دراسات في المذاهب الإسلامية

﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ﴾


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2023-10

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للمناهج والمتون التعليمية


المقدّمة

المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد الخلق محمّد بن عبد الله وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

 

كان الناس متفرّقين، فبعث الله نبيّه محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم، فوحّدهم على دين الحقّ، وكانوا مشتّتين فجمعهم على صراط الهدى، ولم يزل فيهم يدعوهم إلى سبيل الرشاد، ويُنقذ مَن ضلّ من العباد، حتّى أعلى الله كلمته وهي العليا، وثبّت دينه وهو الثابت، واختار سبحانه وتعالى لنبيّه أنْ يُسكنه فسيح جنانه، ويُبلّغه رضوانه، فدعاه إليه بعد أن بلّغ رسالته، وأكمل الله دينه، وأتمّ نعمته، ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾[1].

 

لكن شُقّت عصا الوحدة، وانفصمت العروة، فصار لكلِّ جماعة مذهبٌ، ولكلِّ ثلّة ملّة، وتفرّقوا في الأصقاع، وكلٌّ يجعل القرآن مرجعاً وحكماً، والنبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم سنداً وعضداً، وأخذت تكثر الآراء، وتتشعّب المعتقدات، فكثُرت المذاهب، وتعدّدت الملل، وكلٌّ يجتمع تحت لواء الإسلام ويفخر به، ويقرأ القرآن وينهل منه، وما زال الكثير من هذه الفِرَق إلى يومنا الحاضر، وما انقرض منها ما زال هو المنشأ لكثيرٍ من الحاضر.

 


[1] سورة المائدة، الآية 3.

 

9

 


1

المقدّمة

وقد نبّأنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بانقسام المسلمين، كما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، سبعون فرقة في النار وفرقة واحدة في الجنّة، وهي الّتي اتبعت وصيّه، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون فرقة في النار وفرقة واحدة في الجنّة، وهي الّتي اتبعت وصيّه، وستفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنّة، وهي الّتي اتّبعت وصيّي..."[1].

 

فلذلك كان لا بُدّ من إطلالة على أهمِّ الفرق والمذاهب الإسلاميّة، ولا سيّما الموجودة والحاضرة على الساحة اليوم. ولم نتعرّض لمذهب أهل البيت عليهم السلام، وذلك لأنّنا سوف نتعرّض له في كتاب مستقلّ يتناول جوانبه وأبعاده كلَّها. إذاً، هذا الكتاب الماثل بين يدي القارئ يتناول لأهمِّ المذاهب غير مذهب أهل البيت عليهم السلام.

 

وهذا ما قام به مركز المعارف للمناهج والمتون التعليمية في جمعيّة المعارف الإسلاميّة، حيث ألقى الضوء على أهمِّ هذه المذاهب والفِرَق، تأسيساً ومعتقدات وشخصيّات.

 

والمركز يأمل أنْ يكون قد سدّ بهذا الكتاب حاجةً من الحاجات الكثيرة على الساحة الإسلاميّة، آملاً أنْ يحظى بإعجاب القرّاء الكرام، وننال به رضى الله تعالى وقبول الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، والله وليّ التوفيق والإكرام.

 

والحمد للَّه ربّ العالمين

مركز المعارف للمناهج والمتون التعليمية

 

 


 


[1] الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن، الأمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسسة البعثة، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قم، 1414هـ، ط1، ص524.

 

10


2

الدرس الأوّل: تكوّن الفرق والمذاهب

الدرس الأوّل

تكوّن الفرق والمذاهب

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يتعرّف إلى علم الملل والنِّحل وبعض المصنّفات فيه.

2. يدرك الفرق بين المِلة والنِّحل.

3. يفهم أسباب تكوّن الفِرق.

 

 

11


3

الدرس الأوّل: تكوّن الفرق والمذاهب

•         معنى الملّة والنِّحلة

1 - الملة

أ- الملّة لغةً:

هي الدين والطريقة المسلوكة.

يقول ابن الأثير: "الملة: الدين، كملّة الاسلام، والنصرانيّة، واليهوديّة.

 

وقيل: هي معظم الدين، وجملة ما يجيء به الرسل"[1].

 

وقال أبو هلال العسكري: "سُمّيت الملّة ملّة لاستمرار أهلها عليها، وقيل أصلها التكرار من قولك: طريق مليل إذا تكرّر سلوكه حتّى توطأ، ومنه الملل، وهو تكرار الشيء على النفس حتّى تضجر"[2].

 

ب- الملّة اصطلاحاً:

ذكر الراغب الإصفهانيّ بأنّها: "اسم لما شرع اللَّه تعالى لعباده على


 


[1]  ابن الأثير، مجد الدين أبى السعادات المبارك بن محمّد الجزريّ، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمّد الطناحي، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، إيران - قم، 1364ش، ط4، ج4، ص360.

[2] العسكري، الحسن بن عبد الله، الفروق اللغوية، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم، 1412هـ، ط1، ص510.

 

13


4

الدرس الأوّل: تكوّن الفرق والمذاهب

لسان الأنبياء، ليتوصّلوا به إلى جوار اللَّه، والفرق بينها وبين الدّين أنّ الملَّة لا تُضاف إلَّا إلى النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الذي تسند إليه، يقول سبحانه: ﴿بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾[1]"[2].

 

2 - النحلة

أ- النِّحلة لغةً:

تُطلق النِّحلة في اللغة على معانٍ عدّة، نذكر منها:

الدين والمذهب: يقال: ينتحل فلان لمذهب كذا، أي ينتسب إليه، والنِّحلة الدين والعقيدة، يقال: ما نحلتك؟[3].

 

النسبة والدَّعْوَى الباطلة: يُقال: نحله القول: أي أضاف إليه قولاً قاله غيره وادّعاه عليه، ونحل فلان القول نحلاً: أي نسبه إليه ولبس بقائله، وانتحل الشيء ادّعاه لنفسه وهو لغيره، ويقال انْتَحَل فلانٌ شِعْر فلانٍ: أي ادّعاه لنفسه وادّعى أنّه قائله[4].

 

ب- النِّحلة اصطلاحاً:

تُطلق النِّحلة في الاصطلاح ويُراد بها: المنهج العقدي لأمة خاصة أو جميع الأمم، سواء كانت حقًا أو باطلًا.


 


[1] سورة البقرة، الآية 135.

[2] الإصفهاني، الحسين بن محمّد (الراغب الأصفهاني)، المفردات في غريب القرآن، دفتر نشر الكتاب، لا.م، 1404هـ، ط2، ص471. ولاحظ: القرطبي، محمّد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي)، تصحيح: أحمد عبد العليم البردوني، لبنان -بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1405هـ - 1985م، ط2، ج2، ص93.

[3] انظر: ابن منظور، العلامة محمّد بن مكرم الإفريقي المصري، لسان العرب، نشر أدب الحوزة، إيران - قم، 1405هـ، لا.ط، ج11، ص650-651.

[4] الزبيدي، تاج العروس، تحقيق: علي شيري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان -بيروت، 1414هـ - 1994م، لا.ط، ج15، ص722-723.

 

14


5

الدرس الأوّل: تكوّن الفرق والمذاهب

•         الصلة بين علم العقائد وعلم الملل والنحل

إنّ علم الكلام يبحث عن المسائل العقائديّة الّتي ترجع إلى المبدأ والمعاد، ويوجِّه عنايته إلى إثبات فكرة خاصّة في موضوع معيّن، ولكنّ علم الملل والنِّحل يسرد المناهج الكلاميّة وعقائد الأقوام دون أنْ يتحيّز إلى منهج دون آخر، وهمّه عرض هذه الأُسس الفكريّة على روّاد الفكر والمعرفة، فنسبة هذا العلم إلى علم العقائد نسبة تاريخ العلم إلى العلم نفسه.

 

•         علم الملل والنِّحل

إنّ علم الملل والنِّحل كسائر العلوم له تعريف وموضوع ومسائل وغاية.

 

1 - أمّا تعريفه

فهو العلم بتاريخ نشوء المذاهب والديانات عبْر القرون ومقارنتها ببعضها.

 

2 - وأمّا موضوعه

فهو عقائد الأُمم، ويُعبَّر عنه بالملل والنِّحل.

 

3 - وأمّا مسائله

فهي الاطّلاع على آراء أصحاب المذاهب والديانات.

 

4 - وأمّا غايته

فتتّحد غايته مع تاريخ العلوم على وجه الإطلاق، وهي إعطاء البصيرة للمحقِّق الكلاميّ في نشوء العقائد واشتقاق بعضها من بعض.

 

•         المصنّفات في الملل والنِّحل

إنّ ما كُتب في هذا المجال على قسمين: قسمٌ منه يتناول جميع أديان البشر أو أكثرها، وقسمٌ منه يختصّ بالفرق الإسلاميّة.

 

15

 


6

الدرس الأوّل: تكوّن الفرق والمذاهب

فمن القسم الأوّل

1. "الآراء والديانات": تأليف حسن بن موسى أبو محمد النوبختي (المتوفّى سنة‏ 298هـ).

 

يصفه النجاشيّ بقوله: "كتاب كبير، حسن، يحتوي على علوم كثيرة، قرأت هذا الكتاب على شيخنا أبي عبد الله"[1].

 

2. "المقالات": تأليف محمد بن هارون الورّاق أبو عيسى البغدادي (المتوفى سنة 347هـ)[2].

 

3. "المقالات في أصول الديانات": لأبي الحسن عليّ بن الحسين المسعودي (المتوفّى‏ عام 345هـ) صاحب مروج الذهب[3].

 

4. "الفصل في الملل والنِّحل": لابن حزم الظاهري (المتوفّى‏ عام 456هـ).

 

5. "الملل والنِّحل": لأبي الفتح محمّد بن عبد الكريم الشهرستانيّ (479-548هـ).

 

ومن القسم الثاني

1. "مقالات الإسلاميّين واختلاف المصلِّين": تأليف شيخ الأشاعرة أبي الحسن عليّ بن إسماعيل الأشعري (260-324هـ).

 

2. "التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع": لمحمد بن أحمد بن عبد الرحمن الشافعي أبي الحسين الملطي (المتوفّى‏ عام 377هـ).

 

3. "الفَرق بين الفِرق": تأليف الشيخ عبد القاهر البغدادي التميمي (المتوفّى‏ عام 429هـ).

 

4. "التبصير في الدين": للطاهر بن محمّد الإسفرايينيّ (المتوفّى‏ عام 471هـ).


 


[1] النجاشي، الشيخ أحمد بن علي الكوفي، فهرست اسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي)، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم، 1416هـ، ط5، رقم 148، ص63.

[2] انظر: المصدر نفسه، رقم 1016، ص372.

[3] انظر: المصدر نفسه، رقم 665، ص245.

 

16


7

الدرس الأوّل: تكوّن الفرق والمذاهب

5. "فِرق الشيعة": تأليف الشيخ أبي القاسم سعد بن عبد الله القمّي (المتوفّى عام‏ 299هـ)[1].

 

6. "بحوث في الملل والنحل": تأليف الشيخ جعفر السبحاني.

 

•         ضرورة دراسة عقائد الملل والنحل بموضوعية ومن كتب المعرَّف عنهم لا من كتب خصومهم

إنّ الكثير ممّن كتب في الملل والنحل يقع في خطأ منهجيّ، وذلك أنّه عند تدوينه عقائد تلك الملل والنحل نجده يعتمد على كتب خصومهم ومصنّفاتهم، وغالباً ما يكون الخصم غير محايد في تناول عقائد الطرف الآخر وأفكاره، فينسب إليه ما هو براء منه، ويحمل عليه ما هم يتنزّه عنه، وكمثال على ذلك نذكر كتاب "مقالات الإسلاميين واختلاف المصلّين" لإمام الأشاعرة أبي الحسن الأشعري، فإننا نجد فيه الكثير من الخبط والخلط والاتهام، وخاصة عند تناوله لعقائد المعتزلة والشيعة، فإنّه يعتمد كثيراً على مصادر خصومهما وكتبهم، ولذا نجده غير موضوعيّ. هذا، إن حملناه على المحمل الحسن، وإلّا فهو متَّهم بالكذب عليهما، لعلمه بأن ما يعتمد عليه من مصادر في عرض عقائدهما لا يمكن الركون إليه.

 

•         عوامل تكوّن الفرق الإسلاميّة

لبّى‏ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم دعوة ربّه وانتقل إلى جواره وترك لأُمّته ديناً قيِّماً، يمتاز بصفات من أبرزها بساطة العقيدة ويُسر التكليف. كما ترك من بعده منارات يُهتدى بها، وهي: كتاب الله العزيز ﴿تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾[2]، وسنّته الوضّاءة المقتبسة من الوحي[3] السليم من الخطأ، وعترته الطاهرة، وهم قرناء الكتاب[4].

 


[1] انظر: النجاشي، فهرست اسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي)، مصدر سابق، رقم 467، ص177.

[2] سورة النحل، الآية 89.

[3] انظر: سورة النجم، الآية 4.

[4] ففي مسند أحمد بن حنبل، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنِّى تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله، حبل ممدود من المساء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يفترقا، حتّى يردا على الحوض". بن حنبل، أحمد، المسند (مسند أحمد)، دار صادر، لبنان - بيروت، لا.ط، لا.ت، ج3، ص14.

 

17


8

الدرس الأوّل: تكوّن الفرق والمذاهب

وكان الجدير بالمسلمين التمسّك بالعروة الوثقى، وتوحيد الكلمة في عامّة المواقف، إلّا فيما كان الاختلاف فيه أمراً ضروريّاً لا يُمكن اجتنابه، ولكنْ - مع الأسف - ظهرت بينهم فِرَقٌ ومذاهب يختلف بعضها عن بعض في جوهر الإسلام وأُصوله، ومن عوامل تكوّن الفرق:

العامل الأوّل: الاتجاهات الحزبيّة والتعصّبات القبليّة

إنّ أعظم خلاف بين الأُمّة هو الخلاف في قضيّة الإمامة، وما سُلَّ سيفٌ في الإسلام، وفي كلِّ الأزمنة، على قاعدة دينيّة مثلما سُلَّ على الإمامة[1].

 

ومع أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يترك الأُمّة سدى، بل نصب خليفة وإماماً للمسلمين يقوم بوظائف النبوّة بعده -وإنْ لم يكن نبيّاً- لكنْ اجتمع نفرٌ من الأنصار في سقيفة بني ساعدة قبل تجهيز النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ومواراته، ثمّ التحق بهم نفرٌ من المهاجرين لا يتجاوز عددهم الخمسة، فكثُر الاختلاف والنزاع بينهم، فكلُّ طائفة كانت تُحاول جرّ النار إلى قرصها، فيقول مندوب الأنصار رافعاً عقيرته: "يا معشر الأنصار، لكم سابقة في الدين، وفضيلة في الإسلام ليست في العرب، إلى أنْ قال: استبدّوا بهذا الأمر دون الناس".

 

وقال نفرٌ من المهاجرين: "من ذا الّذي يُنازع المهاجرين في سلطان محمّد وإمارته، وهم أولياؤه وعشيرته"[2].

 

فشكّلت المناشدة في السقيفة الحجر الأساس للتفرُّق، وانثلام الكلمة، ونسيان الوصيّة الّتي أدلى‏ بها النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم في غير واحد من المواقف، منها يوم الغدير.


 


[1] انظر: الشهرستاني، أبو الفتح محمّد بن عبد الكريم بن أبي بكر أحمد، الملل والنحل، تحقيق: محمّد سيد گيلاني، دار المعرفة للطباعة والنشر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج1، ص24.

[2] انظر: ابن الأثير، عز الدين علي بن أبي الكرم محمّد الشيباني، الكامل في التاريخ، دار صادر للطباعة والنشر - دار بيروت للطباعة والنشر، لبنان - بيروت، 1386هـ - 1966م، لا.ط، ج2، ص328.

 

18


9

الدرس الأوّل: تكوّن الفرق والمذاهب

العامل الثاني: سوء الفهم والّلجاج في تحديد الحقائق

ثار أهل العراق والحجاز ومصر على عثمان، نتيجة إيثاره لبني أميّة في المناصب والعطاء، وبسبب الأحداث المؤلمة الّتي ارتكبها عمّاله في هذه البلاد، وانتهى‏ الأمر إلى قتله ونهوض الإمام عليّ  عليه السلامبأعباء الخلافة، فقام الإمام  عليه السلامبعزل الولاة آنذاك، عملاً بواجبه أمام الله سبحانه وأمام المبايعين له، غير أنّ معاوية الّذي عرف موقف الإمام عليّ  عليه السلامبالنسبة إلى عمّال عثمان، رفض قرار العزل، ورفض بيعة الإمام  عليه السلام، ونجم عن ذلك حرب صفّين بين جيش الإمام عليّ  عليه السلاموجيش معاوية، فلمّا ظهرت بوادر النصر لصالح الإمام عليّ  عليه السلام، التجأ معاوية وحزبه إلى خديعة رفع المصاحف، والدعوة إلى تحكيم القرآن بين الطرفين، فصار ذلك نواةً لحدوث الاختلاف في جيش الإمام عليّ  عليه السلام، وقد أمر الإمام بمواصلة الحرب، وقام بتبيين الخدعة، غير أنّ الظروف الحاكمة على جيش الإمام ألجأته إلى وقف الحرب، وإيلاء الأمر إلى الحَكَمين، وإعلان الهدنة.

 

ومن عجيب الأمر، أنّ الّذين كانوا يُصرُّون على إيقاف الحرب ندموا على ما فعلوا، فجاؤوا إلى الإمام يُصرُّون على نقض العهد، غير أنّ الإمام وقف في وجههم لما يتضمّن اقتراحهم من نقض العهد، وعند ذلك ظهرت فرقة باسم المحكِّمة، وهم الذين زعموا أنّ مسألة التحكيم تُخالف قوله سبحانه: ﴿إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ﴾[1]، وقد أجاب الإمام  عليه السلامعلى هذه الدعوى بأنّها كلمة حقٍّ يُراد بها باطل، وقد صار هذا الاعوجاج مبدأً لظهور الخوارج بفرقها المختلفة على ساحة التاريخ.

 

العامل الثالث: منع كتابة الحديث

منع الخلفاء الثلاثة ومن سار على نهجهم بعد رحيل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كتابة الحديث وتدوينه[2]، بل الإخبار عنه صلى الله عليه وآله وسلم إلى أواخر القرن الأوّل، مع أنّ حديث الرسول عِدْل القرآن الكريم، فالقرآن وحيٌ بلفظه ومعناه، وسنّته‏ وحيٌ بمعناه لا بلفظه.


 


[1] سورة الأنعام، الآية 57.

[2] انظر: الشهرستاني، علي، منع تدوين الحديث، مركز الأبحاث العقائدية، إيران - قم، 1420هـ، ط1.

 

19


10

الدرس الأوّل: تكوّن الفرق والمذاهب

وقد اعتمدوا في منع كتابة السنّة ونشرها على روايات موضوعة مخالفة للكتاب والسنّة الثابتة.

 

وقد ترك هذا المنع آثاراً سلبيّة أقلّها حرمان الأُمّة من السنّة النبويّة الصحيحة قرابة قرن ونصف، ممّا أدّى إلى نشوء مذاهب فقهيّة كانت سبباً مساعداً على تكوّن الفرق الإسلاميّة، وبروز الخلاف بين المسلمين، ثمّ بعد مضيّ هذه الفترة الزمنيّة، ظهر الوضّاعون والكذّابون بين المسلمين، فروَوا وأسندوا عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ما شاؤوا وما أرادوا، وصارت هذه الحيلولة سبباً لازدياد الحديث حتّى أخرج محمّد بن إسماعيل البخاريّ صحيحه عن ستمائة ألف حديث، وأين حياة الرسول المليئة بالأحداث من التحديث بهذا العدد الهائل من الأحاديث؟! ولذلك غربلها البخاريّ، فأخرج منها ما يُقارب ألفين وسبعمائة وواحداً وستين حديثاً، ولا يقلّ عنه صحيح مسلم وكتب السنن الأخرى.

 

العامل الرابع: فسح المجال للأحبار والرهبان

إنّ الفراغ الّذي خلّفه منع تدوين أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أوجد أرضيّة مناسبة لتحديث الأحبار والرهبان عن العهدين، فصاروا يُحدِّثون عن الأنبياء والمرسلين عليهم السلام بما سمعوه من مشايخهم أو قرأوه في كتبهم.

 

يقول الكوثريّ: "إنّ عدّة من أحبار اليهود ورهبان النصارى وموابذة المجوس أظهروا الإسلام في عهد الراشدين ثُمّ أخذوا بعدهم في بثِّ ما عندهم من الأساطير"[1].

 

ولو كان نشر الحديث وتدوينه أمراً مسموحاً لما وجد الأحبار والرهبان مجالاً للتحديث عن كتبهم المحرَّفة، ولشُغل المسلمون عن سماع ما يبثّون من الخرافات لأجل الاشتغال بالقرآن والسنّة، ولكنّ الفراغ الّذي خلّفه منع تدوين الحديث


 


[1] الدمشقي، ابن عساكر، علي بن الحسن بن هبة الله، تبيين كذب المفتري مما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، مطبعة التوفيق، سوريا دمشق، 1347هـ، لا.ط، (مقدمة الكتاب) ص30.

 

20


11

الدرس الأوّل: تكوّن الفرق والمذاهب

أعانهم على نشر الأحاديث الموضوعة واجتماع الناس حولهم، ومن قرأ سيرة كعب الأحبار، ووهب بن منبّه اليمانيّ، وتميم بن أوس الداري وغيرهم يقف على دورهم في نشر الأساطير وإغواء الخلفاء بها.

 

العامل الخامس: الاحتكاك الثقافي

التحق النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلى، وقام المسلمون بفتح البلدان والسيطرة عليها، وكانت الأُمم المغلوبة ذات حضارة وثقافة في المعارف والعلوم والآداب.

 

وكان بين المسلمين رجال ذوو دراية ورغبة في كسب العلوم وتعلُّم ما في هذه البلاد من آداب وفنون، فأدّت هذه الرغبة إلى المذاكرة والمحاورة أوّلاً، ونقْل كتبهم إلى اللغة العربيّة ثانياً، حتّى انتقل كثير من آداب الرومان والفرس إلى المجتمع الإسلامي، ولا شكّ في أنّ من تلك المعارف ما يُضادّ مبادئ الإسلام، وكان بين المسلمين من لم يتدرّع في مقابلها، ومنهم من لم يتورّع عن أخذ الفاسد منها، فصار ذلك مبدأً لظهور ديانات وعقائد على الصعيد الإسلاميّ عندما صَبغوا ما أخذوه من الكتب بصبغة الإسلام.

 

العامل السادس: الاجتهاد في مقابل النصّ

إذا كانت العوامل الخمسة سبباً لنشوء المذاهب الكلاميّة، فثمّة‏ عامل سادس صار مبدأ لتكوّن المذاهب الكلاميّة والمذاهب الفقهيّة، وهو تقديم الاجتهاد - لمصلحة مزعومة - على النصّ.

 

إنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أوصى المسلمين بعترته، وشبّههم بسفينة نوح، وأعلن في حشد عظيم: "يا أيّها النّاس، إنّي تركت فيكم ما إنْ أخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي"[1]، ومع ذلك استأثر القوم بالأمر يوم السقيفة، وقضوا


 


[1] المتقي الهندي، علاء الدين عليّ المتقيّ بن حسام الدين، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، ضبط وتفسير الشيخ بكري حياني - تصحيح وفهرسة: الشيخ صفوة السقا، مؤسسة الرسالة، لبنان - بيروت، 1409هـ - 1989م، لا.ط، ج1، ص44، باب الاعتصام بالكتاب والسنّة.

 

21


12

الدرس الأوّل: تكوّن الفرق والمذاهب

أُمورهم من دون مشورة أو حوار مع أهل البيت عليهم السلام، فصار ذلك سبباً لظهور مذاهب فقهيّة مبنيّة على تقديم المصلحة المزعومة على نصِّ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى هذا الأساس، منعوا من متعة الحجّ ومتعة النساء وتوريث الأنبياء عليهم السلام، إلى غير ذلك من الآراء الفقهيّة المناقضة للسنّة النبويّة، كما أحدثت مذاهب كلاميّة لأجل الاستبداد بفكرهم من دون عرضها على الكتاب والسنّة.

 

هذه العوامل الستّة، هي أهمّ العوامل الّتي صارت سبباً لظهور المذاهب بين الإسلاميّين. ومن حسن الحظّ، أنّ أغلب الطوائف تشترك في الأُمور الّتي بها يُناط الإسلام، وإنْ كانت تختلف في مباحث كلاميّة أو مسائل فقهيّة.

 

22


13

الدرس الأوّل: تكوّن الفرق والمذاهب

خلاصة الدرس

•         علم الملل والنِّحل: هو العلم بتاريخ نشوء المذاهب والديانات عبر القرون ومقارنتها ببعضها.

 

•         تنقسم مؤلّفات الملل والنِّحل إلى قسمين:

1. ما يتناول المقارنة بين الأديان.

2. ما يتناول المقارنة بين المذاهب الإسلاميّة.

 

•         من علل تكوُّن الفِرق والمذاهب:

1. الاتجاهات الحزبيّة والتعصُّبات القبليّة.

2. سوء الفهم والّلجاج في تحديد الحقائق.

3. منع تدوين الحديث.

4. فسح المجال للأحبار والرهبان في بثّ أساطيرهم.

5. الاحتكاك الثقافيّ بين المسلمين والدولة الّتي افتتحوها.

6. تقديم الاجتهاد الشخصيّ على النصوص الشرعيّة.

 

23


14

الدرس الأوّل: تكوّن الفرق والمذاهب

الأسئلة

1. ما هو معنى الملّة والنحلة لغةً؟

 

2. اذكر ثلاثة من علل تكوّن الفرق.

 

3. عدّد ثلاثة مصنّفات في الملل والنحل.

 

24

 


15

الدرس الأوّل: تكوّن الفرق والمذاهب

مطالعة

 

في ذمِّ الاختلاف

من كلام الإمام عليٍّ  عليه السلام: "إنَّ أَبْغَضَ الْخَلَائِقِ إِلَى اللَّه رَجُلَانِ، رَجُلٌ وَكَلَه اللَّه إِلَى نَفْسِه، فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ، مَشْغُوفٌ بِكَلَامِ بِدْعَةٍ ودُعَاءِ ضَلَالَةٍ، فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ افْتَتَنَ بِه ضَالٌّ عَنْ هَدْيِ مَنْ كَانَ قَبْلَه، مُضِلٌّ لِمَنِ اقْتَدَى بِه فِي حَيَاتِه وبَعْدَ وَفَاتِه، حَمَّالٌ خَطَايَا غَيْرِه رَهْنٌ بِخَطِيئَتِه.

 

ورَجُلٌ قَمَشَ جَهْلًا مُوضِعٌ فِي جُهَّالِ الأُمَّةِ، عَادٍ فِي أَغْبَاشِ الْفِتْنَةِ عَمٍ بِمَا فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ، قَدْ سَمَّاه أَشْبَاه النَّاسِ عَالِماً ولَيْسَ بِه، بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْعٍ مَا قَلَّ مِنْه خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ، حَتَّى إِذَا ارْتَوَى مِنْ مَاءٍ آجِنٍ واكْتَثَرَ مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ، جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً لِتَخْلِيصِ مَا الْتَبَسَ عَلَى غَيْرِه، فَإِنْ نَزَلَتْ بِه إِحْدَى الْمُبْهَمَاتِ، هَيَّأَ لَهَا حَشْواً رَثًّا مِنْ رَأْيِه ثُمَّ قَطَعَ بِه، فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ، لَا يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ، فَإِنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ، وإِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ، جَاهِلٌ خَبَّاطُ جَهَالَاتٍ عَاشٍ رَكَّابُ عَشَوَاتٍ، لَمْ يَعَضَّ عَلَى الْعِلْمِ بِضِرْسٍ قَاطِعٍ، يَذْرُو الرِّوَايَاتِ ذَرْوَ الرِّيحِ الْهَشِيمَ، لَا مَلِيٌّ واللَّه بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْه، ولَا أَهْلٌ لِمَا قُرِّظَ بِه، لَا يَحْسَبُ الْعِلْمَ فِي شَيْءٍ مِمَّا أَنْكَرَه، ولَا يَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ مَذْهَباً لِغَيْرِه، وإِنْ أَظْلَمَ عَلَيْه أَمْرٌ اكْتَتَمَ بِه، لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِه، تَصْرُخُ مِنْ جَوْرِ قَضَائِه الدِّمَاءُ، وتَعَجُّ مِنْه الْمَوَارِيثُ إِلَى اللَّه أَشْكُو، مِنْ مَعْشَرٍ يَعِيشُونَ جُهَّالًا ويَمُوتُونَ ضُلَّالًا، لَيْسَ فِيهِمْ سِلْعَةٌ أَبْوَرُ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلَاوَتِه، ولَا سِلْعَةٌ أَنْفَقُ بَيْعاً، ولَا أَغْلَى ثَمَناً مِنَ الْكِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِه، ولَا عِنْدَهُمْ أَنْكَرُ مِنَ الْمَعْرُوفِ ولَا أَعْرَفُ مِنَ الْمُنْكَرِ"[1].


 


[1] الرضي، محمّد بن الحسن الموسوي، نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، تحقيق وتصحيح: صبحي الصالح، لا.ن، لبنان - بيروت، 1387هـ - 1967م، ط1، الخطبة رقم 17، ص59-60.

 

25


16

الدرس الأوّل: تكوّن الفرق والمذاهب

وعنه  عليه السلام - في ذمّ اختلاف العلماء في الفتيا-: "ترد على أحدهم القضيّة في حكم من الأحكام، فيحكم فيها برأيه، ثمّ ترد تلك القضيّة بعينها على غيره، فيحكم فيها بخلاف قوله، ثمّ يجتمع القضاة بذلك عند الإمام الّذي استقضاهم، فيصوّب آراءهم جميعاً وإلههم واحد! ونبيّهم واحد! وكتابهم واحد!

 

أفأمَرهم الله سبحانه بالاختلاف فأطاعوه! أم نهاهم عنه فعصوه! أم أنزل الله سبحانه ديناً ناقصاً، فاستعان بهم على إتمامه! أم كانوا شركاء له، فلهم أنْ يقولوا، وعليه أنْ يرضى! أم أنزل الله سبحانه ديناً تامّاً، فقصر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن تبليغه وأدائه! والله سبحانه يقول: ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾[1]، وفيه تبيانٌ لكلّ شيء، وذكر أنَّ الكتاب يُصدّق بعضه بعضاً، وأنَّه لا اختلاف فيه، فقال سبحانه: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾[2]، وإنّ القرآن ظاهره أنيق وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولا تُكشف الظلمات إلّا به"[3].

 


 


[1] سورة الأنعام، الآية 38.

[2] يقول تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾. سورة النحل، الآية 89.

[3] سورة النساء، الآية 82.

 

26


17

الدرس الثاني: المعتزلة

الدرس الثاني

المعتزلة

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يتعرّف إلى الأسباب التي أدّت إلى نشأة مذهب الاعتزال.

