المقدّمة
المقدّمة
الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.
التفقّه في الدين، وتعلّم الأحكام الشرعيّة الفقهيّة وفهمها، من الأمور التي حثّت الشريعة الإسلاميّة عليها؛ كونها تشكّل البناء المعرفيّ والفكريّ لشخصيّة الإنسان المسلم، وترسم معالم سلوكه على المستويين، الفرديّ والاجتماعيّ.
وقد أوجبت الشريعة على المكلَّف تعلّم الأحكام الشرعيّة التي يُبتلى بها، بلا فرق بين الأحكام الخاصّة بالعبادات التي يُبتلى بها كلّ المكلّفين، أو الأحكام الخاصّة بوظيفة كلّ مكلَّف أو مهنته، فمَن يعمل في مجال الهندسة أو القضاء أو المحاسبة أو غيرها من الوظائف والمِهن، يجب عليه أن يتعلّم الأحكام الشرعيّة الابتلائيّة في مجال عمله، وإلاّ عُدَّ مخالفاً فيما لو ابتلي بمورد أو حالة لا يعرف حكمها الشرعيّ.
وقد أولى الفقه الإسلاميّ والتراث الإسلاميّ عامّة أهمّيّة بالغة للبناء، ويتبيّن ذلك من خلال الأحكام والآداب المتعلّقة بذلك، والتي يجب على المهندس رعايتها وتطبيقها. هذا بالإضافة إلى الكثير من الأمور التي يُبتلى بها المهندس في عمله، من حيث مواد البناء والأرض والتعامل مع العمّال والمنفِّذين وغير ذلك.
7
1
المقدّمة
هذا الكتاب هو من ضمن سلسلة الفقه الموضوعيّ التي نصدرها دوريّاً، وقد أعددنا سلسلة تختصّ بفقه المِهن، وخصّصنا هذا الإصدار بمهنة الهندسة، ويبيّن هذا الكتيّب حكم مزاولة المهنة، وشروطها وآدابها، وجملةً من أحكامها، آملين أن يلبّي الحاجة العمليّة لهذه الشريحة الأساسيّة في المجتمع.
والحمد للّه ربّ العالمين
مركز المعارف للتأليف والتحقيق
8
2
المقدّمة
آداب المِهن والمعاملات
لا بدّ قبل الخوض في غمار الأدبيّات والأخلاقيّات التي ينبغي لكلّ صاحب مهنة أن يتحلّى بها، من التأكيد على أنّ كلَّ فرد من أفراد المجتمع له دور بارز وأساس في تكوين البنية الاجتماعيّة الراقية والملتزمة بالمبادئ الإسلاميّة والإنسانيّة. وإنّ أصحاب المهن -على أشكالها- مطالبون بالتحلّي بتلك الآداب والأخلاقيّات في تعاملهم مع النّاس؛ بغية ضمان الأمن والسلام في مزاولة مهنتهم، وبغية الوصول إلى الهدف المنشود منها، ألا وهو خدمة النّاس وقضاء حوائجهم والعمل على تطوير العمل فيها. علاوة على الالتزام بما يرضي الله -سبحانه وتعالى- الذي أرشدنا من خلال كتابه الكريم وسنّة نبيّه المصطفى (صلى الله عليه وآله) وآله الأطهار(عليهم السلام) إلى أهمّيّة العمل وطلب الرزق وآداب ذلك. وسوف نورد عدداً من تلك الأخلاقيّات والأدبيّات ضمن العناوين الآتية:
أوّلاً: في طلب الرّزق والمال الحلال
1. طلب الرزق والتعفّف عن الناس
عن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام): «مَنْ طلب هذا الرزق من حلِّه ليعود به على نفسه وعياله، كان كالمجاهد في سبيل الله...»[1].
[1] الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج5، ص93. الحرّ العامليّ، الشيخ محمّد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام)، إيران - قم، 1414هـ، ط2، ج17، ص21.
9
3
آداب المِهن والمعاملات
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «مَنْ طلب الدنيا استعفافًا عن الناس وسعيًا على أهله، وتعطّفًا على جاره، لَقيَ الله -عزّ وجلّ- يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر»[1].
2. جمع المال من حلال لأجل النفقة في الطاعات
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لا خيرَ في مَنْ لا يحبُّ جمع المال من حلال، يكفّ به وجهه، ويقضي به دينه، ويصل به رحمه»[2].
وعن عبد الله بن أبي يعفور: قال رجلٌ لأبي عبد الله [الإمام الصادق] (عليه السلام): واللهِ، إنّا لنطلب الدنيا، ونحبُّ أن نؤتاها، فقال: «تحبُّ أن تصنع بها ماذا؟» قال: أعود بها على نفسي وعيالي، وأصل بها، وأتصدّق بها، وأحجّ وأعتمر، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «ليس هذا طلب الدنيا، هذا طلب الآخرة»[3].
3. الزهد في الحرام دون الحلال
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ليس الزهد في الدنيا بإضاعة المال، ولا تحريم الحلال، بل الزهد في الدنيا أن لا تكون بما في يدك أوثق منك بما عند الله -عزّ وجلّ-»[4].
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «الزهد في الدنيا قصر الأمل، وشكر كلّ نعمة، والورع عن كلّ ما حرّم الله -عزّ وجلّ-»[5].
[1] الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، تحقيق وتعليق السيد حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلامية، إيران - طهران، 1364ش، ط3، ج6، ص324.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص62.
[3] المصدر نفسه، ص72.
[4] المصدر نفسه، ص70.
[5] المصدر نفسه، ص71.
10
4
آداب المِهن والمعاملات
4. العمل باليد
عن عليّ بن أبي حمزة، عن أبيه: رأيت أبا الحسن [الإمام الكاظم] (عليه السلام) يعمل في أرضٍ له، قد استنقعت قدماه في العرق، فقلت: جُعلت فداك! أين الرجال؟ فقال: «يا عليّ، قد عمل باليد مَنْ هو خيرٌ منّي في أرضه ومن أبي»، فقلت: ومن هو؟ فقال: «رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وآبائي كلّهم، كانوا قد عملوا بأيديهم، وهو من عمل النبيّين والمرسلين والأوصياء والصالحين»[1].
5. الإجمال في طلب الرزق
عن الإمام الباقر (عليه السلام): «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) في حجّة الوداع: ألا إنّ الروح الأمين نفث في رَوعي أنّه لا تموت نفسٌ حتّى تستكمل رزقها؛ فاتّقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنَّكم استبطاء شيءٍ من الرزق أن تطلبوه بمعصية الله؛ فإنّ الله -تبارك وتعالى- قسّم الأرزاق بين خلقه حلالًا، ولم يقسّمها حرامًا، فمن اتّقى الله وصبر أتاه الله برزقه من حلِّه، ومن هتك حجاب الستر وعجّل فأخذه من غير حلهّ قصّ به من رزقه الحلال، وحوسب عليه يوم القيامة»[2].
6. الاقتصاد في طلب الرزق
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ليكن طلبك للمعيشة فوق كسب المضيِّع، ودون طلب الحريص الراضي بدنياه، المطمئنّ إليها، ولكن أنزل نفسك من ذلك بمنزلة المنصِف المتعفِّف، ترع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف، وتَكتسبْ ما لابدَّ منه، إنّ الذين أعطوا المال ثمّ لم يشكروا لا مال لهم»[3].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص76-75.
[2] المصدر نفسه، ص80.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص81.
11
5
آداب المِهن والمعاملات
7. الدعاء في طلب الرزق
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ الله -جلّ وعزّ- جعل أرزاق المؤمنين من حيث لم يحتسبوا؛ وذلك أنّ العبد إذا لم يعرف وجهَ رزقه كَثُر دعاؤه»[1].
8. الاقتصاد وتقدير المعيشة
عن الإمام الصادق(عليه السلام): «يا عبيد، إنّ السرف يورث الفقر، وإنّ القصد يورث الغنى»[2].
عن الإمام الكاظم (عليه السلام): «ضمنت لمن اقتصد أن لا يفتقر»[3].
9. الكدّ على العيال من الرزق الحلال وفضله
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «الكادّ على عياله كالمجاهد في سبيل الله»[4].
وعن الإمام الرضا (عليه السلام): «الذي يطلب من فضل الله ما يكفّ به عياله أعظم أجرًا من المجاهد في سبيل الله -عزّ وجلّ-»[5].
وعن الإمام الصادق(عليه السلام): «إذا كان الرجل معسرًا، يعمل بقدر ما يقوت به نفسه وأهله، لا يطلب حرامًا، فهو كالمجاهد في سبيل الله»[6].
10. الاقتصار على معاملة من نشأ في الخير
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لا تخالطوا ولا تعاملوا إلّا من نشأ في الخير»[7].
[1] الشيخ الطوسيّ، تهذيب الأحكام، مصدر سابق، ج6، ص328.
[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص53.
[3] المصدر نفسه، ص53.
[4] المصدر نفسه، ج5، ص88.
[5] المصدر نفسه.
[6] المصدر نفسه.
[7] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص158.
12
6
آداب المِهن والمعاملات
11. التبكير في طلب الرزق
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّي لأحبّ أن أرى الرجل متحرِّفًا في طلب الرزق، إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: اللّهم بارك لأمّتي في بكورها»[1].
12. الذهاب في الحاجة على طهارة
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «من ذهب في حاجةٍ على غير وضوءٍ فلم تُقضَ حاجته، فلا يلومنَّ إلّا نفسه»[2].
13. التكسّب بأنواع المحرّمات
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): إنّ أخوف ما أخاف على أمّتي من بعدي هذه المكاسب الحرام، والشهوة الخفيّة، والربا»[3].
وعنه (عليه السلام): «كسب الحرام يَبِين في الذريّة»[4].
14. معونة الظالمين وطلب ما في أيديهم من الظلم
عن الإمام علي زين العابدين (عليه السلام): «إيّاكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين!»[5].
وعنه (عليه السلام): «العامل بالظلم والمعين له والراضي به، شركاء ثلاثتهم»[6].
[1] الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم، 1414هـ، ط2، ج3، ص157.
[2] المصدر نفسه، ج3، ص157.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص124.
[4] المصدر نفسه، ص125.
[5] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص16.
[6] المصدر نفسه، ج2، ص333.
13
7
آداب المِهن والمعاملات
5. الغشّ في المعاملة
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ألا ومن غشّ مسلمًا فليس منّا». قالها ثلاث مرّاتٍ، إلى أن قال: «ومن غشّ أخاه المسلم نزع الله منه بركة رزقه، وأفسد عليه معيشته ووكّله إلى نفسه»[1].
16. الخيانة
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «... وليس منّا من خان مسلماً في أهله وماله»[2].
ثانياً: في الصفات الأخلاقيّة
1. الإخلاص
عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «إنّ لكلّ حقّ حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإخلاص حتّى لا يحبّ أن يُحمَد على شيء من عملٍ لله»[3].
2. الصدق
عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «أوصيكم بستّ خصال: اصدقوا، فإنّ الصادق على شفا منجاة، وإلّا قولوا خيراً تُعرفوا به، واعملوا الخير، تكونوا من أهله، وأدّوا الأمانة إلى من ائتمنكم، وصِلوا من قطعكم، وعودوا بالفضل على من جهِل عليكم»[4].
[1] الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، ثواب الأعمال، تقديم السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضي، إيران - قم، 1368 ش، ط2، ص286. البروجردي، السيّد حسين الطباطبائي، جامع أحاديث الشيعة، لا.ن، إيران - قم، 1399هـ، لا.ط، ج17، ص359.
[2] المفيد، الشيخ محمد بن محمد بن النعمان، الاختصاص، تحقيق علي أكبر الغفاري والسيد محمود الزرندي، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1414ه - 1993م، ط2، ص248. السيّد البروجردي، جامع أحاديث الشيعة، ج18، ص540.
[3] المجلسيّ، العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، مؤسّسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403هـ - 1983م، ط2، ج69، ص304.
[4] الكراجكي، العلّامة أبو الفتح محمّد بن علي بن عثمان، معدن الجواهر، تحقيق السيّد أحمد الحسيني، لا.ن، لا.م، 1394، ط2، ص53.
14
8
آداب المِهن والمعاملات
3. الوفاء بالوعد
عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليفِ إذا وعد»[1].
