خطاب الولي (2011)

توثيق تفصيلي لخطب الإمام الخامنئي (دام ظله) وكلماته وبياناته.


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2011-01

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


خطاب الولي 2011

المقدّمة

 

إن رسالة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هي الدعوة إلى الله سبحانه، وهذا هو المائز الأساس في النظام الإسلامي، ومسألة الإيمان بالله وبالغيب هو الطريق الوحيد لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة. وبهذه المسألة يتحدى نظام الجمهورية الإسلامية كل الأنظمة المادّية في العالم، فالإيمان بالله هو طريق الأنبياء وعلى نهجهم الأولياء.

 

إن الإيمان بالله تعالى يمكّن الناس من الحصول على كلّ ما يحتاجون إليه في حياتهم المادّية ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ أَقَامُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِم مِّن رَّبِّهِمۡ لَأَكَلُواْ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۚ﴾[1].

 

وللإيمان بالله دور بارز في الاستقرار المعنوي للبشرية أيضاً قال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ  * يَهۡدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضۡوَٰنَهُۥ سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ﴾[2].

 

وإن أفضل هادٍ ومرشد بعد الأنبياء وبعد رسل السماء هم الأئمة عليهم السلام، وعلى نهجهم وخطاهم سار الأولياء والعلماء، من هنا كانت خطابات وكلمات الإمام الولي السيّد علي الخامنئي دام ظله على مدار عام كامل (2011م) مليئة بالإرشاد والهداية. مليئة بالفكر والعبر، مليئة بالحكمة والموعظة الحسنة، في شتّى المناسبات، وعلى جميع الأصعدة، وفي أحلك الظروف وأهونها. إنّه طبيب دوّار بطبّه، وقائد لا مثيل له في هذا العصر.


 


[1] سورة المائدة، الآية 66.

[2] سورة المائدة، الآيتان 15-16.

 

10


1

خطاب الولي 2011

من هنا عمل مركز المعارف للتأليف والتحقيق في جمعية المعارف الإسلامية، على جمع كل خطابات الولي القائد، وإعادة ترتيبها بحسب مناسباتها الزمانية، وأشرف على ترجمتها وتبويبها ووضع العناوين لبعض الفقرات. سائلاً المولى أن يكون هذا الكتاب عَلَماً لكلّ مستهدٍ ومشعلاً لكل مستنير ومنهلاً لكل ظامئ وأن يتقبل منّا هذا الجهد ويحفظ لنا هذا العلم المعطاء ويديمه ذخراً لأمتنا الإسلامية حتّى يظهر الله وليّه عجل الله فرجه الشريف إنه نعم المولى ونعم المجيب.

 

والحمد للَّه ربّ العالمين

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

 

11

 


2

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في ذكرى انتفاضة 19 دي

 

 

 

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في ذكرى انتفاضة 19 دي

 

المناسبة:   الذكرى السنوية لانتفاضة التاسع عشر من شهر "دي"

الحضور:  جمع من أهالي مدينة قم المقدسة

المكان:   طهران

 

الزمان:    19/10/1389هـ.ش.

24/٠٢/1432هـ.ق.

09/01/2011م.

 

 

12

 

 


3

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أهلاً وسهلاً بكم أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء. أشكركم فرداً فرداً لأنكم قطعتم هذه المسافة الطويلة وملأتم هذه الحسينية بحضوركم الحميم وبعلامات الإخلاص والمحبة التي طالما قد شاهدتها في الإخوة والأخوات من أهل قم.

 

إنني أشكر الله وأشعر بالسعادة لأنّني التقيتكم بعد فترة وجيزة من السفر إلى قم، حيث أظهر أهل قم الأعزّاء، شباب قم، رجالها ونساؤها، في ذلك السفر، آيات الثبات والوفاء للإسلام، للدين وللنظام الإسلامي وأظهروا علامات البصيرة بشكل لم يستطع معه حتى أعداء الشعب الإيراني السكوت أمامه وقد أذعنوا له.

