٥٧ سبباً لترك الحجاب

-عرض ومناقشة-


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2019-08

النسخة:


الكاتب

الشيخ بسّام محمّد حسين


مقدّمة

مقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيّد الخلق أجمعين، المبعوث رحمةً للعالمين، نبيّنا محمّد بن عبد الله، وعلى آله الغرّ الميامين، لا سيّما بقيّة الله في الأرضين (عجل الله تعالى فرجه).

تثار بين الحين والآخر مجموعةٌ من التساؤلات والإشكالات أو الشبهات، حول العديد من المفاهيم الإسلاميّة والقضايا الدينيّة. قد يأتي بعضها عفويًّا نتيجةَ حبّ الاطّلاع والتعلّم، ولكنّ الكثير منها- مع الأسف- هو نتيجة ما يطرحه خصوم الإسلام وأعداؤه، وتأثّر شريحة من المسلمين بما قاله هؤلاء أو كتبوه أو بثّوه من فكرٍ وثقافة.

وقد لجأ الغرب وأعوانه، في العقود الأخيرة، إلى شنّ الحملات والحروب الناعمة على الإسلام ومفاهيمه وأفكاره، مستخدمًا شتّى الأساليب والوسائل التي توصله إلى مبتغاه ومراده.

 

10


1

مقدّمة

ومن بين هذه المفاهيم التي كثر التعرّض لها وطرحها: مسألة ستر المرأة وحجابها. فقد تعرّض هذا المفهوم إلى أشدّ حالات الهجوم الثقافيّ من الغرب وأتباعه اللّيبراليّين وضعفاء النفوس من المسلمين، الذين استخدموا أساليب مختلفة ومتعدّدة، فكريّة وثقافيّة ودينيّة واجتماعيّة وحقوقيّة وغيرها، وصولًا إلى المنع القانونيّ، بل والاتّهام الإرهابيّ!

ومن الملاحظ أنّ هذه الحرب الناعمة، أفرزت شبهات وأفكارًا دخيلةً على مجتمعاتنا، وأخذت فتياتُنا ونساؤنا تتأثّر بها أو تقف عندها، مع أنّ الإجابة عن بعضها من الوضوح بمكان، ولكنّها الشبهة التي قال عنها أمير المؤمنين (عليه السلام): «وإنّـما سُـمّيت الشبهةُ شبهةً لأنّها تشبه الحقّ، فأمّا أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين، ودليلُهم سَمْتُ الهدى[1]، وأمّا أعداء الله فدعاؤهم فيها الضلال، ودليلُهم العمى»[2].

على أنّ الأمر لم يقتصر على ما يمكن عدّه شبهةً أو إشكالًا أو تساؤلًا، وإنّما خلّف- من ناحيةٍ- ضعفًا في نفوس العديد من النساء المسلمات، انعكس في عدم ارتدائهنّ الحجاب، أو التراجع عن لباسه في مواضعَ محدودة، أو الخجل منه.

وأدّى- من ناحيةٍ أخرى- إلى إيجاد أسباب ومبرّرات، لا تنسجم مع إيمان المرأة بدينها وقناعتها بإسلامها، بل صارت إحداهنّ تلجأ- أحيانًا- إلى أسباب وحجج وأعذار، هي أشبه

 


[1] سمت الهدى: طريقه.

[2] نهج البلاغة، خطبة رقم: 38.

 

11


2

مقدّمة

بالأوهام والخيالات، لتبرير ترك الحجاب والستر الواجب عليها.

وقد دعانا ذلك إلى تأليف هذا الكتاب، للإجابة عن بعض تلك الأسباب والمبرّرات، عسى أن يكون نافعًا في الإضاءة على هذا الجانب من ستر المرأة، ومجيبًا عن معظم ما يدور في خلد بعضهنّ، أو أفواه أخريات.

وقد حاولنا فيه تقديم شيء جديد يختلف عمّا هو موجودٌ في الكتابات الأخرى، التي استعرضت هذا الموضوع، وأسميناه: «٥٧ سببًا لترك الحجاب، عرض ومناقشة».

هذا، ونسأله سبحانه أن يجعل عملنا خالصًا لوجهه، ويتقبّله منّا، ويكون محلّ نظر مولانا صاحب العصر والزمان(عجل الله تعالى فرجه)ولطفه وعنايته، وأن ينفعنا به يومَ لا ينفع مالٌ ولا بنون إلّا من أتى الله بقلبٍ سليم.

 

بسّام محمّد حسين

بيروت- لبنان

الجمعة: 19 - 5 - 2017 ميلادي

الموافق: 21 شعبان المعظّم 1438 للهجرة

 

13

 


3

مقدّمة

الإهداء

إلى سيّدة الطهر والعفاف...

بضعة الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله)...

سيّدة النساء...

فاطمة الزهراء (عليها السلام)...

وإلى من سار على دربها وبذل الدماء

أهدي هذا الكتاب..

راجيًا من عطفها القَبول..

بسّام

 

14


4

مقدّمة

تمهيد

يمثّل سترُ المرأة وحجابُها أحد الواجبات الدينيّة التي عُرف الدين الإسلاميّ بتشريعه لها، وبالتزام نساء المسلمين به، على مرّ الأزمان واختلاف البلدان، وتعدّد المجتمعات والعادات. حاله في ذلك حال بقيّة الأحكام الواضحة من الواجبات والمحرّمات التي تعدّ في الدرجة الأولى من حيث وضوح الحكم الشرعيّ بها، وتسمّى «الضروريّات»[1].

وهي مجموعة من الأحكام التي تستغني عن الاستنباط الفقهيّ والاجتهاد الفكريّ، لشدّة وضوحها، حتّى عند من لا يؤمن بالإسلام. فمَن لا يعرف- سواء من المسلمين أو من غيرهم- أنّ الإسلام يوجب الصلاة أو الصيام، أو يحرّم شرب الخمر أو الزنا مثلًا؟!

وهكذا الحال في أمر الحجاب، فإنّ كونه واجبًا مفروضًا على المرأة من الوضوح بحيث إنّ العلم به لا يقف عند المسلمين فحسب، بل يشمل أبناء الديانات والمذاهب والتيّارات الأخرى.

 


[1] صرّح المرجع الكبير السيّد محسن الحكيم { في مستمسك العروة الوثقى، ج 5، ص 240، بكون وجوب ستر المرأة لتمام بدنها من ضروريّات الدين. وكذلك المرجع الكبير الراحل السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره، انظر: البروجردي، الشهيد الشيخ مرتضى، موسوعة الإمام الخوئي، ج 12، ص 62. فليُلاحظ.

 

15


5

مقدّمة

ومثل هذه الأحكام لا يجوز لمسلم إنكارها أو التشكيك في ثبوتها؛ لأنّها ليست وليدة نظر فقيه أو رأي مجتهد، ولا نتيجة بحث باحث أو جهد متتبِّع، بل هي ناشئة من الوضوح التامّ للحكم الشرعيّ على المستوى النظريّ والتطبيق العمليّ؛ ما يجعل المسألة خارج دائرة الأمور الخلافيّة، ويغني صاحبها عن البحث حولها والاستدلال عليها.

ومن هنا، كان التكذيب بمثل هذه الأحكام الواضحة يستلزم تكذيبًا للدين، وما جاءت به شريعة سيّد المرسلين الصادق الأمين (صلى الله عليه وآله). وهو أمر يتنافى مع اعتقاد الإنسان بربّه وخالقه، وحججه وأوليائه.

هذا، وقد أكّد القرآن الكريم- كما ستأتي الإشارة إليه- على لزوم الستر والحجاب للمرأة، وكذلك الروايات الواردة عن النبيّ وأهل بيته (عليهم السلام).

كما أنّ سيرة النساء المسلمات منذ عصر النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى يومنا هذا، قائمة على الالتزام بالستر والحجاب، والعمل على طبقه.

وبعد وضوح ما تقدَّم كلّه، من أصل وجوب الستر والحجاب على المرأة، كان لا بدّ من عرض ما يقال بخلافه من شبهة أو إشكال، أو وهم أو خيال، أو حجج أو أعذار، تُذكر هنا أو هناك كأسباب لترك الستر والحجاب، والإجابة عن كلّ واحدة منها، لئلّا يبقى هناك أيّ شائبة يمكن أن تعترض قناعة المرأة المسلمة بهذا التكليف الإلهيّ الربّانيّ، أو تقف عائقًا أمام

 

16


6

مقدّمة

تسليمها المطلق لأحكام الله، والتعبّد بوظائفه الشرعيّة.

فهناك الكثير من النساء المسلمات اللّواتي يتمسّكن بأعذار ومبرّرات مختلفة حينما يُسألن عن سبب تركهنّ الحجاب، في الوقت الذي يعتقد فيه أغلبهنّ بأنّه أمر أوجبه الله تعالى عليهنّ؛ ما يوضّح أنّ هذه الأسباب لم تنشأ من نظرة صحيحة وفهم سليم لطبيعة العلاقة بين العبد وربّه، ووظائفه تجاه خالقه.

وهذا لا يعني أنّنا لا نسمح بطرح السؤال عن فلسفة الحكم أو وجه الحكمة والفائدة منه، بل على العكس، فنحن ندعو إلى التأمّل والتدبّر في أحكامه تعالى واكتشاف وجه الحكمة والفائدة منها، لدنيانا وآخرتنا. فالله غنيّ عن عباده، ولم يأمرهم بشيء إلّا وكان نفعُ ذلك راجعًا إليهم، كما لم يمنعهم من شيء إلّا وكان ضرره عائدًا إليهم. فما المانع من أن نتدبّر في تشريعه لهذه الأحكام، كما نتأمّل ونتدبّر في خلقه وإيجاده، وتكوينه وإبداعه في سائر مخلوقاته؟!

لكنّ ذلك لا يعني تحكيم النتائج القاصرة لعقولنا، وجعلها سببًا وعلّة لثبوت الحكم، بل التسليمُ لله والطاعة لأمره والتقرّب إليه، ينبغي أن تواكب الإنسان في قناعته وعمله، مقدّمةً على أيّ أمر آخر أو مصلحة أخرى يجدها في عمل يقوم به أو تصرّف يصدر منه، سواء أعَلِمَ وجه الحكمة والنفع فيه أم لا. فهذا ما يمليه عليه إيمانه بتوحيد الله تعالى في مقام العمل

 

17


7

مقدّمة

والطاعة والانقياد له سبحانه وتعالى.

فلا بدّ- إذًا- من دراسة هذه الأسباب دراسة عاقلة متأنّية، بعيدًا عن التعصُّب والهوى، لئلّا نكون مصداقًا لقوله تعالى: ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنٗا﴾[1].

وقد جمعنا هذه الأسباب والمبرّرات التي يتحدّث بها أو يتساءل عنها بعض الفتيات والنساء، وربّما بعض الرجال أيضًا، وضممنا إليها بعض الإشكالات أو الشبهات التي جاءت مِن بعض مَن أنكر أو شكّك في وجوب الستر أو الحكمة منه، وهي، وإن كانت متقاربة أحيانًا، إلّا أنّنا آثرنا الإجابة عن كلّ واحدة منها بإجابات خاصّة، متحاشين التَكرار قدر الإمكان.

المنهج المعتمد في هذا الكتاب:

يتّضح المنهج الذي اعتمدناه في هذا الكتاب من خلال بيان الآتي:

أوّلًا: المحور الأساس الذي يتناوله هذا الكتاب بالبحث، هو الإجابة عن معظم التساؤلات والإشكالات، أو الشبهات والأسباب المطروحة، التي تُذكر كأعذار وحجج للتخلّي عن الحجاب وعدم ارتدائه؛ ولذا،لم نتعرّض فيه لأدلّة وجوب الحجاب بشكل مفصّل، أو لأبعاده وفوائده والحكمة من تشريعه، إلّا بمقدار ما يحتاج إليه الجواب.

 


[1] سورة فاطر، الآية: 8.

 

18


8

مقدّمة

ثانيًا: قمنا بعرض السبب، ثمّ الإجابة عنه بما رأيناه مناسبًا، فتارة من خلال الرؤية

 

 

19


9

مقدّمة

الدينيّة، مستهدين بآيات القرآن الكريم وروايات النبيّ وأهل بيته  (عليهم السلام)، وأخرى بالأسلوب الإقناعيّ المنطقيّ، ﴿وَجَٰدِلهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحسَنُ﴾[1]، وثالثة بالرجوع إلى الوجدان الفطريّ والعقلائيّ، بعيدًا عن التعصّب والأهواء، وأحيانًا بالاستعانة ببعض نتائج الأبحاث العلميّة، الطبيّة أو الاجتماعيّة أو النفسيّة.

ثالثًا: خطابنا موجّه- بالدرجة الأولى- إلى الفتاة والمرأة المسلمة، التي تؤمن بدينها وإسلامها، وما جاء فيه من تعاليمَ ومعارفَ إلهيّة دينيّة، وإن كان بالإمكان لغيرها أن يستفيد من كثيرٍ ممّا جاء في هذه الإجابات أيضًا.

رابعًا: ذكرنا في الإجابات بعض ما يمكن استفادته من حِكَم التشريع وفوائده وأبعاده المختلفة، وإن كان الأساس في كلّ الأحكام هو التعبُّد لله تعالى وطاعته، حتّى لو لم ندرك بعقولنا القاصرة أيًّا منها. ومن هنا، فما ذكرناه لا يمثِّل العلّة والسبب الأساس للحكم الشرعيّ، فإنّ ذلك لا يعلمه إلّا الله سبحانه وتعالى، ومَن علّمهم من حُججه وأوليائه.

خامسًا: أغفلنا ذكر أسماء أصحاب هذه المبرّرات والأسباب، إمّا لعدم أهمّيّة ذلك؛ لكون السبب ممّا يتداوله كثيرٌ من الناس العاديّين، وإمّا لعدم الرغبة في الدخول في سجال مع أحد، أو لئلّا نروّج لأصحابها.

 

 


[1]  سورة النحل، الآية: 125.

 

20


10

مقدّمة

سادسًا: وضعنا هذه الأسباب والمبرّرات تحت عناوين عامّة، شكّلت فصول الكتاب، وذلك كالآتي: أسباب دينيّة، أسباب اجتماعيّة، أسباب شكليّة، أسباب طبّيّة، أسباب شخصيّة ومتفرّقة.

فهرسة مطالب الكتاب:

كما أشرنا؛ لقد قمنا بتبويب مطالب الكتاب ضمن فصول وعناوين خمسة عامّة ورئيسة، ثمّ عرضنا كلّ عنوان بشكل مفصّل وأجبنا عنه.

وكانت حصيلة ذلك ٥٧ سببًا، جاءت على الشكل الآتي:

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة، عدد 13:

1- الحجاب ليس مذكورًا في القرآن.

2- الحجاب واجب على نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقط.

3- لم يوجب القرآن ستر الرأس والشعر.

4- الحجاب لأجل التفريق بين الحُرّة والأَمة.

5- الواجب عدم إظهار الزينة والتبرّج أمام الرجال، لا الحجاب.

6- الحجاب ليس فرضًا.

7- الحجاب حال الصلاة وخارجها.

 

21


11

مقدّمة

8- لا إكراه في الدين.

9- الحجاب عادة اجتماعيّة، لا مسألة دينيّة.

10- المطلوب هو الاحتشام، وليس الحجاب.

11- الحجاب ظلم للمرأة.

12- الإيمان في القلب.

13- لماذا لا يجب الحجاب على الرجل كالمرأة؟

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة عدد 18:

1- الحجاب والكبت الجنسيّ.

2- أريد أن أتزوّج أوّلًا.

3- الحجاب انتماء حزبيّ أو سياسيّ.

4- لا مال لديّ لأشتري ملابس للحجاب.

5- لا زالت صغيرة.

6- صديقاتي غير محجّبات.

 

22


12

مقدّمة

7- صديقاتي غير مسلمات.

8- أعيش في بلد غير إسلاميّ.

9- عائلتي ليست ملتزمة دينيًّا.

10- حتّى تتحجّب أمّي- أختي- صديقتي.

11- زوجي يمنعني من الحجاب.

12- أريد أن أعمل أو أدرس أوّلًا.

13- إنّهم يهزأون بي.

14- الحجاب وعزل المرأة.

15- الحجاب لا يحمي المرأة، بل القانون.

16- الحجاب لا يُعبّر عن هُويّتي.

17- أحبّ أن أكون عصريّة.

18- أريد أن أكون حُرّة، الحجاب يقيّدني.

الفصل الثالث: أسباب شكليّة، عدد 5:

1- لأنّي جميلة.

2- الحجاب «ببشّعني»، «مش لابق عليّي»، «بكبّرني».

 

23


13

مقدّمة

 

3- ثيابي لا تناسب الحجاب.

4- الحجاب واللّون الأسود.

5- الموضة وشكل الحجاب.

الفصل الرابع: أسباب طبّيّة، عدد 4:

1- شعري يتساقط.

2- رأسي يؤلمني من ارتداء الحجاب.

3- الحجاب يضعف السمع.

4- الحجاب والأمراض النفسيّة.

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة، عدد 17:

1- لستُ مقتنعة بعد.

2- ليس عندي ذنب سوى ترك الحجاب.

3- لم يهدِني الله بعد.

4- لا أتحمّل الحَرّ.

 

23


14

مقدّمة

 

5- لا أحبُّ الحجاب.

6- لا أحبّ المحجّبات.

7- عندما أُصبح كبيرة أتحجّب.

8- هكذا خلقني الله.

9- لقد اعتدتُ أن أبقى بلا حجاب.

10- «بدّي فشّ خلقي أوّل شي».

11- الحجاب مسؤوليّة ولستُ بقدرها.

12- أصبحت كبيرة، والحجاب صعب عليّ.

13- ذنوبي كثيرة. عندما أتوب أتحجّب.

14- «مش واقفة القصّة عالحجاب».

15- الحجاب- أحيانًا- أشدّ إثارةً من عدمه.

16- أُسَرُّ وألتذُّ إذا نظر الرجال إليَّ.

17- الحجاب قرار شخصيّ.

ونسأله سبحانه التوفيق وحسن الختام.

 

25


15

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

تُطرح مجموعة من الشبهات والتساؤلات- التي تُسمع من هنا أو هناك- للاعتراض من خلالها على أصل وجوب الستر والحجاب كحكم شرعيّ دينيّ، سعيًا للقول إنّ الستر والحجاب ليس واجبًا على المرأة المسلمة، وإن تلك الشبهة أو الإشكال سبب يخوّلها التخلّي عن ارتدائه واختيار لباس آخر.

ويمكن عرض أهمّ هذه الشبهات والأسباب على الشكل الآتي:

 

26


16

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

الحجاب ليس مذكورًا في القرآن:

يثير عددٌ من خصوم الحجاب شبهةً مفادُها: إنّ الحجاب ليس مذكورًا في القرآن الكريم، وإنّ هذه المفردة لم يتناولها سبحانه في أيّ آية من آياته بمعنى ستر المرأة وحجابها بالمعنى المعروف، وبالتالي ليس هو من الواجبات التي نصّ الله تعالى عليها وافترضها في كتابه؛ ما يفسح المجال للمناقشة والتشكيك في وجوبه.

•| الجواب |•

إنّ الله تعالى ذكر وجوب الستر بشكل واضح في كتابه الكريم:

ففي سورة النور الآية 31، قال تعالى: ﴿وَقُل لِّلمُؤمِنَٰتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَٰرِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنهَا وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَو ءَابَائِهِنَّ أَو ءَابَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَو أَبنَائِهِنَّ أَو أَبنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَو إِخوَٰنِهِنَّ أَو بَنِي إِخوَٰنِهِنَّ أَو بَنِي أَخَوَٰتِهِنَّ أَو نِسَائِهِنَّ أَو مَا مَلَكَت أَيمَٰنُهُنَّ أَوِ ٱلتَّٰبِعِينَ غَيرِ أُوْلِي ٱلإِربَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفلِ ٱلَّذِينَ لَم يَظهَرُواْ عَلَىٰ عَورَٰتِ ٱلنِّسَاءِ وَلَا يَضرِبنَ بِأَرجُلِهِنَّ لِيُعلَمَ مَا يُخفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلمُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ﴾.

فقد نهى سبحانه المؤمنات أن يبدين زينتهنّ. والمراد به النهي عن إبداء مواضع الزينة

 

27


17

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

من البدن؛ لأنّ الزينة نفسها لا يحرّم إبداؤها، واستثنى من ذلك المواضع الظاهرة منها. والروايات عن أهل البيت (عليهم السلام) تفسّر ذلك بالوجه والكفّين[1].

ثمّ أمر سبحانه المؤمنات بأن يضربن بخُمُرهنّ على جيوبهنّ. والضرب يعني إلقاء الشيء وإسداله. والخُمُر جمع خِمار، وهو ما تغطّي به المرأة رأسها وينسدل على صدرها، ويسمّى «المقنعة» أيضًا. والجيب هو فتحة الثوب من الأعلى التي قد يظهر منها الصدر من الأمام، وقد أريد بالجيب الصدر على سبيل الكناية، فالجيوب هي الصدور.

والمعنى: إنّه تعالى أمر بضرب الخِمار الذي كانت المرأة تتقنّع به وتضعه على رأسها؛ أي إسداله وإلقاؤه على فتحة الصدر، لتغطّي صدرها ونحرها[2].

والنتيجة هو أنّ المرأة تكون قد سترت جميع مواضع بدنها باستثناء الوجه والكفّين. فهذه الآية واضحة الدلالة على وجوب الحجاب.

وفي سورة الأحزاب الآية 59، قال سبحانه: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ ٱلمُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدنَىٰ أَن يُعرَفنَ فَلَا يُؤذَينَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا﴾.

 

 


[1]  انظر: الطباطبائيّ، السيّد محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج 15، ص 111، و116.

[2] انظر: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 7، ص 241-242، الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، ج 15، ص 112.

 

29


18

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

والجلابيب جمع جِلباب، وفُسِّر بأنّه: ثوبٌ أوسع من الخِمار دون الرداء، تغطّي به المرأة رأسها وصدرها[1].

فمعنى الآية- والله العالم-: إنّ الله تعالى خاطب نبيّه (صلى الله عليه وآله)، أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين بأن يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ؛ أي يرخين الجلابيب عليهنّ، ويقرّبنها من أجسادهنّ فيستترن بها، فلا تظهر جيوبهنّ وصدورهنّ للناظرين.

﴿ذَٰلِكَ أَدنَىٰ أَن يُعرَفنَ﴾؛ أي ستر جميع البدن أقرب إلى أن يُعرفنَ أنّهنّ من أهل الستر والصلاح، ﴿فَلَا يُؤذَينَ﴾؛ أي لا يؤذيهنّ أهلُ الفسق بالتعرّض لهنّ، فإنّ الفاسق إذا عرف المرأة بالستر والصلاح فلا يتعرّض لها[2].

وفي هذه الآية أيضًا دلالة واضحة على وجوب الحجاب والستر على المرأة.

ثمَّ لو سلّمنا جدلًا أنّ الحجاب ليس مذكورًا في القرآن، فهذا لا يعني أنّه ليس واجبًا، فهناك من الأحكام ما أتانا به النبيّ (صلى الله عليه وآله)، الذي أمرنا الله تعالى بالأخذ عنه: ﴿وَمَا ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُم عَنهُ فَٱنتَهُواْ﴾[3]، وأمرنا بطاعته: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ

 


[1] الفراهيديّ، كتاب العين، ج 6، ص 132، وانظر: ابن منظور، لسان العرب، ج 1، ص 273.

[2] راجع: الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، ج 16، ص 339-340، والطبرسيّ، مجمع البيان، ج 8، ص 181.

[3] سورة الحشر، الآية: 7.

 

30


19

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمرِ مِنكُم﴾[1]، والاكتفاء بما في القرآن دون الرجوع إلى السنة- وهي قول المعصوم أو فعله أو تقريره- يخالف القرآن نفسه، كما يخالف ما أمر به النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث الثقلين المتواتر الآمر بالرجوع إلى الكتاب والعترة الطاهرة: «إنّي مخلّف فيكم الثقلين: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علّي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما. أيّها الناس لا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم»[2].

وإذا كان صاحب هذه الشبهة أو صاحبتها ممّن يجهل بالقرآن وآياته، فعليه أن يتعلّم، وإن كان لديه شبهة فعليه الرجوع لرفعها ومعالجتها إلى التفاسير الصحيحة، التي تستند إلى روايات النبيّ وأهل بيته (عليهم السلام)، لا إلى الأذواق والأهواء.

ومن المؤسف حقًّا، حادثة نقلها بعض الإخوة: أنّ إحدى النساء المسلمات ممّن لا ترتدي الحجاب كانت تُلقي كلمة باسم إحدى الجمعيات الإسلاميّة في بلد غربيّ، فقام شخص مسلم متحمّس استفزّه هذا المشهد وقال لها: عليكِ، قبل أن تتحدثي باسم الإسلام، أن ترتدي الحجاب. وحيث إنّ هذا الرجل أغاظها بإسلوبه الفجّ أمام الملأ، فما كان منها إلّا أن ردّت عليه قائلة: وهل الحجاب مذكور في القرآن حتّى تطلب منّي أن أتحجّب؟!

 


[1] سورة النساء، الآية: 59.

[2] الصدوق، الأمالي، ص 616.

 

31


20

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

شبهة المصطلح في القرآن:

وأمّا بالنسبة إلى كلمة «الحجاب» في القرآن، فلا بدّ من توضيح الحال حولها:

فكلمة «الحجاب» تطلق في اللّغة على مطلق الحاجز والمانع والفاصل بين الشيئين، فقد ذكر الخليل الفراهيدي- وهو من أقدم اللّغويين- في معنى الحجب: كلّ شيء منع شيئًا من شيء فقد حجبه حجبًا... والحجاب اسم ما حجبت به شيئًا عن شيء[1].

وقال ابن منظور في لسان العرب: الحجاب: الستر، حَجَب الشيء يَحْجُبُه حَجْبًا وحِجابًا وحَجَّبه: ستره. وقد احتجب وتحجَّب إذا اكتنّ من وراء حجاب، وامرأة محجوبة، قد سترت بستر. والحجاب اسم ما احتُجِبَ به، وكل ما حال بين شيئين: حجاب[2].

ونحن إذا لاحظنا كلمة الحجاب، وتتبّعنا موارد استعمالها في القرآن الكريم، لا نجد أنّها مستعملة بمعنى وجوب الستر والحجاب على النساء، وإنّما جاءت بمعناها اللّغوي العامّ، وذلك في آيات كريمة عدّة هي:

قوله تعالى: ﴿وَبَينَهُمَا حِجَابٞ وَعَلَى ٱلأَعرَافِ رِجَالٞ يَعرِفُونَ كُلَّا بِسِيمَىٰهُم﴾[3].

 


[1] الفراهيديّ، الخليل، العين، ج 3، ص 86.

[2] ابن منظور، لسان العرب، ج 1، ص 298، وانظر: الجوهريّ، الصحاح، ج 1، ص 107.

[3] سورة الأعراف، الآية: 46.

 

32


21

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

وقوله جلَّ وعلا: ﴿وَإِذَا سَأَلتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَس‍َٔلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٖ ذَٰلِكُم أَطهَرُ لِقُلُوبِكُم وَقُلُوبِهِنَّ﴾[1].

وقوله سبحانه: ﴿إِنِّي أَحبَبتُ حُبَّ ٱلخَيرِ عَن ذِكرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَت بِٱلحِجَابِ﴾[2].

وقوله تبارك اسمُه: ﴿وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدعُونَا إِلَيهِ وَفِي ءَاذَانِنَا وَقرٞ وَمِن بَينِنَا وَبَينِكَ حِجَابٞ﴾[3].

وقوله جلَّت عظمتُه: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَيُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلَّا وَحيًا أَو مِن وَرَايِٕ حِجَابٍ أَو يُرسِلَ رَسُولٗا﴾[4].

وقوله جلَّ ثناؤه: ﴿وَإِذَا قَرَأتَ ٱلقُرءَانَ جَعَلنَا بَينَكَ وَبَينَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤمِنُونَ بِٱلأخِرَةِ حِجَابٗا مَّستُورٗا﴾[5].

وقوله تعالى مجدُه: ﴿فَٱتَّخَذَت مِن دُونِهِم حِجَابٗا﴾[6].

وقوله جلَّت آلاؤه: ﴿كَلَّا إِنَّهُم عَن رَّبِّهِم يَومَئِذٖ لَّمَحجُوبُونَ﴾[7].

 


[1] سورة الأحزاب، الآية: 53.

[2] سورة ص، الآية: 32.

[3] سورة فصلت، الآية: 5.

[4]  سورة الشورى، الآية: 51.

[5] سورة الإسراء، الآية: 45.

[6] سورة مريم، الآية: 17.

[7] سورة المطففين، الآية: 15.

 

34


22

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

فالحجاب- إذًا- من حيث المعنى اللّغوي، يُطلق على كلّ مانعٍ وحاجزٍ بين شيئين[1]، وبهذا المعنى جاء استعماله في آيات القرآن الكريم. وقد شاع استخدامه لاحقًا في الستر واللّباس الخاصّ بالمرأة، بمناسبة أنّ اللّباس الذي يستر جسد المرأة ورأسها يمنع من رؤية محاسنها، ويحجب ذلك عن أعين الرجال، بسبب وجود المانع والفاصل بينه وبين جسدها ومواضع زينتها إلّا ما استثني.

وقد استغلّ بعضهم هذا الأمر للقول إنّ الحجاب والستر غير واجبَين على المرأة، إيهامًا منه أنّ الله تعالى لم يذكر الحجاب في كتابه، وأن الآيات التي ورد فيها هذا اللّفظ لا علاقة لها بستر المرأة وحجابها.

لكنّ هؤلاء غفلوا أو تغافلوا عن أنّ الغاية هي البحث عن وجوب ستر المرأة بدنَها، الذي دلّت عليه الآيات القرآنيّة المتقدّمة، سواء ورد بهذا اللّفظ أم بغيره، والذي شاع إطلاق كلمة الحجاب عليه، وليس البحث عن هذا اللّفظ بخصوصه، فالعبرة بالمسمّى والمعنى لا بالاسم واللّفظ.

ويزيد الأمر وضوحًا ما ذكره العلّامة الشهيد مطهّري (رحمه الله) من أنّ هذا الاستخدام لكلمة «الحجاب» بمعنى ستر المرأة استخدام جديد نسبيًّا. فقديمًا- وعلى الخصوص في مصطلح الفقهاء- كانت تستخدم كلمة «الستر» بدلًا من «الحجاب»[2].

 


[1] انظر: المصطفوي، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج 2، ص 194-196.

[2] المطهّري، الشهيد مرتضى، مسألة الحجاب، ص 60.

 

36


23

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

الحجاب واجب على نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقط:

هناك من يُطلق شبهة في مقابل القول بوجوب الستر والحجاب على جميع النساء، مفادها: إنّ الحجاب الوارد في القرآن الكريم مختصٌّ بنساء النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وأمّا سائر النساء فلا يجب عليهنّ ذلك.

•| الجواب |•

إنّ هذا الكلام محاولة للخلط بين ما جاء من الآيات في حجاب نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله) والتأكيد عليهنّ في الوظائف والواجبات، وبين ما دلّ من الآيات على الستر المفروض والواجب على سائر النساء.

ففي حجاب نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله)، جاء قوله تعالى: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤذَنَ لَكُم إِلَىٰ طَعَامٍ غَيرَ نَٰظِرِينَ إِنَىٰهُ وَلَٰكِن إِذَا دُعِيتُم فَٱدخُلُواْ فَإِذَا طَعِمتُم فَٱنتَشِرُواْ وَلَا مُستَ‍ٔنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُم كَانَ يُؤذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَستَحيِۦ مِنكُم وَٱللَّهُ لَا يَستَحيِۦ مِنَ ٱلحَقِّ وَإِذَا سَأَلتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَس‍َٔلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٖ ذَٰلِكُم أَطهَرُ لِقُلُوبِكُم وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُم أَن تُؤذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُواْ أَزوَٰجَهُۥ مِن بَعدِهِۦ أَبَدًا إِنَّ ذَٰلِكُم كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمًا﴾[1].

 

 


[1] سورة الأحزاب، الآية: 53.

 

37


24

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

وهذه الآية- باختصار- توضح بعض الأحكام في مجال العلاقة بين المؤمنين مع بيوت النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأزواجه.

وأحد هذه الأحكام ما يدلّ عليه قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَس‍َٔلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٖ ذَٰلِكُم أَطهَرُ لِقُلُوبِكُم وَقُلُوبِهِنَّ﴾.

والمراد- والله العالم- أنّه إذا مسّت الحاجة إلى تكليمكم وسؤالكم أزواجَ النبيّ (صلى الله عليه وآله) شيئًا من المتاع فكلّموهنّ من وراء حجاب[1]؛ أي من خلف حاجز أو فاصل أو ساتر.

وليس المراد من الحجاب في هذه الآية الستر واللّباس الخاصّ بالنساء، بل هو حكم خاصّ بنساء النبيّ (صلى الله عليه وآله)،وهو: إنّ الناس مكلّفون إذا أرادوا شيئًا من نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن يأخذوه من وراء حجاب؛ لأمرٍ خاصٍّ يتعلّق بنساء النبيّ وشأنهنّ، ويجب عليهنّ أن لا يخرجن إلى الناس ويظهرن لهم في مثل هذه الموارد، حتّى وإن كنّ محجّبات.

ومن الواضح أنّ هذا تشديد على نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله) في الأحكام، نظرًا إلى حسّاسيّة مكانتهنّ وموقعهنّ: ﴿لَستُنَّ كَأَحَدٖ مِّنَ ٱلنِّسَاءِ إِنِ ٱتَّقَيتُنَّ﴾، ولم يرد- طبعًا- في شأن النساء الأخريات، اللّواتي يكفيهنّ أن يراعين الستر والحجاب، بمعنى اللّباس الخاصّ.


 


[1] الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، ج 16، ص 337.

 

38


25

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

والشاهد على ذلك أمور:

أوّلًا: إنّ كلمة «الحجاب» لم تكن مستعملة في ذلك الوقت، لا في اللّغة ولا في العرف، وحتّى في كلمات الفقهاء بعد ذلك بزمن طويل، بمعنى الستر واللّباس الخاصّ، كما أشرنا سابقًا، بل هي من الاستعمالات الحديثة والمتأخّرة عن ذلك العصر.

ثانيًا: ورد في بعض أسباب نزول هذه الآية، أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) لمّا نزلت أرخى الستر وضرب الحجاب بينه وبين القوم حتّى تفرّقوا[1]، ما يدلّل على كون الحجاب المضروب على نساء النبي (صلى الله عليه وآله) غير الحجاب المفروض على سائر النساء، ولئن يُسمّى هذا الأمر احتجابًا أولى من تسميته حجابًا كما ذكر بعضهم.

ثالثًا: إنّ ملاحظة سياق الآيات قبلها وبعدها، توضّح اختصاص هذا الأمر بأزواج النبيّ (صلى الله عليه وآله)، وفرقه عن سائر النساء:

ففي نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله)، سبق هذه الآيةَ قولُه تعالى: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزوَٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدنَ ٱلحَيَوٰةَ ٱلدُّنيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَينَ أُمَتِّعكُنَّ وَأُسَرِّحكُنَّ سَرَاحٗا جَمِيلٗا ٢٨ وَإِن كُنتُنَّ تُرِدنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلدَّارَ ٱلأخِرَةَ فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلمُحسِنَٰتِ مِنكُنَّ أَجرًا عَظِيمٗا ٢٩ يَٰنِسَاءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأتِ مِنكُنَّ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖ يُضَٰعَف لَهَا ٱلعَذَابُ ضِعفَينِ وَكَانَ ذَٰلِكَ

 


[1] مكارم الشيرازيّ، الشيخ ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 13، ص 325.

 

39


26

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا ٣٠ ۞وَمَن يَقنُت مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتَعمَل صَٰلِحٗا نُّؤتِهَا أَجرَهَا مَرَّتَينِ وَأَعتَدنَا لَهَا رِزقٗا كَرِيمٗا ٣١ يَٰنِسَاءَ ٱلنَّبِيِّ لَستُنَّ كَأَحَدٖ مِّنَ ٱلنِّسَاءِ إِنِ ٱتَّقَيتُنَّ فَلَا تَخضَعنَ بِٱلقَولِ فَيَطمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلبِهِۦ مَرَضٞ وَقُلنَ قَولٗا مَّعرُوفٗا ٣٢ وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ ٱلجَٰهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ وَأَقِمنَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتِينَ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَطِعنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ ٱلرِّجسَ أَهلَ ٱلبَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرٗا ٣٣ وَٱذكُرنَ مَا يُتلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِن ءَايَٰتِ ٱللَّهِ وَٱلحِكمَةِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا﴾[1].

وهذه الآيات-كما يقول العلّامة الطباطبائيّ {- تنفي مساواتهنّ لسائر النساء إنِ اتقين، وترفع منزلتهنّ على غيرهنّ، ثمّ تذكر أشياءَ من النهي والأمر متفرّعةً على كونهنّ لسن كسائر النساء، كما يدلّ عليه قوله تعالى: ﴿فَلَا تَخضَعنَ بِٱلقَولِ﴾،﴿وَقَرنَ﴾ و﴿وَلَا تَبَرَّجنَ﴾...إلخ، وهي خصال مشتركة بين نساء النبيّ (صلى الله عليه وآله) وسائر النساء.

فتصدير الكلام بقوله: ﴿لَستُنَّ كَأَحَدٖ مِّنَ ٱلنِّسَاءِ إِنِ ٱتَّقَيتُنَّ﴾ ثمّ تفريع هذه التكاليف المشتركة عليه، يفيدان تأكّد هذه التكاليف عليهنّ، كأنّه قيل: لستنّ كغيركنّ، فيجب عليكنّ أن تبالغن في امتثال هذه التكاليف، وتحتَطْنَ في دين الله أكثر من سائر النساء. ويدلّ على تأكّد تكاليفهنّ مضاعفةُ جزائهنّ خيرًا وشرًّا، كما دلّت على ذلك الآية: ﴿يُضَٰعَف لَهَا

 


[1]  سورة الأحزاب، الآيات: 28-34.

 

41


27

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

ٱلعَذَابُ ضِعفَينِ﴾، وكذلك الآية: ﴿نُّؤتِهَا أَجرَهَا مَرَّتَينِ﴾، فإنّ مضاعفة الجزاء لا تنفكّ عن تأكُّد التكليف[1].