2. يتعرّف إلى أهمِّ عقائد المعتزلة.

3. يُعدِّد أهمَّ شخصيّاتهم.

 

27


18

الدرس الثاني: المعتزلة

•         تمهيد

المعتزلة بين المدارس الكلاميّة المختلفة، مدرسة فكريّة عقليّة، أعطت للعقل القسط الأوفر والسّهم الأكبر حتّى في ما لا سبيل للعقل إليه.

 

•         النشأة والتسمية

ذكروا في سبب تسمية المعتزلة بهذا الاسم أموراً، نذكر منها:

1. اعتزال الحرب مع عليّ  عليه السلام أو ضدّه

قال أبو محمّد الحسن بن موسى النوبختي، من أعلام القرن الثالث في كتابه "فرق الشيعة" عند البحث عن الأحداث الواقعة بعد مقتل عثمان: "فلمّا قُتِل، بايع الناس عليّاً، فسُمّوا الجماعة، ثمّ افترقوا بعد ذلك فصاروا ثلاث فرق: فرقة أقامت على علي بن أبي طالب  عليه السلام، وفرقة منهم اعتزلت مع سعد بن مالك، وهو سعد بن أبي وقّاص، وعبد الله بن عمر بن الخطّاب، ومحمّد بن مسلمة الأنصاري، وأُسامة بن زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّ هؤلاء اعتزلوا عن عليّ  عليه السلام، وامتنعوا عن محاربته والمحاربة معه بعد دخولهم في بيعته والرضى به، فسُمّوا المعتزلة، وصاروا أسلاف المعتزلة إلى آخر الأبد، وقالوا: لا يحلّ قتال عليّ ولا القتال معه"[1].


 


[1] النوبختي، الحسن بن موسى، فرق الشيعة، تحقيق: هبة الله بن الحسيني الشهرستاني، دار الأضواء، لبنان-بيروت، ط2، 1984م، ص5-6.

 

29


19

الدرس الثاني: المعتزلة

2. اعتزال واصل بن عطاء عن مجلس الحسن البصري

وقع الخلاف في حكم مرتكب الكبيرة، وأوجد ذلك ضجّة كبيرة في الأوساط الإسلاميّة في عصر الإمام عليّ  عليه السلاموبعده، حيث عدّ الخوارج مرتكب الكبيرة كافراً، كما عدّه غيرهم مؤمناً فاسقاً، وعدّت المرجئة مَن شهد بالتوحيد والرسالة لساناً أو جِناناً مؤمناً. وقد أخذت المسألة لنفسها مجالاً خاصّاً للبحث قروناً عدّة. وكان لها في زمن الحسن البصري دويّ خاصّ.

 

نقل الشهرستانيّ أنّه دخل شخص على الحسن البصري فقال: "يا إمام الدين! لقد ظهرت في زماننا جماعة يُكفِّرون أصحاب الكبائر، والكبيرة عندهم تُخرج عن الملّة، وهم وعيديّة الخوارج، وجماعة يُرجئون أصحاب الكبائر، ويقولون: لا تضرّ مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة، وهم مرجئة الأُمّة، فكيف تحكم لنا في ذلك اعتقاداً؟

 

فتفكّر الحسن في ذلك وقبل أنْ يُجيب، قال واصل بن عطاء: أنا لا أقول إنّ صاحب الكبيرة مؤمن مطلقاً ولا كافر مطلقاً، بل هو في منزلة بين المنزلتين، لا مؤمن ولا كافر. ثُمّ قام واعتزل إلى اسطوانة المسجد يُقرّر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن، فقال الحسن: اعتزل عنّا واصل، فسُمّي هو وأصحابه: معتزلة"[1].

 

هذا ويُطلق على المعتزلة تسميات أخرى، منها:

أ- العدليّة: لأنّهم يلتزمون بالعدل الإلهيّ.

ب- الموحِّدة: لأنّهم لا يرون قديماً إلّا اللّه سبحانه وتعالى.

 

 


[1] الشهرستاني، الملل والنحل، مصدر سابق، ج1، ص48.

 

30


20

الدرس الثاني: المعتزلة

•         أهمُّ عقائدهم

1. نيابة الذات عن الصفات (الصفات عين الذات)

يعتقد المعتزلة أنّ صفات الله تعالى عين ذاته، والقول المشهور عندهم هي نظريّة نيابة الذات عن الصفات، من دون أنْ تكون هناك صفة، وذلك لأنّهم رأوا أنّ الأمر في أوصافه سبحانه يدور بين محذورين:

أ. لو قلنا إنّ له سبحانه صفاتٍ مستقلّةً عن ذاته كالعلم، وجب الاعتراف بالتعدُّد والاثنينيّة، لأنّ واقع الصفات هو المغايرة للموصوف.

 

ب. إنّ نفي العلم والقدرة وسائر الصفات الكماليّة يستلزم النقص في ذاته أوّلاً، ويُكذِّبه إتقان آثاره وأفعاله ثانياً.

 

فللفرار من هذين المحذورين، كان انتخابهم نظريّة النيابة، وهي القول إنّ الذات نائبة مناب الصفات.

 

وخلاصة ما يراه المعتزلة في ذلك، "إنَّ الذات الإلهيّة قديمة لها صفات هي العلم والقدرة والحياة، وهذه الصفات هي الذات المقدّسة من حيث المصداق والتعدّد فقط في عالم المفاهيم والألفاظ، وجميع هذه الألفاظ تشير إلى معنى واحد، فصفات الله تعالى عين ذاته، لأنّ إثبات صفة إلى جانب الذات أو بعرض الذات إنّما يعني إثبات إلهين"[1].

 

2. نظرية الإحباط

الإحباط في عُرف المتكلّمين هو بطلان الحسنة، وعدم ترتّب ما يُتوقّع منها عليها، ويُقابله التكفير وهو إسقاط السيّئة، وعدم ترتّب الآثار عليها.


 


[1] انظر: العايش، حسين، صفات الله عند المسلمين، مؤسسة أم القرى لإحياء التراث، لبنان -بيروت، لا.ت، لا.ط، ص17.

 

31


21

الدرس الثاني: المعتزلة

والمعروف عن الإماميّة والأشاعرة هو أنّه لا تحابط بين المعاصي والطاعات والثواب والعقاب، والمعروف من المعتزلة هو التحابط، ثُمّ إنّهم اختلفوا في كيفيّته، منها: أنّ الإساءة الكثيرة تُسقط الحسنات القليلة وتمحوها بالكليّة.

 

وقيل: إن جمهور المعتزلة ذهبوا إلى أنّ الكبيرة الواحدة تحبط ثواب جميع العبادات، وهذا بخلاف قول نُفاة الإحباط، فالمطيع والعاصي يستحقّ الثواب والعقاب معاً، فيُعاقب مدّة ثمّ يخرج من النار فيثاب بالجنّة.

 

نعم، ثبت الإحباط في موارد نادرة، كالارتداد، والشرك، وقتل الأنبياء...[1].

 

3. خلود مرتكب الكبيرة في النار

اتّفقت الإماميّة على أنّ الوعيد بالخلود في النار متوجّه إلى الكفّار خاصّة دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة بالله تعالى والإقرار بفرائضه من أهل الصلاة، ووافقهم على هذا القول أصحاب الحديث قاطبة، وأجمعت المعتزلة على خلاف ذلك، وزعموا أنّ الوعيد بالخلود في النار عامّ في الكفار وجميع فُسّاق أهل الصلاة. والظاهر من القاضي عبد الجبار -وهو أحد شخصيّات المعتزلة-هو الخلود، واستدلّ بقوله سبحانه: ﴿وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ

يُدۡخِلۡهُ نَارًا خَٰلِدٗا فِيهَا﴾[2]. فالله تعالى أخبر أنّ العصاة يُعذّبون بالنار، ويخلدون فيها، والعاصي اسم يتناول الفاسق والكافر جميعاً، فيجب حمله عليهما، لأنّه تعالى لو أراد أحدهما دون الآخر لبيّنه، فلمّا لم يُبيّنه دلّ على ما ذكرناه[3].

 

4. لزوم الوفاء بالوعيد

المشهور عن المعتزلة أنّهم لا يجوّزون عفو الله سبحانه عن المسيء، لاستلزامه الخلف، حيث إنّه توعّد المذنب بالعقاب كما وعد المحسن بالمثوبة، وأنّه يجب

 

 


[1] انظر: السبحاني، جعفر، رسائل ومقالات، مؤسسة الإمام الصادق c، إيران - قم، 1419هـ، ط1، ص369-370.

[2][2] سورة النساء، الآية 14.

[3] السبحاني، رسائل ومقالات، مصدر سابق، ص370-371.

 

32


22

الدرس الثاني: المعتزلة

العمل بالوعيد، كما هو الحال في الوعد، والعقاب يجب فعله في كلّ حال، بينما الثواب لا يجب إلّا من حيث الجود[1].

 

5. الشفاعة ترفع الدرجة

لمّا ذهبت المعتزلة إلى خلود مرتكب الكبيرة في النار، وإلى لزوم العمل بالوعيد، ورأت أنّ آيات الشفاعة لو شملت الفسّاق الّذين ماتوا على الفسوق ولم يتوبوا لكانت منزلة الشفاعة منزلة من قتل ولد الغير وترصّد للآخر حتّى يقتله، فكما أنّ ذلك يقبح فكذلك هاهنا.

 

فالشفاعة عندهم هي رفع الدرجة، فخصّوها بالتائبين من المؤمنين، وصار أثرها عندهم رفع المقام لا الإنقاذ من العذاب أو الخروج منه، قال القاضي عبد الجبار: "إنّ فائدة الشفاعة رفع مرتبة المشفوع له والدلالة على منزلته من الشفيع"[2].

 

6. مرتكب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر (المنزلة بين المنزلتين)

إنّ مقترف الكبيرة عند الشيعة والأشاعرة مؤمن فاسق خرج عن طاعة الله جلّ وعلا. وهو عند الخوارج، كافرٌ كُفْر ملّة عند جميع فرقهم إلّا الإباضيّة، فهو عندهم كافرٌ كُفْر النعمة، وأمّا المعتزلة فهو عندهم في منزلة بين المنزلتين، قال القاضي: "إنّ صاحب الكبيرة له اسم بين الاسمين، وحكم بين الحكمين، لا يكون اسمه اسم الكافر، ولا اسمه اسم المؤمن، وإنما يُسمى فاسقاً، فلا يكون حكمه حكم الكافر ولا حكم المؤمن، بل يُفرد له حكم ثالث. وهذا الحكم الّذي ذكرناه هو سبب تلقيب المسألة بالمنزلة بين المنزلتين، فإنّ صاحب الكبيرة له منزلة تتجاذبها هاتان المنزلتان، فليست منزلته منزلة الكافر ولا منزلة المؤمن، بل له منزلة بينهما"[3].


 


[1]  انظر: السبحاني، رسائل ومقالات، مصدر سابق، ص371.

[2] المصدر نفسه، ص373.

[3] الهمداني، عبد الجبّار (القاضي)، شرح الأصول الخمسة، دار إحياء التراث العربي، لبنان - بيروت، ط1، 1422هـ، ص471.

 

33


23

الدرس الثاني: المعتزلة

7. التفويض في الأفعال

ذهبت المعتزلة - إلّا من شذّ، كالنجّار وأبي الحسن البصري - إلى أنّ أفعال العباد واقعة بقدرتهم وحدها على سبيل الاستقلال دون إيجاب، بل باختيار.

 

قال القاضي: "أفعال العباد لا يجوز أنْ توصف بأنّها من الله تعالى ومن عنده ومن قِبَله، وذلك واضح، فإنّ أفعالهم حدثت من جهتهم وحدثت بدواعيهم وقصودهم، واستحقوا عليها المدح والذمّ والثواب والعقاب، فلو كانت من جهته تعالى أو من عنده أو من قبله لما جاز ذلك، فإذن لا يجوز إضافتها إلى الله تعالى إلّا على ضرب من التوسّع والمجاز، وذلك بأن تفيد بالطاعات فيقال إنّها من جهة الله تعالى ومن قبله، على معنى أنّه أعاننا على ذلك، ولطف لنا، ووفقنا، وعصمنا عن خلافه"[1].

 

قال السيّد الشريف الجرجانيّ (ت 886هـ): "(وأما غيره) أي غير أبي الحسين -من المعتزلة- (فيستدل عليه) أي على أن العبد موجد لأفعاله (بوجوه كثيرة مرجعها إلى أمر واحد وهو أنه لولا استقلال العبد بالفعل) على سبيل الاختيار (لبطل التكليف) بالأوامر والنواهي لأنّ العبد إذا لم يكن موجداً لفعله مستقلاً في إيجاده لم يصح عقلاً أن يقال له أفعل كذا ولا تفعل كذا (و) بطل (التأديب) الذي ورد به الشرع إذ لا معنى لتأديب من لا يستقتل بإيجاد فعله (وارتفع المدح والذم) إذ أوليس الفعل مستند إليه مطلقاً حتى يمدح به أو يذم (و) ارتفع (الثواب والعقاب) الوارد بهما الوعد والوعيد (ولم يبق للبعثة فائدة) لأن العباد ليسوا موجودين لأفعالهم فمن أين لهم استحقاق الثواب والعقاب عليها بل هي مخلوقة لله تعالى"[2].

 


[1] الهمداني، شرح الأصول الخمسة، مصدر سابق، ص527-528.

[2] الجرجاني، علي بن محمد، شرح المواقف، مطبعة السعاد، مصر، ط1، 1907م، ج8، ص154.

 

34


24

الدرس الثاني: المعتزلة

8. الإمامة بالشورى

اتفقت الإماميّة على أنّ الإمامة بالنصّ، خلافاً للأشاعرة والمعتزلة حيث قالوا إنّها بالشورى وغيرها، ويتفرّع على ذلك أمرٌ آخر وهو: أنّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم نصّ على خليفة بالذّات عند الإماميّة، وقال الآخرون: سكت وترك الأمر شورى بين المسلمين[1].

 

قال القاضي عبد الجبّار عند البحث عن طرق الإمامة (عند المعتزلة): "إنّه العقد والاختيار"[2].

 

ومن هنا، قالت المعتزلة: إنّ عليّاً عليه السلام هو الأفضل والأحقّ بالإمامة، وإنّه لولا ما يعلمه الله ورسوله من أنّ الأصلح للمكلّفين تقديم المفضول عليه، لكان من تقدمّ عليه هالكاً. وهذا ما أشار إليه ابن أبي الحديد المعتزلي في مقدّمة شرحه لنهج البلاغة، حيث قال: "وقَدَّم (الله) المفضول على الأفضل لمصلحة اقتضاها التكليف"[3].

 

•         أهمُّ شخصيّات المعتزلة

1. واصل بن عطاء (80-131هـ)[4]

أبو حذيفة واصل بن عطاء مؤسِّس الاعتزال، المعروف بالغزّال.

قال الذهبيّ: "جالس أبا هاشم عبد الله بن محمّد ابن الحنفية (ابن الإمام عليّ  عليه السلام)، ثمّ لازم الحسن (البصري)، وكان صموتاً، وله مؤلَّف في التوحيد، وكتاب المنزلة بين المنزلتين"[5].

 

 


[1] السبحاني، جعفر، بحوث في الملل والنحل، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، إيران -قم، لا.ط، لا.ت، ج3، ص287.

[2] الهمداني، شرح الأصول الخمسة، مصدر سابق، ص511.

[3] ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله‏، شرح نهج البلاغة، تحقيق وتصحيح: محمّد أبو الفضل إبراهيم، ودار إحياء الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي وشركاه، نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي‏، إيران -قم، 1378هـ - 1959م، ط1، ج1، ص3 (مقدمة الشارح).

[4] انظر حول واصل وآراؤه: الشواشي، سليمان، واصل بن عطاء وآراؤه الكلاميّة، الدار العربيّة للكتاب، لا.ط، لا.ت؛ أيضاً: سالم، محمّد عزيز، نظمي، إبراهيم بن سيّار النظَّام والفكر النقدي في الإسلام، مؤسسة شباب الجامعة، مصر - الإسكندريّة، لا.ط، لا.ت.

[5] الذهبي، محمّد بن أحمد بن عثمان، سير أعلام النبلاء، إشراف وتحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، لبنان - بيروت، ط9، 1993م، ج5، ص464.

 

35


25

الدرس الثاني: المعتزلة

روى المبرّد قال: "حُدّثتُ أنّ واصل بن عطاء أقبل في رفقة، فأحسّوا بالخوارج، وكانوا قد أشرفوا على العطب. فقال واصل لأهل الرفقة: إنّ هذا ليس من شأنكم، فاعتزلوا ودعوني وإيّاهم، فقالوا: شأنك. فقال الخوارج له: ما أنت وأصحابك؟ قال: مشركون مستجيرون ليسمعوا كلام الله، ويُقيموا حدوده، فقالوا: قد أجرناكم، قال: فعلّمونا أحكامه، فجعلوا يُعلّمونه أحكامهم، وجعل يقول: قد قبلت أنا ومن معي، قالوا: فامضوا مصاحبين فإنّكم إخواننا، قال لهم: ليس ذلك لكم، قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾[1]، فأبلغونا مأمننا فساروا بأجمعهم حتّى بلغوا الأمن"[2].

 

2. عمرو بن عبيد (80-143هـ)[3]

الشخصيّة الثانية للمعتزلة بعد واصل بن عطاء هو عمرو بن عبيد، وكان من أعضاء حلقة الحسن البصري، مثل واصل، لكنّه التحق به بعد مناظرة جرت بينهما[4].

 

3. أبو الهذيل العلّاف (135-235هـ)[5]

أبو الهذيل محمّد بن الهذيل العبدي -نسبة إلى عبد القيس- وكان مولاهم، وكان يُلقّب بالعلّاف، لأنّ داره في البصرة كانت في العلّافين[6].

 

4. إبراهيم بن سيّار بن هانئ النظّام (160-231هـ)[7]

النظّام: هو من شخصيّات المعتزلة، ومن خرّيجي مدرسة البصرة للاعتزال، وقد ذكروا أنّه كان قويّ الذكاء.


 


[1] سورة التوبة، الآية 6.

[2] الموسوي، علي بن طاهر (الشريف المرتضى)، الأمالي، تصحيح وتعليق: السيد محمّد بدر الدين النعساني الحلبي، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، 1325هـ - 1907م، ط1، ج1، ص117.

[3] انظر: الخطيب البغدادي، أحمد بن علي، تاريخ بغداد أو مدينة السلام، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلميّة، لبنان - بيروت، ج12، ص165.

[4] انظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء، مصدر سابق، ج6، ص104.

[5] انظر: الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد أو مدينة السلام، مصدر سابق، ج4، ص136.

[6] انظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء، مصدر سابق، ج10، ص542.

[7] انظر: الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد أو مدينة السلام، مصدر سابق، ج6، ص94.

 

36


26

الدرس الثاني: المعتزلة

وقد اشتهر النظّام بمذهب الصرفة[1] في إعجاز القرآن، فقد كان يُجوِّز أنْ يقدر عليه العباد لولا أنّ الله منعهم بمنع[2].

 

ومن المعلوم أنّ تفسير إعجاز القرآن بمثل هذا باطل جدّاً، لأنّ القرآن عند المسلمين مُعجِز لكونه خارقاً للعادة لما فيه من ضروب الإعجاز في الجوانب الأربعة:

أ. الفصاحة القصوى.

ب. البلاغة العليا.

ج. النظم المخصوص.

د. الأُسلوب البديع. فقد تجاوز عن حدِّ الكلام البشريّ، ووصل إلى حدٍّ لا تكفي في الإتيان بمثله القدرةُ البشريّة.

 

5. أبو عليّ محمّد بن عبد الوهّاب الجبّائي (235-303هـ)[3]

هو أحد أئمّة المعتزلة في عصره، وإمام في الكلام، وفي كتاب "الفهرست" لابن النديم: "هو من معتزلة البصرة، ذلّل الكلام وسهّله، ويسّر ما صعب منه، وإليه انتهت رئاسة البصريّين في زمانه"[4].

 

 


[1] مذهب الصرفة: معناه أنّ عدم معارضة المخالفين، وعدم تمكنهم من الإتيان بمثل القرآن، لم يكن في الواقع وحقيقة الأمر نتيجة لفصاحة القرآن وبلاغته ولا للوجوه الأخرى للإعجاز، بل السبب الرئيس لذلك هو أنّ الله -تعالى- صَرَفَ الناس عن الإتيان بمثل هذا العمل، وسلب قدرتهم على ذلك. (انظر: معرفت، محمّد هادي، التمهيد في علوم القرآن، الحوزة العلميّة في قم المقدسة، إيران - قم، ط3، 1410هـ، ج4، ص140)

[2] انظر: الأشعري، علي بن إسماعيل (الإمام الأشعري)، مقالات الإسلامين واختلاف المصلّين، تصحيح هلموت زيتر، فرانز شتاينر، المانيا - قيسبادن، ط3، 1400هـ، ص225.

[3] انظر: ابن خالكان، أحمد بن محمّد، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، إحسان عباس، دار الثقافة، لا.ت، لا.ط، ج4، ص267.

[4] انظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء، مصدر سابق، ج14، ص183.

 

37


27

الدرس الثاني: المعتزلة

6. قاضي القضاة عبد الجبّار (324 - 415 أو 416هـ)[1]

هو عبد الجبّار بن أحمد بن عبد الجبّار الهمدانيّ الأسدآباديّ، الملقّب بقاضي القضاة، ولا يُطلق ذلك الّلقب على غيره[2].

 

7. أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (المتوفّى عام 255هـ)[3]

قال القاضي نقلاً عن "المصابيح": "وهو نسيج وحده في العلوم، لأنّه جمع إلى علم الكلام والفصاحة، العلم بالأخبار والأشعار والفقه وتأويل الكلام، وهو متقدّم في الجدّ والهزل، وله كتب في التوحيد، وإثبات النبوّة، ونظم القرآن وحدثه، وفي فضائل المعتزلة"[4].

 


[1] انظر: الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد أو مدينة السلام، مصدر سابق، ج11، ص114.

[2] انظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء، مصدر سابق، ج17، ص244.

[3] انظر: ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، دراسة وتحقيق: محمّد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا، راجعه وصححه: نعيم زرزور، دار الكتب العلميّة، لبنان - بيروت، ط1، 1992م، ج12، ص94.

[4] الأسترآبادي، عبد الجبار (القاضي عبد الجبار)، فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، تحقيق: فؤاد سيد، دار الفارابي، لبنان - بيروت، ط1، 2017م، ص258-259.

 

38


28

الدرس الثاني: المعتزلة

خلاصة الدرس

 

•         المعتزلة من الاتجاهات المذهبيّة الكلاميّة ذات النزعة العقليّة.

 

•         سُمّيت المعتزلة بهذا الاسم تبعاً لجماعة اتخذوا موقفاً حياديّاً، فلم يحاربوا مع الإمام علي  عليه السلام ولم يحاربوا ضدّه، أو لأجل اعتزال واصل بن عطاء، وهو إمام المعتزلة مجلس الحسن البصريّ.

 

•         تتمثّل أهمُّ عقائد المعتزلة في:

1. نيابة الذات عن الصفات.

2. نظريّة الإحباط، أي القول إنّ السيّئة تُبطل الحسنة.

3. خلود مرتكب الكبيرة في النار.

4. التفويض في أفعال العباد.

 

•         من أهمُّ شخصيّات المعتزلة هم:

1. واصل بن عطاء.

2. عمرو بن عبيد.

3. النظّام.

4. قاضي القضاة عبد الجبار.

5. والجاحظ.

 

39


29

الدرس الثاني: المعتزلة

الأسئلة

1. من هو مؤسّس مذهب الاعتزال؟

2. أذكر ثلاثة من عقائد مذهب الاعتزال.

3. وضّح عقيدة المعتزلة في نيابة الذات عن الصفات.

4. عدّد ثلاثة من شخصيّات المذهب المعتزليّ.

 

40


30

الدرس الثاني: المعتزلة

الأسئلة

1. من هو مؤسّس مذهب الاعتزال؟

2. أذكر ثلاثة من عقائد مذهب الاعتزال.

3. وضّح عقيدة المعتزلة في نيابة الذات عن الصفات.

4. عدّد ثلاثة من شخصيّات المذهب المعتزليّ.

 

40


30

الدرس الثالث: الأشاعرة

مطالعة

 

 

مناظرة هشام مع المعتزلة حول الإمامة

عن يونس بن يعقوب قال: "كان عند أبي عبد الله  عليه السلامجماعة من أصحابه، منهم حمران بن أعين، ومحمّد بن النعمان، وهشام بن سالم، والطيّار، وجماعة فيهم هشام بن الحكم وهو شابٌّ، فقال أبو عبد الله  عليه السلام: يا هشام، ألا تُخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد، وكيف سألته؟ فقال هشام: يابن رسول الله، إنّي أُجلّك وأستحييك، ولا يعمل لساني بين يدَيك، فقال أبو عبد الله  عليه السلام: إذا أمرتكم بشيء فافعلوا.

 

قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة، فعظُم ذلك عليّ، فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة، فأتيت مسجد البصرة، فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد وعليه شملة سوداء متّزر بها من صوف، وشملة مرتد بها والناس يسألونه، فاستفرجت الناس، فأفرجوا لي، ثمّ قعدت في آخر القوم على ركبتي، ثمّ قلت: أيُّها العالم، إنّي رجل غريب، تأذن لي في مسألة؟ فقال لي: نعم، فقلت له: ألك عين؟ فقال: يا بُنيّ، أيّ شيء هذا من السؤال؟ وشيء تراه كيف تسأل عنه؟ فقلت: هكذا مسألتي، فقال: يا بُنيّ سل وإنْ كانت مسألتك حمقاء، قُلت: أجبني فيه، قال لي: سل، قُلت: ألك عين؟ قال: نعم، قُلت: فما تصنع بها؟ قال: أرى بها الألوان والأشخاص، قُلت: فلك أنف؟ قال: نعم، قُلت: فما تصنع به؟ قال: أشمّ به الرائحة، قُلت: ألك فم؟ قال: نعم، قُلت: فما تصنع به؟ قال: أذوق به الطعم، قُلت: فلك أذن؟ قال: نعم، قُلت: فما تصنع بها؟ قال: أسمع بها الصوت، قُلت: ألك قلب؟ قال: نعم، قُلت: فما تصنع به؟ قال: أُميِّز به كلّ ما ورد على هذه الجوارح والحواسّ، قُلت: أوليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ فقال: لا، قُلت: وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة، قال: يا بُنيّ إنّ

 

41

 


31

الدرس الثاني: المعتزلة

الجوارح إذا شكّت في شيء شمّته أو رأته أو ذاقته أو سمعته، ردّته إلى القلب، فيستيقن اليقين ويُبطل الشك، قال هشام: فقُلت له: فإنّما أقام الله القلب لشكّ الجوارح؟ قال: نعم، قُلت: لا بُدّ من القلب وإلّا لم تستيقن الجوارح؟ قال: نعم، فقلت له: يا أبا مروان، فالله تبارك وتعالى لم يترك جوارحك حتّى جعل لها إماماً يُصحّح لها الصحيح ويتيقّن به ما شكّ فيه، ويترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم، لا يُقيم لهم إماماً يردّون إليه شكّهم وحَيْرتهم، ويُقيم لك إماماً لجوارحك تردّ إليه حَيْرتك وشكّك؟! قال: فسكت ولم يقل لي شيئاً. ثُمّ التفت إليّ، فقال لي: أنت هشام بن الحكم؟ فقلت: لا، قال: أمن جُلسائه؟ قُلت: لا، قال: فمن أين أنت؟ قال: قلت: من أهل الكوفة، قال: فأنت إذاً هو، ثُمّ ضمّني إليه، وأقعدني في مجلسه، وزال عن مجلسه، وما نطق حتّى قُمت، قال: فضحك أبو عبد الله  عليه السلام، وقال: يا هشام، مَن علّمك هذا؟ قُلت: شيء أخذته منك وألّفته، فقال: هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام"[1].

 


[1] المجلسي، محمّد باقر بن محمّد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار عليهم السلام، مؤسسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403هـ - 1983م، ط2، ج23، ص7.

 

 

42

 


32

الدرس الثالث: الأشاعرة

الدرس الثالث

 

الأشاعرة

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يتعرّف إلى مؤسس المذهب الأشعري.

2. يتعرّف إلى نشأة الأشاعرة.

3. يُعدِّد أهمَّ عقائدهم وشخصيّاتهم.

 

43


33

الدرس الثالث: الأشاعرة

•         النشأة والظهور

ترجع بدايات نشأة الأشاعرة إلى فرقة أهل الحديث، وهم الّذين تعبّدوا بظواهر الآيات والروايات من دون غور في مفاهيمها، أو دقّة في أسنادها، وكانوا يُشكّلون الأكثريّة الساحقة بين المسلمين، وكثُرت فيهم المشبِّهة والمجسِّمة، والمثبتون لله سبحانه علوّاً وتنقّلاً وحركةً وأعضاءً، كاليد والرجل والوجه!

 

ولمّا تسلّم المتوكِّل مقاليد الحكم، أمر بنشر منهج أهل الحديث بقوّة وحماسة، وتبعه غيره من العبّاسيّين في دعم مقالتهم، وتضييق الأمر على أهل الاعتزال، وقد كان الأمر على هذا المنوال إلى عصر أبي الحسن الأشعريّ (260-324هـ) الّذي كان معتزليّاً، ثمّ صار من زمرة أهل الحديث، فكانت السلطة تُسايرهم وتوافقهم.

 

وقد كوّن الأشعريّ برجوعه عن الاعتزال إلى مذهب أهل الحديث منهجاً كلاميّاً، له أثره الخاصّ إلى يومنا هذا بين أهل السنّة، فمذهبه الكلاميّ هو المذهب السائد بينهم في أكثر الأقطار.

 

•         مَن هو الأشعريّ المؤسِّس للمذهب

هو أبو الحسن عليّ بن إسماعيل بن إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعريّ.

 

 

45

 

 


34

الدرس الثالث: الأشاعرة

وأما جدّه - أبو موسى الأشعريّ - فقد عُيِّن من جانب الإمام عليّ  عليه السلام حكماً، كما عُيِّن عمرو بن العاص من جانب معاوية حكماً، ليقضيا في أمر الفرقتين بما وجدا في كتاب الله، وإنْ لم يجدا في كتاب الله فليرجعا إلى السنّة.

 

فكانت نتيجة ذلك - بعد خدعة من عمرو بن العاص - أنّه خلع عليّاً  عليه السلامعن الخلافة، وأثبت عمرو بن العاص معاويةَ في الخلافة، وكأنّه وجد دليلاً في الكتاب والسنّة على عدم صلاحيّة الإمام للخلافة، وذاك وجد دليلاً حاسماً على صلاحيّة معاوية[1]!

 

أمّا الأشعريّ الحفيد، فقد تخرّج في كلام المعتزلة على أبي عليّ الجبائيّ، وهو محمّد بن عبد الوهّاب بن سلام من معتزلة البصرة[2].

