ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ

«إنّك قد جُعلتَ طبيبَ نفسك، وبُيِّن لك الداء، وعرفتَ آيةَ الصحّة، ودُلِلتَ على الدواء، فانظر كيف قيامك على نفسك»


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2023-08

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق


المقدّمة

المقدّمة

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من بُعِثَ رحمةً للعالمين، محمّدٍ وآله الطيّبين الطاهرين.

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّك قد جُعلتَ طبيبَ نفسك، وبُيِّن لك الداء، وعرفتَ آيةَ الصحّة، ودُلِلتَ على الدواء، فانظر كيف قيامك على نفسك»[1].

إنّ للنفس الإنسانيّة أحوالاً وأوصافاً؛ فقد تكون مطمئنّةً لارتباطها بالله تعالى ووثوقها به، حالَ سموّها عن مهاوي الرذائل، وتحرّرها من قيود الشهوات والغرائز. وقد تكون لوّامة، تلوم صاحبها حالَ تقصيره وتفريطه، في محاولةٍ لمحاربة الشهوات والحدّ من ميول النفس نحو غرائزها. وقد تكون

 


[1] الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب، الكافي، تحقيق وتصحيح عليّ أكبر الغفاريّ، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج2، ص454.

 

9


1

المقدّمة

أمّارةً بالسوء، قد غلبَت عليها شقوتها، وأذعنَت لشهواتها وغرائزها، واستجابَت لشيطانها، فسقطَت.

لذا، كان لا بدّ دائماً من العمل والجدّ، وعدم التواني عن مراقبة هذه النفس وجهادها؛ كي لا تُردي صاحبها وتقوده نحو الهلاك. فإنّ نفوسنا لا تخلو من العيوب، وغالباً ما يغفل الإنسان عنها؛ إذ إنّها غير ظاهرة أو محسوسة، واكتشافها لا يكون تلقائيّاً.

من هنا، كان على الإنسان أن يقف مع نفسه موقف المحاسب، وينظر إليها بتجرّد، وكأنّها غيرُه، فيستعرض صفاتها وأحوالها بعين الناقد، ليكتشف مواضع الخلل ومواطن النقص، فيعمد إلى إصلاحها وعلاجها.

ونحن في مركز المعارف للتأليف والتحقيق، وضمن سلسلة زاد الواعظ، نضع بين أيديكم مجموعةً من المواعظ الّتي تتضمّن آياتٍ ووروايات وإشارات ونكات، بشكلٍ فصليّ، آملين أن تكون عوناً لعلمائنا الأفاضل في عمليّة التبليغ وتربية المجتمع وصونه، وقد اخترنا في هذا العدد مجموعة

 

10


2

المقدّمة

من المواعظ الّتي لها ارتباط بتزكية النفس وتربيتها وعلاقتها بالمجتمع والآخرين: العلم، تهذيب النفس، محاربة الشيطان، كفّ الأذى، الرفق واللين... تحت عنوان «ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ».

 

نلفت عناية الإخوة العلماء الأفاضل إلى أنّنا قد أدرجنا في آخر الكتاب خلاصةً لكلِّ موعظة، تشمل العناوين والشواهد الأساسيّة فيها، ليتسنّى لكم فصلَها، والاستفادة منها مادّةً مختصرةً بين أيديكم في عمليّة التبليغ.

 

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

 

11


3

الموعظة الأولى: العلم

الموعظة الأولى: العلم

 

هدف الموعظة

تعرّف أهمّيّة العلم، وقيمته، وفضله، وضرورة نشره وعدم كتمانه.

محاور الموعظة

1. أهمّيّة العلم

2. بالعلمِ كمالُ الإنسان

3. قيمة العلم بالعمل به

4. العلم النافع

5. كتمان العلم

6. العلم خير من المال

تصدير الموعظة

﴿ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ١خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ ٢ ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ ٣ ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ﴾[1].

 

 


[1] سورة العلق، الآيات 1 - 4.

 

 

13


4

الموعظة الأولى: العلم

أهمّيّة العلم

حثّت الرسالة الإسلاميّة على العلم والتعلُّم، فكان أوّل ما نزل من الوحي على قلب النبيّ (صلى الله عليه وآله): ﴿ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ ١ خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ ٢ ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ ٣ ٱلَّذِي عَلَّمَ بِٱلۡقَلَمِ ٤ عَلَّمَ ٱلۡإِنسَٰنَ مَا لَمۡ يَعۡلَمۡ﴾[1].

والعلم أصلُ كلّ خير؛ فهو طريقُ معرفة اللَّه عزّ وجلّ، والخشية الحقيقيّة منه. لذا، أكّدت الأحاديث على التعلّم، ولو ببذل المُهَج وخوض اللجج، وجعلته المعيار في قيمة الناس، ففي الحديث: «أكثر الناس قيمةً أكثرهم علماً، وأقلّ الناس قيمةً أقلّهم علماً»[2]، ويقول تعالى: ﴿قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ﴾[3].

بالعلمِ كمالُ الإنسان

إنّ الإنسان الكامل هو الذي يعرف اللَّه معرفةً حقيقيّة، ولا تتحقّق تلك المعرفة إلّا عن طريق العلم المقرون بالعمل.

 


[1] سورة العلق، الآيات 1 - 5.

[2] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، مركز الطباعة والنشر في مؤسّسة البعثة، إيران - قمّ، 1417ه، ط1، ص91.

[3] سورة الزمر، الآية 90.

 

14


5

الموعظة الأولى: العلم

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «تعلّموا العلم، فإنّ تعلّمه حسنة. بالعلم يُطاع اللَّه ويُعبد، وبالعلم يُعرف اللَّه ويوحَّد، وبالعلم توصَل الأرحام، وبه يُعرَف الحلال والحرام، والعلم إمام العقل»[1].

وعنه (عليه السلام): «أيّها الناس، اعلموا أنّ كمال الدين طلبُ العلم، والعملُ به»[2]. وعليه، لا بدّ لكي يكون دينُ المرء كاملاً من أن يعمل بما علم.

قيمة العلم بالعمل به

بيّنت روايات عدّة أنّ العلم يكتسي قيمته بالعمل به وبتعليمه الآخرين، فعن الإمام عليّ (عليه السلام): «الشرف عند اللَّه سبحانه وتعالى بحسن الأعمال، لا بحسن الأقوال»[3]، و«بالعمل يحصل الثواب، لا بالكسل»[4]، و«العلم مصباح العقل»[5]،

 

 

 


[1] المجلسيّ، العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار h، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403هـ - 1983م، ط2، ج1، ص166.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص78.

[3] الليثيّ الواسطيّ، عليّ بن محمّد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق الشيخ حسين الحسينيّ البيرجنديّ، دار الحديث، إيران - قمّ، 1418ه، ط1، ص57.

[4] المصدر نفسه، ص186.

[5] المصدر نفسه، ص50.

 

 

15

 


6

الموعظة الأولى: العلم

و«الناس في الدنيا بالأموال، وفي الآخرة بالأفعال؛ فَتَعلَّموا وعلِّموا»[1].

ترتكز نظرة الإسلام إلى العلم وأهمّيّته ودوره في بناء الإنسان والمجتمع، وعمران الدنيا والآخرة، وصلاح العباد وإصلاحهم، على ضرورة كونه مقروناً بالعمل، وإخراجه من مجرّد كونه نظريّة إلى التطبيق والعمل به، وإلّا لا قيمةَ لعلمٍ بلا عمل، بل يكون هذا العلم وبالاً على صاحبه يوم القيامة، ويكون حامله مصداقاً لقوله تعالى: ﴿كَبُرَ مَقۡتًا عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفۡعَلُونَ﴾[2].

العلم النافع

العلم سلاحٌ ذو حدَّين، فقد يكون وسيلة للوصول إلى أهداف إلهيّة يدعو إليها الإسلام، وتخدم الإنسان في سيره نحو اللَّه تعالى ونيل رضاه، وقد يكون وسيلة للوصول إلى أهداف لا يقبلها الإسلام، كحبّ السمعة والاستعلاء على الآخرين، وإخفاء الحقائق.

 

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج75، ص368.

[2] سورة الصفّ، الآية 3.

 

 

16


7

الموعظة الأولى: العلم

وفي ضوء تحديد الغاية من العلم، فإنّه يتّصف بالنفع أو الضرر. وقد تحدّثت النصوص الشريفة عن الجانبَين:

1. الجانب الإيجابيّ النافع: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن تعلّم للَّه عزّ وجلّ، وعمل للَّه، وعلّم للَّه، دُعي في ملكوت السماوات عظيماً»[1].

2. الجانب السلبيّ الضارّ: عن الإمام الرضا (عليه السلام): «مَن تعلّم العلم رياءً وسمعةً، يريد به الدنيا، نزع اللَّه بركته، وضيّق عليه معيشته، ووكله اللَّه إلى نفسه، ومَن وكله اللَّه إلى نفسه هلك»[2].

وهذا ما استعاذ منه النبيّ (صلى الله عليه وآله) قائلاً: «اللهمّ، إنّي أعوذ بك من علمٍ لا ينفع»[3].

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص35.

[2] العلاّمة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج77، ص100.

[3] المصدر نفسه، ج2، ص32.

 

17


8

الموعظة الأولى: العلم

كتمان العلم

تحدّث القرآن الكريم عن العلماء وأصحاب الاختصاصات العلميّة الذين يحتكرون العلمَ لأنفسهم، ويستأثرون به، ولا ينشرونه، في قوله سبحانه: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَيَّنَّٰهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أُوْلَٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ﴾[1].

وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «كاتِمُ العلم يلعنه كلّ شيء، حتّى الحوت في البحر، والطير في السماء»[2].

العلم خير من المال

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «العلم أفضل من المال بسبعة؛ الأوّل: أنّه ميراث الأنبياء والمال ميراث الفراعنة، الثاني: العلم لا ينقص بالنفقة والمال ينقص بها، الثالث: يحتاج المال إلى الحافظ والعلم يحفظ صاحبه، الرابع: العلم يدخل في الكفن ويبقى

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 159.

[2] المتقيّ الهنديّ، علاء الدين عليّ المتقيّ بن حسام الدين، كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، ضبط وتفسير الشيخ بكري حيّاني، تصحيح وفهرسة الشيخ صفوة السقّا، مؤسّسة الرسالة، لبنان - بيروت، 1409هـ - 1989م، لا.ط، ج10، ص190.

 

18


9

الموعظة الأولى: العلم

المال، الخامس: المال يحصل للمؤمن والكافر والعلم لا يحصل إلّا للمؤمن خاصّة، السادس: جميع الناس يحتاجون إلى صاحب العلم في أمر دينهم ولا يحتاجون إلى صاحب المال، السابع: العلم يقوّي الرجل على المرور على الصراط والمال يمنعه»[1].

 


[1] العلاّمة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج1، ص185.

 

19


10

الموعظة الأولى: العلم

الموعظة لثانية: تهذيب النفس

هدف الموعظة

معرفة حقيقة النفس، والحثّ على تهذيبها.

محاور الموعظة

1. أعدى الأعداء

2. حقيقة النفس الأمّارة

3. مجاهدة النفس وتزكيتها أساس الطريق

4. التخلّي عن الصفات الذميمة

5. التحلّي بالصفات الفاضلة

تصدير الموعظة

﴿وَنَفۡس وَمَا سَوَّىٰهَا ٧ فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا ٨ قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ٩ وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا﴾[1].


 


[1] سورة الشمس، الآيات 7-10.

 

20


11

الموعظة لثانية: تهذيب النفس

أعدى الأعداء

تقف أمام سلوك الإنسان طريقَ الحقّ ودرب الآخرة، ولقاء الله، والنزول إلى ساحات العمل والجهاد، مجموعةٌ من الموانع والحواجز، أخطرها عليه، وأشدّها فتكاً وأذىً به هي نفسه التي بين جنبَيه! هذه النفس التي يصفها القرآن الكريم بـأنّها أمّارة بالسوء ﴿إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيٓۚ﴾[1].

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبَيك»[2]. إنّها النفس الأمّارة بالسوء التي توقع الإنسان في المعاصي والأخطاء، حتّى تتلوّث نفسه بالذنوب، ويبتعد عن ساحة القدس الإلهيّ وجنّة لقائه. ويصفها الإمام السجّاد (عليه السلام) في مناجاة الشاكين فيقول: «إِلَهِي، إِلَيْكَ‏ أَشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ أَمَّارَةً، وَإِلَى الْخَطِيئَةِ مُبَادِرَةً، وَبِمَعَاصِيكَ مُولَعَةً، وَلِسَخَطِكَ مُتَعَرِّضَةً، تَسْلُكُ بِي مَسَالِكَ الْمَهَالِك،ِ وَتَجْعَلُنِي عِنْدَكَ أَهْوَنَ هَالِكٍ، كَثِيرَةَ الْعِلَلِ، طَوِيلَةَ الْأَمَلِ»[3].

 

 


[1] سورة يوسف، الآية 53.

[2] العلاّمة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج67، ص64.

[3] الإمام زين العابدين (عليه السلام)، الصحيفة السجّاديّة، تحقيق السيّد محمّد باقر الموحِّد الأبطحيّ الإصفهانيّ، مؤسّسة الإمام المهديّ (عليه السلام) - مؤسّسة الأنصاريان للطباعة والنشر، إيران - قمّ، 1411هـ، ط1، ص403.

 

21


12

الموعظة لثانية: تهذيب النفس

حقيقة النفس الأمّارة

النفس الإنسانيّة جوهرة لطيفة وطاهرة من كلّ دنس وخبث ﴿لَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ فِيٓ أَحۡسَنِ تَقۡوِيم﴾[1]، ولكنّها عندما تعلّقت بعالم المادّة أكثر من الحدّ المطلوب، نسيت الحياة الروحيّة الحقيقيّة في الآخرة، والعيش المعنويّ، وأخلدت إلى الأرض، وتلوّثت بالمعاصي والصّفات السيّئة؛ لاستجلاب بعض المنافع الماديّة، وتحصيل اللذّات الحسّيّة فقط، فكانت النتيجة أن ردّ الله تعالى صاحبها أسفل سافلين: ﴿ثُمَّ رَدَدۡنَٰهُ أَسۡفَلَ سَٰفِلِينَ﴾[2].