وأمّا في سائر النساء، فقد جاء بعد ذلك قوله تعالى: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ ٱلمُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدنَىٰ أَن يُعرَفنَ فَلَا يُؤذَينَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا﴾[2].

فأين عدم وجوب الحجاب- بمعنى الستر واللّباس الخاص- على سائر النساء، واختصاص وجوبه بهذا المعنى بنساء النبيّ (صلى الله عليه وآله)؟!

رابعًا: إنّ الآيتين، اللّتين تقدّم ذكرهما سابقًا، الدالّتين على وجوب الستر والحجاب على المرأة، غير مختصَّتين بنساء النبيّ (صلى الله عليه وآله). فقد خاطبت إحداهما المؤمنات بشكلٍ عامّ: ﴿ وَقُل لِّلمُؤمِنَٰتِ﴾[3]، والآية الأخرى خاطبت نساء المؤمنين عامّة أيضًا: ﴿قُل لِّأَزوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ ٱلمُؤمِنِينَ﴾[4]، وهذا يوضّح عدم اختصاصها بنساء النبيّ (صلى الله عليه وآله) إذًا[5].


 


[1] الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، ج 16، ص 308.

[2] سورة الأحزاب، الآية: 59.

[3]  سورة النور، الآية: 31.

[4] سورة الأحزاب، الآية: 59.

[5]  الجواهريّ، الشيخ حسن، بحوث في الفقه المعاصر، ج 4، ص 118.

 

42


28

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

لم يوجب القرآن ستر الرأس والشعر:

زعمت إحدى النساء أنّ الواجب على المرأة هو ستر بدنها، فالقرآن لم يأمر بستر الرأس والشعر، بل أمر بستر الجيوب، فقال تعالى: ﴿وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ﴾[1]، والمراد به الصدور. وكذلك في الآية الأخرى حيث أمر بستر البدن. قال تعالى:﴿يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّ﴾[2]، وليس في هاتين الآيتين ذكر للرأس أو الشعر.

•| الجواب |•

أوّلًا: تخاطب الآيات الكريمة النساء المؤمنات اللّواتي التزمن بدين الإسلام، لتحدّد لهنّ وظيفتهنّ الشرعيّة، من ناحية غضّ البصر والستر والزينة ونحوها من الأمور التي ترتبط بعلاقتهنّ بالرجال.

ومن الطبيعيّ أن تلاحظ الآيات الشيء الناقص لتطلب تتميمه، ولا تتعرّض لما هو محقَّق وحاصل، حيث لا معنى لطلب شيء يقوم به الطرف الآخر.

وقد كان العرف قائمًا آنذاك على أن تستر المرأة شعرها ورأسها، كما تشير إليه بوضوح الآيتان الكريمتان، حيث استَخدمت كلمتي «الخِمار» و«الجِلباب». فإنّ «الخِمار» في اللّغة:

 


[1] سورة النور، الآية: 31.

[2] سورة الأحزاب، الآية: 59.

 

43


29

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

ما تغطّي به المرأة رأسها، ويسمّى «المقنعة»[1]، وربّما يسمّونه«النصيف»[2]. و«الجِلباب» كما سبق تفسيره: ثوب أوسع من الخِمار، دون الرداء، تغطّي به المرأة رأسها وصدرها[3].

ويدلّ على ذلك أيضًا، ما جاء في حديث عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام): «... وكان النساء يتقنّعن خلف آذانهنّ...»[4].

فقد كانت النساء تغطّي رأسها، وقد كان ذلك أمرًا طبيعيًّا مفروغًا منه، إلّا أنّها إذا أسدلت الجِلباب ولم تجمعه، أو وضعت الخِمار خلف أذنها، لم يتمّ ستر جميع الجسد، ولم تكن قد سترت بدنها بشكل كامل، حيث ستبدو معه- حينئذٍ- آذانهنّ وأقراطهنّ ونحورهنّ وقلائدهنّ وبعض الرأس وأطراف الجيب؛ أي الصدر...[5].

والشواهد على ذلك عديدة:

 


[1] الزبيديّ، تاج العروس، ج 6، ص 366.

[2] ابن منظور، لسان العرب، ج 4، ص 257.

[3] الفراهيديّ، العين، ج 6، ص 132؛ ابن منظور، لسان العرب، ج 1، ص 272؛ الزبيديّ، تاج العروس، ج 1، ص 373؛ الطريحيّ، مجمع البحرين، ج 2، ص 23.

[4] الكلينيّ، الكافي، ج 5، ص 521.

[5] انظر: الطريحيّ، مجمع البحرين، ج 2، ص 28، مكارم الشيرازيّ، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 11، ص 78.

 

45


30

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ ٱلجَٰهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ﴾[1]؛ (أي لا تخرجن على عادة النساء اللاتي في الجاهلية، ولا تظهرن زينتكن، كما كن يظهرن ذلك)، قال مقاتل بن سليمان

 


[1]  سورة الأحزاب، الآية: 33.

 

46


31

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

(م. 150 ه): المراد بالتبرُّج أن تلقي المرأة الخمار على رأسها، ولا تشدّه فتواري قلائدها وقرطَيها، فيبدو ذلك منها[1].

وفي ذيل قوله تعالى: ﴿يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّ﴾[2]، قال الزمحشريّ (م. 538 ه): كانت جيوبهنّ واسعة تبدو منها نحورهنّ وصدورهنّ وما حواليها، وكنّ يسدلن الخُمُر من ورائهنّ فتبقى مكشوفة، فأُمِرْنَ بأن يسدلنها من قِدَّامهنّ حتّى يغطّينها[3].

وقال الفخر الرازيّ (م. 606 ه): قال المفسرون: إنّ نساء الجاهلية كُنّ يشددن خُمرهنّ من خلفهن، وإنّ جيوبهنّ كانت من قِدَّام فكان ينكشف نحورهنّ وقلائدهنّ، فأُمرنَ أن يضربن مقانعهنّ على الجيوب ليتغطّى بذلك أعناقهنّ ونحورهنّ وما يحيط به من شعر وزينة من الحليّ في الأذن والنحر وموضع العقدة منها[4].

وقال الغرناطيّ (م. 741 ه): الجيوب هي التي يقول لها العامّة أطواق، وسببها أنّ النساء كنّ في ذلك الزمان يلبسن ثيابًا واسعات الجيوب، يظهر منها صدورهنّ، وكنّ إذا غطينّ رؤوسهنّ بالأخمرة[جمع خمار]، سدلنها من وراء الظهر، فيبقى الصدر والعنق والأذنان لا

 

 


[1] انظر: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 8، ص 155، ونقله عن مقاتل أيضًا السيوطي في الدر المنثور، ج 5، ص 197، وأضاف فيه: عنقها، ولاحظ أيضًا: ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج 3، 491.

[2] سورة النور، الآية: 31.

[3]  الزمخشري، تفسير الكشاف، ج 3، ص 63.

[4]  الفخر الرازي، التفسير الكبير، ج 23، ص 206.

 

47


32

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

ستر عليها، فأمرهنّ اللَّه بلَي الأخمرة على الجيوب ليستر جميع ذلك[1].

فقد جاءت الآيات- إذًا- لتعالج هذا الخلل القائم، فطلبت من المرأة أن تضرب بالخِمار على الجيب، بمعنى أن تُلقي وتُسدل الخِمار الذي غطّى رأسها على الجيب، فتستر به الصدر والنحر. وهذا لا يعني أنّها لم تؤمَر بستر الرأس والشعر، بل معناه أنّها أُمرت بستر الرأس والشعر وزيادة؛ أي بقيّة ما هو واجب من الجسد، باستثناء ما ظهر منها.

وكذلك يقال في الجِلباب، فقد كانت المرأة تضعه على رأسها ثمّ تتركه بشكل مفتوح قد يظهر معه بعض جسدها، فأمر الله النساء أن يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ؛ أي أن يقرّبنها من أجسادهنّ فيستترن بها، فلا تظهر جيوبهنّ وصدورهنّ للناظرين، فقول القائل: اُدْنُ عليك ثوبك، معناه قرّبه منك بحيث تجعله على بدنك؛ ما يعني الستر.

ثانيًا: إنّ القول إنّ الآية لم تأمر سوى بستر الجيوب أو الصدور، يخالف المعنى الظاهر من الآية نفسها، حيث إنّ الباء تدل على أنّ ستر الجيب أو الصدر يكون بوساطة الخمار نفسه الذي يغطي الرأس؛ ﴿وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ﴾، ما يعني التأكيد على ستر الرأس أيضًا، نظير قوله تعالى: ﴿ٱضرِب بِّعَصَاكَ ٱلبَحرَ﴾[2] حيث دلّت على أن الضرب يكون بوساطة العصا لمكان الباء.

 

 


[1]  الغرناطي الكلبي، التسهيل لعلوم التنزيل، ج 2، ص 67.

[2]  سورة الشعراء، الآية: 63.

 

49


33

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

وكذلك الكلام في الآية الأخرى: ﴿يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّ﴾، فقد حثّت على ستر البدن بوساطة إدناء الجلباب نفسه الذي يستر الرأس، ما يعني التأكيد على ستر الرأس أيضًا.

ثالثًا: لو تماشينا مع كلام هذه المرأة، فلا بدّ من أن نقول: إنّه ليس في الآيات أيضًا ستر الذراعين ولا ستر البطن ولا ستر الفخذ أو الساقَين! فهل يُقال إنّ القرآن لم يوجب سترها أيضًا؟!

 

51


34

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

الحجاب لأجل التفريق بين الحُرّة والأَمة:

الأصل في هذه الشبهة التي استغلّها بعض من أنكر وجوب الحجاب أيُّما استغلال، هو ما جاء في أحاديث منقولة عن الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب أنّه كان ينهى الإماء عن ارتداء الحجاب، بل ويضربهنّ عليه، وينهاهنّ عن التشبّه بالحرائر[1].

وقد تمسّك بعضهم بأمثال هذه الروايات ليقول إنّ الستر والحجاب لم يكن لأجل عفّة المرأة وصيانتها وحفظها، أو غير ذلك ممّا يُذكر من حِكَم وغايات، بل علّته هي التفريق بين المرأة الحُرّة والأَمة في تلك الفترة الزمنيّة، حيث كان كفّار قريش يتعرّضون للإماء ولا يتعرّضون للحرائر، فجاء فرض الحجاب للتمييز بينهما كعادة اجتماعيّة في ذلك الوقت!! ثمّ استمرّت حال المرأة على هذا الأمر حتّى بعد زوال ظاهرة الإماء؛ جريًا على ما اقتضته العادة لا أكثر، إلى أن جاء بعض أفذاذ العصر مِن مدّعي الرأي والاجتهاد ليكشفوا هذا السرّ العظيم الذي غاب عن هذه الأمّة طوال هذه القرون والأعوام، وقالوا إنّ الحكم يدور مدار العلّة وجودًا وعدمًا، وإذا كانت علّة الحجاب هي التمييز بين الحرائر والإماء، فإنّ هذه العلّة قد انتفت الآن لعدم وجود

 


[1] انظر على سبيل المثال: الكوفيّ، ابن أبي شيبة، المصنّف، ج 2، ص 134؛ الصنعانيّ، عبد الرزّاق، المصنّف، ج 3،

ص 136؛ المتّقي الهنديّ، كنز العمّال، ج 15، ص 486؛ السيوطيّ، الدرّ المنثور، ج 5، ص 221؛ وغيرهم.

 

52


35

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

إماء في العصر الحاليّ.

ولم يكتفِ هؤلاء بهذا، بل أخذ بعضهم يبرّر الحملات ضدّ الحجاب وما قامت به بعض بلدان الغرب من منع ارتدائه في المدارس والجامعات وأماكن أخرى، بدعوى أنّها عمليّة تنظيم لمسألة الحجاب، وإنّ أوّل من سبقهم إلى ذلك هو الخليفة عمر!

•| الجواب |•

تناول عدد من الباحثين هذه الشبهة بالنقد والتفنيد وأجابوا عنها. ونحن نلخّص هنا أهمّ ما يمكن قوله تعليقًا على هذا الكلام:

أوّلًا: لا شكّ في أنّ للحجاب والستر بُعدًا اجتماعيًّا، إلّا أنّه لا يقف عنده، بل يتعدّاه إلى كونه تعبيرًا عن هويّة المرأة المسلمة وعنوان شخصيّتها.

والهدف من حصره بالأمور الاجتماعيّة وربطه بها، هو جعله في معرض التغيّر تبعًا للظواهر الاجتماعيّة المتغيّرة بمرور الزمان.

لكنّ هذا فيه تغافل عمّا سيأتي توضيحه، من الجوانب الثابتة في شخصيّة المرأة، والتي لا تختلف باختلاف المجتمعات والأعراف والأزمنة.

ثانيًا: إنّ القول بحرمة الحجاب على الأَمة، أو عدم مشروعيّة الحجاب عليها، لا يدلّ عليه

 

54


36

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

شيء من الآيات، ولا ورد في سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته[1] (عليهم السلام).

فالآيات الكريمة- حتّى آية الأحزاب كما سنشير إليه- والرواياتُ الشريفة مطلَقة في هذا المجال، وشاملة للحُرّة والأَمة على سواء. نعم، استُثني من ذلك جواز كشف الأَمة رأسها في الصلاة، فقد رُخّص لها ذلك كحكم تخفيفيّ عليها، كما في روايات أهل البيت [2] (عليهم السلام).

وأمّا منع الخليفة عمر هذا الأمر، فذاك بسبب فهمه ورأيه الخاصَّين! أو كأمر إجرائيّ يرتبط بطريقة إدارته لحكمه، وليس كحكم إلهيّ تشريعيّ، وهو ليس ملزِمًا لنا على أيّ حال.

ثالثًا: إنّ القول بكون العلّة في الحجاب هي التمييز بين الحُرّة والأَمة لا دليل عليه. فعِلَل الأحكام الشرعيّة إذا لم تكن منصوصةً ومذكورةً من قبل الشريعة

 


[1]  وقد جاء في بعض الاستفتاءات المطابقة لرأي المرجع الدينيّ السيّد علي السيستانيّ حفظه الله، سؤال وجواب حول هذا الموضوع، وهو: لماذا حجاب الأَمة (العبدة) نصف حجاب الحُرّة، وعورتها بنصف عورة الحُرّة؟

فكان الجواب: لا يصحّ ما ذكر، فحجابها كحجاب الحُرّة، وعورتها كعورتها. نعم، لا يجب عليها ستر الرأس والشعر والرقبة في الصلاة، ولعلّه تخفيفٌ عليها، حيث إنّها غير مسلمة في الأصل، وتسلم غالبًا تحت تأثير ضغط المجتمع الإسلاميّ بعد الاسترقاق. (انظر: موقع السراج في الطريق إلى الله، قسم الاستفتاءات، الاستفتاء رقم 591).

[2] انظر: الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، كتاب الصلاة، باب 29 من أبواب المصلي، ج 3 ص 297.

 

56


37

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

نفسها، لا يمكن الاطلاع عليها والقول بها، وكل ما يقال- حينئذٍ- لا يعدو كونه احتمالًا وظنًّا، و﴿إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغنِي مِنَ ٱلحَقِّ شَي‍ًٔا﴾[1].

 


[1]  سورة يونس، الآية: 36.

 

57


38

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

وأمّا قوله تعالى في سورة الأحزاب: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ ٱلمُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدنَىٰ أَن يُعرَفنَ فَلَا يُؤذَينَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا﴾[1]، ففيه وجه من وجوه الحكمة. والراجح من معنى الآية مع ملاحظة ما فيها من طلب الستر بإدناء الجِلباب، هو أن يكنّ معروفات بالستر والصلاح، فلا يؤذيهنّ أهلُ الفسق بالتعرّض لهنّ، فإنّ الفاسق إذا عرف المرأة بالستر والصلاح فلا يتعرّض لها[2]. وأمّا كونهنّ معروفات بمعنى تمييزهنّ عن الإماء، فلا دليل عليه من الآيات الكريمات.

ويؤيّده ما جاء في تفسير «القمّيّ» من سبب نزولها: إنّ النساء كنّ يخرجن إلى المسجد ويصلّين خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فإذا كان باللّيل وخرجن إلى صلاة المغرب والعشاء والغداة، يقعد الشبّان لهنّ في طريقهنّ فيؤذونهنّ ويتعرّضون لهنّ، فأنزل الله: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ ٱلمُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدنَىٰ أَن يُعرَفنَ فَلَا يُؤذَينَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا﴾[3].

رابعًا: لو سلّمنا أنّ الغاية من الحجاب والستر هي التمييز بين الحُرّة والأَمة، لئلّا تؤذى الحُرّة بالتعرّض لها، إلّا أنّ هذا لا يغيّر من وجوب الستر والحجاب شيئًا. فهذا الزمان- مع

 

 


[1] سورة الأحزاب، الآية: 59.

[2] الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، ج 16، ص 339-340.

[3]  المجلسيّ، بحار الأنوار، ج 101، ص 33، عن تفسير القمّي لعليّ بن إبراهيم القمّي.

 

58


39

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

ما فيه مِن شدّة الفساد وتعدّد طرقه وأساليبه، وخروج النساء إلى الحياة الاجتماعيّة- لهو أشدّ حاجة لدى المرأة إلى الستر، والخوف فيه من تأذّي المرأة والتعرّض لها أكبر وأعظم.

خامسًا: إنّ هذا الاستثناء للأمة- لو قيل به، ونحن لا نقول به- ليس مختصًّا بها، بل هناك موارد أخرى لاحظت الشريعة المصلحة في التخفيف فيها عن المكلّفين، كما في القواعد من النساء مثلًا، حيث رُخِّص لهنّ أن يضعن من ثيابهنّ[1].

كما أنّ هذا الحكم على الأَمة- عند القائل به- إنّما هو لأجل التخفيف عنها، كونها من الطبقة الاجتماعيّة التي تزاول أعمال الخدمة وتتعرّض للبيع والشراء، وذلك كلّه لا بدّ أن يكون في الموارد التي ليس فيها تلذّذ وريبة، وإلّا فيحرم النظر إليها.

ثمّ إنّ معظم هؤلاء الإماء كنّ كافرات وأُخِذْنَ من السبي، وهو أمر فرضته الأعراف التي كانت قائمة آنذاك في الحروب. وقد لاحظت الشريعة هذه الحالة وأخذتها بالاعتبار، فجعلت لهؤلاء النساء مجموعة من الأحكام التخفيفيّة. وقد كان السبي بالنسبة إليهنّ أشبه بدورة تدريبيّة وتهيئة بيئة إيمانيّة للوصول إلى الالتزام الدينيّ الكامل. وهذا ما يناسبه التخفيف والتدريج، بخلاف المرأة الحُرّة التي يتوفّر لها الجوّ الدينيّ والثقافيّ المختلف؛ ما يجعل تكليفها أشدّ.

 


[1] سورة النور، الآية 60.

 

59


40

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

وقد خطّط الإسلام- من خلال تشريعاته- للقضاء على ظاهرة الإماء والعبيد، وقد فعل.

وهذا كلّه لا يعني أنّ الأَمة ليست امرأة، أو جواز هتكها أو الاعتداء عليها- والعياذ بالله- كما يقول بعض أصحاب النفوس الضعيفة، فهذا لم يقل به أحد، بل الأحكام الشرعيّة تحرّم النظر واللّمس والزنا على الحرائر والإماء، على سواء.

ويعجبني هنا أن أنقل ما ذكره ابن حزم الأندلسيّ الظاهريّ في كتابه «المحلّى»، حيث قال: وقد ذهب بعض من وَهَل في قول الله تعالى: ﴿يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدنَىٰ أَن يُعرَفنَ فَلَا يُؤذَينَ﴾، إلى أنّه إنّما أمر الله تعالى بذلك؛ لأنّ الفسّاق كانوا يتعرّضون للنساء للفسق، فأمر الحرائر بأن يلبسن الجلابيب ليعرف الفسّاق أنّهنّ حرائر فلا يتعرّضوهنّ[1].

قال عليّ (ابن حزم نفسه): ونحن نبرأ من هذا التفسير الفاسد، الذي هو إمّا زلّة عالم ووهلة فاضل عاقل، أو افتراء كاذب فاسق؛ لأنّ فيه أنّ الله تعالى أطلق الفسّاق على أعراض إماء المسلمين، وهذه مصيبة الأبد. وما اختلف اثنان من أهل الإسلام في أنّ تحريم الزنا بالحُرّة كتحريمه بالأَمة، وأنّ الحدّ على الزاني بالحُرّة كالحدّ على الزاني بالأَمة ولا فرق، وأنّ تعرّض الحُرّة

 


[1] هكذا في المصدر.

 

61


41

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

في التحريم كتعرّض الأَمة، ولا فرق. ولهذا وشبهه وجب أن لا يُقبل قول أحد بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلّا بأن يسنده إليه [1] (عليه السلام).

الواجب عدم إظهار الزينة والتبرّج أمام الرجال، لا الحجاب:

ادّعت إحدى السيّدات- على بعض الفضائيّات- أنّ الإسلام لم يوجب على المرأة الحجاب وستر الرأس، وإنّما حرّم عليها الزينة والتبرّج فقط، حيث قال تعالى: ﴿وَلَا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾[2]، ﴿غَيرَ مُتَبَرِّجَٰتِ بِزِينَةٖ﴾[3]، والتبرّج إظهار الزينة.

•| الجواب |•

من الجيّد أنّ هذه السيّدة تنبّهت إلى حرمة التبرّج والزينة على المرأة، وكأنّها تريد من الزينة والتبرّج أن تخرج المرأة وقد وضعت مساحيق التجميل أو لبست الحليّ والجواهر أو الإكسسوارت مثلًا؛ أي متزيّنة متبرّجة. وأمّا مواضع الزينة من الجسد، فلا يحرُم عليها إظهارها إذا لم يكن عليها شيء من تلك الأمور.

إلا أن هذا التفسير لا يلائم ظاهر قوله تعالى: ﴿وَلَا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾؛ لأنّ المنهيّ عنه ليس هو إبداء الزينة نفسها، بل مواضعها، كالعنق والأذن ونحو

 


[1] ابن حزم، المحلّى، ج 3، ص 219.

[2] سورة النور، الآية: 31.

[3] سورة النور، الآية 60.

 

62


42

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

ذلك، وقد استثنى تعالى ممّا نهى عنه المواضع الظاهرة وقد فسرت في الروايات بالوجه والكفين[1].

 


[1]  انظر: الحر العاملي، وسائل الشيعة، كتاب النكاح، باب 105 من أبواب مقدمات النكاح وآدابه.

 

63


43

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

ثم إنّ ما ذكرته هذه السيدة فيه اقتطاع لما يحلو لها من الآيات.

فماذا عن قوله تعالى: ﴿وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ﴾[1] قبل هذه الآية، وقوله تعالى: ﴿يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّ﴾[2] في الآية الأخرى؟

ألا يدلّ ذلك على وجود كيفيّة خاصّة للحجاب، وهو ما يستره الجِلباب والخِمار آنذاك؟ وقد شرحنا ذلك في ما سبق بما فيه كفاية.

ثمّ كيف لكلِّ أحد أن يفسّر هذه الآيات برأيه، دون الرجوع إلى روايات النبيّ وأهل بيته (عليهم السلام) المفسّرة لها، ﴿أَم عَلَى ٱللَّهِ تَفتَرُونَ﴾[3]؟

 

 


[1] سورة النور، الآية: 31.

[2] سورة الأحزاب، الآية: 59.

[3] سورة يونس، الآية: 59.

 

64


44

مقدّمة

الحجاب ليس فرضًا:

ذكر بعضهم أن الحجاب ليس فرضًا، وأنه من الأمور الظنية التي يضعف معها القول بالوجوب إلى أقصى درجة، وبذلك يقع مساحة للاجتهاد، لأن الفرائض لا ينبغي أن يقع فيها اختلاف.

•| الجواب |•

هذا الكلام يعود إلى التفريق في التكاليف الشرعية بين الواجب والفرض، وهذا لا يقول به المشهور الغالب من فقهاء المذاهب الإسلامية، بل يطلقون الواجب والفرض والمكتوب والحتم وغير ذلك من التعابير بمعنى واحد، وهو لزوم العمل به دون رخصة في تركه، بحيث يترتب الذم والعقاب على الترك. نعم، نقل عن الحنفية من أتباع الإمام أبي حنيفة التفريق بينهما، فقال بعضهم: الواجب ما ثبت وجوبه بدليل ظنّي، والفرض ما ثبت وجوبه بدليل مقطوع فيه[1].

 


[1]  الشيرازي، إبراهيم بن علي، اللمع في أصول الفقه، ص 83.

 

64


45

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

وقال آخرون: الفرض ما ثبت بنصّ القرآن، والواجب ما ثبت من غير وحي[1].

ولسنا هنا في وارد المناقشة في صحّة هذا التفريق أو سقمه، خصوصًا لو كان اصطلاحًا خاصًا لدى الحنفية، (ولا مشاحّة- أي لا تنازع أو خلاف- في الاصطلاح كما قالوا).

لكنّ المهم في الأمر معرفة ما يترتب على هذه التفرقة من نتائج، فنقول:

أوّلًا: لا فرق في لزوم العمل بين ما ثبت بالدليل القطعي كالآيات القرآنية أو السنة المتواترة، وما ثبت بالدليل الظني الذي قامت الأدلة الشرعية القطعيّة على لزوم العمل به، كالأخبار التي رواها الثقات عن النبي (صلى الله عليه وآله)، فكلاهما يثبت به التكليف أو يُنفى به، ويترتب بوساطته الثواب أو العقاب عند الطاعة أو المعصية، وإن كان ثمّة فرق بينهما فليس في هذه الجهة، بل في بعض الجهات الأخرى كدرجة الكشف عن الواقع، حيث لا شكّ في أنّ الدليل القطعيّ أقوى وأوضح من الدليل الظنّيّ.

ثانيًا: إنّ وجوب الستر والحجاب على المرأة أمر ثابت بالقطع واليقين، ولا مجال للخلاف فيه، لكونه ثابتًا بالآيات القرآنيّة التي هي كلام الله تعالى بلا ريب، كما أنّه من الواجبات المعروفة والواضحة في الإسلام التي تسمّى

 


[1]  الزركشيّ، البحر المحيط في أصول الفقه، ج 1، ص 146.

 

66


46

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

بالضروريّات[1]، حاله كحال وجوب الصوم والصلاة والحج والزكاة، وقد اتفق علماء الإسلام على القول بوجوبه، لم يخالف في

 


[1] الحكيم، السيّد محسن، مستمسك العروة الوثقى، ج 5، ص 240، موسوعة الإمام الخوئي، ج 12، ص 62.

 

67


47

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

ذلك واحد منهم[1]. مضافًا إلى كونه مما قامت على العمل به السيرة العمليّة القطعيّة لنساء المسلمين على اختلاف مذاهبهم واتجاهاتهم، منذ صدر الإسلام إلى يومنا هذا. هذا كلّه يعطي أن القول بالوجوب فيه ليس ظنيًّا، وليس مساحة للاجتهاد، بل هو من الواجبات القطعية والفرائض التي لا بدّ للمرأة من الالتزام بها من الناحية الشرعيّة والدينيّة.

 

ثالثًا: هذه الآية هي من آيات الأحكام الواردة في سورة النور المباركة، وقد جاء في بداية هذه السورة ما يدلّ على كون ما فيها من أحكام هو فرائض، قال تعالى: ﴿سُورَةٌ أَنزَلنَٰهَا وَفَرَضنَٰهَا وَأَنزَلنَا فِيهَا ءَايَٰتِ بَيِّنَٰتٖ لَّعَلَّكُم تَذَكَّرُونَ﴾[2]، قال الشيخ الطبرسيّ رحمه الله: معنى فرضناها؛ أي أوجبنا عليكم العمل بها وعلى من بعدكم إلى يوم القيامة[3]. وقال السيّد الطباطبائيّ{؛ أي هذه سورة أنزلناها وأوجبنا العمل بما فيها من الأحكام، فالعمل بالحكم الإيجابي هو الاتيان به، وبالحكم التحريميّ الانتهاء عنه[4].

 


[1] موسوعة الإمام الخوئي، ج 12، ص 62.

[2] سورة النور، الآية: 1.

[3] الطبرسيّ، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 7، ص 218.

[4] الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، ج 15، ص 78.

 

68


48

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

الحجاب حال الصلاة وخارجها:

ذكرت إحداهنّ أنّ الحجاب واجب على المرأة وقتَ الصلاة فقط، لا في غيرها.

وقد أثار بعضهم شبهة أخرى، حاصلها: إنّ الحجاب ليس واجبًا أمام الرجال أو لأجل الحدّ من الشهوات والغرائز، وغير ذلك ممّا يذكر في مجال بيان الحكمة من وجوبه، ولو كان كذلك فلماذا تتحجب المرأة في الصلاة، حتّى لو لم يكن هناك رجل؟!

•| الجواب |•

أما بالنسبة إلى الشقّ الأول: فنحن لا ندري أيّ آية أو رواية دلّت على ذلك! فالآيات القرآنيّة الدالّة على وجوبه دلّت على العكس تمامًا، حيث وردت في مجال ما يجب ستره أمام الرجال، لا في الصلاة؛ ولذا احتاج الفقهاء إلى دليل يدلّ على تحديد المقدار الواجب ستره على المرأة حال الصلاة، كما هو معروف في المسائل الفقهيّة والشرعيّة في باب لباس المصلّي.

وأما بالنسبة إلى الشقّ الثاني، فنقول:

أوّلًا: إنّ لباس المصلّي لا يختصّ بالمرأة، فكما يجب على المرأة الستر أثناء الصلاة، فكذلك يجب على الرجل. وتحديد مقدار الستر الواجب على كلٍّ منهما أمر تعبّديّ لا علاقة

 

69


49

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

للأهواء والأذواق الشخصيّة بتحديده. فدين الله وشرعه لا يصاب بالعقول القاصرة، وإنّما يرجع فيه إلى الشريعة المقدّسة التي أوجبت الصلاة نفسها، وبيّنت أحكامها وشروطها. فحال اللّباس هنا كحال غيره من الأحكام التي تفترق بها المرأة عن الرجل، كترك الصلاة وقت العادة الشهريّة، وعدم وجوب قضائها عليها، ومسألة الجهر والإخفات، وصلاة الجماعة، وغير ذلك من الأحكام.

ثانيًا: إنّ طبيعة تفكير المرأة مشدود نحو الزينة والتزيّن، وإنّ جُلَّ تفكيرها مشغولٌ بهذا الأمر، كما هو مشهود ومعروف، وتجده كلّ امرأة في نفسها منذ نعومة أظفارها، على خلاف طبيعة الرجل الذي يوجد لديه هذا التفكير والاهتمام في أوقات أقلّ بكثير نسبيًّا. وحيث كانت العبادة تحتاج إلى حضور قلب، وعدم الانشغال بأمور أخرى، اقتضت الحكمة ستر البدن في الصلاة حتّى لو كانت وحدها، ليكون عونًا لها على هذا الأمر الذي يشغلها ويلهيها عن التوجّه في العبادة.

ثالثًا: إنّ المرأة في الصلاة يكون توجُّهها إلى ربّها، واستقبالها القبلة مع ركوعها وسجودها يغيّبها عن بعض الجهات التي لا تأمن معها بشكل عامّ من الوقوع في معرض النظر، وقد تبتلى بسبب ذلك بقطع العبادة.

فالعبادة لا بدّ من أن تُحفَظ من كلّ ما ينافي شأنها، خصوصًا أجواء الإثارة وتحريك الشهوة التي قد تحصل من خلال ترك المرأة الستر وإظهار البدن، سواء قصدت المرأة أو

 

71


50

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

لم تقصد؛ ولذا كان عليها الستر في الصلاة، حتّى لو كانت أمام محارمها أو حتّى زوجها؛ لأنّ هذا شأن العبادة، ولكلّ مقام شأنه.

ورابعًا: إنّ الحضور بين يدي الله تعالى، يشبه خروج الإنسان من عالم إلى عالم، فكأنّما المرأة في صلاتها تخرج من عالمها الخاصّ الدنيويّ، إلى عالم الحضور الخاصّ المعنويّ بين يدي الله والملائكة الكرام، وهو أمر يستدعي لباسًا وسترًا كالستر الذي يستدعيه خروجها الدنيويّ من بيتها إلى مكان آخر.

وعلى أيّ حال، فإنّ مسألة ستر المرأة في الصلاة، ومسألة سترها أمام الرجال أمران منفصلان، ولا علاقة لأحدهما بالآخر، ولا داعي إلى ربط بعضهما ببعض، فقد يجب أحد الأمرين، أو كلاهما، وأمر ذلك يعود إلى الشريعة الإسلاميّة نفسها فيما تراه من مصالح وعِلَل وأسرار لا يعلمها إلّا الله سبحانه وتعالى.

 

73


51

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

لا إكراه في الدين:

لماذا نُجْبَر على الحجاب مع أنّه تعالى يقول: ﴿لَا إِكرَاهَ فِي ٱلدِّينِ﴾[1]؟ كان هذا سؤال إحدى النساء عندما تحدّث معها بعضهم عن الحجاب، وكأنّما كانت تلتمس لنفسها العذر في تركه بهذه الآية، وأنّ الدين ليس فيه واجب وإلزام، فإنّه إكراه وهو منفيّ بالآية الكريمة!

•| الجواب |•

الإجابة عن هذا الكلام تتّضح حينما نفهم التفسير الصحيح الذي يظهر من الآية، الذي لا علاقة له بوجود واجبات أو محرّمات في الشريعة، وخلاصته: إنّ الله تعالى لا يجبر أحدًا من خلقه على إيمان أو طاعة، ولكنّه يوضّح الحقّ من الغيّويبيّنه، وقد فعل ذلك، فمن آمن بالحق فقد آمن به عن اختيار، ومن اتبع الغيّ فقد اتبعه عن اختيار، والله سبحانه، وإن كان قادرًا على أن يهدي البشر جميعًا- ولو شاء لفعل- لكنّ حكمته اقتضت أن يكونوا غير مجبورين على أعمالهم، بعد إيضاح الحقّ لهم وتمييزه عن الباطل، فقد قال- عزّ مِن قائل-: ﴿وَلَو شَاءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُم أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَلَٰكِن لِّيَبلُوَكُم فِي مَا ءَاتَىٰكُم فَٱستَبِقُواْ ٱلخَيرَٰتِ إِلَى ٱللَّهِ

 


[1]  سورة البقرة، الآية: 256.

 

74


52

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

مَرجِعُكُم جَمِيعٗا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم فِيهِ تَختَلِفُونَ﴾[1]، وقال: ﴿قُل فَلِلَّهِ ٱلحُجَّةُ ٱلبَٰلِغَةُ فَلَو شَاءَ لَهَدَىٰكُم أَجمَعِينَ﴾[2]..»[3].

ومن هنا يتّضح أنّ الدين لا يُكره أحدًا على اعتناقه، بل يختاره الإنسان بملء إرادته، وبعد اختيار الدين يكون قد ألزم نفسه بما فيه من فعل الواجبات وترك المحرّمات، وسائر الوظائف والتعاليم الأخرى التي اختارها تبعًا لاختياره الدين والتزامه به، ومن بينها وجوب الستر والحجاب على المرأة.

شبهة حول الآية:

حدثتني إحدى الطالبات أنّ معلمتها في الجامعة قالت لطلابها وطالباتها يوماً: إنّ ما يقوم به الأهل من حثِّ بناتهم على ارتداء الحجاب وهنّ صغيرات، دون أن تفهم سبب الحجاب، هو إكراه للطفلة وإجبار لها على ارتدائه، لكونها ضعيفة الإدراك ولا تعي ما تفعله، وهي تقلّد أهلها في هذه المرحلة من العمر، فلا بدّ من أن تُترك لكي ينضج عقلها وتختار بنفسها ما تريد، فإنّه : ﴿لَا إِكرَاهَ فِي ٱلدِّينِ﴾.

 

 


[1] سورة المائدة، الآية: 48.

[2] سورة الأنعام، الآية: 149.

[3] الخوئيّ، السيّد أبو القاسم، البيان في تفسير القرآن، ص 309.

 

75


53

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

والجواب على ذلك:

أولاً: ليس من الصحيح الحكم على الأطفال عموماً، وخصوصاً في سنّ التاسعة، أن إدراكهم ضعيف أو ليس لديهم القدرة على التمييز بين ما هو الصحيح وبين ما هو الخطأ أو بين الحسن والقبيح. نعم، يمكن القول: إن مستوى إدراكهم يختلف عن مستوى إدراك الكبير بشكل عام، وهذا أمر نشاهده في أبنائنا وبناتنا والأطفال عموماً، ويجده الأساتذة والمعلمون في طلابهم وطالباتهم، وتقوم عليه كل الأنظمة التعليمية والتربوية. فالطفلة الصغيرة عندما تكمل السنوات التسع من عمرها تكون طفلة مميزة، تستطيع أن تفهم وتعي أبعاد الحجاب والحكمة من تشريعه، بما يتناسب وسنّها، ثم تزداد معرفة شيئاً فشيئاً مع ازديادها في الوعي والإدراك.

ثانياً: إنّ العلوم على اختلافها وتنوعها في الصعوبة والسهولة، تُعطى للأطفال في سنٍّ مبكر، من اللغات والرياضيات والفيزياء والكيمياء والتاريخ والجغرافيا وغيرها، ولكن بشكل يتناسب مع سنِّ الطفل ومستوى إدراكه، وكذلك الأمر في الآداب والتربية والأخلاق، فإن الطفل يُنشَّأ عليها شيئاً فشيئاً وبما يتناسب وعمره، بل وكذلك الأمر في الرياضة واللياقة البدنية أو المهارات الأخرى من الرسم والكمبيوتر وغير ذلك، فهل يُقال أيضاً إن في هذا الأمر إكراه أو إجبار للطفل على معرفة أو سلوك معين، ليس من حق الأهل أو المعلمين توجيه الطفل نحوه؟!

 

76


54

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

فالأمور الدينية التي يتربّى عليها الطفل حالها كحال بقيّة الأمور التي يتربّى عليها، من العلوم والمعارف والآداب والأخلاق، بل ويمكن تعميم ذلك إلى الأكل والشرب واللباس ونمط العيش والأعراف والتقاليد، فكما أنّ من حقّ الأهل أن يربّوا أطفالهم على هذه الأمور، فمن حقهم كذلك تربيتهم على الأمور الدينيّة.