 

ولكنّه تراجع عن مذهب المعتزلة، وذكروا أسباباً متعدِّدة لبيان سبب رجوعه، وممّا ذُكر: أنّه رجع عن ذلك لأسبابٍ سياسيّة تتّصل بالضغط الّذي مارسته السلطة العبّاسيّة على أتباع مدرسة الاعتزال، وذلك لأنّ الأشعريّ قد مارس علم الكلام على مذهب الاعتزال مدّة مديدة، وبرع فيه إلى أوائل العقد الخامس من عمره، وعند تلك السنّ تكون عقيدة الاعتزال صورة راسخة وملكة متأصِّلة في نفسه، فمن المشكل جدّاً أنْ ينخلع الرجل دفعة واحدة عن كلّ ما تعلَّم وعلَّم، وناظر وغَلب أو غُلب، وينخرط في مسلك يُضادّ ذلك ويُغايره بالكليّة. نعم، نتيجة بروز الشكّ والتردُّد هي عدوله عن بعض المسائل وبقاؤه على مسائل أُخر، وأمّا العدول دفعة واحدة عن جميع ما مارسه وبرع فيه، والبراءة من كلّ ما يمتُّ إلى منهج الاعتزال بصلة، فلا يُمكن أنْ يكون أمراً حقيقيّاً جديّاً من جميع الجهات، فالنتيجة أنّ تركه مذهب الاعتزال ما هو إلّا نتاجٌ للرياح السياسيّة الضاغطة في ذلك الوقت.


 


[1]  انظر: المنقري، نصر ابن مزاحم، وقعة صفين، تحقيق وشرح: عبد السلام محمّد هارون، المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع - القاهرة، 1382هـ، ط2، ص505.

[2] انظر: ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، مصدر سابق، ج14، ص30؛ أيضاً: الأشقر، عمر سليمان، معتقد الإمام أبو الحسن الأشعري ومنهجه، دار النفائس، الأردن -عمان، ط1، 1994م، ص14.

 

46


35

الدرس الثالث: الأشاعرة

•         أهمُّ عقائدهم

1. الاعتماد على العقل

كانت المعتزلة تعتمد على العقل في المسائل الكلاميّة، ويؤوّل علماؤها النصوص القرآنيّة عندما يجدونها مخالفة لآرائهم -بزعمهم- ولا يكادون يعتمدون على السنّة، ولأجل ذلك نرى أنّهم أوّلوا الآيات الكثيرة الواردة حول الشفاعة -الدالّة على غفران الذنوب بشفاعة الشافعين- بأنّ المراد رفع درجات الصالحين بشفاعة الشفعاء، لا غفران ذنوب الفاسقين.

 

وكان المحدّثون يرون الكتاب والسنّة مصدراً للعقائد، ويُنكرون العقل ورسالته في مجالها، ولم يُعدّوه من أدوات المعرفة في الأُصول، فكيف في الفروع، ولا شكّ في أنّ هذا خسارة كبيرة لا تُجبر.

 

وقد جاء الأشعريُّ بمنهج معتدل بين المنهجين، وقد أعلن أنّ المصدر الرئيس للعقائد هو الكتاب والسنّة، وفي الوقت نفسه خالف أهل الحديث بذكاء خاصّ عن طريق استغلال البراهين العقليّة والكلاميّة على ما جاء في الكتاب والسنّة.

كان أهل الحديث يُحرّمون الخوض في الكلام، وإقامة الدلائل العقليّة على العقائد الإسلاميّة، ويكتفون بظواهر النصوص والأحاديث، ولكنّ الأشعريّ بعد براءته من الاعتزال، وجنوحه إلى منهج أهل الحديث، كتب رسالة خاصّة في استحسان الخوض في الكلام.

 

2. أفعال العباد مخلوقة لله عزَّ وجلَّ، ونظريّة الكسب

إنّ من آراء الأشعريّ، عموم إرادة الله سبحانه لكلّ شيء، ويُعدُّ ذلك من المسائل الرئيسة في مذهبه، وحاصله: أنّ كلّ ما في الكون من جواهر وأعراض حتّى الإنسان وفعله، مراد لله سبحانه، تعلّقت إرادته بوجوده، وليس شيء في صفحة الوجود خارجاً عن سلطان إرادته، ولا يقع شيء من صغير وكبير إلّا بإرادة منه سبحانه.

 

47

 


36

الدرس الثالث: الأشاعرة

وهذا الأمر أدّى به إلى أنْ يلتزم بأنّ الأفعال الصادرة عن الإنسان بإرادة منه، كالإيمان والكفر والطاعات والمعاصي، فهي تحت الإرادة الإلهيّة، فإذاً هو مجبر على فعلها، غير مختار لها بتمام معنى الكلمة.

 

ولذا، خرج الأشعريّ بنظريّة جديدة للفرار من مشكلة الثواب والعقاب على الفعل المجبر عليه الإنسان، وهي نظرية الكسب، فقال: الله هو الخالق، والعبد هو الكاسب، وملاك الطاعة والعصيان، والثواب والعقاب هو "الكسب" دون الخلق، فكلّ فعل صادر عن كلّ إنسان مريد، يشتمل على جهتين: "جهة الخلق" و"جهة الكسب"، فالخلق والإيجاد منه سبحانه، والكسب والاكتساب من الإنسان[1].

 

3. رؤية الله بالأبصار في الآخرة

ذهب الأشعريّ إلى أنّ الله عزَّ وجلَّ موجود، وكلّ موجود يصحُّ أنْ يُرى.

فقال في كتابه "الإبانة": "وندين بأنَّ الله تعالى يُرى في الآخرة بالأبصار، كما يُرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون"[2].

 

واستدل لإثبات ذلك ببعض الآيات، نحو قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾[3]. والأشاعرة ترى أنّ الأصل حمل النصوص على الحقيقة، فلا بُدَّ من حمل هذه الآيات على معناها الحقيقيّ.

 

4. إنكار الحسن والقبح العقليّين

يرى الأشاعرة أنّ الحسَنَ هو ما يفعله الله عزَّ وجلَّ، والقبيح هو ما لا يفعله، أي أنّ الله له أنْ يُعذِّب الأطفال في الآخرة، ويكون في فعله ذلك عادلاً، كما أنّ له أنْ يُدخل المؤمنين النار، ويُدخل الكافرين الجنّة، لأنّه المالك لكلِّ شيء، ولا يوصف أيُّ فعل بالقبح حتّى يتركه[4].


 


[1] انظر: علي بن إسماعيل، الأشعري (الشيخ الأشعري)، الإبانة عن أصول الديانة، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظاميّة، حيدر آباد، الهند، ط1، لا.ت، ص61-60.

[2] الشيخ الأشعري، الإبانة عن أصول الديانة، مصدر سابق، ص9-10.

[3] سورة القيامة، الآيتان 22 – 23.

[4] انظر: الشيخ الأشعري، الإبانة عن أصول الديانة، مصدر سابق، ص72.

 

48


37

الدرس الثالث: الأشاعرة

ويلاحظ عليه: أولاً، أنّه إذا رأى الأشعريّ طفله يُعذّب في الآخرة بألوان العذاب، دون ذنبٍ اقترفه أو جريرة أقدم عليها، أو عُذِّب بنفسه من الباري سبحانه وهو مؤمنٌ بالله غير مستحقّ للعقاب، هل يجد ذلك عين العدل، أم أنّه في قرارة نفسه يجده أمراً منكراً؟

 

وثانياً، هم افترضوا هذه النظريّة لاعتقادهم أنّ حكم العقل بالحسن والقبح حكم على الله وسطوةٌ عليه سبحانه، وبالتالي أنكروه، لكنّ الصحيح أنّ الله سبحانه وضع وجعل قدرة التمييز بين الحسن والقبح في العقل، غاية الأمر أنّ العقل كاشف عن الحُسن والقبح، وليس فارضاً له على الله عزَّ وجلَّ.

 

فالله قادر على فعل القبح، ولكنّه لا يفعله، لأنّه حكيم، والحكيم لا يصدر عنه إلّا كلّ فعل حسن[1].

 

5. كلام الله سبحانه وتعالى

أجمع المسلمون، تبعاً للكتاب والسنّة، على كونه سبحانه مُتكلِّماً، وقد قيل إنّ البحث في كلامه سبحانه أوّل مسألة طُرحت على بساط المناقشات في تاريخ علم الكلام، وإنْ لم يكن ذلك أمراً قطعيّاً، بل ثبت خلافه. وقد شغلت تلك المسألة بال العلماء والمفكّرين الإسلاميّين في عصر الخلفاء، وحدثت بسببها مشاجرات، بل مصادمات دامية ذكرها التاريخ وسجّل تفاصيلها، وخاصّة في قضيّة ما يُسمّى بـ "محنة خلق القرآن"[2]، وقد كان الخلفاء هم الّذين يُروِّجون البحث عن هذه المسألة ونظائرها حتّى ينصرف المفكّرون عن نقد أفعالهم وانحرافاتهم.

 

 


[1] انظر: السبحاني، جعفر، المذاهب الإسلاميّة، دار الولاء، لبنان - بيروت، ط2، 2005م، ص54-55.

[2] انظر: الطبري، محمّد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري)، مراجعة وتصحيح وضبط: نخبة من العلماء الأجلاء، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1403هـ - 1983م، ط4، ج7، ص205 وما بعد.

 

49


38

الدرس الثالث: الأشاعرة

•         محلّ الخلاف

ثمّ إنّ الخلاف في كلامه سبحانه واقع في موضعين:

الأوّل: ما هي حقيقة كلامه سبحانه؟ وهل هو من صفات ذاته، كالعلم والقدرة والحياة، أم من صفات فعله، كالإحياء والإماتة والخلق والرزق، إلى غير ذلك من الصفات الفعليّة؟

 

الثاني: هل هو قديم أم حادث، مخلوق أم غير مخلوق؟ والاختلاف في هذا المقام من نتائج الاختلاف في الموضع الأوّل.

فذهب أبو الحسن الأشعريّ إلى كونه من صفات الذات، لا بالمعنى الّذي تتبنّاه الحنابلة، بل بمعنى آخر، وهو القول بالكلام النفسيّ القائم بذات المتكلّم[1].

 

توضيحه

في مورد كلِّ كلام صادرة عن أيّ متكلِّم -خالقاً كان أو مخلوقاً- وراء العلم في الجمل الخبريّة، ووراء الإرادة والكراهة في الجمل الإنشائية، معانٍ قائمة بنفس المتكلّم، وهو الكلام النفسيّ، يتبع حدوثه وقدمه، حدوث المتكلّم وقدمه.

 

وقال أبو الحسن الأشعريّ: ونقول إنّ القرآن كلام الله غير مخلوق، وإنّ من قال بخلق القرآن فهو كافر.

 

قال الأشعريّ: وممّا يدلّ من كتاب الله على أنّ كلامه غير مخلوق، قوله عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّمَا قَوۡلُنَا لِشَيۡءٍ إِذَآ أَرَدۡنَٰهُ أَن نَّقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ﴾[2]، فلو كان القرآن مخلوقاً لوجب أن يكن مقولاً له: "كن فيكون"[3].

 

ويلاحَظ عليه: إنّ الاستدلال مبنيّ على كون الأمر بالكون في الآية أمر لفظيّ


 


[1] انظر: الشيخ الأشعري، الإبانة عن أصول الديانة، مصدر سابق، ص42-24.

[2] سورة النحل، الآية 40.

[3] انظر: الشيخ الأشعري، الإبانة عن أصول الديانة، مصدر سابق، ص24.

 

50


39

الدرس الثالث: الأشاعرة

مؤلّف من حروف وأصوات، وأنّه سبحانه يتوسّل عند خلق السماوات والأرض باللفظ، فيخاطب المعدوم بكلمة "كُنْ". ولا شكّ في أنَّ هذا الاحتمال باطل، إذ لا معنى لخطاب المعدوم، وحقيقة الموضوع أنّ الأمر في الآية أمرٌ تكوينيّ معبّر عن الإرادة لإيجاد الشيء، ويفسّر أمير المؤمنين  عليه السلام الأمر التكوينيّ بقوله: "يَقُولُ لِمَنْ أَرَادَ كَوْنَه كُنْ فَيَكُونُ، لَا بِصَوْتٍ يَقْرَعُ ولَا بِنِدَاءٍ يُسْمَعُ، وإِنَّمَا كَلَامُه سُبْحَانَه فِعْلٌ مِنْه أَنْشَأَه ومَثَّلَه، لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ كَائِناً، ولَوْ كَانَ قَدِيماً لَكَانَ إِلَهاً ثَانِياً"[1].

 

•         أهمُّ شخصيّات المذهب الأشعريّ

1. القاضي أبو بكر الباقلاني (المتوفّى 403هـ)[2]

هو أبو بكر محمّد الطيّب بن محمّد القاضي المعروف بابن الباقلاني، وليد البصرة وساكن بغداد.

 

والباقلاني نسبه إلى الباقلاء (الفول).

 

ويظهر من فهرست تآليفه أنّه كان غزير الإنتاج، وكثير التأليف، فقد ذُكِر له اثنان وخمسون كتاباً، غير أنّه لم يصل إلينا من هذه إلّا بعضها، ككتاب إعجاز القرآن.

 

2. أبو منصور عبد القاهر البغداديّ (المتوفّى 429هـ)[3]

أبو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمّد البغداديّ، أحد العلماء البارزين في معرفة الملل والنحل، وكتابه "الفَرق بين الفِرق" من الكتب المعروفة في هذا المجال، ويُعدّ سنداً وثيقاً لمعرفة المذاهب الإسلاميّة.


 


[1] الشريف الرضي، نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح، مصدر سابق، ص274 (الخطبة 186).

[2] انظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء، مصدر سابق، ج17، ص190.

[3] انظر: المصدر نفسه، ص572.

 

51


40

الدرس الثالث: الأشاعرة

3. إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجوينيّ (419-478هـ)[1]

هو عبد الملك ابن الشيخ أبي محمّد عبد الله بن أبي يعقوب الجوينيّ.

وهو المعروف بالفقيه الشافعي، ولد في جوين (من نواحي نيسابور)، له رسالة اسمها: النظاميّة.

 

4. حجّة الإسلام الإمام الغزّاليّ (450-505هـ)[2]

الإمام زين الدين حجّة الإسلام أبو حامد محمّد بن محمّد بن محمّد بن أحمد الطوسيّ الشافعيّ، تتلمذ على إمام الحرمين، ثمّ ولّاه نظام الملك التدريس في مدرسته ببغداد.

 

5. أبو الفتح محمّد بن عبد الكريم الشهرستانيّ (479-548هـ)[3]

الشهرستانيّ، أحد المهتمّين بدراسة المذاهب والشرائع، ويُعدّ شخصيّة ثالثة بين الأشاعرة في معرفة الملل والنِّحل.

 

6. الفخر الرازي (543-606هـ)[4]

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيميّ البكريّ، أصله من طبرستان، ومولده في الريّ، وإليها نسبته، ولد فيها سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة، وتوفّي في "هراة" من نواحي خراسان سابقاً، وهي في أفغانستان اليوم سنة ست وستمائة.

 

إنّ الرازي كان كثير الإنتاج، وقد طُبِع قسم من آثاره، نذكر منها ما له صلة بالموضوع[5]:

أ. "أسماء الله الحسنى"، وهو المسمّى "لوامع البيّنات"، وهو كتاب يُفسِّر الأسماء بين التشبيه والتعطيل.

 

 


[1] انظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء، مصدر سابق، ج18، ص 468.

[2] انظر: المصدر نفسه، ج19، ص323.

[3] انظر: المصدر نفسه، ج20، ص287.

[4] انظر: السبكي، عبد الوهّاب بن علي، طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق: محمود محمّد الطناحي - عبد الفتاح محمّد الحلو، دار إحياء الكتب العربية -فيصل عيسى البابي الحلبي، لا.ت، لا.ط، ج8، ص81.

[5] انظر: المصدر نفسه، ص87.

 

52


41

الدرس الثالث: الأشاعرة

ب. "مفاتيح الغيب" في ثماني مجلّدات كبار في تفسير القرآن الكريم، وهو مشحون بالأبحاث الكلاميّة في مختلف الأبواب، ويُناضل فيه المعتزلة، وينصر الأشاعرة، ويردّ فيه على سائر الطوائف، وله مع الشيعة الإماميّة في الكتاب مواقف تحكي عن عناده ولجاجه.

 

ج. "محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين من العلماء والحكماء والمتكلّمين"، وقد لخّصه المحقّق الطوسيّ وأسماه "تلخيص المحصّل"، ونقد منهجه في كثير من الموارد، وقد طُبع حديثاً أيضاً.

 

د. "المباحث المشرقيّة" في جزءين، جمع فيه آراء الحكماء والسالفين ونتائج أقوالهم، وأجاب عنها.

 

53


42

الدرس الثالث: الأشاعرة

خلاصة الدرس

 

•         ترجع بدايات الأشاعرة إلى أهل الحديث، إلّا أنّ أهل الحديث كانوا لا يعتمدون على العقل إطلاقاً، وأمّا الأشاعرة فقد اعتمدوا على الأدلّة العقليّة في علم الكلام، مضافاً إلى السنّة.

 

•         أدّى الدعم السياسيّ السلطويّ لمذهب الأشاعرة إلى انتشار هذا المذهب، وهو ما يُدين به المسلمون من أهل السنّة بشكل عامّ في عالمنا المعاصر.

 

•         أهمُّ عقائد الأشاعرة:

1 - الاعتماد على العقل مقابل أهل الحديث.

2 - نسبة الصفات إلى الله، كاليد والرجل، ولكن دون كيف.

3 - نظريّة (الكسب)، وأنّ أفعال العباد مخلوقة من الله عزَّ وجلَّ.

4 - رؤية الله بالأبصار في الآخرة.

5 - إنكار الحسن والقبح العقليّين.

6 - إنّ كلام الله قديم وليس مخلوقاً.

 

•         أهمُّ شخصيّات الأشاعرة:

1. القاضي أبو بكر الباقّلانيّ.

2. أبو منصور عبد القاهر البغداديّ.

3. عبد الملك بن عبد الله الجوينيّ.

4. الإمام الغزالي.

5. محمّد بن عبد الكريم الشهرستانيّ.

6. الفخر الرازي.

 

54

 


43

الدرس الثالث: الأشاعرة

الأسئلة

 

 

1. من هو مؤسّس المذهب الأشعريّ؟

2. اذكر ثلاثة من عقائد المذهب الأشعريّ.

3. وضّح عقيدة الأشاعرة في كلام الله تعالى.

4. عدّد ثلاثة من شخصيّات المذهب الأشعريّ.

 

55


44

الدرس الثالث: الأشاعرة

مطالعة

 

مناظرات الأشعريّ مع الجبائيّ قبل رجوعه عنه

إنّ الأشعريّ هو خرّيج منهج المعتزلة، وتلميذ شيخها أبي عليّ الجبائيّ، ومع ذلك ينقل ابن عساكر عن أحمد بن الحسين المتكلّم أنّه قال: سمعت بعض أصحابنا يقول: إنّ الشيخ أبا الحسن (الأشعريّ) لمّا تبحّر في كلام الاعتزال وبلغ غايته، كان يورد الأسئلة على أُستاذه في الدرس ولا يجد جواباً شافياً، فيتحيّر في ذلك، وقد حفظ التاريخ بعض مناظراته مع أُستاذه أبي عليّ الجبائيّ، منها:

الأشعريّ: أتوجب على الله رعاية الصلاح أو الأصلح في عباده؟

أبو عليّ: نعم.

الأشعريّ: ما تقول في ثلاثة إخوة: أحدهم كان مؤمناً برّاً تقيّاً، والثاني كان كافراً فاسقاً، والثالث كان صغيراً، فماتوا، كيف حالهم؟

 

الجبائيّ: أمّا الزاهد ففي الدرجات، وأمّا الكافر ففي الدركات، وأمّا الصغير ففي أهل السلامة.

 

الأشعريّ: إنْ أراد الصغير أنْ يذهب إلى درجات الزاهد، هل يؤذن له؟

 

الجبائيّ: لا، لأنّه يُقال له: إنّ أخاك إنّما وصل إلى هذه الدرجات بسبب طاعاته الكثيرة، وليس لك تلك الطاعات.

الأشعريّ: فإنْ قال ذلك الصغير: التقصير ليس منّي، فإنّك ما أبقيتني ولا أقدرتني على الطاعة.

 

56

 

 


45

الدرس الثالث: الأشاعرة

الجبائيّ: يقول الباري جلّ وعلا: كنت أعلم أنّك لو بقيت لعصيت، وصرت مستحقّاً للعذاب الأليم، فراعيت مصلحتك.

 

الأشعريّ: لو قال الأخ الكافر: يا إله العالمين، كما علمت حاله فقد علمت حالي، فلم راعيت مصلحته دوني؟

الجبائي: إنّك مجنون.

 

الأشعريّ: لا، بل وقف حمار الشيخ في العقبة[1]!!

 

 


[1] السبحاني، بحوث في الملل والنحل، مصدر سابق، ج2 ص16.

 

 

57


46

الدرس الرابع: السلفيـَّة وأهل الحديث

الدرس الرابع

 

السلفيـَّة وأهل الحديث

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يفهم معنى السلفيّة.

2. يتعرّف إلى مبدأ نشوء السلفيّة وتطوّرها.

3. يُعدِّد أهمَّ عقائد السلفيّة.

 

59


47

الدرس الرابع: السلفيـَّة وأهل الحديث

•         تمهيد

السلفيّة مأخوذة من مفردة (سَلَف)، والسلف هم جماعة الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، حيث تُعدُّ اجتهاداتهم في الأصول والفروع أسوة للآخرين، ويجب التمسُّك بها[1]. ويعتمد أتباع السلفيّة على رواية رواها عبد الله بن مسعود عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "خير الناس قرني، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته"[2].

 

فالسلفيّة على أساس هذه الرواية، تعتمد على أقوال السلف واجتهاداتهم، ولا يخرجون عنها أبداً، ولذا سمّوا بـ (الخيريّة) لهذه الرواية أيضاً.

 

ومن الحنابلة تفرّعت السلفيّة أتباع ابن تيمية أحمد بن عبد الحليم (ت: 728ه‍). ومن السلفيّة تفرّعت الوهّابيّة أتباع محمّد بن عبد الوهّاب (ت: 1206هـ).

 

•         تجديد الدعوة السلفيّة في القرن الثامن

لقد اهتمَّ بعض الحنابلة، ومنهم أحمد ابن تيمية الحرّاني الدمشقيّ (المتوفّى

 


[1] انظر: رمضان البوطي، محمّد سعيد، السلفيّة مرحلة زمنيّة مباركة لا مذهب إسلامي، دار الفكر، سوريا - دمشق، ط1، 1990م، ص11.

[2] البخاري، أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل، صحيح البخاري، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لا.م، 1401هـ - 1981م، لا.ط، ج3، ص151.

 

 

61


48

الدرس الثالث: الأشاعرة

عام 728هـ)، بإحياء مذهب السلفيّة على المفهوم الّذي كان رائجاً في عصر الإمام أحمد وقبله وبعده إلى ظهور الأشعريّ، فأصرّ على إبقاء أحاديث التشبيه والجهة على حالها من دون توجيه وتصرُّف، وهاجم التأويلات الّتي ذكرها بعض الأشاعرة في كتبهم حول تلك الأحاديث، ولكنّه لم يكتفِ بمجرّد الإحياء، بل أدخل في عقائد السلف أُموراً لا ترى منها أثراً في كتبهم، فعدَّ السفر لزيارة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بدعة وشركاً، كما عدّ التبرّك بآثارهم والتوسّل بهم شيئاً يُضادّ التوحيد في العبادة. وقد ضمّ إلى ذينك الأمرين شيئاً ثالثاً، وهو إنكار الكثير من الفضائل الواردة في آل البيت عليهم السلام، المرويّة في الصحاح والمسانيد حتّى في مسند إمامه أحمد، وبذلك جدّد الفكرة السلفيّة الخاصّة المتبلورة في الفكرة العثمانيّة التي تعتمد على التنقيص من شأن عليٍّ  عليه السلام، وإشاعة بغضه وعناده.

 

•         الدعوة السلفيّة في القرن الثاني عشر

جاء الدهر بمحمّد بن عبد الوهّاب النجديّ في القرن الثاني عشر (1115-1206هـ)، فحذا حذو ابن تيميّة، وأخذ وتيرته، واتّبع طريقته، فأحيا ما دثره الدهر، ودعا إلى السلفيّة من جديد، غير أنّه اتّخذ ما أضافه ابن تيميّة إلى عقائد السلف ممّا لا يرتبط بمسألة التوحيد والشرك، كالسفر لزيارة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، والتبرُّك بآثاره، والتوسّل به، وبناء القبّة على قبره، قاعدة أساسيّة لدعوته، ولم يهتمّ في تآلفيه بمسألة التشبيه، وإثبات الجهة والفوق.

 

•         أهمُّ عقائدهم

1. إجماع الصحابة وعدالتهم

ذهب ابن تيميّة إلى أنّ الصحابة لا يجتمعون على الخطأ، وقولهم كقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لا يحتمل الخطأ، لهذا جعل قولهم بمثابة قول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وفي هذا المجال يقول ابن تيميّة: "وَذَلِكَ أَنَّ إجْمَاعَهُمْ لَا يَكُونُ إلَّا مَعْصُوماً، وَإِذَا تَنَازَعُوا

 

 

62

 


49

الدرس الرابع: السلفيـَّة وأهل الحديث

فَالْحَقُّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ، فَيُمْكِنُ طَلَبُ الْحَقِّ فِي بَعْضِ أَقَاوِيلِهِمْ، وَلَا يُحْكَمُ بِخَطَأِ قَوْلٍ مِنْ أَقْوَالِهِمْ حَتَّى يَعْرِفَ دَلَالَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى خِلَافِهِ"[1]. وعليه، فإنّ علينا الرجوع إلى فَهم الصحابة من السلف، فنأخذ بما اتّفقوا وأجمعوا عليه، ونقف على ما اختلفوا فيه، فيكون فهمهم حجّة علينا.

 

ويستدلّ بعضهم على عدالة الصحابة بما يروون عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أصحابي كالنجوم، بأيّهم اقتديتم اهتديتم"[2]. وهذا الحديث لا يصحّ عند أهل السنّة أنفسهم[3].

 

وقد أخرج البخاري في حديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أنا فرطكم على الحوض، وليرفعنّ رجال منكم ثمّ ليختلجنّ دوني، فأقول: يا ربّ أصحابي، فيُقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك"[4].

 

مع العلم أنّه وفي أثناء حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يوجد تكتّل كبير وقويّ يُعرف بالمنافقين، وهؤلاء من الصحابة الّذين شاهدوا وعاصروا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وهل يعقل أن يكون هؤلاء من المعصومين عن الخطأ، ومن الّذين يُؤخذ بحديثهم؟

 

وقد حدّثنا القرآن عن نوعين من المنافقين:

أ. المنافقون المعروفون: المنافقون المعروفون بالنفاق، الّذين نزلت في حقّهم سورة المنافقين، قال سبحانه: ﴿إِذَا جَآءَكَ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ قَالُواْ نَشۡهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُۥ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَكَٰذِبُونَ﴾[5].


 


[1] ابن تيميّة، أحمد (ابن تيمية)، مجموعة الفتاوى، طبعة الشيخ عبد الرحمن بن قاسم، لا.ن، لا.م، لا.ت، ج13، ص24.

[2] ذكره المتقي الهندي ولكن بلفظ: "إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء فأيها أخذتم اهتديتم". المتقي الهندي، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، مصدر سابق، ج1، ص199.

[3] انظر: ابن عبد البر النمري، يوسف بن عبد الله، جامع بيان العلم وفضله، دار الكتب العلمية، 1398، لا.ط، ج2، ص90.

[4] البخاري، صحيح البخاري، مصدر سابق، ج7، ص206.

[5] سورة المنافقون، الآية 1.

 

63


50

الدرس الرابع: السلفيـَّة وأهل الحديث

فهذه الآيات تُعرِب بوضوح عن وجود كتلة قويّة من المنافقين بين الصحابة آنذاك، وكان لهم شأن، فنزلت سورة قرآنيّة كاملة في حقّهم.

 

ب. المنافقون المختفون: تدلّ بعض الآيات على أنّه كانت بين الأعراب القاطنين خارج المدينة ومن أهل المدينة أنفسهم، جماعة مَرَدوا على النفاق، وكان النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لا يعرف بعضهم، ومن تلك الآيات قوله سبحانه: ﴿وَمِمَّنۡ حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مُنَٰفِقُونَۖ وَمِنۡ أَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعۡلَمُهُمۡۖ نَحۡنُ نَعۡلَمُهُمۡۚ﴾[1].

 

ثمّ إنّ التاريخ يُحدِّثنا عن أخطاء وقع فيها بعض الصحابة، وعن حروب نشبت بينهم، وهذا يدلُّ على أنّ الصحابة يُخطئون، وإلّا لما اختلفوا.

 

2. التجسيم

وصف ابن تيميّة الله عزَّ وجلَّ وصفاً دقيقاً كمن قد رآه بالعين المجرَّدة، ونسب إليه صفاتٍ وتشابيه هي صفات المخلوقين، فجوّز على الله جلّ وعلا الانتقال والنزول، والصعود والاستقرار والتمكّن، وله جوارح وأعضاء من يدٍ ورجلٍ ونحو ذلك، ومع هذا ليس كمثله شيء، لا يُشبه شيئاً من المخلوقات، ولا يُشبهه شيء. كذلك جوّز على الله تعالى أن يُرى يوم القيامة، ويُشاهده الناس كلّهم، كالشمس في رابعة النهار[2].

 

وفي هذا التصوّر من التجسيم أمور لا تليق بساحته تعالى، فالّذي ينتقل من مكان إلى مكان، وينزل ويصعد فلا بدّ أنّه كان أوَّلاً في مكان ثمّ انتقل إلى مكان آخر، فخلا منه المكان الأوّل، واحتواه المكان الثاني، والّذي يحويه المكان لا يكون إلّا محدوداً! والله تعالى لا يحدّه شيء.


 


[1] سورة التوبة، الآية 101.

[2] انظر: الحراني، مجموعة الفتاوى، مصدر سابق، ج5، ص15-12.

 

 

64


51

الدرس الرابع: السلفيـَّة وأهل الحديث

ونذكر في المقام، ما ورد عن أمير المؤمنين  عليه السلام عندما جاءه رجل فقال له: يا أمير المؤمنين، صف لنا ربّنا مثلما نراه عياناً، لنزداد له حبّاً، وبه معرفة، فغضب أمير المؤمنين  عليه السلام، وجمع الناس في المسجد، وخطب خطبته الشهيرة المعروفة بخطبة الأشباح، فوصف الله تعالى بما هو أهله، فقال: "الحمد لله الّذي لا يَغِرُه[1] المنعُ والجمود، ولا يُكديه[2] الإعطاء والجمود.... الأوّل الّذي لم يكن له قبل فيكون شيء قبله، والآخِر الّذي ليس له بَعدٌ فيكون شيء بعده، والرّادِعُ أنَاسِيَّ[3] الأبصار عن أن تناله أو تُدركه.... ثمّ قال: فانظر أيّها السائل: فما دلّك القرآن عليه من صفته فائتمَّ به، واستضئ بنور هدايته، وما كلّفك الشيطان علمه ممّا ليس في الكتاب عليك فرضُه، ولا في سنّة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّة الهدى أثره، فَكل علمه إلى الله سبحانه"[4].