إذاً، تكمن مشكلة النفس في تعلّقها بالحياة الدنيا، والاستغراق في ملذّاتها وشهواتها، وما ينتج عن هذا التعلّق من الوقوع في المعاصي والذنوب، بسبب مخالفة الأوامر والأحكام الإلهيّة، واتّباع أوامر النفس وما تهواه: ﴿وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ﴾[3]، فتتغيّر مسيرة الإنسان، وينغمس شيئاً فشيئاً

 

 


[1] سورة التين، الآية 4.

[2] سورة التين، الآية 5.

[3] سورة ص، الآية 26.

 

22


13

الموعظة لثانية: تهذيب النفس

في ظلمة الشهوات والأهواء النفسيّة، وتُصبح النفس الأمّارة هي الآمر والناهي في مملكة الإنسان، لا الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ﴾[1]، فيغفل الإنسان تماماً عن مسيرته الأصليّة، وعن برنامج سعادته وكماله، وعن عالم النور الواسع، وعن جنّة الرضوان، بسبب انشغاله بزينة الحياة الدنيا والعرض الأدنى.

مجاهدة النفس وتزكيتها أساس الطريق

إنّ معالجة مشكلة النفس الأمّارة بالسوء من سلطة الأهواء النفسيّة والشهوات الحيوانيّة تحتاج إلى المجاهدة، بأن يخالف الإنسان أوامرها شيئاً فشيئاً؛ بهدف إخراج حبّ النفس والدنيا من قلبه، حتّى تصفو وتُصبح مستعدّة لاستقبال النعم والفيوضات الإلهيّة. وإذا تطهّر القلب من الأنا والأهواء، سما وارتقى في مراتب القرب والكمال، ﴿وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمۡ وَلِيُتِمَّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾[2].

 

 


[1] سورة الجاثية، الآية 23.

[2] سورة المائدة، الآية 6.

 

23


14

الموعظة لثانية: تهذيب النفس

والإنسان كادح إلى ربّه لا محالة: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدۡحا فَمُلَٰقِيهِ﴾[1]. وما لم يقطع الإنسان أغلال التعلّقات المادّيّة والأهواء النفسيّة، ويتحرّر من قيود عالم الطبيعة، بالمجاهدة والتزكية، والكدح والتعب، فإنّه لن يزكّيَ نفسه. وتزكية النفس وتهذيبها هو الطريق الوحيد المؤدّي إلى فلاح الإنسان: ﴿وَنَفۡس وَمَا سَوَّىٰهَا ٧ فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا ٨ قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ٩ وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا﴾[2]. وفي آيةٍ أخرى، يذكر الحقّ تعالى المجاهدة والتزكية كهدفٍ ومقصد أساسيّ من بعثة الأنبياء والرسل إلى الناس: ﴿هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّ‍ۧنَ رَسُولا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰل مُّبِين﴾[3]. وإذا أردنا أن نختصر برنامج المجاهدة، فإنّه يرتكز على أمرين أساسين، هما:

1. التخلّي: وهو تصفية الباطن، وتخلية النفس من الأهواء

 


[1] سورة الانشقاق، الآية 6.

[2] سورة الشمس، الآيات 7-10.

[3] سورة الجمعة، الآية 2.

 

24


15

الموعظة لثانية: تهذيب النفس

النفسيّة والصفات الرذيلة والأخلاق السيّئة، الناتجة عن حبّ النفس والدنيا والتعلّق بهما.

2. التحلّي: وهو تحلية النفس بالصفات الحميدة والأخلاق الإلهيّة.

التخلّي عن الصفات الذميمة

كلّ إنسان معرّض للتلوّث بالصفات الرذيلة بحدود تعلّقه بالحياة الدنيا وغفلته عن الآخرة. وليس أمام سالك طريق الآخرة سوى إزالة هذا التلوّث، وتصفية باطنه من الصفات الناشئة عن حبّ الدنيا والتعلّق بها، حتّى يتمكّن بقلب طاهرٍ وصافٍ من تحلية نفسه بالصفات الحميدة.

والتخلية هي تنزيه الباطن وتطهيره من الصفات الرذيلة، التي منشؤها عموماً -كما ذكرنا- حبّ الحياة الدنيا والتعلّق بها. فعندما يشغف الإنسان بالحياة المادّيّة، ويتعلّق قلبه بها، ويرى نعمها ولذائذها محدودة، وفي المقابل كثْرة طلّابها ومنافسيه، سيميل إلى ردّ منافسيه عنها، والسعي المتواصل لتحصيل أكبر قدر ممكن من منافعها، فتظهر لديه الصفات

 

 

25

 


16

الموعظة لثانية: تهذيب النفس

الرذيلة، كالبغض والعداء والغضب والحسد وسوء الظنّ والحرص والطمع وقساوة القلب والغفلة، وغيرها من الصفات الذميمة. لذا، على الإنسان الباحث عن طريق الحقّ أن يُدقّق كثيراً في حالاته وصفاته النفسانيّة، ويعمل على إخراج القبيح والسيّئ منها من نفسه:

أوّلاً: من خلال محاربة منشأ ظهور هذه الصفات، وهو حبّ الدنيا، بواسطة التفكّر في حقيقة الحياة الدنيا، ودورها، ومخاطر الاكتفاء بها، ﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا بِٱلۡأٓخِرَةِۖ فَلَا يُخَفَّفُ عَنۡهُمُ ٱلۡعَذَابُ وَلَا هُمۡ يُنصَرُونَ﴾[1]، ﴿أَرَضِيتُم بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا مِنَ ٱلۡأٓخِرَةِۚ فَمَا مَتَٰعُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ﴾[2].

ثانياً: من ناحية الهدف، فبما أنّ هدف الإنسان ومقصده هو الوصول إلى الله تعالى ولقائه: ﴿مَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لَأٓتۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ﴾[3]. لذا، ينبغي أن يكون هذا الهدف دائماً نصب عينيه، فلا يغفل عنه كي لا يسقط في

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 86.

[2] سورة التوبة، الآية 38.

[3] سورة العنكبوت، الآية 5.

 

26


17

الموعظة لثانية: تهذيب النفس

متاهات الدنيا الفانية وملذّاتها الموهومة التي لا تزيده عن الحقّ تعالى إلّا بُعداً: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يَرۡجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَٱطۡمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنۡ ءَايَٰتِنَا غَٰفِلُونَ ٧ أُوْلَٰٓئِكَ مَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ﴾[1].

ثالثاً: إنّ برنامج محاربة الصفات الرذيلة والأخلاق الذميمة هو بالعمل بأضدادها. وتوضيحه: إنّ لكلّ صفة من الصفات الذميمة صفةً ضدّها، فمثلاً كفران النعمة ضدّه الشكر، والجزع ضدّه الصبر، والتكبّر ضدّه التواضع، والشهوة ضدّها التقوى، والرياء ضدّه الإخلاص... وأفضل علاج لدفع هذه المفاسد الأخلاقيّة، هو ما ذكره علماء الأخلاق، يأن يأخذ الإنسان كلّ واحدة من الصفات القبيحة التي يراها في نفسه، وينهض بعزم وجدّ على مخالفة نفسه إلى أمد، ويعمل عكس ما ترجوه وتطلبه منك تلك الصفة الرذيلة، كما يقول إمامنا الخمينيّ(قدس سره): «الأسلوب الوحيد للتغلّب على النفس الأمّارة، وقهر الشيطان، ولاتّباع طريق النجاة، هو العمل بخلاف 

 

 


[1] سورة يونس، الآيتان 7 – 8.

 

27


18

الموعظة لثانية: تهذيب النفس

رغباتهما»[1]. ومع الوقت والمداومة على هذه المخالفة سيزول هذا الخلق السيّئ من النفس، ويحلّ محلّه الخُلُق الحميد، بإذن الله تعالى.

رابعاً: التقوى، وهي وقاية النفس من الأمور التي يمكن أن تضرّها، وتُسبّب الأذى لها: ﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّكُم مُّلَٰقُوهُۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾[2]. فالمتّقي هو الذي يُرضي الله دوماً، ياتّباعه أوامره وأحكامه الشرعيّة، وابتعاده عن نواهيه في كلّ شيء. وبذلك يبدأ الإنسان شيئاً فشيئاً بالتخلّص من سلطة النفس الأمّارة بالسوء، والأهواء التي لا همّ لها سوى ملذّات الدنيا وشهواتها، فتتعافى نفسه بالكامل من الصفات الذميمة والأخلاق القبيحة، وتُصبح طاهرة مطهّرة من كلّ رجز وسوء.

خامساً: التوسّل بالله، وبأهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام)، لرفع هذه الصفات الخبيثة عن قلب الإنسان: ﴿وَسۡ‍َٔلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيما﴾[3].

 


[1] الإمام الخمينيّ، روح الله الموسويّ، الأربعون حديثاً، تعريب محمد الغرُوِي، دار التعارف، لبنان - بيروت، ط7، الحديث الرابع، في بيان معالجة الكبر، ص130.

[2] سورة البقرة، الآية 223.

[3] سورة النساء، الآية 32.

 

28


19

الموعظة لثانية: تهذيب النفس

فالخير كلّه بيد الله، وهو على كلّ شيءٍ قدير: ﴿وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُۖ بِيَدِكَ ٱلۡخَيۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡء قَدِير﴾[1].

التحلّي بالصفات الفاضلة

على الإنسان أثناء تنزيه الباطن وتطهيره عن الصفات الخبيثة، وبعده، أن يبدأ بتحلية النفس بالصفات والأخلاق الإلهيّة.

وهذا الأمر ضروريّ للغاية، فبعد أن يُخلي الإنسان ساحة نفسه، ويُطهّرها من التعلّقات الدنيويّة والصفات الذميمة، تُصبح أرضيّة النفس صالحة ومُهيّأة لاستقبال نِعَم الله وفيوضاته وإحسانه.

 

 


[1] سورة آل عمران، الآية 26.

 

29


20

الموعظة الثالثة: محاربة الشيطان

الموعظة الثالثة: محاربة الشيطان

هدف الموعظة

التحذير من عداوة الشيطان للإنسان، وضرورة اليقظة قباله.

محاور الموعظة

1. عداوة الشيطان للإنسان

2. اليقظة السلاح الأمضى

3. عجز الشيطان

4. ما يؤلم الشيطان

تصدير الموعظة

﴿إِنَّ ٱلشَّيۡطَٰنَ لَكُمۡ عَدُوّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوًّاۚ إِنَّمَا يَدۡعُواْ حِزۡبَهُۥ لِيَكُونُواْ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلسَّعِيرِ﴾[1].

 


[1] سورة فاطر، الآية 6.

 

30


21

الموعظة الثالثة: محاربة الشيطان

عداوة الشيطان للإنسان

تعود جذور عداوة الشيطان للإنسان إلى أوّل يوم خُلق فيه آدم (عليه السلام)، وطُرد إبليس من قرب اللَّه وجواره، بسبب عدم تسليمه للأمر الإلهيّ بالسجود لآدم، فأقسم وتوعّد بأن يتّخذ طريق العداء لآدم وذرّيّته، حتّى أنّه دعا اللَّه تعالى أن يمهله ويطيل في عمره لتنفيذ ذلك. وقد التزم الشيطان بما قال، ولم يفوّت أدنى فرصة لإبراز عدائه لبني آدم وإنزال الضربات به. لذا، يجب علينا الحذر الدائم من هذا العدوّ اللدود، الذي يُحسن صياغة الفتن وصناعة المصائد، ويدفع بأتباعه الذين استحوذ عليهم -بما زيّن لهم من اتباع الشهوات- إلى الدَرَك الأسفل من النار، والخسران في الآخرة. والسؤال هنا: كيف يمكن أن ننتصر على هذا العدوّ؟

اليقظة السلاح الأمضى

إنّ السلاح الأوّل والأمضى الذي ينبغي أن يتسلّح به المؤمن أثناء حربه مع الشيطان هو الانتباه واليقظة في طول خطّ حياته التي ستكون ساحةً لهذا الصراع في جميع الميادين

 

31


22

الموعظة الثالثة: محاربة الشيطان

والاتّجاهات، يقول تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوۡاْ إِذَا مَسَّهُمۡ طَٰٓئِفٞ مِّنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبۡصِرُونَ﴾[1]. وهذه الآية تشير إلى أنّ الوساوس الشيطانيّة تُلقي حجاباً على بصيرة الإنسان، فلا يميّز العدوّ من الصديق، ولا الخير من الشرّ، لكنّ اليقظة وذكر اللَّه يكشفان الحجب، ويخلّصان الإنسان من هذا الانحراف، بما يؤدّي إلى زيادة البصيرة لديه، والقدرة على معرفة الحقائق وتشخيص الواقع، وإلّا فمع الغفلة عنه، فإنّه سينجح في ألاعيبه، وينفذ إلى داخلنا.

عجز الشيطان

إنّ قطع الطريق على الشيطان يحتاج إلى التحلّي ببعض المواصفات، هي:

في الحديث: «قال إبليس (لعنه اللَّه): خمسة ليس لي فيهنّ حيلة، وسائر الناس في قبضتي:

1. مَن اعتصم باللَّه عن نيّة صادقة، واتّكل عليه في جميع أموره،

2. ومَن كثر تسبيحه في ليله ونهاره،

 


[1] سورة الأعراف، الآية 201.

 

32


23

الموعظة الثالثة: محاربة الشيطان

3. ومَن رضي لأخيه المؤمن ما يرضاه لنفسه،

4. ومَن لم يجزع على المصيبة حتّى تصيبه،

5. ومن رضِي بما قسم اللَّه له، ولم يهتمّ لرزقه»[1].