وعنه أيضاً(صلى الله عليه وآله): «لا إيمانَ لمن لا أمانة له، ولا دينَ لمن لا عهد له، ولا صلاةَ لمن لا يتمّ ركوعها وسجودها»[2].
4. حسن الخُلُق
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «طوبى لمن حَسُن مع الناس خُلُقه، وبذل لهم معونته، وعدل عنهم شرّه...»[3].
عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خُلُقاً»[4].
ثالثاً: في التعامل مع الناس
1. مدارة الناس
عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): «رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس في غير ترك حقّ... »[5].
2. نفع المؤمنين
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): الخلق عيال الله، فأحبُّ الخلق إلى الله من نفع عيال الله، وأدخل على أهل بيتٍ سرورًا»[6].
وعنه أيضاً (عليه السلام): «سُئل رسول الله(صلى الله عليه وآله): مَنْ أَحبُّ الناس إلى الله؟ قال: أنفع الناس للناس»[7].
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص364.
[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج69، ص198.
[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص168.
[4] المصدر نفسه، ج2، ص99.
[5] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج77، ص147.
[6] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص164.
[7] المصدر نفسه، ص164.
15
9
آداب المِهن والمعاملات
3. قضاء حاجة المؤمن والاهتمام بها
عن الإمام الباقر (عليه السلام): «إنّ المؤمن لَترِدُ عليه الحاجة لأخيه فلا تكون عنده، فيهتمُّ بها قلبُه، فيدخله الله -تبارك وتعالى- بهمّه الجنّة»[1].
رابعاً: في الإقراض والدين
1. إقراض المؤمن
عن الإمام الصادق (عليه السلام): «لأن أقرض قرضًا، أحبُّ إليَّ من أن أتصدّق بمثله». وكان يقول: «من أقرض قرضًا وضرب له أجلًا فلم يؤتَ به عند ذلك الأجل، كان له من الثواب في كلِّ يومٍ يتأخّر عن ذلك الأجل بمثل صدقة دينارٍ واحدٍ في كلّ يوم»[2].
وعنه (عليه السلام) أيضاً: «ما من مسلمٍ أقرض مسلمًا قرضًا حسنًا يريد به وجه الله، إلّا حسب له أجرها كحساب الصدقة حتّى يرجع إليه»[3].
2. حبس الحقوق عن أهلها
عن الإمام الباقر (عليه السلام): «من حبس حقّ امرئٍ مسلمٍ، وهو يقدر على أن يعطيه إيّاه، مخافة أنّه إن خرج ذلك الحقّ من يده أن يفتقر، كان الله -عزّ وجلّ- أقدر أن يفقره منه على أن يغني نفسه بحبس ذلك الحقّ»[4].
[1] المصدر نفسه، ص196.
[2] الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج18، ص230.
[3] المصدر نفسه، ص230.
[4] المصدر نفسه، ص332.
16
10
الهندسة المعماريّة والمدنيّة
الهندسة المعماريّة والمدنيّة
نبذة عن تاريخ العمارة الإسلاميّة
يُمكن القول: إنّ تاريخ العمارة الإسلاميّة يبدأ عند ظهور الإسلام في كلّ منطقة دخل فيها، كالجزيرة العربيّة ومصر والشام وإيران والمغرب العربيّ وغيرها، وكذلك المناطق التي حُكِمت من قِبَل المسلمين مدّةً معيّنة، كالأندلس والهند. وقد تأثّرت العمارة في هذه المناطق بالصبغة الدينيّة الإسلاميّة؛ وعلى سبيل المثال، فإنّ المهندسين المعماريّين المسلمين في السابق كانوا يعتبرون كثرة الزخرفة في عماراتهم، سواء أكانت جدراناً أم أسقفًا أم غيرها، مدعاة إلى عدم ولوج الشيطان فيها، وكانوا يعتقدون أنّ المساحات الفارغة التي لا زخرفة فيها مدعاة إلى ركون الشياطين. هذا، وإن لم يكن محقّقًا من الناحية الدينيّة، إلّا أنّه يدلّ على تأثّر المعماريّين المسلمين في الماضي بالدين، مضافاً إلى أنّ هناك بعض الأحكام الإسلاميّة التي دفعت المعماريّين إلى التنبّه لها، وكانت تصاميمهم منسجمة معها.
وقد أولى الفقه الإسلاميّ والتراث الإسلاميّ عامّة، أهمّية بالغة للبناء، ويتبيّن ذلك من خلال الأحكام والآداب المتعلّقة به، وكان على المهندس رعاية هذه الأحكام، وكذلك فإنّ هناك الكثير من الأمور
19
11
الهندسة المعماريّة والمدنيّة
هناك من يُرشد إلى كيفيّة البناء، لتأمين الراحة والرفاهية وكذلك لدرء الضرر الصحيّ، فعندما يقولون -مثلاً- إنّ من سعادة المرء سَعَةَ داره، لا يُقصد بهذا الحديث بيان الحال فقط، بل إنّه إرشاد إلى أنّ المسكن الواسع يجلب السعادة للإنسان، وهذا من متطلّبات البناء الناجح، وقد أشار مفكّرون إسلاميّون إلى ضرورة أن يكون البناء على مقياس صاحبه، وهذا أمر جدير بالاهتمام من الناحية النفسيّة والمعنويّة.
ويُمكن بيان العلاقة من حيث تحديد بعض القواعد الفقهيّة التي حدّدها الشرع في عمليّة البناء، حتّى يكون منسجمًا معه، بنقطتين:
أهمّيّة التفقّه في الدين للمهندس
إنّ للتفقّه في الدين أهمّيّةً كبرى على الصعيدَين الدنيويّ والأخرويّ؛ فهو الطريق الأوّل الذي يُمكن من خلاله الوصول إلى رضا الله -سبحانه وتعالى-، ويزيد في المرء الخشية والخضوع لله -عزّ وجلّ-.
وقد أوجب الفقهاء على المكلّف تعلّم الأحكام التي يُبتلى بها عادةً، كأحكام الصلاة والصوم والطهارة والنجاسة..، وكذلك ما يُبتلى به في عمله، كأحكام التجارة والطبابة وغيرها. وقد ورد ذمّ أولئك التجّار الذين لا يتعلّمون أحكام التجارة، باعتبار أنّ نسبة وقوعهم في المعصية تكون مرتفعة؛ ومن هنا يتوجّب على المهندس تعلّم الأحكام
21
12
الهندسة المعماريّة والمدنيّة
أ. الأرض المغصوبة:
الأرض المغصوبة هي الأرض المملوكة للغير، والتي يُستولى عليها عدواناً وبغير حقّ.
ومن بنى في أرض مغصوبة، وطلب صاحب الأرض إزالة البناء، وجب إزالته أو التصالح مع المالك؛ وإذا ما أدّى القلع إلى ضرر بالأرض، فيجب عليه الضمان لصاحب الأرض.
ب. الأرض الموقوفة:
الوقف والتحبيس والتسبيل بمعنى واحد، وهو لغةً: الحبس والمنع، يُقال وقفت كذا؛ أي حبسته.
ومعناه شرعًا: حبس ما يُمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، وجعل منفعته مباحة لمن وقفت العين له، لينتفع بها في الموارد المحلّلة شرعاً؛ ويجمع على وقوف وأوقاف.
وإذا تمّ الوقف بشروطه الشرعيّة، خرج المال الموقوف عن ملك الواقف، وأصبح ممّا لا يوهب، ولا يورّث، ولا يُباع إلّا في موارد معيّنة.
وبالتّالي، فالأرض الموقوفة لا يُمكن التصرفّ فيها إلّا في الجهات التي وقفت عليها، ولا يحقّ لأيٍّ كان التصرّف فيها إلّا بإذن وليّ الوقف والحاكم الشرعيّ، وذلك بشروط معيّنة أيضًا.
ثانياً: البناء في الملك العامّ
الملك العامّ هو ما كانت منفعته مشتركة بين عامّة الناس، من قبيل المساجد والشوارع والمدارس والمياه والمشاهد والأنهار، وهي ليست ملكاً لأحد، بل الناس فيها سواء. وفي العادة يكون الملك العامّ تحت تصرّف الدولة، أو تحت رعايتها، إلّا أنّ الدولة نفسها لا تستطيع التصرّف
23
13
الهندسة المعماريّة والمدنيّة
في الملك العامّ إلّا ضمن الأنظمة المرعيّة، والقوانين التي تُتيح لها ذلك.
ولا يجوز لأحد من الناس أن يبني شيئاً في الملك العامّ لنفسه، ولا يصير ملكاً له، ولا مختصّاً به، بل هو باقٍ على عمومه لسائر الناس.
ثالثاً: فضاء الأرض
المعروف بين الفقهاء أنّ فضاء الأرض وقرارها؛ أي ما في باطنها، تابعان لها في الملكيّة، وقد أُسّست على ذلك قاعدة فقهيّة مفادها: «أنّ من ملك شيئًا من الأرض ملك قراره وهواه بالمقدار المتعارف»، فأصحاب الأراضي يملكون فضاءها وقرارها، ولهم الحقّ في إعلاء بنائهم وحفر أرضهم بمقدار ما يسمح القانون.
ومن موارد تبعيّة الفضاء والقرار للأرض في الملكيّة:
أ. نصب الميازيب والرفوف إلى الدور والأراضي المملوكة للغير والطرق غير النافذة، وحفر الآبار والقنوات والسراديب تحتها، فإنّه لا يجوز إلّا بإذنهم. ومن الأمثلة في هذا المورد: ما يلزم عند البناء من نصب الحمالات والسقالات فوق أرض الغير، حتّى وإن كانت ملتصقة بالبناء، فإنّه لا يجوز إلّا بإذن صاحب الأرض، ويحقّ له المنع عن ذلك.
ب. حرمة الصلاة في فضاء الأرض المغصوبة.
رابعاً: قبض البناء
يجري قبض البناء في البيع بتخليته للمشتري، وتمكين المشتري من التصرّف فيه.
24
14
الهندسة المعماريّة والمدنيّة
الهندسة المدنيّة
ذكرنا آنفاً بعض ما يتعلّق بالهندسة المعماريّة، وسوف نتكلّم هنا على الهندسة المدنيّة التي لا تقلّ أهمّيّةً من حيث ارتباطها بالأحكام الشرعيّة، بل يُمكن أن يكون في الهندسة المدنيّة طابعٌ إسلاميٌّ ودينيٌّ حتّى من الناحية الشكليّة؛ كأن يُصار إلى اتّخاذ المسجد الجامع نقطة أساس في توزيع المباني وشقّ الطرقات؛ ولذلك يُمكننا تقسيم الكلام في هذا الأمر ضمن نقاط، وتطرح الأسئلة في قسم الأسئلة لاحقاً، بإذن الله.
الشوارع العامّة في مظاهرها المتعدّدة
يتحقّق اسم الشارع العامّ لغةً واصطلاحاً إذا وُجدت المواصفات السكّانيّة والعمرانيّة والتخطيطيّة فيه، كالآتي:
25
15
الهندسة المعماريّة والمدنيّة
أحكام الشوارع العامّة
أ. لو كان الشارع العامّ واقعاً بين الأملاك فلا حدّ له، كما إذا كانت قطعة أرض موات بين الأملاك عرضها ثلاثة أذرع أو أقلّ أو أكثر، واستطرقها الناس حتّى أصبحت جادّة، فلا يجب على المالكين توسيعها، وإن تضيّقت على المارّة.
وكذا الحال فيما لو سبّل شخصٌ في وسط ملكه، أو من طرف ملكه المجاور لملك غيره، مقداراً لعبور الناس.
ب. إذا كان الشارع العامّ محدوداً بالموات من أحد طرفَيه أو كليهما، لم يجز إحياء الأراضي المتّصلة به، بحيث يبقى ضيّقاً على حاله، بل لا بدّ من مراعاة أن لا يقلّ الفاصل المشتمل عليه عن سبع أذرع، فلو أقدم أحدٌ على إحياء حريمه متجاوزاً الحدّ المذكور، لزم هدم المقدار الزائد.