 

3. التوسُّل بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم

رفضت السلفيّة مبدأ التوسُّل بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم رفضاً قاطعاً، حتّى إنّ من يستشفع بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يصل إلى حدّ الكفر والخروج عن الإسلام، وذهب ابن تيميّة، وهو إمام السلفيّة، إلى أنّ التوسُّل يقع في ثلاثة معانٍ:

أ. التوسُّل بطاعة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والإيمان به، وهذا هو أصل الإيمان والإسلام، ومن أنكره فكفره ظاهر للخاصّة والعامّة.

 

ب. التوسُّل بدعائه وشفاعته، أي أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم هنا هو الّذي يدعو ويشفع مباشرة، وهذا كان في حياته، ويكون هذا يوم القيامة، حيث يتوسّل الناس بشفاعته، ومن أنكر هذا فهو كافر مرتد يُستتاب، فإنْ تاب وإلّا قُتل مرتدّاً.


 


[1] لا يغره: لا يزيد ما عنده من البخل والجمود وهو أشدّ البخل.

[2] يكديه: يفقره.

[3] أناسي جمع إنسان، وإنسان البصر هو ما يرى وسط الحدقة ممتازاً عنها في لونها.

[4] الشريف الرضي، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، مصدر سابق، ص124، خطبة 91.

 

65


52

الدرس الرابع: السلفيـَّة وأهل الحديث

ج. التوسُّل بشفاعته بعد موته، والإقسام على الله بذاته، وهذا من البدع المُحدثَة[1].

 

4. زيارة قبور الأنبياء والصالحين عليهم السلام

حرمة التوسُّل وزيارة قبور الأنبياء عليهم السلام والصالحين من أعمدة العقائد عند السلفيّة، وذلك لأنّهم تمسّكوا بها، وأكثروا الكلام بمخالفة من يقول بها، ولابن تيميّة كتاب خاصّ في هذا المجال اسمه كتاب "الزيارة".

 

ونورد هنا بعض ما ذكره في هذا الموضوع:

يقول ابن تيميّة: "الزيارة البدعيّة - أي المبتدعَة والّتي ليس لها أصل في الشريعة - فهي الّتي يُقصد بها أن يُطلب من الميّت الحوائج، أو يُطلب منه الدعاء والشفاعة، أو يُقصد الدعاء عند قبره، لظنّ القاصد أنّ ذلك أجوَب للدعاء، فالزيارة على هذه الوجوه كلّها مُبتدَعَة لم يُشرِّعها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ولا فعلها الصحابة، لا عند قبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ولا عند غيره، وهي من جنس الشرك وأسباب الشرك، ولو قصد الصلاة عند قبور الأنبياء عليهم السلام والصالحين لكان معرَّضاً لغضب الله ولعنته..."[2].

 


[1] انظر: الحراني، أحمد ابن تيميّة، قاعدة جليلة في التوسُّل والوسيلة، حققه وخرّج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط، الرياض، ط1، 1999م. ص41.

[2] انظر: المصدر نفسه، ص24.

 

66


53

الدرس الرابع: السلفيـَّة وأهل الحديث

خلاصة الدرس

 

•         السلفيّة مشتقة من كلمة (سَلَف) والمراد منهم أتباع الصحابة الّذين يعتمدون على أقوال الصحابة واجتهاداتهم.

 

•         تُنسب السلفيّة إلى أحمد بن حنبل، وهو إمام المذهب الحنبليّ في الفقه.

 

•         أحمد ابن تيميّة هو مجدّد مذهب السلفيّة في القرن الثامن الهجري.

 

•         محمّد بن عبد الوهّاب هو مجدّد السلفيّة الجديدة في القرن الأخير.

 

•         أهمّ عقائدهم:

1. يعتقدون بأنّ الصحابة لا يجتمعون على الخطأ، وأنّ قولهم حجّة، والحقّ لا يجاوزهم أبداً.

 

2. يقولون بالتجسيم، وإنّ لله عيناً ورجلاً ويداً وغيرها من الأعضاء.

 

3. إنّ الله يُرى يوم القيامة بالعين، ويُشاهده الناس كلّهم.

 

4. عدم جواز التوسّل بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، ومن يفعل ذلك يُعدّ مشركاً.

 

5. حرمة زيارة قبور الأنبياء والصالحين عليهم السلام.

 

 

67


54

الدرس الرابع: السلفيـَّة وأهل الحديث

الأسئلة

 

1. من هو مؤسّس المذهب السلفي؟

2. اذكر ثلاثة من عقائد السلفيّين.

3. وضّح عقيدة السلفيّة في التجسيم.

4. وضّح عقيدة السلفيّة في التوسُّل بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

 

68


55

الدرس الرابع: السلفيـَّة وأهل الحديث

مطالعة

 

المفكّرون الإسلاميون المعاصرون والسلفيّة

من المؤسف، أنّ السلفيّة اتخذت لنفسها في الآونة الأخيرة طابعاً حادّاً، وسلوكاً في غاية الجمود والتحجّر... وإلى تحريم كلّ ما يتّصل بالحضارة ومعطياتها، فإذا بهم يُحرّمون حتّى التصوير الفوتوغرافيّ، ويُهاجمون الراديو والتلفزيون عتوّاً وجهلًا.

 

وقد كان هذا الموقف المتحجّر، وهذا التزمّت والجفاف، وما رافقه من شدّة على الآخرين ورميهم بالبدعة، والخروج على الدين بحجّة عدم الانقياد لمواقف السلف وآرائهم، وراء ابتعاد جماعات كبيرة من الشباب من أبناء المسلمين عن الإسلام، وإساءة الظنّ به وبمؤسّساته. وهذا هو ما حدا ببعض الغيارى من المفكّرين‏ الإسلاميّين إلى التصدّي لهذا الاتجاه الدخيل على الإسلام، البعيد عن روحه النقيّة السمحة.

 

وممّن انبرى لإبطال هذا المذهب، وإزالة الغبار عن وجه الحقيقة الأُستاذ محمّد سعيد رمضان البوطيّ في كتابه "السلفيّة مرحلة زمنيّة مباركة لا مذهب إسلاميّ"، حيث قال: "إنّ اتّباع السلف لا يكون بالانحباس في حرفيّة الكلمات الّتي نطقوا بها أو المواقف الجزئيّة الّتي اتخذوها، لأنّهم هم أنفسهم لم يفعلوا ذلك".

 

ثمّ قال: "إنّ من الخطأ بمكان أن نعمد إلى كلمة (السلف) فنصوغ منها مصطلحاً جديداً طارئاً على تاريخ الشريعة الإسلاميّة والفكر الإسلاميّ، ألا وهو (السلفيّة)، فنجعله عنواناً مميّزاً تندرج تحته فئة معيّنة من المسلمين، تتّخذ لنفسها من معنى هذا العنوان وحده، مفهوماً معيّناً، وتعتمد فيه على فلسفة متميِّزة بحيث تغدو هذه الفئة، بموجب ذلك، جماعة إسلاميّة جديدة في قائمة

 

 

69

 


56

الدرس الرابع: السلفيـَّة وأهل الحديث

جماعات المسلمين المتكاثرة والمتعارضة بشكل مؤسف في هذا العصر، تمتاز عن بقيّة المسلمين بأفكارها وميولها، بل تختلف عنهم حتّى‏ بمزاجها النفسيّ ومقاييسها الأخلاقيّة، كما هو الواقع اليوم فعلًا".

 

إنّنا لا نعدو الحقيقة إنْ قلنا: إنّ اختراع هذا المصطلح بمضامينه الجديدة الّتي أشرنا إليها بدعة طارئة في الدين، لم يعرفها السلف الصالح لهذه الأُمّة، ولا الخلف الملتزم بنهجه[1].

 


 


[1] انظر: السبحاني، الملل والنِّحل، مصدر سابق، ج‏1، ص503-502.

 

 

70


57

الدرس الخامس: الوهّابيـّة

الدرس الخامس

 

الوهّابيـّة

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يتعرّف إلى نشأة الوهّابيّة.

2. يُعدِّد أهمّ عقائد الوهّابيّة.

3. يتعرّف إلى بعض الردود على عقائد الوهّابيّة.

 

71


58

الدرس الخامس: الوهّابيـّة

•         النشأة والتأسيس

ترجع العقائد الوهّابيّة إلى ما ابتدعه أحمد ابن تيمية في القرن الثامن الهجريّ، وقد كاد أنْ يصير نسياً منسياً، ويذهب أدراج الرياح، غير أنّ بذورها لمّا كانت تقبع في طيّات كتبه ورسائله، قام محمّد بن عبد الوهّاب بن سليمان التميميّ بتجديد العهد بها، الّذي ولد سنة 1111هـ وتوفّى عام 1207هـ، فيكون عمره حين وفاته ستّاً وتسعين عاماً.

 

نشأ وترعرع في بلده "العيينة"[1] في نجد، وتلقّى دروسه بها على رجال الدِّين من الحنابلة، ثمّ غادر موطنه، ونزل المدينة المنوّرة ليكمل دروسه[2].

 

•         أهمُّ عقائدهم

يرى الوهّابيّون أنّ جميع المسلمين -غيرهم- قد فسّروا التوحيد تفسيراً خاطئاً، وفهموه فهماً لا ينطبق على الواقع، ولا يُخرجه عن حقيقة الشرك، وعملوا بما فهموا... إذاً، جميع المسلمين مشركون، من حيث لا يريدون ولا يشعرون.

 


[1] قريّة العيينة: تقع على وادي حنيفة في منطقة العارض بوسط نجد، تبعد حوالي 35 كلم عن مدينة الرياض، وهي تشكّل مع جارتها الجبليّة "مركز العيينة والجبليّة" التابع لمحافظة الدرعيّة.

[2] انظر: الآلوسي، محمود شكري، تاريخ نجد، تحقيق: محمّد بهجة الأثري، مكتبة مدبولي، مصر - القاهرة، لا.ط، لا.ت، ص106.

 

73


59

الدرس الخامس: الوهّابيـّة

"فالإنسان عندهم لا يصير موحّداً بمجرّد أن يشهد ويعتقد بلا إله إلّا الله محمّد رسول الله، وبأنّ الله هو الخالق الرازق وحده، لا شريك له، وأنّه لا يرزق إلّا هو، ولا يدبّر الأمر إلّا هو، وبأنّ جميع السماوات والأرض، ومن فيهنَّ، والأرضين السبع، ومن فيها، كلّهم عبيد، وتحت تصرّفه... ذلك كلّه لا يُفيد، ولا يجعل الإنسان موحّداً ولا مسلماً.

 

وكما لا تنفع كلمة الشهادة، كذلك لا تنفع كثرة العبادة، ولا الإيمان بأنّ محمّداً لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرراً، ولا قول الإنسان: أنا مذنب، والأنبياء عليهم السلام لهم جاه عند الله، وأتوسّل بهم إليه تعالى، كي يعفو ويصفح"[1]، ذلك كلّه، وغير ذلك لا يجعل الإنسان موحّداً ولا مسلماً إلّا أن يترك أموراً معيّنة، ومنها:

1. التوسُّل

إنّ التوسُّل بالأنبياء والأولياء عليهم السلام في حال حياتهم أو بعد وفاتهم من الأمور الرائجة بين الموحِّدين في جميع أزمنتهم، إلّا أنّ الوهّابيّة عدّت التوسّل من مظاهر الشرك، وعلى الإنسان المؤمن "أن لا يتوسّل إلى الله بأحد أنبيائه وأوليائه، فإن فعل، وقال - مثلاً: يا الله، أتوسّل إليك بنبيّك محمّد أن ترحمني، فقد سلك مسلك المشركين، واعتقدَ ما اعتقدوا"[2].

 

2. زيارة القبور

اتّفق المسلمون على استحباب زيارة القبور، لما فيه من فوائد تربويّة وتذكيريّة، ذكرها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في حديثه المعروف، حيث قال: "كنتُ نهيتُكم عن زيارة القبور فزوروها، فإنّها تُزهِّد في الدنيا، وتُذكِّر الآخرة"[3]. وقد اتّفق المسلمون أيضاً على


 


[1] انظر في ذلك: بن عبد الوهّاب، محمّد، ثلاثة الأصول والقواعد الأربع، جامعة الإمام محمّد بن سعود الإسلاميّة، المملكة العربيّة السعوديّة، ط2، 1998م؛ أيضاً: الصنعاني، محمّد بن إسماعيل، تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد، اعتنى به محمّد بن جبريل الشّحري، مكتبة الإمام الوادعي، اليمن - صنعاء، ط1، 2009م، ص46 وما بعد.

[2] انظر: المصدر نفسه، ص50.

[3] ابن ماجه القزويني، محمّد بن يزيد، سنن ابن ماجة، تحقيق وترقيم وتعليق: محمّد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج1، ص501 (باب ما جاء في زيارة القبور).

 

74


60

الدرس الخامس: الوهّابيـّة

استحباب زيارة قبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم خصوصاً، وأفضل دليل على ذلك سيرة المسلمين منذ وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، مضافاً إلى العديد من الروايات.

 

منها ما ورد عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، حيث قال: "مَن زار قبري كنتُ له شفيعاً أو شهيداً، ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله من الآمنين يوم القيامة"[1]. وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وآله وسلم: "من زارني بعد موتي فكأنّما زارني في حياتي، ومن مات بأحد الحرمين بُعث من الآمنين يوم القيامة"[2].

 

ومع هذا، فقد رفضت الوهّابيّة مبدأ زيارة القبور حيث قالوا: "أن لا يقصد - الإنسان المسلم - قبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم للزيارة، ويشدّ إليه الرحال، وأن لا يتمسّح به، ولا يمسّه، ولا يدعو الله ويُصلّي لله عنده، ولا يُقيم عليه بناءً ولا مسجداً، ولا ينذر له"[3]، محتجّين بأنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعد موته لا يضرّ ولا ينفع، فيجب على الإنسان أن يقصد الله وحده، ويطلب منه دون سواه، متجاهلين في ذلك قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿وَٱبۡتَغُوٓاْ إِلَيۡهِ ٱلۡوَسِيلَةَ﴾[4]، وهل توجد وسيلة إلى الله أفضل من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام؟

 

3. الشفاعة

اتّفق المسلمون عامّة على شفاعة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة، وإن اختلفوا في معنى الشفاعة بين كونها سبباً لغفران الذنوب، كما عليه الأشاعرة والإماميّة وأهل الحديث، أو لترفيع الدرجة، كما عليه المعتزلة. إنّما الكلام في طلب الشفاعة من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في حال حياته ومماته، فالمسلمون إلى عهد ابن تيميّة اتّفقوا على جوازه حيّاً وميّتاً، وهو من فروع طلب الدعاء من المشفوع له، إلى أن جاء ابن تيميّة في القرن الثامن الهجريّ ورفع راية الخلاف بين المسلمين، وقال: "أنْ لا


 


[1]  المتقي الهندي، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، مصدر سابق، ج5، ص135.

[2] المصدر نفسه، ص136.

[3] انظر: الصنعاني، تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد، مصدر سابق، ص54.

[4] سورة المائدة، الآية 35.

 

75


61

الدرس الخامس: الوهّابيـّة

يطلب - الإنسان المسلم - الشفاعة من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، لأنّ الله، وإن أعطاها لمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم وغيره من الأنبياء عليهم السلام، ولكنّه نهى عن طلبها منهم، ومَن طلب الشفاعة من محمّد صلى الله عليه وآله وسلم كان كمَن طلبها من الأصنام، سواء بسواء"[1].

 

والجواب عنه: إنّه لا يُتصوّر أن يكون طلب الدعاء من المؤمن أو الصالح أو الأنبياء العظام عليهم السلام شركاً، سواء أكانوا أحياءً أمْ أمواتاً، أمّا الأحياء، فقد صرَّح القرآن الكريم بجوازه، وأمر الظالمين بالمجيء إلى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وطلب الاستغفار منه، قال سبحانه: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾[2]، وحكى تعالى عن ولد يعقوب  عليه السلام أنَّهم قالوا لأبيهم: ﴿يَٰٓأَبَانَا ٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَآ إِنَّا كُنَّا خَٰطِ‍ِٔينَ * قَالَ سَوۡفَ أَسۡتَغۡفِرُ لَكُمۡ رَبِّيٓۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ﴾[3].

 

وكذلك توجد روايات تُشير إلى جواز طلب الشفاعة، منها:

عن النضر بن أنس بن مالك عن أبيه قال: "سألتُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يشفع لي يوم القيامة، فقال: أنا فاعل. قلتُ: يا رسول الله، فأين أطلبُك؟ قال: اطلبني أوّل ما تطلبني على الصراط، قلتُ: فإن لم ألقك على الصراط، قال: فاطلبني عند الميزان، قلتُ: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: فاطلبني عند الحوض، فإنّي لا أُخطئ هذه الثلاث ..."[4]. ولو كان طلب الشفاعة شركاً، لزجره صلى الله عليه وآله وسلم عنه.

 

هذا في حال حياة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، أمّا بعد وفاته، فقد روى الطبرانيّ في معجمه الكبير من حديث عثمان بن حنيف: "أنّ رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفّان في حاجة له، فكان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي ابن حنيف فشكا إليه


 


[1] انظر: ابن تيمية، أحمد، الرسائل العمليّة التسع، ص110، و114. (نقلاً عن كتاب: مغنية، محمّد جواد، هذي هي الوهّابية، لا.ن، لا.م، لا.ت، لا.ط، ص75).

[2] سورة النساء، الآية 64.

[3] سورة يوسف، الآيتان 97 - 98.

[4] الترمذي، محمّد بن عيسى بن سورة، الجامع الصحيح (سنن الترمذي)، تحقيق وتصحيح: عبد الوهّاب عبد اللطيف، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1403هـ - 1983م، ط2، ج4، ص42.

 

 

76


62

الدرس الخامس: الوهّابيـّة

ذلك، فقال عثمان بن حنيف: ائتِ الميضاة فتوضّأ ثمّ ائتِ المسجد فصلِّ ركعتين، ثمّ قل: اللهمّ، إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم نبيّ الرحمة، يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّي فتقضي حاجتي، وتذكر حاجتك. فانطلق الرجل، فصنع ما قال له، ثمّ أتى باب عثمان بن عفّان، فجاءه البوّاب فأخذ بيده، فأدخله على عثمان، فأجلسه معه على الطنفسة، فقال: ما حاجتُك؟ فذكر حاجته، فقضاها له، ثمّ قال له: ما ذكرت حاجتك حتّى كانت الساعة، وقال: ما كان لك من حاجة فاذكرها"[1].

 

4. الاستغاثة بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم

اعتقدت الوهّابيّة أنّ الاستغاثة بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم شرك، ولا يجوز مناداته والاستعانة به بأيِّ حال من الأحوال، حيث قال ابن تيميّة: "وَقَدْ ذَكَرَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ وَأَئِمَّةُ الدِّينِ الْأَدْعِيَةَ الشَّرْعِيَّةَ، وَأَعْرَضُوا عَنْ الْأَدْعِيَةِ الْبِدْعِيَّةِ، فَيَنْبَغِي اتِّبَاعُ ذَلِكَ.

 

وَالْمَرَاتِبُ فِي هَذَا الْبَابِ ثَلَاثٌ: إحْدَاهَا أَنْ يَدْعُوَ غَيْرَ اللَّهِ وَهُوَ مَيِّتٌ أَوْ غَائِبٌ، سَوَاءٌ كَانَ مِن الأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ، فَيَقُولُ: يَا سَيِّدِي فُلَانٌ، أَغِثْنِي، أَوْ أَنَا أَسْتَجِيرُ بِك أَوْ أَسْتَغِيثُ بِك أَوْ اُنْصُرْنِي عَلَى عَدُوِّي... وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَغِيثَ بِأَحَدٍ مِن المَشَايِخِ الْغَائِبِينَ وَلَا الْمَيِّتِينَ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ : يَا سَيِّدِي فُلَانٌ أَغِثْنِي وَانْصُرْنِي وَادْفَعْ عَنِّي، أَوْ أَنَا فِي حَسْبِك، وَنَحْوِ ذَلِكَ، بَلْ كُلُّ هَذَا مِن الشِّرْكِ الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَتَحْرِيمُهُ مِمَّا يُعْلَمُ بالاضطرار"[2]، وقال ابن مسعود: "لأن أحلف بالله كاذباً أحبُّ إليّ من أن أحلف بغيره وأنا صادقٌ"[3]، لأنّ الحلف بالله كاذباً كبيرة من الكبائر، ولكنّ الشرك، أي الحلف بغير الله، أكبر من الكبائر.

 

فإذا كان هذا حال الشرك الأصغر، فكيف بالشرك الأكبر الموجب للخلود بالنار!


 


[1] الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير، تحقيق وتخريج: حمدي عبد المجيد السلفي، دار إحياء التراث العربي، لا.م، لا.ت، ط2، ج9، ص31.

[2] ابن تيمية، مجموعة الفتاوى، مصدر سابق، ج1، ص350 وما بعد.

[3] الطبراني، المعجم الكبير، مصدر سابق، ج9، 183.

 

77


63

الدرس الخامس: الوهّابيـّة

وذُكر أيضاً أنّ محمّد بن عبد الوهّاب كان يقول عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "أنّه طارش[1]، وأنّ بعض أتباع هذا الشيخ كان يقول: عصاي هذه خير من محمّد، لأنّه يُنتفع بها في قتل الحيّة، ومحمّد قد مات، ولم يبقَ فيه نفع، وإنّما هو طارش ومضى"[2]. هذا هو الكلام الّذي يهتزّ منه العرش وتتفطّر السماوات، وتنشقّ الأرض، وتخرّ الجبال منه... وإذا كانت العصا خيراً من محمّد صلى الله عليه وآله وسلم فلماذا يجب حبّه وطاعته، والإيمان به؟ ولماذا نُكرِّر الصلوات والتحيّات عليه في الصلوات الخمس، ويُقرن اسمه باسم الله على المآذن والمنابر، ويُحتجُّ بقوله في كلِّ علم وفنّ؟

 

وبالتالي، فأيّ معنى لقوله تعالى: ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾[3]، والحال أنّ معنى تُعزّروا النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أي تنصرونه، وتوقِّرونه أي تُعظِّمونه، وتُسبّحونه أي تذكرونه في تسبيحكم وصلواتكم بالتحيّات...؟

 

وأيضاً أيُّ معنى لقوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيِّۚ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيۡهِ وَسَلِّمُواْ تَسۡلِيمًا﴾[4]؟

 

وعليه، فإنّ على الإنسان المسلم أن يلتزم بما ذُكر أعلاه التزاماً وثيقاً، وإلّا كان مشركاً منكراً للتوحيد، قال ابن تيميّة: "إنّ ترك هذه الأمور، وما إليها يتّصل اتّصالاً وثيقاً بمفهوم التوحيد، ومن فعلها فهو مشرك يحلّ دمه وماله وذراريه، سواء أفعلها عن علم بتحريمها، أو جهلاً واشتباهاً، لأنّ فعلها يُفضي إلى تكذيب الرسول، وإن لم يتعمّد الفاعل مُنكَراً"[5].


 


[1] أي مبعوث أوصل رسالة وانتهى وهو الآن لا ينفع!

[2] الأمين، محسن، كشف الارتياب في أتباع محمّد بن عبد الوهّاب، تحقيق وتخريج: حسن الأمين، مكتبة الحرمين، إيران - قم، لا.ت، لا.ط، ص127.

[3] سورة الفتح، الآية 10.

[4] سورة الأحزاب، الآية 56.

[5]  ابن تيمية، الرسائل العمليّة التسع، مصدر سابق، ص79. (نقلاً عن كتاب: مغنية، هذي هي الوهّابية، مصدر سابق، ص77).

 

78


64

الدرس الخامس: الوهّابيـّة

وليس من شكّ في أنّهم عدّوا عدم زيارة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وطلب الشفاعة منه شرطاً في التوحيد، ولم يعدّوا قتل النفس المحترمة والزنى واكتناز الذهب من منافيات التوحيد والإيمان.

 

5. في صفات الله

يجمد الوهّابيّون على ظاهر نصوص الكتاب والسنّة في صفات الله سبحانه، ولم يُجيزوا تفسير الظواهر وتأويلها بغير ما دلّت عليه الصورة الحرفيّة، بل يعتبرون التأويل كفراً، لأنّه كذب على الله والرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ويرون تنزيه الله بإثبات اليد له والرجل، والكفّ والأصابع، والنفس والوجه، والعين والسمع، والجلوس والوقوف، والضحك والتكلُّم، والوجود في السماء، وما إلى هذه من الصفات الّتي وصف الله بها نفسه، أو جاءت على لسان نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم من غير زيادة ولا نقصان.

 

واستدلّوا على اليدين بقوله تعالى: ﴿بَلۡ يَدَاهُ مَبۡسُوطَتَانِ﴾[1].

 

وعلى العينين أو العيون: ﴿وَٱصۡنَعِ ٱلۡفُلۡكَ بِأَعۡيُنِنَا﴾[2].

 

وعلى الجلوس: ﴿ثُمَّ ٱسۡتَوَىٰ عَلَى ٱلۡعَرۡشِۖ﴾[3].

 

وعلى الوجود في السماء: ﴿أَمِنتُم مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ﴾[4].

 

وعلى الوجه: ﴿فَثَمَّ وَجۡهُ ٱللَّهِۚ﴾[5].

 

وعلى السمع والعين: ﴿هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ﴾[6].

 

وعلى النظر إليه: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾[7].


 


[1] سورة المائدة، الآية 64.

[2] سورة هود، الآية 37.

[3] سورة الأعراف، الآية 54.

[4] سورة الملك، الآية 17.

[5] سورة البقرة، الآية 115.

[6] سورة المائدة، الآية 76.

[7] سورة القيامة، الآيتان 22 - 23.

 

 

79


65

الدرس الخامس: الوهّابيـّة

وعلى السير والمجيء: ﴿وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾[1].

 

وعلى النفس: ﴿تَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِي وَلَآ أَعۡلَمُ مَا فِي نَفۡسِكَۚ﴾[2].

 

وعلى الضحك بما رواه ابن تيميّة[3] عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يَضْحَكُ اللَّهُ إلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ"[4]. وعن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّي لأعلم آخر أهل النار خروجاً منها، وآخر أهل الجنّة دخولاً الجنّة: رجل يخرج من النار حبواً، فيقول الله عزَّ وجلَّ له: اذهب فادخل الجنّة، فيأتيها فيُخيّل إليه أنّها ملأى، فيرجع فيقول: يا ربّ، وجدتُها ملأى، فيقول الله عزَّ وجلَّ له: اذهب فادخل الجنّة، فيأتيها فيُخيّل إليه أنّها ملأى، فيرجع فيقول: يا رب، وجدتها ملأى، فيقول الله عزَّ وجلَّ له: اذهب فادخل الجنّة، فإنّ لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها، أو إنّ لك مثل عشرة أمثال الدنيا، فيقول: أتسخر بي أو تضحك بي وأنت الملك؟"، قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضحك حتّى بدت نواجذه، فكان يقول: "ذلك أدنى أهل الجنّة منزلة"[5].

 

واستدلّوا على الرِّجل بما رواه ابن تيميّة أيضاً في مجموعة الفتاوى[6]: "لا تزال جهنّم يُلقى فيها، وهي تقول: هل من مزيد؟ حتّى يضع ربّ العزّة فيها رِجْلَه، فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط"[7].


 


[1] سورة الفجر، الآية 22.

[2] سورة المائدة، الآية 116.

[3] انظر: ابن تيمية، مجموعة الفتاوى، مصدر سابق، ج3، ص138.

[4] بن حنبل، مسند أحمد، مصدر سابق، ج2، ص318.

[5] النووي، أبو زكريا يحيى بن شرف الدمشقي، رياض الصالحين من حديث سيد المرسلين، لبنان - بيروت، دار الفكر المعاصر، 1411هـ - 1991م، ط2، ص738.

[6] ابن تيمية الحرّاني، مجموعة الفتاوى، مصدر سابق، ج3، ص139.

[7] بن حنبل، أحمد، مسند أحمد، مصدر سابق، ج3، ص234؛ أيضاً: النيسابوري، مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري، الجامع الصحيح (صحيح مسلم)، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج8، ص152.

 

80


66

الدرس الخامس: الوهّابيـّة

واستدلّوا على وجود الأصابع، بما رواه محمّد بن عبد الوهّاب في مجموعة الفتاوى[1]: "إنّ الله جعل السماوات على إصبع من أصابعه، والأرض على إصبع، والشجر على إصبع، والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع[2]... ثمّ اعتزّ الله وافتخر، وقال: أنا الملك، أنا الله، أين الجبّارون؟ أين المتكبّرون؟"[3].

 

فالله يحمل السماوات السبع والأرضين السبع في يده، وهي فيها كحبّة خردل في يد أحدنا، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾[4].

 

6. الجبر

قالت الوهّابيّة بالجبر، بمعنى أنَّ الإنسان مجبرٌ في أفعاله، فالله خلق الإنسان وخلق أفعاله وكلّ ما يقوم به من خيرٍ أو شرٍّ.

قال ابن تيميّةَ: "وَالْعِبَادُ فَاعِلُونَ حَقِيقَةً، وَاَللَّهُ خَالِقُ أَفْعَالِهِمْ، وَالْعَبْدُ هُوَ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ وَالْبَرُّ وَالْفَاجِرُ وَالْمُصَلِّي وَالصَّائِمُ، وَلِلْعِبَادِ قُدْرَةٌ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَلَهُمْ إرَادَةٌ، وَاَللَّهُ خَالِقُهُمْ وَخَالِقُ قُدْرَتِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ"[5].


 


[1]  انظر: ابن تيمية الحرّاني، مجموعة الفتاوى، مصدر سابق، ج5، ص309.

[2] روى البخاري عن عبد الله قال جاء حبر إلى رسول الله f فقال: يا محمّد، إنّ الله يضع السماء على إصبع، والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر والأنهار على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يقول بيده: أنا الملك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: ﴿وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ﴾. (البخاري، صحيح البخاري، مصدر سابق، ج8، ص187).

وفي كتاب السنّة عن عبد الله قال: "جاء حبر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أبلغك أنّ الله تعالى يضع السماوات يوم القيامة على إصبع، والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثمّ يهزهنّ ويقول: أنا الملك، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتّى بدت نواجذه، تصديقاً لقول الحبر، ثمّ قرأ : ﴿وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ﴾، سورة الزمر، الآية 67". (الشيباني، عمرو بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد، كتاب السنّة، تحقيق: محمّد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، لبنان - بيروت، 1413هـ - 1993م، ط3، ص238).

[3] روى مسلم عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يطوي الله عزَّ وجلَّ السماوات يوم القيامة ثمّ يأخذهنّ بيده اليمنى، ثمّ يقول: أنا الملك، أين الجبّارون؟ أين المتكبّرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله، ثمّ يقول: أنا الملك، أين الجبّارون؟ أين المتكبّرون؟". (النيسابوري، الجامع الصحيح (صحيح مسلم)، مصدر سابق، ج8، ص126).

