أنا والكتاب

السيد عليّ الخامنيّ دام ظلّه


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2022-06

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للترجمة

مركز متخصص بنقل المعارف والمتون الإسلامية؛ الثقافية والتعليمية؛ باللغة العربية ومنها باللغات الأخرى؛ وفق معايير وحاجات منسجمة مع الرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مقدمة الترجمة

﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ (العلق1 - 5 )

 

جاءت فكرة ترجمة هذا الكتاب ضمن الجهود المبذولة لدعم بيئة تنمو فيها استعدادات الناس وتحكيمها في مجتمع مقاوم، يسير نحو العزّة والكرامة.

 

إنّ طرح آراء الإمام الخامنئيّ دام ظلّه وآماله الكبيرة وتبليغها في المجتمعات الإسلامية الناهضة لهي من المهامّ العظيمة الّتي يتحمّلها مَن على أكتافهم مسؤولية تبليغ الدِّين وقيادة الناس وحمايتهم.

 

ليست رؤية الإمام الخامنئي غريبة وجديدة فيما يتعلّق بالكتاب والمطالعة وشؤونهما، كما تبدو للوهلة الأولى، إنّما هي موجودة في روح تعاليم الدِّين وفي متن تشريعاته وهي من مقدّمات الإيمان بمبادئه وسبله والالتزام بحدوده.

 

15

 


1

المقدمة

فالحامل للواء الإسلام والمسلمين في عصر الغيبة، على عاتقه هموم الأمّة وآلامها، يؤرّقه اشتغالهم في غير قضاياهم ووظائفهم، يؤكّد على حيثية الكتاب والمطالعة وموقعهما، ويرى ذلك مسؤوليّة كبيرة يترتّب عليها الكثير من عوامل نهضة المجتمع وانتصاره.

يُستخلص من هذا الكتاب برامج كلّية وتفصيلية، تحدّث عنها سماحته في مناسبات عديدة، ودعا إليها بحزم، وما غوصه في تفاصيلها إلا لتأكيد قيمتها ودورها في النهضة وتطوّر المجتمع، وقد صرّح بأنّ الاهتمام والاستثمار في الشأن الفكري والثقافي يرتّب آثارًا كبيرة في مصير أي شعب وأيّ بلد.

يلاحظ القارئ العزيز ورود الكثير من المحطّات الّتي تستدعي المبادرة، والتخطيط، وإعادة النظر في بعض الأولويّات والأعمال في الشأن التبليغي، والثقافي، والعمل الفني والإعلامي، وذلك من عدة جهات:

أوّلًا: لأنّ من يتحدّث هو الإمام الخامنئي والوليّ الفقيه نفسه، وليست كلماته هنا خطابات حماسيّة لبثّ المعنويات، إنّما ينطلق ــ كما يتبيّن ــ من يقين تكتنفه هموم وآلام ومشاعر قوية تجاه واقع متخلّف.

ثانيًا: ينطلق في كلامه برؤية ثابتة وعين بصيرة بعيوب الأمّة، واضعًا يده على جرح مبتلى به عموم الناس حتّى خواصّهم ونخبهم.

ثالثًا: يعدّ هذا الكتاب مصدرًا غنيًّا ملهمًا للكثير من البرامج

 

16

 


2

المقدمة

والأعمال التثقيفية والتبليغية، ويُستفاد منه في برامج على مستوى الثقافة العامّة والفنون التربوية والتوجيهية والإعلامية.

وقد استخلصنا من كلمات سماحته مجموعة من المبادئ والقواعد، على سبيل المثال لا الحصر، يمكن البناء عليها في وضع برامج ومشاريع ثقافية متنوّعة:

1 - اعتبار الاهتمام بالكتاب قيمة، والتعامل مع المطالعة كأمر حياتي يومي.

2 - جعل المطالعة عادة، حتّى في أصعب الظروف وأثقل المسؤوليات.

3 - الترويج للكتاب والمطالعة مسؤولية الجميع من دون استثناء.

4 - أهمية ومؤثرية المطالعة في عمر الشباب.

5- إنتاج الكتاب الجيّد، المنسجم مع الأهداف، والمُواكِب للمشاريع، سواء أكان تأليفًا أم ترجمةً..

6 - تطوير فنون الكتاب، ووضع القصص والروايات، ولو بالاستعانة بتجارب الآخرين.

7 - تأصيل الكتابة القصصية والروائية، في تخليد الآثار والمنجزات.

8 - لا شيء يحلّ محلّ الكتاب، ولا تطوّر من دون الفن.

9 - المطالعة في مرحلة الصِبا أجدى منها في المراحل اللاحقة.

10- ضرورة تدوين ذكريات الثورة والمقاومة وأدبهما في قالب القصّة والرواية والنثر والشعر.

11- الكتابة القصصية للأطفال.

 

17

 


3

المقدمة

12 - الترجمة باللغات الأخرى.

13 - الروايات العالمية ودورها في حفظ تضحياتِ ثورات وشعوب.

14 - القصّة وسيلة إعلام المقاومة والثورة، والرواية حاوية لكلّ شروط العمل الفني، وأهمية نشر ذكريات الشهداء والمضحّين.

15 - الحروب توفّر فرصة للكتابة.

16 - طباعة الكتب صدقة جارية، وتحسين شروط الطباعة والنشر أمر لازم.

17 - اعتماد برامج لترويج الكتاب وعرضه في: المدارس، الإدارات والمراكز، الأماكن الشعبية.

18 - اعتماد كتاب الجيب وإعداد برامج تعبئة الأوقات الضائعة.

19 - إقامة مسابقات المطالعة، والمعارض الدائمة وأسبوع المطالعة.

20 - الاستثمار في الثقافة ينتج أرباحًا اقتصادية أيضًا.

21 - القراءة المشتركة "اقرأ لي".، بين الأهل وأولادهم، وبين الإخوة أيضًا.

 

18


4

المقدمة

في الختام

يسرّنا أن نقدّم هذا العنوان إلى أهل الفكر والثقافة والإرشاد، وإلى المربّين والشباب، كخطوة على طريق البناء الثقافي والحضاري لمجتمعات قاومت وانتصرت، وحملت في انتصاراتها كنوزًا ومفاخر زاخرة بالمعنويات والتضحيات الّتي لا تُرى في أيّ ثورة وأيّ مقاومة، ربّما تعجز الأقلام، حتّى عن بيانها، في أحيان كثيرة، وسيأتي يوم تدوِّنها تلك الأقلام الصادقة الوفية، لتقرأها الأجيال جيلًا بعد جيل.

 

الطبعة العربية الثالثة

تجاوزت طبعات الكتاب بالفارسية الأربعين، وهو من إصدار مؤسّسة (حوزه هنرى)، وامتازت طبعاته الأخيرة بإضافات جديدة.

ترجمناه باللغة العربية وأضفنا إليه ملحقًا، هو مقابلة للدكتور حداد عادل الكاتب والبرلماني السابق والمشرف على دائرة معارف العالم الإسلامي، يحكي فيها عن علاقة القائد بالكتاب: ذائقته وطريقته في المطالعة وخواطر لافتة في هذا الشأن..

نشرته دار المعارف الإسلامية في بيروت مرتين بين عامي 2012م و2014، وبعد نفاد طبعته الأخيرة، أعْدَدْنا الطبعة الثالثة التي بين أيدينا وأعدنا تدقيقها وتحريرها وأضفنا إليها المواد الجديدة فأصبحت أكثر غنى.

 

19

 


5

المقدمة

شكر وتقدير

نشكر كل من ساهم في هذا العمل ونخصّ المترجمة الأخت فاطمة شوربا، والمدقق اللغوي الأستاذ محمد عقيل الذي ساهم بمراجعة النص وتقويمه، والمصمّم الفني الاستاذ علي عليق، ولا ننسى الإخوة في مركز مداد للبرامج الثقافية ومركز نون للمتون الثقافية سابقًا الذين ساهموا في إعداد الطبعة الأولى.

 

 

مركز المعارف للترجمة

18 ذو الحجة1442هـ - الغدير الأغر

الموافق لـ29 تموز 2021م

 

20


6

الفصل الأول: أهميّة الكتاب والمطالعة

الإسلام حامل لواء المطالعة

 

كلّما تذكّرت الكتاب ووضعه في مجتمعنا، يمتلئ قلبي أسىً وأسفًا. وسببُ ذلك أنّه ينبغي في بلدنا، من أيّ زاوية نظرتم، أن ينتشر الكتاب ويتطوّر ويحضر بمعدّل عشرة أضعاف أكثر ممّا هو كائن. لو أنّكم أخذتم بالحسبان جهة اعتلاء الفكر الإسلامي وحاكميّة الإسلام فإنّ هذا المعنى يصدق، حيث إنّ الإسلام يولي أهميّة كبرى للكتاب والقراءة والكتابة. إنّ كلّ منصف إذا ما تأمّل في أحاديث نبيّ الإسلام الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، والأئمة عليهم السلام، والمسلمين الأوائل، وفكّر في أيّ زمان دعا هؤلاء إلى الكتاب والقراءة، سوف تنجلي عن ذهنه كلّ الخرافات، فسوف يعلم أنّ أعداء الإسلام لم يكن لديهم سوى هذا الطريق، وهو إشاعة الأساطير بشأن حرق الكتب والمكتبات على الألسن، لأنّ الإسلام حامل لواء المطالعة[1].


 


[1] في لقائه القيّمين على إحياء أسبوع الكتاب، 21/10/1996م.

 

23


7

الفصل الأول: أهميّة الكتاب والمطالعة

الخسارة الكبرى

إنّ الكتاب هو نافذة على العالم الواسع للعلم والمعرفة. والكتاب الجيّد، هو أحد أفضل وسائل الكمال البشري. ... فالشخص الّذي ليس لديه ارتباط بهذا العالم الجميل والمحيي، (عالم الكتاب)، هو بلا شكّ محرومٌ من أهمّ النتاجات الإنسانية ومن أكثر المعارف الإلهية والبشرية أيضًا. إنّها لخسارة عظيمة للأمّة الّتي لا شأن لأبنائها بالكتاب، وإنّه لتوفيقٌ عظيمٌ للإنسان أن يأنس بالكتاب، وأن يكون في حالة استفادة دائمة منه، فيتعلّم أشياء جديدة...[1]

مُجبَرون على الاهتمام

إذا نظرنا إلى المسألة من هذه الجهة، وهي أنّ هذا الشعب اليوم، هو شعب ابْتُلِيَ في هذه الدنيا بالظلم الناشئ من مآرب القوى الاستكبارية العالمية، فعليه الدفاع عن نفسه. فأيّ دفاع وطني لا يعتمد أساسًا على الثقافة والتعليم والفكر والعلم؟ لذا، علينا أن نعود إلى "الكتاب" مجدّدًا. أي إنّكم مهما جلتم ودُرتم، فإنّكم مجبرون على العودة والاهتمام بالكتاب. إنّني أعجب من أنّنا في الجمهورية إسلامية، لا نضاعف اهتمامنا بالكتاب عشرات الأضعاف عمّا نحن عليه الآن![2]


 


[1]  في رسالة بمناسبة ابتداء أسبوع الكتاب، 25/12/1993م

[2] في لقائه القيّمين على إحياء أسبوع الكتاب، 21/10/1996م.

 

24


8

الفصل الأول: أهميّة الكتاب والمطالعة

اعتياد المطالعة

إذا كان شخص ما جالسًا هنا، وفي الغرفة المجاورة أخبارٌ حديثة وأحاديث جديدة، فقلّما تجد شخصًا يحتمل الجلوس هنا ولا يقوم ويلقي نظرة ليعرف ما يدور هناك. كلّ الجهات من حولنا مليئة بالأخبار الجديدة، فهناك من المعلومات والمعارف في المجالات كلها، ما يطرح هذا السؤال: كيف لا نكون مستعدّين لنطلّ برؤوسنا ونلقي نظرة لنعرف ما الخبر؟ وماذا يدور في عالم المعارف هذا؟! الطريق هو أن نقرأ الكتب، فإنّ من يقرأ الكتب، سوف يطّلع على بعض المعارف الموجودة في هذا العالم، وعلى الأخبار الدائرة في الدنيا، وعلى الأشياء الّتي حدثت في الماضي، حتّى إنّه سوف يطّلع على ما سيحدث في المجالات كافّة. من أجل هذا، ينبغي أن نجعل المطالعة عادة لنا[1].

 

أهمية الكتاب في المجتمع البشري

الكتاب أمرٌ فائقُ الأهميّة. بالطبع، إنّني أؤمن كثيرًا بالأعمال الفنّية، التصويرية، والتلفزيونية، والسينما، وما شاكل، إلّا أنّ للكتاب دورًا خاصًا. فلا شيء يحلّ محلّ الكتاب، ينبغي ترويجه.. ينبغي للناس أن يعتادوا المطالعة وأن يدخل الكتاب حياتهم. منذ مدّة وجيزة، شاهدت مراسل التلفزيون يجري مقابلة مع بعض الشباب ويسأل: أيّها السادة! هل تطالعون؟ فأجابوا: لا، فهم أساسًا لم يَعدُّوا الكتاب من ضروريات الحياة![2]

 


[1] في حوار له مع مراسل الإذاعة والتلفزيون بعد تفقّده لمعرض طهران الدولي السادس للكتاب، 11/5/1993م.

[2] في حوار له مع مراسل الإذاعة والتلفزيون بعد تفقّده لمعرض طهران الدولي السادس للكتاب، 16/5/1993م

 

25


9

الفصل الأول: أهميّة الكتاب والمطالعة

الطريق المختصر

إذا كنّا نريد شعبًا متقدّمًا، ومثقّفًا، ومتعلّمًا، ويطوي الطرق المختصرة لعبور كلّ أنواع التخلّف، وادّعينا أنّ هذا الشعب لديه هذه القابليّة من حيث الطاقة الإنسانية، وهو قول صحيح أيضًا، فلا مناص من أن تتضاعف الدراسات والأبحاث والثقافة العامّة والمعلومات الخاصّة بالشرائح النخبوية في المجالات الّتي تكون مورد ابتلاء وحاجة إليهم[1].

 

عامل نجاح حزب توده[2]

أعتقد أنّ هناك عاملين لتجذّر حزب "توده" في بلدنا واتّساع تشكيلاته الّتي كانت منتشرة جدًّا بلا ضجيج:

أحدهما: ما يتعلّق بالتنظيم، حيث اعتمدوا على المعايير العالمية. فكان ذلك التنظيم المعدّ سلفًا، يُطرح في المناطق جميعًا ويُعمل به.

وثانيهما: الأدب القويّ الذي تميّزوا به. فقد كان لهم منذ سنوات عهد رضا خان القمعي، أعمال أدبيّة قويّة جدًّا. ولقد رأيتم بعد الثورة أنّهم أطلقوا مباشرة جمعية الكتّاب، ولو لم تكن "جمعية الكتّاب" هذه، لما حقّقوا نجاحات بهذا الشكل. فقد طبعوا مئات الكتب، ونشروا آلاف الكتيّبات والمقالات والأبحاث


 


[1] في لقائه القيّمين على إحياء أسبوع الكتاب، 10/11/1997م.

[2] حزب توده: حزب الشعب, من الأحزاب الشيوعية الّتي كانت ناشطة في إيران قبل انتصار الثورة.

 

26


10

الفصل الأول: أهميّة الكتاب والمطالعة

في أماكن مختلفة، ممّا شكّل مصادر هائلة لكلّ من أراد أن يشارك في هذا العمل أو يقدّم التحليلات[1].

 

لا شيء يحلّ محلّ الكتاب

كلّما تقدّمنا ازدادت حاجتنا إلى الكتاب. ومن يتصوّر أنّه بظهور وسائل الاتصال الحديثة سيُعزل الكتاب فهو مخطئٌ، فالكتاب يزداد أهمية في المجتمع الإنساني، يومًا بعد يوم. والوسائل الحديثة مهارتها الأساس تكمن في نقل مضامين الكتب ومحتوياتها والكتب نفسها بسهولة ويُسر. فلا شيء آخر يمكن أن يحلّ محلّ الكتاب[2].

 

الحاجة الدائمة إلى الكتاب

لا يستغني الإنسان عن الكتاب في أيّ وقت. منذ مرحلة الصبا، من بداية تعلّم القراءة، إلى آخر العمر، يحتاج الإنسان إلى الكتاب، إلى معرفة القضايا والمسائل وإدراكها، وإلى أخذ المواد المغذّية معنويًا وروحيًّا وفكريًّا. ينبغي لهذا الأمر أن يُفهم على مستوى أفراد المجتمع عمومًا، وأن يتابع ويُطبّق[3].


 


[1] في لقائه جمعًا من الكتّاب المسلمين، 1/7/1992م.

[2] من كلمة السيد الخامنئي في لقاء مسؤولي المكتبات في 20/7/2011م

[3] المصدر السابق.

 

27


11

الفصل الأول: أهميّة الكتاب والمطالعة

الكتب التي تحكي عن الشهداء

أوصيكم بقراءة الكتب التي تحكي عن الشهداء والمضحّين والجرحى في مرحلة الدفاع المقدّس، التي تظهر شخصيّاتهم. فهي كتب جميلة وجذّابة، وفي الوقت نفسه تعرّفكم بقضايا ومسائل كثيرة[1].

 

حلّ المشاكل في مضاعفة المطالعة

عليكم أن تزيدوا معرفتكم بالقضايا العالمية. بحسب ظنّي، الشاب أو الطالب الذي يُدرِك من مخالب أيِّ ذئاب مفترسة استنقذت الثورة هذه البلاد، وكم تحمّل هذا النظام الإسلامي من متاعب خلال الأعوام الاثنين والعشرين الماضية، حتى وصل إلى هنا، وأيّ عداوات واجهها، ولا يزال، سيعرف جيدًا ما عليه فعله، وما هي وظيفته في هذا النظام. باعتقادي الأمور واضحة، والشاب الإيراني شاب ذكي يملك وعيًا سياسيًا، ولن تغيب عنه هذه الأمور. لهذا سبل العلاج التي أقترحها، هي قراءة الكتب، وكثرة المطالعة، وجذب التجمعات الطلابية إلى نقاشات حقيقية وصحيحة بعيدة عن المواضيع المنحرفة. طبعًا، موضوع صناعة الذات، وتطهير القلب وتنويره، له بحثه المفصّل، الذي يمكن التطرق إليه في الوقت المناسب[2].

 

 


[1] كلمته في احتفال تكليف طلاب المدارس البالغين سن التكليف في 23 4 1995م.

[2] كلمته خلال لقائه طلاب جامعة أمير كبير وجلسة الأسئلة 22 \ 12\ 1379 ش [ 12 ـ 3 ـ 2001].

 

28


12

الفصل الثاني: أنا والكتاب

صوت الأذان

في حداثة سنّي كنت كثير التَجوال في الكتب. فقد كان لوالدي مكتبة كبيرة، وكنت أستفيد من كثير من كتبها. طبعًا، كان لديّ كتبي الخاصّة، وكنت أيضًا أكتري[1] بعضها. كان بجانب منزلنا مكتبة صغيرة تُكري الكتب. وعادة ما كنت أكتري منها الروايات الّتي كنت أقرأها. كما كنت أتردّد إلى مكتبة العتبة الرضوية المشرّفة في مشهد. فقد كانت مكتبة جيّدة جدًّا. في المرحلة الأولى من دراستي للعلوم الإسلامية، أي وأنا في الخامسة عشرة والسادسة عشرة، كنت أقصدها. أحيانًا كنت أذهب نهارًا، وأنشغل بالمطالعة. كان الأذان يُبثّ عبر مكبّر الصوت، لكنّني لشدّة استغراقي في المطالعة لم أكن أسمع صوت الأذان. كانت مكبّرات الصوت قريبة جدًّا، وصوت الأذان مرتفعًا جدًّا في قاعة المطالعة، لكن كنت حين يحلّ وقت الظهر، لا ألتفت إلى ذلك إلاّ بعد مدّة[2]

 

 


[1] أستأجر.

[2] في لقائه جمعًا من الشباب والناشئة والقيّمين على برنامج "نيمرخ" [ملامح]-التلفزيوني، 3/2/1998م.

 

31


13

الفصل الثاني: أنا والكتاب

العهد الذهبيّ للمطالعة

في مرحلة الشباب، كنت كثير المطالعة. فإلى جانب الكتب الدراسيّة الّتي كنت أطالعها وأدرسها. كنت أقرأ كتب التاريخ، والأدب، والشعر، وكذلك قرأت الكتب القصصية والروائية. أحببت الكتب الروائية كثيرًا، وقرأت الكثير من الروايات المشهورة في تلك الفترة، وكنت أقرأ الشعر أيضًا. ففي أيّام حداثتي وشبابي، كان لديّ اطّلاع على الكثير من الدواوين الشعرية. كنت أحبّ كتب التاريخ، وبما أنّني كنت أدرس اللغة العربية فقد خبِرتها جيّدًا، وأحببت الأحاديث (الشريفة). أذكر الآن أحاديث، كنت قد قرأتها ودوّنتها في مرحلة الحداثة. كنت أحتفظ بدفترٍ صغيرٍ أدوّن فيه الأحاديث. إنّ الأحاديث الّتي بحثتُ فيها البارحة أو في هذا الأسبوع، لا تبقى في ذاكرتي، إلا إذا سجّلتها. أمّا تلك الّتي قرأتها في تلك الأيّام ومرحلة الشباب، فإنّني أذكرها تمامًا. عليكم أن تدركوا قيمة مرحلة الحداثة والشباب. فما تطالعوه اليوم، يبقَ لكم، ولا يُمحَ من أذهانكم أبدًا.

 

مرحلة الصِّبا هذه، هي مرحلة جيّدة جدًّا للمطالعة والتعلّم، إنّها فعلًا مرحلة ذهبية لا تُقارن بأيّ مرحلة أخرى.

 

.. أرى بعض شبابنا لا يخصّصون لأنفسهم وقتًا يمكنهم فيه أن يطالعوا بعض المطالعات الجانبية. والحقيقة أنّه يمكن للشابّ، أن يدرس دروسه، ويطالع، ويمارس الرياضة أيضًا[1]


 


[1] في لقائه جمعًا من الشباب والناشئة والقيّمين على برنامج "نيمرخ" ملامح- التلفزيوني، 3/2/1998م.

 

32


14

الفصل الثاني: أنا والكتاب

لا تقولوا لدينا أعمال

لا يقطعنّ أيّ شخص -لانشغاله بالتبليغ والعمل في أيّ مجالٍ أو مكان من الأمكنة- علاقته بتحصيل المعارف. لا ينبغي أن نقول: لدينا عمل ولا نستطيع. إنّني أنا نفسي في بدايات الثورة قد تركت المطالعة قرابة السنتين، وذلك بسبب الانشغالات الّتي كانت تحيط بنا، فهل كان لهذا الأمر نهاية؟ لم يكن هناك من مجال قطّ. كنت أعود إلى البيت في الساعة الحادية عشر مساءً أو أكثر، وأبدأ العمل في الساعة الخامسة أو السادسة صباحًا، علمًا أنّه، كان لديّ بعض المواعيد في منزلي أيضًا. فقد كان مفتوحًا أمام المراجعين، كنت أعود لأرى بعض أركان الدولة، والعاملين في المؤسّسات الثورية، والقطاعات المختلفة، وعلماء المحافظات وغيرهم، جالسين في الغرفة لديهم أعمال وهم ينتظرونني. كانت تمرّ فترات من دون أن أرى أولادي برغم كوني معهم في المنزل نفسه. ففي المساء، عندما أعود كنت أجدهم نيامًا، وفي الصباح أيضًا كنت أخرج قبل أن يستيقظوا. كانت تمضي أيّام طويلة من دون أن أرى أولادي. هذا ما كانت عليه حالي. فجأةً، دققت ناقوس الخطر، وها أنا ذا الآن قد عدت إلى المطالعة منذ حوالَى ثلاث سنوات أو أربع[1].

 

لقد كانت عودتي إلى المطالعة ثانيةً بعد تسلّم رئاسة الجمهورية. إنّني الآن أطالع وأتابع أعمالي أيضًا ولا أجد تعارضًا بين الأمرين. كما أنّ لي قراءاتي العلميّة والتاريخيّة وكذلك مطالعات مسلّية[2].


 


[1] أي منذ العام 1984.

[2] في لقائه العلماء ورجال الدين في منطقة قائن، 2/4/1987م.

 

33


15

الفصل الثاني: أنا والكتاب

إنّني أرى أنّ المطالعة ممكنة حتى عند تراكم الأعمال. قبل انتصار الثورة بمدّةٍ وجيزة، وبعد الانتصار أيضًا، أتيت إلى طهران وانشغلت بأعمال كثيرة، ولم أكن أجد فرصة للمطالعة على الإطلاق... في هاتين السنتين الأخيرتين، رأيت أن الأمر لا يصحّ على هذا النحو، وعليّ بالنهاية، أن أجد فرصة للمطالعة. منذ حوالَى السنتين، وعلى الرغم من أنّ انشغالاتي لم تقلّ بل ازدادت، قرّرت أن أعود مجدّدًا إلى المطالعة. فبدأت، ووجدت الأمر ممكنًا. إنّني الآن أطالع في كلّ يوم وكلّ ليلة مقدارًا ما. لقد طالعت بشكل متدرّج...ولعلّني دوّنتُ مئات الصفحات من التعليقات، ...أدركتُ أن الأمر ممكن[1].

 

الكتاب يؤثّر فيّ حتى الصميم

الكتاب الّذي أقرأه يؤثّر في نفسي. أي إنّه ينفُذ إلى أعماق وجودي. فجزءٌ من انعكاساته يظهر بالتأثّر، لكن هناك جزءًا آخرَ ناتجًا من ارتباطي بالناس، ومن كون قضايا الناس ونبض التحرّك العامّ للمجتمع في يدي، ولست بغافلٍ عن هذه الأمور. أريد أن أقول لكم: إنّ كتابكم هذا، ومقالتكم هذه، وهذا الفيلم، وهذا الشعر، هذه كلّها مؤثّرة جدًّا. لماذا يشتبه علينا الأمر عند تقويم نتاجاتنا ونتصوّر أنّ هذا العمل قليل الأثر؟[2]


 


[1] من كلام له في مؤتمر أئمة الجمعة في محافظة طهران، 6/11/1984 م.

[2] في لقائه أعضاء مجمّع الكتاب المسلمين، 29/06/1992م.

 

34


16

الفصل الثاني: أنا والكتاب

الاطّلاع على التاريخ

أعزّائي: بعضكم مطّلع على التاريخ جيّدًا. أنا أيضًا مطّلع على التاريخ. لقد قرأت مرارًا صفحات تاريخ السنوات السبعين والثمانين الماضية وما قبلها، سطرًا سطرًا. وأنا ـ العبد الفقير ـ لي في باب (تاريخ) شبه القارّة الهندية، مطالعات مطوّلة. وقد ألّفت كتابًا في هذا المجال أيضًا[1].

 

قارئ رواياتٍ محترف

ليس لي في مقولات (حقول) السينما والفنون التصويريّة وأمثالها مثل هذه الخبرة، هنا أكون مستمعًا عاديًّا. لكن في الشعر والرواية، لست إنسانًا عاديًّا. لقد قرأت الكثير من هذه الآثار الموجودة. إذا ألقيتم نظرةً على الأدب الروسي، فستُفاجأون أنّ هناك ستارًا موصولًا من الوسط، أي أنّ هناك سورًا، وعلى طرفي السور هذا، ثمّة أعمال عظيمة مرتبطة بالطرفين. لكن عندما تنظرون مثلًا في أعمال "شولوخوف"[2] أو "ألكسي تولستوي"[3] تجدون لها مذاقًا آخر. ألكسي تولستوي هذا، هو كاتب قويّ جدًّا وله روايات كثيرة، وهو من كتّاب الثورة الروسية، وسوف تجدون مذاق العهد الجديد في كتاباته.


 


[1] في لقائه المثقّفين والفنّانين، 23/7/2001م.

[2]  ميخائيل ألكساندر وفيتش شولوخوف ( 1905 -1984 ).

[3] ألكسي نيكولا يفيتش تولوستوي (1883-1945).

 

35


17

الفصل الثاني: أنا والكتاب

بينما ترون في كتاب "الحرب والسلم" لـ "ليو تولستوي"[1] الآثار القومية الروسية، لكنّكم لا ترون آثار فترة السنوت الستين الأخيرة. فتلك حقبة أخرى وآثار أخرى مرتبطة أساسًا بمكان آخر. ما هو الشيء الّذي يبيّن ملامح روسيا المعاصرة؟ إنّه أثر شولوخوف، وأثر ألكسي تولستوي وأمثالهما. بناءً على هذا، إنّ فنّان كلّ عصر هو الّذي يُعتبر ابن ذلك العصر وصنيعته والناطق باسمه. بينما ذاك الّذي جاء من العصر السابق وكتب عنه، فلن يرتبط بهذا العصر.

 

إذا أردت أن أعرض عليكم نموذجًا تامًّا من هذا الموضوع، ينبغي أن آتي على ذكر رواية. لقد قرأت رواية تُسمّى "قلب الكلب"، لكاتبٍ روسيّ. هذه الرواية هي قصّة خيال علمي، وهي نموذج لما يكتبه بعضهم في زماننا، إذ يمكن أن ينتجوا هذا النوع من الأفلام، ولكنّها ليست من الفنّ المعاصر في شيء. هي خطأٌ من الأساس، وكذب محض، هي تقليد للفنّ السابق. ولنفترض أنّها ليست نسخةً مقلّدة لما يجري في أمريكا وإنكلترا وفرنسا، لكنّها حاكيةٌ عن فنّ ما قبل ثورة أكتوبر، وليست فنًّا معاصرًا. هذه الرواية هي رواية صغيرة أيضًا، لكنّها مليئة بالنواحي الفنّيةً. لقد تُرجمت في إيران وطُبعت أيضًا، ولكنّكم لم تسمعوا بها. رواية "قلب الكلب" هي رواية ضدّ الثورة، وقد كُتبت في حدود عام 1925م أو 1926م، أي في بدايات الثورة الروسية، وكان كاتبها من المعترضين على الثورة وعلى بعض الأمور، وقد

 


[1] ليو نيكولاو تولوستوي (1828 - 1910).

 

36


18

الفصل الثاني: أنا والكتاب

سخر منها. مثل هذه الأعمال الّتي رأينا نحن نظيرًا لها هنا. هذا الأثر ليس من الأدب الروسيّ على الإطلاق[1].

 

قرأت آلاف القصص

نتيجة كثرة اشتغالي بالروايات المتنوّعة، يمكن أن أبدي رأيي. لعلّني قرأت على امتداد هذه السنوات الثلاثين أو الأربعين من عمري، الّتي اهتممت فيها بالكتب الروائية، آلاف القصص لأهمّ الكتّاب في العالم. ... إنّ أفضل القصص هي الّتي يتكامل فيها المضمون... هي تلك القصص المحقّقة لكلّ هذه الشروط، ولكنّها غير مباشرة. أمّا إذا سلّطتم الضوء في القصّة على مسألة ما، وعُلم كيف ستتّجه القصّة فيما بعد، فالقصّة عندئذٍ سوف تفشل[2].

 

دقائق تتعلّق بالترجمة

جاءني يومًا أحد المترجمين المشهورين والمحمودين، وفي الواقع ليس لدينا أيّ مشكلة معه، فهو شخص محترم ولائق، مع جماعة من الناس. وكنت قد قرأت الرواية الّتي ترجمها وهي من أربعة مجلّدات... ويبدو أنّه تعجّب من كوني قد قرأت روايةً من أربعة مجلّدات، تُرجمت عن اللغة الفرنسية.

 

كانت هناك مسألتان سيّئتان في ذلك الكتاب. ...


 


[1] في لقائه جمعًا من الفنّانين، 25/11/1991م.

[2] في لقائه المدراء والمنتجين في المسلسل التلفزيوني "شاهد"، 3/1/1994م.

 

37


19

الفصل الثاني: أنا والكتاب

الأولى، أنّ المجلّد الأوّل، كان يحتوي على مشاهد شهوانيّة لحبّ عبثيّ، قد فُصّلت تفصيلًا دقيقًا من قبل الكاتب، من دون أن تكون الأحداث الرئيسة للرواية بحاجة إليها، وكان يمكن للمترجم أن يحذف الكثير منها. فالمترجم لم يتعهّد بذكر كلّ مطلب كتبه المؤلّف بعينه، ويمكنه أن يقول إنّنا حذفنا هنا عشر صفحات أو خمسة أسطر لكونها غير مناسبة، فلا مانع من ذلك. المسألة الثانية، كانت حوارًا بين كاهن يؤمن بالدِّين وشخص ملحد، بحيث يسعى كلّ طرف من خلال الاستدلال إلى فرض رأيه على الآخر، أو عرضه عليه. يطول الكلام، لكن في النهاية ينتصر هذا الملحد!