26
16
الهندسة المعماريّة والمدنيّة
هذا، إذا لم يُلزم وليّ أمر المسلمين، حسب ما يراه من المصلحة، أن يكون الفاصل أزيد من سبع أذرع، وإلاّ وجب اتّباع أمره، ولا يجوز تجاوز الحدّ الذي يُعيّنه.
ج. إذا انقطعت المارّة عن الطريق ولم يرج عودهم إليه جاز لكلّ أحد إحياؤه، سواء كان ذلك لعدم وجودهم، أو لمنع قاهر إيّاهم، أو لهجرهم إيّاه واستطراقهم غيره، أو لغيرها من الأسباب. هذا إذا لم يكن مسبّلاً، وإلّا ففي جواز إحيائه من دون مراجعة وليّ الأمر إشكال.
د. إذا زاد عرض الطريق على سبع أذرع، فإنْ كان مُسبَّلاً لم يجز لأحد اقتطاع ما زاد عليها وإخراجه عن كونه طريقاً، وأمّا إذا كان غير مسبّل؛ فإنْ كان الزائد مورداً لاستفادة المستطرقين -ولو في بعض الأحيان والحالات- لم يجز ذلك أيضاً، وإن كان الزائد معرضاً عنه، فيجوز.
الطرق المشتركة في الإعمار والاستثمار
يشترك المسلمون في الإفادة من الطرق العامّة النافذة اشتراكاً فعليّاً في الإعمار والاستثمار، شريطةَ أن لا يضرّ بالمستطرقين سلوكاً واستطراقاً. والطريق بشكل عامّ على قسمين: نافذ وغير نافذ. وقد أولى الشرع الشريف القسمين عناية فائقة.
أ. الطريق النافذ:
وهو الشارع العامّ؛ والناس فيه شَرعٌ سواء، ولا يجوز التصرّف لأحد في أرضه ببناء حائط، أو حفر بئر، أو شقّ نهر، أو نصب دكّة، أو غرس أشجار أو نحو ذلك، وإن لم يكن مضرّاً بالمستطرقين. نعم،
27
17
الهندسة المعماريّة والمدنيّة
لا بأس بما يُعدّ من مكمّلاته ومحسّناته، ومنها: أن يشقّ فيه المجاري لتجتمع فيها مياه الأمطار ونحوها، أو أن يجعل فيه حاويات الزبالة والنفايات، أو غرس الأشجار، ونصب المظلّات وأعمدة الإنارة في الأماكن المناسبة منه، كما هو المتعارف بالنسبة إلى جملة من الشوارع والطرق في العصر الحاضر، فإنّ هذا كلّه ممّا لا بأس به إذا لم يكن مضرّاً بالمستطرقين.
ب. الطريق غير النافذ:
وهو الذي لا يُسلك منه إلى طريق آخر، أو أرض مباحة، لكونه محاطاً بالدور من جوانبه الثلاثة، وهو المسمّى بالسكّة المرفوعة (الدريبة). هذا الطريق عائد إلى مستطرقيه، وهم أرباب الدور المفتوحة أبوابها إليه، دون كلّ من كان حائط داره إليه، وهو مشترك بينهم في حقّ الاستطراق بمقدار ما يشتركون في استطراقه، فيكون أوّله مشتركاً بين جميعهم، ويقلّ عدد الشركاء كلّما قرب إلى آخره، وربما ينحصر ذو الحقّ في واحد، وهو فيما إذا اختصّ آخر الدريبة بفتح باب واحد إليه.
هذا، إذا لم يعلم كون الدريبة عائدة لبعضهم بالخصوص، أو عائدة للجميع بالتساوي أو التفاضل، وإلّا ترتّبت أحكامه. وههنا مسائل في المقام:
1. يجوز لمن له باب في الدريبة فتح باب آخر فيها أُدخِل من الباب الأول أو أسبق، سواء مع سدّ الباب الأول أم بدونه، إلّا مع الاستئذآن في ذلك ممّن له حقّ الاستطراق في المكان الثاني من أرباب الدور.
28
18
الهندسة المدنيّة
2. لا يجوز لمن كان حائط داره إلى الدريبة إحداث جناح، أو بناء ساباط[1]، أو نصب ميزاب، أو ثقب سرداب، أو غير ذلك من التصرّفات فيها إلّا بإذن أربابها، كما لا يجوز له فتح باب إليها للاستطراق إلّا بإذنهم. نعم، له فتح ثقبة وشبّاك إليها، وكذا يجوز فتح باب لا للاستطراق، بل لمجرّد التهوئة أو الاستضاءة.
3. يجوز لكلٍّ من أصحاب الدريبة استطراقها والجلوس فيها من غير مزاحمة المستطرقين، وكذا التردّد منها إلى داره بنفسه وعائلته وضيوفه وكلّ ما يتعلّق بشؤونه من دون إذن باقي الشركاء، وإن كان فيهم القصّر، ومن دون رعاية المساواة معهم.
الشوارع المفتوحة من قِبَل الدولة
بغية تخطيط المدن تخطيطاً عمرانيّاً، ونتيجة للكثافة السكانيّة، وحلّاً لظاهرة تزاحم المواصلات، فقد تلجأ الدول إلى فتح الشوارع العامّة، فتستملك الدُور والعقارات، وتُعوّض -عادةً- على المالكين. وقد يشمل هذا الأمر المساجد والمعابد ضمن مساحات تلك الأراضي المستملكة، ويترتّب على ذلك حكم هذه الأرض، فهل تترتّب عليها آثار المسجديّة أم آثار الوقفيّة؟ وكيف؟ وما هي حال أنقاضها في الأحكام؟ فهل تصرف بأعيانها على عمارة مسجد آخر؟ وهل يجوز بيعها من قِبَل المتولّي إذا رأى المصلحة في ذلك؟ وعلى ماذا تكون عائديّة ثمنها؟ فهل تُصرف على مسجد آخر؟ أم تعود للأوقاف العامّة؟ وما شأن المقابر الموجودة في تلك الطرق؟ وما شأن المدارس والحسينيّات الواقعة في الشوارع أو المتبقّي شيء منها في أرصفتها المستحدثة؟
[1] الساباط: سقف بين حائطين تحته طريق.
29
19
الهندسة المدنيّة
وأخيراً، ما حكم الاستطراق والمرور فيها، وأحكام المتبقّي منها المتّصل بالأرصفة؟
أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات فقهيّة عنها:
أ. يجوز استطراق الشوارع والأرصفة المستحدثة الواقعة على الدور والأملاك الشخصيّة للناس التي تستملكها الدولة وتجعلها طرقاً. نعم، مَن علم أنّ موضعاً خاصّاً منها قد استملكته الدولة قهراً من دون إرضاء صاحبه بتعويض أو ما بحكمه، جرى عليه حكم الأرض المغصوبة، فلا يجوز حينئذٍ التصرّف فيه حتّى بمثل الاستطراق، إلّا مع استرضاء صاحبه أو وليّه إذا كان صغيراً مثلاً، وهو الأب أو الجدّ أو القيّم المنصوب من قِبَل أحدهما؛ فإن لم يعلم صاحبه، جرى عليه حكم المجهول مالكه، فيراجع بشأنه الحاكم الشرعيّ، ومنه يظهر حكم القطع الباقية منها، فإنّه لا يجوز التصرّف فيها إلّا بإذن أصحابها.
ب. لا يجوز هدم المسجد أو تخريبه وتحويله إلى طريق أو شارع أو رصيف أو ما شابه ذلك. ولو قام شخص بذلك، فلا يخرج ما آل إليه عن عنوان المسجديّة. نعم، إذا كان هناك مصلحة أهمّ لا يمكن غضّ النظر عنها، فيجوز هدمه بمقدار الحاجة فقط -بإذن الولي-، وحينئذٍ، إذا كان احتمال إرجاعه إلى حالة المسجديّة السابقة بعيداً، فمن غير المعلوم ترتّب آثار المسجديّة عليه؛ ولذلك لا تترتّب عليها الأحكام المترتّبة على عنوان المسجد، الدائرة مداره وجوداً وعدماً، كحرمة تنجيسه، ووجوب إزالة النجاسة عنه، وعدم جواز مكث الجنب والحائض والنفساء فيه، وما شاكل ذلك.
30
20
الهندسة المدنيّة
وأمّا القطعات الباقية منها، فإن لم تخرج عن عنوان المسجديّة ترتّبت عليها جميع أحكامه؛ وأمّا إذا خرجت عنها. كما إذا جعلها الظالم دكّاناً أو محلّاً أو داراً- فلا تترتّب عليها تلك الأحكام، ويجوز الانتفاع منها بجميع الانتفاعات المحلّلة الشرعيّة، إلّا ما يُعدّ منها تثبيتاً للغصب، فإنّه غير جائز.
ج. الأنقاض الباقية من المساجد بعد هدمها -كأحجارها وأخشابها، وآلاتها: كفرشها، ووسائل إنارتها وتبريديها وتدفئتها- إذا كانت وقفاً عليها، وجب صرفها في مسجد آخر، فإن لم يُمكن ذلك، جعلت في المصالح العامّة، وإن لم يُمكن الانتفاع بها إلّا ببيعها، باعها المتولّي أو من بحكمه، وصرف ثمنها على مسجد آخر.
د. إذا وقعت المقبرة في الطريق العامّ أو الشوارع لمرور الناس والآليّات ونحوها، فإن كانت وقفاً لدفن الموتى فيها، مثلاً، فلا يجوز إحداث الطريق والشارع فيها، ولا البناء عليها، ولا أيّ شيء من التصرّفات فيها. نعم، لا مانع من استطراقها بالمرور فيها، لا جعلها طريقاً أو شارعاً. ولكن، إذا اقتضت المصلحة الأهمّ والملزمة التي لا يمكن غضّ النظر عنها، فتح طريق للناس أو شقّ شارع يمرّ من المقبرة، فحينئذٍ يجوز ذلك بمقدار الحاجة والمصلحة، ويجب التحرّز عن نبش القبور، أو كشف جثث الموتى التي تَسْتَحل تراباً ورميماً، ولو حدث ذلك، فيجب نقلها إلى مكانٍ آخر ولتدفن فيه. هذا، إذا كانت المقبرة وقفاً، وأمّا إذا لم تكن وقفاً، فحينئذٍ يجوز شقّ الطريق وفتح الشارع فيها مع مراعاة حرمة القبور الموجودة فيها، كما تقدّم.
31
21
الهندسة المدنيّة
هـ. الحسينيّات التي وقعت في الطريق أو الشارع حكمها ما تقدّم، من أنّها إذا كانت وقفاً، فلا يجوز هدمها، إلّا مع الحاجة والمصلحة التي لا يمكن غضّ النظر عنها، وبمقدار الحاجة فقط لا أزيد. وحكم مقتنياتها يراجع فيه الحاكم الشرعيّ فيما إذا لم يكن لها متولٍّ خاصّ، وإلّا فيرجع فيها إليه.
حريم الدار والبستان والنهر والقرية والبئر والمزرعة
أ. حريم الدار: هو مسلك دخولها والخروج منها في الجهة التي يفتح إليها باب الدار، ومطرح ترابها، ورمادها، وثلوجها، ومصبّ مائها، وما شاكل ذلك.
ب. حريم حائط البستان ونحوه: هو مقدار طرح ترابه، والآلات، والطين والجصّ إذا احتاج إلى الترميم والبناء.
ج. حريم النهر: هو مقدار طرح ترابه وطينه إذا احتاج إلى الإصلاح والتنقية والمجاز على حافتيه للمواظبة عليه.
د. حريم البئر: هو موضع وقوف النازح إذا كان الاستقاء منها باليد، وموضع البهيمة والدولاب والمضخّة، والموضع الذي يجتمع فيه الماء للزرع أو نحوه، ومصبّه، ومطرح ما يخرج منها من الطين عند الحاجة ونحو ذلك.
هـ. حريم القرية: هو ما تحتاج إليه في حفظ مصالحها ومصالح أهلها، من مجمع ترابها وكناستها، ومطرح سمادها ورمادها، ومجمع أهاليها لمصالحهم، ومسيل مائها، والطرق المسلوكة منها وإليها، ومدفن موتاهم، ومرعى ماشيتهم، ومحتطبهم، وما شاكل ذلك. ذلك كلّه بمقدار حاجة أهل القرية، بحيث لو زاحم مزاحم لوقعوا
32
22
الهندسة المدنيّة
في ضيق وحرج. وهي تختلف باختلاف سَعَة القرية وضيقها، وكثرة أهلِها وقلّتهم، وكثرة مواشيها ودوابّها وقلّتها، وهكذا. وليس لها ضابط غير ذلك. وليس لأحد أن يُزاحم أهاليها في هذه المواضع.
