصدر نفسه، ج4، ص2967.

[4] المصدر نفسه.

[5] المصدر نفسه.

[6] المصدر نفسه.

[7] المصدر نفسه.

 

422


365

الموعظة الرابعة والسبعون: الاستعداد للموت

5. عدم الفجأة: الاستعداد للموت ينفي أهوال موت الفجأة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «موت الفجأة راحة للمؤمن وحسرة للكافر»[1].

 

وهذا أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: «والله، ما فاجأني من الموت واردٌ كرهته، ولا طالع أنكرته، وما كنت إلّا كقارب ورد، وطالب وجد، وما عند الله خير للأبرار»[2].

 

تمنّي الموت

قال تعالى: ﴿قُلۡ إِن كَانَتۡ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلۡأٓخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَة مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٩٤ وَلَن يَتَمَنَّوۡهُ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّٰلِمِينَ﴾[3].

 

الاستعداد للموت لا يعني تمنّي الموت وطلبه لضائقةٍ أو بلاءٍ أو ما شابه، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا يتمنّى أحدكم الموت لضرّ نزل به، فإن كان ولا بدّ فاعلاً فليقل: اللهمّ أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفّني إذا كانت الوفاة خيراً لي»[4].

 

وتمنّي الموت لازمه يقين المرء بحسن ما قدّم، وأنّه يثق بعمله الذي قدّمه بين يديه، وأنّه مقبلٌ على مغفرة الله ورحمته، فمن رأى ذلك في نفسه وأمن عذاب الله كان صادقاً في ما يتمنّى، وراجحاً ما يصبو إليه، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا يتمنّى أحدكم الموت، إلّا أن يثق بعمله»[5].

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2975.

[2] المصدر نفسه.

[3] سورة البقرة، الآيتان 94 - 95.

[4]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2970.

[5] المصدر نفسه.

 

423


366

الموعظة الرابعة والسبعون: الاستعداد للموت

وهذا ما أشار إليه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) للحارث الهمذانيّ: «وَأَكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ‏ وَمَا بَعْدَ الْمَوْتِ‏، وَلَا تَتَمَنَّ الْمَوْتَ إِلَّا بِشَرْطٍ وَثِيقٍ»[1].

 

وما لم يكن واثقاً بعمله، فإنّه والحال هذه يتمنّى الهلاك، فعن الإمام الكاظم (عليه السلام) يبيّن لأحدهم أنّ تمنّيَ الموت يعني تمنّي الهلاك الأبديّ، فيقول له: «هل بينك وبين الله قرابة يحابيك لها؟»، قال: لا، قال: «فهل لك حسنات قدّمتها تزيد على سيّئاتك؟»، قال: لا، قال: «فأنت إذاً تتمنّى هلاك الأبد»[2]. وقد ورد في بعض الروايات تأكيدها على أنّ تمنّيَ الحياة خيرٌ من تمنّي الموت، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) لرجلٍ يتمنّى الموت: «تمنَّ الحياة لتطيع لا لتعصي، فلأن تعيش فتطيع خيرٌ لك من أن تموت فلا تعصي ولا تطيع»[3].

 

عدم التأهّب للموت

يتعجّب أمير المؤمنين (عليه السلام) ممّن لا يتأهّب للموت قائلاً: «عجبت لمن يرى أنّه ينقص كلّ يوم في نفسه وعمره، وهو لا يتأهّب للموت».

 

ويرجع ذلك إلى جملة أسباب، أهمّها:

1. العجز: أيْ عجز المرء عن هذا الاستعداد وانجرافه في حبائل الدنيا، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إذا كان هجوم الموت لا يؤمن، فمن

 


[1]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص459.

[2]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2971.

[3] المصدر نفسه.

 

 

424


367

الموعظة الرابعة والسبعون: الاستعداد للموت

العجز ترك التأهّب له»[1]. ويحذّر من ذلك بقوله (عليه السلام): «إيّاك أن ينزل بك الموت، وأنت آبق عن ربّك في طلب الدنيا!»[2].

 

2. الغفلة: عنه (عليه السلام): «إنّ وراءك طالباً حثيثاً من الموت، فلا تغفل»[3].

 

وعنه (عليه السلام): «تارك التأهّب للموت واغتنام المهل غافل عن هجوم الأجل»[4].

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2966.

[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص98.

[3]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2966.

[4] المصدر نفسه.

 

425


368

الموعظة الخامسة والسبعون: ذكر الموت

الموعظة الخامسة والسبعون: ذكر الموت

 

 

محاور الموعظة:

ضرورة ذكر الموت
بركات ذكر الموت

 

هدف الموعظة:

التأكيد على ذكر الموت وعدم الغفلة عنه.

 

تصدير الموعظة:

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «اذكروا هادم اللّذّات، ومنغّص الشهوات، وداعيَ الشتات، اذكروا مفرّق الجماعات، ومباعد الأمنيّات، ومدنّي المنيّات، والمؤذّن بالبين والشتات»[1].

 

 


[1] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2964.

 

426


369

الموعظة الخامسة والسبعون: ذكر الموت

ضرورة ذكر الموت

عن أمير المؤمنين لابنه الحسن(عليهما السلام): «يَا بُنَيَّ، أَكْثِرْ مِنْ‏ ذِكْرِ الْمَوْتِ،‏ وَذِكْرِ مَا تَهْجُمُ عَلَيْهِ، وَتُفْضِي بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَيْهِ، حَتَّى يَأْتِيَكَ وَقَدْ أَخَذْتَ مِنْهُ حِذْرَكَ،‏ وَشَدَدْتَ لَهُ أَزْرَكَ، وَلَا يَأْتِيَكَ بَغْتَةً فَيَبْهَرَكَ»[1].

 

فكثرة ذكر الموت تجعل من الإنسان دائم الاستعداد للموت، مجانِباً للغفلة والسهو واللعب والضحك واللّامبالاة. وقد جاء في الرواية أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرّ بمجلس وهم يضحكون، فقال: «أكثروا ذكر هادم اللذّات»، أحسبه قال: «فإنّه ما ذكره أحدٌ في ضيق من العيش إلّا وسّعه، ولا في سعة إلّا ضيّقه عليه»[2].

 

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أوصيكم بذكر الموت وإقلال الغفلة عنه، وكيف غفلتكم عمّا ليس يغفلكم، وطمعكم فيمن ليس يمهلكم، فكفى واعظاً بموتى عاينتموهم»[3].

 

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أكثروا من ذكر هادم اللذّات»، فقيل: يا رسول الله فما هادم اللذّات؟ قال: «الموت، فإنّ أكيس المؤمنين أكثرهم ذكراً للموت، وأشدُّهم له استعداداً»[4].

 

ولقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسأل أصحابه عن ذكرهم للموت، كما كان يوصيهم بأيّ منقبةٍ أخرى، ومن كان قليل الذكر للموت كان الرسول يُسقِطه من عينه، كما في بعض الروايات.

 

بركات ذكر الموت

1. محور الفضائل: لذكر الموت فضائل جمّة لا تُعَدّ ولا تُحصى، فعن

 

 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص400.

[2]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2965.

[3] المصدر نفسه.

[4] المصدر نفسه.

 

427


370

الموعظة الخامسة والسبعون: ذكر الموت

الإمام الصادق (عليه السلام): «ذكر الموت يميت الشهوات في النفس ويقلع منابت الغفلة ويقوّي القلب بمواعد الله ويرقّ الطبع ويكسر أعلام الهوى ويطفئ نار الحرص ويحقّر الدنيا»[1].

2. محبّة الله: لأنّ ذكر الموت يجعلك قريباً من الله مدركاً لحضورك بين يديه، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «أفطر رسول الله (صلى الله عليه وآله) عشيّة خميس في مسجد قبا، فقال: هل من شراب؟ فأتاه أوس بن خولي الأنصاري بعسلٍ مخيض بعسل، فلمّا وضعه على فيه نحّاه، ثمّ قال: شرابان يُكتفى بأحدهما عن صاحبه، لا أشربه ولا أحرّمه، ولكن أتواضع لله، فإنّه من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبّر حفظه الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله، ومن بذّر حرمه الله، ومن أكثر ذكر الموت أحبّه الله»[2].

3. المسارعة إلى الخيرات: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أديموا ذكر هادم اللذّات»، قالوا: يا رسول الله، وما هادم اللّذّات، قال: «الموت، فإنّه من أكثر ذكر الموت سلى عن الشهوات، ومن سلى عن الشهوات هانت عليه المصيبات، ومن هانت عليه المصيبات سارع في الخيرات»[3].

4. حائلٌ دون الشهوات: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أكثروا ذكر الموت عندما تنازعكم إليه أنفسكم من الشهوات، وكفى بالموت واعظاً»[4]. وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كثيراً ما يوصي أصحابه بذكر الموت، فيقول: «أكثروا ذكر الموت، فإنّه هادم اللذّات حائلٌ بينكم وبين الشهوات»[5].

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2964.

[2]  المصدر نفسه، ج4، ص3558.

[3]  زيد بن عليّ، مسند زيد بن عليّ، ص386.

[4]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2965.

[5] المصدر نفسه.

 

428


371

الموعظة الخامسة والسبعون: ذكر الموت

5. الرضا والقناعة: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أكثروا ذكر هادم اللذّات، فما ذكر في كثير إلّا قلّله، ولا في قليل إلّا كثّره»[1]؛ ومعنى ذلك أنّه متى ذكر الموت في قليل من الرزق استكثره الإنسان لاستقلال ما بقي من عمره، ومتى ذكره في كثيرِ قلّله، لأنّ كثير الدنيا إذا علم انقطاعه بالموت قلّ عنده.

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «من أكثر من ذكر الموت، رضي من الدنيا بالكفاف»[2].

6. الزهد في الدنيا: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أكثروا ذكر الموت، فإنّه ما أكثر ذكر الموت إنسانٌ إلّا زهد في الدنيا»[3]. والزهد في الدنيا يستلزم الإعراض وعدم الرغبة بها، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «من أكثر من ذكر الموت قلّت في الدنيا رغبته[4]. وعنه (عليه السلام): «من ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير»[5]. وعنه (عليه السلام): «أكثروا من ذكر الموت، فإنّه يمحق الذنوب ويزهّد في الدنيا، فإن ذكرتموه عند الغنى هدمه، وإن ذكرتموه عند الفقر أرضاكم بعيشكم»[6].

7. عدم اللّهو واللّعب: عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديثٍ له عن عمرو بن العاص: «أَمَا وَاللَّهِ، إِنِّي لَيَمْنَعُنِي مِنَ اللَّعِبِ ذِكْرُ الْمَوْتِ، وَإِنَّهُ لَيَمْنَعُهُ‏ مِنْ‏ قَوْلِ‏ الْحَقِ‏ نِسْيَانُ‏ الْآخِرَةِ»[7].

فذكر الموت يجعل من الإنسان إنساناً مسؤولاً، كما أنّ نسيانه

 


[1]  العلّامة الحلّيّ، تذكرة الفقهاء، ج1، ص336.

[2]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2966.

[3] المصدر نفسه، ج4، ص2965.

[4] المصدر نفسه.

[5] المصدر نفسه.

[6] المصدر نفسه.

[7]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص115.

 

429


372

الموعظة الخامسة والسبعون: ذكر الموت

ونسيان الآخرة من بعده يحرف الإنسان عن جادّة الحقّ إلى جادّة الضلالة والعمى.

 

8. أفضل الطاعات: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أفضل الزهد في الدنيا ذكر الموت، وأفضل العبادة ذكر الموت، وأفضل التفكّر ذكر الموت، فمن أثقله ذكر الموت وجد قبره روضة من رياض الجنّة»[1].

 

9. الحشر مع الشهداء: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) -حينما سُئل: هل يُحشر مع الشهداء أحد؟- قال: «نعم، من يذكر الموت في اليوم الليلة عشرين مرة»[2].

 

فذاكر الموت يُشارك الشهداء في الارتباط الدائم بالساحة القدسيّة لله تبارك وتعالى، ولذلك كان معهم وفي درجتهم يوم القيامة.

 

10. حياة القلوب: عنه (صلى الله عليه وآله): «أكثروا ذكر الموت، فما من عبد أكثر ذكره إلّا أحيى الله قلبه وهوّن عليه الموت»[3].