 

قلت له: إنّ هذه ليست حقيقة المسألة. أنت نفسك لا تعتقد أنّ الإلحاد صحيح، فما الداعي لأن تنصر هذا الملحد؟ ذلك الفصل الأخير، الّذي هو كلام الملحد، هو صفحة واحدة، لو حذفته، لما كان في ذلك ضير.[1]

 

النضارة المعنوية والثقافية

أنا العبد الفقير، على الرغم من مشاغلي الكثيرة، لكني بحمد الله، لم أترك قراءة الكتب. وفي الحقيقة، لا أستطيع أن أتركها. وفي زحمة الأعمال الكثيرة والهامّة الّتي هي على عاتقي، أنا على تواصل دائمٍ مع الكتاب. إنّني أشعر أنّ الإنسان إذا أراد أن يبقى على الصعيدين المعنوي والثقافي غضًّا ومتجدّدًا، فليس


 


[1] في لقائه القيّمين على إحياء أسبوع الكتاب، 22/10/2006م.

 

39


20

الفصل الثاني: أنا والكتاب

الّتي تناولت الثورة الروسية، أو الثورة الفرنسية الكبرى، أو الحروب الفرنسية والألمانية ومقاومة الشعب الفرنسي، كبعض كتب إميل زولا.[1]

 

كنت من المولعين بشراء هذه الكتب

إنّ أدب المقاومة وفنّها، وما هو مرتبط بسنوات الدفاع الخاصّ لبلدنا وشعبنا، هو فعلًا من أبرز الأعمال وأهمّها. طبعًا، لقد أنجز الأصدقاء الكثير من الأعمال. منذ الستينيّات (الثمانينات الميلادية) عندما بُدئ العمل بهذه الأعمال الفنّية والأدبيّة في "الدائرة الفنّية"[2]، ونشرت هذه الذكريات، كنت من المولعين بشراء هذه الكتب لأتعرّف إلى تلك الذكريات. إنّني أتأثّر كثيرًا بجاذبية هذه الكتابات والمقولات وصدقها وخلوصها. أقول هذا حقًّا. إنّ ذكرى الأشخاص الّذين أنتجوا هذه الأعمال لن تُمحى أبدًا. والأسماء الّتي قرأتها على أغلفة هذه الكتب، والكتب نفسها التي قرأتها، هي غالبًا في ذاكرتي. إنّي أُجلّ وأُقدّر هؤلاء. ولو أمكنني لمدحت هذه الأعمال. على امتداد التاريخ،


 


[1] في لقائه جمعًا من روّاد الجهاد والشهادة ورواة الذكريات في مكتب الأدب والفنّ المقاوم التابع للدائرة الفنيّة في منظمة الإعلام الإسلامي، 22/9/2005م.

[2] (حوزة هنري) تضم مجموعة مؤسسات تعمل في حقل الكتابة والتأليف والنشر والإنتاج السينمائي، ومن ضمنها أدب الثورة والمقاومة والدفاع المقدّس، والكتابة التاريخية والروائية، وأنتجت آلاف المنشورات والكتب والأفلام والمجلات. (المحرر)

 

40


21

الفصل الثاني: أنا والكتاب

عادةً كان الشعراء يمدحون أهل السلطة والثروة وأمثالهم، أمّا من وجهة نظري، فأنتم من يستحقّ المدح. ولو كنتُ شاعرًا، لكنت يقينًا، كتبت قصائد في مدحكم، في مدح السيّد سرهنكي، وفي مدح السيّد بهبودي، وفي مدح السيّد القدمي، وفي مدح كتّاب الذكريات هذه، ومخلّديها. إنّه واقعًا عملٌ في محلّه، لأنه عمل عظيم جدًّا وبالغ الأهمّية[1].

 

طريق تصدير الثورة

لقد قرأت تقريبًا هذه الكتب الّتي نشرتموها أنتم في مكتب أدب وفنّ المقاومة كلّها، ووجدت بعضها استثنائيًا جدًّا. وكتاب "قائدي"[2] هذا الّذي ذُكر تّوًّا، هو من جملة العناوين البارزة جدًّا في هذا العمل... عندما أقرأ هذه الأعمال، أفكّر أنّنا إن نشرنا هذه الكتيّبات والكتب، بغية تصدير مفاهيم الثورة فهذا ليس بالعمل القليل. لقد أُنجزت أعمال كثيرة... وهي أعمال قيّمة جدًّا. شاهدت أيضًا كتيّبًا يحمل عنوان "المقتل"، حيث أظهر تلك اللحظات الحسّاسة والمصيريّة، الّتي تُفصِح فيها المفاهيم الإسلامية عن نفسها.

 

في الحملات العسكرية، لا يُرى شيء من المفاهيم الإسلامية كأعمال عظيمة.


 


[1] المصدر السابق 22/9/2005م.

[2] "فرمانده مَنْ" من الكتب التي تُرجمت بالعربية حديثًا. وهو الإصدار الخامس في سلسلة سادة القافلة.(المحرر)

 

41


22

الفصل الثاني: أنا والكتاب

كلّ العالم يقوم بالحملات العسكرية، في كلّ العالم يقاتلون، الكلّ بالنهاية سيُديل يومًا ويُدال عليه يومًا آخر، الكلّ يفرّ، والكلّ يكرّ ويهجم ويضحّي، لكنّ ذلك المكان الّذي يؤطّر نفسه بإطار الفكر الإسلامي وروحيّته وخطّه، هو مكان خاصّ، إنّ البحث عن تلك الأماكن والاستناد إليها، وتبيانها بنحوٍ واضح، هو واقعًا، عملٌ بارزٌ وهامّ. ومن حسن الحظّ أنّ أعمالكم هي من هذا القبيل.

 

لقد وجدتُ بعض هذه الكتابات (آثار مكتب أدب وفنّ المقاومة) في قمّة الفن. ...إنّ خصوصيّات ساعة واحدة بما فيها من أحاسيس ومشاعر قد فُصّلت بدقّة. تلك الأجواء الشاعرية والعاطفية قد جُمعت كلّها في هذه الكتب. ... إنّها هامّة جدًّا، عظيمة جدًّا، مثل هذه الأمور ينبغي أن تُكتب[1].

 

يمكنكم أن تهزّوا البشر[2]

اعتدت على كتابة ملاحظات أو تعليقات على الصفحات الخلفيّة للكتب الّتي أقرأها، أي إذا ما خطر شيءٌ ببالي فإنّي أكتبه على الصفحة الخلفيّة للكتاب. وقد كتبت بنحوٍ لا إراديّ، على كتاب "قائدي" عندما قرأته، عبارات من الزيارة: "السلام عليكم يا أولياء الله وأحبّاءه". لقد رأيتُ واقعًا أنّ الإنسان يشعر بالحقارة في مقابل هذه العظمة. وعندما رأيتُ هذه العظمة في


 


[1] في لقائه أعضاء مكتب الأدب والفنّ المقاوم التابع للدائرة الفنيّة في منظمة الإعلام الإسلامي، 16/7/1991م.

[2] أي أن تكونوا مؤثرين جدّا ..

 

42


23

الفصل الثاني: أنا والكتاب

هذا الكتاب، أحسستُ واقعًا، بالضِّعَة في نفسي.

 

 من ذا الّذي يمكنه أن يُظهر هذه العظمة لنا؟ هذه العظمة موجودة، لكن يجب أن يظهرها شخص ما. فمن هو هذا الشخص؟ هو أنتم. أي إنّكم إذا عرفتم قدر أنفسكم، يمكنكم أن تحملوا مثل تلك النورانية الّتي تحرّك الإنسان وتوقظه. فمثل تلك الحقائق، واقعًا، تُحدِثُ تحوّلًا فينا[1].

 

سلام على أمثال سرهنكي وبهبودي

لقد ألّف السيّدان سرهنكي وبهبودي، كتابًا[2] وقد كتبتُ في آخر صفحاته سطرين أو ثلاثة أسطر. فعادة أكتب تقريظًا على كلّ كتاب ينبعث من أحاسيسي، أي عندما أكتب هذه الكلمات، أكتبها بمشاعر صادقة. لقد كتبت في أسفل الصفحة: سلام على أمثال سرهنكي وبهبودي. هذا هو اعتقادي. لماذا أكتب مثل هذه الأمور؟ ما علّة ذلك؟ أوَتربطني بالسيّدين سرهنكي وبهبودي علاقة قرابة؟ أو زمالة قديمة؟ لا، فأنا لم ألتقِهما سوى مرّتين أو ثلاث. هذا الكتاب كتابٌ جيّد، مؤلَّف مؤثّر وعمل مفيد جدًّا[3].

 

الكتب الجيّدة الصادرة عن الدائرة الفنّية

إنّ القصص القصيرة هذه الّتي كُتبت ـ إنصافًا ـ هي جيّدة.

 

 

[1] المصدر السابق، 16/7/1991م.

[2] كتاب "خطوة خطوة نحو المطر" (پا به پاي باران).

[3] في لقائه مجمع الكتّاب المسلمين، 29/6/1992م.

 

43


24

الفصل الثاني: أنا والكتاب

لقد قرأتُ الكثير من هذه القصص الّتي ألّفها هؤلاء السّادة وأصدقاؤهم عن الحرب، ونشرت "الدائرة الفنّية" بعضها، وقد قرأتُ الكثير منها وكتبتُ تعليقات على بعضها... هذه الكتب ـ حقًّاـ جيّدة جدًّا. إنّ ما في بعضها من أمورٍ مميّزة تحمل الإنسان على الإعجاب. أي من الواضح أنّه إذا أُعمل هذا الذوق وهذه الطاقة، فسوف ينتج منهما روايات راقية وجيّدة.[1]

 

 

سلب النوم من عيني

لقد قرأتُ نقدًا جيّدًا[2] كتبه السيّد حسن الحسيني عن الشاعر العربي نزار قبّاني. فبعد ظهر أحد الأيّام حين أردتُ أن أنام، قرأتُ هذا النقد فطار النوم من عينيّ. يعلم الله أنّي بكيت. قلت: انظُروا ماذا فعلت الثورة؟ شابّ يافعٌ قد وفد توًّا إلى عالم النقد، ويتكلّم بهذا القدر من الجودة والشجاعة. إنّكم بحمد الله، تملكون مثل هذه الطاقات، ومثل هذه الإمكانات متوفّرة فيكم[3].

 

أخشى أن لا تصلكم هذه الكتب

ها قد مرّت عدّة سنوات وقد نُشرت كتبٌ تتناول سِيَر حياة

 

 


 


[1] في لقائه مجموعة أدب الحرب التابعة لمؤسّسة المستضعفين وجرحى الثورة الإسلامية، 17/10/1993م.

[2] مجلّة "سورة"، المجلّد الثامن، الطبعة الأولى، شهر شباط 1985م، ص37، مقالة "الشعر العربي المعاصر (نزار قبّاني)" كتابة: السيّد حسن الحسيني.

[3] في لقائه مجمع الكتّاب المسلمين، 20/10/1991م.

 

44


25

الفصل الثاني: أنا والكتاب

مسؤولي الجبهة وقادة الحرب وما زال هناك ما يُكتب، وإنّني من المعجبين بهذه الكتب وأقرأها. ومع أنّني أعرف بعضًا منهم عن قرب، وما كُتب عنهم كان رواياتٍ صادقة ـ مع أن القارئ يمكنه بنحوٍ ما، تمييز ما هو مبالَغ فيه مما هو صادق ـ لكن هذه الكتابات تهزّ أعماق الإنسان، يرى الإنسان أنّ هذه الشخصيّات البارزة، قد التحقت بميدان الحرب حتّى في لباس عامل. فهذا المعلّم عبد الحسين برونسي، شابّ مشهديّ بنّاء، كان يعمل قبل انتصار الثورة بالبناء، وكان على علاقة بي، وقد كُتبتْ سيرة حياته، وإنّني أوصي وأحبّذ واقعًا، أن تقرأوها. إنّني أخشى أن لا تصل هذه الكتب إلى متناول أيديكم. اسم هذا الكتاب "تراب كوشك الناعم"[1]، وقد كُتِبَ بنحوٍ جميل.

 

كان (الشهيد برونسي) قد التحق بالجبهة في بدايات الحرب، ولم أكن أعلم بذلك. بعد استشهاده، قال بعض أصدقائنا الّذين ذهبوا إلى الجبهة مع مجموعات الجامعيّين والتعبويّين، وتحدّثوا إلى هذا الشابّ غير المتعلّم ـ المتعلّم بالمعنى الاصطلاحي، لكنّه طبعًا قد درس ثلاث سنوات أو أربع في الحوزة العلمية، شيئًا من المقدّمات والبدايات وأمثالهاـ إنّه كان يتحدّث إليهم ويتكلّم بطريقة أسرت قلوبهم جميعًا. لهذا قلتُ، كان يُظهر معرفةً قلبيةً، وإدراكًا (عميقًا) وإحساسًا صادقًا، وفهمًا لعالم الوجود، ثمّ في النهاية، نال الشهادة بعد بطولات


 


[1] الكتاب الأول في سلسلة سادة القافلة. تُرجم بلغات عديدة؛ منها العربية. طُبِعَتْ نسخته العربية في بيروت عام 2010. وأعِيدَتْ طباعته مرات عدة؛ نشر دار المعارف الإسلامية الثقافية(المحرر).

 

45


26

الفصل الثاني: أنا والكتاب

كبيرة وحضور في الميادين الخطرة والحسّاسة، الّتي لن أخوض في تفصيلها الآن. هذه الجماليات الّتي يمكن أن يجدها المرء في حياة إنسان كهذا، أو في حياة الشهيد همّت، أو الشهيد خرّازي، أو هؤلاء الموجودين حاليًا، أين يمكنكم أن تجدوا لها مثيلًا؟ وأين يمكن أن تحصل؟.[1]

 

التعريف ببعض الكتب

كتاب "حفلة الخِضاب"[2] هذا، للسيّد القدمي... يا له من كتابٍ جيّد! ...ويا لأسلوبه الجيّد.

 

 كم هو عظيمٌ كتاب "قائدي" هذا، وكم أثّر فيَّ وقلَبَ كياني. أو بعض هذه القصص القصيرة، كـ "نجيب"[3] أو "تحيا كتيبة كميل"[4] و... الّتي هي عالم من الدروس، وباعثة للروح والمعنويات[5].

 

أنا لا أريد هنا التعريف بالكثير من الكتب والروايات

 

 


[1] في لقائه جمعًا من المخرجين والمسؤولين في السينما والتلفزيون، 29/10/1991م.

[2] أو عرس المخضبين (جشن حنابندان)، ترجمَه مركز المعارف في بيروت ونُشِرَ عام 2014. وهو الكتاب العاشر في سلسلة "سادة القافلة".

[3] (نجيب) من العناوين المعدة للترجمة.

[4] (زنده باد كميل) تُرجِمَ في بيروت وصدر عن مركز المعارف للترجمة عام 2011 ونشرته دار المعارف الإسلامية، وهو الكتاب الثالث في سلسلة "سادة القافلة" وجُدّدت طباعته عام 2021.

[5] في لقائه أعضاء مكتب الأدب والفنّ المقاوم التابع للدائرة الفنية في منظمة الإعلام الإسلامي، 13/7/1992م.

 

46


27

الفصل الثاني: أنا والكتاب

للحاضرين، ويمكن الآن أن أذكر أسماء مؤلّفيها. فعلى سبيل المثال، هناك كاتب فرنسيّ مشهور يدعى ميشال زفاكو[1] له كتبٌ كثيرة. لقد قرأت معظم كتبه في تلك المرحلة (مرحلة الشباب). أو الكاتب الفرنسيّ المعروف فيكتور هيغو[2] الّذي استعرت كتابه "البؤساء" أوّل مرّة في حداثة سنّي، من مكتبة العتبة الرضوية المقدّسة وقرأته[3].

 

لا أعلم من منكم كتب ذلك الكتاب "الحياة كانت جيّدة"[4]، الّذي يحكي عن المُسعِفين. لقد رأيت حقًّا أنّ هذا الكتاب ضروري جدًّا. من الواضح أنّ هذا الشخص نفسه كان مُسعِفًا. فمن دون أن يكون الفرد مسعفًا لا يمكنه أن يكتب شيئًا عن هذه المسألة، أو ذاك الشخص الّذي كتب "أمر النار بيدِك"[5]، فقد كان واضحًا أنّه... قد خَبِرَ مسألة الرّصْد[6].


 


[1] ميشال زفاكو(1860 ـ 1918).

[2] فيكتور هيغو(1802 ـ 1885).

[3] في لقائه جمعًا من الشباب والقيّمين على برنامج "نيمرخ" التلفزيوني، 3/2/1998م.

[4] (زندگى خوب بود).

[5] (آتش به اختيار).تُرجِمَ وصدر عن مركز المعارف للترجمة ونشرته دار المعارف الإسلامية ضمن سلسلة "سادة القافلة" العدد 25.

[6] في لقائه أعضاء مكتب الأدب والفنّ المقاوم التابع للدائرة الفنية في منظمة الإعلام الإسلامي، 13/7/1992م.

 

47


28

الفصل الثاني: أنا والكتاب

أخذته إلى البيت وقلت: فليقرأه الجميع

عندما صدر المجلّد الأوّل من كتابكم "قاموس الجبهة"[1]، جلستُ وقرأته بشكلٍ عاديّ كبقيّة المنشورات الّتي تَرِدَني. ولشدّة ما جذبني، قرأته حتّى نهايته. بعدها، رأيتُ أنّ هذا غير كافٍ، أخذته إلى البيت وقلت: فليجلس الجميع لنقرأ هذا الكتاب. وفي جوّ العائلة، فتحت بنفسي بعض المواضع في الكتاب وقرأت. قلت: ينبغي لهذا الكتاب أن يبقى في أجواء البيوت، وأن يبقى في متناول الجميع على الدوام.

 

لقد جمعتم هذه المصطلحات (كتاب قاموس الجبهة)، ولها قيمة كبيرة. والآن لدينا باقة بين أيدينا، على شكل مادّة تاريخية خام ووثائق تاريخية. يمكن استنادًا إلى الوثائق التاريخية أن تُنجَز أعمال سردية كثيرة. كم هو جميل أن يستفيد منتجو الأفلام، وكتّاب القصص، والشعراء، وكتّاب المسرح، من هذه الكتابات وهذه الوثائق. إنّ جدوى كتاباتكم تبلغ ذروتها، حينما تحضر في الأدب وفي الفنّ الرائج المرتبط بالحرب، وتخدمهما، كما أنّ تلك الأسماء والألقاب الّتي أشرتم إليها، كـ "حسن بلا رياء" هي نفسها موضوع لقصّة، ينبغي لهذه أن تحضر وتوضع في مكان مميّز، كالجوهرة الّتي يضعها الإنسان في مكان هام[2].


 


[1] (فرهنگ جبهه).

[2] في لقائه أعضاء مكتب تحقيق ونشر قاموس الجبهة، 6/1/1992م.

 

48


29

الفصل الثاني: أنا والكتاب

قصّة إنسان واقعية

قبل عدّة سنوات قلت لبعض الأصدقاء، لماذا لا تنتجون أفلامًا تتناول معوّقي الحرب؟... كنتُ قد قرأتُ كتابًا أُلّف عن جريح روسي معوّق ، وسمعتُ بعدها أنّ فيلمًا أُنتج من ذلك الكتاب... لقد طبع الروس أنفسهم هذا الكتاب ووزّعوه. وكان هذا أيضًا من كتبهم الدعائية. وقع هذا الكتاب بين يديّ في بدايات الثورة. واسمه "قصّة إنسان واقعيّة". تحكي قصّة طيّار سقطت طائرته فبُتِرَت رجله. رأيت أنّ كلّ طيّار أو كلّ جريح بُتِرَت رجله أو فقد بصره، إذا قرأ هذا الكتاب، سوف يشعر بالاطمئنان والرّضا. ونحن الّذين لدينا كلّ هؤلاء الجرحى المعوّقين، لماذا لا نكتب مثل هكذا كتاب؟ ولا ننتج فيلمًا كهذا ؟ فهذا من نقائصنا[1].

 

"ذكريات مستوفي"

لدينا الكثير من الذكريات الجيّدة، وللإنصاف، فإن كتاب "ذكريات مستوفي" هذا، هو كتابٌ جميلٌ جدًّا. فلو قارنتم هذا الكتاب بكتاب سيرة حياة نهرو، فإنّه لا يقلّ شأنًا عنه، هذا إذا لم يَكن أفضل منه. إلا أنّه يخلو من نسج الخيال، والبُعد القصصيّ[2].

 

 


[1] في لقائه وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي ومسؤولي الوزارة، 25/11/1992م.

[2] في لقائه المدير التنفيذي والمسؤولين في مركز التربية الفكرية للأطفال والناشئة، 9/8/1997م.

 

49


30

الفصل الثاني: أنا والكتاب

خدمات المتنوّرين وخيانتهم

بعد الثامن والعشرين من شهر مرداد (18 آب)[1]، ساد صمتٌ عجيبٌ في الساحة الثقافية، بلحاظ الإعلان والتعبير عن الدوافع والتوجّهات إزاء نظام فاسد. فالكثير من الأشخاص، الّذين كانوا في العشرينيات الهجرية الشمسية (الأربعينيات الميلادية)، مورد غضب النظام، قد تحوّلوا في العقد الّذي تلاه إلى أعوان مطيعين له. وآل أحمد في كتاب "المستنيرون، خدمات وخيانات"، كان يتكلّم عن هؤلاء المتنوّرين أنفسهم. لقد شرع آل أحمد بكتابة هذا الكتاب سنة 1964م واستمرّ حتّى عام 1968م. عندما قدم آل أحمد إلى مشهد، في ذلك العام نفسه، التقيناه. وقد جرى الحديث في إحدى المناسبات عن هذا الكتاب، فقال: "منذ مدّة وأنا مشغول بأحد الأعمال". بعدها علمنا أنّه كان مشغولًا بهذا الكتاب منذ عام 1964م. كان يطلب منّا مسائل في مجالات محدّدة، إذ كان يظنّ أنّنا على علم بها. عندها علمنا أنّه كان يؤلّف هذا الكتاب. لقد نُشر الكتاب بعد وفاته، حيث كان من الكتب الّتي لا يُسمح بنشرها خلال حكم النظام السابق. كان يُعدّ كتابًا ممنوعًا تمامًا، ولا إمكانية لنشره[2].


 


[1] 1 - انقلاب 19 دى عام 1953 م الذي نفّذته المخابرات البريطانية والأميركية بالتعاون مع الجيش الملكي للشاه المقبور للإطاحة بحكومة مُصَدِق وأُطلِقَ على العملية اسم "أجاكس".(المحرر)

[2] في لقائه طلاب جامعة طهران، 12/5/1998م.

 

50


31

الفصل الثاني: أنا والكتاب

هاورد فاست[1]

إذا تسنّت لكم الفرصة لقراءة بعض الكتب الّتي تتناول الوضع الاجتماعي في أمريكا، فسوف تلتفتون إلى هذه المسألة... لقد قرأتُ كتبًا عديدة في هذا المجال، لا أعلم إن كنتم قد قرأتموها أيضًا أم لا. ...على سبيل المثال، قرأتُ في مجال القضايا الانتخابية، كتابًا للكاتب الأمريكي هاورد فاست، المعروف نسبيًا بميوله اليسارية. ولهذا الكاتب كتبٌ أخرى أيضًا. ...بالطبع هو كاتب روائي. كتابه يتناول سيرة طفل تهاجر عائلته في بدايات القرن العشرين من إحدى الدول الأوروبية إلى أمريكا. ويولد هذا الطفل في أمريكا، حيث يصبح مواطنًا أمريكيًا وفق القوانين. بعدها، يصبح محاميًا، ومن ثمّ يترشّح للانتخابات. لقد فُصّل في ذلك الكتاب الوضع الانتخابي في أمريكا. التفتوا، هذا الأمر مرتبط بأوائل ذاك القرن، بالعشرينيات والثلاثينيات. بعد ذلك، ساء الوضع كثيرًا، وذلك باعتراف كلّ من لديه خبرة في هذا المجال وكتب في هذا الموضوع. ... في الواقع، إنّ من يعيّن المرشّحين هو المال والقوّة الدعائية للشركات الكبرى المسيطرة على أمور البلد كافّة[2].


 


[1] هاورد فاوست (1914 ـ 2000).

[2] في لقائه جمعًا من المنظّمات الطلابية في جامعات البلاد، 5/12/1996م.

 

51


32

الفصل الثاني: أنا والكتاب

فرانتز فانون[1]

لو كنتم قرأتم تلك الكتب الّتي كُتبت آنذاك عن أمريكا اللاتينية وأفريقيا، ككتب فرانتز فانون والّذين كانوا يؤلّفون الكتب في ذلك الوقت -وكتبهم الآن أيضًا باقية على أهمّيتها وقيمتها- لوجدتم أنّ وضعنا كان على هذا الشكل، لا أحد يجرؤ على الكتابة عن إيران. أمّا عن أفريقيا أو تشيلي أو المكسيك فكانوا يكتبون بكلّ سهولة. إنّي من خلال قراءتي لهذه الكتب وجدت أنّ وضعنا يشبه تمامًا ذلك الوضع. أي إنّ هذا الشابّ العامل بعد أن يجهد في العمل وينتج (القرش)، يصرف نصف ذلك المال في الترف والفسق والمجون وأمثال هذه الأمور. هذه هي المواضيع الّتي كنّا نقرأها في تلك الكتب ونرى أن واقع مجتمعنا هو أيضًا كذلك[2].

 

الروح الوالهة

قيمة هذا الكتاب "الروح الوالهة" لـ (رومان رولان[3]) هي أفضل بدرجات من هذا، هي تاريخ، وأدب، وأخلاق وفنّ أيضًا. يحوي هذا الكتاب كلّ شيء. وقد قرأته منذ سنوات[4].


 


[1] - فرانتس فانون (1925 ـ 1961).

[2] في لقائه الشباب بمناسبة أسبوع الشابّ، 27/4/1998م.

[3] رومان رولان (1866 ـ 1944).

[4] أثناء تفقّده للغرف الفارسية في معرض طهران الدولي التاسع للكتاب، 12/8/1996م.

 

52


33

الفصل الثاني: أنا والكتاب

كتب جين أوستن[1]

لقد قرأت الملخّصات الإنكليزية لكتب جين أوستن، ومن جملتها، كتاب "الكبرياء والتحامل". إنّهم يعدّون ملخّصات بسيطة للّذين يتعلّمون اللغة الإنكليزية[2].

 

لماذا يَقرأ معمّمٌ "الدون الهادئ"؟

"الدون الهادئ" هي واحدة من أفضل الروايات في العالم. طبعًا المجلّد الأوّل منها هو الأفضل، وفيما بعد فإنّ الأجزاء التالية تجعل الرواية متوسّطة المستوى. أمّا كتاب المؤلف اللاحق، "الأرض البكر" فلم يكن جيّدًا. لقد قرأتُ "الدون الهادئ" قبل الثورة، أمّا "الأرض البكر"، فلعلّني قرأتها بعد ذلك. ... ففي هذا الكتاب، الوصف الاستثنائي ما لم أشاهده في أيّ كتاب آخر. ولعلّه يصف تلال روسيا وروابيها مئة مرّة، ولكنّه في كلّ مرّة بطريقة. فهذه أمور ذات جودة فنّية عالية ومهمّة للغاية. هكذا يُخلّد الأدب. لماذا أقرأ أنا المعمّم في بلدٍ إسلاميّ، كتاب "الدون الهادئ"؟ إذا لم يكن جذّابًا، إذا لم يكن جديرًا بالقراءة، فلن يقرأه شخص مثلي[3].

 


[1] جاين أوستين (1775 ـ 1817).

[2] أثناء تفقّده لمعرض طهران الدولي العاشر للكتاب، 4/5/1997م.

[3] في لقائه كتّاب وفنّاني اللجنة الفنّية في منظمة الإعلام الإسلامي، 23/5/1998م.

 

53


34

الفصل الثاني: أنا والكتاب

عذبٌ كالماء ناعمٌ كالحرير...

...هناك نوعٌ هو أفضل من هذا وأرقى. وهو ذلك الفنّ الّذي يُلقي موضوعاته في الذهن بشكل غير مباشر. هذا هو أفضل الفنون وأعظمها. ... رواية البؤساء لفيكتور هيغو هي من هذا القبيل. فرسالة البؤساء كانت تتضمّن إشارة إلى مصير الأنظمة الاجتماعية والعادات الاجتماعية للنظام الطبقي القائم في فرنسا في ذلك العصر الآيل إلى السقوط، ووخامة الوضع القضائي في تلك الحقبة، وانحطاط مستوى تفكير الناس في تلك الأيّام، بحيث يرتّبون آثارًا كبيرة على الأخطاء الصغيرة الصادرة عن ضعاف الناس، فيما يتغاضون عن الأخطاء الكبرى لأصحاب النفوذ. وفي الوقت عينه، إنّكم حين تقرأونها، ترون أنّ رسالة الكتاب كالحرير وكالماء المنساب، تنفُذ في خلايا ذهن الإنسان كافّة، وتجذبها جميعًا، في الوقت الّذي لم تستخدم الأسلوب المباشر ولو بكلمة واحدة[1].

 

قراءة الفلسفة بلذّة

"لذّات الفلسفة" كتاب كُتب بأسلوب أدبيّ بليغ وجميل، وترجمه المرحوم الدكتور عباس زرياب، وللإنصاف ترجمه بلغة عذبة وجميلة. هذا الكتاب هو مناظرة بين فلاسفة الغرب القدامى والجدد في موضوع محدّد، وكأنّهم عقدوا اجتماعًا


 


[1] من خطاب له في مراسم الذكرى الثالثة لتأسيس منظمة الإعلام الإسلامي، 23/6/1984م.

 

54


35

الفصل الثاني: أنا والكتاب

وراحوا يتناقشون فيما بينهم. يقول "هيغل" شيئًا، فيردّ عليه "كانت". ومن ثمّ يقول ديكارت ما عنده. وهكذا يبدأون شيئًا فشيئًا بالمناقشة والحوار. كم هو جميل أن يُنجز مثل هذا العمل البليغ والجميل[1].

 

مكتبات محفوظة

كانت هناك الكثير من المكتبات في النجف، وكذلك في قمّ، ففي قمّ كان للمرحوم صفائي مكتبة جيدة. وكان للمرحوم السيد كلباسي مكتبة جيدة أيضًا. فلم نسمح بعد وفاة هذين المبرّزين بتوزيع مكتبتيهما وتقسيمهما بين الورثة ووقوعهما في أيادي الآخرين، بل اشتريناهما كلهما منهم ونقلناهما إلى الروضة المطهرة. وعلى هذا الأساس حفظت بعض هذه المكتبات ولله الحمد. لكن الإنسان لا يرى نظيرًا لمكتبة السيد المرعشي في عظمتها ورونقها وضخامتها[2].

 

تاريخ العالم في نظرة

اقرأوا كتاب "جواهر لال نهرو": "نظرة إلى تاريخ العالم"، إنّه يتحدّث ويصوّر ويشرح - وقد كان شخصًا أمينًا ومطّلعًا- في القسم المتعلّق بنفوذ وتدخّل الإنكليز في الهند. يقول: إنّ

 


[1] من كلمة السيد الخامنئي خلال لقائه أعضاء مجمع الحكمة الإسلامية العالية 12/2/2013م.

[2] من كلمته في لقاء القائمين على مؤتمر أية الله المرعشي النجفي 7-2-2011م.

 

55


36

الفصل الثاني: أنا والكتاب

الصناعة في الهند، والعلم لم يكونا بأقل ممّا كان في إنكلترا وأوروبا والغرب إن لم يكن أفضل. عندما دخل الإنكليز الهند، كان في برامجهم أن يدمّروا الصّناعة المحلّيّة. بعدها وصل الوضع إلى أن يصبح عشرات الملايين، بل مئات الملايين ـ في المراحل اللاحقة ـ فقراء ومتسوّلين وينامون في الشوارع وهم جوعى بالمعنى الواقعيّ للكلمة[1].

 

أهمية حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

ذات مرة قلت لبعض الأصدقاء إن علينا دراسة حياة الرسول بالملّيمتر. كل لحظة في حياته حدث ودرس وتجلٍّ إنساني عظيم. وهكذا هي الحال بالنسبة إلى هذه السنوات الثلاث والعشرين كلها. ليقرأ شبابنا تاريخ حياة الرسول من المصادر الموثوقة ويروا ما حدث[2].

 

فلتُقرأ كتب الشهيد مطهري..[3]

على شبابنا الأعزّاء أن يتعرّفوا إلى كتب الشهيد مطهّري. إذا أردت أن أكتب برنامج الحوزة العلميّة في قمّ، فإنّي من دون شكّ سأقترح أن تكون إحدى موادّ هذا البرنامج، قراءة كتب الشهيد مطهّري، تلخيصها وتقديم اختبارات فيها. وحتمًا لا


 


[1] من كلمته في لقاء قادة حرس الثورة الإسلامية 7-9-2013م.

[2] من كلمته في لقاء مسؤولي النظام الإسلامي في ذكرى المبعث الشريف 30-7-2008م.

[3] من كلمته في لقاء حشد من علماء محافظة همدان 5-7-2004م.

 

56


37

الفصل الثاني: أنا والكتاب

ينبغي الاقتصار على هذه الكتب[1].