 

كيفية تحديد المسؤوليات

يمكننا دائماً تحديد أهمية الأعمال وفقاً لردود أفعال الأعداء، فهذه إحدى طرق تحديد أهمية المسائل والإجراءات والمواضيع. لو افترضتم أنّكم تسيرون في الشارع، واصطدم بكم أحد المارّة بشكل خفيف، فلن تُظهروا ردّة فعل، لكن لو تعرّض لكم وهاجمكم بقبضته أو بالسلاح فإنّكم تنفعلون وتتحرّكون لمواجهته. يدلّ هذا على أنّ الحركة الأولى لم تعنِ لكم شيئاً ولا قيمة لها ولكنّ النوع الثاني مهم. ردود الأفعال تستطيع أن تحدّد عظمة الأعمال أو عدم أهميتها.

 

في جميع مسائل الثورة، سواء الكبرى منها أم الصغرى، الأحداث اليومية أو القضايا العامة والدائمة، يلاحظ الإنسان أن هذه القاعدة جارية وسارية. ردّة الفعل التي حدثت في عالم الكفر والاستكبار ضدّ الثورة وإقامة نظام الجمهورية الإسلامية كانت علامة دالّة على عظمة القضية.

 

أن تقوم تلك الأجهزة التي تمتلك القوّة في العالم، تمتلك المال والسلاح ووسائل الإعلام والترويج، ومنذ اليوم الأول لتأسيس الجمهورية الإسلامية، بمجموعة من

 

 

13


4

خطاب الولي 2011

الخطوات المنسجمة والشاملة ضدّ هذا النظام، فهذا يدلّ على أن هذا الحدث يمثّل حادثة عظيمة جداً بالنسبة لأولياء الظلم والاستكبار ولا يمكنهم أن يتحمّلوه. وهذا هو الواقع والحقيقة، لأنّ الإسلام دين العدل، ودين الإنسانية ودين مواجهة الظلم والجور.

 

قوة إيران سببُ المواجهة معها

حسناً، بالنسبة لأولئك الذين يمثّل الظلم والجور كل وجودهم، وتنبع فلسفة وجودهم من قمع الناس وعواطفهم ووجودهم، فإنّهم بلا شك سوف يخافون ويرتعبون من حضور الإسلام وسيقومون بمواجهته. هذا هو سبب المواجهة مع الجمهورية الإسلامية. بالطبع فهم يختلقون ذرائع مختلفة، كل مرّة يخترعون مبرراً ما، ولكنّ حقيقة القضية هي هذه. لقد أرشد الإسلام والجمهورية الإسلامية البشرية إلى طريق جديد، أرشدا الشعوب إلى حركة جديدة. لقد أثبتت هذه التجربة أنّ أيّ شعب، حتى لو لم يكن لديه أسلحة ولا إمكانات مادية عالية، يستطيع أن يقاوم ويقف في مقابل أعتى دول العالم ولا يرضى الذلّ والإهانة، بل يسير في طريقه رافعاً راية العدل والإنصاف والإنسانية. وهذا شيءٌ جديد في العالم المعاصر. لقد فتحتم أنتم هذا الطريق. وكان الأمر كذلك في جميع القضايا المختلفة للثورة.

 

بالنسبة إليكم يا أهالي قم، فإنّ أعداء البلاد وأعداء الثورة حسّاسون جداً تجاهكم، يعادون بشدّة قم، وكل ما هو قمّي، وحوزوي، وشباب قم، وتصرّفات أهل قم، لماذا؟ لأنّهم قد تلقّوا صفعة من قم. نعم، الاستكبار والجبهة المعادية للإسلام وللشعب الإيراني تلقّوا صفعة من قم. إحدى الصفعات التي تلقّوها من قم، هي في التاسع عشر من شهر "دي"[1]. لقد أحسّ أهل قم بالتكليف قبل الآخرين، عرفوا الأوضاع وشعروا بالمسؤولية ونزلوا إلى الساحة، هذا أمر مهم جداً.

 


[1] يوم انتفاضة أهالي مدينة قم تنديداً بالمقال الموهن الذي نشرته السلطات في صحيفة إطلاعات يوم 17/10/1356 هـ.ش. (7/1/1978م). وأهانت فيه الإمام الخميني قدس سره. راجع مشكاة النور العدد 44، وقفة مع خطاب القائد في أهالي قم أثناء زيارته للمدينة. ص 63 وص 156.

