اللياقات الإجتماعية


الناشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تاريخ الإصدار: 2015-08

النسخة: 0


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


مقدمة

 المقدمة

 

بسم الله الرحمن الرحيم
 
 
الحمد لله رب العالمين وأشرف الصلوات والتسليم على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد بن عبد الله صلى الله عليه و آله و سلم، وعلى اله الأطهار وحجج الإله على الجبار.

إن من النعم الإلهية الكبرى، والتوفيقات المهمة أن يتعرف الإنسان على حقائق الدين العظيم، هذا الدين الذي مهما سبر الباحث في أغواره، واقترب من منبع معينه الذي لا ينضب، لم يزدد إلا اشتياقا، ولم ينهل إلا أجاجاً من الصفاء الذي يذخر به هذا النبع الأصيل الفياض.

وما بين يديك عزيزي القارى ما هو إلا جهد متواضع للاقتراب من هذا المنبع، محاولة منا لاغتراف المزيد من لمعارف كماً ونوعاً، نسأل الله أن يوفقنا لخدمة هذا الدين.

وموضوع هذا الكتيب هو اللياقات الاجتماعية التي وردت في الشريعة الإسلامية الغراء، والمقصود من اللياقات هذه، هي الأمور التي يتبادلها المؤمنون فيما بينهم من المجاملات الكلامية والخصال التي تساهم
 
 
 
 
 
 
 
5

1

مقدمة

 في توطيد أواصر القربى بين المؤمنين الأخوة في الله تعالى، نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعا للتقرب إليه بسنن الأنبياء، والولاية للأولياء إنه سميع مجيب وهو من وراء القصد.


مركز نون للتأليف والترجمة
 
 
 
 
 
 
 
 
 
6

2

مقدمة

 تمهيد

 

 إن حرص الدين الإسلامي على تماسك المجتمع الواحد، يتجلى من خلال القيم التي أرساها لتكون دعامة تمسك هذا المجتمع الذي ينبغي أن يكون الأنموذج الأمثل في الترابط والتفاهم والحرص على الاخر، من خلال السنن التي سنها الله تعالى لتكون دعامة أساسية في التعاطي الإيجابي بين أفراد المجتمع الواحد.

 
 ولأن الإسلام يدرك خطر اللسان المتفلت من عقاله على المجتمعات الموحدة، ويدرك أيضاً أثر اللسان الذي يتحلى بالصفات الإيجابية والدف‏ء، فمن هذا المنطلق سن الكثير من الاداب واللياقات التي تجعل أواصر الود تقوى بين الأخوة في الإيمان، وتجنب المجتمعات من التفرق الناشئ من انفلات عقال الألسنة.
 
 ولأن العلاقات الاجتماعية ترتكز على أسس أخرى ودعامات قد تكون من خلال بعض الأفعال والتفاصيل
 الصغيرة التي لا يلتفت لها الإنسان في حياته العادية، وقد أشارت لها الشريعة في الكتاب العزيز أو في السنن
 
 
 
 
 
 
 
 
 
7

3

مقدمة

 المأثورة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم، وأهل بيته عليهم السلام، فقد أحببنا الإشارة إليها في هذا الصفحات القادمة، سائلين الله تعالى أن يوفقنا للخير في الفكر والعقيدة والعمل, إنه سميع مجيب.

 

 

 

 

 

8


4

الفصل الأول: السلام وادابه

 يقول الله تعالى في محكم اياته: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنّ‏َ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلّ‏ِ شَيْ‏ءٍ حَسِيباً﴾1.


لقد أولى الدين الإسلامي مسألة السلام اهتماما قل نظيره من بين اللياقات الاجتماعية حيث وصل إلى أيدينا الكثير والمثير من الروايات التي تتحدث عن أهميته وكيفيته.
 
فقد وصف الله تعالى أهل الجنة بأنهم يحيون بعضهم بالسلام المتعارف بيننا يقول عز وجل: ﴿دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمّ‏َ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبّ‏ِ الْعَالَمِينَ﴾2، ويقول في موضع اخر: ﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ امَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ﴾3.

 
 

1-سورة النساء: 86.
2- سورة يونس: 10.
3- سورة إبراهيم: 23. 
 
 
 
 
 
 
 
11

5

الفصل الأول: السلام وادابه

 فكلمة "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، هذه الكلمة الصغيرة، تكاد تكون من أوثق العرى التي تربط المجتمع، فكم بها اصطلح متخاصمان، وهي كلمة تقال وجواب يردُّ، ولأجل هذا الهدف، كان لها هذا النصيب الكبير من الاهتمام في الدين الإسلامي الحنيف، فما هو فضل السلام؟ وهل للسلام من ملحقات؟ هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة الأخرى سنجيب عنها في الصفحات القادمة إنشاء الله تعالى.


 
 
 
 
 
 
12

6

الفصل الأول: السلام وادابه

 فضل إفشاء السلام‏


 ورد في الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: "إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه وليصافحه، فإن الله عز وجل أكرم بذلك الملائكة فاصنعوا صنع الملائكة"1.

وفي حديث اخر عن الإمام الصادق عليه السلام: "السلام تحية لملتنا، وأمان لذمتنا"2.

وفي الحديث إشارة إلى مدى الأمان الاجتماعي النابع من السلام بين المؤمنين، والمستحب الأكيد في ذلك إفشاء السلام، حيث وردت الكثير من الروايات

 
 

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏2، ص‏181.
2- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏2، ص‏1348.
 
 
 
 
 
 
 
13

7

الفصل الأول: السلام وادابه

  المؤكدة عليه ففي الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام: "إن الله يحب إطعام الطعام، وإفشاء السلام"1


واعتبرت بعض الروايات إفشاء السلام من أفضل أخلاق أهل الدنيا, ففي الحديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم: "ألا أخبركم بخير أخلاق أهل الدنيا والاخرة؟ قالوا بلى يا رسول الله، فقال إفشاء السلام في العالم"2.

كما أن كلمة (السلام)، اسم من أسماء الله تبارك، ولذلك ورد في الحديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم: "إن السلام اسم من أسماء الله تعالى، فأفشوه بينكم"3.
ولشدة ما أكد الإسلام على إفشاء السلام، أوصى المؤمنين بعدم ترك السلام بينهم حتى ولو كان الافتراق ما بينهم لفترة قليلة, ففي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "ينبغي للمؤمنين إذا توارى أحدهما عن صاحبه بشجرة ثم التقيا أن يتصافحا"4.

 
 

1- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏2، ص‏1348.
2- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏2، ص‏1349.
3- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏2، ص‏1349.
4- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏2، ص‏181.
 
 
 
 
 
 
 
14

8

الفصل الأول: السلام وادابه

 الابتداء بالسلام‏


 
لكي يجعل الله تعالى الحافز لدى المؤمنين لإفشاء السلام فيما بينهم، جعل الفضل الأكبر للمبتدى بالسلام، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: "إن أولى الناس بالله وبرسوله من بدأ بالسلام"1.
 
كما اعتبرت رواية أخرى أن أطوع الناس لله عز وجل هو المبتدى بالسلام، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم: "أطوعكم لله الذي يبدأ صاحبه بالسلام"2.
 
وأما الأجر الذي وعد به الله تعالى المبتدى بالسلام فتخبرنا عنه رواية أمير المؤمنين عليه السلام حيث روي عنه عليه السلام: "السلام سبعون حسنة، تسعة وستون للمبتدي وواحدة للراد"3.

 
 

1- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏2، ص‏1349.
2- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏2، ص‏1349.
3- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏2، ص‏1349.
 
 
 
 
 
 
 
15

9

الفصل الأول: السلام وادابه

 متى يكون السلام؟


1-السلام قبل الكلام:

إن للسلام أفضلية على سائر الكلام ولذا أكدت الكثير من الروايات عن أن يبتدى الإنسان بالسلام قبل أي كلام اخر, ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "السلام قبل الكلام"1.
 
بل إن بعض الروايات نهت عن إجابة من بدأ بالكلام قبل سلامه, ففي الرواية عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم: "من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه"2.