ثالثاً: إنّ جميع الأنظمة التعليمية والتربوية والثقافية في العالم، تدرّس الطفل وتربِّيه بحسب المناهج التي تتبع إيديولجيا وعقيدة خاصة، وتحديد ذلك يعود للأهل بالدرجة الأولى، ثم للمؤسسة التعليمية أو التربوية التي اختارها الأهل، وقد ضمنت القوانين والأعراف والأديان في العالم هذا الحق للأهل في اختيار ما يرونه مناسباً لأولادهم وما يجدونه من مصلحتهم[1]، دون أن يعترض معترض أنّ ذلك يترتب عليه جبر أو إكراه للولد على علم معين أو تربية محدّدة.

رابعاً: إنّ تعليم الأهل أو المدرسة أو تربيتهم لا يشكل عاملاً قاهراً للطفل بحيث لا يترك له مجالاً للتغيير أو العدول، بل هو عبارة عن تنشئة وتهيئة أرضية مناسبة لفكرة أو

 

 


[1] جاء في اتفاقية حقوق الطفل، الصادرة عن الجمعية العامّة للأمم المتحدة المادة 18: تبذل الدول قصارى جهدها لضمان الاعتراف بالمبدأ القائل: إنّ كلا الوالدين يتحملان مسؤوليات مشتركة عن تربية الطفل ونموه. وتقع على عاتق الوالدين، أو الأوصياء القانونيين، حسب الحالة، المسؤولية الأولى عن تربية الطفل ونموه، وتكون مصالح الطفل الفضلى موضع اهتمامهم الأساسيّ. (أنظر: موقع الأمم المتحدة، حقوق الإنسان، مكتب المفوض السامي: www.ohchr.org).

 

77


55

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

سلوك معين، يستطيع الإنسان بعد ذلك الاستمرار عليه أو التخلي عنه، ولهذا نرى الكثير من الناس ممن يتربون في أجواء خاصة في الصغر علمية أو سلوكية، تتبدل وجهات نظرهم عندما يكبرون، فهناك الكثير ممن تربوا في بيئة غير دينية وهم صغار، ثم ما لبثوا أن التزموا بتعاليم الدين وأحكامه في كبرهم، وهناك من ينعكس الأمر بالنسبة إليه أيضاً، وهذا أكبر شاهد على حفظ الاختيار، وعدم الإكراه أو الإجبار.

خامساً: لو قلنا أن الحجاب في الصغر إكراه وإجبار، فما هو البديل الآخر الذي ليس فيه إكراه أو إجبار؟ هل نختار لها ثياباً لا تكون فيه محجّبة، تبرز معه زينتها وبدنها؟ أو ندعها تختار ما تشاء؟

فهذا أيضاً لون من ألوان تربية الأهل، يأتي فيه ما سبق من القول: إن البنت لا تعي في هذا العمر ما تفعل، فيؤدي ذلك إلى تربيتها بطريقة تعتبر إكراهاً وإجباراً على شيء قد لا تريد اختياره في المستقبل!!

سادساً: لو سلّمنا أنّ البنت وهي صغيرة لا تدرك أو لا تعي ما تفعله، فهذا بنفسه دليل على ضرورة التصدي لتوعيتها وإرشادها وتوجيهها نحو ما فيه فائدة ومنفعة لها، فلو كانت البنت تريد أن تشرب الخمر أو تتناول المخدرات مثلاً وهي صغيرة، فهل من الصحيح تركها تفعل ما تشاء بحجة أن لا تقلّد أهلها؟!

 

78


56

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

فما هو الطريق لكي تعي البنت ما تفعله، أليست تربية البنت وتعليمها من مسؤولية الأهل؟! أليسوا هم من يحدّد المعرفة والسلوك والقيم التعليمية والتربوية، التي يتحملون معها مسؤولية ما يقومون به تجاه أبنائهم وبناتهم أمام الله وأمام المجتمع؟

ولو قلنا إنّ توجيه الأهل أو تعليمهم الطفل إلى علم ما، أو إلى لون من ألوان السلوك يُعدّ إجباراً أو إكراهاً لحكمنا على علم التربية، بل وعلى كل المناهج التعليمية والتربوية بذلك أيضاً، وهذا يعني أنّنا لا بدّ من أن نلغي فكرة التعليم أو التربية في الصغر؟!

وأخيراً: لا بدّ من التنبّه إلى أنّ هذه الإشكاليّة لا تختص بالحجاب فقط، بل تشمل جميع العبادات والطاعات والأمور الدينيّة والعبادية الأخرى، كالصلاة والصوم والحج وغيرها.

 

79


57

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

الحجاب عادة اجتماعيّة، لا مسألة دينيّة:

ذكرت إحدى النساء على بعض وسائل الإعلام أنّ الحجاب من العادات الاجتماعيّة، ولا علاقة له بالدين، وذلك عندما سئلت عن سبب عدم ارتدائها الحجاب. والذي يبدو من كلامها أنّها تدّعي أنّ منشأ هذه الظاهرة عند المسلمات هو العادات التي كانت سائدة في المجتمعات الإسلاميّة عبر العصور المختلفة، من دون أن يكون هناك نصّ دينيّ يثبت ذلك، أو يلزم المرأة بارتدائه، ممّا يعني أنّ الحجاب يعود إلى عادة اجتماعيّة تتغيّر وتتبدّل بحسب تغيّر العادات والتقاليد الاجتماعيّة، وأنّ عادة المجتمع في عصر النبيّ (صلى الله عليه وآله) كانت تستدعي لباسًا معيّنًا للمرأة، أمّا اليوم فقد تبدّلت تلك العادات، وصار للمرأة لباس آخر، تبعًا لتطوّر المجتمع وتغيّره على أكثر من صعيد.

•| الجواب |•

أوّلًا: إنّ القرآن الكريم قد بيّن وجوب الحجاب والستر على المرأة، كما ذكرنا سابقًا، وأوضحنا أنْ لا مجال للإنكار أو التشكيك في هذا الأمر البديهيّ الواضح، الذي يعرفه القاصي والداني، والمسلم والكافر عن الإسلام وتشريعاته، بل يجمع عليه العالم والجاهل والكبير والصغير والمرأة والرجل.

 

80


58

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

ثانيًا: الذي يراجع تاريخ المرأة قبل الإسلام وفي عصر الجاهليّة، يجد أنّ لباسها كان يختلف عن اللّباس الذي فرضه الإسلام. ويكفينا في هذا المجال قوله تعالى: ﴿وَلَا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ ٱلجَٰهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ﴾[1]. وقد قيل: كانت المرأة تلبس الدرع من اللّؤلؤ فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال[2]، وكنّ يختلطن بالرجال ويجالسنهم، ويحضرن المجالس العامّة، ويرتدن الأماكن العامّة كالأسواق. وكانت ثيابهنّ لا تستر جميع الجسد، بل يبقى بعض الرأس والأذنان والعنق والصدر مكشوفة، وكذلك الذراعان والقدمان[3].

وعندما جاء الإسلام فرض عليها لباسًا محدّدًا، وضمن شروط وضوابط خاصّة، كما هو معلوم، يخالف ما كانت عليه بحسب العادة والعرف الاجتماعيّ آنذاك.

فلم يكن هناك وجود للحجاب- بمعنى الزيّ الشرعيّ الخاصّ- لدى عرب الجاهليّة، وقد تحقّق لهذه الظاهرة وجود لدى العرب بفضل رسالة الإسلام[4].

وهكذا يتّضح أنّ من جملة الظواهر السلبيّة التي عالجها الإسلام في ذلك المجتمع، فيما يعود للعلاقة بين الرجل بالمرأة، مسألة الستر واللّباس الخاصّ.

 

 


[1] سورة الأحزاب، الآية 33.

[2] الزمخشريّ، الكشّاف، ج 3، ص 260.

[3] شمس الدين، الشيخ محمّد مهدي، مسائل حرجة في فقه المرأة، ج 1، الستر والنظر، ص 63-64.

[4] المطهّري، الشهيد مرتضى، مسألة الحجاب، ص 23.

 

81

 


59

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

ويدلّ على هذه الحالة الجديدة التي أحدثها وجوب الستر والحجاب، ما روي عن عائشة وهي تطري نساء الأنصار، بقولها: ما رأيت نساءً خيرًا من نساء الأنصار، لمّا نزلت هذه الآية، (تعني الآية 31 من سورة النور ﴿وَقُل لِّلمُؤمِنَٰتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَٰرِهِنَّ وَيَحفَظنَ 
فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنهَا وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ﴾ الآية)، قامت كلّ واحدة منهنّ إلى مَرْطِها الْمُرَحَّل[1]، فصدعت منه صدعة، فاختمرن، فأصبحن كأنّ على رؤوسهنّ الغُربان[2].

ثالثًا: إنّ الظواهر الاجتماعيّة تتغيّر وتتبدّل على مرّ الزمان، حسب الثقافات والعادات والأعراف، وإن كان تبدّلها يسير ببطء عادة، ممّا يعني أنّ ثبات أيّ ظاهرة اجتماعيّة يعود إلى وجود عامل آخر وراء العادة والعرف الخاص هو الموجب لثباتها.

ولو ألقينا بنظرنا إلى كافّة الشعوب المسلمة ونسائها الملتزمات بالستر والحجاب، نجد كيف أنّهن التزمن به على مرّ العصور والأزمان، دون أن يحدث هناك تغيّر على مستوى أصل الالتزام به وأساسه، رغم اختلاف تلك الشعوب في العادات والتقاليد الاجتماعيّة، فقد تقلَّب

 

الستر والحجاب داخل هذه العادات المختلفة، دون أن

 


[1] المروط: أكسية من صوف، وربّما كانت من شعر، وربّما كانت من خَزّ. والمرحّل: الموشّى. وأمّا قولها: فأصبحن على رؤوسهنّ الغربان، تريد: أنّ المروط كانت من شعر أسود، فصار على الرؤوس منها مثل الغربان. (انظر: الدينوريّ، ابن قتيبة، غريب الحديث، ج 2، ص 160).

[2]  المطهّري، الشهيد مرتضى، مسألة الحجاب، ص 27، عن تفسير الكشّاف للزمخشريّ، ج 3، ص 62.

 

82


60

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

الستر والحجاب داخل هذه العادات المختلفة، دون أن يذهب أصله وأساسه وجوهره؛ أي مقدار الستر الواجب دينيًّا على المرأة؛ ولهذا نجد حجابًا لبنانيًّا، أو حجابًا خليجيًّا أو حجابًا عربيًّا، وحجابًا إيرانيًّا، وحجابًا باكستانيًّا، وحجابًا أفغانيًّا؛ ما يوضّح أنّ ثباته لا يعود إلى العادة الاجتماعيّة وإلّا لتبدّل بتبدّلها، بل هناك وراء هذه العادات ما هو السبب في هذا الثبات على مرّ الزمان واختلاف المكان، وهو الواجب الإلهيّ الدينيّ.

رابعًا: إنّ كثيرًا من الأمور الاجتماعيّة هي في أساسها شعائر دينيّة، وإذا حوَّلها بعضهم إلى عادة اجتماعيّة، فهذا لا ينقص من كونها تكليفًا إلهيًّا ربّانيًّا ذا بُعدٍ اجتماعيّ، بل إنّ أحد أبعاد الحاجة إلى الدين هو المساهمة في رسم الظواهر الاجتماعيّة بما يخدم طريق الإنسان في الوصول إلى كماله؛ لأنّ الدين ليس حالة فرديّة انعزاليّة، بل هو مشروع متكامل له بناؤه، بما يؤمّن صلاح الفرد والمجتمع.

 

 

83

 


61

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

المطلوب هو الاحتشام، وليس الحجاب:

كتبت إحدى السيّدات على بعض مواقع الإنترنت مقالة، تذكر فيها أنّ الحجاب مسألة خلافيّة!! حيث لم يتّفق العلماء فيها على قولٍ واحد!! بل تعدّدت آراؤهم: بين من يرى وجوب ستر كلّ الجسد حتّى الوجه والكفّين، حيث يوجب النقاب على المرأة، وبين من يرى وجوب ستر الجسد كلّه باستثناء الوجه والكفّين. وتزعم الكاتبة أنّ ثمّة رأيًا ثالثًا في الفقه المعاصر، وهو أنّ القرآن لم يفرض على المرأة زيًّا معيّنًا، ولكن أمرَ بالاحتشام في الملبس والسلوك، وعدم التبرّج وعدم لفت النظر بالزينة المبالَغ فيها، وأنّه لا يوجد نصّ قرآنيّ صريح بتغطية الشعر، وأنّ الأحاديث ضعيفة لم تُذكر في صحيح مسلم أو البخاريّ!

وبعد أن تؤكّد الكاتبة على أنّها تؤمن بالتعدّديّة الفقهيّة! وأنّ لكلٍّ من هذه الآراء دليلَه، وأنّها لا تنكر ذلك، تتبنّى الرأي الثالث الذي يقول بعدم فرض الحجاب. وبعد أن تنتقي ما يحلو لها من الآراء في التفسير والحديث وأقوال الفقهاء والكتّاب، تخلص إلى قولها: وأخيرًا، لقد أمرنا الله ورسوله بالبعد عن التبرّج، والاحتشام في الملبس والسلوك. ثمّ تقول مخاطبة المرأة بشكل عامّ: فتخلّصي من صراعك النفسيّ واختاري الرأي الفقهيّ الذي يناسبك! لأنّ الحجاب مسألة خلافيّة، ومَن لا ترتديه لا هي كافرة ولا عاصية![1].

 

 


[1] موقع حركة مصر المدنيّة، 3 أكتوبر 2012: www.civicegypt.org.

 

84


62

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

وتزعم سيّدة أخرى على إحدى الفضائيّات أنّ الدين لم يدعُ إلّا إلى الاحتشام، فيكفي للمرأة أن تحتشم أمام الرجل، ولها أن تختار أيّ لباس محتشم دون تقييد ذلك بشروط خاصّة.

•| الجواب |•

أوّلًا: لا يوجد خلاف في أصل وجوب الستر والحجاب على المرأة، وخصوصًا ستر الرأس والرقبة. نعم، وقع الخلاف بين فقهاء الإسلام في وجوب ستر الوجه والكفّين، (وربّما أضيف إليهما عند بعضهم شيء آخر كالقدمين مثلًا)، إلّا أنّ أحدًا من هؤلاء الفقهاء لم يذكر عدم وجوب الحجاب وستر الرأس على المرأة[1]. فالصحيح أنّ ثمّة رأيَين متّفقين على أصل وجوب الستر والحجاب على المرأة، لكنّهما مختلفان في حدود الستر، وفي أنّه هل يشمل سائر الجسد، أو يستثنى منه الوجه والكفّان، ولا يوجد رأي آخر في هذه المسألة. وهذه كتب الفقهاء من الشيعة والسنّة بين أيدينا، ربّما يرجع بعضها إلى القرن الثاني أو الثالث على أقلّ تقدير، فليدلُّنا مَن يدّعي وجود رأي مخالف لأصل وجوب الستر والحجاب، أين هو؟ ومَن ذكره؟

وأمّا ما تزعمه هذه السيّدة، من أنّه يوجد رأي ثالث، وأنّه رأي فقهيّ معاصر، فكيف يصحّ

 


[1] انظر: مغنية، الشيخ محمّد جواد، الفقه على المذاهب الخمسة، ص 86، الجزري، عبد الرحمن، كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، ج 1، ص 186، متنًا وهامشًا.

 

85


63

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

ذلك وقد اعترفت بنفسها بأنّ تاريخ هذا الرأي يعود إلى سنة 1900 ميلاديّة؟! أي منذ أكثر من قرن، وهو أول ظهور له، ثمّ أخذ يتكرّر إلى يومنا هذا.

ومثل هذا الرأي المزعوم يخالف حكمًا واضحًا بديهيًّا تقدّم سابقًا أنّ الفقهاء يسمّونه «الضروريّ»، وإنكارُه قد يؤدّي بصاحبه إلى تكذيب أحكام الله تعالى، ولا أقلّ من كونه عاصيًا لتقصيره في البحث والدليل.

ثانيًا: إنّ مَن تدّعي الكاتبة أنّهم من أصحاب الرأي الفقهيّ- ولا نحبّ تسميتهم-، هم أناس ليسوا من ذوي الاختصاص في العلوم الدينيّة والشرعيّة، ولم نجد فيهم مَن يتحدّث بشكل علميّ تحقيقيّ، ولديه باعٌ واطلاعٌ على علوم اللّغة العربيّة، وعلم أصول الفقه، وعلم التفسير، وعلم الحديث، وعلم الرجال، وغيرها من العلوم التي يتوقّف على معرفتها بشكل تخصّصيّ فهمُ النصوص الدينيّة، والاجتهاد فيها، وإبداء الرأي العلميّ في المسائل الخلافيّة.

وإنْ أحسنّا الظنّ في بعضهم، وكان ممّن له حظٌّ من العلم، فغاية ما يقال- حينئذٍ- إنّ كلامه يعبّر عن رأي شاذّ، خالف حكمًا متّفقًا عليه بين العلماء والفقهاء.

فكيف وهؤلاء المخالفون- بمعظمهم- علمانيّون وليبراليّون ومعادون للدين، أو يعيشون في ظلال الغرب وبلاده وقد تأثّروا بفكره وآرائه، وقد طعنوا بالكثير من أحكامه وتشريعاته؟! وقد رأينا من بينهم مَن ادّعى عدم تحريم الخمر- والعياذ بالله-، فهل هذا يمكن تسميته 

 

86


64

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

«رأيًا فقهيًّا» أو «اجتهادًا علميًّا»؟!

إنّ مساحة الاجتهاد لا تتحرّك في المسائل الاتفاقيّة الواضحة، بل في المسائل النظريّة الخلافيّة، كما أنّها لا تكون مقابل النصّ، بل في خدمته ولصالحه.

ثالثًا: لو سلّمنا أنّ هذه المسألة من المسائل الخلافيّة بين الفقهاء، وأنّ لكلِّ رأي دليلَه، كما اعترفت الكاتبة بذلك، فعلى أيّ أساس علميّ تقول الكاتبة إنّ المرأة بإمكانها أن تختار هذا الرأي دون غيره؟!

أليس الإنسان العاقل عندما يرجع في المسائل المهمّة إلى أهل الاختصاص، ليشخّصوا له الحالة التي يريد، كما هي الحال في كلّ العلوم والمهن والصناعات، إذا اتفق أنْ وقع بينهم أيّ خلاف، فإنّه يلجأ- حينئذٍ- إلى السؤال عن أكثرهم علمًا وتشخيصًا لتلك الحالة ويأخذ برأيه؟! لا أقلّ من باب الاحتياط عند وجود الشكّ والشبهة. هذا إذا كان طالبًا للحقيقة، بعيدًا عن الهوى والتعصُّب!

ولنأخذ على ذلك مثال المرض، فلو أنّ شخصًا أصابته حالة مرضيّة، وبعد أن ذهب إلى أكثر من طبيب، واستمع إلى أكثر من تشخيص لحالته، وقع في حَيرة من أمره، ماذا تراه يصنع يا تُرى؟ هل يغامر بالأخذ بأيّ الرأيَين أو الآراء من دون أن يفحص عن مدى دقّة الطبيب القائل به، ولا يهتمّ بعد ذلك إلى نتائج هذا الفعل وعوارضه على جسده وعلى

 

88


65

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

مدى استفادته من ذلك العلاج، معتذرًا عن ذلك بأنّني أخذت بقول الطبيب الفلانيّ، وهذا يكفيني، أم أنّه يفحص ويتأكّد ويسأل عن هذا الطبيب، ومدى دقّته في التشخيص والعلاج؛ لأنّه يريد أن يصل إلى العافية والسلامة، ولا يهمّه أن يجد عذرًا أمام الناس أنّه قد ذهب إلى الطبيب وعمل برأيه؛ لأنّه أعجبه مثلًا؟

لا شكّ في أنّ العاقل يختار الرأي الثاني، مهما كان شاقًّا ومتعِبًا؛ لأنّه يكون معه أقرب إلى الصواب والحقيقة التي يتوخّاها من خلال الرجوع إلى أهل الاختصاص.

رابعًا: تحاول الكاتبة التدليس والتزييف بعرضها مسألةَ الحجاب على أنّها خلافيّة، وأنّها لا تنكر الآراء الأخرى، ولكنّها ترجع وتقول إنّها آراء تعود إلى حكم العادات وليس إلى العبادة، فلا داعي إلى تقديسها مع تغيُّر الزمان والعادات، ما يوضّح لنا الهدف من هذه المحاولة، وهو الدعوة إلى ترك الحجاب، وإن غلّفته بدعوى الاحتشام المزعوم.

خامسًا: إنّ الاحتشام أمر مطلوب حتمًا، وهو أحد أهمّ الأسس التي يبتني عليها الستر والحجاب، إلّا أنّ السؤال في كيفيّة تحقّقه، ومَن الذي يحدّد ذلك، هل تقوم المرأة نفسها باختيار الطريقة والأسلوب اللّذَين تراهما مناسبَين في تحقّق الاحتشام؟ وما النتيجة حينئذٍ؟

 

89


66

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

فلنتصوّر لو أنّ امرأة كانت ترى كشف الرأس مع ستر جميع البدن أمرًا عاديًّا لا يتنافى مع الاحتشام، بينما تزيد امرأة أخرى على ذلك فلا ترى في إظهار شيء من

 

90


67

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

الصدر والذراعين والقدمين ما يتنافى مع الاحتشام، وثالثة تزيد على ذلك إظهار الزينة وموديل الشعر وبعض الإكسسوارات أو الجواهر، ورابعة تزيد على ذلك لبس الثياب المزخرفة والملوّنة بألوان زاهية ولافتة، وخامسة تزيد على ذلك ارتداء بعض الألبسة الضيّقة أو القصيرة[1]، وسادسة ترى الاحتشام في القلب وليس في اللّباس!! وسابعة وثامنة وتاسعة... وهكذا...

فما الضابطة التي لا بدّ من اتخاذها لو تُرك أمرُ تشخيص الاحتشام لأهواء المرأة ونزواتها؟ وكيف يمكن أن ينتظم أمر ستر المرأة واحتشامها مع وجود مثل هذه الآراء والأهواء؟!

ثمّ مَن الذي فسّر الستر الواجب على المرأة بالاحتشام؟ هل الآيات القرآنيّة أو الروايات الواردة عن النبيّ وأهل بيته (عليهم السلام)، التي صرّحت بوجوب الستر والحجاب، بمعنى اللّباس الخاصّ بشروطه المحدّدة، أم سيرة النساء المسلمات القائمة منذ عقود على ذلك، أم تفسير فقيه أو عالم من علماء المسلمين، أم ماذا؟

وقد تقول بعض النساء إنّ بعض المحجّبات لسنَ من المحتشمات، وإنّ بعض مَن لا يرتدينَ الحجاب لديهنّ من الاحتشام ما ليس لتلك...

 


[1] ومن غريب ما نشر على بعض صفحات الإنترنت، عبارة «مايو» محتشم!!

 

91


68

مقدّمة

نقول: هذا صحيح أحيانًا، إلّا أنّ ذلك ليس مبرّرًا لترك الحجاب، وإذا كانت بعض المحجّبات تخطئ في أعمالها، فعليها وزر ذلك، إلّا أنّ المطلوب هو الحجاب مع الاحتشام الكامل، وليس بعض الاحتشام بلا حجاب، ولا الحجاب بلا احتشام.

 

92


69

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

الحجاب ظلم للمرأة:

قيل: إنّ الحجاب ظلم للمرأة.

يحاول بعضهم تقريب ذلك من زاوية أنّ جسد المرأة ملك لها، ولها الحرّيّة التامّة في اختيار نوع اللّباس ولونه وشكله ومقدار ما تستره من بدنها، وكذلك سائر ما يتعلّق بأمور الزينة ومظهر المرأة، فإنّ ذلك كلّه يدخل في دائرة الحرّيّة الشخصيّة للفرد، بحيث لا يحقّ لأحد أن يملي عليها ما تلبس وكيف تلبس.

•| الجواب |•

هذا الكلام يعود بنا إلى سؤال آخر لا بدّ من تحديد الإجابة عنه من الناحية الإسلاميّة، وعلى ضوء ذلك يتّضح الجواب عن هذا الكلام، وهو: مَن الذي يحدّد مسألة حقوق الإنسان عمومًا وحقوق المرأة خصوصًا؟ هل المرأة نفسها، أو الرجل، أو ما يسمّى «شرعة حقوق الإنسان»، كما هو حاصل في القوانين الوضعيّة والمدنيّة، حيث تقوم مسألة الحقوق على ما يجعله الإنسان حقًّا للإنسان! فيضعون على أساس النظام العلمانيّ أو الإلحاديّ مثلًا، حقوقًا للبشر في مختلف الميادين، ومنها حقوق المرأة، وهي لا شكّ في أنّها قوانين لا تراعي الشريعة الإسلاميّة، بل وتخالفها في كثير من مفرداتها، ممّا لا يسع المجال لشرحه وتوضيحه؟

 

93

 

 


70

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

والصحيح هو: إنّ مسألة الحقوق في الإسلام لا بدّ من الرجوع فيها إلى مصادر التشريع الإسلاميّ؛ لأنّ الله سبحانه هو الربّ المشرّع للأحكام والحقوق، والحقّ هو ما جعله الله حقًّا، بعيدًا عن أهواء الإنسان وغرائزه وشهواته. فحقوق المرأة هي ما جعله الله حقًّا لها، لا ما جعلته المرأة حقًّا لنفسها، ولا ما جعله الرجل حقًّا لها، وكذلك سائر الحقوق والأحكام. هذا هو الذي يمليه إيمان الإنسان بربّه، واعتقاده بخالقه، الذي يعلم مصلحة عباده، ولا يريد لهم إلّا ما هو خير وما فيه نفعهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة. إنّ مثل هذا الإنسان الموحّد لا يرى حقًّا لنفسه إلّا ما جعله الله سبحانه حقًّا له.

وقد شرّع الله تعالى الحجاب والستر، وفرضه على المرأة عنوانًا لشخصيّتها وقيمةً خاصّةً بها؛ حفظًا لشأنها وصونًا لها، وحرصًا على مصلحتها، ولتوفير الأمن اللّازم لها- إن هي أدّته بشروطه المطلوبة- لكي تعيش حياة مستقرّة آمنة بعيدة عن تحرّش الرجال بها أو تعريض نفسها لمطامعهم وشهواتهم، من خلال إبراز زينتها ومحاسن جسدها، التي لا تنفصل عن ذلك غالبًا. فكيف يكون الحجاب- حينئذٍ- تعدّيًا على حقوقها، أو سلبًا لها؟! وهل القوانين التي تلزم الإنسان بأشياء تتعلّق بصِحّته مثلًا وتمنعه من بعض ما يضرّه هي سلب للحقّ أو تعدٍّ عليه؟

 

94


71

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

فستر المرأة وحجابها هو تفضُّلٌ منه سبحانه، وعطاء ومِنّة اختصّ بها النساء، وإنْ جهلْنَ سبب الحكمة فيه، أو خفيت عليهنّ.

قال تعالى: ﴿فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظلِمَهُم وَلَٰكِن كَانُواْ أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ﴾[1].

وفي حديث للإمام الصادق (عليه السلام) يقول: «إنّ الله تبارك وتعالى لا يفعل لعباده إلّا الأصلح لهم، ولا يظلم الناس شيئًا، ولكنّ الناس أنفسهم يظلمون»[2].

 


[1]  سورة التوبة، الآية 70.

[2] الصدوق، التوحيد، ص 403.

 

95


72

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

الإيمان في القلب:

تقول بعض النساء: إنّ الإيمان في القلب، ولا ضرورة لكي أكون مؤمنة ومطيعة أن ألتزم بالحجاب، فالله يعلم نيّتي، ويطّلع على قلبي، وهذا يكفي لنيل رضاه.

•| الجواب |•

لا شكّ في أنّ أصل الإيمان أمر قلبيّ، وهو ما يعقد الإنسان قلبه عليه، إلّا أنّ الواجبات والمحرّمات لا يُكتفى بها بالنيّة من دون العمل، بل لا بدّ لتحقّقها من الإتيان بها بشرائطها وأجزائها وتمام ما هو المطلوب منها ليقال عن الإنسان إنّه مطيع، وبتركها يقال عنه إنّه عاصٍ، والحساب والجزاء بالثواب أو العقاب لا بدّ من أن يلاحظ فيه العمل.

وهذه مسألة موجودة عند العقلاء في حياتهم ومعاشهم بشكل يوميّ. فلو أنّك طلبتَ من آخرَ عملًا ما، ولم يأتِ به كما هو المطلوب منه، معتذرًا بأنّ المهمّ هو النيّة وما في القلب، وقد كان في قلبه أن يطيعكَ ويُنفّذ ما تطلبه منّه، لضحك الآخرون من قوله، ولم يقبلوا له مثل هذا العذر الذي تضحك منه المرأة الثكلى...

إنّ كون أصل الإيمان في القلب لا يعني أن يترك الإنسان العمل اتكالًا على ذلك، فإنّ الإيمان لا يكتمل إلّا بالعمل، فقد جاء في الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «الإيمان

 

96


73

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

معرفة بالقلب، وإقرار باللّسان، وعمل بالأركان»[1].

وكثيرًا ما تقرن الآيات الكريمة في القرآن الكريم بين الإيمان والعمل الصالح، وتعدّ غير هؤلاء من الخاسرين. قال تعالى: ﴿وَٱلعَصرِ ١ إِنَّ ٱلإِنسَٰنَ لَفِي خُسرٍ ٢ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَواْ بِٱلحَقِّ وَتَوَاصَواْ بِٱلصَّبرِ﴾.

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «فبالإيمان يُستدَلّ على الصالحات، وبالصالحات يُستدَلّ على الإيمان»[2].

ثمّ إنّ الإيمان لا يمكن أن يثبت في القلب من دون عمل صالح، فالعمل هو الذي يرفعه ويثبته. قال تعالى: ﴿إِلَيهِ يَصعَدُ ٱلكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلعَمَلُ ٱلصَّٰلِحُ يَرفَعُهُۥ﴾[3].

ولو كانت مقولة «الإيمان في القلب» صحيحة على إطلاقها، وكانت كافية لنيل رضا الله تعالى، والدخول إلى الجنّة، فلماذا أفنى الأنبياء والأئمّة والأولياء وعباد الله الصالحون حياتهم بالطاعة والعبادة والالتزام بأوامر الله والاجتناب عن معاصيه؟ ألم يكن حريًّا بهم أن يكتفوا بالنيّة الطيّبة وإيمانهم القلبيّ؟

 


[1]  الصدوق، الخصال، ص 179.

[2] نهج البلاغة، الخطبة رقم: 156.

[3] سورة فاطر الآية: 10.

 

98


74

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

ولذا جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): «الإيمان أن يطاع الله فلا يعصى»[1].

 

ثمّ لو أنّ رجلًا جاء إلى هذه المرأة وادّعى أنّه يحبّها في قلبه، دون أن يظهر لها هذه العاطفة في أشياء محبَّبة لها، مدَّعيًا أنّ المحبّة في القلب، لَمَا قَبِلت منه مثل هذا الكلام، ولقذفته بأشدّ التهم في تقصيره في حقّها، وصولًا إلى إنكار ما يدّعيه من المحبّة! فلماذا تقبل على الله تعالى ما لا تقبله على نفسها؟! ﴿مَا لَكُم كَيفَ تَحكُمُونَ﴾[2]؟!

 


[1]  الكلينيّ، الكافي، ج 2، ص 33.

[2] سورة الصافات، الآية: 154.

 

100


75

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

لماذا لا يجب الحجاب على الرجل كالمرأة؟

تتساءل بعض النساء عن السبب في فرض الحجاب على المرأة دون الرجل، ولماذا تميّزت المرأة بهذا الواجب دونه، خصوصًا وأنّ هناك من يجتذب النساء من الرجال، كما أنّ هناك من يجتذب الرجال من النساء، فلماذا لا يتساوى الرجال والنساء في هذا الأمر؟

وتمادى بعض من تكلم في هذا الأمر ليقول: إنّ الحجاب لون من ألوان سيطرة الرجل على المرأة، ويحمل نزعة ذكوريّة تاريخيّة في علاقة الرجل بالمرأة.

 

•| الجواب |•

في البداية نقول:

يحاول دعاة التحرّر في أيّامنا هذه أو مَن يُعرَفون بـ «الليبراليّين»، تزييف أفكار المرأة واستغلَالها من خلال شعار المساواة بين الرجل والمرأة.

وتنخدع بعض النساء وتنجرّ وراء هذا الشعار، ظنًّا منها أنّ ذلك في صالحها، في حين أنّ هذا- بالتحليل والتمحيص- أمر شهوانيّ غرائزيّ، نشأ من شيطنة بعض الرجال، وساعدهم عليه بعض النساء- اللّواتي استرخصن أنفسهنّ- في استغلال المرأة وجعلها سلعةً بيد بعض

 

101


76

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

الرجال يتلذّذون بالنظر إليها، حتّى صار الرجل يفصّل لها الثياب التي تتناسب مع شهوته وغريزته، ويخيط لها الأثواب المثيرة، ويصنع لها الملابس ذات الألوان الفاتنة، ويضع لها المساحيق والماكياج، ويصنع لها التسريحات والموديلات المختلفة والمتعدّدة، لتظهر أمامه بمظاهر مختلفة وأشكال متعدّدة، غير آبهٍ بالمرأة وقيمتها وما وصلت إليه، ولا بآثار ذلك على نفسيّة المرأة ومكانتها الإنسانيّة والاجتماعيّة.

هذا، عدا عن جعلها- أحيانًا- سلعةً تجاريّة لعرض الدعايات، أو تقديمها بمظهر فتّانٍ لجذب الزبائن وكسب الأموال، فضلًا عن إسقاطها- أحيانًا- إلى الحضيض، واستغلال جسدها وعفّتها إلى أقصى حدٍّ ممكن، من خلال تقديمها كراقصة تُحرّك شهوات الرجال، أو مغنّية تثير بصوتها الرقيقِ أسماعهم، أو غيره ممّا يسهّل لهم الوصول إلى المرأة بأرخص الأثمان، بل ربّما يدفعونها هي إلى القيام بأبشع ما يمكن أن تصل إليه امرأة عن رغبة وطَوع، ذلك كلّه تحت عناوين جذّابة وخدّاعة لا تمتّ إلى الحرّيّة الحقيقيّة بصلة، والمرأة تسير وفق هواهم كالمسحورة، لا تدري ما تفعل، بل أصبحت تدافع عن هذا اللّون المنحرف من التفكير، باعتباره تفكيرًا تحرّريًّا كما يقال!

وأن تُعدّ هذه الأمور التي ذكرناها لونًا من ألوان العبوديّة الحديثة للمرأة، أحقّ من أن تعدّ من الحرّيّة أو تسمّى باسمها. فأين الحرّيّة من امرأة يسيّرها الرجال لخدمة شهواتهم

 

102

 


77

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

وغرائزهم، ويعينهم بعض النساء على هذا كمَن يعين على نفسه؟ فإن كانت تدري فتلك مصيبة، وإن كانت لا تدري فالمصيبة أعظم، ودوننا المرأة الغربيّة مثالًا لما نقول، وكفى به عبرة لنا في ما وصل إليه أمرُ نسائهم.

بين العدالة والمساواة:

فيا أيّتها الأخت الكريمة: إنّ الإسلام أكرمك وأعزّك، وأعطاك من المكانة والتقدير والاحترام ما لم يُعطِك إيّاه غيره. ومن هنا، لا بدّ من أن تميّزي بين أمرَين أساسيّين في علاقة الرجل بالمرأة، حتّى لا تغترّي بشعار المساواة المزيّف:

الأمر الأوّل: النظر إلى كلّ من الرجل والمرأة كإنسانٍ يحمل نفسًا إنسانيّة نُفخ فيها من رَوح الله، حيث لا ذكر ولا أنثى. ولا معنى لهذا التصنيف هناك، بل هناك إنسان وحسب. والرجل والمرأة متساويان في الإنسانيّة، ومن هذه الجهة ينظر إليهما من منظار واحد، والتفاضل يكون بالتقوى والأعمال الصالحة:

قال تعالى: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلنَٰكُم شُعُوبٗا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ ٱللَّهِ أَتقَىٰكُم إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ﴾[1].

 


[1] سورة الحجرات، الآية: 13.

 

103


78

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

ويقول سبحانه: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَاءٗ﴾[1].

ويقول عزّ اسمه: ﴿فَٱستَجَابَ لَهُم رَبُّهُم أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَىٰ بَعضُكُم مِّن بَعضٖ﴾[2].

الأمر الثاني: النظر إلى كلّ من المرأة والرجل بما يحمل من جسد يمتاز بخصائص يختلف بها عن الآخر، من حيث طبيعة كلّ منهما وخلقته، وما تحمله الأنثى من صفات تفترق بها عن الذكر وما يحمله من صفات، على مستوى الفروق البيولوجيّة والنفسيّة.

فالله سبحانه وتعالى بعلمه ولطفه وحكمته خلق هذا الإنسان ضمن نظام خاصّ ومحدّد له وظيفته، حيث أراد عزّ شأنه استمراره وبقاءه وتناسله من خلال نظام الزوجيّة العامّ الذي أجراه في الإنسان. قال تعالى: ﴿وَأَنَّهُۥ خَلَقَ ٱلزَّوجَينِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ﴾[3]، ليكون الولد امتدادًا لأبوَيه، واستمرارًا لوجودهما وبقائهما، وتحفظ بذلك هذه العائلة البشريّة إلى أن يأذن الله تعالى. قال سبحانه: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنهَا 
 


[1] سورة النساء، الآية: 1.

[2] سورة آل عمران، الآية: 195.

[3] سورة النجم، الآية: 45.

 

104


79

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالٗا كَثِيرٗا وَنِسَاءٗ﴾[1]، وقال تعالى: ﴿أَلَم يَكُ نُطفَةٗ مِّن مَّنِيّٖ يُمنَىٰ ٣٧ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةٗ فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ ٣٨ فَجَعَلَ مِنهُ ٱلزَّوجَينِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ﴾[2]، وقال عزّ من قائل: 
﴿يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ﴾[3].

ومن الطبيعيّ أن يكون لكلٍّ من الرجل والمرأة- بما يمثّلان من طرفَي الذكر والأنثى- وظيفته في هذه العمليّة، وتتوزّع الأدوار بينهما، بحيث يتكاملان معًا ليحقّقا الهدف المنشود من وراء نظام الخلقة.