[4] سورة الزمر، الآية 66.

[5] ابن تيمية الحرّاني، مجموعة الفتاوى، مصدر سابق، ج3، ص150.

 

81


67

الدرس الخامس: الوهّابيـّة

إنّ كلام ابن تيميّة ظاهر في أنّ الله خالق أفعال الإنسان، وغير خالقها، والإنسان موجِد لأفعاله، وغير موجدها، ففي كلامه تناقض وتضارب. وكيف صحّ أن يأمرهم بالطاعة وينهاهم عن المعصية مع أنّ قدرتهم وإرادتهم هي من قدرة الله وإرادته؟ كذلك فإنّ الانبعاث إلى الطاعة والانزجار عن المعصية لا يتأتّى إلّا من فاعل مختار.

 

والحقّ في هذه المسألة الّتي شغلت الأوّلين والآخرين، ما قاله الإمام جعفر الصادق عليه السلام، وعبّر عنه بقوله: "لا جبر ولا تفويض، وإنّما أمر بين الأمرين"[1].

 

وقد شرح الإمام الرضا عليه السلام معنى هذا القول عندما ذُكر عنده، حيث قال: "ألا أعطيكم في هذا أصلاً لا تختلفون فيه، ولا تخاصمون عليه أحدًا إلّا كسرتموه، قلنا: إن رأيت ذلك، فقال: إنّ الله عزّ وجل لم يُطع بإكراه، ولم يُعص بغلبة، ولم يُهمل العباد في ملكه، هو المالك لما ملّكهم، والقادر على ما أقدرهم عليه، فإن ائتمر العباد بطاعته لم يكن الله عنها صادّاً، ولا منها مانعاً، وإن ائتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل، وإن لم يحل وفعلوه، فليس هو الذي أدخلهم فيه، ثمّ قال  عليه السلام: من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم مَن خالفه"[2].

 

7. الحاكم الجائر

يعتقد الحنابلة بما فيهم الوهّابيّة بأنّه لا يجوز الخروج على الحاكم الجائر، والمستبدّ الفاسد، ويوجبون طاعته والاستماع له، كما جاء في كتاب الأحكام السلطانيّة، وصاحبه حنبليُّ المذهب. واستدلّوا بقوله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ﴾[3]. وتقريب ذلك، أنّ الحاكم يصدق عليه أنّه من أولي


 


[1] الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح: علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلاميّة، إيران -طهران، 1363ش، ط5، ج1، ص160.

[2] الصدوق، الشيخ محمّد بن علي بن بابويه، التوحيد، تصحيح وتعليق: السيد هاشم الحسيني الطهراني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران - قم، لا.ت، لا.ط، ص361 (باب نفى الجبر والتفويض).

[3] سورة النساء، الآية 59.

 

 

82


68

الدرس الخامس: الوهّابيـّة

الأمر الّذين فرض الله تعالى على العباد طاعتهم، لذلك لا يجوز الخروج عليه حتّى لو كان ظالماً غير مراعٍ لأحكام الإسلام وتعاليمه، وزعموا أنَّ الخروج على الحاكم المُستخفِّ بدين الله الجائر على عباد الله حرام، مستدلّين بأنَّ في الخروج تفريقاً لكلمة المسلمين، واستبدال الخوف بالأمن، وبما رواه أبو بكر عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّها ستكون فتن، ألا ثمَّ تكون فتنة، القاعد فيها خير من الماشي فيها، والماشي فيها خير من الساعي إليها، ألا فإذا نزلت أو وقعت فمَن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه، قال: فقال رجل: يا رسول الله، أرأيت مَن لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال: يعمد إلى سيفه فيدقّ على حدّه بحجر ثمّ لينج إن استطاع النجاء، اللهمّ هل بلّغت، اللهمّ هل بلّغت، اللهمّ هل بلّغت، قال: فقال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن أُكرهت حتّى ينطلق بي إلى أحد الصفّين أو إحدى الفئتين، فضربني رجل بسيفه أو يجيء سهم فيقتلني، قال: يبوء بإثمه وإثمك، ويكون من أصحاب النار"[1].

 

8. الجاهل غير معذور

إذا خالف الإنسان أمر الله عن جهالة فإنّه يكون مبتدعاً، حتّى لو كان جهله عن قصور لا عن تقصير، وقالوا: "إذا نطق المسلم بكلمة التوحيد مؤمناً، ثمّ زار القبور جاهلاً بالتحريم يكون مشركاً، وجهله ليس بعذر"[2].

 

والحقيقة، إنّ الجاهل على نوعين، جاهل مقصّر وجاهل قاصر، فالأوّل غير معذور مع قدرته على المعرفة والتعلُّم والالتزام بما أمر الله، أمّا الثاني فهو معذور لعدم معرفته أو عدم قدرته على الالتزام بما أمر الله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "وُضِعَ عن أمتي تسع خصال: الخطاء، والنسيان، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطّروا إليه، وما استكرهوا عليه، والطيرة، والوسوسة في التفكر في الخلق، والحسد ما لم يظهر بلسان أو يد"[3].


 


[1] النيسابوري، الجامع الصحيح (صحيح مسلم)، مصدر سابق، ج8، ص169؛ أيضاً: البخاري، صحيح البخاري، مصدر سابق، ج8، ص92.

[2] انظر: ابن تيمية الحرّاني، مجموعة الفتاوى، مصدر سابق، ج27، ص91 وما بعد.

[3] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص463.

 

83


69

الدرس الخامس: الوهّابيـّة

خلاصة الدرس

•         ترجع عقائد الوهّابيّة إلى ما ابتدعه أحمد ابن تيمية في القرن الثامن الهجريّ، وقام محمّد بن عبد الوهّاب بتجديد العهد بها.

 

•         أهمُّ عقائدهم:

1. عدّت التوسّل من مظاهر الشرك.

2. رفضت مبدأ زيارة القبور.

3. أن لا يطلب الشفاعة من النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم.

4. إنّ الاستغاثة بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم شرك، ولا يجوز مناداته والاستعانة به بأيّ حال من الأحوال.

5. الجمود على ظاهر نصوص الكتاب والسنّة في صفات الله سبحانه، ولم يُجيزوا تفسير الظواهر وتأويلها بغير ما دلّت عليه الصورة الحرفيّة، بل يعتبرون التأويل كفراً، لأنّه كذب على الله والرسول.

6. الاعتقاد بالجبر، بمعنى أنَّ الإنسان مجبر في أفعاله فالله خلق الإنسان وخلق أفعاله وكلّ ما يقوم به من خير أو شر.

 

•         يعتقد الحنابلة بما فيهم الوهّابيّة بأنّه لا يجوز الخروج على الحاكم الجائر، والمستبدّ الفاسد، ويوجبون طاعته والاستماع له، كما جاء في كتاب الأحكام السلطانيّة.

 

•         إذا خالف الإنسان أمر الله عن جهالة، فإنّه يكون مبتدعاً، حتّى لو كان جهله عن قصور لا عن تقصير.

 

84

 


70

الدرس الخامس: الوهّابيـّة

الأسئلة

 

1. من هو مؤسّس المذهب الوهّابيّ؟

2. اذكر ثلاثة من عقائد الوهّابيّة.

3. وضّح عقيدة الوهّابيّة في حرمة البناء على القبور.

4. وضّح عقيدة الوهّابيّة في الجبر.

 

85


71

الدرس الخامس: الوهّابيـّة

مطالعة

 

الأحباش وخلافهم مع الوهّابيّة

 

النشأة والتأسيس

الأحباش طائفة تُنسب إلى عبد الله بن محمّد الشيبيّ العبدريّ نسباً، الهرريّ موطناً نسبةً إلى مدينة هرر بالحبشة، ولد سنة 1920م.

 

ينتشر الأحباش في لبنان، ولديهم جمعية تُعرف بجمعية المشاريع الإسلاميّة، ولديهم بعض الانتشار في أوروبا وأمريكا.

 

خالفت الأحباش الوهّابيّة في الكثير من الآراء، ولذا كانت المواجهة بينهما، واتجهت الوهّابيّة لتكفير الأحباش.

 

كما خالفت المعتزلة، وحشد الهرريّ في كتبه الردود على آراء المعتزلة في المسائل الكلاميّة.

 

أهمُّ عقائدهم

يقول الأحباش إنّهم على مذهب الإمام الشافعيّ في الفقه والاعتقاد.

 

يُحرِّم الأحباش الدعاء للمؤمنين والمؤمنات بمغفرة جميع الذنوب، معلِّلين ذلك بأنّ الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم أخبرونا بأنّ فيهم من يدخل النار.

 

إنّ الله هو الّذي يُعين المؤمن على إيمانه، والكافر على كفره، وليس مرادهم بالإعانة هنا الرضى والمحبّة، بل بالتمكين والإقدار.

 

ترى فرقة الأحباش جواز التوسُّل بالأنبياء والأولياء عليهم السلام حتّى بعد وفاتهم، لأنّه ليس عبادة لغير الله، فهو ليس شركاً، كما ذهبت إليه الوهّابيّة، وكذلك التبرّك بقبر الوليّ.

 

 

86


72

الدرس الخامس: الوهّابيـّة

وخالفوا الوهّابيّة في القول بجواز نداء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعد موته. واستدلّوا لجواز ذلك بحديث أنس عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: "الأنبياء أحياء في قبورهم يُصلّون"[1].

 

جواز التبرّك بآثار النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم في حياته وبعد مماته.

 

قسّم الأحباش البدعة إلى قسمين: بدعة ضلالة، وهي المخالفة للكتاب والسنّة، وبدعة هدى، وهي الموافقة لهما.

 

ومن بدع الهدى، ذكروا الاحتفال بمولد النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا من نقاط خلافهم مع الوهّابيّة.

 

وأمّا من البدع السيّئة، فمثل كتابة صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذكر اسم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، التيمُّم على السجّاد والوسائد، وحذف بعض الأحرف من اسم الجلالة (الله).

 

يؤمنون بثبوت الشفاعة، ولكنّهم يرون أنّها لأهل الكبائر من المسلمين، مستدلّين لذلك بالآيات والروايات.

 

يرون أنّ من خرج على الإمام عليّ  عليه السلاممن الناكثين والقاسطين والمارقين هم بغاة.

 

ويعتبرون أنّ معاوية كان قصده من قتال الامام عليّ  عليه السلامالدنيا، فلقد كان يتملّك به الطمع في الملك وفرط الغرام في الرئاسة، فلمّا ثبت ملكه كفّ عن المطالبة بدم عثمان، وهو ما كان اتخذه حجّة للخروج على الإمام عليّ  عليه السلام وقتاله.

 

 


[1] انظر: العسقلانيّ، ابن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار المعرفة للطباعة والنشر، لبنان - بيروت، لا.ت، ط2، ج6، ص352.

 

87


73

الدرس الخامس: الوهّابيـّة

 

كما أنّ معاوية سعى قبل موته في استخلاف ابنه يزيد، وذلك مع وجود من هو أهل لتلك الخلافة من الصحابة، أمثال الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام، وعبد الله بن عمر وغيرهما.

 

وما يُروى في معاوية من الفضائل، فإنّه لم يصحّ منه شيء، والّذي يسبُّ الإمام عليّاً  عليه السلامويُبغضه ولا يُحبّه فاسق، ومعاوية سنّ السبَّ لعليّ عليه السلام.

 

ثمّ إنّه ليس كلُّ الصحابة أتقياء وأولياء.

 

ويرون أنّ معنى الحديث "ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة"[1]، ليس أنّ الّذي يكون في زمن ليس فيه خليفة كهذا الزمن إذا مات تكون ميتته جاهلية، بل معناه أنّ الّذي يترك الامام بالخروج عن طاعته، كالّذين خرجوا على عليٍّ عليه السلام، إذا مات مات ميتة جاهليّة.

 

صراع الأحباش والوهّابيّة

هاجم الأحباش ابن تيميّة شيخ الوهّابيّة بشدّة، ويُحذِّرون أشدَّ التحذير من كتبه، وكذا سائر شخصيات الوهّابيّة المعروفة، كمحمّد بن عبد الوهّاب، ومحمّد ناصر الدين الألباني عندهم كافر.

 

أما سيّد قطب، فمن كبار الخوارج الكفرة في ظنِّهم[2].


 


[1] انظر: الشيباني، كتاب السنّة، مصدر سابق، ص489.

[2] انظر: الهرريّ، عبد الله (الحبشي)، النهج السويّ في الردّ على سيد قطب وتابعه فيصل مولوي، شركة دار المشاريع، لا.ب، 2017م، ط1.

 

88


74

الدرس الخامس: الوهّابيـّة

مؤلّفات الحبشيّ

صنّف الحبشيّ العديد من الكتب الّتي حكى فيها الآراء المتبنّاة من قِبَله في مختلف قضايا العقيدة والفقه، ومن أهمَّ هذه الكتب:

1. بغية الطالب لمعرفة العلم الدينيّ الواجب.

2. المطالب الوفيّة في شرح العقيدة النسفيّة.

3. الصراط المستقيم.

4. صريح البيان في الردّ على مَن خالف القرآن.

أهمُّ شخصيّاتهم

الشيخ نزار الحلبيّ، خليفة الحبشيّ، ورئيس جمعيّة المشاريع الإسلاميّة، ولكنّه قُتل اغتيالاً في لبنان في 31 آب سنة 1995م.

الشيخ حسام قراقيرة، رئيس جمعيّة المشاريع الإسلاميّة.

 

 

89

 


75

الدرس السادس‏: الخوارج

الدرس السادس‏

الخوارج

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يتعرّف إلى نشأة الخوارج.

2. يُعدِّد أهمَّ عقائد الخوارج.

3. يُعدِّد أهمَّ فرقهم وشخصيّاتهم.

 

91


76

الدرس السادس‏: الخوارج

•         النشأة والتأسيس

ترجع بداية ظهور الخوارج إلى قصّة التحكيم في معركة صفّين، فبعد اقتراب هزيمة معاوية وحيلة عمرو بن العاص برفع المصاحف، وعصيان الناس لأمير المؤمنين  عليه السلام، حيث انطلت حيلة رفع المصاحف عليهم، ابتدأت قصّة التحكيم، وتمّ الاتفاق على أنّ الحكمين يجتمعان بــ (دومة الجندل)[1] ليرفعا مَن رفعه القرآن، ويخفِضا مَن خفضه القرآن، وكانت النتيجة أنْ خلع أبو موسى الأشعري الإمام عليّاً عليه السلام عن الخلافة، ونصّب عمرو بن العاص معاوية بن أبي سفيان إماماً للمسلمين!

 

ولكن الّذين حملوا عليّاً عليه السلام على الموادعة والرضوخ للتحكيم، رجعوا عن فكرتهم، وزعموا أنّ أمر التحكيم على خلاف الذكر الحكيم، حيث يقول:  [2]، فحاولوا أنْ يفرضوا على الإمام عليّ  عليه السلام أمراً آخر، وهو القيام بنقض الميثاق، ورفض كتاب الصلح بينه وبين معاوية، فجاء هؤلاء قائلين: "لا حكم إلّا لله".

 

 


[1] دومة الجندل: "بضم أوله وفتحه... وعدّها ابن الفقيه من أعمال المدينة، سُمّيت بدوم بن إسماعيل بن إبراهيم، وقال الزجاجي: دومان بن إسماعيل، وقيل: كان لإسماعيل ولد اسمه دما، ولعله مغير منه ... ولمّا كثر ولد إسماعيل cبتهامة، خرج دوماء بن إسماعيل حتّى نزل موضع دومة، وبنى به حصناً، فقيل دوماء، ونسب الحصن إليه، وهي على سبع مراحل من دمشق بينها وبين مدينة الرسول f ...". (الحموي، ياقوت بن عبد الله، معجم البلدان، دار إحياء التراث العربي، لبنان - بيروت، 1399هـ - 1979م، لا.ط، ج2، ص487).

[2] سورة الأنعام، الآية 57.

 

93


77

الدرس السادس‏: الخوارج

وقد أخبر النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بفتنة الخوارج، فقد روى ابن هشام عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنّه قال: "جاء رجل من بني تميم - في غزوة هوازن - يُقال له ذو الخويصرة، فوقف عليه وهو يُعطي النّاس، فقال: يا محمّد، قد رأيتُ ما صنعت في هذا اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أجل، فكيف رأيت؟ فقال: لم أرك عدلت، قال: فغضب النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ قال: ويحك، إذا لم يكن العدل عندي، فعند مَن يكون؟ فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، ألا أقتله؟ فقال: لا دعه، فإنّه سيكون له شيعة يتعمّقون في الدين حتّى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية"[1].

 

وتحرّك الخوارج بعد ذلك على أمور ثلاثة:

1. التظاهر ضدّ الإمام عليّ  عليه السلام بقولهم: "لا حكم إلّا لله" في المسجد وخارجه، خصوصاً عند قيام الإمام بإلقاء الخطب.

2. تكفير الإمام عليّ  عليه السلام وأصحابه الّذين وفوا بالميثاق.

3. تأمين أهل الكتاب، وإرهاب المسلمين، وقتل الأبرياء.

 

كان الخوارج من أهل القبلة والصلاة والعبادة، وكان الناس يستصغرون عبادة أنفسهم عندما يرون عبادة الخوارج، فلم يكن قتالهم واستئصالهم أمراً هيّناً، ولم يكن يجترئ عليه غير الإمام عليّ  عليه السلام، ولأجل ذلك قام بعد قتالهم، فقال بعد حمد الله والثناء عليه: "أيّها الناس، فإنّي فَقَأتُ عين الفتنة، ولم يكن ليجترئ عليها أحد غيري، بعد أنْ ماج غيهبها، واشتدّ كلَبُها"[2].


 


[1] انظر: ابن حنبل، مسند أحمد، مصدر سابق، ج2، ص219؛ أيضاً: الحميري، ابن هشام، السيرة النبويّة، تحقيق وضبط وتعليق: محمّد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة محمّد علي صبيح وأولاده، مصر - القاهرة، 1383هـ - 1963م، لا.ط، ج4، ص933.

وحول قضيّة التحكيم وما جرى فيها من أحداث قبلها وبعدها، انظر: مرتضى العاملي، السيّد جعفر، عليّ والخوارج، المركز الإسلاميّ للدراسات، 1423هـ - 2002م، ط1.

[2] الشريف الرضي، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، مصدر سابق، ص137 (الخطبة رقم 93).

 

94


78

الدرس السادس‏: الخوارج

ولمّا قُتل الخوارج، وأفلت منهم مَن أفلت، قال بعض أصحاب الإمام  عليه السلام: يا أمير المؤمنين، هلك القوم بأجمعهم، فقال: "كلّا، والله إنّهم نُطف في أصلاب الرجال وقرارات النساء، كلّما نجم منهم قرن قُطع، حتّى يكون آخرهم لصوصاً سلّابين"[1].

 

وقد ذكر المؤرّخون قضايا وحوادث تُعرب عن أنّ القوم صاروا بعد ذلك لصوصاً سلّابين، فإنّ دعوة الخوارج اضمحلّت، ورجالها فنيت حتّى أفضى الأمر إلى أنْ صار خلفهم قطّاع طرق متظاهرين بالفسوق والفساد في الأرض.

 

وللإمام عليّ  عليه السلامكلمة في حقِّ الخوارج ألقاها بعد القضاء عليهم: "لا تُقاتلوا الخوارج بعدي، فليس مَن طلب الحقّ فأخطأه، كمن طلب الباطل فأدركه"[2].

 

هذه الكلمة تُعرب عن أنّ انحراف الخوارج عن الحقّ لم يكن شيئاً مدبّراً من ذي قبل، وإنّما سذاجة القوم وقرب قعرهم، جرّهم إلى تلك الساحة، وكانوا جاحدين للحقّ عن جهل ممزوج بالعناد، فكانوا يطلبون الحقّ من أوّل الأمر، لكنْ أخطأوا في طلبه، ودخلوا في حبائل الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء.

 

وللخوارج ألقاب عديدة، فمن ألقابهم: "الخوارج"، لخروجهم على الإمام عليّ بن أبي طالب  عليه السلام، و"المحكِّمة"، لكون شعارهم: "لا حكم إلّا لله"، و"الحروريّة"، لنزولهم في منطقة حروراء في أوّل أمرهم، و"الشُراة"، لقولهم: شرينا أنفسنا في طاعة الله، أي بِعْناها بالجنّة، و"المارقة"، لأنّهم مرقوا من الدين وخرجوا منه، كما يَمْرق السهم من الرمية -حسب توصيف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لهم-.


 


[1] الشريف الرضي، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، مصدر سابق، ص93.

[2] المصدر نفسه، ص94.

 

95


79

الدرس السادس‏: الخوارج

•         أهمُّ عقائدهم

1. تكفير مرتكب الكبيرة.

2. إنكار مبدأ التحكيم.

3. تكفير عثمان والإمام عليّ  عليه السلام، ومعاوية وطلحة والزبير

 

ومَن سار على دربهم، ورضي بأعمال عثمان وتحكيم عليّ  عليه السلام، على هذه الأُصول نشأوا إلى عهد ابن الزبير.

 

•         الفرقة الإباضيّة

الفرقة الوحيدة المتبقيّة من الخوارج هم الإباضيّة، ووُصفت الإباضيّة في كلام غير واحد بأنّهم أقرب الناس إلى أهل السنّة، وأنّهم هم الفرقة المعتدلة من الخوارج، ولأجل هذا أُتيح لهم البقاء إلى يومنا هذا، فهم متفرّقون في عُمان وزنجبار وشمال أفريقيا، فإذا كان البحث في سائر الفرق بحثاً في طوائف أبادها الدهر وصاروا خبراً لِكانَ، فالبحث عن الإباضيّة بحث عن فرقة موجودة من الخوارج، ويُعدّ مذهبهم المذهب الرسميّ في سلطنة عُمان.

 

وبما أنّ الخوارج لم يكونوا ذوي سمعة حسنة، وكان المسلمون يتبرّأون من عقائدهم وأعمالهم، صار هذا هو الحافز لعلماء الإباضيّة لإخراج أنفسهم من صفوفهم، والتأكيد على أنّهم فرقة مستقلّة لا صلة لهم بالخوارج، إلّا كونهم مشتركين في أصل واحد، وهو إنكار التحكيم.

 

ولمّا كانت الفرقة الإباضيّة هي الوحيدة الباقية إلى زماننا هذا، فسنذكر هنا أهمّ عقائدهم[1]:


 


[1] انظر: الأشعري، علي بن إسماعيل (الإمام الأشعري)، مقالات الإسلامين واختلاف المصلّين، تحقيق: محمّد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصريّة، لبنان - صيدا، لا.ط، 1990م، ج1، ص203 وما بعد.

 

96


80

الدرس السادس‏: الخوارج

1. إنّ الصفات الإلهيّة ليست شيئاً زائداً على الذات.

2. امتناع رؤية الله سبحانه في الآخرة

وهذا الأصل أيضاً من الأُصول اللامعة في عقائد الإباضيّة.

 

3. القرآن حادث غير قديم

إنّ المترقَّب من الإباضيّة الّذين رفضوا القشريّة، وخضعوا للعقل، أنْ يكون موقفهم في خلق القرآن موقف العدليّة، ويصرّحوا بأنّ القرآن مخلوق لله سبحانه وحادث بعد أنْ لم يكن، لكونه حادثاً ومخلوقاً لله سبحانه، غير أنّ الظاهر من بعض كتّابهم أنّهم يتحرّجون من التصريح بخلق القرآن، وإنْ كانوا بعيدين عن القول بكونه قديماً غير مخلوق.

 

4. عدم اشتراط القَرَشيّة في الإمام.

 

5. الشفاعة، دخول الجنّة بسرعة

إنّ مرتكبي الكبيرة عند الإباضيّة إذا ماتوا بلا توبة، محكومون بالخلود في النار، فلأجل هذا الموقف المسبَّق في هذه المسألة فسّروا الشفاعة بدخول المؤمنين الجنّة بسرعة، وفي الحقيقة خَصُّوها بغير المذنبين من الأُمّة، وهذا التفسير يوافق ما عليه المعتزلة من أنّ الغاية من الشفاعة هو رفع الدرجة لا مغفرة الذنوب.

 

6. مرتكب الكبيرة كافر نعمة لا كافر ملّة

اتّفقت الخوارج حتّى الإباضيّة على أنّ ارتكاب الكبيرة موجب للكفر، ولكنّ المتطرّفين منهم يرونه خروجاً عن الملّة، ودخولاً في الكفر والشرك، إلّا الإباضيّة، فإنّهم يرونه كفر النعمة.

 

7. الخروج على الإمام الجائر

يقول أبو الحسن الأشعريّ: "والإباضيّة لا ترى اعتراض الناس بالسيف، لكنّهم

 

97


81

الدرس السادس‏: الخوارج

يرون إزالة أئمّة الجور، ومنعهم من أنْ يكونوا أئمّة بأيّ شيء قدروا عليه بالسيف أو بغير السيف...

 

وحكى "زرقان" عن النَّجَدَات أنّهم يقولون: إنّهم لا يحتاجون إلى إمام، وإنّما عليهم أن يعملوا كتاب الله سبحانه فيما بينهم"[1].

 

إنّ وجوب الخروج على الإمام الجائر أصل يدعمه الكتاب والسنّة النبويّة وسيرة أئمّة أهل البيت عليهم السلام إذا وُجِدَت قدرة ومنعة، وهذا الأصل الّذي ذهبت إليه الإباضيّة، بل الخوارج عامّة، هو الأصل العام في منهجهم، ولكنْ نرى أنّ بعض الكتّاب الجدد من الإباضيّة، الّذين يُريدون إيجاد مشتركات بينهم وبين أهل السنّة، يطرحون هذا الأصل بصورة ضئيلة.

 

•         أهمُّ فرقهم وشخصيّاتهم

أما أهمُّ شخصيّاتهم في بداية ظهورهم، فهم[2]:

1. قطريّ بن الفجاءة (ت: 78هـ).

2. عمران بن حطّان السدوسيّ البصريّ (ت: 84هـ).

3. عكرمة البربري (ت: 105هـ).

4. الطرماح بن حكيم (ت: 125هـ).

 

5. عبد الله بن إباض

مؤسّس المذهب الإباضيّ، وقد خرج في أيّام مروان بن محمّد في أواخر دولة بني أميّة[3].


 


[1] الأشعري، مقالات الإسلامين واختلاف المصلّين، مصدر سابق، ج1، ص205-204.

[2] انظر: السبحاني، المذاهب الإسلاميّة، مصدر سابق، 141 وما بعد.

[3] وفي كتاب المذاهب الإسلاميّة، للشيخ السبحاني، يقول: "إنّ عبد الله بن إباض التميمي معاصر لمعاوية وعاش إلى أواخر أيّام عبد الملك بن مروان". انظر: السبحاني، المذاهب الإسلاميّة، مصدر سابق، ص136.

 

98


82

الدرس السادس‏: الخوارج

6. الضحّاك بن قيس

الضحّاك بن قيس مذكور في التاريخ باعتباره قائداً عسكريّاً قد أجهد الدولة الأمويّة في عصره، ولم يوصف بشيء من العلم والشعر والأدب سوى القيادة.

 

•         فرق أخرى للخوارج

وللخوراج فرق أخرى منقرضة هي:

1. الأزارقة

أتباع نافع بن الأزرق، المقتول سنة 65هـ.

 

2. النجديَّة

أتباع نجدة بن عامر الحنفيّ، توفّي سنة 69هـ.

 

3. البيهسيّة

ويُنسبون إلى أبي بيهس، طلبه الحجّاج أيّام الوليد، فهرب إلى المدينة، قتله واليها بأمر الوليد.

 

4. الصفريّة

والمعروف أنّهم أتباع ابن صفار، وقال الشهرستانيّ: إنّهم أتباع زياد بن أصفر.

 

99


83

الدرس السادس‏: الخوارج

خلاصة الدرس

 

•         ترجع بدايات ظهور الخوارج إلى قصّة التحكيم بعد معركة صفين، وهم جماعة من أتباع الإمام عليّ  عليه السلام ممّن انشقّوا عنه بعد اجتماع الحكمين وقيامهما بعزل الإمام عليّ  عليه السلام عن الخلافة مطلقين شعار: "لا حكم إلّا لله".

 

•         قاتل الإمام علي  عليه السلامالخوارج بمعركة النهروان، وقضى عليهم، وهم الّذين يُطلق عليهم المارقون، ولهم تسميات أخرى.

 

•         أهمُّ عقائدهم:

1. تكفير مرتكب الكبيرة.

2. إنكار مبدأ التحكيم.

3. تكفير عثمان وعليّ ومعاوية وطلحة والزبير.

 

•         الفرقة المتبقيّة منهم إلى الآن هي الإباضيّة، المقيمون في عُمان وزنجبار وشمال أفريقيا. وأهمّ عقائدهم هي: امتناع رؤية الله سبحانه في الآخرة، القرآن حادث غير قديم، الشفاعة: وتعني عندهم دخول الجنّة بسرعة، مرتكب الكبيرة كافر نعمة لا كافر ملّة.

 

•         أهمُّ شخصيّاتهم:

1. عبد الله بن إباض.

2. عكرمة البربريّ.

3. قطريّ بن الفجاءة.

4. عمران بن حطّان السدوسيّ البصريّ.

 

 

100


84

الدرس السادس‏: الخوارج

الأسئلة

 

1. كيف نشأ مذهب الخوارج؟

2. اذكر ثلاثة من عقائد الخوارج.

3. وضّح عقيدة الخوارج في كفر مرتكب الكبيرة.

 

 

101


85

الدرس السادس‏: الخوارج

مطالعة

من كلام للإمام عليّ  عليه السلامفي الخوارج لمّا سمع قولهم "لا حكم إلّا لله"، قال  عليه السلام: "كلمة حقّ يُراد بها باطل. نعم، إنّه لا حكم إلّا لله، ولكنْ هؤلاء يقولون: لا إمرة إلّا لله، وإنّه لا بُدَّ للناس من أمير برّ أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفيء، ويُقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي حتّى يستريح به برّ ويُستراح من فاجر. وقال  عليه السلام: أمّا الإمرة البرّة، فيعمل فيها التقي، وأمّا الإمرة الفاجرة، فيتمتّع فيها الشقيّ إلى أن تنقطع مدّته، وتُدركه منيّته"[1].

 

ومن كلام له  عليه السلامكلّم به الخوارج: "أَصَابَكُمْ حَاصِبٌ، ولَا بَقِيَ مِنْكُمْ آثِرٌ، أَبَعْدَ إِيمَانِي بِاللَّه وجِهَادِي مَعَ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، أَشْهَدُ عَلَى نَفْسِي بِالْكُفْرِ، لَا لْكُفْرِ ﴿قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾، فَأُوبُوا شَرَّ مَآبٍ، وارْجِعُوا عَلَى أَثَرِ الأَعْقَابِ. أَمَا إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي ذُلًّا شَامِلًا، وسَيْفاً قَاطِعاً، وأَثَرَةً يَتَّخِذُهَا الظَّالِمُونَ فِيكُمْ سُنَّةً"[2].

