ثقافة الإنتظار

«رؤية جديدة على ضوء هداية القرآن والسنة والعقل»


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2022-01

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


المقدّمة

المقدّمة

 

باسمه نبتدأ وإياه نعبد ونستعين، ونصلي على رسوله الأكرم وحجته الأعظم محمد بن عبد اللَّه، وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين، لا سيّما بقيّته في العالمين، القائم المنتظر المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، وقرّب موعده.

 

وبعد، فإن ثقافة الانتظار -بما تعنيه من رموز ومعارف وأدبيات علميّة وعمليّة ينبغي أن يتمتّع بها المنتظر من أهل الحقّ- تشكّل معلمًا أساسيًّا من معالم الهوية الثقافية التي تشير إلى الشيعيّ الإماميّ الإثني عشريّ في عصر الانتظار، سيّما إذا طبّقنا هذا المفهوم على مصداقه الأجلى عند هذه الطائفة، وهو انتظار الفرج بظهور الإمام الثاني عشر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

بل إن ثقافة الانتظار - كما سيجيء في بعض مطاوي هذا الكتاب - هي حاجة بشريّة عامّة وملحّة، تنطوى على مصالح جمّة للعباد، كإبعاد شبح اليأس وإحياء روح الأمل... وغيرها من المنافع التي أدت إلى أن تكون هذه الثقافة حاجة عالميّة، مع اختلاف الجماعات البشرية في الاستفادة من بركات هذا المفهوم الفطريّ والعقليّ بمقدار اتّباعهم للأدوات المعرفيّة الصالحة في نفض الغبار عن هذا المفهوم من جهة، وبمقدار صوابيّة مصداق الفرج الذي جعلوه متعلّقًا لانتظارهم.

 

ولئن كانت الكتب والمصنّفات في هذا الموضوع غير قليلة، إلا أن الغاية التي دعت إلى تأليف هذا الكتاب وتحكّمت بشكله ومضمونه وإن كانت في أصلها غاية عمليّة ترتبط بإخراج متن تعلّمي تعليميّ صالح للدرس والتدريس في المرحلة

 

 

11


1

المقدّمة

السادسة من مراحل الدراسة في معهد الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف للإخوة، إلا أن ذلك لم يقف حائلًا دون تحقيق غاية علميّة أيضًا في نفس الوقت، وهي الكشف عن المعالم الحقّة لثقافة الانتظار من خلال استنطاق مصادر المعرفة الإسلامية الصحيحة المتجسّدة في القرآن والسنّة والعقل عبر المنهجية العلمية الفقهية المعتمدة في حوزاتنا الشيعية، والتي تستعين بالأدوات العلمية الدقيقة والعلوم الآلية: كعلوم اللغة العربية (نحو، صرف، بلاغة...)، والعلوم العقلية (منطق، فلسفة...) وعلم أصول الفقه والتفسير... وغيرها من الفنون الممهّدة لاستخراج الآراء الصائبة في فهم القضايا الإسلامية.

 

ومن هنا اخترنا الاسم الذي عُنون به هذا الكتاب (ثقافة الانتظار رؤية جديدة على ضوء هداية القرآن والسنة والعقل)، والذي - بفضل اللَّه ومنّه - تميّز عن غيره من المصنّفات في هذا المجال بإنتاجه لرؤية جديدة متكاملة ومنظوميّة لموضوع الانتظار، بلحاظ أن الكثير مما صُنّف في هذا المجال قد ابتلي بالنظرة التجزيئيّة والاستحسانات والإنشائيّات التي قد تنفع في مجال الخطابة أو قد تكشف عن حقائق جزئية محدودة. وكشاهدٍ على ذلك يمكن مقارنة أهمّية ما أنتجه البحث القرآني من معالم للانتظار مقابل ما يعانيه الانتظار في القرآن من إهمال في البحوث الأخرى.

 

وأيًّا كان، ستلاحظ أثناء سيرك مع هذا الكتاب كيف أن يبدأ بتجميع الحقائق حول موضوع الانتظار ليرسم في النهاية ثقافة الانتظار كلوحة فنيّة متكاملة، مدادُها معطياتُ اللغة والقرآن والسنة والعقل، وليحدّد على أساسها واجبات المنتظرين العلميّة والعمليّة.

 

فمن اللَّه عزّ وجلّ نسأل القبول والأجر، ومن صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف الرضا والتسديد، ومن العلماء والأساتذة الفضلاء النصيحة، ومن القارئين الدّعاء.

 

                                                                                  والحمد لله رب العالمين

مركز المعارف للمناهج والمتون التعليمية

 

 

 

12

 

 


2

الدرس الأوّل: الانتظار في اللغة والاصطلاح

الدرس الأوّل:

الانتظار في اللغة والاصطلاح

 

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يذكر دلالة كلٍّ من مادة مفردة "الانتظار" وصيغتها.

2. يبيّن الفروقات بين الانتظار وغيره من المفردات القريبة بحسب اللغة.

3. يعرّف انتظار الفرج اصطلاحًا.

 

 

14


3

الدرس الأوّل: الانتظار في اللغة والاصطلاح

تمهيد

لا بدّ قبل تناول أيّ عنوانٍ يرتبط بالثقافة الإسلاميّة من معرفة الدلالة اللغويّة والاصطلاحيّة له، ولا سيّما إذا كان مأخوذًا بلفظه من القرآن الكريم والسنّة الشريفة، باعتبار أنّ هذين المصدرين الأساسيَّين لفهم الإسلام، يتمتّعان بالدّقة العالية في انتقاء المفردات التي يعبِّران من خلالها عن التكاليف والإرشادات الموجّهة إلى الناس. ويتأكّد الأمر في عنوان "انتظار الفَرَج"، الذي أشار إليه القرآن الكريم، واستفاضت فيه السنّة الشريفة.

 

هذا العنوان مركَّبٌ من إضافة الانتظار إلى الفَرَج، إلّا أنّ الكلمة المفتاح التي وقعت موضع الأخذ والردّ، وحصل الالتباس للكثيرين فيها، والتي يُراد معالجتها في هذا المتن، هي كلمة "الانتظار". فهل المقصود منها على مستوى الدلالة اللغويّة مجرّد الانتظار الساذج المتبادَر؟ أم أنّ للمعاجم وأرباب اللغة كلمةً أخرى حول المداليل التي من الممكن أن تتضمّنها هذه المفردة؟

 

الانتظار لغةً

من أجل أن نقوم ببحثٍ لغويٍّ وافٍ نسبيًّا حول معنى "الانتظار"، سنقوم بتتبّع معاجم اللغة العربيّة الرصينة والأصيلة، المتقدّمة منها والمتأخرة، لنتعرّف أوّلًا على معنى المفردة بشكلٍ خاصّ، ثمّ نحدّد مادّتها، ونذكر بعض معاني المشتقَّات الأخرى لها، تمهيدًا لتعيين أصلها اللغويّ أو المعنى المحوريّ الذي تدور حوله مفردة

 

17


4

الدرس الأوّل: الانتظار في اللغة والاصطلاح

"الانتظار" وأخواتها، ثمّ نبيّن نحو ارتباط المفردة بأصلها، والفروقات المعنويّة بينها وبين المفردات القريبة منها، وصولًا إلى تحديد الحقل المعجميّ والدلاليّ المتشعّب لها، والذي يمكن الاستفادة منه في البحوث اللاحقة.

 

معنى مفردة "الانتظار"

يُلاحظ من خلال تتبّع مفردة "الانتظار" في المعاجم، أنَّ اللغويّين لم يعتنوا بها بشكلٍ مستقلّ، ولم يتعرّضوا لتفصيل معناها كمفردةٍ مبهمةٍ أو فيها شيءٌ من الخفاء، بل أرسلوها إرسال المفردات الواضحة التي لا تحتاج إلى توقّف أو عنايةٍ خاصّةٍ أو كلفةٍ زائدةٍ من أجل فهم معناها، بل تجدهم يفسّرون عددًا من المفردات الأخرى بها، إمّا بنحو الترادف، أو بنحو كون "الانتظار" جزءَ المعنى لتلك المفردات، مثل: التّعقيب، في قوله -تعالى-: ﴿وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ﴾[1]، "أي لم ينتظر"[2]، والترقّب والارتقاب[3]، والتربّص[4]، والأمل والتأميل[5]، والرَّصْد والإرصاد[6]، والتَّأنِّي[7]، والمَكْث[8]، والتأخير[9]، والتَّوقُّع[10].


 


[1] سورة النمل، الآية 10، سورة القصص، الآية 31.

[2] الفراهيديّ، الخليل بن أحمد، العين، تحقيق: الدكتور مهديّ المخزوميّ، الدكتور إبراهيم السّامرائيّ، مؤسّسة دار الهجرة، إيران - قم المشرّفة، 1409هـ.ق، ط2، ج1، ص178، ابن منظور، محمّد بن مكرم، لسان العرب، نشر أدب الحوزة، إيران - قم المشرّفة، 1405هـ.ق، لا.ط، ج1، ص614، 619.

[3] الجوهريّ، إسماعيل بن حماد، الصحاح، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطّار، دار العلم للملايين، لبنان - بيروت، 1407هـ.ق - 1987م، ط4، ج1، ص138، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج1، ص424، الطريحيّ، الشيخ فخر الدين، مجمع البحرين، تحقيق: السيّد أحمد الحسينيّ، نشر مرتضوي، لا.م، 1362هـ.ش، ط2، ج2، ص72.

[4] الفراهيديّ، العين، مصدر سابق، ج7، ص120، الجوهري، الصحاح، مصدر سابق، ج3، ص1041، ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمّد هارون، مكتبة الإعلام الإسلامي، إيران - قم المشرّفة، 1404هـ.ق، ط1، ج2، ص477.

[5] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج1، ص140.

[6] ابن سيدَه، علي بن إسماعيل، المخصّص، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي، دار إحياء التراث العربي، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج3، ص91، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج3، ص177.

[7] الزمخشريّ، محمود، أساس البلاغة، دار ومطابع الشعب، مصر - القاهرة، 1960م، لا.ط، ص23، الفيروزآباديّ، الشيخ مجد الدين محمّد بن يعقوب الشيرازيّ، القاموس المحيط، دار العلم للجميع، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج2، ص145.

[8] الفراهيديّ، العين، مصدر سابق، ج5، ص353.

[9] الراغب الأصفهانيّ، أبو القاسم الحسين بن محمّد، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق: صفوان عدنان داووديّ، طليعة النور، لا.م، 1427هـ.ق، ط2، ص813.

[10] ابن سيده، المخصّص، مصدر سابق، ج3، ص90.

 

18


5

الدرس الأوّل: الانتظار في اللغة والاصطلاح

من هنا، يجد المتتبّع أنّ معنى "الانتظار" داخلٌ في تكوين أصول العديد من موادّ المفردات الأخرى، ويلاحظ في كلّ واحدة منها ما يخصّه من القيود[1]. واللافت للنظر أنّ جميع هذه المعاني تحتوي على حركة وتفاعل، وأنّك لا تجد في المقابل من فسّر الانتظار بالسكون أو الجمود أو العجز أو ما يقرب من هذه المفردات السلبيّة، أو فسّر شيئًا من هذه المفردات بالانتظار. هذه الروابط تشير إلى المستوى الذي تتمتّع به هذه المفردة من الحيويّة والإيجابيّة.

 

دلالة صيغة "الانتظار"

"انتظار" على وزن (افتعال)، مصدرٌ من الفعل الثلاثيّ المزيد بحرفين (افتعل). وقد ذكر المحقّقون من الصرفيّين أربع دلالات لهذه الصيغة، مع احتمالهم مجيء غيرها ممّا لا يُضبط، وهي: المطاوعة[2]، والاتّخاذ[3]، والتفاعل[4]، والاجتهاد في تحصيل الفعل.

 

والأوفق من هذه المعاني بالانتظار هو المعنى الأخير، فالانتظار اجتهادٌ في تحصيل النَّظر، وتصبُّرٌ وسعيٌ في سبيل الحصول على المنظور إليه. وهذا المعنى للصيغة يظهر من قوله -تعالى-: ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ﴾[5]، فلها ما أصابت من الخير، سواء اجتهدت فيه أم لا، وليس عليها إلّا ما اجتهدت في تحصيله من المعاصي[6]. ويُحتمل أن تفيد الصيغةُ المطاوعةَ، فيكون الانتظار بمعنى الالتزام بما أدّى إليه النظر.


 


[1] راجع: المصطفويّ، الشيخ حسن، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مؤسّسة الطباعة والنشر، وزارة الثقافة والإرشاد الإسلاميّ، إيران، 1417هـ.ق، ط1، ج4، ص79.

[2] نحو: جمعته فاجتمع، ومزجته فامتزج، ورميته فارتمى.

[3] نحو: اِشتَوى اللحم: أي اتَّخذته شواءً، وامتطى الشيء: أي اتَّخذه مطيَّةً، واعتاد الشيء: أي اتَّخذه عادةً.

[4] نحو: اجتوروا: أي تجاوروا.

[5] سورة البقرة، الآية 286.

[6] الأسترآباديّ، رضيّ الدين محمّد بن الحسن، شرح شافية ابن الحاجب، تحقيق وضبط وشرح: محمّد نور الحسن - محمّد الزفزاف - محمّد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1395هـ.ق - 1975م، لا.ط، ج1، ص109 - 110.

 

19


6

الدرس الأوّل: الانتظار في اللغة والاصطلاح

دلالة مادّة الانتظار

حتّى نستكشف الأصل اللغويّ الذي ترجع إليه مادّة "الانتظار"، لا بدّ من تحديد مادّتها أوّلًا، وهي الخيط الشَّكليّ الذي يجمعها مع أخواتها من المشتقّات، وتعرُّف مشتقّاتها ومعانيها ثانيًا، لنصل أخيرًا إلى معرفة الأصل اللغويّ الذي هو الخيط المعنويّ الجامع لمعاني هذه المشتقّات المتفرّقة. وهذا ما سنوضّحه ضمن النقاط الآتية:

1. تحديد المادّة:

لا خلاف في أن مادّة مفردة الانتظار هي (ن ظ ر).

 

2. مشتقّات المادّة الأخرى:

مشتقّات مادّة (ن ظ ر) كثيرة، منها:

- النَّظر: بمعنى تقليب العين نحو الشيء، وهو المعنى الأشهر والأكثر استعمالًا بين مشتقّات المادّة[1].

 

- نَظِير: "نظيرُ الشيء: مثلُه، لأنَّه إذا نظر إليهما كأنّهما سواءٌ في المنظر"[2].

 

- اُنْظُرْني يا فلان: أي استمع لي أو أقبل عليَّ[3]، كما في قوله -تعالى-: ﴿يَٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقُولُواْ رَٰعِنَا وَقُولُواْ ٱنظُرۡنَا وَٱسۡمَعُواْۗ﴾[4].

 

- المُناظَرَةُ: أَن تُناظِرَ أَخاك في أَمر: إِذا نَظَرْتُما فيه معاً كيف تأْتيانه.

 

- أَنْظَرَه يُنْظِرُه نَظِرَة: أي أمهله وأخَّره[5].


 


[1] راجع: الفراهيديّ، العين، مصدر سابق، ج8، ص154، الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص812، المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن، مصدر سابق، ج12، ص166.

[2] الفراهيديّ، العين، مصدر سابق، ج8، ص156.

[3] راجع: الفراهيديّ، العين، مصدر سابق، ج8، ص156، الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق وتصحيح: أحمد حبيب قصير العاملي، مكتب الإعلام الإسلامي، لا.م، 1409هـ.ق، ط1، ج1، ص398 - 399.

[4] سورة البقرة، الآية 104.

[5] راجع: الفراهيديّ، العين، مصدر سابق، ج8، ص154 - 155، ابن منظور، لسان العرب، مصدر سابق، ج5، ص217 - 218.

 

20


7

الدرس الأوّل: الانتظار في اللغة والاصطلاح

3. الأصل اللغوي للمادّة وكيفية ارتباط مفردة الانتظار به:

بعد تعرّف مشتقّات هذه المادّة، يأتي دور استنباط المعنى المحوريّ الذي تستمدّ منه هذه المشتقّات كلّها معانيها، وهو ما يعبّر عنه بالأصل اللغويّ للمادّة. وسنعرض بعض آراء المحقّقين من اللغويّين في أصل المادّة، وكيفيّة ارتباط مفردة "الانتظار" وغيرها بهذا الأصل:

- ابن فارس: يرى ابن فارس أنَّ "النون والظاء والراء أصل صحيح يرجع فروعه إلى معنى واحد، وهو تأمّل الشيء ومعاينته، ثمّ يستعار ويتّسع فيه. فيُقال: نظرت إلى الشيء، أنظر إليه إذا عاينته... ويقولون: نظرته، أي انتظرته. وهو ذلك القياس، كأنّه ينظر إلى الوقت الذي يأتي فيه"[1]. فالمُلاحظ في كلمة الانتظار -بحسب ابن فارس- النَّظر إلى الوقت الذي يأتي أو يتحقّق فيه المنتظر.

 

- الشيخ المصطفويّ يقول: "والتحقيق أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو رؤية في تعمّق وتحقيق في موضوع مادّيّ أو معنويّ، ببصر أو ببصيرة... وأمّا الإنظار: فهو بمعنى جعل شخص ناظرًا وذا نظر... وأمّا الانتظار: فهو بمعنى اختيار النظر وانتخابه، وأمّا مفهوم الترقّب: فهو من لوازم اختيار معنى النظر كما في: ﴿فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن يَنتَظِرُۖ﴾، ﴿فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ﴾. ففي كلمة الانتظار يُلاحَظ النظر واختياره. وإذا اختار الإنسان برنامج النظر، وكان في ذلك الأمر عاملًا، فهو مترقّب"[2]. وبالنَّظر إلى هذا التحقيق، يكون الاختيار جزءًا لا يتجزّأ من معنى الانتظار، وهو ما يُضْفِي عليه قيمةً أكبر، كيف لا، والاختيار هو مِمّا فُضّل به الإنسان على سائر المخلوقات؟!

 


[1] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج5، ص444.

[2] المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج12، ص186.

 

21


8

الدرس الأوّل: الانتظار في اللغة والاصطلاح

4. الفروقات اللغويّة بين "الانتظار" وغيره من المفردات القريبة:

أ. الانتظار والإنظار: مادّتهما واحدة، والفرق بينهما في الصيغة، فالانتظار يدلّ على الاجتهاد في تحصيل النَّظر، والإنظار جمودٌ وتوقّف لطلب وقت الشيء الذي يصلح فيه[1].

 

ب. الانتظار والتربّص: الانتظار يكون في قصير المدّة وطويلها، بينما التربّص يكون في طويل المدّة[2]. ومفهوم التربّص مركّبٌ من الصبر والنّظر، وبينه وبين موادّ الصبر والبصر تناسب[3].

 

ج. الانتظار والترجّي: الترجّي انتظار الخير خاصّة، والانتظار أعمّ للخير والشرّ، ويدلّ على ذلك أقواله -تعالى-: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِۗ﴾[4]، ﴿يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ﴾[5]، ﴿قُلِ ٱنتَظِرُوٓاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ﴾[6]. والترجّي لا يكون إلّا مع الشكّ في حصول المرجوّ، وأمّا الانتظار فيجتمع مع الشكّ واليقين في حصول المنتظر[7].

 

د. الانتظار واللبث: الانتظار فعلٌ اختياريّ، بينما اللبث قهريٌّ، وهذا ظاهرٌ من موارد استعمال المادّة في القرآن الكريم[8]، كقوله تعالى: ﴿لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾[9].

 

هـ. الانتظار والمكث: الانتظار مصحوبٌ بالنظر والتفكّر، بينما المكث توقّفٌ اختياريٌّ

 

 


[1] راجع: أبو هلال العسكري، الفروق اللغويّة، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم المشرّفة، شوال المكرم 1412هـ.ق، ط1، ص543.

[2] راجع: أبو هلال العسكري، الفروق اللغويّة، مصدر سابق، ص122.

[3] راجع: المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج4، ص26.

[4] سورة الزّمر، الآية 9.

[5] سورة فاطر، الآية 29.

[6] سورة الأنعام، الآية 158.

[7] راجع: أبو هلال العسكري، الفروقات اللغويّة، مصدر سابق، ص123.

[8] راجع: المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج10، ص157.

[9] سورة النبأ، الآية 23.

 

22


9

الدرس الأوّل: الانتظار في اللغة والاصطلاح

على حالةٍ سابقة أو في مكان ما، غير مصحوبٍ بحركة فكريّة أو عمليّة[1]. ويظهر المعنى من قول موسى لأهله: ﴿ٱمۡكُثُوٓاْ إِنِّيٓ ءَانَسۡتُ نَارٗا لَّعَلِّيٓ ءَاتِيكُم مِّنۡهَا بِقَبَسٍ﴾[2].

 

و. الانتظار والارتقاب: الارتقاب هو انتظارٌ ومراقبة لحصول أمرٍ قريب مع انتصاب الرقَبَة احترازًا وخوفًا[3]. وبشكلٍ عامّ، يُلحظ في مفاهيم الارتقاب والترقّب والرَّقْب الانتظار في مقام الحراسة والحذر من أمرٍ وشيك أو خطرٍ داهم، بينما الانتظار أعمّ.

 

ز. الانتظار والرَّصد: الرّصد هو الانتظار بقصد الترقّب والتفتيش عن خصوصيّات شيءٍ ما، والانتظار أعمّ[4].

 

ح. الانتظار والإمهال: الانتظار مقرون بما يقع فيه النظر، والإمهال مُبهَم[5].

 

وبعد هذا الاستعراض للفروقات اللغويّة بين الانتظار وما يمكن أن يتوهّم أنه مرادفٌ له، يظهر لطف التعبير بالانتظار دون غيره، فهو: يصحّ في طويل المدّة وقصيرها، ومع الخوف والاضطراب ودونه، ويكون أمرًا اختياريًّا، وفيه تعمُّلٌ وتفكّرٌ وتأمّلٌ في المنتظر، ومُتعلقه واضحٌ غير مُبهَم، ويجتمع مع الشكّ واليقين، ومع توقّع الخير وتوقّع الشرّ، ليصحّ إطلاقه على الكافر والمؤمن مع انحفاظِ فرقِ كونِ المؤمن مُثابًا على انتظاره، بخلاف الكافر. وهذه فروقاتٌ مهمّة، سنحاول الاستفادة منها في الدروس اللاحقة.


 


[1]  راجع،: المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج11، ص141.

[2] سورة طه، الآية 10. وراجع: سورة القصص، الآية 29.

[3] راجع: الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص362، ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج2، ص427، المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج4، ص79، 190.

[4] راجع: المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج4، ص144.

[5] أبو هلال العسكري، الفروقات اللغويّة، مصدر سابق، ص76.

 

23


10

الدرس الأوّل: الانتظار في اللغة والاصطلاح

المعنى الاصطلاحيّ للانتظار

يُراد من المعنى الاصطلاحيّ للانتظار هنا: تحديد المعنى المصطلح والمتواطَئ عليه لمفهوم "الانتظار" في الثقافة الإسلاميّة. وقد عرّفه بعضهم بأنّه: "كيفيّةٌ نفسانيّة، ينبعثُ منها التهيّوء لما تنتظره"[1].

 

وإذا كان البحث اللغويّ قد انصبّ على بحث مفردة "الانتظار" لكشف الالتباس الذي قد يلحق هذه المفردة من ناحية اللغة، فيعطّل أيّ مفعولٍ إيجابيٍّ لها، فإنّ البحث الاصطلاحيّ سوف ينصبّ على تحديد متعلّق الانتظار، وهو الفَرَج. وهنا يتميّز اتجاهان في تحديد المقصود من الفَرَج:

- الاتّجاه الأوّل: اتّجاه إخواننا من أهل السنّة:

يرى أنّ المقصود من الفَرَج هو استجابة الدعاء وكشف الملمّات بشكلٍ عامّ، وانتظاره يعني التصبّر والتوكّل إلى أن تتحقّق الاستجابة، وهذا واضحٌ من الأبواب التي عنونوا فيها أحاديث انتظار الفَرَج في كتبهم الحديثيّة، ومن تفسيرات علمائهم لهذا الحديث[2].

 

- الاتّجاه الثاني: اتّجاه الشيعة الإماميّة الاثني عشرية:

وهو المذهب الحقّ الذي يرى أنّه لا مانع من إرادة ذلك المعنى العامّ المتقدّم في الاتجاه السابق، كما يظهر من بعض الروايات من طرقنا، إلّا أنّ أغلب الروايات الإمامّية خصّت انتظار الفَرَج بمعنى خاصّ يصلح أن يكون أبرز مصداقٍ لانتظار استجابة الدّعاء،


 


[1] الأصفهاني، الميرزا محمّد تقي الموسوي، مكيال المكارم، تحقيق: السيد عليّ عاشور، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1421هـ.ق، ط1، ج2، ص176.

[2] راجع: الترمذي، محمّد بن عيسى، الجامع الصحيح (سنن الترمذي)، تحقيق وتصحيح: عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1403هـ.ق - 1983م، ط2، ج5، ص225، الهيثمي، عليّ بن أبي بكر، مجمع الزوائد، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1408هـ.ق - 1988م، لا.ط، ج10، ص147 - 148، المباركفوري، محمّد عبد الرحمن، تحفة الأحوذي (شرح جامع الترمذي)، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1410هـ.ق - 1990م، ط1، ج10، ص17، الطبراني، سليمان بن أحمد، الدعاء، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1413هـ.ق، ط1، ص28، السلمي، أبو عبد الرحمن، تفسير السلمي، تحقيق: سيد عمران، دار الكتب العلمية، 1421هـ.ق - 2001م، ط1، ج2، ص334.

 

24

 


11

الدرس الأوّل: الانتظار في اللغة والاصطلاح

باعتباره أعلى مستويات الفَرَج التي ينتظرها المؤمنون، وهو انتظار ظهور الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت عليهم السلام، الذي سيخرج ليملأ الأرض قسطًا وعدلًا، حتّى يكاد ينصرف عنوان "انتظار الفَرَج" عند إطلاقه في الثقافة الإسلاميّة عند الإماميّة إلى هذا المعنى الخاصّ دون غيره من المعاني.

 

هذا بشكلٍ عام، وسيتضّح من خلال الدروس الآتية مفهوم، "انتظار الفَرَج" أكثر فأكثر، وستنجلي الغبرة عن دقائقه وتفصيلاته، من خلال الفوائد القرآنيّة والروائيّة والعقليّة، لترسم مجتمعةً لوحةً برّاقةً يظهر من خلالها عمق هذا العنوان وجماله وأهمّيّته.

 

25

 


12

الدرس الأوّل: الانتظار في اللغة والاصطلاح

المفاهيم الرئيسة

1. يحتلّ بحث الدلالتَين اللغويّة والاصطلاحيّة للانتظار أهمّيّة قصوى في فهم مراد الشارع من الأمر بالانتظار.

 

2. أرسلت المعاجم اللغويّة مفردة الانتظار إرسال الواضحات، وفسّرت بعض المفردات الأخرى بها. ويتّضح للمتتبّع أنّ أحدًا لم يذكر لـ"الانتظار" معنًى سلبيًّا، بل جميع ما ارتبط بهذه المفردة من حقل معجميّ يتضمّن معنىً حركيًّا وحيويًّا.

 

3. تدلّ صيغة الانتظار على الاجتهاد في تحصيل النظر، كما يُحتمل أن تفيد المطاوعة، بمعنى الالتزام بما أدّى إليه النظر.

 

4. يلاحظ من البحث في مادّة الانتظار ومشتقّاتها أنّ أصلها من النظر إلى وقت المنتظر، وأنّها تتضمّن معنى اختيار النظر وانتخابه، فهي عمليّة اختياريّة لا قهريّة.

 

5. يظهر من التأمّل في الفروقات اللغويّة بين الانتظار وغيره من المفردات القريبة، المعنى الخاصّ للانتظار، وهو أنّه يصحّ في طويل المدّة وقصيرها، ومع الخوف والاضطراب ودونهما، ويكون أمرًا اختياريًّا، وفيه تعمُّلٌ وتفكّرٌ وتأمّلٌ في المنتظر، ومُتعلّقه واضحٌ غير مبهم، ويجتمع مع الشكّ واليقين، ومع توقّع الخير وتوقّع الشرّ.

 

6. يُعرَّف الانتظار في الاصطلاح بأنّه: "كيفيّةٌ نفسانيّة، ينبعثُ منها التهيّؤ لما تنتظره". والأهمّ هو معرفة متعلّقه، وهنا مدرستان، مدرسة أهل السنّة التي ترى أنّ متعلّقه الفرج بالمعنى الأعمّ، بمعنى التصبّر حتّى انقضاء الملمّات واستجابة الدعاء، ومدرسة الإماميّة التي ترى المعنى الأخير أيضًا، ولكن تركّز على فرج خاصّ، وهو ظهور الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

26


13

الدرس الثاني: استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقي لها (1)

الدرس الثاني:

استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقي لها (1)

 

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يوضّح أهمّيّة بحث الانتظار في القرآن الكريم وفق منهج التفسير الموضوعي.

2. يتحدّث عن انتشار مفردة الانتظار في القرآن الكريم.

3. يشرح دلالة موارد الانتظار في القرآن.

 

27


14

الدرس الثاني: استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقي لها (1)

تمهيد

كيف يمكن للبحث المتعلّق بأيّ مادّة ثقافيّة إسلاميّة أن يكون صادقًا وأصيلًا إذا لم يولِ عناية كافية للرجوع إلى أَجَلّ مصادر معرفة الإسلام، وهو القرآن الكريم. ولذلك سوف نتعرّض في هذا الدرس والدروس اللاحقة لتحديد معالم الانتظار في القرآن، من خلال منهج التفسير الموضوعيّ.

 

 

تتبّع المفردة

يتوقّف منهج التفسير الموضوعيّ بدايةً على استقصاء الموارد التي تعرّض فيها القرآن لمبدأ الانتظار، وهو ما سنعرضه من خلال ما يلي:

وردت مادّة (ا ن ت ظ ر) 14 مرّة في القرآن الكريم، بصيغٍ ستة[1]، في 7 آيات كريمة من ستّ سور مباركة، خمس منها مكيّة وواحدة مدنية. والآيات هي:

1. ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ﴾[2].


 


[1] وهي: انتظروا - منتظرون - المنتظرين - ينتظرون - انتظر - ينتظر.

[2] سورة الأنعام، الآية 158.

 

29


15

الدرس الثاني: استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقي لها (1)

2. ﴿قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾[1].

 

3. ﴿وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾[2].

 

4. ﴿فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾[3].

 

5. ﴿وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ﴾[4].

 

6. ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ﴾[5].

 

7. ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾[6].

 

استنتاجات أوّليّة

ما يمكن ملاحظته من استنتاجات أوّليّة بعد عرض الآيات:

1. أنّ الموارد كلّها ما عدا الأخير منها جاءت بصيغة توجيه النبيّ (قُل)، بأن يأمر الكفّار بالانتظار، إلّا المورد الثاني الذي جاء بنحو حكاية قول النبيّ دون الأمر بـ(قل)، مقابل توصيف النبيّ نفسه (إنّي) بأنّه من المنتظرين، أو لجماعته (إنّا) بأنّهم من المنتظرين، إلّا المورد السادس الذي انعكست فيه القضيّة، إذ كان الأمر بالانتظار فيه من اللَّه - عزّ وجلّ - للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وتوصيفٌ منه -تعالى- للكفّار بأنّهم منتظرون.

 

 


[1] سورة الأعراف، الآية 71.

[2] سورة يونس، الآية 20.

[3] السورة نفسها، الآية 102.

[4] سورة هود، الآيتان 121 - 122.

[5] سورة السجدة، الآية 30.

[6] سورة الأحزاب، الآية 23.

 

30


16

الدرس الثاني: استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقي لها (1)

2. كونُ الموارد كلّها باستثناء الأخير مكّيّةً، وقد جاءت في الأمر بالانتظار والانتظار المقابل على نحو التّحدّي، يدلّ بشكلٍ قويّ على أهمّيّة الانتظار وضرورته في الأوقات الصعبة التي يكون فيها المؤمنون مغلوبين على أمرهم، وأنّ الانتظار فعلُ تحدٍّ ومقاومة، لا حالة سكون وجمود.

 

وقفة تفسيريّة مع كلّ مورد

لا بدّ من أجل التوصّل إلى نظريّة قرآنية صحيحة عبر التفسير الموضوعيّ، من مراجعة السياقات القرآنيّة للموضوع في موارده، وجمع المتفرّق من النكات التفسيريّة التي ذكرها المفسّرون الترتيبيّون، من أجل رسم لوحة النظريّة القرآنيّة حول موضوع الانتظار. ونبدأ بالموارد واحدًا تلو الأخر، مهتمّين بالإفادات التي يضفيها السياق على مفهوم الانتظار في كلّ مورد:

المورد الأول: الانتظار فرصة للعمل

قوله -تعالى-: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ﴾[1].

 

يتضمّن السياق الذي وردت فيه الآية احتجاجًا على المشركين في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، بإنزال القرآن الكريم عليهم مفصّلًا ومبيِّنًا لجميع ما يحتاجون إليه كما أنزل التوراة والإنجيل على أهل الكتاب، حتّى لا يقول أحد: لو أنّا أُنزل علينا كتابٌ لكنّا أهدى من تلك الأمم. لكنّهم قابلوا هذه الآية المعجزة بالتكذيب[2].

 

فتأتي الآية محلّ البحث على شكل استفهامٍ إنكاريٍّ موجّه للمشركين، مفاده: إنّكم ماذا تأملون وتنتظرون حتّى تؤمنوا وتعملوا بعد أن نزّلنا عليكم أعظم الآيات والمعاجز،

 

 


[1] سورة الأنعام، الآية 158.

[2] راجع: سورة الأنعام، الآيات 154 - 157.

 

 

31

 


17

الدرس الثاني: استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقي لها (1)

وهو القرآن الكريم؟ هل تنتظرون أن تأتيكم الملائكة لتقبض أرواحكم؟ أم أن يأتي يوم القيامة؟ أم أن يأتي بعض الآيات المخوّفة، من قبيل طلوع الشمس من مغربها؟

 

الأولى بكم أن تؤمنوا وتباشروا الأعمال الحسنة قبل أن تأتي إحدى هذه الوقائع، التي لا يُقبل بعدها إيمانٌ، ولا ينفع بعدها عمل[1].

 

وعن مدى ارتباط الآية بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف قيل: إنّ الآية نزلت في القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف[2]. وقيل في معنى ﴿بَعۡضُ ءَايَٰتِ رَبِّكَ﴾: خروج دابّة الأرض، والدجّال، والدخان، والموت[3]، وبعضها من علامات ظهوره عليه السلام. ورُوي عن أبي عبد اللَّه عليه السلام: أنّه قال - في قول اللَّه -عزّ وجلّ - ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ﴾ -: "الآيات هم الأئمّة، والآية المنتظرة هو القائم عليه السلام، فيومئذٍ لا ينفع نفسًا إيمانُها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف، وإن آمنت بمن تَقَدّمه من آبائه عليهم السلام"[4].   أن المرويّ كثيرًا من طرقنا[5] وطرق أهل السنّة[6] أنّه طلوع الشمس من مغربها.


 


[1]  راجع: العياشي، محمّد بن مسعود، تفسير العياشي، تحقيق: الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلاميّة، إيران - طهران، 1422هـ.ق‏، ط1، ج1، ص385، القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، تصحيح وتعليق وتقديم: السيد طيب الموسوي الجزائري، مؤسّسة دار الكتاب للطباعة والنشر، إيران - قم المشرّفة، 1404هـ.ق، ط3، ج1، ص222، ج2، ص320، الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج4، ص328.

[2] المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان، تفسير القرآن المجيد المستخرج من تراث الشيخ المفيد (رحمه اللَّه)، إعداد: السيد محمّد عليّ أيازي، مؤسّسة بوستان كتاب قم (مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي)، 1424هـ.ق - 1382هـ.ش، ط1، ص323.

[3] راجع: الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج4، ص327.

[4] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، كمال الدين وتمام النعمة، تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، إيران - قم المشرّفة، 1405هـ.ق - 1363هـ.ش، لا.ط، ص18.

[5] التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام، تحقيق: مدرسة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، مدرسة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، إيران - قم المشرّفة، ربيع الأول 1409هـ.ق، ط1، ص478، العياشي، تفسير العياشي، مصدر سابق، ج1، ص384 - 385، القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج1، ص222، ج2، ص320، الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج4، ص327.

[6] راجع: مقاتل بن سليمان، تفسير مقاتل بن سليمان، تحقيق: أحمد فريد، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1424هـ.ق - 2003م، ط1، ج1، ص380، الطبري، محمّد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تقديم: الشيخ خليل الميس، ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1415هـ.ق - 1995م، لا.ط، ج8، ص126 - 136.

 

32


18

الدرس الثاني: استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقي لها (1)

وكيف كان، فالآية تختم هذا الوعيد والتهديد للمشركين بأمر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلمبأن يعلن الموقف من عنادهم مقابل هذا الوعيد الإلهيّ، وهو أن يقول لهم: ﴿ٱنتَظِرُوٓاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ﴾. وقد ذكر المفسّرون أنّ المراد بهذه العبارة: أنِ انتظروا، أيّها المشركونَ، عذاب اللَّه القادم وآياته، كما أنّنا كمؤمنين ننتظر عقابه لكم وثوابه لنا[1]. وهذا ينسجم مع ما ورد في البحث اللغويّ من أنّ الانتظار يتعلّق بالخير والشرّ. وسيأتي مزيد توضيح لهذه الصيغة المتكرّرة بعد بحث مواردها.

 

وما يهمّنا في المقام، هو استكناه معنى الانتظار المراد من الرسول صلى الله عليه وآله وسلموالمؤمنين في الآية: فهل هو عملٌ وسعيٌ دؤوب، أم جمودٌ وكسلٌ ولا مبالاة؟ من الواضح أنّ الآية التي دعت، قبل أن تأمر بالانتظار، إلى الإيمان والعمل الصالح وكسب الخير في زمن الانتظار، لن تعقّب بأمرٍ يستفاد منه القعود والكسل في هذا الزمن، فتكون قد ناقضت نفسها، بل إنّ السياق التحذيريّ للآية، المفيد لعدم قبول الإيمان والعمل عند تحقّق المنتَظَر، يشعل جذوة الانطلاق، ويستنهض الهمّة لتدارك ما بقي من وقتٍ قبل أن يأتي الأمر المنتَظَر، فهي توحي بضرورة تصعيد حركة الإيمان والعمل كلّما اقتربنا من زمن الظهور.

 

وبعبارة مختصرة: تؤكّد الآية الكريمة حقيقة أنّ الانتظار المطلوب في الزمان الذي يسبق زمن تحقّق المنتَظَر، هو الانتظار المصحوب بالحركة الإيمانيّة والعمليّة، التي ستكون نافعة ومؤثّرة عند ظهور المنتَظَر، لا أنّه زمن القعود والكسل وسقوط التكليف، كما يظنُّ الكفّار والمشركون، باعتبار أنّ آيات اللَّه وحججه لم تتمّ بعد عليهم. وكيف لمؤمنٍ أن يدّعي انتظار الحقّ وهو يعمل بعمل الكفّار والمشركين في انتظارهم!


 


[1] الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج4، ص328، الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، مصدر سابق، ج8، ص137.

 

33


19

الدرس الثاني: استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقي لها (1)

المورد الثاني: الانتظار مقابل الاستعجال

﴿قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤكُم مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾[1].

 

القائل هنا هو هودٌ نبيّ اللَّه عليه السلام لقومه عاد، ردًّا على مقالتهم التي حكتها الآية السابقة: ﴿قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾[2]. فبعد أن أبطل استدلالهم على الشرك باستنادهم إلى تقليد آبائهم، أجابهم على استعجالهم للعذاب بقولهم: ﴿فَأۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ﴾، أنِ ﴿فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ﴾[3]. فوقع الأمر بالانتظار في هذا المورد صريحًا في مقابل استعجال الكفّار للعذاب. وسنبحث عن الاستعجال وخطورته لاحقًا.

 

المورد الثالث: الانتظار تعبُّدٌ وتسليم

قوله -تعالى-: ﴿وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾[4].

هذه الآية عطفٌ على سياقها المتقدّم، المبتدأ بقوله -تعالى-: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي﴾[5]، حيث تَعُدُّ هذه الآيات مجموعةً من مظالم المشركين في أقوالهم وأفعالهم، ثمّ تلقّن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الحجج التي ينبغي له أن يردّ بها عليهم. وسياقها مشابهٌ كثيرًا لسياق المورد الأوّل، من ناحية تسليط الضوء على مسألة النِّزاع حول إعجاز القرآن وحجيّته على المشركين. وأمّا المَظْلَمَةُ القوليّة التي يتفوّهون بها


 


[1] سورة الأعراف، الآية 71.

[2] السورة نفسها، الآية 70.

[3] مغنية، الشيخ محمّد جواد، التفسير الكاشف، دار العلم للملايين، لبنان - بيروت، 1981م، ط3، ج3، ص348.

[4] سورة يونس، الآية 20.

[5] السورة نفسها، الآية 15.

 

 

34


20

الدرس الثاني: استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقي لها (1)

في الآية محلّ بحثنا، فهي قولهم: لو أنّ محمدًا صلى الله عليه وآله وسلمجاءنا بمعجزة أخرى غير القرآن لآمنّا، إزراءً منهم وتحقيرًا لأمر القرآن[1]، وطلبًا لما يضطرّهم ويُلجئهم إلى الإيمان[2]، لأنّهم لو كانوا يطلبون المعجزة لأجل الإيمان حقيقةً لآمنوا بالمعجزات التي دلّتهم على صدقه، وعلى رأسها القرآن، إلّا أنّهم إنما يقولون ذلك، ويقترحون المعجزات، كما يظهر من بعض آيات سورة الإسراء[3]، لجاجًا وعنادًا واستهزاءً.

 

والجواب الذي يلقّنه اللَّه عزّ وجلّ  لنبيّه الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: بأنّ هذا من أمر اللَّه تعالى وغيبه، واللَّه تعالى لا يفعل إلّا ما تقتضيه حكمته، من تعريض العباد للإيمان بالآيات لا إلى حدّ الإلجاء، وليس الأمر تابعًا لأهوائكم أيّها المشركون المعاندون، فإن كنتم لا تقبلون هذا الكلام، فانتظروا أمر اللَّه تعالى فيكم أو عقابه لكم، إنّي معكم من المنتظرين لذلك.

 

ويُستفاد من هذه الآية، أنّ الجواب العمليّ على شبهات المعاندين الذين لا يؤمنون بالغيب، ولا يسلّمون لأمر اللَّه تعالى وحكمته في أفعاله، ويظنّون أنّ آيات اللَّه -تعالى- وأفعاله يجب أن تكون تابعةً لأهوائهم، وينبغي أن تتحقّق في الزمان والمكان الذي يرغبون هم فيهما، هو انتظار أمر اللَّه تعالى من الطرفين، انتظارٌ من المعاندين مصحوبٌ بالاستهزاء وعدم التسليم وتحكيم الأهواء في أفعال اللَّه تعالى، وانتظارٌ من المؤمنين مشحونٌ بالتعبّد وروح التسليم لأمر اللَّه تعالى.

 

وتدلّ بعض الروايات التفسيريّة على أنّ المراد بالغيب المنتَظَر في الآية، هو الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، حيث أورد الشيخ الصدوق رواية عن يحيى بن أبي القاسم، قال: سألتُ الصادق جعفر بن محمّد  عليه السلام عن قول اللَّه -عزّ وجلّ- ﴿الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾، فقال عليه السلام: "المتّقون


 


[1] الطباطبائي، السيد محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، إيران - قم المشرّفة، 1417هـ.ق‏، ط5، ج10، ص34.

[2] الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج5، ص357.

[3] راجع: سورة الإسراء، الآيات 90 - 93.

 

 

35


21

الدرس الثاني: استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقي لها (1)

شيعة عليٍّ  عليه السلام، والغيب فهو الحجّة الغائب. وشاهد ذلك قول اللَّه عزّ وجلّ: ﴿وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾، فأخبر عزّ وجلّ أنّ الآية هي الغيب، والغيب هو الحجّة، وتصديق ذلك قول اللَّه عزّ وجلّ: ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾، يعني حجّة"[1].

 

ويمكن أن تكون الرواية من باب التفسير بالمصداق، باعتبار أنّ من أعظم مصاديق المُغيّبات أو الآيات التي تُعُبِّدَ المؤمنون بانتظارها، وهلك وسيهلك فيها الكثيرون، بحسب تعبير بعض الروايات، هي آية المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وغَيْبَته.

 

المورد الرابع: الانتظار سنّة إلهيّة تاريخيّة

قوله تعالى: ﴿فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾[2].

يوجز العلّامة الطباطبائي معاني السياق الذي وردت فيه هذه الآية، بقوله: "تتضمّن الآيات الاستشهاد على حقية ما أنزله اللَّه تعالى في السورة من المعارف الراجعة إلى المبدأ والمعاد، وما قصّه من قصص الأنبياء وأممهم - ومنهم نوح وموسى ومَنْ بينهما من الأنبياء عليهم السلام وأممهم - إجمالًا، بما قرأه أهل الكتب السماويّة فيها قبل نزول القرآن على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم... فالسّنّة الجارية أنّ الناس منذ خلقوا واختلفوا بين مكذِّب بآيات اللَّه ومصدِّق لها، وقد جرت سنة اللَّه تعالى على أن يقضى فيهم بالحقّ بعد مجيء رسلهم إليهم، فينجي الرسل والمؤمنين بهم، ويأخذ غيرهم بالهلاك"[3].

 

والآية محلّ البحث، استفهامٌ إنكاريٌّ موجّه للمعاندين الذي لم تنفع معهم الدعوة إلى النَّظر في الآيات والنُّذر المتقدّمة في الآيات السابقة: أنْ ماذا تنتظرون؟ هل

 

 


[1]  الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص18.

[2] سورة يونس، الآية 102.

[3] العلّامة الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق،ج10، ص122.

 

36


22

الدرس الثاني: استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقي لها (1)

تنتظرون آياتٍ أوضح وأنصع من القرآن الكريم ومعجزات الأنبياء حتّى تؤمنوا؟ كلّا! إنّكم لا تنتظرون إلّا المصير نفسه الذي لاقاه المعاندون من الأمم السالفة التي قصصنا عليكم من أنبائها، لأنّكم كفرتم بالآيات الواضحة، ولن تنفع معكم أيّ آية بعد ذلك، إلّا آية العذاب التي تجتثّكم وتستأصلكم.

 

فبينما كانت الآية في المورد الثالث تتحدّث عن انتظار المشركين لآية من آيات اللَّه حتّى يؤمنوا، تأتي هذه الآية في سياقٍ يقول: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتۡ عَلَيۡهِمۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ * وَلَوۡ جَآءَتۡهُمۡ كُلُّ ءَايَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ﴾[1]، ﴿قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ﴾[2]، لتؤكّد كذب دعواهم في تعليق إيمانهم على مجيء آية من آيات اللَّه، وأنّ علاجهم في الحقيقة ليس إلّا آية العذاب، ويومًا كأيّام عادٍ وثمود، تجري فيه السّنن الإلهيّة التاريخيّة، لتفصل بين أهل الحقّ وأهل الباطل، ويكون كلا الفريقين بانتظار هذا اليوم، بعد أن تمّت حجج اللَّه عليهم، مع فارق بين الانتظارين وضّحناه سابقًا.

 

فما يمكن استفادته من هذه الآية، أنّ الانتظار سنّة إلهيّة تاريخيّة، أشار إليها القرآن في معرض عرضه لسنّة الاستئصال والعذاب الذي يلحق الأمم الجاحدة للحقّ بعد تماميّة حجج اللَّه وبيّناته، مقابل سنّة إنجاء المؤمنين من هذا النوع من الإبادة، المدلول عليه بقوله تعالى: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيۡنَا نُنجِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾[3]. وهذا ما سوف نتوسّع في الاستدلال عليه ضمن درسٍ مستقلٍّ، إن شاء اللَّه تعالى.


 


[1] سورة يونس، الآيتان 96 - 97.

[2] السورة نفسها، الآية 101.

[3] السورة نفسها، الآية 103.

 

 

37

 


23

الدرس الثالث: استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقيّ لها (2)

المفاهيم الرئيسة

1. من أهمّ طرق الكشف عن معالم الانتظار المطلوب، هو البحث وَفق منهج التفسير الموضوعيّ في أجلّ مصادر معرفة الإسلام الصحيح، وهو القرآن الكريم.

 

2. من الضروريّ الوقوف عند كلّ موضع ورد فيه الانتظار في القرآن لاستفادة معلمٍ أو معالم من الانتظار المطلوب.

 

3. يدلّ المورد الأوّل على أنّ الانتظار فرصة للسعي والعمل، لقرائن عدّة، منها: أنّ الآية التي دعت - قبل أن تأمر بالانتظار - إلى الإيمان والعمل الصالح وكسب الخير في زمن الانتظار، لن تعقّب بأمرٍ يستفاد منه القعود والكسل في هذا الزمن، فتكون قد ناقضت نفسها.

 

4. وقع الأمر بالانتظار في المورد الثاني مقابل الاستعجال، وذلك على لسان النبيّ هود  عليه السلام مخاطبًا قومه الذين يستعجلون العذاب وجريان السنن الإلهيّة في زوال الباطل وانتصار الحقّ.

 

5. يُستفاد من المورد الثالث أنّ الجواب العمليّ على شبهات المعاندين الذين لا يؤمنون بالغيب ولا يسلّمون لأمر اللَّه وحكمته في أفعاله، هو انتظار أمر اللَّه من الطرفَين، انتظارٌ من المعاندين، مصحوبٌ بالاستهزاء، وعدم التسليم، وتحكيم الأهواء في أفعال اللَّه، وانتظارٌ من المؤمنين، مشحونٌ بالتعبّد وروح التسليم لأمر اللَّه.

 

6. يدلّ المورد الرابع على أنّ الانتظار سنّة إلهيّة تاريخيّة، أشار إليها القرآن في عرضه لسنّة الاستئصال والعذاب اللذين يلحقان الأمم الجاحدة للحقّ بعد تماميّة حجج اللَّه وبيّناته، مقابل سنّة إنجاء المؤمنين.

 

 

37

 

 


24

الدرس الثالث: استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقيّ لها (2)

الدرس الثالث:

استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقيّ لها (2)

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يبيّن دلالة المورد الخامس على أن الانتظار قرين العمل لا الكسل.

2. يذكر دلالة الموردين السادس والسابع.

3. يحدّد الفارق بين انتظار المؤمنين وانتظار الكفّار.

 

 

39

 

 


25

الدرس الثالث: استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقيّ لها (2)

تمهيد

نستكمل في هذا الدرس عرض الدراسة التحليليّة السياقيّة للموارد المتبقّية التي وردت فيها مفردةُ "الانتظار" في القرآن الكريم، في محاولةٍ لاستكشاف أبعاد الانتظار، وإثراء مفهومه. ونتعرّض في نهايته لبحث الصيغة المتكرّرة في أغلب الموارد على شكل أمر فئةٍ بالانتظار مقابل توصيف الفئة الأخرى بأنّها منتَظِرة.

 

المورد الخامس: العمل قرين الانتظار

قوله -تعالى-: ﴿وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ﴾[1].

 

سياق هذه الآية، الواقع في آخر سورة هود، مشابهٌ كثيرًا لسياق، المورد السابق الواقع في آخر سورة يونس. فبعد أن يذكر تعالى مجموعةً من قصص الأنبياء عليهم السلام، ومعاناتهم في هداية أقوامهم، يأتي إلى استخلاص العديد من العبر، مثل: استثناء النموذج الصالح من سنّة الاستئصال[2]، والتأكيد على سنّة الاختلاف[3]، وأنّ الإيمان من نصيب مَن كان مستعدًّا للهداية، وأما المصرّ على تكذيب آيات اللَّه، فليس له إلّا الضلال[4].


 


[1] سورة هود، الآيتان 121 - 122.

[2] راجع: سورة يونس، الآيتان 98، 103، سورة هود، الآيتان 116 - 117.

[3] راجع: سورة يونس، الآية 99، سورة هود، الآية 118.

[4] راجع: سورة يونس، الآيات 96 -97، 100 - 101، سورة هود، الآية 119.

 

 

41


26

الدرس الثالث: استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقيّ لها (2)

ثمّ يؤكّد - عزّ وجلّ - على الموقف العمليّ الذي ينبغي اتّخاذه في وجه المعاندين والمكذّبين، وهو بمثابة قطعٍ للخصام والنِّزاع الذي لا طائل منه مع هؤلاء، مصحوبٍ بالتهديد، بأن يقول لهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ﴾: اعملوا على قدر منزلتكم وتمكّنكم من الدنيا ووفَق ما يقتضيه مكانكم من العناد[1]، وسنعمل وفَق ما هدانا اللَّه، ولننتظر اليوم الذي سيحقّ اللَّه فيه الحقّ، ويبطل فيه الباطل[2].