 

11. هوان المصائب: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أكثروا ذكر الموت، ويوم خروجكم من القبور، وقيامكم بين يديّ الله عزَّ وجلَّ، تهون عليكم المصائب»[4].

 

لذلك نرى أنّ قراءة عزاء الإمام الحسين (عليه السلام) من أكثر الأمور التي تُساعد المرء على التخفيف من مصابه وتسلّيه عن مأساته. وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أكثر ذكر الموت، يُسلِك عمّا سواه»[5].

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2964.

[2]  المصدر نفسه، ج4، ص2965.

[3] المصدر نفسه.

[4] المصدر نفسه.

[5] المصدر نفسه.

 

430


373

الموعظة السادسة والسبعون: سكرة الموت

الموعظة السادسة والسبعون: سكرة الموت

 

محاور الموعظة:

أحوال سكرات الموت
أهوال سكرة الموت
ما يهوّن الموت وسكراته

 

هدف الموعظة:

بيان بعض أهوال سكرات الموت، وما يخفّف ذلك عن الإنسان.

 

تصدير الموعظة:

﴿وَجَآءَتۡ سَكۡرَةُ ٱلۡمَوۡتِ بِٱلۡحَقِّۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنۡهُ تَحِيدُ﴾[1].

 

 


[1]  سورة ق، الآية 19.

 

431


374

الموعظة السادسة والسبعون: سكرة الموت

أحوال سكرات الموت

عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصفه لسكرات الموت: «اجْتَمَعَتْ‏ عَلَيْهِمْ‏ سَكْرَةُ الْمَوْتِ‏ وَحَسْرَةُ الْفَوْتِ، فَفَتَرَتْ لَهَا أَطْرَافُهُمْ، وَتَغَيَّرَتْ لَهَا أَلْوَانُهُمْ. ثُمَّ ازْدَادَ الْمَوْتُ فِيهِمْ وُلُوجاً، فَحِيلَ بَيْنَ أَحَدِهِمْ وَبَيْنَ مَنْطِقِهِ، وَإِنَّهُ لَبَيْنَ أَهْلِهِ يَنْظُرُ بِبَصَرِهِ وَيَسْمَعُ بِأُذُنِهِ عَلَى صِحَّةٍ مِنْ عَقْلِهِ وَبَقَاءٍ مِنْ لُبِّهِ، يُفَكِّرُ فِيمَ أَفْنَى عُمُرَهُ، وَفِيمَ أَذْهَبَ دَهْرَهُ، وَيَتَذَكَّرُ أَمْوَالاً جَمَعَهَا، أَغْمَضَ‏ فِي مَطَالِبِهَا، وَأَخَذَهَا مِنْ مُصَرَّحَاتِهَا وَمُشْتَبِهَاتِهَا، قَدْ لَزِمَتْهُ تَبِعَاتُ‏ جَمْعِهَا، وَأَشْرَفَ عَلَى فِرَاقِهَا، تَبْقَى لِمَنْ وَرَاءَهُ [يُنَعَّمُونَ‏] يَنْعَمُونَ فِيهَا، وَيَتَمَتَّعُونَ بِهَا، فَيَكُونُ الْمَهْنَأُ لِغَيْرِهِ وَالْعِبْ‏ءُ عَلَى ظَهْرِهِ، وَالْمَرْءُ قَدْ غَلِقَتْ رُهُونُهُ‏ بِهَا، فَهُوَ يَعَضُّ يَدَهُ نَدَامَةً عَلَى مَا أَصْحَرَ لَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ مِنْ أَمْرِهِ، وَيَزْهَدُ في ما كَانَ يَرْغَبُ فِيهِ أَيَّامَ عُمُرِهِ، وَيَتَمَنَّى أَنَ‏ الَّذِي كَانَ يَغْبِطُهُ بِهَا وَيَحْسُدُهُ عَلَيْهَا قَدْ حَازَهَا دُونَهُ! فَلَمْ يَزَلِ الْمَوْتُ يُبَالِغُ فِي جَسَدِهِ حَتَّى خَالَطَ لِسَانُهُ سَمْعَهُ،‏ فَصَارَ بَيْنَ أَهْلِهِ لَا يَنْطِقُ بِلِسَانِهِ، وَلَا يَسْمَعُ بِسَمْعِهِ، يُرَدِّدُ طَرْفَهُ بِالنَّظَرِ فِي وُجُوهِهِمْ، يَرَى حَرَكَاتِ أَلْسِنَتِهِمْ، وَلَا يَسْمَعُ رَجْعَ كَلَامِهِمْ. ثُمَّ ازْدَادَ الْمَوْتُ الْتِيَاطاً بِهِ فَقُبِضَ بَصَرُهُ كَمَا قُبِضَ سَمْعُهُ، وَخَرَجَتِ الرُّوحُ مِنْ جَسَدِهِ، فَصَارَ جِيفَةً بَيْنَ أَهْلِهِ»[1].

أهوال سكرة الموت

قال تعالى: ﴿كَلَّآ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ ٢٦ وَقِيلَ مَنۡۜ رَاق ٢٧ وَظَنَّ أَنَّهُ ٱلۡفِرَاقُ ٢٨ وَٱلۡتَفَّتِ ٱلسَّاقُ بِٱلسَّاقِ ٢٩ إِلَىٰ رَبِّكَ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡمَسَاقُ﴾[2].

 

 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص160-161.

[2] سورة القيامة، الآيات 26 - 30.

 

432


375

الموعظة السادسة والخمسون: مظاهر الفساد وأشكاله

1. شدّة الألم: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أدنى جبذات الموت بمنزلة مئة ضربة بالسيف»[1].

 

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «والذي نفسي بيده، لمعاينة ملك الموت أشدّ من ألف ضربة بالسيف، والذي نفسي بيده لا تخرج نفس عبدٌ من الدنيا حتّى يتألّم كلّ عرق منه على حياله»[2].

 

2. فوق الوصف والتعقّل: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّ للموت لغمرات هي أفظع من أن تستغرق بصفة، أو تعتدل على عقول أهل الدنيا»[3]. فأيّ وصفٍ لغمرات الموت، إنّما هو تشبيهٌ وتصويرٌ لمقاربة الواقع وحقيقته، لكن لا يمكن لأيّ وصفٍ أن يعطيَ الحقيقة كما هي في الواقع؛ لأنّها أكبر من أن توصف بالكلمات والصفات.

 

3. الجزع والخوف: فإنّ شدّة الموت وحدها لو يُعاينها الإنسان لكانت كافيةً لاستقامته والتزامه وعدم الابتعاد عن الطاعات، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «فإنّكم لو قد عاينتم ما قد عاين من مات منكم، لجزعتم ووهلتم، وسمعتم وأطعتم، ولكن محجوب عنكم ما قد عاينوا، وقريب ما يُطرح الحجاب»[4].

 

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لو أنّ البهائم يعلمن من الموت ما تعلمون أنتم، ما أكلتم منها سميناً»[5].

 

4. قرب الشيطان منه: هي اللّحظة التي يأمل الشيطان حرف المؤمن

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2972.

[2]  المصدر نفسه، ج4، ص2971.

[3] المصدر نفسه.

[4]  المصدر نفسه، ج4، ص2972.

[5] المصدر نفسه.

 

433


376

الموعظة السادسة والسبعون: سكرة الموت

عن ولاية أهل بيت العصمة (عليهم السلام)، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أحضروا موتاكم، ولقّنوهم لا إله إلا الله، وبشّروهم بالجنّة، فإنّ الحليم من الرجال والنساء يتحيّر عند ذلك المصرع، وإنّ الشيطان أقرب ما يكون من ابن آدم عند ذلك المصرع»[1].

 

5. ملك الموت: قال تعالى: ﴿قُلۡ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمۡ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمۡ تُرۡجَعُونَ﴾[2].

 

ولعلّ من أكبر سكرات الموت مواجهة ملك الموت الذي أوكله الله قبض الأرواح، هذا الملك الذي يتجلّى لكلّ إنسان بما يتناسب مع حقيقته وجوهره، ثمّ إنّ الله أعطاه من القدرة ما قدّره على قبض الأرواح في أيّ مكان من الأرض، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «قيل لملك الموت (عليه السلام): كيف تقبض الأرواح وبعضها في المغرب وبعضها في المشرق في ساعة واحدة؟ فقال: أدعوها فتجيبني». قال: «وقال ملك الموت (عليه السلام): إنّ الدنيا بين يديّ كالقصعة بين يديّ أحدكم، يتناول منها ما يشاء، والدنيا عندي كالدرهم في كفّ أحدكم يُقلّبه كيف شاء»[3].

 

وفي حوارٍ لافت لأمير المؤمنين (عليه السلام) مع الزنديق الذي ادّعى التناقض في القرآن: ﴿ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلۡأَنفُسَ حِينَ مَوۡتِهَا﴾، وقوله: ﴿يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلۡمَوۡتِ﴾ و﴿تَوَفَّتۡهُ رُسُلُنَا﴾ و﴿تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ طَيِّبِينَ﴾ و﴿ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ ظَالِمِيٓ أَنفُسِهِمۡۖ﴾: «فهو تبارك وتعالى أجلّ وأعظم من أن يتولّى ذلك بنفسه، وفعل رسله وملائكته فعله؛ لأنّهم بأمره يعملون... فمن كان من أهل الطاعة تولّى قبض روحه ملائكة الرحمة،

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2971.

[2]  سورة السجدة، الآية 11.

[3]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2963.

 

434


377

الموعظة السادسة والسبعون: سكرة الموت

ومن كان من أهل المعصية تولّى قبض روحه ملائكة النقمة، ولملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة يصدرون عن أمره، وفعلهم فعله، وكلّ ما يأتونه منسوب إليه، وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت، وفعل ملك الموت فعل الله؛ لأنّه يتوفّى الأنفس على يد من يشاء»[1].

 

ما يهوّن الموت وسكراته

1. إنفاق المال: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «قدّم مالك أمامك، يسرّك اللّحاق به»[2].

فمساعدة الفقراء والتحنّن عليهم وكسوتهم في الشتاء والصيف ممّا يخفّف سكرات الموت. وفي الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): «من كسا أخاه كسوة شتاءٍ أو صيف، كان حقّاً على الله أن يكسوَه من ثياب الجنّة، وأن يهوّن عليه سكرات الموت، وأن يوسّع عليه في قبره»[3].

2. الابتعاد عن المعاصي: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لرجل وهو يوصيه: «أقلل من الشهوات يسهل عليك الفقر، وأقلل من الذنوب يسهل عليك الموت»[4].

3. صلة الرحم وبرّ الوالدين: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «من أحبّ أن يخفّف الله عزَّ وجلَّ عنه سكرات الموت، فليكن لقرابته وصولاً وبوالديه بارّاً، فإذا كان كذلك هوّن الله عزَّ وجلَّ عليه سكرات الموت، ولم يصبه في حياته فقر أبداً»[5].

 


[1] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2963.

[2]  المصدر نفسه، ج4، ص2972.

[3]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ص204.

[4]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج4، ص2972.

[5] المصدر نفسه.

 

435


378

الموعظة السادسة والسبعون: سكرة الموت

وفي الروايات أمورٌ كثيرة تهوّن سكرات الموت، منها: قراءة سورة الزلزلة، والمواظبة على الفرائض اليوميّة، والإكثار من قراءة آية: ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا...﴾، والمواظبة على تسبيح الزهراء (عليها السلام)، وقراءة سورة المؤمنون كلّ يوم جمعة، وغير ذلك ممّا يُشوّق المرء للقاء ربّه، فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «شوّقوا أنفسكم إلى نعيم الجنّة، تحبّوا الموت وتمقتوا الحياة»[1].

 


[1] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، ص297.

 

436


379

الموعظة السابعة والسبعون: من محطّات يوم القيامة

الموعظة السابعة والسبعون: من محطّات يوم القيامة

 

 

محاور الموعظة:

الميزان
صحائف الأعمال
الصراط

 

هدف الموعظة:

بيان ما يفيد في تجاوز بعض محطّات الحساب وعقباته.

 

تصدير الموعظة:

﴿وَٱلۡوَزۡنُ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡحَقُّۚ فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٨ وَمَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا يَظۡلِمُونَ﴾[1].