و. حريم المزرعة: وما يتوقّف عليه الانتفاع منها، ويكون من مرافقها كمسالك دخولها والخروج منها، ومحلّ بيادرها، وحظائرها، ومجتمع سمادها، ومرعى مواشيها، ونحو ذلك.
وهنا مسألتان مهمّتان:
الأولى: لا بدّ في صدق إحياء الموات من العمل فيها إلى حدٍّ يصدق عليه أحد العناوين العامرة، كالدار والبستان والمزرعة والحظيرة والبئر والقناة والنهر، وما شاكل ذلك؛ ولذلك يختلف ما اعتبر في الإحياء باختلاف العمارة؛ فما اعتبر في إحياء البستان والمزرعة ونحوهما غير ما هو معتبر في إحياء الدار وما شاكلها؛ وعليه فحصول الأولويّة تابع لصدق أحد هذه العناوين ونحوها، ويدور مداره وجوداً وعدماً، وعند الشكّ في حصولها يحكم بعدمها.
الثانية: الأراضي المنسوبة إلى طوائف العرب والعجم وغيرهم لمجاورتها لبيوتهم ومساكنهم من دون أحقيّتهم بها بالإحياء؛ باقيةٌ على إباحتها الأصليّة، فلا يجوز منع غيرهم من الانتفاع بها، ولا يجوز لهم أخذ الأجرة ممّن ينتفع بها، وإذا قسّموها فيما بينهم لرفع التشاجر والنزاع لا تكون القسمة صحيحة، فيجوز لكلٍّ من المتقاسمين التصرّف فيما يختصّ بالآخر بحسب القسمة.
33
23
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
في الهندسة
1. يطلب من المهندس في بعض المشاريع السياحيّة، تصميم مسابح للسباحة، وهو يعلم أنّها تُستخدم للجنسين، فهل يجوز تصميم مسابح كهذه؟
الجواب: مجرّد كونها ممّا يستخدم للرجال والنساء لا إشكال فيه، ولكن إذا كان يعلم قطعاً بأنّ الرجال والنساء الأجانب سوف يسبحون فيها معاً، فلا يجوز حينئذٍ بناؤها ولا المساعدة في بنائها.
2. يتعهّد المهندس تصميم وتنفيذ والإشراف على فندق سياحيّ وما شابه ذلك، ولا يكون هناك اتّفاق على بناء ملهىً ليليّ داخل الفندق مسبقًا، فما الحكم الشرعيّ في حال اضطُرّ إلى ذلك؟
الجواب: لا يجوز بناء المقهى الليليّ المعدّ لارتكاب الحرام فيه.
3. بعض الأحيان يتعهّد المهندس مشروعًا لأحد الأشخاص وهو يعلم أنّ جزءاً من ماله ليس حلالاً، فهل يجوز له أوّلاً التعامل مع هذا الشخص؟ وثانيًا ما حكم المال المقبوض منه؟
الجواب: مجرّد اشتمال أمواله على الحرام لا يمنع من أخذ المال
35
24
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
منه. نعم، لو علم يقيناً أنّ ما أخذه منه بعينه من المال الحرام أو من المال المخلوط بالحرام، فلا يجوز حينئذٍ أخذه.
4. تُبنى بعض المباني السكنيّة وغيرها في أماكن محصورة؛ ممّا يُضطّر المهندس إلى تغيير وجهة المرحاض ليكون تجاه القبلة، فهل هو آثم بذلك؟
الجواب: الحرمة ليست في كون المرحاض باتجاه القبلة، بل من استقبال الشخص للقبلة حال التخلّي؛ ولذا لا مانع من بناء المرحاض المذكور، إذا كان الشخص ينحرف عن القبلة.
5. أنا مهندس موظّف لدى شركة متكفّلة ببناء فندق يشتمل على بار لبيع الخمور، فهل يجوز لي، بصفتي مهندساً مشرفاً على بناء هذا الفندق، أن أعمل في بناء هذا الفندق، علماً بأنّني لو امتنعت عن العمل في هذا المشروع فسوف أفقد عملي بصورة تامّة في هذه الشركة، فما تكليفي الشرعيّ؟
الجواب: لا يجوز المشاركة أو المساعدة في بناء المكان المعدّ لارتكاب الحرام فيه.
في العقارات
1. يجري في بعض الأحيان شراء عقار يُتّفَق عند شرائه على عدم بيعه حتّى دفع كامل ثمنه للبائع، فهل يصحّ البيع في حال قام المشتري ببيع العقار هذا قبل انتهاء المدّة المتّفق عليها؟ وإذا كان يصحّ ذلك فهل هو جائز شرعاً؟
الجواب: الشرط المذكور صحيح، ويجب الوفاء به؛ فلو أخلّ المشتري بالشرط كان للبائع خيار الفسخ.
36
25
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
منه. نعم، لو علم يقيناً أنّ ما أخذه منه بعينه من المال الحرام أو من المال المخلوط بالحرام، فلا يجوز حينئذٍ أخذه.
4. تُبنى بعض المباني السكنيّة وغيرها في أماكن محصورة؛ ممّا يُضطّر المهندس إلى تغيير وجهة المرحاض ليكون تجاه القبلة، فهل هو آثم بذلك؟
الجواب: الحرمة ليست في كون المرحاض باتجاه القبلة، بل من استقبال الشخص للقبلة حال التخلّي؛ ولذا لا مانع من بناء المرحاض المذكور، إذا كان الشخص ينحرف عن القبلة.
5. أنا مهندس موظّف لدى شركة متكفّلة ببناء فندق يشتمل على بار لبيع الخمور، فهل يجوز لي، بصفتي مهندساً مشرفاً على بناء هذا الفندق، أن أعمل في بناء هذا الفندق، علماً بأنّني لو امتنعت عن العمل في هذا المشروع فسوف أفقد عملي بصورة تامّة في هذه الشركة، فما تكليفي الشرعيّ؟
الجواب: لا يجوز المشاركة أو المساعدة في بناء المكان المعدّ لارتكاب الحرام فيه.
في العقارات
1. يجري في بعض الأحيان شراء عقار يُتّفَق عند شرائه على عدم بيعه حتّى دفع كامل ثمنه للبائع، فهل يصحّ البيع في حال قام المشتري ببيع العقار هذا قبل انتهاء المدّة المتّفق عليها؟ وإذا كان يصحّ ذلك فهل هو جائز شرعاً؟
الجواب: الشرط المذكور صحيح، ويجب الوفاء به؛ فلو أخلّ المشتري بالشرط كان للبائع خيار الفسخ.
36
25
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
2. إذا اشترى المهندس عقارًا بثمنٍ مؤجّل، فهل يجوز له بيع هذا العقار بأعلى من الثمن المتّفق عليه قبل انتهاء الأجل؟
الجواب: لا مانع منه في نفسه، إلّا إذا كان ذلك حيلةً للتخلّص من الربا، فلا يجوز حينئذٍ.
3. هل يجوز بيع الأراضي لغير المسلم في منطقة لا يسكنها إلّا المسلمون؟
الجواب: لا مانع منه في نفسه.
4. هل يجوز تعهّد وتنفيذ مشاريع هندسيّة لبناء معابد دينيّة لغير المسلمين أو مدراس دينيّة غير إسلاميّة ؟
الجواب: يُشكِل جواز ذلك.
5. لو أخبر بائع الأرض المشتري بأنّ مساحتها كذا متراً مربّعاً، ودُوِّنت وثيقة البيع على هذا الأساس، وبعد ذلك وجد المشتري أنّ مساحة الأرض أقلّ بكثير ممّا أخبره البائع، فهل هذا البيع صحيح شرعاً أم لا؟ وهل للمشتري حقّ الفسخ أم لا؟
الجواب: للمشتري خيار الفسخ إذا كان البيع واقعاً على تمام الأرض، وأمّا إذا كان البيع على أساس كلّ متر بكذا، فله المطالبة بالثمن الأزيد.
6. باع شخص أرضه المفروزة التي كان لها سند رسميّ، بوثيقة بيع عاديّة مع إسقاط جميع الخيارات، لكنّه استغلّ وجود السند الرسميّ باسمه، فباعها ثانياً من شخص آخر، فهل يصحّ منه هذا البيع الثاني؟
الجواب: لا يصحّ البيع الثاني، بل يكون فضوليّاً موقوفاً على إجازة المشتري الأوّل.
37
26
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
7. باع شخص عقاراً بثمنٍ بعضُه نسيئة، وبعدما تسلّم النقد من الثمن وسلّم المبيع إلى المشتري، طلب منه آخر شراء المبيع نفسه بثمن أزيد، فهل يجوز له فسخ البيع الأوّل ليبيع المبيع للمشتري الثاني بثمن أزيد؟
الجواب: ليس له حقّ الفسخ في مفروض السؤال بعدما وقع البيع صحيحاً، ولم يذكر فيه الخيار له.
8. يبيع بعض الناس بعض العقارات، على أن يشتريها من المشتري نفسه بثمن أزيد ممّا باعه منه، فهل هذا البيع صحيح؟
الجواب: مثل هذا البيع صوريٌّ؛ لكونه حيلةً ووسيلةً للحصول على القرض الربويّ، فهو حرام وباطل. نعم، لو باع ملكه بصورة جدّيّة على الوجه الصحيح شرعاً، ثمّ بدا له شراؤه من مشتريه نقداً أو نسيئة، بالثمن نفسه أو أزيد منه، لم يكن فيه بأس.
9. بيعت أرض بثمن معيّن، ودُفع ثمنها كاملاً إلى البائع، وقد تقرّر ضمن العقد أن يدفع المشتري مبلغاً معيّناً من المال إلى البائع مقابل تسجيل البائع الوثيقة الرسميّة باسم المشتري، وكتبا ذلك في وثيقة عاديّة؛ إلاّ أنّ البائع يُطالب الآن المشتري، إزاء تسليم الوثيقة الرسميّة إليه، بمبلغ أزيد بكثير من المبلغ المدوَّن في الوثيقة العاديّة، فهل يحقّ له ذلك؟
الجواب: يجب على البائع، بعدما حصل البيع والشراء على النحو الصحيح شرعاً، أن يفي ببيعه وبجميع ما التزم به في ضمنه للمشتري؛ وليس له أن يُطالب المشتري بأكثر ممّا التزم به.
10. بعت أرضاً بالوكالة من شخص بموجب وثيقة عاديّة، وقد قبضت
38
27
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
قسماً من ثمنها، وتقرّر أن أُسجّلها رسميّاً باسم المشتري بعد تسديده باقي الثمن، إلاّ أنّ المشتري لم يُسدّد باقي الثمن، فبقيت وثيقة الملك الرسميّة على حالها باسم الموكّل البائع، ولم تُسجّل حتّى الآن باسم المشتري في مكتب تسجيل الوثائق الرسميّة. وخلال هذه المدّة، بنى المشتري محلّات عدّة في هذه الأرض للتجارة والتكسّب، من دون ترخيص قانونيّ؛ ولأجل ذلك تعلّقت بهذه الأرض ضرائب غير مُرتقَبة، من جملتها ضرائب الإيجار وضرائب التعاون أيضاً. والحال أنّ هذه الأرض التي بعتها قبل 12 سنة، وبوثيقة عاديّة، كانت حين البيع أرضاً جرداء، أضف إلى ذلك، فقد ذكر صريحاً في وثيقة البيع أنّه في حال تسجيل الوثيقة الرسميّة باسم المشتري تكون جميع النفقات على عهدته. فهل تكون الضرائب المذكورة شرعاً على عهدة البائع أم على عهدة المشتري؟
الجواب: ما كان من الضرائب والنفقات على الأرض بما هي أو على الأرض من أجل بيعها، فهو على عهدة البائع؛ وما كان منها على البناء في الأرض أو على الأرض من أجل البناء عليها، فهو على عهدة المشتري الذي بنى المحلّات التجاريّة على الأرض، ولكن إذا اشترط ضمن العقد واتُّفق على أنّ النفقات كلّها على عهدة أحدهما، فيجب العمل طبق ذلك.