 2-السلام عند دخول البيوت:

ان استحباب السلام مؤكدً عند دخول البيت وهو من الاداب الاجتماعية التي يعاب تاركها، وقد أكد عليها الله تعالى حيث يقول عز من قائل: ﴿إِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْاياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾3.

 
 

1- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏2، ص‏1348.
2- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏2، ص‏1348.
3- سورة النور، من الاية: 61.
 
 
 
 
 
 
16

10

الفصل الأول: السلام وادابه

 كما أن البيوت هنا ليس المقصود منها بيت الإنسان فقط, بل أي بيت يريد دخوله، والسلام عند دخول البيت له أثر معنوي خاص, ففي الرواية عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم: "إذا دخل أحدكم بيته فليسلم، فإنه ينزله البركة، وتؤنسه الملائكة"1.


 

1- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏2، ص‏1349.
 
 
 
 
 
 
 
17

11

الفصل الأول: السلام وادابه

 ردُّ السلام‏


 رد السلام من الواجبات الشرعية التي يعاقب الله تعالى تاركها, يقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنّ‏َ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلّ‏ِ شَيْ‏ءٍ حَسِيباً﴾1، وفي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم: "السلام تطوع والرد فريضة"2.

وقد أدبنا الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم وأهل البيت عليهم السلام على رد التحية والسلام بلسان طيب, وأفضل الردود قول الإنسان: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته".
وينقل لنا سلمان المحمدي رضي الله عنه، قصة لطيفة حدثت على عهد الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم فيقول:
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال: "السلام عليك يا

 
 

1- سورة النساء،: 61.
2- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏2، ص‏1349.
 
 
 
 
 
 
 
18

12

الفصل الأول: السلام وادابه

 رسول الله، فقال صلى الله عليه و آله و سلم: "وعليك ورحمة الله"، ثم أتى اخر فقال: "السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله"، فقال صلى الله عليه و آله و سلم: "وعليك ورحمة الله وبركاته"، ثم جاء اخر فقال السلام "عليك ورحمة الله وبركاته"، فقال صلى الله عليه و آله و سلم له: "وعليك"، فقال له الرجل يا نبي الله بأبي أنت وأمي أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت علي؟! فقال صلى الله عليه و آله و سلم: "إنك لم تدع لنا شيئاً، قال الله ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ فرددناها عليك"1.


أدب السلام‏

لقد ذكرت الأحاديث الشريفة لنا مواضع يحسن فيها البدء بالسلام من قوم دون اخرين، وفي حالة دون حالة وهي:

1- أن يسلم الصغير على الكبير إجلالاً له واحتراما وتوقيراً لكبره.
2- أن يسلم الواحد على الاثنين.
3- أن يسلم القليل على الكثير.
4- أن يسلم الراكب على الماشي.
5- أن يسلم المار على الشخص الواقف.
6- أن يسلم الشخص الواقف على الشخص الجالس.

 
 

1-ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏2، ص‏1350.
 
 
 
 
 
 
 
 
19

13

الفصل الأول: السلام وادابه

 ويجمع هذه الاداب جميعاً حديث مروي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم: "يسلم الصغير على الكبير، ويسلم الواحد على الاثنين، ويسلم القليل على الكثير، ويسلم الراكب على الماشي، ويسلم المار على القائم، ويسلم القائم على القاعد"1.


أدب الوداع‏

كما أن للقاء أدباً وهو السلام, فإن للوداع أدبا خاصا وهو عبارةٌ عن دعاءٍ ورد في الرواية تقول: أن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم كان إذا ودّع المؤمنين قال: "زودكم الله التقوى، ووجهكم إلى كل خير، وقضى لكم كل حاجة، وسلم لكم دينكم ودنياكم، وردكم إلي سالمين"2.

 
 

1- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏2، ص‏1350.
2-ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏2، ص‏1351.
 
 
 
 
 
 
20

14

الفصل الأول: السلام وادابه

 المصافحة


كما اهتم الإسلام بمسألة السلام، فإنه اهتم أيضا بالتصافح الذي يكون مع السلام، ففي الحديث عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم: "إذا التقيتم فتلاقوا بالتسليم والتصافح وإذا تفرقتم فتفرقوا بالاستغفار"1.

وقد جاء في فضل المصافحةِ الكثيرُ من الروايات، منها:
 
ما روي عن الإمام الباقرعليه السلام قال: "إذا صافح الرجل صاحبه فالذي يلزم التصافح أعظم أجرا من الذي يدع، ألا وإن الذنوب ليتحات فيما بينهم حتى لا يبقى ذنب"2.
 
وقد اهتمّ‏َ الأئمة عليهم السلام بمسألة المصافحة, وينقل لنا التاريخ قصَّة تبين مدى اهتمامهم بهذه السنَّة العظيمة, فعن عن إسحاق بن عمار قال دخلت على الإمام الصادق عليه السلام، فنظر إلي بوجه قاطب فقلت: ما الذي غيرك لي؟
قال عليه السلام: "الذي غيرك لإخوانك، بلغني يا إسحاق

 
 

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏2، ص‏181.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏2، ص‏181.
 
 
 
 
 
 
 
21

15

الفصل الأول: السلام وادابه

  أنك أقعدت ببابك بوابا، يردُّ عنك فقراء الشيعة".


فقلت: جعلت فداك إني خفت الشهرة، فقال عليه السلام: أفلا خِفتَ البليَّة، أوما علمت أن المؤمنين إذا التقيا فتصافحا أنزل الله عزَّ وجلّ‏َ الرحمة عليهما فكانت تسعة وتسعين لأشدهما حباً لصاحبه. فإذا توافقا غمرتهما الرحمة فإذا قعدا يتحدثان قال الحفظة بعضها لبعض اعتزلوا بنا فلعل لهما سرا وقد ستر الله عليهما، فقلت أليس الله عز وجل يقول: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾1؟ فقال عليه السلام: "يا إسحاق إن كانت الحفظة لا تسمع فإن عالم السر يسمع ويرى"2.
 
وإن للمصافحة أثراً كبيرا على النفوس، حيث تذهب الشحناء والحقد بين المختلفين, فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "تصافحوا فإنها تذهب بالسخيمة"3.

 
 

1- سورة ق: 18.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏2، ص‏181.
3- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏2، ص‏183.
 
 
 
 
 
 
22

16

الفصل الأول: السلام وادابه

 كيفية المصافحة

 


وردت في الروايات الشريفة كيفية خاصة للمصافحة حيث أكدت بعض الروايات على أن لا ينزع المؤمن يده من يد أخيه حتى ينزعها الاخر، وهكذا كان بفعل الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "ما صافح رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم رجلاً قط فنزع يده حتى يكون هو الذي ينزع يده منه"1.

المعانقة

إن المعانقة تعبير من التعابير العملية التي تدلل على الود والحب بين المؤمنين، وقد ورد في الحث على المعانقة وما تحويه من الأجر والثواب العديد من الروايات منها:

ما روي عن الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام قالا: "أيما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفا بحقه كتب الله له بكل خطوة حسنة ومحيت عنه سيئة ورفعت

 
 

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏2، ص‏182.
 
 
 
 
 
 
23

17

الفصل الأول: السلام وادابه

  له درجة وإذ طرق الباب فتحت له أبواب السماء فإذا التقيا وتصافحا وتعانقا أقبل الله عليهما بوجهه، ثم باهى بهما الملائكة، فيقول انظروا إلى عبدي تزاورا وتحابا في، حق علي ألا أعذبهما بالنار بعد هذا الموقف، فإذا انصرف شيعه الملائكة عدد نفسه وخطاه وكلامه، يحفظونه من بلاء الدنيا وبوائق الاخرة إلى مثل تلك الليلة من قابل فإن مات فيما بينهما اعفي من الحساب"1.


وللمعانقة أثر على النفس الإنسانية، فهي تزرع الرحمة في القلوب وتحرك العواطف النبيلة, ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إن المؤمنين إذا اعتنقا غمرتهما الرحمة، فإذا التزما لا يريدان بذلك إلا وجه الله ولا يريدان غرضا من أغراض الدنيا قيل لهما مغفورا لكما فاستأنفا"2.