 

 


[1]  سورة الأعراف، الآيتان 8 - 9.

 

437


380

الموعظة السابعة والسبعون: من محطّات يوم القيامة

لا شكّ في أنّ أحد أهمّ مشاهد يوم القيامة ومفرادته هو أنّه يومٌ للحساب والجزاء. ومن هنا تحدّث القرآن الكريم عن مراحل وعقبات وآليّات الجزاء بالتفصيل، وشدّدت على ذلك الآيات الشريفة، وبيّنت الكثير من التفاصيل التي ينبغي على المرء فهمها والاعتقاد بها، بل الاستعداد لها قبل فوات الأوان، فإنّ الإنسان ما لم يكن حاضراً عنده تفاصيل ذلك اليوم، فإنّه لن يتمكّن من الاستعداد له.

 

الميزان

قال تعالى: ﴿وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡس شَيۡ‍ٔاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّة مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ﴾[1].

 

وفي الرواية عن هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: ﴿وَنَضَعُ ٱلۡمَوَٰزِينَ ٱلۡقِسۡطَ﴾، قال: «هم الأنبياء والأوصياء»[2].

 

ومن أبرز ميزات هذا الميزان أمران أساسيّان:

1. الدقّة في الحساب: قال تعالى: ﴿فَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّةٍ خَيۡرا يَرَهُۥ ٧ وَمَن يَعۡمَلۡ مِثۡقَالَ ذَرَّة شَرّا يَرَهُۥ﴾[3]. فالإنسان يرى أعماله على كلّ حال، سواء شملته الرحمة الإلهيّة في ما بعد أم لا. ومن هنا ضرورة الالتفات إلى صغائر الذنوب واجتنابها، وضرورة عدم استصغار أيّ عملٍ صالح وفعلٍ من أفعال الخير.

 

 


[1]  سورة الأنبياء، الآية 47.

[2] العلاّمة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج7، ص249.

[3]  سورة الزلزلة، الآيتان 7 – 8.

 

438


381

الموعظة السابعة والسبعون: من محطّات يوم القيامة

2. وزن الحق: قال تعالى: ﴿وَٱلۡوَزۡنُ يَوۡمَئِذٍ ٱلۡحَقُّۚ فَمَن ثَقُلَتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٨ وَمَنۡ خَفَّتۡ مَوَٰزِينُهُۥ فَأُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَا يَظۡلِمُونَ﴾[1].

 

ورد في تفسير هذه الآية أنّ الله لم يقل: من ثقلت موازينه شرّاً، في مقابل: من ثقلت موازينه شرّاً؛ لأنّ الوزن لمّا كان هو الحقّ والعدل، فإنّه لا يوزن إلّا الأفعال الحسنة. وأمّا الأفعال السيّئة، فلا يوزنها أصلاً، ولذلك قال تعالى في آيةٍ أخرى: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِ‍َٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ وَلِقَآئِهِۦ فَحَبِطَتۡ أَعۡمَٰلُهُمۡ فَلَا نُقِيمُ لَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَزۡنا﴾[2].

 

صحائف الأعمال

قال تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا ١٣ ٱقۡرَأۡ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفۡسِكَ ٱلۡيَوۡمَ عَلَيۡكَ حَسِيبا﴾[3].

 

1. رؤية الأعمال: قال تعالى: ﴿يَوۡمَئِذ يَصۡدُرُ ٱلنَّاسُ أَشۡتَاتا لِّيُرَوۡاْ أَعۡمَٰلَهُمۡ﴾[4]، وقال تعالى: ﴿هَلۡ تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾[5]. هذه الآية استدلّ بها العلماء على تجسّد الأعمال يوم القيامة، وأنّ الإنسان يرى عمله أمامه ويُجزى به، فعبّر الله بقوله: ﴿لِّيُرَوۡاْ أَعۡمَٰلَهُمۡ﴾، وليس جزاء أعمالهم، وقال: ﴿هَلۡ تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾، وليس بما كنتم تعملون.

 


[1]  سورة الأعراف، الآيتان 8 - 9.

[2]  سورة الكهف، الآية 105.

[3]  سورة الإسراء، الآيتان 13 - 14.

[4]  سورة الزلزلة، الآية 6.

[5]  سورة النمل، الآية 90.

 

439


382

الموعظة السابعة والسبعون: من محطّات يوم القيامة

ويؤكّد على حضور الأعمال قوله تعالى: ﴿يَوۡمَ تَجِدُ كُلُّ نَفۡس مَّا عَمِلَتۡ مِنۡ خَيۡر مُّحۡضَرا وَمَا عَمِلَتۡ مِن سُوٓء تَوَدُّ لَوۡ أَنَّ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَهُۥٓ أَمَدَۢا بَعِيداۗ﴾[1].

 

2. إحصاء الأعمال كافّة: قال تعالى: ﴿يَٰوَيۡلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ﴾[2].

 

3. نسيان الإنسان لأعماله: قال تعالى: ﴿أَحۡصَىٰهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُۚ﴾[3]. يعبّر الله تعالى: نسوه؛ لأنّ الإنسان بطبعه ينسى الأمور التي لا يوليها اهتماماً في حياته. ولمّا كان هؤلاء من الذين لا يقيمون وزناً لتعاليم السماء، فغفلوا عنها ونسوها.

 

قال تعالى: ﴿فَٱلۡيَوۡمَ نَنسَىٰهُمۡ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوۡمِهِمۡ هَٰذَا﴾[4]. ومعنى هذا أنّ الله ينساهم عدم شمولهم بالرحمة الإلهيّة، ولذلك استحقّوا العقاب، قال تعالى: ﴿فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَآ﴾[5].

 

الصراط

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أثبتكم قدماً على الصراط، أشدّكم حبّاً لأهل بيتي»[6]. لعلّ هذا الحديث ناظرٌ إلى أنّ الصراط مهمّته النظر في الأمور الاعتقاديّة ومدى رسوخها وتجذّرها في قلب الإنسان.

 

من هنا كانت الدقّة المتناهية في الصراط، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «الصراط أدقّ من الشعرة وأحدّ من السيف»[7]. لما

 

 


[1]  سورة آل عمران، الآية 30.

[2]  سورة الكهف، الآية 49.

[3]  سورة المجادلة، الآية 6.

[4]  سورة الأعراف، الآية 51.

[5]  سورة السجدة، الآية 14.

[6] الشيخ الصدوق، فضائل الشيعة، ص5.

[7]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص161.

 

440


383

الموعظة السابعة والستّون: الإنفاق في سبيل الله

هو واضح أنّ الأمور الاعتقاديّة ليست مبنيّة على التسامح، فلا مجال للإيمان بعصمة الأنبياء أو الاعتقاد بالمعاد أو الرسالة أو الرسول، أو أيّ أمرٍ آخر إيماناً إجماليّاً بلا دليل أو برهان.

 

لذلك، نجد أنّ أيّ خلل في هذه القضايا من شأنه أن يُزلزل قدم المرء على الصراط، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «الناس يمرّون على الصراط طبقات: ... فمنهم من يمرّ مرّ البرق، ومنهم من يمرّ مرّ عدو الفرس، ومنهم من يمرّ حبواً، ومنهم من يمرّ مشياً، ومنهم من يمرّ متعلّقاً، قد تأخذ النار منه شيئاً وتترك شيئاً»[1].

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج 2، ص 161.

 

441


384

الموعظة الثامنة والسبعون: أحوال الناس يوم القيامة

الموعظة الثامنة والسبعون: أحوال الناس يوم القيامة

 

محاور الموعظة:

أصناف الناس يوم القيامة

بعض أحوال الناس يوم القيامة

 

هدف الموعظة:

بيان أصناف الناس وبعض أحوالهم يوم القيامة في القرآن الكريم، ومحاولة ربط مشاعر الناس وأحاسيسهم بها.

 

تصدير الموعظة:

﴿ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ لَيَجۡمَعَنَّكُمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ لَا رَيۡبَ فِيهِۗ﴾[1].

 

 


[1]  سورة النساء، الآية 87.

 

442


385

الموعظة الثامنة والسبعون: أحوال الناس يوم القيامة

كثيرةٌ هي الآيات التي تحدّثت عن أهوال يوم القيامة وأحوال أهل الإيمان وأهل الشرك فيه وصفاتهم وما يجري عليهم. والقرآن الكريم إذ تعرَّض لهذه الآيات، إنّما أراد أن يُشدِّد على التوازن في حالتَيْ الخوف والرجاء، أو اليأس والأمل، فيكون ذلك مدعاة لأهل الإيمان في تثبيت إيمانهم، وحافزاً لأهل المعاصي للتوبة والرجوع إلى الله.

 

أصناف الناس يوم القيامة

يبيّن القرآن الكريم أنّ الناس يوم القيامة ثلاث فئات، قال تعالى: ﴿وَكُنتُمۡ أَزۡوَٰجا ثَلَٰثَة ٧ فَأَصۡحَٰبُ ٱلۡمَيۡمَنَةِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَيۡمَنَةِ ٨ وَأَصۡحَٰبُ ٱلۡمَشۡ‍َٔمَةِ مَآ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَشۡ‍َٔمَةِ ٩ وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلسَّٰبِقُونَ ١٠ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلۡمُقَرَّبُونَ﴾[1].

 

وقال تعالى مبيِّناً حال أصحاب المشأمة: ﴿وَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِشِمَالِهِۦ فَيَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي لَمۡ أُوتَ كِتَٰبِيَهۡ ٢٥ وَلَمۡ أَدۡرِ مَا حِسَابِيَهۡ﴾[2]، فيُصاب الكافر بالخيبة والحسرة والخسران يوم لن ينفعه ذلك، ولن يُنجيَه من عذاب النار.

 

وقال تعالى: ﴿وَيَوۡمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوۡمَئِذ يَتَفَرَّقُونَ﴾[3]؛ أيّ يصير المؤمنون أصحاب اليمين والمشركون أصحاب الشمال، فيتفرّقون تفرّقاً لا يجتمعون بعده.

 

وقال تعالى: ﴿وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡيَمِينِ ٩٠ فَسَلَٰم لَّكَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡيَمِينِ﴾[4]، فوعدهم بالأمن والسلام نافياً عنهم أيّ خوفٍ أو قلقٍ أو وجل.

 

 


[1]  سورة الواقعة، الآيات 7 - 10.

[2]  سورة الحاقّة، الآيتان 25 - 26.

[3]  سورة الروم، الآية 14.

[4] سورة الواقعة، الآيتان 90 - 91.

 

443


386

الموعظة الثامنة والسبعون: أحوال الناس يوم القيامة

بعض أحوال الناس يوم القيامة

1. أصناف الوجوه: قال تعالى: ﴿وُجُوه يَوۡمَئِذ مُّسۡفِرَة ٣٨ ضَاحِكَة مُّسۡتَبۡشِرَة﴾[1]، وقال تعالى: ﴿وُجُوه يَوۡمَئِذ نَّاضِرَةٌ ٢٢ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَة ٢٣ وَوُجُوه يَوۡمَئِذِۢ بَاسِرَة ٢٤ تَظُنُّ أَن يُفۡعَلَ بِهَا فَاقِرَة﴾[2]، وقال تعالى: ﴿وَوُجُوه يَوۡمَئِذٍ عَلَيۡهَا غَبَرَة ٤٠ تَرۡهَقُهَا قَتَرَةٌ ٤١ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَفَرَةُ ٱلۡفَجَرَةُ﴾[3]، وقال تعالى: ﴿وُجُوه يَوۡمَئِذٍ خَٰشِعَةٌ ٢ عَامِلَة نَّاصِبَة ٣ تَصۡلَىٰ نَارًا حَامِيَة ٤ تُسۡقَىٰ مِنۡ عَيۡنٍ ءَانِيَة﴾[4].

 

قال تعالى: ﴿يَوۡمَ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ سِرَاعا كَأَنَّهُمۡ إِلَىٰ نُصُب يُوفِضُونَ ٤٣ خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةۚ ذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ﴾[5].

 

هذه الآية تشير إلى كون الإنسان في ذلك اليوم يُساق بغير إرادته، فيتّبع الإجراءات التي لا يقوى على مخالفتها أو نقاشها أو الامتناع عنها.