11. تُكتب في وثائق البيع هذه العبارة: «لو قام أحد الطرفين بفسخ المعاملة، وجب عليه دفع مبلغ كذا غرامة إلى الطرف الآخر». والسؤال، أوّلاً: هل تُعتبر هذه العبارة شرطاً للخيار أم لا؟
39
28
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
وثانياً: هل يكون مثل هذا الشرط صحيحاً أم لا؟
وثالثاً: إذا كان الشرط باطلاً، فهل يكون العقد باطلاً أيضاً أم لا؟
الجواب: هذا الشرط ليس شرطاً للخيار، بل هو شرط دفع مبلغ فيما لو عدل عن إتمام المعاملة وإكمالها، ولا بأس به فيما لو التزما به ضمن عقد لازم، أو وقع العقد مبنيّاً عليه، ولكن لا بد من ذكر مدّة معيّنة لمثل هذا الشرط، ممّا له دخل في الثمن، وإلاّ فيقع باطلاً، ويوجب بطلان العقد فيما إذا أدّى إلى جهالة الثمن.
12. اشترى شخص داراً لم يكتمل بناؤها بعد، على أن لا يكون للبائع المطالبة بشيء إزاء تسجيل المبيع باسم المشتري، ولكنّه الآن يُطالب المشتري إزاء تسجيل الوثيقة باسمه بمبلغ من المال، فهل يحقّ له ذلك، ويجب على المشتري دفع المبلغ إليه؟
الجواب: يجب على البائع تسليم المبيع إلى المشتري وتسجيل الوثيقة باسمه؛ وفاءً بالعقد على ما كان عليه من الشروط، وليس له المطالبة بشيء زائد على ما أُبرم عليه العقد، إلّا أن يكون قد قام، وبأمر من المشتري، بعمل له قيمة عرفاً، وكان ذلك العمل زائداً على الأعمال المتّفق عليها ضمن العقد المبرَم بين الطرفين.
13. إذا أُكره شخص من قِبل الدولة أو بحكم الحاكم على بيع أرضه وأثاث بيته، فهل يجوز لمن يعلم أنّه مُكرَه على البيع أن يشتري ذلك منه؟
40
29
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
الجواب: إن كان إكراهه على بيع الأرض وأثاث البيت عن حقّ وممّن له ذلك شرعاً، فلا بأس في شرائها منه للآخرين، وإلّا فيكون الشراء منه موقوفاً على إجازته بعد ذلك.
14. لو وقعت معاملة على الأرض والدار (بالبيع أو المصالحة) بين أفراد العائلة، بوثيقة خطّيّة عاديّة، من دون تسجيلها رسميّاً، ومن دون إنشاء الصيغة بواسطة أحد علماء الدين، فهل يُحكم على مثل هذه المعاملة بالصحة قانوناً وشرعاً أم لا؟
الجواب: بعدما وقعت المعاملة على الوجه الشرعيّ، فهي محكومة بالصحّة واللزّوم، ولا يضرّ بصحّتها عدم تسجيلها رسميّاً، أو عدم تصدّي أحد العلماء لإنشاء صيغتها.
15. بعدما باع زيد عقاره من عمرو وتسلّم ثمنه، وبعد أن باعه عمرو من خالد وأخذ ثمنه وصرفه في حوائجه، حُكِمَ على زيد بحجز أمواله ومصادرتها، فهل يعمّ هذا الحكم العقار الذي باعه قبل ذلك؟ وهل يكشف عن بطلان بيعه؟
الجواب: لو ثبت أنّ البائع كان ممنوعاً من البيع حينه من أجل حجز أمواله بحكم الحاكم، أو أنّه، مع كونه ذا اليد، لم يكن مالكاً للمبيع، بل كان المبيع ممّا يحقّ للحاكم أن يُصادره، كان حكم المصادرة المتأخّر عن البيع شاملاً للمبيع، ويُحكم معه ببطلان بيعه السابق، وإلّا فبيعه السابق محكومٍ بالصحّة شرعاً، ولا يعمّ الحكم حينئذٍ بمصادرة أمواله متأخّراً بيعه السابق.
16. اشترى أعضاء شركة تعاونيّة للإسكان قطعة أرض لهم، وقد
41
30
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
دفعوا هم أنفسهم ثمنها، ولكن سُجّلت وثيقتها الرسميّة باسم الشركة. وأخيراً قامت الهيئة الإداريّة للشركة ببيع تلك الأرض بأقلّ من قيمتها الحاليّة، من دون أخذ الموافقة من الأعضاء السابقين من بعض أعضاء الشركة الجدد، الذين لم يكن لهم أيّ دور في شراء ثمن الأرض وتأمينه، فهل هذا البيع جائز؟
الجواب: لو كانت الأرض ممّا اشتراها أشخاص معيّنون لأنفسهم وبأموالهم، فهي ملك لهم، ولا حقّ لغيرهم فيها؛ وبيع الهيئة الإداريّة للشركة هذه الأرض من آخرين من دون إجازة المالكين فضوليّ، وأمّا لو كانت ممّا اشترَوها برأس مال الشركة، التي هي شخصيّة حقوقيّة، وللشركة نفسها، فتكون جزءاً من أملاك الشركة التعاونيّة، ويجوز حينئذ للهيئة الإداريّة التصرّف فيها طبقاً لنظام الشركة.
17. اشترى شخص عقاراً بأموال شخص آخر، فهل يكون هذا العقار ملكاً له أم لصاحب المال؟
الجواب: لو اشترى العقار بعين مال الشخص الآخر، فإن أجاز صاحب المال المعاملة فالبيع يقع له، ولا حقّ للمشتري فيه، وإلاّ وَقَع البيعُ باطلاً؛ بخلاف ما إذا اشتراه لنفسه بالذمّة ثم دفع الثمن من مال الغير، فإنّ العقار حينئذ ملك له، لكنّه يكون مديناً بالثمن للبائع، وضامناً أيضاً لمال الشخص الآخر الذي دفعه إلى البائع؛ وعلى البائع أن يردّ ما أخذه أوّلاً من الثمن المغصوب إلى مالكه.
42
31
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
18. يلتزم المهندس مشروعًا ما بأجرة وتكاليف محدّدة ومتّفق عليها بينه وبين صاحب المشروع، فهل يجوز له أن يُسلّم هذا المشروع لأشخاص آخرين لتنفيذه، وبكلفة أقلّ ممّا هو متّفق عليه؟
الجواب: إذا لم يشترط عليه مباشرة العمل بنفسه، ولم يكن هناك انصراف لذلك، يجوز له استئجار غيره بالأقلّ فيما إذا أتى ببعض العمل ولو قليلاً.
19. هل يجوز للمخمّن، وعادةً يكون مهندسًا، أن يُخمّن مبنىً ما بأكثر من ثمنه الواقعيّ؛ وذلك ليستطيع صاحب المبنى الاقتراض
43
32
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
من الدولة من مشروع الإسكان وما شابه؟
الجواب: لا يجوز الإخبار كذباً على خلاف الواقع.
20. هل يجوز التزام مشروع بناء وتنفيذه على أرضِ المشاع؟
الجواب: إذا لم تكن الأرض مملوكة لأحد، فلا مانع منه في نفسه.
21. هل يجوز بناء أحواض الورد أمام المبنى؛ علمًا أنّ المكان الذي تُبنى فيه هذه الأحواض ليست ملكًا لصاحب المبنى، بل هي للدولة، إلّا أنّ بناءها في مكان كهذا لا يكون ضارًّا؟
الجواب: إذا لم تكن الأرض التي ستُبنى عليها الأحواض ملكاً لأحد، فلا مانع منه في نفسه.
22. لقد اشتريت شقّة سكنيّة من شخص، على أن يسلّمني إيّاها بعد
44
33
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
مدّة معيّنة. وقد توافقنا ضمن العقد على إمكانيّة ارتفاع القيمة إلى 15 في المئة، ولكنّ البائع رفع الآن، من عنده، القيمة إلى 31 في المئة، وأعلن أنّ تسليم الشقّة وتجهيزها مشروط بدفع الـ31 في المئة إليه، فهل يجوز له ذلك أم لا؟
الجواب: لو لم تُعيّن القيمة النهائيّة القطعيّة حين إجراء العقد،أو وكِّل تحديد القيمة إلى ملاحظة سعر يوم التسليم، كان البيع باطلاً، وكان للبائع حقّ الامتناع من البيع إلّا بما أراد من الثمن، ولكنّ توافق المتبايعين وتراضيهم على تعيين الثمن القطعيّ فيما بعد، بسعر يوم تسليم المبيع، لا يكفي لصحّة البيع.
23. باع رجل قطعة أرض له لشخص، فباعها المشتري لثالث. ونظراً إلى أنّه تتعلّق بكلّ معاملة على الأرض رسومٌ حكوميّة، وفق القانون السائد، فهل يجب على البائع الأوّل تسجيل المبيع باسم المشتري الأوّل، ثمّ هو يسجّله باسم المشتري الثاني؟ أم يجوز له تسجيله مباشرةً باسم الثاني؛ لإعفاء المشتري الأوّل من رسوم المعاملة؟ ولو سجّلها باسم الأوّل، فهل يضمن له ضرر الرسوم المأخوذة منه؟ وهل يجب عليه إجابة طلب المشتري الأوّل بتسجيل المبيع مباشرةً باسم المشتري الثاني؟
الجواب: يكون البائع الأوّل بالخيار في تسجيل الأرض المبيعة باسم المشتري الأوّل أو الثاني، ما لم يكن على خلاف القانون اللازم اتّباعه، وله مطالبة المشتري بالتماشي معه وَفق القانون السائد في بيع الأراضي في بلد البيع، وليس عليه ضمان الرسوم المأخوذة من المشتري الأوّل فيما لو سجّل الأرض باسمه، كما أنّه ليست عليه إجابة طلبه في تسجيل الأرض مباشرةً باسم المشتري الثاني.
45
34
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
24. اشترى شخص عقاراً وقد دفع إلى البائع مبلغاً بعنوان عربون، وبعد ثلاث ساعات فسخ البائع البيع، ولم يُسلّم العقار إلى المشتري، فما الحكم في المسألة؟
الجواب: إذا كان فسخه بعد التفرّق من مجلس البيع، ومن دون ثبوت شيء من الموجبات الشرعيّة لخيار الفسخ، فهو باطل ولا أثر له، وإلاّ فيُحكم بصحّته ونفوذه.
25. لو أخبر بائع الأرض المشتري بأنّ مساحتها كذا متراً مربّعاً، ودُوِّنت وثيقة البيع على هذا الأساس، وبعد ذلك وجد المشتري أنّ مساحة الأرض أقلّ بكثير ممّا أخبره البائع، فهل هذا البيع صحيح شرعاً أم لا؟ وهل للمشتري حقّ الفسخ أم لا؟
الجواب: إذا اشترى قطعة الأرض المشاهدة اعتماداً على إخبار البائع بالنسبة إلى مساحتها، فالمعاملة صحيحة، ولكنّ للمشتري حقّ الفسخ؛ لمكان تخلّف الوصف، وأمّا لو اشترى كلّ مترٍ منها بكذا زاعماً أنّ مساحتها كذا مقداراً، فتبيّن أنّها أقلّ، صحّ البيع في المساحة الموجودة؛ وللمشتري مطالبة البائع بالثمن بالنسبة إلى المساحة الناقصة، أو فسخ البيع واسترجاع الثمن كاملاً.
26. بعت أرضاً بمبلغ من المال، فقال لي شخص إنّك مغبون، فهل يثبت بذلك لي خيار الغبن؟
الجواب: ما لم يثبت أنّك بعتها بأقلّ من قيمتها يوم البيع بمقدار لا يُتسامح به عرفاً، ومن دون اطّلاع منك على ذلك، فليس لك خيار الغبن.
27. لو باع أحدُهم أرضاً بمساحة معيّنة، وبعد ذلك تبيّن له أنّ مساحة الأرض المبيعة الواقعيّة أزيد من المساحة التي باعها وأخذ ثمنها،
46
35
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
فهل له حقّ المطالبة بمقدار الأرض الزائدة؟
الجواب: لو باع بثمن معيّن قطعة الأرض كلّها، بتصوّر أنّها بمساحةٍ معيّنة، وبعد ذلك تبيّن له أنّ مساحتها أزيد، وعلى هذا الأساس كانت قيمتها الواقعيّة أكثر ممّا باعها به من الثمن، كان له حقّ الفسخ من باب خيار الغبن؛ وأمّا إذا باع كلّ متر منها بكذا، فله مطالبة المشتري بالأمتار الزائدة على الأمتار التي باعها بالثمن الذي أخذه منه.