إنّ العبد المخلص للَّه تعالى لا يُقدم على أمرٍ حتّى يعلم حكم اللَّه فيه، فيقبله اللَّه، ويتّخذه من المخلصين لديه، فلا يكون للشيطان سلطانٌ عليه، يقول تعالى: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٌ﴾[2].

ما يؤلم الشيطان

ذكَر الأئمّة الطاهرون (عليهم السلام) أموراً تقي من حبائل الشيطان، بل وتؤلمه، هي:

1. ذكر الله: سأل أبو بصير أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخنّاس، فقال: «إنّ إبليس يلتقم القلب، فإذا ذَكر الله خنس، فلذلك سُمّي الخنّاس»[3].

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج66، ص378.

[2] سورة الحجر، الآية 42؛ سورة الإسراء، الآية 65.

[3] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ، علل الشرائع، تقديم السيّد محمّد صادق بحر العلوم، المكتبة الحيدريّة، العراق - النجف الأشرف، 1385هـ - 1966م، لا.ط، ج2، ص526.

 

33


24

الموعظة الرابعة: العبادة سبيل المتّقين

2. إطالة السجود: عن الإمام عليّ (عليه السلام): «أطيلوا السجود، فما مِن عملٍ أشدُّ على إبليس من أن يرى ابن آدم ساجداً؛ لأنّه أُمر بالسجود فعصى»[1].

3. ذكر فضيلة أهل البيت (عليهم السلام): في الحديث عن أبي المغراء، قال: سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: «... وإنّ المؤمنَين يلتقيان، فيذكران الله، ثمّ يذكران فضلنا أهل البيت، فلا يبقى على وجه إبليس مضغة لحم إلّا تخدّد[2]، حتّى إنّ روحه لتستغيث من شدّة ما يجد من الألم، فتحسّ ملائكة السماء وخزّان الجنان، فيلعنونه حتّى لا يبقى مَلَكٌ مقرّب إلّا لعنه، فيقع خاسئاً حسيراً مدحوراً[3]»[4].

 


[1] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ، الخصال، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاريّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1403هـ - 1362ش، لا.ط، ص616.

[2] تخدّد لحمه: هزل ونقص.

[3] الخسأ: البعد. والحسر: التعب والإعياء. والدحر: الطرد.

[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص188.

 

34


25

الموعظة الثالثة: محاربة الشيطان

4. الصوم والصدقة وغيرهما: عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): «ألا أخبركم بشي‏ء، إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان منكم تباعد المشرق من المغرب؟»، قالوا: بلى، قال (صلى الله عليه وآله): «الصوم يسوّد وجهه، والصدقة تكسر ظهره، والحبّ في اللَّه والمؤازرة على العمل الصالح يقطعان دابره، والاستغفار يقطع وتينه»[1].

5. وجود المصحف في المنزل: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّه ليعجبني أن يكون في البيت مصحف يطرد اللَّه به الشياطين»[2].

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص62.

[2] الفيض الكاشانيّ، محمّد بن مرتضى، الوافي، تحقيق ضياء الدين الحسينيّ الأصفهانيّ، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) العامّة، إيران - أصفهان، 1406ه، ط1، ج9، ص1735.

 

35


26

الموعظة الرابعة: العبادة سبيل المتّقين

الموعظة الرابعة: العبادة سبيل المتّقين

 

هدف الموعظة

معرفة شروط العبادة، وما يؤثّر فيها، وأنواعها، ومتى لا تُقبل، ومتى لا أكون عابداً لله.

محاور الموعظة

1. الهدف الأساس من الخلق

2. شروط العبادة

3. أمور تؤثّر في العبادة

4. أنواع العبادة

5. العبادة بين القبول والردّ

6. العبادة لغير الله

تصدير الموعظة

﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ﴾[1].

 


[1] سورة الذاريات، الآية 56.

 

36


27

الموعظة الثالثة: محاربة الشيطان

الهدف الأساس من الخلق

تبيّن الآية الآنفة الذكر، أنّ الهدف الأساس من الخلق هو عبادة اللَّه. والعبادة ليست أداء العبادات، كالصلاة، أو الصوم وغيره فقط. هذا ما سوف نستفيده بعد معرفة معنى العبد والعبوديّة.

فالعبد هو الإنسان المتعلّق بمولاه، وإرادته تابعة لإرادته، فلا يطلب شيئاً إلّا تبعاً لطلب سيّده، فهو لا يملك شيئاً؛ لأنّه وما عنده ملك للمولى، وليس له أن يقصّر في طاعته أو يتمرّد على أمره.

والعبوديّة هي إظهار منتهى الخضوع للمعبود، والتسليم له، والطاعة بلا قيد ولا شرط. والمعبود الوحيد الذي له حقّ العبادة على الآخرين هو الذي بذل منتهى الإنعام والإكرام، وليس ذلك سوى اللَّه سبحانه. فبناءً على ذلك، العبوديّة هي قمّة التكامل، وأوج بلوغ الإنسان واقترابه من اللَّه، والسير نحو الكمال المطلق، وهو الهدف النهائيّ من خلق البشر، الذي أعدّ اللَّه الامتحان لبلوغه، ومنحه العلم والمعرفة، وجعل نتيجة ذلك فيض رحمته للإنسان.

 

 

37


28

الموعظة الرابعة: العبادة سبيل المتّقين

فالعبد هو الذي لا يقوم بأيّ فعل حتّى يعلم حكم اللَّه فيه، ولا إرادة له في مقابل إرادة الخالق، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) لمّا سُئل عن حقيقة العبوديّة، قال: «ثلاثة أشياء: أن لا يرى العبد في ما خوّله اللَّه ملكاً؛ لأنّ العبيد لا يكون لهم ملك، يرون المال مال اللَّه، يضعونه حيث أمرهم اللَّه تعالى به، ولا يدبّر العبد لنفسه تدبيراً، وجملة اشتغاله في ما أمره اللَّه تعالى به ونهاه عنه... فهذا أوّل درجة المتّقين»[1].

شروط العبادة

إنّ الشرط الأهمّ والأوّل هو معرفة اللَّه تعالى؛ إذ لا تصحّ العبادة ممّن لا يعرف المعبود. وهذه المعرفة تحصل عبر معرفة النفس؛ فـ«مَن عرف نفسه فقد عرف ربّه». وأصل المعرفة توحيده سبحانه، كما عن الإمام الرضا (عليه السلام): «أوّل عبادة اللَّه معرفته، وأصل معرفة اللَّه توحيده»[2].

 

 


[1] الطبرسيّ، الشيخ عليّ، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، تحقيق مهدي هوشمند، دار الحديث، إيران - قمّ، 1418هـ، ط1، ص563.

[2] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ، التوحيد، تصحيح وتعليق السيّد هاشم الحسينيّ الطهرانيّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، لا.ت، لا.ط، ص34.

 

38


29

الموعظة الرابعة: العبادة سبيل المتّقين

أمّا سائر الشروط، فقد ذُكرت في حديث المعراج: «يا أحمد، هل تدري متى يكون لي العبد عابداً؟ قال: لا، يا ربّ، قال: إذا اجتمع فيه سبع خصال:

1. ورع يحجزه عن المحارم.

2. وصمت يكفّه عمّا لا يعنيه.

3. وخوف يزداد كلّ يوم في بكائه.

4. وحياء يستحي منّي في الخلاء.

5. وأكل ما لا بدّ منه.

6. ويبغض الدنيا لبغضي لها.

7. ويحبّ الأخيار لحبّي إيّاهم»[1].

أمور تؤثّر في العبادة

1. الهوى: عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «كيف يجد لذّة العبادة مَن لا يصوم عن الهوى؟!»[2].

 

 


[1] الفيض الكاشانيّ، الوافي، مصدر سابق، ج26، ص151.

[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص384.

 

39


30

الموعظة الرابعة: العبادة سبيل المتّقين

2. حبّ الدنيا: عن النبيّ عيسى (عليه السلام): «بحقٍّ أقول لكم: إنّه كما ينظر المريض إلى طيب الطعام فلا يلتذّه مع ما يجده من شدّة الوجع، كذلك صاحب الدنيا لا يلتذّ بالعبادة، ولا يجد حلاوتها مع ما يجد من حبّ المال»[1].

3. الهمّ والغمّ: في ما أوحى اللَّه تعالى إلى داوود (عليه السلام): «ما لأوليائي والهمّ بالدنيا! إنّ الهمّ يذهب حلاوة مناجاتي من قلوبهم. يا داوود، إنّ محبّتي من أوليائي أن يكونوا روحانيّين لا يغتمّون»[2].

أنواع العبادة

العبادة ثلاثة أنواع:

1. عبادة التجّار. 2. عبادة العبيد. 3. عبادة الأحرار الكرام.

 


[1] ابن شعبة الحرّانيّ، الحسن بن عليّ، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاريّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1404هـ - 1363ش، ط2، ص507.

[2] الشهيد الثاني، زين الدين بن عليّ، مُسكّن الفؤاد، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، إيران - قمّ، 1407هـ، ط1، ص80.

 

40


31

الموعظة الرابعة: العبادة سبيل المتّقين

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّه رَغْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ التُّجَّارِ، وإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّه رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبِيدِ، وإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّه شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الأَحْرَارِ»[1].

هذه العبادة هي التي كان عليها أئمّتنا (عليهم السلام)، فعن مولى المتّقين (عليه السلام): «ولكنّي أعبده حبّاً له عزّ وجلّ، فتلك عبادة الكرام...»[2].

العبادة بين القبول والردّ

إنّ العبادة لا تُقبل مع تضييع الحقوق وانتهاكها، فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «مَن اكتسب مالاً حراماً لم يقبل اللَّه منه صدقةً، ولا عتقاً، ولا حجّاً، ولا اعتماراً، وكتب اللَّه عزّ وجلّ بعدد أجر ذلك أوزاراً، وما بقي منه بعد موته كان زاده إلى النار، ومَن قدر عليها فتركها مخافة اللَّه عزّ وجلّ، دخل في محبّة اللَّه عزّ وجلّ ورحمته، ويُؤمَر به إلى الجنّة»[3].

 

 


[1] الرضيّ، السيّد أبو الحسن محمّد بن الحسن الموسويّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ (عليه السلام))، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، لا.ن، لبنان - بيروت، 1387هـ - 1967م، ط1، ص510، الحكمة 237.

[2] الشيخ الصدوق، الأماليّ، مصدر سابق، ص91.

[3] الديلمي، الحسن بن محمّد، أعلام الدين في صفات المؤمنين، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، إيران - قمّ، لا.ت، لا.ط، ص414.

 

41


32

الموعظة الرابعة: العبادة سبيل المتّقين

العبادة لغير الله

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ليست العبادة هي السجود ولا الركوع، وإنّما هي طاعة الرجال، من أطاع مخلوقاً في معصية الخالق فقد عبده»[1].

لذلك، مَن يخضع ويأتمر بأوامر أهل الدنيا من الزعماء والسلاطين يعبد غير اللَّه. وفي المقابل، مَن يلتزم بتكليف الوليّ الفقيه، فإنّما يطيع اللَّه، ويمتثل أمره بالرجوع إليه، ولا يجوز له الردَّ عليه، ففي الحديث: «فإذا حكم بحكمنا، فلم يُقبل منه، فإنّما استخفّ بحكم اللَّه، وعلينا ردّ، والرادّ علينا كالرادّ على اللَّه»[2].

 

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج68، ص116.

[2] ابن أبي جمهور الأحسائيّ، محمّد بن عليّ، عوالي اللئالي، تقديم السيّد شهاب الدين النجفيّ المرعشيّ، تحقيق الحاج آقا مجتبى العراقيّ، لا.ن، لا.م، 1403هـ - 1983م، ط1، ج4، ص134.

 

42


33

الموعظة الخامسة: بيوت الله

الموعظة الخامسة: بيوت الله

 

هدف الموعظة

الحثّ على عمارة المسجد، والتحذير من هجرانه.

 

محاور الموعظة

1. أهمّيّة المساجد وفضلها في الإسلام

 

2. أدوار المسجد المختلفة

3. كيفيّة إعمار المساجد

4. ما يُستفاد من حضور المساجد

5. مَن لا يحضر الصلاة في المسجد

 

تصدير الموعظة

﴿إِنَّمَا يَعۡمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَى ٱلزَّكَوٰةَ وَلَمۡ يَخۡشَ إِلَّا ٱللَّهَۖ فَعَسَىٰٓ أُوْلَٰٓئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُهۡتَدِينَ﴾[1].

 


[1] سورة التوبة، الآية 18.

 

43


34

الموعظة الخامسة: بيوت الله

أهمّيّة المساجد وفضلها في الإسلام

للمساجد في الإسلام أهمّيّة كبرى، ونتلمّس ذلك من دعوة الله تعالى لنا إلى عمارة المسجد، بل من نسبتها إليه سبحانه كما في قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدا﴾[1].

وكذلك نعرف أهمّيّتها وفضلها من خلال إرشادات الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام)، وحثّهم المسلمين على ريادة المساجد، والصلاة فيها، واتّخاذها مكاناً ومنطلقاً لحركاتهم الاجتماعيّة والدينيّة وغيرها؛ ومن خلال سيرتهم العمليّة القائمة على الاهتمام بالمساجد، وأدائهم الصلوات الخمس فيها جماعة.

عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «مَن كان القرآن حديثه، والمسجد بيته، بنى الله له بيتاً في الجنّة»[2].

وكذلك نجد أنّ الخطوة الأولى للرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) بعد الهجرة هي بناء المسجد، الذي كان منطلقاً للرسالة والدين والإيمان والثقافة.

 


[1] سورة الجنّ، الآية 18.

[2] الفيض الكاشانيّ، الوافي، مصدر سابق، ج7، ص513.