 
 

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏2، ص‏183.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏2، ص‏184.
 
 
 
 
 
 
 
24

 


18

الفصل الأول: السلام وادابه

 حسن البشر


من اللياقات الاجتماعية التي أرشد إليها الإسلام بشكل أكيد حسن البشر، ومعنى حسن البشر أن يلاقي المسلم أخوانه بوجه مبتسم، لا بوجه مكفهر مقطب الحواجب بحيث ينفر الاخرون من ملاقاته, فإن من بيلاقي أخوانه بهذه الطريقة السيئة يضع نفسه في موضع السخط من الله تعالى, ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام: كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يقول: "إن الله يبغض المعبس في وجه إخوانه"1.

ولقد كان حسن البشر من صفات الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم وال البيت عليهم السلام, ومن الروايات التي حثت على هذه الصفة الحميدة ما روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فالقوهم بطلاقة الوجه وحسن البشر"2.

 
 

1- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏1، ص‏262.
2- م.ن، ج‏1، ص‏262.
 
 
 
 
 
 
 
25

19

الفصل الأول: السلام وادابه

 اثار حسن البشر


إن لحسن البشر اثاراً اجتماعية مهمة يعرفها من ديدنه حسن البشر وقد ذكرها أهل البيت عليهم السلام فمن اثار هذا الصفة الحسنة:

1-المودة:

لأن حسن البشر يحمل في خلفياته نفسا طيبة ودودة، تحب التقرب والاخرين بخلاف التجهم الذي يوحي بالعدوانية، وقد ورد في الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "البشاشة حبالة المودة"1.

2-يصفي القلوب:

فكم من مختلفين قد أنهت خلافها البسمة الصادقة وأزالت الرين والحقد من قلبيهما, وهذا ما نراه كثيراً في حياتنا العملية،وفي الحديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم: "حسن البشر يذهب بالسخيمة"2

 

1- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏1، ص‏262.
2- م.ن، ج‏1، ص‏262.
 
 
 
 
 
 
26

20

الفصل الأول: السلام وادابه

 3-يذهب بالذنوب:


فقد جعل الله تعالى ثواب هذا الخلق الكريم، أن يغفر ذنوب المؤمنين لأجله, وفي الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "إذا لقيتم إخوانكم فتصافحوا، وأظهروا لهم البشاشة والبشر، تتفرقوا وما عليكم من الأوزار قد ذهب"1

 
 

1- م.ن، ج‏1، ص‏262.
 
 
 
 
 
 
 
27

21

الفصل الثاني: الضيافة والوليمة

 تمهيد


التزاور بين المؤمنين من أهم المظاهر الاجتماعية التي دعا الإسلام إليها، وقد طفحت كتب الأحاديث الشريفة بالأحاديث التي تتحدث عن فضل التزاور واثاره المهمة، وسنستعرض فيما يلي بعضا من هذه الروايات.

فعن الإمام الصادق عليه السلام: "تزاوروا فإن في زيارتكم إحياءً لقلوبكم، وذكراً لأحاديثنا، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم، وإن تركتموها ضللتم وهلكتم، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم"1.

وعن الإمام الباقر عليه السلام: "تزاوروا في بيوتكم فإنّ‏َ ذلك حياة لأمرنا، رحم الله عبدا أحيا أمرنا"2.

وعن رسول الله الأكرم صلى الله عليه و آله: "أكرم أخلاق النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، التزاور في الله،

 
 

1- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏2، ص‏1192.
2- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏2، ص‏1193.
 
 
 
 
 
 
31

22

الفصل الثاني: الضيافة والوليمة

  وحق على المزور أن يقرب إلى أخيه ما تيسر عنده، ولو لم يكن إلا جرعة من ماء، فمن احتشم أن يقرب إلى أخيه ما تيسر عنده، لم يزل في مقت الله يومه وليلته"1.


وفي رواية عن الإمام علي عليه السلام: "أنتم في تزاوركم مثل أجر الحاجين"2.

وعن الإمام السجاد علي بن الحسين عليه السلام قال: "من زار أخاه في الله طلبا لإنجاز موعود الله شيعه سبعون ألف ملك، وهتف به هاتف من خلف: ألا طبت وطابت لك الجنة، فإذا صافحه غمرته الرحمة"3.

 
 

1- مستدرك الوسائل، الميرزا، النوري، ج‏61، ص‏239.
2- مشكاة الأنوار، علي الطبرسي، ص‏363.
3- مشكاة الأنوار، علي الطبرسي، ص‏363.
 
 
 
 
 
 
 
 
32
 

23

الفصل الثاني: الضيافة والوليمة

 الزيارة في الله‏


 
 أن الأجر الذي وضعه الله تعالى للزيارة, إنما وضعه في الزيارة التي يكون الله تعالى هو المراد منها فتكون قربة إليه، ولا يكون فيها غاية من الغايات أو المصالح, بل تكون امتثالا لما يحيبه الله تعالى و ومحبة من الزائر للأخ المزار, ولهذا المعنى أشار الحديث المروي عن النبي الأكرم صلى الله عليه و آله: "إن ملكاً لقي رجلاً قائماً على باب دار، فقال له: يا عبد الله، ما حاجتك في هذه الدار؟ فقال: أخ لي فيها أردت أن اسلم عليه، فقال: بينك وبينه رحم ماسة، أو نزعتك إليه حاجة، فقال: ما لي إليه حاجة غير أني أتعهده في الله رب العالمين، ولا بيني وبينه رحم ماسة أقرب من الإسلام، فقال له الملك: إني رسول الله إليك، وهو يقرؤك السلام ويقول لك: إياي

 
 
 
 
 
 
 
33

24

الفصل الثاني: الضيافة والوليمة

 زرت فقد أوجبت لك الجنة، وقد عافيتك من غضبي ومن النار لحبك إياه في"1.


وفي رواية أخرى عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "إن لله جنة لا يدخلها إلا ثلاثة: رجل حكم في نفسه بالحق، ورجل زار أخاه المؤمن في الله عز وجل، ورجل اثر أخاه المؤمن في الله"2.
 
وفي المقابل حذرت الروايات من الهجران بين الأخوان المؤمنين, ومن وصية رسول الله صلى الله عليه و آله لأبي ذر: "يا أبا ذر، إياك وهجران أخيك، فإن العمل لا يتقبل مع الهجران، يا أبا ذر، إياك عن الهجران وإن كنت لا بد فاعلاً، فلا تهجره ثلاثة أيام كملا..."3

 

1- مشكاة الأنوار، علي الطبرسي، ص‏363.
2- مشكاة الأنوار، علي الطبرسي، ص‏364.
3- مشكاة الأنوار، علي الطبرسي، ص‏365.
 
 
 
 
 
 
 
34

25

الفصل الثاني: الضيافة والوليمة

 الضيافة


 
 تعتبر الضيافة من أجلى مظاهر الكرم، وهي من الصفات التي تغنت بها الشعراء وخلدت أناسا في كتب التاريخ، وفوق هذا كله فالضيافة مما ندبت إليها الشريعة الإسلامية وحثت عليها الديانات الإلهية، وهي وسيلة من والوسائل إلى رضا الله تعالى، وفي الرواية أن الإمام علي عليه السلام سأل العلاء بن زياد لما رأى سعة داره: "ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا وأنت إليها في الاخرة كنت أحوج؟ وبلى إن شئت بلغت بها الاخرة: تقري بها الضيف وتصل فيها الرحم وتطلع منها الحقوق مطالعها فإذا أنت قد بلغت بها الاخرة"1.

 


1- ميزان الحكمة، الحديث 11101.
 
 
 
 
 
 
 
 
35

26

الفصل الثاني: الضيافة والوليمة

 وسنتحدث في الصفحات المقبلة عن اداب الضيافة وما يتبعها من اداب الضيف والمضيف والمائدة, سائلين من الله العون على أداء طاعته.