ولا شكّ في أنّ عمليّة كهذه ترافقها مجموعة من الأمور التي تحتاج إلى تنظيم، بما يخدم الهدف الأسمى والبعد الأرقى من وراء خلقة الإنسان، ألا وهو الوصول إلى الله تعالى ونيل رضاه، من خلال طاعته وعبادته.

وقد لاحظ الإسلام في تشريعاته وأحكامه المتعلّقة بالمرأة والرجل، الطبيعة التكوينيّة البيولوجيّة، وكذلك التركيبة السيكولوجيّة النفسيّة لكلٍّ منهما، وقام بتوزيع الأدوار بما ينسجم مع تلك الخصائص، على قاعدة الحكمة الإلهيّة في وضع الأمور في مواضعها اللّائقة بها، وملاحظة الاستعدادت والقابليّات. قال- عزّ وجلّ-: ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفسًا إِلَّا وُسعَهَا﴾[4].

 


[1] سورة النساء، الآية: 1.

[2] سورة القيامة، الآيات: 37 - 39.

[3] سورة الحجرات، الآية: 13.

[4] سورة البقرة، الآية: 286.

 

105


80

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

فلم يحمّل المولى نفسًا ما لا طاقة لها به، باعتباره المشرّع الخالق العالم والخبير بخلقه. قال- سبحانه-: ﴿أَلَا يَعلَمُ مَن خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلخَبِيرُ﴾[1].

وهو أمر يتفرّد به القانون الإلهيّ، ويفتقده أيّ قانون آخر، بل لا يمكن أن يُقاس به أيّ قانون وضعيّ إنسانيّ لا زال يجهل حقيقة الإنسان إلى هذا اليوم، ويفتقر إلى الإجابة عن أكثر التساؤلات التي تُطرح حوله. قال تعالى: ﴿وَيَس‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِن أَمرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ ٱلعِلمِ إِلَّا قَلِيلٗا﴾[2].

وعلى كلّ حال، فقد قام الإسلام بتوزيع الواجبات، وأعطى الحقوق ضمن هذه النظرة الشاملة والعامّة، ودعا إلى العدالة بين الرجل والمرأة، بإعطاء كلّ ذي حقّ حقَّه، فيما فيه مصلحة للمرأة، ويخدم دورها المشار إليه آنفًا.

نعم، لا يؤمن الإسلام بالمساواة إذا كانت النظرة إلى المرأة من هذه الجهة المادّيّة، وما تمتاز به من خصائص؛ لأنّ المساواة التي تكون فضيلة وحسنة إنّما هي التي تندرج تحت مسمّى «العدالة»، أمّا المساواة التي تندرج تحت مسمّى «الظلم» فليست حسنة، بل هي قبيحة ورذيلة. فالإسلام يؤمن بالعدالة وليس بالمساواة المطلقة؛ لأنّ المساواة قد تكون ظلمًا.

فهل من الصحيح- مثلًا- أن يقوم الأستاذ، وبحجّة أنّه يريد أن يساوي بين طلّابه، فيضع

 


[1] سورة الملك، الآية: 14.

[2] سورة الإسراء، الآية: 85.

 

106


81

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

علامة واحدة للجميع؟! أليس في ذلك ظلم؟

والأمر كذلك لو قلنا إنّ التشريعات والوظائف والحقوق، لا بدّ من أن تكون لدى الرجل والمرأة على سواء، دون ملاحظة خصائص كلّ واحد منهما، والاختلافات والفوارق القائمة بينهما، وفي ذلك ظلم لكلا الصنفين: الرجل والمرأة، حيث تُعطى المرأة ما لا يتناسب مع طبيعة خلقتها، وكذلك الرجل، وهو ما يدلّ إمّا على جهل المشرّع بذلك، وهو ما يتنزّه عنه -سبحانه وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا-، أو أنّه لا يريد بخلقه الخير، وقد تعالى عن ذلك أيضًا: ﴿وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيسَ بِظَلَّامٖ لِّلعَبِيدِ﴾[1].

الحجاب في التشريع العادل:

وهنا يأتي الحجاب كإحدى هذه الوظائف والواجبات التي تعطي المرأة قيمة إنسانيّة، وترفعها عن مستوى الشهوات، وتحصّنها وتصونها وتحفظها عن أن تقع فريسة الغرائز، وتنحرف بدورها عن الهدف الأساس الذي يحفظ كرامتها، ويحافظ على إنسانيّتها. فقد لاحظت الشريعة الإسلاميّة طبيعة المرأة وتكوينها، ونعومتها وجاذبيّتها، حيث تمثّل عنصر الجذب في العلاقة بينها وبين الرجل، في الوقت الذي يمثّل الرجل فيه عنصر الانجذاب نحوها، وهذا أمر غريزيّ مشهود وملاحظ. فلو بقيت العلاقة بينهما متفلّتة من أيّ قيد أو

 


[1] سورة آل عمران، الآية: 182.

 

108


82

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

قانون ينظّمها ويحكمها، لصارت محكومة للغرائز التي لا تعرف إلّا قضاء الشهوات دون رقيب أو حسيب، ولساد الفساد حينئذٍ، وعمَّ العبادَ والبلاد، وأدّى ذلك إلى انحراف المجتمعات، وتفكّك عرى الأسر والعائلات، إلى غير ذلك ممّا لا تحمد عقباه.

فالحجاب تعبير عن أحد أوجه تنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة، بما يخدم الكمال الإنسانيّ العامّ، والحفاظ على بناء الأسرة، وتحصين المجتمع من الانحراف والفساد.

لماذا اختلف الرجل عن المرأة في حدود الستر؟

يتساوى الرجل والمرأة في أصل مسألة الستر، ولم يسمح الإسلام بالتخلّي عن اللّباس والستر بكامله في حال الاختيار، إلّا في حدود العلاقة الزوجيّة، حيث إنها الحالة الطبيعية التي تخدم الهدف من تشكيل الأسرة وبقاء النسل وامتداده.

نعم، يختلف الرجل عن المرأة في حدود هذا الستر وضوابطه. ويمكن التعرّف على حكمة هذا الاختلاف بملاحظة الآتي:

1 - إنّ هناك اختلافًا واضحًا بين طبيعة كلّ من الرجل والمرأة، فالمرأة تتصف بالنعومة والجاذبيّة واللطافة غالبًا، والرجل يتصف بالخشونة والشدّة والقوّة غالبًا. ويترتّب على ذلك وظائف وواجبات أُوكلت لكلٍّ منهما بما يتلاءم مع التجهيز التكوينيّ الجسديّ. فالرجل قد أُلزم بمهمّة الإنفاق على الأسرة، وأُوجب عليه ذلك؛ ما يستلزم نوعًا من

 

109


83

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

الأعمال التي تحتاج إلى شروط مخفّفة من الستر واللّباس؛ ما يجعل ستره لكامل بدنه أمرًا حرجيًّا يخالف الحكمة والسماحة والتخفيف التي بني عليها التشريع الإسلاميّ.

وهذا بخلافه في المرأة، التي لم يلزمها الإسلام بالنفقة على الأسرة، ولا بالعمل لأجل تحصيلها، وإن أجاز لها ذلك مع مراعاة الشرائط الشرعيّة، إلّا أنّ ذلك تبرعٌ منها. فعليها أن تختار من الأعمال ما يتناسب وطبيعتها الأنثويّة التي تحفظ لها سترها وتراعي حالها.

ومعه يتّضح كيف أنّ الإسلام يصون المرأة، ويحافظ عليها، ويعطيها قيمة إنسانيّة عالية،ولا مجال لقياس غيره من الأنظمة والتشريعات به.

ولا نريد أن نسهب القول في بيان ما جنته الدعوة الخدّاعة لتحرير المرأة من آثار سلبيّة على المرأة والمجتمع ككلّ، لكن يحضرنا هنا ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال لولده الإمام الحسن (عليه السلام): «لا تملَّك المرأةُ من الأمر ما يجاوز نفسها، فإنّ ذلك أنعم لحالها، وأرخى لبالها، وأدوم لجمالها، فإنّ المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة»[1].

و«قهرمان» كلمة ذات أصل فارسيّ، تُستخدَم عند العرب بمعنى الخازن والوكيل والحافظ لما تحت يده، والقائم بالأمور[2]، وهي مثال للأمور التي لا

 


[1] الكلينيّ، الكافي، ج 5، ص 510.

[2] ابن منظور، لسان العرب، ج 12، ص 496.

 

111


84

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

تناسب ريحانيّة المرأة، ووجودها اللّطيف الذي يحتاج إلى عناية خاصّة. وقد مثَّل بعضهم لها بالوردة التي لا بدّ من حفظها 

 

112


85

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

من البرد الشديد الذي يقتلها، أو الحرّ الشديد الذي يُذبلها.

2 - تحمل المرأة- كما أشرنا سابقًا- عنصر الجاذبيّة في شكلها وجمالها وأنوثتها؛ ما يجعلها- بشكل غريزيّ- مطلوبة لا طالبة، بمعنى أنّها تدفع الرجل إلى التوجّه نحوها، والتحرّك إليها؛ بينما الرجل، وإن كان يجذب المرأة أيضًا، إلّا أنّ مركز الجذب ليس هو شكله وجماله بشكل أساس، وإن كان لهما دورٌ لا يُنكر، لكنّ الذي يجذب المرأة في الرجل غالبًا، هو شجاعته وشدّته وبأسه، ونحوها من جوانب الخشونة، وكذلك عناصر القوة في شخصيّته، من الذكاء، وتحمُّل المسؤوليّة، والشعور معه بالأمان، وتحلّيه بالصدق والوفاء، وتميُّزه بالقدرة على التعبير عن مشاعر الحبّ والعاطفة، ونحو ذلك من عناصر الشخصيّة المرغوب فيها لدى المرأة.

وما نقوله إنّما هو خلاصة مجموعة من الدراسات الاجتماعيّة والنفسيّة، ونتيجة عدد من استبيانات الرأي، سئل عنها عدد كبير من النساء[1].

وممّا يؤكّد على هذا الأمر الواضح، ما يُلاحظ في بعض الظواهر السلبيّة، كالتحرُّش الجنسيّ على سبيل المثال، كيف أنّ المرأة هي التي تتعرّض معظم الأحيان لمثل هذا النوع من الاعتداء، ومن النادر وجود ذلك في الرجال، كما تشير الإحصاءات الموجودة على مواقع

 


[1] نقلنا هذا عن مجموعة من مواقع الإنترنت.

 

113


86

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

الانترنت؛ الأمر الذي استدعى تأسيس الكثير من الهيئات والجمعيّات واللّجان لحماية المرأة من الاغتصاب والتحرُّش في جميع أنحاء العالم.

الحجاب واجب إلهيّ لا ذكوريّ:

أمّا بالنسبة إلى النزعة الذكوريّة للحجاب، وسيطرة الرجل على المرأة، فهذا لا محلّ له في تشريع الحجاب على المرأة في الإسلام؛ وذلك أنّ الذي فرض الحجاب وأوجبه على المرأة هو الله تعالى وليس الرجل. وكثير ممّن يحاول إشاعة ذلك هو في الحقيقة لا يعتقد بأنّ القرآن كلام إلهيّ ووحي ربّانيّ، وإلّا لما أورد هذه الشبهة.

وقد عالج العلّامة الشهيد مرتضى مطهري (رحمه الله) هذه الفكرة من نواحٍ عدّة، فلتراجَع في كتابه «مسألة الحجاب»[1].

ونكتفي هنا بنقل كلامٍ للشهيدة السيّدة بنت الهدى رحمها الله، يوضح جوانب مهمّة حول هذا الموضوع، حيث كتبت تقول:

الحجاب ليس كما يتوهّم البعض، من أنّه خَتْم ملكية المرأة للرجل، فإنّ المرأة والرجل من الناحية الإنسانية سواء، لم يُخلق أحدهما ليملك الآخر، بل خُلق أحدهما ليُتمِّم الآخر ويُكمله. ولكلٍّ منهما جانبان مزدوجان: فالرجل إنسان وذكر، والمرأة إنسان وأنثى، وكلّ

 


[1] انظر: الكتاب، ص 43.

 

114


87

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

منهما بوصفه إنسانًا، يُسمح له بالمشاركة في خدمة المجتمع، على أن يظهر في مجال الخدمة كإنسانٍ لا أكثر ولا أقل.

إذًا، فعدم تظاهر المرأة بأنوثتها لا يؤخذ دليلًا على أنّ الإسلام أراد أن يحجبها عن المجتمع، فهي عندما تتّصل بالمجتمع تتّصل به لحساب كونها إنسانًا طبعًا. فكما أنّ للرجل أنْ يُثبت إنسانيّته في الوجود، للمرأة أيضًا أنْ تُثبت وجودها الإنسانيّ، حالها في ذلك حال الرجل سواءٌ بسواء. وفي النواحي التي يتحتّم على المرأة التستّر فيها يتحتّم على الرجل ذلك أيضًا، فكما أنّ المرأة لا يمكن لها أن تتظاهر بأنوثتها وبكونها الجنس الناعم عن طريق الخلاعة والتبرج، لا يمكن للرجل أن يتظاهر برجولته وذكورته، ولا يمكنله أن يعيش في المجتمع الواسع إلاّ كإنسان، كالمرأة التي لا يمكن لها أن تعيش في المجتمع الواسع إلاّ كإنسانة، وفي الْمَوَاطِن التي يظهر فيها الرجل كرجل علاوةً على كونه إنسانًا، يمكن للمرأة، بل ويجب عليها أن تظهر بمظهر الأنثى، علاوةً على كونها إنسانة.

وبما أنّ جاذبية المرأة وسحرها أقوى وأشدّ تأثيرًا من جاذبية الرجل وسحره، كان حجاب المرأة أوسع وأشمل من حجاب الرجل. فالمرأة التي تظهر في المجتمع بمظهر إنسانة بدون إشارات وهوامش تشير إلى أنوثتها، تكون مساوية للرجل. على العكس تمامًا من المرأة الغربية، التي إنْ قال لها الرجل إنّها حرة في تصرفاتها وفي كل شيء، تكون في الواقع مقيّدة

 

116


88

الفصل الأوّل: أسباب دينيّة

بإرضاء الرجل، أيّ رجل كان، وإشباع رغباته، إذ فُرض عليها تظاهرها بأنوثتها باسم الحرية، على ما يتطلّب ذلك من تعب وجهد، وعلى ما يستنفد ذلك من وقت المرأة.

فهل من الإنسانية أن تكون المرأة سلعة تُعرض لعيون الرجال المتعطّشة؟! وهل إنّ من مستلزمات أنانيّة المرأة أن تصرف الساعات الطوالفي محلات الكوافير، وتحت أيدي المواشط، مع ما يلزم ذلك من استهلاك وقت مادّيّ ومعنويّ؟! هذا كلّه لأجل أن تُرضي الرجل، فهل يمكن لهؤلاء النساء أن يظهرن ولو مرة واحدة فقط بدون علامات تدل على أنوثتهنّ، معتمدات على شخصيّتهن أو على معارفهنّ؟ وهل خطر لإحداهنّ مرّة في أنّها لو دُعيت إلى الحفل الفلاني سوف تكون المبرزة بين لداتها، لِمَا تملك منمعرفة أو لِمَا تتمتّع به من شخصيّة؟ بل إنّ أفكارهن تتّجه أول ما تتّجه، في أمثال هذه المناسبات، إلى أناقتهنّ وإلى تحصيل الأسباب التي تجعل إحداهنّ أكثر جاذبيّةً وفتنةً من الأخرى.

وأنا لا أريد أن أقول إنّ مستلزمات الأناقة التبرج أو إنّ التبرج من مستلزمات الأناقة، ولا أريد أن أدعو إلى التقشّف، ولكني أريد أن أنبّه اللاتي جعلن في التبرج والتأنّق عماد شخصيتهنّ، أنّ الواقع يؤكّد أنّ هذا شيء ثانويّ لا يعدو كونه إرضاءً للرجل ولو بسبعين واسطة[1].

 


[1] بنت الهدى، الشهيدة، المرأة مع النبي في حياته وشريعته، ص 87-89.

 

117


89

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

تحتلّ الأبعاد الاجتماعيّة في حياة المرأة أهمّيّة خاصّة، كونها كما يُقال- بحقّ- نصف المجتمع الإنسانيّ، خصوصًا بعد التغيّرات الكبيرة التي طرأت على المجتمعات، وبالأخصّ في القرنين الأخيرين، وخروج المرأة وانفتاحها بشكل كبير على ساحات العلم والعمل والسياسة، وغير ذلك من حقول المجتمع المعاصر؛ ما فتح المجال أكثر من السابق لتحدّيات وابتلاءات، لم تكن تشعر المرأة بوجودها، أو تلتفت إليها، لا سيّما في مجال علاقتها بالرجل واختلاطها به في الحياة العامّة.

 

118


90

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

ومن هنا، كان لا بدّ من تنظيم مسألة خروج المرأة إلى المجتمع، كي لا تقع فريسة الاختلاط السلبيّ، وتحريك الغرائز والشهوات.

وهذا يستدعي مزيدًا من الحرص على المرأة، واهتمامًا أكبر بحمايتها وصونها، ويطلب منها العناية بشكل آكد بموضوع الستر والحجاب؛ لئلّا يتحوّل خروجها إلى سبب من أسباب الفساد الاجتماعيّ، الذي يرتدّ سلبًا على المرأة أوّلًا، وبشكل أساس.

وعوضًا من أن تتأكّد لدى بعض النساء الحاجة إلى الحجاب والستر، بسبب هذا الأمر، ويكون دافعًا إلى الدعوة إليه، صار موضعًا للإشكال، ومحلًّا للتشكيك وإلقاء الشبهة، في محاولة للتخلّي عن هذا الواجب الإلهيّ الربّانيّ.

ونعرض هنا بعضًا من تلك الشبهات والإشكالات التي تُثار في الجانب الاجتماعيّ على مسألة الحجاب، وتُطرح كأسباب تدعو إلى التخلّي عنه، أو تبرير عدم ارتدائه:

 

119


91

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

الحجاب والكبت الجنسيّ:

نقلت بعض صفحات الإنترنت عن بعض العلمانيّين والليبراليّين قولَهم: إنّ الحجاب يكبت الطاقة الجنسيّة، وإنّ خطر هذه الطاقة يكمن في كبتها. والحجاب الذي يغطّي محاسن المرأة ومواضع الإثارة وتحريك الشهوة، من شأنه أن يسبّب الكبت الجنسيّ عند الشباب، ويؤدّي إلى انفجار تلك الطاقة، مولّدًا حالات الاغتصاب والاعتداء، بل والانحراف والشذوذ أحيانًا...

فلا بدّ- إذًا- من حلٍّ لهذه المشكلة، وذلك بالتنفيس عن هؤلاء الشباب، ليقوموا بإشباع غرائزهم عن طريق فسح المجال للنظر والتلذّذ بالمشاهدة!! ولا يحصل ذلك إلّا من خلال ترك النساء الحجاب، والتخلّي عن ارتدائه[1].

•| الجواب |•

أوّلًا: إنَّ شرَّ البليّة ما يُضحك! فعوضًا من أن تكون هذه المشكلة دافعًا إلى القول بضرورة الالتزام بالستر والحجاب؛ لما تتركه من آثار على تحريك الشهوات والغرائز، صارت

 


[1] انظر على سبيل المثال: موقع شبكة الحوار: www.Mahwar.org، وكذلك موقع:www.Saaid.net. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الشبهة ليست بالجديدة، فقد ذكرها الشهيد مطهّريM، وأجاب عنها من نواحٍ أخرى. فليراجع كتابه: مسألة الحجاب، ص 81.

 

120


92

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

عند هؤلاء سببًا لتركه والتخلّي عنه!!

ثانيًا: هل قيمة هذه المرأة عند هؤلاء هي كونها للتنفيس عن شهوة الرجل فقط؟! وهل بمثل هذه الخيالات الشهوانيّة والأوهام الشيطانيّة يعطون المرأة مكانتها اللّائقة بها؟! هل أصبحت المرأة- بنظر هؤلاء- مجرّد موجود ينظرون إليه كمحلّ لقضاء وطَرِهم وشهواتهم ونزواتهم الجنسيّة؟! وهل بمثل هذه الأقوال يدافعون عن المرأة وحقوقها ويطالبون بحرّيّتها؟!

ثالثًا: إنّ الإسلام يدعو إلى تنظيم حركة الغريزة الجنسيّة، من خلال الاعتدال بين الشَرَه والخمود، فكما لا يدعو إلى الإباحة والتفلّت والإشباع العشوائيّ، كذلك لا يدعو إلى الكبت أو إلغاء وظيفة الغريزة الجنسيّة. ففرقٌ بين الاعتدال والتنظيم من جهة، وبين الكبت والإشباع الفوضويّ من جهة أخرى.

والاعتدال يعني التنفيس عن هذه الغريزة في مكانها الصحيح، وهو العلاقة الزوجيّة، وعدم تحريكها أو إثارتها أو قضائها خارج ذلك، بما ينسجم مع قيمة المرأة وتحصين الأسرة، وهدف الإنسان في طريق الوصول إلى كماله الإنسانيّ.

رابعًا: نسأل هؤلاء: ماذا لو لم يحصل الإشباع بالنظر؟! هل سينتقل هؤلاء إلى الإشباع باللّمس والمداعبة، أم إلى العلاقة غير المشروعة؟! أم هذا الذي يريدونه أساسًا؟!!

 

121


93

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

خامسًا: إنّ إلقاء نظرة على المجتمعات التي لا تلتزم نساؤها بالحجاب، يُثبت- بما لا مجال للشكّ- أنّ حالات الاغتصاب والانحراف والشذوذ لم تتوقّف، بل هي في ازدياد، وأنّ من أسباب ذلك هو حالات الإثارة والتبرُّج والخلاعة التي تقوم بها النساء في مجتمعاتهم، على عكس ما يدّعي هؤلاء. وإلقاء نظرة على الإحصاءات التي تُذكر على شبكات الإنترنت كافٍ في الإذعان بهذا الأمر.

ونحن لا ننكر وجود حالات عدّة من ذلك في المجتمعات الإسلاميّة التي تلتزم نساؤها بالحجاب؛ لأنّنا لا نرى في الحجاب العلاج الوحيد لتنظيم حركة الغريزة الجنسيّة، بل يحتاج ذلك إلى علاج تربويّ واجتماعيّ شامل، يقع الحجاب أحد أسسه وأركانه، ولا بدّ من أن تنضمّ إليه أمور أخرى مرافقة، كغضّ البصر، وتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة بمنع الاختلاط السلبيّ، وتسهيل أمر الزواج، وغيرها من أمور أخرى.

فالغريزة الجنسيّة هي من أقوى الغرائز عند الإنسان، كما أنّها المحرّك الخفيّ وغير الواعي لكثير من الأمور والمواقف التي يقوم بها الإنسان في مجال العلاقة بين الرجل والمرأة، وتأخذ أشكالًا مختلفة من التعبير بالنظر أو اللّمس أو الكلام المحبّب أو المجالسة والاختلاط وغيرها من أمور.

وقد أولى الإسلام كلّ هذه الجوانب أهمّيّتها، ودعا إلى حماية المرأة من جهة الرجل

 

122

 

 


94

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

بإجراء وقائيّ يمنع من التواصل السلبيّ أو الاحتكاك غير المشروع، فأمر الرجل بأن يغضّ بصره، وحرّم على الرجل والمرأة الاتصال والملامسة، ابتداءً بأدنى درجاتها وهي المصافحة.

كما أنّه دعا المرأة إلى صيانة نفسها وحماية شخصها من كلّ أشكال الأذى التي يمكن أن تتعرّض لها، وذلك من خلال الستر وتغطية مواضع الزينة والتجمُّل في بدنها.

ولهذا حصر الإسلام إشباع الغريزة الجنسيّة بالحياة الزوجيّة والعلاقة المشروعة، حفظًا منه للأسرة وتماسك المجتمع، كونها النواة التي يتشكّل منها البناء الصحيح للإنسان، الأمر الذي يساهم بالحفاظ على غيرة الرجال، وعفّة النساء.

 

123

 

 


95

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

أريد أن أتزوّج أوّلًا:

تعتذر بعض الفتيات عن سبب عدم ارتدائها الحجاب بأنّها تريد الزواج أوّلًا، ثمّ تقوم بعد ذلك بالستر والحجاب؛ باعتبار أنّ ذلك يوفّر لها فرصة الاقتران بشابّ، ويسهِّل أمر الزواج عليها. فهي- كما تظنّ- لو أخّرت الحجاب، فإنّ نصيبها في الزواج سيسرع إليها، وإنّ عدم ارتدائها الحجاب سيساعدها في لفت نظر الرجل إليها وتوجّهه إلى جمالها وحسن منظرها.

وقد تقوم بإبراز زينتها بكلّ ما أمكنها، لعلّها تُوقِع بشباكها هذا الرجلَ أو ذاك، ليكون هو زوجَ المستقبل أو عريس المُنى!

 

•| الجواب |•

إنّ أمرًا هذا شأنه في مقدّماته لحريّ بالإنسان أن يتدبّر في عواقبه ونتائجه، فهل يوفّق الإنسان واقعًا في زواج كهذا بُنِي على أساسٍ غير سليم؟ وهل رابطة الجمال أو الشكل الظاهريّ تصلح للعلاقة بين الرجل والمرأة، والحال أنّها أمور فانية وزائلة، تهدّد العلاقة وتجعلها في معرض الزوال، وفي مهبّ الريح؟

 

124

 

 


96

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

لنقرأ ما جاء في بعض الروايات حول هذا الأمر:

عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «من تزوّج امرأةً لمالها وكَلَه الله إليه، ومَن تزوّجها لجمالها رأى فيها ما يكره، ومَن تزوّجها لدينها جمع الله له ذلك»[1].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «إذا تزوّج الرجل المرأة لجمالها أو مالها وُكِل إلى ذلك، وإذا تزوّجها لدينها رزقه الله الجمال والمال»[2].

وهناك من النساء من يقلن: عندما أتزوّج سأتحجّب، وبالفعل يقمن بعد الزواج بارتداء الحجاب، إلّا أنّ هناك من النساء مَن لا تُوفَّق لارتدائه.

وهنا لا بدّ من طرح بعض الأسئلة على هذه الفتاة:

ماذا لو تأخّر نصيبك! فهل ستبقين على دون حجاب إلى حين زواجك؟ ماذا لو لم تتزوّجي ولم يأتِ نصيبك أصلًا؟!

وماذا لو تقدّم لك أحدُهم، ولكنّه لم يرغب في أن تتحجّبي، فهل ستقبلين بالزواج منه وتتنازلين عن الحجاب، خصوصًا إذا كان قد أعجبك وأحببتِه؟

وماذا لو وقع في خاطرك أمر آخر بعد الزواج، تجدينه عذرًا لك في ترك الحجاب؟!

 


[1]  الطوسيّ، تهذيب الأحكام، ج 7، ص 399.

[2] الكلينيّ، الكافي، ج 5، ص 333.

 

125


97

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

وأخيرًا: ماذا لو فاجأكِ الموت وأنت على هذه الحالة؟!!

 

إنّ مشكلة بعض الفتيات أنّهنّ يعشن في وهمٍ كبير، ويتخيّلن أنّهنّ لو لم يتحجّبن فسوف تكون فرص زواجهنّ وتقدّم الرجال لخطبتهنّ أكبر، إلّا أنّ الواقع خلاف ذلك، ويكفي أن تلقي الواحدة منهنّ نظرة إلى الفتيات المحجّبات، فما أكثر المتزوّجات منهنّ، ولم يكن الحجاب مانعًا من زواجهنّ في يوم من الأيّام، بل على العكس زاد من رغبة الكثير من الرجال فيهنّ.

 

والخلاصة: إنّ ربط الحجاب بمسألة الزواج لا مبرّر له سوى التسويف والتأجيل واصطناع الأعذار الواهية، بل قد يكون الأمر ضارًّا وفي غير صلاح الفتاة أحيانًا، ذلك أنّ عدم ارتداء الحجاب يفسح المجال لأن تكون في معرض الخِطبة من أناس غير صالحين.

 

عن الإمام الحسين(عليه السلام) أنّه قال: «مَن حاول أمرًا بمعصيّة الله، كان أفوت لما يرجو، وأسرع لمجيء ما يحذر»[1].

 


[1] الكلينيّ، الكافي، ج 2، ص 373.

 

126


98

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

الحجاب انتماء حزبيّ أو سياسيّ:

تناول بعض مواقع الإنترنت شبهة تقول: إنّ الحجاب يعبّر عن انتماء إلى بعض التيّارات الإسلاميّة المتشدّدة أو الأصوليّة، وهو شعار لها لتُعبّر بذلك عن مشروعها السياسيّ أو الحزبي، فهو تعبير عن الانتماء إلى الإسلام السياسيّ، وليس أمرًا يعبّر عن الانتماء إلى الإسلام كدين.

•| الجواب |•

لا تنتهي محاولات تشويه الحجاب بشتّى الوسائل المتاحة للمخالفين للإسلام، ويستخدمون في سبيل ذلك أساليبَ مختلفة ومتعدّدة، ومن جملة ذلك تحويل «مسألة الحجاب» إلى مسألة انتماء حزبيّ أو سياسيّ، وأنّه ليس أمرًا دينيًّا. واللّافت أنّ معظم هذه الأحزاب أو التيّارات السياسيّة هي تيّارات مستهدَفة من قبل الغرب تحت عناوين مختلفة، كالتشدّد والإرهاب وغير ذلك... الأمر الذي يوضّح خلفيّة هذا التشويه المتعمَّد والمدروس، وما يعقبه من أمور أخرى تستهدف توهين أمر الحجاب، والدعوة إلى نزعه، وربطه بالجهل والتخلّف، وإصدار قوانين ضدّ ارتدائه، وتنمية نزعة العداء ضدّه لدى شعوب العالم الغربيّ... ما يدفع المرأة إلى الاستسلام أمام هذا الجوّ الضاغط، ويؤدّي بها إلى ترك الحجاب، وجعل ذلك عذرًا

 

127


99

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

لها في التخلّي عن الالتزام به- كحدٍّ أدنى- إن هي بقيت مقتنعة بأصل وجوبه.

مع أنّ القاصي والداني يعرف أنّ مسألة الحجاب مسألة دينيّة محضة. وإذا كانت بعض الأحزاب أو التيّارات اتخذتها شعارًا لبعض المنتميات إليه، فذلك يعود إلى تبنّيها الإسلام عقيدةً وفكرًا ومنهجًا وسلوكًا، بعيدًا عن صِحَّة ما يدعيه بعضهم أو سقمه.

إنّ مسألة الحجاب- كما سبق وأوضحنا- جاءت كتشريع أساسيّ ورد في كتاب الله تعالى، وأكّدت عليه الروايات عن النبيّ وأهل بيته (عليهم السلام)، وسبق التزامُ المرأة المسلمة به كلَّ التشكيلات الحزبيّة أو السياسيّة، بما لا يدَع مجالًا لمثل هذه الشبهة الواهية التي لا تندرج إلّا في مجال الحرب على الإسلام وتعاليمه التي جاءت بها الشريعة السمحاء، وتخويف الناس من اتّباعه، كما هو الشائع الآن، من خلال الحملة المدروسة والممنهجة للإساءة إلى هذا الدين وما يسمّى في الغرب بـ: «إسلاموفوبيا»(Islamophobia).

 

128

 


100

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

لا مال لديّ لأشتري ملابس للحجاب:

قالت إحدى النساء في معرض ردّها على سؤال حول سبب عدم ارتدائها الحجاب: إنّ ملابس المحجّبات غالية الثمن، وليس معي مال لأشتريها.

•| الجواب |•

إن شراء الملابس من بعض المحال التجاريّة التي تبيع الثياب للمحجّبات، يثقل كاهل بعض النساء أحيانًا، حيث الأسعار المرتفعة والغالية التي لا قدرة للكثير من النساء على تحمُّلها، إلّا أنّ هناك أيضًا محلات تبيع الثياب للمحجّبات بأسعار مخفّفة أو أقل نسبيًّا، تستطيع المرأة أن تقصدها وتشتري منها.

أضف إلى ذلك أنّ الحجاب والستر لا يتوقّفان على شراء مثل هذا النوع من الثياب، فالثوب الشرعيّ هو ذاك الثوب الذي يحوز الشرائط الشرعيّة لستر المرأة وحجابها.

أمّا ما يسمّى «الثوب الشرعيّ» فهو مجرّد تسمية ومصطلح تجاريّ لنوع من الثياب، قد يطابق الشروط الشرعيّة فيكون شرعيًّا، وقد لا يطابقها فلا يكون شرعيًّا وإن سُمّي بهذا الاسم، حيث يُشاهَد في بعض الأسواق ما يسمّى «اللّباس الشرعيّ» يحمل مواصفات لا تخلو من إشكال، فبعض منها ضيّق، وآخر لا يخلو من زينة...

 

129


101

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

وعلى كلّ حال، فبإمكان المرأة أن تشتري من اللّباس ما يتناسب وأوضاعها المادّيّة، وليس من الضروريّ أن تلتزم بخصوص ذلك الزيّ الموجود في تلك المحالّ.

على أنّه ليس من الضروريّ أن تقوم بتغيير كلّ ملابسها دفعة واحدة. فلو كان لديها بعض الملابس التي يمكن أن تستتر بها وتؤدّي ما عليها بمقدار الواجب، فبإمكانها الاستفادة منها، ريثما تتمكّن من تغيير ملابسها، ثوبًا وراء ثوب، وبشكل تدريجيّ.

ولو فرضنا أنّ امرأة لم يكن بمقدورها أن تشتري ثوبًا لتستر به نفسها- وإن كنّا نرى في ذلك مبالغة في إيجاد عذر لها لترك الحجاب-، فالحلّ لا يكون بتركها الحجاب، بل عليها أن تجد طريقة أخرى لحلّ هذه المشكلة، كأن تقترض وتقوم بتقسيط المال، أو تجد لنفسها عملًا تؤمِّن به ثمن الثوب، أو تطلب مساعدة من بعض الأصدقاء أو الأقارب، أو من بعض أصحاب الخير أو المؤسّسات الخيريّة أو الدينيّة، ليقدّموا لها المساعدة والعون على ذلك.

 

130


102

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

لا زالت صغيرة:

يجيب بعض الأهالي- آباءً أو أمّهات- عن سبب عدم ارتداء بناتهم الحجاب بأنّها لا زالت صغيرة، مع أنّها تكون قد وصلت إلى سنّ البلوغ الشرعيّ، وهي إكمال تسع سنوات هجريّة. وربّما يجيب آخرون بما يثير العجب قائلين: «خلّوها تفش خلقها»!

 

•| الجواب |•

لا ندري إن كان هناك شيء في نفوس هؤلاء لديهم رغبة في إظهاره من خلال لباس ابنتهم!

 

والمشكلة هنا- في الحقيقة- تكمن في فهم الأهل لمسؤوليّتهم الشرعيّة في ضرورة تعليم أولادهم الواجبات والمحرّمات، وإرشادهم إلى الأحكام الشرعيّة التي هي محلّ ابتلائهم.

 

ففي رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام): «وأمّا حقّ ولدك فأنْ تعلم أنّه منك، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وأنّك مسؤول عمّا ولّيته به من حسن الأدب، والدلالة على ربّه عزّ وجلّ، والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عملَ مَن يعلم أنّه

 

131


103

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

مُثابٌ على الإحسان إليه، معاقب على الإساءة إليه»[1].

وأقبح ما يقوم به بعض الأهل هو منع أولادهم من فعل الطاعات، ونهيهم عنها، بل قد يصل الأمر ببعضهم إلى أن يقدّم لبناته ما يلزم لشراء ثياب تُظهر مفاتن أجسادهنّ، وزينة يتزيّنّ بها، ونحو ذلك، وعندما يُسأل عن ذلك يجيب قائلًا: «خلّيها تعيش حياتها بعد بكير عالحجاب، لاحقة تتحجّب»!

عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «ويلٌ لأطفال آخر الزمان من آبائهم»، فقيل: يا رسول الله، من آبائهم المشركين؟ فقال: «لا، من آبائهم المؤمنين، لا يعلِّمونهم شيئًا من الفرائض، وإذا (تعلّم)[2] أولادهم منعوهم، ورضوا عنهم بعَرَض يسير من الدنيا، فأنا منهم بريء، وهم منّي براء»[3].

وفي الحقيقة، فإنّ التعليل بصغر سنّ البنت لترك الحجاب، فيه غفلة عمّا يمكن أن يكون حكمة لتشريع الحجاب في سنّ مبكرة، وهو أنّ هذه السن هي بداية تحوّل البنت وانتقالها من سنّ الطفولة إلى سنّ البلوغ الطبيعيّ، وصيرورتها صبيّة وامرأة، وهي السنّ التي يبدأ فيها عادةً بروز الصفات الأنثويّة عند البنت وشعورها الواعي بذلك، فإذا أخّرت ارتداء الحجاب عن هذه السنّ، وانتظرت حتّى كبُرت قليلًا، وبدأت تلاحظ في جسدها

 


[1] الصدوق، الأمالي، ص 454.

[2]  في المصدر: «تعلّموا».

[3] النوريّ، مستدرك الوسائل، ج 15، ص 164.

 

132


104

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

بروز هذه الصفات، والتفتت إلى أنوثتها وجمالها وزينتها، وأخذت تهتمّ بإبرازها وإظهارها، فسوف يصعب عليها ارتداء الحجاب بعد ذلك، ويكون الأهل قد ساهموا في منعها منه بتأخيرهم الحجاب عن وقته المحدّد شرعًا.

والواقع يحمل شواهد كثيرة على ذلك.

وقد واجهت شخصيًّا إحدى البنات التي كانت قد تجاوزت سنّ التكليف بأربع سنوات تقريبًا ولمّا ترتدِ الحجاب بعد، فطلب أهلها مني التحدّث معها بالموضوع، وبعد أن دار بعض الحديث بيني وبينها، طلبت منها أن تضع الحجاب على رأسها في محاولة مني لتشجعيها على ذلك، فعارضت الأمر بشدة، مدّعية أنّها لا ترى نفسها جميلة بالحجاب! ورغم محاولاتي المتكرّرة معها، ولو بأن تضعه لدقيقة واحدة ثمّ تقوم بنزعه، إلّا أنّني جوبهت بالرفض الشديد من قبلها، ولم أستطع إقناعها.