28. اشترى رجل قطعة أرض على أن يكون له الفسخ فيما لو منعت الدولة تسجيل الوثيقة الرسميّة باسمه، أو انكشف أنّ الأرض كانت ضمن مشروع البلديّة. وحيث إنّ المشتري لم يتمكّن من أخذ إجازة البناء على هذه الأرض، فهو الآن يُطالب البائع بالفسخ وردّ الثمن، لكن على شرط أن يبيعه البائع الأرض ثانياً فيما بعد بالقيمة السابقة نفسها، فيما لو أجازت البلديّة من الآن وإلى مدّة سنتين البناء على هذه الأرض، فهل يصحّ منه هذا الشرط؟
الجواب: المشتري، وإن كان له حقّ فسخ المعاملة ومطالبة البائع بالثمن، طبقاً للشروط التي التزم بها الطرفان ضمن المعاملة، ولكنّه ليس له الاشتراط على البائع بشيء ضمن الفسخ.
29. بعت أرضاً لشخصٍ على أن يُسدّد ثمنها خلال أربع سنوات، ولكنّني ندمت من البيع من حينه، وبعد مرور سنة طلبت من المشتري أن يردّ إليّ الأرض، فامتنع من ذلك، فهل يوجد طريق للرجوع عن هذه المعاملة؟
الجواب: الندم على البيع وحده في هذا المقام لا أثر له شرعاً؛ فبعدما وقع البيع على النحو الصحيح يكون نافذاً شرعاً في
47
36
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
انتقال المبيع إلى المشتري، وليس للبائع استرداده منه إلّا بعد فسخ البيع، إن كان له خيار الفسخ بأحد أسبابه.
30. اشترى أشخاص عدّة عقاراً من شخص، وسلّموه قسماً من الثمن على دفعات عدّة، وكان دفع ما تبقّى من الثمن مشروطاً بتسجيل الوثيقة الرسميّة بأسمائهم، إلّا أنّ البائع ماطل في ذلك وامتنع عن تسجيل الوثيقة بأسمائهم، ويدّعي فسخ البيع، فهل يؤخذ بالبيع أم يصحّ منه الفسخ؟
الجواب: ما لم يكن هناك شيء من موجبات الخيار للبائع من الشرط أو الغبن أو غيره، فلا يصحّ منه الفسخ بالبيع، ويكون ملزماً شرعاً بتسجيل العقار رسميّاً بأسماء المشترين.
31. باع شخصٌ قطعات من الأراضي بالوكالة عن مالكها بوثائق بيع عاديّة، وقد اتّفق المالك مع وكيله على عدم تسليم الوثيقة الرسميّة لأحد من المشترين. وبعد أن مات المالك ادّعى ورثته بعد الإقرار بملك المشترين للأراضي، أنّ مسؤوليّة تسليم الوثائق الرسميّة للمشترين كانت على الوكيل، وهم الآن يطالبونه بذلك وبقيمة الأرض الفعليّة، مع أنّه كان قد قبض ثمن الأرض في ذلك الحين وسلّمه إلى المالك، فهل تكاليف تسجيل الوثائق الرسميّة باسم المشترين على الورثة أم على الوكيل؟ وهل يحقّ للورثة أن يُطالبوه بالثمن أو بالتفاوت ما بينه وبين القيمة الفعليّة؟
الجواب: ليس على الوكيل شيء من تكاليف تسجيل الوثائق الرسميّة ونفقاتها بأسماء المشترين؛ وأمّا الثمن، فإن ثبت أنّه قد قبضه من المشترين ودفعه إلى الموكّل المالك، فليس للورثة مطالبته ولا مطالبة المشتري به، ولا بالتفاوت ما بين الثمن والقيمة الفعليّة.
48
37
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
في ضمان البناء وموادِّه
1. هل يضمن المهندس المتعهّد بناء مشروع ما، موادَّ البناء (إسمنت) التي تتلف بسبب الأمطار أو السيول غير المتوقّعة؟
الجواب: إذا لم يكن مفرّطاً ولا متعدّياً في الحفظ فلا ضمان عليه، إلّا مع اشتراط ذلك، فيضمن حينئذٍ.
2. هل يضمن المتعهّد شرعًا الحوادث والأضرار التي تطرأ على العمّال أو غيرهم وهم في مكان ورشة البناء؟
الجواب: لا ضمان عليه في مفروض السؤال، إلّا مع اشتراط ذلك، فيضمن حينئذٍ.
3. تقع بعض الموادّ والسقالات التي تُستخدم في البناء على الطريق العامّ؛ ما يؤدّي إلى تضرُّر بعض الناس، فهل يكون المتعهّد والمنفّذ للمشروع ضامنًا؟
الجواب: الضامن للضرر هو المسبِّب له.
في المعاملات والشيكات
1. ما هي الرشوة شرعًا؟ وما الفرق بينها وبين الإكراميّة؟
الجواب: الرشوة هي دفع مال أو غيره من أجل استمالة الغير لمصلحته في الحكم، ويلحق بها دفع المال ونحوه للموظّف من أجل استمالته إليه كتقديمه على غيره أو إنجاز معاملة على خلاف القانون أو الشرع.
2. يُضطَّر المهندس أحيانًا إلى دفع بعض المال لموظفين لتسهيل معاملاته القانونيّة؛ علمًا بأنّ هذه المعاملات ليست مخالفة للقانون؟
الجواب: لا يجوز ذلك.
49
38
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
3. هل يجوز بيع الشيك المؤجّل بثمن أقلّ من رصيد الشيك الواقعيّ؟
الجواب: يجوز بيع الشيك المؤجّل بأقلّ من ثمنه للشخص الدائن نفسه، أو لغيره.
4. هل يجوز إعطاء الشيكات المؤجّلة للعمّال؛ علمًا بأنّ ذلك مخالف لنظام الدولة؟
الجواب: لا مانع منه في نفسه.
في الأجور وتسليم البناء وعمليّة البناء
1. هل يجوز لصاحب أرض ملاصقة لمشروع بناء أن يمنع المتعهّد من رفع السقالات فوق أرضه؛ علمًا بأنّها لا تُشغل مساحة من أرضه إنّما تُعلّق في الهواء؟
الجواب: لا بدّ من إذن صاحب الأرض أو رضاه، وله المنع من ذلك.
2. هل يجوز استخدام كهرباء الدولة ومياهها في حال لم يُتاحا في مكان المشروع بعدُ بشكل نظاميّ؟
الجواب: لا يجوز استخدام الكهرباء أو المياه على خلاف مقرّرات شركة المياه والكهرباء.
3. هل يُعتبر إذن البلديّة في إقفال الطريق العامّ؛ ليتسنّى لجبّالات الباطون العمل في بعض الأحيان، إذناً شرعيّاً، خصوصاً أنّ مثل هذا الإذن يحصل عليه المتعهّد عند دفع مبلغ من المال للبلديّة أو لموظّفين معيّنين دون وجهة قانونيّة؟
الجواب: لا يجوز سدّ الطريق العامّ أمام العابرين أو مزاحمتهم في ذلك، إلّا إذا اقتضت الضرورة سدّه مؤقّتاً لإنجاز عمل ونحوه، فيجوز حينئذٍ بمقدار الضرورة.
50
39
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
4. هل يجوز إقفال الطريق العامّ من دون إذن أو رخصةٍ قانونيّة في فرض عدم وجود أيّ طريقة أخرى.
الجواب: الجواب السابق نفسه.
5. مهندس كهربائيّ في إحدى الدول الأوروبيّة يُدعى أحياناً لتصليح مكبّرات الصوت وتوابعها، وفي بعض الأحيان تكون هذه الأماكن للملاهي، فهل يجوز له تصليحها أو تأسيس أجهزة جديدة في ذلك المكان، علماً أنّه لو امتنع مرّة أو مرّتين فإنّ ذلك يوجب توقّف عمله؟
الجواب: إذا كانت تستخدم في الحرام، فلا يجوز تصليحها.
6. شخص وسيط بين ربّ العمل والعمّال، بحيث يدفع ربّ العمل مبلغاً من المال إليه كأجرة للعمّال، بينما الوسيط يدفع أقلّ منه إلى العمّال، فما هو الحكم؟
الجواب: لا يجوز له ذلك إذا كان وكيلاً في الإيصال إليهم، وأمّا إذا كان متعهّداً، ولم يشترط المباشرة عليه، فلا مانع من ذلك.
7. أنا مهندس برمجيّات، عُرض عليّ عمل في شركة برمجيّات متخصّصة في مجال برامج البنوك، ويُمكنني أن أختار أحد الأقسام التي لا ترتبط بالربا بشكل مباشر، ولكنّها على كلّ حال تصبّ في برنامج يخدم بنوكًا ربويّة، فهل هذا العمل جائز؟
الجواب: لا مانع من القيام بالعمل في البنك إذا لم يرتبط بإنجاز المعاملات الربويّة أو المحرّمة.
8. ما حكم الراتب الذي أتقاضاه مقابل برمجتي لأحد البنوك الربويّة؟
الجواب: إذا كان ذلك يرتبط بإنجاز المعاملات الربويّة أو المحرّمة، فلا يجوز.
51
40
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
9. هل يجوز بيع رخصة العمل التجاريّ التي يحصل عليها المواطن من الحكومة، أو تأجيرها؟
الجواب: لا مانع من نقل حقّ الانتفاع من رخصة العمل إلى الغير مجّاناً، أو بِعِوَض، على شرط أن لا يكون ذلك ممنوعاً قانوناً.
10. بعت داري لرجل، فدَفَع إليّ شيكاً بمبلغ معيّن كجزءٍ من ثمنها، إلّا أنّ المصرف امتنع عن صرف الشيك، نظراً إلى عدم وجود رصيد ماليّ لصاحبه في حسابه. فمع ملاحظة نسبة التضخّم وارتفاعها على مرّ الأيّام والشهور، والالتفات إلى أنّ إتمام مراحل الملاحقة القانونيّة، وإدانة المشتري للحصول على قيمة الشيك سيستغرقان مدّة، هل يحقّ لي تسلّم قيمة هذا الشيك فقط، أم يجوز لي مطالبة المشتري بتفاوت القدرة الشرائيّة بالنسبة إلى يوم تسلّم المبلغ؟
الجواب: ليس للبائع حقّ المطالبة بأكثر من ثمن المبيع المسمّى في البيع، ولكن مع فرض تضرّره من تأخّر حصوله على الثمن بتقصيرٍ من المشتري بسبب انخفاض القدرة الشرائيّة له، فالأحوط التصالح مع المشتري على مقدار التفاوت.
11. لو اشترط على البائع ضمن العقد بأن يدفع مبلغاً معيّناً للمشتري، فيما إذا تأخّر تسليم المثمّن عن الأجل المقرّر، فهل تكون ذمّته مشغولة شرعاً بذلك أم لا؟
الجواب: لا بأس بالشرط المذكور، فيجب على البائع فيما لو أخّر تسليم المبيع عن أجَله الوفاء بشرطه، وجاز للمشتري مطالبته بما اشترطه عليه.
12. اشترى شخص شقّة سكنيّة دفع من ثمنها مبلغاً نقداً والباقي أقساطاً من رجل، بعد توافقهما على القيمة وعلى شروط البيع
52
41
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
والأقساط، ثمّ باعها بشروط شرائه نفسها لشخص آخر، على أن يكون تسديد بقيّة الأقساط على المشتري الثاني، فهل يجوز للبائع الأوّل العدول عن شروط المعاملة وعن الاتّفاق السابق؟
الجواب: ليس للبائع العدول عن بيعه بعدما تحقّق، ولا عن شروطه. كما لا مانع من مبادرة المشتري إلى بيع المبيع لشخص آخر قبل تسديد أقساط ثمنه، ولكن لا تصحّ منه الحوالة بما في ذمّته من أقساط ثمن المبيع للبائع على المشتري الثاني، إلاّ مع قبول البائع.
