المقدّمة
المقدّمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد المرسَل بدينه رحمةً للعالمين، وآله الهداة الطيّبين الطاهرين.
إنّ الله تعالى مفيض الوجود، ومدبِّر أمر مخلوقاته، والآمر والناهي، الفاعل لما يشاء في مملكته ﴿وَلِلَّهِ مُلۡكُ
ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡء قَدِيرٌ﴾[1]؛ لذا كان له حقّ الطاعة والعبادة، فالإنسان مأمور في ساحة سلطانه ومولويّته، بل إنّ سعادته وكماله في طاعته وشكره ﴿وَإِن تُطِيعُوهُ تَهۡتَدُواْۚ﴾[2]، وفي عصيانه والتمرّد على أوامره سبحانه شقاءه وهلاكه ﴿يَوۡمَئِذ
[1] سورة آل عمران، الآية 189.
[2] سورة النور، الآية 54.
7
1
المقدّمة
يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ ٱلرَّسُولَ لَوۡ تُسَوَّىٰ بِهِمُ ٱلۡأَرۡضُ وَلَا يَكۡتُمُونَ ٱللَّهَ حَدِيثا﴾[1].
من هنا، كان على العباد تأدية تكاليفهم في جميع المجالات الحياتيّة وجوانبها المختلفة، سالكين صراطه المستقيم، متّبعين دينه القويم من غير انحرافٍ عنه يُمنةً ولا يُسرة، بفعل الطاعات كلِّها، وتَرْك المـُنهَيات جميعها.
انطلاقاً من هذا المبدأ، مبدأ الطاعة وأداء التكليف، جاء هذا الكتاب «ولا تعتدوا»، من سلسلة زاد الواعظ، حاوياً لبعض الصفات والمفاهيم التي ينبغي على الإنسان أن يعمل على تحصيل الحسن منها واجتناب السيّء، استناداً إلى الآيات القرآنيّة والأحاديث الشريفة، كي يحفظ نفسه وإخوانه ويصون مجتمعه وبيئته، راجين من المولى القدير، أن يجعله خطوة من خطوات الصلاح والهداية.
مركز المعارف للتأليف والتحقيق
[1] سورة النساء، الآية 42.
8
2
الموعظة الأولى: صفات الشيعة وخصائصهم
الموعظة الأولى: صفات الشيعة وخصائصهم
هدف الموعظة
تعرّف صفات الشيعة وخصائصهم، والحثّ على التمسّك بها، والعمل على أساسها.
محاور الموعظة
1. من هم الشيعة؟
2. العلاقات بين الشيعة
3. صفات الشيعة وخصائصهم
4. أفضل الشيعة
تصدير الموعظة
الإمام الصادق(عليه السلام): «شيعتنا أهل الورع والاجتهاد، وأهل الوفاء والأمانة، وأهل الزهد والعبادة، أصحاب إحدى وخمسين ركعة في اليوم والليلة، القائمون بالليل، الصائمون بالنهار، يزكّون أموالهم، ويحجّون البيت، ويجتنبون كلّ محرّم»[1].
[1] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، صفات الشيعة، انتشارات عابدي، إيران - طهران، لا.ت، لا.ط، ص2.
9
3
الموعظة الأولى: صفات الشيعة وخصائصهم
لا يختلف اثنان في أنّ الاتّصال بالأشراف خير من الانتساب إليهم بالأقوال، وبذلك نطقت المضامين الشريفة ممّا أُثِر عنهم (عليهم السلام)، ويرجع ذلك إلى أنّ الإيمان بمنهجٍ ما يُوجب السير وفقه، والعمل طبقه، وإلّا كانت السيرة الحياتيّة كاذبة من الناحية العمليّة في حكايتها عن ذلك المعتقد؛ لذا كان من الصحيح قراءة البشر من ممارساتهم، مع وجود هُوّة كبيرة بينها وبين خطاباتهم، وهكذا أرادنا أئمّتنا (عليهم السلام)؛ كي لا ندخل في زمرة ﴿كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفۡعَلُونَ﴾[1]، وبما يفرضه اتّباعنا لهم (عليهم السلام) من صفاتٍ عالية وأخلاقٍ فاضلة ونفوسٍ زكيّة.
من هم الشيعة؟
يسأل جابر الجعفيّ الإمامَ الباقر(عليه السلام): كيف كان يُعرَف الشيعة؟ فيجيبه: «وما كانوا يُعرَفون إلّا بالتواضع والتخشّع وأداء الأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبرّ بالوالدين والتعهّد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكفّ الألسن عن الناس إلّا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء»[2].
[1] سورة الصفّ، الآية 3.
[2] الشيخ الصدوق، صفات الشيعة، مصدر سابق، ص12.
10
4
الموعظة الأولى: صفات الشيعة وخصائصهم
إنّ جواب الإمام(عليه السلام) لم يتّجه إلى الكشف عن هُويّتهم من خلال تعابيرهم وكلماتهم، بل من خلال عباداتهم ومعاملاتهم بالحسنى مع الناس، وامتلاكهم الشمائل، وكفى بذلك معرِّفاً لمن لا يعرفهم، ودالّاً عليهم عند المذاهب والفِرَق.
العلاقات بين الشيعة
إنّ بعض الواجبات التي فرضتها الشريعة الغرّاء هي بإزاء الفرد، وثمّة بعض آخر، ولعلّه الأهمّ، ما كان بإزاء المجتمع، فالقسم الأوّل غالباً ما ينحصر في الجانب العباديّ، والثاني يتعدّاه إلى الاجتماعيّ والاقتصاديّ والسياسيّ... وهي بأجمعها ممّا ينبغي مراعاته حين الركوب في سفينة الولاية التي بها النجاة، فوجب العلم بها احترازاً من الانحراف عنها، وأبرزها:
1. الموالاة والمعاداة
عن الإمام الكاظم(عليه السلام): «من عادى شيعتنا فقد عادانا، ومن والاهم فقد والانا؛ لأنّهم منّا، خُلِقوا من طينتنا، من أحبّهم فهو منّا، ومن أبغضهم فليس منّا»[1].
[1] الشيخ الصدوق، صفات الشيعة، مصدر سابق، ص3.
11
5
الموعظة الأولى: صفات الشيعة وخصائصهم
وهذه وظيفة عامّة مطلوبة تجاه الجمع الولائيّ لأهل البيت (عليهم السلام)، إذ لا تكفي موالاتهم، بل لا بدّ من مخالفة أعدائهم، فلا يكون المرء على الحقّ ما لم يُنكِر الباطل ويكفر به؛ ولذلك قدّم القرآن الكريم الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله، قال تعالى: ﴿فَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلطَّٰغُوتِ وَيُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسۡتَمۡسَكَ بِٱلۡعُرۡوَةِ ٱلۡوُثۡقَىٰ﴾[1].
وعن الإمام الرضا(عليه السلام): «شيعتنا المسلِّمون لأمرنا، الآخذون بقولنا، المخالفون لأعدائنا، فمَن لم يكن كذلك فليس منّا»[2].
2. التباذل والتزاور
إنّ من حقوق أهل الولاية في ما بينهم أن يتواصلوا بأتمّ ما يكون عليه التواصل، وأن يتباذلوا بأقصى ما يكون عليه هذا الأمر، فعن الإمام الباقر(عليه السلام): «قال أمير المؤمنين(عليه السلام): شيعتنا المتباذلون في ولايتنا، المتحابّون في مودّتنا، المتزاورون لإحياء أمرنا، إن غضبوا لم يظلموا، وإن رضوا لم يسرفوا، بركة على من جاوروا، سلم لمن خالطوا»[3].
[1] سورة البقرة، الآية 256.
[2] الشيخ الصدوق، صفات الشيعة، مصدر سابق، ص3.
[3] الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح عليّ أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج2، ص236 - 237.
12
6
الموعظة الأولى: صفات الشيعة وخصائصهم
يتعرّض الإمام(عليه السلام) هنا إلى ثلاثة جوانب:
الأوّل: العلاقات الداخليّة، إذ يبيّن كيف يجب أن يكون التعامل في ما بينهم، فيظهر لهم الحقوق من البذل والحبّ والزيارة، وغير ذلك من مقوّمات الترابط الواجبة على كلٍّ منهم تجاه الآخرين، وهو ما يسمّى بالترتيب الداخليّ الشبيه بالأسرة الواحدة.
الثاني: العلاقات الخارجيّة، إذ يوضح(عليه السلام) كيفيّة مجاورتهم ومخالطتهم للآخرين الذين لا ينتمون إلى مذهبهم، فأظهر راحة الآخرين منهم، وسلامتهم في التعاطي معهم، قائلاً: «بركة على من جاوروا، سلم لمن خالطوا».
الثالث: المقوّمات الشخصيّة، وهي عدم الظلم مع الغضب، ولا الإسراف مع الرضا، «إن غضبوا لم يظلموا، وإن رضوا لم يسرفوا».
3. وحدة الكلمة
عن الإمام الصادق(عليه السلام): «إنّ الله تبارك وتعالى خلق المؤمنين من أصلٍ واحد، لا يدخل فيهم داخل ولا يخرج منهم
13
7
الموعظة الأولى: صفات الشيعة وخصائصهم
خارج، ومثلهم -والله- مثل الرأي في الجسد، ومثل الأصابع في الكفّ، فمن رأيتم يخالف ذلك، فاشهدوا عليه بتاتاً أنّه منافق»[1].
4. الائتمان والصبر
عن النبيّ الأعظم (صلى اللله عليه وآله): «ألا أُنْبِئكم لِمَ سُمِّي المؤمن مؤمناً؟ لائتمان الناس إيّاه على أنفسهم وأموالهم»[2].
وعن الإمام الصادق(عليه السلام): «لن تكونوا مؤمنين حتّى تكونوا مؤتمنين، وحتّى تعدّوا نعمة الرخاء مصيبة؛ وذلك أنّ الصبر على البلاء أفضل من العافية عند الرخاء»[3].
5. المواصلة والمقاطعة
عن الإمام الرضا(عليه السلام): «من واصل لنا قاطعاً، أو قطع لنا واصلاً، أو مدح لنا عائباً، أو أكرم لنا مخالفاً، فليس منّا ولسنا منه»[4].
[1] الشيخ الصدوق، صفات الشيعة، مصدر سابق، ص32.
[2] المصدر نفسه، ص31.
[3] المصدر نفسه، ص34.
[4] المصدر نفسه، ص7.
14
8
الموعظة الأولى: صفات الشيعة وخصائصهم
صفات الشيعة وخصائصهم
نصنّف الصفات بحسب ما ورد في رواياتٍ عن الإمام الصادق(عليه السلام) في مقاطع ثلاثة:
1. «شيعتنا من لا يعدو صوتُه سمعَه، ولا شحناؤه بدنَه، ولا يطرح كلّه على غيره، ولا يسأل غيرَ إخوانه، ولو مات جوعاً، شيعتنا من لا يهرّ هرير الكلب، ولا يطمع طمع الغراب»[1].
2. «إنّما شيعة جعفر من عفّ بطنَه وفرجَه، واشتدّ جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك، فأولئك شيعة جعفر»[2].
3. «عليكم بتقوى الله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن الصحبة لمن صحبكم، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام، صلّوا في مساجدهم، وعودوا مرضاهم، واتّبعوا جنائزهم، فإنّ أبي حدّثني أنّ شيعتنا أهل البيت كانوا خيار من كانوا منهم... حبّبونا إلى الناس، ولا تبغّضونا عليهم»[3].
[1] الشيخ الصدوق، صفات الشيعة، مصدر سابق، ص 17 – 18.
[2] المصدر نفسه، ص11.
[3] المصدر نفسه، ص28.
15
9
الموعظة الأولى: صفات الشيعة وخصائصهم
أي كونوا دعاةً لنا بأعمالكم عبر هذا السلوك الإلهيّ، فيحبّنا الآخرون ترجمةً لما عرّفناكم، وإجابةً لما دعوناكم.
أفضل الشيعة
لعلّ هذا السؤال كثيراً ما يدور في أذهاننا، لا لأنّ الأفضليّة هذه تكسب المرء مكاناً مرموقاً في العالم الفاني أو تجعل له امتيازات تعذره في أنّه يحقّ له ما لا يحقّ لغيره، إذ إنّ حب التفرّد من الحبائل الشيطانيّة، لكن لأجل أن يهتدي الإنسان إلى السبيل الذي يكون فيه أكثر قرباً من الله سبحانه، فيكون الجواب عنهم (عليهم السلام): «بعضكم أكثر صلاةً من بعض، وبعضكم أكثر حجّاً من بعض، وبعضكم أكثر صدقة من بعض، وبعضكم أكثر صياماً من بعض، وأفضلكم أفضل معرفة»[1].
[1] الشيخ الصدوق، صفات الشيعة، مصدر سابق، ص15.
16
10
الموعظة الثانية: البلاء
الموعظة الثانية: البلاء
هدف الموعظة
بيان أسباب البلاء وفلسفته، وكيفيّة التعامل معه.
محاور الموعظة
1. سبب البلاء
2. شدّة بلاء المؤمن
3. البلاء نعمة وتكريم
4. كيف نتعايش مع البلاء؟
5. ما يُقال عند نزول البلاء
6. البلاء سُلّم الدرجات
تصدير الموعظة
﴿مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِۗ﴾[1].
[1] سورة آل عمران، الآية 179.
17
11
الموعظة الثانية: البلاء
إنّ مجرّد ادّعاء المرء لأيّ فضيلة لا تكفي لثبوت حقيقة ما ادّعاه، فادّعاء الصفات الحميدة للنفس أمر مقدور لكلّ قادرٍ على نظم الكلام، ومن هنا كان البلاء من الله عزّ وجلّ للإنسان، يقول تعالى: ﴿مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِۗ﴾[1]، فعند نزول البلاء تظهر الحقائق، ويُفضَح المستور، ويستبين من كان يدّعي الفضائل وهو فارغ منها، ﴿وَلِيَبۡتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ﴾[2].
سبب البلاء
يعترض الكثير من الناس عند نزول البلاء عليهم، ويشكّك بعضهم بالعدل الإلهيّ؛ وذلك لعدم استحكام الإيمان في قلوبهم، وجهلهم بحكمة الابتلاء، وقد بيّنت الشريعة بعض الأسباب والحكم التي يبتلي الله عبادَه لأجلها، منها:
1. بيان حقيقة المدّعي، فثمّة مَن يدّعي الكمالات والكرامات،
[1] سورة آل عمران، الآية 179.
[2] سورة آل عمران، الآية 154.
18
12
الموعظة الثانية: البلاء
ثمّ بعد نزول البلاء تراه ساخطاً، غير راضٍ بما قسم الله له، عن أمير المؤمنين(عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَة﴾[1]: «ومَعْنَى ذَلِكَ أَنَّه يَخْتَبِرُهُمْ بِالأَمْوَالِ والأَوْلَادِ؛ لِيَتَبَيَّنَ السَّاخِطَ لِرِزْقِه والرَّاضِيَ بِقِسْمِه»[2]، وعنه(عليه السلام) أيضاً: «فِي تَقَلُّبِ الْأَحْوَالِ عِلْمُ جَوَاهِرِ الرِّجَالِ»[3].