 

كيفيّة المطالعة في عمر الشباب

لا ينبغي للطالب أن يدع الكتاب جانبًا، فليقرأ، وليطالع في مرحلة الشباب، ولتكن هذه حاله دائمًا. في مرحلة الشباب وعاءُ الذاكرة هذا، الذي ليس له حدٌّ، إملأوه قدر المستطاع. فما أودعناه ذاكرتنا في مرحلة الشباب، كلّه، ما زال موجودًا اليوم. أما ما نحصل عليه في مرحلة الشيخوخة ـ حيث إنّني أنا العبد الآن في هذه الأيّام مع ابتلاءاتي جميعًا أطالع أكثر من الشباب ـ فإنّه لا يبقى. أنتم الآن شبابٌ، فادّخروا ما أمكنكم من المعلومات القيّمة والمفيدة والضروريّة في المجالات المختلفة التي تحتاجون إليها للتبليغ، فسوف تستفيدون منها.[2]

 

 


[1] من كلمة السيد الخامنئي في لقائه علماء محافظة همدان 5-7-2004م.

[2] من كلمته في لقاء علماء حوزات محافظة خراسان الشمالية وطلابها 10-10-2012م.

 

57


38

الفصل الثالث: نقد الوضع القائم

ذاك العالَم الّذي لا خبر عنه في إيران

إذا ازداد عدد الكتب، وكثرت عناوينها، وإذا توفّرت بالمواضيع المطلوبة كافّة، واستطاع الناس العثور في الكتاب على إجابات لاستفهاماتهم وتساؤلاتهم وأمكنهم الرجوع إليه، سوف يحدث جوّ آخر وعالمٌ آخر، نفتقده اليوم ـ للأسف ـ في إيران. في كلّ مكان يشغل الكتاب حيّزًا من الاهتمام، ترون فرقًا واضحًا من الناحية الروحية الفكريّة، مقارنةً بالمكان الّذي لا يحظى بهذه المسألة[1].

 

جوهر الانتقال إلى الأعمال الكبرى

حين أنظر الآن إلى رواياتكم، أرى أنّه لو عُمل عليها قليلًا لأضحت كرواية "البؤساء" لفكتور هيغو، و"الحرب والسلم" لتولستوي. إنّني أرى هذا الجوهر في الروايات الصغيرة لإخواننا هؤلاء، الصادرة عن الدائرة الفنّية أو عن بعض المؤسّسات الأخرى، ما لا يراه المرء في الكتابات التقليدية لأولئك الكتّاب،

 

 


[1] في لقائه القيّمين على إحياء أسبوع الكتاب، 10/11/1997م.

 

61


39

الفصل الثالث: نقد الوضع القائم

وفي عشرة مجلّدات وخمسة مجلّدات، وفي ألفي صفحة وخمسة آلاف صفحة. هذا الجوهر موجودٌ واقعًا في أعمالكم. أمّا أولئك، فتجدون أعمالهم نمطيّة، وذلك يعود إلى أنّهم يفتقدون ــ واقعًا ــ للحماسة في داخلهم[1].

 

الحرب فرصة للكتابة

لقد أضحت الحرب ساحةً لبروز الاستعدادات على هذا الصعيد. أنتم تعلمون أنّ الشدائد هي من الأشياء الّتي تفتّح الاستعدادات الفنّية والأدبية في أيّ بلد، ومنها الحروب. إنّ أجمل الروايات وأفضل الأفلام، وربّما أسمى القصائد الشعرية قد أُنشدت وأُلقيت وأُلّفت وظهرت في الحروب ومن وحي الحروب. وهكذا كان الأمر في حربنا (الدفاع المقدّس) أيضًا[2].

 

لا أعلم .. هذا التكرار قد ترك أثرًا أم لا؟

لكثرة ما تكلّمت بهذا الموضوع الهامّ "القراءة والمطالعة" ولم أُبلَّغ بمدى تأثير هذا الكلام، فإنّني في الحقيقة عندما أريد الخوض فيه ثانيةً، أتردّد خوفًا من وقوعي في لغو الكلام. أنا ـ واقعًا ـ لا أعلم إن كان هذا التكرار قد ترك أثره أم لا. ينبغي لكم أنتم أن تبيّنوا ذلك. أن تُجرُوا الإحصاءات، لنرى كم ارتفع معدّل المطالعة. تعالوا نعمل على أن يصبح جميع الناس من أهل المطالعة[3].


 


[1] في لقائه أعضاء مجلس دراسة وانتخاب كتاب الدفاع المقدّس، 23/5/1994م.

[2] من خطاب له في جمع من طلاب جامعة طهران،12/5/1998م.

[3] في لقائه القيّمين على إحياء أسبوع الكتاب،21/10/1996م.

 

62


40

الفصل الثالث: نقد الوضع القائم

الشعوب الأقلّ حظًّا

مع أنّنا ألّفنا أكثر الكتب في العالم على امتداد القرون الماضية، لكنّنا اليوم وخلال القرون الثلاثة الأخيرة، أصبحنا من الشعوب الأقلّ حظًا من معارف الكتاب والمكتوب. وأنا على يقين أنّه كان للأوضاع السياسية والاجتماعية تأثير في هذا الوضع الّذي يُعَدُّ ثقافيًّا في ذاته. ما كان فقد مضى.

 

اليوم، يومٌ جديد، وعصرٌ جديد بالنسبة إلينا، وعلينا تعويض هذا النقص.

 

...القراءة عادة غير رائجة بين أبناء شعبنا، حتّى بين المتعلّمين والّذين تابعوا دراستهم، الأشخاص الّذين يأنسون بالكتاب، ويخصّصون في حياتهم اليومية وقتًا للمطالعة هم بالتأكيد قلّة قليلة، في حين نرى الأمر مغايرًا في الكثير من الدول الّتي تعدّ اليوم ممتازة في مجال التقدّم العلمي... فهناك ارتباط ما بين روحيّة المطالعة والأنس بالأخبار والمعارف والتقدّم العلمي للبلاد على المستويات كافّة. وينبغي عدُّها كذلك، وترويج هذه الروحية بين الناس[1].

 

عدم الاهتمام بالمطالعة

شعبنا ليس شعبًا قارئًا، وعدم المطالعة هذا هو نقصٌ فادح. كثيرٌ من أبناء شعبنا لا يقرأون حتّى الصحيفة اليومية. وإذا ما ألقوا نظرة على الصحيفة اليومية، فإنّهم يكتفون بقراءة


 


[1] مراسم افتتاح معرض طهران الدولي الأوّل للكتاب، 5/11/1987م.

 

63


41

الفصل الثالث: نقد الوضع القائم

الشباب وحدهم سيُقبِلون عليها، بل ستُقبل عليها جميع الأجيال والشرائح برغبةٍ وشوق[1].

 

الكتاب جزء من لوازم الحياة

هذه العادة لم تجد لها إلى الآن مكانًا بين أبناء شعبنا، كأن يذهبوا ويشتروا كتابًا، فيقرأوه، ثُمّ يعطوه لأصدقائهم أو أبنائهم ليقرأوه أيضًا. ولربّما اشتروا كتابًا، وألقوه جانبًا، أو على سبيل المثال، يهدي صديق إلى آخر كتابًا، فيرميه جانبًا. في الواقع، لم تجد القراءة لها مكانًا في بلدنا. وهذا باعث على الألم الكبير. إنّنا غافلون عن عِظَمِ هذا الألم وشدّته، في حين أنّ كلّ هذه المسائل والمواضيع الموجودة في الأذهان، والجارية من الأقلام على الأوراق، والتي تُطبع بنفقاتٍ عالية، إذا ما وُزّعت بين جميع الناس، لاحظوا كم سيرتفع مستوى ثقافة المجتمع، وكم هي المنافع الّتي ستتحقّق من هذه العمليّة. تعالوا، التحقوا بفرق العمل المؤثّرة بنحوٍ ما، والتي ابتدأت منذ عدّة سنوات بحثّ الناس على المطالعة. تكلّموا عنها في دعاياتكم وتصريحاتكم. ألّفوا الكتب والمقالات، انشروا... فلتُكتب القصص... ولتُنجز الأعمال الفنية، لحثّ الناس على المطالعة... وليصبح الكتاب جزءًا من لوازم الحياة[2].


 


[1] رسالة بمناسبة ابتداء أسبوع الكتاب، 25/12/1993م.

[2] في لقائه أعضاء هيئة التحرير في مكتب نشر الثقافة الإسلامية، 8/5/1995م.

 

64


42

الفصل الثالث: نقد الوضع القائم

مع كلّ هؤلاء الشعراء والكتّاب

أرى في مجتمعنا أنّ الكتاب، للأسف، غير رائج بالمقدار الّذي يقتضيه شأن هذا المجتمع. لو كنّا مجتمعًا بلا تاريخ، مجتمعًا لا ماضي له، لا ثقافة له، ليس فيه أشخاص علماء وبارزون في المجال الثقافي، وليس فيه أناس لائقون وأذكياء ويتمتّعون برؤية ومنهج تفكير راقٍ، كبعض المجتمعات المنتشرة في أطراف العالم، لقلنا إنّ عدم ميلنا إلى الكتاب مبرّر. لكن، لماذا ينبغي أن يكون مجتمعنا على هذا النحو فيما يتعلّق بالأنس بالكتاب، برغم أن فيه كلّ هؤلاء المثقّفين البارزين والكبار، والأساتذة، والمؤلّفين، والعالمين بالكتاب، والشعراء، والكتّاب، والعلماء الكبار، والجامعيّين النوابغ؟ إنّنا سبّاقون (ذووا تجربة) في الثقافة والتاريخ. ومجتمعنا مجتمع ناضج وبالغ، وليس مجتمعًا بدائيًا. وعلى شعبنا أن يكون أكثر معرفة بالكتاب[1].

 

كالأكل والنوم

لا تُعدّ المطالعة للأسف، عملًا شائعًا ويوميًا، سوى بين قلّة من أهل العلم والتحصيل والأشخاص الّذين اشتغلوا بالكتاب بشكل اضطراري، في حين أنّه ينبغي للمطالعة أن تدخل حياة الناس كالأكل والنوم وسائر الأمور اليومية[2].


 


[1] في حوار له مع مراسل الإذاعة والتلفزيون الإيراني، بعد تفقّده لمعرض طهران الدولي الثالث للكتاب، 10/5/1994م.

[2] في حوار له مع مراسل الإذاعة والتلفزيون الإيراني، بعد تفقّده لمعرض طهران الدولي السابع للكتاب، 9/5/1990م.

 

65


43

الفصل الثالث: نقد الوضع القائم

لا ينبغي للكتاب أن يبقى محصورًا بمجموعة من أفراد المجتمع، مثلما كان في السابق حيث اقتصر الأمر على جماعة من القرّاء، وأهل الكتاب ومن يراجع الكتب، أمّا الأكثرية فهي بعيدة عن الكتاب وبمنأى عن الاهتمام به. هذا ليس صائبًا. طبعًا، تحسّن الوضع اليوم، ويمكن للمرء أن يستشعر ذلك[1].

 

اعتياد الكتاب[2]

لقد رأيت شبابًا كثرًا، ولندع المسنّين جانبًا، لا يرغبون في مطالعة الكتب حتّى الروائية منها. يقرأون من الرواية ثماني أو عشر صفحات، ويقولون لقد ضقنا ذرعًا، في حين أنهم مستعدّون للجلوس أمام التلفاز ثلث الساعة أو نصفها لمشاهدة الإعلانات الدعائية الّتي تُبثّ قبل بدء الفيلم السينمائي. وهم غير مستعدّين لأن يقرأوا في هذه العشرين دقيقة، حتّى تلك القصّة الروائية. نحن لا نقول قراءة كتاب اجتماعي أو كتاب سياسي أو كتاب علمي. فمن أين نشأ هذا الأمر؟ إنّه ناشئ من عدم الاعتياد على الكتاب. الناس لا يميلون إلى المطالعة، ومن أجل هذا عليكم التفكير في حلّ لهذه المسألة[3].

 

 


[1] في حوار له مع مراسل الإذاعة والتلفزيون الإيراني، بعد تفقّده لمعرض طهران الدولي السابع للكتاب، 10/5/1994م.

[2] أو التعوّد على الكتاب.

[3] في لقائه القيّمين على إحياء أسبوع الكتاب، 10/11/1997م.

 

66


44

الفصل الثالث: نقد الوضع القائم

الثورة قليلة العمل

هذه الثورة بعظمتها وأبعادها وآثارها العلمية هي من أضعف ثورات العالم، وأقلّها عملًا، من حيث تبيانها لأسسها الفكريّة[1].

 

عندما قامت ثورة أكتوبر، كُتِبَ على امتداد السنوات الخمس عشرة الّتي تلت، كمٌّ كبيرٌ من الكتب والأفلام والقصص والكتيّبات - وبمستويات مختلفة - عن الأصول الفكرية لهذه الثورة، بحيث لم يعد الناس في البلاد الّتي وصلت رياح الثورة إليها بحاجة إلى كتبهم (الخاصة). لقد شُحنت العقول إلى درجة جلس فيها مفكّرو تلك البلاد أنفسهم، وألّفوا كتبًا تتناول مباني تلك الثورة القيمية والفكرية.

 

في العقود الثلاثة والأربعة الماضية، ألّف الإيرانيون باللغة الفارسية كثيرًا من الكتب في الأسس الفكرية للثورة الشيوعية. ذلك أنّهم كانوا قد أُشبعوا، فالسوفيات كتبوا كثيرًا بحيث أنّ كلّ المفكّرين الّذين كانوا بنحو ما على ارتباط بهم من الناحية الفكرية قد أُشبعوا فكريًّا. ومن ثمّ يأتي امرؤ، كاتب على سبيل المثال أو مفكّر أو متنوّر، يجد حماسة في نفسه، ويكتب مواضيع في هذا المجال. هذا إضافة إلى الترجمات الكثيرة لآثارهم الّتي قد تُرجمت. ما العمل الّذي أنجزناه نحن؟ العمل الّذي أنجزناه في هذا المجال هو في الواقع قليلٌ جدًّا، أحيانًا يخجل الإنسان من القول أنّه "في حدود الصفر"، لأنه في الواقع، هناك أشخاص قد


 


[1] كلمة السيد الخامنئي هنا تعود إلى العام 1989م.

 

67


45

الفصل الثالث: نقد الوضع القائم

أنجزوا أعمالًا بكلّ إخلاص. أمّا إذا تركنا النواحي العاطفية جانبًا[1]، فينبغي أن نقول: درجة فوق الصفر.

 

لقد مضى على الثورة إحدى عشرة سنة، كان من الجيّد أن يكون هناك مئات الكتّاب الإسلاميّين الّذين يكتبون أسس الثورة...كان علينا أن نعدّ مثل هؤلاء، ولم نفعل[2].

 

كتب دينية بلا إفراط ولا تفريط

المسألة الأخرى الّتي قصّرنا فيها أيضًا، والتي ربّما هي غير قابلة للتصديق، الكتب الدينية. لعلّنا نقصّر وللأسف، في العمل على الكتب الدينية والمسائل الإسلامية! هذه المتون الإسلامية قيّمة جدًّا. إنّنا بحاجة إلى كتب في مستوى كتب الشهيد مطهّري، تبيّن المسائل الأساسية للإسلام برؤية صائبة وبعيدة عن الانحراف والإفراط والتفريط، بلغة مفهومة لفئات المجتمع المتوسّطة، فلا يكون الملاك فيها التوجّه إلى العلماء والمفكّرين، ولا المستويات الدنيا... واجبي هنا، مع التسليم والإذعان لمقام الحوزات العلمية الرفيع، وبخاصّة الحوزة العلمية في قمّ، في نشر الأفكار والمعارف الإسلامية، أن أوجّه خطابي إلى تلك الحوزة، وأقول: إنّكم ــ هنا ــ مَنْ عليه تلبية هذه الحاجة. طبعًا، ليس بالمعنى الحصريّ، لكن على أيّة حال، القاعدة هي قمّ.


 


[1] اذا أردنا أن لا نجامل..

[2] في لقائه مجمع ممثّلي طلاّب وفضلاء الحوزة العلمية في قم، 28/11/1989م.

 

68


46

الفصل الثالث: نقد الوضع القائم

هذه هي المجالات الّتي ينبغي، بنظري، العمل عليها[1].

 

الثورة بلا رواية

باعتقادي أنّه لا يمكن لأيّ مُدَوَّنٍ تاريخيّ كُتِبَ في ثورة أكتوبر البلشفية أن يضاهي تلك الروايات الّتي أُلّفت حول تلك الحقبة التاريخيّة. إن كنتم قرأتم تلك الروايات فسوف تفهمون ما أقول. خذوا مثلًا رواية "الدون الهادئ". لا أعلم إن كنتم قرأتم أيّها السادة تلك الرواية أم لا. هذه الرواية، كانت من الروايات الدعائيّة للماركسيّين في عهد نظام الشاه القمعي. وعلى الرغم من أنّ هذا الكتاب كان رواية، إلاّ أنّهم كانوا يتناقلونه فيما بينهم على نحو الدعاية ويطالعونه. هؤلاء قد كتبوا بصورةٍ، ووصفوا الثورة (البلشفية) بطريقةٍ، يمكنكم من خلالها الاطلاع على أبعادها بما يوحي بعظمتها. طبعًا، يمكن إدراك نقاط ضعفها أيضًا في هذه الكتب نفسها، مع أنّ ما كُتب لم يُكتب من أجل بيان نقاط الضعف. ماذا كتبنا نحن في هذا المجال؟ طبعا، قد كُتب، لقد كُتِبت أشياء، .. لقد كُتب عن الثورة كتاب يتناول تلك الصباحات المعدودة قبل مجيء الإمام إلى إيران، وهو أيضًا كذب ومخالف للواقع. نحن الّذين عايشنا هذه الثورة وكنّا في أزقّة طهران وشوارعها وفي أماكن أخرى، عندما نقرأ هذا الكتاب نرى أنّه كذب محض. فقد انتقوا ما يتناسب ووجهات نظرهم وكتبوه[2].

 

 


[1] من خطبة له في مراسم الدورة الخامسة لانتخاب كتاب العام، 8/2/1988م.

[2] في لقائه وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي ومسؤولي الوزارة، 25/11/1992م.

 

69

 


47

الفصل الثالث: نقد الوضع القائم

"جلال" طليعة الروائيّين الإيرانيّين

منذ مطلع القرن الشمسي الحالي (1300 ـ1371 (، أي منذ حوالَى الستين سنةً الماضية أو السبعين حتّى الآن، كنّا حين ننظر إلى روائيّينا، ... نرى أنّهم واقعًا، بعيدون عن الفنّ، أي إنّ لديهم خامات، لكن لا يمكن مقارنتها بالروايات المنتشرة في العالم بأيّ وجه. طبعًا، بعد ذلك، حين وصل الأمر إلى أمثال "آل أحمد"، تحسّنت الأوضاع بفضل تلك الواقعية، والتحرّق، والدافع والإيمان. فبحسب تقويمي الشخصي ـ وفي حدود علمي ـ أرى رواية "آل أحمد"، بحقّ، طليعة الروايات الفارسية عندنا، وهي أفضل من الروايات الأخرى كلّها، ومع أنّ الآخرين كتبوا، إلاّ أنّهم لم يكتبوا شيئًا ذا قيمة... فإذا تابعتم رعاية هذه الغرسة الجديدة وهذا التوجّه الجديد، فسوف يتحقّق ما نحن بحاجة إليه اليوم. أي إنّ الرواية وكتابة القصّة في إيران سوف تتطوّر وترتقي[1].

 

الكتابة من كلّ وادٍ عصا

لقد سعى بعضُ الكتّاب، طبعًا، إلى كتابة قصّة طويلة وقد فعلوا ذلك، لم تكن سيّئة من حيث المظهر والشكل الخارجي، لكنّها ليست شيئًا مقارنةً بالقصص الراقية المنتشرة في العالم اليوم، كـ "البؤساء" لفكتور هيغو، و"الحرب والسلم" لتولستوي والقصص الّتي كُتبت عن الثورة البلشفية، بل كانت تقليدًا


 


[1]  في لقائه أعضاء مكتب الأدب والفنّ المقاوم التابع للدائرة الفنّية في منظمة الإعلام الإسلامي، 13/7/1992.

 

70


48

الفصل الثالث: نقد الوضع القائم

للقصة. فهم يكتبون قصصًا طويلة، لكن عندما ينظر المرء إليها يرى رسم لوحة منسوخة عن لوحة حقيقية، ومن الواضح أنّها لا تحتوي على أيّ حيوية طبيعيّة. فلنُعرِض الآن عن الإشكالات الكثيرة الّتي تحويها هذه القصص من حيث المضمون، والتي كتبها مؤخّرًا، (في السنوات الخمس عشرة الأخيرة)، أولئك المخالفون للفكر الإسلامي ونشروها، فإنّ قصصهم كذب وبعيدة عن الواقع.

 

عندما تقرأون على سبيل المثال "البؤساء" و"الحرب والسلم" أو قصص إميل زولا[1]، يمكنكم التعرّف إلى أوضاع ذلك المجتمع الروسي أو الفرنسي أو الإنكليزي أو أيّ مكان آخر من خلال هذه القصّة. أي إنّ الإنسان يمكنه العثور في هذه القصص على أمور ليست موجودة في كتب التاريخ، في حين أنّ الأمور الّتي تناولها هؤلاء السادة (بعض الكتّاب الإيرانيّين) في قصصهم لا وجود لها في الخارج على الإطلاق. تلك القرية الّتي يصوّرها هؤلاء في قصصهم، لا وجود لها في إيران مطلقًا... لقد قرأت معظم كتابات هؤلاء. وقد قرأت كتابًا فوجدته يتكلّم عن قرية. القصّة تقع في إحدى القرى، لكن من حيث وضع الناس، فلا وجود لمثل هذه القرية في العالم على الإطلاق. وخصوصًا في المنطقة الّتي تكلّم عنها ذلك الشخص، منطقتي أنا، "خراسان". كنّا نعيش حياتنا في تلك المناطق، ونعرف قرى تلك المنطقة، أساسًا لا وجود لمثل تلك القرية. قرية يوجد فيها بيت دعارة، ولا وجود


 


[1] إميل زولا (1840 ـ 1902) Emile Zola.

للقصة. فهم يكتبون قصصًا طويلة، لكن عندما ينظر المرء إليها يرى رسم لوحة منسوخة عن لوحة حقيقية، ومن الواضح أنّها لا تحتوي على أيّ حيوية طبيعيّة. فلنُعرِض الآن عن الإشكالات الكثيرة الّتي تحويها هذه القصص من حيث المضمون، والتي كتبها مؤخّرًا، (في السنوات الخمس عشرة الأخيرة)، أولئك المخالفون للفكر الإسلامي ونشروها، فإنّ قصصهم كذب وبعيدة عن الواقع.

 

عندما تقرأون على سبيل المثال "البؤساء" و"الحرب والسلم" أو قصص إميل زولا[1]، يمكنكم التعرّف إلى أوضاع ذلك المجتمع الروسي أو الفرنسي أو الإنكليزي أو أيّ مكان آخر من خلال هذه القصّة. أي إنّ الإنسان يمكنه العثور في هذه القصص على أمور ليست موجودة في كتب التاريخ، في حين أنّ الأمور الّتي تناولها هؤلاء السادة (بعض الكتّاب الإيرانيّين) في قصصهم لا وجود لها في الخارج على الإطلاق. تلك القرية الّتي يصوّرها هؤلاء في قصصهم، لا وجود لها في إيران مطلقًا... لقد قرأت معظم كتابات هؤلاء. وقد قرأت كتابًا فوجدته يتكلّم عن قرية. القصّة تقع في إحدى القرى، لكن من حيث وضع الناس، فلا وجود لمثل هذه القرية في العالم على الإطلاق. وخصوصًا في المنطقة الّتي تكلّم عنها ذلك الشخص، منطقتي أنا، "خراسان". كنّا نعيش حياتنا في تلك المناطق، ونعرف قرى تلك المنطقة، أساسًا لا وجود لمثل تلك القرية. قرية يوجد فيها بيت دعارة، ولا وجود


 


[1] إميل زولا (1840 ـ 1902) Emile Zola.

 

71


49

الفصل الثالث: نقد الوضع القائم

فيها لمسجد، هل تعرفون قرية كهذه؟! في أيّ منطقة من إيران توجد قرية كهذه ؟! وهذا مغاير لما كتبه ذاك الكاتب الفرنسي عندما يصوّر قرية فرنسية، فإنّه يصوّرها بواقعية، ويبيّن الوقائع. لذا عندما تقرأونها، تدركون أيّ حقائق كانت تحدث في القرى والمدن والبيوت ومناطق باريس نفسها، وراء ستار بهارج الحضارة الفرنسية في القرن التاسع عشر. فلماذا حصل هذا هنا؟ (إنه) ينشأ عن كون روح الفنّ لا تكبر ولا تنمو في الكاتب (الإيراني) أبدًا، كما قد يحدث ويأتي شخص صاحب ذوق، ويريد أن يكتب شيئًا، لكنّه لا يملك المصدر اللازم لذلك العمل، فيقرّر التقليد ويأتي بأشياء من هنا وهناك، ومن كلّ وادٍ عصا وينتج شيئا ما. أَلَيْس هذا نقصًا فينا؟[1].

 

املأوا الفراغ بالترجمات الجيّدة

في مقولة القصّة والرواية نفسها،... تعلمون أنّني مهتم إلى حدٍّ ما بهذا الموضوع. واقعًا، إنّ أيدينا فارغة. ليس لدينا داخل بلدنا أيّ عمل كبير. الأعمال الكبرى في هذا المجال موجودة في البلاد والشعوب الأخرى، ونحن لا نملك شبيهًا لها، لا شبيه لما للفرنسيّين، ولا للروس، ولا لبعض الشعوب الأخرى. وهذه فراغات ينبغي أن تُملأ. وإلى أن تُملأ، يمكننا الاستفادة من الترجمات الجيّدة[2].


 


[1] في لقائه وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي ومسؤولي الوزارة، 25/11/1992م.

[2] في لقائه المدير التنفيذي والمسؤولين في مركز التربية الفكرية للأطفال والناشئة، 27/7/1992م.

 

72


50

الفصل الثالث: نقد الوضع القائم

مستعدٌّ لأوجّه الشكر مئة مرّة

طبعًا، إنّ مستوى توقّعاتي ليست بهذا الحجم الكبير أيضًا، بحيث تقولون إنّ كلّ ما هو دون مستوى "البؤساء" مرفوض، فإذا ما ألّف أحدٌ اليوم في هذا البلد قصّةً، وكانت أقلّ من مستوى "البؤساء" بدرجتين، فإنّني مستعدّ لشكره مئة مرّة. لكن حتّى هذا المستوى للأسف، ليس متوفّرًا لدينا[1].

 

جِدُوا وترجموا

إنّنا في مجال الأدب، نعاني شُحًّا كبير في الكتب، وفي مجال القصّة والفنّ هناك أيضًا نقصٌ كبير. وكذلك الأمر في مجال الرواية والترجمات الراقية، لا يمكن القول: إنّ كلّ هؤلاء الكتّاب الكبار الموجودين اليوم (في العالم) الّذين يمارسون الكتابة، يكتبون الروايات، والقصص، حتّى التحقيقات التاريخية، سوف تأتي كتاباتهم جميعًا ضدّنا. لا، فهناك الكثير ممّا يمكن أن ينفعنا، ينبغي العثور على هذه الكتابات وترجمتها. لقد نُشرت هذه الأيّام رواية باسم "بطرسبرغ"، من مجلّدين أو ثلاثة، للكاتب "ألكسي تولستوي". هذه الرواية، رواية قوية جدًّا في عرض سيرة بطرس. برأيي، إذا ما ترجمَ مترجمٌ قدير هذا الكتاب، فإنّه يمكن أن يكون كتابًا مفيدًا، حتّى بالنسبة إلى أدب مجتمعنا الحالي، إلا أنّه لا يجري الأمر على هذا النحو[2].


 


[1] في لقائه المدير التنفيذي والمسؤولين في مركز التربية الفكرية للأطفال والناشئة، 9/11/1997م.

[2] في لقائه مجمع ممثّلي طلاّب وفضلاء الحوزة العلمية في قم، 28/11/1989م.

 

73


51

الفصل الثالث: نقد الوضع القائم

التأخّر في كتابة النصوص المسرحية

كان في اليونان، قبل ميلاد المسيح، كتّاب مسرحيّون، وهناك نصوص مسرحية لا تزال موجودة إلى الآن وقد طُبعت أيضًا باللغة الفارسية، وتُرجم بعضها، وقد قرأت بعضها أيضًا. منذ ذلك الوقت، لا تزال كتابة النصوص المسرحيّة تنمو وتتطوّر في محيط أدب الثقافة الغربي، ونحن الآن لا نمتلك هذا الفنّ. ينبغي لنا الإسراع في اللحاق بالركب[1].

 

هل الطهرانيون وحدهم هم الكتّاب؟

لقد نظرت فرأيت أنّ معظم هذه الكتابات تتناول فيلق محمّد رسول الله،... ولا خبر عن الفيالق الأخرى الّتي كان لها كلّ هذه الأدوار في الحرب. لقد انبرى السادة الطهرانيّون وذهبوا إلى الجبهة، واستقرّوا في فيلقهم، بعدها عادوا وكتبوا هذه الكتابات. في ألوية أصفهان، لواء النجف، ولواء الإمام الحسين عليه السلام ، ولواء النصر ـ مشهد ـ ولواء الإمام الرضا عليه السلام ، ولواء ثار الله، ولواء الفجر، والألوية المتنوعة المنتشرة في كلّ مكان، عالمٌ من الثورة والحماسة، فما هو السبب الذي يمنعهم من أن يكتبوا؟[2].


 


[1] من خطبة له في مراسم الذكرى السابعة لتأسيس منظمة الإعلام الإسلامي، 22/6/1988م.

[2] في لقائه أعضاء مكتب الأدب والفنّ المقاوم التابع للدائرة الفنّية في منظمة الإعلام الإسلامي، 13/7/1992م.

 

74


52

الفصل الثالث: نقد الوضع القائم

أدب ضدّ الحرب

لقد صدرت في بلدنا هذا، الّذي هو ــ وبحسب قولكم ــ منبع الأدب المقاوم، كتابات أدبيةٌ ضدّ الحرب من قبل أناس مغرضين. ففي سنة 82 و83 م كتب ذلك السيّد... كتاب الأرض المحروقة، الّذي هو ضدّ الحرب تمامًا، وليس فيه أيّ أفكار ثوريّة. كما أنّ له كتابًا آخر ضدّ الثورة... رواية طويلة مؤلّفة من ثلاثة مجلّدات. لا أريد الآن أن أذكر اسمه، فمن لم يسمع به إلى الآن، فليبقَ دون أن يسمع به. لقد تعجّبت عندما رأيت في إحدى صحفنا أنّ أحد الإخوة كتب كتابًا في أدب الحرب، وقدّم كتاب "الأرض المحروقة" في مقدّمة الكتب الّتي صُنِّفت تحت عنوان أدب الحرب! لماذا ينبغي أن يكون الوضع على هذا النحو؟..[1].

 

أن يكون الكتاب.. أن يُروّج له ويسوّق

من الأعمال الكبرى والمهمة على صعيد المجتمع أن تتّسع رقعة الدعاية والترويج المتعلّقة بالمطالعة. نحن نرى اليوم كيف يروّج أصحاب البضائع القليلة الأهمية، التي لا تأثير لها في حياة البشر لبضائعهم بطريقة لافتة عجيبة ومدهشة. فأجهزة الاتصال العام والمطبوعات والتلفزيون والإذاعة تبثّ تلك الدعايات في حين أنّ تلك المنتجات ليست ضرورية إطلاقًا ولا


 


[1] في لقائه كتّاب وفناني المجمع الفنّي في منظمة الإعلام الإسلامي، 23/5/1998م.

 

75


53

الفصل الثالث: نقد الوضع القائم

لزوم لها، بل هي إضافة إلى حياة الإنسان[1]. فأحيانًا، وجودها يكون مفيدًا وأحيانًا لا يكون مفيدًا البتّة. بل قد يكون مضرًا. ونتاجٌ بعظمة الكتاب وقيمته جديرٌ بأن يروّج له ويرغَّب فيه من يمكنه مطالعته، هذا ما ينبغي أن نحوّله إلى عادة[2].

 

مؤشّر الكتاب العددي متدنٍّ

وأنا أقول نحن في بلدنا ومجتمعنا لسنا راضين عن هذه الحالة الموجودة في هذه المجال. صحيحٌ أنّ مقدار ما يُنتج من كتبٍ في هذه الأيام يفوق بكثير ما كان في السابق، ولعلّه يزيد أضعافًا، سواء من حيث العناوين أم النُسخ. ولكن هذا ليس كافيًا. فمثل هذه الأمور لا تتناسب مع بلدنا. ويجب العمل حتى يصبح الكتاب شريكًا مقبولًا في سلّة مشتريات العائلة، وذلك لكي يُقرأ، لا لتزيين غرفة المكتبة وعرضها على هذا وذاك. وهذه نقطة ترتبط بقضية المطالعة في المجتمع[3].