فضل إكرام الضيف‏

كثرت الروايات التي تتحدث عن لزوم إكرام الضيف الداخل إلى دار الإنسان، منها ما روي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله: "من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه"1.

بل إن من أفضل موارد الإنفاق لمن اتاه الله المال والسعة هي إكرام الضيوف بما يدخل فيه السرور إلى قلوبهم فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "من اتاه الله مالاً فليصل به القرابة وليحسن منه الضيافة"2.

ومن فضل الله تعالى على المؤمنين أنه جعل الرزق في دخول الضيف إلى المنزل, فمن كان يخاف العسر من كثرة الضيوف فعليه أن يثق بما وعد به الله تعالى على لسان رسوله المصطفى صلى الله عليه و آله حيث روي عنه أنه قال: "الرزق أسرع إلى من يطعم الطعام من السكين في السنام"3.

 
 

1- ميزان الحكمة، الحديث 11098.
2- ميزان الحكمة، الحديث 11102.
3- ميزان الحكمة، الحديث 11103.
 
 
 
 
 
 
36

27

الفصل الثاني: الضيافة والوليمة

 بل إن من فضل الله تعالى على المؤمنين المضيفين أن يغفر الله لهم ذنوبهم ببركة الضيف وبركة الضيافة, ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله: "الضيف ينزل برزقه ويرتحل بذنوب أهل البيت"1.


البيت الذي لا ضيف فيه‏

إن بيت الإنسان المؤمن المحافظ على القيم والمبادى الإسلامية، معمور بالملائكة التي تستغفر له ولأهل بيته المؤمنين، ومن الأمور التي تجعل هذا البيت خالياً من الملائكة الكرام المسبحين، عدم دخول الضيوف إلى هذا المنزل فقد ورد في الحديث عن الإمام علي عليه السلام: "كل بيت لا يدخل فيه الضيف لا تدخل فيه الملائكة"2.
 
وفي رواية أخرى أن الإمام علي عليه السلام شوهد حزينا فسئل عن علته فقال عليه السلام: "لسبع أتت لم يضف علينا ضيف"3.

إجابة دعوة المؤمن للطعام‏

كما أن الضيافة مستحبة فإن تلبية الدعوة لها مستحبة, بل إنها من حق المسلم على أخيه المسلم كما عدها الإمام الصادق عليه السلام حيث روي عنه عليه السلام: "من

 
 

1- ميزان الحكمة، الحديث 11100.
2- ميزان الحكمة، الحديث 11105.
3- ميزان الحكمة، الحديث 11106.
 
 
 
 
 
 
 
37

28

الفصل الثاني: الضيافة والوليمة

 الحقوق الواجبات للمؤمن على المؤمن أن يجيب دعوته"1.

كما إنها وصية الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله ففي الرواية عنه صلى الله عليه و آله: "أوصي الشاهد من أمتي والغائب أن يجيب دعوة المسلم، ولو على خمسة أميال فإن ذلك من الدين"2.

أدب الضيافة (صاحب البيت)

إن اداب الضيافة لا تشمل الضيف, بل إن للضيف وللمضيف اداباً خاصة بهما وردت في روايات أهل البيت عليه السلام فمن اداب صاحب البيت:

1-الأكل مع الضيف‏

أول الاداب الخاصة بصاحب البيت أن يأكل مع ضيفه فلا يتركه يأكل لوحده, ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه و آله: "من أحب أن يحبه الله ورسوله فليأكل مع ضيفه"3.
وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه و آله: "من أكل طعامه مع ضيفه فليس له حجاب دون الرب"4.

وإن من الأعراف واللياقات أن لا يدع الإنسان ضيفه يأكل لوحده، ثم يدخل إلى غرفة أخرى ليأكل بمفرده-

 
 
 

1- بحار الأنوار، ج‏72، ص‏447.
2- المحاسن، ج‏2، ص‏180.
3- تنبيه الخواطر، ج‏2، ص‏116.
4- تنبيه الخواطر، ج‏2، ص‏116.
 
 
 
 
 
 
 
 
38

29

الفصل الثاني: الضيافة والوليمة

  فإن مثل هذا العمل يعد في العرف إهانة كبيرة للضيف- أو يتركه ليأكل وهو ينظر إليه وهذا مما يخجل الضيف.


2-أن لا يستخدم الضيف‏

من اداب صاحب البيت أن لا يستخدم ضيفه كأن يسأله أن يناوله الإبريق مثلاً أو أي أمر اخر، بل عليه هو أن يخدم الضيف, فقد روى أبو يعفور أنه رأى عند الإمام الصادق عليه السلام ضيفا فقام يوماً في بعض الحوائج، فنهاه عن ذلك، وقام بنفسه إلى تلك الحاجة وقال: "نهى رسول الله صلى الله عليه و آله أن يستخدم الضيف"1.

3-أن لا يتكلف للضيف‏

فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه و آله: "لا يتكلفن أحد لضيفه ما لا يقدر"2.
وفي الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام: "دعا رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال له عليه السلام: قد أجبتك على أن تضمن لي ثلاث خصال، قال الرجل: وما هي يا أمير المؤمنين"؟
قال عليه السلام: لا تدخل علي شيئاً من خارج، ولا تدخر عني شيئاً في البيت، ولا تجحف بالعيال، قال ذاك لك

 
 

1- الكافي، ج‏6، ص‏283.
2- كنز العمال، الحديث 25876.
 
 
 
 
 
 
 
39

30

الفصل الثاني: الضيافة والوليمة

  يا أمير المؤمنين1.

فإن الله تعالى لا يحب أن يضيق الإنسان على نفسه كما أن شر الأخوان من تكلف له2.
وما ذلك إلا لأنّ‏َ الأخ الذي يشعرك بلزوم التكلُّف له ليس أخاً حقيقة, لأن الأخ الحقيقي لا يسبب إحراجا لأخيه، ولا يثقله للحرج وللمشقة.

ولا بد من الإشارة هنا إلى أمر في غاية الأهمية، وهو أنه هناك فرقاً بين أن يكون الإنسان جالساً في بيته، ويأتيه أخ من دون دعوة، وبين أن يقيم الإنسان وليمة ويدعو إليها إخوانه وأهله، ففي الحالة الأولى لا ينبغي أن يتكلف الإنسان لأخيه فيها، والروايات التي مرت إنما تتحدث عن هذه الحالة وأشباهها، أما لو أقام الإنسان وليمة ودعا الناس إليها، فينبغي له التكلف بأن يحسن المأكل والمشرب ويهيئ لهم من الكرامة ما يليق بشأنه وشأنهم، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا أتاك أخوك فأتِهِ بما عندك، وإذا دعوتَه فتكلَّف له"3.

 
 

1- عيون أخبار الرضا عليه السلام، ج‏2، ص‏42.
2- نهج البلاغة، أمير المؤمنين عليه السلام، ج‏4، ص‏110.
3- المحاسن، ج‏2، ص‏179.
 
 
 
 
 
40

31

الفصل الثاني: الضيافة والوليمة

 اداب الضيافة(الضيف)


 1- من اداب الضيف أن يجلس في المكان الذي يأمره صاحب البيت بالجلوس فيه, لأن صاحب البيت أدرى ببيته من الضيف, وكذلك هو أعرف منه بعوراته، وعورات البيت هي الأماكن التي لو جلس فيها الضيف، لكان بإمكانه النظر إلى غرف البيت الأخرى وبالتالي يكون عرضة للنظر إلى ما لا يحل النظر إليه, ففي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "إذا دخل أحدكم على أخيه في رحله، فليجلس حيث يأمر صاحب الرحل؛ فإن صاحب الرحل أعرف بعورة بيته من الداخل عليه"1.

2- ومن الاداب أيضاً أن يدعو لصاحب البيت بعد الانتهاء من تناول الطعام وقد وردت في الروايات

 
 

1- بحار الأنوار، ج‏75، ص‏451.
 