2. استحقاق المثوبة من الله عزّ وجلّ، ففي تتمّة الحديث في قوله تعالى: ﴿وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أَمۡوَٰلُكُمۡ وَأَوۡلَٰدُكُمۡ فِتۡنَة﴾، يقول (عليه السلام): «وَإِنْ كَانَ سُبْحَانَهُ أَعْلَمَ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَلَكِنْ لِتَظْهَرَ الْأَفْعَالُ الَّتِي بِهَا يُسْتَحَقُّ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ»[4].
3. التأديب من الله لعباده، وغفران الذنوب، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَلَكِنَّ اللَّهَ يَخْتَبِرُ عِبَادَهُ بِأَنْوَاعِ الشَّدَائِدِ، وَيَتَعَبَّدُهُمْ بِأَنْوَاعِ الْمَجَاهِدِ، وَيَبْتَلِيهِمْ بِضُرُوبِ الْمَكَارِهِ،
[1] سورة الأنفال، الآية 28.
[2] الرضيّ، السيّد أبو الحسن محمّد الرضيّ بن الحسن الموسويّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّc)، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، لا.ن، لبنان - بيروت، 1387ه - 1967م، ط1، ص484، الحكمة 93.
[3] المصدر نفسه، ص507، الحكمة 217.
[4] المصدر نفسه، ص484، الحكمة 93.
19
13
الموعظة الثانية: البلاء
إِخْرَاجاً لِلتَّكَبُّرِ مِنْ قُلُوبِهِمْ، وَإِسْكَاناً لِلتَّذَلُّلِ فِي نُفُوسِهِمْ، وَلِيَجْعَلَ ذَلِكَ أَبْوَاباً فُتُحاً إِلَى فَضْلِهِ، وَأَسْبَاباً ذُلُلًا لِعَفْوِهِ»[1].
شدّة بلاء المؤمن
إذا كان البلاء تأديباً من الله لعباده، ونظراً منه إليهم، فأولى الناس به هم المؤمنون؛ ولذلك كان أشدّ أنواع البلاء واقعاً على من حاز أعلى نسبة من الإيمان، عن الإمام الصادق(عليه السلام): «أشدّ الناس بلاءً الأنبياء، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الأمثل فالأمثل»[2].
وعن الإمام الباقر(عليه السلام): «إنّما يُبتلى المؤمن في الدنيا على قدر دينه»[3].
لذا، كلّما ازداد إيمان العبد وقربه من الله، عظم بلاؤه واشتدّ عليه، وقد ورد هذا المعنى عن الإمام الصادق(عليه السلام): «إنّما المؤمن بمنزلة كفّة الميزان، كلّما زيد في إيمانه زيد في بلائه»[4].
ومن هنا كانت دعوة الإمام الباقر(عليه السلام) للشخص الذي
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص294، الخطبة 192.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص252.
[3] المصدر نفسه، ج2، ص253.
[4] المصدر نفسه، ج2، ص254.
20
14
الموعظة الثانية: البلاء
ادّعى محبّته بالاستعداد للبلاء، فقد رُوي أنّ رجلاً قال له: والله إنّي لأحبّكم أهل البيت، فقال له(عليه السلام): «فاتَّخذْ للبلاء جلباباً، فوالله إنّه لأسرع إلى شيعتنا من السيل في الوادي»[1]؛ فمحبّة أهل البيت (عليهم السلام) من تمام الإيمان بالله والرسالة.
البلاء نعمة وتكريم
يفتخر كثيرٌ من الناس إذا أولاهم أحد أصحاب الوجاهة في الدنيا عناية خاصّة. ومن منظورٍ إلهيّ، فإنّ ملك الملوك وجبّار الجبابرة وأرحم الراحمين ينظر إلى عبده من خلال البلاء، وما يترتّب عليه من آثار تعود بالنفع على العبد؛ لذا عدّت الروايات البلاء نعمة إلهيّةً بما يحويه من معاني التقرّب من الله، عن الإمام الصادق(عليه السلام): «البلاء زين المؤمن، وكرامة لمن عقل؛ لأنّ في مباشرته والصبر عليه والثبات عنده تصحيح نسبة الإيمان»[2].
[1] الطبرسيّ، الميرزا حسين النوريّ، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت h لإحياء التراث، لبنان - بيروت، 1408ه - 1987م، ط1، ج2، ص437.
[2] المجلسيّ، العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار h، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403ه - 1983م، ط2، ج64، ص231.
21
15
الموعظة الثانية: البلاء
ولقد كره الإمام السجاد(عليه السلام) الإنسانَ الذي لا يُبتلى؛ لأنّ ذلك ليس من أمارات الخير، فعنه(عليه السلام): «إنّي لأكره أن يُعافى الرجل في الدنيا، ولا يصيبه شيء من المصائب»[1].
كيف نتعايش مع البلاء؟
لا بدّ للإنسان المؤمن من أن يتكيّف مع البلاء بالصورة التي أرادها الله تعالى له، وذلك بالصبر والشكر وعدم الاعتراض على حكمته، وبدون ذلك لن يُحصِّل سوى العناء في الدنيا وخسران الثواب الجزيل في الآخرة، فعليه أن يوطّن نفسه على تحمّل البلاء، ويمنّيها بالثواب، ويُعلِمها بأنّ الدنيا ساعة، يأتي الحساب بعدها، ويفوز بما وعده الله عزّ وجلّ.
يقول أمير المؤمنين(عليه السلام) واصفاً المتّقين: «نُزِّلَتْ أَنْفُسُهُمْ مِنْهُمْ فِي الْبَلَاءِ كَالَّتِي نُزِّلَتْ فِي الرَّخَاءِ»[2]، فهم لا يفترق حالهم عند البلاء، يشكرون الله على كلّ حال.
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص256.
[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص303، الخطبة 193.
22
16
الموعظة الثانية: البلاء
وعن الإمام الصادق(عليه السلام)في ما أُوحي إلى موسى(عليه السلام): «يا موسى، ما خلقت خلقاً أحبّ إليّ من عبدي المؤمن، وإنّي إنّما أبتليه لما هو خير له، وأعطيه لما هو خير له، وأزوي عنه لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي؛ فليصبر على بلائي، وليرضَ بقضائي، وليشكر نعمائي، أكتبه في الصدّيقين عندي، إذا عمل برضائي وأطاع أمري»[1].
ما يُقال عند نزول البلاء
إنّ ذكر الله في الشدائد يقوّي العزيمة؛ لأنّ ذكره اعتصام به واستعانة بقدرته، فالارتباط بالقويّ المطلق يعطي الإنسان القوّة على التحمّل والصبر، ومن هنا وردت الآيات والروايات التي تعلّمنا ما ينبغي قوله عند البلاء، قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَة قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ﴾[2].
[1] حسين بن سعيد الكوفيّ، المؤمن، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهديّc بالحوزة العلميّة، إيران - قم، 1404ه، ط1، ص17.
[2] سورة البقرة، الآية 156.
23
17
الموعظة الثانية: البلاء
وعن أمير المؤمنين(عليه السلام): «قل عند كلّ شدّة: لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم، تكفها»[1].
وعن الإمام الرضا(عليه السلام): «رأيتُ أبي في المنام، فقال: يا بُنيّ، إذا كنت في شدّة، فأكثر من قول: يا رؤوف، يا رحيم»[2].
وعن الإمام الباقر(عليه السلام): «من صبر واسترجع وحمد الله عند المصيبة، فقد رضي بما صنع الله ووقع أجره على الله، ومن لم يفعل ذلك جرى عليه القضاء وهو ذميم، وأحبط الله أجره»[3].
البلاء سُلّم الدرجات
إنّ بعض منازل القرب من الله لا تُنال إلّا بالبلاء، بل بأنواع خاصّة منه، قد يصعب تحمّلها على الإنسان العادي، بل تتطلّب روحيّة عالية، وقلباً صبوراً لا تهزّه المصائب، عن الإمام الصادق(عليه السلام): «إنّ في الجنّة منزلة لا يبلغها عبد إلّا بالابتلاء في جسده»[4].
[1] العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج77، ص270.
[2] المصدر نفسه، ج90، ص272.
[3] الحرّ العامليّ، الشيخ محمّد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت h، إيران - قم، 1414ه، ط2، ج3، ص243.
[4] المصدر نفسه، ج3، ص258.
24
18
الموعظة الثانية: البلاء
وعنه(عليه السلام): «إنّه ليكون للعبد منزلة عند الله، فما ينالها إلّا بإحدى خصلتين: إمّا بذهاب ماله، أو ببليّة في جسده»[1].
فعلينا أن نسأل الله التوفيق للصبر عند المكاره، وأن يلهمنا الرضا والتسليم لأمره وقضائه؛ لنكون من جملة الفائزين.
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص257.
25
19
الموعظة الثالثة: الإصلاح بين الناس
الموعظة الثالثة: الإصلاح بين الناس
هدف الموعظة
حثّ المؤمنين على الإصلاح وعدم الهجران والتباعد.
محاور الموعظة
1. أهمّيّة الإصلاح في الشريعة الإسلاميّة
2. سيرة الأئمّة (عليهم السلام) في الإصلاح
3. الإصلاح أفضل العبادة
4. جواز الكذب من أجل الإصلاح
5. ذمّ الفرقة والتهاجر بين المسلمين
6. في العداوة والتهاجر فرح الشيطان
تصدير الموعظة
﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَة فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ﴾[1].
[1] سورة الحجرات، الآية 10.
26
20
الموعظة الثالثة: الإصلاح بين الناس
أهمّيّة الإصلاح في الشريعة الإسلاميّة
يُعَدّ الإصلاح بين الناس من الضرورات الاجتماعيّة والدينيّة، التي أكّدتها الشريعة في الكتاب والسنّة، واعتبرتها القوانين الوضعيّة من أصول البنيّة الاجتماعيّة.
يقول تعالى: ﴿لَّا خَيۡرَ فِي كَثِير مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ إِلَّا مَنۡ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوۡ مَعۡرُوفٍ أَوۡ إِصۡلَٰحِۢ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيما﴾[1].
وقد أولت الأحاديث موضوع إصلاح ذات البين أهمّيّة فائقة، إذ حثّت الناس على هذا الأمر وشجّعتهم عليه بمختلف العناوين؛ فعبّرت عنه بأفضل الصدقة، وأفضل العبادة، إلى حدّ أنّ النبيّ (صلى اللله عليه وآله) لم يُجِز التهاجر بين مسلمَين أكثر من ثلاثة أيّام، فقال (صلى اللله عليه وآله): «لا هجر فوق ثلاثة أيّام»[2].
[1] سورة النساء، الآية 114.
[2] الخطيب البغداديّ، تاريخ بغداد، دراسة وتحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلميّة، لبنان - بيروت، 1417ه - 1997م، ط1، ج5، ص365.
27
21
الموعظة الثالثة: الإصلاح بين الناس
وعن الإمام الصادق(عليه السلام): «صدقةٌ يُحبّها الله: إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقارُبٌ بينهم إذا تباعدوا»[1]، وعنه(عليه السلام) أيضاً: «لَئِنْ أُصلحَ بين اثنينِ، أحبُّ إليّ من أنْ أتصدَّق بدينارَين»[2].
وقد استوجب المتهاجران لعنةَ الله، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لا يفترق رجلان على الهجران إلّا استوجب أحدُهما البراءة واللعنة، ورُبّما استحقّ ذلك كلاهما»[3].
سيرة الأئمّة (عليهم السلام) في الإصلاح
يحظى الإصلاح بين المؤمنين بأهمّيّة خاصّة لدى أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، فقد وضع الإمام الصادق(عليه السلام) ميزانيّة خاصّة من ماله لفضّ النزاعات بين شيعتهم والإصلاح في ما بينهم، وأوصى أحد أصحابه قائلاً: «إذا رأيتَ بين اثنينِ من شيعتنا مُنازعةً، فافْتدِها من مالي»[4].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص209.
[2] المصدر نفسه، ج2، ص209.
[3] المصدر نفسه، ج2، ص344.
[4] المصدر نفسه، ج2، ص209.
28
22
الموعظة الثالثة: الإصلاح بين الناس
لذلك نقرأ في إحدى الروايات: «مرّ بنا المفضّل، وأنا وختَني[1] نتشاجرُ في ميراثٍ، فوقف علينا ساعةً، ثمّ قال لنا: تعالَوا إلى المنزل، فأتيناهُ، فأصلح بيننا بأربعمئة درهم، فدفعها إلينا من عنده، حتّى إذا استوثق كلّ واحدٍ منّا من صاحبه، قال: أما إنّها ليستْ من مالي، ولكن أبو عبد الله(عليه السلام) أمرني إذا تنازع رجُلان من أصحابنا في شيءٍ أن أُصلحَ بينهما وأفتديها من مالِه. فهذا من مالٍ أبي عبد الله الصادق»[2].
الإصلاح أفضل العبادة
إنّ إصلاح ذات البين يُعدّ من أفضل العبادات، وذلك ما أشار إليه الإمام عليّ(عليه السلام) في وصيّته لولديه (عليهما السلام)، إذ يقول: «...فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكُمَا (صلى اللله عليه وآله) يَقُولُ: صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ عَامَّةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ»[3].
جواز الكذب من أجل الإصلاح
على الرغم من ذمّ الكذب في القرآن والأحاديث، وعَدِّه من
[1] خَتَنُ الرجل صهرُه.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص209.
[3] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص421، الكتاب 47.
29
23
الموعظة الثالثة: الإصلاح بين الناس
الكبائر، إلّا أنّ الإسلام أجازه إذا أُريد به الإصلاح، وفضّ النزاع بين الناس، عن أمير المؤمنين(عليه السلام): «قال رسول الله (صلى اللله عليه وآله): لا يُصلح الكذبُ إلّا في ثلاثة مواطنٍ... كذبُ الرجل يمشي بين الرجلين ليُصلحَ بينهما»[1].
وعن الإمام الصادق(عليه السلام): «إنّ المصلح ليس بكذّاب، إنّما هو الصلحُ ليس بكذبٍ»[2].
ذمّ الفرقة والتهاجر بين المسلمين
إنّ وجود العلاقة الطيّبة بين المسلمين، أمر مهّم جدّاً في الإسلام، إذ لو تهاجر مسلمان، وقاطع أحدهما الآخر لثلاثة أيّام، خرجا عن الإسلام، عن الإمام الصادق(عليه السلام): «قال أبي (عليه السلام): قال رسول الله (صلى اللله عليه وآله): أيُّما مُسلمين تهاجرا، فمكثا ثلاثاً لا يصطلحان، إلّا كانا خارجَين مِن الإسلام، ولم يكنْ بينهما ولايةٌ، فأيُّهما سبق إلى كلامِ أخيه كان السابق إلى الجنّة يومَ الحساب»[3].