 

الأيادي الخفيّة وراء الكتب المضرّة

على منتجي الكتاب أن يلتفتوا إلى هذه المسألة. ففي إنتاج الكتاب، سواء بمعنى إيجاده أو ترجمته أو بمعنى نشره وعرضه على هذا وذاك يجب النظر إلى الاحتياجات والفراغات الموجودة في المجتمع، تلك الفراغات والاحتياجات الفكرية ينبغي أن


 


[1] كمالية أو على هامش حياة الإنسان. (المحرر)

[2] من كلمة السيد الخامنئي في لقاء مسؤولي المكتبات 20-7-2011م.

[3] المصدر السابق.

 

76


54

الفصل الثالث: نقد الوضع القائم

تُحدّد ويُختار منها ما ينبغي سدّه وتوفيره. نحن نرى فيما يتعلّق بالكتاب وسُوقه أنّه أحيانًا تُتَبع خطوات متلازمة مع الانحراف، وخصوصًا بما يتعلّق بالقضايا المضرّة لذهنية المجتمع والبلد سواء من الناحية الأخلاقية أو الدينية والاعتقادية أو السياسية. يشاهد المرء بوضوح في سوق الكتاب وفي عالمه أياديَ ناشطة، تجلب أشياء وترجمات لأغراضٍ سياسية. وإن كانت في ظاهرها ثقافية، لكنّها في باطنها سياسية[1].

 

ظاهرة ثقافية لكنّها في الواقع سياسيّة

أقول لكم إنّ الكثير من الأعمال التي تندرج تحت المقولة الثقافية في بلدنا والتي يروّجها الأجانب والأعداء والمخالفون للإسلام والنظام الإسلامي، هي بالظاهر ثقافية ولكنّها في الباطن سياسية، هذا ما يشاهده المرء. فالفئة العاملة على الكتاب، سواء أنتم أمناء المكتبات أم مديروها، وسواء أولئك الذين يعملون في وزارة الإرشاد ويتحمّلون مسؤولية هذا العمل أو الناشرون المحترمون، على الجميع الالتفات والاهتمام بنشر المواد المفعمة بالمعنوية السليمة والمفيدة والمقوّية على صعيد المجتمع. واليوم، ولحسن الحظ، فإنّ مستوى التعليم وإمكانية الاستفادة من الكتاب أضحت وسيعة وشاملة، فيجب الاستفادة من هذه الإمكانية[2].

 

 


[1] المصدر السابق.

[2] المصدر السابق.

 

77


55

الفصل الثالث: نقد الوضع القائم

يجب رفع المؤشرات العددية للطباعة

إنّني أريد أن أستفيد من هذا اللقاء في يومنا هذا لأجدّد الميثاق بما يتعلّق بقضية الكتاب والمطالعة والكتاب الجيّد والمفيد والسليم من أجل البدء بحركة جديدة من قبل جميع المسؤولين في البلاد، ومن قبل واضعي الخطط والبرامج، ومن قبل المنتجين، وصولًا إلى أولئك الذين يبلّغون ويهتمّون بالكتاب، والمعنيين بعالم الكتاب من الشباب وغيرهم، فليكن لنا نظرة جديدة. إنّ طباعة ألف نسخة أو ألفين أو ثلاثة آلاف وأمثالها من النسخ لا تليق بدولة يبلغ تعداد سكانها 75 مليونًا مع كل ما فيها من شباب ودوافع. يجب أن تبلغ الطباعة أضعاف ذلك. وهنا، لحسن الحظ يجد المرء في بعض الحالات كتبًا تُطبع بأعدادٍ كبيرة، لكن في الوقت نفسه، عندما ننظر إلى المعدل العام لن يكون الأمر مُرضِيًا ومُقنعًا. يجب البدء بحركة جديدة[1].

 

الإحصاء المتدنّي للمطالعة

على كلّ حال إنّني أشكر كلّ من يتحمّل مسؤولية الكتاب وأرجو أيضًا أن يُنظر بصورة أكثر جدّية إلى قضية الكتاب. فلنعمل على أن تصبح المطالعة أمرًا رائجًا، وأن لا يبتعد الكتاب عن أيدي شبابنا. إنّ ما يُقال من أنّ معدّل ساعات المطالعة اليومية هو هذا المقدار ليس رقمًا مُرضيًا[2].


 


[1] المصدر السابق.

[2] المصدر السابق.

 

78


56

الفصل الثالث: نقد الوضع القائم

إنتاج الكتاب في الأولويّة...

ارتفعت في السنوات الأخيرة، نوعيّة المنشورات والكتب، وازدادت أعدادها، وتنوّعت مواضيعها، ولم تعد قابلة للمقارنة مع الماضي، لكنّنا لا نزال بعيدين عن الوصول إلى الهدف المطلوب. على وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي: الأجهزة الحكوميّة، والمهتمّين، أن يولوا موضوع الكتاب الأهمّية، ويتابعوا مسألة إنتاج الكتب بجدّيّة[1].

 

 

 


[1] من كلمة السيد الخامنئي أثناء زيارته لمعرض الكتاب الدولي في طهران 10/5/2011م.

 

79


57

الفصل الرابع: ما العمل؟

بيان الثورة والحرب بلغة الفنّ

في الحقيقة، الثورة من الحوادث الّتي لا يمكن بيانها على الإطلاق إلاّ بلغة الفنّ. فعلى سبيل المثال، كيف يمكن لشخص أن يصوّر في تأريخ ما، وضع سجون النظام البهلوي؟ هذا الأمر غير متيسّر في الكتابة التاريخية على الإطلاق، وليس لأحد صبرٌعلى قراءة هذه الأمور في كتب التاريخ. وبغير القصّة والشعر – ولا سيّما القصّة - لا يمكن تبيان هذه الأمور. وكذلك أحداث الثورة، لا تُبيّن سوى في القصّة والأعمال الفنية. لذا، كان ينبغي لقصّة الثورة أن تُكتب.

 

يمكنكم الآن أن تكتبوا قصّة الثورة، وينبغي لكم الآن أن تكتبوها. لا يصحّ أن تُكتب قصّة الثورة في الأزمنة اللاحقة. مثلما أقول لكم إنّ قصّة الحرب أيضًا يجب أن تُكتب الآن. في زمن الحرب يمكن لذكريات الحرب أن تُكتب، وهو ما قد فعلتموه، لكنّ قصّة الحرب أمر آخر. فالفنّان الّذي يريد أن يؤلّف قصّة من هذه الحادثة، يجب أن يكون مطّلعًا على الأجواء حتّى يمكنه الإفادة من العناصر كافّة... وهذه هي، أساسًا، خاصّية العمل الفنّي. ينبغي له أن يقتفي في هذه القصّة آثار قضايا الثورة

 

82


58

الفصل الرابع: ما العمل؟

وبصماتها كلِّها. تحدث حادثة في زقاق ما، تحدث حادثة في بيت ما، لكنّ هذه لوحة مصغّرة عن تلك الحادثة الكبرى الّتي حدثت في كلّ أنحاء البلاد[1].

 

اجعلوا من النقاط المتألّقة مواضيع للأعمال الفنيّة

ينبغي أن تُجعل قضايا الثورة المختلفة والحائزة أهميّة كبيرة موضوعات لأعمالنا الفنيّة. أحيانًا يرى الإنسان أنّ كاتب القصّة، أو كاتب المسرحية، أو صانع الفيلم اليوم، عوض أن يلتفت إلى مسائل الثورة الأساسية ويخرجها بقالب فنّي، نراه يقتفي المسائل الثانوية أو المضرّة أحيانًا، الّتي لا ينبغي أن تُطرح أساسًا. فملاحظة عيوب الثورة وأوجاعها، وتكبيرها وتظهيرها، وصبغها بالطابع القصصي وعرضها، لا يقدّم أيّ خدمة للثورة. إنّ نقاط قوّة الثورة وتألّقها أكثر من نقاط الضعف والنقص والحرمان. لا يمكنكم أن تجدوا أيّة ثورة خالية من المتاعب والآلام والمشقّات. فحالات التحوّل لا تخلو من هذه الأمور. ينبغي للروح الفنيّة الموجودة اليوم، سواء أكانت شعرًا، أم فيلمًا، أم مسرحيةً، أن تعثر على أدقّ المسائل الممكنة في هذه الثورة، وأكثرها إنسانية، وسموًّا ورقيًّا، وتخرجها إلى حيّز عمل منظّم، وهذا ممكن تمامًا[2].

 

 


[1] في لقائه كتّاب وفنّاني المجمع الفنّي في منظمة الإعلام الإسلامي، 23/5/1998م.

[2] من خطبة له في الذكرى السابعة لتأسيس منظمة الإعلام الإسلامي، 22/6/1988م.

 

83


59

الفصل الرابع: ما العمل؟

الآخرون قاموا بهذا العمل

قلت يومًا لأحد الكتّاب الجيّدين، اذهب إلى أحد المراكز الصحيّة التابعة لمؤسّسة الجرحى، اذهب وارتدِ اللباس الأبيض كالممرّضين، واخدم في ذلك المركز الصحّي، وأنا أحصّل لك إذنًا. اذهب وامكث هناك مدّة شهر، فرّغ وعاء الجريح، أطعمه بيدك، اجمع ملاءته، وتعرّف إلى معاناته ومشاكله، وأعرف من هو الجريح. أنا وأنت لا نعرف من هو الجريح وماذا يعاني. إنّنا نرى جسد الجريح، لكن كيف لنا أن نعرف أحاسيسه!. قلت، اذهب وتعرّف على الجريح بتلك النظرة الفنّية، ومن ثمّ ارجع واكتب رواية عن مشاعر الجريح وأحاسيسه، وخفّف بهذه القصّة آلامه وبلسم جراحه كما فعل الآخرون، في مثل ذلك الكتاب[1] الّذي كتبه الروس[2].

 

مهما فعلنا وأنفقنا فليس بالكثير

كنت أقرأ مؤخّرًا مقابلة مع السيّدين بهبودي وسرهنكي. هذان السيّدان يريان أنّه يجب توثيق أحداث مرحلة الدفاع المقدّس، وتبيينها، والاستشهاد بها، حتّى تُنتج الآثار الفنية على أساسها، وهذا صحيح تمامًا. باعتقادي مهما استثمرنا وعملنا على (توثيق) فترة الدفاع المقدّس، فليس بكثير، ذلك أنّ القابليات الفنيّة والأدبية للبلاد من أجل تبيين هذه المرحلة


 


[1] قصّة إنسانٍ واقعيّ، بقلم بوريس نيكلا يوفيتش، بوليفيا (1908م).

[2] في لقاء المسؤولين الثقافيّين في مؤسّسة شهيد الثورة الإسلامية،24/5/1988م.

 

84


60

الفصل الرابع: ما العمل؟

كبيرة جدًّا، وواسعة وعميقة، ولم يُستفد منها إلى الآن الاستفادة المطلوبة واللائقة. طبعًا، أُلّفت كتب جيّدة، لكن ينبغي لهذا الفرع التخصّصي أن يستمرّ... إنّني واقعًا أقدّر جهود السادة، وأُصرّ حتمًا على الاستمرار في هذا المجال وهذه السلسلة، وعلى متابعة مكتب أدب وفن المقاومة أعماله بشغف وجدّيّة أكثر إن شاء الله، وكذلك متابعة الأصدقاء الفنّانين الّذين ألّفوا في هذه السنوات آثارًا، هي - بحق وإنصاف - آثارٌ قيّمة. بعض الأصدقاء أيضًا - وللإنصاف - قد تطوّروا. عندما أقارن القصّة أو الخاطرة الّتي كتبها بعض الأصدقاء الفنّانين اليوم، بالآثار الّتي كانت قبل ثماني عشرة سنة، أرى فرقًا شاسعًا، أي أنّهم واقعًا قد تطوّروا. والآثار الفنيّة الّتي يقدّمها هؤلاء اليوم ذات قيمةٍ عالية[1].

 

إظهار ما لا يراه حتّى الشهود

لقد رأيت بأمّ العين أحداثًا، ربّما تعجز العين المادية عن إدراكها، لكنّني عندما أعاود مشاهدة تلك الأحداث، بعد أن حرّرتموها أنتم الفنّانون، فبيّنتموها إمّا في قالب المسرح، وإمّا بلغة القصّة، أرى كم كانت أحداثًا عجيبة، وأبدأ بإدراكها من جديد. لذا، باعتقادي أنّ دور الفنّان المسلم دورٌ هامّ جدًّا[2].


 


[1] في لقائه جمعًا من روّاد الجهاد والشهادة ورواة الذكريات في مكتب الأدب والفنّ المقاوم التابع للدائرة الفنّية في منظمة الإعلام الإسلامي، 22/9/2005م.

[2] في لقائه أعضاء مكتب الأدب والفنّ المقاوم التابع للدائرة الفنّية في منظمة الإعلام الإسلامي،16/7/1991م.

 

85


61

الفصل الرابع: ما العمل؟

جعبتنا خالية من القصّة

إذا كان نصف ما تنشرونه قصصًا فقط، وكانت قصصًا جيّدة، فلا إشكال في ذلك. إنّنا وللأسف من هذه الناحية، متأخّرون جدًّا جدًّا. من الأشياء الّتي أتحسّر عليها دومًا هي أنّنا لأسباب معيّنة، وطبعًا هذه الأسباب واضحة بالنسبة إليّ، بقينا محرومين إلى حدّ كبير من استخدام الفنّ في إبلاغ رسالات الثورة وقيمها، أي أنّ ذلك القدر اللائق لم يتحقّق. والشيوعيون كانوا من هذه الناحية متقدّمين علينا... هكذا زيّنوا قيمَهم الكاذبة والزائفة من خلال الفنّ الأصيل والرفيع، وعرضوها. لماذا نَحرِم، نحن، قيمنا الحقيقيّة الصادقة من هذا الأمر الهامّ؟ في الواقع، ينبغي العمل على هذا الصعيد[1].

 

القصّة أكثر جاذبية من الموسيقى

التفتوا، إنّ الرواية الّتي يُطبع منها مئتي ألف نسخة على عدّة دفعات، إنّما ذلك بسبب الفراغ الحاصل في مجال الرواية. للميول النفسانية والشهوانية، الّتي تجذب القلوب والأرواح، علاج في مكان ما، وهو في مقولة الفنّ. إذا عملتم عملًا فنّيًا مقابلًا تمامًا لتلك الميول، فهذا هو المورد الاستثنائي الوحيد الّذي يمكنه أن يجذب القلوب. لمَ؟ لأن للفنّ نفسه جاذبية... القصّة أيضًا من الأطر الفنّية الجيّدة، وهي أكثر جاذبيّة من


 


[1] في لقائه أعضاء هيئة التحرير في مكتب نشر الثقافة الإسلامية، 8/5/1995م.

 

86


62

الفصل الرابع: ما العمل؟

الموسيقى. الموسيقى تتعب الإنسان، أمّا القصّة، فهي الشيء الّذي لا يتعب الإنسان في أيّ وقت من الأوقات[1].

 

أيكون مجتمع من دون كتابة القصّة؟

انطلاقًا من هذا الرأسمال الّذي صنعته لنا الحرب، ...فلنُعِد الآن إحياء فنّ كتابة القصّة في إيران. وبالنهاية، لقد أوجبت الحرب على من يريد كتابة ذكرياته، أن يذهب - على حدّ تعبيركم - ويقرأ عدّة روايات ليتعلّم كيفيّة كتابة الوقائع والأحداث. لو لم يشهد الحرب لربّما لم يفكّر في الكتابة على الإطلاق، لكن، بما أنّ هذا الاستعداد قد تحقّق الآن، حسنًا، فلنستفد منه. هذا الاستعداد الكبير الّذي نراه، يصف الحرب ويصوّرها جيّدًا. واقعًا، إنّ الصور الموجودة في كتابات هؤلاء السادة، ...قد بُيّنت بشكل جيّد جدًّا بحيث يلتذّ الإنسان بها، وهذا يشير إلى أنّ استعدادًا يتأجّج هنا. فلنوظّف نحن الآن هذا الاستعداد في خدمة كتابة قصّة مجتمعنا. هذا البلد بحاجة إلى كتابة القصّة. أيمكن أن يكون هناك مجتمع من دون كتابة القصّة؟[2].


 


[1] في لقائه المدير التنفيذي والمسؤولين في مركز التربية الفكرية للأطفال والناشئة، 9/11/1995م.

[2] في لقائه أعضاء مكتب الأدب والفنّ المقاوم التابع للدائرة الفنّية في منظمة الإعلام الإسلامي، 13/7/1992م.

 

87


63

الفصل الرابع: ما العمل؟

القصّة من أجل بيان التاريخ

لا يمكن لأيّ بيان أن يضاهي القصّة في عرض التاريخ. عندما نتكلّم عن التاريخ بلغة غير فنّية، فكأنما نلتقط صورةً لمدينة من ارتفاع عشرة آلاف قدم. من الطبيعي أن تظهر أبعاد المدينة وشوارعها الرئيسة، لكن ماذا يصنع الناس هناك: هل أوضاعهم جيّدة؟ سيّئة؟ فقراء؟ أغنياء؟ مرتاحون؟ نائمون؟ يتخاصّمون؟ لا شيء معلوم على الإطلاق. التاريخ يصوّر مدينةً من ذلك الارتفاع، من عشرة آلاف قدم، ويرينا إيّاها! قد تدخل مدينةً يومًا ما. طبعًا لن تستطيع رؤية طرقات المدينة كلِّها، لكنّك تقصد زقاقين أو ثلاثة من أزقّتها، تتكلّم مع أهلها، تلتقط صورًا للبيوت، وللغرف، ولألعاب الأطفال، ولأمّ تطبع قبلةً على وجنة ابنها... تصوّر هذه الأمور كلّها وتضعها في صورة أمامنا. طبعًا هو زقاق واحد وشارعان، لا كلّ المدينة، لكن يمكن التعميم. هذه هي لغة الفنّ في التاريخ. القصّة هي هذه. لا بيان كبيان كتاب شولوخوف المعروف "الدون الهادئ"، يمكنه أن يُعرِّف بثورة أكتوبر. فقد ذهب إلى منطقة واحدة من مناطق القوقاز، ومن هناك شرح لنا أمورًا، لكنّ القرى جميعها هي مناطق قوقازية لا فرق بينها. في "سيبيريا" أيضًا، القضية نفسها. إنّه ينقل إلينا الأحداث، فنرى الثورة عن قرب. كتاب "درب الآلام" أيضًا كذلك... هذه الكتب تُبيّن جزئيات الأمور[1].


 


[1] في لقائه وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي ومسؤولي الوزارة، 20/5/1996م.

 

88


64

الفصل الرابع: ما العمل؟

القصّة وسيلة إعلام الثورة

إحدى وسائل الإعلام في الثورات والنهضات التحرّريّة الكبرى في العالم، هي الرواية والقصّة نفسها... لهذه الثورات قصصٌ جيّدة جدًّا... لقد بيّنوا الجماليّات بأفضل وجه... وفي قوالب راقية جدًّا. ... عندما أقرأ هذه الكتب... وأقارنها بثورتنا، أرى أنّ ثورتنا تحوي مشاهد أكثر رقيًّا، وعظمةً، وحماسةً، وجمالًا يمكن بيانها وعرضها. في الحقيقة، إنّ فنّانينا مسؤولون، وينبغي أن يلبّوا هذه الحاجة. عليهم أن يفتّشوا عن هذه الجماليات الّتي يمكنهم رؤيتها أكثر من الناس العاديّين، أن يشاهدوها ويظهروها للناس[1].

 

الرواية جامعة لكلّ مواصفات البيان الفنّي

من بين أساليب البيان الفنّي، نجد الرواية إجمالًا، هي الأسلوب الّذي يجمع المواصفات المتنوّعة أكثر من غيرها، حتّى أكثر من السينما على سبيل المثال. ...في الوقت نفسه، ثمّة تفاوت بين الاستنتاج من الفيلم والاستنتاج من الرواية. للفيلم محدودية لا يمكن معها بيان كلّ الأمور.

 

انظروا، كم فيلمًا أُنتج حتّى الآن انطلاقًا من كتاب فيكتور هيغو "البؤساء". في بلدنا إيران، عرض التلفزيون إلى الآن فيلمين أو ثلاثةً عنه. لقد قرأت رواية "البؤساء" عدّة مرّات،


 


[1] من خطبة له في الذكرى السابعة لتأسيس منظّمة الإعلام الإسلاميّ،22/6/19982م.

 

89


65

الفصل الرابع: ما العمل؟

وشاهدت أيضًا هذه الأفلام بشوق، لكن شتّان بين الرواية وهذه الأفلام. لا مجال للمقارنة هنا[1].

 

الرواية تبقى

لا تزال روايات القرن التاسع عشر إلى الآن، أفضل روايات عصرنا. لقد أُلّفت في القرن التاسع عشر روايات ليس لها نظير. وقد كُتبت روايات في فرنسا، وروسيا، وحتّى في إنكلترا، لم يُؤتَ بمثلها إلى الآن. إذًا، الرواية تبقى، ولها امتدادها، ولها أيضًا بيانٌ وتوصيف استثنائي ودقيق. أخبروني، في أيّ فنّ من الفنون الأخرى يمكنكم أن تجدوا هذه الخصائص؟ هذه الخصائص غير موجودة في الموسيقى، ولا في السينما، ولا في المسرح، ولا في الشعر. لا يمكن إيجاد شيء مماثل للرواية على الإطلاق، تُتَرجم، وتنتشر في كلّ مكان، وتبقى، ولا تبور[2].

 

هذه الأسباب، مدعاة لوجود الرواية

لقد ذكرت أمامكم مرارًا مثال روايات ثورة أكتوبر. أحدها كتاب "درب الآلام" لـ "ألكسي تولستوي" الّذي يعتبر كتابًا استثنائيًا. هناك أيضًا "الدون الهادئ" لـ "شولوخوف". هذه كتب ثورية، وكتاب "قلب الكلب" وهو كتاب معارض لثورة أكتوبر.


 


[1] في لقاء له بلجنة أدب الحرب التابعة لمؤسّسة المستضعفين وجرحى الثورة الإسلامية، 17/10/1993م.

[2] في لقائه لجنة أدب الحرب التابعة لمؤسّسة المستضعفين وجرحى الثورة الإسلامية، 17/10/1993م.

 

90


66

الفصل الرابع: ما العمل؟

انتقوا عدّة أشخاص وضعوا أمامهم هذه النماذج وقولوا: نريد أن نكتب مثل هذه القصص عن الثورة، على أن يجري التعريف بالثورة والإمام بشكل حقيقيّ. ضعوا أمامهم ذكريات الحرب هذه الّتي كتبها المجاهدون. برأيي، يمكن أن تُستخرج منها رواية مطوّلة وجذّابة. أمهلوهم مدّة ثلاث سنوات. وتعهّدوا نفقاتهم كلّها. تابعوهم وانظروا إلى أين تصلون، ربّما تحقّقون نتيجة. في النهاية، هل سنرى في بلدنا روايتين أو ثلاث روايات طويلة ومقبولة، يمكن أن تصدر وتسدّ الفراغ؟

 

من غير المقبول لإيران مع كلّ هذه الدواعي وهذه الثقافة والنتاج الثقافيّ أن تبقى من دون رواية. وهذا العمل ينبغي أن يتحقّق. ما زالت الساحة خالية إلى الآن، ولقد قام بعض الناس من التافهين ومثيري القلاقل... وقدّموا أنفسهم كروائيّين كبار، وقد مدحهم أيضًا أعداء الثورة. ذلك الشخص، فور صدور كتابه، أُرسلت إليه الرسائل من مئات الأماكن تُخبرِهُ بأنهم قرأوا كتابه وقالوا: "بَخ، بخ، لقد استمتعنا بقراءته"، في حين أنّ كلّ هذه الإشكالات من الناحية الفنيّة وغيرها ترد على هذا الكتاب! بالمحصّلة، عليكم أنتم القيام بهذا العمل[1].

 

ترجمة الروايات الجيّدة

بين يديّ رواية كنت أنظر فيها وأطالعها في الأيّام الأخيرة. كتابٌ من ستّ مئة صفحة، مسلٍّ جدًّا وجذّاب وفي غاية الأهمّية


 


[1] في لقائه المدير التنفيذي والمسؤولين في مركز التربية الفكرية للأطفال والناشئة، 9/8/1997م.

 

91


67

الفصل الرابع: ما العمل؟

من الناحية الفنّية، لكنّه مخالف تمامًا لما نعمل عليه في معارفنا. إنّني قطعًا لا أجوّز للشباب قراءة هذا الكتاب، لكنّه يُطبع، وتُباع منه نسخٌ كثيرة. ما الضير في أن نعثر على رواية جيّدة، فنترجمها ونطبعها؟ رواية جذّابة، وخالية من الإشكال، فيقرأها شبابنا[1].

 

ترجمة الكتب إلى اللغات الأخرى

إنّ الترجمة أمرٌ هامّ جدًّا، بيد أنه ينبغي أن تحصل بذكاء. عندما كنت أقرأ أحيانًا هذه الكتب (إصدارات مكتب أدب وفن المقاومة التابع للدائرة الفنّية) كان يخطر ببالي: أننا إذا أردنا مثلًا أن نعدّ ترتيبًا لإرسال الكتب المترجمة الخاصّة بالحرب، فعلينا أوّلًا أن نرسل كتابًا صغيرًا، بمسحة لا تُبرز الجانب الإيراني كثيرًا، وبأسلوب وكتابة جيّدين وقد روعيت الجودة في طباعته، فنرسله، وننشره للقراءة. بعدها، إن ألِفت الأذهان هذا العمل، نرسل كتابًا آخر ... وكلّ كتاب يفتح طريقًا للكتاب التالي، حتّى نصل إلى الكتب المفصّلة والذكريات الأطول[2].

 


[1] في لقائه مسؤولي وأعضاء مؤسّسة الأبحاث الإسلامية التابعة للأستانة الرضوية المقدّسة، 5/4/1987م.

[2] في لقائه أعضاء مكتب الأدب والفنّ المقاوم التابع للمجمع الفني في منظمة الإعلام الإسلامي، 13/7/1992م.

 

92


68

الفصل الرابع: ما العمل؟

قناة وحدة المجتمعات الإسلامية

يُشاهد وللأسف، أنّ بعض السياسات تترصّد نقاط الاختلاف، حتّى أنّها تختلقها، لإيجاد الشقاق بين الفرق الإسلامية. يمكن للكتاب أن يشكّل رسالة الوحدة بين الفرق الإسلامية. كم هو جميل أن ننقل الكتب الإسلامية من العالم الإسلامي، وعن مفكّري الإسلام، وعن أصحاب الأقلام البارزة، إلى اللغة الفارسية ونجعلها بين كتبنا في مكتبتنا الوطنية، وننقل الكتب الإسلامية وما يرشح عن عقول مفكّرينا وكتّابنا البارزين وعلمائنا، من داخل مجتمعنا إلى اللغات الإسلامية الأخرى، ليمكننا إيجاد قنوات للوحدة بين المجتمعات الإسلامية، بالتأكيد فإنّ هذه حركة ثقافية، وهي أيضًا حركة ضدّ الاستعمار[1].

 

الكتب الّتي ليست لدينا

أرجو من المفكّرين في بلدنا أن ينظروا إلى مسألة نشر الكتاب الجيّد والمطلوب وإنتاجه، كحاجة ملحّة وفورية لمجتمعهم وبلدهم. إنّنا وإن كان لدينا - بحمد الله - كتب جيّدة في مجتمعنا، لكنّنا نُعاني فراغًا ونقصًا كبيرين. كثير من الكتب غير موجودة عندنا. وهناك الكثير من الموضوعات ليس لدينا شيءٌ عنها، أو إن كان لدينا شيءٌ فهو غير قابل للعرض. في الوقت الّذي يحظى الآخرون في البلدان الأخرى، بعشرات الآلاف من عناوين الكتب


 


[1] من خطبة له في المراسم الافتتاحية لمعرض طهران الدولي الأوّل للكتاب، 4/11/1987م.

 

93


69

الفصل الرابع: ما العمل؟

والمؤلّفات في المواضيع المختلفة، لا يتجاوز عدد كتبنا في هذه المواضيع أصابع اليد ... إنّ عدد كتبنا قليل، حتّى في المواضيع الّتي لدينا ريادة وخبرة فيها ومجالات كثيرة من الاطّلاع والعلم والحقيقة، إنّنا في الماضي لم نقدِّم عملًا لائقًا في مجال طرح المواضيع اللازمة. وقد نظرنا إلى الكتاب كشيء كمالي وشكليّ ومختصّ بجماعة معيّنة، لا كوسيلة لازمة وضروريّة لكلّ الناس.

 

علينا أن نجبر هذا النقص، فهناك حملٌ ثقيل ملقىً على الأرض هو في عهدة المؤلّفين والمحقّقين والكتّاب والفنّانين، وهو أيضًا بعهدة القيّمين على إعداد وتأليف الكتب ونشرها والأجهزة الّتي تدعمهم[1].

 

الأولويّة

أمّا بالنسبة إلى الأولوية، فتّشوا أولًا عن الكتب السياسية، والكتب الأدبيّة، والكتب الفنّيّة والكتب الّتي تجذب أفكار الشباب، واجمعوها. أساسًا، ضعوا الإعلانات واطلبوا من المترجمين والمؤلّفين أن يسلّموكم ترجماتهم ومؤلّفاتهم، ومن ثمّ اطبعوها[2].

 

افترضوا أنّه جرى اليوم على صعيد الساحة العالمية تحديد أيّة مسألة من مسائل الثورة الّتي إن عرضناها أمام العالم،

 

 


[1] من خطبة له في المراسم الافتتاحية لمعرض طهران الدولي الأوّل للكتاب، 4/11/1987م.

[2] من كلام له أثناء لقائه مسؤولي وأعضاء مؤسّسة الأبحاث الإسلامية التابعة للعتبة الرضوية المقدّسة،5/4/1987م.

 

94


70

الفصل الرابع: ما العمل؟

فسوف يلتفتون أكثر إلى حقّانية الثورة، وسوف يؤدّي ذلك إلى شدّة الانجذاب إليها. إنّ العثور على مطالب كهذه هو الفنٌّ بذاته. فليجلسوا وليفتّشوا من خلال رحلات السفر، والمطالعة، وقراءة الكتب، وقراءة المجلّات وقراءة الدعايات المضادّة لنا، عن المسائل الأساسية الّتي تأتي أولًا في العالم. وبعد أن تُشخّص، ليحدّد هؤلاء المفكّرون ويعدّوا بمساعدة المفكّرين الآخرين، المطالب والمضامين اللازمة لسدّ هذا الفراغ، ومن ثمّ ليضعوا تلك المطالب بين أيدي الفنّانين، والرسّامين، والمنتجين، والشعراء، ومؤلّفي الكتب وكتّاب المسرح والقصص، ويقولوا: "اعملوا على هذه الأمور"[1].

 

لا تطوّر من دون الفنّ

لو لم تُبيّن مفاهيم القرآن السامية في هذا القالب الفنيّ الاستثنائي جدًّا، لما كانت راقية بهذا الشكل. فَهل هناك شيء أسمى من مفاهيم القرآن والتوحيد؟ إنّ الله تعالى لم يستخدم لهذه المفاهيم البيان الطبيعيّ للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم، الّذي هو أسلوب بشري، إنّما استخدم أسلوبًا إعجازيًا حتّى تبلغ جماليته حدّها الأعلى[2].


 


[1] من خطبة له في إحياء مراسم الذكرى السابعة لتأسيس منظمة الإعلام الإسلامي، 22/6/1988م.

[2] في لقاء له مسؤولي منشورات حرس الثورة الإسلامية، 10/10/19985م.

 

95


71

الفصل الرابع: ما العمل؟

اختيار أفضل الأعمال

إنّ عرضَ الكتاب، وجذبَ الناس إلى ميدان مطالعة الكتب، أمرٌ مفيد. اسعوا لأن يُهتمّ بالنوعية... وتبيين نوع الكتاب، ... والموضوعات المطروحة، كلّها مؤثّرة. ... ينبغي اختيار أفضل الأعمال من حيث طريقة العرض، الفنّ والشكل، وإذا لم يُولَ المحتوى والشكل الأهميّة، فسوف تتضرّر ثقافة البلد.

 

... وجّهوا دعوةً للفنّانين الشباب، خذوا بأيديهم وقولوا لهم: "انظروا بأنفسكم ماذا تستطيعون أن تفعلوا". فليأتوا وليطّلعوا على مشاريعكم وليُحدّد النقص.

 

من أجل إصلاح الثقافة العامّة، ينبغي نشر "الكتاب"[1].

 

لا تحلقوا رأسًا بلا صاحب

من هو مخاطبك؟ مع من تتكلّم؟ رأس من تريد أن تحلق؟ يُتداول في مدارسنا تعبير فيُقال: "فلانٌ يحلق رأسًا بلا صاحب". افرضوا مثلًا أنّ هناك رأسًا لا صاحب له، وأحدهم يعمل على حلقه، فما هي الفائدة؟! عليكم أن تعلموا مع من تتعاملون، حدّدوا فورًا جمهور قرّائكم، واسعوا إلى أن يكونوا من الشباب. للشباب طبيعة خاصّة. فإن عرضتم لهم أسمى المطالب بشكل غير جذّاب، فلن يتقبّلوها[2].