 

 

14


5

خطاب الولي 2011

الإحساس بالتكليف أساس الإيمان

إنّ معرفة الأوضاع أمرٌ مهم يحتاج إلى البصيرة وكذلك الإحساس بالتكليف فهو مهم أيضاً، فروح الالتزام والإيمان يحتاج إلى شعور الإنسان بالتكليف. هناك بعضٌ ممّن يرى الأحداث العاصفة ويشاهد خطط الأعداء، ولكنّه لا يحس بالتكليف ولا يحرّك ساكناً. بعض الناس يشاهد العدوّ قد تهيّأ ونظّم جبهته. عندما ينظّم العدوّ صفوفه على الجبهة، ينبغي لنا في المقابل أن نشعر بالتكليف، فهذه لازمة الالتزام والإيمان. بعض الناس لا يمتلك هذا الإحساس.

 

بالطبع هذه الروح كانت موجودة في الشعب الإيراني العزيز، ولقد قويت واشتدّت من خلال الحركة الإسلامية والنهضة الإسلامية، وتجذّرت وبرزت في الثورة، لكنها تفاوتت من مكان إلى آخر. القميّون كانوا في المقدّمة.

 

في التاسع عشر من شهر "دي" شعروا بالتكليف ونزلوا إلى الميدان. حسناً، لم يكن ميداناً سهلاً لقد كان ميداناً صعباً حيث مواجهة الرصاص والقمع العنيف من قبل شرطة النظام الطاغوتي ونظامه الأمني الذي لم يكن يرحم أبداً، لكن القمّيين قاموا ونزلوا إلى وسط الميدان.

 

قم تصفع الأعداء

هذه البصيرة، هذا الإحساس بالتكليف، هذا الحضور في الميدان، كانت كلّها صفعات محكمة للعدوّ، هذا الحضور -في قم- تردّد صداه فجأة قياماً في تبريز، ثم قياماً آخر في يزد، ومن ثم توالى من مدينة إلى أخرى، لذلك، فإنّ هذه الحركة العظيمة والتي أعدّ الإمام الكبير أسبابها على مدى سنوات متمادية، هي صفعة. عندما يتلقّى العدوّ صفعة، فإنّه يشحن قلبه حقداً ويقوم بالمواجهة.

 

والآن، عندما نريد أن نقيّم أنفسنا، ينبغي لنا أن نحسب، عندما يكشّر العدوّ عن أنيابه بشدّة، ينبغي أن نشعر أنّ قدراتنا عالية، ونستطيع أن نوجّه له ضربة.

 

15


6

خطاب الولي 2011

هذه الحركة التي قام بها أهل قم الأعزاء في السفر الذي استمر لبضعة أيام لهذا العبد[1]، الحركة التي قامت بها الحوزة العلمية والعلماء والشباب، كانت صفعة على وجه العدوّ، وكانت موجعة له. لقد ظهر كم أنّ هذا العدوّ ضعيف وهش أمام عرض القوة هذا، وهذه البصيرة وهذا الحضور الحاشد والشامل للشعب. هذا درس لنا نحن الشعب الإيراني.

 

أينما كنّا، كلما استطعنا أن نفهم جيداً، وأن نحدّد الموقف جيداً وأدركنا التكليف تبعاً لذلك، وشعرنا بالالتزام والمسؤولية وحضرنا في الميدان، كان النصر حليفنا ﴿فَإِذَا دَخَلۡتُمُوهُ فَإِنَّكُمۡ غَٰلِبُونَۚ﴾[2]. عندما تتحلّون بالإيمان والبصيرة في ميدان المواجهة فإنّ النصر سيكون حليفكم. أنتم الغالبون! لماذا؟ لأن الطرف المقابل لكم لا إيمان له، لا دين له، لا دافع معنوياً عميقاً له. فهؤلاء العناصر التابعون له في الميدان، هم من العملاء، وهم مخدوعون، وكذلك المخطّطون والمنفّذون هم أيضاً من الذين لا إيمان لهم. عندما تحضرون في الساحة بإيمانكم، فإنّكم الغالبون، هذه تجربة الشعب الإيراني.