فالبنت التي تفتح عينَيها على الحياة الاجتماعيّة وهي مغطّاة بالستر والحجاب، تكون محصّنة أكثر من الناحية الدينيّة؛ ما يعينها على أن تنشأ نشأة صالحة، وتكبر في جوّ من الالتزام والطاعة لله تعالى.

وهكذا يتّضح أنّ البنت لكونها صغيرة، فلا بدّ من أن ترتدي الحجاب، وليس العكس.

 

133


105

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

صديقاتي غير محجّبات:

تعتذر بعض النساء عن عدم ارتدائهنّ الحجاب بأنّ صديقاتها غير محجّبات؛ الأمر الذي ترى معه ارتداء الحجاب صعبًا عليها، فتعتبر ذلك مبرّرًا لها في تركه.

•| الجواب |•

أوّلًا: إنّ على الإنسان أن يختار صداقاته على أساس ما ينفعه في دنياه وآخرته، ويجتنب الصديق الضارّ في الدنيا والآخرة، فلو كانت صداقات المرأة سببًا في ترك طاعة الله تعالى، والتي منها ارتداء الحجاب، تكون من الصداقات الضارّة.

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وإيّاك ومصاحبةَ الفسّاق، فإنّ الشرّ بالشرّ مُلحَق»[1].

ثانيًا: إنّ الصديق الذي يتّخذه الإنسان لا بدّ من أن يتكامل معه في المعرفة والعمل، بحيث يكون مرآة له، يدلّه على الخير ويحذّره الشرّ، فإنّ الصديق من الصدق، وقديمًا قيل: «أخوك مَن صَدَقَكَ لا مَن صدَّقك»، فإنّ من يثني عليك ويمدحك على باطلٍ، ويغشُّك ولا ينصحك في الحقّ ليس صديقًا لك، وإنْ تَسمَّى به.

 


[1] نهج البلاغة، قسم الكتب، رقم: 69.

 

134


106

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

ثالثًا: لو كان هذا عذرًا للمرأة في ترك الحجاب، لصار هذا الأمر جاريًا في سائر الأمور السيّئة الأخرى. فشارب الخمر يجد مبرّرًا لشربه؛ لأنّ أصدقاءه يشربون، وتارك الصلاة يقول: أصدقائي لا يصلّون، ولاعب القمار يقول: أصحابي يلعبون القمار... وهكذا.

وأيّ عاقل يقبل بمثل هذا الكلام؟ وأيّ قانون في العالم يرى الحقّ للجاني والمخالف بأن يفعل ما يحلو له، ثمّ يحتجّ بمثل هذه الحجّة الباردة؟

رابعًا: إنّ على الإنسان أن يبحث عن القدوة في مَن هو أفضل منه، لا أن يجد لنفسه العذر في مَن هو أدنى منه. وعلى هذا الأساس، فلتكن المحجّبات الفاضلات الطاهرات هنّ القدوة للمرأة في أعمالها وتصرّفاتها، خصوصًا مَن هنّ سيّدات نساء العالمين في الطهر والعفّة والستر والحجاب.

 

136

 

 


107

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

صديقاتي غير مسلمات:

تجد بعض النساء عذرًا لها في ترك الحجاب بسبب مخالطتها وصداقتها لبعض بنات الأديان الأخرى؛ ما يشعرها بالضيق والحرج، وتخجل من ممارسة سلوكها الدينيّ، فتتخلّى عن ارتداء الحجاب، وتجعل ذلك عذرًا لها في تركه.

•| الجواب |•

لا بدّ من توضيح بعض الأمور التي لها علاقة وثيقة بهذه المخالطة، فنقول:

1 - الالتزام بالدين: في الوقت الذي لم ينهَنا الإسلام فيه عن مطلق العلاقة مع أبناء الديانات الأخرى، قال تعالى: ﴿لَّا يَنهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَم يُقَٰتِلُوكُم فِي ٱلدِّينِ وَلَم يُخرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُم أَن تَبَرُّوهُم وَتُقسِطُواْ إِلَيهِم إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلمُقسِطِينَ﴾[1]، أنّ ذلك ليس بشكلٍ مطلق، ومن دون الخضوع للموازين الشرعيّة، والالتزام بأوامر الله تعالى ونواهيه.

 


[1] سورة الممتحنة، الآية: 8.

 

137


108

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

2 - الخجل من الدين: على الإنسان أن لا يخجل من أداء واجباته الدينيّة، بل عليه أن يفتخر بدينه، ويعتزّ به، غير آبهٍ بالآخرين ونظرهم إليه، قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ ٱلعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلمُؤمِنِينَ﴾[1].

 


[1] سورة المنافقون، الآية: 8.

 

138


109

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

ثمّ لماذا لا يستحيي الآخرون بدينهم، بينما بعض نسائنا المسلمات يستحيين من إظهار دينهنّ وإسلامهنّ وحجابهنّ وسترهنّ؟ فكم من نساء بعض الديانات الأخرى ممّن تتجاهر بشعارات دينها وتفتخر بذلك، دون أن تجد حرجًا في ذلك؟

3 - التشبّه بالكافرات: إنّ بعض المسلمات ومن حيث تدري أو لا تدري، تتّخذ من بعض الكافرات قدوة لهنّ في أعمالهنّ وتصرّفاتهن. وقد بلغ الأمر ببعض النساء أن أصبح لباسهنّ كلباسهنّ، ومظهرهنّ كمظهرهنّ، بل وثقافتهنّ وكلّ طريقة حياتهنّ كثقافتهنّ وطريقة حياتهنّ، وهنّ مفتخرات يتباهين بذلك، تاركات ثقافة الإسلام وتعاليمه، وما يأمرهنّ به من تكاليف وإرشادات وراء ظهورهنّ...

والمفارقة، أنّ بعض الكافرات يقمن بما يقمن به ويتصرّفن- أحيانًا- وفق ما ينسجم مع تعاليم دينهنّ ومعتقداتهنّ، بينما تتماشى المرأة المسلمة مع تلك العقائد والأحكام التي تراها من وجهة نظرها كمسلمة باطلة.

وهذا- في الحقيقة- يسلّط الضوء على خطورة هذا الأمر، وأثره الخفيّ الذي يتسرّب إلى حياة الإنسانة المسلمة، ويؤدّي إلى انحرافها- على المدى القريب أو البعيد- عن الإسلام وتعاليمه الحقّة، بشكل عمليّ ومباشر.

 

139


110

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

4 - تقديم النموذج الصحيح: من الضروريّ للمرأة المسلمة المعتقدة بدينها، التي ترى أنّ الإسلام يؤمّن لها سعادة الدنيا والآخرة، أن تقدّم الصورة الإسلاميّة الصحيحة، من خلال التزامها بدينها وحجابها. وهذا من الوظائف الأساسيّة على الإنسانة المسلمة، خصوصًا في هذا الزمان الذي تُشوَّه فيه صورة المسلمين عمومًا، والمرأة المسلمة خصوصًا، من خلال ما يقدّمه بعض الجهلة والمدّعين من جهة، أو المنحرفين ودعاة التحرّر من جهة أخرى، باسم الإسلام والقرآن ونبيّ الإسلام العظيم (صلى الله عليه وآله)، وهم- لا شكّ- بُراء منهم.

 

140


111

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

أعيش في بلد غير إسلاميّ:

تعيش الكثير من النساء المسلمات في بلاد غير إسلاميّة، حيث لا ترتدي معظم النساء فيها الحجاب؛ ما يؤدّي إلى ضعف موقف العديد منهنّ، اللّواتي يتراجعن بسبب ذلك عن ارتدائه، خصوصًا في هذه الأيّام التي يُعمل فيها على تغيير صورة الإسلام والمسلمين والمسلمات لدى الغرب، وإظهارهم بصورة بشعة وغير لائقة.

•| الجواب |•

تُلجئ ظروف الحياة بعض العائلات إلى الهجرة خارج البلاد الإسلاميّة. ومن الطبيعيّ أنّ لكلِّ بلدٍ أجواءه الثقافيّة الخاصّة التي تفرض نفسها، خصوصًا في البلاد الغربيّة، حيث الثقافة البعيدة عن الدين، والمنغمسة في حبّ الدنيا ومشتهياتها؛ ما يجعل الإنسان هناك في بُعد عن الدين والآخرة.

لكنّ الذي ينبغي للإنسان المؤمن أن يضعه نصب عينيه، هو أن ليس شيء أعزّ ولا أهمّ عنده من دينه الذي به تكون نجاته يوم القيامة، مهما علا شأن ذلك الشيء أو ارتفع قدره. والتساهل في أمر الدين يبدأ بترك بعض الواجبات وفعل بعض المحرّمات، وما يلبث أن يجرّ صاحبه إلى ترك جميع الواجبات وارتكاب الكثير من المحرّمات، ويتّجه الأمر بعدها

 

141

 


112

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

إلى الانحراف والزيغ، بل والارتداد عن الدين أحيانًا. وهناك شواهد كثيرة على ذلك، لا مجال لذكرها وتعدادها.

وقد دعانا الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم إلى اختيار البلاد التي نكون فيها مطمئنّين على ديننا وعقيدتنا، وذمّ أولئك الذين عاشوا في بلد جرّهم إلى التنازل عن دينهم وعقيدتهم. قال تبارك اسمه: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّىٰهُمُ ٱلمَلَٰئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِم قَالُواْ فِيمَ كُنتُم قَالُواْ كُنَّا مُستَضعَفِينَ فِي ٱلأَرضِ قَالُواْ أَلَم تَكُن أَرضُ ٱللَّهِ وَٰسِعَةٗ فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَٰئِكَ مَأوَىٰهُم جَهَنَّمُ وَسَاءَت مَصِيرًا﴾[1].

قال السيّد الطباطبائيّ {: والمراد بالظلم... هو ظلمهم لأنفسهم، بالإعراض عن دين الله، وترك إقامة شعائره، من جهة الوقوع في بلاد الشرك والتوسّط بين الكافرين، حيث لا وسيلة يتوسّل بها إلى تعلّم معارف الدين، والقيام بما تندب إليه من وظائف العبوديّة[2].

فإذا كانت المرأة تعيش في مجتمع غير إسلاميّ، وفي بيئة لا تنتمي في أفكارها وسلوكها إلى الإسلام؛ ما يجعلها في حرج من إظهار معتقداتها وأداء تكاليفها في يُسر وسهولة، فالحكم الشرعيّ العامّ يفرض على الإنسان المسلم أن يعيش في وسط اجتماعيّ، لا يخاف فيه على دينه ومعتقداته أو دين أهله وعياله ومعتقداتهم، لئلّا يقع في محذور التراجع عن معتقداته أو التخلّي عن وظائفه وواجباته الشرعيّة والدينيّة.

 

 


[1] سورة النساء، الآية: 97.

[2] الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، ج 5، ص 49.

 

142


113

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

عائلتي ليست ملتزمة دينيًّا:

تجد بعض الفتيات في بعض الأجواء العائليّة البعيدة عن الالتزام بالتعاليم الدينيّة، عذرًا لها في ترك الحجاب، بحيث تتمسّك بذلك عندما تسأل عن سبب تخلّيها عنه.

•| الجواب |•

من الواضح أنّ البنت تتأثّر بتربية الأهل وسلوكهم وثقافتهم، ويترك ذلك أثره عليها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. فإنّ الإنسان يولد في هذه الدنيا خاليًا من أيّ علمٍ أو معرفة، سوى تلك القابليّة للتعلّم واكتساب المعرفة، والفطرة الصافية التي يمكن أن تختفي بفعل البيئة غير السليمة التي ينشأ فيها.

قال تعالى: ﴿وَٱللَّهُ أَخرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُم لَا تَعلَمُونَ شَي‍ٔٗا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمعَ وَٱلأَبصَٰرَ وَٱلأَف‍ِٔدَةَ لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ﴾[1].

وقال سبحانه: ﴿فَأَقِم وَجهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗا فِطرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيهَا لَا تَبدِيلَ لِخَلقِ ٱللَّهِ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعلَمُونَ﴾[2].

 


[1] سورة النحل، الآية: 78.

[2] سورة الروم، الآية: 30.

 

144


114

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

وهذه القابلية تتبع في الغالب نوع العلم والثقافة التي يحملها الأهل، وتتأثّر بذلك الفطرة التي قد تختفي أو تنحرف بحكم التربية والمحيط.

فعن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: «ما من مولود يولد إلّا على الفطرة، فأبواه اللّذان يهودانه وينصّرانه ويمجّسانه»[1].

وهنا، لو كان الأهل ممّن يحمل ثقافة والتزامًا دينيًّا، فسوف ينعكس ذلك على البنت بشكل مباشر وغير مباشر.

لكن، على الرغم من ذلك كلّه، يبقى للإنسان أن يفكر بعقله، ويتدبّر عواقب أمره؛ لأنّ هذه الثقافة، وإن كانت مؤثّرة بلا شكّ، إلّا أنّها ليست بنحوٍ لا تترك مجالًا للإنسان ليختار مسارًا آخرَ في حياته. فكم رأينا أناسًا عاشوا في بيئة بعيدة كلّ البعد عن الدين وتعاليمه، لكنّهم عادوا والتزموا بها في نهاية الأمر، عندما فكّروا بشكل بعيد عن الأهواء والميول والرغبات الخاصّة.

ولم يكن تقليد الآباء في يوم من الأيّام عذرًا مقبولًا لأحد في ترك أمر يجد له أهمّيّة في دنياه وآخرته، وقد ذمَّ تعالى هؤلاء في كتابه الكريم: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُواْ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَل نَتَّبِعُ مَا أَلفَينَا عَلَيهِ ءَابَاءَنَا أَوَلَو كَانَ ءَابَاؤُهُم لَا يَعقِلُونَ شَي‍ٔٗا وَلَا يَهتَدُونَ﴾[2].

 


[1] الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 49.

[2] سورة البقرة، الآية: 170.

 

145


115

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

ثمّ هل تجد المرأة، فيما لو كان أهلها أميّيّن وغير متعلّمين، أنّ عليها أن تحتذي بهم، أو في ما لو كانوا يحملون صفة سيّئة أخرى، كلعب القمار أو شرب الخمر أو السرقة أو غيرها...، فهل يكون هذا مبرّرًا لها في أن تكون مثلهم وتمشي على خطاهم؟

من الواضح لدى أيّ عاقل منصف أنّ الجواب سيكون بالنفي.

وهذا الكلام نفسه يجري في الأمور الدينيّة، بل إنّ خطورته هنا تحتّم على الإنسان أن يكون أشدّ حرصًا واحتياطًا، وأن يمتلك قراره في ما يختاره من أمور دينه، ويفكّر في ما سيؤول إليه أمر آخرته، قال تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُم تَعَالَواْ إِلَىٰ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسبُنَا مَا وَجَدنَا عَلَيهِ ءَابَاءَنَا أَوَلَو كَانَ ءَابَاؤُهُم لَا يَعلَمُونَ شَي‍ٔٗا وَلَا يَهتَدُونَ ١٠٤ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيكُم أَنفُسَكُم لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهتَدَيتُم إِلَى ٱللَّهِ مَرجِعُكُم جَمِيعٗا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ﴾[1].

 


[1] سورة المائدة، الآيتان: 104-105.

 

146


116

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

حتّى تتحجّب أمّي- أختي- صديقتي:

تتّخذ بعض النساء من بعض قريباتها أو صديقاتها قدوةً لها في أفعالها وتصرّفاتها، ويجري ذلك على الأمور الدينيّة، ومنها الحجاب، فتجد المرأة عذرًا لنفسها في تركه باعتبار أنّهنّ لسن محجّبات.

•| الجواب |•

إنّ من نتّخذهم قدوة في حياتنا لا بدّ من أن يتحلَّوا بصفات من الكمال لا تكون متحقّقة فينا، ونريد من الاقتداء بأفعالهم أن نتشبّه بهم لنصير مثلهم ومنهم. فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنْ لم تكن حليمًا فتحلّم، فإنّه قلَّ مَنْ تشبَّه بقومٍ إلّا أوشك أن يكون منهم»[1].

فالإنسان العاقل الذي يشخّص الكمال بشكلٍ صحيح، ويميّز بين الفضيلة والرذيلة، لا يتّخذ مَن هو دونه في الكمال، بل حتّى مَن هو مثله، قدوةً له، بل يبحث عن شخص هو أفضل منه. وكلّما ازداد الإنسان فضلًا وكمالًا يبحث عمّن هو أفضل منه وأكمل حتّى يصل إلى أفضل بني البشر على الإطلاق. ولهذا، جعل الله تعالى لنا أنبياءه وأصفياءه وأولياءه؛ ليكونوا لنا قدوة وأسوة.

 


[1]  نهج البلاغة، الموعظة رقم: 207.

 

147


117

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

فهل المرأة التي تقتدي بمن تخلّت عن حجابها، تقتدي بمن هي في الكمال أكمل، وعند الله أفضل؟!

فالصحيح أن تقوم المرأة بالسير عكس هذا الطريق، وأن تجعل من نفسها قدوة لغيرها، فترتدي الحجاب وتستر بدنها وزينتها عن الأجانب، وتطلب من أمّها أو أختها أو صديقتها أن تحتذي بفعلها، وكم رأينا من النساء من كنّ القدوة والأسوة لغيرهنّ، وقد أدخلن الالتزام بالدين إلى بيوت أهلهنّ، وصرن سببًا في هداية الآخرين.

وحينئذٍ، عوضًا من أن تكون عاصية لله تعالى وتكتسب المآثم، كم سيكون لها من الأجر والثواب عند الله تعالى فيما لو جعلت نفسها قدوةً لغيرها! فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مخاطبًا أمير المؤمنين (عليه السلام): «... لأن يهدي الله على يديك رجلًا خيرٌ لك ممّا طلعت عليه الشمس وغَرَبت»[1].

ثمّ إنّ أحدًا من الناس لن يحاسَب عن غيره، فلا أنتِ ستحاسَبين عن أمّك أو أختك أو صديقتك، ولا هي ستحاسَب عنك، وسيقف كلّ إنسان بين يدي الله وحدَه وسوف يحاسَب على ما عمل وصنع، فهو رهن أعماله وأفعاله؛ ﴿كُلُّ نَفسِ بِمَا كَسَبَت رَهِينَةٌ﴾[2].

 

 


[1] الكلينيّ، الكافي، ج 5، ص 28.

[2] سورة المدثر، الآية: 38.

 

148


118

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

زوجي يمنعنى من الحجاب:

تعاني بعض النساء من رفض أزواجهنّ الحجاب والستر، بل إنّنا نرى بعض الرجال يتباهَون ويفتخرون بعدم حجاب نسائهنّ، إلى الحدّ الذي تخرج به بعضهنّ بلباس فاضح أحيانًا، وهي تجذب أنظار الرجال إليها، وهو يمشي إلى جانبها غير آبه لكلّ ما يجري حوله، بل قد يبتهج ويُسرّ لذلك.

وإذا ما تنبّهت المرأة يومًا إلى ما فرضه الله عليها، وأرادت أن تستتر وتتحجّب، نجد أنّ زوجها أوّل من يقف في وجهها ويصدّها ويمنعها، وكأنّها ترتكب فعلًا قبيحًا ومستنكرًا، لا عذر له في ذلك إلّا هواه وغريزته وشيطانه الذي يُغويه. فهل في هذا عذر للمرأة في التخلّي عن حجابها؟

•| الجواب |•

إنّ بعض ما نراه من هذه المشاهد يعود في الحقيقة إلى شدّة ما وصل إليه بعض الرجال من فقدان الغَيرة الإيجابيّة التي تحفظ المرأة وتصونها.

والعجيب أنّ بعض من يقوم بهذه الأفعال الاستبداديّة، هم مِمّن يدّعون أنّهم من أنصار الحرّيّة ودعاة التحرّر والحداثة والتطوّر ومواكبة العصر!

 

149


119

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

وأمام هذا الموقف، تقف المرأة بين أمرين:

إمّا أن تلبّي رغبات زوجها وأهواءه، وتخالف طاعة الله تعالى، فتترك الحجاب، وإمّا أن تتحجّب وتلقى من زوجها الرفض والمعارضة.

ولا شكّ في أنّنا في مثل هذه الحالات لا يجوز أن نقدّم طاعة المخلوق على طاعة الخالق، مهما كان هذا المخلوق عظيمًا وكبيرًا، ومهما كان موقعه ومكانته؛ إذ «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، كما عن أمير المؤمنين (عليه السلام)[1].

فعلى المرأة أن تصبر وتحتسب أمرها عند الله، وتجاهد في سبيل الوصول إلى ما تبتغيه من رضا الله وطاعة ربّها سبحانه، وقد وعد الله تعالى في كتابه من اتقاه بأن يجعل له مخرجًا: ﴿وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجعَل لَّهُۥ مَخرَجٗا﴾[2].

فلتحاول هذه المرأة مع هذا الزوج بالكلمة الطيّبة والموعظة الحسنة، عسى أن يهديه الله تعالى إلى الحقّ، ويفرّج الله عنها وعنه، أو تلجأ إلى بعض مَن يؤثّر عليه من أهله أو أهلها، أو أصدقائه أو رفاقه أو زملائه... وهكذا، وإلّا فلتصبر ولتجلس في بيتها ولتدعُ الله تعالى أن يجد لأمرها فرجًا ومخرجًا.

 


[1] نهج البلاغة، قصار الكلم، رقم: 165.

[2] سورة الطلاق، الآية: 2.

 

150


120

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

وإنْ تمادى الزوج ووصل به الأمر إلى التهديد بالطلاق، فليس لها بعد ذلك إلّا أن تختار رضا الله تعالى، وتؤثر طاعته على كلّ شيء، حتى لو أدّى بها ذلك إلى الطلاق، ولتكن على يقين من أنّ الله تعالى لن يضيع لها أجرًا، وسيعوّضها عن هذا البلاء أضعافًا من الأجر والثواب، حيث لم تكن تطلب بعملها هذا إلّا رضاه سبحانه وطاعته.

 

151


121

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

أريد أن أعمل أو أدرس أوّلًا:

نسمع من بعض الفتيات أنّهنّ يؤخّرن ارتداء الحجاب إلى ما بعد انتهاء الدراسة، أو أنّهنّ يردن أن يعملن، ولا يتناسب الحجاب مع أجواء الدرس أو العمل؛ فيعتبرن هذا عذرًا لهنّ في تأخير ارتدائه.

•| الجواب |•

إنّ تفكير الإنسان في مستقبله الدنيويّ يُعدّ شيئًا جيّدًا وحسنًا، لكنّ هذا الأمر لا ينبغي أن يُنسيه أمر آخرته. فليس المطلوب من الإنسان الذي يلتزم بدينه أن يترك التفكير في الدنيا مطلقًا، ولا أن يغرق فيها إلى حدّ نسيان أمر الآخرة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبدًا، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غدًا»[1].

فعلى المرأة المسلمة أن تراعي كلا الأمرين دون أن يضر أحدهما بالآخر. وأي مانع في أن تدرس المرأة أو تعمل وهي ترتدي حجابها؟! فليس من الصحيح القول إنّ ستر المرأة وحجابها يتنافى مع التعلّم أو العمل، فما أكثر المجالات المتاحة للمرأة لاكتساب العلم، والفرص المتوفرة لممارسة الكثير من الأعمال، وما أكثر المحجّبات اللّواتي تعلّمن ووصلن

 


[1] الري شهري، ميزان الحكمة، ج 1، ص 35.

 

152


122

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

إلى أعلى مستويات العلم، وقمن بالكثير من الأعمال والمهن وتبوّأن العديد من المراكز والمناصب، ولم يكن حجابهنّ وسترهنّ مانعًا أو عائقًا لهنّ عن الوصول أو القيام بذلك.

وإذا كان ثمّة مكان لا يصلح للمرأة أن تتعلّم أو تعمل فيه، فعليها أن تختار مكانًا آخرَ يتناسب مع دينها والتزامها.

وهذا الأمر لا يختصّ بالمرأة فقط، بل هو حكم شرعيّ عامّ، يتوجّه الى الرجل والمرأة معاً.

 

153


123

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

إنّهم يهزأون بي:

ربّما تعاني بعض النساء من استهزاء أناس بها حينما ترتدي الحجاب، إمّا بسبب عدائهم للإسلام، وإمّا لعدم تفهُّمهم لهذه الفريضة، أو لكونهم ينظرون إلى المحجَّبة نظرة تخلُّف، أو لغيرها من الأسباب. وقد يؤدّي هذا الأمر إلى عدم ارتداء بعض النساء الحجاب أو تخلّيهنّ عنه، معتذرات عن ذلك بأنّه يسبّب استهزاء الآخرين بهنّ.

•| الجواب |•

ليس الاستهزاء- على الرغم من صعوبته أحيانًا- سببًا كافيًا لترك الستر والحجاب، وإلّا لكان على الأنبياء أن يتركوا رسالتهم ودعوتهم الناس إلى الحقّ. ولو كان ثمّة قاعدة تقول: إنّ كلّ ما يُستهزأ به يجب تركه؛ لانجرّ ذلك إلى ترك الصلاة أيضًا، وترك كثير من الشعائر الدينيّة.

وإذا كان بعض الناس لا يعرفون قيمة العمل الذي نقوم به، ولم يعَوا أبعاده وحكمة تشريعه، فهذا لا يبرّر لنا- نحن الذين نعرف قيمته ونعلم فوائده وآثاره- ترْكه.

وعلى هذه المرأة أن تعالج الموقف بالكلمة الطيّبة إن أمكن، وإعطاء الصورة الحسنة عن المحجّبة، وتقديم نفسها كنموذج صالح لما يريده الإسلام منها، عسى أن تساهم في تغيير الصورة المشوّهة التي يحاول الآخرون تقديمها عن المرأة المسلمة والمحجّبة.

 

154

 

 


124

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

وقد التقيت في بعض البلدان الغربيّة مع إحدى الأخوات المحجّبات التي تعيش هناك، وهي ممن قد عانت من النظرة السلبيّة أو الاستهزاء أحيانًا بالمحجبات، وذلك أيام دراستها وعند تقديمها أوراقها للعمل في عدد من الشركات لطلب الوظيفة بعد تخرّجها، إلا أن صبرها وأخلاقها الحسنة ومستواها العلمي المميّز ومؤهلاتها وكفاءتها العمليّة، جعل الآخرين يضطرون إلى تخطي مسألة الحجاب، الذي كانت تصر على ارتدائه وعدم التنازل عنه أمام أي عرض أو ضغط يمارس عليها، فكُرّمت أيّام الدراسة لتفوّقها في محطات مختلفة، وقدّمت على غيرها ممن رشّحت أسماؤهم للوظيفة وصار لها الأولوية، واستطاعت أن تبدّل تلك النظرة السلبية والاستهزائية من قبل أولئك، وفرضت عليهم احترامها وتقديرها، وهي على ما هي عليه من الحجاب والستر.

وإذالم يمكن للمرأة شيء من ذلك، فلتختر مكانًا آخرَ لها، وبيئةً أخرى أكثر انسجامًا واحترامًا للآخر، وقبولًا وتفهُّمًا وتنوُّعًا وتعدّديّة.

وإذا لم يكن بالإمكان هذا وذاك، فعلى المرأة الملتزمة بدينها، بل على المؤمنين جميعًا، أن يضعوا في حساباتهم أنّ هذا الدين سيبقى يواجِه من خصومه وأعدائه أشدّ الحملات والحروب النفسيّة والناعمة، سعيًا لدفع أتباعه إلى تركه وعدم الأخذ بأحكامه وتعاليمه، فتارةً يقال للمحجّبة إنّها «متخلّفة»، وأخرى «رجعيّة»، وثالثةً «معقّدة»... وهكذا.

 

156


125

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

ولكنّ الله سبحانه وعد أنّه سيدافع عن الذين آمنوا، وسيرفع المؤمنين والمؤمنات درجاتٍ، بفضل صبرهم وتحمُّلهم وإصرارهم على التزامهم طاعة ربّهم، وتطبيق أوامره، واجتناب نواهيه. قال سبحانه: ﴿ٱلَّذِينَ ٱستَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِن بَعدِ مَا أَصَابَهُمُ ٱلقَرحُ لِلَّذِينَ أَحسَنُواْ مِنهُم وَٱتَّقَواْ أَجرٌ عَظِيمٌ ١٧٢ ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَد جَمَعُواْ لَكُم فَٱخشَوهُم فَزَادَهُم إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسبُنَا ٱللَّهُ وَنِعمَ ٱلوَكِيلُ﴾[1].

 


[1] سورة آل عمران، الآيتان: 172 - 173.

 

157


126

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

الحجاب وعزل المرأة:

تدّعي بعضهنّ أنّ الستر والحجاب يسبّب عزل المرأة عن المجتمع الخارجي، وإبعادها عن ساحة الحياة العامة. وهذا لا ينسجم مع الدور الذي لا بدّ للمرأة من أن تؤديه في هذه الأيّام على مستوى المجتمع، ممّا يضطرها إلى التخلّي عنه.

•| الجواب |•

إنّ هذا العزل لو تمّ، كما يدّعي هؤلاء، فهو عزل للمرأة عن الرجل من ناحية، وعزل للرجل عن المرأة من ناحية أخرى، وليس هو من ناحية المرأة فقط.

إلّا أنّ ربط موضوع عزل المرأة عن المجتمع بسترها وحجابها هو تجنٍّ واضح على هذه الفريضة الإلهيّة، فأيُّ علاقة بين أن تكون المرأة قد سترت بدنها ومحاسنها وبين أن تعزل وتحجب وتمنع من المشاركة في الحياة العامة؟ بل إنّ ذلك يعود- أحيانًا- إلى بعض العادات والتقاليد السائدة في بعض المجتمعات، أو طبيعة الأنظمة التي تُقرُّها قوانين تلك البلاد التي سنّها أصحاب القوانين أنفسهم، وإلّا فإنّ الشريعة الإسلاميّة لم تمنع المرأة من أصل الخروج من بيتها، وإن قيّدته شرعًا ببعض الشروط، كحفظ سترها وحجابها، أو مراعاة حقّ الزوج والاستئذان منه، بالنسبة إلى المرأة المتزوّجة مثلًا، أو غير ذلك، كما لم تمنعها

 

158


127

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

من الدراسة أو العمل أو البيع أو الشراء أو غيرها من أمور يقوم بها الرجل، طالما لا تنافي الأحكام الشرعيّة للستر والحجاب.

نعم، مُنع الرجال والنساء من الاختلاط السلبيّ، فإن كان هذا مرادهم من عزلها، فهو:

أوّلًا: ليس مختصًّا بالمرأة، بل تشترك به النساء والرجال.

وثانيًا: هو لصالح المرأة، ولأجل حمايتها وصيانتها والحفاظ عليها، كما قد يُمنع الإنسان السليم من الدخول على المريض- أحيانًا- لئلّا يصاب بعدواه ويتضرّر بدائه، فهذا يصبّ في مصلحته.

فهناك بَون واسع بين العزل والحجب والمنع من مزاولة الأمور الاجتماعيّة، وبين تنظيمها وضبطها بما يرجع إلى مصلحة المرأة والرجل والأسرة، فرديًّا واجتماعيًّا. فالبديل عن العزل ليس هو التفلّت والتحلُّل من جميع القيود والضوابط، بل هو أمر بين أمرين، وخير الأمور أوسطها.

والرجوع إلى واقع المرأة المسلمة المحجّبة الملتزمة بدينها وشريعتها، يشهد بأنّ المرأة لم تُعزل عن المجتمع بسبب سترها وحجابها، بل نراها قد تصدّت في كثير من المحافل العلميّة والفكريّة والاجتماعيّة والسياسيّة وغيرها، دون أن تتخلّى عن سترها وحجابها.

 

160


128

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

الحجاب لا يحمي المرأة، بل القانون:

تقول إحدى السيّدات[1]: عندما أسأل نفسي اليوم، بوصفي مسلمة تعيش في ألمانيا، إن كان عليّ ارتداء الحجاب أم لا، يطرح السؤال نفسه في ما إذا كان النصّ الوارد في القرآن في الآية 59/ 33[2] التي تطالب المرأة بوضع الحجاب على رأسها، ما زال يحقِّق الهدف الذي كان منشودًا منه في السابق، أي حماية المرأة من شهوة الرجال.

أمّا جوابي عن ذلك، فهو: لا! لا يؤدّي الحجاب غايته الأصليّة بحماية المرأة في ألمانيا الحاضرة، لا بل- بالأحرى- يحصل عكس ما أراده الله؛ إذ إنّ المرأة المحجّبة تتعرّض لمساوئ متعدّدة، كالاضطّهاد، على سبيل المثال.

وبدلًا من الحجاب الذي كان مطلوبًا في سياق القواعد الاجتماعيّة آنذاك فإنّ النظام القانونيّ الفعّال يوفّر- اليوم- للمرأة الحماية المطلوبة من «التحرّش»، فدولة الحرّيّة والقانون تحمي المرأة من خلال المعاقبة على الاعتداء على شخصها مثلًا[3].

 


[1] وهي امرأة متولّدة في ألمانيا من أصل سوريّ، وأستاذة التربية الإسلاميّة، والمشاركة في جامعة مونستر في إقامة حلقتَين دراسيّتَين لتدريب رجال الدين والنساء الذين سيصبحون معلّمي ومعلّمات مادة التربية الإسلاميّة في المدارس الألمانيّة!

[2] تقصد قوله تعالى في سورة الأحزاب: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَا يُؤۡذَيۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا﴾.

[3] انظر: موقع قنطرة: .www.Ar.qantara.de

 

161


129

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

•| الجواب |•

أوّلًا: هناك غايات وحِكم عدّة لمسألة الستر والحجاب، وإن كانت واحدة منها هي الحماية من «التحرّش» على حدّ قولها، حيث يقع ذلك ضمن مصاديق الأذى الذي أشارت إليه الآية الكريمة، إلّا أنّها ليست الحكمة الوحيدة له، فتصوير المسألة وكأنّ الحجاب عبارة عن ذلك فقط، غير صحيح. فهناك حِكم أخرى لا علاقة لها بالتحرّش مباشرة، كإعطاء قيمة إنسانيّة للمرأة غير أنوثتها، وإشاعة جوّ الحياء عندها، والتحصين من الزنا، ومساعدة الآخر على العفّة وغضّ البصر، واستحكام رابطة الأسرة... وغير ذلك.

ثانيًا: لقد سلك الدين، في حماية الإنسان من المفاسد، وتحصينه لعدم الوقوع فيها، طريقين:

الأول: الحماية الخارجية؛ وذلك باللّجوء إلى القانون والسلطة لتطبيق الأحكام في حقّ المخالفين، ﴿وَلَكُم فِي ٱلقِصَاصِ حَيَوٰةٞ يَٰأُوْلِي ٱلأَلبَٰبِ لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ﴾[1].

الثاني: الحماية الذاتيّة؛ وذلك من خلال العمل على تربية النفوس واجتناب الأعمال التي تؤدّي إلى الوقوع في المفسدة، مباشرة أو بوساطة أمر آخر، حسبما ترتئيه الشريعة وتحدّده، من خلال علمه سبحانه بالأشياء، واطلاعه على مصالح العباد ومفاسدهم وما يضرّهم وينفعهم.

 


[1] سورة البقرة، الآية 179.

 

162


130

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

ويُعدُّ الأمر الثاني أهمّ من الأمر الأول، على مستوى التربية والأخلاق، وحتّى روح القانون. فإنّ من لا يرتكب الجريمة أو السيّئة لكونه إنسانًا فاضلًا، هو أفضل من الإنسان الذي لا يرتكبها خوفًا من القانون وسطوته، وإن لم يصدر عن الاثنين عمل سيّئ. فالثاني كالقنبلة الموقوتة التي قد تنفجر في أيّ لحظة إذا توفرت لها الظروف المساعدة.

فالحماية القانونيّة لا توفّر للإنسان التربية النفسيّة الذاتيّة، وإنّما هي عامل ثانويّ مساعد، أراده الإسلام ليكون رادعًا للأفراد الذين تُسوِّل لهم أنفسهم ارتكاب المخالفات والجرائم، ولا تردعهم الرقابة الذاتيّة في علاقة الإنسان بربّه، التي تستدعي تحلّيه بجملة من الفضائل والقيم، بعيدًا عن الخوف من الناس أو عقاب القانون، كالسجن والغرامة الماليّة ونحو ذلك.

وهذه ثغرة تفتقدها الأنظمة العلمانيّة وغير الدينيّة، حيث لم يبقَ للأخلاق والقيم الذاتيّة مكان في قاموسها الذي تطغى فيه المصالح المادّيّة الدنيويّة واللّذّات الفرديّة فوق كلّ المصالح الأخرى، فلم يَعُد أمامها إلّا حماية القانون الذي جعلته الرادع الوحيد والأساس.

وهناك من لا يميّز بين هذين الأمرين، ويخلط بينهما، حيث إنّ ضبط الإنسان عن ارتكاب الفعل، لا يعني قيمة أخلاقيّة وفضيلة نفسيّة، ما لم ينضمّ إليه الدافع الذاتي للفرد بالوصول إلى حالة تكامليّة يطلبها من أفعاله وأعماله.

 

164

 

 


131

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

ثالثًا: إنّ ربط مسألة حماية المرأة من أذى الرجال بالقانون لا يعطي النتيجة المطلوبة دائمًا؛ وذلك لأنّ الدول تختلف في قوانينها، وفي طريقة تطبيقها لها، وفي شدّة القانون وضَعفه، كما أنّ القانون يرتبط بمجموعة من العوامل الأخرى التي لا بدّ من توفُّرها لضمان تطبيقه، كالقوّة الأمنيّة والعسكريّة للدولة، والوفاق الوطنيّ، ووجود قضاء نزيه، وحياة اجتماعيّة مستقرّة ونحو ذلك؛ ما يؤثّر في تطبيق القانون. فماذا لو ضعف نفوذ القانون واختلّ أمره من الناحية الإجرائيّة والتنفيذيّة، فأيّ كارثة ستحلّ بالمرأة- حينئذٍ- إذا لم يكن أمامها طريق آخر يمثّل حالة الوقاية قبل وقوع المشكلة؟

رابعًا: لو رجعنا إلى البلاد الغربيّة التي يوجد فيها تطبيق للقانون، ومن بينها ألمانيا نفسها، التي تقيم فيها هذه السيّدة، التي تزعم أنّ حماية القانون كافية لها، نجد أنّ نسبة التحرّش في ازدياد على الرغم من وجود القوانين الصارمة، بل هم يعدّلون القوانين مرّة بعد أخرى، ويتشدّدون فيها بسبب زيادة عدد المتحرَّش بهنّ جنسيًّا من النساء، وفي آخر تعديل في 7 تموز 2016 سنّت السلطات الألمانيّة قانون: «لا- يعني لا» لمكافحة الاغتصاب، الذي وسّع فيه تعريف جرائم الجنس، حيث لم تكن عدم الموافقة اللّفظية بــ«لا» كافية لتثبيت الجرم على المتّهم، ومن هنا، تمّ تعديل ذلك بأنّ «لا» تعني عدم الموافقة.