 
 
 
 
 
 
41
 

32

الفصل الثاني: الضيافة والوليمة

 العديد من الأدعية التي يمكن للضيف أن يدعو بها ففي الرواية أن رسول الله صلى الله عليه و آله "إذا طعم عند أهل بيت قال صلى الله عليه و آله: طعم عندكم الأخيار"1.

وفي رواية أخرى أن أحدهم حمل لأبي عبد اللهعليه السلام "لطفاً2 فأكل معه فلما فرغ قال: الحمد لله وقال له: أكل طعامك الأبرار، وصلت عليك الملائكة الأخيار"3.

الوليمة

الوليمة هي أن يدعو الإنسان طائفة من الناس لتناول الطعام لمناسبة تسره، أو لنذر نذره أو عن روح ميت عزيز عليه وغيرها من الدواعي, كما أن الوليمة هي فرصة لإطعام المساكين من الناس الذين لا يملكون قوت يومهم.
وقد ندب الشارع إلى الوليمة بشكل عام، ففي الرواية عن الإمام علي عليه السلام: "قوت الأجساد الطعام، وقوت الأرواح الإطعام، وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: الإمام علي عليه السلام: لذة الكرام في الإطعام، ولذة اللئام في الطعام"4.

و هناك مناسبات ورد الحث على الوليمة فيها، نذكر منها ما ورد في الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله  في وصيته لعلي عليه السلام: "يا علي! لا وليمة إلا في خمس: في عرس، أو خرس، أو عذار، أو وكار، أو ركاز".
 


1- المحاسن، ج‏2، ص‏439.
2-يقال جاءتنا لطفة من فلان اي هدية.الصحاح,الجوهري,ج4,ص142.
3- المحاسن، ج‏2، ص‏439.
4- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏2، ص‏1721.
 
 
 
 
 
 
42

33

الفصل الثاني: الضيافة والوليمة

 ثم شرح الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله هذه المناسبات فقال صلى الله عليه و آله: "فالعرس التزويج، والخرس النفاس بالولد، والعذار الختان، والوكار في بناء الدار وشرائها، والركاز الرجل يقدم من مكة"1.


اداب المائدة

قد وضع الشرع المقدس ادابا كثيرة للطعام وكما تقدم معنا من أن الأحكام الإلهية تصب في صالح الإنسان وتقربه إلى السعادة، فإن الاداب التي وضعها الله سبحانه وتعالى للمائدة وكيفية الأكل والشرب منافع كثيرة منها ما كشفها العلم والطب الحديث ومنه ما لم يعلم لحد الان إلا أن اعتقادنا - بأن كل الأمور التي أمر الله بها لا بد وأنها تصب في مصلحة العباد إيمان تعبدي يستحق الإنسان عليه الأجر من الله تعالى.
وسنتحدث فيما يلي عن بعض الاداب التي وردت في الروايات الشريفة وقد ذكرها التاريخ عن النبي صلى الله عليه و آله وأهل البيت عليه السلام علّ‏َ الله تعالى يوفقنا للعمل بهداهم إنه الموفق لكل خير.

 
 

1- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏2، ص‏1721.
 
 
 
 
 
 
 
 
43

34

الفصل الثاني: الضيافة والوليمة

 فوائد قلة الطعام 


إن قلة كمية الطعام التي يتناولها الإنسان لها الدور الأكبر في الحفاظ على صحته الجسدية، كما أن لها من الفوائد الجمة الكثيرة للنفس الإنسانية ويكفي في مجال أهميتها أن نلتفت إلى كثرة الروايات التي وردت عن الرسول صلى الله عليه و آله وأهل بيتهعليه السلام، والتي تحبذ على قلة الأكل وتذكر فائدته فقد ورد عن الإمام علي عليه السلام: "قلة الغذاء أكرم للنفس وأدوم للصحة"1.

وكذا ورد عنه عليه السلام: "من قل طعامه قلت الامه"2. ولعل ذلك لأن كثرة الأكل والتكثير من الأصناف المأكولة تربك المعدة التي تعتبر في العلم القديم وكذا الحديث من أكثر الأعضاء حساسية وتسبيباً للأمراض في الجسم. ويكفي في أهمية قلة الطعام ما نراه من السلبيات الناتجة عن الإكثار من تناول الأطعمة, وأهمها مرض السمنة الذي أسماه البعض بمرض العصر إذ أن الكثير من الناس يعانون من  مشاكل السمنة وأمراض

 
 

1- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏1، ص‏88.
2- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏1، ص‏88.
 
 
 
 
 
 
 
 
44

35

الفصل الثاني: الضيافة والوليمة

  الكولسترول وغيرها وقد ورد في الرواية عن الإمام الكاظم عليه السلام: قال: "لو أن الناس قصدوا في الطعم لاعتدلت أبدانهم"1.


مضار كثرة الطعام‏

تقدم أن السمنة من الأمور المضرة بالجسم إلا أن لكثرة الطعام مردوداً سلبياً على الإنسان غير ذلك فكثرة الأكل تسبب الأمور التالية:

الشره: والشره من الصفات الرديئة التي يوصف بها الإنسان الذي يتناول الطعام بكثرة تفوق عن حاجة جسمه العادية، وهي صفة قبيحة بالمعايير العرفية العامة فقد ورد في الرواية عن الإمام علي عليه السلام: كثرة الأكل من الشره، والشره شر  العيوب2.

الأمراض المعوية: مما يحدو بالإنسان إلى الامتناع عن الكثير من الأصناف التي كان يتناولها بحالته الصحية السليمة, وما ذلك إلا لأجل ما سببه الافراط في الأكل من حساسية  في معدة الإنسان حتى انطبق عليه حينئذ الحديث المشهور عن أمير  المؤمنين عليه السلام: كم من أكلة تمنع أكلات3.

 
 

1- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏1، ص‏89.
2- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏1، ص‏88.
3- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏1، ص‏89.
 
 
 
 
 
 
 
 
45

36

الفصل الثاني: الضيافة والوليمة

 ولأجل هذه السلبيات وغيرها كانت دعوة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم واهل البيت عليهم السلام لنا بأن لا نأكل إلا حينما نشعر بالجوع.

ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله: "كل وأنت تشتهي، وأمسك وأنت تشتهي"1.
فلا نجعل كل الهم في التفتيش عن لقمة هنا وهناك لكي نضعها في هذا الوعاء الذي خلقه الله تعالى لكي يكون واسطة للحفاظ على حياتنا واستمرارها، لكي نحقق الهدف الأسمى من الخلقة.

 
 

1- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏1، ص‏91.
 
 
 
 
 
 
 
 
46

37

الفصل الثاني: الضيافة والوليمة

 بعض من اداب المائدة:


الأول: الوضوء قبل الطعام وبعده‏

إن الشريعة الإسلامية أعطت الأهمية العظيمة للنظافة، ومن الأمور التي أمرتنا بالتأدب بها الوضوء وغسل اليدين قبل الطعام وبعده، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله قال: "الوضوء قبل الطعام وبعده ينفي الفقر..."1.

وفي رواية أخرى عنه صلى الله عليه و آله قال: "إذا توضأت بعد الطعام فامسح عينيك بفضل ما في يديك فإنه أمان من الرمد"2.
ومن اداب الوضوء الذي يسبق الطعام أن لا يستعمل الإنسان منديلا "منشفة" ليجفف به يديه قبل الطعام فقد ورد في الرواية عن صفوان الجمال قال: كنا عند أبي عبد الله عليه السلام فحضرت المائدة فأتى الخادم بالوضوء فناوله المنديل فعافه، ثم قال: "منه غسلنا"3.

 

1- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص‏140.
2- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص‏140.
3- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص‏140.
 
 
 
 
 
 
 
47

38

الفصل الثاني: الضيافة والوليمة

 وأما في الوضوء الذي بعد الطعام فلا بأس بأن يجفف الإنسان يديه من بعده، ففي الرواية عن نزار قال: "رأيت أبا الحسن عليه السلام إذا توضأ قبل الطعام لم يمسّ المنديل وإذا توضأ بعد الطعام مسّ‏َ المنديل"1.