 


[1] في لقائه مسؤولي الهيئة المنظمة لمعرض طهران الدولي الأوّل للكتاب، 9/9/1987م.

[2] من خطاب له في مراسم الذكرى السادسة عشرة لتأسيس منظمة الإعلام الإسلامي، 16/6/1997م.

 

96


72

الفصل الرابع: ما العمل؟

كتب بلا فائدة

فيما يخصّ الإحصاءات المتعلّقة بالكتاب أعطوا الاهتمام الأكبر لجودة النوعية، حتّى لا تقنعوا بسرعة. يقال الآن، إنّ كميّة الكتب قد تضاعفت عما كانت عليه في الماضي. هذا ما تبيّنه الإحصاءات، والكلّ يتحدث عنه، لكن ما أخشاه أن يكون كثير من هذه الكميّات الكبيرة مواضيع لا حاجة لبلدنا إليها، وأن تكون كتبًا لا يقرأها أحد. تردني كتب كثيرة، ويرسل الناشرون والمؤلّفون إليّ بعض الكتب. من حسن حظّنا، والحمد لله أنّه يُرسل إلينا الكثير من الكتب، وأنّني حتمًا أمرّ على هذه الكتب، ولو بتصفّح أوراقها والاطّلاع على مضامينها. أرى في بعض الكتب الّتي تردني أنّها غير ذات فائدة. إنّني أضع نفسي مكان أيّ شخص، فأرى أنّ هذا الكتاب غير جذّاب، وهو من الأساس كتاب لا قيمة له ولا فائدة: إن كان كتابًا دينيًا، فهو بلا فائدة; وإن كان كتابًا سياسيًا، فهو بلا فائدة. وإن كان كتابًا اجتماعيًا، فهو بلا فائدة، وإن كان كتابًا تاريخيًا، فهو بلا فائدة ومكرّر. وقد نُشر عشر مرّات، وسوف يُنشر مرّة أخرى[1].

 

الطباعة الرخيصة

أوصي الناشرين أيضًا، أنّه وإن كان من الجيّد طباعة الكتاب بأفضل أنواع الورق والتجليد، لكن ليطبعوا بعض الكتب الّتي تجد لها مشترين كثرًا، طباعةً عامةً وشعبيةً، أي بورق أسمر


 


[1] في لقائه القيّمين على إحياء أسبوع الكتاب، 21/10/1996م.

 

79


73

الفصل الرابع: ما العمل؟

وبطباعة مقروءة وواضحة. ينبغي أن تكون الطباعة جيّدة، لكن على الورق الأسمر وتُوزّع بكثرة، حتّى تُنجز بكلفة أقلّ ويستطيع الكثير من الناس الاستفادة منها[1].

 

العمل في مجال الأطفال

أنتم أيها المربّون الأعزّاء، أنتم الّذين تلتقون الأطفال في المكتبات، أنتم الّذين تروون القصص، أنتم الّذين ترسلون الكتب، أنتم الّذين تقرأون، أنتم الّذين تتوجّهون إلى الأطفال في أعمالكم وإبداعاتكم الفنّية، اعلموا أنّكم تسيرون الآن على الطريق الصحيح والمستقيم تمامًا. إنّكم تُنجزون حقًا، العمل الّذي ينبغي أن يُنجز[2].

 

أعزّائي: ربّوا أولادًا ذوي روحية عالية. ضعوا هذا الأمر في مشاريع الكتابة، والتخييم، وفي الوصايا للمعلّمين، وفي سلوككم الشخصي. ينبغي أن يتحوّل الطفل إلى إنسانٍ مفعمٍ بالأمل[3].

 

...إحداها في مجال الأطفال، خصوصًا أدب الأطفال، الّذي حقّق العالم فيه أيضًا تطوّرًا استثنائيًا، ولم نتقدّم نحن - في الماضي - خطوة واحدةً مجاراةً لهذا التطوّر. إنّ عهد الثورة


 


[1] في حوار له مع مراسل الإذاعة والتلفزيون بعد تفقّده معرض طهران الدولي الثالث للكتاب، 9/5/1990م.

[2] في لقائه المدير التنفيذي والمسؤولين في مركز التربية الفكرية للأطفال والناشئة، 13/5/1998م.

[3] في لقائه وزير التعليم والتربية ومسؤولي الوزارة، 27/7/1998م.

 

98


74

الفصل الرابع: ما العمل؟

 فرصة جيّدة لسدّ هذه الثغرة[1].

 

عشرة أضعاف على الأقلّ

برأيي، ينبغي لنا رفع مستوى إنتاج الكتب ونشرها ووضعها في متناول الناس، إلى عشرة أضعاف ممّا هي عليه الآن. لقد أشار (وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي حينها) إلى عدد النسخ، بأن نضاعف الكميّة فتُجعل النسخ البالغة خمسة آلاف ـ مثلًا ـ خمسين ألف نسخة. طبعًا إنّ عدد النسخ مهمّ جدًّا، لكنّ المعدّل العامّ للكميّة هو مورد بحث وتأمّل، فقد يكون عدد النسخ قليلًا بالنسبة إلى بعض الكتب، وكثيرًا بالنسبة إلى بعضها الآخر[2].

 

طبعات ذات 300.000 نسخة

المهمّة التالية هي أن تتحوّل المطالعة إلى سنّة وعادة رائجة، وأن يصبح الجميع في الوطن من القرّاء. ... ولا يُخصَّص الكتاب لجماعة محدودة من أفراد المجتمع ... كان بعض الناشرين يقولون لي: شكرًا لله أنّنا نرى ثقافة المطالعة قد نمت، وأن الناس يظهرون ميلًا أكثر إلى المطالعة. ...طبعًا، إذا وصلنا إلى الحدّ الّذي أتطلّع إليه، فعندئذٍ ينبغي أن يبتدئ عدد الكتب الّتي يُنسخ منها في كلّ مرّة، ألفا نسخة وخمسة آلاف وعشرة آلاف نسخة، أن يصل العدد إلى مئتي ألف نسخة، وثلاثمائة


 


[1] من كلام له في مراسم الدورة الخامسة لاختيار كتاب العام، 8/2/1988م.

[2] في لقائه القيّمين على إحياء أسبوع الكتاب، 10/11/1997م.

 

99


75

الفصل الرابع: ما العمل؟

ألف نسخة، أي أنّه، هكذا ينبغي أن يجري توزيع الكتب في مجتمعنا... من هؤلاء البالغين ستين مليون نسمة الّذين يشكّلون عدد سكان إيران اليوم (عام 1994م)، هناك عدد كبير من أهل الكتاب، ومن أهل العلم وسوف يتضاعف عددهم، ويتزايد. إذا صار الجميع من أهل المطالعة، ينبغي لنا نحن أن نضع كتبًا كثيرةً في متناول أيديهم[1].

 

طباعة الكتب صدقة جارية

كان من الرائج فيما مضى من الزمان أن ينبري أشخاصٌ من التجّار المؤمنين، كالسيد كوشان پور، فيطبع كتابًا ويوزّعه على الطلاّب مجّانًا، لكن الآن لا يُعمل بهذه السنّة، أو أنّه قلّ العمل بها. وبما أنه أصبح من المعلوم أنّ الكتاب شيء هامّ جدًّا، فينبغي أن يُطبع. ومهما بلغت نفقة طباعته، ينبغي أن تُجعل من الصدقات الجارية. أنتم المثقّفين، والمطّلعين على أهميّة هذا العمل، روّجوا هذه المسألة. إذا ترسّخت مسألة المطالعة، فسوف يتحقّق هذا الأمر[2].

 

النفقات الثقافية ربح اقتصادي

لا ينبغي لمسائل من قبيل المال والميزانيّة أن تقف عائقًا أمام العمل الثقافي، أي أن لا نجعل النقائص والحاجات الثقافية

 

 


[1] في حوار له مع مراسل الإذاعة والتلفزيون بعد تفقّده لمعرض طهران الدولي السابع للكتاب، 10/5/1994م.

[2] في لقائه أعضاء هيئة التحرير في مكتب نشر الثقافة الإسلامية،8/5/1995م.

 

100


76

الفصل الرابع: ما العمل؟

في رتبة كسر الموازنة، وأن لا نضعها في آخر اللائحة، بل في أوّلها، إن لم نقل في المرتبة الأولى. إذا تأمّلنا جيّدًا، فهذا الأمر سوف يعود بالنفع الاقتصاديّ على البلد. أي بفضل توجيهنا للميزانيّات والإمكانات الكبرى نحو الأعمال الثقافية، خصوصًا ثقافة التعليم، فإنّ البلد لن يتضرّر، لأنّ هذا الأمر نفسه سيولّد الإمكانات لمستقبل البلد[1].

 

دعم الكتاب وشراؤه

ينبغي تسهيل الأمور ليتمكّن الناس من شراء الكتب. في النهاية، ينبغي أن تمنح المساعدات لمن هم من أهل مطالعة الكتب، ...حتّى يمكنهم الحصول عليها[2].

 

طرائق البيع

يمكن الاستفادة من الفرص. افرضوا اليوم مثلًا، أنّ خمسة آلاف تعبويّ أو ستّة آلاف سيأتون لملاقاتي، ...وهناك الكثير من هذه اللقاءات. ...فإذا ما ذُكرت في هذه اللقاءات أسماء (بعض الكتب المرتبطة بجبهات الدفاع المقدّس)، وأشرتُ أنا إليها، وهُيّئت هذه الكتب وعُرضت أمامهم، فإنّهم سوف يشترونها. فجأة سترون كيف سيرتفع عدد النسخ المباعة والموزّعة، خمسة آلاف نسخة أو ستّة آلاف نسخة. أو في تلك اللقاءات الّتي يشارك


 


[1] في لقائه أعضاء المجلس الأعلى للثورة الثقافية، 12/12/1989م.

[2] في لقائه المنتخبين في مراسم كتاب العامّ، 28/12/1993م.

 

101


77

الفصل الرابع: ما العمل؟

فيها قادة الحرس والجيش، ...فيمكنكم هناك استحضار اسم الكتاب على لسان ذلك الخطيب. ...افرضوا مثلًا أنّنا نقترب من الذكرى السنوية لعمليات "كربلاء - واحد" ... فلتُهيَّأ عدّة نسخ من الكتب الجيّدة جدًّا حول "كربلاء - واحد" ... وليُؤتَ على ذكر أسمائها هناك، ... سوف ترون أنّ آلاف النسخ تُباع[1].

 

كتب الجيب والأوقات الضائعة

هناك اقتراح، ألا وهو عرض كتب الجيب والكتب الصغيرة. من الأمور الرائجة اليوم في العالم، تلخيص الكتب الكبيرة وتبسيط الكتب الصعبة. طبعًا، غالبًا ما يقومون بهذا العمل من أجل تعليم اللغات، يبسّطون اللغة، لكنّ الكتاب هو الّذي يُختصر عمليًا. إنّهم يلخّصون ويختصرون القصص الكبيرة. فعلى سبيل المثال، حوّلوا رواية البؤساء إلى قصّة من جزء واحد يتراوح بين مئة صفحة ومئة وخمسين صفحة، بحيث أصبحت قصّة سلسة يقرأها الجميع. إذا تيسّر هذا الأمر فهو أمر جيّد.

 

نعم، لقد ظهر كتاب الجيب في العالم من أجل هذا الأمر وهو أن يصبح الناس من القرّاء، أي أنّهم يضعون الكتاب في جيوبهم، وعندما يستقلّون قطار الأنفاق أو الحافلة يفتحونه ويقرأون. إذا عُمل بهذا الأمر، فسوف تحيا الكثير من الأوقات الميتة[2].

 

 


[1] في لقائه أعضاء مكتب الأدب والفنّ المقاوم التابع للدائرة الفنّية في منظمة الإعلام الإسلامي،13/7/1992م.

[2] في لقائه القيّمين على إحياء أسبوع الكتاب، 10/11/1997م.

 

102


78

الفصل الرابع: ما العمل؟

عرض الكتب في القطار والمترو والحافلات والمراكز الإدارية

أظنّ أنّ المسافة بالقطار من طهران إلى مشهد تستغرق حوالَى ساعة 14 أو 15 ساعة. هناك الكثيرون ممّن يشعرون بالضجر جرّاء عدم الاشتغال بشيء، فليست لديهم أيّة طريقة للتخلّص من الضجر. فليكلّف أشخاص ـ حتّى يمكن أن يُفرض ذلك على الناشرين، أو يمكن بادئ الأمر أن يُؤدي مسؤولو الدولة هذا الأمر ـ فيسلّموا الكتب المفيدة والمسلّية والمتنوّعة للباعة المتجوّلين، ليدخلوا القطار، ...ويتنقلوا من مقصورة إلى أخرى، ويطرقوا الأبواب، ويعرضوا الكتب ويبيعوها. فاحتمال أن تُباع الكتب هناك كبير. سوف ينطلق قطار الأنفاق إن شاء الله. لينجز هذا الأمر في قطار الأنفاق، ولينجز هذا الأمر أيضًا في الحافلات، في المراكز الإدارية الّتي ينتظر فيها الناس وقتًا طويلًا، كالمحاكم، فإنكم تلاحظون أنّ هناك ضجيجًا في هذا المبنى جرّاء ازدحام الناس، ...حيث يجلس الكثيرون ساعتين أو ثلاثًا بانتظار أمرٍ ما، ...فلتُبَع الكتب هناك، فلا شكّ، أنّ هذا الأمر سوف يُشجع على المطالعة بنسبة معيّنة[1].

 

إقامة مسابقات المطالعة

أقيموا مسابقات للمطالعة في المدارس، وفي المدن، وعلى مستوى البلد عامة، وبعد ذلك فلتبثّ مراسم هذه المباراة في التلفاز كما يُفعل في مباريات الشعر. مؤخّرًا، وقبل عدّة أشهر، عُرضت مباراة في الشعر عَبرَ التلفاز، وكانت أيضًا مباراةً


 


[1] المصدر نفسه.

 

103


79

الفصل الرابع: ما العمل؟

جيّدة جدًّا. لقد شاهدت عدّة حلقات منها، استغرقت الحلقة عشرين دقيقة، ربّما نصف ساعة. والظاهر أنّ هذه المسابقة قد أُقيمت في مدينة سمنان. كان هناك أطفال قد حفظوا الكثير من الشعر. هذا العمل يروّج الشعر. ويمكن فعله أيضًا في مورد المطالعة. فلتُطلق مباراة على مستوى البلاد كافّة، ...بعدها فلتُقَم المراسم في الإذاعة والتلفزيون للفائزين في هذه المباراة. وليأتوا ويعرضوا هذا الأمر ويقدّموه بطريقة ما، ولتوجّه الأسئلة إلى المتبارين، وتُقدّم الجوائز للفائزين[1].

 

المعرض الدائم، أسبوع المطالعة

...ينبغي أيضًا أن تكون هناك وسائل من أجل توجيه الناس إلى المطالعة... لقد طرح أحد السادة اليوم، أنّه إذا كان عندنا معرض دائم، أو أسبوع للمطالعة، بحيث تُعيّن في هذا الأسبوع جوائز محدّدة للأشخاص الّذين يقرأون عددًا من الكتب، فهو أمر جيّد. ينبغي أن يكون عندنا أمورٌ من هذا القبيل ليتشوّق الناس إلى المطالعة قدر الإمكان، إن شاء الله.

 

لو علمتُ أنّني إذا تكلّمت كلّ يوم مدّة ساعة، وكانت نتيجة ذلك أن يصبح الناس من المطالعين، فإنّني مستعدّ لأتكلّم كلّ يوم ساعة ونصف الساعة! إذا كانت القضية تحلّ بهذا الشكل، فلا بأس. نعم، يجب علينا أن نبيّن للناس، وأتحدّث أنا أيضًا وأبيّن.. لكن، هناك أشياء لا تتحقّق بالكلام وحسب.


 


[1] في لقائه القيّمين على إحياء أسبوع الكتاب، 10/11/1997م.

 

104


80

الفصل الرابع: ما العمل؟

من خاصّيّة المعلومات أنّ الطرف المقابل يفهمها من المرّة الأولى ، فلا تحتاج بعدها إلى التكرار ثانيةً، وثالثةً ومرّة عاشرة، يمكن أن يكون التكرار مملًّا، لكنّ الأخلاق والطبائع والعادات والسلوكيات ليست كذلك، فعندما تكون في المرء عادة سيّئة، لا يكفي أن نقول له: يا فلان، هذه العادة سيّئة، أو لا تقم بهذا الفعل، أو افعل هذا الأمر بهذا الفعل. أن نذكّره مرّة واحدة ونقول: لقد حذّرناك وانتهى تكليفنا، كلا، المسألة ليست كذلك. هذا يتطلّب القول والتكرار والتذكير والتنبيه بطرائق متعدّدة والإلفات من جهات عدّة وتطويقه من خلال الفكر، حتّى يقلع عن عادة، أو يتعوّد أخرى[1].

 

الخمول الذهني

ينبغي أن يُعمل في حقلي التعليم والتربية على إفهام الشابّ أنّ عليه أن يشغل كلّ وجوده في الدرس والعلم والتحقيق،.. أي ينبغي العمل على دفع الجيل الحاليّ والأجيال الآتية إلى التوجّه نحو العلم والتحقيق والدرس والتعلّم والأستذة والفهم، علينا نحن أن نوجد هذه الحالة، فإن حُلّت هذه المسألة، فسوف تُحلّ أيضًا مشكلة المطالعة هذه. إنّنا في بلدنا نعاني مشكلة في المطالعة، الناس يضيقون ذرعًا بالمطالعة. لقد قلت مرارًا لبعض الأصدقاء المهتمّين بهذه الأمور، إنّنا نجلس على سبيل المثال، ونشاهد الدعايات الإعلانية مدّة عشرين دقيقة، لأننا ننتظر


 


[1] في لقائه المنتخبين في مراسم انتخاب كتاب العامّ،28/12/1993م.

 

105


81

الفصل الرابع: ما العمل؟

فيلمًا نريد مشاهدته، فإن قرأنا كتابًا في هذه الدقائق العشرين، فسوف نقرأ العشرات من الصفحات، ونتعلّم الكثير، لكنّنا لا نقرأ حتّى إن كان الكتاب رواية أو قصّة، فذلك (أي مطالعة كتاب) أفضل بكثير من الجلوس ومشاهدة شيء بلا فائدة، كما يجلس الإنسان من دون أن يعمل أيّ شيء وينظر في صفحة من دون أن يستفيد منها أيّة معلومة أو يلتذّ بها على الأقلّ. هذه هي حالة الخمول الذهني تلك الّتي ينبغي أن نُحاربها بشدّة، ومكان هذا الأمر هو المؤسّسات التعليمية والتربوية[1].

 

حصّة المطالعة

اليوم قدّم لي ثلاثة أشخاص، كلٌّ على حدةٍ، في هذا المعرض اقتراحًا موحّدًا، وهو أن تُخصّص في المدارس ساعةً للمطالعة، وقد كانت بنظري فكرة جيّدة، على وزارة التعليم والتربية دراسة هذا الأمر لترى ما يمكن فعله.. افرضوا مثلًا، أن توضع بدل ساعة الإنشاء ساعة للمطالعة حتّى يتعرّف التلاميذ إلى ثقافة المطالعة، سواءٌ أُقرأوا بأنفسهم أو قرأ المعلّم لهم، أو قرأ أحد التلامذة واستمع الآخرون. لا بأس بهذا الاقتراح برأيي، طبعًا ينبغي دراسة هذا الأمر، ومدّنا بالتقارير، فإذا ما لوحظ نجاحه في المدارس، يُقَرّ مثل هذا الاقتراح فتُخصّص في المدارس ساعة للمطالعة. لربّما كان هذا الأمر مؤثّرًا[2].


 


[1] في لقائه وزير التعليم والتربية ومسؤولي الوزارة،23/12/1997م.

[2] في حوار له مع مراسل الإذاعة والتلفزيون بعد تفقّده لمعرض طهران الدولي العاشر للكتاب، 4/5/1997م.

 

106


82

الفصل الرابع: ما العمل؟

لنصنع قرّاءً، فيأتي الكتاب بنفسه

الناس لا يميلون إلى المطالعة، برأيي ينبغي أن تلحظ التدابير هذه المسألة في الأساس. وبالرغم من أنّ إنشاء المكتبات كان لهذا الغرض تحديدًا، لكن إذا كنّا نستطيع أن نُنشئ نوعين من المكتبات، أو كنّا نستطيع أن نرفع كميّة التوزيع على نحوين، أحدهما يتكفّل بإيجاد هذا الميل، والآخر لا ينظر إلى هذه المسألة، فاللازم هو النوع الأوّل، أي يجب أن نُفكّر في حلّ للمسألة ونجده. وصدق الشاعر حيث قال:

أطلب الماء غبًا والزم العطش        الماء فوقك وتحتك[1]

 

إذا كان الناس من أهل المطالعة وبحثوا عن الكتب، فسوف يسعون وراء الناشر ووراء المؤلّف، وسوف يسعى الناشر بكلّ جهده لإصدار الكتب[2].

 

كم تدفع من المال ثمن بضع قطعٍ من اللُّبان؟

عندما يصبح (الكتاب) من لوازم الحياة، لا يعود باهظ الثمن. لقد سُعّر كتاب المعجم الوسيط - كتاب بهذا الحجم - بـألفي تومان، اذهبوا إلى السوق بألفي تومان وانظروا ماذا تشترون بها... بالطبع، هناك من لا يمكنهم شراء كلّ مستلزمات الحياة، لأنّهم لا يملكون المال أو هم يملكون القليل منه، وعلينا أن نفكّر من أجلهم، فذاك من اهتماماتنا. ... إذا عُدّ الكتاب من


 


[1] آب كم جو تشنگي آور به دست تا بجوشد آبت أز بالا وپست.

[2] في لقائه القيّمين على إحياء أسبوع الكتاب، 10/11/1997م.

 

107


83

الفصل الرابع: ما العمل؟

ضروريات الحياة فلن يُعدّ باهظ الثمن، بكم تشترون زوجًا من الجوارب أو علبة من المناديل الورقية؟ وكم يدفع المرء ثمن عدد من قطع اللبان يشتريها لولده؟ قيسوا الكتاب بهذه الأمور. وليس من الصحيح أن نقول: "الكتاب حاليًّا، ليس من الضروريات، هو من الكماليات والزينة، إنّه من الأشياء الجيّدة الّتي إن توفّرت فهذا الأمر جيّد، وإن لم تتوفّر فلن تقع السماء على الأرض". يجب الخروج من هذه الحالة وجعل الكتاب من ضروريات الحياة[1].

 

ينبغي أن يُعدّ شراء الكتب من المصاريف الأساسية للعائلة، فعلى الناس قبل أن يشتروا بعض أدوات الديكور والتحف، كهذه الثريّات والطاولات المتنوّعة والأرائك المختلفة والستائر وأمثال هذه الأمور، أن يولوا الكتاب أهميّةً، ويشتروا الكتب قبل أيّ شيء، كالخبز والطعام ووسائل العيش اللازمة الّتي تكون موجودة في البيت، ينبغي أن يكون الكتاب من هذا القبيل. ...خلاصة الكلام أنّه ينبغي إيجاد الأنس بالكتاب، فإذا لم يؤنس به فلن يصل المجتمع الإيراني إلى هدفه وأمنيته الّتي هي حقّ له[2].

 

كيف نقرأ كتبًا من عشرين مجلّدًا؟

أقول، على الشباب، والشيوخ، والرجال، والنساء، وأهل المدن، وأهل القرى، وكلّ شخص يمكن أن يرتبط بالكتاب، أن يحمل كتابًا في جيبه، وفي أيّ وقت يكون فيه من دون عمل، كما


 


[1] في لقائه أعضاء هيئة التحرير في مكتب نشر الثقافة الإسلامية، 8/5/1995م.

[2] في حوار له مع مراسل الإذاعة والتلفزيون بعد تفقّده لمعرض طهران الدولي الثامن للكتاب، 16/5/1995م.

 

108


84

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

في حافلات النقل، وسيّارات الأجرة، وعيادة الطبيب، والمراكز الإدارية، وعلى باب الدكّان عندما لا يكون ثمةَ زبائن، وفي البيت في أوقات الفراغ، أن يُخرج الكتاب ويُطالع[1].

 

فليخصّص الأفراد الّذين لديهم أعمال يومية - الإداريّون، التجّار، القرويّون، المزارعون، وأمثالهم، فيما لو كانوا يعودون إلى البيت ليلًا، أو وسط النهار - بعضًا من الوقت، ولو نصف ساعة، للمطالعة. فكم من الكتب يمكن أن تُقرأ في نصف الساعة هذا.. لقد قرأت في فترات الدقائق العشر، والعشرين، وربع الساعة هذا، مجموعات من الكتب من بضعة وعشرين مجلّدًا، ولربّما اطلعتُ بهذه الطريقة على مئات المجلّدات من الكتب، في هذه الفترات القصيرة من الوقت. إنّني أعرف الكثير ممّن هم كذلك. ...لقد طالعت كتابًا من ثمانية مجلّدات في حافلة النقل.. ينبغي أن تتحوّل هذه إلى عادة وسنّة رائجة بين أبناء شعبنا، فيقرأوا الكتب، ويعلّموا أولادهم ذلك. فلتطالع السيّدات في البيوت ولتحصّلن المعلومات[2].

 

هيّئوا أنتم الكتب الّتي يمكن أن تُستخدم في مثل هذه الأماكن (حافلات النقل و...) أو اعملوا أساسًا عملًا يُمكّن الناس من القراءة - في حال لم يكونوا يحملون الكتب - في الحافلة، وفي عيادة الطبيب، وفي المراكز الإدارية حيث ينتظرون دورهم، ..


 


[1] في حوار له مع مراسل الإذاعة والتلفزيون بعد تفقّده لمعرض طهران الدولي الثالث للكتاب، 9/5/1990م.

[2] في حوار له مع مراسل الإذاعة والتلفزيون بعد تفقّده لمعرض طهران الدولي السادس للكتاب، 11/5/1993م.

 

109


85

الفصل الرابع: ما العمل؟

إذا أمكنكم أن تطلقوا مسيرة هذا العمل وترسّخوه، فإنّكم سوف تقدّمون خدمة كبيرة. هذا الأمر غير مستحيل، بل هو ممكن، بدليل أنّنا نرى أنّ هذه الأمور قد أُنجزت إلى حدّ ما في البلدان الأخرى. إنّنا أهل هذا العمل، وأولى به من غيرنا[1].

 

مطالعة التاريخ المعاصر

لا أعلم مدى اطّلاعكم على التاريخ المعاصر، وكم قرأتم منه. كم هو جميل أن تُخطّطوا في الصيف حيث تجدون كثيرًا من أوقات الفراغ، لمطالعة بعض مقاطع التاريخ المعاصر، ومنها قضية فتوى التنباك[2]. لقد أُلّفت كتب في هذا الموضوع، ومن المناسب أن تقرأوها. أقصد طبعًا، الكتب الموثوقة، فبعض الناس بسبب دور الدِّين وعلماء الدِّين في هذه المسألة، ومعاندة منهم للدِّين، ليسوا مستعدّين للاعتراف بهذا الفخر العظيم والتكلّم عنه[3].


 


[1] في لقائه لقيّمين على إحياء أسبوع الكتاب، 21/10/1996م.

[2] قامت ثورة التنباك سنة 1890 حين منح الملك القاجاري ناصر الدين شاه حق بيع وشراء التبغ في إيران لصالح شركة بريطانية. فما كان من المرجع آنذاك سماحة آية الله محمد حسن الشيرازي إلا أن أصدر فتوًى حرّم فيها التنباك، وقد جاء فيها: "إنّ استعمال التنباك والتوتون بأي نحو كان هو بحكم محاربة إمام الزمان عجل الله فرجه"...تصاعدت الثورة فاضطر الشاه‌ علی التراجع وإلغاء الامتياز الممنوح للشركة الإنكليزية. ومن أهم النتائج التي أفرزتها الثورة كان عرض وزيادة الاقتدار السياسي لعلماء الدين.

[3] من خطاب له في جمع من طلبة جامعة طهران، 12/5/1998م.

 

110


86

الفصل الرابع: ما العمل؟

مطالعة الكتب هي غير الدرس

إنّني أرى أيّتها الفتيات، أنّ عليكنّ - إلى جانب الدرس - مطالعة الكتب. حتمًا في مدارسكنّ مكتبات، خُذن الكتب الجيّدة الّتي تُحدّدها المعلّمات القديرات للمطالعة وطالعنها، وإضافة إلى الاهتمام بدروسكنّ، تعرّفن إلى الكتب، وأنسن بها[1].

 

لا ينبغي أن تناموا من دون مطالعة

أفراد عائلتنا جميعًا تقريبًا، وربّما يمكنني القول: لا استثناء في ذلك، ينامون دائمًا مساءً، وهم يطالعون. أنا كذلك أيضًا، لا أعني أنّني أنام وسط المطالعة، بل أطالع إلى أن أشعر بالنعاس، عندئذٍ أضع الكتاب جانبًا وأنام. أفراد عائلتنا كلّهم كذلك، عندما يريدون أن يخلدوا إلى النوم، فحتمًا سيكون هناك كتاب بين أيديهم، أعتقد أنّه على العائلات الإيرانية جميعًا أن تكون كذلك، هو هذا توقّعي[2].

 

الأعمال غير الرائجة

من الأمور الرائجة بين الأوروبيّين - الّتي تُفهَم من القرائن، والتي للأسف ليست رائجة في بلادنا - هي أنّ الأمّهات مثلًا أو الكبار يقرأون لأطفالهم كتبًا من وقت لآخر، أو يجلس شخصان أو


 


[1] من خطاب له في مراسم احتفال تكليف تلميذات ياسوج، 8/6/1994م.

[2] في حوار له مع مراسل الإذاعة والتلفزيون بعد تفقّده معرض طهران الدولي الثامن للكتاب،16/5/1995م.

 

111


87

الفصل الرابع: ما العمل؟

ثلاثة أشخاص، فيقرأ أحدهم كتابًا للبقيّة. فهذه الأعمال ليست شائعة هنا قطّ. قد يجلس الجميع، يطالع كلّ منهم كتابًا، إن كانوا من محبّي المطالعة والكتب، أمّا أن تجلس الأمّ أو الأب فيفتح أحدهما كتابًا، ويقرأ بصوت عالٍ في حين يسمع الأطفال، فهذا الأمر في الظاهر معروف ٌ عندهم، أمّا هنا فغير مألوف! ...[1].

 

رسّخوا عادة المطالعة بين الناس، الأمر الذي سمعت أنّ الأوروبيّين يقومون به في بيوتهم. فأن تقرأ الأمّ كتابًا لطفلها قبل النوم، نحن ليس لدينا هذه العادة على الإطلاق. طبعًا، كانت رائجةً قديمًا في بعض الأسر، في بيت والدي كان هناك من يجلس ويقرأ كتابًا لآخر، كان يحدث هذا الأمر سنوات، سواءٌ للصغار أم للكبار، لكنّ هذا الأمر ليس شائعًا هذه الأيّام بين الناس[2].

 

ينبغي أن يقال هذا:

"خرجتَ بمئة ألف تجلٍّ، لأشاهدك بمئة ألف عين".

 

هذا ما ينبغي أن يكون. ينبغي إظهار الكتاب للأعين من خلال مئة ألف مشهد، حتّى يُجذَب كلّ شخص مهما كان ذوقه. ينبغي للشباب والآباء والأمّهات ـ خصوصًا الأولاد ـ أن يأنسوا بالكتاب، وهذا أمرٌ ممكن. إذا كان الأب والأمّ من أهل المطالعة، فهناك احتمال كبير أن يصبح الأولاد من أهل المطالعة أيضًا[3].


 


[1] أثناء تفقّد معرض طهران الدولي العاشر للكتاب، 4/5/1997م.

[2] في لقائه القيّمين على إحياء أسبوع الكتاب، 10/11/1997م.

[3] في لقائه المنتخبين في مراسم اختيار كتاب العامّ، 28/12/1993م.

 

122


88

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

القراءة للأطفال

ينبغي للآباء والأمهات منذ البداية أن يجعلوا الأولاد يستأنسون بالكتاب ويعشقونه، فحتّى الأطفال الصغار ينبغي أن يأنسوا بالكتاب[1].

 

فلنعوّد أطفالنا أيضًا منذ عهد الطفولة الأولى قراءة الكتب، فعندما يريدون الخلود إلى النوم مثلًا، يقرأون كتابًا ثم ينامون. فليخصّصوا حتمًا قسمًا من أيّام العطل أو أيّام الجمعة مثلًا حيث يلعبون فيها، للكتاب. وفي أيّام الصيف الّتي يعطّل فيها الأولاد والشباب، فليقرأوا الكتب حتمًا، وليحدّدوا كتبًا يقرأونها وينهونها[2].