 

وهذا الموقف العمليّ، قد تردّد التوجيه إليه في غير محلّ من القرآن الكريم بالصيغة نفسها: ﴿ٱعۡمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمۡ﴾ في سياقاتٍ مشابهةٍ أيضًا، كما في أقواله تعالى:

1. ﴿قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾[3].

 

2. ﴿وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ﴾[4]، حكايةً لقول النبيّ شعيب  عليه السلام لقومه.

 

3. ﴿قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾[5].

 

والدرس المستفاد ممّا يتعلّق بموضوع الانتظار: أنّ انتظار المآل المصحوب بالعمل، كلٌّ بحسب ما تقتضيه مكانته وفكره، هو الموقف الذي ينبغي أن يحكم العلاقة بين معسكر أهل الحقّ ومعسكر أهل الباطل في الفترة التي تلي تماميّة الحجج الإلهيّة على الجميع، وتسبق لحظة تحقّق وعد اللَّه -تعالى- للمؤمنين بالنصر، وللكفّار بالخزي والهوان.


 


[1] راجع: الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج4، ص283.

[2] راجع:   الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج11، ص71.

[3] سورة الأنعام، الآية 135.

[4] سورة هود، الآية 93.

[5] سورة الزّمر، الآية 39.

 

42


27

الدرس الثالث: استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقيّ لها (2)

وفي هذه الآية بالخصوص، يتجلّى بشكلٍ واضح عمق ارتباط الانتظار بالعمل، باعتبار أنّه لا يمكن أن يُعطف الأمر بالانتظار على الأمر بالعمل، مع كون الانتظار حالةً مناقضةً للعمل والحركة. فاللَّه - عزّ وجلّ - يوجّه أولياءه: أنّ الفترة التي تسبق تحقّق الوعد الإلهيّ الحاسم للنّزاع، ليست فترة استراحة وعطلة، يُسْتَأْنَفُ بعدها صراع الحقّ والباطل حين يأذن اللَّه لآياته بالظهور، بل هي فترة (عمل)، كما لقّن اللَّه تعالى نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (إني عامل)، هي فترة اجتهادٍ واندفاعٍ وإصرارٍ أكبر من كلٍّ من الفريقين على المضيّ وفَق رؤيته وبرنامجه.

 

المورد السادس: الإعراض والانتظار

قوله تعالى: ﴿فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَٱنتَظِرۡ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ﴾[1].

يشترك سياق هذه الآية[2] مع سياقات الموارد السابقة في: التأكيد على عدم نفع التوبة في يوم تحقّق الوعد الإلهيّ[3]، والتذكير بالكتب والحجج السابقة مع ذمّ مكذّبيها[4]، والردّ على استعجال الكفّار للعذاب[5]، وتبيان سنّة الاختلاف[6]، والدعوة إلى التفكّر والنّظر في الآفاق[7].

 

ويتميّز هذا السياق في تركيزه عن الإجابة عن السؤال الاستهزائيّ الذي تكرّر ذكره في القرآن الكريم، نقلًا عن لسان المعاندين، بصيغ متعدّدة، وهو: متى يتحقّق الوعد الإلهيّ؟ وقد تقدّم أنّهم ادّعوا أنّ طلبهم تحقُّق الآيات واستعجالهم لها ليس إلّا ليؤمنوا، وبيّن القرآن أنّ ذلك ليس إلّا عنادًا منهم واستهزاءً بشأن الآيات التي أنزلها اللَّه، وعلى


 


[1] سورة السجدة، الآية 30.

[2] راجع: سورة السجدة، الآيات 22 - 30.

[3] راجع: المورد الأول: سورة الأنعام، الآية 158.

[4] راجع: المورد الأول: سورة الأنعام، الآيات 154 – 157.

[5] راجع: المورد الثاني، سورة الأعراف، الآية 71.

[6] راجع: المورد الثالث: سورة يونس، الآية 19، المورد الرابع: سورة يونس، الآية 99، المورد الخامس: سورة هود، الآيتان 118 – 119.

[7] راجع: المورد الرابع: سورة يونس، الآية 101.

 

43


28

الدرس الثالث: استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقيّ لها (2)

رأسها القرآن، وأنّهم لا يطلبون إلّا تحكيم أهوائهم على حكمة اللَّه -تعالى- وتقديره، الأمر الذي ينقض جوهر الإيمان.

 

والجواب الذي علّمه اللَّه - عزّ وجلّ - لنبيّنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المورد، ينقسم إلى ثلاث وظائف موجّهة للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في قبال المشركين الذين تمّت عليهم الحجج ومع ذلك أصرّوا وعاندوا، وهي:

1. تهديدهم بعدم قبول توبتهم وإيمانهم يوم الفتح.

2. الإعراض عنهم.

3. الانتظار.

 

أمّا الوظيفة الأولى، فقد تقدّم الحديث عنها في المورد الأوّل، وأمّا الوظيفة الثالثة، فهي التي نريد استكشاف معالمها، فيبقى اللافت للنَّظر هو الوظيفة الثانية المتمثّلة بأمره تعالى لنبيّه صلى الله عليه وآله وسلمأن يُعرض عن المشركين، ثمّ عطف على ذلك الأمر بالانتظار، بنحوٍ يدلّ على أنّهما أمران مقترنان. فما المقصود بالإعراض عن المشركين المقترن بالانتظار؟ وكيف يساهم مفهوم الإعراض في إثراء مفهوم الانتظار؟

 

الإعراض عن الشيء لغةً: الانصراف والتولّي عن الشيء، مُبديًا له عَرْضَه، ومُظْهرًا شخصيّته ومقامه[1]. وقد تكرّر توجيه الأمر للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلمبالإعراض عن المشركين والمنافقين في القرآن[2]. وذكر المفسّرون في معنى الإعراض في هذا المورد أقوالًا، منها: تركُ دعائهم ووعظهم، لأنّه لا ينفع معهم. ومنها: أن لا يعبأ بأذاهم. ومنها: أن لا يجاهدهم، باعتبار أنّ الآية نزلت قبل أن يؤمرَ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالجهاد[3].


 


[1] راجع: الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص559، المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج8، ص92.

[2] راجع: سورة النجم، الآية 29، سورة النساء، الآيتان 63، 81، سورة المائدة، الآية 42، سورة الأنعام، الآية 68.

[3] راجع: الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج8، ص310.

 

44


29

الدرس الثالث: استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقيّ لها (2)

وبالجملة، يمكن أن يستفاد من اقتران الإعراض بالانتظار آثار مهمّة ترتبط بطبيعة الانتظار، منها:

1. أن لا يعبأ المؤمنون المنتظرون بشبهات المعاندين واستهزائهم، ولا بقوّتهم وسطوتهم، وأن لا يخافوا ولا يرتابوا، لأنّهم على يقين من تحقّق الوعد الإلهيّ الحاسم في نهاية المطاف. وهذا اليقين هو الذي يجلب الطمأنينة لقلوب المؤمنين مهما قويت شوكة الباطل. ومن هنا، يمكن الجزم بأنّ الإعراض ليس هروبًا أمام الآخر، ولا أزمة هويّة تعصف بالذات، بل هو فعلُ إظهارٍ للثبات القلبيّ والعزيمة النفسيّة الراسخة والمطمئنّة التي يمتلكها المؤمنون، بحيث يواجهون استهزاء المعاندين النابع من خوفهم وسفاهتهم وحقدهم، بالإعراض النابع من الطمأنينة والحكمة والحبّ.

 

2. أن يتجنّبوا، في مسيرة انتظارهم الفعّال، الخوضَ في المزيد من النقاش والجدل مع المعاندين، لأنّهم طبع على قلوبهم، ولن يهتدوا بعد أن رأوا آيات اللَّه باهرة، فلن يكون الخوض معهم مجدّدًا إلّا تضييعًا للوقت والجهد، وتمكينًا لهم من تَكرار الاستهزاء بالمؤمنين وبوعد اللَّه، الأمر الذي من الممكن أن يؤدّي إلى نتيجتَين غير محبوبتَين: الأولى: التضييق على المؤمنين، ممّا قد يؤدّي إلى فرار بعضهم وضلال آخرين، والثانية: تعجيل عذاب الاستئصال، بسبب استهزاء الكافرين، وهو ما لا يريده اللَّه عزّ وجلّ ورسوله صلى الله عليه وآله وسلملهم، لأنّ المراد بالأصالة للَّه تعالى هو هدايتهم واللطف بهم، بتقريبهم إلى الطّاعة، لا التعذيب والشماتة، وهنا تأتي سنّة الإمهال، فتعطيهم الفرصة الكافية التي تقيم عليهم الحجّة.

 

ومن هنا، تتضّح نقطة خلاف مهمّة في مسألة الانتظار، وهو أنّ المنتظر ليس انفجارًا حتّى يكون الانتظار إشعالًا لفتيل هذا الانفجار، كما هي نظرة مدرسة الانتظار السلبيّ التي تتّفق مع الماركسيّة في السّعي إلى تعميق الفجوات وتأجيج النزاعات، فتسعى إلى التسبّب بالمزيد من الفساد والإفساد في الأرض، ظنًّا منها أنّ ذلك سيقرّب موعد تحقق الوعد الإلهيّ والظهور المبارك. وسيأتي مزيد من التوضيح لهذه الشبهة وردّها.

 

45

 


30

الدرس الثالث: استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقيّ لها (2)

هذا ما يمكن أن يقال في معنى الإعراض. وبالعودة إلى السياق السابق للآية:

﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ﴾[1]، من المهم الإشارة إلى أنّه ورد بعض الروايات التي تفسّر يوم الفتح بأنّه يوم المهديّ الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف[2].

 

المورد السابع: الانتظار وفاءٌ وثباتٌ

قوله -تعالى-: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾[3].

 

يختلف سياق هذه الآية عن جميع ما تقدّم من سياقات الموارد السابقة، فهي جاءت في معرض سرد قضيّة حرب الخندق أو الأحزاب، وتقييم أحداثها ونتائجها، واستخلاص العبر منها. وتجري الآية على المعهود من دأب القرآن في غير مورد: أنّه إذا عمَّ قومًا بعتاب أو توبيخ وذمّ، وفيهم مَن هو بريءٌ من استحقاقه، أن يستثنيه منهم، ويخصّه بجميل الذكر، ويحمده على عمله وإحسانه[4]. وهو هنا يستثني جماعةً من المؤمنين من الذمِّ المتقدّم الذي شمل بعضهم الآخر، لا سيّما في قوله: ﴿وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولًا﴾[5]. فإذا كان ثمّة فئة لم توفِ بعهد اللَّه، فإنّ فئة أخرى من المؤمنين أوفت بما عاهدت اللَّه عليه من نصرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فمنهم من استمرَّ وفيًّا لعهد اللَّه إلى أن قضى نحبه واستشهد، ومنهم من ينتظر النّصر أو الشهادة دون أن يخلَّ بذلك العهد الإلهيّ إبّان انتظاره.

 

وفي الروايات الواردة في مصادرنا، أنّ الذين قضَوا نحبهم في الآية هم: حمزة وجعفر بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث، والمنتظر الذي لم يبدّل تبديلًا هو


 


[1] سورة السجدة، الآيات 28 - 29 - 30.

[2] راجع: مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، معجم أحاديث الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، إشراف: الشيخ عليّ كوراني، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، إيران - قم المشرّفة، 1411هـ.ق، ط1، ج5، ص346.

[3] سورة الأحزاب، الآية 23.

[4] راجع:   الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج9، ص225.

[5] سورة الأحزاب، الآية 15.

 

46


31

الدرس الثالث: استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقيّ لها (2)

عليٌّ عليه السلام[1]. ولا مانع من كون الآية تجري وتنطبق على سائر الشهداء والمؤمنين الثابتين على العهد من بعدهم، لا سيّما مع ملاحظة روايات أخرى طبّقت الآية على كلّ موالٍ ثابتٍ على ولاية أهل البيت عليهم السلام[2].

 

ويُستفاد من هذا المورد: أنّ الانتظار هو صفة كلّ من عاهد اللَّه على نصرة أوليائه ولم يقضِ بعدُ نحبه، لكنّه الانتظار الذي لا يبدّل الإنسان معه نهج الوفاء للَّه تعالى ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وللدين الحنيف بمجرّد أن يسقط أصحابه المنتظرون شهداء، ولا يحيد عن المسار الذي كان قد سلكه مع أصحابه الشهداء قبل شهادتهم قيدَ أنملة. إنّه الانتظار الذي لا ييأس معه المنتَظِر من الاندفاع في الميدان وفاءً لدم أصحابه، مهما طال به الانتظار حتّى يفوز بإحدى الحسنَيين: إمّا النصر وإمّا الشهادة. إنّه الانتظار الذي يستعدّ فيه المنتَظِر لتقديم أعظم التضحيات، ولا يقول في يومٍ من الأيّام: لقد ضحّينا بما فيه الكفاية، وسقط أصحابي شهداء، وبقيت وحيدًا في الميدان، ولقد تعبت ويئست، فالأحرى بي أن أقعد في بيتي حتّى يقضي اللَّه أمره، ويُظهر وعده!


 


[1] راجع: الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، الخصال، تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة، إيران - قم المشرّفة، 1403هـ.ق - 1362هـ.ش، لا.ط، ص376، القمي، تفسير القمي، مصدر سابق، ج2، ص188 - 189، ابن شهر آشوب، محمّد بن عليّ، مناقب آل أبي طالب، تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية، العراق - النجف الأشرف، 1376هـ.ق - 1956م، لا.ط، ج1، ص304.

[2] راجع: الكليني، الشيخ محمّد بن يعقوب، الكافي، تحقيق وتصحيح: عليّ أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363هـ.ش، ط5، ج8، ص34 - 35.

 

47


32

الدرس الثالث: استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقيّ لها (2)

انتظار المؤمنين وانتظار الكافرين

ظهر لنا من تتبّع مفردة الانتظار، أنّ أغلب مواردها جاءت بصيغة الأمر بالانتظار لفئة مقابل توصيف الفئة الأخرى بأنّها منتَظِرة، فقد جاءت:

1. ثلاث مرّات بصيغة: ﴿فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ﴾، وذلك في الموارد: الثاني والثالث والرابع[1].

 

2. ومرّتين بصيغة: ﴿ٱنتَظِرُوٓاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ﴾، وذلك في الموردين الأول والخامس[2].

 

3. ومرّةً بصيغة: ﴿وَٱنتَظِرۡ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ﴾، وذلك في المورد السادس[3].

 

نتوقّف عند هذه الصيغة التي تكرّرت في أغلب الموارد، بعد أن حقّقنا سياقاتها، إذ تبرُزُ هنا إشكاليّة أمر الكفّار بالانتظار تارةً، وتوصيفهم بأنّهم منتظرون تارةً أخرى! فهل انتظارهم على حدٍّ سواء مع انتظار النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين، كما قد يُفهم من قوله: ﴿إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ﴾؟ أم أنّ ثمّة بونًا شاسعًا بين الانتظارَين؟

 

بعد مراجعة أقوال المفسّرين، يظهر أنّهم اكتفوا بالتعليق على هذه الصيغة بأنّها نحوٌ من التهديد البليغ[4]، مع اختلافهم في متعلّق الانتظار، هل أنّه واحدٌ لكليهما، أم متعدّد. فقيل: إنّ كلا الفريقين ينتظر آيات اللَّه، إلّا أنّ المؤمنين ينتظرونها يقينًا في أنفسهم، والكفّار ينتظرونها استهزاءً بألسنتهم[5]. وقيل في انتظار المؤمنين: إنّه انتظار وعد اللَّه، أو النصر من اللَّه في الدنيا، أو الثواب من اللَّه في الآخرة، أو هلاك الكافرين. وقيل في انتظار الكافرين: إنّه انتظار ما يعدهم الشيطان من الغرور والنصر في الدنيا، أو عذاب اللَّه في الآخرة، أو الموت المؤدّي بهم إلى العذاب، أو


 


[1] سورة الأعراف، الآية 71، سورة يونس، الآيتان 20، 102.

[2] سورة الأنعام، الآية 158، سورة هود، الآية 122.

[3] سورة السجدة، الآية 30.

[4] راجع:   الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج8، ص179، الشيخ مغنية، التفسير الكاشف، مصدر سابق، ج4، ص197.

[5] الرازي، فخر الدين محمّد بن عمر، تفسير الرازي، لا.م، لا.ن، لا.ت، ط3، ج25، ص188.

 

48


33

الدرس الثالث: استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقيّ لها (2)

أنّهم ينتظرون بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم حوادث الزمان، من موت أو قتل أو نفي، فيستريحون منه[1].

 

والأظهر، بحسب ما تقدم من البحث السياقيّ، أنّ الانتظارَين لهما متعلّق واحد، هو: آيةٌ من آيات اللَّه يطلبها الكافرون ليؤمنوا في الموردَين الأول والثالث، والعذاب الإلهيّ الموعود في سائر الموارد. ويمكن عدُّ الآية المنتظرَة في الموردَين الأول والثالث عذابًا إلهيًّا أيضًا، باعتبار أنّها يوم تأتي لا ينفع نفسًا إيمانُها لم تكن آمنت من قبل. وأيًّا كان المتعلّق منهما، فانتظار الكافرين له ليس انتظارًا حقيقيًّا، بل هو انتظارُ تحدٍّ واستهزاء وتكذيب، إلّا أنّهم منتظرون له، كما وصفتهم الآية: ﴿إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ﴾، باعتبار أنّه في الواقع سيأتيهم رغمًا عن أنوفهم، فكأنّهم كانوا في انتظاره، لا أنّهم منتظرون ذلك يقينًا، كما هي حال انتظار المؤمنين[2].

 

وبالاستفادة مما تقدّم في ثنايا البحث المورديّ السياقيّ، يمكن الخلوص إلى نتيجة حاسمة: وهي امتياز انتظار المؤمنين المأمورين به عن انتظار الكفّار الذي أُمروا به، فانتظار المؤمنين انتظارٌ مشفوع بتصديق آيات اللَّه تعالى ووعده، والثبات على هذا التصديق، والإيمان والعمل الصالح، والصبر والتعبّد والتسليم والطمأنينة. وأما انتظار الكفّار فهو مشوّهٌ بالتكذيب والاستهزاء، والخوف، والكسل، والقعود عن العمل، والاستعجال، وتحكيم الأهواء على أفعال اللَّه تعالى، والتطاول على حكمته تعالى.

 

ويمكن القول: إن انتظار الكفّار انتظارٌ قهريٌّ انفعاليٌّ ساذجٌ لا يملكون معه إلّا اللبث والمكث، قلقين خائفين متردّدين حتّى تأتيهم آيات اللَّه تعالى، بغتة فتأخذهم وهم غافلون. وأمّا انتظار المؤمنين فهو انتظارٌ فعّال عمليّ ذكيّ، ينطلق من اليقين بالوعد الإلهيّ، ليعمل بثباتٍ وطمأنينة من أجل التزوّد بالكمالات ليومٍ لا ينفع فيه العمل.


 


[1] الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج6، ص88 - 89، ج8، ص310، ص114، الرازي، فخر الدين محمّد بن عمر، تفسير الرازي، لا.م، لا.ن، لا.ت، ط3، ج25، ص188.

[2] راجع: الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج8، ص310، الطبرسي، الشيخ الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحقّقين الأخصائيّين، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1415هـ.ق - 1995م، ط1، ج8، ص114.

 

49


34

الدرس الثالث: استقصاءٌ لموارد الانتظار في القرآن وتحليل سياقيّ لها (2)

المفاهيم الرئيسة

1. المورد الخامس، يتجلّى بشكلٍ واضح - أيضًا - عمق ارتباط الانتظار بالعمل، باعتبار أنّه لا يمكن أن يُعطف الأمر بالانتظار على الأمر بالعمل، مع كون الانتظار حالةً مناقضةً للعمل والحركة.

2. يُبيّن المورد السادس وظيفةً أخرى من وظائف المنتظرين، وهي وظيفة الإعراض. وهو لغةً: الانصراف والتولّي عن الشيء مبديًا له عَرْضَه، ومُظْهرًا شخصيّته ومقامه.

3. من المعنى اللغويّ المتقدّم واستعماله في القرآن، يتّضح أنّ الإعراض ليس هروبًا من أمام الآخر، ولا أزمة هويّة تعصف بالذات، بل هو فعلُ إظهارٍ للثبات القلبيّ والعزيمة النفسيّة الراسخة التي يمتلكها المؤمنون، بحيث يواجهون استهزاء المعاندين، النابع من خوفهم وسفاهتهم وحقدهم، بالإعراض النابع من الطمأنينة والحكمة والحبّ.

4. يختلف سياق المورد السابع، الذي هو مدنيّ عن الموارد السابقة، ويُستفاد منه أنّ الانتظار هو صفة كلّ مَن عاهد اللَّه على نصرة أوليائه ولم يقضِ بعدُ نحبه، لكنّه الانتظار الذي لا يبدّل الإنسان معه نهج الوفاء اللَّه ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وللدين الحنيف بمجرّد أن يسقط أصحابه المنتظرون شهداء.

5. إنّ انتظار الكفّار انتظارٌ قهريٌّ انفعاليٌّ، لا يملكون معه إلّا اللبث قلقين خائفين حتّى تأتيهم آيات اللَّه بغتة، فتأخذهم وهم غافلون. وأمّا انتظار المؤمنين، فهو انتظارٌ فعّال عمليّ ذكيّ، ينطلق من اليقين بالوعد الإلهيّ، ليعمل بثباتٍ وطمأنينة من أجل التزوّد بالكمالات ليومٍ لا ينفع فيه العمل.

 

50

 


35

الدرس الرابع: المعاني القريبة من الانتظار في القرآن الكريم

الدرس الرابع:

المعاني القريبة من الانتظار

في القرآن الكريم

 

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يبيّن أهميّة معرفة الفروقات الاستعمالية بين الانتظار ومقابلاته في القرآن.

2. يذكر دلالات استعمال كل من مفردات: التربّص، والترقّب، والمكث، واللبث، وأخواتها في القرآن وفرقها عن الانتظار.

3. يوضّح مفهوم سنة التأخير العامّة.

 

51

 

 


36

الدرس الرابع: المعاني القريبة من الانتظار في القرآن الكريم

تمهيد

قد بينّا سابقًا الفروق اللغويّة بين مفردة الانتظار والمفردات الأخرى القريبة معنويًّا. وفي هذا الدرس، نتعرّض لبعض تلك المفردات من حيث استعمالها القرآنيّ، وفرقه عن استعمال مفردة الانتظار، لا سيّما وأنّ بعضها استُعمل بالصيغة نفسها التي استعمل فيها الانتظار غالبًا[1]. وهذا من شأنه أن يسهم في تحديد مفاد الانتظار المطلوب بشكلٍ أدقّ، بعد تمييزه عن هذه المعاني التي قد يُظَنّ أنّها مرادفة له في الاستعمال القرآنيّ، إلّا أنّ ما سيأتي سيبيّن الفروقات الدلاليّة والسياقيّة بين استعمال القرآن للانتظار، واستعمالات المفردات الأخرى القريبة من معناه.

 

المعاني القريبة من الانتظار في القرآن الكريم

التربّص

وردت مادّة (ر ب ص) في القرآن 17 مرّة، من خلال 11 صيغة، في 7 سور: 3 منها مكّيّة، و4 مدنيّة، في 12 آية[2]. وجاءت في سياقات متعدّدة، هي: تحذيرُ المؤمنين


 


[1] لاحظ: ﴿فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ﴾، ﴿قُلۡ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ﴾، ﴿وَٱرۡتَقِبُوٓاْ إِنِّي مَعَكُمۡ رَقِيبٞ﴾.

[2] راجع: قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلاميّة، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، لا.ن، إيران - مشهد، 1247هـ.ق - 1385هـ.ش، ط2، ج22، ص771.

 

53


37

الدرس الرابع: المعاني القريبة من الانتظار في القرآن الكريم

من الميل إلى أهوائهم[1]، وتوصيفُ أقوال الكافرين وأفعالهم وتهديدهم[2]، وكذا المنافقين[3]، وتشريعُ مدّة كلٍّ من الإيلاء، وعدّة الطلاق، وعدّة المتوفّى عنها زوجها[4]. كما استخدمت مادّة التربّص بصياغات مماثلة ومشابهة للصيغ التي استخدمت فيها مادّة الانتظار، مثل: ﴿قُلۡ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُتَرَبِّصِينَ﴾[5]، و﴿فَتَرَبَّصُوٓاْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ﴾[6]، و﴿قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا﴾[7].

 

والتربّص أقرب المفردات إلى معنى الانتظار، كما يظهر من معظم كلمات اللغويّين والمفسّرين[8]. وقد تقدّم فرقه عن الانتظار، بأنّ الأخير يكون في طويل المدّة وقصيرها، ولا يكون التربّص إلّا في طويل المدّة[9]. وأكثر ما يُستعمل التربّص في انتظار حصول شيءٍ لغير المنتَظِر، ولذلك كثُرَت تعدية فعل التربّص بالباء[10]. والتربّص مفهومٌ مركَّبٌ من الصبر والنَّظر، توقّعًا لحدوث أمرٍ ما[11].

 

ويظهر من موارد استعمال مفردة التربّص في القرآن الكريم، أنّها استخدمت في الانتظار القصير المدّة، المحدّد الأجل غالبًا، كانتظار المرأة أجل العدّة أو الإيلاء، وانتظار المنافقين مآل أمر المؤمنين إلى النصر أو الهزيمة في معاركهم ليبنوا موقفهم على أساسه، وانتظار المكذّبين أجل وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلمليرتاحوا منه. بينما نجد الانتظار أكثر إبهامًا من ناحية المتعلَّق، ما ينعكس إبهامًا على مدّة الانتظار.


 


[1] راجع: سورة التوبة، الآية 24.

[2] راجع: سورة طه، الآية 135، سورة المؤمنون، الآية 25، سورة الطور، الآيتان 30 - 31.

[3] راجع: سورة النساء، الآية 141، سورة التوبة، الآيتان 52 - 98، سورة الحديد، الآية 14.

[4] راجع: سورة البقرة، الآيات 226 - 228 - 234.

[5] سورة الطور، الآية 31.

[6] سورة التوبة، الآية 52.

[7] سورة طه، الآية 135.

[8] راجع: قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلاميّة، المعجم في فقه لغة القرآن، مصدر سابق، ج22، ص771 - 793.

[9] راجع: أبو هلال العسكري، الفروقات اللغويّة، مصدر سابق، ص122.

[10] ابن عاشور، محمّد الطاهر، التحرير والتنوير، مؤسّسة التاريخ العربي، لبنان - بيروت، 1420هـ.ق - 2000م، ط1، ج10، ص119.

[11] راجع: المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج4، ص26.

 

 

54


38

الدرس الرابع: المعاني القريبة من الانتظار في القرآن الكريم

الارتقاب والترقّب والرَّقْب والرَّقيب والمُرتقب

لمادّة (ر ق ب) انتشارٌ واسع في القرآن الكريم، وما جاء من مشتقّاتها بمعنى الانتظار هو المفردات المعنونة أعلاه، وذلك في الموارد الآتية:

1- الارتقاب والمُرتقب والرَّقيب:

استُخدمت هذه المفردات بمعنى الانتظار في صياغات مماثلة للصيغ التي استخدمت فيها مفردة الانتظار غالبًا، وذلك في قولَيه تعالى:

- ﴿وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ﴾. والمتكلّم هنا هو النبيّ شعيبٌ  عليه السلام متوجّهًا إلى قومه من مدين.

 

- ﴿فَٱرۡتَقِبۡ إِنَّهُم مُّرۡتَقِبُونَ﴾، في ختام سورة الدخان. وهو تجديدٌ للأمر المتوجّه إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلمبالارتقاب في أوّل السورة في قوله تعالى: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ﴾. والأشهر في تفسير اليوم الوارد في الآية، أنّه يوم استجابة دعاء النبيّ  صلى الله عليه وآله وسلم على كفّار مكّة حين دعا عليهم بالقحط، فأصاب مكّة قحطٌ شديد حتّى كان الكفّار يرون دخانًا بين السماء والأرض من الإعياء والجوع والعطش، فجاءوا إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ووعدوه بأن يؤمنوا إذا رفع عنهم العذاب، لكنّهم لم يفوا بوعدهم، وعادوا إلى الكفر، كما يظهر من قوله -تعالى-: ﴿إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلۡعَذَابِ قَلِيلًاۚ إِنَّكُمۡ عَآئِدُونَ﴾.

 

وفي موضعٍ آخر من القرآن الكريم، يأمر اللَّه نبيّه صالحًا  عليه السلام أن يرتقب في قوله تعالى: ﴿إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ﴾. ويظهر من سياق هذه الآية والآية الأولى التي تتحدّث عن شعيب  عليه السلام، أنّ الارتقاب جاء في مرحلةٍ قريبة جدًّا من إنزال العذاب بعد استنفاد وسائل الهداية من النبيّين، وبعد مواجهتهم بالتكذيب ثمّ التهديد[1].


 


[1] راجع: سورة هود، الآيات 91 - 93، سورة القمر، الآيات 24 - 26.

 

55


39

الدرس الرابع: المعاني القريبة من الانتظار في القرآن الكريم

2- الترقّب:

جاء الترقّب في القرآن – حصرًا - في صيغة المضارع، توصيفًا لحالة موسى  عليه السلام بعد أن قتل أحد الأعداء: ﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾[1]. ووصف مرّةً أخرى بها حين كاد أن يبطش بأحد الأعداء مرّةً ثانية، ثمّ تراجع وخرج من المدينة بعد أن أخبروه بأن الملأ يأتمرون به ليقتلوه، ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾[2]. والترقّب يدلّ على رفع الرقَبة كنايةً عن الاحتراز والحذر الشديد من أمرٍ منتظَر[3]. وذكر جمعٌ من المفسّرين، أن الترقّب هنا يعني الانتظار، إمّا مطلقًا وإمّا انتظار أمر القبطيّ وطلب النّاس له[4].

 

3- الرَّقْب:

فسَّر جمعٌ من اللغويّين والمفسّرين الرَّقْب بالانتظار[5] في أقواله تعالى: ﴿قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي﴾[6]، و﴿كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً﴾. وفسّرها جمعٌ آخر بأنّها الحفظ والحراسة والمراعاة[7]، وهو أكثر انسجامًا مع أصل المادّة[8].


[1] سورة القصص، الآية 18.

[2] السورة نفسها، الآية 21.

[3] راجع: الفراهيديّ، العين، مصدر سابق، ج5، ص154، الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص362.

[4] راجع: الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج8، ص138، الشيخ الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج7، ص424، مقاتل، تفسير مقاتل بن سليمان، مصدر سابق، ج2، ص492 - 493، الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، مصدر سابق، ج20، ص58.

[5] الفراهيديّ، العين، مصدر سابق، ج5، ص154، التيمي، معمر بن المثنى، مجاز القرآن، تحقيق: الدكتور محمّد فؤاد سزگين، مكتبة الخانجي - دار الفكر، 1390هـ.ق - 1970م، ط2، ج2، ص26، السمرقندي، نصر بن محمّد، تفسير السمرقندي (بحر العلوم)، تحقيق: د.محمود مطرجي، دار الفكر، لا.ت، لا.ط، ج2، ص410، الرازي، تفسير الرازي، مصدر سابق، ج15، ص320.

[6] سورة طه، الآية 94.

[7] الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج5، ص179، ج7، ص210، مقاتل، تفسير مقاتل بن سليمان، مصدر سابق، ج2، ص37، ص339، الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، مصدر سابق، ج16، ص254.

[8] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج2، ص427، المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج4، ص190.

 

56


40

الدرس الرابع: المعاني القريبة من الانتظار في القرآن الكريم

4- فرق الارتقاب وأخواته عن الانتظار في الاستعمال القرآنيّ:

تقدّم الفرق اللغويّ بين الارتقاب وأخواته، وبين الانتظار. وهنا نريد أن نستخلص الفرق بينهما في الاستعمال القرآنيّ بعد هذا التتبّع الموجز للموارد. وما يمكن قوله في هذا المجال: إنّ الارتقاب وأخواته في القرآن استعملت في الانتظار المصحوب بالحذر والحيطة والتيقّظ، والكون في أعلى مراتب الجهوزيّة، لأنّ المنتظر على وشك أن يتحقّق، بينما كان الانتظار مستعملًا في الأعمّ من ذلك.

 

اللبث

وردت مادّة (ل ب ث) 31 مرّة في القرآن، بصيغٍ مختلفة[1]. ويظهر من الموارد أنّها استعملت للدلالة على جهة الانتظار القهريّ المتعلّق بأجلٍ محدّد في لسان الآية، كانتظار يوسف عليه السلام في السجن: ﴿فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ﴾[2]، وانتظار عزيرٍ النبيّ عليه السلام الذي أماته اللَّه مائة عام ثمّ بعثه: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ﴾[3]، وانتظار أصحاب الكهف: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا * قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ * وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا * قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾[4]، وانتظار يونس عليه السلام المفترض في بطن الحوت: ﴿أَنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلۡمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطۡنِهِۦٓ إِلَىٰ يَوۡمِ يُبۡعَثُونَ﴾[5]، ولبث الطاغين في جهنّم: ﴿لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾[6].

 

وكثيرًا ما استُعمل اللبث في سياق تصوير حالة الناس يوم القيامة حين يتعجّبون من

 

 


[1] راجع: عبد الباقي، محمّد فؤاد، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، دار الحديث، مصر - القاهرة، 1364هـ.ق، لا.ط، ص644 - 645.

[2] سورة يوسف، الآية 42.

[3] سورة البقرة، الآية 259.

[4] سورة الكهف، الآيات 12، 19، 25، 26.

[5] سورة الصافات، الآيتان 143 - 144.

[6] سورة النبأ، الآية 23.

 

57


41

الدرس الرابع: المعاني القريبة من الانتظار في القرآن الكريم

 قِصَرِ المدّة التي أمضوها في الدنيا، مثل: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُواْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾[1]، ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ * قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[2]، وغيرهما من الموارد[3].

 

المكث

وردت مادّة (م ك ث) 7 مرّات في القرآن الكريم بصيغٍ مختلفة[4]. وقد تقدّم فرقه عن الانتظار في البحث اللغويّ. وأمّا فرقه عنه في الاستعمال القرآنيّ، فهو أنّ المكث استُعمل في القرآن للدلالة على خصوص الإقامة في المكان والملازمة له، إلّا في موردٍ واحد جاء مضمومَ الميم (مُكْث) بمعنى الأناة في الزّمان، في قوله تعالى: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً﴾[5]. ويشترك معه في إبهام مدّة الانتظار، بخلاف اللبث، فإنّه حُدّد دائمًا في الاستعمال القرآنيّ.

 

ويشترك المكث مع الانتظار في كونه مستعملًا في طويل المدّة وقصيرها، كما يظهر من أقواله -تعالى-: ﴿وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا﴾، و﴿وَنَادَوۡاْ يَٰمَٰلِكُ لِيَقۡضِ عَلَيۡنَا رَبُّكَۖ قَالَ إِنَّكُم مَّٰكِثُونَ﴾[6]، و﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ﴾[7] من جهة، وأقواله تعالى: عن هدهد سليمان  عليه السلام: ﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾، وعن موسى عليه السلام: ﴿إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾[8].

 


 


[1] سورة يونس، الآية 45،

[2] سورة المؤمنون، الآيات 112 - 114.

[3] راجع: سورة الإسراء، الآية 52، سورة طه، الآيتان 103، 104، سورة الروم، الآيتان 55، 56، سورة الأحقاف، الآية 35، سورة النازعات، الآية 46.

[4] راجع: عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص671.

[5] سورة الإسراء، الآية 106.

[6] سورة الزخرف، الآية 77.

[7] سورة الرعد، الآية 17.

[8] سورة طه، الآية 10. وراجع: سورة القصص، الآية 29.

 

58


42

الدرس الرابع: المعاني القريبة من الانتظار في القرآن الكريم

ويفرق المكث عن اللبث، بأن النظر فيه إلى توقّفٍ في حالةٍ أو مكان، بينما النظر في اللبث إلى إدامة زمانٍ سابق[1].

 

التأخير وأخواته: (الإنظار - الإمهال - الاستدراج - الإملاء - الابتلاء - التمحيص)

ترتبط هذه المفردات مع الانتظار في كونها جميعًا تنضوي تحت ما يمكن تسميته بسنّة التأخير العامّة، الناشئة من صفات الرحمة العامّة والأناة والحكمة، والمطلوبة لأجل تكميل النفوس، وإيصال الموجودات إلى مقاصدها وغاياتها التي خلقت من أجلها، سواء كان هذا التكامل صعوديًّا أو هبوطيًّا.

 

فالإنظار تأخير النَّظر والبتِّ في أمر المُنْظَر، كما تكرَّر في قضية إبليس: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾[2].

 

والإمهال والاستدراج والإملاء تأخيرٌ في عذاب الكافرين، لِحَكَمٍ عديدة، قال تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾[3]، ﴿فَمَهِّلِ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَمۡهِلۡهُمۡ رُوَيۡدَۢا﴾[4]، ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾[5].

 

والابتلاء والتمحيص تأخيرٌ في نصر المؤمنين، قال -تعالى-: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ﴾[6].

 

وهذه السُّنن والتدابير الإلهيّة تُعَدُّ من مراحل مسار الانتظار وأطواره عند كلٍّ من فريق الحقّ وفريق الباطل. وسيأتي مزيد توضيحٍ لذلك عند الحديث عن الانتظار كسنّة تاريخيّة قرآنيّة.


 


[1]  راجع: المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج11، ص141- 142.

[2] سورة الحجر، الآيات 36 - 38، سورة ص، الآيات 79 - 81. وراجع: سورة الأعراف، الآيتان 14 - 15.

[3] سورة فاطر، الآية 45.

[4] سورة الطارق، الآية 14.

[5] سورة الأعراف، الآيتان 182 - 183.

[6] سورة آل عمران، الآيتان 141 - 142.

 

59


43

الدرس الرابع: المعاني القريبة من الانتظار في القرآن الكريم

المفاهيم الرئسية

 

1. تعرّض هذا الدرس لبعض المفردات القريبة من معنى الانتظار والمستعملة في القرآن، وبيّن الفرق بينها وبين استعمال مفردة الانتظار، لا سيّما وأنّ بعضها استُعمل بالصيغة نفسها التي استُعمل فيها الانتظار غالبًا.

 

2. يظهر من موارد استعمال مفردة التربّص في القرآن، أنّها استخدمت في الانتظار القصير المدّة، المحدّد الأجل غالبًا، بينما نجد الانتظار مبهمًا من هذه الناحية.

 

3. يُستكشَف من خلال تتبّع مواضع ورود الارتقاب وأخواته في القرآن، أنّها استعملت في الانتظار المصحوب بالحذر والحيطة، لأنّ المنتَظَر على وشك أن يتحقّق، بينما الانتظار مستعملٌ في الأعمّ من ذلك.

 

4. استُعملت مفردة اللبث ومشتقّاتها في القرآن للدلالة على جهة الانتظار القهريّ المتعلّق بأجلٍ محدّد في لسان الآية، كانتظار النبيّ يوسف  عليه السلام في السجن، وانتظار أصحاب الكهف في كهفهم.

 

5. يفرُق الانتظار عن المكث في الاستعمال القرآنيّ، بأنّ المكث استُعمل غالبًا للدلالة على خصوص الإقامة في المكان والملازمة له، بينما استعمل الانتظار في الأعمّ من ذلك.

 

6. تشترك مفردة التأخير وأخواتها (الإنظار - الإمهال - الاستدراج - الإملاء - الابتلاء - التمحيص) مع الانتظار، في كونها جميعًا تنضوي تحت ما يمكن تسميته بسنّة التأخير العامّة، المطلوبة لأجل تكميل النفوس وإيصال الموجودات إلى غاياتها، سواء كان هذا التكامل صعوديًّا أو هبوطيًّا. وتُعدّ السُّنن والتدابير التي تدلّ عليها تلك المفردات من مراحل مسار الانتظار وأطواره.

 

 

60

 

 


44

الدرس الرابع: المعاني القريبة من الانتظار في القرآن الكريم

الدرس الخامس:

المعاني المقابلة للانتظار في القرآن الكريم (1) -

الاستعجال ونقض العهد

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يوضّح أهمّيّة معرفة المعاني المقابلة للانتظار في القرآن الكريم.

2. يميّز بين الاستعجال الممدوح والاستعجال المذموم.

3. يبيّن مفهوم عهد اللَّه وميثاقه وخطورة نقضه.

 

61

 


45

الدرس الخامس: المعاني المقابلة للانتظار في القرآن الكريم (1) - الاستعجال ونقض العهد

أهمّيّة معرفة المعاني المقابلة للانتظار

كثيرًا ما لا تُعرف الأمور حقّ معرفتها إلّا بعد معرفة أضدادها ومقابلاتها، على قاعدة المتنبّي المعروفة "وبضدّها تتبيّن الأشياءُ". ثمّ إنّ كثيرًا من الأمور أضدادها واضحة، كالأسود: ضدُّ الأبيض، والحارِّ: ضدُّ البارد... إلّا أنّ بعض الأمور قد لا تكون أضدادها واضحة، بحيث تخفى على غير الملتفت، أو تحتاج إلى شيءٍ من التأمّل والنَّظر لتحديدها، كالانتظار. ويمكن القول: إنّ الانتظار باعتبار تضمّنه معنى النَّظر هو ملكةٌ، ومقابُله عدمُها، إلّا أنّ بعض المعاجم ذكرت أضدادًا للانتظار، مثل: الاستعجال، والاستبعاد، والإهمال، والتراخي، والمباغتة، والأناة[1].

 

والمهمّ في مقامنا، هو بحث ما استعمله القرآن الكريم مقابلًا للانتظار، إذ تقدّم أنّ الأمر بالانتظار جاء في غير موضع كردٍّ على بعض الممارسات والأعمال التي كان يفعلها الطرف الآخر المعاند للحقّ، وهذا ما نقصده بمقابِلات الانتظار في القرآن، أي الأمور التي شكّل الانتظار فعلَ مواجهةٍ لها. ولا تخفى أهمّيّة التعرّف على هذه المفاهيم المذمومة، باعتبار أنّ عمليّة الانتظار جاءت لقلعها واجتثاثها، والتعرّف عليها يسهّل من عمليّة التخلّي عنها والاحتراز منها، ومن جهة أنّها تحدّد معالم الانتظار الصالح، وتميّزه عن الانتظار الموبوء والمشوب بهذه الآفات.


 


[1] راجع: معجم المعاني الإلكتروني، (https://www.almaany.com/ar/thes/ar-ar/اِنْتِظَار/)، وقت الزيارة 16/3/2020.

 

63


46

الدرس الخامس: المعاني المقابلة للانتظار في القرآن الكريم (1) - الاستعجال ونقض العهد

ومن هنا، سنناقش أربعة عناوين وقعت مقابل الانتظار في الاستعمال القرآنيّ: الاستعجال، والتبدّل ونقض العهد، وتحكيم الأهواء، واليأس.

 

المعاني المقابلة للانتظار في الاستعمال القرآنيّ

أوّلًا: الاستعجال

تقدّم في بحث موارد استخدام الانتظار في القرآن الكريم، أنّ الأمر بالانتظار جاء في أغلب الموارد ردًّا على استعجال الكافرين لعذاب اللَّه أو آية من آياته، استهزاءً وتعجيزًا. وقد ورد ذلك صريحًا في قوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ﴾[1].

 

وفي بعض الروايات، أنّ أمر اللَّه تعالى في قوله أوّل سورة النّحل: ﴿أَتَىٰٓ أَمۡرُ ٱللَّهِ فَلَا تَسۡتَعۡجِلُوهُۚ﴾، هو خروج الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، وأنّ هذه الآية يصيح بها جبرائيل قبيل ظهوره المبارك، فيسمعه أهل الأرض كلّهم[2].

 

وقد أولى القرآن الكريم لموضوع العجلة والاستعجال اهتمامًا كبيرًا، كما يظهر من الانتشار الواسع له في ثنايا آيات الكتاب[3]. ويظهر من خلال تتبّع الموارد، أنّ جميعها جاءت في معرض النهي عن الاستعجال أو ذمّه وإنكاره، عدا موردٍ أو اثنين، كقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ﴾[4]، وقوله تعالى على لسان موسى  عليه السلام: ﴿وَعَجِلۡتُ إِلَيۡكَ رَبِّ لِتَرۡضَىٰ﴾[5]. مع كون الأوّل ظاهرًا في التعجّل مقابل التأخير لا مقابل الانتظار المصطلح، والثاني مسؤولًا عنه بما يشبه الإنكار: ﴿وَمَآ أَعۡجَلَكَ عَن قَوۡمِكَ يَٰمُوسَىٰ﴾[6].


 


[1] سورة السجدة، الآيات 28 - 30.

[2] راجع: الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص671.

[3] راجع: عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص447.

[4] سورة البقرة، الآية 203.

[5] سورة طه، الآية 84.

[6] السورة نفسها، الآية 83.

 

64


47

الدرس الخامس: المعاني المقابلة للانتظار في القرآن الكريم (1) - الاستعجال ونقض العهد

1. حقيقة الاستعجال:

على الرغم من انتشار ذمّ الاستعجال واستنكاره على نطاقٍ واسعٍ في القرآن الكريم، إلّا أنّ كتاب اللَّه لم يغفل عن الإشارة إلى حقيقة أنّ العجلة من الأمور التي جُبِل عليها الإنسان، وأودعت في ميثاق خلقته، كما نصّت عليه هاتان الآيتان: ﴿خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾[1]، ﴿وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً﴾[2]. وهذا يدلّ على أمرين:

- الأوّل: وجودُ حكمةٍ موصلةٍ إلى كمالٍ تقف وراء تزويد الإنسان وتجهيزه بهذه الكيفيّة النفسانيّة، باعتبار أنّه لا يجوز من اللَّه -عزّ وجلّ- أن يفطر الإنسان ويجبله على الخصال الشريرة ثمّ يكلّفه بأن يتحلّى بالخصال الحميدة.

 

فإن قيل: لِمَ نجدُ هذا الذمّ كلّه في القرآن الكريم للعجلة؟ ألا يدلّ ذلك على قبح هذه الملكة؟ والجواب في الأمر الثاني.

 

- الثاني: إنّ قبح العجلة ليس ذاتيًّا لا ينفكّ عنها، بل قبحها إضافيٌّ، بمعنى أنّ العجلة نفسها كفطرةٍ جَبَلَتْ يدُ الحكمة الإلهيّة الإنسانَ عليها، لا بدّ من أن تكون أمرًا حسنًا محمودًا، وأمّا وسمها بالحسن تارةً وبالقبح أخرى، فهو ناشئٌ من الأمور التي تضاف إلى العجلة، وهي بالفعل خارجة عن حقيقتها.

 

فالعجلة كصفة نفسانيّة دافعة إلى العمل لو علّقها الإنسان باستجابة الدعاء أو الرزق مثلًا، فهي صفة قبيحة ومذمومة، لأنّ استجابة الدّعاء وإنزال الرزق من الشؤون التدبيرية الإلهيّة التي يدرك العاقل أنّها تحتاج إلى أن تستوفي مدّة معيّنة لاستكمال شروطها وتوفير أسبابها دون إخلالٍ بنظام الخلقة، لا سيّما أنّها أفعال ستصدر عن أحكم الحاكمين -جلّ وعلا-.

 


[1] سورة الأنبياء، الآية 37.

[2] سورة الإسراء، الآية 11.

 

65


48

الدرس الخامس: المعاني المقابلة للانتظار في القرآن الكريم (1) - الاستعجال ونقض العهد

أمّا لو أضفنا العجلة إلى أعمال البرّ والاستغفار والإنفاق مثلًا، فستكون صفة حسنةً ومحمودة، لأنّ العاقل يدرك أنّ هذه الأمور فرصٌ تحتاج إلى الاقتناص والمبادرة والإسراع في قطفها، مع الأخذ بعين الاعتبار قيمة المحتمل من الثواب الأخرويّ من جهة، واحتمال فوات فرصة المبادرة إليها بالموت أو تبدّل الأحوال من جهة أخرى.

 

2. نماذج قرآنيّة من العجلة المذمومة:

أ. استعجال استجابة الدّعاء:

وهو من الآفات المنتشرة بكثرة، ومعناه: أن يدعو الإنسان اللَّه في حاجة ثمّ يستعجل الاستجابة ويستبطئها إذا تأخّرت، وتضطرب نفسه وتسخط إن لم يتلقَّ الاستجابة السريعة. ولو أنّ الإنسان رضي بما قسم اللَّه، واقتنع بأنّه أدّى واجبه من الدّعاء، ووكل الأمر إلى اللَّه، واللَّه يختار له، لما وقع في هذه الحالة النفسيّة المقيتة التي قد تجرّ الإنسان إلى الشكّ، بل إلى الكفر في نهاية المطاف. ولذلك قال اللَّه عزّ وجلّ : ﴿وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً﴾[1]، أي أنّ الإنسان بسبب محدوديّته وجهله وعجلته كثيرًا ما يطلب من اللَّه شيئًا هو في علمه تعالى ليس في صالحه.

 

ب. استعجال الراحة في الدنيا:

وهو من أعظم أسباب المخالفة لتعاليم اللَّه ورسله، ومن موجبات حبّ الدنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة، وعلى إثره يسارع الإنسان في سباقٍ محموم لتحصيل المتع الدنيويّة من أيِّ طريقٍ كان، ظانًّا الكياسة في فعله هذا، لأنّه يحصّل الملذّات القريبة، ويشتغل بالمصالح المعجّلة. ولذلك وقع الذمُّ الشديد في القرآن لهذا الصنف، في أقواله تعالى: ﴿كَلَّا بَلۡ تُحِبُّونَ ٱلۡعَاجِلَةَ ٢٠ وَتَذَرُونَ ٱلۡأٓخِرَةَ﴾[2]، ﴿إِنَّ هَؤُلَاء يُحِبُّونَ


 


[1] سورة الإسراء، الآية 11.

[2] سورة القيامة، الآيتان 20 - 21.

 

66


49

الدرس الخامس: المعاني المقابلة للانتظار في القرآن الكريم (1) - الاستعجال ونقض العهد

الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا﴾[1]، ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا﴾[2]، ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ﴾[3].

 

ج. استعجال وعد اللَّه:

وهو أكثر أنواع الاستعجال التي تعرّض اللَّه عزّ وجلّ لها في القرآن الكريم. وهو وإن كان في عنوانه العامّ يشمل بعض الأصناف الأخرى، -كاستعجال الدعاء الذي هو في الحقيقة استعجالٌ لوعد اللَّه بالإجابة، واستعجال الراحة في الدنيا الذي هو استعجال لوعد اللَّه بالنعيم في الآخرة - إلّا أنّ القرآن الكريم استعمله في مقام المواجهة القائمة بين خطّ الأنبياء والحُجج وخطّ الظالمين والمستكبرين، ليعبّر عن حالة متكرّرة في هذا المسار التاريخيّ الطويل، وهي حالة قيام الأنبياء والحجج الصالحين في نهاية مطاف دعوتهم الحقّة، بإبلاغ وعد اللَّه بالنصر للمؤمنين، وتأييدهم بالآيات الباهرة، واستخلافهم وإيراثهم الأرض من جهة، وفي المقابل حالة الجحود والكفر بذلك الوعد الإلهيّ التي يعلنها خطّ الباطل بنحوٍ تسخيفيٍّ واستهزائيّ ﴿مَتَىٰ هَٰذَا ٱلۡوَعۡدُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ﴾[4]، مستعجلين لعذاب اللَّه الذي سيطيح بهم، غافلين عن حقيقة سنن اللَّه في إمهالهم واستدراجهم والإملاء لهم، وأنّ اللَّه لا يعجل لعجلة عباده.

 

د. الانتظار والاستعجال المذموم:

إنّ الصنف الأخير من الاستعجال (استعجال وعد اللَّه)، هو الذي يقع مقابل الانتظار المأمور به في القرآن الكريم، وإن كان التعرّف على الأصناف الأخرى مفيدًا لناحية التدريب على التخلّي عن خصلة الاستعجال والتحلّي بصفة الانتظار. فينبغي


 


[1] سورة الإنسان، الآية 27.

[2] سورة الإسراء، الآية 18.

[3] سورة ص، الآية 16.

[4] سورة يونس، الآية 48، سورة الأنبياء، الآية 38، سورة النمل، الآية 71، سورة سورة سبأ، الآية 29، سورة يس، الآية 48، سورة الملك، الآية 25.