[1] ابن الأشعث، محمّد بن محمّد، الجعفريّات (الأشعثيّات)، مكتبة النينوى الحديثة، إيران - طهران، لا.ت، ط1، ص171.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص210.
[3] المصدر نفسه، ج2، ص345.
30
24
الموعظة الثالثة: الإصلاح بين الناس
في العداوة والتهاجر فرح الشيطان
يودّ الشيطان إيقاع العداء والتشاحن بين المسلمين، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيۡطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ﴾[1].
وعن الإمام الصادق(عليه السلام): «لا يزالُ إبليسُ فرحاً ما اهتجر المُسلمانِ، فإذا التقيا اصطكّت رُكبتاهُ، وتَخلّعت أوصاله، ونادى يا ويله ما لقي من الثُّبور»[2].
في الخلاصة: ينبغي على المتخلّق بالأخلاق الحسنة ألّا يعكّر صفو العلاقة بينه وبين أخيه المؤمن فحسب، وإنّما أن يسعى أيضاً لاستتباب العلاقات الحسنة بين الآخرين أيضاً، اقتداءً بإمامنا زين العابدين(عليه السلام)، إذ كان يدعو قائلاً: «اللهمّ صلِّ على محمّد وآله، وَحَلِّني بحِلية الصالحين، وأَلبسني زينةَ المُتّقين في بسطِ العَدْلٍ وكَظمِ الغيظِ وإطفاءِ النّائرة وضمّ أهلِ الفُرقَةِ وإصلاح ذاتِ البينِ»[3].
[1] سورة المائدة، الآية 91.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص346.
[3] الإمام زين العابدينc، الصحيفة السجّاديّة، دفتر نشر الهادي، إيران - قم، 1418ه، ط1، ص96، الدعاء 20.
31
25
الموعظة الرابعة: العفّة
الموعظة الرابعة: العفّة
هدف الموعظة
بيان مفهوم العفّة وآثارها ونتائجها.
محاور الموعظة
1. فضلُ العفّة وأهمّيّتها
2. العفّة لا تجلب الفقر
3. موجبات العفّة
4. ثمرات العفّة في الدنيا
5. أجر العفاف في الآخرة
6. من علامات العفيف
7. آثار أكل الحرام
تصدير الموعظة
أمير المؤمنين(عليه السلام): «الشره أسُّ كلّ شرّ»[1]، و«العفّة رأس كلّ خير»[2].
[1] التميميّ الآمديّ، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم ودرر الكلم، تحقيق وتصحيح السيّد مهدي رجائي، نشر دار الكتاب الإسلاميّ، إيران- قم، 1410ه، ط2، ص62.
[2] المصدر نفسه، ص62.
32
26
الموعظة الرابعة: العفّة
العفّة والتعفّف، صفة تتّصل بالقناعة والزهد بما في أيدي الناس، وقد يتصوّر بعضهم أنّها من موجبات الفقر؛ لأنّ المتعفّف لا يمدّ نظره، فضلاً عن يده، إلى ما في أيدي الآخرين، إلّا أنّ المتأمّل في الأحاديث التي تكلّمت على العفّة وآثارها العظيمة في الدنيا والآخرة يجد غير ذلك.
فضلُ العفّة وأهمّيّتها
عن الإمام عليّ(عليه السلام): «ثلاثٌ هنّ جماع الدين: العفّة، والورع، والحياء»[1].
وعنه(عليه السلام): «الشره أسُّ كلّ شرّ»[2]، و«العفّة رأس كلّ خير»[3].
وعنه(عليه السلام): «العفّة شيمة الأكياس[4]»[5]، و«الشره سجيّة الأرجَاس»[6].
[1] التميميّ الآمديّ، عبد الواحد بن محمّد، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، تحقيق وتصحيح مصطفى درايتي، مكتب الإعلام الإسلاميّ، إيران - قم، 1407ه، ط1، ص85.
[2] الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص62.
[3] المصدر نفسه، ص62.
[4] جمع كَيِّس، أي فطِن وحذِق.
[5] الليثيّ الواسطيّ، الشيخ كافي الدين عليّ بن محمّد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق الشيخ حسين الحسينيّ البيرجنديّ، دار الحديث، إيران - قم، 1418ه، ط1، ص43.
[6] المصدر نفسه، ص43.
33
27
الموعظة الرابعة: العفّة
عن أبي بصير قال: قال رجل لأبي جعفر(عليه السلام): إنّي ضعيف العمل قليل الصيام، ولكنّي أرجو أن لا آكل إلّا حلالاً، قال: فقال له: «أيُّ الاجتهاد أفضل من عفّة بطن وفرج؟!»[1].
العفّة لا تجلب الفقر
عن الإمام الحسين(عليه السلام): «ليست العفّة بمانعةٍ رزقاً، ولا الحرص بجالبٍ فضلاً، وإنّ الرزق مقسوم والأجل محتوم»[2].
ثمّ إنّ العفّة تؤدّي إلى خفّة المؤونة، فعن الإمام عليّ(عليه السلام): «عليك بالعفاف والقنوع، فمن أخذ به خفّت عليه المُؤن»[3].
وقد اكتفى أمير المؤمنين(عليه السلام) من الدنيا بالقليل، ودعا الناس إلى العفّة والزهد بها، إذ إنّهم لا يقدرون على أن يكونوا مثله(عليه السلام). وعليه، لا تلازم بين العفّة والفقر، فالعفّة مطلوبة من الغنيّ والفقير معاً، يقول(عليه السلام): «أَلَا وَإِنَّ لِكلّ مَأْمُومٍ إِمَاماً، يَقْتَدِي بِهِ وَيَسْتَضِيءُ بِنُورِ عِلْمِهِ، أَلَا وَإِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص79.
[2] الديلميّ، الحسن بن محمّد، أعلام الدين في صفات المؤمنين، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت h لإحياء التراث، إيران - قم، لا.ت، لا.ط، ص428.
[3] الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص444.
34
28
الموعظة الرابعة: العفّة
دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ، وَمِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ، أَلَا وَإِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَاجْتِهَادٍ، وَعِفَّةٍ وَسَدَادٍ»[1].
موجبات العفّة
أكّدت العديد من الروايات أنّ ثمّة بعض الأمور تؤدّي إلى تحصيل العفّة، أهمّها:
1. التعقّل: عن أمير المؤمنين(عليه السلام): «من عقل عفَّ»[2].
2. الالتزام الدينيّ: إذ يُبعِد الإنسان عن المحرّمات، ويحصّل العفّة.
3. الحياء: عن الإمام عليّ(عليه السلام): «سبب العفّة الحياء»[3].
4. الرضا بالكفاف: عن أمير المؤمنين(عليه السلام): «الرضا بالكفاف يؤدّي إلى العفاف»[4].
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص417، الكتاب 45.
[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص428.
[3] المصدر نفسه، ص282.
[4] المصدر نفسه، ص27.
35
29
الموعظة الرابعة: العفّة
ثمرات العفّة في الدنيا
1. صيانة النفس: عن الإمام عليّ(عليه السلام): «العفاف يصون النفس، وينزّهها عن الدنايا»[1].
2. زينة الفقر: عنه(عليه السلام): «العفاف زينة الفقر»[2].
3. قلّة الأحزان: عنه(عليه السلام): «أصل العفاف القناعة، وثمرتها قلّة الأحزان»[3].
4. القناعة: عنه(عليه السلام): «ثمرة العفّة القناعة»[4].
5. العزّة في الدنيا والآخرة: عنه(عليه السلام): «من اتّحف العفّة والقناعة، حالفه العزّ»[5].
أجر العفاف في الآخرة
1. أجر المجاهد في سبيل الله: عن الإمام عليّ(عليه السلام): «مَا الْمُجَاهِدُ الشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّه بِأَعْظَمَ أَجْراً مِمَّنْ قَدَرَ فَعَفَّ، لَكَادَ الْعَفِيفُ أَنْ يَكُونَ مَلَكاً مِنَ الْمَلَائِكَةِ»[6].
[1] الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص110.
[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص69.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج75، ص7.
[4] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص208.
[5] الآمديّ، تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص256.
[6] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص559، الحكمة 474.
36
30
الموعظة الرابعة: العفّة
2. زكاة الأعمال: عنه(عليه السلام): «بالعفاف تزكو الأعمال»[1].
3. خفّة الوزر وعظم القدر عند الله: عنه(عليه السلام): «من عفَّ خفَّ وزره، وعظم عند الله قدره»[2].
من علامات العفيف
1. قلّة الأكل: عن أمير المؤمنين(عليه السلام): «قلّة الأكل من العفاف، وكثرته من الإسراف»[3].
2. الحياء: عنه(عليه السلام): «الحياء قرين العفاف»[4].
3. النزاهة: عنه(عليه السلام): «النزاهة آية العفّة»[5].
آثار أكل الحرام
إنّ أكل الحرام يشمل كلّ طعام حرّمه الله تعالى علينا، فتارةً يكون محرّماً بنفسه، كالميتة والخنزير والشراب المسكر، وأخرى لعروض أمرٍ على ما هو حلال بأصله، كالمتنجّس قبل
[1] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص187.
[2] المصدر نفسه، ص459.
[3] المصدر نفسه، ص372.
[4] المصدر نفسه، ص40.
[5] المصدر نفسه، ص40.
37
31
الموعظة الرابعة: العفّة
تطهيره، أو تحصيله بطريقة غير شرعيّة كالمغصوب، ليصدق عليه عنوان أكل مال الناس بغير حقّ.
أمّا عن تأثيره في الإنسان، فعن الإمام عليّ(عليه السلام): «بئس الطعام الحرام»[1]، ومن آثاره:
1. مرض القلوب وقسوتها: إنّ الطعام الفاسد كما يؤثّر في الجسد فيؤدّي إلى التسمّم وأعراضه، كذلك أكل الحرام يؤثّر في القلب فيؤدّي إلى مرضه وتراكم الرين عليه بما يُضعِف بصيرته، لكونه مصداقاً لقوله تعالى: ﴿كَلَّاۖ بَلۡۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ﴾[2].
2. إصابة الذرّيّة: إنّ مؤثّريّة أكل المال الحرام لا تقتصر على الآكل نفسه، بل تصيب ذرّيّته، فعن الإمام الصادق(عليه السلام): «كسب الحرام يبين في الذرّيّة»[3].
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص402، الكتاب 31.
[2] سورة المطفّفين، الآية 14.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص125.
38
32
الموعظة الرابعة: العفّة
3. أكل الحرام أكل للنار: إنّ لأكل مال الحرام صورة ملكوتيّة، إذ إنّ الآكل له يأكل في الواقع ناراً، عن الإمام الصادق(عليه السلام): «من أكل من مال أخيه ظلماً ولم يردّه إليه، أكل جذوة من النار يوم القيامة»[1].
قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَاراۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرا﴾[2].
4. لا بركة فيه ولا أجر على إنفاقه: إنّ من آثار الطعام إنبات اللحم وتقوية الجسم وغير ذلك، فعندما يكون ذلك على الحرام فمعناه أنّ لإبليس وجنوده حصّة في أجسادنا وممرّاً إلى نفوسنا، وهذا يؤدّي إلى سطوته وسهولة استدراجه لنا، وهذا معنى كونه غير مبارك، قال أبو الحسن(عليه السلام) لأحد أصحابه: «يا داوود، إنّ الحرام لا يَنْمي، وإن نمى لم يُبارَك له فيه، وما أنفقه لم يؤجَر عليه، وما خلّفه كان زاده إلى النار»[3].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص333.
[2] سورة النساء، الآية 10.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص125.
39
33
الموعظة الرابعة: العفّة
5. ضياع الأعمال وعدم قبولها: عن رسول الله (صلى اللله عليه وآله): «مَن أكَلَ حَراماً، لَم يَقبَلِ اللهُ مِنهُ صَرفاً ولا عَدلاً»[1].
6. يحول دون استجابة الدعاء: عن رسول الله (صلى اللله عليه وآله): «مَن أحبَّ أن يُستجابَ دُعاؤهُ، فليُطَيِّب مَطعَمَهُ ومَكسَبَهُ»[2].
7. يوجب لعنة الملائكة: عن رسول الله (صلى اللله عليه وآله): «إذا وَقَعت اللُّقمَةُ مِن حرامٍ فِي جَوفِ العَبدِ، لَعَنَهُ كُلُّ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ والأرضِ»[3].
8. ضَعف تديّن المرء: خطاب الإمام الحسين(عليه السلام) يوم عاشوراء الذي وجّهه إلى عسكر عمر بن سعد، خير دليلٍ على هذه الحقيقة، قال(عليه السلام): «فَقَدْ مُلِئتْ بُطونُكُم مِن الحرامِ، وطُبِعَ عَلَى قُلُوبِكُم، وَيْلَكُم ألا تنصتُونَ؟! ألا تسمعُونَ؟!»[4].
[1] ابن فهد الحلّيّ، عدّة الداعي ونجاح الساعي، مصدر سابق، ص140.
[2] المصدر نفسه، ص128.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج63، ص314.
[4] المصدر نفسه، ج45، ص8.
40
34
الموعظة الخامسة: الكسب الحلال
الموعظة الخامسة: الكسب الحلال
هدف الموعظة
الحثّ على الكسب الحلال من خلال بيان آثاره وخطورة الكسب الحرام.
محاور الموعظة
1. الحرص على الكسب الحلال
2. الدخل والكسب
3. آثار الكسب الحلال
4. حرمة الكسب الحرام
تصدير الموعظة
رسول الله (صلى اللله عليه وآله) لرجلٍ قال له: يا رسول الله، أُحبّ أن يُستجاب دعائي: «طَهِّر مَأكَلتَكَ، ولا تُدخِل بَطنَكَ الحرامَ»[1].
[1] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج7، ص145.
41
35
الموعظة الخامسة: الكسب الحلال
الحرص على الكسب الحلال
أكّد القرآن الكريم وجوب مراعاة المسلم طهارة غذائه الجسديّ، وفي الوقت نفسه أوجب مراعاة طهارة غذائه الروحيّ، الأمر الذي صرّحت به السنّة الشريفة وحثّت عليه. وبعبارةٍ أخرى: يجب على المسلم أن يراعي طهارة غذائه، ظاهريّاً وباطنيّاً.
ونستلهم من قصّة أصحاب الكهف في القرآن الكريم أنّهم، وإن كانوا بعد يقظتهم بحاجةٍ شديدةٍ إلى الطعام، ولكنّهم قالوا للشخص الذي كلَّفوه بشراء الطعام: «لا تشترِ الطعام من أيٍّ كان، وإنّما انظر أيُّهم أزكى طعاماً وأطهر، فأتِنا منهُ»[1].
ثم إنّ معظم البشر في عصرنا الراهن أدركوا أهمّيّة طهارة الغذاء من اللَّوث الظاهريّ، لكنّهم ما زالوا غافلين عن أهمّيّة طهارته من اللَّوث الباطنيّ، الذي يؤثّر على الإنسان، إثر أكل السُّحت، من خلال المعاملات الربويّة، والغشّ، وغير ذلك.