 

وقال  عليه السلاملمّا عزم على حرب الخوارج في النهروان: "مَصَارِعُهُمْ دُونَ النُّطْفَةِ[3]. واللَّه لَا يُفْلِتُ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ، ولَا يَهْلِكُ مِنْكُمْ عَشَرَةٌ"[4].

 

وقال  عليه السلاموقد مرّ بقتلى الخوارج يوم النهروان: "بُؤْساً لَكُمْ، لَقَدْ ضَرَّكُمْ مَنْ غَرَّكُمْ، فَقِيلَ لَه: مَنْ غَرَّهُمْ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَ: الشَّيْطَانُ الْمُضِلُّ، والأَنْفُسُ الأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ، غَرَّتْهُمْ بِالأَمَانِيِّ، وفَسَحَتْ لَهُمْ بِالْمَعَاصِي، ووَعَدَتْهُمُ الإِظْهَار،َ فَاقْتَحَمَتْ بِهِمُ النَّارَ"[5].


 


[1] الشريف الرضي، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، مصدر سابق، ص83 (الخطبة 40).

[2] المصدر نفسه، (الخطبة 58).

[3] قال الشريف الرضي: يعني بالنطفة ماء النهر، وهي أفصح كناية عن الماء وإن كان كثيراً جماً.

[4] الشريف الرضي، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، مصدر سابق، ص93 (الخطبة 59).

[5] المصدر نفسه، ص532.

 

102

 


86

الدرس السابع‏: الزيديـّة

الدرس السابع‏

 

الزيديـّة

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يتعرّف على "زيد" الّذي تُنسب إليه الزيديّة.

2. يدرك موقف أهل البيت عليهم السلام من زيد وثورته.

3. يُعدِّد أهمَّ عقائد الزيديّة، وأهمّ فرقهم.

 

103

 


87

الدرس السابع‏: الزيديـّة

•         النشأة والتأسيس

الزيديّة مذهب منتسب إلى زيد الشهيد ابن الإمام زين العابدين عليّ ابن سيّد الشهداء الإمام الحسين ابن الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام، ولد سنة 75هـ، واستُشهد سنة 120هـ، وفي عام ولادته وشهادته أقوال أخرى.

 

أخذ عن أبيه ثُمّ عن أخيه الإمام محمّد الباقر  عليه السلام، وكان الإمام الباقر عليه السلام ينظر إليه نظر أخ عطوف، ويُثني عليه ويُطريه، ويقول في حقّه: "هذا سيّد من أهل بيته، والطالب بأوتارهم"[1].

 

كما كانت أواصر الحبّ والودّ تجمعه بالإمام الصادق  عليه السلام، فلمّا بلغ نعيه إلى المدينة، أخذ الناس يفدون إلى الإمام ويعزّونه[2].

 

•         هل دعا زيد إلى نفسه؟

هذا هو بيت القصيد في حياة زيد، فالزيديّة عامّة على أنّ زيداً دعا إلى إمامة نفسه، وأمّا الإماميّة فيعتقدون أنّه دعا إلى الرضى من آل محمّد عليهم السلام وتضافرت رواياتهم على ذلك، وأنّه لو ظفر لوفى‏، ومعنى هذه الروايات أنّه كان يُمهِّد

 


[1] الصدوق، الشيخ محمّد بن علي بن بابويه، الأمالي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسسة البعثة، مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، إيران - قم، 1417هـ، ط1، ص415، ح11.

[2] سيأتي حديث الفضيل بن يسار ودخوله على الإمام الصادق عليه السلام وإخباره باستشهاد عمّه زيد.

 

104


88

الدرس السابع‏: الزيديـّة

الطريق لولاية الإمام المنصوص عليه في كلام النبيّ والأئمّة الصادقين عليهم السلام.

 

عن الإمام الصادق  عليه السلام: "إنّ زيداً كان مؤمناً، وكان عارفاً، وكان صدوقاً، أما لو ظفر لوفى‏، أما إنّه لو ملك عرف كيف يضعها"عليهم السلام[1].

 

وعنه  عليه السلام: "إنّ زيداً كان عالماً وكان صدوقاً، ولم يدعكم إلى نفسه، وإنّما دعاكم إلى الرضى من آل محمّد، ولو ظفر لوفى‏ بما دعاكم إليه، وإنّما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه"[2].

 

نعم، يؤكّد النقل التاريخي بيعة جماعة كثيرة له، ولكنْ بايعوه على الجهاد في سبيل الله تحت إمرته، لا على الإمامة بعد الظفر.

 

إلا أنّ الزيديّة زعمت - كما تقدّم - أنّه ادّعى الإمامة لنفسه، وكان الجهاد وسيلة لنيل ذلك الهدف، لكنّ كلمات زيد تخلو من أيّ إشارة إلى ذلك، بل كلّها تُعرب عن دعم الموقف الأوّل، وأنّه قام للرضى من آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.

 

•         اعترافه بإمامة الإمام الصادق عليه السلام

إنّ زيداً كان معترفاً بإمامة ابن أخيه الإمام جعفر الصادق عليه السلام بلا كلام، وكان يقول: "مَن أراد الجهاد فإليّ، ومَن أراد العلم فإلى ابن أخي جعفر"[3].

 

وروى الصدوق في "الأمالي" عن عمرو بن خالد: قال زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام: "في كل زمان رجل منّا أهل البيت يحتجّ الله به على خلقه، وحجّة زماننا ابن أخي جعفر بن محمّد، لا يضلّ مَن تبعه، ولا يهتدي مَن خالفه"[4].


 


[1] الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، تصحيح وتعليق: مير داماد الأسترابادي، تحقيق: السيد مهدي الرجائي، مؤسسة آل البيت h لإحياء التراث، لا.م، 1404هـ، لا.ط، ج2، ص570 (رقم 505).

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص264.

[3] الخزاز القمي، أبي القاسم علي بن محمّد بن علي، كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، تحقيق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي، انتشارات بيدار، إيران - قم، 1401هـ، لا.ط، ص306.

[4] الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص637.

 

105


89

الدرس السابع‏: الزيديـّة

وروى محمّد بن مسلم: دخلتُ على زيد بن عليّ وقلتُ: "إنّ قوماً يزعمون أنّك صاحب هذا الأمر، قال: لا، ولكنّي من العترة، قلتُ: فلمَن يكون هذا الأمر بعدكم؟ قال: سبعة من الخلفاء، والمهديّ منهم.

 

قال محمّد بن مسلم: دخلتُ على الباقر محمّد بن عليّ عليهما السلام فأخبرتُه بذلك، فقال: صدق أخي زيد، سبيل هذا الأمر بعدي سبعة من الأوصياء والمهديّ منهم، ثمّ بكى  عليه السلام، وقال: وكأنّي به وقد صُلب في الكناسة. يا بن مسلم، حدّثني أبي عن أبيه الحسين، قال: وضع رسول الله يده على كتفي، قال: يا حسين، يخرج من صلبك رجل يُقال له زيد، يُقتل مظلوماً إذا كان يوم القيامة حُشر وأصحابه إلى الجنّة"[1].

 

•         موقف أئمّة أهل البيت عليهم السلام من خروج زيد

إنّ موقف أئمّة أهل البيت عليهم السلام من خروج زيد كان إيجابيّاً، وكانوا يرون أنّ خروجه وجهاده جاء وَفقاً للكتاب والسنّة، بمعنى أنّ الخروج حينذاك لم يكن تكليفاً إلزاميّاً على الإمام ولا على غيره، ولكنّه لو خرج مسلم لإزالة الطغاة عن منصّة الحكم، وتقويض الظلم والفساد من دون أنْ يدعو إلى نفسه كان على المسلمين عونه ونصرته، وإجابة دعوته.

 

وكان خروج زيد على هذا الخط الّذي رسمناه، وهذا ما يُستفاد من الروايات المستفيضة، وإليك بعضها:

عن عبد الله بن سنان عن الفضيل بن يسار قال: انتهيتُ إلى زيد بن عليّ بن الحسين  عليه السلامصبيحة يوم خرج بالكوفة، فسمعته يقول: "مَن يُعينني منكم على قتال أنباط أهل الشام؟ فوالذي بعث محمّدًا بالحق بشيرًا ونذيرًا لا يُعينني منكم على قتالهم أحد إلّا أخذت بيده يوم القيامة فأدخلتُه الجنّة بإذن الله عزَّ


 


[1] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج46، ص200.

 

106


90

الدرس السابع‏: الزيديـّة

وجلَّ، فلمّا قُتل اكتريتُ راحلة، وتوجّهت نحو المدينة، فدخلتُ على أبي عبد الله  عليه السلام، فقلتُ في نفسي: والله لأُخبرنّه بقتل زيد بن عليّ فيجزع عليه، فلمّا دخلتُ عليه، قال: ما فعل عمّي زيد؟ فخنقتني العبرة، فقال: قتلوه؟ قلتُ: أي والله قتلوه، قال: فصلبوه؟ قلتُ: أي والله صلبوه، قال: فأقبل يبكي ودموعه تنحدر عن جانبي خدّه كأنّها الجمان، ثمّ قال: يا فضيل، شهدتَ مع عمّي زيد قتال أهل الشام؟ قلتُ: نعم، فقال: فكم قتلتَ منهم؟ قلتُ: ستّة، قال: فلعلّك شاكّ في دمائهم، قلتُ: لو كنت شاكّاً ما قتلتُهم، فسمعتُه وهو يقول: أشركني الله في تلك الدماء، ما مضى -والله- زيد عمّي وأصحابه إلّا شهداء مثل ما مضى عليه عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأصحابه"[1].

 

وعن عبد الله بن سيّابة أنّه أتى رسول بسّام الصيرفيّ بكتاب فيه: أمّا بعد، فإنّ زيد بن عليّ قد خرج يوم الأربعاء غرّة صفر، ومكث الأربعاء والخميس وقُتل يوم الجمعة، وقُتل معه فلان وفلان، فدخلنا على الصادق  عليه السلامفدفعنا إليه الكتاب، فقرأه وبكى، ثمّ قال: "﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ﴾ عند الله أحتسب عمّي، إنّه نعم العمّ، إنّ عمّي كان رجلًا لدنيانا وآخرتنا..."[2].

 

•         ثورة زيد بن عليّ كانت امتداداً لثورة الحسين عليه السلام‏

إنّ نهضة الحسين بن عليّ  عليه السلاممنذ قيامها صارت أُسوة وقدوة للمستضعفين، وقد لمس الثائرون مبدئيّة هذه النهضة، وأنّها قامت منذ البداية على مبادئ إلهيّة.

 

وقد أثارت وعي الأُمّة حتّى تتابعت ثورات عديدة ضدّ النظام الأُمويّ، نُشير إلى أهمّها:


 


[1] الشيخ الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا عليه السلام، تحقيق: الشيخ حسين الأعلمي، مؤسسة الأعلمي، لبنان - بيروت، 1404هـ - 1984م، لا.ط، ج1، ص228 (الباب 25، الحديث7).

[2] المصدر نفسه، ، ج1، ص228 (الباب 25، الحديث 6).

 

107


91

الدرس السابع‏: الزيديـّة

1. ثورة أهل المدينة

وإخراج عامل يزيد منها[1].

 

2. ثورة عبد الله بن الزبير[2].

 

3. ثورة التوّابين في الكوفة بقيادة سليمان بن صرد الخزاعيّ[3]

 

وكانت له صحبة مع النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم.

 

4. ثورة المختار بن أبي عبيدة الثقفيّ[4]

 

التي أثلجت قلوب بني هاشم.

 

5. ثورة عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث[5]

هذه الثورات الخمس كانت مستلهمة من ثورة الحسين  عليه السلام بوجه إلى أنْ وصلت النوبة إلى زيد.

 

6. ثورة زيد الشهيد

الّتي أنارت الطريق للثائرين الّذين أنهضهم زيد بثورته للقضاء على النظام الأُمويّ في مدّة لا تتجاوز عشر سنين.

 


[1] انظر: العسكري، مرتضى، معالم المدرستين، مؤسسة النعمان للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، 1410هـ - 1990م، لا.ط، ج3، ص182؛ أيضاً: الكوراني، علي العاملي، جواهر التاريخ، دار الهدى، 1425هـ - 2004م، ط1، ج4، ص319.

[2] انظر: ابن قتيبة الدينوري، أبو محمّد عبد الله بن مسلم، الإمامة والسياسة، تحقيق: علي شيري، انتشارات شريف الرضي، لا.م، 1371ش - 1413هـ، ط1، ج2، ص37؛ أيضاً: علي الكوراني ،جواهر التاريخ، مصدر سابق، ج4، ص405.

[3] انظر: بيضون، إبراهيم، كتاب التوابون؛ دار التعارف للمطبوعات، لبنان - بيروت، 1975م، ط2، أيضاً: علي الكوراني ،جواهر التاريخ، مصدر سابق، ج4، ص337.

[4] انظر: علي الكوراني ،جواهر التاريخ، مصدر سابق، ج4، ص350.

[5] انظر: الدينوري، أحمد بن داوود، الأخبار الطوال، تحقيق: عبد المنعم عامر، مراجعة الدكتور جمال الدين الشيال، دار إحياء الكتب العربي - عيسى البابي الحلبي وشركاه، منشورات شريف الرضي، 1960م، ط1، ص316 وما بعد.

 

108


92

الدرس السابع‏: الزيديـّة

•         الثائرون بعد زيد

إنّ ثورة زيد بن عليّ كانت ثورة عارمة في وجه الظالمين هزّت وضعضعت أركان الدولة الأُمويّة. ولإيقاف القارئ على الأحداث الّتي أعقبت ثورته، نذكر أسماء الّذين نهجوا منهجه، وساروا على دربه، وأخذوا بزمام الثورة وقادوها، وهم:

1. يحيى بن زيد

الّذي شارك مع أبيه في الثورة، وبقي بعد مقتل أبيه.

 

2. محمّد بن عبد الله بن الحسن

المعروف بالنفس الزكيّة، الّذي استشهد عام 145ه[1].

 

3. إبراهيم بن عبد الله[2]

(أخو محمّد المعروف بالنفس الزكيّة)، الذي استشهد في البصرة في العام الذي استشهد فيه أخوه محمّد.

 

4. إدريس بن عبد الله

حيث ذهب إلى المغرب بعد قتل محمّد بن عبد الله، فأجابه خلق من الناس[3].

 

5. إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن

مؤسّس دولة الأدارسة في المغرب[4].


 


[1] انظر: المسعودي، علي بن الحسين، مروج الذهب ومعادن الجوهر، منشورات دار الهجرة، إيران - قم، 1404هـ - 1363ش - 1984م، ط2، ج3، ص295.

[2] انظر: ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، مصدر سابق، ج8، ص63.

[3] انظر: محمّد بن عبد الله بن أبي بكر القضاعي (ابن الأبار)، الحلة السيراء، حقّقه وعلّق حواشيه: الدكتور حسين مؤنس، الشركة العربية الطباعة والنشر، القاهرة - مصر، 1963م، ط1، ج1، ص50.

[4] انظر: ابن الأبار، الحلة السيراء، مصدر سابق، ج1، ص53.

 

109


93

الدرس السابع‏: الزيديـّة

6. عيسى بن زيد بن عليّ أخو يحيى بن زيد

وقد توارى بعد ثورة أخيه، فمات متوارياً عام 166هـ[1].

 

7. محمّد بن إبراهيم الطباطبا

فقد خرج في خلافة المأمون، ودعا إلى الرضى من آل محمّد، توفّي عام 199هـ[2].

 

8. محمّد بن محمّد بن زيد بن عليّ[3]

وكان أبو السرايا قائداً عامّاً لجيشه، وكان قبل ذلك داعية لابن طباطبا.

 

9. محمّد بن القاسم بن عليّ بن عمر الأشرف بن عليّ ‏بن الحسين[4]

فقد ظهر في طالقان عام 219هـ، ودعا إلى الرضى من آل محمّد.

 

10. يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد

خرج بالكوفة عام 250هـ[5].

 

11. يحيى بن الحسين بن القاسم المعروف طباطبا[6]

وقد دعا إلى نفسه بصعدة، وبويع للإمامة، ثُمّ إنّ الإمام يحيى بن الحسين أسّس دولة زيديّة باليمن، وقام بأعباء الإمامة، ومن بعده أولاده إلى أنْ أُقصيت الزيديّة عن الحكم في اليمن بحلول الجمهوريّة، وذلك في شهر ربيع الأوّل من سنة 1382هـ، والموافق سنة 1962م.

 

 


[1] انظر: الزرباطي، حسين، بغية الحائر في أولاد الإمام الباقر عليه السلام، دار التفسير، إيران - قم، 1417هـ، ط1، ص192.

[2] انظر: ابن الجوزي، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، مصدر سابق، ج10، ص73.

[3] انظر: الذهبي، سير أعلام النبلاء، مصدر سابق، ج18، ص520.

[4] انظر: بن أبي يعقوب، أحمد (اليعقوبي)، تاريخ اليعقوبي، دار صادر، لبنان - بيروت، لا.ت، لا.ط، ج2، ص471؛ أيضاً: المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، مصدر سابق، ج3، ص464.

[5] انظر: الأصفهاني، علي بن الحسين (أبو الفرج)، مقاتل الطالبيين، تقديم وإشراف كاظم المظفر، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، العراق - النجف الأشرف، 1385هـ - 1965م، ط2، ص420.

[6] انظر: الإمام يحيى بن الحسين، الأحكام، تجميع: أبو الحسن علي بن أحمد بن أبي حريصة، لا.ن، لا.م، 1410هـ - 1990م، ط1، مقدّمة الكتاب؛ أيضاً: البصري، محمّد بن زكريا بن دينار، سيرة الهادي إلى الحق السيّد يحيى بن الحسين بن القاسم.

 

110


94

الدرس السابع‏: الزيديـّة

وكما قامت للزيديّة دولة في المغرب واليمن، كذلك قامت دولة زيديّة في طبرستان بين الأعوام (250-360هـ).

 

حيث ظهر الحسن بن زيد بن محمّد بن إسماعيل بن زيد بن الحسين  عليه السلام في طبرستان[1] أيّام المستعين بالله، وتمكّن من بسط نفوذه على طبرستان وجرجان، وقام بعده أخوه محمّد بن زيد ودخل بلاد الديلم عام 277هـ، ثُمّ ملك طبرستان بعد ذلك الناصر للحقّ الحسن بن عليّ المعروف بالأطروش، وجاء بعده الحسن بن القاسم، وبعده محمّد بن الحسن بن القاسم المتوفّى‏ عام 360هـ.

 

هذه إلمامة موجزة عن ثوّارهم ودولهم.

 

•         عقائدهم

لم يكن زيد الشهيد صاحب نهج كلاميّ ولا فقهيّ، وأمّا قوله بالعدل والتوحيد ومكافحة الجبر والتشبيه، فلأجل أنّه ورثها عن آبائه عليهم السلام، وإنْ كان يُفتي في مورد، أو موارد فكان يصدر عن الحديث الّذي يرويه عن آبائه.

 

نعم، جاء بعد زيد مفكّرون، وهم بين دعاة للمذهب، أو بناة للدولة في اليمن وطبرستان، فساهموا في إرساء مذهب باسم المذهب الزيديّ، متوافقين غالباً في الأُصول والعقائد مع المعتزلة، وفي الفقه وكيفيّة الاستنباط مع الحنفية، ولكنّ الصلة بين ما كان عليه زيد الشهيد في الأُصول والفروع وما أرساه‏ هؤلاء في مجالي العقيدة والشريعة منقطعة إلّا في القليل منها.

 

إنّ المذهب الزيدي مذهب ممزوج ومنتزع من مذاهب مختلفة في مجالي العقيدة والشريعة، ساقهم إلى ذلك الظروف السائدة عليهم، وصار مطبوعاً بطابع مذهب زيد، وإنْ لم يكن له صلة بزيد إلّا في القليل منه.


 


[1] انظر: الطبري، تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري)، مصدر سابق، ج7، ص429.

 

111


95

الدرس السابع‏: الزيديـّة

ومن ثُمّ التقت الزيديّة في العدل والتوحيد مع شيعة أهل البيت جميعاً، إذ شعارهم في جميع الظروف والأدوار رفض الجبر والتشبيه، والجميع في التديّن بذينك الأصلين عيال على الإمام عليّ بن أبي طالب  عليه السلام، كما أنهم التقوا مع المعتزلة في الأُصول الثلاثة (الأول: الوعد والوعيد، الثاني: المنزلة بين المنزلتين، والثالث: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)، حيث أدخلوا هذه الأُصول في مذهبهم، ورتّبوا عليها:

1. خلود مرتكب الكبيرة في النار إذا مات بلا توبة

وحرمانه من الشفاعة، لأنّها للعدول دون الفسّاق.

 

2. الشفاعة

بمعنى ترفيع الدرجة لا الحطّ من الذنوب.

 

3. الفاسق في منزلة بين المنزلتين

فهو عندهم لا مؤمن ولا كافر، بل فاسق.

 

فاستنتجوا الأمرين الأوّلين من الأصل الأوّل، والثالث من الأصل الثاني.

 

وأمّا الأصل الثالث، فهو ليس من خصائص الاعتزال ولا الزيديّة، بل يُشاركهم فيه الإماميّة. هذه عقائدهم في الأُصول.

 

وأمّا الفروع، فقد التفّت الزيديّة حول القياس والاستحسان والإجماع، وجعلوا الثالث، أي الاجماع بما هو حجّة، كما قالوا بحجيّة قول الصحابيّ وفعله، وبذلك صاروا أكثر فرق الشيعة توافقاً مع أهل السنّة.

 

ولكنّ العلامة الفارقة والنقطة الشاخصة الّتي تُميّز هذا المذهب عمّا سواه من المذاهب، ويسوقهم إلى الالتقاء مع الإماميّة والإسماعيليّة هو القول بإمامة عليّ والحسنين عليهما السلام بالنصّ الجليّ أو الخفيّ عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، والقول بأنّ تقدّم غيرهم عليهم كان خطأ وباطلًا.

 

112


96

الدرس السابع‏: الزيديـّة

وها نحن نأتي برؤوس عقائدهم الّتي يلتقون في بعضها مع المعتزلة والإماميّة:

1. صفاته سبحانه عين ذاته، خلافاً للأشاعرة.

2. إنّ الله سبحانه لا يُرى، ولا يجوز عليه الرؤية.

3. العقل يُدرك حسن الأشياء وقبحها.

4. الله سبحانه مريد بإرادة حادثة.

5. إنّه سبحانه متكلّم بكلام، وكلامه سبحانه فعله: الحروف والأصوات.

6. أفعال العباد ليست مخلوقة لله ‏سبحانه.

7. التكليف بما لا يُطاق قبيح، خلافاً للمجبّرة والأشاعرة.

8. المعاصي ليس بقضاء الله.

9. الإمامة تجب شرعاً لا عقلًا، خلافاً للإماميّة.

10. النصّ على إمامة زيد والحسنين عليهما السلام عند الأكثريّة.

11. خطأ المتقدّمين على الإمام عليّ  عليه السلام في الخلافة قطعيّ.

12. خطأ طلحة والزبير وعائشة قطعيّ.

13. توبة الناكثين صحيحة.

14. معاوية بن أبي سفيان فاسق، لبغيه، ولم تثبت توبته[1].

 

هذه رؤوس عقائد الزيديّة، استخرجناها من كتاب "القلائد في تصحيح الاعتقاد" المطبوع في مقدّمة "البحر الزخّار".


 


[1] انظر: السبحاني، المذاهب الإسلاميّة، مصدر سابق، ص244-241 (نقلاً عن البحر الزخّار، تأليف الإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى الزيدي، ص52-96).

 

113


97

الدرس السابع‏: الزيديـّة

•         فِرَقُهم

ذكر مؤرّخو العقائد للزيديّة فِرَقاً، وهم بين مقتصر على الثلاثة، وإلى مفيض إلى ستة، وإلى ثمانية، منها: الجاروديّة والسليمانيّة والبتريّة والنعيميّة، إلى غير ذلك من الفرق. وبما أنّ هذه الفرق كلّها قد بادت وذهبت أدراج الريح مع بقاء الزيديّة في اليمن، ولا يوجد اليوم في اليمن بين الزيديّة من المفاهيم الكلاميّة المنسوبة إلى الفرق كالجاروديّة أو السليمانيّة أو البتريّة أو الصالحيّة إلّا مفهوم واحد، وهو المفهوم العامّ الّذي تعرّفت عليه، وهو القول بإمامة زيد، والخروج‏ على الظلمة، واستحقاق الإمامة بالطلب والفضل لا بالوراثة، مع القول بتفضيل عليّ  عليه السلاموأولويّته بالإمامة، وقصرها من بعده في بطني الحسن والحسين عليهما السلام.

 

وأمّا أسماء تلك الفِرَق والعقائد المنسوبة إليهم، فلا توجد اليوم إلّا في بطون الكتب والمؤلّفات في الفِرَق الإسلاميّة، كالملل والنِّحل ونحوها، فإذا كان الحال في اليمن كما ذُكر، فالبحث عن هذه الفِرَق من ناحية إيجابيّاتها وسلبيّاتها ليس مهمّاً بعد ما أبادهم الدهر، وإنّما اللازم دراسة المفهوم الجامع بين فرقهم.

 

114


98

الدرس السابع‏: الزيديـّة

خلاصة الدرس

 

•         تُنسب الزيديّة إلى زيد ابن الإمام زين العابدين بن الحسين، إلّا أنّه لم يدعُ إلى إمامة نفسه، بل اعترف بإمامة ابن أخيه الإمام جعفر الصادق  عليه السلام.

 

•         إنّ موقف أئمّة أهل البيت عليهم السلام من خروج زيد كان إيجابيّاً، وكانوا يرون أنّ خروجه وجهاده جاءا وفقاً للكتاب والسنّة.

 

•         قام زيدٌ بثورة كانت امتداداً لثورة جدِّه الحسين  عليه السلام، وقد ترحّم عليه الإمام الصادق  عليه السلام.

 

•         لم يكن زيد صاحب نهج كلاميّ ولا فقهيّ. نعم، جاء بعده مفكِّرون ساهموا في إرساء مذهب باسم المذهب الزيديّ.

 

•         إنّ المذهب الزيدي مذهب ممزوج ومنتزع من مذاهب مختلفة في مجالي العقيدة والشريعة ساقهم إلى ذلك الظروف السائدة عليهم.

 

•         عقائدهم قريبة من المعتزلة، وفقههم قريب من الحنفيّة، ويلتقون ببعض عقائدهم مع الإماميّة.

 

•         العلامة الفارقة والنقطة الشاخصة الّتي تُميّز هذا المذهب عمّا سواه من المذاهب، ويسوقهم إلى الالتقاء مع الإماميّة والإسماعيليّة، هو القول بإمامة عليّ والحسنين عليهما السلام بالنصّ الجليّ أو الخفيّ عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم.

 

115

 


99

الدرس السابع‏: الزيديـّة

الأسئلة

 

1. من هو الشهيد زيد بن عليّ بن الحسين عليهما السلام؟

2. اذكر ثلاثة من عقائد المذهب الزيدي.

3. وضّح موقف أئمّة أهل البيت عليهم السلام من خروج زيد.

4. عدّد ثلاثة ممّن ثاروا بعد زيد بن عليّ  عليه السلام.

 

 

116


100

الدرس السابع‏: الزيديـّة

مطالعة

 

استشهاد زيد بن عليّ  عليه السلام

وفي أيّامه (أي أيّام هشام بن عبد الملك بن مروان) استُشهد زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ h، وذلك في سنة إحدى وعشرين ومائة، وقيل بل في سنة اثنتين وعشرين ومائة، وقد كان زيد بن عليّ شَاوَرَ أخاه أبا جعفر بن عليّ بن الحسين بن عليّ، فأشار عليه بأن لا يركن إلى أهل الكوفة، إذ كانوا أهل غَدْر ومَكْر، وقال له: بها قُتل جدُّكَ عليّ، وبها طُعن عمّك الحسن، وبها قُتل أبوك الحسين، وفيها وفي أعمالها شُتمنا أهْل البيت، وأخبره بما كان عنده من العلم في مدّة ملك بني مروان، وما يتعقّبهم من الدولة العباسيّة، فأبى إلّا ما عزم عليه من المطالبة بالحقّ، فقال له: إنّي أخاف عليّك، يا أخي، أنْ تكون غداً المصلوبَ بَكُنَاسة الكوفة، وودَّعة أبو جعفر، وأعلمه أنّهما لا يلتقيان.

 

وقد كان زيد دخل على هشام بالرُّصَافَة، فلما مَثَلَ بين يديه لم ير موضعاً يجلس فيه، فجلس حيث انتهى به مجلسه، وقال: يا أمير المؤمنين، ليس أحد يكبر عن تقوى الله، ولا يصغر دون تقوى الله، فقال هشام: اسكت لا أمَّ لك، أنت الّذي تُنازعك نفسُكَ في الخلافة، وأنت ابن أمَةٍ، قال: يا أمير المؤمنين، إنّ لك جواباً إنْ أجبتك به، وإنْ أحببت أمسكت عنه، فقال: بل أجِبْ، قال: إنّ الأمّهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات، وقد كانت أمّ إسماعيل أمَةً لأمّ إسحاق صلى الله عليهما وسلم، فلم يمنعه ذلك أنْ بعثه الله نبيّاً، وجعله للعرب أباً، فأخرج من صُلْبه خير البشر محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم ، فتقول لي هذا وأنا ابن فاطمة وابن عليّ، وقام وهو يقول:

شَرّدهُ الخوف وأزْرَى به         كذاك من يكره حرّ الجلاد

منخرق الكفّين يشكو الجوى  تنكثه أطراف مَرْوٍ حِدَاد

 

117


101

الدرس السابع‏: الزيديـّة

قد كان في الموت له راحة      والموت خَتْم في رقاب العباد

إنْ يُحْدِث الله له دولة          يترك آثار العدا كالرماد

 

فمضى عليها إلى الكوفة وخرج عنها، ومعه القرّاء والأشراف، فحاربه يوسف بن عمر الثقَفِي، فلمّا قامت الحرب انهزم أصحاب زيد، وبقي في جماعة يسيرة، فقاتلهم أشدَّ قتال، وهو يقول متمثِّلًا:

ألذّ الحياة وعزّ الممات         وكلّاً أراه طعاماً وبيلاً

فإنْ كان لا بُدَّ من واحد       فَسِيرِي إلى الموت سيراً جميلاً

 

وحال المساء بين الفريقين، فراح زيد مُثْخَناً بالجراح، وقد أصابه سهم في جبهته، فطلبوا من ينزع النصل، فأُتي بحجّام من بعض القرى، فاستكتموه أمره، فاستخرج النصل، فمات من ساعته، فدفنوه في ساقية ماء، وجعلوا على قبره التراب والحشيش، وأجرى الماء على ذلك، وحضر الحجَّامُ مواراته فعرف الموضع، فلما أصبح مضى إلى يوسف متنصِّحاً، فدلَّه على موضع قبره، فاستخرجه يوسف، وبعث برأسه إلى هشام، فكتب إليه هشام: أنْ اصلبهُ عرياناً، فصلبه يوسف كذلك، ففي ذلك يقول بعض شعراء بني أميّة يُخَاطب آل أبي طالب وشيعتهم من أبيات:

صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة       ولم أر مَهْدِيّاً على الجذع يُصلب

 

وبَنَى تحت خشبته عموداً، ثمّ كتب هشام إلى يوسف يأمره بإحراقه وذَرْوِه في الرياح[1].