13. اشترى شخص داراً من رجل بثمن معيّن في ذمّته، ولكنّه، ومن دون أن يكون له شرط تأخير الثمن الذي لم يُسدّده إلى أن مضت سنتان على المعاملة، والبائع أيضاً لم يُسلّم الدار إلى المشتري، فهل يُعتبر البيع بذلك باطلاً؟
الجواب: لا يبطل البيع بمجرّد تأخير المشتري دفع الثمن إلى البائع وتسلّم المبيع منه، وإن كان ذلك من دون اشتراط منه على البائع، ولكن للبائع خيار الفسخ بعد مضيّ ثلاثة أيّام على مثل هذا البيع.
14. بعت شقّة سكنية لشخص بيعاً لازماً، على أن يكون لي حقّ فسخ المعاملة وبيع الشقّة لشخص آخر بسعر اليوم، فيما إذا لم يحضر المشتري في الموعد المحدّد إلى مكتب تسجيل الوثائق الرسميّة لتسجيل وثيقة الشقّة باسمه وتسلّم بقيّة الثمن منه. وبما أنّ المشتري لم يحضر إلى مكتب تسجيل الوثائق الرسميّة في الموعد المحدّد، فقد فسخت البيع، وبعت الشقّة لشخص آخر، فهل هذا البيع الثاني صحيح شرعاً؟
53
42
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
الجواب: لا بأس في المبادرة إلى فسخ البيع، ولا في الإقدام بعد فسخه على بيع المبيع ثانياً لشخص آخر، طبقاً للشروط التي التزم بها الطرفان ضمن العقد اللّازم.
15. بعت داراً لشخص، فأعلن بعد تسليم الثمن وتسلّم المبيع أنّه مغبون، وقام بفسخ البيع، ولكنّه منذ ذلك الوقت رفض إخلاء البيت وتسلّم الثمن الذي دفعه إليّ بحجج مختلفة، إلى أن ادّعى بعد سنتين أنّه فسخ البيع في نصف الدار، والآن يُطالبني باسترداد نصف الثمن. فهل يجوز له شرعاً ادّعاء تملّك نصف الدار؛ علماً بأنّه هو الذي يدّعي الغبن، وأنّه قام من أجل الغبن بفسخ البيع؟
الجواب: ليس للمغبون فيما لو ثبت غبنه إلّا فسخ البيع في جميع المبيع، واسترداد ماله الذي دفعه، وليس له حقّ فسخ البيع في جزء من المبيع، أو حقّ المطالبة بمبلغ زائد على المال الذي دفعه.
16. اشتريت منزلاً بوثيقة بيع عاديّة، على أن أدفع إلى البائع بعض الثمن نقداً، ويؤجّل دفع بقية الثمن إلى البائع في الموعد المحدّد، وهو أيضاً لم يعترض على ذلك، إلى أن راجعته بعد أربعة أشهر بالمبلغ لأدفع إليه، وأتسلّم منه المبيع، لكنّه امتنع عن ذلك، وادّعى أنّه قد فسخ المعاملة بعد انقضاء الموعد، فهل يحقّ له الفسخ لمجرّد أنّي لم أُؤدِّ إليه بقيّة الثمن في الموعد المقرّر؛ علماً بأنّه لم يردّ إليّ بعد الفسخ ما قبضه منّي من الثمن، وقد أجّر المنزل خلال هذه المدّة وأخذ أجرته؟
الجواب: إنّ عدم دفع بعض الثمن المؤجّل إلى البائع في الموعد المقرّر، لا يوجب له حقّ الفسخ؛ فإن كان شراء المنزل قد تحقّق
54
43
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
على النحو الصحيح شرعاً، ولكن بقي المنزل تحت تصرّف البائع، وأجّره من دون أن يكون له حقّ الفسخ، كان عقد إجارته فضوليّاً موقوفاً على إجازة المشتري، ويجب عليه، مضافاً إلى تسليم المبيع إلى المشتري، أن يدفع إليه ما أخذه من المستأجر من مبلغ الإجارة فيما لو أجاز المشتري عقد الإجارة، وإلّا فله المطالبة بأجرة المِثل مدّة التصرّف في المنزل.
17. اشترى شخص من آخر داراً كان قد اشتراها من دائرة المسكن، وبعد الشراء وتَسلُّم البائع الثمن من المشتري، أعلنت تلك الدائرة أنّه يجب دفع مبلغ زائدٍ على ما دفعه البائع من ثمن الدار إلى الدائرة، فأخبر المشتري البائع بأن يدفع هذا المبلغ الزائد وإلّا فهو يفسخ البيع ويستردّ الثمن، ولكنّ البائع امتنع عن تسديد المبلغ الزائد؛ ولذلك قرّرت الدائرة المذكورة منح هذا البيت لشخص آخر، فإلى مَن يرجع المشتري بثمنه الذي دفعه؛ إلى تلك الدائرة، أو إلى الذي مُنِح له البيت أخيراً، أو إلى البائع؟
الجواب: مطالبة الدائرة بالمبلغ الزائد أو امتناع البائع عن دفعه وحسب، لا يوجب حقّ الفسخ للمشتري، ولو كان له حقّ الفسخ من أجل الشرط أو لسبب آخر، ففسخ شراءه ورجع إليه الثمن الذي دفعه إلى البائع، كان البائع هو المُطالَب بالثمن.
18. اشتريت من رجل داراً مع موقف للسيارة وسائر اللوازم، لكنّه سلّم إليّ الدار فقط، وحذف من الوثيقة ما يدلّ على دخول موقف السيارة في البيع؛ علماً بأنّه كان قد تسلّم المال مقابل الموقف وبقيّة الأمور المذكورة في وثيقة البيع، فما الحكم في ذلك؟
الجواب: يجب على البائع تسليم المبيع مع جميع ملحقاته التي
55
44
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
وَقَعَتْ عليها المعاملة، سواء التي دُفع بإزائها الثمن أو التي اشترط ضمّها إلى المبيع، ويجوز للمشتري إلزامه بذلك.
19. المبرِّدة التابعة للدَور الأول من البناء الذي اشتريته كانت موجودة في الشرفة أثناء شرائنا لذلك الدَور، وما زالت في المكان نفسه، وكان يجري تأمين الماء إليها من خلال أنبوب يتفرّع من الأنبوب الأصليّ الموجود في الطابق الأرضيّ، وكان هذا الأنبوب يمرّ من جانب الجدار إلى المبرِّدة؛ والآن قَطعَ مالك الطابق الأرضيّ ذلك الماء؛ بناءً على أنّ الانتفاع من ساحة الطابق الأرضيّ مختصّ به، فما الحكم في المسألة؟
الجواب: إذا لم يُذكر في العقد أنّه يحقّ لكم الاستفادة من أنبوب الماء الموجود في ساحة الطابق الأرضيّ، فليس لكم إلزام مالكه بذلك.
في الوكالة والمسائل القانونيّة
1. بعت شقّتي السكنيّة بوثيقة بيع عاديّة، وقد قبضت بعض الثمن على أن أتسلّم الباقي من المشتري عند تسجيل السند رسميّاً باسمه، ولكنّي الآن نادم على بيع بيتي، والمشتري يصرّ على إخلاء البيت، فما الحكم في تلك الحال؟
الجواب: لو تحقّق البيع على الوجه الصحيح شرعاً، فليس للبائع، ما لم يكن له حقّ الفسخ، الامتناع من تسليم المبيع إلى المشتري بسبب ندمه وحاجته إلى المبيع فحسب.
2. اشتريت داراً بوثيقة بيع عاديّة، واشترطت على البائع أن يحضر إلى مكتب تسجيل الوثائق الرسميّة لتسجيل الدار بصورة تامّة باسمي، إلاّ أنّه لم يفِ بذلك، وامتنع عن تسليم الدار إليّ وتسجيل
56
45
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
سندها باسمي، فهل يحقّ لي أن أُطالبه بذلك؟
الجواب: إن كان ما تحقّق بينكما بشأن بيع الدار هو نتيجة الوعد بالبيع والشراء والمقاولة على ذلك فحسب، فليس على المالك الوفاء بهذا الوعد بالمبادرة إلى بيع الدار إليك وتسجيل وثيقتها باسمك، بل يجوز له الامتناع عن الوفاء بهذا الوعد والرجوع عنه؛ وأمّا إذا كان المتحقّق فيما بينكما هو ما كتبتما بشأنه وثيقة البيع العاديّة هو بيع وشراء الدار على النحو الصحيح شرعاً، فلا يجوز للبائع الرجوع عن بيعه والامتناع عن الوفاء به، بل هو مُلزَم شرعاً بتسليم الدار إليك، ويقوم بما يجب عمله من أجل انتقال الوثيقة، ويحقّ لك أن تُطالبه بذلك.
3. اشتريت شقّة سكنيّة لم يكتمل بناؤها بالأقساط، ثمّ بادرت إلى بيعها لشخص آخر قبل أن يكتمل بناؤها، وقبل تسلّمها من البائع، فهل يصحّ هذا الشراء والبيع؟
الجواب: لو كانت الشقّة المشتراة شقةً شخصيّةً جزئيّةً قد اشتريتها نسيئة بالأقساط، على أن يُكمل البائع بناءها، فلا بأس في شرائها ولا في بيعها بعد ذلك قبل اكتمال بنائها، وقبل تسلّمها من البائع؛ وأمّا لو كانت شقةً كليّةً قد اشتريتها سلفاً بالأقساط، على أن يكمل البائع بناءها ويُسلّمها إليك إلى أجَل معيّن، فهذا الشراء باطل من رأسه، ومعه يكون بيعها لشخص آخر باطلاً أيضاً.
4. يُستنتج من ألفاظ السندات الفقهيّة الموجودة وموادّ القانون المدنيّ ومعانيها، في باب الأخذ بالشفعة، أنّ لكلٍّ من الشريكين الحقّ فيما إذا باع أحدهما حصّته لشخص ثالث أن ينتزع حصّته
58
46
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
منه ويتملّكها ممّا بذله -هذا الثالث- من الثمن؛ وعليه فهل تشجيع أحد الشريكين للمشتري على شراء حصّة شريكه، أو تصريحه له بأنّه لا يأخذ بحقّ الشفعة فيما لو اشترى من شريكه حصّته، يُعتبر إسقاطاً لحقّ الشفعة؟
الجواب: إنّ مبادرة الشريك إلى تشجيع شخص ثالث على شراء حصّة شريكه وحسب، لا تتنافى مع ثبوت حقّ الشفعة له، حتّى وعده بعدم الأخذ بالشفعة في حالة تحقّق المعاملة بينه وبين الشريك الآخر، لا يوجب أيضاً سقوط حقّ أخذه بالشفعة بعد تحقُّق المعاملة، ما لم يلتزم مسبّقاً ضمن عقد لازم بأنّه في صورة تحقّق المعاملة بين المشتري وشريكه لا يُقْدِم على الأخذ بالشفعة.
5. توجد شركة مقاولات مكوّنة من القطاعين العامّ والخاصّ يُشرف على إدارة شؤونها وكلاء من أصحاب الأسهم، فهل يجوز استخدام وسائل النقل التابعة لهذه الشركة من قِبل المديرين وسائر العاملين لأغراضهم الشخصيّة بالنحو المتعارف؟
الجواب: الانتفاع من وسائل النقل وسائر الأموال التابعة للشركة، في الموارد التي ليس لها ارتباط بأعمال الشركة، موقوف على إذن وإجازة أصحاب الأسهم أو وكلائهم المجازين في ذلك.
6. ذُكر في وثيقة الوكالة أنّها وكالة بلا عزل، كما هو المتعارف حاليّاً، إلّا أنّها كانت وكالة ابتدائيّة مستقلّة لا شرطاً ضمن عقد بين الطرفين، فهل بكتابة هذه الجملة تتبدّل الوكالة من الجواز إلى اللّزوم ويسقط حقّ العزل؟
الجواب: الوكالة اللّازمة إنّما هي الوكالة المشترطة ضمن عقد
58
47
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
لازم بصورة شرط النتيجة، ولا تأثير لمجرّد كتابة كلمة «الوكالة بلا عزل» في صيرورتها لازمة.