[1] الشيرازيّ، الشيخ ناصر مكارم، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مدرسة الإمام عليّ بن أبي طالبc، إيران - قم، 1426ه، ط1، ج12، ص375.
42
36
الموعظة الرابعة: العفّة
وتوجد روايات مستفيضة حثّت الناس على ضرورة السعي في كسب لقمة العيش بطُرُقٍ مشروعةٍ، نذكر منها:
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «العِبادَةُ سَبعونَ جُزءاً، أفضلُها طَلَبُ الحلالِ»[1].
وعنه (صلى الله عليه وآله)أيضاً: «مَن باتَ كالّاً مِن طَلَبِ الحلالِ، باتَ مَغفُوراً لَهُ»[2].
وعن الإمام الصادق(عليه السلام): «إنِّي واللهِ ما آمُركُم إلّا بما نأمُرُ بهِ أنفُسَنا، فعَليكُم بالجِدِّ والاجتِهادِ، وإذا صَلَّيتُم الصُّبحَ فانصرَفتُم، فبَكِّروا في طَلبِ الرِّزقِ، واطلُبوا الحلالَ، فإنَّ اللهَ سيرزُقُكُم ويُعينُكُم عَليهِ»[3].
حدّد الإمام عليّ(عليه السلام) أوقات المؤمن، فجعل الوقت المخصّص للنشاط الاقتصاديّ بمحاذاة العبادة، والمبادئ الخلقيّة، فقال: «ولَيْسَ لِلْعَاقِلِ أَنْ يَكُونَ شَاخِصاً إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: مَرَمَّةٍ لِمَعَاشٍ، أَوْ خُطْوَةٍ فِي مَعَادٍ، أَوْ لَذَّةٍ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ»[4].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص78.
[2] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، الأمالي، تحقيق ونشر مؤسّسة البعثة، إيران - قم، 1417ه، ط1، ص364.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص78-79.
[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص545، الحكمة 390.
43
37
الموعظة الخامسة: الكسب الحلال
فأُطُر المعاملات التجاريّة والنشاطات الاقتصاديّة وما تختصّ بها من شروط، ذُكِرَت في أحاديث وروايات مستفيضة تتمحور برمّتها حول وجوب الكسب الحلال.
عن رسول الله (صلى اللله عليه وآله): «طَلَبُ الحلالِ واجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ»[1].
وعنه (صلى اللله عليه وآله) أيضاً: «طُوبَى لِمَن اكتَسَبَ مِن المؤمِنينَ مالاً مِن غَيرِ مَعصِيَةٍ»[2].
الدخل والكسب
وهو الإيراد أو الربح أو الأجر الذي يحصل عليه الإنسان لقاء عملٍ يقوم به أو نتاجٍ يصدر عنه... وقد حُدّدت مصادر الدخل في روايةٍ عن الإمام عليّ(عليه السلام) بخمسة عناوين: «مَعايشَ الخلقِ خمسَةٌ: الإمارَةُ والعِمارةُ والتِّجارَةُ والإجارَةُ والصَّدَقاتُ»[3].
[1] المتّقيّ الهنديّ، علاء الدين عليّ المتّقيّ بن حسام الدين، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، مؤسّسة الرسالة، لبنان - بيروت، 1409ه - 1989م، لا.ط، ج4، ص5.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص169.
[3] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج19، ص35.
44
38
الموعظة الخامسة: الكسب الحلال
إنّ من الأمور التي أكّدتها الشريعة، وشدّدت عليها في المعيشة الكسبَ الحلال؛ لذا قُسّم الدخل من حيث مصادر كسبه المختلفة إلى نوعين: دخلٌ حلالٌ، ودخلٌ حرامٌ.
آثار الكسب الحلال
للمال الحلال آثار وبركاتٌ كثيرةٌ ينعَم بها الإنسان، نذكر منها:
1. ينوّر الله تعالى به قلب الإنسان: عن رسول الله (صلى اللله عليه وآله): «مَن أكَلَ الحلالَ أربعينَ يوماً، نَوَّرَ اللهُ قلبَهُ»[1].
2. يُعين الإنسان على عبور الصراط بيسرٍ: عنه (صلى اللله عليه وآله): «مَن أكَلَ مِن كَدِّ يدِهِ، مَرَّ عَلَى الصِّراطِ كالبَرقِ الخاطِفِ»[2].
3. ينال الإنسان به ثواب المجاهد في سبيل الله: عن الإمام الكاظم(عليه السلام): «مَن طَلَبَ هذا الرِّزقَ مِن حِلَّهِ، ليعُودَ بِهِ عَلَى نفسِهِ وعيالِهِ، كانَ كالمجاهِدِ فِي سَبيلِ اللهِ»[3].
[1] ابن فهد الحلّيّ، أحمد بن محمّد، عدّة الداعي ونجاح الساعي، تحقيق وتصحيح أحمد موحدي القمّيّ، نشر دار الكتب الإسلاميّ، إيران - قم، 1407ه، ط1، ص140.
[2] المحدّث النوريّ، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ص23.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص93.
45
39
الموعظة الخامسة: الكسب الحلال
حرمة الكسب الحرام
نهى القرآن الكريم عن اتّباع الطرق غير المشروعة في الكسب نهياً شديداً، كأكل المال بالباطل، والربا، والظلم، والفساد. أمّا الأحاديث والروايات، فإنّها عدّت هذه الطرق من الكبائر، بل شبّهت بعضها، مثل: الاحتكار، والخيانة، والربا، بأقبح الذنوب، كالقتل؛ لأنّ هذه الأعمال تشلّ النشاط الاقتصاديّ للإنسان، وتسوقه إلى الهلاك التدريجيّ. وللإمام الرضا(عليه السلام) كلامٌ طويلٌ ذكر فيه ما حرّم الله تعالى، منه: «واجتنابُ الكبائرِ، وهي قَتلُ النَّفسِ التي حرَّمَ اللهُ تعالى... وأكلُ الرِّبا بَعدَ البيِّنَةِ... والبَخسُ فِي المكيالِ والميزانِ... والإسرافُ والتَّبذيرُ والخيانَةُ»[1].
[1] الصدوق، الشيخ محمّد بن علي بن بابويه، عيون أخبار الرضا c، تحقيق وتصحيح مهدي اللاجوردي، نشر جهان، إيران - طهران، 1420ه، ط1، ج2، ص125.
46
40
الموعظة الخامسة: الكسب الحلال
الموعظة السادسة: الطمع
هدف الموعظة
تعرّف مساوئ الطمع وآثاره.
محاور الموعظة
1. التحذير من الطمع
2. مناشىء الطمع
3. الطمع الممدوح
4. آثار الطمع
5. علاج الطمع
تصدير الموعظة
رسول الله (صلى اللله عليه وآله): «إيّاك والطمع في الناس؛ فإنّه فقر حاضر»[1].
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج66، ص408.
47
41
الموعظة السادسة: الطمع
التحذير من الطمع
الطمع صفة وضيعة، إذا أصابت الإنسان جعلته عبداً لتلبية حاجاته ورغباته، وأسقطته من أعين الناس؛ لأنّ القلوب تتعلّق بالمترفّع عن ذلك، الذي يبذل ويعطي أكثر ممّا يسأل ويأخذ، والطمع إذا احتلّ القلب جعله مريضاً غافلاً، يسحق تحت أقدامه الصفات الإنسانيّة والقيم الأخلاقيّة، وهو يلهث وراء أهداف رخيصة سوّلتها له نفسه.
عن رسول الله (صلى اللله عليه وآله): «وإيّاكم واستشعار الطمع؛ فإنّه يشوب القلب بشدّة الحرص، ويختم على القلب بطابع حبّ الدنيا، وهو مفتاح كلّ معصية، ورأس كلّ خطيئة، وسبب إحباط كلّ حسنة»[1].
وعن الإمام عليّ(عليه السلام): «إيّاك أن توجف بك مطايا الطمع، فتوردك مناهل الهلكة»[2].
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج69، ص199.
[2] المصدر نفسه، ج74، ص226.
48
42
الموعظة السادسة: الطمع
ويُنسب إلى أمير المؤمنين(عليه السلام):
ذنوبي إن فكّرتُ فيها كثيرة
ورحمة ربّي من ذنوبي أوسعُ
فما طمعي في صـالحٍ قد عملتُه
ولكنّـني في رحمةِ الله أطمعُ
فإن يكُ غفرانٌ فذاكَ برحمةٍ وإن
لم يكن أُجزى بما كنتُ أصـنعُ
مليكي ومولائي وربِّي وحـافـظي
وإنّي له عبدٌ أُقِرّ وأخضـعُ[1]
مناشىء الطمع
يتحقّق الطمع عندما يفكّر الإنسان في الانتفاع من أموال غيره، فيوسوس له الشيطان ليحصّل ذلك عبر طرقٍ شتّى، كالتملّق لأصحاب المال والجاه والمناصب، آملاً في الظفر بشيء من دون مقابل، وهذه الفكرة تنشأ في الأساس عند محاولة الإنسان الحصول على لذائذ الدنيا من دون جهدٍ أو عناء، وهذا قِوام مفهوم الطمع. من هنا، نعلم أنّ الأساس في الابتلاء بهذه الصفة حبّ الدنيا والتعلّق بها.
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج34، ص423.
49
43
الموعظة السادسة: الطمع
عن رسول الله (صلى اللله عليه وآله): «حرامٌ على كلّ قلبٍ يحبّ الدنيا أن يفارقه الطمع»[1]، وعن الإمام عليّ(عليه السلام): «حبّ الدنيا يوجب الطمع»[2].
الطمع الممدوح
إنّ الطمع إذا كان في متاع الدنيا الزائل من مالٍ أو جاهٍ أو منصب، كان مذموماً عند الله تعالى، ولكن ثمّة طمع ممدوح ومطلوب ورد في الآيات والروايات، كالطمع بالمغفرة والثواب والجنّة، قال تعالى: ﴿تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمۡ عَنِ ٱلۡمَضَاجِعِ يَدۡعُونَ رَبَّهُمۡ خَوۡفا وَطَمَعا وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ﴾[3]، ﴿وَمَا لَنَا لَا نُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡحَقِّ وَنَطۡمَعُ أَن يُدۡخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلصَّٰلِحِينَ﴾[4].
وعن الإمام زين العابدين(عليه السلام): «رأيت الخير كلّه قد اجتمع في قطع الطمع عمّا في أيدي الناس، ومن لم يرجُ الناسَ في
[1] ورّام بن أبي فراس، مسعود بن عيسى، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر المعروف بمجموعة ورّام، مكتبة الفقيه، إيران - قم، 1410ه، ط1، ج2، ص441.
[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص232.
[3] سورة السجدة، الآية 16.
[4] سورة المائدة، الآية 84.
50
44
الموعظة السابعة: نصرة المظلوم
شيء، وردّ أمره إلى الله عزّ وجلّ في جميع أموره، استجاب الله عزّ وجلّ له في كلّ شيء»[1].
آثار الطمع
1. الذلّ: عن الإمام الباقر(عليه السلام): «لا ذلَّ كذلّ الطمع»[2]، وعن الإمام الكاظم(عليه السلام) لهشام، وهو يعظه: «إيّاك والطمع، وعليك باليأس ممّا في أيدي الناس، وأمت الطمع من المخلوقين، فإنّ الطمع مفتاح للذلّ، واختلاس العقل، واختلاق المروّات، وتدنيس العرض، والذهاب بالعلم»[3].
2. ضياع العقل: عن الإمام عليّ(عليه السلام): «أَكْثَرُ مَصَارِعِ الْعُقُولِ تَحْتَ بُرُوقِ الْمَطَامِعِ»[4].
وعنه(عليه السلام): «ضياع العقول في طلب الفضول»[5].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص148.
[2] ابن شعبة الحرّاني، الحسن بن عليّ، تحف العقول عن آل الرسول f، تحقيق وتصحيح علي أكبر غفّاريّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم، إيران - قم، 1404ه، ط2، ص286.
[3] ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول، مصدر سابق، ص399.
[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص507، الحكمة 219.
[5] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص309.
51
45
الموعظة السادسة: الطمع
3. مفتاح كلّ سيّئة: عن الرسول الأكرم (صلى اللله عليه وآله): «وإيّاكم واستشعار الطمع؛ فإنّه يشوب القلب بشدّة الحرص، ويختم على القلب بطابع حبّ الدنيا، وهو مفتاح كلّ معصية، ورأس كلّ خطيئة، وسبب إحباط كلّ حسنة»[1].
4. الهلاك: عن الإمام عليّ(عليه السلام): «وإِيَّاكَ أَنْ تُوجِفَ بِكَ مَطَايَا الطَّمَعِ، فَتُورِدَكَ مَنَاهِلَ الْهَلَكَةِ»[2].
5. المذلّة: عن الإمام الباقر(عليه السلام): «لا ذلَّ كذلّ الطمع»[3].
6. فساد الدين: عن الإمام الصادق(عليه السلام)، وقد سأله بعض أصحابه، قلت له: ما الّذي يثبّت الإيمان في العبد؟ قال: «الورع عن محارم الله»، والذي يُخرجه؟ قال: «الطمع»[4].
وعن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: «فساد الدين الطمع»[5].
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج69، ص199.
[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص401، الكتاب 31.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج75، ص165.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص321.
[5] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص357.
52
46
الموعظة السابعة: نصرة المظلوم
علاج الطمع
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وادفع ذلّ الطمع بعزّ اليأس، واستجلب عزّ اليأس ببعد الهمّة»[1].
على الإنسان أن يربّي نفسه على اليأس ممّا في أيدي الناس، فلا يتعاد على المعونات والمساعدات قدر المستطاع؛ فإنّ اعتياد ذلك يؤدّي إلى استئناس النفس به تدريجيّاً، وعليه بالجدّ والاجتهاد في تحصيل لقمة عيشه، وليقنع بما قسمه الله تعالى له، عن أمير المؤمنين(عليه السلام): «ضادّوا الطمع بالورع»[2].
[1] ابن شعبة الحرّاني، تحف العقول، مصدر سابق، ص286.
[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص309.
53
47
الموعظة السابعة: نصرة المظلوم
الموعظة السابعة: نصرة المظلوم
هدف الموعظة
إيضاح نظرة الإسلام للظلم والظالمين، والحثّ على نصرة المظلومين ودعمهم.
محاور الموعظة
1. قبح الظلم عند البشر
2. وجوب نصرة المظلوم في الإسلام
3. أهمّيّة التناصر في حياة الأمّة
4. ثواب نصرة المظلوم
5. خصوصيّة استجابة دعوة المظلوم
تصدير الموعظة
الإمام الصادق(عليه السلام): «ما من مؤمنٍ يعين مؤمناً مظلوماً، إلّا كان أفضل من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام، وما من مؤمنٍ ينصر أخاه وهو يقدر على نصرته، إلّا نصره الله في الدنيا والآخرة، وما من مؤمنٍ يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته، إلّا خذله الله في الدنيا والآخرة»[1].
[1] الصدوق، محمّد بن عليّ، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، نشر دار الشريف الرضيّ للنشر، إيران - قم، 1406ه، ط2، ص147.