 

 


 


[1] المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، مصدر سابق، ج3، ص206.

 

118


102

الدرس الثامن: الإسماعيليـّة

الدرس الثامن

الإسماعيليـّة

 

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يتعرّف إلى نشأة الإسماعيليّة.

2. يُعدِّد أهمَّ عقائد الإسماعيليّة.

3. يُعدِّد أهمَّ شخصيّاتهم.

 

120


103

الدرس الثامن: الإسماعيليـّة

•         النشأة والتأسيس

ذكر النوبختي -وهو من علماء الشيعة-: أنّه "فلمّا توفي أبو عبد الله جعفر بن محمّد  عليه السلامافترقت شيعته بعده إلى ستّ فرق -إلى أنْ قال- وفرقة زعمت أنّ الإِمام بعد جعفر بن محمّد عليه السلام، ابنه إسماعيل بن جعفر، وأنكرت موت إسماعيل في حياة أبيه، وقالوا كان ذلك على جهة التلبيس من أبيه على الناس، لأَنّه خاف فغيّبه عنهم، وزعموا أنّ إسماعيل لا يموت حتّى يملك الأَرض، ويقوم بأمر الناس، وأنّه هو القائم، لأَنّ أباه أشار إليه بالإِمامة بعده، وقلّدهم ذلك له، وأخبرهم أنّه صاحبه، والإِمام لا يقول إلّا الحقّ، فلمّا ظهر موته علمنا أنّه قد صدَق، وأنّه القائم، وأنّه لم يمت، وهذه الفرقة هي "الإِسماعيليّة" الخالصة"[1].

 

كان الإمام الصادق  عليه السلامحريصاً على إفهام الشيعة بأنّ الإمامة لم تُكْتب لإسماعيل، فليس هو من خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الاثني عشر الّذين كُتبت لهم الخلافة والإمامة بأمر السماء وإبلاغ الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.

 

ومن الدواعي الّتي ساعدت على بثّ بذر الشبهة والشكّ في نفوس الشيعة في ذلك اليوم، هو ما اشتُهِر من أنّ الإمامة للولد الأكبر. وكان إسماعيل أكبرَ أولاده فكانت أماني الشيعة معقودة عليه حسب الضابطة - صحّت أم لم تصحّ - ولأجل


 


[1] النوبختي، فرق الشيعة، مصدر سابق، ص68-67.

 

122


104

الدرس الثامن: الإسماعيليـّة

ذلك تركّزت جهود الإمام الصادق عليه السلام على معالجة الوضع واجتثاث جذور تلك الشبهة والتأكيد على أنّ الإمامة لغيره، فتراه تارة ينصُّ على ذلك، بقوله وكلامه، وأُخرى بالاستشهاد على موت إسماعيل، وأنّه قد انتقل إلى رحمة الله، ولن يصلحَ للقيادة والإمامة. ومن ذلك ما رواه النعماني عن زرارة بن أعين، أنّه قال: دخلت على أبي عبد الله  عليه السلاموعند يمينه سيّدُ ولده موسى  عليه السلام، وقُدّامه مرقد مُغطّى، فقال لي: "يا زرارة، جئني بداود بن كثير الرقّي، وحمران، وأبي بصير". ودخل عليه المفضّل بن عمر، فخرجت فأحضرت مَنْ أمرني بإحضاره، ولم يزل الناس يدخلون واحداً إثرَ واحد، حتّى صرنا في البيت ثلاثين رجلاً.

 

فلمّا حشد المجلس قال: "يا داودُ اكشف لي عن وجه إسماعيل"، فكشف عن وجهه، فقال أبو عبد الله  عليه السلام: "يا داود أحيٌّ هو أم ميت؟" قال داود: يا مولايَ هو ميت، فجعل يعرض ذلك على رجل رجل، حتّى أتى على آخر مَن في المجلس، وانتهى عليهم بأسرهم وكلٌّ يقول: هو ميت يا مولاي، فقال: "اللّهمّ اشهد"، ثُمّ أمر بغَسْله وحنوطه، وإدراجه في أثوابه.

 

فلمّا فرغ منه، قال للمفضّل: "يا مفضّل، احسر عن وجهه"، فحسَر عن وجهه، فقال: "أحيٌّ هو أم ميت؟"، فقال: ميت، قال: "اللّهمّ اشهد عليهم"، ثمّ حُمِل إلى قبره، فلمّا وُضِع في لَحده، قال: "يا مفضّل، اكشف عن وجهه" وقال للجماعة: "أحيٌّ هو أم ميت؟"، قلنا له: ميت، فقال: "اللّهمّ اشهد، واشهدوا، فإنّه سيرتاب المبطلون، ﴿يُرِيدُونَ لِيُطۡفِ‍ُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ﴾ - ثمّ أومأ إلى موسى عليه السلام - ﴿وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ﴾"، ثمّ حثونا عليه التراب، ثمّ أعاد عليّنا القول، فقال: "الميّت، المحنَّط، المكفَّن، المدفون في هذا اللّحد، من هو؟" قلنا: إسماعيل، قال: "اللّهم اشهد"، ثمّ أخذ بيد موسى  عليه السلام وقال: "هو حقّ، والحقّ منه، إلى أنْ يرث الله الأَرض ومَن عليها"[1].


 


[1] النعماني، محمّد بن إبراهيم (الشيخ ابن أبي زينب)، كتاب الغيبة، تحقيق: فارس حسون كريم، أنوار الهدى، إيران - قم، 1422هـ، ط1، ص347 (الحديث رقم 8).

 

123


105

الدرس الثامن: الإسماعيليـّة

•         أهمُّ عقائدهم

المعروف أنَّ الإسماعيليّة باطنيّة، حتّى إنَّ كتبهم متستّر عليها ومخفيّة، وليست في متناول اليد، ولكنْ نذكر بعض عقائدهم من خلال كتب منسوبة إليهم:

1. نفي الصفات عن الله عزَّ وجلَّ[1]

ذهبت الإِماميّة إلى نفي زيادة الصفات على الذات، فقالت: إنّ صفاته عين ذاته، ولكنّ الإِسماعيليّة ذهبت إلى نفي الصفات عنه على الإِطلاق، واكتفت في مقام معرفته سبحانه بالقول بهويّته وذاته دون وصفه بصفات، حتّى الصّفات الجماليّة والكماليّة.

 

2. الإِنسان مخيّر لا مسيّر[2]

الإنسان مخيّر في ما يعتقد لنفسه، من علومه، وصناعته، ومذاهبه، ومعتقداته، واستدلّوا لذلك بأنّه لولا ذلك لما كانت للنفس منفعة بإرسال الرسل، وقَبول العلم، وتلقّي الفوائد والانصياع لأوامر الله تعالى، إذ لو كانت مجبورة لاستغنت عن كلِّ شيء تستفيده.

 

كما استدلّوا بآيات منها قوله تعالى: ﴿وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ * وَأَنَّ سَعۡيَهُۥ سَوۡفَ يُرَىٰ﴾[3].

 

3. الشريعة لها ظاهر وباطن

يقول عليّ بن محمّد الوليد[4]: "إنّ الشارع قد وضع أحكام شريعته، وعباداتها من الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحجّ وغير ذلك، مضمّنة للأُمور العقليّة، والأَحكام والمعاني الإِلهيّة، وما يتخصّص منها من الأُمور الظاهرة المشاكلة


 


[1] بن الوليد، علي، تاج العقائد ومعدن الفوائد، مؤسسة عز الدين، لبنان - بيروت، ط2، 1403هـ، ص27.

[2] المصدر نفسه، ص166.

[3] سورة النجم، الآيتان 39 - 40.

[4] هو الداعي المطلق الخامس للإسماعيليّة "المستعليّة" في اليمن، المولود سنة 522هـ والمتوفى سنة 612 هـ، ويتحدر من أسرة عربيّة عريقة لها شأن في مجالات الأدب والفلسفة.

 

124


106

الدرس الثامن: الإسماعيليـّة

الجسم، والأُمور الباطنة المشاكلة للعقل والنفس، وكلُّ من حقّق ذلك كانت معتقداته سالمة"[1].

 

4. المعاد

المعاد بمعنى عود الإنسان إلى الحياة الجديدة من أُسس الشرائع السماويّة. نعم، اختلفوا في كونه جسمانيّاً أو روحانيّاً، والإسماعيليّة، على القول بالمعاد الروحانيّ[2].

 

5. الإمامة[3]

يعتقد الإسماعيليّون أنّ الأرض لا تخلو من إمام حيٍّ قائم، إمّا ظاهر مكشوف أو باطن مستور، ولذا كانت الأئمّة عندهم على نوعين: أئمّة الظاهر، وأئمّة الباطن.

 

كما أنّ الإمامة عندهم على درجات خمس، وهي:

•         الإمام المقيم.

•         الإمام الأساس.

•         الإمام المتمّ.

•         الإمام المستقرّ.

•         الإمام المستودَع.

 

وربّما يُضاف إليها رتبتان: الإمام القائم بالقوّة، والإمام القائم بالحقّ. وهذه الدرجات ظلّت حقبة طويلة من الزمن مجهولة لدى الباحثين إلّا طبقة خاصّة من العلماء، أو لا أقلّ في التقيّة والاستتار والكتمان.


 


[1] بن الوليد، تاج العقائد ومعدن الفوائد، مصدر سابق، ص101.

[2] المصدر نفسه، ص163.

[3] انظر: في بحث الإمامة عند الإسماعيّليّة: تامر، عارف، الإمامة في الإسلام، دار الأضواء، لبنان - بيروت، 1419هـ - 1998م، ط1.

 

 

125


107

الدرس الثامن: الإسماعيليـّة

أ. الإمام المُقيم:

هو الّذي يُقيم الرسولَ الناطقَ، ويُعلّمه ويُربّيه ويُدرجه في مراتب رسالة النطق، ويُنعم عليه بالإمدادات، وأحياناً يُطلقون عليه اسم "ربّ الوقت" و"صاحب العصر"، وتُعتبر هذه الرتبة أعلى مراتب الإمامة وأرفعها وأكثرها دقّة وسرّيّة.

 

ب. الإمام الأساس:

هو الّذي يُرافق الناطق في مراحل حياته كافّةً، ويكون ساعده الأيمن، وأمين سرّه، والقائم بأعمال الرسالة الكبرى، والمنفّذ للأوامر العليا، فمنه تتسلسل الأئمّة المستقرّون في الأدوار الزمنيّة، وهو المسؤول عن شؤون الدعوة الباطنيّة القائمة على الطبقة الخاصّة ممّن عرفوا "التأويل"، ووصلوا إلى العلوم الإلهيّة العليا.

 

ج. الإمام المتمّ:

هو الّذي يُتمّ أداء الرسالة في نهاية الدور، والدور كما هو معروف أصلاً يقوم به سبعة من الأئمّة، فالإمام المتمّ يكون سابعاً ومتمّاً لرسالة الدور، وأنّ قوّته تكون مُعادِلة لقوّة الأئمّة الستّة الّذين سبقوه في الدور نفسه بمجموعهم. ومن جهة ثانية، يُطلق عليه اسم ناطق الدور أيضاً، أي أنّ وجوده يُشبه وجود الناطق بالنسبة إلى الأدوار، أمّا الإمام الّذي يأتي بعده، فيكون قائماً بدور جديد، ومؤسّساً لبنيان حديث.

 

د. الإمام المستقرّ:

هو الّذي يملك صلاحيّة توريث الإمامة لولده، كما أنّه صاحب النصّ على الإمام الّذي يأتي بعده، ويُسمّونه أيضاً الإمام بجوهر، والمتسلّم شؤون الإمامة بعد الناطق مباشرة، والقائم بأعباء الإمامة أصالة.

 

هـ. الإمام المستودَع:

هو الّذي يتسلّم شؤون الإمامة في الظروف والأدوار الاستثنائيّة، وهو الّذي يقوم بمهمّاتها نيابةً، عن الإمام المستقرّ بالصلاحيّات المستقرّة نفسها للإمام

 

126

 


108

الدرس الثامن: الإسماعيليـّة

المستقرّ، ومن الواضح أنّه لا يستطيع أنْ يورِّث الإمامة لأحد من ولده، كما أنّهم يُطلقون عليه (نائب غيبة).

 

هذا، وتعْتقد الإسماعيليّة أنّ الإمامة في آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من نسل عليّ وفاطمةd فرض من الله سبحانه أكمل به الدين، فلا يتمّ الدِّين إلّا به، ولا يصحّ الإيمان بالله والرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلّا بالإيمان بالإمام والحجّة. ويدلّ على فرض الإمامة إجماع الأُمّة على أنّ الدين والشريعة لا يقومان ولا يُصانان إلّا بالإمام.

 

•         أئمّة الإسماعيليّة

الأئمّة المستورون

الإمام الأوّل: إسماعيل بن الإمام الصادق عليه السلام.

الإمام الثاني: محمّد بن إسماعيل (132-193هـ).

الإمام الثالث: عبد الله بن محمّد بن إسماعيل (179-212هـ).

الإمام الرابع: أحمد بن عبد الله (198-265هـ).

الإمام الخامس: الحسين بن أحمد (219-289هـ).

 

الأئمّة الظاهرون

الإمام السادس: عبيد الله المهدي (260-322هـ).

الإمام السابع: القائم بأمر الله (280-334هـ).

الإمام الثامن: الإمام المنصور بالله (303-346هـ).

الإمام التاسع: المعزّ لدين الله مؤسّس الدولة الفاطميّة في مصر (319-365هـ)، وهو أوّل خليفة فاطمي، ملك مصر، وخرج إليها.

الإمام العاشر: العزيز بالله (344-386هـ).

الإمام الحادي عشر: الحاكم بأمر الله (375-411هـ).

 

 

127

 


109

الدرس الثامن: الإسماعيليـّة

وأمّا الحاكم بأمر الله، فمجمل القول فيه إنّه فُقد في سنة (411هـ)ـ، ولم يُعلم مصيره، وحامت حول كيفيّة اغتياله أساطير.

 

وبعد اختفائه انشقّت فرقة من الإسماعيليّة، وهم الدروز الموجودون في لبنان وسوريا.

 

الإمام الثاني عشر: عليّ بن منصور الظاهر لإعزاز دين الله (395-427هـ). بويع بالخلافة وعمره ستّة عشر عاماً، وشنّ حرباً على الدروز محاولاً إرجاعهم إلى العقيدة الفاطميّة الإسماعيليّة.

 

الإمام الثالث عشر: معدّ بن عليّ المستنصر بالله (420-487هـ). بويع بالخلافة وكان له من العمر سبعة أعوام.

 

وبعد وفاة المستنصر بالله، حدث انشقاق آخر بعد انشقاق الدروز في المرّة الأولى فانقسمت الإسماعيليّة إلى مستعليّة تقول بإمامة أحمد المستعلي بن المستنصر بالله، ونزاريّة تقول بإمامة نزار بن المستنصر.

 

هذا، وقد افترقت المستعلية إلى داووديّة وسليمانيّة، والداعي المطلق إلى الداوديّة اليوم هو طاهر الدين المُقيم في بومباي الهند، أمّا الداعي إلى السليمانيّة فهو عليّ بن الحسين المُقيم في مقاطعة نجران بالحجاز.

 

وقد افترقت النزاريّة إلى المؤمنيّة والقاسميّة.

 

•         أهمُّ شخصيّاتهم

1. أحمد بن حمدان بن أحمد الورثنياني (أبو حاتم الرازي) (260-322هـ).

2. محمّد بن أحمد النسفي البردغي (النخشبي) (.... - 331هـ).

3. أبو يعقوب السجستاني (271 - وكان حيّاً عام 360هـ).

 

 

128

 


110

الدرس الثامن: الإسماعيليـّة

خلاصة الدرس

•         الإسماعيليّة هم من الفِرَق الّتي كانت ترى الإمامة بعد الإمام الصادق عليه السلام لابنه إسماعيل.

 

•         حرِص الإمام الصادق  عليه السلامعلى إظهار أنّ إسماعيل ليس هو الإمام من بعده، وذلك من خلال إعلام الناس بموته وكشفه جنازته لهم.

 

•         من الأسباب الّتي أدّت إلى الاعتقاد بأنّ الإمام هو إسماعيل كونه من أكبر أولاد الإمام  عليه السلام.

 

•         أهمُّ عقائدهم:

1. نفي الصفات عن الله عزَّ وجلَّ.

2. الإنسان مخيّر لا مسيّر.

3. الشريعة لها ظاهر وباطن.

4. الإمامة عندهم على درجات خمس وهي : أ - الإمام المُقيم. ب - الإمام الأساس. ج - الإمام المُتمّ. د - الإمام المستقرّ. هـ - الإِمام المستودَع.

 

وأمّا أئمّتهم، فهم يرون الأئمّة مستورين وظاهرين.

 

•         انشقّ الدروز عن الإسماعيليّة بعد فقدان الحاكم بأمر الله. وجرى انشقاق آخر في الإسماعيليّة بعد موت المستنصر بالله، إلى المستعلية والنزاريّة، وانشقّت المستعلية إلى داوديّة وسليمانيّة، والنزاريّة انشقّت إلى المؤمنيّة والقاسميّة.

 

 

129

 


111

الدرس الثامن: الإسماعيليـّة

الأسئلة

1. كيف نشأ المذهب الإسماعيلي؟

2. اذكر ثلاثة من عقائد المذهب الإسماعيلي.

3. وضّح عقيدة الإسماعيليين في الإمامة ودرجاتها.

4. عدّد ثلاثة من أئمّة المذهب الإسماعيلي.

 

130


112

الدرس الثامن: الإسماعيليـّة

مطالعة

 

كتمان الوثائق‏

إنّ استعراض تاريخ الدعوات الباطنيّة السريّة وتنظيماتها رهن الوقوف على وثائقها ومصادرها الّتي تُنير الدرب لاستجلاء كنهها، وكشف حقيقتها وما غمض من رموزها ومصطلحاتها، ولكنْ -مع الأسف الشديد- إنّ الإسماعيليّة كتموا وثائقهم وكتاباتهم ومؤلفاتهم وكلّ شي‏ء يعود لهم، ولم يبذلوها لأحد سواهم، فصار البحث عن الإسماعيليّة بطوائفها أمراً مستعصياً، إلّا أنْ يستند الباحث إلى كتب خصومهم وما قيل فيهم. ومن المعلوم أنّ القضاء في حقّ طائفة استناداً إلى كلمات مخالفيهم، خارج عن أدب البحث النزيه.

 

وهذا ليس شيئاً عجباً، إنّما العجب أنّ المؤرّخين المعاصرين من الإسماعيليّة واجهوا هذه المشكلة نفسها منذ زمن طويل، يقول مصطفى غالب، وهو من طليعة كتّاب الإسماعيليّة: "وقد اختلف المؤرخون في معرفة تاريخ بدء الدعوة الإسماعيليّة، وانقسموا إلى فرق وأحزاب، أخذ كلّ منهم برأي، وأيدّ كلّ فريق منهم آراءه بمزاعم وأقوال ادعى صحّتها وصدقها، إلّا أنّ بعض المستشرقين الذين نقّبوا وبحثوا في تاريخ الدعوة، قد تمكّنوا من الحصول على بعض المعلومات القيّمة، والتي كان لها أثر كبير في إظهار الدعوة الإسماعيليّة بمظهرها الحقيقي، ولا سيما بعد أن حاول أكثر المؤلّفين المأجورين وصمها بشتى الإشاعات واتّهامها بمختلف التهم، وخاصّة في العصور العبّاسيّة وما بعدها.

 

وبفضل تلك الدراسات التاريخيّة المهمّة التي قامت بها فئة من المستشرقين الثقات الضليعين في علوم الإسماعيلية، وعلى رأسهم أو بالأحرى في مقدمتهم العلّامة والمستشرق الروسيّ الكبير البروفسور "إيفانوف"، عضو جمعيّة الدراسات الإسلاميّة في "بومباي"، والبروفسور "ماسينيون" المستشرق الفرنسيّ الشهير،

 

131

 


113

الدرس الثامن: الإسماعيليـّة

والدكتور "شتروطمان" الألمانيّ عميد معهد الدراسات الشرقية بجامعة هامبورغ، ومسيو "هنري كوربن" أُستاذ الفلسفة الإسلاميّة في جامعة طهران، والمستشرق الانكليزي "برنارد لويس" وغيرهم.

 

حتّى سنة 1922 ميلاديّة، كانت المكتبات في جميع أنحاء العالم فقيرة بالكتب الإسماعيليّة، إلى أنْ قام المستشرق الألماني "براون" بإنشاء مكتبة إسماعيليّة ضخمة، غايتها إظهار الآثار العلميّة لطائفة كانت في مقدّمة الطوائف الإسلاميّة في الناحية الفكريّة والفلسفيّة والعلميّة، ولم يقتصر نشاط أُولئك المستشرقين عند حدود التأليف والنشر، بل تعدّاه إلى الدعاية المنظّمة، سواء في المجلّات العلميّة الكبرى، "مجلة المتحف الآسيوية"، الّتي كانت تُصدرها أكاديميّة العلوم الروسيّة في مدينة "بطروسبورغ"، ويُشرف على تحريرها "إيفانوف"، وبعض المستشرقين الروس أمثال "سامينوف"، وغيره ممن دبّجوا المقالات الطوال عن العقيدة الإسماعيليّة.

 

ففي سنة 1918م، كتب المستشرق "سامينوف" مقاله الأوّل عن الدعوة الإسماعيليّة، وقد جمعه بنفسه، ونشره في مجلّته، كما نقل إلى اللغة الإنكليزيّة عدداً ضخماً من الكتب الإسماعيليّة المؤلّفة بالّلغتين "الكجراتية" و"الأُوردية" -إلى أنْ قال-: لقد أحدثت تلك الدراسات المهمّة ثورة فكريّة وانقلاباً عكسيّاً في العالم الإسلاميّ، حيث قام عدد من الأساتذة المصريّين بنشر الآثار الإسماعيليّة في العهود الفاطميّة، فأخرجوا إلى حيّز الوجود عدداً لا بأس به من الكتب القيّمة، وأظهروا للعالم أجمع آثار هذه الفرقة"[1].


 


[1] غالب، مصطفى، تاريخ الدعوة الإسماعيليّة، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان - بيروت، ط2، لا.ت، ص15-14.

 

132


114

الدرس الثامن: الإسماعيليـّة

ويعلّق الشيخ السبحانيّ على كلام مصطفى غالب: "وعلى الرغم ممّا ذكره المؤرّخ المعاصر من أنّ المصريّين أظهروا للعالم أجمع آثار هذه الفرقة، لكنّا نرى أنّه يعتمد في كتابه على وثائق خطيّة موجودة في مكتبته الخاصّة، أو مكتبة دعاة مذهبه في سورية، ويكشف هذا عن وجود لفيف من المصادر مخبوءة لم ترَ النور لحدِّ الآن"[1].


 


[1] السبحاني، بحوث في الملل والنحل، مصدر سابق، ج‏8، ص15.

 

133

 

 


115

الدرس التاسع‏: الدروز

الدرس التاسع‏

الدروز

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية هذا الدرس أن:

1. يتعرّف إلى نشأة الدروز.

2. يُعدِّد أهمَّ عقائد الدروز.

3. يُعدِّد أهمَّ شخصيّاتهم.

 

135


116

الدرس التاسع‏: الدروز

•         التسميّة

يقول الشيخ السبحانيّ: "الدروز هم جمع الدرزيّ، والعامة تتكلّم بضمّ الدال، والصحيح فتحها. والظاهر أنّ الكلمة تركيّة بمعنى الخيّاط، وهي من الكلمات الدخيلة على العربيّة، حتى يقال: درز يدرز درزاً، الثوب، خاطه، والدرزيّ: الخيّاط"[1].

 

•         التستُّر في عقيدة الدروز

الدروز فرقة باطنيّة متستّرة على معتقداتها حتّى عن معظم أتباعها. ويرجع ذلك، كما يقول بعض مؤلِّفيهم، إلى الاضطهاد والخوف التاريخيّ الّذي وقعوا تحت تأثيره، بدءاً من انشقاقهم عن الإسماعيليّة بعد موت الحاكم بأمر الله وتسلُّم ابنه الإمامة، وهو الظاهر لدين الله، حيث نكَّل بهم أشدّ تنكيل[2].

 

وبسبب تكتمهم على عقائدهم، لم يُكتب عن الدروز شيء يصح الاعتماد عليه، حيث إنّهم من الفرق التي لا تنشر عقائدها، فلا يجد الباحث ما يعتمد عليه من الوثائق، ممّا يصعب معه الاطلاع على عقائدهم بصورة صحيحة وموثوقة.

 


 


[1] السبحاني، المذاهب الإسلاميّة، مصدر سابق، ص342.

[2] انظر: العسراوي، نجيب، المذهب التوحيدي الدرزي، لا.ن، لا.ب، ط3، 1990م، ص59.

 

137


117

الدرس الثامن: الإسماعيليـّة

ولأجل ذلك، تضاربت أقوال المؤرّخين حول عقائدهم، فمنهم من صوَّر لهم صورة بيضاء ناصعة يطهّرهم عن كل ما ينسب إليهم من منكرات، بينما نجد الآخرين ينسبون إليهم أموراً منكرة ومشينة.

 

مثلاً: يقول البستاني في كتابه "دائرة المعارف": "إيمان الدروز أنّ الله واحد لا بداءة له ولا نهاية، وأنّ النفوس مخلّدة تتقمّص بالأجساد البشريّة (التناسخ)، ولا بدّ لها من ثواب وعقاب يوم المعاد بحسب أفعالها، وأنّ الدنيا تكوّنت بقوله تعالى: "كوني" فكانت، والأعمار مقدرة بقوله: ﴿وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِذَا جَآءَ أَجَلُهَاۚ﴾[1]، وأنّ الله عارف بكلّ شيء، وهم يكرّمون الأنبياء المذكورين في الكتب المنزلة، ويؤمنون بالسيّد المسيح، ولكنّهم ينفون عنه الألوهيّة والصلب...

 

وعندهم أنّه لا بدّ من العرض والحساب يوم الحشر والنشر. وتنقسم هذه الطائفة إلى: عقّال وجهّال.

 

فالعقّال هم عمدة الطائفة، ولهم رئيسان دينيّان يسميّان بشيخي العقّال..."[2].

 

وفي المقابل، نجد -مثلاً- فريد وجدي قد نقل عنهم صورة مشوّهة، حيث قال: "من معتقداتهم أنّ الحاكم بأمر الله هو الله نفسه، وقد ظهر على الأرض عشر مرّات، أولاها في العلى، ثمّ في البارز، إلى أن ظهر عاشر مرّة في الحاكم بأمر الله، وأنّ الحاكم لم يمت، بل اختفى حتّى إذا خرج يأجوج ومأجوج -ويسمونهم القوم الكرام- تجلّى الحاكم على الركن اليمانيّ من البيت بمكة، ودفع إلى حمزة سيفه المذهّب، فقتل به إبليس والشيطان... ويعتقدون بأنّ عدد الأرواح محدود، فالروح التي تخرج من جسد الميّت تعود إلى الدنيا في جسد طفل جديد...

 

ويعتقدون أنّ الحاكم بأمر الله تجلّى لهم أوّل سنة 408هـ، فأسقط عنهم التكاليف، من صلاة وصيام وزكاة وحجّ وجهاد وولاية وشهادة..."[3].


 


[1] سورة المنافقون، الآية 11.

[2] البستاني، بطرس، دائرة المعارف، ج7، ص677-675. (نقلاً عن كتاب: السبحاني، المذاهب الإسلاميّة، مصدر سابق، ص344-343).

[3] وجدي، محمّد فريد، دائرة معارف القرن العشرين، ج4، ص28-26. (نقلاً عن كتاب: السبحاني، المذاهب الإسلاميّة، مصدر سابق، ص346-344).

 

138


118

الدرس التاسع‏: الدروز

وقد اعترف بعض مؤلّفيهم بوجود شواذ في كتبهم، يقول نجيب العسراويّ: "نُحبُّ أنْ نُعلن شكرنا لتلك الفئة الدرزيّة الكريمة الّتي حافظت وتُحافظ دائماً على كتمان كتبنا الدينيّة، لأنّ بإعلانها ضرراً وعيباً أدبيّاً واجتماعيّاً، وإساءة شاملة للعشيرة، لأنّ في كتب المذهب أشياء لا يصحُّ أنْ يعرفها الغير، لما فيها من التحامل والتهكّم على الأديان.... ولما فيها من الشواذ العقليّ، والغلوّ بالإنسان ذاك الّذي ينقض التوحيد...."[1].

 

•         الحدود والإصلاح

عَمِل الحدودُ الخمسة -وهم علماء دروز- على تنقية تحريفات الكتب الدرزيّة وشواذها، وهم:

1. كبير الحدود حمزة بن عليّ بن أحمد الزوزنيّ[2]

ولد سنة 375هـ، وكان مختلفاً مع نشتكين الدرزيّ[3] الّذي خالف دعوة التوحيد.

 

 


[1] العسراوي، المذهب التوحيدي الدرزي، مصدر سابق، ص12.

[2] حمزة بن علي بن أحمد الفارسي الحاكمي الدرزي: من كبار الباطنية، ومن مؤسسي المذهب (الدرزي). فارسي الأصل، من مقاطعة (زوزن) كان قزازاً أو لباداً، وتأدب بالعربية، وانتقل إلى القاهرة (قيل: حوالي سنة 405ه‍) واتصل برجال الدعوة السرّية، من شيعة الحاكم بأمر الله الفاطمي، فأصبح من أركانها. واستمر يعمل لها في الخفاء، ويواصل رفع كتبه إلى الحاكم، حتى كانت سنة 408ه‍، فأظهر الدعوة. وأضاف الزركلي في كتابه الأعلام: "... وحمزة عندهم (أي الدروز) أول الحدود الخمسة المعصومين ويكنون عنه بالعقل ويقولون: إنه أمر بإقامة أركان الدين، وهي عندهم: (صدق اللسان، وحفظ الاخوان، وترك جميع الأديان، والابتعاد عن مهاوي الشرك والبهتان، والإقرار بوحدانيته في كل الأزمان، والرضاء بفعله كيفما كان، والتسليم لأمره في كل آن). (خير الدين الزركلي، الأعلام، دار العلم للملايين، لبنان - بيروت، أيار - مايو 1980م، ط5، ج2، ص278).

[3] نشتكين الدرزي: هو "أبو عبد الله الدرزيّ محمّد بن إسماعيل الدرزيّ، أحد أصحاب الدعوة ... قيل: هو فارسي الأصل، قدم إلى مصر في أواخر سنة 407ه‍، ودخل في خدمة (الحاكم)، وصنّف له كتاباً قال فيه: إن روح آدم انتقلت إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ومنه إلى أسلاف الحاكم متقمصة من واحد إلى آخر حتى انتهت إلى الحاكم ...". (خير الدين الزركلي، الأعلام، مصدر سابق، ج6، ص35).