الثاني: البسملة والدعاء

وهي من الاداب المشهورة والمستحبات الأكيدة، وقد ورد في الرواية عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: اذكروا الله عز وجل عند الطعام ولا تلغوا فيه: فإنه نعمة من نعم الله يجب عليكم فيها شكره وحمده، أحسنوا صحبة النعم قبل فراقها، فإنها تزول وتشهد على صاحبها بما عمل فيها2.

وفي رواية أخرى عن الصادق عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه و آله قال: إذا وضعت المائدة حفها أربعة أملاك، فإذا قال العبد: "بسم الله" قالت الملائكة للشيطان: اخرج يا فاسق فلا سلطان لك عليهم. وإذا فرغوا فقالوا: "الحمد لله" قالت الملائكة: قوم أنعم الله عليهم فأدوا الشكر لربهم. وإذا لم يقل: "بسم الله" قالت الملائكة للشيطان: ادن يا فاسق فكل معهم. فإذا رفعت المائدة ولم يحمدوا الله قالت الملائكة: قوم

 
 

1- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص‏140.
2- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص‏140.
 
 
 
 
 
 
48

39

الفصل الثاني: الضيافة والوليمة

  أنعم الله عليهم فنسوا ربهم"1.


وتستحب التسمية على كل صنف من أصناف الطعام الموجود على المائدة، وإذا كان الشخص ممن ينسى ذلك عليه أن يعمل بما أوصى به الإمام الصادق عليه السلام فقد روي عنه عليه السلام: أن من نسي أن يسمي على كل لون فليقل: "بسم الله على أوله واخره"2

الثالث: إطالة الجلوس‏

ومن الاداب المهمة أن يطيل الإنسان مكوثه أثناء تناوله للطعام, وأن لا يستعجل في الانتهاء، لأن الوقت الذي يتناول الإنسان فيه طعامه لا يسأله الله تعالى عنه، فقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "أطيلوا الجلوس على الموائد، فإنها ساعة لا تحسب من أعماركم"3.

الرابع: تناول الفتات‏

من المستحبات الشرعية أن يتناول الإنسان الفتات المتساقط من الطعام، حيث ورد في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه و آله: من وجد كسرة أو تمرة فأكلها لم تفارق جوفه حتى يغفر الله له"4.

 
 

1- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص‏142.
2- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص‏143.
3- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص‏141.
4- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص‏141.
 
 
 
 
 
 
 
49

40

الفصل الثاني: الضيافة والوليمة

 ومن الثواب الذي أعده الله تعالى على هذا العمل الذي يتصوره الإنسان عملا قليلا ما ورد في الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام، عن أبيه عليه السلام، عن ابائه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: ما سقط من المائدة مهور الحور العين1.

 

فمن أحب أن يدفع مهر الحور العين قبل أن يدخل الجنة فما عليه إلا أن يستن بسنة الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله وأهل بيته عليهم السلام ويقوم بهذا العمل القليل ذو الأجر العظيم.

الخامس: الافتتاح بالملح والاختتام به‏

ومن الاداب المشهورة والسنن المأثورة أيضاً أن يفتتح الإنسان الطعام بتناول حبات قليلة من الملح وأن يختتم طعامه بها أيضا, حيث ورد في الرواية أن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله قال للإمام علي عليه السلام: "يا علي افتح بالملح واختتم به، فإنه شفاء من سبعين داء، منها الجنون والجذام والبرص ووجع الحلق ووجع الأضراس ووجع البطن"2.

وقد أثبت العلم الحديث هذه الفائدة الذي ذكرها الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله حيث تقول الدراسات العلمية

 
 

1- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص‏141.
2- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص‏142.
 
 
 
 
 
 
50

41

الفصل الثاني: الضيافة والوليمة

 الحديثة: أن تناول الملح قبل الطعام يفيد في الحفاظ على صحة الأسنان وحمايتها من الأمراض التي تعرض عليها من الالتهاب والتسوس وغيرها...


السادس: أن يأكل الإنسان من قدامه‏

قد جرت العادات على أن يأكل كل إنسان من أمامه أي من الطعام الذي في جهته، وكذا يعتبر العرف أن الأكل من أمام الاخرين من العادات السيئة، والشرع أدبنا على أن نكون كذلك, ففي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله: إذا وضعت المائدة بين يدي الرجل فليأكل مما يليه. ولا يتناول مما بين يدي جليسه...1

السابع: إطعام من يشتهي‏

 من الاداب العظيمة التي جاء بها الإسلام أن يتعلم الإنسان المواساة في أمور دنياه فيواسي المسكين في طعامه إذا وقف ينظر إليه أثناء تناوله له، ففي الرواية عن رسول الله صلى الله عليه و آله: "من أكل وذو عينين ينظر إليه ولم يواسه

 

1- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص‏149.
 

 

51

42

الفصل الثاني: الضيافة والوليمة

  ابتلي بداء لا دواء له"1.


بل أكثر من ذلك فإن أئمة أهل البيت عليهم السلام علمونا أن نواسي حتى الحيوان إذا وقف أمامنا أثناء الطعام، ففي الرواية: رأيت الحسن بن علي عليه السلام يأكل وبين يديه كلب، كلما أكل لقمة طرح للكلب مثلها، فقلت له: يا بن رسول الله صلى الله عليه و آله "ألا أَرْجُمُ هذا الكلب عن طعامك؟ قال: دعه، إني لأستحيي من الله تعالى أن يكون ذو روح ينظر في وجهي وأنا اكل ثم لا أطعمه2.

وهنا تتجلى عظمة الدين الإسلامي الذي أعطى الاهتمام حتى بمشاعر الحيوان، وهو حيوان، فما بالك بما أوصى به الإسلام من حسن الجوار والعطف على الفقراء وغيرها من الأحكام التي تتضمن البعد الاجتماعي الراقي.

الثامن: عدم الأكل باليد اليسرى‏

ومن الاداب التي حثت عليها الروايات أيضاً أن لا يأكل الإنسان أو يشرب بيده اليسرى، بل يباشر الطعام بيده اليمنى، ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنه كره أن يأكل بشماله أو يشرب بها أو يتناول بها3

 
 

1- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏1، ص‏92.
2- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏1، ص‏92.
3- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص‏142.
 
 
 
 
 
 
 
52

43

الفصل الثاني: الضيافة والوليمة

 لتاسع: عدم الأكل أثناء المشي‏


والأكل أثناء المشي من الأمور التي لا يحبذها العرف، وخصوصا للإنسان المؤمن أو العالم، بل إن هذا العمل مما يسقط هيبة الإنسان واعتباره من أعين الناس, وقد ورد النهي عن ذلك في الروايات، ففي الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: "لا تأكل وأنت تمشي إلا أن تضطر إلى ذلك"1.

العاشر: عدم أكل الطعام حاراً

ففي الرواية عن أمير المؤمنين عليعليه السلام: "أقروا الحار حتى يبرد، فإن رسول الله صلى الله عليه و آله قرب إليه طعام حار فقال: أقروه حتى يبرد، ما كان الله عز وجل ليطعمنا النار، والبركة في البارد"2، وأكل الطعام حارا مما يسبب الأمراض المعوية كما يقول الأطباء.

ومن الاداب الشرعية أيضاً أن لا ينفخ الإنسان على الطعام الحار حتى يبرد فقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام عن ابائه عليه السلام في حديث مناهي النبي صلى الله عليه و آله: "ونهى أن ينفخ في طعام أو شراب"3، ولعل في ذلك تدريباً للإنسان على خصلة الصبر وعدم الإسراع في الانجرار وراء رغبات النفس وشهواتها.

 
 
 

1- مكارم الأخلاق، الشيخ الطبرسي، ص‏145.
2- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏1، ص‏92.
3- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏1، ص‏92.
 
 
 
 
 
 
 
53

44

الفصل الثالث: لياقات المناسبات

 1- التعزية


 التعزية هي تفعله من العزاء أي الصبر، يقال: عزيته أي صبرته, والمراد بها طلب التسلي عن المصائب والتصبر عن الحزن والانكسار بإسناد الأمر إلى الله ونسبته إلى عدله وحكمته, وذكر ما وعد الله على الصبر مع الدعاء للميت والمصاب لتسليته عن المصيبة وهي مستحبة إجماعا ولا كراهة فيها بعد الدفن عندنا1.