 

67


50

الدرس الخامس: المعاني المقابلة للانتظار في القرآن الكريم (1) - الاستعجال ونقض العهد

للمؤمن الحقّ أن يكون مُسَلِّمًا وفي غاية الأدب والاحتياط حين يتعاطى مع الوعد الإلهيّ بإجابة الدعاء أو بإنزال الرزق والنصر... ويتعاطى مع التأخير الحاصل فيها بنفس الموقن بحكمة اللَّه، بخلاف الكافر الظالم لنفسه، فإنّه يسلك في مثل هذه الأمور سبيل العناد، وسوء الأدب، والتكذيب، والاستهزاء، والاستعجال، والجرأة على مقام الحقّ تعالى، وليس ذلك إلّا لتكبّره وجهله، قال تعالى في استعجال الكافرين لوعد القيامة: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ * يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ﴾[1].

 

إن كثيرًا من آفات المنتَظِرِين في سلوكهم مع قضيّة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف ناشئة من الاستعجال، كالتوقيت والتطبيق والانتظار السلبيّ المنحرف، ولو علموا أنّ هذا من سلوك أهل الباطل وصفاتهم، وأنّ المؤمن المنتَظِر لا ينبغي له الاستعجال، مهما تعرّض للتكذيب والاستهزاء وتسفيه عقيدته، بل عليه أن يصبر ويسلّم، ويؤمن بأن للَّه حكمته في هذا التأخير الذي تجري فيه سنن الإمهال للمعاندين، وسنن الابتلاء والصقل للمؤمنين.

 

3. نماذج قرآنية من العجلة الممدوحة:

من اللافت أنّ العجلة الممدوحة في القرآن الكريم فيما عدا الموردين اللذين ذكرناهما سابقًا (عجلة النبيّ موسى عليه السلام إلى الميقات، وتعجّل أيام الحجّ) عُبِّر عنها بالمسارعة تارةً، وبالمسابقة أخرى. والفرق بينهما أنّ المسابقة تسريعٌ في الحركة بحيث تزيد على حركة الآخر، والمسارعة مطلقة[2].

 

أ. المسارعة والمسابقة إلى المغفرة والجنة:

قال تعالى: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ


 


[1] سورة الشورى، الآيتان 17 - 18.

[2] راجع:   الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج19، ص165.

 

68


51

الدرس الخامس: المعاني المقابلة للانتظار في القرآن الكريم (1) - الاستعجال ونقض العهد

أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾[1]، وقال - عزّ وجلّ -: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾[2].

 

ب. المسارعة والمسابقة في الخيرات:

وجّه اللَّه نداءه إلى الأمم على اختلافها: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا﴾[3]، ﴿جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا﴾[4]، ووصف آل زكريا بأنّهم ﴿يُسَارِعُونَ﴾.

 

ولذلك استحقّوا استجابة دعائهم وصلاح أحوالهم. ووصف المؤمنين بأنّ إشفاقهم من ورودهم على ربهم مدعاةٌ لهم إلى المسارعة في الخيرات والسّبق لها: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾[5].

 

وبينما قسّم النّاس يوم القيامة إلى أصحاب يمين وأصحاب شمال، بيّن عنوان فئة ثالثة هي الأوفر حظًّا يوم القيامة: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ﴾[6].

 

ج. الانتظار والاستعجال الممدوح:

لا يوجد أيّ تنافٍ بين الانتظار والاستعجال الممدوح، بل إنّه ينبغي للمنتَظِر الحقيقيّ أن يكون السبّاق إلى الأعمال الصالحة، والمسارع في الخيرات. فالذين ينتظرون إمامهم، ويدعون بتعجيل فَرَجَه - قولًا وعملًا - لتتحقّق على أيديهم - تحت


 


[1] سورة آل عمران، الآية 133.

[2] سورة الحديد، الآية 21.

[3] سورة البقرة، الآية 148.

[4] سورة المائدة، الآية 48.

[5] سورة المؤمنون، الآيتان 60 - 61.

[6] سورة الواقعة، الآيات 10 - 14.

 

69


52

الدرس الرابع: المعاني القريبة من الانتظار في القرآن الكريم

راية إمامهم - دولة العدل الإلهيّ الموعودة في آخر الزمان هم أفضل الناس، فعن الإمام السجّاد  عليه السلام: "إنّ أهل زمان غَيْبَته، القائلين بإمامته، والمنتَظِرِين لظهوره، أفضل أهل كلّ زمان"[1]، والأفضلية تكون بالتقوى والعمل الصالح، فلا بدّ من أن يكون المنتَظِر سبّاقًا في هذا الميدان.

 

ثانيًا: التبدّل ونقض العهد

وهو المعنى الآخر المقابل للانتظار في الاستعمال القرآنيّ، ويُستفاد من مفهوم الآية الكريمة: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾[2]، أي أنّ الذين الذين لا ينتظرون حقًّا هم الذين لا يصدُقون ما عاهدوا اللَّه عليه، ويبدّلون موقفهم وعقيدتهم في مدّة الانتظار.

 

وعهْدُ اللَّه في الآية قد يحمل على معنىً خاصّ تقدّم في الآيات السابقة: ﴿وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولًا﴾[3]. وقد يحمل على معنى أعمُّ، وهو عهد اللَّه إلى الإنسان بأن يعبده ويطيعه، الذي يمكن تسميته بعهد الاستخلاف، المُستلْزِم للثبات على خطّ الحجج الإلهيّة، والذي أشار إليه القرآن الكريم في غير موضع: ﴿أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَيۡكُمۡ يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ أَن لَّا تَعۡبُدُواْ ٱلشَّيۡطَٰنَۖ﴾[4]، ﴿وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ﴾[5]،[6]. وفي المقابل، يتعهد اللَّه - عزّ وجلّ - أن ينصره ويؤيّده


 


[1] الطبرسيّ، أبو منصور أحمد بن علي، الاحتجاج، تعليق: السيد محمّد باقر الخرسان، دار النعمان للطباعة والنشر، العراق - النجف الأشرف، 1386هـ.ق - 1966م، لا.ط، ج2، ص50.

[2] سورة الأحزاب، الآية 23.

[3] السورة نفسها، الآية 15.

[4] سورة يس، الآية 60.

[5] سورة طه، الآية 115.

[6] من أجلى مصاديق هذا العهد ومحطّاته، ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام في تفسير هذه الآية: "عهد إليه في محمّد والأئمّة من بعده، فترك ولم يكن له عزم فيهم أنّهم هكذا. وإنّما سمّي أولو العزم أولي العزم، لأنّه عهد إليهم في محمّد والأوصياء من بعده، والمهديّ وسيرته، فأجمع عزمهم أن ذلك كذلك، والإقرار به". الصفار، محمّد بن الحسن، بصائر الدرجات، تصحيح: الحاج ميرزا حسن كوچه باغي، منشورات الأعلمي، إيران - طهران، 1404هـ.ق - 1362ش، لا.ط، ص90، الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص416.

 

 

70


53

الدرس الخامس: المعاني المقابلة للانتظار في القرآن الكريم (1) - الاستعجال ونقض العهد

إذا أوفى بعهده ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾[1]، ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.

 

وقد شنّعت الآيات على الذين ينقضون عهد اللَّه بعد توثيقه عليهم: ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾[2]، ﴿يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِۦ وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱللَّعۡنَةُ وَلَهُمۡ سُوٓءُ ٱلدَّارِ﴾[3]. وهذا العهد أو الميثاق مأخوذٌ من الأنبياء والأمم، فمن الأنبياء: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾، ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾[4].

 

ومن الأمم، أمّة اليهود والنصارى مثلًا: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ * فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ


 


[1] سورة البقرة، الآية 40.

[2] السورة نفسها، الآية 27.

[3] سورة الرعد، الآية 25.

[4] سورة آل عمران، الآيتان 81 - 82.

 

71


54

الدرس الخامس: المعاني المقابلة للانتظار في القرآن الكريم (1) - الاستعجال ونقض العهد

إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾[1].

 

ووبّخ نبيّ اللَّه موسى  عليه السلام قومَه على خيانتهم العهد بذريعة طول غَيْبَته عنهم: ﴿فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي﴾[2].

 

إنّ المؤمن المنتَظِر سوف يقع في أنواع شتّى من الابتلاءات والاختبارات، ليتمحّص ويتمحّض الإيمان، فيكون لائقًا بحمل راية الخلافة الإلهيّة على الأرض، ومنها غَيْبَة الحجج، فلا ينبغي أن يبدّل من منهجه ولا يستبدل عقيدته، أو كما عبّر القرآن الكريم: "أن ينقلب على عقبيه"، قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾[3]، فكانت مسألة تغيير القبلة اختبارًا لمن يثبت على دين الإسلام، ويتعبّد بأوامر اللَّه عزّ وجلّ، ولا يبدّل تبديلًا لأجل بعض الضغط والاستهزاء الذي مارسه اليهود آنذاك في هذه القضيّة. وكذلك كانت مسألة توهّم قتل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يوم أُحُد، الذي تسبّب بفرار المسلمين عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم إلّا عليًّا عليه السلام ومَن معه، فأوضح اللَّه في كتابه أنّ محمدًا رسولٌ قد سبقته الرّسل، وكلٌّ يقوم بمهمّته، والرسالة ليست منوطة بالشخص حتّى تموت بموته، فقال تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا﴾[4]. فإذا كان قتل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلملا يلغي مسار الأنبياء والحجج، فهل مجرّد غَيْبَة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف مبرّرٌ لكي ينزع المنتَظِر عنه لباس العقيدة والإيمان؟!


 


[1] سورة المائدة، الآيات 12-14.

[2] سورة طه، الآية 86.

[3] سورة البقرة، الآية 143.

[4] سورة آل عمران، الآية 144.

 

72


55

الدرس الخامس: المعاني المقابلة للانتظار في القرآن الكريم (1) - الاستعجال ونقض العهد

المفاهيم الرئيسة

1. كثيرًا ما لا تُعرف الأمور حقّ معرفتها إلّا بعد معرفة أضدادها ومقابلاتها، وما يهمّنا من معرفة مقابلات الانتظار هو معرفة المعاني التي استعملها القرآن في مقابل الانتظار.

 

2. المقصود من مقابِلات الانتظار في القرآن، هي المعاني التي استعملت في مقابل الانتظار، وشكّل الانتظار فعلَ مواجهةٍ لها، وهي بحسب التتبّع أربعة: الاستعجال، والتبدّل ونقض العهد، وتحكيم الأهواء، واليأس.

 

3. حقيقة الاستعجال أنّه فطرةٌ جُبِلَ عليها الإنسان ليستخدمها في الإطار الحَسَن، فالاستعجال لا يتّصف بالحسن والقبح لذاته، بل بإضافته إلى المجال الذي يُفعّل فيه.

 

4. من النماذج التي ذكرها القرآن الكريم للعجلة المذمومة: استعجال استجابة الدعاء، واستعجال الراحة في الدنيا، واستعجال وعد اللَّه.

 

5. (استعجال وعد اللَّه) هو الاستعجال الذي يقع مقابل الانتظار المأمور به في القرآن الكريم.

 

6. من النماذج التي ذكرها القرآن الكريم للعجلة الممدوحة: المسارعة والمسابقة إلى المغفرة والجنّة، وإلى فعل الخيرات.

 

7. لا تنافٍ بين الانتظار والاستعجال الممدوح، بل إنّه ينبغي للمنتظر الحقيقيّ أن يكون السبّاق إلى الأعمال الصالحة، والمسارع في الخيرات.

 

8. تدلّ الآية التي ورد فيها الانتظار في سورة الأحزاب، على أنّ من المعاني المقابلة للانتظار هو تبديل العهد أو نقض الميثاق أو الانقلاب على العقب، على اختلاف تعبير القرآن في غير موضع منه.

 

73

 


56

الدرس السادس: المعاني المقابلة للانتظار في القرآن الكريم (2) - تحكيم الأهواء واليأس

الدرس السادس:

المعاني المقابلة للانتظار في القرآن الكريم (2) -

تحكيم الأهواء واليأس

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يميّز بين مجالات تحكيم الأهواء.

2. يوضّح خطورة اليأس.

3. يفرّق بين اليأس الممدوح واليأس المذموم مع ذكر نماذج قرآنية.

 

75

 


57

الدرس السادس: المعاني المقابلة للانتظار في القرآن الكريم (2) - تحكيم الأهواء واليأس

تمهيد

تقدّم في بداية الدرس السابق، بيان أهمّيّة التعرّف على مقابِلات الانتظار في الاستعمال القرآنيّ، وذكرنا منها الاستعجال والتبدّل ونقض العهد. وفي هذا الدرس نتعرّض لمفهومَين آخرَين وقعا في مقابل الانتظار في القرآن، وكان الانتظار فعلَ تحدٍّ لهما، وهما مفهوما "تحكيم الأهواء" و"اليأس".

 

تحكيم الأهواء

وهو ما يمكن فهمه من خلال ملاحظة الموردَين الأول والثالث اللذين تقدّما للانتظار في القرآن الكريم، وذلك في قولَيه تعالى: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ﴾[1]، ﴿وَيَقُولُونَ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ﴾[2].

 

وقد تقدّم في البحث السياقيّ، أنّ الأمر بالانتظار في كلا الموردَين جاء ردًّا على مطالبة المشركين لنبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم بأن ينزّل عليهم آيةً غير القرآن الكريم، استهزاءً منهم وتوهينًا لشأن القرآن، وتعجيزًا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. وبينّا كيف أنّ مطالبتهم تلك ليست صادقة


 


[1] سورة الأنعام، الآية 158.

[2] سورة يونس، الآية 20.

 

77


58

الدرس السادس: المعاني المقابلة للانتظار في القرآن الكريم (2) - تحكيم الأهواء واليأس

ونابعة من قلوبهم، لأنّهم لا يطلبون الإيمان: ﴿وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ﴾[1]، فاستحقّوا كلمة العذاب: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ﴾[2].

 

معنى تحكيم الأهواء

تحكيم الأهواء يعني: جعلَ المزاج وهوى النّفس ميزانًا ومعيارًا ومرجعًا للحكم على الأمور وتقييمها، واستبعاد حكم العقل والعقلاء والوجدان والفطرة وسائر المراجع الصّالحة والمعايير الرّاجحة من عمليّة التقييم، وإصدار الأحكام، وبناء العقيدة.

 

مجالات تحكيم الأهواء

1. تحكيم الأهواء في الأمور الذوقيّة المباحة:

قد يقوم الإنسان بتحكيم أهوائه في الأمور الشخصيّة المعتادة، والتي هي بطبيعتها تابعة للمزاج والذوق الذي يختلف من إنسانٍ لآخر، كأن يحكّم ميله وهواه في لون طلاء منزله، أو ديكور مطبخه، أو لون سيارته، أو نوع سيجارته... وما شاكل.

 

ومن الواضح، أنّ مثل هذه الأمور لا حرج على الإنسان في أن يُعمِل هواه فيها بشرط أن لا يتجاوز الحدود الشرعيّة، فيقع في بذخ أو إسراف أو هدر للمال، وإن كان من المستحسن للإنسان المؤمن الذي يبغي المراتب العالية أن يقمع هذه الملكات، ويكبح جماح النّفس في بعض الأحيان في سبيل تهذيب نفسه، ويعوّدها على الزّهد، لئلّا يقع في محذور تحكيم الهوى في مراتب أخرى أعلى.

 

2. تحكيم الأهواء في الأمور العقليّة والعقلائيّة:

ومن الواضح هنا، أن لا مجال لتحكيم الأهواء. فلا يمكن للعلماء أن يحكموا في الأمور العلمية، سواء العقليّة أو التجريبية الحسّيّة أو الفقهية أو القانونية... تبعًا


 


[1] سورة يونس، الآية 101.

[2] السورة نفسها، الآيتان 96 - 97.

 

78


59

الدرس السادس: المعاني المقابلة للانتظار في القرآن الكريم (2) - تحكيم الأهواء واليأس

لأهوائهم ومصالحهم، وإلّا كان حالهم حال بلعم بن باعوراء: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ﴾[1].

 

ولا يمكن للعقلاء أن يحيدوا بأحكامهم عمّا يحسّنه عامّة العقلاء ويقبلونه، ويميلوا بأهوائهم إلى الأمور القبيحة وغير المقبولة، وإلّا اختلّ النظام، وساد الهرج والمرج.

 

3. تحكيم الأهواء في الأمور التعبّديّة:

وهو من أخطر أنواع الاحتكام للهوى، حيث يأخذ الإنسان ما يناسبه ويروق له من الأوامر الإلهيّة، لا سيما العباديّة منها، ويترك ما لم يعجبه منها بذرائع شتّى، وقد يصل الأمر عند بعضهم، كبني إسرائيل مثلًا، بأن يقتلوا الأنبياء الذين جاؤوا من عند اللَّه بحقّ لا تهواه بنو إسرائيل: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ﴾[2].

 

والخطير في الأمر، أنّ بعض هؤلاء يزيّن فعله هذا أحيانًا بضروب من التأويلات والتحكّمات التي لا تتجاوز عتبة الظنّ، مدّعين أنّها من العقل، غافلين عن أنَّ ما جاء من عند اللَّه على لسان المعصومين عليهم السلام هو الحقّ لا محالة، قال تعالى: ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى﴾[3].

 

إن اللَّه عزّ وجلّ خلق العقل، وجعله من أفضل المخلوقات بتعبير بعض الروايات[4]، ولا يمكن أن تكون أوامره ونواهيه متناقضة مع العقل، بل هي مكمّلة له، لأنّ العقل مخلوق محدود، له وظيفةٌ محدّدة، هي هداية الإنسان إلى أصول العقائد


 


[1] سورة الأعراف، الآيتان 175 - 176.

[2] سورة البقرة، الآية 87.

[3] سورة النجم، الآية 23.

[4] راجع: الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص10.

 

79


60

الدرس السادس: المعاني المقابلة للانتظار في القرآن الكريم (2) - تحكيم الأهواء واليأس

الردّ على تحكيم الأهواء

يمكن اختصار الردود على تحكيم المشركين لأهوائهم ضمن عناوين:

1. ﴿فَقُلۡ إِنَّمَا ٱلۡغَيۡبُ لِلَّهِ﴾:

أي إنّ اللَّه يعلم ما لا تعلمون، ومطّلع على ما تجهلون، وإنّما أمْرُ إنزال الآيات، وموازنة آليّات الهداية بما ينسجم مع اللطف من جهة، وعدم الإلجاء من جهة أخرى، هو من شؤون العالم المطلق المطّلع على الأفئدة، والأقرب إلى المرء من حبل الوريد، خالق الإنسان والمحيط بما توسوس به نفسه، وليس لأحدٍ من خلقه أن يشاركه في ذلك، أو يفرض عليه الآليّات التي يتخيّلها ذهنه المحدود، وعجلته اللامحسوبة.

 

2. الدعوة لاغتنام الفرصة بعد تماميّة الحجّة:

وهو الوارد في قوله -تعالى-: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾[1]. فما دامت الحجّة قد تمّت بالقرآن الكريم، وهي حجّة بيّنة كما عبّرت الآية السابقة لهذه الآية، وما دام اللَّه لا يعجل ولا يستجيب لتحكّمات المشركين، فليس لمن يكذّب بآيات اللَّه بعد ذلك إلّا العذاب، وليس على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلمإلّا أن يدعوهم إلى اغتنام الفرصة قبل مجيئه.

 

3. الدعوة إلى الانتظار:

وهي المرحلة الأخيرة من التحدّي قبل نزول النصر أو تأخّره، وفيها يمهل المشركون بما يتمّ الحجّة عليهم، ويُخْتَبر المؤمنون ويمحّصون ليصبحوا لائقين بوراثة الأرض، ويكون تعجيل الحسم أو تأخّره مرهونًا باستكمال هذين العاملين: عامل مهلة الانتظار للمشركين لإتمام الحجّة، وعامل امتحان الانتظار للمؤمنين لإثبات الاستحقاق والتأهيل له.


 


[1] سورة الأنعام، الآية 158.

 

 

81


61

الدرس السادس: المعاني المقابلة للانتظار في القرآن الكريم (2) - تحكيم الأهواء واليأس

الدرس المستفاد:

على المؤمن المنتَظِر إذا أراد أن يكون انتظاره انتظارًا قرآنيًّا مرضيًّا للَّه -عزّ وجلّ-، أن يتجلبب بجلباب التعبّد والتسليم، والصبر والانتظار، ويبتعد عن تحكيم الأهواء، ويجاهد نفسه في سبيل ذلك، ويحذر من مراتب اتّباع الهوى، لئلّا يقع يومًا ما في غائلة التوقيت أو التطبيق، وغيرها من ممارسات الانتظار السلبيّ، التي تنبئ عن هوى مشتعل، يريد أن يتقاذف سنن اللَّه وعهوده وآياته، ويصيّرها ألعوبةً يعجّل بها متى شاء، ويستنكر على اللَّه تأخيرها متى ما جاءت مخالفةً لأمنيّاته، فينطق بكلمة المشركين (لولا أنّ اللَّه فعل كذا)، (ولولا أنّ اللَّه عجّل بالظهور بعد العلامات الفلانيّة)، (ولولا أن اللَّه جعل فلانًا الحسني وفلانًا السفياني...) إلى لائحةٍ طويلةٍ من الولائيات على اللَّه -عزّ وجلّ-، من شأنها أن تضلّ الناس، وتفسد على المرء عقيدته، وتضيّع حقيقة الانتظار.

 

اليأس

لم يرِد اليأس بشكلٍ صريحٍ - أو حتّى ظاهرٍ - كمقابلٍ للانتظار في الاستعمال القرآنيّ، لا أقلّ لو اقتصرنا على موارد استعمال القرآن لمفردة الانتظار، إلّا أنّه يحسُن البحث عنه في القرآن من الزاوية التي ترتبط بالانتظار ولو من جهة كونه مرحلة من مراحل مسار التحدّي القائم تاريخيًّا بين خطّ الحجج والخطوط المناوئة له، مع الأخذ بعين الاعتبار الروايات الشريفة التي جعلت اليأس مقابلًا للانتظار[1]، وكلمات العلماء في هذا المجال[2].

 

اليأس ليس صفة المنتَظِرين

من المعلوم أنّ اليأس أو القنوط من كبائر الذنوب، والمُراجع للقرآن الكريم يجدُ أنّها صفةٌ للكافرين، كما جاء في وصيّة يعقوب  عليه السلام لبنيه: ﴿يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ


 


[1] عن أمير المؤمنين عليه السلام: "انتظروا الفَرَج، ولا تيأسوا من روح اللَّه". الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص616.

[2] راجع: الميرزا الأصفهاني، مكيال المكارم، مصدر سابق، ج2، ص181.

 

82


62

الدرس السادس: المعاني المقابلة للانتظار في القرآن الكريم (2) - تحكيم الأهواء واليأس

مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾[1]، وفي دعوة إبراهيم  عليه السلام لقومه: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾[2]، وصفةٌ لليهود - أيضًا -: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ﴾[3].

 

فما أبعد ما يجب أن يكون اليأس عن المنتَظِر، كيف لا، وهو من الفئة التي ستغربل وتمحّص وتبتلى بأشدّ أنواع الابتلاءات حتّى يتميّز منها الذين يستحقّون أن ينالوا وعد اللَّه بوراثة الأرض! فلا ينبغي أن يكون مصداقًا لقوله تعالى: ﴿لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ﴾[4].

 

وكيف يقع المنتظر في شَرَكِ اليأس، وهو الذي يعيش الأمل باليوم الموعود، ويمارس التمهيد له في عمليّة انتظاره، بل إنّ أصل الانتظار والاعتقاد باليوم الموعود والتوطئة له يقوم في إحدى فلسفاته وحِكَمَه على انتشال المؤمنين، لا سيما المستضعفين منهم، من براثن اليأس التي تلوح كلّما عتت دول الجَور والظلم، وبعث الأمل والتفاؤل في نفوسهم ليقووا على الاستمرار والتمهيد والثبات على دينهم.

 

يأس المؤمنين في المرحلة الأخيرة من الانتظار!

تشير آيات الكتاب الحكيم إلى نوعٍ آخر من اليأس يقع في نفوس الرسل والمؤمنين في نهاية المطاف: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا ٱسۡتَيۡ‍َٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُواْ جَآءَهُمۡ نَصۡرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُۖ وَلَا يُرَدُّ بَأۡسُنَا عَنِ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡمُجۡرِمِينَ﴾[5]. فهل هو اليأس المتقدّم الذي قلنا إنّه من الكبائر؟


 


[1] سورة يوسف، الآية 87.

[2] سورة العنكبوت، الآية 23.

[3] سورة الممتحنة، الآية 13.

[4] سورة فصلت، الآية 49.

[5] سورة يوسف، الآية 110.

 

83


63

الدرس السادس: المعاني المقابلة للانتظار في القرآن الكريم (2) - تحكيم الأهواء واليأس

لأن يؤمن أحدٌ ما من قريش والمشركين، وقد زادت أمنياتهم في هذا المجال عن الحدّ المطلوب، فخاطبهم اللَّه عزّ وجلّ: أن ماذا تريدون؟ هل تريدون لهؤلاء أن يهتدوا كيف ما كان ولو بالخروج عن النواميس والسّنن؟ أما آن لكم أن تسلّموا لسنّة الاختلاف؟ ألم تعلموا أن اللَّه لو شاء لألجأهم إلى الإيمان والتصديق باستجابة كل ما يريدون ولهداهم جميعًا، إلا أنّ هذا خلف غايته تعالى التي تقتضي من أجل تمييز المحسن من المسيء أن يصل كلٌّ إلى الهداية بإرادته واختياره.

 

الدرس المستفاد:

من هنا يمكن أن يتنبّه المنتظر إلى حقيقة أن اليأس المذموم والمحرّم هو اليأس ممَّا عند اللَّه، من وعده ونصره وتأييده ومغفرته وعفوه وتجاوزه. وأمّا اليأس ممَّا في أيدي النّاس، أو اليأس من هداية الظالمين الذين رأوا آيات اللَّه باهرةً ثم جحدوا بها مع استيقان أنفسهم بها، إن هذا النّوع من اليأس قد يكون مطلوبًا في مراحل متقدّمة من الانتظار، لا من أوّل الطريق طبعًا.

 

وهذا النّوع من اليأس لا حزازة فيه، ولا إثم على المنتَظِر فيه، لأنه لا يؤثّر سلبًا على إيمانه وارتباطه باللَّه، بل إنه عامل قوّة له، يثبّته على عقيدته، ويرفده بالاطمئنان، وينزع الاضطراب الذي يتسبّب به هؤلاء من قلبه، ويؤثّر إيجابًا في ارتباطه باللَّه، ولا يشتّته في عمليّة التمهيد. فالرّسل وأتباعهم ليسوا ملزمين بأن يتسوّلوا الإيمان من الناس تسوّلًا، أو يصابوا بأزمات الهوية والاضطرابات النفسيّة لأجل فلانٍ المعاند وفلانٍ الضالّ، بل هم مأمورون بأمر اللَّه لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ﴾[1]، ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ﴾[2].


 


[1] سورة آل عمران، الآية 20.

[2] سورة يونس، الآية 108.

 

85


64

الدرس السادس: المعاني المقابلة للانتظار في القرآن الكريم (2) - تحكيم الأهواء واليأس

المفاهيم الرئيسة

1. تعرّضنا في هذا الدرس للمفهومَين الآخرَين اللذين وقعَا في مقابل الانتظار في القرآن، وهما مفهومَا "تحكيم الأهواء" و"اليأس".

 

2. تحكيم الأهواء هو: جعل المزاج وهوى النّفس ميزانًا ومعيارًا ومرجعًا للحكم على الأمور وتقييمها وبناء العقيدة، واستبعاد حكم العقل والعقلاء والوجدان والفطرة وسائر المراجع الصالحة.

 

3. يمكن أن نذكر لتحكيم الأهواء مجالات أربعة:

- تحكيم الأهواء في الأمور الذوقيّة المباحة.

- تحكيم الأهواء في الأمور العقليّة والعقلائيّة.

- تحكيم الأهواء في الأمور التعبّديّة.

- تحكيم الأهواء على الأفعال الإلهيّة.

وقد أباح القرآن تحكيم الهوى في المجال الأوّل بحدود عدم الإسراف والتبذير، بينما حرّمه في المجالات الثلاثة الأخرى.

 

4. ردّ القرآن الكريم على عمليّة تحكيم الأهواء التي صدرت عن أعداء الأنبياء بثلاثة توجيهات:

- الثبات على عقيدة الإيمان بالغيب والحكمة الإلهيّة.

- الدعوة إلى اغتنام فرصة العمل بعد تماميّة الحجج وقبل مجيء وعد اللَّه.

- الدعوة إلى الانتظار بجميع معالمه الصالحة.

 

5. على المنتظِر أن يتنبّه إلى حقيقةِ أنّ اليأس المذموم هو اليأس ممّا عند اللَّه، من وعده ونصره ومغفرته. وأمّا اليأس ممّا في أيدي الناس، أو اليأس من هداية الظالمين الذين جحدوا بالآيات الإلهيّة بعد استيقان أنفسهم بها، قد يكون مطلوبًا في مراحل متقدّمة من الانتظار، وهو لا يؤثّر سلبًا على روح المنتظر، بل إنه يمدّه بالاطمئنان ويرفع عنه التشتّت.

 

86

 

 


65

الدرس السابع: الانتظار سنة إلهيّة تاريخيّة

الدرس السابع:

الانتظار سنة إلهيّة تاريخيّة

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يبيّن معايير كون الشيء سنّة تاريخية بحسب الشهيد الصدر ويطبّقها على الانتظار.

2. يذكر نماذج من سنة الانتظار مع الأنبياء السابقين.

3. يحدّد العلاقة بين سنن الغيبة والهجرة والانتظار ذاكرًا بعض أنواع الغيبة.

 

 

87


66

الدرس السابع: الانتظار سنة إلهيّة تاريخيّة

تمهيد

تقدّمت الإشارة في البحث السياقيّ لقوله تعالى: ﴿فَهَلۡ يَنتَظِرُونَ إِلَّا مِثۡلَ أَيَّامِ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِهِمۡۚ قُلۡ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ﴾[1]، إلى أنّ الأمر بالانتظار الواقع في ذيل الآية جاء في سياق سرد عدد من السنن الإلهيّة الجارية في الأقوام السابقة، التي أسّسها القرآن الكريم في كثير من الآيات، كقوله -تعالى- المشابه سياقيًّا بشكلٍ كبير للآية الأولى: ﴿فَهَلۡ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ ٱلۡأَوَّلِينَۚ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا﴾[2].

 

ومضافًا إلى ما ورد في بعض الآيات المتقدّمة من تكرّر الدعوة إلى انتظار وعد اللَّه وفرجه في المحطّات الأخيرة من دعوات الأنبياء عليهم السلام، فهل يمكن القول إنّ الانتظار سنّة تاريخيّة وقعت في الأمم السابقة، وستقع في هذه الأمة؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذا الدرس، مستعينين بالروايات الشريفة أيضًا.

 

أهمّيّة إثبات كون الانتظار سنّة

تكمن أهمّية إثبات هذا الأمر في شعور المنتظرين للقائم المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، بأنّهم ليسوا وحدهم مَن يخضعون لقانون الغَيْبَة والتمهيد والانتظار على ساحة التاريخ الإنسانيّ، وليست ظاهرة الغَيْبَة وطول الانتظار ظاهرةً فريدةً أو استثنائيّة أو اتفاقيّة


 


[1] عن الإمام الرضا عليه السلام: "عليكم بالصبر، فإنّه إنّما يجيء الفَرَج على اليأس، فقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم". الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص645.

[2] راجع: الصدر، الشهيد السيد محمّد باقر، السنن التاريخيّة في القرآن، أعاد صياغة عباراته وترتيب أفكاره: الشيخ محمّد مهديّ شمس الدين، دار إحياء التراث العربي، لبنان - بيروت، 1432هـ.ق - 2011م، ط1، ص75 - 84.

 

89


67

الدرس السابع: الانتظار سنة إلهيّة تاريخيّة

بحيث يُسمح للتشكيكات بأن تحوم حولها، بل توجد من الأمم وأصحاب الحجج عليهم السلام مَن سبقنا في هذه التجربة، بل كما في بعض الروايات: كانوا أصبر منّا[1]، وابتلوا ببلاءات أشدّ وأدهى. هذا من ناحية.

 

ومن ناحية أخرى، فإن الاعتقاد بكون الانتظار سنّة إلهيّة، يعني أن يتعامل المنتّظِر مع مسألة الانتظار بوصفها قانونًا له أسبابه ومسبّباته، وبالاطلاع ولو على جزءٍ من أسبابه يمكنه أن يسهم من خلال حسن اختياره واجتهاده في أن يرفع بعض الموانع ويحقق بعض الشرائط التي تقصّر من حالة الانتظار وتقرّب من حالة الحضور. وهذا من شأنه أن يُحدث تحوّلًا في مفهوم الانتظار.

 

الانتظار يقع في ميدان السنن الإلهيّة

نستفيد هنا ممَّا أسّسه الشهيد السعيد السيّد محمّد باقر الصدر قدس سره في مجال السنن التاريخيّة في القرآن، لندرس إمكانيّة كون الانتظار سنّة تاريخيّة. هنا يضع الشهيد قدس سره معيارًا لتمييز السنن التاريخيّة التي تعبّر عن علاقة عامّة مطّردة عن الحوادث الأخرى الجزئيّة التي تتحكّم بمسار التاريخ، وهذا المعيار يتكوّن من 3 أبعاد:

- البعد الأوّل: السبب أو العلّة

وهو بعدٌ ضروريّ من أجل تحقيق أصل السنّة التاريخيّة، باعتبار أنّ السنّة ليس معناها إلّا القانون. والقانون تعبير عن علاقة علّيّة ومعلوليّة، وسببيّة ومسبّبيّة. وهذا البُعد يميّز السنّة التاريخيّة عن الصّدف والاتّفاقات.

 

- البعد الثاني: الغاية أو الهدف

وهذا البعد يميّز السنّة التاريخيّة عن غيرها من الحوادث الجزئيّة العابرة في التاريخ، وإن كان لها تأثير كبيرٌ في التاريخ اللاحق لها، ومفاده: أنّ السنن التاريخيّة


 


[1] عن الإمام الرضا عليه السلام: "عليكم بالصبر، فإنّه إنّما يجيء الفَرَج على اليأس، فقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم". الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص645.

(213) راجع: الصدر، الشهيد السيد محمّد باقر، السنن التاريخيّة في القرآن، أعاد صياغة عباراته وترتيب أفكاره: الشيخ محمّد مهديّ شمس الدين، دار إحياء التراث العربي، لبنان - بيروت، 1432هـ.ق - 2011م، ط1، ص75 - 84.

 

90


68

الدرس السابع: الانتظار سنة إلهيّة تاريخيّة

تعبّر عن عملٍ هادف، وعلاقة بين نشاطٍ وغاية، بين ظاهرةٍ وهدف، بين حاضر الإنسان ومستقبله، بخلاف الحوادث الأخرى التي تتحكّم فيها السنن الطبيعيّة، كغليان الماء، أو موت شخصيّة مهمّة في التاريخ، فمثل هذه الأمور وإن أثّرت أحيانًا في مسار التاريخ، إلّا أنّها لا تعدو كونها تعبيرًا عن علاقة سببيّة جامدة تربط بين الماضي والحاضر فقط، ولا تملك التأثير والتغيير في المستقبل.

 

- البعد الثالث: الأرضيّة الاجتماعيّة الواسعة

وهذا البعد يميّز السنّة التاريخيّة عن السّنن الأخرى التي ينحصر تأثيرها في حياة الفرد، كالعطش الذي يدفع الفرد ليشرب، أو الجوع الذي يدفعه إلى الأكل، ولا يمتدّ تأثيرها إلى المجتمع الذي يعيش فيه الفرد[1].

 

إذًا، السنّة التاريخيّة هي القانون الذي يحكم العمل الهادف، الذي يؤثّر في المجتمع على الساحة التاريخيّة. وهذا المعيار بأبعاده الثلاثة نجده ينطبق أيّما انطباق على الانتظار، فهو قانون يعتني بالعلاقة السببيّة بين غَيْبَة الحجّة الإلهيّة ووظيفة المؤمنين في زمان الغَيْبَة، ويربط هذه الوظيفة بغايةٍ وهدفٍ هو أسمى أهداف المجتمعات الإنسانيّة وغاياتها، وهو الوصول إلى الكمال الاجتماعيّ بتأسيس دولة العدل الإلهيّ.

 

انطباق حقائق السّنن الإلهيّة على سنّة الانتظار

استخلص السيّد الشهيد قدس سره، من خلال ملاحظاته للسنن التاريخيّة التي ذكرت في القرآن، مجموعة من الحقائق لا بدّ من انطباقها على السنّة التاريخيّة. ونحن هنا سنبحث مدى انطباقها على الانتظار، لنتحقّق من إمكان ارتقاء الانتظار ليكون في مصافّ السُّنن التاريخيّة:


 


[1] راجع: الصدر، الشهيد السيد محمّد باقر، السنن التاريخيّة في القرآن، أعاد صياغة عباراته وترتيب أفكاره: الشيخ محمّد مهديّ شمس الدين، دار إحياء التراث العربي، لبنان - بيروت، 1432هـ.ق - 2011م، ط1، ص75 - 84.

 

91


69

الدرس السابع: الانتظار سنة إلهيّة تاريخيّة

- الحقيقة الأولى: الاطّراد

أي أنّ علاقة السنّة بسائر السّنن العامّة والنواميس الاجتماعيّة علاقة ذات طابع موضوعيّ يتّسم بالتتابع والاستمرار وعدم التخلّف، بحيث لو وجدت الأسباب النافية أو المحقّقة لهذه السنّة، فإنّها تتبعها في الانتفاء أو التحقّق. وهذا ما تؤكّده الآيات الكريمة: ﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا﴾[1]. وهذا التأكيد يهدف إلى تمكين الإنسان من التعامل بوعيٍ مع هذه السنن، بعيدًا عن السذاجة والاستسلام، وبعيدًا عن الطمع بأن يكون مستثنًى من هذه السنن مهما علا شأنه[2].

 

وهذا ما يتجلّى في سنّة الانتظار، فإن للغَيْبَة التي تدعو إلى الانتظار ظروفًا وأسبابًا موضوعيّة لا يحيط بعلمها جميعًا إلّا اللَّه، إلّا أنّ من المقطوع به أنّ خذلان النَّاصر، والخوف على الحجّة، من العوامل الرئيسة المسبّبة للغَيْبَة، وإذا أراد المؤمنون أن ينعموا بالظهور المبارك فعليهم أن يجدّوا في رفع هذه الموانع محتفظين بالتسليم الكامل للَّه -عزّ وجلّ-، والأمل بنصرته وتسديده.

 

- الحقيقة الثانية: ربّانيّة السنّة

أي أن الاستفادة من السنّة التاريخيّة، من أجل التحكّم بمسار التاريخ، ليست انعزالًا عن اللَّه أو تطاولًا على غيبيّة السنّة، بل هو إتيانٌ من الباب الذي أراده اللَّه وسنّه في عمليّة التغيير الاجتماعيّ، بحيث ينطلق الإنسان ليستفيد من هذه السنن بما هي معبّرة عن حكمة اللَّه وتدبيره للكون، لا بما هي جهدٌ إنسانيٌّ منفصلٌ عن السماء على النهج القاروني ﴿قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِيٓۚ﴾[3].

 

وهذه الحقيقة من أوضح مصاديقها سنّة الانتظار، فهي في الوقت نفسه الذي تهتف بالمؤمنين أن يفهموا عللها، ويرفعوا موانعها، ليستفيدوا من القانون السُّنَني


 


[1] سورة فاطر، الآية 43. وراجع: سورة الأحزاب، الآية 62، سورة الإسراء، الآية 77، سورة الأنعام، الآية 34.

[2] قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ سورة الأنعام، الآية 43.

[3] سورة القصص، الآية 78.

 

92


70

الدرس السابع: الانتظار سنة إلهيّة تاريخيّة

فيها، فإنّها تحتفظ من جانبٍ آخر بالجانب التعبّدي والغيبيّ فيها، الذي يربط أمر الظهور المبارك بالمشيئة الإلهيّة أيضًا، لكون بعض الظروف والعوامل مما لا يمكن اطلاع أحدٍ عليها، ضمانًا لنجاح الظهور.

 

- الحقيقة الثالثة: اختيار الإنسان

قد يُتوهَّم أنّ وجود سننٍ للتاريخ يتعارض مع حريّة الإنسان واختياره، فإمّا أن نقول بسنن التاريخ ونحكّمها بأفعال الإنسان، وإمّا أن نقول باختيار الإنسان، ونلغي دور سنن التاريخ، إلّا أنّ القرآن الكريم ربط بين الأمرَين، بحيث تجري سنن التاريخ من تحت يد الإنسان لا من فوق رأسه[1]، على قاعدة: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾[2].

 

وهذه الحقيقة تتجلّى أيضًا في سنّة الانتظار، إذ تقدّم في المعنى اللغويّ أنّ الاختيار والانتخاب جزء معنى الانتظار، ولا تعارض بين الانتظار كواقعٍ فرضه غياب الحجّة الإلهيّة، وبين إمكانيّة أن يلعب اختيار الناس واجتهادهم في رفع الموانع دورًا أساسيًّا ومحوريًّا في تغيير هذا الواقع.

 

جريان سنن الأنبياء عليهم السلام في الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف

تكرّرت في القرآن الكريم الدعوة إلى الانتظار في مراحل متقدّمة من دعوة الأنبياء عليهم السلام، وهي المراحل التي يصل فيها التكذيب والاستهزاء من قبل أعداء اللَّه إلى ذروته، بحيث ينقطع الأمل بهداية هؤلاء. كما يحفل القرآن الكريم بقصصٍ ونماذجَ من غيبات الأنبياء والحجج عليهم السلام، وكيفيّة ابتلاء أقوامهم بانتظار الفَرَج، بل حتّى الأنبياء أنفسهم عليهم السلام ابتلوا بأصنافٍ من الانتظار، كما نجد في انتظار يعقوب ليوسف  عليه السلام. وهذه القصص ساقها القرآن الكريم تبيانًا للحقائق والسنن الجارية،


 


[1] راجع: الشهيد الصدر، السنن التاريخيّة في القرآن، مصدر سابق، ص69 - 75.

[2] سورة الرعد، الآية 11.

 

93


71

الدرس السابع: الانتظار سنة إلهيّة تاريخيّة

ودعا إلى الاعتبار منها، قال -تعالى-: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾[1].

 

وجاءت الروايات الشريفة لتؤكّد أنّ السنن التي مضت في الأنبياء السابقين عليهم السلام جارية في الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف ومُنتظريه، منها ما عن حنان بن سدير عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ للقائم منَّا غَيْبَةً يطول أمدها. فقلت له: ولم ذاك يابن رسول اللَّه؟ قال: إنّ اللَّه عزّ وجلّ أبى إلّا أن يُجْرِيَ فيه سنن الأنبياء عليهم السلام في غيباتهم، وأنّه لا بدّ له - يا سدير - من استيفاء مُدَدِ غيباتهم، قال اللَّه عزّ وجلّ:

﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾، أي: سُنَنًا على سُنَن مَن كان قبلكم"[2]. وعنه  عليه السلام: "إنّ سنن الأنبياء عليهم السلام وما وقع عليهم من الغيبات جاريةٌ في القائم منّا أهل البيت، حذو النعل بالنعل، والقُذَّة بالقُذَّة"[3]. وبيّن بعض الروايات الأخرى شدّة وقع الانتظار على أنصار الأنبياء، وكيف كان محطة للغربلة والتمحيص[4]. وبيّنت روايات أخرى كيف أنّ الرُّسل من الأنبياء عليهم السلام كان ينصّ عليهم رسولٌ ومنقذٌ سابق، ويتوارث الصالحون اسمه وصفته، ويحيون ذكره كلّ عام إلى أن يأتيهم[5].


 


[1] سورة يوسف، الآية 111.

[2] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، ج1، ص245.

[3] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص345.

[4] منها ما روي في انتظار نوح عليه السلام وأصحابه للفرج، وكيف أخّر اللَّه الفَرَج عليهم ثلاث مرّات في كلّ مرة ثلاث مئة سنة ليتمّ الحجّة على الكافرين حتّى قلّ أنصاره، فلمّا انقضت مدّة الدعوة أجاب اللَّه دعوة نوحٍ بالفَرَج، وأعطاه حباتٍ من نوى التمر وأمره أن يغرسها ويرعاها حتّى تثمر فإذا أثمرت يكون الفَرَج، فلمّا أثمرت أمره اللَّه أن يغرس النوى الذي أثمرته، فإذا أثمر كان الفَرَج، وهكذا ثلاث مرّات، وفي رواية سبع مرات، وكان في كلّ مرّة يرتدّ ثلث أصحاب نوح، حتّى لم يبق منهم إلّا ثلّة قليلة، فأجاب اللَّه دعاء نوح عليه السلام وأمره أن يصنع الفلك، وحصل الطوفان بعدها بخمسين سنة. راجع: الشيخ الصدوق، كمال الدين، ص133 - 135، ص355.

[5] تتحدّث هذه الروايات الطويلة عن تفاصيل غَيْبَة إدريس عليه السلام وظهوره، ثمّ تبشيره بظهور نوح عليه السلام كمخلّص ومنجٍ، وكيفيّة الابتلاء الشديد لأصحاب نوح عليه السلام، ثمّ تحقّق وعد اللَّه ووقوع عذاب الاستئصال، ثمّ تبشير نوح عليه السلام بهودٍ عليه السلام من بعده، ووقوع الغَيْبَة، وهكذا مع صالح عليه السلام، ثمّ إبراهيم عليه السلام، ثمّ يوسف عليه السلام، ثمّ موسى وعيسى ومحمّد (صلى اللَّه عليه وعليهم). وتذكر الروايات كيف كان كلّ نبيٍّ يبشّر بالقائم والمُنَجّي من بعده، وكيف كان أتباعهم يتداولون أسماءهم وصفاتهم ويحيون ذكرهم كلّ عام. راجع: الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص127 - 160.

 

94


72

الدرس السابع: الانتظار سنة إلهيّة تاريخيّة

العلاقة بين سنن الغَيْبَة والهجرة والانتظار

تشترك هذه السّنن في كونها تجري في ساحة حركة الإصلاح التي يقوم بها الأنبياء والحجج عليهم السلام، التي تفترض الوثوب والظهور والحضور الكثيف تارةً، والغَيْبَة والهجرة تارةً أخرى. ويمكن التعبير عن الهجرة أو الغَيْبَة بأنّها عمليّة انحسار أو انكفاء عن ساحة المجتمع الفاسد، لا للهروب، ولكن لإعادة التموضع، وتأمين حرّيّة الحركة، والتجهّز بالقوّة اللازمة خارج رقابة المجتمع الفاسد وضغطه، بما يسمح لحركة الإصلاح بأن تستعيد عافيتها ودورها من جديد. وهذا يستلزم وقتًا لا بدّ من استيفائه، وانتظارًا وصبرًا من قِبَل المؤمنين - ولا سيّما الذين لم يسمح لهم الواقع بأن يخرجوا من المجتمع الفاسد -، ويتطلّب مضاعفةً للجهود في مختلف الميادين، من أجل امتلاك القوّة والصَوْلة التي يمكن لحركة الإصلاح أن تواجه بها الواقع الفاسد، الذي أخرجهم من ديارهم، وقتّلهم وشرّدهم... ويمكن التعبير عن ظواهر الغَيْبَة والهجرة بأنّها (سنن الكُمُون والانحسار في الخطّ الإلهيّ)، مقابل (سنن البروز والتصدّي).

 

ومع أنّ اللَّه قادرٌ على أن ينصر أولياءه بأنواع شتّى من المعاجز كلّما أرادوا هم وأنصارهم، إلّا أنّ هذا خلاف غرضه من خلق الكون والإنسان، الذي هو تفعيل القابليّات، وتنضيج الاختيار الإنسانيّ، ليصل بملء إرادته إلى مرحلة العبوديّة للَّه، ويستحقّ خلافته في الأرض، دون أن تُلْجِئَه إلى ذلك المعاجز والخوارق. ولذلك أبى اللَّه إلّا أن تجري حركة التكامل هذه وفَق قانون العلّيّة العامّة، وتجري سننها على الأنبياء عليهم السلام وأتباعهم، كما تجري على المستكبرين والضالين وأتباعهم. ولذلك، فإنّ أيّ حركة إصلاحٍ أو تدميرٍ عبر التاريخ لا بدّ من أن تمرّ بمراحل بروز وظهور بقدر ما تمتلك أدوات القوّة والتأثير، ولا بدّ من أن تمرّ بمراحل كُمُون واستتار كلّما افتقدت هذه الأدوات.

 

وكلا الحركتين -الإصلاحية والإفساديّة - تستغلّ الساحات والعوالم كلّها لأجل تحقيق بروزها، وحيث ما تكمن وتستتر في ساحة، تنشط في ساحةٍ أخرى، لتعود

 

95


73

الدرس السابع: الانتظار سنة إلهيّة تاريخيّة

وتسيطر على مجمل الساحات، إلّا أّن الصراع النهائيّ لكلا المسارين هو على وراثة الأرض، ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾[1]، ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾[2].

 

فإبليس طُرد من ساحة، فأخذ يعمل في ساحة أخرى، وكذا أتباعه من الكافرين والمنافقين والفاسقين، كلّما عُزلوا عن ساحةٍ لجأوا إلى العمل والبروز في ساحاتٍ أخرى. وهذه حال الخطّ المقابل، خطّ الأنبياء والحجج عليهم السلام مع أتباعهم، يستغلّون كلّ قابليّة للإصلاح في ساحةٍ، فإذا ما يئسوا منها أو طُردوا أو لوحقوا، لجؤوا للعمل في ساحاتٍ أخرى. وهنا قد يتّخذ الانتقال إلى الساحات الأخرى ضمن سنن الكُمُون والانحسار أشكالًا ومستويات عديدة، وفَق ما تقتضيه السنن والنواميس العامّة للحركة الاجتماعيّة، ومقتضيات الهداية واللطف الإلهيّ، نذكر منها:

- الغَيْبَة الجغرافيّة: أو ما يُعرف بالهجرة، التي هي غَيْبَة جغرافيّة عن ساحة اختناق صوت الحقّ، وانتقال إلى مكانٍ آخر تتوفّر فيه أسباب الأمن والاستعداد، ريثما يمكن العودة إلى الساحة الأولى بسببٍ يمكن من خلاله السيطرة عليها. وهذا ما نجده في هجرة إبراهيم  عليه السلام من أرض النمرود، وهجرة يوسف  عليه السلام القسريّة إلى مصر، وهجرة موسى  عليه السلام إلى مَدْيَن، وهجرة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلمإلى يثرب، وهجرة أصحابه إلى الحبشة أيّام الدعوة المكّيّة.

 

- الغَيْبَة الجزئيّة: تأخذ هذه الحركة شكل التواري الجزئيّ أو شبه التامّ عن الساحة والأنصار مع الإشراف والرقابة والحضور والتفاعل الناقص بشكلٍ حادّ بسبب الحصار الذي يفرضه المجتمع الفاسد، كما حصل مع هارون أخي موسى  عليه السلام حين عبد بنو إسرائيل العجل، وكما حصل مع الإمامَين الهادي والعسكريّ عليهما السلام. وقد تأخذ


 


[1] سورة البقرة، الآية 30.

[2] سورة القصص، الآيتان 5 - 6.

 

96


74

الدرس السابع: الانتظار سنة إلهيّة تاريخيّة

هذه الغَيْبَة شكل غَيْبَة الهويّة مع حضور شخص الحجّة، كما في خفاء ولادة موسى  عليه السلام على آل فرعون، وترعرعه بينهم.

 

- الغَيْبَة التامّة: في القسمَين السابقَين ظلّ شخص الحجّة موجودًا بين الناس، إلّا أنه في هذا القسم يتوارى تمامًا عن الأنظار، مُراقبًا ومنتظرًا تهيؤ الظروف اللازمة للتصدّي، ومساهمًا من خلف ستار الغيب في التوجيه نحوها، والتدخّل لحراسة البيّنات والحجج المتبقية إذا لزم الأمر. وهو ما وقع في الغَيْبَة الكبرى لمولانا الحجّة القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

- غَيْبَة الرَّفع والتجميد: وهي أعمّ كُمُونًا وانحسارًا من القسم السابق، حيث إنّه مضافًا إلى تواري الحجّة التامّ، فإنّه لا يمكنه التدخّل والتحرّك من خلف ستار الغيب، كما في القسم السابق، وهو ما نجده في غَيْبَة النبيّ عيسى عليه السلام، المستمرّة حتّى اليوم.

 

بهذه الخلفية، يمكن لنا أن نفهم غيبات الأنبياء وهجرتهم وانتظار أتباعهم لهم في ضوء سنن التاريخ المطّردة، ويمكن لنا -أيضًا - أن نفهم معنى تأكيد القرآن الكريم على هذه السّنن، وتأكيد الروايات المتقدّمة على أنّ سنن الأنبياء لا بدّ من أن تجري في القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

97

 


75

الدرس السابع: الانتظار سنة إلهيّة تاريخيّة

هذه الغَيْبَة شكل غَيْبَة الهويّة مع حضور شخص الحجّة، كما في خفاء ولادة موسى  عليه السلام على آل فرعون، وترعرعه بينهم.