 

44

 

 


35

الموعظة الخامسة: بيوت الله

أدوار المسجد المختلفة

المسجد في الأساس هو لعبادة الله تعالى بالصلاة والدعاء والذكر، بل اشتُقّ اسمه من أشدّ ما يكون فيه العبد قريباً من الباري عزّ وجلّ، ألا وهو السجود بين يدَيه.

مع هذا، فالمسجد مكان للثقافة والتدريس وتعليم القرآن، ومكان للإصلاح بين الناس واجتماع قلوبهم، ولبثّ روح المقاومة والثورة ضدّ الظالمين والمستبدّين في العالم.

كيفيّة إعمار المساجد

رُوِي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا أبا ذرّ، من أجاب داعي الله، وأحسن عمارة مساجد الله، كان ثوابه من الله الجنّة».

فقلتُ: بأبي أنت وأُمّي، يا رسول الله، كيف تُعمَر مساجد الله؟

قال: «لا تُرفَع فيها الأصوات، ولا يُخاض فيها بالباطل، ولا يُشترى فيها ولا يُباع، واترك اللغو ما دمتُ فيها، فإنْ لم تفعل فلا تلومنّ يوم القيامة إلّا نفسك.

يا أبا ذرّ، إنّ الله تعالى يُعطيك ما دمتَ جالساً في المسجد

 

45


36

الموعظة الخامسة: بيوت الله

بكلّ نَفَس تنفّست فيه درجة في الجنّة، وتُصلّي عليك الملائكة، وتُكتب لك بكلّ نفس تنفّستَ فيه عشر حسنات، وتُمحى عنك عشر سيّئات.

يا أبا ذرّ، أتعلم في أيّ شيء أُنزلت هذه الآية: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱصۡبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ﴾[1]؟»، قلت: لا، فداك أبي وأُمّي! قال: «في انتظار الصلاة خلف الصلاة. يا أبا ذرّ، إسباغ الوضوء في المكاره من الكفّارات، وكثرة الاختلاف إلى المساجد فذلكم الرباط»[2].

ومن مصاديق عمارة المسجد:

1. بناؤه: عن أبي عبيدة الحذّاء قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «مَن بنى مسجداً، بنى الله له بيتاً في الجنّة». قال أبو عبيدة: فمرّ بي أبو عبد الله (عليه السلام) في طريق مكّة، وقد سوّيت بأحجار مسجداً، فقلت له: جُعِلتُ فداك! نرجو أن يكون هذا من ذاك؟ قال: «نعم»[3].

 


[1] سورة آل عمران، الآية 200.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج74، ص85.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج3، ص368.

 

46


37

الموعظة الخامسة: بيوت الله

2. الصلاة جماعة فيه: عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما يرُوِي الناس أنّ الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين صلاة، فقال: «صدقوا»[1].

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «فما مِن مؤمن مشى إلى الجماعة إلّا خفّف الله عليه أهوال يوم القيامة، ثمّ يأمر به إلى الجنّة»[2].

3. المشي إليه: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من مشى إلى مسجد من مساجد الله، فله بكلّ خطوة خطاها حتّى يرجع إلى منزله عشر حسنات، ويُمحى عنه عشر سيّئات، ورُفع له عشر درجات»[3].

4. زيارته والجلوس فيه: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الجلوس في المسجد لانتظار الصلاة عبادة ما لم تحدث، قيل: يا رسول الله وما الحدث؟ قال: الاغتياب»[4]. وعنه (عليه السلام) أيضاً: «مكتوب في التوراة: أنّ بيوتي في الأرض

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج3، ص371.

[2] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص261.

[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج80، ص368.

[4] المصدر نفسه، ج72، ص249.

 

47


38

الموعظة الخامسة: بيوت الله

المساجد، فطوبى لعبدٍ تطهّر في بيته ثمّ زارني في بيتي، ألا إنّ على المزور كرامة الزائر»[1]. وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لجبرائيل (عليه السلام): يا جبرائيل! أيّ البقاع أحبّ إلى الله عزّ وجلّ؟ قال: المساجد، وأحبُّ أهلها إلى الله أوّلُهم دخولاً وآخرُهم خروجاً منها»[2].

ما يُستفاد من حضور المساجد

يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا الشأن: «مِنِ اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخاً مستفاداً في الله، أو علماً مستطرفاً، أو آية محكمة، أو سمع كلمة تدلّ على هدى، أو رحمة منتظرة، أو كلمة تردّه عن ردى، أو يترك ذنباً خشيةً أو حياءً»[3].

وممّا نستفيده من الصلاة في المسجد، وكثرة الخطى إليه هو المغفرة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ألا أدلُّكم على شيء يكفّر الله به الخطايا، ويزيد في الحسنات؟»، قيل: بلى، يا رسول الله،

 


[1] الحرّ العامليّ، الشيخ محمّد بن الحسن، الجواهر السنيّة، لا.ن، لا.م، 1384هـ - 1964م، لا.ط، ص62.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج3، ص489.

[3] الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، تحقيق وتعليق السيّد حسن الموسويّ الخرسان، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1364ش، ط3، ج3، ص249.

 

48


39

الموعظة الرابعة: العبادة سبيل المتّقين

قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى هذه المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وما من أحد يخرج من بيته متطهّراً، فيصلّي الصلاة في الجماعة مع المسلمين، ثمّ يقعد ينتظر الصلاة الأخرى، إلّا والملائكة تقول: اللهمّ اغفر له، اللهمّ ارحمه»[1].

 

لمَن لا يحضر الصلاة في المسجد

عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا صلاة لمن لم يشهد الصلوات المكتوبات من جيران المسجد إذا كان فارغاً صحيحاً»[2].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «اشترط رسول الله (صلى الله عليه وآله) على جيران المسجد شهود الصلاة، وقال: لينتهينّ أقوامٌ لا يشهدون الصلاة، أو لآمرنّ مؤذّناً يؤذّن ثمّ يقيم، ثمّ لآمرنّ رجلاً من أهل بيتي، وهو عليّ بن أبي طالب، فليحرقنّ على أقوامٍ بيوتهم بحزَم الحطب؛ لأنّهم لا يأتون الصلاة»[3].

 


[1] الحرّ العامليّ، الشيخ محمّد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام)، إيران - قمّ، 1414ه، ط2، ج1، ص381.

[2] المصدر نفسه، ج5، ص195.

[3] البرقيّ، أحمد بن محمّد بن خالد، المحاسن، تصحيح وتعليق السيّد جلال الدين الحسينيّ، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1370هـ - 1330 ش، لا.ط، ج1، ص84.

 

49


40

الموعظة الخامسة: بيوت الله

إنّ هذا الخبر محمول على إرادة ترك الجماعة رغبةً عن جماعة المسلمين، معرّضاً به لبعض المنافقين الذين لم تطمئنّ قلوبهم بهذا الدين، كما في جملةٍ من الأخبار[1]، منها ما عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ أناساً كانوا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبطؤوا عن الصلاة في المسجد، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ليوشَك قومٌ يدَعون الصلاة في المسجد أن نأمر بالحطب فيوضع على أبوابهم، فيوقد عليهم نار، فتُحرق عليهم بيوتهم»[2].

 

 


[1] انظر: النجفيّ، الشيخ محمّد حسن، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، تحقيق وتعليق الشيخ عبّاس القوچانيّ، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1365ش، ط2، ج13، ص139.

[2] الفيض الكاشانيّ، الوافي، مصدر سابق، ج8، ص1169.

 

50


41

الموعظة السادسة: شكر الله وآثاره التربويّة والاجتماعيّة

الموعظة السادسة: شكر الله وآثاره التربويّة والاجتماعيّة

هدف الموعظة

تعرّف مفهوم الشكر، وآثاره في الدنيا والآخرة، والحثّ على شكر الله وشكر الناس.

محاور الموعظة

1. فضيلة الشكر وحقيقته

2. أنواع الشكر

3. التحلّي بالشكر

4. من آثار الشكر وثماره

تصدير الموعظة

الإمام الباقر (عليه السلام): «كَانَ رَسولُ الله (صلى الله عليه وآله) عِنْدَ عَائِشَةَ لَيْلَتَها، فَقالَتْ: يَا رَسولَ الله، لِمَ تُتْعِبُ نَفْسَكَ وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأخَّرَ؟ فَقالَ: يَا عَائِشَة، ألا أكونُ عَبْداً شَكوراً؟»[1].


 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص95.

 

51


42

الموعظة السادسة: شكر الله وآثاره التربويّة والاجتماعيّة

الشكر هو عرفان النعمة من المنعم، وحمده عليها، واستعمالها في مرضاته. وقد دعا الإسلام إلى التخلّق بالشكر، يقول تعالى: ﴿وَٱشۡكُرُواْ لِي وَلَا تَكۡفُرُونِ﴾[1].

فضيلة الشكر

من خصائص النفوس الكريمة تقدير النعم والألطاف، وشكر مسديها، وهذا نبيّنا إبراهيم (عليه السلام)، يقول الله تعالى عنه: ﴿إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّة قَانِتا لِّلَّهِ حَنِيفا وَلَمۡ يَكُ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ١٢٠ شَاكِرا لِّأَنۡعُمِهِۚ ٱجۡتَبَىٰهُ وَهَدَىٰهُ إِلَىٰ صِرَٰط مُّسۡتَقِيم﴾[2].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «ثَلاثٌ لاَ يَضُرُّ مَعَهُنَّ شَيْءٌ: الدُّعَاءُ عِنْدَ الكَرْبِ، وَالاسْتِغْفَارُ عَلَى الذُّنُوبِ، وَالشُّكْرُ عِنْدَ النِّعْمَةِ»[3].

هكذا أشكر الله

عن الإمام الصادق (عليه السلام) في كيفيّة شكر النعمة: «شُكْرُ كلّ نِعْمَةٍ، وَإِنْ عَظُمَتْ، أَنْ تَحْمَدَ الله عزّ وجلّ عَلَيْها»[4].

 


[1] سورة البقرة، الآية 152.

[2] سورة النحل، الآيتان 120-121.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص95.

[4] المصدر نفسه.

 

52


43

الموعظة السادسة: شكر الله وآثاره التربويّة والاجتماعيّة

حقيقة الشكر

دلّت آيات القرآن الكريم على أنّ الشاكر إنّما يشكر لنفسه، قال تعالى: ﴿وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ﴾[1].

ويقول الإمام الخمينيّ(قدس سره): الشكر عبارة عن تقدير نعمة المنعم. وتظهر آثار هذا التقدير في القلب في صورة، وعلى اللسان في صورة أخرى، وفي الأفعال والأعمال بصورة ثالثة.

أمّا آثاره القلبيّة، فهي من قبيل الخضوع والخشوع والمحبّة والخشية وأمثالها. وأمّا آثاره على اللسان، فالثناء والمدح والحمد، وأمّا آثاره في الأعضاء فالطاعة واستعمال الجوارح في رضا المنعم وأمثاله[2].

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أوحى الله عزّ وجلّ إلى موسى (عليه السلام): يا موسى، اشكرني حقَّ شكري. فقال: يا ربِّ، وكيف أشكرك حقّ شكرك، وليس من شكرٍ أشكرك به، إلّا وأنت أنعمت به عليّ؟ قال: يا موسى، الآن شكرتني حين علمت أنّ ذلك منّي»[3].

 


[1] سورة النمل، الآية 40.

[2] انظر: الإمام الخمينيّ، الأربعون حديثاً، مصدر سابق، ص318.

 

53

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص98.


44

الموعظة السادسة: شكر الله وآثاره التربويّة والاجتماعيّة

أنواع الشكر

المسلم يقدّم الشكر لكلّ مَن قدّم إليه خيراً أو أسدى له معروفاً، ومن أنواع الشكر:

1. شكر الله: فالمسلم يشكر ربّه على نعمه الكثيرة التي أنعم بها عليه، ولا يكفر بنعم الله إلّا جاحد، قال تعالى: ﴿فَٱذۡكُرُونِيٓ أَذۡكُرۡكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِي وَلَا تَكۡفُرُونِ﴾[1].

ويتحقّق شكر الله بالاعتراف بالنعم، والتحدّث بها، واستخدامها في طاعة الله.

وقد علمّنا النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن نسجد لله سجدة شكر إذا ما سرَّنا شيء، أو عافانا الله من بلاء، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان في سفر يسير على ناقة له، إذا نزل فسجد خمس سجدات، فلمّا أن ركب، قالوا: يا رسول الله، إنّا رأيناك صنعت شيئاً لم تصنعه؟ فقال: نعم، استقبلني جبرئيل (عليه السلام) فبشّرني ببشارات من الله عزّ وجلّ، فسجدت لله شكراً لكلّ بشرى سجدة»[2].

 


[1] سورة البقرة، الآية 152.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص98.

 

54


45

الموعظة السادسة: شكر الله وآثاره التربويّة والاجتماعيّة

2. شكر الوالدين: أمر الله عزّ وجلّ بشكر الوالدين والإحسان إليهما، فقال: ﴿أَنِ ٱشۡكُرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيۡكَ إِلَيَّ ٱلۡمَصِيرُ﴾[1]. فالمسلم يشكر والديه بطاعتهما، وبرّهما، والإحسان إليهما، وعدم إغضابهما.

3. شكر الناس: المُسلم يقدِّر المعروف، ويعرف للناس حقوقهم، فيشكرهم على ما قدّموا له من خير.

عن الإمام الرضا (عليه السلام): «مَن لم يشكر المنعم من المخلوقين، لم يشكر الله عزّ وجلّ»[2].

وعن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «مَن صُنِع إليه معروف، فقال لفاعله: جزاك الله خيراً، فقد أَبْلَغَ في الثناء»[3].

 


[1] سورة لقمان، الآية 14.

[2] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، تصحيح الشيخ حسين الأعلميّ، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1404هـ - 1984م، لا.ط، ج2، ص24.