جاء ذلك بعد سنوات من النقاش حول الحاجة إلى تعامل أكثر صرامةً مع جريمة

 

165


132

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

الاغتصاب، من قبل نظام العدالة الجنائيّة. وبعد دراسة أجريت عام 2014 من قبل الجمعيّة الألمانيّة لمراكز المشورة النسائيّة، ومركز أزمات الاغتصاب (BFF)، أفادت أنّ القصور الذي اعترى القانون القديم قد سهّل على مرتكبي الجرائم الجنسيّة الإفلات من العقاب.

فقد وقعت موجة من الاعتداءات الجنسيّة في ليلة رأس السنة في بعض المدن، ونقلت وكالة أنباء «دي. بي. آي» الألمانيّة، أنّ عدد حالات الاغتصاب في ألمانيا يصل إلى 8000 سنويًّا، ولكن يتمّ النظر في ملفّ واحد فقط من أصل عشرة. وعلاوةً على ذلك، فإنّ واحدة فقط من أصل عشر شكاوى اغتصاب تؤدّي إلى الإدانة[1].

بل حتّى الجنديّات في ألمانيا لم يسلمن من التحرّش. فقد أظهرت دراسة لمركز التاريخ العسكريّ والعلوم الاجتماعيّة للقوّات المسلّحة الألمانيّة، نُشرت في 24 كانون الثاني 2014 في برلين أنّ نسبة التحرّش الجنسيّ بالجنديّات تبلغ 55 بالمائة؛ أي أنّ أكثر من نصف الجنديّات سبق وأن تعرّضن للتحرّش الجنسيّ مرّة واحدةً على الأقلّ[2].

ولو أردنا تتبّع الثغرات الموجودة في القوانين التي تدّعي حماية المرأة من التحرّش، والنتائج التي ترتّبت على ذلك، والتقارير الصادرة في مختلف أنحاء العالم حول هذا الموضوع، لطال بنا الكلام.

 


[1] انظر موقع: .www. Arabic.rt.com

[2] انظر موقع: .www.m.dw.com

 

166


133

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

خامسًا: لو كان النظام القانوني هناك يؤمّن الحماية الكاملة للمرأة كما تدّعي هذه السيدة، فما باله لا يحمي المرأة المحجّبة من التعرّض لما أسمته المساوئ المتعددة، ومثّلت له بالاضطهاد؟! وأين النظام القانونيّ الفعّال ودولة الحرية والقانون- حسب تعبيرها- ليقوموا بمحاسبة أو معاقبة من يفعل ذلك؟! أم أنّ القانون ليس مطلوبًا لحماية هذه الشريحة من النساء؟!

 

 

168


134

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

الحجاب لا يُعبّر عن هُويّتي:

قالت إحدى الجامعيّات عندما سئلت عن سبب تركها الحجاب: إنّه لا يُعبّر عن هُويّتي؛ باعتبار أنّها لا تجد نفسها في تلك البيئة كمحجّبة منتمية إلى الجامعة؛ لأنّ معظم الجامعيّات مِن حولها لَسْنَ محجّبات.

•| الجواب |•

إنّ هُويّة المرأة المسلمة هي دينها وإسلامها، وهو المحور الأساس الذي يجب أن تدور في فلكه كلّ أعمالها وأفعالها وتصرّفاتها وطموحاتها وآمالها، ولا بدّ من أن يكون انتماؤها إليه قبل أيّ شيء آخر، والحجاب بالنسبة إليها هو عنوان هذه الهويّة ورمزها. ومن الواضح أنّ هذا المحور قد تبدّل عند هذه المرأة، وصار في مكان آخر. ولذا، شعرت بهذا الخلل.

ولو أنّها جعلت إسلامها محور حياتها ومنطلق أفعالها ومحطّ آمالها، لَمَا قالت ما قالته، ولَمَا شعرت بهذه الهوّة التي تجدها بين الحجاب وبين الهُويّة.

والنصيحة التي نقدّمها لهذه المرأة: أن تتأمّل في التشريعات الإسلاميّة، وما قدّمه الإسلام في سبيل تحرير المرأة ورفعها إلى مستوى الإنسانيّة التي تليق بها، وكيف أنّ الستر والحجاب يقع في هذا السياق الإنسانيّ الذي لا يريد بالمرأة إلّا الخير والسعادة في الدنيا والآخرة.

 

169


135

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

وعندئذٍ وعلى ضوء هذه القناعة، تستطيع أن تقدّم نموذجًا يبعث على الافتخار، يكون معبّرًا عن هويّتها وانتمائها لإسلامها ودينها، بدلًا من أن تضيع في متاهات فقدان الهويّة والانتماء.

وإلّا فإنّنا ننصحها أن تبتعد عن تلك البيئة التي تلحق الضرر بدينها والتزامها، وتؤمن لنفسها بيئة سليمة تساعدها في التعبير عن هويتها والشعور بالانتماء بشكل صحيح.

 

 

170


136

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

أحبّ أن أكون عصريّة:

تقول بعض الفتيات: أحبّ أن أكون امرأة عصريّة تواكب الحياة، ولا تعيش في الماضي، وأشعر إذا تحجّبتُ أنّني لا زلت متخلِّفة ورجعيّة، ولا أنتمي إلى عصري الذي أعيش فيه، بل إلى عصور خالية، لم تكن تمثّل الحضارة والتقدّم.

•| الجواب |•

هناك الكثير من المفاهيم التي يتداولها الناس في زماننا هذا، ويبنون عليها تصرّفاتهم، تحت مسمّيات وعناوين يختلط بعضها ببعض بشكل عجيب.

ومن تلك الأمور، استخدامهم مصطلح العصرنة أو الحداثة أو مواكبة العصر أو التحضّر ونحو ذلك.

فالكثير من الناس يستخدم هذا المصطلح في: الطعام، والشراب، واللّباس، ووسائل التواصل، والأجهزة الإلكترونيّة، وهلمَّ جرًّا.

ليغدو معها مَن لا يستخدم هذه المصطلحات- بنظر هذه الشريحة- رجعيًّا ومتخلِّفًا، ومن الجيل القديم الذي لا يصلح أن يواكب التقدّم والعصر والتطوّر والحضارة...

ونحن، مع إيماننا بضرورة مواكبة العصر وما فيه من تطوّر وتجديد، إلّا أنّ ذلك ينبغي أن

 

171


137

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

يُفهم بشكل صحيح، وبما يكون في خدمة الإنسان وتلبية حاجاته الروحيّة والجسديّة، لا أن يُفهم كعقدة تجاه القديم، بحيث لا بدّ من رفض كلّ ما هو قديم لكونه قديمًا.

وعليه، فالمعاصرة والتقدّم والتحضّر والتجديد ليست أسبابًا للتخلّي عن القيم والمبادئ الدينيّة والمعنويّة، خصوصًا وأنّ الدين قد لاحظ في أحكامه وتشريعاته الحاجات والمصالح الثابتة والمتغيّرة، وجعلها متوافقة معها، بحيث تواكب كلّ زمان ومكان.

ومن بين تلك الأحكام، ضرورة حجاب المرأة وسترها. فهذا الحكم قد روعيَت في تشريعه القيمةُ الإنسانيّة للمرأة وطبيعتها وتكوينها؛ الأمر الذي لا يختلف باختلاف الظروف والأزمنة والأمكنة، بل هو ثابت ما بقيت المرأة امرأةً والأنثى أنثى.

بل يمكن القول: إنّه كلّما مرّ الزمان، واتسع نطاق العلم والحداثة، وتقدّمت الصناعات، وتطوّرت سبل الحياة المختلفة، كلّما احتجنا إلى الستر والحجاب أكثر؛ وذلك لتطوّر وسائل الإغراء والزينة والتجمّل والإثارة أكثر. وهناك أمام ناظرينا ما تعرضه الأسواق والدعايات من كثرة الموديلات والتفاصيل المختلفة للألبسة، وما يرافقها من أساليبَ وأدواتٍ للتجمّل، لم تكد تراه عين أو يخطر على البال أو يصوّره خيال.

 

173


138

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

ثمّ باللهِ عليكِ- يا أختي الكريمة- هل دقّقتِ يومًا في مَن يحدّد لكِ مَن هي المرأة العصريّة والمتحضّرة ومَن هي المتخلّفة أو الرجعيّة؟ هل الميزان في ذلك ثقافة الغرب

 

 

174


139

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

المستوردة إلى بلاد المسلمين ومجتمعاتهم، تلك الثقافة التي حوّلت المرأة إلى سلعة تتداولها أيدي الرجال العابثين بكرامتها وعفّتها، وترسم لها كلّ ما تستهويه شهواتُهم الغرائزيّة والحيوانيّة، فيقوم بعضهم بتفصيل ثوبٍ يناسب تحريك غرائزهم وشهواتهم؛ ليلتذّ بالنظر إليها، ثمّ يقول لها: هكذا تكونين عصريّة ومتحضّرة؟

ثمّ ماذا لو جاء الغرب يومًا وقدّم للمرأة موديلًا هو عبارة عن الحجاب نفسه، هل ستصبح حينها المرأة المسلمة المحجّبة عصريّةً وغيرَ رجعيّة؛ لكونها وافقت على موديل صمّمه لها بعضُ مصمّمي الأزياء من أصحاب الشهوات والأهواء، في ميلانو أو باريس مثلًا؟!! ﴿مَا لَكُم كَيفَ تَحكُمُونَ﴾[1]!

الحجاب وتغيُّرات الزمان:

وعلى ضوء ما تقدَّم، فالإسلام لا يمنع من التقدّم والتجديد ومراعاة المتغيّرات في كلّ زمان ومكان، بل إنّه عندما ظهر في شبه الجزيرة العربية، قام بعمليّة تغيير كبيرة على مستوى الفرد والمجتمع، كما يقول تعالى مخبرًا عن نبيِّه (صلى الله عليه وآله): ﴿هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلأُمِّيِّ‍ۧنَ رَسُولٗا مِّنهُم يَتلُواْ عَلَيهِم ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلكِتَٰبَ وَٱلحِكمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ﴾[2].

 

 


[1] سورة الصافات، الآية: 154.

[2] سورة الجمعة، الآية: 2.

 

175


140

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

ولسنا في وارد تعداد الموارد التي قام الإسلام بتغييرها، خصوصًا في ما يتعلّق بالمرأة وحقّها في الحياة، وشأنها واعتبارها كإنسانة. لقد أعطاها الحقوق، وفرض عليها الواجبات، وساواها من حيث الإنسانيّة بالرجل، وجعل كرامة الإنسان بالتقوى لا بالذكورة أو الأنوثة... إلى غيرها من الموارد الواضحة والمعلومة، والتي إنّما جاء بها الإسلام لصالح البشريّة عمومًا، والمرأة خصوصًا. ولا ينبغي الشكّ في أنّ ذلك أمر جيّد ومستحَسن وضروريّ. فالتغيير ينبغي أن يكون نحو الأحسن، وليس بالرجوع إلى الخلف ونحو الأسوأ.

فهناك أمور يمكن أن يقع فيها التغيير، بل قد يكون من الضروريّ مواكبة متغيّرات كلّ عصر إذا كانت ممّا فيه راحة الناس والتسهيل عليهم في أمور حياتهم ومعاشهم، مع المحافظة على القيم والمبادئ، وبما لا يتنافى مع أحكام الدين، كما في أحوال العيش ووسائل النقل أو الاتصال، ونحوها من الأمور.

أمّا تلك الأمور التي ترتبط بإنسانيّة الإنسان وحاجاته الفطريّة، فلا يمكن أن تقبل التغيير والتبدّل. فالحاجة إلى العبادة والتوجّه إلى الله تعالى- مثلًا- هي من الأمور الفطريّة التي تلازم الإنسان ما دام إنسانًا. وهكذا الأمر في الحجاب والستر، فطالما أنّ المرأة هي المرأة في إنسانيّتها وقيمتها، وفي تكوينها وأنوثتها وجاذبيّتها للرجل، فهذا الأمر لا يتغيّر ولا يتبدّل مع مرور الأيّام والسنين، بل قد تشتدّ الحاجة إليه أكثر، كما أشرنا.

 

176


141

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

وإذا صار التقدّم والتحضّر عنوانًا للتخلّي عن القيم والتعاليم الدينيّة، فهذا عين الرجوع إلى الجاهليّة. وقد عدّ منها القرآن الكريم حالة التبرُّج، وأشار في الآية الكريمة إلى عودة لجاهليّة ثانية؛ قال تعالى: ﴿وَلَا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ ٱلجَٰهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ ﴾[1].

فالتجديد والتغيير- إذًا- لا بدّ من أن يكون لناحية إيجابيّة، يتكامل معها الإنسان ويستعين بها للوصول إلى هدفه الأسمى من خلقه ووجوده في هذه الحياة، ألا وهو معرفة الله تعالى وعبادته، لا أن يكون التغيير لأجل التغيير، أو ناشئًا من عُقدٍ نفسيّة.

ولو استحكمت الشبهة القائلة بضرورة تغيير كلّ شيء قديم في ذهن أحد، لسرت إلى كلّ أحكام الدين وتشريعاته ولن يبقى- حيئنذٍ- من الدين شيء، فعلى الإسلام السلام!!

 


[1] سورة الأحزاب، الآية 33.

 

177


142

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

أريد أن أكون حُرّة، الحجاب يقيّدني:

قالت إحدى المعترضات على الحجاب إنّه يقيّد حرّيّة المرأة، ويمنعها من التصرّف بعفويّة تجاه الآخرين!

•| الجواب |•

من الواضح أنّ صاحبة هذا الكلام امرأة تريد أن تتخلّى عن دينها ووظائفها الشرعيّة. فالحجاب إنّما يمنع المرأة التي تلتزم به من التردّي في أسر الشهوات، وارتكاب الكثير من المحرّمات، والاختلاط السلبيّ مع الرجال، فهي تسمّي ذلك قيدًا؛ لأنّ الحجاب يمنعها من السقوط في الأجواء التي لا تتناسب وقيمة المرأة الحقيقيّة، وتعتبر عكس ذلك حرّية، وهو العبوديّة للشهوات والغرائز. وهذا في الحقيقة من الموارد التي يساء استخدام كلمة «الحرّيّة» فيها.

فالحرّية في الإسلام مقيّدة بتعاليم الدين وأحكامه، وليست مطلقة العنان حتّى عن أحكام الله تعالى وتشريعاته.

والحرّ الحقيقيّ هو الذي يترك شهوات نفسه لأجل رضا ربّه، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): 

 

178


143

الفصل الثاني: أسباب اجتماعيّة

«مَن ترك الشهوات كان حرًّا»[1].

فحرّية المرأة في الإسلام قيمة إنسانيّة وأخلاقيّة يراد بها الارتقاء بالمرأة، ورفع شأنها والسموّ بها إلى مكانها اللّائق بها كإنسانة. ولذلك، لم يرضَ الإسلام بظلمها أو منعها من حقوقها، كما في بعض الحقب الزمانيّة التي مرّت عليها، كذلك رفض الحطّ من قدرها ومنزلتها، وجعْلَها سلعة وألعوبة بيد غيرها، كما يفعله بعض دعاة التحرّر والحضارة أيّامنا هذه.

ولهذا، فإنّ دعوى كون الحجاب ينافي الحرّيّة، تُقابَل من المرأة الملتزمة بدعوى مقابلة أيضًا، حيث يمكن القول: إنّ المرأة المحجّبة هي أكثر حرّيّةً من المرأة غير المحجّبة؛ وذلك لأنّ سترها وحجابها يجعلها تقدّم نفسها كإنسانة، ويعطيها قيمة خاصّة، تجعل حركتها في المجتمع أسهل، وتأمن على نفسها من أذى الرجال وهوسهم، ولا تكون ألعوبة بأيديهم.

أمّا المرأة غير المحجّبة، فحرّيّتها أقلّ؛ لأنّها، بإبرازها مفاتنها، تكون معرضًا لنظر الرجال وهوسهم وأذيّتهم؛ ما يجعل قيمتها ومكانتها في مكان آخر[2].

 

 


[1]  الري شهري، ميزان الحكمة، ج 1، ص 583.

[2] فاطمة قاضي، حجاب دختران، فارسي، ص 156.

 

179


144

الفصل الثالث: أسباب شكليّة

الفصل الثالث: أسباب شكليّة

 

لا شكّ في أنّ شكل المرأة وجمالها ومظهرها واهتمامها بأنوثتها، من أهمّ الأمور التي تأخذ حيّزًا كبيرًا من حياتها، تفكيرًا واهتمامًا وسلوكًا ومتابعة.

فقد جُبلت المرأة منذ نعومة أظفارها على هذا الاهتمام، بما يُشكِّل أحد الفروق الرئيسة بين الذكر والأنثى، التي ترجع وتتناسب مع ميل كلٍّ منهما لو خُلِّيا وطبعهما. وهذه الأمور ينبغي أن تكون كزينة، مقدّمة لدور آخر تقوم به المرأة في علاقتها بالرجل، وهو دور التزيّن والجذب.

 

181


145

الفصل الثالث: أسباب شكليّة

ومن هنا، كان على المرأة أن تحذر من فتنة هذا الأمر، وتدقّق جيّدًا في ما تتّخذه من مواقف، قد تكون وليدة هذا الميل الذي عندها.

وهذا في الحقيقة ما نجده في بعض المبرّرات والحجج التي قدّمتها بعض النساء كأسباب لترك الحجاب، ترتبط بشكلها ومظهرها، وذلك من قبيل الآتي:

 

182


146

الفصل الثالث: أسباب شكليّة

لأنّي جميلة:

هناك عدد من الفتيات التي لا تلتزم بالحجاب، رغبةً منها في إظهار حسنها وجمال هيئتها، بل يتمادى بعضهنّ في القول: إنّ هذا من نعم الله تعالى، الذي يقول: ﴿وَأَمَّا بِنِعمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث﴾[1]!

وتسعى بعض مواقع الإنترنت إلى ربط الحجاب بالمرأة القبيحة،والسفور بالمرأة الجميلة، في محاولة لإيجاد صورة نمطيّة في الأذهان تقرن بينهما، تجد فيها النساء الجميلات سببًا لترك الحجاب.

•| الجواب |•

إنّ الجمال وحُسن الهيئة من النعم الإلهيّة التي أنعم الله بها على الإنسان؛ إذ خلقه في أحسن تقويم، ووجوب الحجاب والستر لا يعني أنّ على المرأة أن لا تكون جميلة، أو تخسر جمالها أو لا تحافظ عليه، أو لا تأنس و لا تلتذّ بهذه النعمة، كما تأنس وتلتذّ بسائر النعم الإلهيّة الأخرى.

 


[1] سورة الضحى، الآية 11.

 

183


147

الفصل الثالث: أسباب شكليّة

لكنّ المطلوب هو أن تصون المرأة هذا الجمال وتحافظ عليه بما يخدم سعادتها الحقيقيّة، وأن لا تبذله وتظهره بطريقة يسيء لإنسانيتها وقيمتها.

وقد استُغل الجمال اليوم من قبل دعاة تحرير المرأة، ليقدِّموا من خلاله المرأة إلى المجتمع بصورة غرائزية شهوانية، تتسابق فيها المرأة لإبراز محاسنها، وتعطى من خلال هذا المقياس الخاطئ المكانة والقيمة، وتقدَّم على مَن سواها ممن يفوقونها في الفضيلة والإنسانية ومراتب العلم والعمل.

ونحن لا نُنكر أهميّة الجمال لدى المرأة، ولكنّنا لا نقبل أن تصبح قيمة المرأة تساوي جمالها، بل هو واحد من النعم الإلهية التي يُمتحن فيه الإنسان ويُسأل عنه يوم القيامة؛ ﴿ثُمَّ لَتُس‍َٔلُنَّ يَومَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ﴾[1]، فإنِ استفاد منه في طاعة الله يكون نعمةً حقيقةً، وإن كان وسيلة بل إنّ بعض محاولات التشويه الأخرى للحجاب، تكفي في ردّ هذا الكلام وتكذيبه، فهناك من يهتمّ بموضة خاصّة بالمحجّبات لإظهار جمالهنّ، بل إنّ بعض الجهات المسيئة سَعَت للقيام بعرض جمال للمحجّبات! فكيف ينسجم هذا مع القول إن الحجاب ليس للجميلات؟!

 

 


[1] سورة التكاثر، الآية: 8.

 

184


148

الفصل الثالث: أسباب شكليّة

الحجاب «ببشّعني»، «مش لابق عليّي»، «بكبِّرني»:

تقوم بعض الفتيات لشدّة اهتمامها بمظهرها وشكلها، بالاعتذار عن عدم ارتداء الحجاب بأقوال مختلفة، من قبيل: «ببشّعني» أو «ببهدلني»، أو «ما بناسب شكلي»، أو «مش لابق عليّي» أو «بكبِّرني»، وغير ذلك ممّا هو قريب من هذه الكلمات التي تنمّ عن عدم رضاها عن شكلها بالحجاب، فتجعل ذلك سببًا من أسباب تركه وعدم ارتدائه.

•| الجواب |•

إنّ قياس الجمال عند الإنسان يقوم على المبدأ والمقياس الذي يقيس عليه. فلو كانت المرأة مقتنعة بالحجاب والستر وتعرف ماذا يعني هذا اللّباس حقًّا، لما توقّفت عند أمثال هذه التصوّرات الخاطئة، ولكانت ترى نفسها أجمل في حجابها وسترها، حيث تستتر بلباس العفّة والطهارة الذي يجمّلها ظاهرًا وباطنًا.

وهذا ما تشعر به المحجّبات؛ إذ يرين أنفسهنّ بهذا اللّباس على درجة عالية من اللّياقة والاحترام، وتقدير النفس والشعور بالثقة.

والعجيب أنّنا نرى بعض النسوة ترتدي أنواعًا كثيرة من الألبسة، وعندما تصل إلى

 

185


149

الفصل الثالث: أسباب شكليّة

الحجاب والستر تراه «مش لابق» أو «ببشّعها»، أو «بكبّرها»، بينما لا ترى تلك الألبسة كذلك. فبعض النساء يلبسن الثياب الرياضيّة، وأخريات يلبسن لباسًا عسكريًّا، وهناك من يلبس منهنّ لباسًا خاصًّا ببعض أنواع العمل، أو لباسًا تقليديًّا أو فولوكلوريًّا أو غير ذلك من الألبسة المختلفة بحسب الأعمال أو الأعراف.

والأعجب، إنّ بعض النساء اليوم صرن يرين التعرّي أو شبهه لائقًا ومجمّلًا ومناسبًا للمرأة، بينما تأنف من الحجاب وتستنكر لبسه!

ونحن لا ننكر أنّ للمرأة أن تختار من اللباس ما يكون جميلًا أو مناسبًا أو محبوبًا لها، لكنّ ذلك ليس بالشكل الذي ينافي الستر ووجوب الحجاب.

فهل إنّ المرأة لم تجد من بين كل هذه الثياب التي تملأ الدنيا، ما يناسبها أو يعجبها؟! فلتتذكّر هذه الفتاة أنّها ستستبدل لباسها يومًا ما بكفن تُلَفُّ به، لن تختاره بنفسها لتراه لائقًا أو جميلًا أو مناسبًا لشكلها أو مظهرها!

 

 

186


150

الفصل الثالث: أسباب شكليّة

ثيابي لا تناسب الحجاب:

سئلت إحدى الفتيات عن سبب عدم ارتدائها الحجاب، فأجابت: الثياب التي عندي لا تناسب الحجاب.

•| الجواب |•

من العجيب حقًّا، أنّ الإنسان الذي يشتري ثيابه بملء إرادته، يجد في فعله هذا عذرًا لنفسه في ترك أمر مهمّ، كالستر والحجاب! وهل هذا إلّا التناقض بعينه، الذي لا يرتضيه أيّ عاقل،

وهو- لا شكّ- عذر أقبح من ذنب، وكلام لامرأة تريد أن تتكلّم بأي شيء، لتُسكت مَن يسألها عن سبب تركها الحجاب؟

فكيف لثياب الإنسان أن تحكم عليه باتخاذ موقف هامٍّ له دوره في تحديد شخصيته وسلوكه في الدنيا، وتأثيره بشكل ما على آخرته؟!

ثم إلى متى يمكن للمرأة أن تستمر بتقديم عذر كهذا في تركها للحجاب؟ ألا يوجد وقت تحتاج فيه المرأة أن تشتري ملابس جديدة أو تقوم باستبدال ملابسها تلك بملابس أخرى؟ فلماذا لا تضع حدًّا تنهي فيه هذا الأمر لو كانت صادقة فيما تدّعي كونه عذرًا لها؟

 

187


151

الفصل الثالث: أسباب شكليّة

الحجاب واللون الأسود:

هناك من يقول: إنّ الحجاب بلونه الأسود يظهر المرأة بصورة سوداء قاتمة، تترك آثارها السلبيّة على نفسيّتها وراحتها.

•| الجواب |•

أولًا: لا يشترط في الحجاب أن يكون لونه أسودَ، ويمكن للمرأة أن تختار أيَّ لون من الألوان التي تحقّق الشروط الشرعيّة، من الستر وعدم الزينة ونحو ذلك. وإذا كانت بعض النساء المحجّبات يرغبن في ارتداء هذا اللون، فهو باعتباره أكثر الألوان سترًا، وأبعده عن الزينة مثلًا. ولذا، رأينا بعض الشركات تختار الألوان القاتمة لموظّفيها من الإناث، لكونه أبعد عن الإغراء والإثارة، وأنسب لأجواء الجدّيّة والعمل.

ثانيًا: يتحيَّر الإنسان- أحيانًا- من اختلاف الحكم على اللّباس الأسود وتعدّده، فإذا ارتدته المرأة المحجّبة، صار متعبًا للنفس، كئيبًا، يبعث على الحزن والتشاؤم، وتوصَف صاحبته بالتعقيد، وغير ذلك من الأوصاف والآثار السلبيّة، وأمّا إذا ارتدته المرأة غير المحجّبة، فنراهم يذكرون له من الإيجابيات ما يتعجّب منه المرء، فهو من الألوان المفضَّلة في الشتاء، وهو لون ملوكيّ، وجذّاب، وساحر، وبسيط، وفخم، ورسميّ، ويعطي لصاحبته الرقيّ،

 

188

 

 


152

الفصل الثالث: أسباب شكليّة

والأناقة، والقوّة، والاحترام، والجدّيّة، والسلطة، والهيبة، وغير ذلك من الأوصاف والآثار. فلماذا لا يقولون: إنّه كبقيّة الألوان التي لها إيجابيّاتها وسلبيّاتها؟! ولماذا يتمّ التركيز على السلبيّات فقط، ولا يُتحدّث عن الإيجابيات، عندما يكون الأمر متعلّقًا بالحجاب؟!

 

189


153

الفصل الثالث: أسباب شكليّة

الموضة وشكل الحجاب:

تعتقد بعض الفتيات أنّها لو تحجّبت فسوف تكون في شكلها ولباسها تقليديّة، وهي تحبّ أن تلبس وَفق الموضة، ولا يمكنها ذلك؛ لأن الحجاب الكامل ليس من ثياب الموضة، فإمّا أن يكون شكلها تقليديًّا، وإمّا أن تتحجّب على الموضة وتخسر حجابها الكامل.

•| الجواب |•

1 - إنّ المطلوب كون اللّباس متّصفًا بالشروط الشرعيّة، ومتى تحقّق ذلك في أيّ لباس، فلا مانع من ارتدائه شرعًا، إلّا أنّه كلّما زاد اللّباس سترًا وحشمة، وكان أبعد عن الزينة ولفت نظر الرجال، كان بلا شكّ أفضل.

2 - إنّ الشريعة لم تمنع الإنسان من الترتيب والأناقة والتجمّل العامّ، إذا كان ذلك مع مراعاة الستر وشروطه، بل هو أمر مرغوب ومحبوب إذا لم يترتّب عليه أيّ فساد أو إشكال آخر. إلّا أنّ ما يسمّى «لباس الموضة» تخطّى معظمه الحدّ الشرعيّ، حيث نجده مزيّنًا ولافتًا، أو ضيّقًا، أو شفّافًا، وغير ذلك من الإشكالات الشرعيّة. فالمشكلة ليست في الشيء الجديد أو ما يسمّى «الموضة»، بقدر ما هي في المواصفات التي يتّصف بها. ولو

 

190


154

الفصل الثالث: أسباب شكليّة

كان في الموضة من اللّباس ما هو حائز الشروط الشرعيّة، فلا مانع من لباسه والتستّر به في حدّ ذاته.

3 - إنّ لباس الموضة في الأساس لم يُصمَّم للمرأة المحجّبة، ولم يصمِّمْه أناس متديّنون في الغالب، فهو ليس لباسًا للمحجّبات. وعندما تتّخذ المرأة قرارها بارتداء الحجاب، فعليها أن تضحّي برغبتها في لباس الموضة، كما قد تضحّي برغبتها في إظهار محاسنها، وبالتالي يجب أن تختار لباسًا يحقّق الشروط الشرعيّة، سواء سمّي تقليديًّا أو غيره من الأسماء، فلا أهمّيّة لذلك أمام رضا الله تعالى وطاعته.

4 - يمكن للمرأة التعويض عن الخروج بلباس الموضة، بأن تقوم بارتدائه في البيت أمام مَن يحلُّ لها أن تنكشف أمامهم، وبالمقدار الجائز شرعًا، وضمن الحشمة المطلوبة، أو أمام زوجها، حيث يكون مطلوبًا ومرغوبًا، وفي مكانه الصحيح والمناسب، فتُحقّق رغبتها في اللّباس كما شاءت، دون أن تعصي الله عزّ وجلّ.

 

191


155

الفصل الرابع: أسباب طبّيّة

الفصل الرابع: أسباب طبّيّة

اهتمّ الإسلام بصِحَّة الإنسان اهتمامًا بالغًا، وحرّم كلّ ما من شأنه أن يضرّ به ضررًا معتدًّا به، ولم يسمح له بأن يتصرّف بصِحَّته كما يحلو له، بل وحرّم عليه حتّى فعل بعض الواجبات، كالصوم مثلًا، إذا كان مضرًّا بحاله.

إلّا أنّ هذا لا يعني اتخاذ ذلك ذريعة لترك الواجبات وتبرير ارتكابها كلّما أراد شخص ذلك، أو اختراع أعذار لا وجود لها أحيانًا، فمثل هذا يعدّ تلاعبًا بأحكام الله تعالى، واستخفافًا بأوامره سبحانه.

وقد سمعنا بعض النساء يخترعن أعذارًا وحججًا طبّيّة لترك الستر والحجاب، لكنّنا- بمراجعة أقوال أهل الاختصاص- لم نجد لها وجهًا من الصِحَّة.

وهذا ما سمعناه أو وجدناه ممّا يُذكر كأسباب طبّيّة لترك الحجاب أو التخلّي عن لبسه وارتدائه:

 

193

 


156

الفصل الرابع: أسباب طبّيّة

شعري يتساقط:

من المشاكل التي يُبتلى بها الكثير من النساء عادةً هي مشكلة تساقط الشعر، والذي يعود لأسباب كثيرة لسنا هنا في وارد ذكرها وتعدادها. وقد نسمع من بعض النساء أنّ الحجاب يتسبّب في سقوط الشعر، في محاولة لجعل ذلك سببًا لترك الحجاب.

•| الجواب |•

إنّ الدراسات والتقارير الطبّيّة لا تشير إلى أنّ أحد أسباب تساقط الشعر هو تغطيته أو ارتداء الحجاب، خصوصًا أنّ هذه المشكلة ممّا يتعرّض له النساء والرجال على حدٍّ سواء، والمحجّبات وغير المحجّبات أيضًا.

ويؤكّد الدكتور عمر شمس الدين الاختصاصيّ في مشاكل الشعر، أنّ الحجاب لا يسبّب تساقط الشعر، بل يرى أنّه بالعكس تمامًا قد يساعد على حماية شعر المرأة من التقصُّف والجفاف بسبب التعرُّض للشمس بكثرة[1].

وجاء في موقع «كلّ يوم معلومة طبّيّة»: إنّ الدراسات الحديثة تؤكّد أنّ الحجاب يحمي الشعر من أشعة الشمس الضارّة والرياح والهواء الملوّث، ولكن تبدأ المشكلة حين تبدأ

 

 


[1]  موقع «جلديّة دوت كوم»، 8 أبريل 2015:www.geldeya.com.

 

195


157

الفصل الرابع: أسباب طبّيّة

المرأة بإهمال شعرها، نظرًا إلى أنّه مغطّى دائمًا، وهنا ينتج الشعر الجافّ ويبدأ التساقط. وتتفاقم المشكلة مع سوء اختيار خامة الحجاب أو أسلوب ارتدائه[1].

فالحجاب لا يسبّب تساقط الشعر أو تقصّفه إذا اعتنت المرأة بشعرها أثناء ارتدائه، تمامًا كعنايته به لو كان مكشوفًا. فتأثير الحجاب على الشعر إيجابيّ وليس سلبيًّا[2].

نعم، قد تواجه المرأة المحجّبة بعض القيود بسبب ارتدائها الحجاب؛ ما يمنعها من تعريض شعرها للشمس والهواء، لكن هذا الأمر يعود للمرأة في كيفيّة اختيار الفرص المناسبة لاكتساب فوائد الشمس والهواء، بما لا يتنافى مع سترها وحجابها.

وممّا يُنقَل على سبيل الطُرفة هنا، أنَّ امرأةً دخلت على أحد الأطبّاء تشكو له تساقط شعرها، فادّعى الطبيب أنّ ذلك سببه ارتداء الحجاب وأنّ عليها نزعه، فما كان من المرأة إلا أن نظرت إلى زوجها الذي كان برفقتها- وهو أصلع، وقد تساقط شعر رأسه- وقالت للطبيب: لكنّ زوجي- يا دكتور- لا يرتدي الحجاب، ومع ذلك فقد تساقط معظم شعر رأسه!!

 


[1] وينصح بعض الخبراء باختيار غطاء الرأس من القطن، وكذلك عدم شد الشعر تحته.

[2] موقع كل يوم معلومة طبيّة، 24 مارس 2015: www.dailymedicalicalinfo.com.

 

196


158

الفصل الرابع: أسباب طبّيّة

رأسي يؤلمني من ارتداء الحجاب:

ربّما يقال: إنّ الحجاب، حيث يوضَع على الرأس، قد يؤدّي إلى الصداع، ويتسبّب في آلام في الرأس، وعلى هذا الأساس، يمكن جعله سببًا للتخلّي عن لَبسه.

•| الجواب |•

نحن نسأل: هل الحجاب حقًّا من أسباب الصداع وآلام الرأس؟!

لا شكّ في أنّ ثمّة أسبابًا كثيرة للصداع من الناحية الطبّيّة، بعضها معلوم وبعضها مجهول، ولكنّه بمقدار ما بحثنا وراجعنا لم نجد من بينها ارتداء الحجاب.

اللّهُمَّ، إلّا إذا كان سبب الصداع هو كون بعض ما تستر به المرأة رأسها ثقيلًا أو يشدّ ويضغط على الرأس مثلًا، أو لسبب آخر يرجع إلى كيفيّة ارتدائه. فعلى المرأة- حينئذٍ- أن تختار من الألبسة ما يكون ساترًا وحائزًا الشروطَ الشرعيّة، وفي الوقت نفسه يكون خفيفًا لا يحدث ثقلًا على الرأس يُسبِّب الصداع والألم، أو تلبسه بطريقة لا تؤدّي إلى ذلك.

 

197


159

الفصل الرابع: أسباب طبّيّة

الحجاب يضعف السمع:

ادّعت إحدى الكاتبات في مقالة لها أنّ الحجاب الذي قامت يومًا بارتدائه، جعلها تعاني خللًا في قدرتها على السمع.

وقد نشرت مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعيّ في شهر أكتوبر 2015، خبرًا يفيد بإيقاف سيّدة كانت تعمل مضيفة في شركة الخطوط التونسيّة، عن عملها بسبب ارتدائها الحجاب، ليخرج بعده وزير تونسيّ، مبرّرًا هذا الفعل بتصريح غريب أثار ضجّة على وسائل التواصل الاجتماعيّ، اعتبر فيه أنّ الحجاب يقلّل نسبة 30 % من السمع؛ ما يعرِّض حياة المسافرين للخطر!![1].

•| الجواب |•

لسنا ندري على أيّ شيء اعتمد هذان في كلامهما هذا. أيّ مركز أبحاث أو دراسات؟ أو أيّ باحث علميّ في الطبّ؟ أيّ إحصاء علميّ أو تجربة علميّة؟ أو حتّى أيّ حوادث يمكن أن يُبنى عليها في هذا المجال؟!!

 

 


[1] موقع العربية، 14 أكتوبر 2015.

 

198


160

الفصل الرابع: أسباب طبّيّة

الحجاب يضعف السمع:

ادّعت إحدى الكاتبات في مقالة لها أنّ الحجاب الذي قامت يومًا بارتدائه، جعلها تعاني خللًا في قدرتها على السمع.

وقد نشرت مواقع الإنترنت والتواصل الاجتماعيّ في شهر أكتوبر 2015، خبرًا يفيد بإيقاف سيّدة كانت تعمل مضيفة في شركة الخطوط التونسيّة، عن عملها بسبب ارتدائها الحجاب، ليخرج بعده وزير تونسيّ، مبرّرًا هذا الفعل بتصريح غريب أثار ضجّة على وسائل التواصل الاجتماعيّ، اعتبر فيه أنّ الحجاب يقلّل نسبة 30 % من السمع؛ ما يعرِّض حياة المسافرين للخطر!![1].

•| الجواب |•

لسنا ندري على أيّ شيء اعتمد هذان في كلامهما هذا. أيّ مركز أبحاث أو دراسات؟ أو أيّ باحث علميّ في الطبّ؟ أيّ إحصاء علميّ أو تجربة علميّة؟ أو حتّى أيّ حوادث يمكن أن يُبنى عليها في هذا المجال؟!!

 

 


[1] موقع العربية، 14 أكتوبر 2015.