بل إنها تكون بعد الدفن فعن الإمام الصادق عليه السلام: "التعزية الواجبة بعد الدفن"2.
والتعزية هي نوع من التضامن الاجتماعي بين المؤمنين, وهي من الواجبات الاجتماعية لدى أغلب المجتمعات البشرية، أما في الإسلام فلها أسلوب خاص

 
 

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏3، ص‏203.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏3، ص‏204.
 
 
 
 
 
 
 
57

45

الفصل الثالث: لياقات المناسبات

  أراده الله تعالى وعلمنا إياه الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم، فما هو فضل التعزية وكيف نعزي الاخرين؟


فضل التعزية

ورد عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم: "من عزى مصابا كان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجر المصاب شيئاً"1.
وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام، عن ابائه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: "من عزى حزينا كسي في الموقف حلة يحبر بها"2
وكلنا يعلم ما في الصبر على المصيبة من أجر كبير وعظيم عند الله عز وجل, فبمجرد ذهاب الإنسان المؤمن لتعزية بفقيد، فإن أجر الصبر على المصيبة الذي كتب لصاحب العزاء, فإنه يكتب للمعزي أيضاً من دون أينقص من أجر صاحب المصيبة.

كيف نعزي؟

 أننا كأتباع لشريعة الاسلام،ننظر كيف كان الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم، وأهل البيت عليهم السلام يعزون، لنستن بسنتهم، ونكون لهم من المتبعين.

 
 

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏3، ص‏205.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏3، ص‏205.
 
 
 
 
 
 
58

46

الفصل الثالث: لياقات المناسبات

 ففي الرواية أنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أحدق به أصحابه فبكوا حوله، واجتمعوا، فدخل رجل أشهب اللحية، جسيم صبيح، فتخطى رقابهم فبكى، ثم التفت إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال: "إن في الله عزاء من كل مصيبة، وعوضاً من كل فائت، وخلفا من كل هالك، فإلى الله فأنيبوا، وإليه فارغبوا، ونظره إليكم في البلاء فانظروا، فإن المصاب من لم يؤجر".


فقال بعضهم لبعض: تعرفون الرجل؟ فقال علي عليه السلام: "نعم، هذا أخو رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم الخضرعليه السلام"1.
وقد عزى الإمام الصادق عليه السلام قوماً فقال لهم: "جبر الله وهنكم، وأحسن عزاكم، ورحم متوفاكم"2.

الإمام الرضا عليه السلام في تعزيته للحسن بن سهل: "التهنئة باجل الثواب أولى من التعزية على عاجل المصيبة"3.
وفي الرواية أنه كتب الإمام الجواد عليه السلام إلى رجل: ذكرت مصيبتك بعلي ابنك وذكرت انه كان أحب ولدك إليك وكذلك الله عز وجل إنما يأخذ من الوالد وغيره أزكى ما عند أهله ليعظم به أجر المصاب بالمصيبة فأعظم الله أجرك وأحسن عزاك وربط على قلبك إنه

 
 

1- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏3، ص‏1972.
2- ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏3، ص‏1972.
3-ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج‏3، ص‏1972.
 
 
 
 
 
 
 
59

47

الفصل الثالث: لياقات المناسبات

 قدير وعجل الله عليك بالخلف وأرجو أن يكون الله قد فعل إن شاء الله تعالى"1.


وفي رواية أخرى: عزى الإمام الصادق عليه السلام رجلاً بابن له فقال عليه السلام: "الله خير لابنك منك وثواب الله خير لك من ابنك، فلما بلغه جزعه بعد عاد إليه فقال عليه السلام: له قد مات رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فما لك به أسوة فقال: إنه كان مرهقا فقال عليه السلام: إن أمامه ثلاث خصال: شهادة أن لا إله إلا الله، ورحمة الله، وشفاعة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، فلن تفوته واحدة منهن إن شاء الله"2.
 
 
 

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏3، ص‏205.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏3، ص‏204.
 
 
 
 
 
 
 
 
60

48

الفصل الثالث: لياقات المناسبات

 2- تهنئة الحاج والمعتمر


 من المناسبات التي يتحقق من خلالها التواصل بين أفراد المجتمع الإسلامي الواحد، تهنئة العائدين من الحج والعمرة، ولهذا العمل فضل كبير عند الله وأثر كبير على النفوس، وقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "كان علي بن الحسين عليه السلام يقول: يا معشر، من لم يحج، استبشروا بالحاج وصافحوهم وعظموهم، فإن ذلك يجب عليكم تشاركوهم في الأجر"1.

وفي رواية أخرى عنه عليه السلام: "من عانق حاجا بغباره كان كأنما استلم الحجر الأسود"2.
كما أنه يستحب المبادرة لتهنئة الحجاج العائدين في وقت قريب من عودتهم لأن الحاج يعود من مكة

 
 

1- وسائل الشيعة (ال البيت) الحر العاملي، ج‏11، ص‏445.
2- وسائل الشيعة (ال البيت) الحر العاملي، ج‏11، ص‏446.
 
 
 
 
 
 
 
61

49

الفصل الثالث: لياقات المناسبات

 والمدينة مطهرا من الذنوب وصفحته بيضاء كما ولدته أمه، وقد ورد في الرواية كان علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام يقول: "بادروا بالسلام على الحاج والمعتمر ومصافحتهم من قبل أن تخالطهم الذنوب"1.


وجرت العادة أن يهنأ الحاج بعبارات تليق مع هذه المناسبة من قبل حجا مبروراً وسعياً مشكوراً إلا أنه ورد في الروايات الشريفة بعض من الأقوال التي أوصى بها أهل البيت عليهم السلام ومنها ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث الأربعمائة... وإذا هنأتموه فقولوا له: "قبل الله نسكك، ورحم سعيك، وأخلف عليك نفقتك، ولا جعله اخر عهده ببيته الحرام"2.

وفي رواية أخرى أنه لقي "مسلم" مولى الإمام الصادق عليه السلام صدقة الأحدب وقد قدم من مكة فقال له مسلم: "الحمد لله الذي يسر سبيلك، وهدى دليلك، وأقدمك بحال عافية، وقد قضى الحج وأعان على السعة، فقبل الله منك، وأخلف عليك نفقتك، وجعلها حجة مبرورة، ولذنوبك طهورا، فبلغ ذلك أبا عبد الله عليه السلام فقال له: كيف قلت لصدقة؟ فأعاد عليه؟ فقال عليه السلام: من علمك هذا؟ فقال: جعلت فداك،

 
 
 

1- وسائل الشيعة (ال البيت) الحر العاملي، ج‏11، ص‏445.
2وسائل الشيعة (ال البيت) الحر العاملي، ج‏11، ص‏447.
 
 
 
 
 
 
 
62

50

الفصل الثالث: لياقات المناسبات

 مولاي أبو الحسن عليه السلام، فقال له: نعم ما تعلمت إذا لقيت..."1

وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كان يقول للقادم من مكة: "قبل الله منك وأخلف عليك نفقتك، وغفر ذنبك2".

 
 

1- وسائل الشيعة (ال البيت) الحر العاملي، ج‏11، ص‏447.
2- وسائل الشيعة (ال البيت) الحر العاملي، ج‏11، ص‏446.
 
 
 
 
 
 
63

51

الفصل الرابع: اللياقات العامة

 هناك بعض من اللياقات التي لم تندرج ضمن الفصول السابقة, وهي لياقات ليس لها علاقة بالمناسبة، بل هي من لياقات متفرقة أشارت لها الروايات الشريفة، وسنتعرض لها في هذا الفصل الأخير من هذا الكتاب، ومن هذه اللياقات:


تسميت العاطس‏

العطسة حالة تصيب الإنسان، وقد جعلها الله صحة للبدن، وقد أثبت لها العلم الحديث فوائد كثيرة، منها أنها تطرد بعض الجراثيم الموجودة في البدن وتنشط الجسم بكل خلاياه، وعن رسول الله الأكرم صلى الله عليه و آله سلم: "العطاس للمريض دليل العافية وراحة للبدن"1.
وقد ورد في الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام:" نعم الشي‏ء العطسة تنفع في الجسد وتذكر بالله عز وجل"2.