[3] النمازيّ، الشيخ عليّ الشاهروديّ، مستدرك سفينة البحار، تحقيق وتصحيح الشيخ حسن بن عليّ النمازيّ، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1418ه، لا.ط، ج7، ص89.

 

55


46

الموعظة السادسة: شكر الله وآثاره التربويّة والاجتماعيّة

التحلّي بالشكر

تحدّثت الأخبار عن أنّ الشكر إنّما يكون بالعمل والقناعة، فعن الإمام عليّ (عليه السلام): «شكر المؤمن يظهر في عمله»[1]، و«شكر المنافق لا يتجاوز لسانه»[2]، وعنه (عليه السلام): «أشكر الناس أقنعهم، وأكفرهم للنعم أجشعهم»[3]. هذا، وينبغي الالتفات إلى أمور، منها:

أ. اعتراف العبد بنعمة الله عليه، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه، فقد أدّى شكرها»[4].

ب. استعمال النعم في مرضاة الله، لا في ما يكره.

ج. ترك النظر إلى مَن هم فوقك في مستوى الحياة والمعاش، والنظر إلى مَن هم دونك، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وأَكْثِرْ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَنْ فُضِّلْتَ عَلَيْه، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الشُّكْرِ»[5].

 


[1] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص239.

[2] المصدر نفسه، ص239.

[3] المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، تحقيق مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لتحقيق التراث، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414هـ - 1993م، ط2، ج1، ص304.

[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص96.

[5] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص460، الكتاب 69.

 

56


47

الموعظة السادسة: شكر الله وآثاره التربويّة والاجتماعيّة

التحلّي بالشكر

تحدّثت الأخبار عن أنّ الشكر إنّما يكون بالعمل والقناعة، فعن الإمام عليّ (عليه السلام): «شكر المؤمن يظهر في عمله»[1]، و«شكر المنافق لا يتجاوز لسانه»[2]، وعنه (عليه السلام): «أشكر الناس أقنعهم، وأكفرهم للنعم أجشعهم»[3]. هذا، وينبغي الالتفات إلى أمور، منها:

أ. اعتراف العبد بنعمة الله عليه، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن أنعم الله عليه بنعمة فعرفها بقلبه، فقد أدّى شكرها»[4].

ب. استعمال النعم في مرضاة الله، لا في ما يكره.

ج. ترك النظر إلى مَن هم فوقك في مستوى الحياة والمعاش، والنظر إلى مَن هم دونك، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «وأَكْثِرْ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَنْ فُضِّلْتَ عَلَيْه، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الشُّكْرِ»[5].

 


[1] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص239.

[2] المصدر نفسه، ص239.

[3] المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان، الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، تحقيق مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لتحقيق التراث، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414هـ - 1993م، ط2، ج1، ص304.

[4] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص96.

[5] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص460، الكتاب 69.

 

56


48

الموعظة السادسة: شكر الله وآثاره التربويّة والاجتماعيّة

د. أن يتذكّر الإنسان الألطاف الإلهيّة، فكم أنجاه الله من الشدائد والبلاءات، ودفع عنه الأمراض بلطفه، فيشكره على ذلك.

هـ. التأمّل في محاسن الشكر، وجميل آثاره في استجلاب ودّ المنعم، وازدياد نعمه، وآلائه، وفي مساوئ كفران النعم، واقتضائه مقت المنعِم وزوال نعمه، كما عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن أُعطي الشكر أُعطي الزيادة، يقول الله عزّ وجلّ: ﴿لَئِن شَكَرۡتُمۡ لَأَزِيدَنَّكُمۡۖ﴾[1]»[2].

من آثار الشكر وثماره

إنّ الشاكر هو مَن عرف واهب النعمة، وأدرك قيمتها، وأدّى حقّ الله تعالى فيها، فاستحقّ الثواب العظيم. وإنّ جزاء الشاكرين منه ما هو معجّل في الدنيا، ومنه ما هو مدّخر ليوم الجزاء، فمن آثار الشكر وفوائده:

1. حفظ النعم وزيادتها: إنّ الشكر يديم النعم، ويبقيها

 


[1] سورة إبراهيم، الآية 7.

[2] الفيض الكاشانيّ، الوافي، مصدر سابق، ج4، ص346.

 

57


49

الموعظة الثامنة: كفّ الأذى

ويحفظها من الزوال، فعن الإمام عليّ (عليه السلام): «مَن شكر النعم بجنانه، استحقّ المزيد قبل أن يظهر على لسانه»[1].

2. الجزاء على الشكر: قال تعالى: ﴿وَسَيَجۡزِي ٱللَّهُ ٱلشَّٰكِرِينَ﴾[2]؛ والمعنى أنّه سبحانه سيعطي الشاكرين من فضله في الدنيا، ورحمته في الآخرة، بحسب شكرهم وعملهم.

3. عدم كفران النعم: إنّ تربية النفس على الشكر سترفع عن الإنسان الابتلاء بكفر النعمة وإهمالها، أو التبذير فيها، عن الإمام عليّ (عليه السلام): «كفر النعمة لؤم»[3].

 


[1] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص465.

[2] سورة آل عمران، الآية 144.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص24.

 

58


50

الموعظة السابعة: كظم الغَيظ

الموعظة السابعة: كظم الغَيظ

هدف الموعظة

بيان أهمّيّة كظم الغيظ وفضائله، والحثّ على أن يكون الغضب لله.

محارو الموعظة

1. أهمّيّة كظم الغيظ

2. مساوئ الغضب

3. فضائل كظم الغيظ

4. اِغضَب لله

5. دواء الغضب

تصدير الموعظة

الإمام زين العابدين (عليه السلام) في دعاء «مكارم الأخلاق»: «اللهمّ، صَـلِّ عَلَى مُحَمَّـد وَآلِـهِ، وَحَلِّنِي بِحِلْيَـةِ الصَّالِحِينَ، وَأَلْبِسْنِي زِينَةَ المُتَّقِينَ، فِيْ... كَظْمِ الغَيْظِ»[1].

 

 


[1] الصحيفة السجّاديّة، مصدر سابق، ص96، الدعاء 20.

 

 

59

 


51

الموعظة السابعة: كظم الغَيظ

أهمّيّة كظم الغيظ

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «الغضب مفتاح كلّ شرّ»[1].

وعنه (عليه السلام): «قال رجل للنبيّ (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله، علِّمني، قال: اذهب، ولا تغضب، فقال الرجل: قد اكتفيت بذاك، فمضى إلى أهله، فإذا بين قومه حربٌ قد قاموا صفوفاً ولبسوا السلاح، فلمّا رأى ذلك لبس سلاحه، ثمّ قام معهم، ثمّ ذكر قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا تغضب»، فرمى السلاح، ثمّ جاء يمشي إلى القوم الذين هم عدوّ قومه، فقال: يا هؤلاء، ما كانت لكم من جراحة أو قتل أو ضرب ليس فيه أثر، فعَلَيَّ في مالي، أنا أوفيكموه، فقال القوم: فما كان فهو لكم، نحن أولى بذلك منكم، قال: فاصطلح القوم وذهب الغضب»[2].

 

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص303.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج22، ص85.

 

60


52

الموعظة السابعة: كظم الغَيظ

مساوئ الغضب

1. أشرّ الأمور: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «أيّ شيءٍ أشرّ من الغضب!؟ إنّ الرجل إذا غضب يقتل النفس، ويقذف المُحصَنة»[1].

2. بئس القرين: عن الإمام عليّ(عليه السلام): «بئس القرين الغضب! يُبدي المعائب، ويُدني الشرّ، ويباعد الخير»[2].

3. جمرة من الشيطان: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ هذا الغضب جمرة من الشيطان تتوقّد في قلب ابن آدم، وإنّ أحدكم إذا غضب احمرّت عيناه، وانتفخت أوداجه، ودخل الشيطان فيه»[3].

4. جندٌ من جنود إبليس: عن الإمام عليّ (عليه السلام) -من كتابٍ له إلى الحارث الهمدانيّ-: «واحْذَرِ الْغَضَبَ؛ فَإِنَّه جُنْدٌ عَظِيمٌ مِنْ جُنُودِ إِبْلِيسَ، والسَّلَامُ»[4].

 

 


[1] المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد، الاختصاص، تحقيق عليّ أكبر الغفاريّ والسيّد محمود الزرنديّ، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414هـ - 1993م، ط2، ص243.

[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص194.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص105.

[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص460، الكلمة 69.

 

61


53

الموعظة السابعة: كظم الغَيظ

5. ضربٌ من الجنون: عن الإمام عليّ(عليه السلام): «الْحِدَّةُ ضَرْبٌ مِنَ الْجُنُونِ؛ لأَنَّ صَاحِبَهَا يَنْدَمُ، فَإِنْ لَمْ يَنْدَمْ فَجُنُونُه مُسْتَحْكِمٌ»[1].

فضائل كظْم الغيظ

1. أجر شهيد: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَن كَظَمَ غيظاً وهو يقدر على إنفاذه، وحَلُم عنه، أعطاه الله أجر شهيد»[2].

2. أمن وإيمان: عن الإمام الباقر (عليه السلام): «من كَظَم غيظاً وهو يقدر على إمضائه، حشا الله قلبه أمناً وإيماناً يوم القيامة»[3].

3. زيادة العزّ في الآخرة: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ما من عبدٍ كَظَم غيظاً إلّا زاده الله عزّ وجلّ عزّاً في الدُّنيا والآخرة»[4].

4. جرعة يحبّها الله: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ما من جرعةٍ يتجرّعها العبد أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من جرعة غيظٍ يتجرّعها عبد تردّدها في قلبه، إمّا بصبرٍ وإمّا بحلم»[5].

 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص513، الحكمة 255.

[2] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص516.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج‏2، ص110.

[4] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج68، ص409.

[5] البرقيّ، المحاسن، مصدر سابق، ج1، ص292.

 

62


54

الموعظة السابعة: كظم الغَيظ

5. دخول الجنّة بغير حساب: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ثلاث من كُنّ فيه استكمل خصال الإيمان: مَن صَبَرَ على الظلم، وكَظَم غيظه، واحتسب، وعفا، وغفر، كان ممّن يدخله الله عزّ وجلّ الجنّة بغير حساب، ويشفّعه في مثل ربيعة ومُضَر»[1].

6. مرافقة الأنبياء (عليهم السلام): عن رسول الله (عليهم السلام): «ثلاثة يُرزقون مرافقة الأنبياء: رجلٌ يُدفع إليه قاتل وليّه ليقتله فعفا عنه، ورجلٌ عنده أمانة لو يشاء لخانها، فيردّها إلى مَنِ ائتمنه عليها، ورجلٌ كظمَ غيظه عن أخيه ابتغاء وجه الله»[2].

7. سَتر العورة: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «من كفّ غضبه، ستر الله عورته»[3].

اغضَب لله

عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، عند وداع أبي ذرّ لمّا سيَّره عثمان إلى الرَبَذة: «يا أبا ذر، إنّك إنّما غضبت لله عزّ وجلّ، فارجُ مَن غضبت له، إنّ القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك، فأرحلوك

 


[1] الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص104.

[2] الطبرسيّ، الشيخ الميرزا حسين النوريّ، مستدرك الوسائل، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، لبنان - بيروت، 1408هـ - 1987م، ط1، ج9، ص12.

[3] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ، ثواب الأعمال، تقديم السيّد محمّد مهدي السيّد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضيّ، إيران - قمّ، 1368 ش، ط2، ص133.

 

63


55

الموعظة السابعة: كظم الغَيظ

عن الفناء، وامتحنوك بالبلاء. ووالله، لو كانت السماوات والأرض على عبد رتقاً، ثمّ اتّقى الله عزّ وجلّ جعل له منها مخرجاً، فلا يؤنِسك إلّا الحقّ، ولا يوحِشك إلّا الباطل»[1].

اغضب إذا

1. رأيتَ المعاصي تُرتَكب (المجاهرة بارتكاب الحرام، السبّ، الكفر، التلفظ بالكلام البذيء...).

2. وجدتَ الحقوق تُضيَّع (أكل مال الآخرين من دون وجه حقّ).

3. شاهدتَ شخصاً يُعتدى عليه.

دواء الغضب

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يا عليّ، لا تغضب، فإذا غضبتَ فاقعد، وتفكّر في قدرة الربّ على العباد، وحلمه عنهم، وإذا قيل لك: اتّقِ الله، فانبذ غضبك، وراجع حلمك»[2].

وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «أيُّما رجلٍ غضب وهو قائم فليجلس؛ فإنّه سيذهب عنه رجز الشيطان، وإن كان جالساً فليقم»[3].


 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص207.

[2] ابن شعبة الحرّانيّ، تحف العقول، مصدر سابق، ص14.

[3] الطبرسيّ، الشيخ الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق، منشورات الشريف الرضيّ، إيران - قمّ، 1392هـ - 1972م، ط6، ص350.

 

64


56

الموعظة الثامنة: كفّ الأذى

الموعظة الثامنة: كفّ الأذى

هدف الموعظة

بيان قبح التعرّض للمؤمنين بالأذى، وقيمة الصبر عليه.

محاور الموعظة

1. أذيّة المؤمن

2. الإيذاء ذلٌّ وهَوان

3. الصبر على الأذى فوزٌ وكرامة

4. كفّ الأذى من كمال العقل

5. جزاء إيذاء المؤمن

6. ما يترتّب على كفّ الأذى

تصدير الموعظة

الإمام عليّ بن الحسين (عليهما السلام): «اللهمّ صلّ على محمّدٍ وآله، وَامْنَعْنِي‏ عَنْ‏ أَذَى‏ كُلِ‏ مُؤْمِنٍ‏ وَمُؤْمِنَةٍ، وَمُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ»[1].

 

 


[1] الصحيفة السجّاديّة، مصدر سابق، ص168، الدعاء 39.