 

قال تعالى: ﴿يَدۡعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيۡء نُّكُرٍ ٦ خُشَّعًا أَبۡصَٰرُهُمۡ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ كَأَنَّهُمۡ جَرَاد مُّنتَشِر ٧ مُّهۡطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِۖ يَقُولُ ٱلۡكَٰفِرُونَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَسِر﴾[6].

 

3. الخوف والرعب: قال تعالى: ﴿يَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّآ أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَٰرَىٰ

 

 


[1]  سورة عبس، الآيتان 38 - 39.

[2] سورة القيامة، الآيات 22 - 25.

[3]  سورة عبس، الآيات 40 - 42.

[4]  سورة الغاشية، الآيات 2 - 5.

[5]  سورة المعارج، الآيتان 43 - 44.

[6]  سورة القمر، الآيات 6 - 8.

 

444


387

الموعظة الثامنة والسبعون: أحوال الناس يوم القيامة

وَلَٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيد﴾[1]. أيّ مشهدٍ أشدّ من أن تغفل المُرضِعة عن رضيعها الذي هو ألصق شيء بها، أو أن تُجهضَ الحامل فتضع حملها، والأشدّ أنّك ترى الناس أشبه بالسكارى، أي الذين لا يعون ما يجري حولهم لشدّة ما أصابهم من الخوف والرعب، إلّا أنّ هذا الخوف والرعب لا يشمل أهل التقوى والإيمان الذين عملوا لتلك الساعة. قال تعالى: ﴿لَا يَحۡزُنُهُمُ ٱلۡفَزَعُ ٱلۡأَكۡبَرُ وَتَتَلَقَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ هَٰذَا يَوۡمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ﴾[2].

 

4. السكون والترقّب: قال تعالى: ﴿يَوۡمَئِذ يَتَّبِعُونَ ٱلدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُۥۖ وَخَشَعَتِ ٱلۡأَصۡوَاتُ لِلرَّحۡمَٰنِ فَلَا تَسۡمَعُ إِلَّا هَمۡسا﴾[3]، فلم يعد علوّ الصوت وارتفاعه والتطاول على الآخرين كما في الدنيا يجدي نفعاً، فالصوت الحاكم يومئذٍ هو صوت الله.

 

5. التسليم لحكم الله: قال تعالى: ﴿وَعَنَتِ ٱلۡوُجُوهُ لِلۡحَيِّ ٱلۡقَيُّومِۖ وَقَدۡ خَابَ مَنۡ حَمَلَ ظُلۡما﴾[4]. فلا مكان لاستجداء الرحمة أو طلب العفو، أو توسّم الشفاعة، أو استدرار المغفرة، أو التلطّف بالحساب إلّا من الله سبحانه، ولذلك عنت الوجوه له وحده.

 

6. الشعور بمجيء الساعة فجأة: يشعر الإنسان بمجيئها فجأة لعدم استعداده لها وغفلته عنها، فالإنسان لا يتفاجأ بأعظم المصائب وأشدّها إذا كان مستعدّاً لها ومُلتفتاً إليها، ويتفاجأ بأبسط الأمور إذا لم يكن مستعدّاً لذلك. قال تعالى: ﴿فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن

 

 


[1] سورة الحجّ، الآية 2.

[2]  سورة الأنبياء، الآية 103.

[3] سورة طه، الآية 108.

[4] سورة طه، الآية 111.

 

445


388

الموعظة الثامنة والسبعون: أحوال الناس يوم القيامة

تَأۡتِيَهُم بَغۡتَةۖ فَقَدۡ جَآءَ أَشۡرَاطُهَاۚ فَأَنَّىٰ لَهُمۡ إِذَا جَآءَتۡهُمۡ ذِكۡرَىٰهُمۡ﴾[1].

 

وقال تعالى حاكياً استغرابهم مجيء الساعة سريعاً: ﴿يَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرۡسَىٰهَا ٤٢ فِيمَ أَنتَ مِن ذِكۡرَىٰهَآ ٤٣ إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَىٰهَآ ٤٤ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخۡشَىٰهَا ٤٥ كَأَنَّهُمۡ يَوۡمَ يَرَوۡنَهَا لَمۡ يَلۡبَثُوٓاْ إِلَّا عَشِيَّةً أَوۡ ضُحَىٰهَا﴾[2].

 

يوم الحشر

فيوم القيامة يوم يُحشر فيه الخلائق أجمعون من الأوّلين والآخرين ليوم الحساب. قال تعالى: ﴿يَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلۡأَرۡضُ عَنۡهُمۡ سِرَاعاۚ ذَٰلِكَ حَشۡرٌ عَلَيۡنَا يَسِير﴾[3]، وقال تعالى: ﴿يَوۡمَ يَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ  كَأَنَّهُمۡ نُصُب يُوفِضُونَ﴾[4]. وتصف الآيات الناس يوم الحشر بقوله تعالى: ﴿يَوۡمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلۡفَرَاشِ ٱلۡمَبۡثُوثِ﴾[5].

 


[1]  سورة محمّد، الآية 18.

[2] سورة النازعات، الآيات 42 - 46.

[3]  سورة ق، الآية 44.

[4]  سورة المعارج، الآية 43.

[5]  سورة القارعة، الآية 4.

 

446


389

الموعظة التاسعة والسبعون: قوانين يوم الحساب

الموعظة التاسعة والسبعون: قوانين يوم الحساب

 

 

محاور الموعظة:

عدم جزاء نفس عن نفس
عدم جزاء الشفاعة غير الحقّة
عدم قبول الافتداء
عدم التأييد الإلهيّ

 

هدف الموعظة:

بيان بعض القواعد التي قد تخدم الإنسان في دار الدنيا، لكنّها لا تنفعه يوم العدل الإلهيّ.

 

تصدير الموعظة:

﴿وَٱتَّقُواْ يَوۡما لَّا تَجۡزِي نَفۡسٌ عَن نَّفۡس شَيۡ‍ٔا وَلَا يُقۡبَلُ مِنۡهَا شَفَٰعَة وَلَا يُؤۡخَذُ مِنۡهَا عَدۡل وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ﴾[1].

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 48.

 

447


390

الموعظة التاسعة والسبعون: قوانين يوم الحساب

إنّ من تجلّيات الرحمة الإلهيّة على الإنسان تعريفه بالقوانين العادلة ليوم الحساب، وتذكيره الدائم بها، وذلك لاختلافها عن طبيعة القوانين التي يدأب الإنسان على تسيير أموره بها في الحياة الدنيا، فيأتي القرآن ليُذكِّره بها ويجعلها نصب عينيه، فلا يغفل عنها، فيدخل في عالم الحساب وهو يحسب أنّه أحسن صنعاً، فإذا به أمام هشيم تذروه الرياح، وزبد لا يُسمن ولا يُغني من جوع.

 

إنّ الآية المتقدّمة تشير إلى أربعة أمور أساسيّة من الأمور التي اعتاد المرء على تسيير شؤون حياته في الحياة الدنيا من خلالها، إلّا أنّ أيّاً من هذه القواعد التي تُخالف موازين العدل الإلهيّ لن تنفع من اعتاد عليها وتوهّم أنّ الأزمات كلّها تحلّ وفقها، ومن هنا أهمّيّة أن يُربّيَ الإنسان نفسه على القواعد المرعيّة الإجراء في الدار الآخرة.

 

عدم جزاء نفس عن نفس

قال تعالى: ﴿يَوۡمَ يَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِيهِ ٣٤ وَأُمِّهِۦ وَأَبِيهِ ٣٥ وَصَٰحِبَتِهِۦ وَبَنِيهِ ٣٦ لِكُلِّ ٱمۡرِيٕ مِّنۡهُمۡ يَوۡمَئِذ شَأۡن يُغۡنِيهِ﴾[1]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَة وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ﴾[2]، وقال تعالى: ﴿يَوۡمَ لَا يُغۡنِي مَوۡلًى عَن مَّوۡلى شَيۡ‍ٔا وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ﴾[3]، وقال تعالى: ﴿يَوۡمَ لَا تَمۡلِكُ نَفۡس لِّنَفۡس شَيۡ‍ٔاۖ﴾[4].

 

وقال تعالى: ﴿وَلَقَدۡ جِئۡتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقۡنَٰكُمۡ أَوَّلَ مَرَّة وَتَرَكۡتُم مَّا خَوَّلۡنَٰكُمۡ وَرَآءَ ظُهُورِكُمۡۖ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمۡ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمۡتُمۡ أَنَّهُمۡ

 

 


[1]  سورة عبس، الآية 34.

[2]  سورة الأنعام، الآية 164.

[3]  سورة الدخان، الآية 41.

[4]  سورة الانفطار، الآية 19.

 

448


391

الموعظة التاسعة والسبعون: قوانين يوم الحساب

موازين العدل الإلهيّ، قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لِيَفۡتَدُواْ بِهِۦ مِنۡ عَذَابِ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنۡهُمۡۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيم﴾[1].

 

وقال تعالى: ﴿يَوَدُّ ٱلۡمُجۡرِمُ لَوۡ يَفۡتَدِي مِنۡ عَذَابِ يَوۡمِئِذِۢ بِبَنِيهِ ١١ وَصَٰحِبَتِهِۦ وَأَخِيهِ ١٢ وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِي تُ‍ٔۡوِيهِ ١٣ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعا ثُمَّ يُنجِيهِ ١٤ كَلَّآۖ إِنَّهَا لَظَىٰ ١٥ نَزَّاعَة لِّلشَّوَىٰ ١٦ تَدۡعُواْ مَنۡ أَدۡبَرَ وَتَوَلَّىٰ ١٧ وَجَمَعَ فَأَوۡعَىٰٓ﴾[2].

 

عدم التأييد الإلهيّ

لن يبدّل الله سننه وآياته يوم القيامة، فينتصر لهؤلاء الكفار، فيسامحهم ويعفو عنهم، بل ستأخذ هذه السنن مجراها الذي بيّنه الله تعالى في كتبه وعبر الأنبياء والرسل التي بعثها إلى الخلق.

 

قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰكُم مِّن قَبۡلِ أَن يَأۡتِيَ يَوۡم لَّا بَيۡع فِيهِ وَلَا خُلَّة وَلَا شَفَٰعَةۗ وَٱلۡكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ﴾[3].

 

تشير هذه الآية إلى عدم وجود تجارة ولا صداقة ولا شفاعة في يوم القيامة؛ ذلك لأنّ جميع المذنبين الآثمين أعداء بعضهم بعضاً، وقيل أنّ كلَّ فرد في ذلك اليوم يكون مشغولاً بنفسه ومصيره. وهناك آيات أخرى تؤكّد عدم وجود الناصر والمعين يومئذٍ.

 


[1]  سورة المائدة، الآية 36.

[2] سورة المعارج، الآيات 11 - 18.

[3]  سورة البقرة، الآية 254.

 

450


392

الموعظة الثمانون: مقام المجاهدين

الموعظة الثمانون: مقام المجاهدين

 

 

محاور الموعظة:

فضل أعمال المجاهدين
أوصاف المجاهدين من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)

 

هدف الموعظة:

بيان المقام الروحيّ والمعنويّ الذي خصّ به الإسلام أهل الجهاد في سبيله، وضرورة إعانتهم وذمّ إيذائهم.

 

تصدير الموعظة:

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «خير الناس رجلٌ حَبَسَ نفسَه في سبيل الله، يجاهد أعداءه، يلتمس الموت أو القتل في مصافّه»[1].

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص445.

 

453


393

الموعظة الثمانون: مقام المجاهدين

الحديث عن أهل الجهاد وصفاتهم ومقامهم هو كالحديث عن أولياء الله، بل عن خاصّة أوليائه، كما وصفهم أمير المؤمنين (عليه السلام)؛ هؤلاء الذين عزفوا عن لذائذ الدنيا ومشتهياتها كلّها، وخلّفوا وراء ظهورهم ما يلهث خلفه كثيرون ويحيون من أجله، ووجدوا أنسهم وسعادتهم في ساحات المواجهة؛ لأنّها الساحات الأقرب إلى الله وإلى رضوانه، فرشفوا من كأس كربلاء ما جعلهم لا يرون لأنفسهم وجوداً إلّا بمقدار تضحياتها وبذلها وإزهاقها في الحبّ الإلهيّ والعشق الأبديّ، حيث لا يجرؤ العقل على الولوج إلى هذا العالم ليصف ما يشعرون به، فلا يمكن لأحد أن يصف شعورهم إلّا من يشاركهم هذه اللذّة وهذه الكرامة الإلهيّة.