 

الفلسفة للصغار

هناك مسألة، وهي إنتاج الكتب الفلسفيّة للصغار كما يفعل الغربيّون اليوم. قبل سنتين أو ثلاث، جاءوني بكتاب. نظرت فيه، فإذا بي أراه كتابًا فلسفيًّا من أوّله، لكن للصغار. هذا الكتاب كتاب جميل في الفلسفة ـ لا أذكر اسمه حاليًّا، لكنّه موجود في مكتبتي بين كتبي ـ وعلى ما يبدو أنّ كاتبًا أميركيًّا قد ألّفه. نحن بحاجة إلى مثل هذه الكتب. أذهان أطفالنا تصبح فلسفيّة (شيئًا فشيئًا). من حسن الحظّ، إنّ حركة المجتمع والنظام أدّت إلى


 


[1] في حوار له مع مراسل الإذاعة والتلفزيون بعد تفقّده معرض طهران الدولي الثامن للكتاب، 16/5/1995م.

[2] في حوار له مع مراسل الإذاعة والتلفزيون بعد تفقّده معرض طهران الدولي السادس للكتاب، 11/5/1993م.

 

113


89

الفصل الرابع: ما العمل؟

عقلنة الأذهان. شبابنا حقيقةً، يسألون ويتساءلون. وينبغي عدّ هذه التساؤلات المتزايدة مباركة. إلّا إنّه يجب أن نمتلك الإجابة. حسّ التساؤل يتزايد، وينتقل أيضًا إلى الأجيال الأصغر[1].

 

الهدية التي يقدمها لنا الكتاب

نقطة أخرى، هي أنّه لو كنّا بصدد التكامل على صعيدنا الفرديّ من حيث الفكر والخبرة والذائقة والفنّ، فيجب أن نُعمّق ارتباطنا بالكتاب أكثر. فالكتاب حصيلة نتاج فكر ورؤية وذائقة وفنّ، هو حصيلة نتاجات إنسانٍ أو مجموعة من الناس وعلينا أن نغتنم بقوة فرص الاستفادة من نتاج أفكار البشر. إنّ ما يقدّمه لنا الكتاب هدية، هذه هي هدية الكتاب إلينا. لهذا فإنّ الكتاب يُعدّ ظاهرة ووجودًا قيّمًا، وهكذا كان دومًا وسيبقى كذلك في المستقبل. لهذا عليكم أن تهتمّوا بالكتاب[2].

 

من أفدح الخسائر الكسل في القراءة

الاهتمام بالكتاب في الواقع قوامه الاهتمام بالمطالعة. فيجب ترويج عادة المطالعة في المجتمع. وهذه هي فائدة التعلّم. فالآثار الناجمة عن التحرّك والنهضة التي تجري في البلاد من أجل اقتلاع جذور الأمية تتمثّل بهذا الأمر: التمكّن من الاستفادة من مجموع ما يعرضه فكر الآخرين وذائقتهم وقدراتهم. ومثل


 


[1] من كلمة السيد الخامنئي خلال لقائه أعضاء مجمع الحكمة الإسلامية العالية 12-2-2013م.

[2] في لقائه مسؤولي المكتبات في 20-7-2011.

 

114


90

الفصل الرابع: ما العمل؟

هذا لا يمكن أن يتحقّق بدون المطالعة. وأظن أنّ من أسوأ أنواع الكسل وأشدّها خسارة الكسل في مطالعة الكتاب. وكلّما فسح الإنسان المجال لهذا الكسل فإنّه سيزداد. يجب ترويج المطالعة في المجتمع. وهذا العمل يقع على عاتق الأجهزة المسؤولة جميعًا في هذا المجال، من المدارس الابتدائية حيث ينبغي أن تكون البرامج موجّهة إلى أبنائنا ابتداءً من مرحلة الطفولة لحثهم على مطالعة الكتاب، المطالعة بالتدبّر والتأمل والتحقيق مرورًا بأجهزة التواصل العمومية انتهاءً بالتلفزيون والإذاعة ووسائل الإعلام المختلفة[1].

 

الوظيفة الأساس لصاحب المكتبة

قضية أخرى ترتبط بالمكتبات. حسنًا، أمناء المكتبات المحترمون يبذلون جهودًا في هذا المجال ويتصدّون للأمر ويباشرونه. وأنا العبد، منذ حداثتي، شاهدتُ عن قرب دور أمناء المكتبات عند مراجعتي للمكتبات. كنتُ أذهب إلى مكتبة العتبة الرضوية المقدّسة وأشاهد ما يفعله أمناء المكتبات وما يبذلونه من جهود وما يصدر عنهم من حرص واهتمام. فأمانة المكتبات تُعدّ عملًا إنسانيًا ثقافيًا ممتازًا. غاية الأمر أنّ أمين المكتبة ليس من يقدّم الكتاب ويسترجعه وحسب. بل أمين المكتبة يمكنه أن يكون مصدرًا ومنشأ ومرجعًا مُرشدًا للمُراجِعين[2].


 


[1] المصدر نفسه.

[2] المصدر نفسه.

 

115


91

الفصل الرابع: ما العمل؟

أهمية التنظيم في المطالعة

ومن الأعمال المهمّة تعويد أذهاننا التنظيم في المطالعة. فأحيانًا، إذا كان الرجوع إلى كتابٍ ما بشكل صحيح، أي أن نطالع كتبًا أخرى مناسبة لموضوعه قبل الشروع بمطالعته، ومن ثم نبدأ بمطالعته، التأثير سيكون أعلى بكثير وأعمق ممّا لو اكتفينا بهذا الكتاب من دون ملاحظة ما يرتبط به. حسنًا، هذا ما يتطلّب إرشادًا[1].

 

فلنعوّد أذهاننا قراءة الكتب المهمة

بعض الذهنيّات هي من أهل الكتاب، الكتاب السهل، الذي لا يحتاج إلى إعمال الفكر. لا عيب في ذلك، فهذه مطالعة ونحن لا نرفضها. لكنّ ما هو أفضل من هذا الأسلوب في المطالعة هو أن يمزج الإنسان في مجموع مطالعاته بين الكتاب السهل ـ على سبيل المثال رواية أو مذكّرات أو كتب تاريخية سهلة ـ والكتب التي تحتاج إلى التفكير والمطالعة. فمثل هذا النوع من الكتب يجب إدراجه ضمن عمليّة المطالعة، فنعوّد الذهن على أن يصبح مُتأمّلًا ومُدقّقًا، وحينها ينشط عند تعامله مع الكتاب، وهذا ما يحتاج إلى إرشاد[2].

 

 


[1] المصدر نفسه.

[2] المصدر نفسه.

 

116


92

الفصل الرابع: ما العمل؟

ضرورة وجود برامج قراءة لكلِّ المستويات

من الأشياء التي نحتاج إليها كثيرًا في هذه الأيام: برامج المطالعة للشرائح المختلفة.

 

فغالبًا ما يحصل أن نرغّب الشباب والأحداث في المطالعة فيراجعونا ويقولوا: "أيّها السيّد ماذا نقرأ؟" وهذا السؤال ليس له جواب واحد، فمن المحتمل أن تكون له إجابات متعدّدة. والمتصدّون لأمر الكتاب سواء في وزارة الإرشاد أو في عالم المكتبات عليهم أن ينهضوا بجدّية للعمل على هذه القضية في القطاعات المختلفة ولأجل الشرائح المختلفة بأنواعٍ مختلفة وأشكالٍ مناسبة ليعرضوا مسارًا للمطالعة، فهذا الكتاب في البداية وذاك الكتاب يليه وهكذا. فعندما يأتي هذا الشاب أو ذاك الحدث أو من لم يأنس بالكتاب حتّى الآن، ويتحرّك ويسير، ففي الأغلب سيكتشف مسيره. فهذه مسألة[1].

 

كيفية اختيار الكتاب

وثمّة مسألة أخرى تتعلّق باختيار الكتاب وانتقائه. إنّ الكتاب هو نتاج فكرٍ وتجربة وفنّ شخصٍ ما أو عدّة أشخاص أعدّه وأنتجوه. فليس من الضروريّ أن يكون كل كتاب مفيدًا أو أن يكون كل كتاب غير مضّر. فبعض الكتب غير مفيدة. فالذين يتصدّون لموضوع الكتاب لا يمكنهم بالاعتماد على فكرة "ترك الآخرين يختارون بحريتهم" أن ينزلوا كلّ كتاب مُضرّ إلى سوق

 


[1] المصدر نفسه.

 

117


93

الفصل الرابع: ما العمل؟

المطالعة. فكما أنّ المهتمّين بالأدوية لا يسمحون بجعل الأدوية المُسمّة والخطرة والمُخدّرة في متناول الجميع، بل يُبعدونها عنهم وأحيانًا يُحذّرون منهاـ وهذا غذاءٌ معنوي إذا فسد وأصبح مُسمًّا أو مُضرًا ـ فنحن كناشرين وأمناء المكتبات وأصحابها، تحت أيّ عنوانٍ يرتبط بالكتاب، ليس لنا الحق فيّ أن نضعه في متناول من ليس لديه اطلاعٌ أو التفات، حيث إنّ لهذا الأمر في فقه الإسلام فصلًا مختصًّا به. لذا لا بد من مراقبة الأمور ووضع الكتاب الجيّد والسليم في متناول الأيدي. والأكثر أهميّة هو الالتفات إلى كون الكتاب عاملًا في التنمية الفكرية وسببًا لإضاءة الطريق الصحيح. لهذا يجب الالتفات إلى هذه المسألة في برنامج المطالعة[1].

 

ضرورة الالتفات إلى التجارب القديمة في نشر الكتب

نحن الشعبٍ الإيراني المسلم ،ارتباطنا بالكتاب ارتباطٌ بنيوي عميق وقديم. فمعرفتنا بالكتاب ليست وليدة اليوم والأمس. في بلدنا، ـ خصوصًا بعد انتشار الإسلام ـ وُجدت مكتبات عظيمة ومجامع علمية ومصنّفات قيّمة ذات تجارب تاريخية عريقة. نحن شعبٌ لدينا تجارب كثيرة مع الكتاب، فطيلة القرون المتمادية كان لدينا استئناسٌ بالكتاب. طبعًا، لم يكن الوصول إلى الكتاب في تلك الأيام سهلًا. كان استنساخ الكتب المخطوطة صعبًا، ولكن في الوقت نفسه، كم كان أهل الكتاب واللائقون بالاستفادة من


 


[1] المصدر نفسه.

 

118


94

الفصل الرابع: ما العمل؟

الكتاب يبذلون من جهودٍ ومجاهدات. لقد قرأنا وسمعنا مرارًا عن الذين كانوا يحتاجون إلى كتاب معيّن كيف كانوا يتعاملون مع من كان يملكه، ويبخل به ولا يعطيه. من ثم بالالتماس والتعب يستعيرون الكتاب ليلة أو ليلتين فلا ينامون طوال الوقت ولا يستريحون من أجل نسخ هذا الكتاب للحصول على نسخة خاصة بهم. فمثل هذا الأمر كثيرًا ما كان يحدث. اليوم ارتفعت هذه الموانع. فإنّ تطوّر العلم جعل إنتاج الكتاب ونسخه وانتشاره سهلًا، وعلينا اليوم ـ وبالالتفات إلى هذه السابقة العريقة ـ أن نرفع مستوانا في نشر الكتاب والاستفادة منه[1].

 

الحُرِّيات.. حين لا تكون مفيدة

من الخطأ أن يتصوّر المرء أنّنا نبدي حساسيّة فائقة في تعاملنا مع الصحافة والكتب والمؤلّفات والإصدارات، ونتوجّس خيفة من التفكير الحرّ والنقاش الحرّ، لا أبدًا. فنحن أوّل من رفع شعار هذه الحرّيات، وما زلنا ـ والحمد لله ـ على موقفنا منها حتّى يومنا هذا، غير أنّنا نعارض حريّة المعاصي والحريّات الهدّامة.

 

لا يجوز السماح بأن يأتي شباب البلد ويقتنوا الكتب التي يشترونها منكم، لثقتهم بنا، ونظرًا إلى أنّ المتصدّين لزمام الأمور أناس متدينون، فتكون تلك الكتب سببًا لضلالهم أو فسادهم، أو أن يتّخذوها كأداة لتمرير مخطّطاتهم[2].

 

 


[1] المصدر نفسه.

[2] في لقائه جمعًا من الناشرين 18 -5-1999م.

 

119


95

الفصل الرابع: ما العمل؟

إحياء الكتب المنسيّة

ينبغي مضاعفة إصداراتنا من الكتب أضعاف الكمّ الموجود حاليًا. أي زيادة إصدار الكتب تأليفًا وترجمة وغير ذلك من جهة، وإحياء الآثار القديمة من جهة أخرى.

 

فقد طبعت الكثير من الكتب في الماضي، ولكن لا نعرف عنها الكثير فعلًا، وليس في أيدي الناس شيء منها. ومثل هذه الكتب يجب إحياء الصالح والمناسب منها[1].

 

الكتاب غير المسوح به

فإذا افترضنا وجود كتاب يتضمّن أنواعًا من الأكاذيب والأباطيل المضلّة التي لا يمكنكم الرد عليها في الوقت الحاضر، وجبَ عدمُ السماح بنشره[2].

 

إيصال الكتاب إلى العين والذهن

الأصعب من كتابة الكتاب إيصال الكتاب إلى أنظار المتلقين والقراء وأذهانهم. فهذا شيء بحاجة إلى فنّ ودقّة، وفيه دقائق ينبغي أن تتقنوها لتستطيعوا إيصال هذه المضامين إلى أذهان المخاطبين والمتلقّين[3].


 


[1] في ختام زيارته معرض الكتاب 26-5-1998م.

[2] المصدر نفسه.

[3] من كلمته في لقاء هيئة تكريم شهداء مقاطعة كلستان الأربعة آلاف 5-12-2016م

 

120


96

الفصل الرابع: ما العمل؟

تسهيل حركة إنتاج الكتب

ينبغي التخطيط بنحو يتّسع فيه جوّ القراءة في البلد ويتعمّق... ويجب من خلال التخطيط الدقيق وتحديد أهداف مرحليّة في كلّ عام، تزامنًا مع إقامة معرض الكتاب وزيادة أعداد الزائرين، إيجاد تقدّم ملحوظ في جوّ المطالعة في البلاد... أحد أهمّ الإنتاجات الوطنيّة هو الإنتاج المستمرّ والممتدّ. وبرفع مشكلات معامل الورق، يقينًا، سينفتح الطريق أمام زيادة المطالعة وانخفاض أسعار الكتب في البلد. ينبغي للحكومة أن تهيّء الفرصة لترجمة النتاجات الجيّدة من الكتب في البلاد، ومن بينها الكتب الدينيّة، التاريخيّة، الأدبيّة والعلميّة، إلى اللغات المختلفة، ووضعها أمام أعين العالم... أحد الأعمال الضروريّة في حركة إنتاج الكتب وعرضها، هو تنظيم التوزيع وإنشاء سلسلة محلّات لبيعها[1].


 


[1] كلمة السيد الخامنئي أثناء زيارته معرض طهران الدولي للكتاب 6-5-2012م.

 

121


97

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

الجبين الزجاجي

 

تأليف: محمّد طيّب

 

تمّت مطالعته في 8/2/1991م.

 

واحدة أو اثنتان من مؤلّفاته جيّدةٌ جدًّا، والكلّ إجمالًا من الآثار الجيّدة.

 

 

تقرير لتحقيق (مع ضابط بعثيّ وقع في الأسر)

تأليف: مرتضى بشيري

هو أثرٌ جذّاب، مبتكَر ونموذجيّ أيضًا. تصويره للطبيعة، وأحداث الحرب والمناظر الطبيعيّة جميل جدًا، فيه إسهابات في الشرح ونظرات أحاديّة في الحكم، وفي بعض الأحيان شيء من ضيق الأفق، بل مسحة من تبجّح أيضًا .. يمكن العفو مقابل الجهات الإيجابيّة للكتاب..!

 

أنهيت قراءته يوم السبت في 23 من شهر شباط عام 1991م في لحظات من الأرق الناتج من الاستياء.

 

ليتني علمت مقدار ما هو حقيقيّ من هذه القصّة، ومقدار ما هو من بنات أفكار المؤلّف...

 

 

124

 


98

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

الفرقة الثالثة

تأليف: د. مجتبى الحسيني

 

ترجمة: محمّد حسين زوّار الكعبة

 

طالعت هذا الكتاب في شهر تشرين الأوّل عام 1991م.

 

الموضوع بالنسبة إلينا، نحن الذين عشنا أيام الحرب، حتمًا جذّاب. لكنّ الأسلوب ضعيف من ناحية إعادة بناء المشاهد وتوصيف الحالات والخصوصيّات. لم يكن الكاتب، طبعًا، كاتبًا محترفًا، لكنّ اقتناصه الفرصة في معمعة الحرب وتدوينه المذكّرات، جدير جدًّا بالتقدير. أمّا الترجمة فهي جيّدة.

 

مخيّم عنبر

تأليف: حسين فرهنك إصلاحي، غلام حسين كهن، مهدي كلابي

 

إنّ كتابة ذكريات الأسرى ونشرها عملٌ خالد، وله تأثيره الخاصّ في تشكيل تاريخنا في المستقبل. تتميّز بعض المقالات باللطف والدقّة .. النكتة اللافتة هي القراءة المشتركة للأحداث الّتي كانت تعمّ المخيّمات المتباعدة بعضها عن بعض، والتي كانت تطرق آذان الناس المتباعدين والذين لا يعرف بعضهم بعضًا، وهذه إحدى نتائج حكومة الحزب الظالم والمتجّبر. وبالتالي، الفرد الذي لا يفكّر لحظةً ،وبمقدار ذرّةٍ، بشيء- ومنه القيم الإنسانيّة- إلاّ بالحفاظ على عرشه.

 

آبان ماه 1370 تشرين أوّل 1991م.

 

 

125

 


99

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

جبهة "فكّة"

تأليف: الشهيد محمّد شكري

هذه وثيقة هامّة عن أوضاع الجبهة وعادات التعبويّين وخصالهم. هذا الكلام غير قابل للفهم والإدراك من قِبَل أهل الدنيا الماديّين والظلمانيّين، وعلى الرغم من أنّ سنوات الدفاع المقدس الثماني كلها كانت حافلة به، إلاّ أنّ كتابة هذه المؤلّفات بسلاسة ووضوح ودقّة، سوف تزيد من قيمتها التوثيقية. والشهيد العزيز مؤلّف هذه المذكّرات يجسّد من خلال هذا الكتاب أيضًا بعضًا من الأجواء المعنويّة للروح التعبوية. رحمة الله على روحه الطاهرة... وهو من المؤلّفات الّتي ينبغي، ترجمتها إلى اللغات الأخرى حتمًا.

 

19/9/1370ش

10/12/1991م.

 

نجيب

إعداد: محمّد جواد جزيني

لقد صُوِّرت في هذا الكتاب، روحية التعبئة ــ هذه الظاهرة الاستثنائية في فترة الحرب ــ تصويرًا جيّدًا: الشجاعة، الإخلاص، روح التديّن، الروح المرحة، وقد طالعت هذا الكتاب في أرق ليلة الثلاثاء.19 9 1370ش

 

10/12/1991م.

 

 

 

126

 


100

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

الميدالية والإجازة (إحدى عشرة خاطرة لأسير بعثيّ)

 

إعداد: هدايت الله بهبودي

 

إنّها من أجمل مذكّرات الحرب وأقواها، فكلٌّ من متن الكتاب والترجمة قوي.

 

هذه الوثيقة مكمّلة للوثائق التي خُلّدت بأقلام تعبويّينا الواعية والمخلصين والمظلومين والشجعان.

 

19/9/1370ش   10/12/1991م.

 

اجتياز آخر ساتر ترابيّ

تأليف: د. أحمد عبد الرحمن

 

ترجمة: محمّد حسين زوّار الكعبة

 

تمّت مطالعة هذا الكتاب ليلة الثلاثاء 10/12/1991م. لقد وجدته من الناحية القصصيّة ومن ناحية اشتماله على المسائل المفيدة أفضل من ذكريات الأسير العراقيّ الآخر، الذي كان هو أيضًا طبيبًا.

 

حبّذا لو يترجم كلّه أو بعضه، إلى اللغات الأجنبية، وينشر في متن صحفهم، خصوصًا القسم الأوّل منه، أي من الصفحة الحادية عشرة.

 

127

 


101

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

قناة نوني صفر

تأليف: السيّد حسن شكري

هذا أيضًا من جملة الوثائق الدقيقة لمرحلة الدفاع المقدّس، حيث يجب أن نشكر المؤلّف عليه كثيرًا. هذا الكتاب مفعم بالصفاء والروحانيات.

 

21/9/1370ش.( 1991/12/12)

 

الظاهر أنّ الشهيد محمّد شكري الّذي تعدّ كتاباته التفصيليّة الدقيقة عن بعض العمليات من أكثر ذكريات الدفاع المقدّس نورانيّة، كأنّه شقيق مؤلّف هذا الكتاب. وقد ذكره في عدّة مواضع من كتابه "خط فكه". الآن، هذا الأخ المجاهد والحيّ من خلال تقديم كتابه لهم (الشهداء)، لم يدرج اسم أخيه الشهيد في الكتاب. مرحى بالكرامة والعزّة... له أخٌ آخر كان قبله قد تسنّم عرش الشهادة، هو الشهيد السيد علي شكري.

 

اللّهمّ احشرنا مع هؤلاء في الدنيا والآخرة...

 

حرب الشوارع

 

تأليف: السيّد نظام مولا هويزة

 

مرّ وحلو: أن يقوم الشعب العراقيّ المظلوم - وهذه المرةّ الشيعة، كما في السابق - ويُظهر شهامةً عالية، ويوجّه ضربة إلى الأعداء، أمرٌ جميل. أمّا أن نعدّ الأعوان الخبثاء لمتسلّطي

 

128

 


102

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

العالم، المتربّعين على عرش السلطة أكثرَ فائدة من الثوريّين، فتُقَدّم المساعدة لهم، ولو بشكل غير مباشر، للقضاء على الشعب، فهو أمرٌ مرّ.

 

إنّه لأمرٌ مؤلم قراءة اليأس وسماعه والإحساس به لدى شعب بعد أن عاش أملًا قريبًا.. وعندها سوف تتوالى المصائب الكامنة في المظلوميّة والقهر.

 

رجب 1412هـ

 

قائدي

تأليف: مخدومي، كاوري، أميريان، خاوري نچاد، كلچين، جمشيديان، پاسيار

 

السلام عليكم يا أولياء الله وأحبّاءه، السلام عليكم يا أصفياء الله وخيرته، السلام عليكم يا أنصار دين الله وأعوان وليّه، يا آيات الله، يا معجزات الإيمان، يا دلائل سموّ الإنسان الخالد.. يا ورودًا حمراء لم يستطع كلّ فساد العالم المعاصر وتلوّثه، أن يمنع تفتّحها، يا برقًا شديدًا أنار دنيانا المظلمة.. يا حجّةً دامغة على قاصري النظر أولئك، الّذين يعتبرون أنّ رقيّ الإنسان الإلهيّ غير ممكن في عصر غلبة المادّة. لقد أحييتم فينا ذكريات مسلمي صدر الإسلام، وأظهرتم الصدق والإرادة والفناء في الله، أكثر منهم. أولئك الّذين سنحت لهم فرصة الاستفاضة المعنويّة والقلبيّة من أنفاس النبيّ ونزول

 

129

 


103

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

آيات القرآن المتتالية، ولكن ماذا عنكم؟ لقد جسّدتم الخلوص والتقوى حقًّا، وصرتم جنودًا لائقين لذلك الإمام الّذي كان بحقّ، مَظهرَ الخلوص والتقوى.. سلام الله عليه وعليكم، وهنيئًا لكم رحمة ربّكم..

 

كتبه بيمينه الوازرة، أسير أمانيه وذليل نفسه، علي الحسيني غفر الله له ورحمه، وحشره مع أوليائه وألحقه بهذه الزمرة الطيّبة آمين.

 

تمّت مطالعة هذا الكتاب في الثالث عشر من رجب سنة 1411هـ بعين تفيض بدموع الشوق والحسرة إلى الزيارة.

 

حفلة الخضاب (عرس المخضبين)

تأليف: محمّد حسين قدمي

قبل يوم وليلة، في لحظات ما قبل النوم، حلّقت في فضاء معطّر مليء بالصفاء، وفي معراج من الحماسة والحالة المعنويّة الّتي تضفيها سطور هذا الكتاب وكلماته النورانيّة على قارئه. شكرت الله على قطرة العشق تلك الّتي ألقاها فيَّ روح هذا الكاتب، وعلى مثل هذا الفكر الزلال والذوق الّذي أجراه على قلمه، وعلى يد القدرة تلك أيضًا، الّتي أوجدت مثل تلك اللوحة البديعة والفريدة في صفحة التاريخ المعاصر، وحفرت المشاهد الأسطوريّة الّتي هي غريبة عن أفكار الناس وأعينهم هذه الأيّام، في واقع حياة هذا الجيل من شعب إيران. له الحمد حمد الحامدين وأبد الآبدين. إنّ أغلب الفضائل الّتي زيّنت تاريخ

 

 

130

 


104

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

الإنسان وحسّنته ـ والتي أصبحت المشعل والدليل لأبناء البشر، هي نتاجُ لحظة مثمرة من حياة إنسان أو عدّة أناس ـ الصبر، والزهد، والإباء، والتسامح، والشجاعة، والصدق، والإيثار.. والفضائل الإنسانيّة كافّة الّتي نراها في مصيره، هي من هذا القبيل. هناك الآلاف من اللحظات المثمرة مكنونة في كلّ يوم وليلة من ملحمة السنوات الثماني للدفاع المقدّس. وإنّ كلّ من ينظر إليها بنظرة فنّية، ويكتبها ويخلّدها بأسلوب بارع، وقبل ذلك كلّه، يصل إلى هذه الأمور جميعًا بالتوفيق الإلهي، فإنّه يضيء مشعل سالكي المعراج الإنسانيّ، وهذا الكتاب ومؤلّفه من هذه المجموعة.

 

6/11/1370 ش. (26/1/1992م)

 

مذكّرات خرمشهر (مذكّرات ورسائل الشهيد مرادي)

 

إعداد: مكتب أدب وفن المقاومة

 

تغمّد الله هذا الشهيد العزيز برحمته حيث كان يستحضر- متألمًا - النقاط السلبية عام 1985.

 

أي في خضمّ حماسة هذا الشعب وفوران الدفاع المقدّس والتعبئة العامة له في هذا النهج، فقد كان يستحضرها ويئنّ منها، ويشكو غربة سالكي طريق الجهاد. يظنّ بعض الناس في يومنا أنّ طريق الله غريب. فيرى الحقيقة الواضحة الأصليّة التي هي عين هذه الحركة العامّة في سبيل الخير والصلاح، باهتة في مقابل الواقع السيّئ للانحرافات المتكرّرة والمتنقّلة.

 

 

131

 


105

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

هذا التفكير كان قائمًا دومًا، حتّى في سنة 85 وما قبلها.. طبعًا، لطالما كانت هذه النظرة (لدى البعض) في الجمهورية الإسلامية غير صائبة. وسوف تكون غير صائبة دومًا إن شاء الله.

 

9/11/1370ش (1991/1/29)

 

تحيا (كتيبة) كميل

تأليف: محسن مطلق

يستشمّ من هذا الكتاب عطر الإخلاص، وكم هو جميل أن تكون رواية المشاهد المفعمة بالإخلاص والإيثار، منطلقة أيضًا من الإخلاص. غالبًا ما أخفى الكاتب ـ تواضعًا ـ نفسه خلف أصحابه الشهداء. هنيئًا لهؤلاء الشباب النورانيّين، الّذين استفادوا أيّما استفادة في واحدة من أكثر الفرص الإلهية في التاريخ، استثنائيةً، ووصلوا بفضل الإرادة والإيمان والتضحية إلى المدارج الإنسانيّة العالية. هذا الكتاب أيضًا، بسبب عذوبة لغة روايته، والفكاهة الّتي أضفت ظرافة على مواضع كثيرة منه، هو أجدر بالقراءة من بعض الذكريات المكتوبة الأخرى. ويجب ترجمته.

 

14-11-1370ش (3/2/1992م).

 

اللواء 83

إعداد: السيّد محمّد علي ديباجي

سُجّل في هذا الكتاب عرضٌ لذكريات الشباب المجاهدين من طلبة العلوم الدينيّة، الّذي يحتوي ضمنًا، بيانًا مقتضبًا أيضًا،

 

132

 


106

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

لبعض مجاهداتهم الطاهرة، بأسلوب وتحرير بليغين. إنّها لطريقة مستحدثة، بحيث يروي أحدهم والآخر يقرّر. إن جرى إنضاج هذا القلم فسوف يصبح أكثر بلاغة، لقد كنتُ محظوظًا جدًّا بقراءة هذا الكتاب، ذلك أنّ عالمًا دينيًّا -في هذا الكتاب - يعطي دروسًا في الدين والمعرفة في أخطر الأماكن، ويشارك الناس في اختبارات الحياة الصعبة. هؤلاء الطلبة ذوو الروحيّة الطيّبة، إن طووا مراتب التحصيل العلميّ، فسوف يصبحون قادةً بارزين في الثورة والجمهورية الإسلامية، وعلماء حاملين للواء الدين الباني للحياة.. لا شكّ في أنّ الحوزة العلمية تفخر بتربية علماء كهؤلاء، وتشعر بالرضا من أداء وظيفتها التاريخية تلك، التي كانت دومًا موفّقة بها بحمد الله تعالى.

 

إنّها لمصادفة لافتة أنّني وُفّقت لمطالعة هذا الكتاب في ذكرى 15 من شعبان، ومن بعد أن قصدتُ قمّ للزيارة.

 

مذكرات لم تكتمل

تأليف: كمال سپاهي، الشهيد علي سمندريان، هدايت الله بهبودي، أصغر آب خضر، والشهيد محمّد شكري.

 

من هذه المؤلّفات الأربعة، كنت قد قرأت فيما سبق، المؤلّف الثالث بقلم الشهيد السيّد محمد شكري، في كرّاس مستقلّ، وعن المؤلّف الأوّل الذي كُتب بقلم الشهيد سمندري البليغ والمفعم بالصفاء، فقد ذُكِرَ في كتاب "حفلة الخِضاب" للمؤلّف محمد حسين القدمي، الذي هو من أبلَغ المؤلّفات الخاصّة بالجبهة، وقد

 

 

133

 


107

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

كانت لي معرفة به عن بعد، فقد قرأته، وسُعدت به حقًّا . جعل الله هذين الشهيدين في صفوف الأولياء في سرادقات الملكوت. أما مؤلَّف كمال سباهي فهو جميل أيضًا وجدير بالقراءة، مع أنّه ليس بجاذبيّة المُؤلَّفين الآخرين. وعن المؤلَّف الأخير، فقد كتبت جملتين أو ثلاث جمل في أوّله. جزى الله الجميع خيرًا.

 

أنهيتُ مطالعته ليلة الخميس 8اسفند1370 ش 27/2/1992م، شعبان 1412هـ.ق.

 

"من الوقائع اللافتة في صباح هذا اليوم أسر ثلاثة جنود عراقيّين. تفصيل القصّة كان على الشكل التالي: عند الساعة الحادية عشرة صباحًا، صرخ أحد الحرّاس الذي كان يحرس في أعلى الساتر الترابي: دبّابة.. دبّابة. خرجنا جميعًا من الخنادق. مطلقو الـ آر.بي.جي استعدّوا. اعتلى "علي قلعه وند" الذي كان أيضًا في خندقنا، الساتر الترابي الذي يلي الخندق، ليرى الدبّابة، فلفتت نظره رِجْلٌ تتحرّك خلف الساتر الترابي وتحت الجرّافة المحترقة، إلى جانب جثّتين لجنديّين عراقيين فبدأ يناديه "تعال، تعال"، وأخبر بقيّة الإخوة. اعتلينا الساتر الترابي فرأينا شخصًا تحت الجرّافة يتنفّس. ولكن برغم تكرار طلبنا منه أن يخرج ويسلِّم نفسه، فإننا لم نسمع جوابًا. أطلعنا الأخ أصغري على الأمر، فقال: "نادوه عدّة مرّات أُخر، فإن لم يستسلم، ألقوا قنبلة تحت الجرّافة"، عاد الإخوة واعتلوا الساتر الترابي ثانية، ونادوه مرتّين :"تعال، سلّم نفسك، أنت أخي". في هذه الأثناء كان الإخوة قد جهّزوا القنابل، إذ خرج شخص من

 

134

 


108

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

تحت الجرّافة، وتبعه آخر. وتبعًا لإشارة الإخوة فقد قدما إلى هذه الجهة من الساتر الترابي، كانا قد موّها وجهيهما بالسواد والزيت، وطليا ثيابهما بالسواد وبشحم الجرّافة وهي كانت من ثياب الحرس الجمهوري لصدام".

 

مذكّرات لم تكتمل، صفحة 76

 

قرأت هذه الواقعة اللافتة سابقًا، في واحدة من الذكريات الأخرى، إمّا في "حفلة الخِضاب" للسيد القدمي، وإمّا في "نوني صفر" للسيد حسن شكري.