 

65


57

الموعظة الثامنة: كفّ الأذى

أذيّة المؤمن

في هذه الفقرة المباركة من الدعاء، يطلب (عليه السلام) من الله تعالى أن يحول بينه وبين إيذاء المؤمنين والمسلمين؛ لأنّه من كبائر الذنوب، قال تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحۡتَمَلُواْ بُهۡتَٰنا وَإِثۡما مُّبِينا﴾[1].

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مَن آذى مؤمناً فقد آذاني»[2]، فالذي يؤذي أيّ مؤمن من إخوانه، فهو لا يؤذيه وحده فحسب، بل الأذيّة تصل إلى نفس النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وما أقبح ذلك!

وعنه (صلى الله عليه وآله): «قال اللَّه تبارك وتعالى: مَن أهان لي وليّاً، فقد أرصد لمحاربتي»[3].

الإيذاء ذلٌّ وهَوان

قد يخبر رجلٌ صديقَه بأنّ ثالثاً قد تحدّث عنه بسوء، فيأخذ قراراً بإيذائه من دون التحقّق من ذلك، ويُحاول إزعاجه والتضييق عليه، وربّما إطلاق الشتائم والكلمات

 


[1] سورة الأحزاب، الآية 58.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج64، ص72.

[3] الكوفيّ، حسين بن سعيد، المؤمن، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهديّ (عليه السلام) بالحوزة العلمية، إيران - قمّ، 1404ه، ط1، ص32.

 

66


58

الموعظة الثامنة: كفّ الأذى

المعرّضة به، ظنّاً منه أنّه بذلك يسعى إلى إعزاز نفسه وإذلال الآخر وإهانته، مع أنّه لم يعلم أنّ الآخر تعرّض له بالسوء، وحتّى لو كان قد تعرّض له، فإنّ خُلُق المؤمن يدعوه إلى العفو والصفح الجميل، أو تكذيب الواشي الذي يبغي الفتنة والوقيعة بين الطرفين، وعدم إعارته أيّ اهتمام، لا أن تأخذ منه حميّة العصبيّة مأخذها، ويطلق العنان للنفس في جموحها وطغيانها، لتستبيح كرامة الآخرين، ويكون الإيذاء وسيلة إلى إعادة الاعتبار؛ لأن ذلك كلّه لا يعزّ المؤذي، بل يذلّه، فعن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): «أذلُّ الناس مَن أهان الناس»[1].

فالواجب على الإنسان المؤمن هنا أن يعالج الأمر بما علّمنا أئمّتُنا (عليهم السلام)، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ضع أمر أخيك على أحسنه حتّى يأتيك ما يغلبك منه، ولا تظنّن بكلمةٍ خرجت من أخيك سوءاً، وأنت تجد لها في الخير محملاً»[2]، وعن الإمام الكاظم (عليه السلام): «كذّب سمعك وبصرك عن أخيك، فإن شهد عندك خمسون قسّامة، وقال لك قولاً، فصدّقه وكذّبهم»[3].

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج72، ص142.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص362.

[3] المصدر نفسه، ج8، ص147.

 

67


59

الموعظة الثامنة: كفّ الأذى

الصبر على الأذى فوزٌ وكرامة

ربّما يتأذّى أحدنا من غيره حين يعمد إلى الاعتداء عليه، من خلال غصبه بعضَ حقوقه أو وصفه بما لا يليق به، فما السبيل الذي ينبغي اتّباعه في هذه الحال؟

والجواب هو التحمّل والصبر على الأذى، الذي هو سبيل الصالحين، وخُلُق الأنبياء والصدّيقين، قال تعالى: ﴿فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِمۡ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَيِّ‍َٔاتِهِمۡ﴾[1]. وهنا، لا بدّ من أن يكون الصبر لوجه اللَّه تعالى، ورجاء نيل رضاه، والقرب منه.

كفّ الأذى من كمال العقل

إنّ الشخص الذي يكون الآخرون آمنين من آذاه، راضين عن العلاقة معه، لا يعتدي عليهم، ولا يسلبهم حقوقهم، لهو شخصٌ كاملٌ وناجحٌ، وصاحب عقل راجح، وهذا ما يبيّنه الإمام زين العابدين (عليه السلام) بقوله: «كفُّ الأذى من كمال العقل، وفيه راحة البدن عاجلاً وآجلاً»[2].

 

 


[1] سورة آل عمران، الآية 195.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص20.

 

68


60

الموعظة الثامنة: كفّ الأذى

جزاء إيذاء المؤمن

يترتّب على إيذاء المؤمن جزاءٌ يناله مَن باشر ذلك، منه:

1. محاربة الله له: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال اللَّه عزّ وجلّ: لِيأذن بحربٍ منّي مَن آذى عبديَ المؤمن»[1].

2. إخافته يوم القيامة: عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): «مَن نظر إلى مؤمن نظرة يخيفه بها، أخافه اللَّه تعالى يوم لا ظلَّ إلّا ظلُّه»[2].

3. لا كفّارة له: عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله): «من أحزن مؤمناً ثمّ أعطاه الدنيا، لم يكن ذلك كفّارته، ولم يؤجَر عليه»[3].

ما يترتّب على كفّ الأذى

1. الفوز بالنعيم المقيم: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «فاز -واللَّه- الأبرار، أتدري مَن هم؟ همُ الذين لا يؤذون الذرّ»[4].


 


[1] الفيض الكاشانيّ، الوافي، مصدر سابق، ج5، ص959.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج72، ص150.

[3] المصدر نفسه.

[4] ابن طاووس، السيّد عليّ بن موسى، سعد السعود، منشورات الرضيّ، إيران - قمّ، 1363ه، لا.ط، ص78.

 

69


61

الموعظة الثامنة: كفّ الأذى

2. كفّ الأيادي عنه: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن كفّ يده عن الناس، فإنّما يكفّ عنهم يداً واحدة، ويكفّون عنه أيادي كثيرة»[1].

3. راحة البدن عاجلاً وآجلاً: عن الإمام السجّاد (عليه السلام): «كفّ الأذى من كمال العقل، وفيه راحة البدن عاجلاً وآجلاً»[2].

4. التصدّق على نفسه: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «كُفَّ أذاك عن الناس؛ فإنّه صدقة تصدّق بها على نفسك»[3].

 


[1] الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص17.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص20.

[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج72، ص54.

 

70


62

الموعظة الثامنة: كفّ الأذى

الموعظة التاسعة: الرفق واللين

هدف الموعظة

تعرّف مفهوم الرفق واللين، والاستفادة منهما في التربية والعلاقة بالآخرين، اقتداءً بالنبيّ وآله.

محاور الموعظة

1. مفهوم الرفق

2. الرفق في القرآن الكريم

3. الرفق في السنّة المطهّرة

4. آثار الرفق وفوائده

5. الرفق من حقوق المؤمنين

6. الرفيق مَن يرفقك على صلاح دينك

تصدير الموعظة

رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الرفق رأس الحكمة. اللهمّ، مَن وَلِيَ شيئاً من أمور أمّتي فرفق بهم، فارفق به، ومن شقّ عليهم، فاشقق عليه»[1].

 


[1] الأحسائيّ، عوالي اللآلئ، مصدر سابق، ج1، ص371.

 

71


63

المقدّمة

مفهوم الرفق

الرفق ضدّ العنف والشدّة، ويراد به اليسر في الأمور، والسهولة في التوصّل إليها. وأصل الرفق في اللغة هو النفع، ومنه قولهم: أرفق فلان فلاناً إذا مكّنه ممّا يرتفق به. ورفيق الرجل: مَن ينتفع بصحبته. ومرافق البيت: المواضع التي ينتفع بها زيادة على ما لا بدّ منه، ونحو ذلك[1].

وقد جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق، ولا تكرهوا عبادة الله إلى عباد الله، فتكونوا كالراكب المنبَتّ[2]، الذي لا سفراً قطع، ولا ظهراً أبقى»[3].

الرفق في القرآن الكريم

حثّ القرآن الكريم على اعتماد الرفق كمبدأ في حياة المجتمع الإسلاميّ، في الحياة الفرديّة والعامّة مع جميع الخَلق، وهذا ما جاء في العديد من الآيات الكريمة، منها:

 


[1] انظر: أبو هلال العسكريّ، الحسن بن عبدالله، الفروق اللغويّة، تحقيق ونشر مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقمّ المشرَّفة، إيران - قمّ، 1412، ط1، ص259.

[2] يُقال للرجل إذا انقطع به في سفره وعطبت راحلته: قد انبَتّ، من البتّ بمعنى القطع.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص86.

 

72


64

الموعظة الثامنة: كفّ الأذى

الآية الأولى: (اللين والعفو)

خاطب الله سبحانه نبيّه الأكرم محمّداً (صلى الله عليه وآله) قائلاً: ﴿فَبِمَا رَحۡمَة مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ فَٱعۡفُ عَنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمۡ وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ﴾[1].

ولولا الرفق الذي اعتمده الرسول (صلى الله عليه وآله) مع مَن أُرسل إليهم، لما نجح في استقطاب الناس حول رسالته؛ إذ الفظاظة والغلظة لا يؤدّيان إلّا إلى تنفير الناس وبُعدهم عن الدين.

ولمزيد من الرفق، أمرت هذه الآية الرسولَ الأعظم (صلى الله عليه وآله) -ونحن مأمورون بذلك أيضاً- أن يشاور أولئك الذين صدر عنهم الفرار من الزحف، وتركوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الميدان مع قلّةٍ من أصحابه، فقال عزّ وجلّ: ﴿وَشَاوِرۡهُمۡ فِي ٱلۡأَمۡرِۖ﴾، ثمّ بيّن الحكمة من لين جانب نبيِّه الكريم بخطابه له: ﴿وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ﴾، ولشمت العدوّ بك، وطمع فيك، ولم يتمّ أمرك، وتنتشر رسالتك.

 

 


[1] سورة آل عمران، الآية 159.

 

73


65

الموعظة الثامنة: كفّ الأذى

الآية الثانية: (الهجر الجميل)

﴿وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهۡجُرۡهُمۡ هَجۡرا جَمِيلا﴾[1].

الهجر الجميل هو أن لا تتعرّض لخصمك بشيء، وإن تعرض لك تجاهلت.

وفي هذه الآية يأمر الله تعالى نبيّه (صلى الله عليه وآله) بالصبر، وكظم الغيظ على ما يسمعه من الأقوال البذيئة التي لا تليق ومقام النبوّة الشامخ، صبراً لا عتاب فيه على أحد، بل تركهم إلى الله سبحانه، مع الهجر الجميل الذي لا يترك في نفوسهم شيئاً من وخز الضمير ما داموا لم يقابَلوا بالمثل.

والملاحظ هنا، أنّ الله سبحانه استخدم لفظة الهجر، ولم يستخدم مكانها لفظة الترك، ولعلّ الأمر يعود إلى أنّ الترك يعني التخلّي تماماً عنهم، بينما الهجر يحمل معه معنى إمكانيّة الرجوع إليهم، والتبليغ فيهم مرّة ثانية، ولأجل هذه الاحتماليّة يلزم أن يكون الهجر جميلاً؛ لأنّهم بحاجة إلى المعاودة والنصح والإرشاد الذي لا يتحقّق مع تواصل الهجر المستمرّ بلا انقطاع.

 


[1] سورة المزّمّل، الآية 10.

 

 

74


66

الموعظة الثامنة: كفّ الأذى

ومن هنا يُعلم أنّ رحمة الله عزّ وجلّ لا يمكن تصوّر حدودها، فهي شملت حتّى مَن يسيء إلى مقام الرسل والأنبياء (عليهم السلام)، أملاً في أن يصلحوا في مستقبل أيّامهم، ويعودوا إلى حظيرة الإسلام، لينهلوا من آدابه، ويتخلّقوا بمكارم أخلاقه.

الآية الثالثة: (الهون والسلام)

﴿وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰما﴾[1].

تتمحور الآية حول صفتين:

الأولى: السير على الأرض هوناً؛ أي بسكينة ووقار، بلا استعلاء وخيلاء.

ومشْيُ الهون على الأرض هو مشية مُرفِق بها، لا يُثير غبارها؛ لسهولة التعامل معها، واللين في تماسّها، وخفّة الروح عليها.

عن الإمام عليّ (عليه السلام): «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا مشى تكفّأ

 


[1] سورة الفرقان، الآية 63.

 

 

75


67

الموعظة الثامنة: كفّ الأذى

تكفُّؤاً[1]، كأنّما ينحطّ من صبب»[2]، وهي مشية أولي العزم والهمّة والشجاعة.

الثانية: مخاطبة الجاهلين بسلام؛ فهم لا يمارون الجاهل، ولا يقارعونه بالحجّة تلو الحجّة، التي لا يستطيع هضمها وفهمها، بل يرفقون به، ويقدّرون مبلغ علمه، ومستوى جهله، ويرأفون بحاله.

الآية الرابعة: (الدفع بالتي هي أحسن)

﴿وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَة كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيم﴾[3].

إنّ الدفع بالتي هي أحسن، والتحلّي بالرفق قبال الذي بينك وبينه عداوة حتّى تبدو له كأنّك وليٌّ حميم، مبدأ أخلاقيّ يسري في مجالات الحياة كافّة، يكشف عن سماحة صاحبه، وعلوّ همّته وعظم قدره.

 


[1] تكفّأ في مشيته: مشى الهوينا، والصبب الانحدار، والمراد نفي التبختر في مشيه (صلى الله عليه وآله).

[2] الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا (عليه السلام)، مصدر سابق، ج1، ص283.

[3] سورة فُصّلت، الآية 34.

 

76


68

الموعظة الثامنة: كفّ الأذى

الرفق في السنّة المطهّرة

1. الرفق يُمن والخُرق شؤم: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «الرفق يُمن، والخُرق[1] شؤم»[2].

2. الرفق جمال: عنه (صلى الله عليه وآله): «إنّ الرفق لم يوضع على شيء إلّا زانه، ولا نُزع من شيء إلّا شانه»[3].