 

198


160

الفصل الرابع: أسباب طبّيّة

قد يعجب القارئ أنّه لا يوجد أيّ شيء من هذا القبيل، بل إنّ الأطبّاء وأهل الاختصاص يؤكّدون أنْ لا علاقة للحجاب بضعف السمع على الإطلاق؛ ما يوضّح أنّ المسألة تأتي في سياق الهجمة والحرب المعلَنة على الإسلام وتعاليمه وشعائره، والتي يأتي حجاب المرأة في مقدّمها اليوم، ويكشف أيضًا الأسلوب الرخيص والدنيء لاستغلال العلم الحديث في الوصول إلى محاربة الفكر والاعتقاد المخالف.

ويكفينا هنا ذكر بعض ما أجيب به بشكل علميّ على هذا الوزير الفذّ، وعلى من يتفوَّه بمثل كلماته المزخرفة من بعض الكتّاب أو الكاتبات.

فتعقيبًا على كلامه، يقول أحد الأطباء في تصريح لإحدى القنوات الفضائيّة: إنّ ما قاله الوزير يبعث على السخرية والتندّر، مضيفًا أنّ الحجاب أو وضع غطاء على الرأس والأذنين لا يؤثّر أبدًا على السمع. وتابع- معلِّقًا على كلام الوزير-: إنّه يستحق جائزة نوبل للطبّ على هذا الاكتشاف العلميّ والطبّي الباهر[1]!

وجاء في بعض المواقع الإلكترونيّة خبرٌ تحت عنوان: «الأطبّاء يؤكِّدون كذب ادعاء وزير تونسيّ بأنّ الحجاب يُضعف السمع»: مع استمرار الهجمة على الحجاب الإسلاميّ في عدد من الدول الغربيّة والعربيّة أيضًا، انتقد عدد من الأطبّاء ادّعاءات وزير تونسيّ بأنّ الحجاب

 

 


[1] موقع العربية، 14 أكتوبر 2015.

 

199


161

الفصل الرابع: أسباب طبّيّة

يُضعف السمع، مشيرين إلى أنّه من غير المعقول وصول الهجوم على الحجاب إلى قضايا علميّة وطبّيّة.

وجاء أيضًا في هذا الخبر: إنّ عددًا من الأطبّاء أكَّدوا عدم صِحَّة هذه الخرافات والخزعبلات، التي تحاول النيل من الحجاب، مؤكِّدين عدم قدرة الوزير على تقديم أيّ إثبات طبّيّ أو علميّ.

إحدى الطبيبات التونسيّات أيضًا أكّدت: إنّه لا وجود لأيّ دليل علميّ على تأثير الحجاب على السمع، وإنّ قطعة قماش على الأذن لا تمنع أبدًا من وصول الصوت إليها، معلنة أنّ الوزير يحاول إلباس موقفه الأيديولوجيّ من الحجاب بكلام علميّ غير دقيق[1].

 


[1] موقع لها: www.lahaonline.com.

 

200


162

الفصل الرابع: أسباب طبّيّة

الحجاب والأمراض النفسيّة:

زعمت بعض مواقع الإنترنت أنّ الحجاب يسبّب للمرأة بعض المشاكل النفسيّة، كالتعب النفسيّ، أو الكآبة، أو ربّما بعض العقد النفسيّة!

•| الجواب |•

هذا من غريب القول في الوقت الذي نجد فيه أنّ بعض مواقع الإنترنت تقول:

أثبتت دراسة علميّة حديثة أنّ المرأة التي ترتدي الحجاب وتحرص عليه، تكون في حالة نفسيّة أفضل (في ما يتعلّق بنظرتها الإيجابيّة إلى نفسها) من تلك التي لا ترتدي الحجاب، ولكن لماذا؟

هذا السرّ تكشفه جامعة «Westminster» من خلال دراسة علميّة نشرت في المجلة البريطانية لعلم النفس، وذلك من خلال إجراء استقصاء على مئات الفتيات المحجّبات وغير المحجّبات، وتبيّن للباحثين أنّ الفتاة المحجّبة تتمتّع بقدر كبير من احترام الذات والإحساس بالأمان.

 

201


163

الفصل الرابع: أسباب طبّيّة

كما أظهرت الدراسة أنّ المرأة المحجّبة أقلّ قلقًا في ما يتعلّق بالمظهر الخارجيّ، وأقلّ إنفاقًا على الأزياء[1].

وبعيدًا عمّا جاء في هذه الدراسة، سواء صحّت أم لا، فما هو يا ترى الذي سيسبّب للمرأة تلك الحالة النفسيّة؟! نعم، ذلك قد يعود- أحيانًا- إلى عدم اقتناعها بالالتزام بهذا التكليف وفائدته وعوده عليها بالمصلحة والمنفعة، أو لعدم ثقتها بنفسها، الذي يجعلها تنظر إلى المرأة غير المحجّبة بنظرة تفوّق؛ ما ينعكس على نظرتها إلى نفسها بشكل ناقص، ويحوّل ذلك إلى تعب أو عقدة نفسيّة...

إنّ على هذه المرأة أن تقوّي إيمانها بربّها أوّلًا، وتحاول أن تقرأ أو تفكّر في فوائد الحجاب وأثره الإيجابيّ على دنيا المرأة وآخرتها، وكيف أنّه يعطيها القيمة الإنسانيّة التي تستحقّ، ويرتفع بها عن الانجرار والتردّي وراء الغرائز والشهوات، وأن تنظر إلى سلبيّات تركه على المرأة، خصوصًا في عصرنا هذا، وتعمل بعدها على رفع منسوب الثقة بالنفس، وإيجاد الجوّ المناسب مع دينها والتزامها، لتحقّق فيه ما تطمح إليه من طاعة الله تعالى.


 


[1] موقع المصريون، الجمعة 27 مارس 2015: www.m.misryon.com.

 

202


164

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

خلق الله الإنسان حرًّا مختارًا، يقوم بأفعاله وأعماله بإرادته. وهذا يتطلّب وجود تركيبة خاصّة، تكون قابلة لارتكاب الخير أو الشرّ، والحسنة أو السيّئة. ومن هنا، وُجدت في الإنسان الغرائز إلى جانب العقل، ليفترق بتركيبته هذه عن الملائكة والحيوانات؛ وبالتالي تصدر عنه بعض الأفعال جرّاء غلبة العقل على الشهوة، فتكون خيرًا، أو تصدر عنه بعض الأفعال جرّاء غلبة الشهوات على

 

203


165

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

العقل، فتكون شرًّا. والأفعال التي تنشأ من تلك الغرائز الخارجة عن سيطرة العقل، تسمّى بــــ: «الهوى».

وقد حذّرت الآيات والروايات من اتّباعه؛ لكونه يؤدّي بالإنسان إلى الخسارة والضرر الدنيويّ والأخرويّ.

وقد وجدنا- مع الأسف- جملة من الأسباب الشخصيّة التي تتمسّك بها بعض الفتيات في ترك الستر والحجاب، لا يمكن إدراجها إلّا تحت مسمّى «الهوى»، حيث لا تعبّر عن شبهة أو تساؤل علميّ، وهي كالآتي:

 

204


166

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

لستُ مُقتنعة بعد:

تجيب بعض النساء عندما تُسأل عن سبب تركها الحجاب، بالقول: لست مُقتنعة بعد!

•| الجواب |•

لا بدّ من التفريق بين مَن تقول هذا الكلام وهي تريد عدم الاقتناع بوجوب الحجاب، وبين من تقوله وهي تريد البحث عن حكمته وسبب وجوبه:

أمّا الصنف الأول: فنحن هنا نفترض أنّنا نتحدّث مع امرأة مسلمة، تؤمن بالله ورسوله وبالكتاب الذي أُنزل عليه. ولهذا، نطرح عليها بعض التساؤلات حول سبب عدم اقتناعها:

أليس الحجاب من الواجبات الإلهيّة التي افترضها الله تعالى على المرأة، وذكرها في كتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟ وهل هناك مسلم أو مسلمة يشكّ في وجوبه على المرأة؟ وهل المسألة وجهة نظر مثلًا يمكن للإنسان أن يأخذ بها أو أن لا يأخذ بها؟ فما معنى أن تقول امرأة مسلمة تؤمن بالله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) وما جاء به كتابه الكريم،إنّها ليست مقتنعة به؟! ألا يدلّ ذلك على وجود خلل ما في إيمانها واعتقادها وفهمها الصحيح لعلاقة العبد بربّه وخالقه؟!

إنّ المشكلة والخلل يكمنان في الدافع الصحيح إلى طاعة الإنسان ربَّه وعبادته إيّاه

 

205


167

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

لستُ مُقتنعة بعد:

تجيب بعض النساء عندما تُسأل عن سبب تركها الحجاب، بالقول: لست مُقتنعة بعد!

•| الجواب |•

لا بدّ من التفريق بين مَن تقول هذا الكلام وهي تريد عدم الاقتناع بوجوب الحجاب، وبين من تقوله وهي تريد البحث عن حكمته وسبب وجوبه:

أمّا الصنف الأول: فنحن هنا نفترض أنّنا نتحدّث مع امرأة مسلمة، تؤمن بالله ورسوله وبالكتاب الذي أُنزل عليه. ولهذا، نطرح عليها بعض التساؤلات حول سبب عدم اقتناعها:

أليس الحجاب من الواجبات الإلهيّة التي افترضها الله تعالى على المرأة، وذكرها في كتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟ وهل هناك مسلم أو مسلمة يشكّ في وجوبه على المرأة؟ وهل المسألة وجهة نظر مثلًا يمكن للإنسان أن يأخذ بها أو أن لا يأخذ بها؟ فما معنى أن تقول امرأة مسلمة تؤمن بالله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) وما جاء به كتابه الكريم،إنّها ليست مقتنعة به؟! ألا يدلّ ذلك على وجود خلل ما في إيمانها واعتقادها وفهمها الصحيح لعلاقة العبد بربّه وخالقه؟!

إنّ المشكلة والخلل يكمنان في الدافع الصحيح إلى طاعة الإنسان ربَّه وعبادته إيّاه

 

205


168

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

سبحانه وتعالى، فالطاعة لله يجب أن تكون تقرُّبًا إليه وامتثالًا لأمره، وطلبًا لمرضاته، وهو الغنيّ عنّا وعن طاعتنا وعبادتنا، وإنّما أمرنا ونهانا لمصالح ومفاسد تعود آثارها ونتائجها علينا،بما ينفعنا أويضرّنا.

وإذا كنا عبيدًا مربوبين لهذا الإله العظيم، فلا بدّ من أن نحرص على رضاه، وذلك من خلال تقديم أوامره ونواهيه على ميولنا وأهوائنا ومشتهياتنا النفسانيّة، فـ: ﴿إِنَّ ٱلنَّفسَ لَأَمَّارَةُ بِٱلسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ﴾[1].

وقد نهانا تعالى عن اتباع الهوى؛ لأنّ ذلك سوف يؤدّي بنا إلى المهالك، ويضلّنا عن السبيل الصحيح الذي ينجينا من العذاب، فقال عزّ من قائل: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ ٱلهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُم عَذَابٞ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَومَ ٱلحِسَابِ﴾[2]، وعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «أيُّها الناس، إنّ أخْوَف ما أخاف عليكم اثنتان: اتباع الهوى، وطول الأمل. فأمّا اتباع الهوى فيصدّ عن الحقّ، وأمّا طول الأمل فينسي الآخرة»[3].

وقد رُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال- في حديث طويل-: «... فقال إبليس: ربِّ اعفني من السجود لآدم، وأنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب، ولا نبيّ مرسل،

 


[1]  سورة يوسف، الآية: 53.

[2] سورة ص، الآية: 26.

[3] نهج البلاغة، الخطبة رقم: 42.

 

207


169

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

فقال جلّ جلاله: لا حاجة لي إلى عبادتك، إنّما أريد أن أُعبَد من حيث أريد، لا من حيث تريد»[1].

وأمّا الصنف الثاني الباحث عن الحكمة: فلا مانع من السؤال عن حكمة تشريع الأحكام. وهناك الكثير من الإجابات المقنعة للمرأة إذا وضعت هواها جانبًا، وكانت واقعًا تبحث عن أجوبة مقنعة، إلّا أنّه لو لم يقنعها أيٌّ من تلك الإجابات، فليس لها أن تترك العمل بهذا الواجب الإلهيّ، بل عليها أن تتعبّد بالطاعة لله تعالى، وتطيعه في ما أمر به؛ لأنّها مؤمنة به، وتعتقد أنّ من المحال أنّ يُشرِّع حكمًا ليس فيه مصلحتها، والحال أنّه خالقها وبارئها وربّها العليم الخبير: ﴿أَلَا يَعلَمُ مَن خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلخَبِيرُ﴾[2]، فاللّازم عليها أن تسلّم لأمره وطاعته، وتلتزم بكلّ ما أمر الله به ورسوله: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِم حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسلِيمٗا﴾[3].

ولتكن حالُها في ذلك كحال شخص يجد من يحبّه ويعطف عليه بشكل دائم، ويدلّه على كلّ ما فيه مصلحته، ويبيّن له سبب ذلك غالبًا، فهو يثق به وبمحبّته وحكمته وعلمه، ولا يشكّ لحظةً في أنّه يريد مصلحته ومنفعته، فأرشده في يوم من الأيّام إلى القيام بأمرٍ ما،

 


[1] المجلسي، بحار الأنوار، ج 11، ص 141.

[2] سورة الملك، الآية: 14.

[3] سورة النساء، الآية: 65.

 

208


170

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

ولم يتبيَّن له وجهُه ومنفعتُه وحكمتُه، فهو يقول في نفسه حينئذٍ: إنّ هذا الشخص يحبّني ويريد مصلحتي ومنفعتي، وهو أعلم منّي وأخبر بأموري من نفسي، على أنّه لا يستفيد من هذا الأمر شيئًا، بل أنا المستفيد الوحيد منه، ومن المحال أن يأمرني بشيء أو يرشدني إلى أمر إلّا إذا كان فيه مصلحتي وإن لم أعلم بها، فيقوم هذا الإنسان- حينئذٍ- بهذا الفعل وهو مطمئنّ البال، مسرور الخاطر والحال بما أتى به، غير مُبالٍ بأيّ شيء قد يعترضه أمام ذلك.

فإذا كان هذا حالنا مع المخلوق أحيانًا، فكيف بالخالق الذي لا تخفى عليه خافية، وهو أعلم بنا من أنفسنا وبما يُصلحها ويضرها؟

 

 

209


171

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

ليس عندي ذنب سوى ترك الحجاب:

من النساء من يعملن الصالحات، ويطعن الله تعالى في ما أمر به، ويتركن الكثير من المعاصي، إلّا أنّهنّ على الرغم من ذلك لسنَ ممّن يرتدين الحجاب، وهنّ يعترفن بأنّ هذا الأمر من الواجبات والتكاليف الإلهيّة، وأن تركه من المعاصي والذنوب، لكنّهنّ يعتذرن عن ذلك بالقول: أنا- والحمد لله- أصلّي وأصوم وأؤدّي ما افترضه الله تعالى عليّ من الواجبات، ولست ممّن يفعل المعاصي والذنوب، وليس عليّ إلّا ذنب واحد فقط، وهو ترك الحجاب!

وفي الوقت الذي نجد فيه أنّ بعض النساء يعشنَ قلق هذا الذنب، ويستغفرنَ الله منه، إلّا أنّ بعضهنّ قد يغتررنَ به، ويبرِّرنَ فعلتهنّ هذه من خلال أعمالهنّ الصالحة الأخرى، ويعتبرنَ أنّه لا قيمة لهذا الذنب أمام غيره ممّا يقمنَ به من الواجبات والطاعات.

•| الجواب |•

ينبغي لهذه المرأة التنبّه لبعض الآتي:

أوّلًا: ليس للإنسان أن يحقِّر ذنبًا من الذنوب التي تُغضب الله تعالى، أو يستصغره أو يستهين به، فإنّ على المرء أن ينظر إلى مَن يعصي، وهو الله تعالى، وليس إلى كِبَر

 

210


172

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

المعصية وصغرها، ففي وصيّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) لأبي ذرٍّ الغفاريّ (رضوان الله عليه) يقول:«يا أبا ذرّ، لا تنظر إلى صِغَر الخطيئة، ولكن انظر إلى من عصيت»[1].

ثانيًا: إنّ تحقير الذنوب من الأسباب التي يتضاعف عقاب الإنسان بسببها، ويتعاظم معها الذنب. ففي الرواية عن زيد الشحّام قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «اتقوا المحقَّرات من الذنوب، فإنَّها لا تُغفر»، قلت: وما المحقَّرات؟ قال: «الرجل يذنب الذنب فيقول: طوبى لي إنْ لم يكن لي غير ذلك»[2].

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أشدّ الذنوب ما استهان به صاحبه»[3].

وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «من الذنوب التي لا تُغفَر قول الرجل: يا ليتني لا أؤاخذ إلّا بهذا»[4].

ثالثًا: إذا كانت المرأة تعترف بأن تركها للحجاب ذنب ومعصية لله تعالى، فعليها أن تعالج ذلك بالطريقة الصحيحة، وهي التوبة من هذا العمل والرجوع عنه، من خلال الستر وارتداء الحجاب، وليس من خلال الهروب إلى اجتراح الأعذار، التي تزيد المشكلة وتضاعف الذنب.

 


[1] الطوسيّ، الأمالي، ص 528.

[2]  الحر العاملي، وسائل الشيعة، كتاب الجهاد، باب 43 من أبواب جهاد النفس وما يناسبه، حديث 1.

[3] المصدر نفسه، حديث 6.

[4] الري شهري، ميزان الحكمة، ج 2 ص 990.

 

 

211


173

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

لم يهْدِني الله بعد:

كثير من النساء عندما تُسأل عن سبب تركها الحجاب تقول: لم يهْدِني الله بعد، وأنا أنتظر أن يهديني فأتحجّب.

وليس مقصود مَن تجيب بمثل هذا الجواب، أنّ الله تعالى لم يأمرها بالحجاب ويوجبه عليها، فهي تعرف ذلك جيّدًا، ولكنّها تتحدّث عن الهداية العمليّة، ومثلها كمثل من يعرف أنّ الصلاة واجبة ولا يصلي، أو أنّ الصوم واجب ولا يصوم.

•| الجواب |•

نسأل هذه الأخت الكريمة: ألا يحتاج هذا النوع من الهداية الإلهيّة إلى توفير أسبابه وتهيئة مقدّماته؟ فنحن نعرف أنّ الله تعالى قد أنعم على البشر بنعمة العقل، وأرسل إليهم الأنبياء والرسل، وأنزل عليهم الكتب والرسالات السماويّة بهدف هدايتهم، وقد آمن منهم من آمن، وكفر من كفر، وليس من كفر منهم إلّا لأنه لم يوفّر لنفسه أسباب الهداية بشكل عمليّ. قال تعالى: ﴿إِنَّا هَدَينَٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرٗا وَإِمَّا كَفُورًا﴾[1]، وقد وعد الله تعالى في كتابه، فقال: ﴿فَٱذكُرُونِي أَذكُركُم﴾[2]، وقال سبحانه: ﴿قُل إِن كُنتُم تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي


 


[1] سورة الإنسان، الآية: 3.

[2] سورة البقرة، الآية: 152.

 

 

212


174

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

يُحبِبكُمُ ٱللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾[1]، فمن يريد الهداية عليه أن يسلك سبلها، لا أن يقف ساكنًا أو يسير بعكس الاتجاه، وهو يريد الوصول إليها.

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها

إنّ السفينة لا تجري على اليبس

فالهداية، وإن كانت بيد الله تعالى، وهو الذي يهدي من يشاء، ولكنّه سبحانه يهدينا بعد أن نطلب الهداية منه سبحانه، ونسعى لها: ﴿وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلمُحسِنِينَ﴾[2].

ومتى علم الله تعالى بوجود هذه النيّة الطيّبة لدينا، فلا شكّ في أنّه سيهدينا سواءَ السبيل، ﴿وَلَو عَلِمَ ٱللَّهُ فِيهِم خَيرٗا لَّأَسمَعَهُم﴾[3].

فهل سعت المرأة لتهتدي إلى الحجاب، وهي التي تقول: لم يهْدِني الله بعد؟ وهل عملت على توفير أسباب الهداية في هذا الاتجاه؟ وهل دعت الله تعالى بصدق وإخلاص أن يهديها؟

 


[1] سورة آل عمران، الآية: 31.

[2] سورة العنكبوت، الآية: 69.

[3] سورة الأنفال، الآية: 23.

 

213


175

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

فإنّها لو فعلت ذلك فلا شكّ في أنّها ستكون ممّن هداهنّ الله تعالى، وسترتدي عندها الستر والحجاب، وتكون مصداقًا لقوله تعالى: ﴿فَٱذكُرُونِي أَذكُركُم﴾[1]، وتكون قد صدقت مع الله، وأخلصت له، فهداها تبارك اسمه، ولم تكن ممّن قال عنه تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَىٰهُم أَنفُسَهُم أُوْلَٰئِكَ هُمُ ٱلفَٰسِقُونَ﴾[2]، أو ممّن قال عنه سبحانه: 
﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنٗا﴾[3]، أو ممّن قال عنه: ﴿قُل هَل نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخسَرِينَ أَعمَٰلًا ١٠٣ ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعيُهُم فِي ٱلحَيَوٰةِ ٱلدُّنيَا وَهُم يَحسَبُونَ أَنَّهُم يُحسِنُونَ صُنعًا﴾[4].

 


[1]  سورة البقرة، الآية: 152.

[2] سورة الحشر، الآية: 19.

[3] سورة فاطر، الآية: 8.

[4] سورة الكهف، الآيتان: 103-104.

 

214


176

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

لا أتحمَّل الحرّ:

يثقل على بعض النساء ارتداء الحجاب في وقت الحرّ، ويسبّب لهنّ ذلك نوعًا من المشقّة أحيانًا، وتتعلّل بعض النساء بهذا الأمر، جاعلةً منه سببًا لترك الحجاب.

•| الجواب |•

أولًا: إنّ هذا القول لا يخلو من مبالغة، حيث توجد ملابس للمرأة المحجّبة تناسب الحرّ وفصل الصيف، بل قد تحميها من أشعة الشمس وحرارتها.

ثانيًا: إنّ القدرة على التحمّل في أيّ أمر من الأمور تأتي من القناعة به، والتفكير في الفائدة والنفع الذي يعود على صاحبه من القيام به، فنحن نرى الكثير من الناس يتحملون مشقّة الكثير من الأعمال لأجل الربح الذي يكتسبونه من وراء العمل، والأهل يتحمّلون عناء تربية أبنائهم في سبيل أن يكونوا امتدادًا لهم واستمرارًا لوجودهم، وهكذا في بقية الأمور، فلو أنّ هذه المرأة استحضرت فوائد الحجاب وقيمته وثوابه عند الله تعالى، لارتفع منسوب التحمّل لديها وضحّت بقليل من الحرّ في سبيل ذلك.

 

ثالثًا: إنّ الأجر على قدر المشقّة، و«أفضل الأعمال أحمزها»، كما نسب إلى رسول الله [1] (صلى الله عليه وآله)؛ أي أشدّها.

 


[1] الري شهري، ميزان الحكمة، ج 3، ص 2126.

 

215


177

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أفضل الأعمال ما أكرهتَ عليه نفسك»[1].

وقد حكى الله تعالى في كتابه الكريم عن بعض التاركين لبعض التكاليف الإلهيّة بسبب المشقّة، وهم المتخلّفون عن الجهاد والتاركون له بسبب شِدّة الحرّ، فذمّهم على ذلك، وحذّرهم عذابه بقوله سبحانه: ﴿وَقَالُواْ لَا تَنفِرُواْ فِي ٱلحَرِّ قُل نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّٗا لَّو كَانُواْ يَفقَهُونَ ٨١ فَليَضحَكُواْ قَلِيلٗا وَليَبكُواْ كَثِيرٗا جَزَاءَ بِمَا كَانُواْ يَكسِبُونَ﴾[2].

وهو تنبيه من الله تعالى لعباده رأفةً بهم، فهو يحذّرهم من أن يحترزوا من مشقّة قليلة، فيقعوا في مشقّة كبيرة وعذاب أبدي، بسبب شهوة يطلبونها من شهوات الدنيا الفانية، تغرّهم وتخدعهم. وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وكم من شهوةِ ساعةٍ أورثت حزنًا طويلًا»[3].

فلْتفكِّر هذه المرأة في ما أعدّه الله تعالى من جزيل ثوابه لمن أطاعه في الدنيا، وصبر على أداء الطاعات وترك المحرّمات، ولتعلم أنّ الله لا يضيع عمل عامل من عباده، وأن كلّ ما تأتي به هو بعين الله تعالى، لتهون عندها كلّ هذه المشقّات، بل وتشعر بلذّة طاعته سبحانه، التي تصغر في جنبها كلّ أنواع البلاء، مهما كان شاقًّا أو صعبًا.

 

 


[1] الري شهري، ميزان الحكمة، ج 3، ص 2126.

[2]  سورة التوبة، الآيتان: 81 - 82.

[3] الكلينيّ، الكافي، ج 2، ص 451.

 

217


178

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

لا أحبّ الحجاب:

تتذرّع بعض النساء بتركها الحجاب والستر بقولها: لا أحبّ الحجاب. وكأنها بذلك تجد لنفسها عذرًا في تركه.

•| الجواب |•

إنَّ محبَّة الشيء تنشأ لدينا من معرفتنا وعلمنا واستحضارنا لمنافعه وفوائده، بحيث نجد في ذلك الشيء كمالًا نسد به ما عندنا من النقص، فنحن نحب المال لما نرى فيه من فائدة وكمال نسد به ما لدينا من نقص في امتلاك الأشياء بوساطته، وهكذا في سائر الأشياء التي نحبها أو نطلبها أو نتمنى الحصول عليها.

ولَمَّا كان الإنسان بطبيعته لا يمكن أن يكره شيئًا يوافق الفطرة وفيه الخير والصلاح له، لو تنبّه لذلك حقًّا، فنحن نسأل هذه الفتاة: لماذا لا تحبين الحجاب، والحال أنّه واجب افترضه الله تعالى عليك ِ وعلى كل فتاة؟! لماذا لا تحبينه، والحال أنّه يعطي لإنسانيتك قيمة خاصّة، لا مكان فيها للغرائز والشهوات؟! لماذا لا تحبينه، والحال أنّه يظهر جمالك وطهرك وعفتك؟ لماذا لا تحبينه، والحال أنّه يصون المجتمع من الانحراف، ويحفظ الأسرة ويقوي من العلاقةبين الرجل والمرأة في مكانها الصحيح؟! لماذا لا تحبينه، والحال أنّه يحدّ

 

219


179

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

من الاختلاط السلبي والعلاقات غير المشروعة؟ لماذا لا تحبينه، والحال أنّه يمثّل هويتك الدينية، وعنوان انتمائك إلى الإسلام؟!

وعلى كل حال؛ فإنّ على هذه المرأة الالتفات إلى أنّ الله تعالى يأمرنا أن نربّي أنفسنا على الحبّ في الله والبغض في الله تعالى، وأن نجعل ذلك ميزانَ أعمالنا.

وعلى الإنسان أن يؤدّي ما أمره الله تعالى به، وأن يبحث عن طاعته، ويعلم بأنّ في ذلك الخيرَ والمصلحةَ له، حتّى لو لم يكن محبوبًا له. فهناك الكثير من الأمور التي قد نراها في ظاهرها غير محبوبة، ولكنّ الخير كلَّ الخير فيها. يقول تعالى: ﴿وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّواْ شَي‍ٔٗا وَهُوَ شَرّٞ 
لَّكُم وَٱللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لَا تَعلَمُونَ﴾[1].

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ما خيرٌ بخيرٍ بعده النار، وما شرٌّ بشرٍّ بعده الجنّة»[2].

إنّ هذه المسألة تعطي مؤشّرًا سلبيًّا، لا بدّ للإنسان من أن يلتفت إليه في ما ينبغي له من توطين النفس على طاعة الله تعالى، وتعلّق القلب في ما يحبّ ويرضى.

 

 


[1] سورة البقرة، الآية: 216.

[2]  نهج البلاغة، الحكمة رقم: 387.

 

220


180

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

فعن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: «كلُّ مَن لم يحبّ على الدين، ولم يبغض على الدين، فلا دين له»[1].

لا أحبّ المحجّبات:

نسمع من بعض النساء اللّواتي تركنَ الحجاب أنّهنّ لم يرتدينَ الحجاب، بسبب أنّهنّ لا يحبِبْنَ المحجّبات، وربّما تبرّر بعضهنّ ذلك بسبب ما تراه- أحيانًا- من أفعال سيّئة تصدر عن بعض المرتديات للحجاب.

•| الجواب |•

لا بدّ هنا من تسجيل بعض الملاحظات:

أوّلًا: ما تقوم به بعض المحجّبات هو فعل سيّئ ينحصر ببعضهنّ، وليس جميعهنّ. وعليه، فلا بدّ من الانتباه إلى عدم التعميم بالقول: إنّ المحجّبات يقمن بتصرّفات سيّئة.

ثانيًا: إنّ النساء المحجّبات هنّ صنف من هؤلاء البشر، لسن معصومات عن الزلل والخطأ، وبالتالي يمكن أن تصدر منهنّ هفوات وتصرّفات سيّئة، كما تصدر من أيّ إنسان آخر. ولو كانت تصرّفات الآخرين السيّئة- وهم غير معصومين- عذرًا لغيرهم وحجّةً يحتجّون بها لتبرير الأفعال السيّئة، لم يبقَ من أهل الفعل الحسن إلّا القليل؛ إذ إنّ معظم الناس، حتّى بعض مَن هم من

 


[1] الكلينيّ، الكافي، ج 2، ص 127.

 

221


181

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

أهل الصلاح، قد نجد لهم- أحيانًا- فعلًا سيّئًا أو قبيحًا، فهل نترك الصلاة- مثلًا- لأنّ بعض المصلّين يكذبون، أو نترك الحج لأنّ بعض الحجاج لا يوفون 

 

222


182

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

بعهودهم، أو نترك الإنفاق لأنّ بعض المتصدّقين يفعلون ذلك رياءً وسمعة... وهكذا، فلا يبقى- حينئذٍ- فعل من أفعال الخير إلّا وللإنسان عذر في تركه، بسبب أنّ بعض مَن يقوم به بدرت منه تصرّفات سيّئة. ومن الواضح أنّ هذا لا يقبله منطق ولا عقل ولا إنسان منصف أو سويّ.

ثالثًا: لماذا لا نعكس هذا الكلام ونقول: أنا لا أحبّ غير المحجّبات؛ وذلك لأنّ العديد منهنّ يقمن بتصرّفات سيّئة وقبيحة، أو منافية للعفّة- أحيانًا-...، فيكون ذلك داعيًا إلى الستر والحجاب؟

رابعًا: إنّ على الإنسان أن ينظر إلى نفسه، ويؤدّي ما عليه من التكاليف الإلهيّة الربّانيّة، ولا علاقة له بفعل غيره إلّا بمقدار ما يفرضه عليه الواجب الشرعيّ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهداية الناس نحو الطريق الصحيح. قال تعالى: ﴿يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيكُم أَنفُسَكُم لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهتَدَيتُم إِلَى ٱللَّهِ مَرجِعُكُم جَمِيعٗا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ﴾[1].

وقال سبحانه: ﴿مَّنِ ٱهتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهتَدِي لِنَفسِهِۦ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزرَ أُخرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبعَثَ رَسُولٗا﴾[2].

 

 


[1] سورة المائدة، الآية: 105.

[2] سورة الإسراء، الآية: 15.

 

223


183

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «طوبى لمَن شغله خوفُ الله عزّ وجلّ عن خوف الناس، طوبى لمَن منعه عيبُه عن عيوب المؤمنين من إخوانه»[1]. وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَن نظر في عيب نفسه، اشتغل عن عيب غيره»[2].

خامسًا: إنّ على من ينتقد غيره على فعل من الأفعال، وهو صادقٌ في انتقاده، أن يقدِّم نموذجًا صحيحًا وسليمًا يعبّر عن حقيقة ذلك الفعل، وما يطلبه الله سبحانه وتعالى منه.

فالمرأة التي تنتقد تصرّفات غيرها من النساء المحجّبات، عليها أن تقدّم، من خلال حجابها، النموذج الصحيح والسليم، والسلوك الصحيح الذي أمر الله تعالى ورسوله به، لا أن تتهرّب من أداء هذا الواجب الإلهيّ وتعصي الله تعالى بذريعة وحجّة فعل غيرها.

وفي الروايات ما يفيد الإنسان في ما ينبغي له أن يحبّ من الناس أويكره:

فعن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إذا أردتَ أن تعلم أنّ فيك خيرًا، فانظر إلى قلبك، فإن كان يحبّ أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته، ففيك خير، والله يحبّك، وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحبّ أهل معصيته، فليس فيك خير، والله يبغضك، والمرء مع مَن أحبّ»[3].

 


[1]  الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 15، باب 36 من أبواب جهاد النفس، حديث 2.

[2] المصدر نفسه، حديث 7.

[3] الكلينيّ، الكافي، ج 2، ص 126127.

 

 

224


184

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

فإن كانت هذه المرأة تكره هؤلاء المحجّبات لحجابهنّ مع ما عليه بعضهنّ من الالتزام الدينيّ والتقوى، وتحبّ غيرهنّ من أهل السفور مع ما عليه بعضهنّ من الفسق والفجور، فلتعرف أين وضعت نفسها، ومع مَن هي!

 

وإن كانت تكرههنّ لأنّهنّ يقمنَ بفعل سيّئ، فلا ينبغي أن تقابل ذلك بفعل سيّئ آخر أيضًا، فالفساد لا يُدفع بالفساد، والسوء لا يُدفع بالسوء. قال تعالى: ﴿ٱدفَع بِٱلَّتِي هِيَ أَحسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ نَحنُ أَعلَمُ بِمَا يَصِفُونَ﴾[1].

 

وعلى أيّ حال، فإنّ بغض المحجّبات لحجابهنّ، أو عدم محبّتهنّ لأجل ذلك، لن يعود على صاحبه إلّا بالنقص والشين، وعلى المحجّبات إلّا بالسموّ والرفعة، وقد ورد عن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: «حبّ الأبرار للأبرار ثوابٌ للأبرار، وحبّ الفجّار للأبرار فضيلةٌ للأبرار، وبغض الفجّار للأبرار زَينٌ للأبرار، وبغض الأبرار للفجّار خِزيٌ على الفجّار»[2].

 


[1] سورة المؤمنون، الآية: 96.

[2]  الكلينيّ، الكافي، ج 2، ص 640.

 

226


185

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

عندما أصبح كبيرة أتحجّب:

نسمع كثيرًا من الفتيات والنساء عندما يُسألن عن عدم ارتداء الحجاب، أنّ الواحدة منهنّ تجيب: عندما أكبر أتحجّب، أو لا زلتُ صغيرةً، وعندما أكبر ألتزم به، إن شاء الله.

•| الجواب |•

إنّ من نتائج وآثار طول الأمل في الحياة، هو تسويف العمل، وتأخير القيام به في وقته إلى وقت آخر، وهو أمر يُبتلى به الإنسان بشكل عامّ في جميع أموره، حيث يقوم بتأجيلها وتأخيرها إلى وقت آخر.

وقد جاء في دعاء أبي حمزة الثُماليّ (رضوان الله عليه): «وأعِنّي بالبكاء على نفسيّ، فقد أفنيت بالتسويف والآمال عمري».

إنّ النتيجة الطبيعيّة للتسويف الناتج عن طول الأمل، هي التقصير في العمل، الذي يعقبه الندم بعد ذلك. وفي هذا السياق ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: «من أطال الأمل أساء العمل»[1].

فماذا لو لم يتمكّن الإنسان من علاج وإصلاح ما أفسده بعد ذلك. ألا يترك ذلك شعورًا

 


[1]  نهج البلاغة، الحكمة رقم: 36.

 

227


186

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

بالإحباط قد يصل بالإنسان إلى درجة اليأس من رحمة الله الواسعة- والعياذ بالله تعالى-؟

وماذا لو لم يكبر أو يعمّر هذا الإنسان، وفاجأه أجله؟ فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: «من جرى في عِنان أمله، عَثَرَ بأجله»[1].

وفي وصيّة الإمام زين العابدين (عليه السلام) لولده الإمام الباقر (عليه السلام): «فإيّاك والأمل الطويل، فكم من مؤمّلٍ أملًا لا يبلغه»[2].

وفي وصيّة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لبعض أصحابه: «فتدارك ما بقي من عمرك، ولا تقل غدًا وبعد غدٍ، فإنّما هلك من كان قبلك بإقامتهم على الأمانيّ والتسويف، حتّى أتاهم أمر الله بغتةً وهم غافلون»[3].

ثم إنّنا نسأل هذه المرأة عمّا يعنيه قولهُا: عندما أكبر أتحجّب؟ فهي تُذعن- إذًا- بوجوب الحجاب عليها، ولا تنكره، إلّا أنّها تريد تأخير الالتزام به إلى سنٍّ متأخِّرة، فما هو السبب في ذلك؟ هل تريد من هذا القول إنّها الآن ترغب في إبراز مفاتنها ومحاسنها أمام الرجال، لتكون سببًا في تحريك غرائزهم وشهواتهم، حتّى إذا كبرت وشاخت ولم يعد للرجال فيها مطمع ومطمح، عندها تلتزم بالستر والحجاب؟! أم ماذا؟!

 


[1] نهج البلاغة، الحكمة رقم: 18.

[2] الخزاز القمّي، كفاية الأثر، ص 240.

[3] الكلينيّ، الكافي، ج 2، ص 136.

 

229


187

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

هكذا خلقني الله:

لو أرادني الله أن أكون محجّبة لخلقني كذلك. بهذا أجابت إحدى النساء عندما تناولت موضوع الحجاب.

•| الجواب |•

الصحيح هو أنّ الله تعالى لم يخلق المرأة دون حجاب فحسب، وإنّما خلقها دون لباس كبقيّة أفراد الإنسان، بل والحيوان أيضًا. ولا شكّ في أنّ هذه المرأة لا تريد أن تجد مبرّرًا لها للتعرّي أيضًا، فإنّ من مميّزات المجتمع الإنسانيّ اللّباس الذي يعدّ زينة وسترًا.