 

مع الصاعقة[1]

تأليف: حسين بهزاد، وكل علي بابائي

هذا الكتاب مصدرٌ غنيّ جدًّا وقيّم، إذ يمكن أن يُستخرج منه مئات الكتب والأفلام والسِّيَر. اللحظات والحالات المسجّلة في فصول هذا الكتاب، هي تلك الروائع المحيّرة الّتي ظهرت من مجموعها لوحةُ عمليّات فاخرة وعظيمة أمثال الفتح المبين وبيت المقدس. وهي تظهر أفضل فنون الجهاد والإيثار والشجاعة والابتكار في مجموعة معرض فنون الثورة الإسلامية الّذي لا مثيل له.

 

هؤلاء الرجال العظام الّذين تمرّ أسماؤهم على ألسنتنا وقلوبنا الغافلة بسهولة كبرى، هم من سنخ إخوان الصفا وفرسان الهيجا الّذين خاطبهم سيد الشهداء سلام الله عليه


 


[1] ترجم الكتاب بالعربية في مركز المعارف للترجمة.

 

135


109

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

بتعظيم وحرقة ومحبّة، وكان مغتمًّا لفراقهم، سلام الله وعباده المنتجبين وملائكته ورسله على أرواحهم الطاهرة.

 

في أيّام وليالٍ من شهري تشرين أول وتشرين الثاني عام 2007م، أنهيتُ مطالعة هذا الكتاب صفحة صفحة، وسطرًا سطرًا.

 

حرب الحفاة

تأليف: رحيم مخدومي

هذا انعكاس لعذابات الناس الحفاة، الّذي يبدو مقارنةً مع تضحياتهم، منغّصًا للروح ومُرًّا وغير مقبول، وعندما تشهد الروح اللطيفة والحسّاسة هذين الأمرين، بل عندما تعايشهما، فإنّها ترويهما بلغة لها تلك المرارة عينها. طبعًا، إنّ جماح خيال أهل الفنّ يسبق الواقع دومًا، وفي جميع الميادين. في روايات أُخرى تتحدث عن هذه الجبهة نفسها، وهذا الخطّ نفسه وفي مقابل العدو نفسه، هناك شيء أهمّ من الجميع وأحلى، وهو التواضع وعدم استعظام المرء لعمله في مقابل أعمال الآخرين، الّذين يكونون ـ أحيانًا ـ في جبهات أخرى، ولكنّهم يجاهدون في مقابل ذلك العدوّ نفسه، وعشقًا لذلك الإله نفسه، حتّى لو لم يكن الخطر هو نفسه في جميع الميادين... وعدم اعتبار الأشخاص الّذين لم ينهلوا من فيض تلك الجبهة، من أهل الدنيا والمنشغلين بتعلّقاتها... وهذه هي صفات المخلصين والأتقياء.

 

هذه الخصوصية لا تُلحظ في هذا الكتاب الذي هو جيّدٌ جدًا من جهات عديدة: اللغة، والتصوير، والأداء، ولا سيّما الاستفادة

 

136

 


110

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

الجيّدة من آيات القرآن الكريم..والأسف الآخر، أنّ هناك فرقًا بين أن يغتمّ شخص ويتحسّر على إغلاق باب الجهاد والشهادة، ولكن في الوقت عينه، يكون مسرورًا من العمل بالتكليف الذي ألقته مصلحة الإسلام والمسلمين على عاتق الجميع، وبين أن يلقي الشخص أصل المسألة على تشخيصه- إن لم نقل على رغبته- ويعتبر القبول بإنهاء الحرب خيانةً، ومن عمل الشيطان وتواطؤًا مع العدو. حتى إنّه لا يستثني الإمام وخواصّه بإشارة! ففي الكتاب لا نرى الشقّ الأوّل.

 

ليلة الجمعة 9/12/1370(28/2/1992م)

 

سفر إلى القبلة

تأليف: هدايت الله بهبودي

غمرني هذا الكتاب ثانية بالشوق والحسرة لزيارة بيت الله وحرم رسوله، حماسة وحالٌ واشتياق لا تخلو من أملٍ. حتّى أذكر أنّي ـ منذ سنيّ الشباب البعيدة ـ لم أُرِح قلبي قطّ من نار هذا الاشتياق. لكن حتّى في عهد القمع الحالك، حيث كان كلّ عالم دين أهل أو غير أهل، عن رغبة أو من قبيل التشبّع، يستطيع أن يسلك طريق الحجّ.. ولم أكن أستطيع! أو من الأفضل القول: لم يكن صاحب أيّ حملة يستطيع أو يتجرّأ أن يضع اسمي في لائحة حجّاجه، خوفًا من السافاك، فكيف بي كمرشد ديني للحملة.. نعم، فحتّى في تلك المرحلة الصعبة أيضًا، لم يخلُ قلبي من أمل زيارة الكعبة وتقبيل آثار أقدام الرسول، في مكّة

 

137

 


111

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

والمدينة.. إنّه وإن تحقّق هذا الأمل من خلال الحجّ الّذي قُسم لي مدة عشرة أيّام سنة 79 ـ 80م بفضل الشهيد محلاّتي، إلاّ أنّ نيران هذا الشوق ازدادت تأجّجًا وأصبحت أكثر إيلامًا.. في فترة رئاستي للجمهورية، كانت عيون آمالي منصبّة على ما بعد تلك الفترة.. لكن اليوم ثمّة اضطراب وشوق لا قرار لهما، وأملٌ قارب الفناء.. العزاء الوحيد هو قراءة مثل كتب أدب الرحلات هذه أو سماعها، الّذي هو بحدّ ذاته، مؤجّج للشوق من جديد. هذا الكتاب عذب، موجز، وقد كُتب بروحية وبمهارة.

 

زيارة مقبولة، عزيزي المؤلّف، زيارة مقبولة.

 

10/12/1370ش. 29/2/1992م.

 

تلال شقائق النعمان

تأليف: حجّت إيرواني، الشهيد السيّد محمّد رضا فيض، غلام رضا نباتي

 

القصّة الأخيرة من هذا الكتاب، أي تلال الشقائق الحمراء، أجمل وأكثر دقّة من باقي القصص. مقالة الشهيد أيضًا، الّتي سُمّيت الشروق من جديد، يُستشمّ منها عطر الشهادة والإخلاص.. في مقالة حجّت إيرواني فصّلت جيّدًا الجهود المريرة والتحمّل لأوامر قوّات الرصد.

 

إلهي: أعطِ هؤلاء الشباب الطاهرين أفضل ما تعطيه أولياءك الصالحين.. وأنلنا نحن أيضًا نصيبًا من ذلك العشق والإخلاص.

 

14/12/1370ش. 4/3/1992م.

 

 

138


112

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

السفر إلى القمم (خمسة تقارير حربية)

التقرير الأول قدم شرحًا مختصرًا وبصورة احترافية ومهارة فائقة عن الساعات الأولى لقصف حلبجة بالأسلحة الكيمائيّة، وهو مفيد جدًّا، وفيه إشارة إلى وضع الأسرى العراقيين خلف الخطوط الأماميّة، وهي لافتة وهامة كذلك. التقرير الموجز الثاني هو للكاتب نفسه. التقرير الثالث الذي كتب بالأسلوب الصحفي وعلى نمط تقارير الصحافة الغربية وتقليدًا لها، يتضمن مطالب ليست على قدر كبير من الأهميّة، وعلاوةً على ذلك، تجد فيه أحيانًا تقطّعًا في الأفكار وقصورًا في العبارة، لكنّه مفيد لجهة عرضه صورةً، ولو مبهمةً، لأكراد الاتحاد الوطني.

 

التقرير الرابع حول هجوم العراق على الجنوب بعد القبول بالقرار، شهر تير عام 67 (شهر تموز عام 1988م)، وأكثر منه جاذبيّةً، تفصيل انهيار المنافقين في غرب الوطن وتلّة حسن آباد. تقرير جيّد. لم يكن مفهومًا لديّ الاعتماد فقط على مقاتلي الجنوب. مع أنّ بقاء أشياء هامّة غير منقولة في تلك الواقعة، كان مفهومًا تمامًا ولا يزال بالنسبة إليّ. التقرير الآخر -الذي كتبه المؤلف نفسه (كاتب التقرير الرابع)- فهو ليس بشيء سوى تعبير كاتب مرهف الحسّ، لا هدف له من الكتابة سوى التعبير عن أحاسيسه.

 

أنهيتُ مطالعة هذه التقارير في 8/3/1992 م. ولم أستمتع بها كثيرًا.

 

139

 

 


113

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

خطوة خطوة نحو المطر

تأليف: مرتضى سرهنكي، هدايت الله بهبودي

كلا هذين المؤلَّفين معبّرٌ، محرقٌ للقلب، موجعٌ، وبارع، سلمت يدا هذين العزيزين اللذين يرويان أوجاع غربة مدينة ـ بل شعبٍ ـ بمثل هذا العطف والحرقة. والتاريخ الآتي لن يثني على مدينة خرّمشهر وشبابها وآبائها وأمّهاتها المقاومين وحسب، بل على تلك القلوب والضمائر اليقظة والباحثة عن الحقيقة والناطقة بالحق أيضًا، والتي لم ترضَ لقصّة جهاديّة بمثل هذه العظمة، أن تضيع في مطاوي الثرثرات وخزعبلات الدهر.

 

سلام على أمثال بهبودي.

سلام على أمثال سرهنكي.

الثالث من شهر رمضان 1412، 8/3/1992م.

 

وداعًا كرخه

تأليف: داود أميريان

هذا الكتاب الجميل والبسيط، يشرح حياة وأحاسيس ومواقف "التعبويّ" جيّدًا. المؤلّف الّذي هو نفسه تعبويّ، بما تحمله هذه الكلمة من معنى ثقافيّ، ومن خلال بيان بعض الجزئيات التي تبدو في الظاهر قليلة الأهمية، صوّر ذلك الأمر الهامّ ورسمه. ومع أنّه شابّ في مقتبل العمر، إلاّ أنّه يكتب ويفكّر بطريقة أكثر نضجًا من سنّه. وباختصار، إنّه واحد من الكتب الجيّدة جدًّا في مجموعة الذكريات.

 

20 12 70ش.(10/3/1992م.)

 

 

140


114

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

جدال في زيوية

تأليف: الشهيد مشكوري، عباس پاسيار، ولي صابري، حميد حسيني

لقد أمضيت عدّة ساعات من أيّام شهر رمضان المبارك ولياليه في قراءة هذه الذكريات. على الرغم من أنّهم أناس مختلفون، وآتون من أمكنة وخلفيّات مختلفة، ومن أزمنة مختلفة، وقد رووا جميعًا وكتبوا من دون معرفة بعضهم ببعض، إلاّ أنّ نتيجة هذه الذكريات جاءت واحدة: الكلّ يخبر عن عظمة واقعة سنوات الدفاع المقدّس الثماني، والتحوّل العجيب الّذي أحدثته في قلوب شباب هذا البلد وأفكارهم وأعمالهم، ويشير ـ تقريبًاـ إلى الأبعاد اللامتناهية لمعجزة التاريخ الإلهيّة هذه.. واحسرتاه على تلك الأيّام الّتي لا تُنسى، واحسرتاه على تلك الوقائع الإعجازية، واحسرتاه على تلك التجربة المفيدة والأنفس الطاهرة الّتي صنعتها.. واحسرتاه على نبع الرحمة والفضل الإلهيّ ذاك، الّذي شرب منه أناس أذكياء وفطنون.. هنيئًا لهم، واحسرتاه على النفوس المحرومة الّتي لم يُكتب لها الانتفاع من ذاك اللطف اللامتناهي.

 

أولئك الّذين انتفعوا، إنّما نالوا هذه النعمة بالتجاوز والمجاهدة وانتهاز الفرص ـ وطبعًا بتوفيق الحق ـ .. ونحن، ألا يجدر بنا من خلال الذكاء والفطنة أن نتعرّف إلى منبع الرحمة ذاك، الّذي يكون كلّ حين بشكل ما وبمجرًى ما، والّذي لا انقطاع له، وأن نستجلب التوفيق الإلهيّ ونروي أنفسنا منه من خلال

 

141

 


115

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

التجاوز والمجاهدة؟.. إنّ الأكثر عطرًا ومعنويّة والأشدّ تأثيرًا من بين هذه المؤلَّفات، هو ما كتبه الشهيد. أمّا ما كتبه "ولي صابري" فهو الأجمل والأكثر مهارة.

 

23/12/ 1370ش. 13/3/1992م.

 

الكتابة بدائية وناجمة عن قلّة الخبرة، فالكاتب الذي يبدو في بداية الأمر حارسًا بسيطًا من حرس الثورة، يظهر على امتداد التقرير ـ خصوصًا ـ في نهايته في شخصية قائد ومسؤول.. هذه المسألة في المضمون تدمي بنحو ما قلب الإنسان.

".. السائق الذي لم يكن يعرف ماذا يفعل، داس على المكابح بسرعة، واستدار مئة وثمانين درجة.

 

في تلك الأثناء، سمع صيحات وأنين "ملكيان" الجارحة.

 

شيء لا يصدّق. لم يصب أحد من القادة بأدنى أذًى. الرجل اليمنى للأخ مليكيان فقط كانت قد أصيبت، وجعلته واحدًا من..".

 

جدال في زيويه (الصفحة 32)

 

"الأنّة الموجعة من أجل الوجع"

 

جدال في زيويه (الصفحة 37)

 

ذكرى الأصحاب (من معراج العائدين)

تأليف: حميد داوود آبادي

يموج هذا المؤلَّف بالصدق والصفاء العارم. فغالبًا ما غيّب

 

142

 


116

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

الكاتب دوره، وبرّز ذكرى رفاقه الشهداء. تنعكس هنا روحيّة التعبويّ تقريبًا، بجميع جوانبها، فيمكن الفهم عندها كيف كان شبابٌ في أتون الحرب المستعرة، يتحوّلون إلى جواهر متلألئة... سؤالي لنفسي هو: كم سيتمكّن الّذين رجعوا من معراجهم من حفظ تلك الحال والهيام بعد الرجوع من السفر "من الحقّ إلى الخلق"، وحتّى من استحضارها جيّدًا؟ وماذا قدّمنا نحن في سبيل هذا الهدف السامي؟ وماذا فعلنا؟ طبعًا، إنّ قصوري أو تقصيري وتقصير مَن هم أمثالي، لا يمكن أن يرفع هذا التكليف الشاقّ عن أولئك الّذين أتمّ الله حجّته عليهم. هذا الكتاب، من خلال الروح المرحة والأدب الساخر المنتشر في جميع فصوله، والّذي أضفى عليه حلاوةً وجاذبيّة خاصّة، هو أكثر كتب الجبهة لفتًا وجاذبيّة. طالعته في الليالي والأيّام المؤدّية إلى العشرين من شهر رمضان 1412.

 

(25/3/1992) م

 

الرحلة رقم22 (ذكريات عصام عبد الوهاب الزبيدي)

ترجمة: محمّد حسين زوّار الكعبة

تمّت مطالعته في 17/6/1992م.

 

هذا الكتاب من ناحية تقديمه لمعلومات عن قوّة العراق الجويّة، وبعض المسائل الجانبية، لا يخلو من فائدة.

 

الخطأ بدزفول بدل العمارة هو النكتة الجميلة واللافتة في القصة.

 

 

143

 


117

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

كتف الساتر الترابيّ الجريح

تأليف: سباح پيري

كلّما اقتربنا من نهاية الكتاب، نشعر أكثر بروح الإخلاص والصفاء الحافل بهما. إنّني أتحسّر على نفسي، وأغبط هؤلاء الشباب الشجعان والمؤمنين والمضحّين، الّذين نالوا في عمر، هو أقلّ من نصف أعمارنا، مقامات يشعر أمثالي عند قراءة تفاصيلها بالعروج المعنوي.. عسى أن يتمكّنوا على امتداد الزمان، من حفظ ما نالوه في معراج الجهاد والفداء جيّدًا.. هذا الكتاب إبداعيّ وهو يحتوي أيضًا نثرًا محكمًا ممّا يزيد من قيمته. الميزة الهامّة في هذا الكتاب أنّه يحكي عن أحوال المسعفين. كان من اللازم جدًّا ولا يزال، على الجبهويّين اللوجستيّين ـ أمثال: عمّال الإنشاءات، والمسعفين، والسائقين، والطبّاخين، والعاملين على التجهيز والتموين، الّذين لكلّ منهم عالمه الخاصّ، ولم تكن تضحيات بعضهم لتقلّ خطرًا عن المجاهدين في الخطوط الأمامية للجبهة، بل كانت أشدّ خطرًا (كحَفَرَة الخنادق، وواضعي السواتر الترابية) ـ أن يكتبوا سِيرهم، أو يروُوا هم، ويكتب شخص آخر. وبالجملة، ينبغي شكر هذا الشاب العزيز والناشرين.

 

26/3/1992م

الموافق لـ 21 رمضان المبارك 1412.

 

144


118

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

السفر إلى مدينة الزيتون

إعداد: جواد جزّيني

لم أستطع أن أكمل حتّى الجزء الأوّل من هذا الكتاب. فما إن قرأت ما جرى مع كميل، وقصّة ذلك القلب الصغير المثقلة بالغمّ، حتّى فقدتُ قدرتي على التحمّل.. لقد كان الوضع مختلفًا عمّا هو في تقارير الجبهة، فكم من الدقائق تبلّل الوجه بالدموع أمام تلك الصور الدامية.. لكنّ غمّ وقائع الشهادة يحمل في نفسه حرقة ولوعة عذبة، تمامًا كالغمّ في مجريات العشق.. فليس فيه شعور بالخسران، وكلّ ما يحدث جميل وحسن.. إنّه لأمر غريب حقًا.. لا ارتباط له بالموت والفناء والخراب.. تبارك الله، ما أبدع سبيله، وأحلى التسرّع إليه.

 

28/3/71ش 18/6/1992م.

 

مرج الشقائق

تأليف: محمّد رضا بايرامي

لقد كان للجيش بحجمه الكبير وجهوده المتنوّعة، حصة كبيرة في تنظيم حرب الدفاع المقدّس التي استمرّت ثماني سنوات. الذكريات الأخرى التي قرأتها كانت جميعًا تصويرًا لوضع الحرس والتعبئة وحالتيهما، وهذا كتاب يبيّن وضع وحدات الجيش.

 

..السبك الفنّي والقلم الجميل لهذا الكاتب قدّم معونةً تستحقّ

 

145

 


119

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

الثناء، في إضفاء الرونق على الحوادث والوقائع الّتي جرت في خطوط الجيش.. طبعًا إنّ الفجوة بين هذا وبين ما نعلمه وقرأناه عن التعبئة، عميقة جدًّا. هنا يمكن أن نرى وضع وحدات الجيش بنحو جيّد. قرأت الكتاب دفعةً واحدةً يوم الجمعة.

 

7/1/1371 1ش. 6/4/1992م.

 

"رصاصة أخرى تنفجر، وعلت أصوات الضحك.

 

بعد تناول طعام الفطور، وفيما كنّا نضع الفحمات جانبًا، رأينا أنّ المكان تحت فرن الغاز مليء بطلقات الكلاشنكوف".

 

مرج الشقائق ( الصفحة 46)

 

هذا الاستهتار في أمر الذخائر، لا نراه في وحدات التعبئة التي أُطلق عليها "اللا انضباطية" .. التدين..

 

"السائق الذي كان يرى بهذا النحو، استدار بالسيارة مئة وثمانين درجة وفرّ مسرعًا من طريق الشهادة".

 

مرج الشقائق (الصفحة 50)

 

سقى الله أيام جرافات جهاد البناء وحفاراتها، وسائقيها الشجعان ..

 

"وانتبه العراقيّون أيضًا فأمطروا الجادّة بوابل من النيران. وهذه المرّة كانت أعنف وأكثر تركيزًا، ولكنّ السائق لم يكترث بهذا الأمر، وكأنه لا يراهم على الإطلاق، أمّا أنا فذهلت من هذا الاختلاف بين إنسان وآخر".

 

مرج الشقائق (الصفحة 51)

 

146


120

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

إذًن، في كلّ مكان يوجد أناس كهؤلاء، سبحانك لا علم لنا...!

 

"بعد ساعة تشكّلت في ذهني بشكل تامّ، هيكليّة القصة الطويلة التي كانت قد شغلت فكري أوقاتًا. وكان المطر يهطل أيضًا".

 

مرج الشقائق (الصفحة 94)

 

لا شكّ في أنّها قصة نسور التلة 60 التي قرأتها، ولم أستشمّ منها رائحة التعبئة (أظنّ أنّني كتبت هذا الأمر على الخلفيّة الداخليّة للكتاب). والآن يتبيّن أنّ الكاتب في جوّ قصّة تعبوية، كان يريد تجديد المعلومات التي كان يعلمها من محيط الجيش، ووضعها في مكان آخر...

 

"جهزّناه فبقي خاليًا. لا أحد من الذين كانوا يشاركوننا بالصلاة أتى على الموعد. لا العريف "بايين شهري" ولا إخواننا الشباب السنة في خندق الأكراد، أدّيت الصلاة وحدي، وعدت ثانية إلى نقطتي. في أثناء غيابي، ازدادت الأتربة مرة أخرى".

 

مرج الشقائق (الصفحة 115)

 

مُصلّو فصيلة أو سريّة

 

منظومه الأنصار

تأليف: فتح الله ناد علي

"تحدث الحاج محمد كوثري - قائد اللواء - عن المرحلة الحاليّة للحرب ووضعِ الثورة الحسّاس، ومؤامرات الاستكبار العالمي، وذكر أنّ سبب تراجعنا كان عدم امتلاك البرنامج،

 

147

 


121

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

وقلّة الطاقات، وعدم العمل في خطوط الدفاع، وقال: "لا ينبغي أن نصغي إلى الشائعات التي تتحدث عمّا يجري خلف الجبهة. كلّنا نؤمن أنّ الحرب ينبغي أن تستمر حتى النصر".

 

منظومة الأنصار (الصفحة 110)

 

عجبًا، فلا القائد كوثري ذكر، ولا هذا الكاتب العزيز، أنّ السبب الأهم كان انشغال الحرس اللامنطقي في منطقة الشمال الغربي، وغفلتهم عن الجنوب، أو أنّهما لم يلتفتا إليه على الإطلاق.

 

"لقد أحدثت كثرة إرسال القوى إلى الجبهة فوضى عارمة في سائر أنحاء البلاد. كان حجّة الإسلام والمسلمين الخامنئي، رئيس الجمهورية المحترم، وإمام جمعة طهران قد أعلن: "من خلال معرفتي الدقيقة للأوضاع، سأذهب إلى الجبهة، وأدعو أئمة الجمعة كافة، إلى مدّ يد العون والمساعدة الوافرة".

 

منظومة الأنصار (الصفحة115)

 

إلهي: بأيّ حماسة وحالة كتبتُ هذا الإعلان، وأيّ أثر رتّبت عليه؟!

 

يا من يعطي الكثير بالقليل..

 

"قيل لي عند القبول بالقرار القاضي بوقف الحرب: "واحسرتاه إذ أغلق الله علينا باب الجهاد والشهادة، وسلبنا هذه النعمة الكبرى".

 

منظومة الأنصار (الصفحة 118)

 

 

148


122

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

تمامًا كذلك الشعور الذي تملّكني بعد يومين أو ثلاثة من القبول بقرار وقف الحرب، كان هذا الشعور عينه، إذ بمحض سماع خبر هجوم العراق ثانية، لم أتمالك نفسي وذهبت مباشرةً إلى الجبهة.. لكن يا حسرتي..

 

الفصيل الأوّل[1]

إعداد: أصغر كاظمي

كان هناك تصوير عظيم للحرب، لكنّه بعيد عن أعين الجميع، مهيب وعظيم. فهو كلوحة وُضعت في مكان عالٍ وكان على الإنسان أن ينظر إليها من بعيد. جاءت هذه الكتب وقرّبت الجزئيّات والتفاصيل الصغيرة في هذه اللوحة، بحيث صار بإمكان الإنسان الآن أن يراها. انظروا كتاب "الفصيل الأوّل" هذا. من غير الممكن أبدًا إظهار الجزئيّات الجميلة لتلك اللوحة العظيمة سوى في مثل كتاب كهذا، وفي مقابلات كهذه، وبهذه الخصائص التي حصلت بها. للإنصاف، لقد أُعمل الذوق الرفيع في هذا الكتاب، وأُنجز عمل رائع.

 

بابا نظر

إعداد: مصطفى رحيمي (الذكريات الشفاهيّة للشهيد محمد حسن نظر نجاد)


 


[1] مترجم وصادر عن مركز المعارف للترجمة، نشر دار المعارف الإسلامية ضمن سلسلة "سادة القافلة".

 

149


123

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

بابا نظر كان شابًّا بسيطًا غير ذي بال، فأصبح قائدًا وبقي في الجبهة سنوات، ومن ثمّ جُرح واستُشهد. هو من روى سيرته، ليبصر هذا الكتاب النور، ويصبح قصّة طويلة.

 

دا[1]، ذكريات السيّدة زهراء الحسيني

جمع وتدوين: أعظم حسيني

إنّ كتاب "دا" هو، حقًّا وإنصافًا، كتابٌ جيدٌ جدًا، وجدير بأن يُروّج على المستوى العالميّ. هذا الكتاب يتعلّق بقسمٍ صغير من أحداث الحرب المفروضة، وهذا يدلّ على أنّ سنوات الدفاع المقدّس الثماني تمتلك قابليّة إنتاج وإصدار آلاف الكتب، لنقل الثقافة والقيم الإسلامية والثورية إلى المجتمع والعالم... هذا الكتاب لم يُعرف حتّى الآن في أجواء بلدنا، على الرغم من أنكم قد طبعتم منه حتّى الآن مئات آلاف النسخ. ولو أنّ كتاب "دا" بات معروفًا، لنفدتْ ملايين النسخ من مراكز بيع الكتب، ولاستفاد ملايين الأشخاص من محتواه ومضمونه.. أنتم يمكنكم أن تُنتجوا ألف كتاب "دا" . إنّ "دا" هو جوهرةٌ استخرجتموها من أحد المناجم، فتابعوا في هذا الطريق.

 

 

الإمام الخامنئيّ دام ظلّه (17 أيار 2010م).

 


[1] مترجم وصادر عن مركز المعارف للترجمة ضمن سلسلة “سادة القافلة".

 

150


124

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

فرقة الأخيار[1] ـ ذكريات مهدي قلي رضائي

 

الكاتب: معصومة سبهري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إنّه أيضًا لقطعة من تلك اللوحة الفنية العظيمة والرائعة التي طالما شاهدناها من بعيد فمجّدناها وأثنينا عليها، دون الغوص في دقائقها الظريفة ونقوشها الإعجازيّة المكوّنة لها ومَرَجِ ألوانها الفريد في كل جزء من أجزائها. هذا الكتاب، شرح لتلك اللمسات الظريفة المذهلة في قسم من تلك اللوحة التاريخية الخالدة. وما ورد فيه ـ وهو ـ الأكثر تألقًا، كان حول عمليات: بدر، والفجر (8)، كربلاء (5)، كربلاء (4) وبيت المقدس (2و3). إضافةً إلى الجهاد والقتال في جبال غربي البلاد، في "ماووت" و"كرده رش" و"قاميش" وغيرها من الجبال الوعرة. وما يتعلّق بوحدات الاستطلاع والغواصين والأقسام الأخرى وفصائلها، لجدير به أن يقدّم بشكل فيلمٍ أو رواية.

 

فروردين 92. آذار 2013


 


[1] مترجم وصادر عن مركز المعارف للترجمة ضمن سلسلة “سادة القافلة".

 

151


125

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

نور الدين، إبن إيران[1] ـ ذكريات نور الدين عافي

 

كتابة: معصومة سبهري

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

هذه أيضًا واحدة من أروع اللوحات التي رسمتْ صفحات سنوات الدفاع المقدس الثماني المعجزة والمعطاءة. لقد أبدع كلٌّ من الراوي والكاتبة حقّا. إنّ امتزاجَ هذه الذكريات بروح الفكاهة وعذوبة البيان التي فاضت بها قريحة الراوي، قد نُظم في المتن بجودة وإتقان بفضل حِرَفيّة ودقة نظر الكاتبة، وجرأة الراوي وصراحته أيضًا في سرد نكات ووقائع تبقى مخبوءة عادة في سرد الذكريات، لهي من الخصائص البارزة لهذا الكتاب.

 

النقصُ الوحيد الذي يَظهر فيه هو عدمُ الإشارة ـ طبعًا ـ إلى دور زوجةٍ مضحِيّة، شَرَت بروحها مرارات وصعوبات حياةٍ مع مقاتل شرس وجريحٍ ومشاغب، وتَقبّلتْ برضًى مشاركته حياةً قاسية، طبعًا، حياةً مليئة بالأجر والثواب.

 

لقد أمضيتُ ساعات رائعة مليئةً بالصفاء بين صفحات هذا الكتاب ومقاطعه في لحظات ما قبل النوم. والحمد لله.

 

20/10/90ش

10/01/2012

 


 


[1] مترجم وصادر عن مركز المعارف للترجمة ضمن سلسلة “سادة القافلة".

 

 

152


126

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

القدم التي بقيت هناك[1]

كتابة: السيّد ناصر حسيني بور

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

حتى الآن لم أقرأ أيّ كتاب ولم أسمع أيّ كلام، صوّر مشاهد أسر رجالنا في قبضة البعثيّين العراقيّين الأنذال، كما صوّرها هذا الكتاب. إنّها رواية استثنائيّة لحوادث مؤلمة تظهر للقارئ في كلّ جزء من أجزائها، وكلّ كلمة من كلماتها مدى صبر شبابنا المجاهدين وصمودهم وشهامتهم من جهة، ومن جهة أخرى مدى خبث جنود صدّام وأزلامه وقسوتهم، فتدهشه، وتثير فيه الإعجاب والثناء والشعور بالعزّة من ناحية، ومن ناحية أخرى الحزن والغضب والاشمئزاز.

 

2/6/91ش..23/8/2012م

 

أولئك الثلاثة والعشرون فتى[2]

كتابة: أحمد يوسف زادة

"عشتُ ساعاتٍ عذبة بعذوبة هذه الكتابة الجزلة الجذابة والبارعة -في الأيام الأخيرة من عام 1393 هـ.ش (آذار2015)، وقضيتُ أوقاتًا مع هؤلاء الرجال (الفتية)، الصغار في السنّ وذوي الهمم العالية. أحيّي هذا الكاتب الموهوب، وأولئك الفتيان الـثلاثة والعشرين، واليد القديرة الحكيمة المبتكرة والصانعة للمعجزات


 


[1] مترجم في مركز المعارف للترجمة ضمن سلسلة “سادة القافلة".

[2] مترجم في مركز المعارف للترجمة ضمن سلسلة “سادة القافلة".

 

153


127

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

التي صاغت كلّ هذا الجمال وأشكر الله وأسجد لله شكرًا على ذلك.

 

مرّة أخرى شاهدت كرمان من نافذة هذا الكتاب، كما شاهدتها وعرفتها من ذي قبل، وأثنيت على تلاوينها الجميلة المتألّقة".

 

النوافذ العطشى[1]

تأليف: مهدي قزلي

بسم الله الرحمن الرحيم

 

من هو هذا الحسين الذي العالم كلّه مجنون به

أيّ شمع هذا الذي الأرواح كلّها فراشات له

أيّتها الشعلة المتوقّدة، والنور الساطع، ومُمدّ قلوب الخلائق بالحرارة: من أنتَ بهذه العظمة والجلال، بهذه الحلاوة والجاذبيّة، بهذه الهيبة والاقتدار، بهذا الجيش من القلوب معك، بضجيج الملائكة الذين ينافسون الآدميّين بجانب موكبك؟ من أنت يا نور الله؟ ماذا فعلت في سبيل ربّك لتكون مكافأتك صيرورة كلّ ما يمتّ إليك بصلة إلهيًّا؟ بنفسي أنت، بروحي أنت، بمهجة قلبي أنت، وسلام الله عليك يوم وُلدت ويوم استُشهدت مظلومًا ويوم تبعث فاخرًا ومفخَرًا.

 

29/2/93 (20 أيار 2014)

 

كُتب بأسلوب جيّد وبذوق رفيع، وبنظرة فنّيّة متفحّصة ومتحرّية للنكات اللافتة."

(قرأت حتى تاريخ 28/2/93)

 


 


[1] مترجم وصادر عن دار الحضارة.

 

154


128

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

سأنتظرك[1] (ابنة شينا)

ذكريات قدم خير محمدي كنعان

إعداد: بهناز ضرابي زادة

رحمة الله على هذه السيدة الصبورة المؤمنة، وعلى ذلك الشاب المجاهد المخلص المضحّي، الذي لم تستطع الآلام المضنية التي كابدتها زوجته الحبيبة إلى قلبه أن تعيقه عن مواصلة جهاده الصعب. من المناسب أيضًا تكريم أبناء هاتين الروحين الساميتين.