3. جمال الرفق وحسن جوهره: عنه (صلى الله عليه وآله): «لو كان الرفق خَلَقاً يُرى، ما كان ممّا خَلَق الله عزّ وجلّ شيءٌ أحسن منه»[4].

4. الرفق خير: عنه (صلى الله عليه وآله): «مَن أُعطي حظُّه من الرفق، أعطي حظُّه من خير الدنيا والآخرة»[5].

5. الرفق نصف المعيشة: عنه (صلى الله عليه وآله): «الرفق نصف العيش، وما عال امرؤ في اقتصاد»[6].

 


[1] اليُمن: البركة، والخُرق: ضدّ الرفق.

[2] الكوفيّ، حسين بن سعيد، الزهد، تحقيق ميرزا غلام رضا عرفانيان، لا.ن، لا.م، 1399ه، لا.ط، ص29.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص 119.

[4] المصدر نفسه، ج2، ص120.

[5] أحمد بن حنبل، المسند (مسند أحمد)، دار صادر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج6، ص159.

[6] القاضي النعمان المغربيّ، النعمان بن محمّد، دعائم الإسلام، تحقيق آصف بن عليّ أصغر فيضي، دار المعارف، مصر - القاهرة، 1383هـ - 1963م، لا.ط، ج2، ص254.

 

78


69

الموعظة الثامنة: كفّ الأذى

4. تيسير الأمور: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن كان رفيقاً في أمره، نال ما يريد من الناس»[1].

5. الإكرام والاحترام: عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنْ شئتَ أن تُكرَم فلِن، وإنْ شئتَ أن تُهان فاخشن»[2].

الرفق من حقوق المؤمنين

اعتنى الإسلام كثيراً بحقوق المؤمنين بعضهم على بعض، حفظاً لكرامة الإنسان المؤمن، وصيانةً للمجتمع، ورصّاً لصفوفه، قال تعالى: ﴿وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضۚ﴾[3].

والرفق واحد من تلك الحقوق التي ينبغي حفظها، ففي رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (عليه السلام): «وحقُّ أهل ملّتك: إضمار السلامة، والرحمة لهم، والرفق بمسيئهم، وتألُّفهم، واستصلاحهم، وشكر محسنهم، وكفّ الأذى عنهم»[4].

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص120.

[2] المصدر نفسه، ج1، ص27.

[3] سورة التوبة، الآية 71.

[4] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص423.

 

79


70

الموعظة الثامنة: كفّ الأذى

وكذلك جاء الرفق واللين والرحمة في حقوق كلّ من: المستنصح والزوجة والصغير.

الرفيق مَن يرفقك على صلاح دينك

إنّ مَن يحقّ له أن يسمَّى رفيقاً هو مَن يُعينك على آخرتك، ويرشدك إلى ما فيه صلاح دينك، لا مَن يصحبك لمصالح دنيويّة ومنافع مادّيّة، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إنّما سُمّي الرفيق رفيقاً؛ لأنّه يرفقك على صلاح دينك، فمَن أعانك على صلاح دينك فهو الرفيق»[1].

 


[1] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص178.

 

80


71

الموعظة العاشرة: السماح والعفو

الموعظة العاشرة: السماح والعفو

هدف الموعظة

الحثّ على التحلّي بفضيلة العفو، ومعرفة أنواعه وأقسامه، وأهمّ آثاره الدنيويّة والأخرُوِية.

محاور الموعظة

1. العفو تاج المكارم

2. العفو الجميل والعفو القبيح

3. العفو الأكبر والعفو الأصغر

4. آثار العفو

تصدير الموعظة

الإمام زين العابدين (عليه السلام): «اللَّهُمَّ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَالَ‏ مِنِّي‏ مَا حَظَرْتَ‏ عَلَيْهِ‏، وَانْتَهَكَ مِنِّي مَا حَجَزْتَ عَلَيْهِ، فَمَضَى بِظُلَامَتِي مَيِّتاً، أَوْ حَصَلَتْ لِي قِبَلَهُ حَيّاً فَاغْفِرْ لَهُ مَا أَلَمَّ بِهِ مِنِّي، وَاعْفُ لَهُ عَمَّا أَدْبَرَ بِهِ عَنِّي، وَلَا تَقِفْهُ عَلَى مَا ارْتَكَبَ فِيَّ، وَلَا تَكْشِفْهُ عَمَّا اكْتَسَبَ بِي، وَاجْعَلْ مَا سَمَحْتُ بِهِ مِنَ الْعَفْوِ عَنْهُمْ، وَتَبَرَّعْتُ بِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ أَزْكَى صَدَقَاتِ الْمُتَصَدِّقِينَ، وَأَعْلَى صِلَاتِ الْمُتَقَرِّبِينَ وَعَوِّضْنِي مِنْ عَفْوِي عَنْهُمْ عَفْوَكَ»[1].


 


[1] الصحيفة السجّاديّة، مصدر سابق، ص168، من دعائه (عليه السلام) في طلب العفو والرحمة.

 

81


72

الموعظة العاشرة: السماح والعفو

العفو تاج المكارم

العفو فضيلةٌ أكْثَرَ أهلُ البيت (عليهم السلام) من دعوة الناس إليها، لدوره الرئيس في استقرار المجتمعات وثباتها، والإصلاح البشريّ، والتعايش.

وقد دعانا الإمام السجّاد (عليه السلام) إلى العفو عمّن ظلمَنا بأسلوبٍ ساحرٍ في إيصال المعاني إلى حيث تستقرّ في القلوب، وتتمكّن منها، لتترجم في ما بعد سلوكاً عمليّاً، وبناءً نفسيّاً عاطفيّاً نابعاً من العقل والشرع معاً، فإذا كان المخلوق الضعيف قُدِّر له أن يعفو، فكيف بالخالق العظيم الذي لا شكّ في أنّه سيعوّضنا من عفونا عمّن ظلمَنا عفوه عنّا؛ لأنّه أكرم بالعفو!

وقد ورد عن أمير المؤمنين ‏(عليه السلام): «العفو تاج المكارم»[1]، و«قلّة العفو أقبح العيوب، والتسرّع إلى الانتقام أعظم الذنوب»[2].

 

 


[1] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص19.

[2] المصدر نفسه، ص371.

 

82


73

الموعظة الثامنة: كفّ الأذى

العفو الجميل والعفو القبيح

إنّ العفو المقرّب إلى اللَّه سبحانه، والمساعد على الإصلاح والبناء، مرغوبٌ فيه ومطلوب؛ أمّا ما يساعد على على تَكرار الاعتداء وانتهاك الحقوق، فهو غير مرغوب فيه، ولا مطلوب، بل قبيح ومذموم.

ومثال العفو الجميل، ما عن رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) لرجلٍ شكى إليه خدمه: «اعفُ عنهم تستصلح به قلوبهم»، فقال: يا رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله)، إنّهم يتفاوتون في سوء الأدب، فقال: «اعفُ عنهم»، ففعل[1].

وفي هذا الحديث تصريح واضح بأنّ الاستصلاح ركيزة في العفو عنهم.

ومثال العفو القبيح، ما عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «جازِ بالحسنة، وتجاوز عن السيّئة، ما لم يكن ثَلْماً في الدين، أو وهْناً في سلطان الإسلام»[2].

 

 


[1] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج9، ص7.

[2] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص223.

 

83


74

الموعظة العاشرة: السماح والعفو

هنا، أشار (عليه السلام) إلى عنوانَين لا يحسن التجاوز عن السيّئة فيهما:

الأوّل: الثلْم في الدين، وهو أمر لا يمكن الدعوة إلى تسبيبه على الإطلاق.

الثاني: الضعْف في حكومة الإسلام وسلطته، وهو أمر خطير نهانا اللَّه تعالى عنه.

وقد اشار الإمام السجّاد (عليه السلام) إلى عنوان ثالث عامّ، وهو لزوم الضرر، إذ قال: «حقُّ من أساءك أن تعفو عنه، وإن علمت أنّ العفو عنه يضرّ، انتصرتَ، قال اللَّه تبارك وتعالى: ﴿وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعۡدَ ظُلۡمِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَا عَلَيۡهِم مِّن سَبِيلٍ﴾[1]»[2].

ويجمع معنيَي العفو، حديثُ أمير المؤمنين (عليه السلام)، إذ يكشف عن ضابطة الإصلاح والإفساد مع الكريم في الأوّل، ومع اللئيم في الثاني، قائلاً: «العفو يفسد من اللئيم بقدر إصلاحه من الكريم»[3].

 


[1] سورة الشورى، الآية 41.

[2] الشيخ الصدوق، الخصال، مصدر سابق، ص570.

 

84

[3] الشيخ المفيد، الإرشاد، مصدر سابق، ج1، ص298.


75

الموعظة التاسعة: الرفق واللين

العفو الأكبر والعفو الأصغر

ثمّة نحوان من العفو، كلاهما له فضل عند اللَّه تعالى، وثوابٌ عظيم، ومكانةٌ عالية، غير أنّ أحدهما أكبر وأحسن من الآخر، وهو العفو عن المعتدي مع القدرة على أخذ الحقّ والاقتصاص منه، رجاءَ أن يعفو اللَّه عنه، ورغبةً في الثواب، وفي النجاة من العقاب يوم الجزاء.

عن الإمام عليّ (عليه السلام): «أحسن العفو ما كان عن قدرة»[1]، وعنه (عليه السلام): «أَوْلَى النَّاسِ بِالْعَفْوِ أَقْدَرُهُمْ عَلَى الْعُقُوبَةِ»[2].

أمّا النحو الأصغر، فهو العفو مع عدم القدرة الآنيّة على على معاقبة المسيء‏ وتحصيل الحقّ، وإمكان تجدّدها في المستقبل، فيكون محسناً بذلك، قال تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ﴾[3].

والعفو من أيّ نحوٍ كان هو من خير الخلائق، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة؟ العفو عمَّنْ

 


[1] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص111.

[2] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص478، الحكمة 52.

[3] سورة آل عمران، الآية 134.

 

 

85


76

الموعظة العاشرة: السماح والعفو

ظلمك، وأن تصل مَن قطعك، والإحسان إلى مَن أساء إليك، وإعطاء مَن حرمك»[1].

وهو من أخلاق أهل البيت (عليهم السلام)، كما عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّا أهل بيتٍ، مروءتُنا العفوُ عمّن ظلَمَنا»[2].

آثار العفو

للعفو آثار عدّة في الدنيا والآخرة، منها:

1. إطالة العمر: عن رسول الله: «مَن كثُر عفوه، مدّ في عمره»[3].

2. النصر: عن الإمام الرضا (عليه السلام): «ما التقت فئتان قطّ إلّا نُصر أعظمهما عفواً»[4].

3. بقاء الملك: عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «عفو الملوك بقاء الملك»[5].

 


[1] المفيد، الشيخ محمّد بن محمّد، الأمالي، تحقيق عليّ أكبر الغفاريّ، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414هـ - 1993م، ط2، ص181.

[2] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص364.

[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج72، ص359.

[4] الشيخ المفيد، الأمالي، مصدر سابق، ص210.

[5] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج74، ص170.

 

86


77

الموعظة العاشرة: السماح والعفو

4. النجاة من عذاب النار: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «تجاوزوا عن ذنوب الناس، يدفع اللَّه عنكم بذلك عذاب النار»[1].

5. الوقاية من سوء الأقدار: عن النبيّ (صلى الله عليه وآله): «تجاوزوا عن عثرات الخاطئين، يقيكم اللَّه بذلك سوء الأقدار»[2].

6. مغفرة اللَّه ورضوانه: من كلامٍ لأمير المؤمنين (عليه السلام) قبل أن تفيض روحه المقدّسة: «إِنْ‏ أَبْقَ‏ فَأَنَا وَلِيُ‏ دَمِي‏، وَإِنْ أَفْنَ فَالْفَنَاءُ مِيعَادِي، وَإِنْ أَعْفُ فَالْعَفْوُ لِي قُرْبَةٌ وَهُوَ لَكُمْ حَسَنَةٌ، فَاعْفُوا
﴿أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغۡفِرَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ﴾[3]»[4].

 


[1] الحلوانيّ، الشيخ حسين بن محمّد، نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهديّ (عليه السلام)، إيران - قمّ المقدسة، 1408ه، ط1، ص439.

[2] المالكيّ الأشتريّ، ورام بن أبي فراس، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورّام)، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1368ش، ط2، ص127.

[3] سورة النور، الآية 22.

[4] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص 378، الكتاب 23.

 

87


78

الموعظة الحادية عشرة: أنصار الحجّة (عج)

الموعظة الحادية عشرة: أنصار الحجّة (عجل الله تعالى فرجه)

هدف الموعظة

الحثّ على الانتظار والتحلّي بصفات أنصار الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه).

محاور الموعظة

1. نصرة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)

2. مواصفات أنصار الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)

3. الانتظار

4. كُن من أنصاره (عجل الله تعالى فرجه)

تصدير الموعظة

الإمام الصادق (عليه السلام): «مَن سرَّهُ أن يكون من أصحاب القائم، فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات، وقام القائم بعده، كان له مِن الأجر مثلُ أجر مَن أدركه»[1].

 

 


[1] الحرّ العامليّ، الشيخ محمّد بن الحسن، إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، لبنان - بيروت، ط1، ج5، ص161.

 

88


79

الموعظة الحادية عشرة: أنصار الحجّة (عج)

نصرة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)

إنّ نصرة صاحب الزمان(عجل الله تعالى فرجه)، والانضواء تحت لوائه، والتشرّف بخدمته توفيق إلهيّ؛ وهذا يحتاج إلى لياقةٍ من نوعٍ خاصّ، وإعدادٍ متميّز، تتناسب مع طبيعة الأهداف الكبرى التي ستتحقّق على يدَيه المباركتَين.