 
 

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏2، ص‏656.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏2، ص‏654.
 
 
 
 
 
 
 
67

52

الفصل الرابع: اللياقات العامة

 وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال: العطاس ينفع في البدن كله ما لم يزد على الثلاث فإذا زاد على الثلاث فهو داء وسقم1.


أدب السامع للعطسة:

يستحب لمن سمع العطسة من الاخرين أن يسمتهم ففي الرواية: "كنا عند أبي عبد الله "الصادق" عليه السلام فأحصيت في البيت أربعة عشر رجلا فعطس أبو عبد الله عليه السلام فما تكلم أحد من القوم فقال: أبو عبد الله عليه السلام: ألا تسمتون، ألا تسمتون، من حق المؤمن على المؤمن إذا مرض أن يعوده وإذا مات أن يشهد جنازته وإذا عطس أن يسمته، وإذا دعاه أن يجيبه"2.
وأما كيفية التسميت، فتجيبنا عنه الرواية الأخرى: كان الإمام الباقر عليه السلام إذا عطس فقيل له: يرحمك الله قال: يغفر الله لكم ويرحمكم، وإذا عطس عنده إنسان قال: "يرحمك الله عز وجل"3.
وفي رواية أنه: عطس غلام لم يبلغ الحلم عند النبي صلى الله عليه و آله سلم فقال: "الحمد لله، فقال له النبي صلى الله عليه و آله سلم: بارك الله فيك"4.

 
 

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏2، ص‏656.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏2، ص‏657.
3- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏2، ص‏655.
4- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏2، ص‏655.
 
 
 
 
 
 
68

53

الفصل الرابع: اللياقات العامة

 وينبغي لفت النظر هنا إلى حسن التسميت حتى لمن لم يكن مسلما, ففي الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "عطس رجل نصراني عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له القوم: هداك الله، فقال أبو عبد الله عليه السلام: فقولوا: يرحمك الله، فقالوا له: إنه نصراني؟! فقالعليه السلام: لا يهديه الله حتى يرحمه"1.


أدب العاطس:

من الأدب للعاطس أن يذكر الله تعالى ويحمده، ففي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام قال: إذا عطس الرجل فليقل: الحمد لله(رب العالمين)لا شريك له وإذا سمت الرجل فليقل: يرحمك الله وإذا رد فليقل: يغفر الله لك ولنا: فإن رسول الله صلى الله عليه و آله سلم سئل عن اية أو شي‏ء فيه ذكر الله فقال: "كلما ذكر الله فيه فهو حسن"2.

وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله سلم: "إذا عطس المرء المسلم ثم سكت لعلة تكون به قالت الملائكة عنه: الحمد لله رب العالمين، فإن قال: الحمد لله رب العالمين قالت الملائكة يغفر الله لك"3.

 
 

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏2، ص‏656.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏2، ص‏655.
3- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏2، ص‏656.
 
 
 
 
 
 
 
69

54

الفصل الرابع: اللياقات العامة

 توقير ذي الشيبة المسلم‏


لقد دعانا الإسلام لاحترام ذوي الشيبة من المؤمنين وكبار السن عامة، بل عد من يجهل حقهم منافقا ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "ثلاثة لا يجهل حقهم إلا منافق معروف بالنفاق: ذو الشيبة في الإسلام، وحامل القران، والإمام العادل"1.

ولهذه الدعوة فائدتان أساسيتان:

الأولى:أن في احترام كبار السن إشعارا لهم بمكانتهم وأنهم مهما كبروا فن مكانتهم بين أفراد المجتمع محفوظة لأنهم أصحاب التجارب الطويلة والخبرة العميقة بتفاصيل الحياة.

والثانية: أن احترام الكبار فضلا عن كونه من الأخلاق النبيلة، فإنه مما وعد عليه الله تعالى الثواب الكبير وهذا ما تدل عليه الروايات الكثيرة منها:
ما روي عن رسول الله الأكرم صلى الله عليه و آله سلم: "من وقر ذا شيبة في الإسلام امنه الله عز وجل من فزع يوم القيامة"2.
وقد عدت بعض الروايات إجلال كبار السن إجلالاً لله تعالى ففي الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن من إجلال الله عز وجل إجلال الشيخ الكبير"3.

 
 

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏2، ص‏658.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏2، ص‏658.
3- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏2، ص‏658.
 
 
 
 
 
 
70

55

الفصل الرابع: اللياقات العامة

  وكما حثت الروايات الشريفة على احترام الكبار فإنها نهت عن الاستخفاف فيهم ففي الرواية: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: "من إجلال الله عز وجل إجلال المؤمن ذي الشيبة ومن أكرم مؤمنا فبكرامة الله بدأ ومن استخف بمؤمن ذي شيبة أرسل الله إليه من يستخف به قبل موته"1.


هذا بعض ما أشارت له الشريعة الإسلامية الغراء التي أرسل الله تعالى بها نبيه الأكرم صلى الله عليه و آله سلم بها، وكذا دعانا أهل البيت عليهم السلام على الاستنان بهذه السنن، فإنها تصبّ‏ُ أولاً وأخيراً في صلاحنا وسعادتنا سواء في الدنيا أم الاخرة وفقنا الله تعالى لمراضيه وجنبنا معاصيه إنه سميع مجيب واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 
 

1- الكافي، الشيخ الكليني، ج‏2، ص‏658.
 
 
 
 
 
 
 
71

56

الفهرس

 الفهرس

مقدمة

1

تمهيد

2

الفصل الأول  

السلام وادابه

9

فضل إفشاء السلام

13

الابتداء بالسلام

15

متى يكون السلام؟

16

1-السلام قبل الكلام

16

2-السلام عند دخول البيوت

16

ردُّ السلام

18

أدب السلام

19

أدب الوداع

20

المصافحة

21

كيفية المصافحة

23

المعانقة

23

 

 

 

 

 

 

 

73


57

الفهرس

 


 حسن البشر

25

اثار حسن البشر

26

1-المودة:

26

2-يصفي القلوب

26

3-يذهب بالذنوب

27

الفصل الثاني

الضيافة والوليمة

29

تمهيد

31

الزيارة في الله

33

الضيافة

35

فضل إكرام الضيف

36

البيت الذي لا ضيف فيه

37

إجابة دعوة المؤمن للطعام

37

أدب الضيافة(صاحب البيت)

38

1-الأكل مع الضيف

38

2-أن لا يستخدم الضيف

39

3-أن لا يتكلف للضيف

39

اداب الضيافة(الضيف)

41

الوليمة

42

اداب المائدة

43

فوائد قلة الطعام

44

مضار كثرة الطعام

45

بعض من اداب المائدة

47

الاول: الوضوء قبل الطعام وبعده

47

الثاني:  البسملة والدعاء

48

 

 

 

 

 

 

 

74


58

الفهرس

 

الثالث:  إطالة الجلوس

49

الرابع:  تناول الفتات

49

الخامس:  الافتتاح بالملح والاختتام به

50

السادس:  أن يأكل الإنسان من قدامه

51

السابع:  إطعام من يشتهي

51

الثامن:  عدم الأكل باليد اليسري

52

التاسع:  عدم الأكل أثناء المشي

53

العاشر:  عدم أكل الطعام حاراً

53

الفصل الثالث 

لياقات المناسبات

55

1-التعزية

75

فضل التعزية

58

كيف نعزي؟

58

2-تهنئة الحاج والمعتمر

61

الفصل الرابع

اللياقات العامة   

65

تسميت العاطس

67

أدب السامع للعطسة

68

أدب العاطس

69

توقير ذي الشيبة المسلم

70

 

 

 

 

 

 

 

 

75


59
اللياقات الإجتماعية