 

- الغَيْبَة التامّة: في القسمَين السابقَين ظلّ شخص الحجّة موجودًا بين الناس، إلّا أنه في هذا القسم يتوارى تمامًا عن الأنظار، مُراقبًا ومنتظرًا تهيؤ الظروف اللازمة للتصدّي، ومساهمًا من خلف ستار الغيب في التوجيه نحوها، والتدخّل لحراسة البيّنات والحجج المتبقية إذا لزم الأمر. وهو ما وقع في الغَيْبَة الكبرى لمولانا الحجّة القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

- غَيْبَة الرَّفع والتجميد: وهي أعمّ كُمُونًا وانحسارًا من القسم السابق، حيث إنّه مضافًا إلى تواري الحجّة التامّ، فإنّه لا يمكنه التدخّل والتحرّك من خلف ستار الغيب، كما في القسم السابق، وهو ما نجده في غَيْبَة النبيّ عيسى عليه السلام، المستمرّة حتّى اليوم.

 

بهذه الخلفية، يمكن لنا أن نفهم غيبات الأنبياء وهجرتهم وانتظار أتباعهم لهم في ضوء سنن التاريخ المطّردة، ويمكن لنا -أيضًا - أن نفهم معنى تأكيد القرآن الكريم على هذه السّنن، وتأكيد الروايات المتقدّمة على أنّ سنن الأنبياء لا بدّ من أن تجري في القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

97

 


75

الدرس السابع: الانتظار سنة إلهيّة تاريخيّة

المفاهيم الرئيسة

1. تكمن أهمّيّة إثبات كون الانتظار سُنّة تاريخيّة، في تثبيت الشعور لدى المؤمنين بأنّهم ليسوا وحدهم على ساحة التاريخ، كما يدعوهم إلى الأخذ بالعلل الرافعة لحالة الغيبة.

 

2. أرسى الشهيد الصدر قدس سره 3 أبعاد تميّز السنن التاريخيّة عن غيرها، وهذه الأبعاد نجدها منطبقة على الانتظار، وهي:

- كون الانتظار قانونًا.

- الغائيّة والهدفيّة.

- الأرضيّة الاجتماعيّة الواسعة.

 

3. يلاحظ - أيضًا - انطباق الحقائق التي ذكرها الشهيد الصدر قدس سره للسنن التاريخيّة على الانتظار، وهي:

- الاطّراد: باعتبار أنّ للغيبة التي تدعو إلى الانتظار أسبابًا موضوعيّة مطّردة.

- ربّانيّة السّنّة: حيث إنّ الانتظار يعبّر عن حالة إيمان بالغيب لا تتناقض مع قانونيّته العلميّة.

- اختياريّة الإنسان: فإنّ سنّة الانتظار تجري حتمًا، لكن من غير أن تلغي دور الاختيار الإنسانيّ.

 

4. يشير القرآن في غير موضع منه إلى جريان سنّة الانتظار مع سائر الأنبياء والمصلحين.

 

5. تشترك سُنن الغيبة والهجرة والانتظار في كونها تجري في ساحة حركة الإصلاح التي يقوم بها الأنبياء والحجج عليهم السلام، التي تفترض الوثوب والظهور والحضور الكثيف تارةً، والغيبة والهجرة تارةً أخرى، ويمكن التعبير عنها بسنن الكمون والانحسار مقابل سنن البروز والتصدّي.

 

 

98

 


76

الدرس السابع: الانتظار سنة إلهيّة تاريخيّة

6. قد يتّخذ الانتقال إلى الساحات الأخرى ضمن سنن الكمون والانحسار أشكالًا ومستويات عديدة، منها: الغيبة الجغرافيّة، والغيبة الجزئيّة، والغيبة التامّة، وغيبة الرفع والتجميد.

 

99


77

الدرس الثامن: الانتظار في السنّة الشريفة

تمهيد

بعد أن عرضنا ما يمكن استفادته من البحثين اللغويّ والقرآنيّ في موضوع الانتظار - وقد تبيّن كيف أنّنا حصدنا نتائج مهمّة تساهم في تجلية مفهوم الانتظار الحقّ -، نأتي إلى استنطاق السنّة الشريفة أيضًا، وتتبّع موضوع الانتظار فيها، لنرى ما يمكن أن نكتشفه من هدايات وإضاءات تنير درب المنتَظِرِين.

 

 

الانتظار في المصادر الإسلاميّة

ينبغي - أوّلًا - من أجل استطلاع رأي السنّة الشريفة، المتمثّلة بأقوال المعصومين عليهم السلام وأفعالهم وتقريراتهم، الرجوع إلى المصادر الإسلاميّة الأصيلة والمتقدّمة التي دُوِّنَت فيها آثارهم، وحُفِظَت فيها أقوالهم وتوجيهاتهم عليهم السلام. ويظهر من استقصاء الموارد التي تعرّضت لموضوع الانتظار في السنّة الشريفة من مصادر الفريقَين[1]


 


[1] راجع: من مصادر الشيعة: الشهيد زيد بن علي (رض)، مسند زيد بن علي، دار مكتبة الحياة، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ص496، الحميري القمي، عبد اللَّه بن جعفر، قرب الاسناد، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت  عليهم السلام لإحياء التراث، إيران - قم المشرّفة، 1413هـ.ق، ط1، ص381، العياشي، تفسير العياشي، مصدر سابق، ج2، ص20، 138، الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص479، 616، 621، الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص320، الحراني، الشيخ ابن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، إيران - قم المشرّفة، 1404هـ.ق - 1363هـ.ش، ط2، ص37، 201، 403، التنوخي، القاضي المحسن بن أبي القاسم، الفَرَج بعد الشدة، منشورات الشريف الرضي، إيران - قم المشرّفة، 1364هـ.ش، ط2، ج1، ص27، المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان، الإرشاد، تحقيق: مؤسّسة آل البيت  عليهم السلام لتحقيق التراث، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414هـ.ق - 1993م، ط2، ج1، ص302، الكراجكي، أبو الفتح محمّد بن علي، معدن الجواهر، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، لا.م، لا.ن، 1394هـ.ق، ط2، ص26، الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن، الغَيْبَة، تحقيق: الشيخ عباد اللَّه الطهراني - الشيخ علي أحمد ناصح، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، إيران - قم المشرّفة، 1411هـ.قـ، ط1، ص459، أبو منصور الطبرسي، الاحتجاج، مصدر سابق، ج2، ص50.

ومن مصادر المذاهب الإسلاميّة غير الشيعية: الترمذي، سنن الترمذي، مصدر سابق، ج5، ص225، الطبري، جامع البيان عن تأويل القرآن، مصدر سابق، ج5، ص71، ابن حبّان، محمّد بن حبّان، الثقات، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، الهند - حيدر آباد، 1393هـ.ق - 1973م، ط1، ج8، ص438، الطبراني، الدعاء، مصدر سابق، ص28 - 29، الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي، تاريخ بغداد، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1417هـ.ق - 1997م، ط1، ج2، ص152، الجرجاني، عبد اللَّه بن عدي، الكامل، قراءة وتدقيق: يحيى مختار غزاوي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، محرم 1409هـ.ق - 1988م، ط3، ج2، ص76، القضاعي، محمّد بن سلامة، مسند الشهاب، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مؤسّسة الرسالة، لبنان - بيروت، 1405هـ.ق - 1985م، ط1، ج1، ص62 - 63.

 

105


78

الدرس الثامن: الانتظار في السنّة الشريفة

أنّ رجحانه والحثّ عليه يبلغ حدّ التواتر المعنويّ[1]، بل يمكن دعوى التواتر اللفظيّ في خصوص لسان (أفضليّة الانتظار على سائر الأعمال والعبادات)، الذي سيأتي الحديث عنه بشكلٍ مستقلّ. وسوف نعرض في الآتي من الدروس، ألسنة الروايات المختلفة التي تطرّقت إلى الانتظار، ونحاول استخلاص الدروس منها، وجمع شتاتها، لتكوين فهمٍ لقضيّة الانتظار، نابعٍ من السنّة الشريفة، نُكَمّل به الفهم المُستفاد في ضوء القرآن الكريم.

 

مُتَعلَّق الانتظار بين القرآن والسنّة

تقدّم أنّ الانتظار تعلّق في القرآن الكريم بواحدٍ من ثلاثة أمور:

1. آيةٍ مُعجزةٍ من آيات اللَّه، يطلبها المعاندون، استهزاءً وتعجيزًا.

2. عذابِ اللَّه الذي يستهزئ به المجرمون، ويستعجلونه.

3. الوفاء بعهد اللَّه من خلال استكمال أداء التكاليف الإلهيّة.

 

إلّا أنّ الروايات التي تعرّضت لموضوع الانتظار، أجمعت كلّها - بدون استثناء - على اختيار متعلَّقٍ واحد للانتظار المأمور به، ألا وهو عنوان (الفَرَج). والفَرَج لغةً: هو ذهاب أو انكشاف الهمّ والغمّ[2]. ولم يستخدم القرآن من مادّة (ف ر ج)   مفردات تفيد أحد معنيَين[3]:


 


[1] راجع: النجفي، الشيخ بشير، لماذا الانتظار؟ (مقابلة أجراها معه الشيخ حيدر الأسدي)، مجلة الانتظار، ص22، العدد الأول، العراق - النجف الأشرف، جمادى الأولى 1426هـ.ق.

[2] الفراهيديّ، العين، مصدر سابق، ج6، ص109.

[3] راجع: الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص628، عبد الباقي، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص514.

 

106


79

الدرس الثامن: الانتظار في السنّة الشريفة

الفَرَج: بمعنى ما بين الرجلين من العورة، سواء عورة الرجل أو المرأة، كما في قوله - تعالى -: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾[1].

 

الفَرَجة: بمعنى الشِقّ والفتق، وتُجمع على فُروج، كما في قوله -تعالى-: ﴿أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ﴾[2]، و﴿وَإِذَا السَّمَاء فُرِجَتْ﴾[3].

 

والأصل في مادّة (ف ر ج) بحسب المحققين من اللغويّين، هو: التفتّح في الشيء[4]، أو حصول مطلق انفراج بين شيئَين مادّيَّين أو معنويَّين[5]، فيكون استخدام المادّة للدلالة على الفَرَج بمعنى ذهاب الغمّ، بمناسبة تحصّل الانفراج والتباعد بين النّفس الإنسانيّة والغمّ[6]،[7].

 

وعليه لا يبعُد أن يكون عنوان الفَرَج المذكور في الروايات، والذي تعلّق به الانتظار، عنوانًا جامعًا للمعاني التي تعلّق بها الانتظار في القرآن ولغيره من المعاني أيضًا. فالآية المنتَظَرَة، والعذاب الموعود للكافرين، والوفاء بالعهد من المؤمنين، كلّها ينطبق عليها معنى الفَرَج، ولا سيّما مع ملاحظة أنّ هذه المحطّات، وعلى رأسها انتظار الفَرَج بظهور الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، مظنّة تحصّل التميّز والتباعد بين معسكر الحقّ ومعسكر الباطل.


 


[1] سورة النور، الآيتان 30 - 31.

[2] سورة ق، الآية 6.

[3] سورة المرسلات، الآية 9.

[4] راجع: ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، مصدر سابق، ج4، ص498.

[5] راجع: المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج9، ص45.

[6] المصدر نفسه، ص46.

[7] ومناسبة استخدامها للدلالة على معنى الفَرَجة واضح، بل هو الأقرب للأصل، وأما مناسبة استخدامها للدلالة على معنى الفَرَج بمعنى العورة، فبمناسبة وقوعها في الفَرَجة بين الرجلين. راجع: المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مصدر سابق، ج9، ص46.

 

107


80

الدرس الثامن: الانتظار في السنّة الشريفة

وانطباق عنوان انتظار الفَرَج على انتظار ظهور الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف جاء صريحًا في كثير من الروايات التي سيأتي عرضها، وأما انطباق عنوان الانتظار لأحد المعاني المتقدّمة في القرآن الكريم على انتظار ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، فهو مستفادٌ من الروايات المفسّرة لا من صريح القرآن.

 

المعنى المُراد من انتظار الفَرَج في الروايات

تقدّم في التعريف الاصطلاحيّ للانتظار، أنّ ثمّة فرقًا بين رؤية الشيعة لمعنى انتظار الفَرَج، وبين رؤية سائر المذاهب الإسلاميّة، فالأخيرة لم تتجاوز المعنى العامّ لانتظار الفَرَج - وهو انتظار مطلق انفراجٍ من ابتلاء أو همّ أو غمّ - لتطبّقه بشكلٍ مكثّف على مصداقٍ خاصّ، بينما نجد الرؤية الإماميّة - وعلى الرغم من احتفاظها بالمعنى العامّ لانتظار الفَرَج - إلّا أنّها طبّقت هذا العنوان بشكلٍ مكثّف على مصداقٍ خاصّ من مصاديقه، وهو انتظار الفَرَج بظهور الإمام الثاني عشر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وقيام دولة العدل الإلهيّ. وهذا التطبيق المكثّف في الثقافة الشيعيّة يكاد يصرف عنوان انتظار الفَرَج عند إطلاقه إلى ذلك المعنى الخاصّ.

 

ولتوضيح هذا الأمر أكثر، والاستدلال عليه من بطون المصادر ونصوص الروايات، نقول:

يظهر من استقراء الروايات التي تتناول موضوع الانتظار في مصادر الفريقَين أنّ ثمّة معنيَين لانتظار الفَرَج دارت عليهما الروايات:

المعنى الأوّل: انتظار الفَرَج بالمعنى الأعمّ

وهو انتظار فَرَج اللَّه من مطلق بلاء أو غمّ أو همّ، واستجابة الدعاء وتحقيق المطالب. وهو الظاهر من السياقات العامّة والقرائن الخاصّة الحافّة ببعض الروايات. وهذا المعنى هو الذي انحصرت فيه جميع روايات باب الانتظار عند المذاهب الإسلاميّة غير الشيعيّة، كما يظهر من بعض الروايات عند الشيعة. ونعرض لأهم هذه الروايات من مصادر الفريقَين:

 

108

 


81

الدرس الثامن: الانتظار في السنّة الشريفة

من مصادر المذاهب الإسلاميّة غير الشيعيّة:

1. "باب في انتظار الفَرَج وغير ذلك: ... قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "سلوا اللَّه من فضله، فإنّ اللَّه يحبّ أن يُسأل. وأفضل العبادة انتظار الفَرَج"[1]. وأورده الطبراني في باب: (ما جاء في فضل لزوم الدعاء والإلحاح فيه)[2].

 

2. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "سلوا اللَّه من فضله، فإنّه يحبّ أن يُسأل، وإنّ من أفضل العبادة انتظار الفَرَج"[3].

 

3. (باب كراهة الاستعجال في الدعاء): ... (باب انتظار الفَرَج): ... عن أنس قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ أفضل العبادة انتظار الفَرَج..." (باب ادعوا وأنتم موقنون بالإجابة)"[4].

 

4. عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "انتظار الفَرَج بالصبر عبادة"[5].

 

5. عن أنس عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلمقال: "انتظار الفَرَج عبادة"[6].

 

ويظهر من القرائن الداخليّة (كجعل الانتظار مرحلة ما بعد الدعاء وما قبل استجابته، وعدم التعرّض لقضيّة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف مطلقًا)، والخارجيّة (كعناوين الأبواب) الآنفة، كون انتظار الفَرَج عندهم بالمعنى العامّ، مع بعض التركيز على انتظار الفَرَج باستجابة الدّعاء، بل ينصّ علماؤهم ودُعاتهم على هذا المعنى حين تعرّضهم لتفسير انتظار الفَرَج[7].


 


[1] الترمذي، سنن الترمذي، مصدر سابق، ج5، ص225.

[2] راجع: الطبراني، الدعاء، مصدر سابق، ص28 - 29.

[3] الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، مصدر سابق، ج5، ص71.

[4] الهيثمي، مجمع الزوائد، مصدر سابق، ج10، ص147 - 148.

[5] ابن حبّان، الثقات، مصدر سابق، ج8، ص483، القضاعي، مسند الشهاب، مصدر سابق، ج1، ص62.

[6] الجرجاني، الكامل، مصدر سابق، ج2، ص76، الذهبي، تاريخ بغداد، مصدر سابق، ج2، ص152.

[7] راجع: السلمي، تفسير السلمي، مصدر سابق، ج2، ص334، المباركفوري، تحفة الأحوذي، مصدر سابق، ج10، ص17. وراجع صفحاتهم ومنتدياتهم ومحاضرات علمائهم حول هذا الموضوع على شبكة الانترنت.

 

109


82

الدرس الثامن: الانتظار في السنّة الشريفة

نعم، يبقى أن نقول: إنّ التزامهم بهذا المعنى العامّ مضافًا إلى عقيدتهم في الإمام المهديّعجل الله تعالى فرجه الشريف وأنّه يولد ويظهر في آخر الزمان، يلزمهم بأن يكون انتظار هذا المولود وقيامه من مصاديق انتظار الفَرَج، بل من أعظم مصاديقه، وإن لم يُطبّق في مرويّاتهم وكلماتهم عليه.

 

من مصادر الشيعة:

تشترك كثيرٌ من الروايات التي في كتبنا مع روايات المذاهب الأخرى في كونها ظاهرة في المعنى العامّ لانتظار الفَرَج، وهذا يُفهم من مجيئها مجرّدةً عن تطبيقها على المعنى الخاص تارةً، ومن احتفافها بقرائن وتطبيقات تعيّنها في المعنى العامّ، من قبيل استجابة الدعاء، ودفع البلاء تارةً أخرى:

1. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل أعمال أمّتي انتظار فَرَج اللَّه"[1].

 

2. سُئل الإمام علي عليه السلام: "أيّ الأعمال أحبّ إلى اللَّه - عزّ وجلّ -؟ قال عليه السلام: انتظار الفَرَج"[2].

 

3. عن الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين  عليه السلام أنه حدّث أصحابه بأربعمائة وصيّة، منها: "انتظروا الفَرَج، ولا تيأسوا من رَوْح اللَّه، فإنّ أحبّ الأعمال إلى اللَّه - عزّ وجلّ - انتظار الفَرَج ما دام عليه العبد المؤمن"[3].

 

4. الباب الثاني: (ما جاء في الآثار من ذكر الفَرَج بعد اللأواء، وما يُتوصَّل به إلى كشف الشدّة والبلاء): ... قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "سلوا اللَّه من فضله فإنّ اللَّه - تبارك وتعالى - يحبّ أن يُسْأَل، وأفضل العبادة انتظار الفَرَج... انتظار الفَرَج من اللَّه - عزّ وجلّ - عبادة"[4].


 


[1] الشهيد زيد، مسند زيد بن علي، مصدر سابق، ص496. وقريبٌ منه: الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص644.

[2] الصدوق، الشيخ محمّد بن علي بن بابويه، الأمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، مركز الطباعة والنشر في مؤسّسة البعثة، إيران - قم المشرّفة، 1417هـ.ق، ط1، ص479.

[3] الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص616.

[4] القاضي التنوخي، الفَرَج بعد الشدة، مصدر سابق، ج1، ص27.

 

 

110


83

الدرس الثامن: الانتظار في السنّة الشريفة

5. قال أمير المؤمنين  عليه السلام: "أفضل العبادة الصبر، والصمت، وانتظار الفَرَج"[1].

 

6. "عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: من رضِيَ من اللَّه بالقليل من الرزق، رضِيَ اللَّه منه بالقليل من العمل. وانتظار الفَرَج عبادة"[2].

 

فيظهر من القرائن الداخليّة والخارجيّة هنا -أيضًا- مجيء الروايات بالمعنى العامّ.

 

المعنى الثاني: الانتظار بالمعنى الأخصّ

وهو انتظار الفَرَج بظهور الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت عليهم السلام، ليحقّق دولة العدل الإلهيّ. وقد كثُر تطبيق عنوان (انتظار الفَرَج) على هذا المعنى في لسان الروايات عند الشيعة، وفي كلمات علمائهم، وتبويبهم لروايات الانتظار. ونذكر بعض النماذج منها:

 

1. في جواب الإمام الرضا  عليه السلام لسؤال أحدهم عن وقت دولتهم: "ما أحسن الصبر وانتظار الفَرَج! أما سمعت قول العبد الصالح: ﴿إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ﴾، ﴿فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ﴾، فعليكم بالصبر، فإنّه إنّما يجيء الفَرَج على اليأس، وقد كان الذين من قبلكم أصبر منكم..."[3]. وتُكمل الرواية في توضيح أمر الفَرَج بالمعنى الأخصّ. ويُلاحظ هنا تطبيق الانتظار في الآيات القرآنيّة مضافًا إلى تطبيق عنوان الفَرَج على المعنى الخاصّ.

 

2. ممّا كتبه الإمام العسكريّ  عليه السلام إلى الصدوق الأوّل قدس سره: "عليك بالصبر، وانتظار الفَرَج. قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: أفضل أعمال أمّتي انتظار الفَرَج. ولا يزال شيعتنا في حزن حتّى يظهر ولدي الذي بشّر به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جَورًا وظلمًا"[4].

 


[1] ابن شعبة الحراني، تحف العقول، مصدر سابق، ص201، الشيخ المفيد، الإرشاد، مصدر سابق، ج1، ص302.

[2] الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن، الأمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قم المشرّفة، 1414هـ.ق، ط1، ص405.

[3] الحميري القمي، عبد اللَّه بن جعفر، قرب الاسناد، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت  عليهم السلام لإحياء التراث، إيران - قم المشرّفة، 1413هـ.ق، ط1، ص380.

[4] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، مصدر سابق، ج3، ص527.

 

111


84

الدرس الثامن: الانتظار في السنّة الشريفة

ويُلاحظ هنا تطبيق الأحاديث العامّة المرويّة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلمفي فضل انتظار الفَرَج على الانتظار الخاصّ للإمام الثاني عشر  عليه السلام، كما يظهر ذلك من روايات أخرى تستشهد بالأحاديث الواردة باللسان العامّ في سياق الحديث عن الانتظار الخاصّ[1].

 

ومن هنا نلاحظ -أيضًا- إدراج علمائنا الأوائل لأحاديث انتظار الفَرَج في أبواب تحمل عناوين الغَيْبَة والانتظار الخاصّ، حتّى وإن كان لسانها عامًّا[2]، كما هو واضحٌ عند العلّامة المجلسيّ قدس سره، حيث عقد بابًا بعنوان: (فضل انتظار الفَرَج ومدح الشيعة في زمان الغَيْبَة، وما ينبغي فعله في ذلك الزمان)، وأورد فيه أحاديث الانتظار بالمعنى الأعمّ والأخصّ على السواء[3].

 

ميزة الانتظار بالمعنى الأخصّ

يتميّز انتظار الفَرَج بالمعنى الأخصّ بكون الفَرَج فيه محدّدًا ومعلومًا ومقطوع التحقّق من حيث أصله وشكله العامّ، وإن كان مجملًا من ناحية توقيته أو شكله الخاصّ، وهذا يجعل الانتظار له أكثر توقّدًا وحرارة. بينما انتظار الفَرَج بالمعنى الأعمّ قد يكون مشكوك التحقّق في أصله، بمعنى أنّ من دعا بشيءٍ مثلًا فهو لا يقطع بأن يُستجاب دعاؤه ويفرّج عنه من طريقٍ معلومٍ له مسبّقًا، بل هو ينتظر فَرَجًا أعمّ من أن يكون فَرَجًا معيّنًا مُسبّقًا أو فَرَجًا بديلًا، ولو كان هذا الفَرَج البديل حصول الطمأنينة والرّضا في النفس من ناحية الإيمان بأن الإبطاء كان لمصلحة.


 


[1] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص320، 377، الشيخ الطوسي، الغَيْبَة، مصدر سابق، ص459، أبو منصور الطبرسي، الاحتجاج، مصدر سابق، ج2، ص50.

[2] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص320، ص644 - 647، الشيخ الطوسي، الغَيْبَة، مصدر سابق، ص459.

[3] راجع: المجلسي،   محمّد باقر بن محمّد تقي، بحار الأنوار، تحقيق: السيد إبراهيم الميانجي، محمّد الباقر البهبودي، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403هـ.ق - 1983م، ط2، ج52، ص122 - 150.

 

 

112


85

الدرس الثامن: الانتظار في السنّة الشريفة

وجوب انتظار الفَرَج

لم تكتفِ الروايات الشريفة بالأمر بالانتظار بنحوٍ قد يكون أعمّ من الوجوب أو الاستحباب، بل أكّدت عليه إلى درجة إيجابه. ونستدلّ على وجوبه من لسانين من ألسنة الروايات:

اللسان الأوّل: لسان النصّ على إيجابه

يستفاد من الحديث الذي رواه الصدوق بإسناده عن (الشاه) عبد العظيم الحسنيّ، قال: "دخلت على سيّدي محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام وأنا أريد أن أسأله عن القائم، أهو المهديّ أو غيره، فابتدأني فقال لي: يا أبا القاسم، إنّ القائم منّا هو المهديّ الذي يجب أن يُنْتَظر في غَيْبَته، ويُطَاع في ظهوره، وهو الثالث من ولدي..."[1].

 

اللسان الثاني: لسان جعل الانتظار جزء دين الأئمّة عليهم السلام

"عَنْ أَبِي الْجَارُودِ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ  عليه السلام: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّه، هَلْ تَعْرِفُ مَوَدَّتِي لَكُمْ، وانْقِطَاعِي إِلَيْكُمْ، ومُوَالاتِي إِيَّاكُمْ؟ قَالَ: فَقَالَ  عليه السلام: نَعَمْ. قَالَ: فَقُلْتُ: فَإِنِّي أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةً تُجِيبُنِي فِيهَا، فَإِنِّي مَكْفُوفُ الْبَصَرِ، قَلِيلُ الْمَشْيِ، ولَا أَسْتَطِيعُ زِيَارَتَكُمْ كُلَّ حِينٍ. قَالَ  عليه السلام: هَاتِ حَاجَتَكَ. قُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِدِينِكَ الَّذِي تَدِينُ اللَّه -عزّ وجلّ- بِه أَنْتَ وأَهْلُ بَيْتِكَ لأَدِينَ اللَّه -عزّ وجلّ- بِه.

 

قَالَ  عليه السلام: "إِنْ كُنْتَ أَقْصَرْتَ الْخُطْبَةَ، فَقَدْ أَعْظَمْتَ الْمَسْأَلَةَ، واللَّه لأُعْطِيَنَّكَ دِينِي ودِينَ آبَائِيَ الَّذِي نَدِينُ اللَّه -عزّ وجلّ- بِه: شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه، وأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّه، والإِقْرَارَ بِمَا جَاءَ بِه مِنْ عِنْدِ اللَّه، والْوَلَايَةَ لِوَلِيِّنَا، والْبَرَاءَةَ مِنْ عَدُوِّنَا، والتَّسْلِيمَ لأَمْرِنَا، وانْتِظَارَ قَائِمِنَا، والِاجْتِهَادَ والْوَرَعَ"[2].


 


[1] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص377.

[2] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص21 - 22. وقريبٌ منه: الشيخ الكليني، الكافي، المصدر نفسه، ج2، ص22، النعماني، الغَيْبَة، مصدر سابق، ص207.

 

113


86

الدرس الثامن: الانتظار في السنّة الشريفة

المعاني المقابلة للانتظار في الروايات

لقد تقدّم أنّ المعاني المقابلة للانتظار في القرآن أربعة، وهي: الاستعجال، والتبدّل ونقض العهد، وتحكيم الأهواء، واليأس. وهذه المعاني أيضًا وقعت مقابل الانتظار في الروايات:

1. الانتظار مقابل الاستعجال وتحكيم الأهواء: عن عبد الرحمن بن كثير، قال: كنت عند أبي عبد اللَّه  عليه السلام يومًا وعنده مِهْزَمٌ الأسديّ، فقال: جعلني اللَّه فداك! متى هذا الأمر الذي تنتظرونه، فقد طال علينا؟ فقال: يا مِهزَم، كذب الوقّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلِّمون، وإلينا يصيرون"[1].

 

وجه دلالة الرواية: أنّ سؤال السائل كان عن التوقيت على وجه الاستعجال، فأجابه الإمام  عليه السلام بجوابٍ يتضمّن أنّ الاستعجال في الأمر مظنّة الهلاك، وأنّ التسليم الذي هو مقابل تحكيم الأهواء مظنّة النجاة، فالواجب الانتظار والتسليم مقابل العجلة والتحكيم.

 

2. الانتظار مقابل التبدّل ونقض العهد: وتدلّ عليه الروايات الكثيرة المبيّنة للتمحيص والغربلة في آخر الزمان، حتّى لا يبقى إلّا القلّة القليلة المنتظرة، مثل: قول أمير المؤمنين  عليه السلام: "لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً، ولَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً، حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلَاكُمْ، وأَعْلَاكُمْ أَسْفَلَكُمْ، ولَيَسْبِقَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا، ولَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا"[2].

 

3. الانتظار مقابل اليأس: ويدلّ عليه صريح المقابلة في حديث أمير المؤمنين  عليه السلام: "انتظروا الفَرَج، ولا تيأسوا من رَوح اللَّه"[3].


 


[1] النعماني، الغَيْبَة، مصدر سابق، ص304، الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص368، الشيخ الطوسي، الغَيْبَة، مصدر سابق، ص426. وراجع أيضًا: الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص369، النعماني، الغَيْبَة، مصدر سابق، ص204، ج8، ص273، الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ج2، ص378.

[2] الرضي، الشريف محمّد بن الحسن، نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، تحقيق وتصحيح: صبحي الصالح، لا.ن، لبنان - بيروت، 1387هـ.ق - 1967م، ط1، الخطبة 16، ص57.

[3] الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص616، ابن شعبة الحراني، تحف العقول، مصدر سابق، ص106.

 

114


87

الدرس الثامن: الانتظار في السنّة الشريفة

المفاهيم الرئيسة

1. يظهر من مراجعة موضوع الانتظار في السنّة الشريفة، أنّ رجحانه والحثّ عليه بلغا حدّ التواتر المعنويّ، بل واللفظيّ في بعض ألسنتها.

 

2. عنوان الفرج المذكور في الروايات، والذي تعلّق به الانتظار، عنوانٌ جامعٌ للمعاني التي تعلّق بها الانتظار في القرآن، ولغيره من المعاني أيضًا.

 

3. يظهر من خلال تتبّع الروايات والقرائن الداخليّة والخارجيّة فيها، أنّ ثمّة فرقًا بين رؤية الشيعة لمعنى انتظار الفرج وبين رؤية سائر المذاهب الإسلاميّة، فالأخيرة لم تتجاوز المعنى العامّ لانتظار الفرج - وهو انتظار مطلق انفراجٍ من ابتلاء أو همّ أو غمّ - لتطبّقه بشكلٍ مكثّف على مصداقٍ خاصّ. بينما نجد الرؤية الإماميّة - وعلى الرغم من احتفاظها بالمعنى العامّ لانتظار الفرج - إلّا أنّها طبّقت هذا العنوان بشكلٍ مكثّف على مصداقٍ خاصّ من مصاديقه، وهو انتظار الفرج بظهور الإمام الثاني عشر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

4. يتميّز انتظار الفرج بالمعنى الأخصّ، بكون الفرج فيه مقطوعَ التحقّق من حيث أصله وشكله العامّ، وإن كان مجملًا من ناحية توقيته أو شكله الخاصّ، بخلاف الانتظار بالمعنى الأعمّ.

 

5. يمكن الاستدلال على وجوب الانتظار من خلال لسانَين من ألسنة الروايات: لسان النصّ على إيجابه، ولسان جعل الانتظار جزءًا من دين الأئمّة عليهم السلام.

 

6. كما لاحظنا وجود 4 معانٍ مقابلة للانتظار في القرآن الكريم، نجد ذلك أيضًا في نصوص الروايات.

 

115

 


88

الدرس التاسع أفضليّة انتظار الفَرَج في السنّة الشريفة

تمهيد

هذا الدرس يعرض ألسنة الروايات المختلفة المرتبطة بالانتظار، من أجل تكوين نظريّة الانتظار وفهم أبعادها، استنادًا إلى إفادات الروايات الشريفة وهداياتها.

 

ونبدأ بأهمّ ألسنة الروايات التي تناولت موضوع الانتظار، والذي تقدّم أنه لا يبعد كونه متواترًا لفظًا، وهو لسان: (أفضليّة انتظار الفَرَج على سائر الأعمال والعبادات). فما هو معنى الأفضليّة هنا؟ وكيف يكون الانتظار أفضل من سائر العبادات، كالصلاة التي هي عمود الدين، والصوم والزكاة والحج، وهي ممَّا بُني عليه الإسلام، على حدّ تعبير بعض الروايات؟ وما معنى عباديّة الانتظار؟

 

عرض لصيغ لسان الأفضليّة

جاء لسان أفضليّة الانتظار على سائر الأعمال بصيغ متعدّدة، منها:

1. عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل أعمال أمّتي انتظار فَرَج اللَّه"[1]. وفي مكاتبة الإمام العسكريّ  عليه السلام للصدوق الأوّل: "قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: أفضل أعمال أمّتي انتظار الفَرَج"[2]. وورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل جهاد أمّتي انتظار الفَرَج"[3]. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "سلوا


 


[1] الشهيد زيد، مسند زيد بن علي، مصدر سابق، ص496. وقريبٌ منه: الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص644.

[2] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، مصدر سابق، ج3، ص527.

[3] ابن شعبة الحراني، تحف العقول، مصدر سابق، ص37.

 

119


89

الدرس التاسع أفضليّة انتظار الفَرَج في السنّة الشريفة

اللَّه من فضله، فإنّ اللَّه - تبارك وتعالى - يحبّ أن يُسْأَل. وأفضل العبادة انتظار الفَرَج... انتظار الفَرَج من اللَّه عزّ وجلّ عبادة"[1].

 

2. عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أفضل أعمال المرء انتظار الفَرَج من اللَّه عزّ وجلّ"[2]. وفي تحف العقول ورد عنه  عليه السلام هكذا: "أفضل عمل المؤمن انتظار الفَرَج"[3].

 

3. سُئل الإمام علي  عليه السلام: "أيّ الأعمال أحب إلى اللَّه - عزّ وجلّ -؟ قال: انتظار الفَرَج"[4]، وعنه  عليه السلام: "إن أحبّ الأعمال إلى اللَّه - عزّ وجلّ - انتظار الفَرَج ما دام عليه العبد المؤمن"[5].

 

4. عن أمير المؤمنين  عليه السلام: "أفضل العبادة الصبر، والصمت، وانتظار الفَرَج"[6]. وعنه عليه السلام: "أفضل العبادة شيئان: الصبر وانتظار الفَرَج"[7].

 

5. عن الإمام الكاظم  عليه السلام: "أفضل العبادة بعدَ المعرفة انتظار الفَرَج"[8].

 

6. عن الإمام الجواد  عليه السلام: "أفضل أعمال شيعتنا انتظار الفَرَج"[9].

 

يمكن لنا استخلاص ثمراتٍ عدّة من هذا العرض:

الثمرة الأولى: التأكيد على الطابع العملانيّ للانتظار

يُلاحظ أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عبّر عن الانتظار بثلاثة تعبيرات مختلفة من حيث جنس الشيء الذي جُعِلَ الانتظارُ أفضلَه، وهي: أفضل العبادة، وأفضل الأعمال، وأفضل الجهاد. ويمكن أن يُفهم من هذا مدى التأكيد على الطابع العملانيّ للانتظار.


 


[1] القاضي التنوخي، الفَرَج بعد الشدة، مصدر سابق، ج1، ص27.

[2] الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص621.

[3] ابن شعبة الحراني، تحف العقول، مصدر سابق، ص111.

[4] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص479.

[5] الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص616. وفي تحف العقول هكذا: "... انتظار الفَرَج وما داوم عليه العبد المؤمن"، ابن شعبة الحراني، تحف العقول، مصدر سابق، ص106.

[6] ابن شعبة الحراني، تحف العقول، مصدر سابق، ص201، الشيخ المفيد، الإرشاد، مصدر سابق، ص1، ص302.

[7] أبو الفتح الكراجكي، معدن الجواهر، مصدر سابق، ص26.

[8] ابن شعبة الحراني، تحف العقول، مصدر سابق، ص403.

[9] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص377.

 

 

120


90

الدرس التاسع أفضليّة انتظار الفَرَج في السنّة الشريفة

فلو أنّه صلى الله عليه وآله وسلماكتفى بكون الانتظار عبادة، لأمكن أن يلتبس على أحدهم فيقول: إن الانتظار محض عبادة قلبيّة تقتصر على تنظّر الفَرَج وعدم اليأس القلبيّ منه، وليس له أيّ تجلٍّ في مقام الحركة. لكنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلمعبّر بأنّه واحدٌ من الأعمال، فهو عملٌ وحركة، لا ذكرٌ قلبيٌّ نترنّم به فحسب، بل وعبّر عنه بأنّه جهاد، والجهاد يعبّر عن قمّة العملانيّة والحركيّة والاستنهاض في حياة المسلم.

 

ومن هنا، يقسّم بعض العلماء[1] الانتظار إلى نوعين:

1. الانتظار الانفعاليّ:

وهو الانتظار الذي يُفرَض على الإنسان قهرًا، ولا يكون له دورٌ فيه إلّا محض المكث، فهنا يعمل الزّمان في الإنسان، دون أن يستطيع الإنسان أن يعمل فيه شيئًا، بل هو منفعلٌ ومتلّقٌ فقط.

 

ومن أمثلته: المريض الذي ينتظر الشفاء، فهو منتَظِرٌ انفعاليّ من جهة كون مرضه بحاجة إلى مدّة زمنية لا بدّ من استيفائها لينقضي. ولا ينفع الإكثار من الدواء في تسريع عملية الشفاء، بل قد يضرّ ذلك فيه. وكذا السجين فهو ينتظر الفَرَج قهرًا حتّى تنقضي مدّة محكوميّته.

 

2. الانتظار الفعليّ:

وهو الانتظار الذي يملك الإنسان أدوات التأثير فيه، ويفعل ما من شأنه أن يسرّع من عمليّة الوصول إلى المطلوب، فيكون انتظاره مصحوبًا بالفعل والتأثير، لا بالانفعال والتأثّر فحسب.

 

ومن أمثلته: انتظار الزّارع لخروج زرعه، فهو من ناحية اجتهاده في البذر والسقي والتسميد... إلى غيرها من العوامل التي يجب أن يوفّرها لأجل نبات الزرع، يكون منتظرًا فعليًّا، يفعل في مدّة الانتظار ما من شأنه أن يُسَرِّع في خروج المحصول


 


[1] راجع: الخباز، السيد منير، في رحاب الانتظار (محاضرة مكتوبة ومنشورة بتاريخ 6/7/2012م على موقع سماحته: (https://almoneer.org/?act=artc&id=1262)، تمّت زيارته بتاريخ: 6/5/2020م (بتصرّف).

 

121


91

الدرس التاسع أفضليّة انتظار الفَرَج في السنّة الشريفة

وبجودة ووفرة عالية. وكذا الطالب الذي ينتظر شهادة الماجستير مثلًا، فهو يصِلُ النهار بالليل ليتمّ رسالته في الوقت المطلوب وإلّا تأخّرت عليه شهادته.

 

النتيجة: من هذا التوضيح، يمكن أن نفهم بشكلٍ أوضح أنّ الانتظار الذي أُشير إليه في الروايات بعدّه تارةً من جنس العبادات، وأخرى من جنس الأعمال أو الجهاد، هو الانتظار الفعليّ العمليّ التأثيريّ، الفاعل لا المُنفعل.

 

الثمرة الثانية: الانتظار حاجة عامّة

عبّرت الروايات عن الانتظار بثلاثة تعبيرات أيضًا مختلفة من حيث المنسوب إليه فعل الانتظار، وهي من الأعمّ إلى الأخصّ: أفضل أعمال المرء، وأفضل أعمال أمّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأفضل أعمال المؤمن أو شيعتنا. ويُفهم من هذا، أنّ الانتظار ضرورة لجميع الفئات، ولعامّة البشر ولو من غير ملّة الإسلام، شرط أن يعتقد باللَّه طبعًا حتّى يصدق عليه انتظار الفَرَج منه - تعالى - - ولعلّ ذلك من باب عقلائيّتهم -، أم أمّة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، أم خصوص المؤمنين الشيعة.

 

فكلّ فئةٍ من هذه الفئات يقع الانتظار على رأس أعمالها الفضيلة، وتستفيد كلّ فئةٍ من بركات الانتظار بمقدار ما استفادت من العقائد الحقّة في تجلية مفهوم الانتظار. فانتظار مطلق المرء المعتقد به -تعالى- وإن كان يُبعدُ عنه شبحَ اليأس، إلّا أّنه ليس كانتظار المسلم الذي يساهم نبع القرآن والسنّة في دعم مفهوم الانتظار والتسليم لديه، وليس كانتظار المؤمن الشيعيّ الذي يضع نصب عينَيه أفضل مصداقٍ للانتظار، ويرتبط بأكثر أفراد هذا المفهوم بعثًا للأمل، ألا وهو الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

الثمرة الثالثة: لزوم دراسة الأفضليّة من زاويتين

لسان الأحاديث المتقدّمة، وإن كان عامًّا في جميعها، بحيث يتناسب مع الانتظار بالمعنى الأعمّ، إلّا أنّ بعضها جاء في سياق التطبيق لهذا العنوان العامّ على الانتظار

 

 

122

 


92

الدرس التاسع أفضليّة انتظار الفَرَج في السنّة الشريفة

بالمعنى الأخصّ. وعليه، ينبغي أن ندرس الأفضليّة من زاويتين، الأولى: أفضليّة الانتظار بالمعنى الأعمّ، والثانية: أفضليّة الانتظار بالمعنى الأخصّ. ولا يخفى أنّ كلّ ما يشكّل مزيّة للانتظار من الزاوية الأولى، فهو حتمًا مزيّة للانتظار من الزاوية الثانية، دون العكس.

 

الثمرة الرابعة: الأفضليّة بين الانتظار وغيره

بعض الروايات الآنفة ضمّت إلى الانتظار أعمالًا أخرى لتسبغ عليها صفة الأفضليّة في عرض الانتظار دون تمييز أو ترتيب، مثل أعمال: الصبر، والصمت، وما داوم عليه المؤمن. في حين أنّ بعضها جعل الانتظار في المرتبة الثانية من الأفضليّة، كرواية الإمام الكاظم  عليه السلام، حيث جعلت المعرفة مقدّمة على الانتظار في الأفضليّة.

 

وهذا النّوع من التعارض البدويّ يُلاحظ - أيضًا - بالمقارنة مع روايات أخرى جعلت أفضل العبادة أو الأعمال أو الجهاد على الإطلاق أمورًا أخرى[1]، منها:

- عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ فوق كلّ عبادة عبادة، وحبّنا أهل البيت أفضل عبادة"[2].

 

- عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أَفْضَلُ الأَعْمَالِ مَا أَكْرَهْتَ نَفْسَكَ عَلَيْه"[3].

 

- عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل الجهاد مَن أصبح لا يَهُمُّ بظلم أحد"[4].

 

فكيف يمكن حلّ هذا التعارض في روايات الأفضليّة؟


 


[1] راجع: الريشهري، الشيخ محمّد، ميزان الحكمة، تحقيق ونشر: دار الحديث، لا.م، لا.ت، ط1، ج3، ص1801 - 1802.

[2] البرقي، أحمد بن محمّد بن خالد، المحاسن، تصحيح وتعليق: السيد جلال الدين الحسيني، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1370ه.ق - 1330 ش، لا.ط، ج1، ص150. وراجع: الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص55، 79.

[3] الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، الحكمة 249، ص511. وراجع: الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص70.

[4] البرقي، المحاسن، مصدر سابق، ج1، ص292. وراجع: الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص60.

 

123


93

الدرس التاسع أفضليّة انتظار الفَرَج في السنّة الشريفة

معنى الأفضليّة في الروايات[1]

يمكن حلّ التعارض المذكور وفهم الأفضليّة من خلال التفريق بين نوعَين من الفضل:

- الفضل الذاتيّ: وهو الفضل الذي يتّصف به العمل أو الشيء بملاحظة ذاته وماهيّته.

- الفضل العمليّ: وهو الفضل الذي يتّصف به العمل بملاحظة آثاره ومُخرجاته.

 

وتوضيحه:

إنّ الروايات حين تعبّر مثلًا بأنّ الإنسان أفضل من الملائكة[2]، أو أنّ إصلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام[3]، فليس مقصودها - جزمًا - أن ذات الإنسان المشوبة بالميول والأهواء أفضل من ذات الملاك المصفّاة من الرذائل، وليس مقصودها أنّ إصلاح ذات البين نفسه أفضل من عامّة الصلاة والصيام مع كونهما ممّا بُني عليه الدين، بل المقصود أنّ الإنسان من ناحية دوره العمليّ في تمكين دين اللَّه في الأرض، الذي هو غاية بعثة الأنبياء والرّسل وإنزال الكتب، أفضل من أعمال وعبادات الملائكة، وأنّ إصلاح ذات البين من ناحية أثره العمليّ في خلق الوئام والصّفاء في المجتمع، والذي يساهم في توفير الأرضية المناسبة للعبادة، هو أفضل من الصلاة والصيام الفرديّ مع وجود الخلل الاجتماعيّ.


 


[1] راجع: السيد منير الخباز، في رحاب الانتظار، مصدر سابق (بتصرّف).

[2] عن أمير المؤمنين عليه السلام: "إنّ اللَّه (عزّ وجلّ) ركّب في الملائكة عقلًا بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوة بلا عقل. وركّب في بني آدم كليهما، فمَن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومَن غلبت شهوته عقله فهو شرّ من البهائم"، الصدوق، الشيخ محمّد بن علي بن بابويه، علل الشرائع، تقديم: السيد محمّد صادق بحر العلوم، المكتبة الحيدرية، العراق - النجف الأشرف، 1385هـ.ق - 1966م، لا.ط، ج1، ص4.

[3] عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام"، الصدوق، الشيخ محمّد بن علي بن بابويه، ثواب الأعمال، تقديم: السيد محمّد مهدي السيد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضي، إيران - قم المشرّفة، 1368هـ.ش، ط2، ص148.

 

124


94

الدرس التاسع أفضليّة انتظار الفَرَج في السنّة الشريفة

وهكذا روايات الأفضليّة المتقدّمة تشير إلى الفضل العمليّ للأمور، لا إلى الفضل الذاتيّ[1].

 

الفضل العمليّ للانتظار بالمعنى الأعمّ

يكفي أن نتصوّر غياب معنى الانتظار، وسيطرة مقابلاته من الاستعجال، واليأس، وتحكيم الأهواء، والانقلاب على العَقِب على حياة المؤمنين حتّى نعلم مدى الفضل العمليّ للانتظار. فمع غياب مفهوم الانتظار بالمعنى الأعمّ، تتفاعل مقابلاته فيما بينها، لتوصل الإنسان إلى مهاوي الشكّ واليأس الموجبة للكفر. فالذي ينتظر الفَرَج باستجابة دعائه أو تيسّر زواجه أو رزقه الذريّة أو نجاحه في الامتحان... لو ابتلي بإحدى هذه الآفات ولم يكن انتظاره حقيقيًّا وفعّالًا، فإنه سيدمّر آماله وطموحاته كلّها، وستتوقّف مسيرته التكاملية، هذا إن لم تتدحرج إلى أسفل سافلين، بسبب وصوله إلى مرحلة الشكّ فيه -تعالى-، وفي قدرته على تفريج كربه، ومع وصوله إلى هذه المرحلة سيعيش الفراغ والعدميّة، ولن يأبه بعدها بأي واجبٍ عباديّ أو أخلاقيّ.

 

من هنا، كان الحفاظ على حالة الانتظار الحقيقيّ، المتضمّن للتأنّي والتسليم والصبر والأمل والثّبات وسط ما يكابده الإنسان في هذه الدنيا من ابتلاءات وتأخيرٍ في نيل المطلوب ممّا هو ضروريّ لتكامله وإخراج استعداداته، أمرًا يفوق في ثمرته العملية ثمرة الأعمال والعبادات والمجاهدات، فلولا الانتظار لما اندفع الإنسان إلى فعل أيٍّ منها. والذي لا يتمتّع بهذا الانتظار بمعناه الأعمّ، سيقطع الطريق على نفسه ليكون من المنتظِرِين بالمعنى الأخصّ.


 


[1] ويمكن تفسير الأفضلية المتباينة بين الروايات بأنّها ترجع إلى اختلاف حال السائل والمتلقّي أو وجه السؤال، بمعنى أنّ المعصوم كان يفضّل للسائل أو المتلقّي ما يناسب حاله من الكمال أو الظرف الذي يريد أن يتكامل فيه. ويؤيّده: ورود التطبيق للانتظار على المعنى الأخصّ في كثيرٍ من الروايات بعد أن يكون السؤال عن الوظيفة في زمن الغَيْبَة، إلّا أنّ هذا الوجه يحتاج إثباته إلى دراسة أوسع وتحقيق شامل للروايات لا يسعه المقام، وصعوبة إثباته غير خفيّة، لفقد كثير من القرائن الحاليّة.

 

 

125


95

الدرس التاسع أفضليّة انتظار الفَرَج في السنّة الشريفة

الفضل العمليّ للانتظار بالمعنى الأخصّ

يمكن بيان أفضليّة الانتظار بمعناه الأخصّ بالتقريب نفسه المتقدّم في بيان وجه أفضلية الانتظار بالمعنى الأعمّ مع مزيّة خاصّة هنا، يمكن تقسيمها إلى شقّين:

الشقِّ الأوّل: شرافة متعلّق الانتظار بالمعنى الأخصّ

يتميّز الانتظار هنا بكون متعلّقه ليس مالًا أو ولدًا أو زوجةً أو جاهًا... بل هو ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، الذي يُعدّ أشرف المخلوقات، وقيام دولة العدل الإلهيّ على يدَيه، والتي هي غاية الاجتماع الإنسانيّ، والحافظة لحكمة وجوده، وحلم الأنبياء والأوصياء عليهم السلام على مدى التاريخ.

 

من هنا، تبرز أهمّيّة هذا الانتظار وخطورته، وضرورة وجود طليعة واعية منتظرة لهذا الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف قبل ظهوره، وناصرةٍ له حين قيامه، حتى عبّرت بعض الروايات بما لازمه أنّه لولا وجود مثل هؤلاء المنتَظِرِين لبطلت حكمة الخلق، فعن الإمام الصادق  عليه السلام: "أقرب ما يكون العباد من اللَّه -عزّ وجلّ-، وأرضى ما يكون عنهم، إذا افتقدوا حجة اللَّه -عزّ وجلّ-، فلم يظهر لهم، ولم يعلموا بمكانه، وهم في ذلك يعلمون أنّه لم تبطل حُجَج اللَّه عنهم وبيّناته، فعندها توقعوا الفَرَج صباحًا ومساءًا. وإنَّ أشدّ ما يكون غضب اللَّه -تعالى- على أعدائه إذا افتقدوا حجّة اللَّه فلم يظهر لهم، وقد علم أنّ أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنّهم يرتابون لما غيّب حجّته طرفة عين"[1].

 

فانظر إلى قول الإمام عليه السلام إنّ تلك الطليعة هي أقرب الناس، وأرضاها إلى اللَّه -عزّ وجلّ-، وذلك بتعلّقها بإمامها ومشروعه، وانتظارها له، وعدم ارتيابها به، فهذا بيانٌ لأفضليّة الانتظار على سائر أعمالهم. ثمّ بيّن  عليه السلام ضرورة انتظار هذه العصابة، وذلك بأنّها لو ارتابت لما حجب اللَّه وليّه، ولكنّ اللَّه قد حجب وليّه فعلًا، فلا بدّ من


 


[1] علي ابن بابويه القمي، الإمامة والتبصرة، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف - قم المشرّفة، 1404هـ.ق - 1363هـ.ش، ط1، ص123، الشيخ الطوسي، الغَيْبَة، مصدر سابق، ج1، ص333.

 

126


96

الدرس التاسع أفضليّة انتظار الفَرَج في السنّة الشريفة

الفضل العمليّ للانتظار بالمعنى الأخصّ

يمكن بيان أفضليّة الانتظار بمعناه الأخصّ بالتقريب نفسه المتقدّم في بيان وجه أفضلية الانتظار بالمعنى الأعمّ مع مزيّة خاصّة هنا، يمكن تقسيمها إلى شقّين:

الشقِّ الأوّل: شرافة متعلّق الانتظار بالمعنى الأخصّ

يتميّز الانتظار هنا بكون متعلّقه ليس مالًا أو ولدًا أو زوجةً أو جاهًا... بل هو ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، الذي يُعدّ أشرف المخلوقات، وقيام دولة العدل الإلهيّ على يدَيه، والتي هي غاية الاجتماع الإنسانيّ، والحافظة لحكمة وجوده، وحلم الأنبياء والأوصياء عليهم السلام على مدى التاريخ.