 

فضل أعمال المجاهدين

عمل المجاهد لا يساويه أيّ عمل آخر؛ لأنّ المجاهد وحده الذي يوفّر للأمّة ظروف العبادة وعمل الخير، لذلك ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما أعمال العباد كلّهم عند المجاهدين في سبيل الله إلّا كمثل خطاف أخذ بمنقاره من ماء البحر»[1].

 

فمثل عمل المجاهد كمثل نور الشمس التي يغفل كثيرون عن أنّهم لا يستطيعون القيام بأيّ عمل من دونه، وعمل المجاهد هو الذي يوفّر لشرائح الأمّة كافّة الظروف الكريمة التي يَحيون بها ويتنعمّون بظلالها.

 

حتّى أنّ الله يفتخر به ويباهي به الملائكة، كما عبّر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوله: «إنّ الله عزَّ وجلَّ يباهي بالمتقلّد سيفه في سبيل الله ملائكته، وهم يصلّون عليه ما دام متقلّده»[2].

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج 1، ص 445.

[2]  المصدر نفسه، ج1، ص448.

 

454


394

الموعظة الثمانون: مقام المجاهدين

وصلاة الملائكة هي صلاة الرحمة والاستغفار، ولذلك كانت عبادته وصلاته لها أجرها المضاعف، فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «صلاة الرجل متقلّداً بسيفه تفضّل على صلاته غير متقلّد بسبعمئة ضعف»[1].

 

والأعمال كلّها تنقطع عن صاحبها إلّا الجهاد، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «كلّ عمل منقطع عن صاحبه إذا مات، إلّا المرابط في سبيل الله، فإنّه ينمى له عمله ويُجرى عليه رزقه إلى يوم القيامة»[2].

 

أوصاف المجاهدين من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)

في حديثٍ لأمير المؤمنين (عليه السلام) يصف فيه المجاهدين الذين شاركوا في حرب الجمل، ويبيّن المقام الشامخ الذي يحظون به، فيقول (عليه السلام): «أنتم الأنصار على الحقّ، والإخوان على الدين، والجُنن يوم البأس، والبطانة دون الناس، بكم أضرب المُدبِر، وأرجو طاعة المُقبِل، فأعينوني بمناصحةٍ خليّةٍ من الغشّ، سليمةٍ من الريب، فوالله إنّي لأولى الناس بالناس»[3].

 

وفي هذا النصّ يرفع أمير المؤمنين (عليه السلام) من مقام المجاهدين، عندما وصفهم بسبع خصال هي:

1. أنتم الأنصار على الحقّ: هم يحملون الحقّ قضيّةً في حياتهم، ينصرونه ويعزِّزونه، فحياتهم رسالةٌ بحدّ ذاتها في الدعوة إلى الحقّ والذود عنه، وبهذا المعنى ورد قوله تعالى على لسان نبيّ الله عيسى (عليه السلام): ﴿مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج 1، ص 448.

[2]  المصدر نفسه، ج1، ص449.

[3]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص175.

 

455


395

الموعظة الثمانون: مقام المجاهدين

ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ﴾[1].

 

2. الإخوان على الدين: ما يربطهم بأمير المؤمنين (عليه السلام) أخوّة الإيمان والعقيدة، لا علاقة المصالح والمنافع المشتركة التي تربط أعداء الأمّة بعضهم ببعضهم الآخر، ووحدها هذه العلاقة التي تستمرّ يوم القيامة فيما تتبدّد سائر أنواع العلاقات التي كان الناس يتمسّكون بها في الحياة الدنيا.

 

3. الجُنن يوم البأس: المجاهدون هم الذين يقون الأمّة بأس الأعداء، ويدرؤون عنها شرّهم، فهم أشبه بالصخرة التي تتحطّم عليها أحلام المجرمين، الذين يريدون النيل من الأمّة، فكأنّهم يفدون الأمّة بما أُريد لها من شرٍّ، فيحملونه بأنفسهم ويدرؤونه عنها.

 

4. البطانة دون الناس: أي خواصّه الذين يأنس بهم ويستشيرهم، ويُسرّ إليهم، وبابه إلى الأمور لما أكرمهم الله تعالى بخاصيّة الجهاد، فرفعهم دون غيرهم من الناس. فالجهاد هو الذي صفّى نفوسهم، وطهّر سرائرهم، وأبدع أفكارهم، فجعلهم أرقى من غيرهم شأناً ومنزلةً.

 

5. بكم أضرب المدبر: أي كأنّهم ساعده ويمينه التي يقاتل بها أعداء الدين والمنحرفين عن جادّة الإيمان، فيجتثّ بهم رؤوس الفساد، ويقتلعها بسواعدهم، وأيّ كرامةٍ بعد أن يكون المؤمن يد الإمام المعصوم التي يحارب بها أعداء الشريعة؟!

 

6. أرجو طاعة المقبل: لأنّهم بجهادهم أضحوا قدوةً للآخرين، يتأسّون بهم ويقتدون بأعمالهم، فباتوا ممّن يُرجى طاعة الآخرين،

 

 


[1]  سورة آل عمران، الآية 52.

 

456


396

الموعظة الثمانون: مقام المجاهدين

وانضمامهم إلى طائفة الحقّ، فكما أنّ العلم والتقوى والعمل الصالح أبوابٌ إلى الله، فإنّ المجاهد بجهاده وتضحياته يصبح دليلاً للناس، يقبلون به إلى رحاب الإسلام.

 

7. فأعينوني بمناصحةٍ خليّةٍ من الغشّ، سليمةٍ من الريب: أخيراً، يعطيهم أمير المؤمنين (عليه السلام) لياقة ومكانة وأهليّة من يقدّم له النصيحة والعون، فهم أهلٌ للنصيحة الخالية من الغشّ والريب، وهُم ليسوا كسواهم ممّن يقدّمون النصيحة ويستبطنون المنفعة لهم، أو يساهمون برأيٍ، ويضمرون السوء من ورائه.

 

قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَن يَرۡتَدَّ مِنكُمۡ عَن دِينِهِۦ فَسَوۡفَ يَأۡتِي ٱللَّهُ بِقَوۡم يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلۡكَٰفِرِينَ يُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَآئِمۚ ذَٰلِكَ فَضۡلُ ٱللَّهِ يُؤۡتِيهِ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ﴾[1].

 


[1]  سورة المائدة، الآية 54.

 

457


397

الموعظة الحادية والثمانون: حقوق المجاهدين

الموعظة الحادية والثمانون: حقوق المجاهدين

 

محاور الموعظة:

حقوق المجاهدين
ذمّ إيذاء المجاهدين

 

هدف الموعظة:

بيان الحقوق التي ينبغي للأمّة تأديتها للمجاهدين، وبيان ثوابها، وذمّ الشريعة لمن يبادلهم الأذى.

 

تصدير الموعظة:

﴿ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ﴾[1].

 

 


[1] سورة آل عمران، الآية 173.

 

458


398

الموعظة الحادية والثمانون: حقوق المجاهدين

لعلّ المجاهد من أكثر الناس حقّاً على الأمّة، بل لعلّ النصوص تشير إلى أنّ المجاهد لا يتقدّم عليه في الحقّ أحدٌ إلّا وليّ الأمر، وحقوقه من أكثر الحقوق تقديساً في الشريعة، وأكثرها ثواباً وأجراً، فالجهاد بالنفس قد لا يتسنّى للجميع، لكن يمكن للجميع أن يشاركوا المجاهدين بإعانتهم بكلّ ما يفيدهم في قتالهم، فمن المهمّ أن يشعر المجاهد بأنّه ينتمي إلى مجتمعٍ مقاوِم، يقف خلفه في مواجهته للأعداء، ولهذه الإعانة الفضل الكبير والجزاء الحسن.

 

حقوق المجاهدين

يمكن الوقوف عبر النصوص على جملة من الأمور التي يمكن إعانة المجاهدين بها، والتي تعدّ حقّاً من حقوقهم:

1. التجهيز: ذلك بمدّ المجاهدين بكلّ ما يساعدهم في تحقيق أهدافهم وانتصاراتهم، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من جهّز غازياً بسلك أو إبرة غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر»[1].

 

ولم يستثنِ أمير المؤمنين حتّى أصحاب القلوب الضعيفة من الجهاد، فقال (عليه السلام): «الجبان لا يَحلّ له أن يغزوَ؛ لأنّ الجبان يَنهزم سريعاً، ولكن ينظر ما كان يريد أن يغزوَ به فليجهّز به غيره، فإنّ له مثل أجره في كلّ شيء ولا ينقص من أجره شيئاً»[2].

 

2. الإعانة بالمال: يفصّل أمير المؤمنين (عليه السلام) هذا الأجر بقوله، لمّا سئل عن النفقة في الجهاد إذا لزم أو استحبّ: «أمّا إذا لزم الجهاد بأن لا يكون بإزاء الكافرين من ينوب عن سائر المسلمين، فالنفقة

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص446.

[2]  المصدر نفسه.

 

459


399

الموعظة الحادية والثمانون: حقوق المجاهدين

هناك الدرهم بسبعمئة ألف، فأمّا المستحبّ الذي هو قصد الرجل وقد ناب عليه من سبعة واستغنى عنه، فالدرهم بسبعمئة حسنة، كلّ حسنة خير من الدنيا وما فيها مئة ألف مرة»[1].

 

3. عدم إذاعة أسرار المجاهدين: قال تعالى: ﴿وَإِذَا جَآءَهُمۡ أَمۡر مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّيۡطَٰنَ إِلَّا قَلِيلا﴾[2].

 

فإنّ نشر الإشاعات وإذاعة الخوف بين الناس يجعلان من مجتمع المقاومة مجتمعاً أقلّ تماسكاً، وبالتالي أقلّ حمايةً لأهل الجهاد الذين يرابطون على الثغور حفظاً لرسالة الإسلام وصوناً لكرامة الأمّة.

 

يُستفاد من الآية ضرورة التنظيم والرجوع إلى أُولي الأمر، وعدم الاجتهاد في الأمور الجهاديّة، بل ضرورة التقيّد بما يصدر عن وليّ الأمر، وإرجاع الناس إليه كونه حجّة الله في أرضه، كما عبّر الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰن مَّرۡصُوص﴾[3].

 

4. إشاعة الروح المعنويّة العالية: قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ﴾[4]؛ وذلك لأنّ تثبيط عزائم المجاهدين يُضعِف روحيّة المجاهد؛ كالحديث عن قدرة العدوّ وعدّته وتفوّقه وانتصاراته المتكرّرة، وعدم إمكانيّة النصر عليه، والموت بلا طائل، وغيرها من

 

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج 1، ص 446.

[2] سورة النساء، الآية 83.

[3]  سورة الصفّ، الآية 4.

[4]  سورة آل عمران، الآية 173.

 

460


400

الموعظة الحادية والثمانون: حقوق المجاهدين

الأحاديث التي راجت في مجتمعاتنا مع بدايات الجهاد ضدّ العدوّ الإسرائيليّ، والتي أثبتت التجربة أنّها مجرّد أوهام، وأنّ من يتوكّل على الله، فإنّ الله حسبه، وهو يدافع عنه، وأنّ الله ينصر من ينصره.

 

5. إيصال رسائله: الرسالة هنا قد تكون شخصيّة، وقد تكون رسالة الجهاد التي يحملها المجاهد ويقاتل من أجلها، وبالتالي فالمطلوب أن يحمل مجتمع المقاومة رسالة الجهاد التي من أجلها يقدّم المجاهد دمه وروحه. فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من بلّغ رسالة غازٍ كمن أعتق رقبة، وهو شريكه في باب غزوته»[1].