عن الإمام الباقر (عليه السلام): «فيا طوبى لمَن أدركه، وكان من أنصاره»[1].

وقد ذكرت الروايات المواصفات، التي مَن يتحلّى بها، يصبح مؤهّلاً للتشرّف بخدمة الإمام (عجل الله تعالى فرجه)، والقتال بين يدَيه.

مواصفات أنصار الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)

ذكرت الروايات مواصفات لأنصار الحجّة، منها:

1. الفداء والطاعة: عن الإمام الصادق‏ (عليه السلام) في وصف أنصاره (عجل الله تعالى فرجه)، قال: «يَقُوْنَه بأنفسهم في الحروب، ويكفونه ما يريد فيهم... ينصر اللّه بهم إمام الحقّ»[2].

2. النشاط في العبادة والجهاد: إنّ أنصار الحجّة (عجل الله تعالى فرجه) «رجالٌ لا ينامون الليل، لهم دويٌّ كدويّ النحل، يبيتون قياماً على

 


[1] ابن أبي زينب النعمانيّ، الشيخ محمّد بن إبراهيم، الغيبة، تحقيق فارس حسّون كريم، أنوار الهدى، إيران - قمّ، 1422ه، ط1، ص240.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج52، ص310.

 

89


80

الموعظة الحادية عشرة: أنصار الحجّة (عج)

نصرة الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)

إنّ نصرة صاحب الزمان(عجل الله تعالى فرجه)، والانضواء تحت لوائه، والتشرّف بخدمته توفيق إلهيّ؛ وهذا يحتاج إلى لياقةٍ من نوعٍ خاصّ، وإعدادٍ متميّز، تتناسب مع طبيعة الأهداف الكبرى التي ستتحقّق على يدَيه المباركتَين.

عن الإمام الباقر (عليه السلام): «فيا طوبى لمَن أدركه، وكان من أنصاره»[1].

وقد ذكرت الروايات المواصفات، التي مَن يتحلّى بها، يصبح مؤهّلاً للتشرّف بخدمة الإمام (عجل الله تعالى فرجه)، والقتال بين يدَيه.

مواصفات أنصار الإمام المهديّ (عجل الله تعالى فرجه)

ذكرت الروايات مواصفات لأنصار الحجّة، منها:

1. الفداء والطاعة: عن الإمام الصادق‏ (عليه السلام) في وصف أنصاره (عجل الله تعالى فرجه)، قال: «يَقُوْنَه بأنفسهم في الحروب، ويكفونه ما يريد فيهم... ينصر اللّه بهم إمام الحقّ»[2].

2. النشاط في العبادة والجهاد: إنّ أنصار الحجّة (عجل الله تعالى فرجه) «رجالٌ لا ينامون الليل، لهم دويٌّ كدويّ النحل، يبيتون قياماً على

 


[1] ابن أبي زينب النعمانيّ، الشيخ محمّد بن إبراهيم، الغيبة، تحقيق فارس حسّون كريم، أنوار الهدى، إيران - قمّ، 1422ه، ط1، ص240.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج52، ص310.

 

89


81

الموعظة الحادية عشرة: أنصار الحجّة (عج)

أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبانٌ بالليل، ليوثٌ بالنهار، وهم من خشية اللّه مشفقون»[1].

3. تمنّي الشهادة: عن الإمام الصادق‏ (عليه السلام): «يدعون بالشهادة، ويتمنَّون أن يُقتَلوا في سبيل اللّه»[2].

4. الثبات على الأمر: عن الإمام الصادق‏ (عليه السلام): «رجالٌ كأنّ قلوبَهم زبرُ الحديد، لا يشوبها شكّ في ذات اللّه، أشدّ من الحجر، لو حملوا على الجبال لأزالوها»[3].

5. الإخلاص والتسليم: سُئل الإمام محمّد التقيّ ‏(عليه السلام): لمَ سُمّي القائم؟ فقال: «لأنّه يقوم بعد موت ذكره، وارتداد أكثر القائلين بإمامته». فقيل له: ولم سُمّي المنتظر؟ فقال: «لأنّ له غيبةً يكثر أيّامها، ويطول أمدها، فينتظر خروجَه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزىء بذكره الجاحدون، ويكذّب بها الوقّاتون، ويهلك فيها المستعجلون، وينجو فيها المسلِّمون»[4].

 


[1] اليزديّ الحائريّ، الشيخ عليّ، إلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب، تحقيق السيّد عليّ عاشور، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط، ج2، ص258.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج52، ص310.

[3] الشيخ المفيد، الاختصاص، مصدر سابق، ص220.

[4] الصدوق، محمد بن علي بن بابويه، كمال الدين وتمام النعمة، تحقيق وتصحيح علي أكبر غفاري، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1395ه‏، ط2، ج‏2، ص378.

 

90


82

الموعظة الحادية عشرة: أنصار الحجّة (عج)

6. الصبر على الأذى: عن سيّد الشهداء (عليه السلام): «أما إنّ الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدَي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)»[1].

الانتظار

عن أمير المؤمنين‏ (عليه السلام): «أفضل العبادة الصبر والصمت، وانتظار الفرج»[2].

وعن الإمام الصادق ‏(عليه السلام): «مَن مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر، كمَن هو مع القائم في فسطاطه»[3].

كُن من أنصاره (عجل الله تعالى فرجه)

وأنت -أيّها العزيز- انظر إلى هذه المواصفات العالية لأصحاب الإمام، وكم تحوز منها، واعمل جاهداً لتحصيلها، فإنّ ثمرة ذلك هي صحبة صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه) ونصرته، فلا تفتَر في تحصيلها.

 


[1] الحرّ العامليّ، إثبات الهداة، مصدر سابق، ج2، ص52.

[2] الشيخ الحرّاني، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، مصدر سابق، ص201.

[3] البرقيّ، المحاسن، مصدر سابق، ج1، ص174.

 

91


83

الموعظة الثانية عشرة: أداء التكليف

الموعظة الثانية عشرة: أداء التكليف

هدف الموعظة

بيان معنى التكليف ومصدره وإظهار أهمّيّته وضرورة الالتزام به.

محاور الموعظة

1. غاية الخلق

2. معنى التكليف ومصدره

3. خصائص التكليف

4. من يشخّص التكليف؟

5. التكليف والنتيجة

تصدير الموعظة

أمير المؤمنين (عليه السلام): «واعْلَمُوا أَنَّ مَا كُلِّفْتُمْ بِه يَسِيرٌ، وأَنَّ ثَوَابَه كَثِيرٌ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مَا نَهَى اللَّه عَنْه مِنَ الْبَغْيِ والْعُدْوَانِ عِقَابٌ يُخَافُ، لَكَانَ فِي ثَوَابِ اجْتِنَابِه مَا لَا عُذْرَ فِي تَرْكِ طَلَبِه»[1].

 

 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص425، الكتاب 51.

 

92


84

الموعظة الثانية عشرة: أداء التكليف

غاية الخلق

لم يخلق الله تعالى الإنسان عبثاً، إنّما خلقه لهدف وغاية، وهي معرفته تعالى وعبادته، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «خرج الحسين بن عليّ (عليهما السلام) على أصحابه، فقال: إنّ الله عزّ وجلّ ما خلق العباد إلّا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنَوا بعبادته عن عبادة مَن سواه»[1].

وعن ابن أبي عمير قال: قلتُ لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام): ما معنى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «اعملوا، فكلٌّ ميسّر لما خُلِق له»؟ فقال: «إنّ الله عزّ وجلّ خلق الجنّ والإِنس ليعبدوه، ولم يخلقهم ليعصوه؛ وذلك قوله عزّ وجلّ: ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ﴾، فيسَّر كُلّاً لما خُلِق له، فويل لمن استحبَّ العمى على الهدى»[2].

إذاً، فالمعرفة والعبادة وأداء حقّ الطاعة والالتزام بالتكاليف الإلهيّة هي هدف الخلق وغايته؛ لأنّ الإنسان محلّ اختبار

 


[1] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، مصدر سابق، ج1، ص9.

[2] الشيخ الصدوق، التوحيد، مصدر سابق، ص356.

 

93


85

الموعظة الثانية عشرة: أداء التكليف

بهذه التكاليف، لما خصّه اللَّه تعالى بنعمة العقل الذي بيه يميز الحقّ من الباطل، والصالح من الطالح.

معنى التكليف ومصدره

التكليف هو مجموعة الأوامر والنواهي الإلهيّة، والالتزام بأدائه يعني الالتزام بما يأمر الله تعالى به، واجتناب ما ينهى عنه، وهو يشمل الجوانب الحياتيّة للإنسان كافّة، سواء أكانت فرديّة أم اجتماعيّة، يقول الإمام الخمينيّ (قدس سره): «حدّد الإسلام التكليف في كلّ شيء، ووضع القوانين لكلّ شيء، ولا حاجة بالمسلمين لتقليد أحد أو اتّباعه في قوانينه»[1]؛ فالإسلام هو مصدر التكليف، وإنّما يكتسب التكليف شرعيّته لكونه نابعاً منه.

خصائص التكليف

1. القدرة عليه: قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ﴾[2].

 


[1] الإمام الخمينيّ، السيّد روح الله الموسويّ، الكلمات القصار (مواعظ وحكم من كلام الإمام الخميني(قدس سره))، دار الوسيلة، بيروت- لبنان، 1416ه - 1995م، ط1، ص59.

[2] سورة البقرة، الآية 286.

 

94


86

الموعظة الثانية عشرة: أداء التكليف

عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ما أمُر العباد إلّا بدون سعتهم، فكلّ شيءٍ أمر الناس بأخذه فهم متّسعون له، وما لا يتّسعون له فهو موضوع عنهم»[1].

وعنه (عليه السلام): «ما كلّف الله العباد فوق ما يطيقون» -فذكر الفرائض-، وقال: «إنّما كلّفهم صيام شهرٍ من السنة، وهم يطيقون أكثر من ذلك»[2].

2. براءة الذمّة يوم القيامة: والمقصود أنّ القيام بالتكليف بعد تشخيصه وحده الذي ينجي الإنسان، ويرفع عنه المسؤوليّة يوم القيامة، ويُثاب على عمله.

3. شموله لنواحي الحياة كافّة: قال تعالى: ﴿تِبۡيَٰنا لِّكُلِّ شَيۡء﴾[3].

فالالتزام بالتكليف يعني عدم الاقتصار على بعض التشريع وترك بقيّة التشريعات، بل الالتزام بكافّة المسؤوليّات الشرعيّة.

 


[1] الشيخ الصدوق، التوحيد، مصدر سابق، ص347.

[2] الشيخ الطوسيّ، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج4، ص154.

[3] سورة النحل، الآية 89.

 

 

95


87

الموعظة الثانية عشرة: أداء التكليف

قال تعالى: ﴿أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضۚ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفۡعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمۡ إِلَّا خِزۡي فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَيَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰٓ أَشَدِّ ٱلۡعَذَابِۗ﴾[1].

من يشخّص التكليف؟

النبيّ (صلى الله عليه وآله) ومن بعده أهل البيت (عليهم السلام) هم الذين عيّنهم الله لمهمّة تشخيص التكليف للناس.

قال تعالى: ﴿أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ﴾[2].

وقال تعالى: ﴿وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ﴾[3].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «خرج الحسين بن عليّ (عليهما السلام) على أصحابه... فقال له رجل: يابن رسول الله، بأبي أنت وأمّي، فما معرفة الله؟ قال: معرفة أهل كلّ زمانٍ إمامَهم الذي يجب عليهم طاعته»[4].

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 85.

[2] سورة النساء، الآية 59.

[3] سورة الحشر، الآية 7.

[4] الشيخ الصدوق، علل الشرائع، مصدر سابق، ج1، ص9.

 

 

96


88

الموعظة الثانية عشرة: أداء التكليف

الفقيه الجامع للشرائط هو المعني بتشخيص تكليف الأمّة في عصر الغيبة.

عن الإمام المهديّ (عليه السلام): «وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله عليهم»[1].

التكليف والنتيجة

هل ثمّة علاقة بين أداء التكليف والنتيجة؟ وهل نحن مأمورون بأداء التكليف أم تحقيق النتائج؟ وهل يصحّ القول: إنّنا لا نسعى لتحقيق النتائج، فقط المهمّ أداء التكليف؟

يجيب الإمام الخامنئيّ(دام ظله)، فيقول: «إنّ الذي يعمل وفق التكليف من أجل الوصول إلى النتيجة، لو أنّه في وقتٍ ما لم يصل إلى النتيجة المطلوبة، فإنّه لا يشعر بالندامة، فهو مرتاح البال؛ لأنّه أدّى تكليفه. أمّا الذي لا يعمل طبق التكليف من أجل الوصول إلى النتائج، فإنّه إذا لم يصل فإنّه سوف يشعر بالخسارة، ولكنّ الأوّل قد أدّى تكليفه وتحمّل مسؤوليّته وأنجز

 

 


[1] الشيخ الصدوق، كمال الدين، مصدر سابق، ج2، ص484.

 

 

97


89

الموعظة الثانية عشرة: أداء التكليف

العمل اللائق والمطلوب... لكنّه في النهاية لم يصل إلى النتيجة فإنّه لا يشعر بالخسارة، فقد قام بما عليه. لهذا، فإذا تصوّرنا أنّ محوريّة التكليف تعني أن لا ننظر إلى النتيجة من الأساس هي رؤية غير صحيحة... إنّ محوريّة التكليف لا تتنافى أبداً مع السعي نحو النتيجة، وبأن ينظر الإنسان ليرى كيف يحصّل النتيجة، وكيف تصبح قابلةً للتحقّق، وبأن يخطّط من أجل الوصول إلى النتيجة على أساس الطرق المشروعة والميسّرة»[1].

 


[1] كلمة الإمام الخامنئيّ a في لقاء الجامعيّين 28/07/2013م.

 

98


90
ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