 

من هنا، تبرز أهمّيّة هذا الانتظار وخطورته، وضرورة وجود طليعة واعية منتظرة لهذا الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف قبل ظهوره، وناصرةٍ له حين قيامه، حتى عبّرت بعض الروايات بما لازمه أنّه لولا وجود مثل هؤلاء المنتَظِرِين لبطلت حكمة الخلق، فعن الإمام الصادق  عليه السلام: "أقرب ما يكون العباد من اللَّه -عزّ وجلّ-، وأرضى ما يكون عنهم، إذا افتقدوا حجة اللَّه -عزّ وجلّ-، فلم يظهر لهم، ولم يعلموا بمكانه، وهم في ذلك يعلمون أنّه لم تبطل حُجَج اللَّه عنهم وبيّناته، فعندها توقعوا الفَرَج صباحًا ومساءًا. وإنَّ أشدّ ما يكون غضب اللَّه -تعالى- على أعدائه إذا افتقدوا حجّة اللَّه فلم يظهر لهم، وقد علم أنّ أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنّهم يرتابون لما غيّب حجّته طرفة عين"[1].

 

فانظر إلى قول الإمام عليه السلام إنّ تلك الطليعة هي أقرب الناس، وأرضاها إلى اللَّه -عزّ وجلّ-، وذلك بتعلّقها بإمامها ومشروعه، وانتظارها له، وعدم ارتيابها به، فهذا بيانٌ لأفضليّة الانتظار على سائر أعمالهم. ثمّ بيّن  عليه السلام ضرورة انتظار هذه العصابة، وذلك بأنّها لو ارتابت لما حجب اللَّه وليّه، ولكنّ اللَّه قد حجب وليّه فعلًا، فلا بدّ من


 


[1] علي ابن بابويه القمي، الإمامة والتبصرة، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف - قم المشرّفة، 1404هـ.ق - 1363هـ.ش، ط1، ص123، الشيخ الطوسي، الغَيْبَة، مصدر سابق، ج1، ص333.

 

126


97

الدرس التاسع أفضليّة انتظار الفَرَج في السنّة الشريفة

أن يكون هناك عصابة منتظرة لا ترتاب إلى أن يظهر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وإلّا بطلت الحكمة من غَيْبَته عجل الله تعالى فرجه الشريف، وذهبت آمال الأولياء أدراج الرياح، وانتفت الحكمة من إرسال الرّسل وإنزال الكتب.

 

الشقّ الثاني: الانتظار بالمعنى الأخصّ هو تجسيد للولاية[1]

يتميّز مفهوم انتظار الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف بأنّه التجسيد العمليّ لمبدأ الولاية في زمن الغَيْبَة، باعتبار أنّ الرابط الذي كانت تتجسّد فيه الولاية الحقيقيّة في زمن الحضور هو رابط الطاعة للأئمّة عليهم السلام، وأمّا في زمن الغَيْبَة فذلك الرابط هو رابط الانتظار.

 

ومن المعلوم، أنّ الولاية هي شرط قَبول الأعمال والعبادات، وهي أفضل ما نُودي به من أركان الدين، فعن الإمام الباقر  عليه السلام: "بُني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يُنادَ بشيءٍ كما نُودي بالولاية"[2]. فإذا اتضّح حال الولاية ومقامها، اتضّح حال ما يمثّلها في زمن الغَيْبَة، وهو الانتظار.


 


[1] راجع: مرتضى العاملي، السيد جعفر، مختصر مفيد، المركز الإسلامي للدراسات، لبنان - بيروت، 1423هـ.ق - 2002م، ط1، ج5، ص131.

[2] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص18.

 

127


98

الدرس التاسع أفضليّة انتظار الفَرَج في السنّة الشريفة

الدرس العاشر

أبعادٌ هامّةٌ للانتظار في السنة الشريفة

(الصبر - انتظار الفَرَج من الفَرَج - مجيء الفَرَج على اليأس)

 

 

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يبيّن علاقة الصبر بالانتظار والفرق بينهما.

2. يبيّن ضرورة فهم معنى كون انتظار الفرج من الفرج.

3. يشرح مفهوم اليأس من ضلال أحد من المهتدين واهتداء أحد من الضالين.

 

 

129

 


99

الدرس العاشر أبعادٌ هامّةٌ للانتظار في السنة الشريفة (الصبر - انتظار الفَرَج من الفَرَج - مجيء الفَرَج على اليأس)

تمهيد

نستكمل في هذا الدرس عرض الألسنة الأخرى من الروايات الشريفة، التي توضّح أبعاد الانتظار الأخرى غير ما تقدّم من لسان الأفضليّة ومداليله، من أجل تتميم رؤية شاملة لمفهوم الانتظار، بالاستناد إلى الأحاديث الشريفة.

 

ومن خلال تجميع الروايات التي تعرّضت في متنها لموضوع انتظار الفَرَج، وتصنيفها، يمكن تقسيمها إلى مجموعتين:

- المجموعة الأولى: الروايات التي تبيّن أمورًا تدخل في عداد واجبات المنتظرين. وسيأتي الحديث عنها في الدروس الأخيرة، بعد أن يتضّح مفهوم الانتظار أوّلًا، من خلال جمع إفادات القرآن والسنّة والعقل.

 

- المجموعة الثانية: الروايات التي تبيّن أمورًا تدخل في تكوين مفهوم الانتظار الصحيح، وبلورة حدوده. وهي التي نريد أن نتحدّث عنها في هذا الدرس، من خلال عرض ألسنتها أوّلًا، ثمّ استخلاص النتائج والدروس منها ثانيًا. ويمكن تقسيم روايات هذه المجموعة من حيث ما تفيده من مفاهيم إلى ثلاثة عناوين رئيسة:

- العنوان الأوّل: الصبر وعلاقته بالانتظار.

- العنوان الثاني: كونُ انتظار الفَرَج من الفَرَج.

- العنوان الثالث: مجيء الفَرَج على اليأس.

 

131

 


100

الدرس التاسع أفضليّة انتظار الفَرَج في السنّة الشريفة

العنوان الأوّل: الصبر وعلاقته بالانتظار

أوّلًا: ألسنة الروايات

1. أفضليّة الصبر والانتظار:

- عن أمير المؤمنين  عليه السلام: "أفضل العبادة الصبر، والصمت، وانتظار الفَرَج"[1].

- وعنه عليه السلام: "أفضل العبادة شيئان: الصبر وانتظار الفَرَج"[2].

 

2. عطف الصبر على الانتظار:

- ما رُوي من جواب الإمام الرضا عليه السلام عن سؤال أحدهم في التوقيت، قال عليه السلام: "ما أحسن الصبر وانتظار الفَرَج! أما سمعت قول العبد الصالح: ﴿وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ﴾، ﴿فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ﴾، فعليكم بالصبر، فإنّه إنّما يجيء الفَرَج على اليأس، وقد كان الذين من قبلكم أصبرَ منكم"[3].

 

- توقيع الإمام العسكريّ عليه السلام، الذي خرج إلى الصدوق الأول (رض): "عليك بالصبر وانتظار الفَرَج، قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: أفضل اعمال أمتي انتظار الفَرَج. ولا يزال شيعتنا في حزن حتّى يظهر ولدي الذي بشر به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا، فاصبر يا شيخي، يا أبا الحسن عليّ، وأمر جميع شيعتي بالصبر..."[4].

 

وهاتان الروايتان كما يمكن عدّهما من المجموعة الأولى، من جهة تبيين وظيفة من وظائف المنتَظِرِين والأمر بها صريحًا، يمكن عدّها من المجموعة الثانية، من جهة شدّة الرّبط بين الصبر والانتظار، بل وتفسير الانتظار في القرآن ورواية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالصبر كلًّا أو جزءًا.


 


[1] ابن شعبة الحراني، تحف العقول، مصدر سابق، ص201، الشيخ المفيد، الإرشاد، مصدر سابق، ج1، ص302.

[2] أبو الفتح الكراجكي، معدن الجواهر، مصدر سابق، ص26.

[3] الحميري القمي، قرب الإسناد، مصدر سابق، ص380 - 381، الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص645.

[4] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، مصدر سابق، ج3، ص527.

 

 

132


101

الدرس العاشر أبعادٌ هامّةٌ للانتظار في السنة الشريفة (الصبر - انتظار الفَرَج من الفَرَج - مجيء الفَرَج على اليأس)

3. انتظار الفَرَج بالصبر:

- روُي بطرق عديدة عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "انتظار الفَرَج بالصبر عبادة"[1].

 

- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "بالصبر يُتَوَقَّع الفَرَج"[2].

 

- عن الإمام الصادق عليه السلام في صفة الأئمّة الواجب طاعتهم في حديث طويل: "... ودينهم الورع والعفّة... وانتظار الفَرَج بالصبر..."[3].

 

ثانيًا: الدروس المستفادة

1. أهمّيّة الصبر وفضله:

إنّ الحديث عن أهمّيّة الصبر يحتاج إلى دروس عدّة، لكن نشير باختصار إلى أهمّيّة الصبر من خلال بعض الأحاديث الشريفة، مثل: ما عن أمير المؤمنين  عليه السلام: "الصبر في الأمور بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد، وإذا فارق الصبر الأمور فسدت الأمور"[4]. فلاحظ كيف أنّ الصبر شرط نجاح مطلقِ أمر لا فقط الأمور العباديّة والجهاديّة كالانتظار.

 

بل ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلمأنّه سُئِل عن الإيمان، فأجاب بكلمة واحدة: "الصبر"[5]. وورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم - أيضًا - ما يدلّ على أنّ الصبر من أفضل الأعمال، فعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "مِنْ أقلِّ ما أوتيتم: اليقين وعزيمة الصبر، ومَن أعطي حظه منهما لم يبالِ ما فاته من قيام

 

133


[1]  التستري، سهل بن عبد اللَّه، تفسير التستري، منشورات محمّد علي بيضون - دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1423ه.ق، ط1، ص83، الراوندي، قطب الدين سعيد بن هبة اللَّه، الدعوات (سلوة الحزين)، مدرسة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، إيران - قم المشرّفة، 1407هـ.ق، ط1، ص41، القضاعي، مسند الشهاب، مصدر سابق، ج1، ص62 - 63، البيهقي، أحمد بن الحسين، شعب الإيمان، تحقيق: محمّد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1410هـ.ق - 1990م، ط1، ج7، ص204.

[2] أبو الفتح الكراجكي، كنز الفوائد، مصدر سابق، ص58.

[3] الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص479، الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا عليه السلام، مصدر سابق، ج1، ص59.

[4] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص70.

[5] الشهيد الثاني، الشيخ زين الدين العاملي، مسكن الفؤاد، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت  عليهم السلام لإحياء التراث، إيران - قم المشرّفة، ذي الحجّة 1407هـ.ق، ط1، ص47.


102

الدرس العاشر أبعادٌ هامّةٌ للانتظار في السنة الشريفة (الصبر - انتظار الفَرَج من الفَرَج - مجيء الفَرَج على اليأس)

الليل وصيام النهار، ولئن تصبروا على مثل ما أنتم عليه أحبّ إليَّ من أن يوافيني كلّ امرئ منكم بمثل عمل جميعكم"[1].

 

2. العلاقة بين الصبر والانتظار:

إذا كان الانتظار عملًا يتقوّم بطول المدّة، والاحتفاف بالمكاره، والاجتهاد في التنظّر والترقّب، والثبات على العقيدة... وغيرها من الصعوبات العجيبة، فلا بدّ للمنتظر من أن يتحلّى بالصبر ليتجاوز هذه الصعوبات. يقول الراغب الأصفهانيّ: "ويعبّر عن الانتظار بالصبر لما كان حقّ الانتظار أن لا ينفكّ عن الصبر، بل هو نوع من الصبر"[2].

 

ومن جهة أخرى، إذا كان الصبر ينقسم إلى 3 أقسام كما يستفاد من بعض الروايات الشريفة[3]، وهي: الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية، والصبر عند المصيبة، فإنّ الانتظار بوصفه طاعةً - بل من أفضل الطاعات - بأمسّ الحاجة إلى الصبر. إذًا، علاقة الانتظار بالصبر علاقة الشيء بواحدٍ من أهمّ الأدوات المعينة عليه والمحققّة له، ويمكن فهم ذلك صريحًا من لسان الروايات الآمرة بانتظار الفَرَج بالصبر، فالباء هنا باء الاستعانة الداخلة على آلة الفعل.

 

3. فرقُ الانتظار عن الصبر:

من الواضح، أنّ الصبر والانتظار ليسا شيئًا واحدًا، بل شيئين كما صرّحت الرواية المتقدّمة: "أفضل العبادة شيئان". وعليه، يحسن توضيح الفرق بينهما، وإن كانا شديدَي الارتباط مصداقًا. ومع أنّ كليهما يتضمّن معاني الاجتهاد والمجاهدة والتحمّل وعدم التراجع أو التبدّل، إلّا أنّهما يفترقان بأنّ الصبر تحمّلٌ مطلق من حيث المدّة، فيحتاج إليه المنتَظِر في حالاته كلّها، حتّى فيما بعد الفَرَج، وأمّا الانتظار فهو تحمّلٌ


 


[1]  الغزالي، أبو حامد محمّد بن محمّد، إحياء علوم الدين، دار الكتاب العربي، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج12، ص33، الشهيد الثاني، مسكن الفؤاد، مصدر سابق، ص47.

[2] الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن الكريم، مصدر سابق، ص474.

[3] الشيخ الريشهري، ميزان الحكمة، مصدر سابق، ج2، ص1561 - 1562.

 

134


103

الدرس العاشر أبعادٌ هامّةٌ للانتظار في السنة الشريفة (الصبر - انتظار الفَرَج من الفَرَج - مجيء الفَرَج على اليأس)

محدودٌ انتهاءً بمجيء الفَرَج.

 

ويمكن أن يفهم من كلمة العارف التستريّ (ت283هـ.ق) في تفسيره، حيث سُئِلَ عن أَجَل الصبر (أي منتهاه)، فأجاب: "أَجَلُه انتظار الفَرَج من الحقّ"[1]، أنّ للصّبر دورًا مرحليًّا سابقًا على الانتظار، ولكنّ الجمع بينه وبين الروايات السابقة، يفضي إلى إمكان القول إنّ دور الصبر يتركّز في المرحلة السابقة على بدء مرحلة الانتظار، وهي مرحلة تلقّي الصّدمة أو المصيبة التي تحتاج إلى مستوى عالٍ من الصبر، وتفهّم الأمور، وعدم الجزع والإحباط، وبعد تلقّي الصدمة واستيعابها يمكن الشروع بمرحلة انتظار الفَرَج، التي يضاف فيها إلى الصبر عامل انتظار الفَرَج الموعود.

 

انتظار الفَرَج من الفَرَج

أوّلًا: ألسنة الروايات

1. عن الحسن بن الجهم قال: "سألت أبا الحسن (الرضا)  عليه السلام عن شيء من الفَرَج. فقال: أولست تعلم أنّ انتظار الفَرَج من الفَرَج؟! قلت: لا أدري إلّا أن تعلّمني. فقال  عليه السلام: نعم، انتظار الفَرَج من الفَرَج"[2].

 

2. عن محمّد بن الفُضَيل عن أبي الحسن الرضا  عليه السلام قال: "سألته عن شيء في الفَرَج، فقال: أوليس تعلم أنّ انتظار الفَرَج من الفَرَج؟! إنّ اللَّه يقول: ﴿فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ﴾"[3].

 

3. عن الإمام زين العابدين: "انتظار الفَرَج من أعظم الفَرَج"[4].

 

4. "عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللَّه  عليه السلام: جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَتَى الفَرَج؟ فَقَالَ: يَا


 


[1] التستري، تفسير التستري، مصدر سابق، ص204.

[2] الشيخ الطوسي، الغَيْبَة، مصدر سابق، ص459.

[3] العياشي، تفسير العياشي، مصدر سابق، ج2، ص138.

[4] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص320.

 

135


104

الدرس العاشر أبعادٌ هامّةٌ للانتظار في السنة الشريفة (الصبر - انتظار الفَرَج من الفَرَج - مجيء الفَرَج على اليأس)

أَبَا بَصِيرٍ، وأَنْتَ مِمَّنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا، مَنْ عَرَفَ هَذَا الأَمْرَ فَقَدْ فُرِّجَ عَنْه لِانْتِظَارِه"[1].

 

ثانيًا: الدروس المستفادة

1. ضرورة وضوح هذا الأمر عند المنتظر:

ونعني به أنّ كون انتظار الفَرَج من الفَرَج هو من الأمور التي ينبغي أن تكون معروفة عند المنتَظِر، ويستكشف ذلك من تعجّب الإمام الرضا عليه السلام من أصحابه الذين يجهلون هذه الحقيقة. وسيتضّح من تبيان معناه كيف أنّ وضوح هذا الأمر لدى المنتَظِر أساسٌ لثباته على عقيدة الانتظار.

 

2. معنى كون انتظار الفَرَج من الفَرَج:

المعنى الأوّل: معيّة اللَّه وحججه للمنتَظِرِين: وهو ما يظهر من استشهاد الإمام الرضا عليه السلام بقوله تعالى: ﴿فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ﴾، على أنّ انتظار الفَرَج من الفَرَج، أي أنّ المنتَظِر يكفيه أن يعلم أنّه ليس وحده في ساحة الانتظار، حتّى يحصل له الفَرَج والاطمئنان، فكيف إذا علم أنّ أعظم قوى الوجود معه في ساحة الانتظار! ولذلك لقّن اللَّه أنبياءه وحججه في آخر ساعات الحسم، كما مرّ معنا في البحث القرآنيّ، أن يعلنوا أنّهم من المنتَظِرِين أيضًا. فلئن كنت مشتاقًا - أيّها المنتَظِر - إلى ذلك اليوم، ولا تستطيع صبرًا على انتظاره، فاعلم أنّ حجج اللَّه ومن ورائهم يد القدرة الإلهيّة العظيمة، أشدّ شوقًا منك، وما تلحظه من تأخير ليس حتمًا لضعف في الفاعل، بل لضعفٍ في القابل.

 

المعنى الثاني: الفَرَج الأخروي: وهو ما يستفاد من رواية أبي بصير عن الإمام الصادق  عليه السلام حين سأله عن التوقيت، ويظهر من سؤاله أنّه كان طلبًا للفَرَج الدنيويّ، أي يطلب قيام دولتهم للأمن والراحة والنعيم في الدنيا، فأجابه الإمام  عليه السلام "بأن لا يكن كلُّ همّك هذا النوعَ من الفَرَج، ولفته إلى نوعٍ آخر من الفَرَج، وهو الفَرَج


 


[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص371.

 

136

 

 


105

الدرس العاشر أبعادٌ هامّةٌ للانتظار في السنة الشريفة (الصبر - انتظار الفَرَج من الفَرَج - مجيء الفَرَج على اليأس)

الأخرويّ برضا اللَّه وثوابه الذي يستوجبه الانتظار مع معرفة حقيقته وسُنَنِيَّتِه"[1]. وكما تقدّم، أنّ انتظار الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في غَيْبَته هو أفضل العبادات، وهو تجسيد الولاية التي عليها مدار قَبول الأعمال.

 

المعنى الثالث: الانتظار الحقّ ختام مرحلة الصّراع: وهو ما يستفاد مجموع ألسنة الروايات المتقدّمة، مضافًا إلى البحث السننيّ المتقدّم المستفاد من القرآن والروايات، والقاضي بأنّ الانتظار هو المرحلة الأخيرة التي يجب استكمالها من مراحل الصّراع مع خطّ الباطل حتى تتوفّر ظروف الفَرَج، بما تتضمّنه هذه المرحلة من تمحيص وغربلة للمؤمنين، وإمهال واستدراج للظالمين، حتى يكون الفَرَج تامًّا صافيًا لا تشوبه شائبة. وفي هذه المرحلة، يُمتحن المؤمنون بشتّى أنواع الامتحانات، ليتبيّن الثابت منهم على انتظاره من المتزلزل فيه، فلو أنّه في كلّ جولة امتحانيّة ظهر مَن لم يثبت على الانتظار لاحتاج الأمر إلى امتحانٍ آخر تتأكّد فيه السماء من صفاء الثلّة الباقية وثباتها، لكي لا يُخذَل القائم عليه السلام من قبلهم، لكن لو أنّ الفرقة التي هي محطّ الاختبار ثبتت بأجمعها على الانتظار، ولم يظهر فيها منهزمٌ أو ضعيف إرادة، لتعجّل الفَرَج، فهذا معنى أن انتظار الفَرَج من الفَرَج.

 

ويمكن فهم ذلك بالتأمّل في قصّة انتظار نبيّ اللَّه نوح عليه السلام وأصحابه للفرج، فعن الإمام الصادق عليه السلام في حديث يسرد فيه شبه المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف بالأنبياء عليهم السلام، يقول: "وأما إبطاء نوح  عليه السلام، فإنّه لمّا استنزل العقوبة على قومه من السماء، بعث اللَّه - عزّ وجلّ - جبرئيل الروح الأمين بسبع نويات، فقال: يا نبيّ اللَّه، إنّ اللَّه - تبارك وتعالى - يقول لك: إنّ هؤلاء خلائقي وعبادي ولست أبيدهم بصاعقة من صواعقي، إلّا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجّة، فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك، فإنّي مثيبك


 


[1] راجع: الفيض الكاشاني، المولى محمّد محسن، الوافي، تحقيق: ضياء الدين الحسيني الأصفهاني، مكتبة الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام العامة، إيران - أصفهان، 1406هـ.ق، ط1، ج2، ص437، المازندراني، المولى محمّد صالح بن أحمد، شرح أصول الكافي، ضبط وتصحيح: السيد علي عاشور، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1421هـ.ق - 2000م، ط1، ج6، ص343.

 

137


106

الدرس العاشر أبعادٌ هامّةٌ للانتظار في السنة الشريفة (الصبر - انتظار الفَرَج من الفَرَج - مجيء الفَرَج على اليأس)

فلمّا نبتت الأشجار، وتأزّرت، وتسوقت، وتغصنت، وأثمرت، وزها الثمر عليها بعد زمن طويل، استنجز من اللَّه -سبحانه وتعالى - العِدَة، فأمره اللَّه - تبارك وتعالى - أن يغرس من نوى تلك الأشجار، ويعاود الصبر والاجتهاد، ويؤكّد الحجّة على قومه، فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به، فارتدّ منهم ثلاث مائة رجل، وقالوا: لو كان ما يدّعيه نوح حقًا لما وقع في وعد ربّه خُلف.

 

ثمّ إنّ اللَّه - تبارك وتعالى - لم يزل يأمره عند كلّ مرّة أن يغرسها تارةً بعد أخرى إلى أن غرسها سبع مرّات، فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتدّ منهم طائفة، إلى أن عاد إلى نيّف وسبعين رجلًا، فأوحى اللَّه - عزّ وجلّ - عند ذلك إليه، وقال: يا نوح، الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك، حين صرح الحقّ عن محضه وصفا (الأمر للإيمان) من الكدر بارتداد كلّ مَن كانت طينته خبيثة.

 

فلو أنّي أهلكت الكفّار وأبقيت مَن قد ارتدّ من الطوائف التي كانت آمنت بك، لما كنت صَدَقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومك، واعتصموا بحبل نبوّتك، بأن أستخلفهم في الأرض، وأُمكّن لهم دينهم، وأبدل خوفهم بالأمن، لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشكّ من قلوبهم.

 

وكيف يكون الاستخلاف، والتمكين، وبَدْلُ الخوف بالأمن منّي لهم، مع ما كنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدّوا، وخُبث طينتهم، وسوء سرائرهم التي كانت نتائج النفاق وسنوح الضلالة، فلو أنّهم تسنّموا (منّي) من الملك الذي أوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذا أهلكت أعداءهم، لنشقوا روائح صفاته، ولاستحكمت سرائر نفاقهم، وتأبّدت حبال ضلالة قلوبهم، وكاشفوا إخوانهم بالعداوة، وحاربوهم على طلب الرئاسة، والتفرّد بالأمر والنهي، وكيف يكون التمكين في الدين، وانتشار الأمر في المؤمنين، مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب؟! كلّا: ﴿وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا وَوَحۡيِنَا﴾.

 

138


107

الدرس العاشر أبعادٌ هامّةٌ للانتظار في السنة الشريفة (الصبر - انتظار الفَرَج من الفَرَج - مجيء الفَرَج على اليأس)

قال الإمام الصادق  عليه السلام: "وكذلك القائم  عليه السلام، تمتدّ أيّام غَيْبَته ليصرح الحقّ عن محضه، ويصفو الإيمان من الكدر، بارتداد كلّ مَن كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يُخشى عليهم النفاق، إذا أحسّوا بالاستخلاف والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم  عليه السلام"[1].

 

مجيء الفَرَج على اليأس

أوّلًا: ألسنة الروايات

1. عن الإمام الصادق عليه السلام: "إِنَّ هَذَا الأَمْرَ لَا يَأْتِيكُمْ إِلَّا بَعْدَ إِيَاسٍ، ولَا واللَّه حَتَّى تُمَيَّزُوا، ولَا واللَّه حَتَّى تُمَحَّصُوا، ولَا واللَّه حَتَّى يَشْقَى مَنْ يَشْقَى ويَسْعَدَ مَنْ يَسْعَدُ"[2]. وعنه عليه السلام أيضًا: "لَا واللَّه، مَا يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ إِلَيْه أَعْيُنَكُمْ إِلَّا بَعْدَ إِيَاسٍ، لَا واللَّه، لَا يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ إِلَيْه أَعْيُنَكُمْ حَتَّى يَشْقَى مَنْ يَشْقَى ويَسْعَدَ مَنْ يَسْعَدُ"[3].

 

2. في رواية تقدّمت عن الإمام الرضا  عليه السلام: "فعليكم بالصبر، فإنّه إنّما يجيء الفَرَج على اليأس"[4].

 

ثانيًا: الدروس المستفادة

1. اليأس المُراد:

حتمًا لا يُراد من اليأس - هنا - ذلك المعنى المذموم المرتكز في الأذهان، لبداهة كون ذلك خُلفَ الانتظار المطلوب، الذي ينبغي أن يظلّ المؤمنون ثابتين حتّى لحظة


 


[1]  الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص355، الشيخ الطوسي، الغَيْبَة، مصدر سابق، ص170 - 171.

[2] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص370.

[3] المصدر نفسه، ص371.

[4] الحميري القمي، قرب الإسناد، مصدر سابق، ص381، الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص645.

 

139


108

الدرس العاشر أبعادٌ هامّةٌ للانتظار في السنة الشريفة (الصبر - انتظار الفَرَج من الفَرَج - مجيء الفَرَج على اليأس)

الفَرَج، وللعطف بما يشبه تفسير الإياس في الرواية، على أنّ غايته شقاء مَن يشقى وسعادة مَن يسعد. وإنّما المُراد ذلك المعنى الذي تقدّم في البحث القرآنيّ، ولنعبّر عنه بأنّه اليأس من استفادة أحدٍ من الهدايات الإلهيّة سلبًا أو إيجابًا، أو انسداد باب احتمال ضلال مَن آمن، واهتداء مَن ضلّ، وذلك من خلال استنفاد السماء لوسائل الهداية، وأساليب اللطف، والسّنن المناسبة لكلٍّ من الفرقة المؤمنة والمستضعفة والفرقة الظالمة والمستكبرة. ويمكن تقسيم اليأس الذي هو منتهى الانتظار إلى قسمين:

- القسم الأوّل: اليأس من ضلال أحدٍ من المهتدين

وهو ما أشير إليه في الرواية بـ (حتّى يسعد مَن يسعد)، ويشير إليه القرآن في خطابه لنوح  عليه السلام: ﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ﴾[1]. وهذا النّوع من اليأس، لا يتمّ   بعد جريان سنن التمحيص والابتلاء والاختبار والصّقل على الثلّة المؤمنة حتّى تكون جديرة بحمل لواء الخلاص للبشريّة، ولا تكون سلطة مكرّرة كغيرها من السلطات الظالمة التي حكمت تاريخ البشر.

 

- القسم الثاني: اليأس من اهتداء أحد من الضالّين

وهو ما أشير إليه في الرواية بـ(حتّى يشقى مَن يشقى). وفيما مرّ في البحث القرآنيّ في تفسير قوله -تعالى-: ﴿حَتَّىٰٓ إِذَا ٱسۡتَيۡ‍َٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمۡ قَدۡ كُذِبُواْ جَآءَهُمۡ نَصۡرُنَا﴾[2]، أي استيأس الرّسل من هداية أقوامهم، وظنّ أقوامهم أنّهم قد كُذبوا، ويظهر من دعاء نوحٍ  عليه السلام على قومه في القرآن أيضًا[3].

 


[1] سورة هود، الآيتان 36 - 37.

[2] سورة يوسف، الآية 110.

[3] راجع: سورة نوح، الآيتان 26 - 27.

 

140


109

الدرس العاشر أبعادٌ هامّةٌ للانتظار في السنة الشريفة (الصبر - انتظار الفَرَج من الفَرَج - مجيء الفَرَج على اليأس)

وهذا النّوع من اليأس إنّما يتمّ بعد جريان سنن الإمهال، والإملاء، والاستدراج، وشتّى أنواع الألطاف الإلهيّة من معاجز وغيرها تقرّب هؤلاء من الإيمان، ثمّ لا يميل منهم أحدٌ إلى الحقّ.

 

2. حتميّة اليأس المطلوب وضرورته:

يستفاد من الاستثناء بعد النفي في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام، والحصر ب ـ(إنّما) في الرواية عن الإمام الرضا  عليه السلام، أنّ اليأس مرحلةٌ لا بدّ من أن يمرّ بها المنتَظِرون، وهي تمثّل مرحلة الذروة في الجهاد العمليّ والنّفسي الذي يمثّله الانتظار، بل هو ضرورةٌ لاستتمام قيام دولة العدل الكاملة التي لا تشوبها شائبة، ولولاه لما تسنّى لهذا الأمر أن يصل إلى غايته المرجوّة.

 

وبيانه: إنّه لولا اليأس من ضلال أحدٍ من المؤمنين لما كان هناك ضمانة من أن ينحرف هؤلاء بعد أن يمنّ اللَّه عليهم بالدولة الكريمة، ويروا العزّ والنّصر والسؤدد والجاه والمال، فتزيغ أبصارهم، ويعودون إلى الحالة الأولى من الصراع والجاهليّة، وهذا صريح تعقيب الإمام الصادق  عليه السلام على قصّة انتظار قوم نوح  عليه السلام.

 

ولولا اليأس من اهتداء أحدٍ من الضالّين، لأمكن لهم الاحتجاج يوم القيامة بأنّهم حُرموا من بعض الألطاف التي تقرّبهم من الهداية، وأنّهم ظُلموا حين تناولَهم سيفُ دولة الحقّ الموعودة. وقد صرح القرآن الكريم بأنّ اللَّه لا يريد بحالٍ أن يكون لأحد من النّاس عليه حجّة يوم القيامة[1].


 


[1] ﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾، سورة النساء، الآية 165.

 

 

141


110

الدرس العاشر أبعادٌ هامّةٌ للانتظار في السنة الشريفة (الصبر - انتظار الفَرَج من الفَرَج - مجيء الفَرَج على اليأس)

المفاهيم الرئيسة

1. توجد مجموعتان من الروايات تعرّضت في متنها لموضوع انتظار الفرج:

- مجموعة تبيّن واجبات المنتظرين.

- مجموعة تبيّن ماهيّة الانتظار. وهي ما نريد الحديث عنها في هذا الدرس ضمن 3 عناوين.

 

2. العنوان الأوّل هو العلاقة بين الصبر وانتظار الفرج. وهذه العلاقة قد تكون علاقة الشيء بأحد مصاديقه، إذ يعدّ الانتظار من مصاديق الصّبر، كما قد تعدّ من علاقة الشيء بأحد أهمّ أدواته المعينة عليه، حيث يكون الصّبر من أعظم المعينات على قضاء فريضة الانتظار.

 

3. يفترق الصبر عن الانتظار، بأنّ الصبر تحمّلٌ مطلق من حيث المدّة، وأمّا الانتظار فهو تحمّلٌ محدودٌ انتهاءً بمجيء الفرج.

 

4. العنوان الثاني هو كون انتظار الفرج من الفرج. ويستفاد من الروايات التي بيّنته:

- ضرورة وضوح هذا الأمر عند المنتظِر.

- استبطانه لثلاثة معانٍ مهمّة، وهي: معيّة اللَّه وحججه للمنتظرين، والفرج الأخرويّ، وكون الانتظار مقرّبًا أكيدًا من ختم معركة الحقّ والباطل.

 

5. العنوان الثالث هو مجيء الفرج على اليأس، وهو بمعنى اليأس من ضلال أحدٍ من المهتدين، واليأس من هداية أحدٍ من الضالّين.

لولا هذا النوع من اليأس لما كان هناك ضمانة من انحراف بعض أنصار دولة الحقّ حين قيامها، ولأمكن للذين تناولهم سيف هذه الدولة على عجلٍ أن يحتجّوا على اللَّه بعدم توفّر الفرصة الكافية لهم ليهتدوا طريق الحقّ.

 

 

142

 


111

الدرس الحادي عشر: الانتظار في العقل

الدرس الحادي عشر

الانتظار في العقل

 

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يشرح دليل لزوم انتظار الغاية ودليل لزوم الكمال الاجتماعي.

2. يفصّل دليل كون عدم الانتظار تكذيبًا للنقل القطعي.

3. يبيّن فطريّة مبدأ الانتظار وعالميّته.

 

 

145

 

 


112

الدرس الحادي عشر: الانتظار في العقل

تمهيد

بعد أن انتهينا في الدروس السابقة من استعراض مكوّنات مفهوم الانتظار المستفادة من اللغة والقرآن والسنّة، نأتي إلى استعراض ما يمكن استفادته من ناحية العقل. فهل يحكم العقل وحده بلزوم الانتظار؟ وما هو نوع الانتظار الذي يفرضه العقل؟ هل هو الانتظار الإيجابيّ أم السلبيّ؟

 

لزوم الانتظار عقلًا

لأجل الاستدلال بأداة العقل على لزوم الانتظار، يمكن عرض نوعين من الأدلّة:

النّوع الأوّل: الأدلّة العقليّة المستقلّة: ونعني بها ما يستقلّ العقل بإدراكه من الأدلّة، ويحكم وفق مقتضاه من غير ضمّ مقدماتٍ أخرى نقليّة.

 

النوع الثاني: الأدلّة العقليّة غير المستقلّة: ونعني بها ما لا يستقلّ العقل بإدراكه على النحو السابق، بل يحتاج إلى الاستعانة بمقدّمات مستفادة من النّقل.

 

الأدلّة العقليّة المستقلّة

وفيها وجهان:

الوجه الأوّل: لزوم انتظار الغاية الشريفة:

ما دام الإنسان يتحرّك في هذه الدنيا نحو غاياتٍ وأغراض، والدنيا دار التزاحم

 

147

 


113

الدرس الحادي عشر: الانتظار في العقل

والتدرّج الزّماني، فالتدرّج واستيفاء المُدَد المطلوبة حاكمٌ على معظم حركات الإنسان وأفعاله، لا سيّما الاختياريّة منها، إذ لا يتصوّر تحقق الغايات الإنسانيّة في عالم المادّة بنحوٍ دفعيّ إلّا ما ندر. فالزّارع لا يحصل على حصاده بمجرّد التمنّي، بل يعالج الأرض ويبذرها ويسقيها ويصلحها، ويقيم على رعايتها، وينتظر المدّة اللازمة ليظفر بالحصاد الوافر. وطالب العلم يدرس ويسهر ويمرّن ذهنه، وقد يسافر مدّة طويلة بانتظار تسلُّم شهادته.

 

وكلّما كانت الغاية شريفةً وعظيمة وخطيرة المنال، وكانت عامّة ومرتبطة بأسباب كثيرةٍ ومتنوعّة، ومتوقّفة على اختيارات عددٍ أكبر من النّاس، كان الانتظار والصبر على تحقّق هذه الأسباب وتوقّع بروز هذه الغاية أشدّ وآكد. فانظر، كيف أنّ العاقل الباحث عن كنزٍ ما من شأن قيمته أن تغنيه إلى ولد الولد، يصبر ويجتهد وينتظر المُدَد الطويلة باحثًا ومنقّبًا في كلّ ما فيه مظنّة وجدان الكنز، ولو كان احتمالًا ضعيفًا، وترى العقلاء يمدحون هذا الفعل ولا يستقبحونه.

 

فكيف إذا كانت الغاية هي تلك التي كابد في سبيل تحقيقها الرُّسل والأنبياء على مدى التاريخ شتّى أنواع البلاءات والعذابات، وتحتاج إلى ظروف وعوامل متقدّمة ومتنوعّة حتى تتحقّق، وتمسُّ حياة البشر والكون كلّهم، وهي قيام الناس بالقسط من خلال الدولة الإلهيّة العادلة. من هنا، يستقلّ العقل بلزوم الانتظار في الغايات المهمّة المستلزمة بحسب طبيعتها للانتظار، ويكون عدم الانتظار نقضًا للغرض، وتكون قضيّة انتظار المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف صغرى لهذه الكبرى.

 

الوجه الثاني: لزوم انتظار الكمال الاجتماعيّ:

يدرك العقل أنّ الغاية من خلق الإنسان وصوله إلى كماله المنشود باختياره[1]. كما يدرك أن للإنسان مسارَين للتكامل متفرّعين على جَنَبَتين تنبثقان من شخصيّة الإنسان: جنبة فرديّة، وجنبة اجتماعيّة. في الجنبة الفرديّة، يطوي الإنسان مراحل


 


[1] يُؤخذ هنا كأصل موضوعي ثبت في محلّه.

 

148


114

الدرس الحادي عشر: الانتظار في العقل

تكامله من خلال الاستفادة من طاقاته الكامنة، لتكميل شخصه بالأعمال المسهمة في كماله الفرديّ. وفي الجنبة الاجتماعيّة، يطوي الإنسان مراحل تكامله جنبًا إلى جنب مع أخيه الإنسان ليرتقيا معًا بالعمل الجماعيّ، وصولًا إلى مرحلة الكمال الاجتماعيّ، المتمثّل بقيام دولة العدل الشاملة، التي تبرز فيها مظاهر الخير الاجتماعيّ كلّها.

 

ولئن كان الكمال الفرديّ قد لوحظ تحقّقه في حجج اللَّه وأنبيائه ورسله صلوات اللَّه عليهم وعلى أكملهم وأشرفهم رسول اللَّه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، إلّا أنّ الكمال الاجتماعيّ لم يلحظ حتّى اليوم تحقّقه وصدقه في عهد أيٍّ من الأنبياء عليهم السلام، ذلك الكمال المتمثل بزوال أشكال الظلم والعدوان، وسيادة العدل والإحسان على المستوى المجتمعيّ. من هنا، يحكم العقل بضرورة مجيء اليوم الذي تتحقّق فيه الحكمة من الوجود الاجتماعيّ للإنسان، وهي وصوله إلى كماله باختياره، ومن ثَمَّ يحكم بضرورة انتظار هذا اليوم وعدم اليأس منه، وإلّا أدّى اليأس إلى إفناء موضوع هذا الكمال وهو المجتمع الإنسانيّ، وذلك من خلال اليأس المؤدّي إلى المفاسد المهلكة من الانتحار والاضطرابات والحروب والكفر، بنحوٍ لا يبقى المجتمع الإنسانيّ معه مستعدًّا لاستقبال دولة العدل الإلهيّ، وهذا نقضٌ لغرض الحكيم -تعالى- من الوجود الاجتماعيّ للإنسان.

 

الأدلّة العقليّة غير المستقلّة

وفيها وجهٌ واحد:

عدم الانتظار تكذيب للنقل القطعيّ:

ينصّ القرآن الكريم، المُجمَع على قطعيّة صدوره عند المسلمين عامةً، على حتميّة مجيء اليوم الموعود الذي يورث اللَّه الأرض فيه للمستضعفين، ويُمكّنُ فيه الدين، ويستخلفُ فيه المؤمنين، قال -تعالى-: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي

 

 

149


115

الدرس الحادي عشر: الانتظار في العقل

الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾[1]، وقال - عزّ وجلّ -: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾[2].

 

والسنّة الشريفة متواترة عند جميع الفرق الإسلاميّة في هذا المعنى، حتى عُدّت قضيّة اليوم الموعود ضرورة دينيّة إسلاميّة. فالثابت -إذًا- من النقل بنحوٍ لا شكّ فيه صدورًا ولا دلالةً، أنّ دولة العدل الإلهيّ آتية لا محالة، كما أنّ الثابت بنحو التواتر -أيضًا- لزوم انتظارها، والحثّ عليه، وجعله أفضل الأعمال، كما مرّ في البحث الروائيّ. إلّا أنّه يمكننا إثبات لزوم انتظار هذه الدولة الكريمة من ناحية العقل حتّى لو لم يثبت ذلك من ناحية النقل، وذلك بأن نقول: بعد أن ثبت بنحو الجزم من ناحية النقل أنّ اليوم الموعود قادمٌ لا محالة، يستقلّ العقل بإيجاب انتظار هذا اليوم على المسلم وعدم اليأس منه، لأنّ اليأس منه ليس إلّا تكذيبًا للآيات والروايات المقطوعة الصدور المثبتة له، وتكذيب اللَّه ورسوله كفرٌ صراح.

 

نوع الانتظار الذي يفرضه العقل

قد عرفنا، من خلال الأدلّة السابقة، حكم العقل بلزوم انتظار اليوم الموعود، لكن لم يتضّح بعدُ أيُّ نوعٍ من الانتظار هو الانتظار الذي تفرضه تلك الأدلّة العقليّة، فهل هو الانتظار السلبيّ الساذج، أو الانتظار الإيجابيّ البنّاء؟ وفي مقام الجواب نقول: يستفاد من الأدلّة العقليّة الآنفة، مضافًا إلى أصل لزوم الانتظار، أنّ المطلوب هو الانتظار الإيجابيّ لا السلبيّ، وذلك من خلال الملاحظات الآتية:


 


[1] سورة القصص، الآية 5.

[2] سورة النور، الآية 55.

 

150


116

الدرس الحادي عشر: الانتظار في العقل

ما يستفاد من الأدلّة العقليّة المستقلّة

الوجه الأول: لزوم انتظار الغاية:

يُستفاد من هذا الدليل، مضافًا إلى أصل لزوم الانتظار القائم على استحالة نقض الحكيم لغرضه من خلال اليأس، أنّ انتظار الغايات يجب أن يكون مقرونًا بالتهيئة والاستعداد الموازي لطبيعة الغاية، وعمل كلّ ما من شأنه أن يقرّب من تلك الغاية ويحقّقها، لأنّ هذا ما يحقّق غرض الحكيم، وأمّا الانتظار السلبيّ القائم على القعود والكسل ليس بإمكانه أن يسهم في تحقيق شيءٍ من أغراض الحكيم أو إيصاله إلى غايته.

 

ولتوضيح الأمر أكثر، نضرب مثلًا: المزراع غايته جنيُ محصوله، فتارةً ييأس من خروج المحصول، فيكون قد نقض غرضه بالكلّيّة، وتارةً لا ييأس، لكنّه يكتفي بالتوقّع والأمانيّ والآمال الكاذبة دون أن يتحرّك لفعل ما يعلم أنّه دخيلٌ في خروج المحصول، وهذا يشترك مع الأوّل في نقض الغرض، وإن كان سالمًا من الاكتواء بنار اليأس. لكن المزارع الحكيم حقيقةً، هو الذي يضع الأمل نصب عينيه من جهة، ويعمل ويجتهد في توفير جميع العوامل التي يعلم أنّها دخيلة في الوصول إلى محصوله.

 

الوجه الثاني: لزوم انتظار الكمال الاجتماعيّ:

يُستفاد من هذا الدليل، مضافًا إلى أصل لزوم الانتظار القائم على لزوم انتقاض غاية الوجود الاجتماعيّ لو لم يجب الانتظار، أنّ الانتظار المطلوب هو الانتظار الفعّال، باعتبار أنّ الغرض من الوجود الاجتماعيّ للإنسان وصوله إلى كماله الاجتماعيّ باختياره، لا إلجاءً ولا جبرًا، وهذا يتطلّب أقصى درجات التفعيل لإرادة الناس، وأفضل مستويات حسن الاختيار، ولا يكون ذلك إلّا بإخراج الاستعدادات من القوّة إلى الفعل، ومجابهة الصعاب، وتخطّي العوائق، والاجتهاد في تحصيل القوة والمعرفة اللازمة للاقتراب من الكمال الاجتماعيّ، حتّى يصبح المجتمع أهلًا لاستقبال الدولة الإلهيّة العادلة.

 

151

 


117

الدرس الحادي عشر: الانتظار في العقل

ما يستفاد من الأدلّة العقليّة المستقلّة

الوجه الأول: لزوم انتظار الغاية:

يُستفاد من هذا الدليل، مضافًا إلى أصل لزوم الانتظار القائم على استحالة نقض الحكيم لغرضه من خلال اليأس، أنّ انتظار الغايات يجب أن يكون مقرونًا بالتهيئة والاستعداد الموازي لطبيعة الغاية، وعمل كلّ ما من شأنه أن يقرّب من تلك الغاية ويحقّقها، لأنّ هذا ما يحقّق غرض الحكيم، وأمّا الانتظار السلبيّ القائم على القعود والكسل ليس بإمكانه أن يسهم في تحقيق شيءٍ من أغراض الحكيم أو إيصاله إلى غايته.

 

ولتوضيح الأمر أكثر، نضرب مثلًا: المزراع غايته جنيُ محصوله، فتارةً ييأس من خروج المحصول، فيكون قد نقض غرضه بالكلّيّة، وتارةً لا ييأس، لكنّه يكتفي بالتوقّع والأمانيّ والآمال الكاذبة دون أن يتحرّك لفعل ما يعلم أنّه دخيلٌ في خروج المحصول، وهذا يشترك مع الأوّل في نقض الغرض، وإن كان سالمًا من الاكتواء بنار اليأس. لكن المزارع الحكيم حقيقةً، هو الذي يضع الأمل نصب عينيه من جهة، ويعمل ويجتهد في توفير جميع العوامل التي يعلم أنّها دخيلة في الوصول إلى محصوله.

 

الوجه الثاني: لزوم انتظار الكمال الاجتماعيّ:

يُستفاد من هذا الدليل، مضافًا إلى أصل لزوم الانتظار القائم على لزوم انتقاض غاية الوجود الاجتماعيّ لو لم يجب الانتظار، أنّ الانتظار المطلوب هو الانتظار الفعّال، باعتبار أنّ الغرض من الوجود الاجتماعيّ للإنسان وصوله إلى كماله الاجتماعيّ باختياره، لا إلجاءً ولا جبرًا، وهذا يتطلّب أقصى درجات التفعيل لإرادة الناس، وأفضل مستويات حسن الاختيار، ولا يكون ذلك إلّا بإخراج الاستعدادات من القوّة إلى الفعل، ومجابهة الصعاب، وتخطّي العوائق، والاجتهاد في تحصيل القوة والمعرفة اللازمة للاقتراب من الكمال الاجتماعيّ، حتّى يصبح المجتمع أهلًا لاستقبال الدولة الإلهيّة العادلة.

 

151

 


118

الدرس الحادي عشر: الانتظار في العقل

ما يستفاد من الأدلّة العقليّة المستقلّة

الوجه الأول: لزوم انتظار الغاية:

يُستفاد من هذا الدليل، مضافًا إلى أصل لزوم الانتظار القائم على استحالة نقض الحكيم لغرضه من خلال اليأس، أنّ انتظار الغايات يجب أن يكون مقرونًا بالتهيئة والاستعداد الموازي لطبيعة الغاية، وعمل كلّ ما من شأنه أن يقرّب من تلك الغاية ويحقّقها، لأنّ هذا ما يحقّق غرض الحكيم، وأمّا الانتظار السلبيّ القائم على القعود والكسل ليس بإمكانه أن يسهم في تحقيق شيءٍ من أغراض الحكيم أو إيصاله إلى غايته.

 

ولتوضيح الأمر أكثر، نضرب مثلًا: المزراع غايته جنيُ محصوله، فتارةً ييأس من خروج المحصول، فيكون قد نقض غرضه بالكلّيّة، وتارةً لا ييأس، لكنّه يكتفي بالتوقّع والأمانيّ والآمال الكاذبة دون أن يتحرّك لفعل ما يعلم أنّه دخيلٌ في خروج المحصول، وهذا يشترك مع الأوّل في نقض الغرض، وإن كان سالمًا من الاكتواء بنار اليأس. لكن المزارع الحكيم حقيقةً، هو الذي يضع الأمل نصب عينيه من جهة، ويعمل ويجتهد في توفير جميع العوامل التي يعلم أنّها دخيلة في الوصول إلى محصوله.

 

الوجه الثاني: لزوم انتظار الكمال الاجتماعيّ:

يُستفاد من هذا الدليل، مضافًا إلى أصل لزوم الانتظار القائم على لزوم انتقاض غاية الوجود الاجتماعيّ لو لم يجب الانتظار، أنّ الانتظار المطلوب هو الانتظار الفعّال، باعتبار أنّ الغرض من الوجود الاجتماعيّ للإنسان وصوله إلى كماله الاجتماعيّ باختياره، لا إلجاءً ولا جبرًا، وهذا يتطلّب أقصى درجات التفعيل لإرادة الناس، وأفضل مستويات حسن الاختيار، ولا يكون ذلك إلّا بإخراج الاستعدادات من القوّة إلى الفعل، ومجابهة الصعاب، وتخطّي العوائق، والاجتهاد في تحصيل القوة والمعرفة اللازمة للاقتراب من الكمال الاجتماعيّ، حتّى يصبح المجتمع أهلًا لاستقبال الدولة الإلهيّة العادلة.

 

 

151

 


119

الدرس الحادي عشر: الانتظار في العقل

في المقابل، لا يسهم الانتظار السلبيّ، القائم على الاسترخاء والقعود والتفرّج على الظّلم، إلّا نقصًا في القابليّة الاجتماعيّة لاستقبال اليوم الموعود، وضعفًا في الإرادة والاختيار لدى الجماعة المؤمنة المؤهّلة للقيام بأعباء هذا المشروع الإلهيّ الكبير. وعليه، تتضائل نسبة الاعتماد على اختيار الناس في تحقيق هذا الهدف إلى درجة الصفر، ولا يبقى مجالٌ لتحقيقه وإنجازه إلّا بالجبر والإلجاء، وأنواع المعاجز والخوارق السادّة لباب الاختيار، وهذا خلفُ فرض الاختيار جزءًا من الغاية الأساسيّة لخلقة الإنسان، ونقضٌ لغرض الحكيم -تعالى- الذي تعلّق بوصول الإنسان إلى كماله على وجه الاختيار لا جبرًا ولا إلجاءً.

 

ما يستفاد من الأدلّة العقليّة غير المستقلّة: عدم الانتظار تكذيب للنقل القطعيّ

يُستفاد من هذا الدليل، مضافًا إلى أصل لزوم الانتظار القائم على استلزام عدمه لتكذيب الأدلّة النقليّة المقطوعة صدورًا ودلالةً، أنّ الانتظار المطلوب هو الانتظار العمليّ، لأن التصديق الحقيقيّ لوعد اللَّه تعالى وأقوال رسوله وحججه عليهم السلام يتطلّب التهيّؤ الأكيد، والاجتهاد الشديد، والصبر العنيد، والاندفاع للتمهيد لذلك الوعد، وتحقيق عوامله، ولا سيّما أنّ النقل حافلٌ بالشواهد على مطلوبيّة هذا النوع من الانتظار، كما تقدّم في البحث الروائيّ.

 

وأمّا المنتَظِر السلبيّ، فهو وإن كان ينجو من غائلة تكذيب اللَّه تعالى ورسوله وأوليائه (صلوات اللَّه عليه وعليهم) نظريًّا أو قوليًّا ولسانيًّا، إلّا أنّه متّهمٌ بالتكذيب العمليّ لهذه النصوص، كحال ضعاف الإيمان الذين ينتمون إلى الدين بالاسم فقط دون أن يكون لهم انتماء عمليّ. وهذا يرجع في الحقيقة إلى ضعف الاعتقاد النظريّ، لأنّ الاعتقاد الجازم يدفع إلى العمل وفَق مقتضاه، والاعتقاد الجازم بيوم الفَرَج يدعو إلى التهيئة والاستعداد لذلك اليوم، وأمّا حال الكسول النائم المعتقد نظريًّا هو كحال المكذّب تمامًا بهذه العقيدة، واليائس منها من الناحية العمليّة.