54
48
الموعظة السابعة: نصرة المظلوم
الموعظة السابعة: نصرة المظلوم
هدف الموعظة
إيضاح نظرة الإسلام للظلم والظالمين، والحثّ على نصرة المظلومين ودعمهم.
محاور الموعظة
1. قبح الظلم عند البشر
2. وجوب نصرة المظلوم في الإسلام
3. أهمّيّة التناصر في حياة الأمّة
4. ثواب نصرة المظلوم
5. خصوصيّة استجابة دعوة المظلوم
تصدير الموعظة
الإمام الصادق(عليه السلام): «ما من مؤمنٍ يعين مؤمناً مظلوماً، إلّا كان أفضل من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام، وما من مؤمنٍ ينصر أخاه وهو يقدر على نصرته، إلّا نصره الله في الدنيا والآخرة، وما من مؤمنٍ يخذل أخاه وهو يقدر على نصرته، إلّا خذله الله في الدنيا والآخرة»[1].
[1] الصدوق، محمّد بن عليّ، ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، نشر دار الشريف الرضيّ للنشر، إيران - قم، 1406ه، ط2، ص147.
54
49
الموعظة السابعة: نصرة المظلوم
مفهوم الظلم
الظلم عند أهل اللغة وكثير من العلماء: «وضع الشيء في غير موضعه المختصّ به؛ إمّا بنقصان أو بزيادة، وإمّا بعدول عن وقته أو مكانه... والظلم يُقال في مجاوزة الحقّ الذي يجري مجرى نقطة في الدائرة، ويُقال في ما يكثر وفي ما يقلّ من التجاوز»[1].
قبح الظلم
الظلم من الأمور القبيحة، والصفات اللئيمة، التي ورد النهي الشديد عنه في الشريعة الإسلاميّة في القرآن الكريم والسنّة القوليّة والعمليّة للنبيّ (صلى اللله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، وقد ورد الحثّ على نصرة المظلومين ودعمهم بالكلمة إن احتاجوها، وبالمال إن احتاجوه، وبالسلاح إن اعتُدي عليهم، وعُدَّت هذه النصرة مواجهة للظالم نفسه، وتعبيراً آخراً عن رفضه وعدم الرضا به، وجهاده، عن الإمام عليّ(عليه السلام): «الرَّاضِي بِفِعْلِ قَوْمٍ، كَالدَّاخِلِ فِيهِ مَعَهُمْ»[2]، وعلى كلّ داخل في باطل إثمان: إثم
[1] الراغب الأصفهانيّ، الحسين بن محمّد، مفردات ألفاظ القرآن، الأميرة للطباعة والنشر، لبنان - بيروت، ط1، 1431ه - 2010م، ص537.
[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص499، الحكمة 154.
55
50
الموعظة السابعة: نصرة المظلوم
العلم به، وإثم الرضا به، وعن الإمام الرضا(عليه السلام): «من رضي شيئاً، كان كمن أتاه»[1].
وجوب نصرة المظلوم في الإسلام
جاء الإسلام، والناس متفرّقون شيعاً وأحزاباً وقبائل، فجمع الله به الناس، وألَّف به بين قلوبهم، قال تعالى: ﴿وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآء فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنا﴾[2].
وقد ربَّى الإسلام أبناءه على استشعار أنّهم أفراد في مجموعة، وأنّهم أجزاء من هذه الجماعة الكبيرة، فالمسلم بشعوره أنّه جزء من الجماعة يحبّ للأجزاء الأخرى مثل ما يحبّ لنفسه.
فإنّ انتماء المسلم إلى الجماعة يرتّب عليه حقوقاً وواجبات، ومن أعظمها واجب التناصر بين المسلمين، عن رسول الله (صلى اللله عليه وآله): «يقول الله عزّ وجلّ: وعزّتي وجلالي، لأنتقمنّ من الظالم في عاجله وآجله، ولأنتقمنّ ممّن رأى مظلوماً فقدر أن ينصره
[1] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضاc، مصدر سابق، ج1، ص273.
[2] سورة آل عمران، الآية 103.
56
51
الموعظة السابعة: نصرة المظلوم
فلم ينصره»[1]، وقد أوصى الإمام عليّ(عليه السلام) ولديه الحسن والحسين (عليهما السلام): «كُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً ولِلْمَظْلُومِ عَوْناً»[2]، وقد ورد الحثّ على إعانة المظلوم في العديد من الأدعية والروايات، فعن الإمام زين العابدين(عليه السلام): «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ مَظْلُومٍ ظُلِمَ بِحَضْرَتِي، فَلَمْ أَنْصُرْهُ»[3].
وقال الإمام عليّ(عليه السلام): «أحسن العدل نصرة المظلوم»[4]، و«إذا رأيت مظلوماً، فأعِنه على الظالم»[5].
أهمّيّة التناصر في حياة الأمّة
للتناصر أهمّيّة عظمى في حياة الأمّة، وبدونه يصبح المجتمع الإسلاميّ مكشوفاً أمام أعدائه، مُعَرَّضاً للهزيمة. وعلى العكس من ذلك، فإنّ التزام أبناء المجتمع بنصر الله من ناحية، ونصرة بعضهم من ناحية أخرى، يؤدّي حتماً إلى فوز
[1] ابن عساكر، عليّ بن الحسن الشافعيّ، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق عليّ شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1415، لا.ط، ج54، ص7.
[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص421، الكتاب 47.
[3] الإمام زين العابدينc، الصحيفة السجّاديّة، مصدر سابق، ص166.
[4] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص113.
[5] المصدر نفسه، ص133.
57
52
الموعظة الخامسة: الكسب الحلال
وكان (صلى اللله عليه وآله) يشحذ همم المسلمين ويحثّهم على نصرة المظلوم، مبيّناً أنّ الجزاء سيكون من جنس العمل: «ما من امرئ يخذل امرءاً مسلماً عند موطن تُنتهَك فيه حرمته ويُنتَقص فيه من عرضه، إلّا خذله الله عزّ وجلّ في موطن يحبّ فيه نصرته، وما من امرئ ينصر امرءاً مسلماً في موطن يُنتقَص فيه من عرضه، ويُنتهَك فيه من حرمته، إلّا نصره الله في موطن يحبّ فيه نصرته»[1].
ثواب نصرة المظلوم
قال رسول الله (صلى اللله عليه وآله): «من أخذ للمظلوم من الظالم، كان معي في الجنّة مصاحباً»[2].
خصوصيّة استجابة دعوة المظلوم
المستفاد من روايات عدّة أنّ الله تعالى خصّ المظلومين بقبول دعوتهم ونصرتهم، وردّ كيد الأعداء، وما ذلك إلّا لأنّهم أصحاب حقّ، وإنّ الله تعالى لا يمنع ذا حقّ حقّه، ويحثّ عبادَه على نصرة المظلومين.
[1] أحمد بن حنبل، المسند (مسند أحمد)، دار صادر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج4، ص30.
[2] الكراجكيّ، محمّد بن عليّ، كنز الفوائد، تحقيق وتصحيح عبد الله نعمة، دار الذخائر، إيران - قم، 1410ه، ط1، ج1، ص135.
59
53
الموعظة الخامسة: الكسب الحلال
وعن رسول الله (صلى اللله عليه وآله): «اتّقوا دعوة المظلوم؛ فإنّها تُحمَل على الغمام، يقول الله: وعزّتي وجلالي، لأنصرنّك ولو بعد حين»[1].
وعن الإمام عليّ(عليه السلام)، لمّا سُئل: كم بين الأرض والسماء؟ قال: «بين السماء والأرض مدّ البصر ودعوة المظلوم»[2].
[1] المتّقي الهنديّ، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، مصدر سابق، ج3، ص499.
[2] الشيخ محمّد الريشهريّ، ميزان الحكمة، تحقيق ونشر دار الحديث، لا.م، لا.ت، ط1، ج2، ص1781.
60
54
الموعظة الثامنة: عاقبة الظلم
الموعظة الثامنة: عاقبة الظلم
هدف الموعظة
معرفة عاقبة الظلم في الدنيا والآخرة، والتحذير منه.
محاور الموعظة
1. أعظم الظلم
2. الظالم لا يخاف الله
3. عاقبة الظلم في الدنيا
4. عاقبة الظلم في الآخرة
تصدير الموعظة
﴿وَسَيَعۡلَمُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ﴾[1].
[1] سورة الشعراء، الآية 227.
61
55
الموعظة الثامنة: عاقبة الظلم
أعظم الظلم
عن أمير المؤمنين(عليه السلام): «بِئْسَ الزَّادُ إِلَى الْمَعَادِ، الْعُدْوَانُ عَلَى الْعِبَادِ»[1]، لقد عبَّر أمير المؤمنين(عليه السلام) بإيجازٍ عن حقيقةٍ قرآنيّة، وهي أنّ الإنسان في هذه الدنيا عامل، وثمرة عمله تظهر في الآخرة؛ فما يفعله الإنسان كان زاده إلى الآخرة، وإنّ أسوأَ ما يمكن أن يحمله الإنسان من الدنيا الفانية إلى الحياة الباقية ليكون مُخَّلداً معه هو الظلم، ولا سيّما ظلم العباد، وهو من الظلم الذي لا يُترك كما ورد عنه(عليه السلام): «أَلَا وَإِنَّ الظُّلْمَ ثَلَاثَةٌ: فَظُلْمٌ لَا يُغْفَرُ، وَظُلْمٌ لَا يُتْرَكُ، وَظُلْمٌ مَغْفُورٌ... وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي لَا يُتْرَكُ، فَظُلْمُ الْعِبَادِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً»[2].
وإذا حاولنا أن نستعرض المسيرة البشريّة، لا نجد ظلماً أفحش ولا أعظم ممّا حدث في كربلاء يوم العاشر من المحرّم سنة 61ه؛ فهناك كانت أعظم الجرائم وأقبحها، ليس فقط لأنّها لم تترك وحشيّة إلّا اقترفتها من قتلٍ وتقطيع أوصالٍ وسبيٍ وتعرّضٍ للنساء والأطفال... بل لأنّه كان ظلماً طال كلّ موجود،
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص507، الحكمة 221.
[2] المصدر نفسه، ص255، الخطبة 176.
62
56
الموعظة الثامنة: عاقبة الظلم
من أقدسهم محمّد (صلى اللله عليه وآله) وعليّ وفاطمة (عليهما السلام)، إلى عالم الوجود كلّه من أهل السماوات والأرض، وهذا ربّما ما تشير إليه عبارات الزيارات، ولا سيّما زيارة عاشوراء.
مضافاً إلى أنّه مصداق لما ورد عن رسول الله (صلى اللله عليه وآله): «يقول الله عزّ وجلّ: اشتدّ غضبي على من ظلم من لا يجد ناصراً غيري»[1].
ولقد كان الإمام الحسين(عليه السلام) بلا ناصر ولا معين أمام الحشد الهائل لجند الظالم، وقد أظهر ذلك باستدعائه الناصر، إذ يقول(عليه السلام): «أَفَلَا نَاصِرٌ يَنْصُرُنِي؟!»[2].
الظالم لا يخاف الله
إنّ للظلم أسباباً كثيرة ترجع في أغلبها إلى أمور، منها:
1. حبّ الدنيا ومناصبها وجاهها وسلطانها، فملك الريّ دعا اللعين ابن سعد إلى أن يقود الجيش الذي ارتكب الفظائع بحقّ أهل بيت الطهر والنبوّة (عليهم السلام).
[1] الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قم، 1414ه، ط1، ص405.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج42، ص264.
63
57
الموعظة الثامنة: عاقبة الظلم
2. عدم الشعور بالرقابة الإلهيّة، وكذلك عدم الإيمان بالآخرة، أو التشكيك بها، فمن يؤمن بالله واليوم الآخر ويشعر بأنّ الله حاضرٌ وناظرٌ مراقب لا يجرؤ على أن يظلم. ومن لا يؤمن بذلك، فلن يخاف من الله ليكون الخوف رادعاً له عن الظلم، عن أمير المؤمنين(عليه السلام): «من خاف ربّه، كفّ ظلمه»[1].
وكيف يجرؤ على الظلم من وصله قولُ رسول الله (صلى اللله عليه وآله): «بين الجنّة والعبد سبع عقاب (عقبات)، أهونها الموت»، قال أنس: قلت يا رسول الله، فما أصعبها؟ قال (صلى اللله عليه وآله): «الوقوف بين يدي الله عزَّ وجلَّ إذا تعلّق المظلومون بالظالمين»[2].
قبح الظلم عند البشر
إنّ الإنسان مهما كان دينه ومسلكه وانتماؤه، وأينما حلّ في بقاع الأرض، يُدرك بنفسه قُبح الظلم وحُسن العدل، كما يُدرك بنفسه حسن الوفاء بالعهد وقبح نقضه، وحُسن معونةِ المظلومين ونصرتهم، وقُبح إعانة الظالمين ونصرتهم.
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص24.
[2] المتقيّ الهنديّ، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، مصدر سابق، ج3، ص824.
64
58
الموعظة الثامنة: عاقبة الظلم
فالعقل البشريّ السليم يدرك حسن الأفعال وقبحها، ويرى الفعلَ الحسَن علامةً لكمال فاعله، والفعل القبيح علامةً لنقصان فاعله.
لهذا، فإنّ الخروج عن هذه القاعدة من قبل المتكبّرين في الماضي والحاضر، وظلم الشعوب وسلب مقدّراتها وعدم إعطائها ما تستحقّه، هو من أجلى مصاديق الظلم والتكبّر والتعالي، خاصّة وأنّ أساس الظلم نابع إمّا من جهل الفاعل بقبح الظلم، أو كونه سفيهاً غير حكيم، فهو يمارس الظلم مع علمه بقبحه، وعلى الرغم من قدرته على القيام بالعدل، أو من احتياجه للظلم لحفظ مصالحه ومشاريعه، وإن كان على حساب حقوق الشعوب وكراماتها.
عاقبة الظلم
أوّلاً: عاقبة الظلم في الدنيا
يظنّ بعض الظلمة أنّ نتائج ظلمهم وعقوبتهم عليه مؤخّرة إلى يوم القيامة، وهذا ما قد يغريهم بالاستمرار فيه والاستبداد أكثر، إلّا أنّ هذا ليس حقيقة؛ لأنّ الله وعَدَ بكتابه
65
59
الموعظة الثامنة: عاقبة الظلم
أن يدافع عن المؤمنين والمظلومين ولا يرضى بالظلم؛ لذا فهو يؤدّب الظالم في الدنيا وإن أمهله، وحاشا له أن يُهمِله؛ وثمّة آثار كثيرة وعواقب للظلم في الدنيا، نذكر منها:
1. قصر العمر: عن الإمام عليّ(عليه السلام): «من جَارَ قُصم عمره»[1].
2. زوال النعمة: أو بمعنى آخر تعريض الملك للزوال: عن الإمام عليّ(عليه السلام): «بالظلم تزول النِعم»، أو ما ورد بأنّ الحكم مع الكفر يبقى، ومع الظلم لا يبقى.