 

6. الدعاء لهم: نذكر هنا مقطعاً من الدعاء المعروف بدعاء أهل الثغور، المرويّ عن الإمام السجّاد (عليه السلام)، الذي يقول فيه: «اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وكثّر عددهم، واشحذ أسلحتهم، واحرس حوزتهم، وامنع حومتهم، وألّف جمعهم، ودبّر أمرهم، وواتر بين ميرهم، وتوحّد بكفاية مؤنهم، واعضدهم بالنصر، وأعنهم بالصبر، والطف لهم في المكر»، إلى أن يقول بعد أن يدعوَ على الكافرين: «اللهمّ وقوِّ بذلك محالّ أهل الإسلام، وحصّن به ديارهم، وثمرّ به أموالهم، وفرّغهم عن محاربتهم لعبادتك، وعن منابذتهم للخلوة بك، حتّى لا يُعبد في بقاع الأرض غيرك، ولا تُعفّر لأحد منهم جبهة دونك»[2].

 

7. مواساة عوائل الشهداء والعناية بهم: هذا أقلّ ما يمكن تقديمه للمجاهدين الذين يرابطون على الثغور، تاركين عوائلهم وفلذات

 

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص8.

[2]  الشيخ المظفّر، عقائد الإماميّة، ص117.

 

461


401

الموعظة الحادية والثمانون: حقوق المجاهدين

أكبادهم، فمن الضروريّ أن يحميَ مجتمع المقاومة هذه العوائل، ويقدّم لها كلّ ما تحتاج إليه من الأمور المعيشيّة والعلميّة والتربويّة وغير ذلك.

 

8. تحمّل أعباء الجهاد: الجهاد من الفرائض التي تترك آثاراً كثيرة على المجتمع، كالقتل، والجرحى، والأسرى، وإعاقة بعض المجاهدين، فضلاً عن التشريد، وبعض الأعباء المادّيّة، كالخراب والدمار، وتلف المحاصيل والمزروعات، وسوى ذلك من الأمور التي ينبغي للأمّة الاستعداد لتحمّل أعبائها وعدم الانكسار أو الرضوخ مهما بلغت التقديمات، ولعلّه إلى ذلك أشار القرآن بعد تعداده لأنواع الابتلاءات التي تمرّ على الأمّة بقوله: ﴿وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾[1].

 

9. إعداد القوّة: قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّة وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِينَ مِن دُونِهِمۡ﴾[2].

 

الأمر الإلهيّ بالإعداد والجهوزيّة الكاملة والاستعداد التامّ لمواجهة الكفّار، وعلى المستويات كلّها، هو تكليف الأمّة جمعاء الذين لا يغفلون عنّا حتّى لو غفلنا عنهم، بل هم يترصّدون لحظة غفلة الأمّة للانقضاض عليها، والنيل منها، ولذا كان من الضروريّ ألّا نستصغر أيّ عملٍ جهاديّ، فإنّ له موقعه وفضله وإيجابيّاته على كلّ حال.

 

وقد بيّن ذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «الجهاد على أربع شعب: على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدق في المواطن وشنآن الفاسقين، فمن أمر بالمعروف شدّ ظهر المؤمن، ومن نهى

 

 


[1]  سورة البقرة، الآية 155.

[2]  سورة الأنفال، الآية 60.

 

462


402

الموعظة الحادية والثمانون: حقوق المجاهدين

عن المنكر أرغم أنف المنافق، ومن صدق في المواطن قضى الذي عليه، ومن شنأ الفاسقين وغضب لله عزَّ وجلَّ غضب الله له»[1].

 

ذمّ إيذاء المجاهدين

إيذاء المجاهدين من أقبح الأعمال التي جعلها الله في مقام الاعتداء على ساحة قدسه، وذلك بتشويه رسالتهم، أو اتّهامهم بالعمالة لغيرهم، أو تجريم أعمالهم علناً، أو تصويرهم بأنّهم على غير الهدى وأنّ أعمالهم لا تَخدم الشريعة، بل الأصعب من ذلك ما قرأناه في الماضي ونشاهده في الحاضر من إطلاق الفتاوى الشرعيّة ضدّهم، وإباحة دمائهم وأعراضهم وأموالهم، وبذل المال وتقديم السلاح لحربهم، وغير ذلك ممّا يفعله أئمّة الكفر عبر التاريخ. وما زال تاريخ هؤلاء حتّى الساعة شاهداً على قذارة أفعالهم ومواقفهم، وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من اغتاب غازياً أو آذاه أو خلّفه في أهله بخلافة سوء، نُصب له يوم القيامة علم، فليستفرغ لحسابه ويركس في النار»[2].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «اتقوا أذى المجاهدين في سبيل الله، فإنّ الله يغضب لهم كما يغضب للرسل، ويستجيب لهم كما يستجيب لهم»[3].

 

 


[1] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص448.

[2]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص8.

[3]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص446.

 

463


403

الموعظة الثانية والثمانون: ثواب المجاهدين

الموعظة الثانية والثمانون: ثواب المجاهدين

 

 

محاور الموعظة:

ثواب المجاهدين

 

هدف الموعظة:

بيان بعض ما أعدّ الله من الأجر والثواب ورفيع المقام في الآخرة للمجاهدين في سبيله.

 

تصدير الموعظة:

﴿لَّا يَسۡتَوِي ٱلۡقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ غَيۡرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلۡمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ﴾[1].

 

 


[1]  سورة النساء، الآية 95.

 

464


404

الموعظة الثانية والثمانون: ثواب المجاهدين

الموعظة الثانية والثمانون: ثواب المجاهدين

 

 

محاور الموعظة:

ثواب المجاهدين

 

هدف الموعظة:

بيان بعض ما أعدّ الله من الأجر والثواب ورفيع المقام في الآخرة للمجاهدين في سبيله.

 

تصدير الموعظة:

﴿لَّا يَسۡتَوِي ٱلۡقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ غَيۡرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلۡمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ﴾[1].

 

 


[1]  سورة النساء، الآية 95.

 

464


405

الموعظة الثانية والثمانون: ثواب المجاهدين

إذا كان الجهاد عزّ الأمة وقوتها، فأجر المجاهد هو أجر من أعزّ هذه الأمّة وأعطاها القوّة والمنعة. وبكلمةٍ أوضح فإنّ أجر المجاهد ليس أجراً على سلوكٍ فرديّ وذكرٍ خاصّ وإحياء ليلةٍ بالطاعة والعبادة، بل أجره أجر من حبس نفسه للمصالح الكبيرة للأمّة، وتحمّل المشقّات والآلام عن سواه من المسلمين توفيراً لحياةٍ كريمةٍ لهم، لذلك ورد عن بعض العرفاء أنّ ساعة من ساعات الجهاد في سبيل الله تفوق عبادة سنين طويلة يقضيها الإنسان في الدعاء والتضرّع والصلاة والذكر. هذا المعنى أشار إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حديثٍ مرويّ أنّ رجلاً أتى جبلاً ليعبد الله فيه، فجاء به أهله إلى الرسول (صلى الله عليه وآله)، فنهاه عن ذلك، وقال: «إنّ صبر المسلم في بعض مواطن الجهاد يوماً واحداً خير له من عبادة أربعين سنة»[1].

 

ثواب المجاهدين

من الواضح في كتاب الله تفضيل أهل الجهاد على غيرهم بقوله تعالى: ﴿فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ عَلَى ٱلۡقَٰعِدِينَ دَرَجَةۚ﴾[2]، ثمّ يوضّح هذه الدرجة بقوله تعالى: ﴿وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلۡمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلۡقَٰعِدِينَ أَجۡرًا عَظِيما ٩٥ دَرَجَٰت مِّنۡهُ وَمَغۡفِرَة وَرَحۡمَةۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورا رَّحِيمًا﴾[3].

 

لقد أشارت الآيات والروايات إلى بعض ما أعدّه الله أجراً للمجاهدين، نقف هنا على بعضها، فمنها:

1. تخصيصهم بباب لهم: هذا التخصيص يعني إبرازهم وتعريفهم لعموم الخلق يوم القيامة، والدلالة إلى إنجازاتهم وتضحياتهم، بل

 


[1]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص444.

[2]  سورة النساء، الآية 95.

[3]  سورة النساء، الآيتان 95 – 96.

 

465


406

الموعظة الثانية والثمانون: ثواب المجاهدين

فضلهم على الآخرين، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «للجنّة بابٌ يُقال له: باب «المجاهدون» يمضون إليه فإذا هو مفتوح، وهم متقلّدون بسيوفهم، والجمع في الموقف والملائكة ترحّب بهم»[1].

 

2. الخير على كلّ حال: المجاهد في عين الله ورعايته لا يُقدِم إلّا على خير، ولا ينال إلّا الخير، كيفما وقع الحال عليه. فعن مولانا الإمام الباقر (عليه السلام): «أتى رجل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: إنّي راغب نشيط في الجهاد، قال: فجاهد في سبيل الله، فإنّك إن تُقتل كنت حيّاً عند الله تُرزق، وإن متَّ فقد وقع أجرك على الله، وإن رجعت خرجت من الذنوب إلى الله»[2].

 

3. النجاة من النار: هذا ممّا لا ريب فيه، إلّا أنّ تعبير رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا يجتمع غبارٌ في سبيل الله ودخان في جهنّم» إشارة إلى أبعد من ذلك، فعبّر بالغبار ليقول إنّ غبار ثيابهم ونعالهم ووجوههم وأسلحتهم وعرقهم وسوى ذلك إنّما هو مبارك ويستحبّ التبرّك به[3]. وعنه (صلى الله عليه وآله): «عينان لا تمسّهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله»[4].

 

4. الفوز بالجنّة: قال تعالى: ﴿أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَعۡلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَيَعۡلَمَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾[5]، وفي قوله: ﴿أَمۡ حَسِبۡتُمۡ﴾ إشارة واضحة إلى أنّ الفوز بالجنان يلازم شرطاً أكيداً وهو الجهاد

 

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص3.

[2]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص445.

[3] المصدر نفسه.

[4]  المصدر نفسه، ج1، ص449.

[5]  سورة آل عمران، الآية 142

 

466


407

الموعظة الثانية والثمانون: ثواب المجاهدين

في سبيل الله، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «السيوف مفاتيح الجنّة»[1].

 

5. تخصيصهم بسبل الهداية الإلهيّة: قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ﴾[2]. هذه الآية تتحدّث عن معادلة وسنّة إلهيّة لازمة، تقضي بإفاضة الله أنوار هدايته وسبل التقرّب إليه، خاصّة المجاهدين في الله. ولعلّه إلى ذلك أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «المجاهد تُفتح له أبواب السماء»[3].

 

6. الخيرات في الآخرة: قال تعالى: ﴿لَٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ جَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡخَيۡرَٰتُۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾[4]. أطلق الله كلمة الخيرات لتعمّ كلّ ما تشتهي الأنفس وما يخطر وما لا يخطر على قلب بشر.

 

والإنسان على كلّ حال، سينتقل من هذه الدار، إمّا قتلاً وإمّا بالموت، إلّا أنّ الخير سيكون جزاء المجاهدين في سبيل الله، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّ الله كتب القتل على قوم والموت على آخرين، وكلٌّ آتيه منيّته كما كتب الله له، فطوبى للمجاهدين في سبيله، والمقتولين في طاعته»[5].

 

ثمّ إنّ الجهاد إذا اجتمع مع الهجرة، كان المجاهد ممّن يرجو رحمة الله. قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أُوْلَٰٓئِكَ يَرۡجُونَ رَحۡمَتَ ٱللَّهِۚ﴾[6]. وفي آيةٍ أخرى اعتبرهم الله أعظم درجة، إذ

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص2.

[2]  سورة العنكبوت، الآية 69.

[3]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص445.

[4]  سورة التوبة، الآية 88.

[5]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج32، ص403.

[6]  سورة البقرة، الآية 218.

 

467


408

الموعظة الثانية والثمانون: ثواب المجاهدين

قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ أَعۡظَمُ دَرَجَةً عِندَ ٱللَّهِۚ﴾[1].

 

7. مضاعفة الأجر والثواب: لأنّ أيّ طاعة يقوم بها المجاهد من صلاةٍ أو صومٍ أو دعاء أو سوى ذلك هي مقترنة بجهاده وثباته على محاور القتال، فمن الطبيعيّ أن يتضاعفَ أجرها، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها»[2].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «رباط يوم خير من صيام شهر وقيامه»[3].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «إنّ صلاة المرابط تعدل خمسمئة صلاة»[4].