 

 

152


120

الدرس الحادي عشر: الانتظار في العقل

الانتظار مبدأ فطري

من المعلوم، أنّ اللَّه أودع في الإنسان حين خلقه مجموعة من الاستعدادات والغرائز والقابليات والمواهب التي تمكّنه من مواصلة الحياة، وتساعده على تحقيق الغاية من خلقه، ألا وهي وصوله إلى كماله باختياره. فمن هذه الغرائز: غريزة حبّ الذات التي تدفعه إلى الدفاع عن نفسه وحفظ نفسه وبناء مجده، وغريزة حبّ الجمال حتّى ينفتح على الحياة بألوانها شتّى[1].

 

كذلك، يدرك الإنسان من أعماق وجدانه الفطريّ والجبلّي حاجته إلى الأمل، ونفوره من اليأس، لأنّ ذلك هو ما سيعينه على مواصلة حياته بأمن وسلامٍ نفسيّ كلّما واجه الصعوبات والمنغّصات من غير أن يقع فريسة الاختناق بظروف الحياة الضاغطة. من هنا، تجد جميع البشر على اختلاف معتقداتهم، يحسّنون الأمل، ويبتهجون به، ويدعون غيرهم إليه، ويقبّحون اليأس، ويسترذلونه، ويسعون للتخلّص منه، وتخليص غيرهم منه.

 

وباعتبار الأمل مكوّنًا أساسيًّا من مكوّنات مفهوم الانتظار في ثقافتنا، كما يستفاد من الأدلّة اللغويّة والقرآنيّة والروائيّة والعقليّة المتقدّمة، يمكن عدّ الانتظار من هذا الجانب، وفي جزءٍ مهمّ منه، مبدأ فطريًّا جُبل عليه الإنسان، ولا يستطيع العيش بدونه.

 

الانتظار في العقائد غير الإسلاميّة

لا تكاد تخلو ديانة أو فلسفة أو أيديلوجيا على وجه الأرض من فكرة المخلّص في آخر الزّمان، على اختلافٍ بينها في هويّة المخلّص، وظروف خروجه، وملابسات حركته. فتجد هذه الفكرة في الديانات الأرضيّة أو الوضعيّة كالهندوسية والبوذية، كما تجدها في الأديان السماويّة الثلاث. وقد عمد الكثيرون إلى تحقيق هذه المسألة واستخراج النصوص التي تشير إلى المخلّص في هذه الأديان، وبعضها -ولا سيّما نصوص الأديان


 


[1] ) راجع: الخباز، السيد منير، الأمل والانتظار، صحيفة صدى المهديّ، ص6، العدد 28، النجف الأشرف، رمضان 1422هـ.ق - 2011م.

 

153


121

الدرس الحادي عشر: الانتظار في العقل

السماويّة - تشير إلى مواصفات قريبة جدًّا من مواصفات إمامنا المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف[1]، بل وتجد معظم الفلسفات المادّيّة غير التشاؤميّة تنظّر ليومٍ موعود يكون نهاية التاريخ، تسود فيه القيم التي تؤسس لها تلك الفلسفات، كما في الفلسفة الماركسيّة التي ترى حتميّة الوصول إلى اليوم الذي تسود فيه الشيوعيّة، وفي مقابلها تقع فلسفات ليبراليّة تؤكّد أنّ نهاية التاريخ قد اقتربت بسيادة النموذج الليبراليّ على وجه الأرض، وكلٌّ يرى أنّ نموذجه هو الضامن لسعادة الإنسان.

 

من هنا، يمكن إبراز هذا الانتشار الواسع لعقيدة المخلّص في الفكر الدينيّ والإنسانيّ، كمؤيّد وشاهد على فطريّة هذا التوجّه، وحقّانيّة هذا الاعتقاد، وكنزعة إنسانيّة عامّة وشاملة تملأ الناس بالأمل في ظلّ غياب العدل وانتشار الظلم. وإجماع الأديان والفلسفات على هذه الفكرة، يساعد في خلق استعداد عالميّ يمهّد لاستقبال الرجل الموعود.

 

ومن المهمّ الإشارة إلى أنّ عقيدة المخلّص تتميّز في النظرة الشيعيّة الإماميّة عن غيرها من النظرات، سواء الإسلاميّة أو غيرها، بأنّها ترتبط عمليًّا وبشكلٍ شبه يوميّ مع هذه الفكرة، وتثبّتها بالعمل مضافًا إلى القول والاعتقاد، وتتفاعل معها بشكلٍ يفوق تفاعل جميع الأديان والفلسفات، وذلك من خلال العقيدة الخاصّة بالمخلّص الحيّ وحجّة الزمان المتفاعل مع الأحداث ولو من وراء حجاب الغيب، والأعمال الخاصّة التي تربط الإنسان بهذه الفكرة ربطًا وثيقًا، سواء بالدعاء اليوميّ له، أو بالتصدّق عنه، أو الاحتفال بمولده، أو ندبته واستنهاضه، أو التوسّل به، إلى غيرها من الأعمال.


 


[1] راجع: حكيمي، محمّد رضا، الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في كتب الأمم السابقة والمسلمين، ترجمة: حيدر آل حيدر، الدار الإسلاميّة، لبنان - بيروت، 1423هـ.ق - 2003م، ط1، ص51 - 57، 141 - 176، ذو الفقار، ذو الفقار علي، الحركات المهدويّة - تاريخها عقائدها خطرها، مركز بانقيا للأبحاث والدراسات، لا.م، لا.ت، لا.ط، يعقوب، أحمد حسين، حقيقة الاعتقاد بالإمام المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، دار الملاك، الأردن - جرش، 2000م، ط1، ص69 - 74.

 

154


122

الدرس الحادي عشر: الانتظار في العقل

المفاهيم الرئيسة

1. يمكن عرض نوعَين من الأدلّة العقليّة على ضرورة الانتظار: الأدلّة العقليّة المستقلّة، والأدلّة العقليّة غير المستقلّة. والنوع الأوّل كلّ مقدّماته عقليّة، بينما الثاني بعض مقدّماته نقليّة.

 

2. من الأدلّة العقليّة المستقلّة:

- لزوم انتظار الغاية: حيث إنّ الإنسان في أموره كلّها يتحرّك لقضاء غاياته، والدنيا دار تدرّج زمانيّ، فلا بدّ لأجل تحقيق الغايات من استيفاء المدد بالانتظار. وهذا الأمر يظهر بشكل آكد في انتظار الفرج.

 

- لزوم انتظار الكمال الاجتماعيّ: يستقلّ العقل بإدراك ضرورة تحقّق الكمال الاجتماعيّ، والجنبة الاجتماعيّة للإنسان لم تصل إلى كمالها حتّى اليوم، فيحكم العقل بضرورة انتظار هذا الكمال، وإلّا أدّى اليأس إلى إفناء موضوعه، وهو المجتمع.

 

3. من الأدلّة العقليّة غير المستقلّة، أنّ عدم الانتظار تكذيبٌ للنقل القطعيّ، حيث إنّ النقل القطعيّ نصّ على قيام دولة الحقّ آخر الزمان، فيستقلّ العقل بلزوم انتظار هذا اليوم وعدم اليأس منه، وإلّا عُدّ اليأس منه تكذيبًا للنقل القطعيّ.

 

4. يستفاد من هذه الأدلّة، مضافًا إلى أصل لزوم الانتظار، نحو هذا الانتظار، وهو الانتظار الإيجابيّ لا السلبيّ.

 

5. يمكن عدّ الانتظار في جزءٍ كبيرٍ من مفهومه مبدأً فطريًّا، وذلك من ناحية حاجة الإنسان إلى الأمل ونفوره من اليأس.

 

6. يشهد لفطريّة قضيّة الانتظار انتشارها الواسع في الديانات والعقائد المختلفة.

 

155

 


123

الدرس الثاني عشر سبب الغَيْبَة ومدخليّتها في فهم الانتظار

الدرس الثاني عشر

سبب الغَيْبَة ومدخليّتها

في فهم الانتظار

 

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يبيّن مدخليّة معرفة سبب الغيبة في فهم الانتظار المطلوب.

2. يشرح العلاقة بين مفهومي الانتظار والغيبة وامتداد استراتيجية الانتظار على ضوئه.

3. يقسّم الأسباب إلى غيبية ومعلومة ويذكر المعلومة منها.

 

 

159


124

الدرس الثاني عشر سبب الغَيْبَة ومدخليّتها في فهم الانتظار

تمهيد

لا تكاد تخفى على أحدٍ العلاقة الوطيدة بين مفهوم انتظار الفَرَج ومفهوم الغَيْبَة، حتّى صار المرتكز في الأذهان أنّ الفَرَج ليس إلّا انقطاع الغَيْبَة بالظهور المبارك لوليّ اللَّه الأعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف. فما هي العلاقة بين مفهومي الانتظار والغَيْبَة؟ وما هي أسباب الغَيْبَة؟ وكيف يؤثّر اتّضاح أسباب الغَيْبَة في تجلية مفهوم الانتظار الصالح؟ هذه الأسئلة وغيرها سوف يتضّح جوابها في هذا الدرس.

 

العلاقة بين مفهومَي الانتظار والغَيْبَة

يُخَيّل للكثيرين أنّ علاقة الغَيْبَة بالانتظار علاقة علّة بمعلولها، بمعنى أنّ الغَيْبَة هي العلّة الموجبة للانتظار، أو أنّهما معلولان لعلّة ثالثة، بمعنى أنّ الأسباب الموجبة للغَيْبَة هي عينها الأسباب الموجبة للانتظار، فمتى انتفت أسباب الغَيْبَة انتفت الحاجة إلى الانتظار، ولا معنى للانتظار لولا الغَيْبَة.

 

وهذا الكلام غير دقيق، بالتأمّل في مجموع معطيات الكتاب والسنّة والعقل، وبمقاربة الأمر وفَق المنهج السننيّ في فهم ظواهر التاريخ. فما يُفهم في ضوء هذه الأدوات أن الانتظار مرحلة عامّة يُختتم فيها الصراع بين معسكر الحقّ ومعسكر الباطل بعد تماميّة الحجج الإلهيّة على كلا الفريقين، واستفادة كلّ منهما من تمام الهدايات والألطاف الإلهيّة المناسبة. وتشتمل هذه المرحلة على محطّاتٍ من السّنن

 

161

 


125

الدرس الثاني عشر سبب الغَيْبَة ومدخليّتها في فهم الانتظار

والاختبارات والعنايات بكلٍّ من الفريقين، سواء سنن التمحيص والغربلة والابتلاء للمؤمنين، أو سنن الإملاء والاستدراج للكافرين.

 

وفي هذه المرحلة العامّة، ليس بالضرورة أن يكون حجّة اللَّه في الأرض غائبًا، بل قد يكون حاضرًا بين الناس، كما يظهر من الآيات القرآنيّة التي تحكي قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلموقول النبيّ هود  عليه السلام: ﴿فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ﴾[1]. ومن المعلوم أنّ هودًا النبيّ  عليه السلام ورسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلمكانا حاضريْن غير غائبيْن في مرحلة الانتظار. ويظهر هذا -أيضًا- من القصص القرآنيّ والسنّة المتواترة عن الحجج الذين كانوا حاضرين بين أقوامهم في فترة الانتظار، والتي لا يتّسع المقام لذكرها. نعم، قد تفرض ظروف بعض الحجج الإلهيّة أن يغيب عن أنظار الناس لمصالح معيّنة، على رأسها خوف الحجّة على نفسه من القتل، ولا سيّما إذا كان تحقيق مشروع الفَرَج منوطًا بشخص هذا الحجّة بحيث لا يكون له بديل.

 

من هنا يمكن القول -إذا صحّ التعبير- إنّ الغَيْبَة تكتيكٌ ضمن استراتيجيّة الانتظار يضمن حياة المُنَجّي الموعود، الذي يتوقّف عليه هدف الانتظار، كما أنّ السنن التي تجري في اختبار المؤمنين وإتمام الحجّة على الكافرين، تكتيكاتٌ تحفلُ بها مرحلة الانتظار لأجل ضمان وصولها إلى غايتها، وهو الفَرَج الموعود الذي لا يمكن أن ينتقض أبدًا. وقد تقدّم، أنّ الغَيْبَة هي التكتيك الاضطراريّ الأكثر إيلامًا وخطورةً، والذي تحدّده السماء ضمن سنن الكمون والانحسار، ويحتاج إلى صبرٍ وإيمانٍ لا مثيل لهما في مرحلة الانتظار.

 

امتداد استراتيجيّة الانتظار

بما أنّ الغَيْبَة ليست إلّا تكتيكًا في مرحلة الانتظار. والانتظار مرحلة عامّة استراتيجيّة، فقد تمتدّ إلى ما بعد مرحلة الظهور المبارك لحجّة اللَّه عجل الله تعالى فرجه الشريف. وتوضيحه:


 


[1] سورة الأعراف، الآية 71، سورة يونس، الآية 20.

 

162


126

الدرس الثاني عشر سبب الغَيْبَة ومدخليّتها في فهم الانتظار

أنّ انتظار الفَرَج بالمعنى الأخصّ -وهو انتظار القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم- يمكن أن ينقسم إلى معنيَين:

الأوّل: انتظار الفَرَج بظهوره المبارك: ومن الواضح أنّ ظهوره المبارك مصداقٌ للفرج، بل هو عادةً ما ينصرف من إطلاق الفَرَج بالمعنى الأخصّ.

 

الثاني: انتظار الفَرَج بتحقّق الوعد الإلهيّ بدولة العدل: وهذا هو الفَرَج الذي يتحقّق علي يدَي الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وأنصاره، وهو قد يتأخّر عن الفَرَج بالمعنى الأوّل بمقدار ما يحتاج إليه الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف من وقتٍ ليملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجَورًا، وليشيّد بنيان دولة العدل الإلهيّ، بعد صراعات مريرة مع قوى الظّلم والاستكبار.

 

وعلى الرغم من تفاوت الروايات في مقدار المدّة التي يقضيها الحجّة في حربه على الظّلم وتشييده لدولة العدل، إلّا أنّ ما يهمّنا توضيح فكرة أنّ الانتظار لا ينتهي أمده بمجرّد الظهور المبارك، بل إنّه استراتيجيّة تمتدّ إلى ما بعد الظهور، ولا تنتهي إلا بتحقّق الفَرَج النهائيّ بقيام دولة الحقّ، وتتطلّب حتّى ذلك الحين جهدًا مضاعفًا، وإقدامًا استثنائيًّا، وإيمانًا لا يشوبه شكّ. ولا يتنافى هذا الكلام مع كون الظهور المبارك من أعظم الفَرَج، ومقرّبًا أكيدًا من ختم مرحلة الانتظار بقيام دولة العدل.

 

موقع معرفة أسباب الغَيْبَة في فهم الانتظار الصالح

بعد الاستعراض المتقدّم، يتّضح موقع البحث عن أسباب الغَيْبَة في فهم الانتظار الصالح. فهو بحثٌ لا يهدف إلى معرفة الأسباب الرافعة لحالة الانتظار مطلقًا، بل يُعنى ببحث الأسباب الموجبة للغَيْبَة أو الرافعة لحالة الانتظار المتعلّق بالظهور، من أجل اكتشاف ما يمكن أن يدخل منها في دائرة الاختيار والتكليف، لينهض المنتَظِر بأدائه في سبيل المساهمة برفع تكتيك الغَيْبَة، مع توطين النّفس على الحفاظ على حالة الانتظار التي تمدّه بالأمل والمثابرة والسّعي حتّى لما بعد مرحلة الظهور. فأهمّيّة انتظار الفَرَج المتعلّق بقيام دولة الحقّ بعد الظهور، لا تقلّ أهمّيّةً من عمليّة انتظار الفَرَج المتعلّق بالظهور المبارك، لأنّ الأمل والتمهيد وكلّ ما يختزنه الانتظار من معانٍ

 

163

 


127

الدرس الثاني عشر سبب الغَيْبَة ومدخليّتها في فهم الانتظار

يحتاج إليها المنتَظِر في درجاته القصوى بعد الظهور، من أجل تمكين الحجّة من القيام بدوره الذي أنيط به.

 

أسباب الغَيْبَة

إذا أردنا معرفة أسباب الغَيْبَة من المصادر الأصيلة للإسلام، فأكثر ما يفيدنا في ذلك هو الروايات الشريفة التي نصّت على مجموعة من الأسباب بشكلٍ واضح وصريح.

 

وقد يُسْتَأنس ببعض الآيات القرآنيّة التي تبيّن سبب هجرة نبيّ اللَّه موسى  عليه السلام، المخلِّص الموعود لبني إسرائيل[1]، وكذلك سبب هجرة رسولنا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم[2]، المتمثّل بخوف القتل. وقد تقدّم أنّ الغَيْبَة والهجرة كلتاهما من جنس واحد، وهو سنن الكُمُون والانحسار.

 

وعلى أيّ حال، يمكن تقسيم الروايات التي بيّنت سبب الغَيْبَة إلى مجموعتين[3]:

- المجموعة الأولى: ما لم يبيّنه المعصومون عليهم السلام، بمعنى أنّهم ردّوا سبب الغَيْبَة إلى علم اللَّه وغيبه وسرّه، وأُمِروا بعدم تكلّفه، والتعبّد به.

 

- المجموعة الثانية: ما بيّنه المعصومون عليهم السلام من أسباب، ونصّوا عليه صراحة أنّه سبب الغَيْبَة.

 

ومقتضى الجمع العرفيّ بين المجموعتين، أن تكون العلّة التامّة للغَيْبَة هي مجموع الأسباب الغيبيّة الخفيّة، مضافًا إلى الأسباب التي نصّ عليها الأئمّة عليهم السلام، بحيث يكون ما نصّوا عليه هو جزء علّة للغَيْبَة أو حكمة لها كما يُعبَّر عادةً.


 


[1] ﴿فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ﴾ سورة الشعراء، الآية 21، ﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ *  فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ سورة القصص، الآيتان 20 - 21.

[2] ﴿وَإِذۡ يَمۡكُرُ بِكَ   كَفَرُواْ   أَوۡ يَقۡتُلُوكَ أَوۡ   وَيَمۡكُرُونَ وَيَمۡكُرُ       ٱلۡمَٰكِرِينَ﴾ سورة الأنفال، الآية 30.

[3] راجع: الميرزا الأصفهاني، مكيال المكارم، مصدر سابق، ج1، ص117 - 118.

 

164


128

الدرس الثاني عشر سبب الغَيْبَة ومدخليّتها في فهم الانتظار

المجموعة الأولى: ما لم يبيّنه المعصومون عليهم السلام

ويفهم ذلك من بعض الروايات مثل:

1. روى الشيخ الصدوق بإسناده عن عبد اللَّه بن الفضل الهاشميّ، قال: سمعت الصادق جعفر بن محمّد  عليه السلام يقول: "إنّ لصاحب الأمر غَيْبَة لا بدّ منها، يرتاب فيها كلّ مبطل، فقلت: ولِمَ جُعلت فداك؟ قال عليه السلام: لأمرٍ لم يؤذنَ لنا في كشفه لكم. قلت: فما وجه الحكمة في غَيْبَته؟ قال  عليه السلام: وجه الحكمة في غَيْبَات مَن تَقَدّمَه من حجج اللَّه تعالى ذكره. إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلّا بعد ظهوره، كما لا ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر  عليه السلام من خَرْق السفينة، وقتْل الغلام، وإقامة الجدار لموسى  عليه السلام، إلّا وقت افتراقهما. يابن الفضل، إنّ هذا الأمر أمرٌ من أمر اللَّه -تعالى-، وسرٌّ من سرِّ اللَّه، وغيبٌ من غيب اللَّه، ومتى علمنا أنّه -عزّ وجلّ- حكيم، صدّقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة، وإن كان وجهها غير منكشف لنا"[1].

 

2. في التوقيع المرويّ عن الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف: "وأمّا علّة ما وقع من الغَيْبَة، فإنّ اللَّه -عزّ وجلّ- يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾. إنّه لم يكن أحدٌ من آبائي إلّا قد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي. وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي، فكالانتفاع بالشمس إذا غَيْبَتها عن الأبصار السحاب. إنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، فأغلقوا باب السؤال عمّا لا يعنيكم، ولا تتكلّفوا علم ما قد كُفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفَرَج، فإن ذلك فرجكم. والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب وعلى مَنِ اتبع الهدى"[2]. ويظهر أنّ ذكره عجل الله تعالى فرجه الشريف لسبب عدم كون في عنقه بيعة من باب إيراد إحدى الحكم أو جزء العلّة.


 


[1] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، مصدر سابق، ج1، ص246.

[2] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص485.

 

165


129

الدرس الثاني عشر سبب الغَيْبَة ومدخليّتها في فهم الانتظار

المجموعة الثانية: ما بيّنه المعصومون عليهم السلام

1. خوف القتل:

ويُعدّ أهمّ الأسباب الداعية إلى استتاره عجل الله تعالى فرجه الشريف، وتؤيّده الشواهد القرآنيّة المتقدّمة، حتّى أطلقه أعلام الطائفة علةً للغَيْبَة في كلماتهم[1]، بل قطع بعضهم به، وحصر العلّة فيه[2]. وفي ذلك روايات عدّة، منها: عن أبي عبد اللَّه  عليه السلام قال: "قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: لا بدّ للغلام من غَيْبَة، فقيل له: ولِمَ يا رسول اللَّه؟ قال: يخاف القتل"[3].

 

2. أن لا يكون في عنقه بيعة لأحد:

تقدّمت الإشارة إليه في التوقيع المرويّ عن الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف. وروى الصدوق بإسناده إلى عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال عن أبيه عن الإمام الرضا عليه السلام أنّه قال: "كأنّي بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي يطلبون المرعى فلا يجدونه، قلت له: ولم ذلك يابن رسول اللَّه؟ قال: لأنّ إمامهم يغيب عنهم. فقلت: ولِمَ؟ قال: لئلّا يكون في عنقه لأحد حجّة إذا قام بالسيف"[4].

 

3. امتحان الخلق:

عن الإمام الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين  عليه السلام: "أما واللَّه لأُقْتَلَنّ أنا وابناي هذان، وليبعثنّ اللَّه رجلًا من وُلدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا، وليغيبنّ عنهم تمييزًا لأهل الضلالة، حتّى يقول الجاهل: ما للَّه في آل محمّد من حاجة"[5]. وعن الإمام الصادق عليه السلام: "لا واللَّه، لَا يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ إِلَيْه أَعْيُنَكُمْ حَتَّى تُغَرْبَلُوا، لَا


 


[1] المرتضى، الشريف أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي، المقنع في الغَيْبَة، تحقيق: السيد محمّد علي الحكيم، مؤسّسة آل البيت  عليهم السلام لإحياء التراث، لبنان - بيروت، جمادي الآخرة 1416هـ.ق، ط1، ص52، الكراجكي، أبو الفتح محمّد بن علي، كنز الفوائد، مكتبة المصطفوي، إيران - قم المشرّفة، 1369هـ.ش، ط2، ص173، الشيخ الطوسي، الغَيْبَة، مصدر سابق، ص92، ص97.

[2] الشيخ الطوسي، الغَيْبَة، مصدر سابق، ص90، ص329، العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج52، ص100.

[3] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، مصدر سابق، ج1، ص243.

[4] المصدر نفسه، ص245.

[5] النعماني، الغَيْبَة، مصدر سابق، ص143.

 

166


130

الدرس الثاني عشر سبب الغَيْبَة ومدخليّتها في فهم الانتظار

واللَّه، لَا يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ إِلَيْه أَعْيُنَكُمْ حَتَّى تُمَحَّصُوا، لَا واللَّه، لَا يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ إِلَيْه أَعْيُنَكُمْ حَتَّى تُمَيَّزُوا"[1].

 

4. الجري على السّنن:

عن الإمام الصادق  عليه السلام قال: "إن للقائم منّا غَيْبَةً يطول أمدها. فقلت له: ولِمَ ذلك يابن رسول اللَّه؟ قال: لأنّ اللَّه -عزّ وجلّ- أبى إلّا أن يجري فيه سنن الأنبياء عليهم السلام في غَيْبَاتهم، وإنّه لا بدّ له -يا سدير- من استيفاء مدد غَيْبَاتهم، قال اللَّه عزّ وجلّ: ﴿لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ﴾ أي سننًا على سنن مَن كان قبلكم"[2].

 

5. التزيُّل:

روى الصدوق بإسناده عن محمّد بن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللَّه  عليه السلام قال: "قلت له: ما بال أمير المؤمنين  عليه السلام لم يقاتل فلانًا وفلانًا وفلانًا؟ قال لآية في كتاب اللَّه - عزّ وجلّ -: ﴿لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾. قال: قلت: وما يعني بتزايلهم؟ قال: ودائع مؤمنين في أصلاب قوم كافرين، وكذلك القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف لن يظهر أبدًا حتّى تخرج ودائع اللَّه تعالى، فإذا خرجت ظهر على مَن ظهر من أعداء اللَّه فقتلهم"[3].

 

ولعلّ هذا المشار إليه في دعاء نوحٍ  عليه السلام الذي استحقّ قومه على أثره العذاب: ﴿وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾[4]، أي عندما تصل البشريّة إلى مرحلة لا يُتوقّع بعدها أن يبصر مؤمن النور يأتي الفَرَج.


 


[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص370.

[2] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، مصدر سابق، ج1، ص245.

[3] المصدر نفسه، ص147.

[4] سورة نوح، الآيتان 26 - 27.

 

167


131

الدرس الثاني عشر سبب الغَيْبَة ومدخليّتها في فهم الانتظار

6. قبيح الأفعال وتفرّق القلوب:

ورد في التوقيع المبارك له عجل الله تعالى فرجه الشريف إلى الشيخ المفيد (رض): "ولو أنّ أشياعنا، وفقهم اللَّه لطاعته، على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخّر عنهم اليُمْنُ بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقّ المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلّا ما يتّصل بنا ممّا نكرهه ولا نؤثره منهم"[1]. وعن أمير المؤمنين  عليه السلام: "واعلموا أنّ الأرض لا تخلو من حجّة للَّه -عزّ وجلّ-، ولكن اللَّه سيُعْمِي خلقه عنها بظلمهم وجورهم وإسرافهم على أنفسهم"[2].

 

7. وجود الناصر:

عن الإمام الكاظم  عليه السلام: "يابن بكير، إنّي لأقول لك قولًا قد كانت آبائي عليهم السلام تقوله: لو كان فيكم عدّة أهل بدر لقام قائمنا"[3]. ويمكن الاستفادة هنا من قصّة هارون المكّيّ (رض)، الذي أمره الإمام الصادق  عليه السلام بأن يجلس في التنّور، ففعل وكان مثلًا للخراساني الذي يستعجل القيام[4]. كما يمكن استفادة شرط وجود الأنصار بشكل عام لنهضة أيّ إمام من سيرة الأئمّة عليهم السلام، فهذا أمير المؤمنين  عليه السلام يجعل وجود الناصر حجّة عليه في القيام: "أَمَا والَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْلَا

 

 


[1] أبو منصور الطبرسي، الاحتجاج، مصدر سابق، ج2، ص325.

[2] النعماني، الغَيْبَة، مصدر سابق، ص144.

[3] الطبرسي، أبو الفضل علي، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، تحقيق: مهدي هوشمند، دار الحديث، 1418هـ.ق، ط1، ص128.

[4] عن مأمون الرقّيّ قال: كنت عند سيّدي الصادق عليه السلام إذ دخل سهل بن الحسن الخراسانيّ فسلّم عليه ثمّ جلس، فقال له: يا ابن رسول اللَّه، لكم الرأفة، والرحمة، وأنتم أهل بيت الإمامة، ما الذي يمنعك أن يكون لك حقّ تقعد عنه!؟ وأنت تجد من شيعتك مائة ألف يضربون بين يديك بالسيف!؟ فقال له عليه السلام: "اجلس يا خراسانيّ، رعى اللَّه حقّك، ثمّ قال: يا حنيفة أسجري التنور، فسجرته حتّى صار كالجمرة وابيضّ علوه، ثمّ قال: يا خراسانيّ! قم فاجلس في التنّور، فقال الخراسانيّ: يا سيّدي، يا ابن رسول اللَّه، لا تعذبّني بالنار، أقلني أقالك اللَّه، قال: قد أقلتك، فبينما نحن كذلك إذ أقبل هارون المكّيّ، ونعله في سبابته، فقال: السلام عليك يا ابن رسول اللَّه، فقال له الصادق عليه السلام: ألق النعل من يدك، واجلس في التنّور، قال: فألقى النعل من سبابته ثمّ جلس في التنّور، وأقبل الإمام عليه السلام يحدّث الخراسانيّ حديث خراسان حتى كأنّه شاهد لها، ثمّ قال: قم يا خراسانيّ، وانظر ما في التنّور، قال: فقمت إليه فرأيته متربّعًا، فخرج إلينا وسلّم علينا، فقال له الإمام عليه السلام: كم تجد بخراسان مثل هذا؟ فقال: واللَّه ولا واحدًا، فقال عليه السلام: لا واللَّه ولا واحدًا، فقال: أما إنّا في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا، نحن أعلم بالوقت". ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، مصدر سابق، ج3، ص362.

 

168


132

الدرس الثاني عشر سبب الغَيْبَة ومدخليّتها في فهم الانتظار

حُضُورُ الْحَاضِرِ، وقِيَامُ الحجّة بِوُجُودِ النَّاصِرِ، ومَا أَخَذَ اللَّه عَلَى الْعُلَمَاءِ، أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ ولَا سَغَبِ مَظْلُومٍ، لأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا..."[1]، وكذلك الإمام الحسين  عليه السلام لم يخرج حتى توفّر الأنصار، والأئمّة عليهم السلام علّلوا في غير موضع عدم قيامهم بخذلان الناصر.

 

8. استنفاد أطروحات الحكم:

عن الإمام الصادق  عليه السلام: "ما يكون هذا الأمر حتّى لا يبقى صنف من الناس إلّا وقد وُلُّوا على الناس، حتّى لا يقول قائل: إنا لو وُلِّينا لَعَدَلْنا، ثمّ يقوم القائم بالحقّ والعدل"[2].

 

الدرس المستفاد من التعرّف على أسباب الغَيْبَة

يستفاد ممّا تقدّم من تفصيلٍ لأسباب الغَيْبَة وظيفتان مهمّتان تشكّلان معلمًا لانتظار الفَرَج المتعلِّق بالظهور:

التعبّد في الانتظار من جهة الأسباب غير المعلومة

وهو ما تفرضه روايات المجموعة الأولى، التي جعلت مسألة الغَيْبَة أمرًا غيبيًّا لا يحيط بتمام علّته إلّا اللَّه -عزّ وجلّ-، كما تفرضه الأسباب الأخرى المنصوصة الخارجة عن دائرة الاختيار الإنسانيّ، كالتزيّل، وعدم التزامه عجل الله تعالى فرجه الشريف ببيعة أحد، والجري على السّنن. ومن المعلوم أنّه كلّما كانت العلّة أخفى والغاية مطلوبة، كان التعبّد أشدّ وأظهر، ولعله لذلك كان الانتظار أفضل عبادة. فعن الإمام الباقر  عليه السلام في معرض الجواب عن سؤال يتعلّق بموعد الظهور: "مُزَاوَلَةُ جَبَلٍ بِظُفُرٍ أَهْوَنُ مِنْ مُزَاوَلَةِ مُلْكٍ لَمْ يَنْقَضِ أُكُلُه"[3]، وعن أمير المؤمنين  عليه السلام: "مزاولة قلع الجبال أيسر من مزاولة مُلْكٍ مُؤَجّل"[4].


 


[1] الشريف الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، الخطبة 3، ص50.

[2] النعماني، الغَيْبَة، مصدر سابق، ص282.

[3] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج7، ص297.

[4] الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص622.

 

169


133

الدرس الثاني عشر سبب الغَيْبَة ومدخليّتها في فهم الانتظار

السعي لإزاحة الأسباب المعلومة الواقعة تحت الاختيار

من يشتاق إلى رؤية أحدٍ ما سيسعى قطعًا إلى إزالة العوائق المانعة من اللقاء به والواقعة تحت اختياره. وكلّما قوي الشوق قويت الهمّة والاجتهاد في إزالة تلك العوائق. من هنا، لا بدّ للمنتظِر الحقيقيّ، بعد أن تعرّف على بعض العوائق عن طريق الروايات الشريفة المتقدّمة، والتي هي واقعة تحت اختياره، أن يسعى لإزالتها ليسدّ تلك الثغرات المسبّبة للغَيْبَة والناشئة من قبله، فلعلّ الأسباب الغيبيّة وغير الاختياريّة المتبقيّة، والتي هي مناط التعبّد -سواء ما عرفناه منها وما لم نعرفه- جميعها تامّة، ولم يتبقّ إلّا تماميّة الأسباب الواقعة تحت إرادة المنتَظِر. ومن الأسباب التي تعرّفنا عليها، وهي واقعة بتمامها أو في جزءٍ منها تحت الاختيار: خوف القتل، ووجود الناصر، وقبح الأعمال، وتفرّق القلوب، وتبيين عجز أطروحات الحكم، والنجاح في الامتحانات الإلهيّة.

 

وعليه، يتوجب على المنتَظِرين الحقيقيّين أن يمارسوا التمهيد الذي يتناسب مع رفع هذه الموانع، كأن يمتلكوا القوّة ليحفظوا حياة الحجّة، ويجهّزوا الأنصار، ويوحّدوا الصفّ... وسنستفيد من هذه الفكرة في تحديد واجبات المنتَظِرين في درس لاحق.

 

تصحيح فكرة مشهورة

الفكرة المشهورة:

يذهب كثيرٌ من العلماء إلى أنّ سبب غَيْبَته عجل الله تعالى فرجه الشريف ليس سوى عدم وجود الأنصار، أو بشكلٍ عامّ يضعون اللائمة في غَيْبَته على المكلّفين حصرًا، وأنّهم تمام العلّة لاستمرار غَيْبَته عجل الله تعالى فرجه الشريف. وتنتشر هذه الفكرة بكثرة في محافل الوعظ والتبليغ.

 

والحقيقة، أنّ لهذه الفكرة منشأً كلاميًّا قديمًا ومستنداتٍ علميّة[1] وروائيّة[2]


 


[1] راجع: الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن، العدة في أصول الفقه (عدة الأصول)، تحقيق: محمّد رضا الأنصاري القمي، إيران - قم المشرّفة، لا.ن، ذو الحجّة 1417هـ.ق - 1376هـ.ش، ط1، ج2، ص631 (نقلًا عن الشريف المرتضى).

[2] كالروايات والشواهد التي تقدّمت في شرط وجود الناصر لقيام الإمام وأمثالها.

 

170


134

الدرس الثاني عشر سبب الغَيْبَة ومدخليّتها في فهم الانتظار

عديدة، عمدتها قول المحقّق الطوسيّ في تجريد الاعتقاد[1] في مقام بيان وجوب نصب الإمام، ثمّ بيان سبب غَيْبَته: "وجوده لطف، وتصرّفه (لطف) آخر، وعدمه منّا"، أي عدم تصرّفه أو غَيْبَته ترجع إلى تقصير المكلّفين. وقد شرحه العلّامة في كشف المراد بقوله: "والتحقيق أن نقول: لطف الإمامة يتمّ بأمور:

(منها): ما يجب على اللَّه تعالى، وهو خلق الإمام، وتمكينه بالقدرة والعلم، والنصّ عليه باسمه ونسبه، وهذا قد فعله اللَّه تعالى.

 

(ومنها): ما يجب على الإمام، وهو تحمّله للإمامة، وقَبوله لها، وهذا قد فعله الإمام.

 

(ومنها): ما يجب على الرعيّة، وهو مساعدته، والنصرة له، وقَبول أوامره، وامتثال قوله، وهذا لم تفعله الرعيّة، فكان منع اللطف الكامل منهم، لا من اللَّه -تعالى-، ولا من الإمام"[2].

 

الردّ على هذه الفكرة:

إنّ التقصير من الرعيّة أو المكلّفين، إن أريد به جميع أفراد الرعيّة، فهو ممنوعٌ قطعًا، بل حسًّا. ويشير إلى ذلك الإمام الخمينيّ قدس سره على ما في تقريرات بحثه: "وما يقال: إنّ وجوده لطف وغَيْبَته منّا، فلا يجب تعيين السائس علينا لتقصيرنا في غَيْبَته، لا يخلو عن خفاء، فإنّ وجوده وإن كان لطفًا، إلّا أنّ غَيْبَته لمصالحَ ربُّنا أعرفُ بها، لا لتقصير منّا، فإنّ الشيعة في الحواضر والبوادي، يناجون ربهم ويدعونه إلى أن يعجّل في إظهار وليّه، فهم غير مقصرين في ذلك حتّى تكون الغَيْبَة من ناحيتهم"[3].

 

وإن أُريد به بعض أفراد الرعيّة، فما ذنب غير المقصّر ليُحرم من اللطف؟! على أنّ لازم كلامهم عدم نصب أحدٍ من الأوصياء والأئمّة، لعدم اتفاق أغلب الناس على

 

 


[1] وهو عماد علم الكلام عند الشيعة الإمامية.

[2] الحلي، الحسن بن يوسف بن المطهر، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، تحقيق: آية اللَّه حسن زاده الآملي، مؤسّسة نشر الإسلامي، إيران - قم المشرّفة، 1417هـ.ق، ط7، ص492.

[3] السبحاني، الشيخ جعفر، تهذيب الأصول (تقرير بحث السيد الخميني للسبحاني)، انتشارات دار الفكر، إيران - قم المشرّفة، 1367هـ.ش، ط3، ج3، ص146.

 

171


135

الدرس الثاني عشر سبب الغَيْبَة ومدخليّتها في فهم الانتظار

مساعدتهم ونصرتهم، كما هو معلوم من حالهم عليهم السلام ومعاناتهم مع أقوامهم، بل إنّ اللَّه نصّب بعضهم في زمنٍ لا يعدو فيه أنصارهم عدد أصابع اليد[1].

 

الفكرة الصحيحة المتوازنة:

هي ما قرّرناه في بحث أسباب الغَيْبَة، من أنّ من الأسباب ما هو خافٍ لا يعلمه إلّا اللَّه، ومنها ما عُلِم لنا من لسان المعصومين عليهم السلام، إلّا أنّ بعضها واقعٌ تحت اختيار الناس، وبعضها خارجٌ عنه. وممّا يقع تحت اختيار الناس من الموانع، هو خوف القتل، وعدم وجود الناصر، وقبح الأفعال... وعلى المنتَظِر أن يسعى لرفع هذه الموانع لكيلا يكون تقصيرٌ من جهته، لا أنّ العلّة التامّة للغَيْبَة منحصرة في تقصير الناس.

 

وبكلمة أخرى: إنّ حثّ الناس على تحسين أفعالهم، واجتماع قلوبهم، وتهيئة الأنصار، وامتلاك القوّة، والتمهيد له عجل الله تعالى فرجه الشريف، إنّما يكون من باب أنّ هذه الأمور هي جزء علّة للظهور، لا أنّها علّة تامّة للظهور، وذلك حتّى لا يقع النّاس في التشكيك فيما إذا حقّقوا تلك الأمور على أعلى المستويات -ولو بنظرهم- ثمّ لم يظهر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف. كما أنّ جعل الأمر كلّه بيد الناس واختيارهم يفقد الانتظار جنبته التعبّديّة المقوّمة له.


 


[1] راجع: المحسني، محمّد آصف، صراط الحقّ في المعارف الإسلاميّة والأصول الاعتقادية، دار ذوي القربى، 1428هـ.ق، ط1، ج3، ص365.

 

172


136

الدرس الثاني عشر سبب الغَيْبَة ومدخليّتها في فهم الانتظار

المفاهيم الرئيسة

1. لفهم أسباب الغيبة ومعرفتها مدخليّة هامّة في تجلية مفهوم الانتظار الصالح.

 

2. ليست الغيبة علّة الانتظار، بل الغيبة تكتيكٌ في مرحلة الانتظار قد تقتضيه ضرورة حفظ حياة الحجّة، ولذا قد يتّفق كون الحجّة ظاهرًا في مرحلة الانتظار.

 

3. يمكن تقسيم الروايات التي تعرّضت لعلّة الغيبة إلى مجموعتَين:

- مجموعة ردّت العلّة في ذلك إلى علم اللَّه وغيبه.

- ومجموعة بيّنت أسباب الغيبة على اختلافها.

 

ومقتضى الجمع العرفيّ بين المجموعتَين هو القول إنّ العلّة التامّة للغيبة تتكوّن من المجموعتَين معًا.

 

4. ما بيّنه المعصومون في رواياتهم من أسباب للغيبة يتلخّص في العناوين الآتية: خوف القتل، وأن لا يكون في عنقه عجل الله تعالى فرجه الشريف بيعةٌ لأحد، وامتحان الخلق وتمحيصهم، والجري على السنن، وتزيّل الفرقتَين، وقبيح أفعال الشيعة وتفرّق قلوبهم، وفقدان الناصر، واستنفاذ أطروحات الحكم.

 

5. يستفاد من تفصيل أسباب الغيبة على الوجه المتقدّم وظيفتان أساسيّتان:

- التعبّد في الانتظار من جهة الأسباب المجهولة.

- السعي لإزاحة الأسباب المعلومة الواقعة تحت الاختيار.

 

6. يتبيّن من خلال النقطة السابقة، أنّ عدم وجود الناصر ليس هو السبب الوحيد في عدم ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، وإن كان من أهمّ الأسباب، وأنّ الرؤية المتوازنة في هذا المجال هو ما تقرّر في النقطة السابقة من وظائف.

 

 

173


137

الدرس الثالث عشر: الانتظار الإيجابيّ والانتظار السلبيّ - بيان مفهومي

الدرس الثالث عشر

الانتظار الإيجابيّ والانتظار السلبيّ -

بيان مفهومي

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يحدّد مفهومي الانتظار السلبي والانتظار الإيجابي.

2. يلخّص معالم الانتظار الإيجابي.

3. يحدّد ماهيّة الانتظار السلبيّ وأنواعه.

 

 

174


138

الدرس الثالث عشر: الانتظار الإيجابيّ والانتظار السلبيّ - بيان مفهومي

تمهيد

درج المصنّفون في مجال قضايا المهدويّة وثقافة الانتظار على إيراد توصيفَين متقابلَين للانتظار، وهما الانتظار الإيجابيّ الذي يُعَبِّر عن نحو الانتظار المطلوب والصحيح، والانتظار السلبيّ الذي يُعَبِّر عن نحو الانتظار المبغوض والخاطئ. وسنتعرّض في الدرسَين الآتيَين لبحث هذين التوصيفَين من جهاتٍ عدّة.

 

معنى الانتظارَين

لم يُذكر التوصيفان المتقدّمان في آيةٍ أو رواية، ويظهر أنّهما لم يرقيا – أيضًا - إلى مستوى الاصطلاح المتشرّعيّ في كلماتهم، حيث يمكن أن يُفهم منهما معنيان:

- المعنى الأوّل: الإيجابيّ بمعنى الجيّد والصّالح والمرغوب فيه، والسلبيّ بمعنى السّيّئ والطالح والمبغوض.

- المعنى الثاني: الإيجابيّ بمعنى الموجب للفعل والحركة، والسلبيّ بمعنى السّالب لهما.

 

ولعلّ المعنى الأوّل أوفق لو أُريد الاصطلاح عليه، لأنّ بعض أنواع الانتظار السلبيّ موجبٌ للفعل والحركة، وإن كان في اتّجاهٍ خاطئ، كما سيأتي.

 

 

176

 


139

الدرس الثالث عشر: الانتظار الإيجابيّ والانتظار السلبيّ - بيان مفهومي

معالم الانتظار الإيجابيّ

الانتظار الإيجابيّ هو الانتظار الصالح الذي دأبنا طيلة الدروس الماضية في استكناه معالمه من الأدوات المعرفيّة الحقّة. ويمكن تلخيص النتائج التي توصّلنا إليها ضمن إضاءات أبرزها:

1. يُضيءُ المفهوم اللغويّ للانتظار على معاني الاختيار والنّظر والفكر والاجتهاد في العمل والمطاوعة، ويزخر بالمعاني التي تدلّ على الحركة والفاعليّة، بعكس ما قد يُتوهّم منه من معانٍ سلبيّة.

 

2. يضيءُ المفهوم القرآنيّ للانتظار، من خلال الدراسة الموضوعيّة، على واقع كونه المرحلة النهائيّة في صراع الحقّ مع الباطل، بعد تماميّة حجج اللَّه وآياته، والتي سيتلوها الانتصار الحتميّ، كما وعد اللَّه في كتابه. وتتّسم هذه المرحلة بكونها الفرصة الأخيرة ليعمل فيها كلّ فريقٍ على شاكلته. ويدعو القرآن إلى أعلى درجات التعبّد والتسليم لأمر اللَّه فيها، وترك كلٍّ من الاستعجال وتحكيم الأهواء ونقض العهد واليأس، ويقرن الانتظار بالعمل. ويستعرض القرآن هذه المرحلة ضمن سياق السنن التاريخيّة التي جرت في الأمم السابقة، كما يدعو إلى الإعراض عن استهزاء أهل الباطل في هذه المرحلة، لضمان الثبات النفسيّ للمنتظِرِين.

 

3. تُضيء السنّة الشريفة على مجموعة حقائق في موضوع الانتظار، منها: تواتر الأمر بالانتظار في مصادر الفريقَين، حتّى وصل إلى النصّ على وجوبه، وجعله جزء دين الأئمّة عليهم السلام.

 

ومنها: انقسام انتظار الفَرَج إلى معنىً أعمّ يشمل انتظار مطلق فَرَجٍ أو خلاص، ومعنىً أخصّ يرتبط بانتظار الفَرَج بظهور القائم من آل محمّد وقيام دولة العدل الإلهيّ. ويتميّز الأخير عن سابقه بمعلوميّة أصل الفَرَج فيه وحتميّته.

 

ومنها: التأكيد على كون الانتظار سنّة إلهيّة تاريخيّة.

 

ومنها: تواتر لسان جعل الانتظار أفضل الأعمال، الذي يفهم منه الأفضليّة العمليّة للانتظار، بالوجوه التي تقدّمت كشرافة متعلِّقَه، وكونه تجسيدًا للولاية. كما يستفاد منه ثمرات عديدة، كالتأكيد على الطابع العملانيّ

 

 

177

 


140

الدرس الثالث عشر: الانتظار الإيجابيّ والانتظار السلبيّ - بيان مفهومي

للانتظار، وكونه حاجة إنسانيّة عامّة.

 

ومنها: الارتباط الوثيق بين الصبر والانتظار، وضرورة تحقّق المعرفة لدى المنتَظِر بأن انتظار الفَرَج من الفَرَج بأحد المعاني المتقدّمة، وضرورة اليأس بمعنى اليأس من اهتداء أو ضلال أحد ليتحقّق الفَرَج النهائي.

 

4. يُضيء العقل على أصل لزوم انتظار الفَرَج، سواء بالأدلّة العقليّة المستقلّة، كلزوم انتظار الغاية، ولزوم انتظار التكامل الاجتماعيّ، أو الأدلّة العقليّة غير المستقلّة، كاستلزام عدم الانتظار لتكذيب النصّ القطعي نظرًا أو عملًا. كما يضيء العقل على نوع الانتظار المطلوب، وهو الانتظار الإيجابيّ.

 

5. تضيء الفطرة على لزوم انتظار الفَرَج، وكونه حاجة إنسانيّة أصيلة ملحّة لاستكمال الحياة. ويظهر ذلك من الانتشار الواسع لعقيدة المخلّص في الأديان الوضعيّة والسماويّة والمادّيّة.

 

6. يُضيء البحث في سبب الغَيْبَة على حقيقة كون انتظار الفَرَج بالمعنى الأخصّ ذا معنيين، أحدهما: انتظار الظهور المبارك، والآخر: انتظار تحقّق الدولّة العادلة، والثاني يمتدّ إلى ما بعد الظهور. كما يضيء على كون سبب الغَيْبَة مركّبًا من مجموعتين من الأسباب: أسباب غيبيّة لا نعلمها، وأسباب علمناها عن طريق صحيح، وأنّ بعض الأسباب المعلومة لنا هي متوقّفة على اختيارنا، وتحتاج إلى تمهيدٍ وعملٍ وتهيئة واستعداد لترتفع.

 

لماذا التعبير بالانتظار دون غيره؟

قد يُطرح تساؤلٌ في المقام مفاده: لماذا تمّ التعبير عن الوظيفة العمليّة للمكلفين في زمن ما قبل الحسم والغَيْبَة بمفردة الانتظار التي قد تتسبّب باللبس، دون غيرها من المفردات، كالتهيئة أو الاستعداد أو التمهيد، وغيرها من المفردات العمليّة؟ لماذا التعبير بالانتظار الذي هو صفةٌ نفسيّة؟

 

178

 


141

الدرس الثالث عشر: الانتظار الإيجابيّ والانتظار السلبيّ - بيان مفهومي

ونقول في الجواب، علاوةً على أصل العصمة الذي يقتضي حكمة كلام المعصوم ودقّته: إنّنا لو فتّشنا جميع مفردات اللغة العربية، فلن نجد مفردةً تبيّن وظيفة المكلّفين في زمن الغَيْبَة، وتحفظ وصول تلك الوظيفة إليهم، كمفردة الانتظار، ولا سيّما وأنّ لفظها متواترٌ عن معظم المعصومين عليهم السلام بما يرقى بالمفردة لأن تكون في قوّة تعبيرها وبلاغتها إلى جانب التعبير القرآنيّ. ويمكن أن تصل أفهامنا إلى ميزتين لهذه المفردة:

- الميزة الأولى: ميزة إيجابيّة ذاتيّة

أي ميزة تحتضنها ذات المفردة، توجب إفهام الانتظار الإيجابيّ، بغضّ النّظر عن أيّ عامل خارجيّ، وهي: إنّها أكثر المفردات تبيانًا لواقع مرحلة ما قبل الحسم ووظائفها، فهي تشتمل -بحسب ما تقدّم من البحث اللغويّ- على معاني الاختيار، والنّظر، والثبات، والاجتهاد، والانتظار الطويل والقصير الأمد... كما تنسجم مع سائر معالم هذه المرحلة المستفادة من القرآن والسنّة والعقل، من التعبّد والتسليم، وعدم اليأس والاستعجال، والسُّنَنِيَّة...

 

وبعبارة أخرى: إنّ مفردة الانتظار تتميّز بإمكان فهم كلّ هذه الوظائف والمعالم منها، بخلاف غيرها ممّا قد يضيء على جانبٍ محدود من الوظيفة اللازمة للمكلّفين في تلك المرحلة.

 

- الميزة الثانية: ميزة سلبيّة دفاعيّة

أي ميزة فرضتها أمورٌ خارجة عن غرض تفهيم المُراد، وداخلة في غرض سلب الطرف المعادي القدرة على تحريف الوظيفة المُراد بيانها للمكلفين، والدفاع عن وصول الوظيفة إليهم بشكلٍ آمن من عبث الأعداء. ففي الوقت عينه الذي تمتلك فيه مفردة الانتظار قدرة إيجابيّة ذاتيّة على استبطان جميع الوظائف الواجب إيصالها إلى المكلّفين، تمتلك أيضًا قدرة سلبيّة دفاعيّة تحفظ وصول تلك الوظائف إليهم، ومنع

 

 

179

 


142

الدرس الثالث عشر: الانتظار الإيجابيّ والانتظار السلبيّ - بيان مفهومي

الظَلَمة من التلاعب بها، من خلال الإلباس عليهم بهذا التعبير الذي لن يفهموا منه، بسبب جهلهم من جهة، وأمانيّهم من جهة ثانية، إلّا الانتظار السلبيّ، في حين لا يفهم منه شيعتهم العارفون إلّا المعنى الإيجابيّ.

 

ثمّ إنّ التوجيه نحو التزام الانتظار بما هو حالة نفسانيّة (أي الانتظار بما هو عقيدة ومرتكز روحيّ) دون الفعل العمليّ الخارجيّ (أي الانتظار بما هو حركة ميدانيّة)، يحفظ المبدأ الذي يُثَوِّر أعمال التمهيد، ويبرزها إلى الواجهة كلما تسنّى للشيعة ذلك، وفي المقابل يبقى حيًّا في النفوس كلّما تعسّر إبراز هذه العقيدة في مقام العمل، بسبب الخناق الذي يفرضه الظَلَمة.