 

139


119

الدرس التاسع‏: الدروز

2. أبو إبراهيم إسماعيل بن محمّد بن حامد التميميّ[1].

3. أبو عبد الله محمّد بن وهب القرشيّ[2].

4. أبو الخير سلامة بن عبد الوهّاب السامريّ[3].

5. أبو الحسن عليّ بن أحمد السّموقيّ[4]

 

ولكنْ بقيت رسائل الدروز على ما فيها من التحريف والإضافات غير التوحيديّة حتّى زمن عبد الله التنّوخي[5]، فاكتشف التحريف، ونادى بحذفه إجابة لأوامر الحدود الخمسة، فقامت عليه قيامة العامّة، فهاجر إلى سوريا اثني عشر عاماً، إلى أنْ تمّ الاتفاق على عودته بشرطين:

الأوّل: أنْ يتعلّم الجميع القرآن ويحفظوه.

الثاني: أنْ تتعلّم البنات القراءة والكتابة.

 

 


[1] إسماعيل بن محمّد بن حامد التميمي، أبو إبراهيم: من دعاة الباطنيّة. له عند الطائفة الدرزيّة مقام كبير. وهم يكنّون عنه بالنفس (بسكون الفاء)، ويلقبونه بالمجتبى والوزير الثاني... وكان من رجال الحاكم بأمر الله الفاطميّ، ومن ناشري دعوته في أيامه وبعده. وله كتب ورسائل، منها (تقسيم العلوم) كتبه بأمر حمزة بن علي، ورسالة (الزناد والشمعة) و(الرشد والهداية) و(شعر النفس)، وهو منظومات له. (خير الدين الزركلي، الأعلام، مصدر سابق، ج1، ص323).

[2] محمّد بن وهب القرشي أو القريشي، أبو عبد الله: من ناشري دعوة الحاكم بأمر الله الفاطمي. له مقام كبير عند الدروز، يكنّون عنه بالكلمة، ويلقّبونه (الرضي سفير القدرة) و(الوزير الثالث) و(الجناح الرباني) و(داعي القائم). كان متصلاً بحمزة بن علي وساعده على استمرار الدعوة بعد غيبة الحاكم. (خير الدين الزركلي، الأعلام، مصدر سابق، ج7، ص134).

[3] سلامة بن عبد الوهّاب السامري، أبو الخير: من أركان الدعوة الباطنية الدرزية. كان في أيام الحاكم بأمر الله، ومن رجاله. واتصل بحمزة بن علي وساعده على استمرار نشر الدعوة ... وهو عند الدروز من (الحدود الخمسة) يكنّون عنه بالجناح الأيمن، ويلقّبونه بالمصطفى، والوزير الرابع. ومن ألقابه في كتب الدين عندهم (الباب السابق) و (باب حجة القائم) و (الباب الأعظم). (خير الدين الزركلي، الأعلام، مصدر سابق، ج3، ص107).

[4] علي بن أحمد الطائي السموقي، أبو الحسن، بهاء الدين: من أركان الدعوة الباطنية الدرزية، وأحد "الحدود الخمسة" عند الدروز. يكنون عنه بالتالي، والجناح الأسير، ويلقبونه بالمقتني، ويدعونه "الوزير الخامس" ومن ألقابه في كتب مذهبهم "التابع" و "خامس الحدود" و"آخر الحدود". وكان من كبار كتابهم ... وكان في عصر الحاكم بأمر الله الفاطمي، ومن حملة لوائه، وله اتصال بحمزة بن علي. (خير الدين الزركلي، الأعلام، مصدر سابق، ج4، ص254).

[5] الأمير عبد الله التنوخي (1417-1479م) المعروف بالسيد: هو آخر من شرح رسائل بهاء الدين خليفة حمزة اللباد الزوزي الزعيم الفكري للدعوة الدرزيّة. وللسيد هذا مزار في بلدة (عبية) بلبنان، وهو مزار مكرم يفده ألوف الزوار فيقدمون الهدايا ويوفون النذور. (بامطرف، محمد عبد القادر، الجامع (جامع شمل أعلام المهاجرين المنتسبين إلى اليمن وقبائلهم)، دار الرشيد للنشر، العراق - بغداد، لا.ت، ط1، ج2، ص725).

 

140


120

الدرس التاسع‏: الدروز

حتّى جاء الأمير شكيب أرسلان[1] فنظر التحريف الّذي ينقض التوحيد، وأراد إصلاحه جملة، فعرض على الدروز إعادة المذهب إلى إسلاميّته التوحيديّة، فرفضوا فتركهم، وغيره من المتعلّمين الدروز أدركوا التحريف، وسكتوا عنه خشيةً من اللوم أو عدم مبالاة.

 

•         من عقائدهم الظاهرة

ونحن هنا ذاكرون لكم بعض اعتقاداتهم الظاهرة من خلال أحد كتّابهم، وهو أمين طليع[2]، حيث قدّم لكتابه شيخ عقل الدروز في حينه محمّد أبو شقرا.

 

1. جوهر الدين

جوهر الدين هو، أنْ يكون الإنسان ذا ضمير نقيّ، من العبث والحرام، وأنْ يُقدّم القرابين ويتلو الصلاة وهو غارق في الإثم....

2. الله

الله خالق كلِّ شيء، لا شريك له.... جلّ ذكره عن وصف الواصفين، لا يُدرَك، رحيم شفوق.

 

للمعبود لاهوت وناسوت. أمّا الحقيقة اللاهوتيّة، فهي لا تُدرك بالحواسّ والقياس، أي أنّ لاهوت المعبود ليس له مكان، ولا يخلو منه مكان.


 


[1] شكيب أرسلان: (الأمير شكيب أرسلان) (6821-6631ه‍ = 1946-1869م) شكيب بن حمود بن حسن بن يونس أرسلان، من سلالة التنّوخيّين ملوك الحيرة: عالم بالأدب، والسياسة، مؤرّخ، من أكابر الكتاب، ينعت بأمير البيان. من أعضاء المجمع العلمي العربي. ولد في الشويفات بـ(لبنان)، وتعلم في مدرسة (دار الحكمة) ببيروت ... وانتخب نائباً عن حوران في مجلس (المبعوثان) العثماني. وسكن دمشق في خلال الحرب العالمية الأولى، ثم (برلين) بعدها. وانتقل إلى جنيف (بسويسرا)، فأقام فيها نحو 25 عاماً.

وعاد إلى بيروت، فتوفّي فيها، ودفن بالشويفات. عالج السياسة الإسلاميّة قبل انهيار الدولة العثمانية، وكان من أشد المتحمسين لها ومن أنصارها. واضطلع بعد ذلك بالقضايا العربية، فما ترك ناحية منها إلا تناولها تفصيلاً وإجمالاً ... (خير الدين الزركلي، الأعلام، مصدر سابق، ج3، ص173).

[2] أمين طليع (1989-1911م): قاضٍ حقوقيّ وكاتب لبنانيّ. ولد في جديدة الشوف، وتخرّج محاميّاً في جامعة ليون بفرنسا. رحل إلى العراق للتدريس ثم عاد إلى لبنان، وشغل وظائف عدّة في القضاء. له مؤلفات حول تاريخ الدروز.

 

141


121

الدرس التاسع‏: الدروز

أمّا الناسوت، فهو في العقيدة أنّ المعبود يتّخذ له من حين إلى آخر مقامات ناسوتيّة لتذكير مخلوقاته بوجوب طاعته، ثُمّ تجلّى ناسوته في كلِّ دور من الأدوار فيضاً من نوره الإلهي، لتكون له على المخلوقات الحجّة، وانبعث هذا النور في أنبيائه، وفي من أكملوا الرسالة من الأئمّة المعصومين[1].

 

3. الأنبياء

إنّ الله أنطق بالحقّ والهدى آدم ونوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّداً. فجاء كلٌّ منهم بتعاليمه ودينه متمّماً للآخر، إذ إنّ الأديان تتعاقب وتتطوّر، ويُكمل بعضها الآخر، فيؤيّد ما سبقه.

 

4. العقل

بأمر الله خُلق العقل، فكان أوّل مَن ظهر مِن أمره، وهو جوهر بسيط روحانيّ.

 

5. التناسخ والتقمّص

اعتقد قدماء المصريّين بالنسخ والفسخ والرسخ، أي أنّ النفس الصالحة تنتقل من جسم بشريّ بعد موته، إلى جسم بشريّ آخر، وهذا ما يُسمّى بالنسخ أو التناسخ، أمّا النفس الأقلّ صلاحاً، فإنّها تنفسخ عن جسم إنسان لتحلّ في جسم حيوان، وهذا ما يُسمّى بالفسخ، أمّا النفس الشرّيرة، فإنّها تنتقل إلى جماد، فترسخ فيه وتموت، وهذا ما يُسمّى بالرسخ.

 

غير أنّ الفلسفة الهنديّة أنكرت الرسخ، أمّا الدروز فإنّهم لا يأخذون إلّا بالنسخ فقط. ومرجع ذلك اعتقادهم أنّ النفس لا تموت، بل يموت الجسم فقط، ولا تنتقل إلى حيوان، لأنّ انتقالها إلى جسم حيوان ظلمٌ لها، لأنّ العقاب مرجأ إلى يوم الدين، فإذا رجحت حسناتها كان لها الثواب، وإذا رجحت سيّئاتها كان لها العقاب.


 


[1] المراد أئمّة الدروز الّذين يعتقدون بهم.

 

142


122

الدرس التاسع‏: الدروز

6. في التخيير والإجبار

الإنسان مسيَّر ومخيَّر في آن واحد، فهو مخيَّر في ما يحدّه عقله ويصل إليه إدراكه، ومسيَّر في الأمور الّتي لا قِبَل له بها، إذ لا يحدّها العقل، ولا يصل إليها الإدراك.

 

فالأجل مكتوب، والمقدّر كائن لا يُمحى، ولا مهرب منه ولا مناص.

7. في الزواج

تعدُّد الزوجات ممنوع.

8. الطلاق

 

إذا طلّق الزوج دون أسباب موجبة، فلزوجته نصف ما يملك، أمّا إذا كانت المرأة هي المسبِّبة للطلاق، فله نصف ما تملك.

 

وإذا طلّق، لا يجوز الزواج منها مرّةً ثانية.

 

143


123

الدرس التاسع‏: الدروز

خلاصة الدرس

 

•         الدروز فرقة باطنيّة متستِّرة على معتقداتها حتّى عن معظم أتباعها، ممّا أدّى إلى انتقادهم واتهامهم من الغير.

•         تضاربت أقوال المؤرِّخين حول عقائدهم، فمنهم قد صوَّر لهم صورة بيضاء ناصعة يطهّرهم عن كلّ ما ينسب إليهم من منكرات، بينما نجد آخرين قد نسبوا إليهم أموراً منكرة ومشينة.

•         اعترف بعض مؤلّفيهم بوجود شواذ في كتبهم.

•         عَمِل الحدود الخمسة على تنقية تحريفات وشواذ الكتب الدرزية.

•         نادى عبد الله التنّوخي بحذف التحريفات من كتبهم إجابةً لأوامر الحدود الخمسة، فقامت عليه قيامة العامّة، فهاجر إلى سوريا اثني عشر عاماً.

•         جاء الأمير شكيب أرسلان حاول إصلاح التحريف الّذي ينقض التوحيد، فعرض على الدروز إعادة المذهب إلى إسلاميّته التوحيديّة فرفضوا فتركهم.

•         حسب الظاهر من بعض كتّابهم أنّهم: يؤمنون بالله الواحد والأنبياء، إلّا أنّهم يؤمنون بالتناسخ والتقمُّص.

 

143


124

الدرس التاسع‏: الدروز

الأسئلة

 

1. مَن هو مؤسّس مذهب الدروز؟

2. اذكر ثلاثة من عقائد المذهب الدرزيّ.

3. وضّح عقيدة الدروز في التناسخ والتقمّص.

4. عدّد ثلاثة من شخصيّات المذهب الدرزيّ.

 

 

145


125

الدرس التاسع‏: الدروز

مطالعة

 

بعض ما قيل في الدروز في دائرة المعارف البستانيّة

"إيمان الدروز، أنّ الله واحد، أحد، لا بداءة له ولا نهاية، وأنّ النفوس مخلّدة تتقمّص بالأجساد البشريّة (التناسخ)، ولا بدّ لها من ثواب وعقاب يوم المعاد بحسب أفعالها، وأنّ الدنيا تكوّنت بقوله تعالى: كوني، فكانت، والأعمار مقدّرة بقوله: ﴿وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِذَا جَآءَ أَجَلُهَاۚ﴾، وأنّ الله عارف بكلِّ شي‏ء، وهم يكرّمون الأنبياء المذكورين في الكتب المنزلة، ويؤمنون بالسيّد المسيح، ولكنّهم ينفون عنه الألوهيّة والصلب، وأسماء بعض الأنبياء عندهم كأسمائهم في تلك الكتب، ولبعضهم أسماء أُخرى، كالقدّيس جرجس، فإنّه عندهم الخضر، وأسماء أنبيائهم شعيب وسليمان وسلمان الفارسيّ ولقمان ويحيى، وعندهم أنّه لا بُدّ من العرض والحساب يوم الحشر والنشر.

 

وتنقسم هذه الطائفة إلى: عقّال وجهّال. فالعقّال هم عمدة الطائفة، ولهم رئيسان دينيّان يُسمّيان بشيخي العقّال، والأحكام الدينيّة مفوّضة إليهم.

 

وعندهم للوصيّة نفوذ تامّ، فإنّ الإنسان مختار أنْ يوصي قبل موته بأملاكه لمن يشاء، قريباً كان أم غريباً.

 

وقد أمر عقّالهم بتجنّب الشكّ، والشرك، والكذب، والقتل، والفسق، والزنى، والسرقة، والكبرياء، والرياء، والغشّ، والغضب، والحقد، والنميمة، والفساد، والخبث، والحسد، وشرب الخمور، والطمع، والغيبة، وجميع الشهوات والمحرّمات والشبهات، ورفض كلّ منكر من المآكل والمشارب، ومجانبة التدخين، والهزل والمساخر والهزء والمضحكات، وجميع الأفعال المغايرة لإرادته تعالى، وترك الحلف بالله صدقاً أو كذباً، والسبّ، والقذف، والدعاء بما فيه ضرر الناس.

 

146

 


126

الدرس التاسع‏: الدروز

وعندهم أنّه على كلّ مؤمن التحلّي بالعفاف، والطهارة، والفعل الجميل، والكرم بالعلم، والمال، وخوف الله وطاعته، والرصانة، وصيانة العرض، وصدق اللسان، وصونه من الإفك والإثمّ والزور والبهتان مع استمرار ذكر الله وتسبيحه وتقديمه، وتقديم الصلوات والتضرّعات والتوسّلات لعزّته تعالى. ولا يجوز لعاقل أنْ يخلو بامرأة، ولا أنْ يردّ تحيّتها ما لم يكن بينهما ثالث.

 

وشأنهم التهذيب وكره الزيف والتّرف. وكلّ عاقل ارتكب القتل أو الزنى أو السرقة أو غيرها من الآثام يُطرد من مجلس العقّال الّذين يجلسون فيه للقيام بالفروض الدينيّة ويبقى مطروداً إلى أنْ تتحقّق ندامته وتوبته.

 

ومن شأن الدروز إكرام الضيف، والشجاعة، والاقتصاد بالمعيشة[1].

 

وقد تناولت دائرة المعارف الإسلاميّة ما قيل في اعتقادهم بألوهيّة الحاكم، ما هذا نصّه:

وقد قام مذهب الدروز على فكرة أنّ الله قد تجسّد في الإنسان في جميع الأزمان وهم يتصوّرون أنّ الله ذاته أو على الأقلّ القوّة الخالقة تتكوّن من مبادئ متكثّرة يصدر الواحد منها عن الآخر، ويتجسّد مبدأ من هذه المبادئ في الإنسان.

 

فالخليفة الحاكم وفقاً لهذه العقيدة، يُمثّل الله في وحدانيّته، وهذا هو السبب في أنّ حمزة قد أطلق على مذهبه اسم مذهب "التوحيد"، وهم يعبدون الحاكم ويسمّونه "ربّنا"، ويفسِّرون متناقضاته وقسوته تفسيراً رمزيّاً، فهو آخِر من تجسّد فيهم الله، وهم يُنكرون وفاته، ويقولون إنّه إنّما استتر وسيظهر يوماً ما وفقَاً للعقيدة المهدويّة[2].


 


[1] دائرة المعارف، البستاني، ج7، ص677-675.

[2] دائرة المعارف الإسلاميّة، ج9، ص218-217. (نقلاً عن كتاب: السبحاني، بحوث في الملل والنحل، مصدر سابق، ج‏8، ص 345 و349).

 

147


127

الدرس العاشر: العلويـّون

الدرس العاشر

 

العلويـّون

 

 

أهداف الدرس

على المتعلم مع نهاية هذا الدرس:

1. يتعرّف إلى نشأة العلويّين.

2. يُعدِّد أهمَّ عقائد العلويّين.

3. يُعدِّد أهمَّ شخصيّاتهم.

 

 

 

149


128

الدرس العاشر: العلويـّون

•         النشأة والتأسيس

يُطلق على العلويّين تسمية النصيريّة، وقد ادّعى بعضهم أنّ السبب في هذه النسبة هو كونهم من الفرقة الّتي أحدثها محمّد بن نصير النميريّ[1]، وهو من أصحاب الإمام الحسن العسكريّ  عليه السلام، وقد ادّعى الوكالة عن الحجّة المُنْتظَر، ثُمّ ادّعى أنّه رسول ونبيٌّ من قبل الله. ويُرجع بعضٌ سبب التسمية إلى أنّه لمّا فُتحت جهات بعلبكّ وحمص استمدّ أبو عبيدة الجرّاح نجدة، فأتاه من العراق خالد بن الوليد، ومن مصر عمرو بن العاص، وأتاه من المدينة جماعة من أتباع عليّ  عليه السلام، وهم ممّن حضروا بيعة غدير خم، وهم من الأنصار، وعددهم يزيد على أربعمائة وخمسين، فسُمّيت هذه القوّة الصغيرة نصيريّة، إذ كان من قواعد الجهاد تمليك الأرض الّتي يفتحها الجيش لذلك الجيش نفسه، فقد سُمّيت الأراضي الّتي امتلكها جماعة النصيريّة: جبل النصيريّة، وهو عبارة عن جهات جبل الحلو وبعض قضاء العمرانيّة المعروف الآن، ثُمّ أصبح هذا الاسم علماً خاصّاً لكلّ جبال العلويّين من جبل لبنان إلى أنطاكية[2].

 


[1] انظر: الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن، كتاب الغيبة، تحقيق: الشيخ عباد الله الطهراني والشيخ علي أحمد ناصح، مؤسسة المعارف الإسلاميّة، إيران - قم، 1411هـ، ط1، ص398.

[2] انظر: الطويل، محمّد أمين غالب، تاريخ العلويين، مطبعة الترقي، سوريا - اللاذقيّة، 1924م، لا.ط، ص88-87.

 

151


129

الدرس العاشر: العلويـّون

•         أهمُّ عقائدهم

يتّفق العلويّون مع الشيعة في أصول الإسلام الخمسة، وهي: التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد.

 

عقيدة المسلمين العلويّين في الجبر والاختيار هي طبق ما جاء عن الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب  عليه السلام، وهو ينفي الجبر والإهمال، وقد منح الله العباد القوّة على أفعالهم، وأوكلهم فيها إلى نفوسهم فعلاً وتركاً بعد الوعد والوعيد، قال  عليه السلام في نهج البلاغة: "إنّ الله سبحانه أمر عباده تخييراً، ونهاهم تحذيراً، وكلّف يسيراً، ولم يُكلّف عسيراً، وأعطى على القليل كثيراً، ولم يُعصَ مغلوباً، ولم يُطَع مُكرَهاً، ولم يُرِسِل الأنبياء لعباً، ولم يُنزل الكتاب عبثاً، ولا خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً، ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾[1]،[2].

 

وقد نسب مناوئوهم عقائد وآراء شتّى إليهم، نُشير في ما يلي إلى بعضها:

1. الاعتقاد بالحلول والغلوّ في حقّ الأئمّة عليهم السلام

ولا سيّما الإمام عليّ بن أبي طالب  عليه السلام[3].

2. التناسخ.

3. نبوّة النميريّ محمّد بن نصير[4].

4. شراكة الإمام عليّ  عليه السلاممع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نبوّته.

5. عبادة السماء والشمس والقمر على تقاليد الفينيقيّين

 

والاعتقاد بوجود الأئمّة عليهم السلام فيها.


 


[1] سورة ص، الآية 27.

[2] انظر: الإبراهيم، عليّ عزيز، العلويون والتشيع، الدار الإسلاميّة، لبنان - بيروت، 1992م، ط1، ص83-76.

[3] انظر: الشهرستاني، الملل والنحل، مصدر سابق، ج1، ص189.

[4] انظر: النوبختي، فرق الشيعة، مصدر سابق، ص93.

 

152


130

الدرس العاشر: العلويـّون

ويُمكن القول: إنّ هناك أقلاماً مُغرِضة حاولت أنْ تنسب العلويّين إلى فرقة النصيريّة البائدة اعتماداً على أمور يُنكرها العلويّون اليوم قاطبة.

 

فحسب المصادر المطّلعة على حالهم، فإنّ عقائد العلويّين لا تختلف عن عقائد الشيعة الإماميّة، وهي معروفة مسجَّلة، وتتلخّص في التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد[1].

 

•         قضيّة ألوهيّة عليّ عليه السلام

أُمُّ الاتهامات ضدّهم هي تهمة الغلوّ وتأليه الإمام عليّ عليه السلام، حيث يُكرِّرها المؤلِّفون من قديم وجديد.

 

ورميهم بالغلوّ والتطرّف كان ردّ فعل من مناوئيهم، حيث كان يرميهم هؤُلاء بالتقصير في حقّ عليّ بن أبي طالب  عليه السلام أو عدم الإيمان بفضائله وأفضليّته من سائر الصحابة.

 

•         عقيدتهم في الإمامة

يرى العلويّون أنّ الأئمّة عليهم السلام هم أوصياء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ولمّا كان الأئمّة عليهم السلام يُحصون علوم الأوّلين والآخرين كان لا بُدّ لهم من باب، ولذلك اتبعوا الأثر، فاتخذوا باباً لكلٍّ منهم، والأبواب هم:

1. الإمام عليّ بن أبي طالب  عليه السلام، باب مدينة العلم، الّتي هي النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وبابه سلمان الفارسيّ.

2. الإمام الحسن المجتبى  عليه السلام، بابه قيس بن ورقة المعروف بالسفينة.

3. الإمام الحسين الشهيد  عليه السلام، بابه رشيد الهجريّ.


 


[1] انظر: الطويل، تاريخ العلويين، مصدر سابق، ص91-93.

 

153


131

الدرس العاشر: العلويـّون

4. الإمام عليّ زين العابدين  عليه السلام، بابه عبد الله الغالب الكابليّ.

5. الإمام محمّد الباقر  عليه السلام، بابه يحيى بن معمّر بن أُمّ الطويل الشماليّ.

6. الإمام جعفر الصادق  عليه السلام، بابه جابر بن يزيد الجعفيّ.

7. الإمام موسى الكاظم  عليه السلام، بابه محمّد بن أبي زينب الكاهليّ.

8. الإمام عليّ الرضى  عليه السلام، بابه المفضّل بن عمر.

9. الإمام محمّد الجواد  عليه السلام، بابه محمّد بن مفضّل بن عمر.

10. الإمام عليّ الهادي  عليه السلام، بابه عمر بن الفرات، المشهور بالكاتب.

11. الإمام حسن العسكريّ  عليه السلام، بابه أبو شعيب محمّد بن نصير النميري.

12. الإمام الحجّة محمّد المهديّ عجل الله تعلى فرجه الشريف، لم يكن له باب[1].

 

•         أهمُّ شخصيّاتهم[2]

1. إسحاق الأحمر (.... - 286هـ)[3].

 

2. الحسين بن حمدان الخصيبيّ (260-358هـ)

 

وهو من أعظم رجالات العلويّين وعلمائهم. وفي أعيان الشيعة للعلّامة السيد محسن الأمين العامليّ ترجمة للخصيبيّ مفادها، امتداحه والثناء عليه، وكلّ ما نُسب إليه من معاصريه وغيرهم لا أصل له ولا صحّة، وإنّما كان طاهر السريرة والجيب، وصحيح العقيدة.

 


[1] انظر: السبحاني، بحوث في الملل والنحل، مصدر سابق، ج8، ص413-412.

[2] انظر: المصدر نفسه، ص421-417.

[3] إسحاق الأحمر (. . . - 286ه‍ ، . . . - 899م) هو: "إسحاق بن محمّد بن أحمد بن أبان النخعي، أبو يعقوب، الملقّب بالأحمر: رأس الطائفة (الإسحاقية) وإليه نسبتهم. وكانوا بالمدائن، على نحلة (النصيرية). (الزركلي، الأعلام، مصدر سابق، ج1، ص295؛ أيضاً: الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد أو مدينة السلام، مصدر سابق، ج6، ص375).

 

154


132

الدرس العاشر: العلويـّون

وله كتاب معروف ومطبوع حديثاً هو كتاب "الهداية الكبرى"، ذكر فيه أسماء الأئمّة عليهم السلام بالترتيب المتقدِّم مع التعرّض للأبواب إليهم.

 

3. الميمون الطبرانيّ (358-426هـ)[1]

سرور بن القاسم الطبرانيّ، أبو سعيد، الملقّب بالميمون، شيخ العلويّين في اللاذقيّة، ورئيس الطريقة المعروفة عندهم بالجنبلانيّة، ولد في طبريّا وإليها نسبته، وانتقل إلى حلب فتفقّه بفقه العلويّين.

 


[1] انظر: الزركلي، الأعلام، مصدر سابق، ج3، ص81.

 

155


133

الدرس العاشر: العلويـّون

خلاصة الدرس

 

•         العلويّون وهم الّذين يُطلق عليهم تسمية النصيريّة نسبة إلى جبل كانوا يُقيمون فيه.

 

•         نسب المخالفون إلى العلويّين العديد من الآراء، نحو:

1. الاعتقاد بالحلول والغلوّ في حقّ الأئمّة عليهم السلام، ولا سيّما الإمام عليّ بن أبي طالب  عليه السلام.

2. التناسخ.

3. نبوّة النميريّ محمّد بن نصير.

4. شراكة الإمام عليّ  عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في نبوّته.

 

•         يعتقد العلويّون بوجود أبواب لدى الأئمّة عليهم السلام، منها تؤخذ معالم الدين.

 

•         أهمُّ شخصيّاتهم:

1. إسحاق الأحمر.

2. الحسين بن حمدان الخصيبيّ.

3. الميمون الطبرانيّ.

 

 

156

 


134

الدرس العاشر: العلويـّون

الأسئلة

 

1. من هو مؤسّس المذهب العلويّ؟

2. اذكر ثلاثة من عقائد المذهب العلويّ.

3. وضّح عقيدة العلويّين في ألوهيّة عليّ  عليه السلام.

4. عدّد ثلاثة من شخصيّات المذهب العلويّ.

 

157


135

الدرس العاشر: العلويـّون

مطالعة

 

العلويّون على لسان أحد كتّابهم

يقول أحد كتّاب العلويّة، وهو الشيخ عبد الرحمان الخير متحدّثاً عن عقيدتهم في أُصول الدين وفروعه:

أُصول الدين خمسة، وهي: التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد.

 

التوحيد: نعتقد بوجود إله واحد خالق للعالم المرئيّ وغير المرئيّ، لا شريك له في الملك، متّصف بصفات الكمال، منزّه عن صفات النقص والمحال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾[1].

 

العدل: نعتقد بأنّ الله تعالى عادل منزّه عن الظلم، وعن فعل القبيح والعبث، لا يُكلّف البشر غير ما هو في وسعهم وطاقتهم ولا يأمرهم إلّا بما فيه صلاحهم، ولا ينهاهم إلّا عمّا فيه فسادهم، ولو جهل كثير من العباد وجه الصلاح والفساد في أمره ونهيه سبحانه.

 

النبوّة: نعتقد بأنّ الله سبحانه يصطفي من خيرة عباده الصالحين رسلًا لإبلاغ رسالاته إلى الناس، ليُرشدهم إلى ما فيه صلاحهم، ويُحذّروهم عمّا فيه فسادهم في الدنيا والآخرة.

 

ونعتقد بأنّ الأنبياء كثيرون، ذكر منهم في القرآن الكريم خمسة وعشرين نبيّاً ورسولًا، أوّلهم سيّدنا آدم  عليه السلام، وآخرهم سيّدنا محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، وشريعته هي آخر الشرائع الإلهيّة وأكملها، ونعتقد بأنّها صالحة لكلّ زمان ومكان.

 

ونعتقد بعصمة جميع الأنبياء من السهو والنسيان، وارتكاب الذنوب عمداً وخطأ قبل البعثة، وبعدها، وأنّهم منزّهون عن جميع العيوب والنقائص، وأنّهم


 


[1] سورة الشورى، الآية 11.

 

158


136

الدرس العاشر: العلويـّون

أكمل أهل زمانهم وأفضلهم وأجمعهم للصفات الحميدة، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

 

الإمامة: نعتقد بأنّ الإمامة منصب تقتضيه الحكمة الإلهيّة لمصلحة البشر في مؤازرة الأنبياء في نشر الدعوة الإلهيّة، وفي القيام بعدهم بالمحافظة على تطبيق أحكامها بين الناس، وبصون التشريع من التغيير والتحريف والتفسيرات الخاطئة.

 

ولذلك نعتقد اقتضاء اللطف الإلهيّ بأنْ يكون الإمام مُعيَّناً بنصٍّ إلهيّ، وأنْ يكون معصوماً مثل النبيّ سواء بسواء، ليطمئنّ المؤمنون إلى الاقتداء به في جميع أعماله وأقواله.

 

ونعتقد بأنّ الإمام بعد نبيّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم هو سيّدنا الإمام عليّ بن أبي طالب  عليه السلام، ومن بعده ابناه الحسن والحسين، ثمّ‏ تسعة من ذريّة الحسين  عليه السلام، آخرهم المهديّ، وعجّل به فرج المؤمنين.

 

المعاد: نعتقد بأنّ الله سبحانه يُعيد الناس بعد الموت للحساب، فيجزي المحسن بإحسانه والمسي‏ء بإساءته.

 

كما ونؤمن بكلِّ ما جاء في القرآن الكريم، وبما حدّث به النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم من أخبار يوم البعث والنشور، والجنّة والنار، والعذاب والنعيم، والصراط والميزان، وغير ذلك ممّا أثبته كتاب الله وحديث رسوله الصحيح.

 

وأمّا فروع الدين: فكثيرة، أهمّها: الصلاة والصيام والزكاة والحجّ والجهاد[1].

 


[1] الخير، عبد الرحمن، عقيدتنا وواقعنا نحن المسلمين الجعفريين العلويّين، سوريا - دمشق، ط3، 1992م، ص23-20.

 

159


137
دراسات في المذاهب الإسلامية