3. استجابة دعاء المظلوم بحقّ الظالم: عن الإمام عليّ(عليه السلام): «فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ دَعْوَةَ الْمُضْطَهَدِينَ، وَهُوَ لِلظَّالِمِينَ بِالْمِرْصَادِ»[2].
وعن الرسول الأكرم (صلى اللله عليه وآله): «اتّقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً، فإنّها ليس دونها حجاب»[3].
4. تعجيل النقمة: عن الإمام عليّ(عليه السلام): «وَلَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى إِلَى تَغْيِيرِ نِعْمَةِ اللَّهِ وَتَعْجِيلِ نِقْمَتِهِ مِنْ إِقَامَةٍ عَلَى ظُلْمٍ»[4].
[1] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص423.
[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص429، الكتاب 53.
[3] السيوطيّ، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1401ه - 1981م، ط1، ج1، ص29.
[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص429، الكتاب 53.
66
60
الموعظة التاسعة: الحلم والغضب وأثرهما في السلوك
ثانياً: عاقبة الظلم في الآخرة
يقول الإمام عليّ(عليه السلام): «ظلامة المظلومين يُمهلها الله، ولا يُهملها»[1]، فالظلم غير متروك والظالم غير مُهمَل، وقد سبق في ما مرَّ من الروايات أنّ من عواقب الظلم تشديد الحساب، وفي ساحة المحشر وأمام الخلق جميعاً، حيث يمسك المظلومون برقاب ظالميهم، ليسوقوهم إلى الحساب وليقتصّوا منهم. وحينها كيف ستكون ساحة المحشر؟ وكيف سيكون يوم القيامة بالنسبة للظالمين؟ وما هي هيئتهم؟ وكيف يشعرون؟ والجواب، أنّهم سيكونون في حالة:
1. الندم والحسرة: قال تعالى: ﴿وَيَوۡمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيۡهِ يَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي ٱتَّخَذۡتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلا﴾[2]. وعن رسول الله (صلى اللله عليه وآله): «الظلم ندامة»[3].
2. العذاب الأليم: يقول تعالى: ﴿فَوَيۡل لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡ عَذَابِ يَوۡمٍ أَلِيمٍ﴾[4].
[1] الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص441.
[2] سورة الفرقان، الآية 27.
[3] الشعيريّ، محمّد بن محمّد، جامع الأخبار، المطبعة الحيدريّة، العراق - النجف، لا.ت، ط1، ص155.
[4] سورة الزخرف، الآية 65.
67
61
الموعظة الثامنة: عاقبة الظلم
3. السقوط عن الصراط: عن الإمام الصادق(عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ﴾[1]: «قنطرة على الصراط لا يجوزها عبد بمظلمة»[2].
4. ظلمات: ورد عن رسول الله قوله (صلى اللله عليه وآله): «وإيّاكم والظلم؛ فإنّ الظلم عند الله هو الظلمات يوم القيامة...»[3].
والظلمات يوم القيامة قد تكون العمى، كما في قوله تعالى: ﴿ وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِۦٓ أَعۡمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلا﴾[4]. وقد تكون بمعنى التقلّب في ألوان المهانة والعذاب والشدائد.
5. عقوبة الظالم أشدّ من الظلم: عن الإمام عليّ(عليه السلام): «يَوْمُ الْمَظْلُومِ عَلَى الظَّالِمِ أَشَدُّ مِنْ يَوْمِ الظَّالِمِ عَلَى الْمَظْلُومِ»[5].
[1] سورة الفجر، الآية 14.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص331.
[3] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، الخصال، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قم، 1403ه - 1362ش، لا.ط، ج1، ص176.
[4] سورة الإسراء، الآية 72.
[5] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص511، الحكمة 241.
68
62
الموعظة التاسعة: الحلم والغضب وأثرهما في السلوك
لأنّ المظلوميّة تذهب بذهاب الألم الناتج عنها، وعلى الأكثر بالموت، بينما الاقتصاص من الظالم في الدار الآخرة يكون بعذاب أشدّ وأبقى وأدوم؛ لذا قال الإمام عليّ(عليه السلام): «إيّاك والظلم؛ فإنّه يزول عمّن تظلمه، ويبقى عليك»[1].
6. الله خصم الظالم: عن الإمام عليّ(عليه السلام): «مَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّهِ، كَانَ اللَّهُ خَصْمَهُ دُونَ عِبَادِهِ»[2].
[1] الآمديّ، غرر الحكم ودرر الكلم، مصدر سابق، ص166.
[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص428، الكتاب 53.
69
63
الموعظة التاسعة: الحلم والغضب وأثرهما في السلوك
الموعظة التاسعة: الحلم والغضب وأثرهما في السلوك
هدف الموعظة
التحذير من صفة الغضب والحثّ على الحلم، من خلال بيان أثرهما في سلوك الإنسان واستقرار المجتمع.
محاور الموعظة
1. مفهوم الحلم وكظم الغيظ
2. الحلم صفة قوّة لا ضعف
3. مفهوم الغضب وبواعثه وعلاجه
تصدير الموعظة
الإمام الصادق(عليه السلام): «ما من عبدٍ كظم غيظاً، إلّا زاده الله عزّ وجلّ عزّاً في الدنيا والآخرة، وقد قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ﴾[1]، وأثابه مكان غيظه ذلك»[2].
[1] سورة آل عمران، الآية 134.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص110.
70
64
الموعظة التاسعة: الحلم والغضب وأثرهما في السلوك
يواجه الإنسان في سلوكه الكثير من المثيرات والانفعالات التي تُوقعه في الغضب والخطأ والمعصية أحياناً، ولأنّ الغضب قوّة مودعة في الإنسان لفلسفة خاصّة، احتاج الإنسان إلى منظّمٍ لهذه القوّة، فكان الحلم وكظم الغيظ أحد أهمّ الصفات التي تحلّى بها النبيّ(صلى اللله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)، ومن هنا ضرورة معالجتهما معاً.
مفهوم الحلم وكظم الغيظ
هما ضبط النفس إزاء مثيرات الغضب، وهما من أشرف السجايا، وأعزّ الخصال، ودليلا سموِّ النفس، وكرم الأخلاق، وسببا المودّة والإعزاز، وقد مدح الله الحكماء والكاظمين الغيظ، وأثنى عليهم في كتابه الكريم، فقال تعالى: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰما﴾[1].
وقال تعالى: ﴿وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَة كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيم * وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيم﴾[2].
[1] سورة الفرقان، الآية 63.
[2] سورة فُصّلت، الآيتان 34-35.
71
65
الموعظة التاسعة: الحلم والغضب وأثرهما في السلوك
وقال تعالى: ﴿وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ﴾[1].
وعلى هذا النسق جاءت توجيهات أهل البيت (عليهم السلام):
عن الإمام الباقر(عليه السلام): «إنّ الله عزّ وجلّ يحبّ الحيي الحليم»[2]، وأيضاً: «أوّل عوض الحليم من حلمه، أنّ الناس أنصاره على الجاهل»[3].
وعن الإمام الصادق(عليه السلام): «إذا وقع بين رجلين منازعة نزل ملكان، فيقولان للسفيه منهما: قلت وقلت، وأنت أهلٌ لما قلت، ستُجزى بما قلت. ويقولان للحليم منهما: صبرت وحلمت، سيغفر الله لك، إن أتممت ذلك»، قال: «فإن ردّ الحليم عليه ارتفع الملكان»[4].
[1] سورة آل عمران، الآية 134.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص112.
[3] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص505، الحكمة 206.
[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص113.
72
66
الموعظة التاسعة: الحلم والغضب وأثرهما في السلوك
وعن الإمام الكاظم(عليه السلام): «اصبر على أعداء النعم، فإنّك لن تكافئ من عصى الله فيك، بأفضل من أن تطيع الله فيه»[1].
وأحضر(عليه السلام) وُلْده يوماً، فقال لهم: «يا بَنِيّ، إنّي موصيكم بوصيّة، فمن حفظها لم يضع معها؛ إن أتاكم آتٍ فأسمعكم في الأذن اليمنى مكروهاً، ثمّ تحوّل إلى الأذن اليسرى فاعتذر، وقال: لم أقل شيئاً، فاقبلوا عذره»[2].
الحلم صفة قوّة لا ضعف
وقد يحسب السفهاء أنّ الحلم من دلائل الضعف، ودواعي الهوان، ولكنّ العقلاء يرونه من سمات النبل، وسموّ الخلق، ودواعي العزّة والكرامة، فكلّما عظم الإنسان قدراً، كرمت أخلاقه، وسمت نفسه عن مجاراة السفهاء في جهالاتهم وطيشهم، معتصماً بالحلم وكرم الإغضاء، وحسن العفو، ما يجعله مثار الإكبار والثناء.
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص109.
[2] الإربليّ، الشيخ عليّ بن أبي الفتح، كشف الغمّة في معرفة الأئمّة، دار الأضواء، لبنان - بيروت، 1405ه - 1985م، ط2، ج3، ص9.
73
67
الموعظة التاسعة: الحلم والغضب وأثرهما في السلوك
يُقال: إنّ رجلاً شتم أحد الحكماء، فأمسك عنه، فقيل له في ذلك، فقال: «لا أدخل حرباً، الغالب فيها أشرّ من المغلوب». ومن أروع ما نظمه الشعراء في مدح الحلم، ما رواه الإمام الرضا(عليه السلام)، حين قال له المأمون: أنشدني أحسن ما رويته في الحلم، فقال(عليه السلام):
إذا كان دوني مَن بُليتُ بجهلِهِ
أبَيْتُ لنفسي أن تُقابلَ بالجهلِ
وإن كان مثلي في محلّي من النُّهى
أخذتُ بحلمي كي أُجَلّ عن المثلِ
وإن كنتُ أدنى منه في الفضلِ والحجى
عرفتُ له حقَّ التقدّمِ والفضلِ
فقال المأمون: ما أحسن هذا! من قاله؟ فقال: بعض فتياننا[1].
مفهوم الغضب وبواعثه وطريقة علاجه
الغضب حالة نفسيّة، تبعث على هياج الإنسان وثورته، قولاً أو عملاً. وهو مفتاح الشرور، ورأس الآثام، وداعية الأزمات والأخطار، وهو غريزة مهمّة، تلهب في الإنسان روح الحميّة والإباء، وتبعثه على التضحية والفداء في سبيل أهدافه الرفيعة،
[1] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضاc، مصدر سابق، ج2، ص187.
74
68
الموعظة التاسعة: الحلم والغضب وأثرهما في السلوك
ومثله العليا، كالذود عن العقيدة، وصيانة الأرواح والأموال والكرامات. ومتى تجرّد الإنسان من هذه الغريزة، صار عرضةً للهوان والاستعباد.
فيُستنتَج من ذلك أنّ الغضب نوعان: غضب مذموم، وهو ما أفرط فيه الإنسان، وخرج به عن الاعتدال، متحدّياً ضوابط العقل والشرع. وغضب ممدوح، وهو من الفضائل المشرّفة، التي تعزّز الإنسان، وترفع معنويّاته، كالغضب على المنكرات والذنوب والمعاصي.
وقد كثرت الآثار في ذمّه والتحذير منه، فعن الإمام الصادق(عليه السلام): «الغضب مفتاح كلِّ شرّ»[1]؛ وذلك لما ينجم عنه من أخطار وآثام، كالاستهزاء والتعيير والفحش والضرب والقتل، ونحو ذلك من المساوئ.
وعن الإمام الباقر(عليه السلام): «إنّ الرجل ليغضب، فما يرضى أبداً حتّى يدخل النار...»[2].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص303.
[2] المصدر نفسه، ج2، ص302.
75
69
الموعظة التاسعة: الحلم والغضب وأثرهما في السلوك
وعن أمير المؤمنين(عليه السلام): «واحذروا الغضب؛ فإنّه جند من جنود إبليس»[1].
بل في رواية الإمام الصادق(عليه السلام)، جعل الغضب أساس المفاسد الأخلاقيّة: «سمعتُ أبي يقول: أتى رسولَ الله رجلٌ بدويّ، فقال: إنّي أسكن البادية، فعلّمني جوامع الكلام. فقال: آمرك أن لا تغضب. فأعاد الأعرابيّ عليه المسألة ثلاث مرّات، حتّى رجع إلى نفسه، فقال: لا أسأل عن شيء بعد هذا، ما أمرني رسول الله إلّا بالخير...»[2].
بواعث الغضب
لا يحدث الغضب عفواً واعتباطاً، إنّما ينشأ عن أسباب وبواعث عديدة، أهمّها:
قد يكون منشأ الغضب انحرافاً صحّيّاً، كاعتلال الصحّة العامّة، أو ضعف الجهاز العصبيّ، ممّا يسبّب سرعة التهيّج.
[1] ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله، شرح نهج البلاغة، تحقيق وتصحيح محمّد أبو الفضل إبراهيم، نشر مكتبة آية الله المرعشيّ النجفيّ، إيران - قم، 1404ه، ط1، ج18، ص42.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص303.
77
70
الموعظة التاسعة: الحلم والغضب وأثرهما في السلوك
بالغاضب، وتضرّ به أكثر من المغضوب عليه، فربّ أمرٍ تافهٍ أثار غضبة عارمة، أودت بصحّة الإنسان وسعادته، فإنّ سطوة الغضب ودوافعه الإجراميّة، تعرّض الغاضب لسخط الله تعالى وعقابه، عن الإمام الصادق(عليه السلام): «أوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه: يابن آدم، اذكرني في غضبك أذكرك في غضبي، لا أمحقك فيمن أمحق، وارْضَ بي منتصراً، فإنّ انتصاري لك خير من انتصارك لنفسك»[1].
رابعاً: من الخير للغاضب إرجاء نزوات الغضب وبوادره، والتروّي في أقواله وأفعاله عند احتدام الغضب، فذلك ممّا يخفّف حدّة التوتّر والتهيّج، ويعيده إلى الرشد والصواب، عن أمير المؤمنين(عليه السلام): «إن لم تكن حليماً فتحلّم؛ فإنّه قَلّ من تشبّه بقومٍ إلّا أوشك أن يكون منهم»[2].
خامساً: الاستعاذة من الشيطان الرجيم، وجلوس الغاضب إذا كان قائماً، واضطجاعه إن كان جالساً، والوضوء أو الغسل بالماء البارد، ومسّ يد الرحم إن كان مغضوباً عليه، فإنّه من مهدّئات الغضب.
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص303.
[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص506، الحكمة 207.
78
71
الموعظة العاشرة: اللعن والسبّ
الموعظة العاشرة: اللعن والسبّ
هدف الموعظة
بيان مفهومي اللعن والسبّ وموقف الإسلام منهما، والنهي عن تحوّلهما إلى خُلُق.
محاور الموعظة
1. الفرق بين اللعن و السبّ
2. مفهوما اللعن والسبّ في القرآن والسنّة
3. لا تكونوا لعّانين
4. ثقافة المنطق والدليل لا اللعن
5. حرمة السبّ
تصدير الموعظة
رسول الله (صلى اللله عليه وآله): «ليس المؤمن بالسبّاب ولا بالطعّان ولا باللعّان»[1].