 

معالم الانتظار السلبيّ

إذا اتّضّحت معالم الانتظار الحقّ، فماذا بعد الحقّ إلّا الضلال. من هنا، يمكن القول: إنّ الانتظار السلبيّ هو كلّ انتظار لا يستوفي معالم الانتظار الإيجابيّ الذي قدّمناه، ويكون فاقدًا لأحد هذه المعالم أو بعضها أو كلّها. وإذا كان الحقّ واحدًا لرجوعه إلى ركنٍ وثيق، فإن للضلال أربابًا متفرّقين لاستنادهم إلى أهواء متفرّقة. وبما أنّ الانتظار السلبيّ ضلالٌ عن طريق الهدى في زمن الانتظار، تجد الضالّين قد تشتّتوا فيه إلى مذاهب وطرقٍ مختلفة، سنذكر بعضها في الآتي. وفي العموم، يجمع بين هذه المذاهب الفهم الخاطئ لحقيقة الانتظار، والسلوك العمليّ المخالف لما ينبغي أن يكون عليه المنتَظِر الحقيقيّ.

 

أنواع الانتظار السلبيّ

يمكن تقسيم الانتظار السلبيّ - بدايةً - إلى قسمين رئيسَين:

- انتظار المكذّبين بوعد اللَّه: وهو الانتظار الذي أمر القرآنُ فيه أعداء الأنبياء على سبيل التهديد والوعيد، وهو انتظارٌ قهريٌ ملؤه التفريط بهدايات السماء، والاستهزاء بالأنبياء عليهم السلام وأتباعهم، وسيأتيهم وعد اللَّه رغمًا عن أنوفهم، وإن كانوا مكذّبين

 

 

180

 


143

الدرس الثالث عشر: الانتظار الإيجابيّ والانتظار السلبيّ - بيان مفهومي

 له، فكأنّهم كانوا في انتظاره، لا أنّهم منتظرون حقيقةً، وقد بينّاه بشكلٍ وافٍ في البحث القرآنيّ. ولولا ذكر القرآن لهذا النوع من الانتظار، لما عددناه أصلًا ضمن أنواع الانتظار السلبيّ، لأنّه خارجٌ تخصّصًا عن كلمات القوم في الانتظار السلبيّ.

 

- انتظار المؤمنين بوعد اللَّه: وهو الانتظار المستند إلى الإيمان واليقين بوعد اللَّه وفرجه، إلّا أنّه مبتلىً بالانحراف عن جادّة الانتظار الصالح لأسباب عديدة، وبأشكال عديدة. ونأتي في ما يلي على ذكر أنواعه:

1. الانتظار الانحرافيّ:

وهو انتظار جمعٍ من المؤمنين بالمهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، إلّا أنّهم، ولأسبابٍ ومناشئ سوف نذكرها لاحقًا، فهموا أنّ تعجيل الفَرَج لا يكون إلا بملء الأرض ظلمًا وجورًا، ووصولها إلى مرحلة لا تُحتمل من الظلم، بحيث يكون الظهور المبارك انفجارًا -على نسق صراع الأضداد في الفلسفة المادّيّة- يتسبّب به الظلم العامّ حين تضيق روح السماء عن تحمّل ما يجري من مظالم على الأرض. وعليه، ينطلق أصحاب هذه النظريّة للتشجيع على المنكرات والتسبيب في ما أمكنهم منها لأجل إيصال البشريّة إلى مرحلة الانفجار المزعوم، في توجّهٍ يركّز على تفصيلٍ بالنسبة إلى الإسلام بشكلٍ عامّ، ويضرب لأجله جميع الأسس التي جاء بها الإسلام.

 

وعلى الرغم من أنّ الباحث لا يكاد يجد فئةً تبرز هذا التوجّه، وتنادي به، وتكتب لأجله الكتب، أو حتى إشارةً لهم ولمذهبهم ولرؤسائهم في المصنّفات، إلّا أنّ وجود مثل هؤلاء يُستفاد من كلمات بعض أعلام الفكر الإسلاميّ، التي تناولتهم بالذمّ، وشنّعت عليهم معتقدهم[1].

 

2. الانتظار التواطُئيّ:

وهو يحمل عقيدة الفريق السابق، في أنّ حركة الظهور حركة انفجاريّة يتسبّب


 


[1] الصدر، السيد محمّد صادق، تاريخ الغَيْبَة الكبرى، دار التعارف، لبنان - بيروت، 1412هـ.ق - 1992م، لا.ط، ص296.

 

181


144

الدرس الثالث عشر: الانتظار الإيجابيّ والانتظار السلبيّ - بيان مفهومي

بها اختناق الأرض بالظلم، إلّا أنّه لا ينهج طريقتهم في التسبيب بالظّلم وإشاعة المفاسد، ليكون قد تخلّى عن معظم مبادئ الإسلام، بل يذهب إلى الاكتفاء بالواجبات الفرديّة والحفاظ على إيمانه الخاصّ، فيما ينظر بعين الرّضا إلى الظلم والمنكرات في المجتمع، ولا يقوم بتغييرها إذا توفّرت شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل يذمّ من يقوم بذلك، ويتّهمه بالتسبيب في تأخّر الظهور المبارك.

 

وهذا النّمط من التفكير، كان سائدًا قبل انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران، عند جماعة عريضة من العلماء والمبلّغين عُرِفَت بالحُجّتيّة، والتي أَوْلَت موضوع المهدويّة أولويّة زائدة على الحدّ، وعارضت أيّ حركة سياسيّة لوقف الانحرافات، وساهمت في تخدير الروح الثوريّة لدى الشباب، ممّا دفع الشاه إلى دعمها لتقف في وجه الإمام الخمينيّ قدس سره. وقد اصطدم الإمام قدس سره بهم مبكّرًا حين دعا إلى الإضراب عن إضاءة المصابيح في النصف من شعبان، الذي صادف احتفالات الشاه بذكرى الامبراطورية الفارسية، فرفضوا هذا الأمر، إلّا أنّهم بعد الثورة أعلنوا ولاءهم للإمام قدس سره، واستمرّوا في بثّ السّموم الفكريّة إلى أنّ حلّ الإمام تلك الجماعة[1].

 

3. الانتظار الاتّكاليّ:

هو الانتظار السليم من الناحية النّظرية، والذي يرى ضرورة التمهيد، وإقامة دعائم الدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاربة الظلم والفساد، وإعداد العدّة والعديد، إلى غيرها من معالم الانتظار الإيجابيّ، إلّا أنّه لا يلتزم عمليًّا بما يتفوّه به نظريًّا، كسلًا وعصيانًا، كحال المؤمنين بالاسم والقيد دون الفعل والعمل، ويتّكل في ذلك إمّا على غيره من المنتَظِرين، وإمّا على إعجازٍ مّا يأتي من وراء ستار الغيب، ويمنّي النفس بذلك ملقيًا رداء المسؤوليّة عن كتفَيه.


 


[1] راجع: مؤسّسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني قدس سره، صحيفة الإمام، ترجمة: صادق خورشا، مراجعة: منير مسعودي، إيران - طهران، 1430هـ.ق - 2009م، ط1، ج2، ص282.

 

 

182


145

الدرس الثالث عشر: الانتظار الإيجابيّ والانتظار السلبيّ - بيان مفهومي

4. الانتظار الانهزاميّ:

يعتقد هذا النّوع من المنتَظِرين بمعالم الانتظار الصّالح، إلّا أنّهم يعظّمون من قوّة الظالمين، وينبهرون بقوّتهم وبطشهم إلى الحدّ الذي يشعرون معه بالهزيمة والوضاعة قبل أن يتفوّهوا بكلمة المواجهة، مع أنّهم يعلمون أنّ التغيير ممكنٌ، لكنّه صعب ويحتاج إلى تضحيات، ومن ثمّ يختلقون لأنفسهم المبرّرات والحيل الشرعيّة ليتخلّصوا من التكاليف التي يفرضها الانتظار الصالح، مثل: عدم إلقاء النفس في التهلكة، وحكم الضرورة، والتقيّة، وغيرها، ذلك كلّه إعفاءً لأنفسهم من مهمّة التمهيد.

 

5. الانتظار التنجيميّ:

أو ما يمكن أن يُعرّف بثقافة علامات الظهور. وهو الانتظار الذي لا شأن له قبل ظهور الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف إلّا الاستمتاع بقراءة روايات علامات الظهور وأخبار آخر الزمان وتتبّعها ترفًا، وترويحًا نفسيًّا، لا تحقيقًا وتدقيقًا علميًّا، ومحاولة تطبيق تلك الأخبار على الأحداث والشخصيّات، ورسم التخيّلات التَرَفِيَّة ونشرها، سواءً كانت صائبة أو خاطئة. وكثيرًا ما يقع أصحاب هذا الاتّجاه في غائلة التطبيق وآفة التوقيت، فيتسبّبون بضلال كثيرٍ من النّاس وارتدادهم.

 

إنّ الاهتمام بعلامات الظهور من الناحية العلميّة لا بأس به إذا كان يخدم الدور الذي لأجله أخبرنا المعصومون عليهم السلام بها، إلّا أنّ التركيز الزائد على حدّه عليها، والذي يتجاوز دورها الذي أنيط بها، بحيث ينسى النّاس وظائفهم العمليّة، ويتقاعسون عن أداء دورهم في رفع أسباب الغَيْبَة، لأجل أن يتسلّوا ويخرجوا من واقعهم المأزوم كما يتسلّى الناس بالمنجّمين، فهذا ضربٌ من الضلال عن الانتظار الحقّ.

 

 

183


146

الدرس الثالث عشر: الانتظار الإيجابيّ والانتظار السلبيّ - بيان مفهومي

المفاهيم الرئيسة

1. درج المتكلّمون في قضيّة الانتظار على التعرّض لمفهومَي الانتظار السلبيّ والانتظار الإيجابيّ، وإنْ لم يكن لفظهما واردًا في آية أو رواية، ولا واصلًا مرحلة الاصطلاح المتشرّعيّ.

 

2. لتوصيفَي الإيجابيّ والسلبيّ معنيان:

- الإيجابيّ بمعنى الجيّد والمرغوب فيه، والسلبيّ بمعنى السيّئ والمبغوض.

- الإيجابيّ بمعنى الموجب للفعل والحركة، والسلبيّ بمعنى السّالب لهما.

والأوفق منهما لو أريد الاصطلاح عليه هو الأوّل.

 

3. يمكن استخلاص معالم الانتظار الإيجابيّ من جمع معطيات البحوث المتقدّمة المستفادة من القرآن والسنّة والعقل.

 

4. اختار الأئمّة عليهم السلام التعبير عن وظيفة أهل الغيبة بالانتظار لاشتماله على ميزتَين:

- ميزة إيجابيّة ذاتيّة: وهي كونها أكثر المفردات تبيانًا لواقع مرحلة ما قبل الحسم ووظائفها.

- ميزة سلبيّة دفاعيّة: تقتضي سلب الطرف المعادي القدرة على تحريف الوظيفة المُراد بيانها للمكلّفين.

 

5. الانتظار السلبيّ هو كلّ انتظار منحرف عن جادة الانتظار الإيجابيّ الصالح، وهو على قسمَين رئيسَين: انتظار المكذّبين بوعد اللَّه، وانتظار المؤمنين به، إلّا أنّهم منحرفون عن جادّة الصواب. والقسم الأخير من الانتظار له أنواع: الانحرافيّ، والتواطؤيّ، والاتّكاليّ، والانهزاميّ، والتنجيميّ.

 

184

 


147

الدرس الثالث عشر: الانتظار الإيجابيّ والانتظار السلبيّ - بيان مفهومي

الدرس الرابع عشر:

مناشئ الانتظار السلبيّ

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يعدّد مناشئ الانتظار السلبي عند المؤمنين.

2. يذكر نماذجًا من الفهم الخاطئ لبعض الروايات ويردّ عليه.

3. يبيّن دور كل من الإرهاب الدموي وحب الراحة في تكوين الانتظار السلبي.

 

 

186

 


148

الدرس الرابع عشر: مناشئ الانتظار السلبيّ

تمهيد

على الرغم من وضوح كون الانتظار الذي أمر به الشارع، وأشار إليه في المصادر الأصيلة، انتظارًا إيجابيًّا، إلّا أنّ بعضهم وقع فريسة الانتظار السلبيّ. وهذا واضح المنشأ في القسم الأوّل من أقسام الانتظار السلبيّ الذي تقدّم، وهو انتظار المكذّبين بوعد اللَّه، إذ ليس منشؤه إلّا أحد الأسباب المعروفة التي ضلّ بسببها الناس عن خطّ الأنبياء عليهم السلام طوال التاريخ، كالاستكبار والعناد والاستهزاء والطمع وحب الدنيا وزينتها، والتعصّب والجهل... ويتبعهم في ذلك المنافقون والمتآمرون، إلّا أنّ الجدير بالبحث هو المناشئ والأسباب التي أدّت إلى اعتناق القسم الثاني من أقسام المنتظرين السلبيّين تلك العقيدة بأنواعها شتّى، وهم المنتظرون المؤمنون بوعد اللَّه، إلّا أّنهم انحرفوا عن جادّة الانتظار الصالح على اختلاف مراتب هذا الانحراف بحسب الأنواع المتقدّمة، وذلك على الرغم من حسن نيّة بعضهم، واعتقاده قطعًا بأنّه المنتَظِر الحقيقيّ دون سواه. فما هي العوامل والأسباب والشبهات التي أدت إلى ضلالهم عن طريق الانتظار الصالح؟

 

 

188

 


149

الدرس الرابع عشر: مناشئ الانتظار السلبيّ

مناشئ الانتظار السلبيّ

المنشأ الأوّل: الفهم الخاطئ لبعض ألسنة الروايات الشريفة

ونذكر هنا أهم عناوين هذه الألسنة، ونماذج من الروايات مع مناقشتها:

1. لسان امتلاء الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجَورًا:

استفاضت النصوص الشريفة بهذه الصيغة عند الفريقين[1]، وتتلقّفها الذاكرة الشعبيّة للمسلمين بواسع القَبول والعناية، إلّا أنّ أصحاب الاتّجاه السلبيّ اشتبهوا في فهمها، وروّجوا لهذا الفهم الساذج بين العوامّ لجذب المؤيّدين، ومفاده: أنّ امتلاء الأرض ظلمًا وجَورًا شرطٌ لقيام صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف. وعليه، فإنّ كلّ محاولةٍ لإزالة الظلم أو محاربته لا تعدو كونها تأخيرًا للفَرَج. وهذا التفكير أنتج الانتظار الانحرافي والانتظار التواطُئيّ.

 

مناقشة دلالة الصيغة على الانتظار السلبيّ:

- إنّ هذه الصيغة الشريفة ليست إلّا توصيفًا عُرفيًّا، وبيانًا سجعيًّا بلاغيًّا للدور الأساس الذي يقوم به الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهو إقامة العدل، ولا دلالة لها على ما أرادوا، لا من اللغة ولا من الفهم العرفيّ، فليس لسانها لسان بيان شرط الظهور، ولا هي في مقامه.


 


[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص338، الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص78، الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص77، 139، 251، 257 - 258، 262، 264، 285، 378، 383 - 384، الخزاز القمي، علي بن محمّد، كفاية الأثر، تحقيق: السيد عبد اللطيف الحسيني، انتشارات بيدار، إيران - قم المشرّفة، 1401هـ.ق، لا.ط، ص47، 60، 62، 66، 99، الخزاز القمي، علي بن محمّد، كفاية الأثر، تحقيق: السيد عبد اللطيف الحسيني، انتشارات بيدار، إيران - قم المشرّفة، 1401هـ.ق، لا.ط، ج3، ص17، الكوفي، ابن أبي شيبة عبد اللَّه بن محمّد، المصنف، تحقيق وتعليق: سعيد اللحام، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، جمادى الآخرة 1409هـ.ق - 1989م، ط1، ج8، ص397، ابن حبّان، محمّد بن حبّان، صحيح ابن حبّان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسّسة الرسالة، لا.م، 1414هـ.ق - 1993م، ط2، ج15، ص238، السجستاني، أبو داوود سليمان بن الأشعث، سنن أبي داوود، تحقيق وتعليق: سعيد محمّد اللحام، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1410هـ.ق - 1990م، ط1، ج2، ص309 - 310، النيسابوري، الحاكم محمّد بن عبد اللَّه، المستدرك على الصحيحين، إشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة للطباعة والنشر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج4، ص514، 557.

 

 

189


150

الدرس الرابع عشر: مناشئ الانتظار السلبيّ

- مع التسليم بفهمهم المظنون، فإنّه يتنافى مع المقطوع به من وجوب دفع الظّلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع تماميّة الشرائط فيما لو كان انتظارهم تواطُئيًّا، فضلًا عن حرمة الإعانة عليه ونشر المفاسد فيما لو كان انتظارهم انحرافيًّا.

 

- إنّ هذا التوهّم يتعارض مع الشرائط المعلومة من الروايات، ككونه عجل الله تعالى فرجه الشريف لا يخرج إلّا في أولي قوّة، وسبق رايات هدىً عليه، واحتجابه عنّا بقبح أفعالنا...

 

- إنّ امتلاء الأرض ظلمًا لا يعني انعدام العدل وانقراض المنصفين والأحرار، لأنّ مقتضى وجود الظلم وجود طرفٍ مظلوم[1]، بل إنّ الظلم يشتدّ ويكشّر عن أنيابه كلّما اشتدّت شوكة أهل العدل في مواجهته، ويرتخي كلّما وجد المنحرفين والمؤيّدين والمتواطئين الراضين بأفعاله.

 

2. لسان الأمر بلزوم البيت في زمن الغَيْبَة:

الرواية الأولى:

روى الشيخ الصدوق (رض) عن جابر الجعفيّ عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم... فقلت: يا ابن رسول اللَّه، فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان؟ قال: حفظ اللسان ولزوم البيت"[2].

 

مناقشة دلالتها على الانتظار السلبيّ: لدينا فهمان للرواية ذكرهما بعض الفقهاء والمحقّقين:

الأوّل: أنّه علاوةً على ضعف الرواية سندًا، فإنّها تشير إلى الوظيفة في أوّل زمن الغَيْبَة الصغرى التي بلغ فيها الخوف ذروته. ومن شأن التدبير بحفظ اللسان ولزوم البيت أن يقي المؤمنين القتل، ويثبّتهم على عقيدتهم في الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في تلك المرحلة الجديدة التي سيكثر فيها التشكيك والبلبلة[3].


 


[1] مركز نون للتأليف والترجمة، سلسلة إحياء فكر الشهيد مطهري - فلسفة التاريخ ونهضة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، جمعية المعارف الإسلاميّة الثقافية، لبنان - بيروت، 1426هـ.ق - 2005م، ط1، ص43.

[2] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص330.

[3] السيد مرتضى العاملي، مختصر مفيد، مصدر سابق، ج3، ص176.

 

 

190


151

الدرس الرابع عشر: مناشئ الانتظار السلبيّ

الثاني: إنّ هذه الرواية إشارة إلى أحد أفضل الآداب التي حثّ عليها الأئمّة عليهم السلام في أزمنة الخوف والفتن، وهي الكتمان وعدم معاشرة الناس إلّا في الضرورات، لأنّهم يُنسون المنتَظِر ذكرَ إمامه، ويُوقعونه في الشكّ والارتياب[1]. والإشارة إلى أحد الآداب والواجبات لا ينفي الواجبات الأخرى.

 

الرواية الثانية:

عن الإمام الصادق عليه السلام: "يا سَدِير، الزم بيتك، وكن حِلْسًا[2] من أحلاسه، واسكن ما سكن الليل والنهار، فإذا بلغك أنّ السفياني قد خرج، فارحل إلينا ولو على رجلك"[3].

 

مناقشة دلالتها على الانتظار السلبيّ: يرى بعض الفقهاء أنه لا يمكن إلغاء خصوصيّة المورد هنا، باعتبار أنّ ما ذُكِرَ في الرواية وظيفة خاصة لسدير الذي يُعلم من حاله أنّه كان مستعجلًا لدولة الحقّ، وكان يرى إمكان قيام إمامه بهذه المهمّة، وكان متسرّعًا في اتّخاذ الموقف، فكان اللازم على الإمام  عليه السلام توجيهه بمثل ما تقدّم، لئلّا يَهلك ويُهلك مَن حوله من الشيعة[4].

 

3. لسان الأمر بالتقيّة في زمن الغَيْبَة:

الرواية الأولى:

عن الإمام الرضا  عليه السلام: "لا دين لمن لا ورع له، ولا إيمان لمن لا تقيّة له. إنّ أكرمكم عند اللَّه أعملكم بالتقية. فقيل له: يا ابن رسول اللَّه، إلى متى؟ قال: إلى


 


[1] الأصفهاني الميرزا محمّد تقي، وظيفة الأنام في زمن غَيْبَة الإمام، ترجمة: السيد أبو أحمد الكاظمي، تحقيق ونشر: مؤسّسة الامام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، 1407هـ.ق - 1366هـ.ش، ط1، ص11.

[2] "الحِلْس: ما ولي البعير تحت الرحل، ويقال: فلان من أحلاس الخيل، أي في الفروسية، أي كالحلس اللازم لظهر الفرس". الفراهيديّ، العين، مصدر سابق، ج3، ص142.

[3] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص264 - 265.

[4] المنتظري، الشيخ حسين علي، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلاميّة، المركز العالمي للدراسات الإسلاميّة، إيران - قم المشرّفة، 1408هـ.ق، ط1، ج1، ص229 - 230، السيد مرتضى العاملي، مختصر مفيد، مصدر سابق، ج3، ص178.

 

191


152

الدرس الرابع عشر: مناشئ الانتظار السلبيّ

يوم الوقت المعلوم، وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت، فمن ترك التقيّة قبل خروج قائمنا فليس منّا"[1].

 

مناقشة دلالتها على الانتظار السلبيّ: مضافًا إلى ضعف سندها، فمن المعلوم أنّ التقيّة تشريعٌ لا ينتفي بظهور القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف، بل تبقى الحاجة إليه في بعض الموضوعات[2]. وعلى فرض انتفاء الحاجة إليها بعد ظهور القائم، وعدم الخدش في دلالة الرواية، فإنّ المقصود بالتقيّة المأمور بها هنا هي التقيّة في مواردها المستوجبة لها في زمن الغَيْبَة، لا التقيّة العامّة بمعنى القعود في البيت.

 

الرواية الثانية:

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "سمعت أبي يقول: لا واللَّه، ما على الأرض شيء أحبّ إليّ من التقيّة. يا حبيب، إنّه من كانت له تقيّة رفعه اللَّه، يا حبيب، مَن لم يكن له تقيّة وضعه اللَّه، يا حبيب، إنّما الناس هم في هدنة، فلو قد كان ذلك كان هذا[3]"[4].

 

مناقشة دلالتها على الانتظار السلبيّ: يتوقّف فهم الانتظار السلبيّ منها على دلالة اسم الإشارة في آخرها (فلو قد كان ذلك) على خروج القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف[5].

 

ونقاشها عين ما تقدّم، من أنّ التقية لا ترتفع مطلقًا بعد القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف، حتّى يُفهم من الرواية أنّ العمل بالتقيّة محصور في ما قبل زمان قيامه عجل الله تعالى فرجه الشريف، ولا سيّما وأنّ صدر الرواية يمدح التقيّة مطلقًا، مضافًا إلى أنّ الصياغة الشرطيّة تقتضي تعليق التقيّة على هدنة المخالفين، فإذا لم يهادنوا فيجوز الدفاع وترتفع التقيّة حتّى قبل الظهور المبارك، ومن المعلوم أنّ المخالفين وقع منهم خرق الهدنة تكرارًا في زمن الغَيْبَة.


 


[1] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص371.

[2] السيد مرتضى العاملي، مختصر مفيد، مصدر سابق، ج3، ص182 - 183.

[3] قوله: "فلو قد كان ذلك" أي: ظهور القائم، أو زوال الهدنة، وقوله: "كان هذا" أي: ترك التقية.

[4] البرقي، المحاسن، مصدر سابق، ج1، ص257، الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص217.

[5] راجع: المازندراني، شرح أصول الكافي، مصدر سابق، ج9، ص120.

 

192


153

الدرس الرابع عشر: مناشئ الانتظار السلبيّ

وخلاصة القول:

إنّ جميع الروايات التي أكّدت على التقيّة في زمن الغَيْبَة، حالها حال الروايات التي أكّدت على الواجبات الشرعيّة الأخرى في عصر الغَيْبَة، كالصلاة والصوم وكتمان السرّ... فالتقيّة دين الأئمّة عليهم السلام، وهو سارٍ بسراية الدين الحقّ إلى يوم القيامة، غايته أنّه تارةً يتناول موضوعات ترتبط بالقيام والدفاع، وتارةً يتناول موضوعاتٍ أخرى كحفظ النفس في ظرفٍ ما كثيرًا ما يقع الشيعيّ في مثله، وذلك كلّه تابعٌ لتحقّق الموضوعات الخارجيّة، فلا يتنافى الأمر بمبدأ التقيّة مع عدم الالتزام بها في ظرف المُكنة والقوّة التي يستطيع خلالها المؤمنون إحقاق الحقّ ودفع الظّلم بالنحو الذي أوجبته عليهم الأدلّة العقليّة والنقليّة القطعيّة.

 

4- لسان النهي عن القيام قبل القائم:

الرواية الأولى:

عن الإمام الصادق  عليه السلام: "ما خرج ولا يخرج منّا أهل البيت إلى قيام قائمنا أحد، ليدفع ظلمًا أو ينعش حقًا، إلّا اصطلمته البليّة، وكان قيامه زيادة في مكروهنا وشيعتنا"[1]. وقريبٌ منه الخبر المرفوع عن الإمام السجّاد  عليه السلام: "واللَّه، لا يخرج واحد منّا قبل خروج القائم عليه السلام، إلّا كان مثله مثل فرخ طار من وكره قبل أن يستوي جناحاه، فأخذه الصبيان فعبثوا به"[2]. أنّ الرواية الأولى أصرح في المطلوب لمكان الكراهة فيها.

 

مناقشة دلالتها على الانتظار السلبيّ: مضافًا إلى الإشكال في سند الرواية، يمكن مناقشة دلالتها - كما ذكر بعض العلماء- بأنّ الرواية أعلاه هي ذيلٌ لحديثٍ طويل يذكر فيه الإمام عليه السلام إخبار رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلمبما يتعرّض له أهل البيت عليهم السلام على يد بني


 


[1] الإمام زين العابدين عليه السلام، الصحيفة السجادية، تحقيق: السيد محمّد باقر الموحد الابطحي الإصفهاني، مؤسّسة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف - مؤسّسة الأنصاريان للطباعة والنشر، إيران - قم المشرّفة، 1411هـ.ق، ط1، ص623.

[2] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص264.

 

193


154

الدرس الرابع عشر: مناشئ الانتظار السلبيّ

أميّة، ثمّ يعقّب الإمام عليه السلام: (ما خرج ولا يخرج..)، بصيغة الماضي أوّلًا، فلو كانت الكراهة المذكورة في ذيل الرواية تدلّ على الحرمة الشرعيّة لشمل ذلك خروج الإمام الحسين  عليه السلام، وهو باطلٌ بالضرورة. وعليه، يكون المقصود من الرواية الإخبار عن أمرٍ غيبيّ لا بيان حكمٍ شرعيّ، والتعبير بأنّه مكروه يقصد به كراهة الطبع، والحزن لما يلقاه القائمون من مصائب، لا كراهة الشرع المساوقة للحرمة[1].

 

الرواية الثانية:

عن الإمام الصادق عليه السلام: "كلّ راية تُرفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون اللَّه -عزّ وجلّ-"[2].

 

مناقشة دلالتها على الانتظار السلبيّ: هذه الرواية الصحيحة يمكن مناقشة دلالتها على ما أرادوا من وجوه[3]:

أ. إنّ المراد بالرايات فيها رايات الضلالة بالخصوص، لا كلّ راية ولو كانت حقّة، ويشهد لذلك ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام: "إِنَّه لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو إِلَى أَنْ يَخْرُجَ الدَّجَّالُ إِلَّا سَيَجِدُ مَنْ يُبَايِعُه، ومَنْ رَفَعَ رَايَةَ ضَلَالَةٍ فَصَاحِبُهَا طَاغُوتٌ"[4].

 

ب. توضيح الإمام الرضا عليه السلام للقيام الحقّ والقيام الباطل وحدودهما، وذلك في ردّه على المأمون لمّا قارن قيام أخيه زيد ابن الإمام الكاظم عليه السلام بقيام زيد بن عليّ الشهيد: "إنّ زيد بن عليّ لم يدّعِ ما ليس له بحقّ، وإنّه كان أتقى للَّه من ذلك، إنّه قال: أدعوكم إلى الرضا من آل محمد عليهم السلام، وإنّما جاء ما جاء فيمن يدّعي أنّ اللَّه -تعالى- نصّ عليه، ثمّ يدعو إلى غير دين اللَّه، ويضلّ عن سبيله بغير علم"[5].


 


[1] لاحظ: الشيخ المنتظري، دراسات في ولاية الفقيه، مصدر سابق، ج1، ص 225 - 226.

[2] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص295.

[3] الشيخ المنتظري، دراسات في ولاية الفقيه، مصدر سابق، ج1، ص237 - 238، السيد مرتضى العاملي، مختصر مفيد، مصدر سابق، ج3، ص171 - 174.

[4] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص297.

[5] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا عليه السلام، مصدر سابق، ج1، ص226.

 

 

194


155

الدرس الرابع عشر: مناشئ الانتظار السلبيّ

ج. إنّ الروايات الذامّة للرايات الخارجة كان الهدف منها، كما يظهر من كلماتهم وتوجيهاتهم عليهم السلام في الروايات الصحيحة، ردع الشيعة عن الخروج وراء كلّ مدّعٍ، وتربّص العلامات التي بيّنوها لهم، حتّى لو كان ذلك الشخص الخارج من العلويّين، ولا سيّما مع كثرة الخارجين من الحسنيّين والزيديّة، حتّى بايع جميع الناس في وقتٍ ما محمّد بن عبد اللَّه المحض (المعروف بذي النفس الزكيّة) على أنّه القائم المهديّ، ما عدا الإمام الصادق عليه السلام وشيعته!

 

د. الروايات المستفيضة في مدح راياتٍ تخرج قبل القائم  عليه السلام، كراية اليماني وراية الخراسانيّ، وأنّها رايات هدى، وكذلك مدح بعض الخارجين في زمن الغَيْبَة، كرجلٍ من أهل قمّ، والذين يطلبون الحقّ في المشرق فلا يُعطَونَه، كلّها تعارض كون كلّ رايةٍ قبل القائم  عليه السلام راية ضلال.

 

الخلاصة:

إنَّ ما يتمسّك به أصحاب نظريّة الانتظار السلبيّ من أخبار للاستدلال على مطلوبهم، تعاني من الضعف في سندها، ويحتمل في كثيرٍ منها الوضع من قبل السلطة الجائرة بغية إطفاء نار الثورات ضدهم، ودلالتها جميعًا ناقصة وغير وافية بمطلوبهم من جهاتٍ عدّة، بيّنّا بعضها: كاحتمال الخصوصيّة للمخاطب، وكونها إخبارًا بالغيب لا بيانًا للحكم الشرعيّ. وعلى أيّ حال، لا تقاوم تلك الأخبار ما ثبت بالأدلّة القطعيّة من وجوب بسط الحقّ وإقامة الحدود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد الدفاعيّ، وعدم اختصاص تلك الأحكام بزمانٍ دون زمان[1].


 


[1] الشيخ المنتظري، دراسات في ولاية الفقيه، مصدر سابق، ج1، ص256، الخميني، السيد مصطفى، ثلاث رسائل في ولاية الفقيه، تحقيق ونشر: مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدس سره، جمادي الثاني 1418هـ.ق - آبان 1376هـ.ش، ط1، ص62 - 64.

 

 

195


156

الدرس الرابع عشر: مناشئ الانتظار السلبيّ

المنشأ الثاني: حبّ الرّاحة وتحكيم الهوى

تقدّم، أنّ تحكيم الهوى في الأمور الاعتقاديّة وقع مقابلًا للانتظار في القرآن الكريم والسنّة الشريفة، وهو أحد أهمّ آفات الانتظار، فكيف إذا انضمّ إليه حبّ الدنيا، وحبّ الراحة، وحبّ النّفس، وغيرها من المفاسد الروحيّة التي تدفع المنتَظِر نحو طلب الدِعة والاستقرار، والبُعد عن المشاكل، ولو كان ذلك على حساب المبادئ والقيم الإيمانيّة.

 

هذه الدوافع النفسيّة المذمومة، كانت منطلقًا أساسيًّا لكثيرٍ من أصحاب نظريّة الانتظار السلبيّ. وحين يهوى الإنسان شيئًا لا يُعدَمُ الحجّة في سبيل نيله، فيتّبع المتشابه من النصوص، ويؤوّلها على مقاسه، لكي يغطّي على دافعه الأساس، ويضفي الشرعيّة على موقفه. من هنا، ينطلق هؤلاء ليتشبّثوا ببعض الأدلّة الواهية، من قبيل استدلالهم بالأحاديث المتقدّمة، وغيرها من الأصول الشرعيّة، إلّا أنّ جوهر المشكلة عندهم تكمن في الكسل وحبّ الراحة والدِعة. وكمثالٍ بارزٍ على ذلك: ما حدث في أواخر أيّام أمير المؤمنين  عليه السلام، حيث مال عسكره إلى الرّاحة، وكرهوا الحرب، وبرّروا ذلك ببعض الأحاديث الداعية إلى اجتناب الفتن، حتّى خطب فيهم خطبة الجهاد المشهورة بقلبٍ تعتصره الغصص.

 

إلّا أنّ أهل البصيرة يعرفون الحقّ، فلا يغترّون بمثل هذه الدعاوي الباطلة، ويشمّرون عن ساعد الهمّة، فلا يُقعدهم إلّا إحقاقه، فانظر كيف واجه عمّار بن ياسر (رض) أبا موسى الأشعريّ، حين دعاهم أمير المؤمنين إلى حرب الناكثين، بيقينٍ ومعرفة راسخة، بينما كان الآخر يتذبذب ويُذبذب مَن معه، مستشهدًا بحديث عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "أما إنّي قد سمعت رسول اللَّهصلى الله عليه وآله وسلم يقول: أما إنّه سيكون من بعدي فتنة، القائم فيها خير من الساعي، والجالس خير من القائم، فاقطعوا أوتار قُسِيِّكُم، واغمدوا سيوفكم، وكونوا أحلاس بيوتكم. فقال عمار (رض): تلك التي تكون أنت منها، أما واللَّه لقد سمعت رسول اللَّهصلى الله عليه وآله وسلم، وقد لعنك"[1].


 


[1] المغربي، القاضي النعمان بن محمّد، شرح الأخبار، تحقيق: السيد محمّد الحسيني الجلالي، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، إيران - قم المشرّفة، 1414هـ.ق، ط2، ج1، ص384.

 

196


157

الدرس الرابع عشر: مناشئ الانتظار السلبيّ

المنشأ الثالث: الإرهاب الذي تعرّض له الشيعة

ساهم فشل الثورات العديدة التي قام بها الشيعة، والتنكيل والإرهاب الدمويّ الذي تعرّضوا له على مرّ التاريخ، في إرساء روح الهزيمة والإحباط عند الكثير منهم[1]. وبدل أن يتّجهوا للتفكير في الأسباب الطبيعيّة والمعنويّة التي أدت إلى الفشل والإحباط في ثوراتهم، ويعدّوا العدّة ويمتلكوا القوّة، كما أمر النصّ القرآنيّ، ليدفعوا عن أنفسهم الظّلم والضّيم والتنكيل، اتّجهوا إلى الخمول والسكون، وإيكال الأمر إلى المعجزة الغيبيّة التي ستظهر آخر الزّمان لتخلّصهم، وعلّقوا عليها الأمل المذموم.

 

وعلى الرّغم من وضوح عدم كون قيام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف خارجًا عن سنن التاريخ، التي يلعب فيها اختيار الناس الدور الأساسيّ، وبالتالي عدم ابتناء قيامه عجل الله تعالى فرجه الشريف على الإعجاز المحض، وعلى الرغم من ظهور القرآن ونصّ الروايات على هذه الحقيقة، مضافًا إلى الحقائق الأخرى التي تتزيّن فيه نظرية الانتظار الإيجابيّ، إلّا أنّ منطق اليأس كان أقوى من لغة المنطق، وهذا هو حال اليأس حين يسيطر على الإنسان فيسلبه روح الصمود والمقاومة، ويقضي على أمل التغيير لديه. مع أنّ الغاية من الحثّ على الانتظار بهذا الحجم في القرآن والروايات، يهدف بشكل أساسٍ منه، إلى زرع الأمل في نفوس المؤمنين، وإلى استصغار واستحقار كلّ ما يبرزه المستكبرون من هيبة وقوّة، والتعامل مع الآخر من موقف القوة والتحدّي، بالوجه الذي تقدّم في البحث التفسيريّ، قال -تعالى-: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ﴾[2]، ﴿وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ﴾[3].

 

وأبرز مثال على حالة الخنوع والاستسلام التي وقع فيها أنصار أهل البيت عليهم السلام يومًا ما بسبب الإرهاب الدمويّ، هو يوم تخاذل أهل الكوفة عن القيام مع الإمام الحسين عليه السلام.


 


[1] ينبغي الالتفات إلى أننا هنا نُوصّف ولا نُبرّر.

[2] سورة السجدة، الآية 30.

[3] سورة هود، الآيتان 121 - 122.

 

197


158

الدرس الرابع عشر: مناشئ الانتظار السلبيّ

المفاهيم الرئيسة

1. لئن كانت مناشئ الانتظار السلبيّ للمكذّبين بآيات اللَّه واضحة، فإنّ مناشئ الانتظار السلبيّ الذي وقع فيه المؤمنون بوعد اللَّه قد تكون خفيّة.

 

2. المنشأ الأوّل من هذه المناشئ هو الفهم الخاطئ لبعض ألسنة الروايات الشريفة، ومنها:

- لسان أنّ القائم يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما مُلئت ظلمًا وجورًا، فتوهّم منه السلبيّون أنّ امتلاء الأرض ظلمًا من الشروط التي ينبغي تحقيقها أو لا أقلّ السكوت عنها حتّى يظهر القائم.

وممّا يردّ به عليهم، أنّ هذا ينافي المقطوع به من أحكام الإسلام، مثل لزوم النهي عن المنكر.

- لسان الأمر بلزوم البيت في زمن الغيبة. وممّا يردّ به في المقام، أنّه لا يمكن نفي خصوصيّة المورد في بعضها، واختصاص بعضها بأزمنة معيّنة.

- لسان الأمر بالتقيّة في زمن الغيبة. وممّا يردّ به من أجوبة في المقام، أنّ الأمر التقيّة لا يختصّ بزمن الغيبة، بل يعمّ ما بعدها، وموضوعاته كثيرة لا خصوص موضوع القيام.

 

- لسان النهي عن القيام قبل القائم. والردّ العامّ عليها هو التحذير من الرايات المدّعية للمهدويّة لا مطلق راية تطلب حقًّا.

 

3. المنشأ الثاني هو حبّ الراحة وتحكيم الهوى، والخلود إلى الكسل وترك التكاليف.

 

4. المنشأ الثالث هو الإرهاب الدمويّ والتنكيل الذي تعرّض له الشيعة مرارًا، ولا سيّما ثوّارهم، وأدّى ذلك إلى التراجع، وإيكال الأمر إلى المعجزة والغيب.

 

 

 

198

 


159

الدرس الخامس عشر: ثقافة العلامات وثقافة العوامل

الدرس الخامس عشر

ثقافة العلامات وثقافة العوامل

 

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يفرّق بين علامات الظهور وعوامل الظهور.

2. يحدّد دور علامات الظهور في منظومة الهداية الإلهية من خلال بيان الأدوار التي تلعبها.

3. يعرّف كلًّا من التوقيت والتطبيق ويبيّن خطرهما.

 

 

200

 


160

الدرس الخامس عشر: ثقافة العلامات وثقافة العوامل

تمهيد

تستحوذ مسائل علامات الظهور على جزء مهمّ من الثقافة المهدويّة وثقافة الانتظار عند المؤمنين المنتَظِرين عامّة. وهو أمر له قيمته بالحدود التي سنذكرها، إلّا أنّنا سنبحثه في هذا الدرس من زاوية سلبيّة، أي من زاوية الاستفادة الخاطئة التي يمارسها بعض المنتَظِرين في هذا المجال، والتي يمكن إدراجها تحت عنوان ثقافة العلامات، أو الانتظار التنجيميّ، كآفات يمكن أن تعصف بالانتظار الصالح فتفسده، وذلك في مقابل ثقافة العوامل، أو الانتظار التأسيسيّ، التي هي من معالم الانتظار الصالح.

 

آفات الانتظار

عندما نتحدّث عن آفات الانتظار، فنحن لا نتحدّث سوى عن تلك المعالم والخصائص الاعتقاديّة والنفسيّة والعمليّة التي تقع مقابل الانتظار الصالح، والتي يستهدف الانتظار الصالح نفيها وإلغاءها من قاموس المنتَظِرين.

 

وهذه الآفات من شأن كلّ واحدة منها أن تربك المنتَظِر وتحرفه عن خط الانتظار الصالح، ويتسبب ذلك بخلل في سائر وظائفه الشرعيّة، هذا إن لم يذهب الأمر به إلى مراتب متقدّمة من الحيرة والشكّ والارتياب، كإنكار وجود الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، وتكذيب الوعد الإلهيّ بقيام دولة الحقّ، وصولًا إلى الخروج من المذهب أو الدين.

 

 

202


161

الدرس الخامس عشر: ثقافة العلامات وثقافة العوامل

شرائط الظهور وأشراطه

بدايةً، لا بدّ من توضيح اصطلاحَين يكونان المدخل للتفريق بين النوعين المتقدّمين من الانتظار: الانتظار التنجيميّ، والانتظار التأسيسيّ، كما يرفع فهمها بعض الشبهات:

الأوّل: شرائط الظهور أو شروطه أو عوامله

وكلّها بمعنى أسباب الظهور، أو الأمور التي يشترط تحقّقها حتى يحصل الظهور، سواء كانت مقتضياتٍ أو شرائط أو موانع، وبعبارة أخرى: ما هو بمثابة علّة الظهور أو أجزاء علّته، وهو بعينه ما بحثناه من أسباب الغَيْبَة، فالأمور نفسها التي تسبّبت بالغَيْبَة، هي التي من شأنها أن تتسبّب بفرج الظهور.

 

الثاني: أشراط الظهور أو علاماته

وهي بمعنى الآيات أو الأحداث أو مطلق الأمور التي عُلِمَ عن طريق النقل أنّها تسبق فَرَج الظهور، بحيث تكون حاكيةً عن قرب ميعاده. ومنها العلامات المحتومة: كالسفيانيّ والصَيحة، وقتل النفس الزكيّة بين الركن والمقام، والعلامات غير المحتومة: كالزلازل الخاصّة، وكثرة موت الفجأة، وكثرة الحروب والفوضى...

 

وتكمن الإشكاليّة هنا في خلط بعضهم بين المصطلحَين، بحيث فهم من الروايات التي تعبّر عن علامات الظهور بالأشراط، أنّها تقصد شروط الظهور أو شرائطه، فانطلق ضمن بوتقة الانتظار السلبيّ ليترقّب تلك العلامات، ويستسلم للغيب الذي هو وحده القادر على أن يحقّقها، مع أنّ ما توهّمه لا يعدو كونه اشتباهًا لفظيًّا.

 

ومن هنا، نستطيع الدخول في التفريق بين الاتجاهَين اللذين ذكرناهما أوّل البحث.

 

ثقافة العلامات وثقافة العوامل

ثقافة العلامات، هي ثقافة المنتَظِر الذي يتعدّى في الاستفادة من العلامات، الدور الذي كانت لأجله، ويُسرف في اهتمامه وتركيزه على العلامات إلى الدرجة التي

 

 

203

 


162

الدرس الخامس عشر: ثقافة العلامات وثقافة العوامل

ينسى معها من ينتظر، ويصبح منتظِرًا للعلامة، ويغفل فيها عن الدور الذي يمكن أن يلعبه في ساحة التاريخ لأجل التعجيل بالفَرَج. ويمكن أن نطلق عليها صفة الانتظار التنجيميّ.

 

وفي مقابلها تقع ثقافة العوامل، وهي ثقافة المنتَظِر الذي يلتزم في الاستفادة من العلامات بالحدود التي عُيّنت لأجلها، ويهتم فيها بالمقدار المطلوب، فيما يصبّ اهتمامه وتركيزه على تهيئة العوامل الواقعة تحت اختياره، والتي يستطيع من خلالها تحقيق العلامات، وتسريع الفَرَج. ويمكن أن نطلق عليها صفة الانتظار التأسيسيّ.

 

أهمّيّة معرفة علامات الظهور

إنّ الثقافة الصحيحة التي ينبغي أن يتعامل معها المنتَظِر الحقيقيّ مع علامات الظهور، هي التوازن، وإعطاؤها الحجم الذي تستحقّه ضمن منظومة الانتظار الصالح، فلا يزيد على ذلك، ولا ينقص منه شيئًا. وإنّنا حينما نتحدّث عن ثقافة العوامل، فلا نريد بذلك إهمال علامات الظهور أو التقليل من قيمتها، كيف وقد ورد الأمر بمعرفتها، بل وردت العلامة نعتًا للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف! ولعلّه من باب أنّ الإمام نفسه عجل الله تعالى فرجه الشريف أعظم العلامات على طريق الهدى، أو نعته وصفته كذلك[1]، فعن الإمام الصادق  عليه السلام: "اعرف العلامة[2]، فإذا عرفته لم يضرّك، تقدّم هذا الأمر أو تأخر، إنّ اللَّه - عزّ وجلّ - يقول: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾، فمن عرف إمامه كان كمن كان في فسطاط المنتَظِر عليه السلام"[3]. وفي تفسير قوله تعالى: ﴿وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾[4]، ورد أنّ النجم هو رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، والعلامات هم الأئمّة عليهم السلام[5].

 

 


 


[1]  راجع: الفيض الكاشاني، الوافي، مصدر سابق، ج2، ص436، المازندراني، شرح أصول الكافي، مصدر سابق، ج6، ص344.

[2] هكذا هي مثبتة في المجامع الحديثية كالكافي والغَيْبَة للنعماني، وفي التعليقات احتمال أن تكون الكلمة هي: الغلام، أو إمامك. فراجع المصادر الآتية.

[3] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص372، النعماني، الغَيْبَة، مصدر سابق، ص352.

[4] سورة النحل، الآية 16.

[5] راجع: الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص207.

 

204


163

الدرس الخامس عشر: ثقافة العلامات وثقافة العوامل

دور علامات الظهور

بما أنّ اختيار الانتماء إلى إحدى الثقافتَين المتقدمتَين يتوقّف في الجانب الأكبر منه على معرفة دور علامات الظهور، والغاية التي لأجلها اهتمّ الأئمّة عليهم السلام بالحديث عنها وبيانها لشيعتهم، فسوف نحاول بيان ذلك الدور من خلال رؤيتَين:

الرؤية الأولى: التهيئة والإعداد النفسيّ

وهي الرؤية المشهورة في الكتابات التي تناولت موضوع العلامات، ويمكن اختصارها: بأنّ العلامات دورها دور اللافتات التي توضع على جانب الطرقات، والتي تتضمّن المسافة المتبقيّة للسائر حتّى يصل إلى مقصوده، وكلّما اقترب السائر من مقصده كلّما لاحت له لافتةٌ تقلّص المسافة، وتنبّئه بأنّه أصبح أقرب، ويعرف من خلالها أنّه لم يضلّ الطريق، فينبعث في نفسه السرور والارتياح، وتتقّد في روحه حرارة الأمل، وإذا ما علم من الإشارات أنّه على وشك الوصول، نفض غبار السَفر عنه، وتهيّأ لموافاة مقصوده على أحسن حال، وتأهّب لتحقيق غرضه.

 

وهكذا المنتَظِر، فقد جعل أئمّة الهدى عليهم السلام له علاماتٍ، ليبعثوا في نفسه الأمل كلّما خبا توقّده، وليصل إلى المرحلة الأخيرة وهو على أتمّ استعداد لاستقبال وليّ اللَّه الأعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف. وهذه الرؤية وإن كانت صحيحة، إلّا أنّها تضيء على جزء بسيط من حقيقة دور العلامات، كما أنّها لا تفسّر سبب تركّز الإخبار عن العلامات القريبة من عصر الظهور والتشديد على المتّصلة منها، دون غيره من أزمنة الانتظار، حيث إنّ الروايات فيه أقلّ.

 

الرؤية الثانية: العلامات مفردة ضمن منظومة الهداية

هذه الرؤية مبنيّة على المعطيات التي أفرزتها منهجيّة بحث موضوع الانتظار في ضوء مصادر الإسلام الأصيلة، والتي تقتضيها الرؤية المنظوميّة المتكاملة غير التجزيئيّة المنطلقة من الأصول والمتجلّيّة في الفروع. فتبدأ من فهم ما نطق به

 

205

 


164

الدرس الخامس عشر: ثقافة العلامات وثقافة العوامل

الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام ووجّهوا إليه في ضوء الدور الذي أناطته السماء بهم، وهو دور الهداية، إذ لا يُحتمل أن تكون تلك الإخبارات الكثيرة الصادرة عنهم حول تبيان علامات الظهور وتفاصيلها ضربًا من التنجيم، أو التبجّح بالمعرفة، أو التسلية والترفيه، أو فضولًا من الكلام... فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة يهم السلام ليسوا منجّمين ولا قصّاصين ولا منتجي أفلام خيال علميّ! نعم، قد حباهم اللَّه -تعالى- من مكنون علمه بما لم يعطِ أحدًا مثلهم، ولهم وظيفة خُلقوا لأجلها، وهي وظيفة هداية الناس إلى كمالهم. وقد عاش الأئمّة عليهم السلام حياتهم كلّها منهمكين بأداء هذه الوظيفة، ولم يدّخروا غاليًا أو نفيسًا في سبيل تحقيقها، وتركوا فضول العيش والكلام لأجلها، وبها استحقّوا مقامهم العالي عند اللَّه تعالى.

 

وفي ضوء هذا الأصل، يمكن تبيان دور العلامات التي أرشد إليها الأئمّة عليهم السلام، باعتبارها جزءًا من وظيفة الهداية العامّة التي وكّلهم اللَّه بها، وذلك من خلال ثلاثة أدوار أساسيّة تلعبها العلامات في ساحة هداية المنتَظِرين:

- الدور الأوّل: دورٌ تمييزيّ:

ويتمثّل في كون العلامات معيارًا مهمًّا من معايير تشخيص الفَرَج الموعود، وكشف مدّعي المهدويّة، وبيان بطلان دعوتهم. وهذه الدعاوى كانت في عصر الأئمّة عليهم السلام كما في عصر الغَيْبَة، وهي لا تكاد تُحصى. ويظهر هذا الدّور من خلال جملة من الروايات، منها:

1. عن الإمام الصادق عليه السلام: "إن أتاكم آتٍ منّا فانظروا على أيّ شيءٍ تخرجون، ولا تقولوا خرج زيد، فإنّ زيدًا كان عالمًا وكان صدوقًا، ولم يدْعُكُم إلى نفسه، إنّما دعاكم إلى الرضا من آل محمّد عليهم السلام، ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه، إنّما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه. فالخارج منّا اليوم إلى أيّ شيء يدعوكم إلى الرضا من آل محمّد عليهم السلام فنحن نشهدكم أنَّا لسنا نرضى به، وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد، وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر أن لا يسمع منّا، إلّا مع مَن اجتمعت بنو

 

 

206


165

الدرس الخامس عشر: ثقافة العلامات وثقافة العوامل

فاطمة معه، فواللَّه ما صاحبكم إلّا مَن اجتمعوا عليه. إذا كان رجب، فأقبلوا على اسم اللَّه - عزّ وجلّ -، وإن أحببتم أن تتأخّروا إلى شعبان فلا ضير، وإن أحببتم أن تصوموا في أهاليكم فلعلّ ذلك أن يكون أقوى لكم، وكفاكم بالسفيانيّ علامة"[1].

 

فانظر كيف أنّ الإمام  عليه السلام، وفي سياق حديثه عن تمييز المهديّ الحقيقيّ من غيره، جاء بعلاماتٍ منها: اجتماع بني فاطمة عليها السلام عليه، والأشهرُ الثلاثة، والسفيانيّ.

 

2. ما تقدّم في حديث الإمام الصادق عليه السلام لسدير: "يا سَدِير، الزم بيتك، وكن حِلْسًا من أحلاسه، واسكن ما سكن الليل والنهار، فإذا بلغك أنّ السفيانيّ قد خرج، فارحل إلينا ولو على رجلك"[2].

 

هنا يجعل الإمام عليه السلام خروج السفيانيّ علامةً لسدير الذي كان يستعجل هذا الأمر، ويُخاف عليه من الانجرار وراء الدعوات الباطلة.