وعنه (صلى الله عليه وآله): «حرس ليلة في سبيل الله عزَّ وجلَّ أفضل من ألف ليلة يُقام ليلها ويُصام نهارها»[5].

وعنه (صلى الله عليه وآله): «لئن أحرس ثلاث ليال مرابطاً من وراء بيضة المسلمين، أحبّ إليّ من أن تصيبني ليلة القدر في أحد المسجدين: المدينة أو بيت المقدس»[6].

 

 


[1]  سورة التوبة، الآية 20.

[2]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص449.

[3] المصدر نفسه.

[4] المصدر نفسه.

[5] المصدر نفسه.

[6] المصدر نفسه.

 

468


409

الموعظة الثانية والثمانون: ثواب المجاهدين

الموعظة الثالثة والثمانون: مقام الشهادة

 

 

محاور الموعظة:

ثواب طلب الشهادة
الشوق للشهادة
فضل الشهادة
حياة الشهيد

 

 

هدف الموعظة:

بيان علوّ المقام الذي يتمتّع به الشهيد في الآخرة، وفضله وعظمته على سائر الخلق في الدنيا.

 

 

تصدير الموعظة:

عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «ما من قطرة أحبّ إلى الله عزَّ وجلَّ من قطرتين: قطرة دم في سبيل الله، وقطرة دمعة في سواد الليل لا يريد بها العبد إلّا الله عزَّ وجلَّ»[1].

 

 


[1] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج1، ص284.

 

469


410

الموعظة الثالثة والثمانون: مقام الشهادة

لا يمكن لبيان أدبٍ أو شعرٍ أو كلامٍ أو سوى ذلك أن يتحدّث عن الشهادة ومقاماتها، وعشق المجاهدين والشهداء، وصفاء نفوسهم ونقاء سريرتهم، وهم الذين باعوا أنفسهم لله وحده، كما يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقۡتُلُونَ وَيُقۡتَلُونَۖ﴾[1]. واشترى الله هذه الأنفس بنعيم الأبد، فكانت نعم التجارة مع الله وأربح التجارة وأوفاها، وهل بعد التجارة مع الله مقام أو مرتبة أو درجة يمكن للعبد أن يبلغها؟

 

ثواب طلب الشهادة

طلب الشهادة معناه أن يجاهد المرء في سبيل الله طامعاً في الشهادة، وأن يدعوَ الله أن يرزقه إيّاها، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من طلب الشهادة صادقاً أعطيها، ولو لم تصبه»[2].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله): «من سأل الله الشهادة بصدقٍ بلّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه»[3]. فالمؤمن ينبغي أن يوطّن نفسه على الشهادة دائماً، أي أن يملك هذه الروحيّة.

 

الشوق للشهادة

حبّ الشهادة يجعل المرء يرغب بها ويميل إليها، فإذا أصبح عاشقاً لها تراه يفتقدها دائماً، وينتظر وقوعها بفارغ الصبر. فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «... وَاللَّهِ لَابْنُ أَبِي طَالِبٍ آنَسُ‏ بِالْمَوْتِ‏ مِنَ الطِّفْلِ بِثَدْيِ أُمِّهِ»[4].

 

 


[1]  سورة التوبة، الآية 111.

[2]  النووي، روضة الطالبين، ج1، ص87.

[3]  الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1516.

[4]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص52.

 

470


411

الموعظة الثالثة والثمانون: مقام الشهادة

وعنه (عليه السلام) عندما يوبّخ أصحابه على التواني عن الجهاد: «وَإِنَّ أَحَبَّ مَا أَنَا لَاقٍ‏ إِلَيَّ الْمَوْتُ»[1].

 

وعنه (عليه السلام): «فوالله، إنّي لعلى الحقّ، وإنّي للشهادة لمحبّ»[2].

 

وعنه (عليه السلام): «فوالله، لولا طمعي عند لقاء عدوّي في الشهادة وتوطيني نفسي عند ذلك، لأحببت ألّا أبقى مع هؤلاء يوماً واحداً»[3].

 

وعنه (عليه السلام) بعدما ضربه ابن ملجم: «وَاللَّهِ، مَا فَجَأَنِي مِنَ الْمَوْتِ‏ وَارِدٌ كَرِهْتُهُ، وَلَا طَالِعٌ أَنْكَرْتُهُ، وَمَا كُنْتُ إِلَّا كَقَارِ بٍوَرَدَ وَطَالِبٍ وَجَدَ»[4].

 

حياة الشهيد

يؤكّد القرآن الكريم أنّ الشهداء ينعمون بحياةٍ هانِئة سعيدة، وأنّ الشهادة ليست إلّا معبراً نحو هذه الحياة التي لا يَشعر بها بقيّة الناس.

 

قال تعالى: ﴿وَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتَۢاۚ بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ يُرۡزَقُونَ﴾[5].

 

وقال تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُواْ لِمَن يُقۡتَلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمۡوَٰتُۢۚ بَلۡ أَحۡيَآء وَلَٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ﴾[6].

 

فضل الشهادة

كرامة الشهادة والقتل في سبيل الله من أعظم الكرامات التي لا يُدانيها فضلٌ، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِنَّ أَكْرَمَ‏ الْمَوْتِ‏ الْقَتْلُ‏،


 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص259.

[2]  ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج6، ص100.

[3] المصدر نفسه، ج6، ص93.

[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص378-379.

[5]  سورة آل عمران، الآية 169.

[6]  سورة البقرة، الآية 154.

 

471


412

الموعظة الثالثة والثمانون: مقام الشهادة

وَالَّذِي نَفْسُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِهِ لَأَلْفُ ضَرْبَةٍ بِالسَّيْفِ أَهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ مِيتَةٍ عَلَى الْفِرَاشِ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ‏»[1].

 

وأمّا فضائل هذه الشهادة، فهي أعظم من أن تُحصى بركاتها، وأكبر من أن نُدرِكَ بعقولنا كرامة الشهيد عند ربّه، وما يُلاقيه من الأجر وعظيم المقام، والتي منها:

1. اقتران الشهادة بالفوز: هذا مبدأ لا يقبل الشكّ أو الترديد فيه. فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) لمّا ضربه ابن ملجم: «فزت وربّ الكعبة»[2].

 

2. أعلى مقامات البِرّ: لأنّه لا يوجد في الحياة أغلى على الإنسان من نفسه، كذلك فإنّه عندما يجود بها، فيكون قد وصل إلى أعلى مراتب القرب من الله. فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «فوق كلّ ذي بِرٍّ بَرٌّ حتّى يُقتل الرجل في سبيل الله، فإذا قُتل في سبيل الله فليس فوقه بَرّ»[3].

 

3. أشرف الموت: أسباب الموت كثيرة متنوّعة، إلّا أنّ قتل الشهادة يعني فناء الشهيد في الدفاع عن مقدّسات الأمة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أشرف الموت قتل الشهادة»[4].

 

وعن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «ما من قطرة أحبّ إلى الله من قطرة دم في سبيل الله»[5].

 

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّ أكرم الموت القتل. والذي نفس

 

 


[1]  السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص180.

[2]  المازندرانيّ، شرح أصول الكافي، ج11، ص255.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج2، ص348.

[4]  الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج4، ص402.

[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص53.

 

472


413

الموعظة الثالثة والثمانون: مقام الشهادة

ابن أبي طالب بيده، لألف ضربة بالسيف أهون عليّ من ميتة على الفراش في غير طاعة الله»[1].

 

4. أفضل ما تُختم به الحياة: اختتام الحياة بالشهادة يعني ثبات الإنسان على الصراط طيلة حياته. فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في ختام كتابه للأشتر لمّا ولّاه مصر: «وَأَنَا أَسْأَلُ اللَّهَ بِسَعَةِ رَحْمَتِهِ وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ عَلَى إِعْطَاءِ كُلِّ رَغْبَةٍ، أَنْ يَخْتِمَ لِي وَلَكَ بِالسَّعَادَةِ وَالشَّهَادَةِ»[2].

 

5. السعادة الكبرى: باعتبارها مفتاح الحياة الأبديّة، فعن الإمام الحسين (عليه السلام): «إنّي لا أرى الموت إلّا سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلّا برماً»[3].

 

6. رفع عذاب القبر: عن الشهيد والمجاهد على حدٍّ سواء، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من لَقِيَ العدوّ فصبر حتّى يُقتل أو يغلب لم يفتن في قبره»[4].

 

وعنه (صلى الله عليه وآله) لمّا سُئل عن عدم افتتان الشهيد في القبر: «كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة»[5].

 

7. الشهادة وتكفير الذنوب: هذه إحدى النعم والبركات الإلهيّة التي يمنّها الله على الشهيد، فعن الإمام الباقر (عليه السلام): «كلّ ذنب يكفّره القتل في سبيل الله إلّا الدَّيْن، فإنّه لا كفّارة له إلّا أداؤه، أو يقضي

 

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج 5، ص 53.

[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص445.

[3] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، ج2، ص1515.

[4] المصدر نفسه.

[5] المصدر نفسه.

 

473


414

الموعظة الثالثة والثمانون: مقام الشهادة

صاحبه، أو يعفو الذي له الحقّ»[1].

 

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «من قتل في سبيل الله لم يعرّفه الله شيئاً من سيّئاته»[2].

 

 


[1]  الشيخ الكلينيّ، الكافي، ج5، ص94.

[2] المصدر نفسه، ج5، ص54.

 

474


415

الموعظة الرابعة والثمانون: شروط النصر في القرآن الكريم

الموعظة الرابعة والثمانون: شروط النصر في القرآن الكريم

 

 

محاور الموعظة:

النصر من عند الله
شروط النصر الإلهيّ

 

هدف الموعظة:

بيان الشرائط التي ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم لاستنزال النصر.

 

تصدير الموعظة:

﴿وَلَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدۡر وَأَنتُمۡ أَذِلَّةۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾[1].

 


[1] سورة آل عمران، الآية 123.

 

475


416

الموعظة الرابعة والثمانون: شروط النصر في القرآن الكريم

النصر من عند الله

يسند القرآن الكريم في كثير من الآيات الكريمة النصر إلى الله تعالى. يقول تعالى: ﴿إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيب﴾[1]، مؤكّداً على المؤمنين ألّا يستبعدوا نصر الله، ويقول تعالى: ﴿وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ﴾[2]، حتّى لا يتوهّم أحدٌ أنّه بقوّته أو تضحياته أعطى المؤمنين نصراً. ويقول تعالى: ﴿لَقَدۡ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَة﴾[3]، مؤكّداً على أنّ هذا النصر ليس استثناءً نادراً، وإنّما هو سنّة طبيعيّةٌ، إلى غير ذلك من الآيات الكريمة، والتي من جملتها الآية التي تحدّثت عن النصر الإلهيّ في معركة بدر الكبرى، ولا يخفى أنّ إضافة النصر إلى الله تعالى تعني أنّ النصر يحتاج إلى مدد إلهيّ، فإنّ كلّ شي‏ء في الوجود لا يمكن له أن يستغنيَ عن العون والمدد والتوفيق الإلهيّ، وهي إمدادات غيبيّة ترتفع عن المسائل الحسّيّة. فالإنسان المؤمن بحاجة إلى مثل تلك الألطاف الإلهيّة الخاصّة، والنصر من الله تعالى هو لُطفٌ منه على عباده المؤمنين، وهو مددٌ غيبيٌّ لا يتحقّق إلّا بشروط أقرّها الله تعالى.

 

شروط النصر الإلهيّ

أورد القرآن الكريم جملة من الشرائط لاستنزال النصر من عند الله، والتي من دونها لا يمكن أن تترتّب النتيجة الإلهيّة، وأهمّ هذه الشرائط:

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 214.

[2] سورة الأنفال، الآية 10.

[3] سورة التوبة، الآية 25.

 

476


417

الموعظة الرابعة والثمانون: شروط النصر في القرآن الكريم

1. الإيمان: يقول تعالى: ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾[1]. وهذا شرطٌ واضحٌ، إذ لا يمكن أن نفهم المدد الإلهيّ على قومٍ فاسقين أو كفّار.