[1] العلويّ، السيّد محمّد بن عقيل بن عبد الله، النصائح الكافية، دار الثقافة للطباعة والنشر، إيران - قم، 1412، ط1، ص23.
79
72
الموعظة العاشرة: اللعن والسبّ
الفرق بين اللعن والسبّ
المفهوم اللغويّ: «اللعن: الطرد والإبعاد على سبيل السخط، وذلك من الله تعالى في الآخرة عقوبة؛ وفي الدنيا انقطاع من قبول رحمته وتوفيقه، ومن الإنسان دعاء على غيره»[1].
أما السبّ، فقال ابن الأثير: «والسَّبُّ: الشَّتْم، وهو مصدر سَبَّه يَسُبُّه سَبّاً: شَتَمَه»[2].
وخلاصة الأمر أنّ اللّعن إن كان من الله سبحانه فمعناه الطرد من الرحمة، وإن كان من الناس فمعناه الدعاء بالطرد، وبالتالي فهو شيء غير السبّ والشتم اللّذين يعنيان الكلام القبيح المستخدم في الذمّ والتنقيص.
مفهوما اللعن والسبّ في القرآن والسنة
استخدم القرآن مادّة «لعن» سبعاً وثلاثين مرّة منسوبة إلى الله سبحانه وتعالى، ومرّة واحدة منسوبة إلى الناس، وهذا الاستخدام بذاته يدلّ على مشروعيّته من حيث الأصل، بينما
[1] الراغب الأصفهانيّ، مفردات ألفاظ القرآن، مصدر سابق، ص741.
[2] ابن منظور، العلّامة محمّد بن مكرم الإفريقيّ المصريّ، لسان العرب، نشر أدب الحوزة، إيران - قم، 1405ه، لا.ط، ج1، ص455
80
73
الموعظة العاشرة: اللعن والسبّ
وردت مادّة «سبَبَ» مرّة واحدة في سياق النهي، وهي قوله تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدۡوَۢا﴾[1].
وهذا النهي يدلّ على قبح السبّ والشتم، ولو كان اللعن مشاركاً لهما في ذلك، لنهى القرآن الكريم عنه.
وإذا جئنا إلى السنّة النبويّة، وجدناها تشتمل على بعض النصوص التي استخدم النبيّ (صلى اللله عليه وآله) فيها اللعن إزاء أعداء الرسالة من المشركين والمنافقين والكفّار في حالات خاصّة ومحدودة.
وحينما ننظر في آيات اللعن الواردة في القرآن الكريم، نجدها على أربع طوائف:
1. آيات وَجّهت اللعن إلى إبليس، كقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ عَلَيۡكَ لَعۡنَتِيٓ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلدِّينِ﴾[2].
2. آيات وَجّهت اللعن إلى عموم الكافرين، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَعَنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمۡ سَعِيرًا﴾[3].
[1] سورة الأنعام، الآية 108.
[2] سورة ص، الآية 78.
[3] سورة الأحزاب، الآية 64.
81
74
الموعظة الثامنة: عاقبة الظلم
3. آيات وَجّهت اللعن إلى الكفّار من بني إسرائيل خاصّة، كقوله تعالى: ﴿لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۚ﴾[1].
4. والقسم الرابع منها صبّت اللعنة على عناوين سلوكيّة عامّة، مثل:
أ. عنوان الكاذبين، في قوله تعالى: ﴿وَٱلۡخَٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ﴾[2].
ب. عنوان الظالمين، في قوله تعالى: ﴿أَلَا لَعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّٰلِمِينَ﴾[3].
ج. عنوان إيذاء الرسول، في قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ﴾[4].
د. عنوان رمي المحصنات، في قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡغَٰفِلَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ وَلَهُمۡ﴾[5].
[1] سورة المائدة، الآية 78.
[2] سورة النور، الآية 7.
[3] سورة هود، الآية 18.
[4] سورة الأحزاب، الآية 57.
[5] سورة النور، الآية 23.
82
75
الموعظة العاشرة: اللعن والسبّ
ه. عنوان القتل، في قوله تعالى: ﴿وَمَن يَقۡتُلۡ مُؤۡمِنا مُّتَعَمِّدا فَجَزَآؤُهُۥ جَهَنَّمُ خَٰلِدا فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَلَعَنَهُۥ وَأَعَدَّ لَهُۥ عَذَابًا عَظِيما﴾[1].
و. عنوان النفاق، في قوله تعالى: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ هِيَ حَسۡبُهُمۡۚ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُۖ وَلَهُمۡ عَذَاب مُّقِيم﴾[2].
وكأنّ القرآن يتسلسل في اللعن من رمز الشرّ المتمثّل بإبليس، إلى الفئات البشريّة التي تستجيب لندائه، فيبدأ بالكافرين كحلقة أولى، ثمّ باليهود كحلقة وسطى، وكلتا الحلقتين تمثّلان أعداء الإسلام من الخارج، ثمّ يتدرّج إلى داخل الدائرة الإسلاميّة، فيوجّه اللعن إلى أعداء الإسلام من الداخل كالمنافقين، ثمّ ينتقل منهم إلى آخر حلقة في خطّ الشرّ المتمثّلة بالظلم والقتل وقذف المحصنات وقطع الرحم؛ أي إلى الحلقة التي تهدّد النظام الاجتماعيّ بالانهيار.
[1] سورة النساء، الآية 93.
[2] سورة التوبة، الآية 68.
83
76
الموعظة العاشرة: اللعن والسبّ
والذي يُلقي نظرة مقارنة بين الكتاب والسُنّة النبويّة في هذا المضمار، يتراءى له بوضوح أن السنّة النبويّة ركّزت وتوسّعت في لعن الحلقة الأخيرة، أكثر من سائر الحلقات، والدليل على ذلك أنّ اللعن على لسان النبيّ (صلى اللله عليه وآله) قد انصبّ على عناوين اجتماعيّة، كلعن الخمر والربا والرشوة، ومانع الصدقة والزكاة...
لا تكونوا لعّانين
اللعن بهذا المعنى والمفهوم بعيد كلّ البعد عن السبّ، الذي هو مفردة سلوكيّة مخالفة تماماً لما عليه الأخلاق الإسلاميّة، وقريب كلّ القرب في مدلولاته العقائديّة من مفهوم الولاء والبراءة من جهة، وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جهة ثانية؛ ذلك أنّ اللعن ينصبّ على المحاور التي ينبغي عقائديّاً على المسلم إعلان براءته منها، كالكفّار والمنافقين، وعلى عوامل الانحراف الاجتماعيّ، والعناوين المرفوضة في السلوك الاجتماعيّ، التي يجب على المسلم شرعاً مكافحتها، طبقاً لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وبالتالي فهو تعبير أدبيّ عن فريضتين، عقائديّة وشرعيّة، في آنٍ واحد.
84
77
الموعظة العاشرة: اللعن والسبّ
وقد ورد النهي عن أن يكون اللعن خُلقاً دائماً، وسليقة ثابتة يجري عليها المؤمن بنحوٍ مستمرّ، كقوله (صلى اللله عليه وآله): «لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعّاناً»[1].
وورد النهي عن لعن كلّ شيء، عن رسول الله (صلى اللله عليه وآله): «إن استطعت أن لا تلعن شيئاً، فافعل»[2].
قال الفيض الكاشانيّ (رضي الله عنه): «أمّا حديث: «لا تكونوا لعّانين»؛ فلعلّه نهي عن أن يكون السبّ خُلقاً لهم، بسبب المبالغة فيه والإفراط في ارتكابه، بحيث يلعنون كلّ أحد، كما يدلّ عليه قوله: «لعّانين»، لا أنّه نهي عن لعن المستحقّين، وإلّا لقال: لا تكونوا لاعنين، فإنّ بينهما فرقاً يعلمه من أحاط بدقائق لسان العرب»[3].
[1] الترمذيّ، أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة، الجامع الصحيح (سنن الترمذيّ)، تحقيق وتصحيح عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1403ه - 1983م، ط2، ج3، ص250.
[2] الطبرانيّ، سليمان بن أحمد، الدعاء، مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلميّة، لبنان - بيروت، 1413، ط1، ص575.
[3] الفيض الكاشانيّ، المولى محمّد محسن، المحجّة البيضاء في تهذيب الإحياء، صحّحه وعلّق عليه عليّ أكبر الغفاري، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرِّسين حوزه علميّه قم، إيران - قم، لا.ت، ط2، ج5، ص222.
85
78
الموعظة العاشرة: اللعن والسبّ
وما يؤكّد هذا أنّ النبيّ (صلى اللله عليه وآله) قد نهى عن سبّ حتّى الجمادات والزمن، فقال (صلى اللله عليه وآله): «لا تسبّوا الرياح فإنّها مأمورة، ولا تسبّوا الجبال ولا الساعات ولا الأيّام ولا الليالي، فتأثموا وترجع عليكم»[1].
ثقافة المنطق والدليل لا اللعن
يُفهم من مجموعة من النصوص، مضافاً إلى منهج الأنبياء والأئمّة (عليهم السلام) في الدعوة إلى الله، أنّ الإسلام والمجتمع الإسلاميّ، في مواجهته لخطّ الكفر والنفاق والانحراف، لا يعتمد اللعن كوسيلة حاسمة، إنّما الوسيلة الحاسمة في الإسلام هي الدليل والبرهان والمنطق العقليّ البرهانيّ، الذي عبّر عنه القرآن الكريم بصيغ مختلفة، وإذا ما أحصينا استخدامات القرآن الكريم للموادّ اللغويّة ذات العلاقة بالفكر والعقل والدليل والبرهان والعلم والكتابة وأمثالها، وجدناها تزيد على الألفين ومئة وتسعين مرّة، بينما استعمل القرآن الكريم مادّة اللعن ثماني وثلاثين مرّة.
[1] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، مصدر سابق، ج2، ص577.
86
79
الموعظة الثامنة: عاقبة الظلم
حرمة السبّ
نهى أمير المؤمنين(عليه السلام) قوماً من أصحابه، سمعهم يسبّون أهل الشام، فقال: «إِنِّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبَّابِينَ، وَلَكِنَّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ وَذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ، كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ، وَأَبْلَغَ فِي الْعُذْرِ، وقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيَّاهُمْ: اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَدِمَاءَهُمْ، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَبَيْنِهِمْ، وَاهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالَتِهِمْ، حَتَّى يَعْرِفَ الْحَقَّ مَنْ جَهِلَهُ، وَيَرْعَوِيَ عَنِ الْغَيِّ وَالْعُدْوَانِ مَنْ لَهِجَ بِهِ»[1].
بل ورد النهي عن اللعن والسبّ معاً، فقال(عليه السلام): «كرهت لكم أن تكونوا لعّانين شتّامين، تشتمون وتتبرّؤون...»[2].
وورد عن رسول الله (صلى اللله عليه وآله): «لاتسبّوا الناس، فتكتسبوا العداوة بينهم»[3].
وخلاصة القول: إنّ السبّ ظاهرة أخلاقيّة منبوذة، ومفردة سلوكيّة مرفوضة، من وجهة نظر القرآن والسنّة النبويّة وأئمّة
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص323، الخطبة 206.
[2] العلاّمة الحلّيّ، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسديّ، إرشاد الأذهان، تحقيق الشيخ فارس حسون، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قم، 1410ه، ط1، ج1، ص142.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص360.
87
80
الموعظة الثامنة: عاقبة الظلم
أهل البيت (عليهم السلام)، وإنّ للعن موارده الخاصّة وحدوده وفق ما جاء في القرآن الكريم.
وعندما نتأمّل في سيرة أهل البيت (عليهم السلام) نجد بأنّهم قد ربّوا أصحابهم على الحلم والتعالي عن السبّ والشتم، فعن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال لقنبر، وقد رام أن يشتم شاتمه: «مهلاً يا قنبر، دع شاتمك مهاناً تُرضِ الرحمن وتسخط الشيطان وتعاقب عدوّك. فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، ما أرضى المؤمن ربّه بمثل الحلم، ولا أسخط الشيطان بمثل الصمت، ولا عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه»[1].
[1] المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان، الأمالي، تحقيق حسين الأستاد ولي، عليّ أكبر الغفاري، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414 - 1993م، ط2، ص118.
88
81
الموعظة الحادية عشرة: الاختلاط
الموعظة الحادية عشرة: الاختلاط
هدف الموعظة
بيان موقف الإسلام من الاختلاط بين الرجل والمرأة، والتمييز بين الاختلاط المحرّم وغير المحرّم.
محاور الموعظة
1. مفهوم الاختلاط
2. الخلوة المحرّمة
3. الخلوة مُفسدة للقلوب
4. ضوابط الاختلاط العامّ
5. قصص حول الاختلاط
تصدير الموعظة
الإمام عليّ(عليه السلام) لولده الإمام الحسن(عليه السلام) في وصيّته إليه: «واكْفُفْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إِيَاهُنَّ؛ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحِجَابِ خَيْرٌ لَكَ ولَهُنَّ مِنَ الِارْتِيَابِ؛ ولَيْسَ خُرُوجُهُنَّ بِأَشَدَّ مِنْ دُخُولِ مَنْ لَا تَثِقُ بِه عَلَيْهِنَّ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَعْرِفْنَ غَيْرَكَ مِنَ الرِّجَالِ فَافْعَلْ»[1].
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص405، الكتاب 31.
89
82
الموعظة الحادية عشرة: الاختلاط
الموعظة الحادية عشرة: الاختلاط
هدف الموعظة
بيان موقف الإسلام من الاختلاط بين الرجل والمرأة، والتمييز بين الاختلاط المحرّم وغير المحرّم.
محاور الموعظة
1. مفهوم الاختلاط
2. الخلوة المحرّمة
3. الخلوة مُفسدة للقلوب
4. ضوابط الاختلاط العامّ
5. قصص حول الاختلاط
تصدير الموعظة
الإمام عليّ(عليه السلام) لولده الإمام الحسن(عليه السلام) في وصيّته إليه: «واكْفُفْ عَلَيْهِنَّ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ بِحِجَابِكَ إِيَاهُنَّ؛ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحِجَابِ خَيْرٌ لَكَ ولَهُنَّ مِنَ الِارْتِيَابِ؛ ولَيْسَ خُرُوجُهُنَّ بِأَشَدَّ مِنْ دُخُولِ مَنْ لَا تَثِقُ بِه عَلَيْهِنَّ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَعْرِفْنَ غَيْرَكَ مِنَ الرِّجَالِ فَافْعَلْ»[1].
[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص405، الكتاب 31.
89
83
الموعظة الحادية عشرة: الاختلاط
الاختلاط أرض خصبة لها قابليّة لوقوع الإنسان في الكثير من الانحرافات السلوكيّة والنفسيّة. من هنا، كان للاختلاط خطورته الخاصّة التي تحتّم معرفة الحدود الشرعيّة التي تمنع الإنسان من الوقوع في شرك إبليس وجنوده، وتؤمّن له الحماية والحصانة الكافية ليبقى عزيزاً في هذه الدنيا فائزاً في الآخرة.