 

- الدور الثاني: دور تثبيتيّ:

يحفل زمن الغَيْبَة بالامتحانات والاختبارات التي يُبتلى بها المؤمنون ضمن سنن التمحيص المؤهِّلة للثلّة المؤمنة القائدة لدولة الحقّ، وتشتدّ وطأتها كلّما اقترب عصر الظهور، إلّا أنّ بعضها يكاد يكون إرهاصاتٍ عصيبة توجب الحيرة والدهشة والشكّ والارتياب بمستويات غير اعتياديّة، ولا يكاد ينجو منها لولا هدايات السّماء إلّا الأوحديّ، وهنا يأتي دور العلامات ليثبّت الذين آمنوا بالقول الثابت.

 

ومن هذه الامتحانات، ما روي عن زرارة بن أعين (رض): "سمعت أبا عبد اللَّه  عليه السلام يقول: ينادي منادٍ من السماء: إنّ فلانًا هو الأمير، وينادي منادٍ: إنّ عليًّا وشيعته هم الفائزون. قلت: فمَن يقاتل المهديّ بعد هذا؟ فقال: إنّ الشيطان ينادي: إنّ فلانًا وشيعته هم الفائزون لرجل من بني أميّة. قلت: فمَن يعرف الصادق من


 


[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص264.

[2] المصدر نفسه، ص264 - 265.

 

 

207


166

الدرس الخامس عشر: ثقافة العلامات وثقافة العوامل

 الكاذب؟ قال: يعرفه الذين كانوا يروون حديثنا، ويقولون: إنّه يكون قبل أن يكون، ويعلمون أنّهم هم المحقّون الصادقون"[1].

 

وعن هشام بن سالم، قال: "سمعت أبا عبد اللَّه  عليه السلام يقول: هما صيحتان: صيحة في أوّل الليل، وصيحة في آخر الليلة الثانية، قال: فقلت: كيف ذلك؟ قال: فقال: واحدة من السماء، وواحدة من إبليس، فقلت: وكيف تعرف هذه من هذه؟ فقال: يعرفها مَن كان سمع بها قبل أن تكون"[2].

 

- الدور الثالث: دور لطفيّ:

وهو يرتكز على مقدّمة استفدناها من البحث القرآنيّ، وهي أنّ يوم الفَرَج هو يومٌ ﴿لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾، وأنّه يوم الحسم الذي ليس بعده توبة أو اعتذار، فهو نموذجٌ مصغّرٌ عن يوم القيامة. ولذا، كان من اللطف والرحمة بمكان، أن يبيّن الأئمّة عليهم السلام معالم الطريق في الإرهاصات التي تسبق ذلك اليوم، ويميّزوا للمؤمنين رايات الهدى من رايات الضلال بالعلامات، باعتبار أنّ فُرَص الهداية يجب أن تتناسب مع فُرَص العمل والاختيار، وحيث إنّ فُرَص الاختيار والعمل آنذاك محدودةٌ بيوم الفَرَج، فينبغي تصعيد حركة الهداية وزيادة فُرَصها. ولعلّه لأجل ذلك - أيضًا - حفلت الروايات الشريفة عند فرق المسلمين كافّة بالحديث عن أشراط الساعة.

 

النتيجة: كيفيّة الاستفادة الصحيحة من التعرّف على علامات الظهور؟

نستخلص مما تقدّم، أنّ علامات الظهور جزءٌ من منظومة الهداية العامّة، مختصٌّ بهداية المؤمنين إلى القائم الحقّ عجل الله تعالى فرجه الشريف. وتتحقّق هذه الوظيفة العامّة لها من خلال ثلاثة أدوار أساسيّة، مضافًا إلى دور التهيئة النفسيّة وإحياء الأمل. وعليه، تكمن طريقة الاستفادة الصحيحة والمطلوبة من التعرّف على علامات الظهور في إيصال تلك الأدوار


 


[1] النعماني، الغَيْبَة، مصدر سابق، ص272 - 273.

[2] المصدر نفسه، ص274.

 

208


167

الدرس الخامس عشر: ثقافة العلامات وثقافة العوامل

التي أرادها الأئمّة عليهم السلام لها إلى غاياتها، من خلال:

1. الاستفادة من الدور التمييزيّ في كشف القائم الحقّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وتمييزه، وإثبات بطلان دعاوى المهدويّة الكاذبة.

2. الاستفادة من الدور التثبيتيّ في رفع الحيرة والارتياب في لحظات الإرهاصات العصيبة.

3. الاستفادة من الدور اللطفيّ في اغتنام فرصة التوبة ومراجعة الموقف وإعادة الاصطفاف.

4. الاستفادة من دور الإعداد النفسيّ لإحياء روح الأمل ومضاعفة التأهّب والاندفاع.

وعليه، فإنّ أيّ استثمارٍ للبحث في العلامات يخدم غير هذه الجهات أو يتجاوزها، يكون انحرافًا عن الدور الهدايتيّ الذي أراده الأئمّة عليهم السلام من بيان العلامات. وسنذكر فيما يلي بعض نماذج الاستفادة السلبيّة والمرفوضة من علامات الظهور.

 

أشكال الاستفادة السلبيّة من علامات الظهور

تتعدّد أشكال الاستفادة السلبيّة من علامات الظهور، كأن تُستَغلّ للتسلية والترفيه، أو لجذب الأتباع والمشاهدين، أو لتخويف الناس وإرعابهم، أو لغايات سياسيّة لا حصر لها. لكن نريد في هذه العجالة أن نتحدّث عن أبرز نموذَجين منها وأكثرهما نعومةً وشياعًا، وهما: التوقيت والتطبيق.

 

أوّلًا: التوقيت

وهو أن يعمد بعضهم إلى تحديد وقتٍ للظهور المبارك وإذاعته وأنّه بالتحديد هو موعد الظهور، بناءً على دراسته بعضَ العلامات وتوفيقه بينها بالظنّ والتعسّف أو حتّى بأسلوبٍ علميّ. وقد استفاضت الروايات الشريفة في النهي عن التوقيت وذمّ فاعله، وأوضحت أنّ وقت الظهور كوقت الساعة لا يجلّيها لوقتها إلّا اللَّه، وذلك لأجل ضمان نجاح القيام الأخير من خلال الحفاظ على صفة المباغتة، وحفظ الاختيار المقوّم لمرحلة التمحيص، وغيرها من الغايات.

 

 

209

 


168

الدرس الخامس عشر: ثقافة العلامات وثقافة العوامل

فعن الإمام الصادق  عليه السلام: "من وقّت لك من الناس شيئًا فلا تهابنّ أن تكذّبه، فلسنا نوقت لأحدٍ وقتًا"[1]. وعنه  عليه السلام: "كذب الوقّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المُسَلِّمون"[2]. و"عن الفضل بن يسار، عن أبي جعفر  عليه السلام قال: قلت: لهذا الأمر وقت؟ فقال: كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون، كذب الوقّاتون..."[3].

 

وتكمن خطورة التوقيت في أنّه أوّلًا: مخالفٌ لتعاليم الأئمّة عليهم السلام، وثانيًا: زارعٌ للأمل الكاذب في نفوس المؤمنين، فبقدر ما يكون في الأمل الصادق حلاوة بقدر ما يكون في الأمل الكاذب مرارة وخيبة، وهذه الخيبات لو تكرّرت فمن المحتمل جدًّا أن يسري الشكّ والارتياب إلى أصل العقيدة.

 

ثانيًا: التطبيق

وهو أن يقوم أحدهم بتطبيق بعض العلامات المذكورة على الأشخاص والأحداث، بأن يقول إنّ العلامة الفلانيّة المذكورة في الروايات، كعلامة الخراسانيّ مثلًا، تنطبق على فلان الفلانيّ بالتحديد، وهو الخراسانيّ لا محالة، الذي سيسبق ظهور القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف. أو أنّ الحدث الفلانيّ في بلاد الشام هو المقصود من الروايات التي تذكر فتنة الشام، وهكذا.

 

والتطبيق لم يرد نهيٌ خاصّ عنه، إلّا أنّ أغلب أشكاله مستلزمٌ للتوقيت المنهيّ عنه، كما أنّ التوقيت ينشأ أحيانًا من التطبيقات الخاطئة، وهو يستلزم أيضًا محذور الخيبات المتكرّرة. وتتفاوت خطورة التطبيق بين التطبيق في العلامات البعيدة والعامّة، كحدوث الزلازل وموت الفُجأة، والتطبيق في العلامات القريبة الخاصّة، كاليمانيّ والسفيانيّ، كما تتفاوت بين العلامات المحتومة وغيرها. وبشكلٍ عامّ، يلزم التدقيق عند تطبيق العلامات، مع اعتقاد البَدَاء في ذلك كلّه، وعدم رفع منسوب الأمل زيادة على الحدّ المتناسب مع العلامة، والرجوع إلى الراسخين وأهل الاختصاص في ذلك، خاصّة وأنّ أغلب روايات العلامات مشوبة بضعف السند، ومبتلاة بالتعارض الشديد.

 

 


[1] الشيخ الطوسي، الغَيْبَة، مصدر سابق، ص426.

[2] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص368.

[3] المصدر نفسه.

 

210


169

الدرس الخامس عشر: ثقافة العلامات وثقافة العوامل

المفاهيم الرئيسة

1. يحصل خلطٌ -عادةً- في قضيّة الانتظار بين مجموعتَين من الاصطلاحات:

- شرائط الظهور أو شروطه أو عوامله: وهي جميعًا بمعنى أسباب الظهور وعلله.

- أشراط الظهور أو علاماته: وهي بمعنى الآيات أو الأحداث أو مطلق الأمور التي عُلِمَ عن طريق النقل أنّها تسبق فرج الظهور، بحيث تكون حاكيةً عن قرب ميعاده.

2. ثقافة العلامات أو الانتظار التنجيميّ، هي صفة المنتظر الذي يتعدّى في اهتمامه بالعلامات الدور المرصود لها من قِبَل الشارع، بينما ثقافة العوامل أو الانتظار التأسيسيّ هو الذي لا يتجاوز ذلك الدور في اهتمامه بالعلامات.

3. الرؤية المشهورة حول دور علامات الظهور، هي أنّها تلعب دور التهيئة والإعداد النفسيّ.

4. الرؤية الجديدة التي بنيناها في هذا الكتاب حول علامات الظهور، والمبتنية على مصادر المعرفة الصحيحة للإسلام والدور الذي أُنيط بالهداة والحجج عليهم السلام، ترى في العلامات مفردةً من مفردات منظومة الهداية الإلهيّة، وليست تنجيمًا أو محض تنبّؤات.

5. في ضوء هذه الرؤية الجديدة ونصوص روايات العلامات، تلعب العلامات 3 أدوار في ساحة الهداية:

- دور تمييزيّ: يميّز القائم الحقيقيّ عجل الله تعالى فرجه الشريف عن مدّعي المهدويّة.

- دور تثبيتيّ: يثبّت المؤمنين في لحظات الإرهاصات الشديدة.

- دور لطفيّ: ينبّه الغافلين قبل فوات فرصة العمل.

6. من أكثر أشكال الانحراف في فهم العلامات شيوعًا: التوقيت والتطبيق، فينبغي الحذر تجاههما.

 

211


170

الدرس السادس عشر: فضل المنتَظِرين وواجباتهم

الدرس السادس عشر

فضل المنتَظِرين وواجباتهم

 

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يبيّن فضل المنتظرين.

2. يميّز بين الواجبات العامّة والواجبات الخاصّة للمنتظرين.

3. يعدّد واجبات المنتظرين على أساس مستندها الشرعيّ.

 

212


171

الدرس السادس عشر: فضل المنتَظِرين وواجباتهم

تمهيد

بعد أن استوفينا الحديث عن معالم الانتظار الصالح نسبيًّا، نأتي على ذكر فضل المنتَظِرين أوّلًا، وذكر وظائفهم وواجباتهم في زمن الغَيْبَة ثانيًا.

 

فضل المنتَظِرين

مضافًا إلى ما تقدّم من أحاديث في فضل الانتظار وأنّه أفضل الأعمال، وردت أحاديث تبيّن منزلة المنتظرين العظيمة، حتّى جعلتهم أفضل أهل كلّ زمان، كيف لا، وهم الثلّة الممتحنة بأشدّ البلاءات، والمُعَدّة لتحقيق مشروع الخلافة الإلهيّة العامّة في الأرض؟!

 

فعن الإمام السجاد عليه السلام: "تمتد الغَيْبَة بولّي اللَّه الثاني عشر من أوصياء رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلموالأئمّة بعده. يا أبا خالد، إنّ أهل زمان غَيْبَته، القائلين بإمامته، المنتَظِرين لظهوره، أفضل أهل كلّ زمان؛ لأنّ اللَّه -تعالى- ذِكْرُه أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة، ما صارت به الغَيْبَة عندهم بمنـزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنـزلة المجاهدين بين يدَي رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم بالسيف، أولئك المخلصون حقًّا، وشيعتنا صدقًا، والدعاة إلى دين اللَّه سرًّا وجهرًا. وقال  عليه السلام: "انتظار الفَرَج من أعظم الفَرَج"[1].


 


[1] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص320.

 

214


172

الدرس السادس عشر: فضل المنتَظِرين وواجباتهم

وعن الإمام الصادق عليه السلام: "قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: سيأتي قوم من بعدكم الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم. قالوا: يا رسول اللَّه! نحن كنّا معك ببدر وأُحُد وحُنَين، ونزل فينا القرآن! فقال: إنّكم لو تَحْمِلون ما حُمِّلوا لم تصبروا صبرهم"[1].

 

وبالتأكيد، فإنّ هذا الفضل وهذه المنزلة ينالهما من استوفى صفات المنتَظِرين وعمل بوظائفهم. ومن هنا ننطلق للتعرّف عليها.

 

واجبات المنتَظِرِين

يمكن تقسيم واجبات المنتَظِرِين إلى قسمَين رئيسَين:

الأوّل: الواجبات العامّة للمكلّفين

ونقصد بها الواجبات التي تترتّب على أيّ مؤمن استوفى شروط التكليف من العقل البلوغ والاختيار، كالصلاة والصوم والحج والجهاد... إلى غيرها من التكاليف الشرعيّة المذكورة في الرسائل العمليّة. وهذا أقلّ ما يلزم المنتَظِر، باعتبار أنّ المنتظر الذي ذكرنا له ذلك الفضل العظيم والمنزلة الرفيعة هو ليس ملتزمًا عاديًّا، بل هو ملتزمٌ مع مزيّة زائدة، وهي كونه منتَظِرًا وممهِّدًا لدولة الحق.

 

الثاني: الواجبات الخاصّة بالمنتَظِرِين

يوجد واجبات ووظائف تستدعيها صفة الانتظار زيادةً على صفة التكليف التي يوصف بها كلّ عاقلٍ بالغٍ مختار. وتلك الصّفة تستتبع واجباتٍ خاصّة نصّت على بعضها مصادر الإسلام الأصيلة، ويُفهم بعضها الآخر من تحليل معالم الانتظار المستند إلى تلك المصادر الشريفة.


 


[1] الشيخ الطوسي، الغَيْبَة، مصدر سابق، ص456.

 

215


173

الدرس السادس عشر: فضل المنتَظِرين وواجباتهم

من هنا نقسّم الواجبات الخاصّة بالمنتَظِرِين من حيث مستندها إلى:

1. الواجبات المعلومة من ناحية النص المباشر عليها:

أي الواجبات التي عُلِم مطلوبيّتها وشرطها في المنتَظِر من خلال الاستناد إلى النصّ الشرعيّ المباشر عليها؛ بمعنى أمر المعصوم عليه السلام المباشر بذلك. وتنقسم إلى:

أ. واجبات علمية:

أي ما يجب أن يُعلَمَ ويُعتَقَد به، وهو من الكيفيّات النفسيّة، ومنها:

•        معرفة إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف: قُدّمت المعرفة على الانتظار في بعض الروايات، فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "أفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفَرَج"[1]. والمقصود بالمعرفة هنا معرفة إمام الزّمان، للحديث المشهور عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم عند الفريقَين: "من مات لا يعرف إمامه مات ميتةً جاهليّة"[2]. وعلى قدر مراتب المعرفة تكون مراتب المحبّة والشوق والاتّباع، إذا كانت معرفة مقرونة بإرادة العمل.

 

ويوضّح الإمام الصادق  عليه السلام في حديثٍ له أدنى مراتب هذه المعرفة، فيقول عليه السلام: "وأدنى معرفة الإمام: أنّه عِدْلُ النبيّ إلّا درجة النبوة، ووارثُه، وأنّ طاعته طاعة اللَّه وطاعة رسول اللَّه، والتسليم له في كلّ أمر، والردّ إليه، والأخذ بقوله، ويعلم أنّ الإمام بعد رسول اللَّه عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ أنا، ثمّ من بعدي موسى ابني، ثمّ من بعده ولده عليّ، وبعد عليّ محمّد ابنه، وبعد محمّد عليّ ابنه، وبعد عليّ الحسن ابنه، والحجّة من ولد الحسن"[3].


 


[1] ابن شعبة الحراني، تحف العقول، مصدر سابق، ص403.

[2] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص377، 378، 397، ج2، ص20 - 21.

[3] الخزاز القمي، كفاية الأثر، مصدر سابق، ص263.

 

216


174

الدرس السادس عشر: فضل المنتَظِرين وواجباتهم

•        التعبّد بالانتظار: وهو التسليم النفسيّ المفهوم من كون الانتظار أفضل العبادات.

 

•        معرفة علامات ظهوره: وهو الواجب المفهوم من أمر الأئمّة عليهم السلام بمعرفة العلامات، على الوجه الذي تقدّم في الدرس السابق.

 

ب. واجبات عمليّة:

أي ما يجب أن يُعمل خارجًا ليترجم العقيدة على أرض الواقع، ومنها:

•        العمل وفق ما تقتضيه العقيدة: وهو المدلول عليه بقوله -تعالى-: ﴿وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ﴾[1].

 

•        الإعراض عن المستهزئين: ومستنده قوله -تعالى-: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ﴾[2]. وهو بمعنى الاطمئنان، والثبات النفسيّ، والثقة بالنفس والمعتقد، وعدم التأثّر باستهزاء المنكرين وتُهمهم وشبهاتهم، بل العمل على نشر العقيدة المهدويّة، ودفع الشبهات، بخطًى ثابتة مطمئنّة، لا عن تأزّمٍ واضطراب، وتسرّع ناتجٍ عن ضغط المستهزئين.

 

•        الدعاء بالفَرَج: وهو وظيفة مقرونة بالانتظار في الحديث المرفوع عن أحدهم عليهم السلام، حين سُئل: كيف تصنع شيعتك في زمن الغَيْبَة؟ فأجاب: "عليكم بالدعاء، وانتظار الفَرَج"[3]. وعن الإمام الصادق عليه السلام: "سيصيبكم شبهة فتبقون بلا عَلَمٍ يُرى ولا إمام هدى، ولا ينجو فيها إلّا من دعا بدعاء الغريق. قلت: كيف دعاء الغريق؟ قال: تقول: يا اللَّه يا رحمان يا رحيم، يا مقلّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك"[4].

 


[1] سورة هود، الآيتان 121 - 122.

[2] سورة السجدة، الآية 30.

[3] ابن طاووس، السيد علي بن موسى، مهج الدعوات ومنهج العبادات، كتابخانه سنائى، لا.م، لا.ت، لا.ط، ص332.

[4] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص352.

 

217


175

الدرس السادس عشر: فضل المنتَظِرين وواجباتهم

وممّا يُدعى به - أيضًا - في شهر رمضان وغيره الدعاء المعروف الذي أوّله: "اللهمّ كن لوليّك..."[1]. وينبغي -أيضًا - الاهتمام بدعاء العهد أربعين صباحًا حتّى يكون المنتَظِر من أنصار القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

•        الصبر: تقدّم الحديث عن الصبر، وأنّه قدِّم على الانتظار بالفضل في بعض الأحاديث. وتقدّم قول الإمام العسكريّ  عليه السلام في توقيعه إلى الصدوق الأوّل (رض): "فاصبر، يا شيخي، يا أبا الحسن عليّ، وأمر جميع شيعتي بالصبر"[2].

 

•        الثبات: فعن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "والذي بعثني بالحقّ بشيراً، ليغيبنّ القائم من ولدي بعهد معهود إليه منّي، حتّى يقول أكثر النّاس: ما للَّه في آل محمّد حاجة، ويشكّ آخرون في ولادته، فمَن أدرك زمانه فليتمسّك بدينه، ولا يجعل للشيطان إليه سبيلًا يشكّكه، فيزيله عن ملّتي، ويخرجه من ديني"[3].

 

•        الورع ومحاسن الأخلاق والاجتهاد: عن الإمام الصادق  عليه السلام: "مَن سرّه أن يكون من أصحاب القائم، فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتَظِر، فإن مات وقام القائم بعده، كان له مَن الأجر مثل أجر مَن أدركه، فجدّوا وانتظروا، هنيئًا لكم أيتها العصابة المرحومة"[4].

 

2. الواجبات المعلومة من ناحية فهم أسباب الغَيْبَة:

أ. الواجبات المعلومة من ناحية الأسباب الغَيْبِيّة والأسباب المعلومة غير الواقعة تحت الاختيار:

وتتمثّل في التعبّد بالانتظار والصبر في الوقت عينه، الذي يعتقد فيه المنتَظِر بجريان مسألة الغَيْبَة والانتظار وفَق السنن التاريخيّة الإلهيّة، مضافًا إلى الدّعاء بتعجيل رفع هذه الأسباب.


 


[1] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص162.

[2] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، مصدر سابق، ج3، ص527.

[3] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص51.

[4] النعماني، الغَيْبَة، مصدر سابق، ص207.

 

218


176

الدرس السادس عشر: فضل المنتَظِرين وواجباتهم

ب. الواجبات المعلومة من ناحية الأسباب المعلومة الواقعة تحت الاختيار:

•        إعداد القوة: بمعنى التسلّح بالأسلحة الكافية كمًّا ونوعًا، والتدريب اللازم لتحقيق غرض حفظ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف من القتل، ولكي لا يُضْطَرَ إلى بيعة أحد حفظًا لنفسه. ويمكن القول: إنّ هذا يستلزم -مضافًا إلى الإعداد الكمّي والنوعيّ للأنصار- إعدادَ فريقٍ أمنيٍّ خاصٍّ محترف، متدرّب بمهنيّة عالية، وصاحب روحيّة فدائيّة، يستطيع تحقيق غرض حفظ الإمام في أصعب الظروف.

 

•        إعداد الأنصار: بمعنى تهيئة القدر اللازم من الأنصار من الناحيتَين: الكمّيّة والنوعيّة، والتي تستطيع حمل راية القيام، وتحقيق الإنجاز.

 

•        تخطّي الاختبارات الإلهيّة بنجاح: وذلك لاستكمال أحد أهمّ أغراض الغَيْبَة، وهو تهيئة الفئة المضحّيّة والثابتة والمستحقّة لحمل راية العدل الموعود في آخر الزمان، دون أن يدخلها أدنى ارتياب أو انحراف، قبل الإنجاز وبعده.

 

•        تحسين الأعمال: أي الالتزام بالأعمال الصالحة، وعدم فعل ما يؤذي الأئمّة عليهم السلام، من أجل رفع أحد أهمّ الموانع من الحضور، وهو سوء أعمال الأنصار.

 

•        اجتماع القلوب: بمعنى وحدة الكلمة بين المنتَظِرين، ورصّ الصفّ، والتضامن والتكاتف، والتكافل الاجتماعيّ، ونبذ كلّ أشكال التفرّق والتشرذم واختلاف الأهواء والعداء والحقد والتمييز على غير أساس التقوى والفضل والإحسان، كالتمييز العرقي والإثني والجغرافي والنسبيّ... وأن يكون المنتَظِرون في بقاع الأرض شتّى كالجسد الواحد، وعلى قلب رجلٍ واحد يدعون لإمامهم وينتظرونه. ومن أهمّ ما يحقّق هذا الغرض، هو وحدة القيادة التي تنتظم تحت لوائها جميع جهود المنتَظِرين.

 

•        بيان ضعف أطروحات الحكم غير الإلهيّة: وذلك لتحقيق اليأس في قلوب الناس من تلك الأنظمة غير العادلة، وبيان أحقّيّة القائم من آل محمّد بالحكم، حتّى يتشوّق النّاس إلى حكومته، ويهتف كلّ مَن في العالم لظهوره.

 

 

219


177

الدرس السادس عشر: فضل المنتَظِرين وواجباتهم

3. الواجبات المعلومة من ناحية الفهم التركيبيّ لمعالم الانتظار الصالح من المصادر الأصيلة:

واجبات علميّة:

•        فهم معالم الانتظار الإيجابيّ بشكلٍ عام: وهو ما أوضحنا جزءًا كبيرًا منه في الدروس الماضية. ويساهم هذا الفهم في زيادة منسوب المعرفة الصحيحة بالوظائف العلميّة والعمليّة، والتي تؤدّي إلى تحسين نوعيّة الانتظار، مضافًا إلى إسهام هذا الفهم في وضع الانتظار موضعه من المنظومة العقائدية والعملية للمنتَظِر بشكل يتناغم مع سائر الوظائف، ولا يتعارض معها.

 

•        معرفة فضل الانتظار: وذلك من خلال الاطّلاع على الأحاديث في هذا المقام، وفهم الموقع الحسّاس الذي يشغله المنتَظِر على ساحة التاريخ، وهو التمهيد لقيام دولة العدل الكاملة، فيدرك بذلك قيمة الانتظار، ويجتهد فيه.

 

•        إدراك حقيقة كون انتظار الفَرَج من الفَرَج: وهي الحقيقة التي تعجّب الإمام الرضا  عليه السلام من عدم فَهم بعض أصحابه لها. وينبغي للمنتَظِر أن يعيها تمامًا، ويضعها نصب عينَيه، وذلك بأحد الوجوه التي بينّاها سابقًا.

 

•        الحذر من الانتظار السلبيّ: وقد تكون أوّل خطوة في ذلك تحصين النّفس بالمعرفة اللازمة لعدم الوقوع في شَرَكِ شبهات السلبيّين، ومن ثَمّ الانطلاق لهدايتهم إن كانوا مستعدّين، أو لكشف زيفهم وضلالهم إن كانوا معاندين، لحماية الآخرين من شباكهم.

 

•        التحلّي بآداب الانتظار والتخلّي عن مقابلاته ومفاسده: فيجب على المنتَظِر أن يتحلّى بالأناة والصبر على أمر اللَّه، ويتخلّى عن الاستعجال، ويتحلّى بالأمل المحبوب، ويتخلّى عن اليأس المذموم، ويتحلّى بالتعبّد والتسليم، ويتخلّى عن تحكيم الرأي والهوى، ويتحلّى بالوفاء والثبات، ويتخلّى عن التزلزل والتبديل ونقض العهد. وينبغي أن يحذر من مخاطر الانحرافات التي تعصف بالمنتَظِرين:

 

220


178

الدرس السادس عشر: فضل المنتَظِرين وواجباتهم

كأشكال الانتظار السلبيّ، والانجرار وراء الدعاوى المهدويّة الكاذبة، وممارسة التوقيت والتطبيق وتأييدهما.

 

4. الواجبات المعلومة من ناحية الصفات المذكورة للمنتَظِرِين:

أتت بعض الروايات الشريفة على ذكر بعض الأوصاف والخصائص التي يتميّز بها المنتَظِرون في آخر الزمان، ومنها يمكن استنباط بعض الواجبات، باعتبار أنّ هذه الصفات لم توجد قهرًا في نفوس المنتَظِرين، بل وصلوا إليها بفضل التزكية والمجاهدة. ثمّ إنّ المنتَظِر عندما يسمع بصفات أصحاب القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف مع كونه متشوّقًا إلى أن يكون منهم، يسعى مباشرةً للتحلّي بهذه الصفات واكتسابها.

 

أ. علمية:

•        البصيرة والفهم الثاقب: وهو الواجب المستَنْبِطُ من وصف الإمام السجّاد  عليه السلام للمنتَظِرِين بأنّ اللَّه "أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغَيْبَة عندهم بمنـزلة المشاهدة"[1]. وهذه المرحلة لا يمكن الوصول إليها إلّا بالعلم والتحصيل والتزكية والجدّ والاجتهاد والثبات والصبر.

 

ب. عملية:

•        الوفاء بالعهد: ويستند إلى وصف اللَّه -تعالى- للمؤمنين الصادقين في القرآن الكريم: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾[2].

 

•        الإخلاص: وهو المفهوم من قول الإمام السجاد  عليه السلام: "أولئك المخلِصون حقًّا، وشيعتنا صدقًا"، ومن قول الإمام الجواد  عليه السلام: "ينتظر خروجه المخلِصون"[3].


 


[1] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص320.

[2] سورة الأحزاب، الآية 23.

[3] الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، مصدر سابق، ص378.

 

 

221


179

الدرس السادس عشر: فضل المنتَظِرين وواجباتهم

•        الشجاعة والقوّة والبأس: عن الإمام الصادق  عليه السلام: "إنّ الرجل منهم يعطى قوّة أربعين رجلًا، وإنّ قلب رجل منهم أشدّ من زُبُر الحديد، لو مرّوا بالجبال الحديد لتدكدكت، لا يكفون سيوفهم حتّى يرضى اللَّه -عزّ وجلّ-"[1].

 

•        ندبته والحزن عليه عجل الله تعالى فرجه الشريف: في توقيع الإمام العسكري عليه السلام الذي خرج إلى الصدوق الأوّل (رض): "ولا يزال شيعتنا في حزن حتّى يظهر ولدي الذي بشّر به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم"[2]. ويكفينا في ذلك، مطالعة حال الإمام الصادق  عليه السلام حين دخل عليه ثلاثةٌ من خواصّ أصحابه، فوجدوه بحسب وصفهم: "يبكي بكاء الواله الثكلى، ذات الكبد الحرّى، قد نال الحزن من وجنتَيه، وشاع التغيير في عارضيه، وأبلى الدمع مَحْجَريه، وهو يقول: سيّدي! غيبتك نفت رُقادي، وضيّقت عليّ مِهادي، وابتزّت منّي راحة فؤادي، سيّدي! غيبتك أوصلت مصابي بفجايع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد، فما أُحِسُّ بدمعةٍ ترقى من عيني، وأنينٍ يفتر من صدري. قال سدير: فاستطارت عقولنا ولهًا، وتصدعت قلوبنا جزعًا من ذلك الخطب الهائل، والحادث الغائل، وظنّنا أنّه سَمَتَ لمكروهة قارعة، أو حلّت به من الدهر بائقة، فقلنا: لا أبكى اللَّه، يا ابن خير الورى، عينَيك، من أيّة حادثة تستنزف دمعتك وتستمطر عَبْرَتك؟ وأيّة حالة حتّمت عليك هذا المأتم؟ قال: فزفر الصادق  عليه السلام زفرة انتفخ منها جوفه، واشتدّ عنها خوفه، وقال: ويلكم! نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم،... وتأمّلت منه مولد غائبنا، وغَيْبَته، وإبطاءه، وطول عُمُره، وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان،... فأخذتني الرقّة، واستولت عليّ الأحزان"[3].


 


[1] القاضي النعمان المغربي، شرح الأخبار، مصدر سابق، ج3، ص569.

[2] ابن شهر آشوب، مناقب آل أبي طالب، مصدر سابق، ج3، ص527.

[3] الشيخ الطوسي، الغَيْبَة، مصدر سابق، ص168 - 179.

 

222


180

الدرس السادس عشر: فضل المنتَظِرين وواجباتهم

المفاهيم الرئيسة

1. يتبيّن فضل المنتظرين من خلال الأحاديث الشريفة التي فضّلتهم على كلّ أهل زمان، لكنّ هذا يتوقّف على قيامهم بواجبات المنتظرين حقيقةً.

 

2. يمكن تقسيم واجبات المنتظرين إلى قسمَين:

- الواجبات العامّة للمكلّفين: وهي الواجبات التي يشترك المنتظرون مع غيرهم من المكلفين فيها.

- الواجبات الخاصّة بالمنتظرين: لميزة كونهم منتظرين.

 

3. الواجبات المعلومة من ناحية النصّ المباشر:

- الواجبات العلميّة: معرفة إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، والتعبّد بالانتظار، ومعرفة علامات الظهور.

- الواجبات العمليّة: العمل وفق مقتضى العقيدة، والإعراض عن المستهزئين، والدعاء بالفرج، والصبر، والثبات، والورع ومحاسن الأخلاق.

 

4. الواجبات المعلومة من ناحية فهم أسباب الغيبة:

- من ناحية الأسباب الغيبيّة والأسباب المعلومة غير الواقعة تحت الاختيار: التعبّد والصبر.

- من ناحية الأسباب المعلومة الواقعة تحت الاختيار: إعداد القوّة لحفظ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، وإعداد الأنصار، وتخطّي الاختبارات الإلهيّة بنجاح، وتحسين الأعمال، واجتماع القلوب، وبيان ضعف أطروحات الحكم غير الإلهيّة.

 

5. الواجبات المعلومة من ناحية معالم الانتظار الصالح:

- واجبات علميّة: فهم معالم الانتظار الإيجابيّ بشكلٍ عامّ، ومعرفة فضل الانتظار، وإدراك حقيقة كون انتظار الفرج من الفرج.

- واجبات عمليّة: محاربة الانتظار السلبيّ، والتحلّي بآداب الانتظار.

 

6. الواجبات المعلومة من ناحية الصفات المذكورة للمنتظرين:

- واجبات علميّة: البصيرة والفهم الثاقب.

- واجبات عمليّة: الوفاء بالعهد، والإخلاص، والشجاعة، وندبته عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

223

 


181

قائمة المصادر والمراجع

قائمة المصادر والمراجع

 

 

 

1. القرآن الكريم.

2. ابن حبّان، محمّد بن حبّان، الثقات، مطبعة دائرة المعارف العثمانية، الهند - حيدر آباد، 1393هـ.ق - 1973م، ط1.

3. ابن حبّان، محمّد بن حبّان، صحيح ابن حبّان، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسّسة الرسالة، لا.م، 1414هـ.ق - 1993م، ط2.

4. ابن سيدَه، عليّ بن إسماعيل، المخصّص، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربيّ، دار إحياء التراث العربيّ، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط.

5. ابن شهر آشوب، محمّد بن عليّ، مناقب آل أبي طالب، تصحيح وشرح ومقابلة: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، المكتبة الحيدريّة، العراق - النجف الأشرف، 1376هـ.ق - 1956م، لا.ط.

6. ابن طاووس، السيّد عليّ بن موسى، مهج الدعوات ومنهج العبادات، كتابخانه سنائى، لا.م، لا.ت، لا.ط.

7. ابن عاشور، محمّد الطاهر، التحرير والتنوير، مؤسّسة التاريخ العربي، لبنان - بيروت، 1420هـ.ق - 2000م، ط1.

 

 

225


182

قائمة المصادر والمراجع

8. ابن فارس، أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمّد هارون، مكتبة الإعلام الإسلامي، إيران - قم المشرّفة، 1404هـ.ق، ط1.

9. ابن منظور، محمّد بن مكرم، لسان العرب، نشر أدب الحوزة، إيران - قم المشرّفة، 1405هـ.ق، لا.ط.

10. أبو هلال العسكريّ، الفروق اللغويّة، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة، إيران - قم المشرّفة، شوال المكرم 1412هـ.ق، ط1.

11. الأسترآبادي، رضي الدين محّمد بن الحسن، شرح شافية ابن الحاجب، تحقيق وضبط وشرح: محمّد نور الحسن - محمد الزفزاف - محمّد محيي الدين عبد الحميد، دار الكتب العلميّة، لبنان - بيروت، 1395هـ.ق - 1975م، لا.ط.

12. الأصفهاني الميرزا محمّد تقي، وظيفة الأنام في زمن غَيْبَة الإمام، ترجمة: السيّد أبو أحمد الكاظمي، تحقيق ونشر: مؤسّسة الامام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، 1407هـ.ق - 1366هـ.ش، ط1.

13. الأصفهاني، الميرزا محمّد تقي الموسوي، مكيال المكارم، تحقيق: السيّد عليّ عاشور، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1421هـ.ق، ط1.

14. الإمام زين العابدين  عليه السلام، الصحيفة السجادية، تحقيق: السيّد محمّد باقر الموحد الابطحيّ الإصفهاني، مؤسّسة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف - مؤسّسة الأنصاريان للطباعة والنشر، إيران - قمّ المشرّفة، 1411هـ.ق، ط1.

15. البرقي، أحمد بن محمّد بن خالد، المحاسن، تصحيح وتعليق: السيّد جلال الدين الحسيني، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1370هـ.ق - 1330ش، لا.ط.

16. البيهقي، أحمد بن الحسين، شعب الإيمان، تحقيق: محمّد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلميّة، لبنان - بيروت، 1410هـ.ق - 1990م، ط1.

 

226


183

قائمة المصادر والمراجع

17. الترمذي، محمّد بن عيسى، الجامع الصحيح (سنن الترمذي)، تحقيق وتصحيح: عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1403هـ.ق - 1983م، ط2.

18. التستري، سهل بن عبد اللَّه، تفسير التستري، منشورات محمّد عليّ بيضون - دار الكتب العلميّة، لبنان - بيروت، 1423هـ.ق، ط1.

19. التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري  عليه السلام، تحقيق: مدرسة الإمام المهديّ  عجل الله تعالى فرجه الشريف، مدرسة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، إيران - قمّ المشرّفة، ربيع الأول 1409هـ.ق، ط1.

20. التنوخي، القاضي المحسن بن أبي القاسم، الفَرَج بعد الشدة، منشورات الشريف الرضي، إيران - قم المشرّفة، 1364هـ.ش، ط2.

21. التيمي، معمر بن المثنى، مجاز القرآن، تحقيق: الدكتور محمّد فؤاد سزگين، مكتبة الخانجي - دار الفكر، 1390هـ.ق - 1970م، ط2.

22. الجرجاني، عبد اللَّه بن عدي، الكامل، قراءة وتدقيق: يحيى مختار غزاوي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، محرم 1409هـ.ق - 1988م، ط3.

23. الجوهري، إسماعيل بن حماد، الصحاح، تحقيق: أحمد عبد الغفور العطار، دار العلم للملايين، لبنان - بيروت، 1407هـ.ق - 1987م، ط4.

24. الحراني، الشيخ ابن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة، إيران - قم المشرّفة، 1404هـ.ق -1363هـ.ش، ط2.

25. حكيمي، محمد رضا، الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في كتب الأمم السابقة والمسلمين، ترجمة: حيدر آل حيدر، الدار الإسلاميّة، لبنان - بيروت، 1423هـ.ق - 2003م، ط1.

 

 

227


184

قائمة المصادر والمراجع

26. الحلّيّ، العلّامة الحسن بن يوسف بن المطهر، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، تحقيق: آية اللَّه حسن زاده الآملي، مؤسّسة نشر الإسلامي، إيران - قم المشرّفة، 1417هـ.ق، ط7.

27. الحميري القمي، عبد اللَّه بن جعفر، قرب الاسناد، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، إيران - قم المشرّفة، 1413هـ.ق، ط1.

28. الخباز، السيّد منير، الأمل والانتظار، صحيفة صدى المهديّ، العدد 28، النجف الأشرف، رمضان 1422هـ.ق - 2011م.

29. الخباز، السيّد منير، في رحاب الانتظار (محاضرة مكتوبة ومنشورة بتاريخ 6/7/2012م على موقع سماحته:

(http://almoneer.org/?act=artc&id=1262)، تمّت زيارته بتاريخ: 6/5/2020م.

30. الخزّاز القمّيّ، عليّ بن محمد، كفاية الأثر، تحقيق: السيّد عبد اللطيف الحسيني، انتشارات بيدار، إيران - قم المشرّفة، 1401هـ.ق، لا.ط.

31. الخزاز القمّيّ، عليّ بن محمّد، كفاية الأثر، تحقيق: السيد عبد اللطيف الحسيني، انتشارات بيدار، إيران - قم المشرّفة، 1401هـ.ق، لا.ط.

32. الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي، تاريخ بغداد، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1417هـ.ق - 1997م، ط1.

33. الخميني، السيد مصطفى، ثلاث رسائل في ولاية الفقيه، تحقيق ونشر: مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني قدس سره، جمادي الثاني 1418ه.ق - آبان 1376هـ.ش، ط1.

34. ذو الفقار، ذو الفقار علي، الحركات المهدويّة - تاريخها عقائدها خطرها، مركز

 

228


185

قائمة المصادر والمراجع

بانقيا للأبحاث والدراسات، لا.م، لا.ت، لا.ط.

35. الرازي، فخر الدين محمد بن عمر، تفسير الرازي، لا.م، لا.ن، لا.ت، ط3.

36. الراغب الأصفهاني، أبو القاسم الحسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، طليعة النور، لا.م، 1427هـ.ق، ط2.

37. الراوندي، قطب الدين سعيد بن هبة اللَّه، الدعوات (سلوة الحزين)، مدرسة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، إيران - قم المشرّفة، 1407هـ.ق، ط1.

38. الرضي، الشريف محمد بن الحسن، نهج البلاغة (خطب الإمام علي  عليه السلام)، تحقيق وتصحيح: صبحي الصالح، لا.ن، لبنان - بيروت، 1387هـ.ق - 1967م، ط1.

39. الريشهري، الشيخ محمد، ميزان الحكمة، تحقيق ونشر: دار الحديث، لا.م، لا.ت، ط1.

40. الزمخشريّ، محمود، أساس البلاغة، دار ومطابع الشعب، مصر - القاهرة، 1960م، لا.ط.

41. السبحاني، الشيخ جعفر، تهذيب الأصول (تقرير بحث السيد الخميني للسبحاني)، انتشارات دار الفكر، إيران - قم المشرّفة، 1367هـ.ش، ط3.

42. السجستاني، أبو داوود سليمان بن الأشعث، سنن أبي داوود، تحقيق وتعليق: سعيد محمد اللحام، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1410هـ.ق - 1990م، ط1.

43. السلمي، أبو عبد الرحمن، تفسير السلمي، تحقيق: سيد عمران، دار الكتب العلمية، 1421هـ.ق - 2001م، ط1.

44. السمرقندي، نصر بن محمد، تفسير السمرقندي (بحر العلوم)، تحقيق: د.محمود مطرجي، دار الفكر، لا.ت، لا.ط.

 

229

 


186

قائمة المصادر والمراجع

45. الشهيد الثاني، الشيخ زين الدين العاملي، مُسكّن الفؤاد، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، إيران - قم المشرّفة، ذي الحجّة 1407هـ.ق، ط1.

46. الشهيد زيد بن عليّ (رض)، مسند زيد بن عليّ، دار مكتبة الحياة، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط.

47. الصدر، السيد محمّد صادق، تاريخ الغَيْبَة الكبرى، دار التعارف، لبنان - بيروت، 1412هـ.ق -1992م، لا.ط.

48. الصدر، الشهيد السيد محمّد باقر، السنن التاريخيّة في القرآن، أعاد صياغة عباراته وترتيب أفكاره: الشيخ محمّد مهدي شمس الدين، دار إحياء التراث العربي، لبنان - بيروت، 1432هـ.ق - 2011م، ط1.

49. الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، الأمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، مركز الطباعة والنشر في مؤسّسة البعثة، إيران - قم المشرّفة، 1417هـ.ق، ط1.

50. الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، الخصال، تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، إيران - قم المشرّفة، 1403هـ.ق - 1362هـ.ش، لا.ط.

51. الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، ثواب الأعمال، تقديم: السيد محمّد مهدي السيد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضي، إيران - قم المشرّفة، 1368هـ.ش، ط2.

52. الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، علل الشرائع، تقديم: السيد محمّد صادق بحر العلوم، المكتبة الحيدرية، العراق - النجف الأشرف، 1385هـ.ق - 1966م، لا.ط.

 

230


187

قائمة المصادر والمراجع

53. الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، عيون أخبار الرضا  عليه السلام، تصحيح: الشيخ حسين الأعلمي، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1404هـ.ق - 1984م، لا.ط.

54. الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، كمال الدين وتمام النعمة، تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، إيران - قم المشرّفة، 1405هـ.ق - 1363هـ.ش، لا.ط.

55. الصفار، محمّد بن الحسن، بصائر الدرجات، تصحيح: الحاج ميرزا حسن كوچه باغي، منشورات الأعلمي، إيران - طهران، 1404هـ.ق - 1362ش، لا.ط.

56. الطباطبائي، العلّامة السيد محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، إيران - قم المشرّفة، 1417هـ.ق‏، ط5.

57. الطبراني، سليمان بن أحمد، الدعاء، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1413هـ.ق، ط1.

58. الطبرسي، أبو الفضل عليّ، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، تحقيق: مهدي هوشمند، دار الحديث، 1418هـ.ق، ط1.

59. الطبرسي، أبو منصور أحمد بن عليّ، الاحتجاج، تعليق: السيد محمّد باقر الخرسان، دار النعمان للطباعة والنشر، العراق - النجف الأشرف، 1386هـ.ق - 1966م، لا.ط.

60. الطبرسي، الشيخ الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق وتعليق: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1415هـ.ق - 1995م، ط1.

61. الطبري، محمّد بن جرير، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، تقديم: الشيخ خليل

 

231


188

قائمة المصادر والمراجع

الميس، ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1415هـ.ق - 1995م، لا.ط.

62. الطريحي، الشيخ فخر الدين، مجمع البحرين، تحقيق: السيّد أحمد الحسينيّ، نشر مرتضوي، لا.م، 1362هـ.ش، ط2.

63. الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن، الأمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قم المشرّفة، 1414هـ.ق، ط1.

64. الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق وتصحيح: أحمد حبيب قصير العاملي، مكتب الإعلام الإسلامي، لا.م، 1409هـ.ق، ط1.

65. الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن، العدة في أصول الفقه (عدة الأصول)، تحقيق: محمّد رضا الأنصاري القمي، إيران - قم المشرّفة، لا.ن، ذو الحجّة 1417هـ.ق - 1376هـ.ش، ط1.

66. الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن، الغَيْبَة، تحقيق: الشيخ عباد اللَّه الطهراني - الشيخ عليّ أحمد ناصح، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، إيران - قم المشرّفة، 1411هـ.قـ، ط1.

67. عبد الباقي، محمّد فؤاد، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، دار الحديث، مصر -القاهرة، 1364هـ.ق، لا.ط.

68. علي ابن بابويه القمي، الإمامة والتبصرة، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهديّ  عجل الله تعالى فرجه الشريف - قم المشرّفة، 1404هـ.ق - 1363هـ.ش، ط1.

69. العياشي، محمّد بن مسعود، تفسير العياشي، تحقيق: الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلاميّة، إيران - طهران، 1422هـ.ق‏، ط1.

 

 

232


189

قائمة المصادر والمراجع

70. الغزالي، أبو حامد محمّد بن محمّد، إحياء علوم الدين، دار الكتاب العربي، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط.

71. الفراهيديّ، الخليل بن أحمد، العين، تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي؛ الدكتور إبراهيم السامرائي، مؤسّسة دار الهجرة، إيران - قم المشرّفة، 1409هـ.ق، ط2.

72. الفيروزآبادي، الشيخ مجد الدين محمّد بن يعقوب الشيرازي، القاموس المحيط، دار العلم للجميع، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط.

73. الفيض الكاشاني، المولى محمّد محسن، الوافي، تحقيق: ضياء الدين الحسيني الأصفهاني، مكتبة الامام أمير المؤمنين عليّ  عليه السلام العامة، إيران - أصفهان، 1406هـ.ق، ط1.

74. قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلاميّة، المعجم في فقه لغة القرآن وسرّ بلاغته، لا.ن، إيران - مشهد، 1247هـ.ق - 1385هـ.ش، ط2.

75. القضاعي، محمّد بن سلامة، مسند الشهاب، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مؤسّسة الرسالة، لبنان - بيروت، 1405هـ.ق - 1985م، ط1.

76. القمي، عليّ بن إبراهيم، تفسير القمي، تصحيح وتعليق وتقديم: السيد طيب الموسوي الجزائري، مؤسّسة دار الكتاب للطباعة والنشر، إيران - قم المشرّفة، 1404هـ.ق، ط3.

77. الكراجكي، أبو الفتح محمّد بن عليّ، كنز الفوائد، مكتبة المصطفوي، إيران - قم المشرّفة، 1369هـ.ش، ط2.

78. الكراجكي، أبو الفتح محمّد بن عليّ، معدن الجواهر، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، لا.م، لا.ن، 1394هـ.ق، ط2.

 

233


190

قائمة المصادر والمراجع

79. الكليني، الشيخ محمّد بن يعقوب، الكافي، تحقيق وتصحيح: عليّ أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363هـ.ش، ط5.

80. الكوفي، ابن أبي شيبة عبد اللَّه بن محمّد، المصنف، تحقيق وتعليق: سعيد اللحام، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، جمادى الآخرة 1409هـ.ق - 1989م، ط1.

81. المازندراني، المولى محمّد صالح بن أحمد، شرح أصول الكافي، ضبط وتصحيح: السيد عليّ عاشور، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1421هـ.ق - 2000م، ط1.

82. المباركفوري، محمّد عبد الرحمن، تحفة الأحوذي (شرح جامع الترمذي)، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1410هـ.ق - 1990م، ط1.

83. المجلسي، العلّامة محمّد باقر بن محمد تقي، بحار الأنوار، تحقيق: السيد إبراهيم الميانجي؛ محمّد الباقر البهبودي، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403هـ.ق - 1983م، ط2.

84. المحسني، محمّد آصف، صراط الحق في المعارف الإسلاميّة والأصول الاعتقادية، دار ذوي القربى، 1428هـ.ق، ط1.

85. مرتضى العاملي، السيد جعفر، مختصر مفيد، المركز الإسلامي للدراسات، لبنان - بيروت، 1423هـ.ق - 2002م، ط1.

86. المرتضى، الشريف أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي، المقنع في الغَيْبَة، تحقيق: السيد محمّد عليّ الحكيم، مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، لبنان - بيروت، جمادي الآخرة 1416هـ.ق، ط1.

87. مركز نون للتأليف والترجمة، سلسلة إحياء فكر الشهيد مطهري - فلسفة التاريخ ونهضة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، جمعية المعارف الإسلاميّة الثقافية، لبنان - بيروت، 1426هـ.ق - 2005م، ط1.

 

234


191

قائمة المصادر والمراجع

88. المصطفوي، الشيخ حسن، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مؤسّسة الطباعة والنشر وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، إيران، 1417هـ.ق، ط1.

89. معجم المعاني الإلكتروني، (http://www.almaany.com/ar/thes/ar-ar/اِنْتِظَار/)، وقت الزيارة 16/3/2020.

90. المغربي، القاضي النعمان بن محمّد، شرح الأخبار، تحقيق: السيد محمّد الحسيني الجلالي، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرّفة، إيران - قم المشرّفة، 1414هـ.ق، ط2.

91. مغنية، الشيخ محمّد جواد، التفسير الكاشف، دار العلم للملايين، لبنان - بيروت، 1981م، ط3.

92. المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان، الإرشاد، تحقيق: مؤسّسة آل البيت عليهم السلام لتحقيق التراث، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414هـ.ق - 1993م، ط2.

93. المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان، تفسير القرآن المجيد المستخرج من تراث الشيخ المفيد رحمه الله، إعداد: السيد محمّد عليّ أيازي، مؤسّسة بوستان كتاب قم (مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي)، 1424هـ.ق - 1382هـ.ش، ط1.

94. مقاتل بن سليمان، تفسير مقاتل بن سليمان، تحقيق: أحمد فريد، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1424هـ.ق - 2003م، ط1.

95. المنتظري، الشيخ حسين عليّ، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلاميّة، المركز العالمي للدراسات الإسلاميّة، إيران - قم المشرّفة، 1408هـ.ق، ط1.

96. مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، معجم أحاديث الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، إشراف: الشيخ عليّ كوراني، مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، إيران - قم المشرّفة، 1411هـ.ق، ط1.

 

235


192

قائمة المصادر والمراجع

97. مؤسّسة تنظيم ونشر تراث الإمام الخميني قدس سره، صحيفة الإمام، ترجمة: صادق خورشا، مراجعة: منير مسعودي، إيران - طهران، 1430هـ.ق - 2009م، ط1.

98. النجفي، الشيخ بشير، لماذا الانتظار؟ (مقابلة أجراها معه الشيخ حيدر الأسدي)، مجلة الانتظار، العدد الأول، العراق - النجف الأشرف، جمادى الأولى 1426هـ.ق.

99. النيسابوري، الحاكم محمّد بن عبد اللَّه، المستدرك على الصحيحين، إشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة للطباعة والنشر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط.

100. الهيثمي، عليّ بن أبي بكر، مجمع الزوائد، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1408هـ.ق - 1988م، لا.ط.

101. يعقوب، أحمد حسين، حقيقة الاعتقاد بالإمام المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، دار الملاك، الأردن - جرش، 2000م، ط1.

 

236


193
ثقافة الإنتظار