 

2. العمل والجهاد: قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ﴾[2]. فقوله: ﴿إِن تَنصُرُواْ﴾[3] في هذه الآية يُفهَم منه صريحاً أنّ إعطاء ومنح النصر مشروطٌ بمن يعمل وينصر ويجاهد في سبيل الله، والآيات الكريمة في الحثّ على الجهاد كثيرة، فليس الأمر كما قال اليهود للنبيّ موسى (عليه السلام) حين أمرهم بالقتال لدخول الأرض المقدّسة: ﴿فَٱذۡهَبۡ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَٰتِلَآ إِنَّا هَٰهُنَا قَٰعِدُونَ﴾[4].

 

3. الأمل والصدق: يقول تعالى: ﴿أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلۡزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيب﴾[5].

 

المُلاحَظ في الآية أنّ الله تعالى أراد للمؤمنين، رغم ما بهم من ضيق وضرّ وبأساء، أن يأملوا نصر الله فهو قريب. وهنا مسألة مهمّة، وهي أنّ هؤلاء المؤمنين ليسوا في مقام الاعتراض، وإلّا لقالوا: أين نصر الله؟ لكنّهم في مقام استعجال ما هو يقين عندهم، ولذلك قالوا: متى نصر الله؟ والجواب الإلهيّ بقرب النصر كاشفٌ عن هذه الحقيقة.

 

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «... وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَالْآخَرُ مِنْ

 


[1] سورة الروم، الآية 47.

[2] سورة محمّد، الآية 7.

[3]  سورة محمّد، الآية 7.

[4] سورة المائدة، الآية 24.

[5] سورة البقرة، الآية 214.

 

477


418

الموعظة الرابعة والثمانون: شروط النصر في القرآن الكريم

عَدُوِّنَا يَتَصَاوَلَانِ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ‏، يَتَخَالَسَانِ أَنْفُسَهُمَا أَيُّهُمَا يَسْقِي صَاحِبَهُ كَأْسَ الْمَنُونِ، فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا وَمَرَّةً لِعَدُوِّنَا مِنَّا، فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ صِدْقَنَا أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ‏، وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصْرَ حَتَّى اسْتَقَرَّ الْإِسْلَامُ...»[1].

 

4. في سبيل الله: أن يكون العمل والجهاد كلّه في سبيل الله، فالنصرة لا بدّ من أن تكون لله. قال تعالى: ﴿إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ﴾[2]. والمجاهدة لا بدّ أن تكون في الله: ﴿وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ﴾[3].

 

5. إعداد العدّة: قال تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّة وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ﴾[4].

 

الإعداد شرطٌ من شرائط المواجهة، فالعدوّ الذي يرى عدوّه في حالة تخاذل وعدم استعداد يطمع به، فلا يتحقّق المدد الغيبيّ والنصر الإلهيّ عبثاً ولا مجّاناً ونحن عاكفون في البيوت، كما قال اليهود لنبيّهم: ﴿فَٱذۡهَبۡ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَٰتِلَآ إِنَّا هَٰهُنَا قَٰعِدُونَ﴾[5]، بل لا بدّ من توافر الشروط الموضوعيّة لكي تتحقّق الألطاف الإلهيّة، وليست هذه الشروط من المستحيلات.

 

6. استمراريّة النصر مشروطة بالتواضع: النصر تعقبه انفعالات نفسيّة خطيرة على المنتصرين كالعجب، والغرور، والتكبّر، والاقتناع بما

 

 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص92.

[2] سورة محمّد، الآية 7.

[3] سورة العنكبوت، الآية 69.

[4] سورة الأنفال، الآية 60.

[5] سورة المائدة، الآية 24.

 

478


419

الموعظة الرابعة والثمانون: شروط النصر في القرآن الكريم

وصلوا إليه، إلى غير ذلك من الصفات. من هنا، لكي يستمرّ النصر، لا بدّ من إزالة هذه الرذائل الأخلاقيّة من نفوس المؤمنين بالتسبيح والاستغفار والشكر، والتواضع أمام نعم الله سبحانه، والاعتقاد بأنّ هذه النعمة العظيمة منه عزَّ وجلَّ، وملك له متى ما شاء أخذها، وبذلك تدوم العلاقة بالله تعالى.

 

يقول تعالى: ﴿إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ ١ وَرَأَيۡتَ ٱلنَّاسَ يَدۡخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفۡوَاجا ٢ فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا﴾[1]. إنّ النصر له آثار مهمّة على النّاس المنتَصر عليهم وغيرهم، من حيث تهيئتهم للدخول في الإسلام العظيم، فالناس مع المنتصر القويّ، لا مع المنهزم الضعيف؛ لذلك نرى السورة الكريمة تُرتّب على النصر دخول الناس في دين الله أفواجاً.

 

 


[1] سورة النصر، الآيات 1 - 3.

 

479


420

الموعظة الخامسة و الثمانون: أنواع التضحية وأشكالها

 الموعظة الخامسة و الثمانون: أنواع التضحية وأشكالها

 

محاور الموعظة:

التضحية بالنفس
التضحية بالمال
التضحية بالأحبّة

 

هدف الموعظة:

بيان أنّ التضحية في سبيل الله مفهوم واسع وله أشكاله المتنوّعة.

 

تصدير الموعظة:

﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾[1].

 


[1]  سورة الصافّات، الآية 102.

 

480


421

الموعظة الخامسة و الثمانون: أنواع التضحية وأشكالها

يتّسع لفظ التضحية للكثير من الأنواع والأشكال، فالتضحية ألوان متعدّدة وأشكال متنوّعة، بالمال والوقت والجهاد والأهل والعشيرة، بل والنفس، في سبيل نشر الدعوة وإقامة الدين وحفظه؛ ومن أهمّ هذه الأنواع:

التضحية بالنفس

وهي أعلى أنواع التضحية، وفيها يجود المسلم بنفسه لله سبحانه، يقول تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقۡتُلُونَ وَيُقۡتَلُونَۖ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقّا فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ وَٱلۡقُرۡءَانِۚ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِۚ فَٱسۡتَبۡشِرُواْ بِبَيۡعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعۡتُم بِهِۦۚ وَذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ﴾[1].

 

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من سأل الله تعالى الشهادة بصدق، بلَّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه»[2].

 

التضحية بالمال

ثاني هذه الأنواع التضحية بالمال، سواء على سبيل الواجب المقدّر شرعاً في صور الخمس والزكاة وغيرها من الموارد، أو في صورة الصدقات التطوّعيّة التي يُخرجها المسلم طائعاً مختاراً، طمعاً فيما عند الله تعالى، ﴿مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنۢبَتَتۡ سَبۡعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنۢبُلَة مِّاْئَةُ حَبَّةۗ وَٱللَّهُ
يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ ٢٦١ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ

 

 


[1]  سورة التوبة، الآية 111.

[2]  العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، ج67، ص201.

 

481


422

الموعظة الخامسة و الثمانون: أنواع التضحية وأشكالها

ٱللَّهِ ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّا وَلَآ أَذى لَّهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾[1].

 

وقد بيّن سبحانه أنّ الإنفاق في سبيله قرض حسن، فقال: ﴿مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقۡرِضُ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنا فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضۡعَافا كَثِيرَةۚ وَٱللَّهُ يَقۡبِضُ وَيَبۡصُۜطُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ﴾[2].

 

وقال عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ عَلَيۡنَا لَلۡهُدَىٰ ١٢ وَإِنَّ لَنَا لَلۡأٓخِرَةَ وَٱلۡأُولَىٰ ١٣ فَأَنذَرۡتُكُمۡ نَارا تَلَظَّىٰ ١٤ لَا يَصۡلَىٰهَآ إِلَّا ٱلۡأَشۡقَى ١٥ ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ ١٦ وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلۡأَتۡقَى ١٧ ٱلَّذِي يُؤۡتِي مَالَهُۥ يَتَزَكَّىٰ ١٨ وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَة تُجۡزَىٰٓ ١٩ إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِ ٱلۡأَعۡلَىٰ ٢٠ وَلَسَوۡفَ يَرۡضَىٰ﴾[3].

 

التضحية بالأحبّة

وهذا ما حدث مع الأنبياء (عليهم السلام) والأئمّة (عليهم السلام)، وأعظمها ما حصل في كربلاء، إذ قدّم الأهل والأحبّة والأصحاب أغلى ما يملكون في سبيل الله ودفاعاً عن دينه، وهذا هو حال من تبعهم من المسلمين إلى يومنا هذا.

 

وقد تجلّت هذه التضحية أيضاً مع أنبيائنا (عليهم السلام)، إذ هاجر الخليل إبراهيم بإسماعيل (عليهما السلام)، وهو ما يزال ضعيفاً لا يقوى على شيء، ووضعه في صحراء قاحلة لا زرع فيها ولا ضرع، ولا أنيس فيها ولا جليس، مع أمّه هاجر (عليها السلام)، وقد أقدم على ذبحه -بأمرٍ من الله تعالى- صابراً محتسباً ممتثلاً أمر الله من دون تردّد أو ضعف، وكان

 

 


[1]  سورة البقرة، الآيات 261 - 262.

[2]  سورة البقرة، الآية 245.

[3]  سورة الليل، الآيات 12 - 21.

 

482


423

الموعظة الخامسة و الثمانون: أنواع التضحية وأشكالها

أن فداه الله بذبح عظيم، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ ١٠٢ فَلَمَّآ أَسۡلَمَا وَتَلَّهُۥ لِلۡجَبِينِ ١٠٣ وَنَٰدَيۡنَٰهُ أَن يَٰٓإِبۡرَٰهِيمُ ١٠٤ قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡيَآۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١٠٥ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡبَلَٰٓؤُاْ ٱلۡمُبِينُ ١٠٦ وَفَدَيۡنَٰهُ بِذِبۡحٍ عَظِيم﴾[1].

 

وهاجر رسول الله(صلى الله عليه وآله) وصحبه الكرام من مكّة وهي أحبّ بلاد الله إليهم، هاجروا طاعةً لله تعالى، وقطعوا علاقاتهم بأهلهم وذويهم وأبنائهم وأحبابهم استجابةً لنداء الله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُوٓاْ ءَابَآءَكُمۡ وَإِخۡوَٰنَكُمۡ أَوۡلِيَآءَ إِنِ ٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡكُفۡرَ عَلَى ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ ٢٣ قُلۡ إِن كَانَ ءَابَآؤُكُمۡ وَأَبۡنَآؤُكُمۡ وَإِخۡوَٰنُكُمۡ وَأَزۡوَٰجُكُمۡ وَعَشِيرَتُكُمۡ وَأَمۡوَٰلٌ ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَٰرَة تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَآ أَحَبَّ إِلَيۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَجِهَاد فِي سَبِيلِهِۦ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ﴾[2].

 

وقال عزّ وجلّ: ﴿فَٱسۡتَجَابَ لَهُمۡ رَبُّهُمۡ أَنِّي لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِل مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰۖ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضۖ فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَيِّ‍َٔاتِهِمۡ وَلَأُدۡخِلَنَّهُمۡ جَنَّٰت تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ ثَوَابا مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسۡنُ ٱلثَّوَابِ﴾[3].

 


[1]  سورة الصافّات، الآيات 102 - 107.

[2]  سورة التوبة، الآيتان 23 - 24.

[3]  سورة آل عمران، الآية 195.

 

483


424

الموعظة الخامسة و الثمانون: أنواع التضحية وأشكالها

وهكذا أقيم المجتمع المسلم الأوّل على أكتاف رجال ضحّوا بأنواع التضحية كافّة؛ إنفاقاً للمال، ومفارقةً للأهل والولد، وبذلاً للوقت والجهد، وتضحيةً بالنفس، ذلك كلّه في سبيل الله، وتبعهم بإحسان رجال واصلوا المسيرة من التابعين وتابعيهم إلى يومنا هذا، بل وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلن تخلو الأرض يوماً من هذا الصنف المخلص ليكونوا جند الله على أرضه، وتتحوّل بهم المبادئ والقيم والعقائد واقعاً على الأرض.

 

484

 


425
زاد المبلّغ في شهر الله