7. هل يجوز لشخص أن يوكّل مَن ليست له الرخصة القانونيّة للوكالة في المحاكم لمتابعة قضيّة حقوقيّة أو جزائيّة في المحكمة؛ علماً بأنّ الحائزين رخصة الوكالة من قِبل وزارة العدل لهم شروطهم وضوابطهم الخاصّة بهم بالنسبة إلى أخذ أجرة الوكالة، فهل الفاقدون رخصة الوكالة يستحقّون الأجرة مقابل متابعتهم دعاوى الموكّلين في المحاكم؟
الجواب: لا بأس شرعاً في الوكالة في نفسها في الأمور القابلة للتوكيل والاستنابة، ومنها متابعة الدعاوى لدى المحاكم، كما أنّ تعيين الأجرة منوط بتوافق الطرفين، ولكن إذا كانت الوكالة لمتابعة القضايا الحقوقيّة أو الجزائيّة المحتاجة إلى مراجعة الدوائر الرسميّة والمحاكم القضائيّة متوقّفةً، من الناحية القانونيّة على رخصة رسميّة، فلا يجوز توكيل شخص ولا توكّله إذا كان لا يحمل مثل هذه الرخصة، إلّا أنه لو قام فاقد الرخصة الرسميّة بعمل ذي أجر بأمر من غيره، كانت له عليه أجرة مثل عمله.
8. نظراً إلى أنّ قيام الوكيل لمتابعة موضوع أو دعوى، أو إنجاز عمل ما، قد لا يُثمر ولا يُنتج شيئاً لمصلحة الموكّل، على الرغم من صرف الوقت والسعي وبذل الجهد ودفع نفقات الذهاب والإياب والمتابعة، فما حكم دفع المال وتسلّمه كأجرة على عمله في مثل هذا الموضوع؟
الجواب: لا تتوقّف صحّة الوكالة ولا استحقاق الوكيل للأجرة
59
48
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
المسمّاة أو أجرة المِثل إزاء ما قام به من عمل الوكالة بطلب من الموكّل على حصول النتيجة المتوخّاة للموكّل.
9. الأسلوب المتداول في كثير من مكاتب العدل الرسميّة هو تعيين حدود الوكالة بالعبارة الآتية مثلاً: وكيل في بيع البيت الكذائيّ (المحدّد)، الواقع في مكان كذا، وهكذا في الأمور الأخرى، إلّا أنّ بعض الوكالات الخطّيّة تُذكر فيها العبارة التالية: «إنّ فلاناً وكيل في متابعة جميع ما يتعلّق بمورد الوكالة»؛ ولذلك يحدث في الغالب الخلاف بين الموكّل والوكيل في دخول عمل معيّن في الوكالة، أو في شمولها للتصرّف الكذائيّ (المُعيّن) وهكذا.
- والسؤال هو: هل يجوز للوكيل التصرّف المُطلَق بمتعلّق الوكالة، فيما إذا لم يُعيَّن له نوع خاصٌّ منها؟
الجواب: يجب على الوكيل أن يقتصر في تصرّفاته التي وُكِّل فيها على ما شمله عقد الوكالة صريحاً أو ظاهراً، ولو بمعونة القرائن الحاليّة أو المقاليّة، ولو كانت هي العادة الجارية على ملازمة الوكالة في أمرٍ لأمورٍ أُخَر. وفي الجملة، الوكالة إمّا خاصّة من جهة العمل والمتعلّق، وإمّا عامّة من الجهتين أو من إحداهما، وإمّا مطلقة من جهة العمل والتصرّف، كما لو قال: أنت وكيلي في أمر داري، أو من جهة المتعلّق، كما لو قال: أنت وكيلي في بيع ملكي، أو من كلتا الجهتين، كما لو قال: أنت وكيلي في التصرّفات في مالي؛ فلا بدّ للوكيل من أن يقتصر في كلّ مورد على ما شمله عقد الوكالة، من خصوص أو عموم أو إطلاق، وليس له تجاوزه.
10. وَكّلَ شخص زوجته في بيع قطعة من الأرض وبعض الأبنية
60
49
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
وشراء شقّة سكنيّة بثمنها لابنه الصغير، وأن تُسجّلها باسمه، إلّا أنّها استغلّت الوكالة فسجّلت الشقّة باسمها هي، فهل ما أقدمت عليها صحيح شرعاً؟ ونظراً إلى أنّ شراء الشقّة كان بالمبلغ الحاصل من مال الموكّل، فبعد وفاته هل تكون الشقّة ملكاً للابن الصغير وحده أم تكون لجميع الورثة؟
الجواب: ما قامت به وفق الوكالة من زوجها من بيع الأرض وبعض الأبنية صحيح ونافذ؛ وأمّا الشقّة، فإنّ تسجيلها باسمها لا أثر له شرعاً، فإنْ اشترتها بمال الموكِّل في حياته لابنه الصغير وفَق الوكالة، كان الشراء صحيحاً ونافذاً، وتكون الشقة للابن وحده، ولو اشترتها في حياة الموكّل لنفسها، أو اشترتها لذاك الابن الصغير بعد موت الموكّل، كان الشراء فضوليّاً موقوفاً على الإجازة؛ إلّا أنّه لا يصلح في الأوّل للنفوذ بإجازة الورثة بعد موت مورّثهم؛ بحيث إنّهم لم يكونوا مالكين للثمن حين الشراء؛ وأمّا في الثاني، فإنْ أجازوه، وقع لهم لكلٍّ منهم بنسبة نصيبه من التركة.
11. كان زيد وكيلاً من قِبل بعض الأشخاص في الاستئجار لقضاء الصوم والصلاة؛ أي إنّه كان يتسلّم المال ليدفعه إلى الأُجراء، إلّا أنّه قد خان الأمانة ولم يستأجر أحداً، وحاليّاً قد ندم على ذلك، وأراد الخروج عن هذه العهدة، فهل عليه الاستئجار لإتيان العمل، أم عليه ردّ أجرة العمل بسعر اليوم إلى أصحاب الأموال أم هو مدين بمقدار ما تسلّمه من المال فقط؟ وما الحكم فيما لو كان هو الأجير في قضاء الصوم والصلاة، ومات قبل الإتيان بالعمل؟
الجواب: الوكيل في الاستئجار إن انقضى أجَل وكالته قبل أن
61
50
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
يقوم باستئجار أحد لقضاء الصلاة أو الصوم، فهو ضامن للمال الذي تسلّمه فقط، وإلّا فهو بالخيار بين استئجار أحد لقضاء الصلاة والصوم بالمال الذي تسلّمه، وبين فسخ الوكالة وردّ المال إلى صاحبه؛ وأمّا الأجير في قضاء الصلاة أو الصوم، فإن كان أجيراً في إنجاز العمل بنفسه، فمع وفاته تنفسخ الإجارة، ويجب إخراج الأموال التي تسلّمها من تركته، وإلّا فهو مدين بالعمل نفسه، فيجب على الورثة استئجار أحد من تركته لإتيان العمل، إن كانت له تركة، وإلّا فلا شيء في ذلك عليهم.
12. يوجد لبعض الشركات وكلاء مهمّتهم الحضور في المحاكم من قِبل الشركة لمتابعة القضايا والشكاوى، فإذا كان هناك دعوى للشركة لا أساس لها من الصحّة في نظرهم، فهل يجوز لهم الدفاع فيها عن الشركة؟ وإذا قام الوكيل بالدفاع عن الشركة في الدعوى الباطلة في نظره، فهل عليه شيء في هذا الدفاع، حتّى فيما لو أصدرت المحكمة الحكم لمصلحة المدّعى عليه؟ وهل الأجرة التي يأخذها الوكيل مقابل الدفاع عن الباطل -في نظره- تُعتبر سحتاً وحراماً عليه؟
الجواب: لا يجوز الدفاع عن الباطل والسعي لإثبات أنّه الحقّ، ولا يتغيّر العمل المحرّم عمّا وقع عليه بصدور الرأي من المحكمة لمصلحة المدّعى عليه؛ والأجرة مقابل الدفاع الباطل المحرّم سحت وحرام.
13. وُكِّل شخص عن آخر، على أن يتسلّم منه الأجرة قبل قيامه بالعمل، فإذا لم يقم الوكيل بأيّ عمل، هل يحلّ له ذلك المال شرعاً أم لا؟
62
51
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
الجواب: الوكيل يملك الأجرة المسمّاة على الوكالة بإتمام عقدها، فيستحقّ المطالبة بها حتّى قبل قيامه بالعمل الذي وُكِّل فيه؛ ولكن إذا لم يُنجز العمل الذي كان مورداً للوكالة إلى أن فات وقته أو انقضى أجَل الوكالة، تنفسخ بذلك الوكالة، فيجب عليه ردّ الأجرة التي تسلّمها إلى الموكّل.
14. اشترى شخص قطعة أرض باسم ولده الصغير، وقد سجّل وثيقتها العاديّة باسم الولد بهذا المضمون: «البائع فلان، والمشتري ولده فلان». وبعد أن بلغ الصغير باع تلك الأرض لشخص آخر، إلّا أنّ ورثة الأب استولَوا على الأرض بدعوى أنّها إرث لهم من أبيهم، مع أنّه لا يوجد اسم الأب في الوثيقة العاديّة، فهل يجوز لهم في هذه الحالة مزاحمة المشتري الثاني؟
الجواب: ذكر اسم الولد الصغير في وثيقة البيع، بعنوان المشتري، وحده، ليس ميزاناً للملكيّة؛ فلو ثبت أنّ الأب قد جعل الأرض التي اشتراها بماله لابنه، بأن وهبها له أو صالحه عليها، كانت الأرض له؛ فإذا باعها بعد بلوغه للمشتري الثاني على الوجه الصحيح شرعاً، فلا يحقّ لأحد مزاحمته وانتزاع الأرض منه.
15. اشتريت قطعة أرض كانت ممّا تعاقبت عليها أيدي عدد من المشترين، وقد بادرت إلى بناء بيت عليها؛ والآن قام شخص يدّعي أنّ الأرض المذكورة مُلك له، وقد سجّلها باسمه رسميّاً في يوم تاريخ الشراء من قبل الذين سبقوني؛ ولهذا فقد قدّم شكوى إلى المحكمة ضدّي وضدّ عدد من جيراني، فهل تُعتبر تصرّفاتي في هذه الأرض، بملاحظة دعوى هذا المدّعي، غصباً؟
الجواب: الشراء من ذي اليد السابق محكوم بالصحة في ظاهر
63
52
الأحكام الابتلائيّة للمهندس
الشرع، وتكون الأرض للمشتري؛ فما لم يُثبت مدّعي الملكيّة السابقة ملكيّته الشرعيّة في المحكمة، ليس له مزاحمة المتصرّف وصاحب اليد الفعليّ.
16. هل يجوز بناء مسجد على أرض قد حكم الحاكم بمصادرتها بدون رضا مالكها السابق بذلك؟ وهل يجوز أداء الصلاة وسائر الشعائر الدينيّة في مثل هذا المسجد؟
الجواب: إذا كانت الأرض مأخوذة من مالكها السابق بحكم الحاكم الشرعيّ أو استناداً إلى القانون المنفّذ من الدولة الإسلاميّة، أو لم يثبت سبق ملكيّتها الشرعيّة لمدّعيها، فالتصرّف فيها ليس موقوفاً على إجازة مدّعي الملكيّة أو المالك السابق؛ فلا مانع من بناء المسجد عليها، ولا من أداء الصلاة وإقامة الشعائر فيه.
17. كان عقار موروثاً بيد الورثة جيلاً بعد جيل، ثمّ غصبه منهم غاصب وتملّكه، ثمّ استرجعت الحكومة بعد نجاح الثورة الإسلاميّة ذلك العقار من الغاصب، فهل يعود ملكه شرعاً إلى أولئك الورثة أو يكون لهم حقّ التقدّم في شرائه من الدولة؟
الجواب: سبق التصرّفات بالوراثة لا يُلازم الملكيّة ولا حقّ التقدّم في الشراء، لكنّه أمارة شرعيّة على الملكيّة، ما لم يثبت الخلاف، فإنْ ثبت عدم ملكيّة العقار للورثة، أو ثبت ملكيّته لغيرهم، فليس لهم حقّ المطالبة به أو بعوضه، وإلّا فلهم حقّ المطالبة باسترجاع عين العقار أو عوضه بمقتضى اليد.
64
53