 

حين اختفى القمر[2]

ذكريات الجريح علي خوش لفظ

إعداد: حميد حسام

شباب همدان، شباب الصفاء والعشق والإخلاص، رجال كبار متواضعون، أنصار الحسين عليه السلام، أنصار دين الله.. الأمّهات صانعات الرجال شجاعات صبورات.. أجواء المعنوية والمعرفة، القلوب النيّرة، والهمم والعزائم الراسخة، والبصائر والأعين التي ترى ما وراء حجاب الظاهر، هذه، وكثير من جداول المياه العذبة الحلوة الأخرى، تَسقي من معين هذه الرواية الصادقة والكتابة


 


[1] مترجم وصادر عن مركز المعارف للترجمة، نشر دار المعارف الإسلامية ضمن سلسلة "سادة القافلة".

[2] و2 مترجم وصادر عن مركز المعارف للترجمة ونشر دار المعارف الإسلامية ضمن سلسلة " سادة القافلة".

 

155


129

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

المتقنة، قلوبَ المشتاقين باللذة، وتزيد لهيب الشوق فيها اشتعالًا.

 

الراوي هو نفسه شهيد حيّ. والحمد لله ربّ العالمين إذ لم يستطع جسده المثخن بالجراح التقليلَ من حيويّة فؤاده ويقظته. إنّ الكاتب هو الآخر من جمع هؤلاء العشاق أصحاب التجارب. هنيئًا له ولكلّ أولئك فيض الرضوان الإلهي إن شاء الله.

إنّ ما كتبته عن هذا الكتاب قليل، فأسلوبه ألطف من هذا بكثير. ومقدّمة الكتاب قصيدة غزليّة بكلّ ما للكلمة من معنى.

 

شهريور91ش.(7 كانون الثاني 2017م)

 

الرَّوضةُ الحادية عشرة

ذكريات زهراء بناهي روا زوجة الشهيد علي شيت سازيان

الكاتب: بهناز ضرابي زادة

إنها رواية مشوّقة لحياةٍ حافلة بالجهاد والإخلاص، لرَجُلٍ نال في عنفوان شبابه مقامَ الرجال الربّانيين الكبار، وحاز العزّة على الأرض وفي الملأ الأعلى.. فهنيئًا له.

 

عبّرت الراوية - شريكة حياته القصيرة - في روايتها البريئة، بشفافيّة، عن الصدق والنقاء والإخلاص.

 

كما إنّ قلم الكاتبة المبدع وإنشاءها المفعم بالذّوق واللطف، بعثَا الحياة في كل هذا السّفر، فمرحى لكِلتَا السيّدتين، راوية الكتاب وكاتبته.

 

21/10/1395ش

10/1/ 2017م

 

156


130

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

الضربة المقابلة

إعداد: كلعلي بابايي

إنّ كُتبًا من أمثال "الضربة المقابلة"، و"مع الصاعقة"، ينبغي أن تكون كُتبًا منتشرة بين يدي المنتسبين إلى الحرس وعوائلهم.

 

أنا على قيد الحياة[1]

الكاتبة: معصومة سبهري

كنت أشعر بالشجن والفخر في أنٍ معًا، وأنا أقرأ هذا الكتاب، وأحيانًا من خلال غشاوة الدموع. وحيّيت الصبرَ والمروءة والطهر والصدق، وهذه البراعة في تجسيد كلّ ذلك الجمال والقبح والألم والفرح.

 

كنز الذكريات هذا وخواطر المجاهدين والأحرار ذخرٌ عظيمٌ وقيّمٌ، ويُعدّ تاريخًا مليئًا بالدروس والعبر، وإخراجها من نطاق الذهن والذاكرة إلى التدوين والفنّ والعرض المسرحي إنّما هو خدمة جليلة.

 

إنه أيضًا من الكتابات الواجب ترجمتها، وتحيّتي لبطلات الكتاب الأربع، ولا سيّما الكاتبة والراوية البارعة.

 

5/7/1392 هـ. ش

(27-9-2013)

 


[1] مترجم وصادر عن دار المعارف ضمن سلسلة "سادة القافلة".

 

157


131

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

"عباس دست طلا"

ذكريات الحاج عباس علي باقري

"إنّ هذا العمل الذي بدأ مؤخّرًا، حيث تؤخذ منكم الذكريات بأدقّ الجزئيّات والتفاصيل، لهو عمل رائع جدًّا. لقد قرأت مجلّدين من كتبكم هذه، أحدهما كتاب السيّد بنايي، والآخر كتاب الحاج عبّاس دست طلا الطويل الذي يحتوي على تفاصيل وجزئيّات. وكان للإنصاف جيّدًا جدًّا... فقد حوى مواضيع وذكريات كثيرة، كما أنّ المرء يلمس فيه آثار الإخلاص والصدق تمامًا ويشاهدها.

 

أسأل الله تعالى أن يحشر ولده الشهيد مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأن يحفظه هو بحفظه."

 

"فرنگيس"

ذكريات فرنكيس حيدر بور

تدوين: مهناز فتّاحي

يمكن مشاهدة جزء غير محكيّ ومموّه من حوادث مرحلة الدفاع في هذا الكتاب، الذي يحكي سيرة هذه السيّدة الشجاعة والمضحّية. لقد تحدّثت السيّدة فرنكيس الشجاعة معنا بتلك الروحيّة الراسخة والقويّة، وبلغة سيّدة قروية صادقة وشفّافة، وبمشاعر امرأة مرهفة الأحاسيس، وعرّفتنا إلى منطقة مجهولة ومهمّة من جغرافيا الحرب المفروضة بجزئيّاتها.

 

158

 


132

الفصل الخامس: باقة من العناوين التي طالعها القائد

إنّنا لم نكن نعلم عن تلك القرى الحدوديّة في مرحلة الحرب ومصائبها الكثيرة والتشرّد والجوع والخسائر الماديّة والخراب وفقد الأحبّة، بهذا الوضوح والتفصيل، الذي ورد في هذه الرواية الصادقة، وكذا عن تضحيات شبابها الذين كانوا من أوائل المسارعين إلى مواجهة العدوّ المهاجم. قصّة قتل ضابط، وأسر جندي من جنود العدوّ على يد هذه السيّدة الشجاعة، تشكّل وحدها قصّة مستقلّة واستثنائيّة، لم يحدث مثلها سوى في سوسنكرد في تلك الآونة. يجدر بالسيّدة بانو فرنكيس أن تكرّم، كما لا بدّ من تقديم الشكر الجزيل للسيّدة "فتاحي" على أسلوبها السلس والبليغ، وفنّ الاستنطاق وكتابة القصص والذكريات.

 

159


133

ملحق: كلمة الدكتور غلام علي حداد عادل

القائد والكتاب علاقة وطيدة

 

برواية الدكتور غلام علي حداد عادل

 

إن إحدى الخصائص الّتي تميّز القائد في مطالعة الكتب، هي مطالعته الفعّالة، فالقائد عند مطالعته لكتاب ما، يدوّن بعض الأفكار في حاشيته.

 

بداية أودّ القول إنّنا لم يسبق أن جلسنا مع سماحة آية الله الخامنئي وتحدّثنا بشكل مستقلّ عن مكتبته ومجال مطالعاته، لأنّ هذا الموضوع يرتبط بنحوٍ ما بحياة القائد الشخصيّة. غالبًا ما تكون القضايا المهمّة والأساسيّة في البلد - والمرتبطة بالثقافة والسياسة والمتابعات كثيرة، عندما نلتقيه - بحيث لا يبدو مناسبًا بعدها الأخذ من وقته للحديث عن مكتبته بشكل خاصّ. وعليه، فما أقوله مستند إلى استنتاجات جمعتها في ذهني خلال سنوات طوال - ثلاثين سنة - من معرفته والأنس به.

 

المجال الواسع

النقطة الأولى هي أنّ المجالات الّتي يهتمّ القائد بالمطالعة

 

181

 


134

ملحق: كلمة الدكتور غلام علي حداد عادل

فيها ليست رسميّة تمامًا ولا متطابقة مع المطالعات المعهودة بين رجال الدِّين. فرجال الدِّين يهتمّون بالمطالعة في مجال خاصّ حسب ما يقتضيه جوّ الحوزة من دراسة وبحث.

 

وهكذا الأمر بالنسبة إلى المتخصّصين في المجالات الأخرى، كالمهندسين، والأطباء، و.... في النهاية كلّ شخص يهتمّ بالمطالعة في مجال اختصاصه. طبعًا، من الممكن أن يكون بين هذه الفئات أشخاصٌ لا يهتمّون بالمطالعة، ولكن إذا أرادوا المطالعة، تجدهم يطالعون في مجال اختصاصهم. أمّا القائد، فإنّه إلى جانب مطالعاته المطلوبة في مجال دراسته وأبحاثه الّتي تستلزمها دراسته التقليديّة للفقه والأصول والمعارف الإسلاميّة، قد وضع نصب عينيه مجالًا واسعًا للمطالعة، و ذلك منذ بداية حياته، ومجال المطالعة الواسع هذا هو الجزء الأساس من مكتبته الشخصيّة.

 

يشتمل مجال المطالعة هذا على الأدب أوّلًا، فهذا قسم من مطالعاته، خصوصًا، الشعر. والقائد أستاذٌ في فهم لطائف الشعر وظرائفه، وله إلمام بفنّ نقد الشعر، فقد كان منذ الشباب يشارك في مجالس قراءة الشعر ونقده. تلك الجلسات الّتي كان يديرها أدباء وشعراء من الطراز الأوّل في خراسان، وكبار السنّ المعروفون باهتمامهم بالأدب، فقد كان السيّد الخامنئي مرتبطًا بهذه المحافل الأدبيّة، وبالتالي من الطبيعيّ أن تعثر في مكتبته على الكثير من دواوين الشعر: القديم منها والحديث.

 

والقائد يتابع آخر أخبار الشعر الفارسيّ، وهو يعرف أكثريّة

 

182

 


135

ملحق: كلمة الدكتور غلام علي حداد عادل

الشباب الّذين تظهر فيهم القريحة والنبوغ الشعريّ. وهو يفتح لكلّ شاعر حسابًا، ويحتفظ في ذهنه بما يتّصف به هذا الشاعر من حسنات ومعايب، ثمّ يصنّفه ضمن رتبة معينة في الأدب الفارسي.

 

المجال الثاني الّذي يطالع فيه القائد هو أدب القصص، الإيرانيّة منها والأجنبيّة، طويلة كانت أم قصيرة. لعلّه من غير المسبوق ومما قد لا تجد له نظيرًا أن ترى مجتهدًا ومرجعًا قد قرأ الأعمال الروائيّة الكبيرة من قبيل "الدون الهادئ" لشولوخوف، أو أعمال رومان رولان من قبيل "الروح الوالهة"، وأن يكون لديه تقييم دقيق لها. وما زال حتّى الآن يقرأ الروايات الأجنبيّة. وممّا يمتاز به القائد هو أنّه يدوّن بعض الملاحظات بشكل مختصر في نهاية الكتاب. وقد رأيت الكثير من الروايات الّتي كتب رأيه في نهايتها. في هذه الملاحظات نرى تحليل القائد دام ظلّه لهذه الروايات، والظروف الّتي كُتبت فيها، وهدف الكاتب من كتابتها، والطريقة الّتي عبّر بها لبلوغ مقصوده... فيكتب القائد هذه الأمور، ثمّ يصدر حكمه في العمل، هل كان جيّدًا أم لا، هل كان الكاتب ناجحًا أم لا؟

 

أما المجال الآخر الّذي يطالع فيه فهو أعمال المفكّرين المعاصرين، على الرغم من وجود طيف واسع من الفكر. وفي الواقع تعتبر معرفته الجيّدة بالتيّار الفكري المعاصر في إيران ـ خصوصًا ـ تيار ما قبل الثورة، إحدى مميّزاته. وقد قرأ أعمال رموز هذه الحقبة. ولعلّ أقربها للجو الديني ما كتبه (جلال) آل

 

183

 


136

ملحق: كلمة الدكتور غلام علي حداد عادل

أحمد[1]. لقد كان القائد على معرفة شخصيّة بـآل أحمد، وبأعماله وأفكاره، ومدركًا تمامًا لمنزلته في معترك الفكر وأسلوبه في النثر الفارسي. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الآخرين... فالسيّد القائد مطّلع على جيل المفكّرين المعاصرين الّذين يشكّلون إجمالًا كتّاب عصر المشروطة ومفكّريه. ومثال على ذلك، فإن القائد يهتمّ تحديدًا بكتاب "قصة المفكّرين الأوائل"[2].

 

المجال الآخر الّذي يطالع فيه القائد هو التاريخ، ولا سيّما تاريخ إيران. ولديه اهتمام بالغ بمطالعة تاريخ الشخصيّات والشعوب وسِيَرها، وهو يستفيد منها استفادات خاصّة وجيّدة. ولدى القائد الخامنئي معرفة لافتة للنظر، في الرجال والشخصيّات، والأشخاص المؤثّرين في التحوّلات المعاصرة، ... أحيانًا عندما أزوره، ونمرّ على ذكر شخصيّةٍ ما، نرى أنّه يعرفها جيّدًا، وينسب معلوماته إلى كتاب كذا وكذا، كأن يقول: الكتاب الفلاني بحث الموضوع بهذه الطريقة، ونسب إلى فلان أمورًا معيّنة.

 

ومن بين مجالات مطالعة قائد الثورة أيضًا، التاريخ الشفهي، خصوصًا، الآثار المنبثقة عن الثورة الإسلاميّة، سواء تلك الّتي تتحدّث عن الثورة أم عن الدفاع المقدّس أم... غيرها ومن بين الأعمال الّتي حازت اهتمامه في هذا المجال، يمكن الإشارة


 


[1] جلال آل أحمد.

[2] ماجراي روشنفكران اوليه.

 

184


137

ملحق: كلمة الدكتور غلام علي حداد عادل

إلى "خاطرات أحمد أحمد"[1] و"خاطرات عزت شاهي" وكتاب "همپاي صاعقه"[2]، وكتاب "دسته ى يك"[3].

 

فضلًا عن مطالعة آخر الكتب في العلوم السياسيّة. فالقائد يعتني اعتناءً خاصًّا بالكتب العلميّة والإسلاميّة. وله مطالعات في السيرة والفلسفة، كما أنّه يقرأ المجلّات المتنوّعة، في مختلف المجالات العلميّة والثقافيّة والبحثيّة بجدّيّة واهتمام.

 

التسلية الفكريّة

من خصائص القائد في المطالعة، المداومة، بغضّ النظر عن مطالعته في موضوعات البلد الرئيسة بحكم العمل، اعتاد القائد المطالعة في الليل قبل النوم، مطالعة خفيفة غير مطالعته المكثّفة لتحضير درس بحث الخارج في الفقه، أو التحضير لإلقاء خطاب، المطالعة آخر الليل هي في الواقع ترويح عن النفس وتسلية فكرية. طبعًا، مطالعة القائد تعتبر بالنسبة إلينا مطالعة مكثّفة، وهذا لديّ ذكرى جميلة حوله.


 


[1] خاطرات = مذكرات.

[2] تلفظ هكذا: ham paye saa›eghe، وتعني رديف أو مع الصاعقة أو Along with the thunde rbold، كتاب يتحدّث عن مجريات مرحلة من معارك الحرب المفروضة (إيران  ـ العراق) ـ عمليات “فتح المبين" و"بيت المقدس". الكتاب مترجم في بيروت.

[3] اسم الكتاب: Dasteye yek، “الفصيل الأول" كتاب مذكّرات يتحدّث حول ليلة عمليات جادة الفاو ـ أم القصر، من معارك الحرب المفروضة. مترجم وصادر عن مركز المعارف للترجمة.

 

185


138

ملحق: كلمة الدكتور غلام علي حداد عادل

خاطرة حلوة

طبع كتاب تحت عنوان "مهدوي نامه"، وهو مجموعة من المقالات قُدّمت إلى أستاذنا الدكتور يحيى مهدوي. وبسبب مودّتي للدكتور مهدوي، أهديت القائد نسخة من هذا الكتاب. وكان لي في هذا الكتاب مقالتان. إحداهما، موضوعها: التعريف بشخصيّة مهدوي، والأخرى: علميّة حول فلسفة لايبنتز[1]. أمّا باقي المقالات فأغلبها في مجال الفلسفة الغربيّة. وكنت قد اقترحت فيما مضى تأليف كتاب كهذا، وتابع الأٍساتذة وبعض الأصدقاء الموضوع. وبعد عدّة سنوات خرج هذا الكتاب من الطبع في ما يقرب من 500 صفحة. وعلى كلّ حال، قدّمتُ للقائد نسخة منه.

 

ثمّ لم تمض فترة طويلة حتّى التقيتُ سماحته، ولعلّ ذلك كان بعد شهر تقريبًا. فقال لي: "لقد قرأت الكتاب الّذي أعطيتنيه". فبقيتُ متحيّرًا إذ كان هذا الكتاب الّذي أُلّف باقتراح منّي، ويتضمّن مقالة من تأليفي، لم يسمح لي وقتي بقراءة أكثر من خمسهِ، فكيف استطاع القائد أن يقرأه كلّه مع كلّ ما لديه من التزامات، ولا سيّما أنّ الكتاب ليس في إطار عمله. وهذا يدلّ على تمرّسه في المطالعة واهتمامه بالمجالات الفكريّة والثقافيّة المختلفة.

 

وهذا، كما قلت، ليس مما ذكرت من مطالعاته الّتي يعتبرها


 


[1] غوتفريد فيلهيلم لايبنتز.

 

186


139

ملحق: كلمة الدكتور غلام علي حداد عادل

مسؤوليّته في النظام ومركزه في القيادة والمرجعية. فسماحته يطالع التقارير السياسيّة، وتقارير مقتطفات المجلّات الهامّة في العالم الّتي توضع بين يديه، أو الكتب الهامّة الّتي تدوّن في مجال القضايا السياسيّة العالميّة العامّة والثورة، والكتب الّتي تتّسم بجنبة استراتيجيّة، فهذه مجالات أخرى يطالع فيها سماحته، فالحديث عنها مختلف.

 

وعليه، فما يقرأه القائد هو متنوّع، وطبعًا كثير، وهو في الوقت نفسه ينظّم هذه الأمور ضمن منظومة مدروسة، فهو لا يجلس ليطالع أيّ كتاب يحصل عليه، ويقرأ ليملأ وقت الفراغ وحسب.

 

من الأمور الّتي يمتاز بها القائد أيضًا بالنسبة إلى المطالعة: مطالعته الفعّالة. إذ إنّه يدوّن بعض الأفكار في حواشي الكتاب أثناء قراءته، وكان المرحوم الشهيد مطهري يتّبع هذا الأسلوب نفسه. وحواشيه على ديوان حافظ هي أحد نماذج هذا النوع من المطالعة.

 

وهكذا بعد أن يقرأ القائد كتابًا، يستطلع مكتبه هذا الكتاب، ويدوّن ويضبط ما كتبه سماحته عليه. في إحدى المرّات ذهبت للقائه، فقلت: لقد قرأت مؤخّرًا كتابا اسمه "رسائل من لندن" لتقي زادة، إشراف ايرج افشار، وقد طبع منذ 15 سنة. إن هذا الكتاب يستحقّ القراءة. ثمّ كنت قد حملت إليه كتابي، فأعطيته إياه وقلت: تفضلوا بقراءته. فقال سماحته لي: "إذا أخذت كتابك فلن أستطيع ردّه إليك، لأني سأكتب في حاشيته، وسيحتفظ المكتب به". فقلت: "اقرأه، ولا مشكلة" وأعطيته

 

 

187


140

ملحق: كلمة الدكتور غلام علي حداد عادل

الكتاب. وبعد مدّة، لم يرجع الكتاب إليّ، لكنّه تلطّف وأرسل إليّ صورًا للصفحات الّتي كنت قد دوّنت عليها بعض الأمور. وأعتقد أنّ بعض حواشِيه كانت إلى جانب حواشيَّ، وهي الآن في مكتبتي أحتفظ بها.

 

النسخة الثانية

كثيرٌ من الأشخاص الّذين يؤلّفون كتابًا، يرسلون نسخةً إلى سماحته. وأحيانًا يكون هذا الكتاب، بحسب المعهود رسميّا، مصحوبًا برسالةٍ إلى مكتب القائد يطلب فيها تسليمه إيّاه. كما يرسل أحيانًا بعض الناشرين منشوراتهم إليه، سواءٌ في ذلك الناشرون الّذين يطبعون تلك الكتب على نفقة الدولة، ويعتبرون جزءًا من الجهاز الثقافي العامل في البلد تحت إشراف القائد، فيرسلون هذه الكتب إلى سماحته كجزءٍ من مهامهم، أو الكتب الّتي يرسلها الناشرون لمحبّتهم للقائد، ولأنهم يريدون أن يطّلع القائد على طبيعة عملهم. ولا شكّ في أنّ القائد على اطّلاع بما يعانيه قطاع النشر من نواقص وعيوب، ولكنّه لا يتعامل مع هذا الموضوع بشكل مباشر.

 

هناك بعض الناشرين الّذين يرسلون إليّ نسختين، عندما يريدون أن يرسلوا إليّ كتابًا. وأنا أعلم أنّ الهدف من النسخة الثانية إيصالها إلى سماحته. يقول لي أحيانًا، من أين علمت أنّهم أرسلوها لي؟ فأقول: "لديّ حدس قويّ يقرب من اليقين أنّهم يعرفون أنّي أزورك وهم أرسلوه من أجلكم". في إحدى

 

188

 


141

ملحق: كلمة الدكتور غلام علي حداد عادل

المرّات قال لي: "ممّا لا شكّ فيه أنّ هذه الكتب لك. اعتبرها لك، ثم أعطني إيّاها هدية". فقلت: "حسنًا، إذا كنتم تحتاطون إلى هذا الحدّ". بعدها، عندما رأيت ذلك الناشر سألته: "لماذا أرسلتم نسختين من الكتاب الفلاني؟" فقال: "لتعطوا سماحة القائد إحداها"، فقلت: "وهذا ما قلته له، ولكنّه مع ذلك بقي في شك". فقال الناشر: "لا، فمتى أرسلتُ لكم نسختين، فهذا يعني أنّ الثانية هي لسماحته".

 

من هؤلاء الناشرين، دار نشر "سخن"[1] والسيّد علي أصغر علمي، الّذين يصدرون الأعمال الأدبية والتاريخيّة والفكريّة. كما أنّ هناك الكثيرين الّذين عندما يأتون لزيارتي، يطلبون منّي أن أعطي نسخةً من آخر أعمالهم للقائد. وأنا أيضًا عندما أرتئي أنّ كتابًا ما يمكن أن يثير اهتمامه أو أن يكون له رأي فيه، أو يمكن أن يسعده نشره لسببٍ من الأسباب، أٌقدّمه له.

 

أمّا بالنسبة إلى كتبي، فعادةً آخذ رأيه قبل أن أطبعها. طبعًا، أنا لست بالكاتب المحترف، بحيث أنجز الكتب باستمرار، ولكنّي عرضتُ عليه خلال هذه السنوات، كلّ عملٍ أتممته. وكان يبدي رأيه إن كان هناك ما يُقال. طبعًا، لم تكن هذه الآراء مكتوبة، بل كنت أجلس إليه، وأستمع إلى ما يقوله. وقد عرضتُ عليه ترجمةً للقرآن في فترة من الفترات. فذهبت إليه، وكان سماحته يحمل في يده بعض الملاحظات الّتي كان قد دوّنها حول جزءٍ من


 


[1] تلفظ: Sokhan، وتعني بالفارسية، الكلام، ويظهر الانصراف منها إلى الكلام الأدبي خاصّة.

 

189


142

ملحق: كلمة الدكتور غلام علي حداد عادل

ترجمة القرآن هذه، وكان يقول في المورد تلو المورد، رأيي هنا كذا وكذا بينما أنا أثبتُ ما يقوله. كنت قد بعثت إليه رسالة، أن أرجو منكم أن تخصّصوا وقتًا ما، وتُسمعونا رأيكم. وقد سمعتُ ودوّنتُ رأي سماحته بشكل متفرّق في ترجمة عشرين جزءًا من القرآن الكريم حتّى الآن.

 

مكتبة القائد

على كلّ حال يمتلك القائد مكتبة كبيرة، تضمّ حوالَى الثلاثين ألف مجلّد. اللافت أنّ أشخاصًا مثل المرحوم آية الله المرعشي النجفي كانت نيّتهم منذ البداية تأسيس مكتبة، أما مكتبة القائد فقد تكوّنت بطور طبيعي. ثمّة قسم من هذه المكتبة في بيت سماحته. ويساعد أبناء القائد في إدارة هذه المكتبة بشكل جيّد.

 

في هذه المكتبة قسمٌ لحفظ كلّ نسخ القرآن الّتي تصل إلى يد القائد من الداخل والخارج، فيحفظونها هناك. وهكذا، فهناك مجموعة من المصاحف المتنوّعة، الّتي لعلّها تملأ خزانتين مخصّصتين للكتب. والقائد يقرأ في هذه المصاحف واحدًا بعد الآخر، وذلك مراعاةً لبعض الروايات الّتي تقول إنّ القرآن إذا وضع في البيت من دون أن يقرأ فيه، فسيشكو إلى الله الإهمالَ يوم القيامة[1]. هذا ويعتبر التدبّر في القرآن أهم شيء عند قراءته.


 


[1] عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "ثلاثة يشكون إلى الله عزَّ وجلَّ: مسجد خراب لا يصلي فيه أهله، وعالم بين جهال، ومصحف مغلق قد وقع عليه الغبار لا يقرأ فيه". وسائل الشيعة، ج4، ص855، ب20، ح2، والكافي، ج2، ص613، ح3.

 

190


143

ملحق: كلمة الدكتور غلام علي حداد عادل

القلب الّذي يسع الجميع

أحيانًا يتعرّف بعض الأشخاص ممّن يعملون في مجال علم النفس وعلم السلوك إلى شخصيّة الفرد إلى حدٍّ ما، ويحاولون تكوين صورة له، وذلك من خلال بعض التصرّفات والعلائم السلوكيّة. وأنا إذا أردت أن أصوِّر شخصيّة سماحة القائد من خلال مكتبته ومجال مطالعاته، فينبغي أن أقول:

إنّه رجل عالم وأديب، وشخصيّة قديرة في العالمين النظريّ والعمليّ، قد واءم بين العلم والعمل. الصورة الّتي في ذهني لسماحته هي أنّه إنسان متحضّر مثقّف، وملتزم، فهو صاحب معتقدات يلتزم بها، ومجاهد في سبيل ما يؤمن به. لا يقف على الحياد في عالم صراع القيم مع الرذائل، واتّجاهه واضح وشفّاف تمامًا. قلّ ما تجد مثيلًا له في سعة الأفق، إذ إنّ سماحته صاحب رأي ونقد فيما يتعلّق بالشخصيّات والتيّارات المختلفة. أمّا الشيء الملحوظ عند سماحة السيّد القائد الخامنئي فهو قوّة الإيمان والغيرة، وأمّا الشّيء الّذي يفتقده القائد، فهو التعصّب وضيق الأفق. فهذان أمران خطيران للغاية، وينمّان عن الجهل.

 

ويعلم القائد الكثير حول إيران والعالم، ولديه اطّلاع على الشخصيّات وأفكارها، وسعة اطّلاعه هذه، هي الّتي ترفده بنوع من الإنصاف والاعتدال قلّ نظيرهما. لدى القائد معرفة إجماليّة بالأهميّة الّتي يحوزها كلّ مفكّر وتيّار، والمخزون الفكري والعلمي لدى الشخصيّات المختلفة. لذا ترى أن لكلّ واحد من هذه الشخصيّات والتيّارات نوع ارتباط وعلاقة به. تراه أحيانًا

 

191

 


144

ملحق: كلمة الدكتور غلام علي حداد عادل

يسرد لك بدقّة سيرة جّدّ إحدى الشخصيّات المعروفة والحيّ الآن، ويتحدّث عن براعته في الفنّ الفلاني. وعندما يتحدّث إلى الشخصيّة نفسها يذكر له أنّي سمعت عن جدّك المحترم كذا أو رأيته، وأنه كان في النجف كذا، أو في مشهد... وهذا ما يخلق له منزلة في قلب كلّ شخص... بدءًا بالمفكّر والشاعر الحديث، أو الشاعر التقليديّ، إلى العالم الباحث بالخلايا الجذعيّة و... غيرهم. لا أحد منهم غريب لديه. لكلٍّ منهم في شخصيّة القائد ما يعجبه.

 

طُبع في إحدى المرّات كتابٌ لـ"مجتبى مينوي"[1] تحت عنوان "مينوي وكستر أدب فارسي"، وهو مجموعة مقالاتٍ له جمعتها أخته ماه منير مينوي. كنتُ قد قرأتُ هذا الكتاب منذ عدّة سنوات، وجلبتُ منه نسخةً للقائد. وبما أنّي لا أعرف رأيه بـ مينوي وعمّا إذا كان يعرفه أم لا، قلت له بصوت خافت: "سيّدنا لا بأس بأن تلقوا نظرة على هذا الكتاب"، ولكن تبيّن لي أنّه يعرف مينوي معرفة تامّة، وله رأي إيجابيّ بعلمه وشخصيّته، وكان قد التقاه أيضًا. على أيّ حال، أخذ الكتاب مسرورًا، وتحدّث قليلًا عن مينوي. مينوي من وفيّات عام 1356.

 

أستبعد أن يكون الآن في الحوزة ما يتجاوز عدد الأصابع ممّن يعرفون مينوي ولديهم فكرة واضحة عنه، ممّن هم من جيل القائد.

 

وهكذا، فالقائد يتمتّع بذهن غنيّ وأفق واسع فيما يتعلّق


 


[1] مجتبى مينوي (1977 ـ 1904)، أديب ومؤرّخ وكاتب إيرانيّ مشهور.

 

192


145

ملحق: كلمة الدكتور غلام علي حداد عادل

بالمسائل والقضايا ببركة مطالعاته الدائمة الواسعة، وحضوره في المحافل الأدبيّة، والحماسة والحيويّة الّتي رافقت كلّ نشاطاته وتحرّكاته الاجتماعية والسياسية، وهذا شيءٌ ثمين جدًّا لمن يريد قيادة بلد كبير، ذي تاريخٍ عريق، وله سابقة قديمة كإيران، ومع شعبٍ كهذا، مع ما يمتلكه من قابليّات، وشعبٍ حماسيّ، وصاحب ذوق، وغنيّ بالقوميّات المتعدّدة.

 

في قصيدة أنشدتها له، قلت:

لو أنّ شخصًا سألني عن علامة لك لقلت

بيته في بستان قلب عامر، يسع الجميع[1].

 

إذا أردنا أن نختار من بين الشخصيّات الثقافيّة والسياسيّة البارزة في تاريخ إيران، شخصيّة تشبه شخصية القائد، وهذا طبعًا يتطلّب إحاطة نسبيّة بتاريخ إيران وثقافتها، ومعرفة صحيحة بالشخصيّات، فلعلّه يمكننا اختيار الخواجة رشيد الدين فضل الله الهمداني، وهذا طبعًا من بعض الجهات لا جميعها، فهو لم يكن رئيسًا للجمهوريّة، بل كان وزيرًا، ولكن حين نقرأ في سيرته نرى أنّه في الوقت نفسه الّذي كانت أمور البلد الهامّة موكلة إليه، كان وحيد عصره في الفضل والعلم. الخواجة نصير الدِّين الطوسيّ كذلك، هو من هذا النوع من الشخصيّات، حيث يُعَدُّ في تاريخنا من بين رجالات السياسة الّذين كانوا من أهل الثقافة، المشرفين على علوم عصرهم. طبعًا، يجب أن لا


 


[1] كركسي از من نشاني از تو جويد كويمش خانه اي در كوچه باغ دل، پذيراي همه.

 

 

193


146

ملحق: كلمة الدكتور غلام علي حداد عادل

ننسى أنّ كلّ تشبيه يقرّب من جهة و يبعّد من الأخرى.

 

هذا بالنسبة إلى حياته الشخصيّة. أمّا من الناحية الرسميّة فهو يوصي المسؤولين دائمًا بتقديم المكان والإمكانات المناسبة للمكتبات، كما يوصي المؤسّسات الثقافيّة باستمرار، بأن يعملوا أكثر وبشكل أفضل، فيؤلّفوا الكتب ويقدّموها للنّاس، وذلك بما يتناسب مع طبيعة مهمّتهم. كما أنّ القائد يوصي الشعب بشراء الكتب وقراءتها، الكتب الجيّدة والمفيدة طبعًا.

عندما أزوره وأقول له مثلًا: "أريد أن أبشّركم، بأنّ هناك ناشرًا لديه برنامج عمل لتاريخ إيران، يريد أن ينشر مئتي كتاب، وقد صدر عنه حتّى الآن عشرون مجلّدًا منها. ها هي.." فهذا يبعث السرور العارم فيه، فسماحة القائد السيّد الخامنئي يريد لإيران الإسلاميّة، أن يكون شعبها من العلماء ومن محبّي العلم، من القرّاء ومن أهل الفكر والثقافة. هذه هي أمنيّته لهذا البلد ولهذا الشعب.

 

194

 


147
أنا والكتاب