مفهوم الاختلاط
هو اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد، في بيت أو سوق أو طريق... فكلّ لقاءٍ لأحد الجنسين مع الآخر هو نوع من أنواع الاختلاط. والاختلاط إذا فسّرناه بهذا المعنى الواسع، أمكن اجتنابه لشخص أو شخصين، لكنّه متعسّر بالنسبة للمجتمع عموماً؛ لأنّ الإنسان يعيش في مجتمع مختلط، ولأفراده حاجات متبادلة يعسُر معها فرض عُزلة الرجال عن النساء بشكلٍ كامل، بل نجد الاختلاط موجوداً حتّى في بعض الأمور الشرعيّة الأساسيّة كالحجّ، وكذلك الجهاد، كما يُستفاد من سيرة النبيّ الأعظم (صلى اللله عليه وآله)، إذ كان للنساء دورٌ أساس في المعركة من مداواة الجرحى وسقي الماء ونحو ذلك.
90
84
الموعظة الحادية عشرة: الاختلاط
الخلوة المحرّمة
حرّمت الشريعة المقدّسة نوعاً من الاختلاط، وهو الاختلاط الذي يصل إلى حدّ الخلوة بين الرجل والمرأة الأجنبيّين، فعن الإمام عليّ(عليه السلام): «لا يخلو بامرأة رجل، فما من رجل خلا بامرأة إلّا كان الشيطان ثالثهما»[1]، وعنه(عليه السلام): «سبب الفجور الخلوة»[2].
لذا، أفتى الفقهاء بحرمة هذا النوع من الاختلاط، يقول الإمام الخمينيّ g: «إذا اجتمع الرجل والمرأة في محلّة خلوة، بحيث لم يوجد أحد هناك، ولا يتمكّن الغير من الدخول، فإن كانا يخافان الوقوع في الحرام، فيجب أن يتركا المكان»[3].
الخلوة مُفسدة للقلوب
وعن الرسول الأكرم (صلى اللله عليه وآله): «أربع مُفسِدة للقلوب: الخلوة بالنساء، والاستماع منهنّ، والأخذ برأيهنّ، ومجالسة الموتى»، فقيل: يا رسول الله، وما مجالسة الموتى؟ قال: «مجالسة كلّ ضالّ عن الإيمان وجائر عن الأحكام»[4].
[1] المحدّث النوريّ، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج14، ص265.
[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص282.
[3] توضيح المسائل للإمام الخمينيّ g، المسألة رقم 2445.
[4] الشيخ الطوسيّ، الأمالي، مصدر سابق، ص83.
91
85
الموعظة الحادية عشرة: الاختلاط
ضوابط الاختلاط العامّ
ثمّة العديد من الحدود التي ينبغي الالتفات إليها واجتنابها عند اختلاط الرجل بالمرأة، نذكر منها:
1. النظر المحرَّم: قال تعالى: ﴿قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ ٣٠ وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبۡدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَاۖ وَلۡيَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ﴾[1].
2. المصافحة باليد: عن رسول الله (صلى اللله عليه وآله): «ولا يجوز للمرأة أن تصافح غير ذي محرم، إلّا من وراء ثوبها»[2].
3. التبرّج والزينة: في حديث المناهي عن النبي (صلى اللله عليه وآله): «ونهى أن تتزيّن لغير زوجها، فإن فعلت، كان حقّاً على الله أن يحرقها بالنار»[3].
4. المزاح: عن رسول الله (صلى اللله عليه وآله): «من فاكه امرأة لا يملكها، حبسه الله بكلّ كلمة في الدنيا ألف عام»[4].
[1] سورة النور، الآيتان 30 - 31.
[2] الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ج2، ص588.
[3] الشيخ الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج20، ص162.
[4] المصدر نفسه، ج20، ص198.
92
86
الموعظة الحادية عشرة: الاختلاط
وقال أبو بصير: كنت أُقرئ امرأة كنت أعلّمها القرآن، فمازحتُها بشيء، فقدمت على أبي جعفر(عليه السلام) فقال لي: «أيّ شيء قلت للمرأة؟»، فغطّيت وجهي، فقال(عليه السلام): «لا تعودنّ إليها»[1].
5. الابتعاد عن الميوعة: قال تعالى: ﴿يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسۡتُنَّ كَأَحَد مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيۡتُنَّۚ فَلَا تَخۡضَعۡنَ بِٱلۡقَوۡلِ فَيَطۡمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلۡبِهِۦ مَرَض وَقُلۡنَ قَوۡلا مَّعۡرُوفا﴾[2].
فهذه الآية الكريمة تلفت إلى خطورة دور نساء النبيّ (صلى اللله عليه وآله)، وأنهنّ أولى من غيرهنّ بالالتزام بهذه التكاليف الإسلاميّة، التي هي عامّة لكلّ النساء، ومن هذه التكاليف عدم الخضوع في القول، فعلى المرأة المسلمة أن تتحدّث بأسلوب مُتّزن، لا يتسبّب بفتنة المُستمع من الرجال.
[1] الشيخ الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج20، ص198.
[2] سورة الأحزاب، الآية 32.
93
87
الموعظة الحادية عشرة: الاختلاط
تقول السيّدة الشهيدة بنت الهدى في مقطوعة توجيهيّة نظمتها ردّاً على تسمية فتيات الأمّة «رجعيّات»:
«رجعيّة» إن قيلَ عنكِ
فلا تبالي واصمدي
قولي: أنا بنتُ الرسالة
من هداها أهتدي
لم يثنني خجلي عن العليا
ولم يغللْ يدي
كلّا ولا هذا الحجابُ
يعيقني عن مقصدي
فغدٌ لنا أختاه فامضي
في طريقِكِ واصعدي
والحقُّ يا أختاهُ يعلو
فوق كيدِ المعتدي
قصص حول الاختلاط
تقول السيّدة عاطفة الإشراقي: من القضايا التي كان يهتمّ الإمام الخمينيّ الراحل بها كثيراً اجتناب الاختلاط بين غير المحارم، وأتذكّر أنّ عمري لم يكن قد تجاوز عشر سنين عندما ناداني مرّةً، وكنت ألعب مع إخوتي وابن خالتي لعبة الاختفاء، وكنتُ محجّبة أيضاً، لكنّه على الرغم من ذلك قال لي: «لا يوجد فرقٌ بينكِ وبين أختك الكبيرة، فكيف تلعبين مع الأولاد وهي لا تلعب معهم؟!».
94
88
الموعظة الحادية عشرة: الاختلاط
تقول السيّدة فاطمة الطباطبائيّ: «لم يكن الإمام يرى من ضرورةٍ للتحدّث مع غير المحارم من النساء؛ لذلك كنّا لا نجلس مع أيٍّ من أحفاده إذا بلغ سنّ التكليف الشرعيّ في غرفةٍ واحدة في بيت الإمام، والطريف أنّه إذا دخل أحدُ هؤلاء غرفة الإمام ونحن عنده، لم يكن يأمرنا بالخروج، بل كان يطلب من حفيده أن يخرج، أو إذا كنتُ عنده وأراد حفيدٌ له بلغ سنّ التكليف أن يدخل عليه، وهذا الحفيدُ هو بمثلِ سنّ ولدي، نهاه عن الدخول بسبب حضوري عنده».
95
89
الموعظة الثانية عشرة: إشاعة الفاحشة
الموعظة الثانية عشرة: إشاعة الفاحشة
هدف الموعظة
بيان الآثار السلبيّة للتفاعل مع الفاحشة وإشاعتها على الأفراد والمجتمع.
محاور الموعظة
1. معنى إشاعة الفاحشة
2. إشاعة الفاحشة تقويض للمجتمع
3. النهي عن إشاعة الفاحشة
4. النهي عن تصديق خبر السوء بحقّ المؤمن
5. مشيع الفاحشة شريك فيها
تصدير الموعظة
الإمام الصادق(عليه السلام): «مَنْ قال في مؤمنٍ ما رأته عيناه وسمعته أذناه، فهو من الذين قال الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيم﴾[1]»[2].
[1] سورة النور، الآية 19.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص357.
96
90
الموعظة الثانية عشرة: إشاعة الفاحشة
معنى إشاعة الفاحشة
قال الراغب: «الفحش والفحشاء والفاحشة، ما عَظُمَ قبحه من الأفعال والأقوال...»[1].
و«بما أنّ الإنسان مخلوق اجتماعيّ، فالمجتمع البشريّ الذي يعيش فيه له حُرمة يجب أنْ لا تقلّ عن حرمته الشخصيّة. وطهارة كلّ منهما تساعد في طهارة الآخر، وقبح كلّ منهما يسري إلى صاحبه. وبموجب هذا المبدأ، كافح الإسلام بشدّة كلَّ عمل ينشر السموم في المجتمع، كإشاعة الفاحشة، فهي كالنار تسري في الهشيم، وإذا نقلناها من مكان إلى آخر، فإنّها ستحرق الجميع، ولا يمكن حينئذٍ إطفاؤها أو السيطرة عليها»[2]. إذاً، فإنّ من معنى الفاحشة إشاعة الفاحشة.
إشاعة الفاحشة تقويض للمجتمع
عن رسول الله (صلى اللله عليه وآله): «إنّ المعصية إذا عمل بها العبد سرّاً لم تضرّ إلّا عاملها، وإذا عمل بها علانيّة ولم يُغيَّر عليه، أضرّت
[1] الراغب الأصفهانيّ، المفردات في غريب القرآن، مصدر سابق، ص373 - 374.
[2] راجع: الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مصدر سابق، ج11، ص51 - 52.
97
91
الموعظة الثانية عشرة: إشاعة الفاحشة
بالعامّة»[1]؛ قال الإمام الصادق(عليه السلام): «وذلك أنّه يذلّ بعمله دين الله، ويقتدي به أهل عداوة الله»[2].
إنّ المجتمعَ الذي يكون أفراده محصّنين تجاه الفواحش، لا يرتكبونها ولا يتظاهرون بها، بل يحقّرون مرتكبها ويقاطعونه، هو مجتمع آمن من انتشار الموبقات، يحفظ سلامة ظاهره.
وفي الوقت عينه، فإنّ إشاعة الفاحشة تُعدّ تدميراً لحصانة المجتمع وسلامة ظاهره، وبالتالي تشجيعاً للأفراد على ارتكاب الفاحشة، والتظاهر فيها واستصغارها، إذ لا يعود هناك من حسابات واعتبارات اجتماعيّة، ولا عواقب منتظرة للقيام بهذه الأفعال، وفي ذلك تقويض لطهارة المجتمع ونقائه، وإزالة للحواجز النفسيّة والاجتماعيّة أمام ارتكاب الفاحشة، وتسهيل للتورّط بها.
النهي عن إشاعة الفاحشة
نهى الإسلام عن تلقُّف ما يُعلم من المؤمنين والمسلمين، من
[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج97، ص75.
[2] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج16، ص136.
98
92
الموعظة الثانية عشرة: إشاعة الفاحشة
ارتكابهم للأعمال المحرّمة، سواءٌ أكان منقولاً من قبل وسائط موثوقة، أو كان ممّا رأته العينان أو سمعته الأذنان بلا واسطة.
عن الإمام الصادق(عليه السلام): «مَنْ قال في مؤمنٍ ما رأته عيناه وسمعته أذناه، فهو من الذين قال الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيم﴾»[1].
وفي المقابل، ربّى الإسلام أبناءَه على وجوب ستر العيوب وما يشين المؤمنين على أصحابها، وعدم إذاعتها وإشاعتها، فعن الإمام الجواد(عليه السلام): «يجب للمؤمن على المؤمن أن يستر عليه سبعين كبيرة»[2].
وإذاعة ما يشين عن المؤمن، فضلاً عن أنّه إشاعة للفاحشة في الذين آمنوا، فهو كذلك غيبة للمؤمن، والغيبة هي التي توعّد الله عليها، فعن الإمام الصادق(عليه السلام): «إنّ من الغيبة أنْ تقول في أخيك ما ستره الله عليه»[3]؛ أي إنّ في هذا الفعل ارتكاباً
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص357.
[2] المصدر نفسه، ج2، ص207.
[3] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، معاني الأخبار، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قم، 1379ه - 1338ش، لا.ط، ص184.
99
93
الموعظة الثانية عشرة: إشاعة الفاحشة
لكبيرتين؛ إحداهما الغيبة للمؤمن، والثانية إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا. وقد توعّد الله بالعذاب على فعلهما، فضلاً عن المضارّ الاجتماعيّة لهما.
النهي عن تصديق خبر السوء بحقّ المؤمن
لم يكتفِ الإسلام بمنع إشاعة الأخبار المشينة عن المؤمنين وعدّها غيبة وإشاعة للفاحشة في الذين آمنوا، هذا إذا كانت مضامين هذه الأخبار حقّاً، بل دفعت الأحاديث إلى تكذيب تلك الأخبار وتصديق المؤمن بحقّ نفسه، حتّى وإن كان الناقل من أهل الوثاقة والأمانة، بل حتّى لو حلفوا على صدق ما ينقلون.
عن محمّد بن الفضيل، عن الإمام الكاظم(عليه السلام): قلتُ له: جُعلت فداك! الرجل من إخواني يبلغني عنه الشيء الذي أكرهه، فأسأله عن ذلك، فينكر ذلك، وقد أخبرني عنه قومٌ ثقات؟ فقال لي: «يا محمّد، كذّب سمعك وبصرك عن أخيك، فإنْ شهد عندك خمسون قسّامة، وقال لك قولاً، فصدقّه وكذّبهم. لا تذيعنّ عليه شيئاً تشينه به، وتهدم به مروءته، فتكون من الذين
100
94
الموعظة الثانية عشرة: إشاعة الفاحشة
قال الله في كتابه: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ ٱلۡفَٰحِشَةُ فِي ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيم فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ﴾»[1].
مشيع الفاحشة شريكٌ فيها
ما تقدّم بين أيدينا يفيد أنّ الإسلام سدّ الأبواب أمام أيّ تفاعل مع ناقلي الفاحشة، ولا أيّ تفاعل سلبيّ تجاه مَنْ يُدّعى بحقّه ارتكابها، وأكثر من ذلك، فقد عَدّت الأخبار عن الأئمّة (عليهم السلام) أنّ مشيع الفاحشة كفاعلها، عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى اللله عليه وآله): مَنْ أذاع فاحشة، كان كمبتدئها»[2].
ومن صور الشراكة في إشاعة الفاحشة وفعلها[3]:
1. إنشاء مراكز الفساد.
2. توفير وسائل المعصية للناس، وتشجيعهم على ارتكابها.
3. المجاهرة في ارتكاب الفاحشة، من دون مراعاة للقيم الدينيّة والاجتماعيّة، ولا للآداب العامّة.
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص147.
[2] المصدر نفسه، ج2، ص356.
[3] راجع: الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، مصدر سابق، ج11، ص52 - 53.
101