ولو أنّ ما خلقنا الله تعالى عليه من حال أو صفة، لنا فيه عذر لترك وظائفنا وواجباتنا، لكان لنا أن نترك العلم ونبقى على جهلنا؛ لأنّ الله تعالى خلقنا جاهلين لا عالمين، ولكان لنا أن نترك السعي لكسب المال وغيره من الملك؛ لأنّه سبحانه خلقنا من دونه، ولكان لنا أن لا نقوم بأيّ دور في هذه الحياة، حيث كنّا نسعى لتحقيق ما نجد من أنفسنا أنّها فاقدة له في أصل وجودنا!

ومن الواضح أنّ عاقلًا من العقلاء لا يقبل هذا الكلام، الذي فيه دمار الفرد والمجتمع البشريّ بأكمله.

 

230


188

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

فالصحيح- إذًا- أن نعرف كيفيّة الوصول إلى ما أراده الله تعالى منّا لبلوغ كمالنا الإنسانيّ، وذلك بالرجوع إلى كتاب الله تعالى وسنّة نبيّه وأهل بيته (عليهم السلام)، ومن خلالها يتبيّن ما يريده الله منّا، وما أوجبه علينا، وما نهانا عنه، ولا شكّ في أنّ الحجاب والستر على المرأة هو أحد هذه الواجبات التي أمر الله تعالى بها.

 

 

231


189

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

لقد اعتدتُ أن أبقى بلا حجاب:

يصعب على الإنسان الذي اعتاد أمرًا من الأمور أن يتركه بسهولة أحيانًا، فإنّ العادة طبع ثانٍ، كما عن أمير المؤمنين (عليه السلام)[1]، وهذا ما قد تواجهه بعض النساء، أو تجده عذرًا لها في تركها الستر والحجاب مدّةً من الزمن.

•| الجواب |•

إنّ العادة- في الحقيقة- تنشأ من تَكرار الفعل الصادر من الإنسان. ومهما كان الأمر صعبًا وراسخًا في النفس، فإنّ بإمكان الإنسان تغييره إذا ما نوى حقًّا، وجاهد نفسه مرّة بعد مرة. ففي البداية، يجد الإنسان هذا الأمر صعبًا، لكنّه- بالتوكّل على الله تعالى، ومزاولة الفعل وتَكراره- يسهل عليه، حتّى يعتاد عليه، ويصدر عنه بسهولة ورضى من النفس ولذّة في طاعة الله تعالى.

قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِم﴾[2]، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «غالِبوا أنفسكم على ترك العادات تَغلِبوها، وجاهدوا أهواءكم تَملِكوها»،

 

 


[1] الري شهري، ميزان الحكمة، ج 3، ص 2190.

[2] سورة الرعد، الآية: 11.

 

232


190

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

وعنه (عليه السلام): «غيّروا العادات تسهل عليكم الطاعات»[1].

فمهما كان الأمر مستحكمًا وتغييره صعبًا، إلّا أنّ ذلك ليس بمستحيل، والعلم والتجربة شاهدان على ذلك، فالسلوك يتحوّل إلى عادة بتَكرر العمل والمداومة عليه.

وقد يتوهم الإنسان أنّ الأعمال العبادية والواجبات الشرعيّة شاقّةً وصعبة، إلّا أنّ الأمر على عكس ذلك تمامًا، فالشريعة التي جاء بها النبيّ (صلى الله عليه وآله) سمحة سهلة، ليس فيها عسر ولا حرج، وإنّ أشدّ التكاليف الشرعيّة صعوبةً ومشقّةً عندما يأتي بها الإنسان يجدها سهلة وهيّنة.

وحتّى لو قلنا إنّ بعض التكاليف صعب وشديد على الإنسان، إلّا أنّ الإنسان الذي أتى بالصوم وترك أكثر الملذّات والشهوات من الصباح إلى الغروب تقرّبًا إلى الله تعالى، ومن بين تلك الأمور الطعام والشراب، الذي لا يقدر الإنسان أن يعيش دونهما، يمكنه أن يترك أيّ شيء لا يرقى إلى مستواهما من الأهمّيّة إذا ما نوى حقًّا وكان عازمًا على ذلك.

فعلى المرأة أن تعتبر بهذا الأمر، وتقوم بارتداء الحجاب؛ لترى أنّ الأمر في غاية السهولة، وسوف ترى بأمّ عينها كيف أنّ الله تعالى سيساعدها ويعينها ويوفّقها ويهوّن عليها ذلك،

 


[1] الري شهري، ميزان الحكمة، ج 3، ص 2190.

 

233


191

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

حتّى يصبح عملًا محبوبًا، تجد في التضحية من أجله لذّةً وسرورًا، أكثر ممّا تجده حينما تضحّي بأمرٍ من الأمور الدنيويّة، قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلمُحسِنِينَ﴾[1].

 


[1]  سورة العنكبوت، الآية: 69.

 

 

234


192

الفصل الرابع: أسباب طبّيّة

«بدي فِش خلقي أوّل شي»:

تجد بعض الفتيات عذرًا وسببًا لهنَّ في ترك الحجاب بالقول: «بدّي فِش خلقي أوّل شي، وبعدين بتحجّب»، أو قد يجد لها آخرون مثل هذا العذر- مع الأسف- فيقولون لها: «فِشّي خلقك وبعدين بتتحجّبي»، أو يقال عنها: «خلّيها تفشّ خلقها»، وأمثال ذلك من الكلمات المشابهة.

•| الجواب |•

هذه الكلمات تنمّ عن توجّه غرائزيّ شهوانيّ، يراد من خلاله التنفيس عمّا في داخل هذه الفتاة من حبّ إظهارها لمفاتن جسمها، ولفت أنظار الرجال إليها، وإثارة شهواتهم، والرغبة في أن تعيش هذه اللّحظات الغرائزيّة، حتّى لو كان على حساب طاعة الله ورضوانه، مَعَ ما فيه من حطٍّ لمكانتها وقيمتها الإنسانيّة إلى مهابط الشهوة والغريزة.

ولا شكّ في أنّ ذلك أمر لا تُحمَد عُقباه، حيث يبدأ بترك الحجاب، وقد لا ينتهي إلّا بارتكاب العديد من المحرّمات، على قاعدة «فشّة الخلق».

ومن المعلوم أنّ تراكم السيئات والأفعال القبيحة على قلب الإنسان، يسوّد القلب ويبعده عن الله تعالى، ويصبح كالصدئ، ويُعمي على الإنسان معرفة الخير والشر، قال

 

235


193

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

تعالى: ﴿كَلَّا بَل رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكسِبُونَ﴾[1].

إنّ «فشّة الخلق» حالة نفسيّة تُصيب الإنسان عندما يكون لديه نقمة أو غضب، أو يحمل مشاعر سلبية تجاه أمر ما، فيدفعه إلى اتخاذ منحى سلوكي يتحدّى فيه الأشياء الممنوعة أو المحظورة، مفرغًا بذلك هذا الانفعال الداخليّ بصورة متفلّتة من القيود والضوابط التي يمليها عليه عقله ودينه والتزامه.

ومن الواضح أنّ أولى عواقب هذا السلوك الخاطئ التي تظهر لاحقًا هي الندم، لكونه تصرّفًا وقع تحت ضغط نفسيّ شديد، لا يكون فيه الإنسان في حالته الطبيعيّة التي تُملي عليه اتخاذ المواقف الصائبة والمفيدة.

فعلى المرأة أن تبادر إلى معرفة أسباب هذا الاحتقان في داخلها، فقد تعود إلى عدم الفهم الصحيح لهذا الواجب الإلهيّ ولفوائده التي ترجع إلى المرأة في عاجلها وآجلها، وقد تكون أسبابًا نفسية كامنة، أو اجتماعيّة تأثّرت بها، أو تربوية نشأت عليها...

ثمّ تسعى إلى علاج ذلك بالطرق المناسبة، بدلًا من أن تنفّس عنه بـ:«فشّة الخلق».

 


[1] سورة المطففين، الآية: 14.

 

236


194

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

الحجاب مسؤوليّة، ولستُ بقدرها:

أجابت إحدى النساء عند سؤالها عن سبب عدم ارتداء الحجاب: إنّ الحجاب مسؤوليّة، وأنا لستُ بقدرها، في محاولة لإيجاد عذر وسبب لتركه.

•| الجواب |•

هذه الكلمة يمكن النظر إليها من جهتين:

الجهة الأولى: كون الحجاب مسؤوليّة. ولا شكّ في أنّ هذه الكلمة قيّمة وجيّدة. فإنّ الإنسانة الملتزمة عليها أن تتعاطى مع كلّ الوظائف والواجبات بمثل هذه الروحيّة والنظرة المسؤولة، فقد جاء عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «قيمة كلّ امرئٍ ما يحسنه»[1]، وبذلك يمكن أن تعكس الصورة الصحيحة للإنسانة المؤمنة والملتزمة، «كونوا زينًا، ولا تكونوا شَينًا»[2].

والجهة الثانية: كون المرأة ليست بقدر هذه المسؤوليّة. فهذا في الحقيقة من عجز قائلتها، المذموم والمستنكَر، فلماذا ليست بقدر هذه المسؤوليّة، مع أنّ الله تعالى يقول: ﴿لَا يُكَلِّفُ 
 


[1] المجلسي، بحار الأنوار، ج 72، ص 384.

[2] المرجع نفسه، ج 75، 348.

 

237


195

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

ٱللَّهُ نَفسًا إِلَّا وُسعَهَا﴾[1]، ويقول سبحانه: ﴿يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱليُسرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلعُسرَ﴾[2]؟!

ولماذا لا تجرّب ذلك أو تحاول؟ فهناك الكثير من النساء المؤمنات الملتزمات على مرّ الزمان، اللواتي قدّمنَ من خلال حجابهنّ نموذجًا ومثالًا يحتذى به، وقدوة يُتأسّى بها، وتركنَ أثرًا طيّبًا في المجتمع الإنسانيّ.

ولا ينبغي للمرأة أن تنظر إلى أعلى الدرجات، وتطلب الحصول عليها دفعة واحدة، بل عليها أن تتدرّج في طلبها شيئًا فشيئًا، حتّى ترقى في مدارج العلم والعمل، بالتوكّل على الله تعالى وتوفيقه وهدايته.

 


[1] سورة البقرة، الآية: 286.

[2] سورة البقرة، الآية: 185.

 

238


196

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

أصبحت كبيرة، والحجاب صعبٌ عليّ:

عندما سئلت إحدى النساء التي تقدّمت في السنّ عن سبب عدم ارتدائها الحجاب، أجابت: أصبحتُ كبيرة الآن، ويصعب عليَّ في هذا العمر أن أرتديه.

•| الجواب |•

في الحقيقة، إنّ الإنسان إذا لم يتوجّه إلى التكاليف الإلهيّة في صِغَره وشبابه، فسيواجه صعوبة في أداء التكاليف عند كِبَر سنّه. لذلك، جعل الله تعالى الثواب العظيم للشابّ الذي يطيعه في شبابه، بل ويباهي به الملائكة. فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «إنّ أحبّ الخلائق إلى الله عزّ وجلّ شابّ حَدَثَ السنّ، في صورة حسنة، جعل شبابه وجماله لله وفي طاعته، ذلك الذي يباهي به الرحمن ملائكته، يقول: هذا عبدي حقًّا»[1].

وصحيح أنّ الأمر صعب، ولكنّه ليس بمستحيل، بل سيهون إذا عزمت وعملت بجدٍّ واجتهاد، وتوكّلت عليه سبحانه وتعالى، ولتنظر إلى النماذج الكثيرة التي التزمت بالستر والحجاب في سنٍّ متأخّرة، ولم يشكّل لها كبرُ السنّ أيّ عائق، بل على العكس، قد فتح لها آفاقًا جديدة، وأضفى على حياتها أجواء أخرى، وجدت فيها الأنس بالله، والاطمئنان القلبيّ، والراحة النفسيّة.

 


[1] الري شهري، ميزان الحكمة، ج 2، ص 1401.

 

239


197

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

أصبحت كبيرة، والحجاب صعبٌ عليّ:

عندما سئلت إحدى النساء التي تقدّمت في السنّ عن سبب عدم ارتدائها الحجاب، أجابت: أصبحتُ كبيرة الآن، ويصعب عليَّ في هذا العمر أن أرتديه.

•| الجواب |•

في الحقيقة، إنّ الإنسان إذا لم يتوجّه إلى التكاليف الإلهيّة في صِغَره وشبابه، فسيواجه صعوبة في أداء التكاليف عند كِبَر سنّه. لذلك، جعل الله تعالى الثواب العظيم للشابّ الذي يطيعه في شبابه، بل ويباهي به الملائكة. فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «إنّ أحبّ الخلائق إلى الله عزّ وجلّ شابّ حَدَثَ السنّ، في صورة حسنة، جعل شبابه وجماله لله وفي طاعته، ذلك الذي يباهي به الرحمن ملائكته، يقول: هذا عبدي حقًّا»[1].

وصحيح أنّ الأمر صعب، ولكنّه ليس بمستحيل، بل سيهون إذا عزمت وعملت بجدٍّ واجتهاد، وتوكّلت عليه سبحانه وتعالى، ولتنظر إلى النماذج الكثيرة التي التزمت بالستر والحجاب في سنٍّ متأخّرة، ولم يشكّل لها كبرُ السنّ أيّ عائق، بل على العكس، قد فتح لها آفاقًا جديدة، وأضفى على حياتها أجواء أخرى، وجدت فيها الأنس بالله، والاطمئنان القلبيّ، والراحة النفسيّة.

 


[1] الري شهري، ميزان الحكمة، ج 2، ص 1401.

 

239


198

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

وعلى المرأة أن تفكّر في أنّ الله سبحانه وتعالى قد أنعم عليها بالبقاء إلى أن كبُرت، ولا زالت في فسحة من الأجل، ويمكنها أن تراجع نفسها، وتتوب إلى ربّها، والله غفور رحيم. قال تعالى: ﴿أَلَم يَأنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَن تَخشَعَ قُلُوبُهُم لِذِكرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلكِتَٰبَ مِن قَبلُ فَطَالَ عَلَيهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَت قُلُوبُهُم وَكَثِيرٞ مِّنهُم فَٰسِقُونَ﴾[1]. ألم يكفِ هذا العمر الذي قضاه الإنسان في بُعدٍ عن الله تعالى؟! قال سبحانه: ﴿وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيكُم وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيلًا عَظِيمٗا﴾[2].

فعلى المرأة أن لا تستسلم أمام هذه الحالة النفسية السلبيّة التي تصوّر لها أنّها غير قادرة على الالتزام بالستر والحجاب، وتحاول أن تُصعّب الأمر عليها: ماذا ستقول عنكِ فلانة أو يقول عنكِ فلان؟ أو كيف ستتعاملين مع الأمر الفلانيّ؟ وما شابه من هذه الأوهام.

ولتفكّر في أنّ بقاءها على مخالفة أوامر الله سيزيد من معصيتها،فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: «ما من شيء أحبّ إلى الله تعالى من شابّ تائب، وما من شيء أبغض إلى الله تعالى من شيخ مقيم على معاصيه»[3]. فعلى الإنسان أن يتدارك ما بقي من عمره ولا ييأس من رحمة الله تعالى؛ ﴿إِنَّهُۥ لَا يَاْي‍َٔسُ مِن رَّوحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلقَومُ ٱلكَٰفِرُونَ﴾[4].

 


[1] سورة الحديد، الآية: 16.

[2] سورة النساء، الآية: 27.

[3] الري شهري، ميزان الحكمة، ج 2 ص 1401.

[4] سورة يوسف، الآية: 87.

 

240


199

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

ذنوبي كثيرة، عندما أتوب أتحجّب:

تعتذر بعض النساء عن ارتداء الحجاب بالقول: ذنوبي كثيرة، وإن شاء الله عندما أتوب فسوف أتحجب.

•| الجواب |•

ممّا يبعث على العجب من بعض الناس، أنّهم عندما يفعلون المعاصي يتركون الطاعات، فعوضًا من أن يبادروا إلى ترك المعصية، يقومون بترك الطاعة!! فهؤلاء يبعدون المسافة بينهم وبين التوبة، وربّما يُبتَلون بسوء العاقبة بسبب ذلك.

فالعاقل عندما يخسر في تجارته مثلًا، يسعى بكلّ جهده أن يحافظ على ما تبقّى من رأس ماله، ليستطيع بعد ذلك إكمال مسيرته التجاريّة.

وهذا هو الموقف الصحيح، فلا بدّ من أن يحافظ الإنسان على عمله الصالح، حتّى لو كان يصدر منه بعض الذنوب؛ لأنّ الطاعة تعينه على ترك المعصية، فمن يصلي ويذنب، هل يترك صلاته لأجل ذنبه، أم أنّ عليه أن يترك الذنب؟

فعلى مثل هذه المرأة التي ابتُليت بالذنوب والمعاصي، أن ترتدي الستر والحجاب، ثمّ تدعو الله تعالى أن يُعينها على ترك الذنوب الأخرى، وأن يوفّقها للتوبة، التي تتحقّق بالندم

 

242


200

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

ذنوبي كثيرة، عندما أتوب أتحجّب:

تعتذر بعض النساء عن ارتداء الحجاب بالقول: ذنوبي كثيرة، وإن شاء الله عندما أتوب فسوف أتحجب.

•| الجواب |•

ممّا يبعث على العجب من بعض الناس، أنّهم عندما يفعلون المعاصي يتركون الطاعات، فعوضًا من أن يبادروا إلى ترك المعصية، يقومون بترك الطاعة!! فهؤلاء يبعدون المسافة بينهم وبين التوبة، وربّما يُبتَلون بسوء العاقبة بسبب ذلك.

فالعاقل عندما يخسر في تجارته مثلًا، يسعى بكلّ جهده أن يحافظ على ما تبقّى من رأس ماله، ليستطيع بعد ذلك إكمال مسيرته التجاريّة.

وهذا هو الموقف الصحيح، فلا بدّ من أن يحافظ الإنسان على عمله الصالح، حتّى لو كان يصدر منه بعض الذنوب؛ لأنّ الطاعة تعينه على ترك المعصية، فمن يصلي ويذنب، هل يترك صلاته لأجل ذنبه، أم أنّ عليه أن يترك الذنب؟

فعلى مثل هذه المرأة التي ابتُليت بالذنوب والمعاصي، أن ترتدي الستر والحجاب، ثمّ تدعو الله تعالى أن يُعينها على ترك الذنوب الأخرى، وأن يوفّقها للتوبة، التي تتحقّق بالندم

 

242


201

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

على ما مضى، وإصلاح العمل، وترك العود إليه، ومن المؤكّد أنّ ارتداء الستر والحجاب عامل مساعد في هذا المجال، لما يضفيه من أجواء دينيّة تفرض على المرأة سلوكًا، يختلف عن سلوكها في حال تخلّيها عنه.

 

244


202

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

مش واقفة القصّة عالحجاب:

تقول بعض الفتيات التي تبرّر تركها ارتداء الحجاب: «مش واقفة القصّة عالحجاب». تشير بذلك إلى أنّ هناك من الأعمال ما هو أفضل، والحجاب ليس هو الأساس في علاقتها بربّها.

•| الجواب |•

إنّ الإيمان بالله تعالى والالتزام بطاعته بالنسبة للمرأة، لا يقف على ارتداء الحجاب فقط، بل كلّ ما افترضه الله تعالى وأوجبه عليها له أثره الخاصّ وأهميّته في طريق تكامل الإنسان والوصول إلى السعادة.

نعم، هناك بعض الواجبات أهمّ من بعض، إلا أنّ هذا لا يعني الإتيان بالأهمّ والاستخفاف بغيره، فإنّ الستر والحجاب من الوظائف والواجبات الإلهيّة التي يجب على المرأة الالتزام بها، فتركه وعدم ارتدائه بالقول: «القصّة مش واقفة عليه»، لا يعني إلّا الاستخفاف بأوامر الله تعالى والاستهانة بها.

 

245


203

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

وعندما يستخفّ الإنسان بشيء من الدين، فإنّه يستخفّ بالدين نفسه، وبالتالي يستخفّ بمشرّع أحكامه- والعياذ بالله- وهو الله سبحانه وتعالى: ﴿فَليَحذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَن 
أَمرِهِۦ﴾[1].

فالقول إنّ الالتزام بما أمر به الله تعالى لا يقف على الحجاب، يجب أن يترجم بأن الحجاب مطلوب مع ما يطلبه الله تعالى منّا من مسائل وتكاليف أخرى، لا أن يجعل ذلك مبررًا لترك الستر والحجاب.

 


[1] سورة النور، الآية: 63.

 

 

246


204

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

الحجاب- أحيانًا- أشدّ إثارةً من عدمه:

سمعنا من بعض من ينتقد الحجاب والستر أنّه يقول: إنّكم تدعون المرأة إلى الستر والحجاب، متذرّعين بأسباب عدّة، منها: إنّ المرأة- بجسدها- تحرّك الغرائز وتثير الشهوات، في الوقت الذي نجد فسه أنّ بعض المحجّبات يحرّكن غرائز الرجال- أحيانًا- أكثر مِن بعض مَن لا ترتدي الحجاب!

•| الجواب |•

إنّ كلمة «أحيانًا» توضّح السبب في طرح مثل هذه الكلمات؛ أي أنّ بعض النساء اللّواتي يرتدين الحجاب، يقمن بارتدائه بطريقة لا تتوفّر فيها الشروط الشرعيّة للستر، وهو ما يُعرَف بـ «حجاب الموضة»، وبالتالي لا يتحقّق أحد أهمّ أهداف الحجاب؛ أي الحدّ من الإثارة وتحريك الشهوة، بل يتحوّل- أحيانًا- إلى أحد مسبّباتها، وبشكل قد لا يوجد عند بعض النساء غير المحجّبات!

لكنّ ذلك يعود إلى مشكلة في الممارسة والتطبيق، الذي يعود فيما يعود إلى عدم وعي تلك المرأة لما تقوم به، والخلل في مدى التزامها وتديّنها وطاعتها لله تعالى، وعدم نظرتها إلى الحجاب كقيمة إنسانيّة، واتخاذ الحجاب كعادة، أو موديل من الموديلات، أو وقوعها

 

247


205

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

تحت تأثير الحرب الناعمة، وغير ذلك من أسباب ظاهرة «حجاب الموضة».

ولكن، لماذا لا يكون نظر من يتكلّم هذا الكلام إلى النموذج الصحيح للمرأة المحجّبة، وهي التي سترت نفسها بشكلٍ جيّد، أليس ذلك يحقّق الهدف من إعطاء المرأة المكانةَ اللّائقةَ بها كإنسانة، ويضبط الشهوات وتحريك الغرائز؟ فلماذا يتمّ التركيز على النموذج الخطأ، ويترك النموذج الصحيح والمضيء؟

 

248

 


206

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

أُسَرّ وألتذّ إذا نظر الرجال إليَّ:

هناك بعض الفتيات اللّواتي يشعرن بلذّة ومتعة خاصّة حينما يجتذبن أنظار الرجال إليهنّ، وهنّ لا يرغبنَ في ارتداء الحجاب؛ لأنّه سيمنعهن من كشف جسدهنّ، وبالتالي حرمانهنّ من الإحساس والشعور بهذه اللّذة الخاصة.

•| الجواب |•

تنطلق هذه الفتيات- كما هو واضح- في فعلهنّ هذا من بُعد غرائزي، يمثل أحد أبعاد الغريزة الجنسية عند الإنسان، حيث تظهر بصورة تصرفات تجذب الطرف الآخر إليها، وتُلفت النظر الشهواني إلى جسد المرأة ومحاسنها.

ومن الواضح أن إشاعة مثل هذا الجو السلبي في المجتمع يساهم في تحريك الغرائز وإثارة الشهوات، كما يقوم بتشجيع النساء الأخريات على القيام بهذا الفعل، ويجعل المرأة في محيط رخيص ومبتذل يهيّئ الأرضية للتمادي معها، بحيث ترتفع معه حالات الإساءة والتحرّش والاعتداء، وفي ذلك ضرر كبير على مكانة المرأة وشرفها، كونه يجعل أنوثتها هي عنوان حركتها في المجتمع وليس إنسانيتها، ولذلك تأثيره الكبير في نشر الفساد والانحراف، ويُحمّل المرأة مسؤولية كبيرة على هذا الصعيد، كونه من المعاصي العلنيّة التي لا تقف

 

249


207

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

عند فاعلها. فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ المعصية إذا عمل بها العبد سِرًّا لم يضرّ إلّا عاملها، فإذا عمل بها علانيةً ولم يُغيَّر عليه، أضرّت بالعامّة»، وعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) أنّه قال– معلِّقًا على هذه الرواية-: «وذلك أنّه يذلّ بعمله دين الله، ويقتدي به أهل عداوة الله»[1].

كما إنّه ينافي أهم صفتينمن الصفات النفسيّة والاجتماعيّة التي لا بدّ للمرأة من أن تتحلّى بهما، وهما صفتا العفّة والحياء، قال تعالى: ﴿وَأَن يَستَعفِفنَ خَيرٞ لَّهُنَّ﴾[2]. وهاتان الصفتان هما أكثر الصفات تعزيزًا لإنسانيّة المرأة وقيمتها، وتشكلّان الحماية والحصانة لها أمام الانزلاق في مهابط الشهوات والنزوات، التي يُراد اليوم للمرأة أن تكون المحرِّك الأساس لها في المجتمع، من خلال إبراز أنوثتها ومفاتنها.

ولست أدري أيّ قيمة تبقى للمرأة إن هي اختارت أن تصبح بهذا المستوى من التدنّي الشهوانيّ والغرائزيّ، والحال أنّها تدعو الناس إلى احترامها كإنسانة؟! فهل هي في فعلها هذا تقدّم صورة إنسانيّة عن المرأة وقيمتها أم ماذا؟!

 


[1] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 16، باب 4 من أبواب وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتحريم تركهما، حديث 1.

[2] سورة النور، الآية: 60.

 

250


208

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

كتبت الأخصّائيّة النفسيّة الشهيرة «بتيتنا أرندت» الحاصلة على الماجستير في علم النفس والتي تعمل في مجال الاستشارات الجنسيّة، وكتابة المقالات الصحفيّة، تقول: «إنّ ملابس المرأة المثيرة هي بمثابة «تحرّش جنسيّ بيولوجيّ» بالرجال، وإنّ ارتداء المرأة تلك الملابس هو بمثابة عنف نفسيّ ضدّ الرجل».

كما اعتبرت أنّ المرأة تمارس فعلًا يتّسم بالازدواجيّة والتناقض، عندما تقرّر ارتداء ملابس مثيرة وجاذبة، ثمّ تشتكي من انجذاب الرجال نحوها ونظرهم إلى جسمها.

واقترحت الأخصائيّة النفسيّة تعديل قوانين التحرُّش الجنسيّ، بحيث تكون ملزمة للنساء بارتداء ملابس لائقة وغير مستفزّة[1].

 


[1] راجع موقع: www.hijab-miss.blogspot.com.

 

251


209

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

الحجاب قرار شخصيّ:

بعض النساء عندما لا تريد الخوض في أسباب ترك الحجاب، تقول: إنّ هذا قرار شخصيّ، ومسألة تخصّني.

•| الجواب |•

تردّد كثير من الفتيات هذه الكلمة عندما تواجَه من قبل الآخرين بالسؤال عن سبب عدم ارتداء الحجاب، أو حتى ارتدائه، أو خلعه بعد ارتدائه أحيانًا.

فإذا كان المراد من أنّه «قرار شخصيّ» أنّ صاحبته هي التي ستتحمّل المسؤوليّة أمام الله تعالى يوم القيامة، في ما تختاره من أفعال وتقوم به من تصرّفات، فهذا صحيح، فإنّ ﴿كُلُّ نَفسِ بِمَا كَسَبَت رَهِينَةٌ﴾[1]، و﴿إِنَّمَا تُجزَونَ مَا كُنتُم تَعمَلُونَ﴾[2]، ﴿فَمَن يَعمَل مِثقَالَ ذَرَّةٍ خَيرٗا يَرَهُۥ ٧ وَمَن يَعمَل مِثقَالَ ذَرَّةٖ شَرّٗا يَرَهُۥ﴾[3].

وأمّا إذا كان المقصود من كونه قرارًا شخصيًّا، أنّها هي من تُقرّر إذا ما كان الستر والحجاب واجبًا أو لا، فهذا غير صحيح البتّة.

 


[1] سورة المدَّثر، الآية: 38.

[2] سورة الطور، الآية: 16.

[3] سورة الزلزلة، الآيتان: 7-8.

 

252


210

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

فإنّ مسألة تشريع الأحكام واعتبار هذا الأمر أو ذاك واجبًا أو لا، ليس بيد أحد من العباد، بل هو بيد الله تعالى وحده، لكونه الربّ والمشرِّع والحاكم وإليه يرجع الأمر كله.

وليس للإنسان الذي يصل إليه الحكم الشرعي في مسألة من المسائل، إلا أن يطيع أو يعصي، بحكم كونه مختارًا لم يجبره الله تعالى على أفعاله، دون أن يغيِّر شيئًا في واقع ذلك الحكم، وكونه واجبًا أو حرامًا.

فتحديد الحكم الشرعي ليس داخلًا في دائرة الحريّة الشخصية؛ لأنّ الحرية من الناحية الدينية أمر مبنيّ على أساس الالتزام بأوامر الله تعالى ونواهيه، لكونه مخلوقًا له وعبدًا له وحده، في قبال التبعيّة والخضوع والعبوديّة لغير الله تعالى كائنًا من كان. وليست الحريّة أن يكون حرًّا مقابل ربّه وخالقه، أيضًا لأنّ هذا يمثّل نوعًا من الاستقلاليّة التي تجعل من الإنسان مشرِّعًا ومقنِّنًا، ينازع الخالق في ربوبيته وتدبيره التشريعيّ لأمور عباده.

وربما يكون هذا القول صادرًا عن بعض الفتيات على سبيل العناد، أو الهروب من المواجهة، عندما لا تجد نفسها قادرة على تقديم الأجوبة المقنعة، أو تكون غير راغبة في الدخول في النقاش حول أمرٍ ما.

إلّا أنّ على هذه الفتاة أن تفتح قلبها لسماع الكلام الهادئ والمقنع، وتضع عنادها جانبًا، وتَعِي جيدًا أنّ الهروب لا يقدّم حلًّا لأي تصرف تريد القيام به، بل الحلّ أن تكون على ثقة

254

 


211

الفصل الخامس: أسباب شخصيّة ومتفرّقة

تامّة، بأنّ ما تتخذه من قرار هو القرار الصائب الذي ستنتفع منه في دنياها وآخرتها، ﴿بَلِ ٱلإِنسَٰنُ عَلَىٰ نَفسِهِۦ بَصِيرَةٞ ١٤ وَلَو أَلقَىٰ مَعَاذِيرَهُۥ﴾[1].

وفي الختام:

نتمنّى أن يكون هذا الكتاب على صِغَر حجمه، قد تناول بالعرض والمناقشة أهمّ الأسباب التي يُتذرّع بها لترك الستر والحجاب، وعالج- باختصار- أهمّ التساؤلات أو الشبهات المطروحة حوله، التي تُسمع من هنا أو هناك، وإذا كان ثمّة شيء قد فات منها، فبالإمكان الإجابة عنه من بعض ما تقدّم ذكره.

وكلّنا أمل أن تحظى هذه الكلمات بمحلّها من نفوس فتياتنا وأخواتنا الكريمات وعقولهنّ، وأن تكون هذه الجولة السريعة قد ساهمت في تثبيت التزامهنّ بدينهنّ، وزادت قناعتهنّ في هذا اللّباس الطاهر، ليتوجّهن بعدها إلى الاستزادة في العلم والمعرفة في أمور أخرى، تنفعهنّ في الوصول إلى الكمال الذي خُلقن لأجله، وهو القرب الإلهيّ، ونيل رضا الحقّ سبحانه وتعالى.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

 

 


[1] سورة القيامة، الآيتان: 14-15.

 

254


212

المصادر والمراجع

8- الجُزيري، عبد الرحمن، كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، تحقيق وتعليق وتخريج ودراسة: أحمد فريد المزيدي، محمّد فؤاد رشاد، المكتبة التوفيقيّة، القاهرة- مصر.

9- الجواهريّ، حسن، بحوث في الفقه المعاصر، دار الذخائر، الطبعة الأولى، بيروت- لبنان.

10- الجوهريّ، إسماعيل بن حمّاد، الصحاح: تاج اللّغة وصحاح العربيّة، تحقيق أحمد عبد الغفور عطّار، دار العلم للملايين، الطبعة الرابعة، بيروت- لبنان.

11- الحرّ العامليّ، الشيخ محمّد بن الحسن، وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق الشيخ عبد الرحيم الربانيّ الشيرازيّ، دار إحياء التراث العربيّ، الطبعة الخامسة، بيروت- لبنان.

12- الحكيم السيّد محسن الطباطبائيّ، مستمسك العروة الوثقى، مؤسّسة دار التفسير، الطبعة الأولى، قم- إيران.

13- الخزّاز القمّيّ الرازيّ، أبو القاسم عليّ بن محمّد بن عليّ، كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر، تحقيق السيّد عبد اللّطيف الحسينيّ الكوه كمريّ الخوئيّ، انتشار بيدار، قم- إيران.

14- الخوئي، السيّد أبو القاسم الموسويّ، البيان في تفسير القرآن، منشورات أنوار الهدى، قم- إيران.

 

257


213

المصادر والمراجع

الطبعة الأولى، بيروت- لبنان.

16- الري شهريّ، محمّد، ميزان الحكمة، دار الحديث، الطبعة الأولى، قم- إيران.

17- الزبيديّ الحنفيّ، الإمام محبّ الدين أبو فيض السيّد محمّد مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، دراسة وتحقيق عليّ شيري، دار الفكر، بيروت- لبنان.

18- الزركشيّ، الإمام بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله، البحر المحيط في أصول الفقه، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، بيروت- لبنان.

19- الزّمخشريّ الخوارزميّ، أبو القاسم جار الله محمود بن عمر، الكشّاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابيّ الحلبيّ وأولاده بمصر، عبّاس ومحمّد محمود الحلبيّ وشركاهم- خلفاء، الطبعة الأخيرة.

20- السيوطيّ، جلال الدين، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور، دار الفكر، بيروت- لبنان.

21- شمس الدين، الشيخ محمّد مهديّ، الستر والنظر، مسائل حرجة في فقه المرأة، الكتاب الأوّل، مؤسّسة المنار، قم- إيران.

 

 

259


214

المصادر والمراجع

22- الشيرازيّ، إبراهيم بن علي، الإمام أبو إسحاق، اللُّمع في أصول الفقه، عالم الكتب، الطبعة الثانية، بيروت- لبنان.

23- الصدوق، الشيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ، الأماليّ، مؤسّسة البعثة، الطبعة الأولى، قم- إيران.

24- الصدوق، الشيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ، كتاب التوحيد، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدسة، الطبعة السادسة، قم- إيران.

25- الصدوق، الشيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ، كتاب الخصال، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقم المقدسة، الطبعة الخامسة، قم- إيران.

26- الصدوق الشيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ، من لا يحضره الفقيه، دار الكتب الإسلاميّة، الطبعة الخامسة، طهران- إيران.

27- الصنعانيّ، أبو بكر، عبد الرزّاق بن همّام، المصنّف، تحقيق حبيب الرحمن الأعظميّ، الطبعة الأولى، نشر المجلس العلميّ- جنوب أفريقيا.

28- الطريحيّ، الشيخ فخر الدين، مجمع البحرين، تحقيق السيّد أحمد الحسينيّ، المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة، الطبعة الأولى، طهران- إيران.

 

 

260


215

المصادر والمراجع

29- الطباطبائيّ، السيّد محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسّسة إسماعيليان، الطبعة الخامسة، قم- إيران.

 

30- الطبرسيّ، أمين الإسلام أبو عليّ الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، منشورات مؤسّسة الأعلميّ، الطبعة الأولى، بيروت- لبنان.

 

261

 


216

المصادر والمراجع

31- الطوسيّ، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن، تهذيب الأحكام، دار الكتب الإسلاميّة، الطبعة الرابعة، طهران- إيران.

32- الطوسيّ، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن، الأماليّ، تحقيق قسم الدراسات- مؤسّسة البعثة، نشر دار الثقافة، الطبعة الأولى، قم- إيران.

33- الغرناطي، الإمام محمّد بن أحمد بنجزيّ، التسهيل لعلوم التنزيل، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت- لبنان.

34- الفخر الرازيّ، أبو عبد الله محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التَيميّ الرازيّ، التفسير الكبير أو مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربيّ، الطبعة الثالثة، بيروت- لبنان.

35- الفراهيديّ، الخليل بن أحمد، أبو عبد الرحمن، كتاب العين، مؤسّسة دار الهجرة، الطبعة الثانية، قم- إيران.

36- قاضي، فاطمة، حجاب دختران، (فارسي)، انتشارات كلستان أدب، الطبعة الأولى، قم- إيران.

37- الكلينيّ الرازيّ، أبو جعفر محمّد بن يعقوب، الكافي، دار الكتب الإسلاميّة، الطبعة الخامسة، طهران- إيران.

 

 

262


217

المصادر والمراجع

38- المجلسيّ، الشيخ محمّد باقر، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، دار إحياء التراث العربيّ، الطبعة الثالثة المصحّحة، بيروت- لبنان.

39- المصطفويّ، حسن، المحقّق العلّامة المفسِّر، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، مركز نشر آثار العلّامة المصطفويّ، الطبعة الأولى، طهران- إيران.

40- المطهريّ، الشهيد مرتضى، مسألة الحجاب، الدار الإسلاميّة، الطبعة الثانية، بيروت- لبنان.

41- مغنيّة، محمّد جواد، الفقه على المذاهب الخمسة، دار الجواد- دار التيار، الطبعة الثامنة، بيروت- لبنان.

42- مكارم الشيرازيّ، الشيخ ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مؤسّسة البعثة، الطبعة الأولى، بيروت- لبنان.

43- موسوعة الإمام الخوئي، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي {، الطبعة الثالثة، قم- إيران.

44- النّوريّ الطبرسيّ، الميرزا حسين، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، مؤسّسة آل البيت لإحياء التراث، الطبعة الأولى، بيروت- لبنان.

 

 

263


218

المصادر والمراجع

45- الهنديّ، علاء الدين عليّ المتّقي بن حسام الدين، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، مؤسّسة الرسالة، بيروت- لبنان.

46- مجموعة من مواقع الإنترنت.

 

 

264


219
٥٧ سبباً لترك الحجاب