 

التطور في البعدين المادي والمعنوي

إستطاع الشعب الإيراني. طوال هذه السنوات الإحدى أو الاثنتين والثلاثين، أن ينجز أعمالاً كبرى بواسطة هذه التجربة. استطاع أن يطوّر نفسه بالمعايير المادّية. هذه الإنجازات العلمية والتقدّم التقني، هذا العمل الدؤوب في جميع أنحاء البلاد، كلّها علامات للتطوّر المادي وكذلك استطاع أن يسمو بنفسه في البعد المعنوي إلى مستوى عالٍ وراق. نحن شاهدنا الآيات الإلهية، ورأينا آثار عون الله. في السابق كنّا نقرأ في الكتب فقط عن العون الإلهي وعن دعم يد القدرة الإلهية. أما اليوم، فإنّنا نشعر بها في الساحة، نلمسها، كما لمس ذلك إمامنا العظيم ورواه لي. كان قلبه صلباً قوياً لأنّه كان يرى يد القدرة الإلهية.


 


[1] إشارة إلى زيارة سماحته الأخيرة إلى قم المقدسة، وقد عبّر في خطابه عن نفسه: لهذا العبد الحقير وذلك لشدة تواضعه..، وآثرنا عدم ذكر هذه الكلمة في نص الخطاب.

[2] سورة المائدة، الآية 23.

 

 

16


7

خطاب الولي 2011

الرعاية الإلهية للشعب

لقد لمس الشعب الإيراني العون الإلهي في الميادين المختلفة. شعر بالرعاية الإلهية، عندما كان في الميدان، عندما كان مستعداً للجهاد، شعر بها في الحرب المفروضة بشكل ما، وفي القضايا المختلفة بشكل ثانٍ، في التحركات السياسية وفي الفتن بأشكال أخرى.

 

فى فتنة العام "1388" هـ.ش. هذه (أحداث ما بعد الانتخابات عام 2009)، ظهرت يد القدرة الإلهية. لقد نهض الشعب ونزل إلى الساحة وأفشل مخططاً كبيراً. لا يزال المجال واسعاً لتحليل وتبيين الكثير من أبعاد هذه الفتنة وتسليط الضوء على زوايا هذه الفتنة التي خطّط لها العدوّ. لقد قام العدوّ بحسابات دقيقة جداً، حسناً، لكن الذي حصل أنّ كلّ خططه قد ذهبت أدراج الرياح، فهو لم يكن يعرف الشعب الإيراني. لقد شاهد العدوّ كل شيء من خلف الكواليس.

 

مخطط العدو: هدم الدين

هؤلاء الذين تسمّونهم "رؤوس الفتنة" كانوا أشخاصاً دفعهم العدوّ إلى وسط الساحة. بالطبع، إنّهم مذنبون. فلا ينبغي للإنسان أن يصبح ألعوبة في يد العدوّ، عليه أن يفهم ما يجري بسرعة. إن كان قد غفل في البداية، وفهم في منتصف الطريق، ينبغي أن يغيّر طريقه على الفور. حسناً، لكنّهم لم يفعلوا هذا. المخطّطون الأساسيون كانوا غير هؤلاء، فقد ظنوا أنهم حسبوا جيداً، وتوهّموا أنّهم سيطوون بساط الجمهورية الإسلامية وينهونها. كان برنامجهم ليس فقط أن لا يبقى للدين واقع وحقيقة، بل زوال حتى الشعارات الدينية. كان المخطّط أنه إذا استطاعوا الإمساك بقاعدة الحكومة وتنظيمها بالشكل الذي يناسبهم، بعدها تتضح جهة حركتهم وكيف سيتصرفون، وإن لم يتمكّنوا من السيطرة على الحكومة والدولة كما يشاؤون، ولم يكن ذلك ممكناً لهم، يقومون بجرّ البلد إلى آتون الشغب.

 

كانوا يتخيّلون كما قلت سابقاً أن يصنعوا "كاريكاتور" ثورة إسلامية، مثل الظلال التي تقلّد وتتبع حركة البطل، حيث يقومون هم بتقليد دور الأبطال ودور الثورة،

 

 

17


8

خطاب الولي 2011

كان هذا مخطّطهم. لكن الشعب الإيراني صفعهم على أفواههم وسحب البساط من تحت أرجلهم.

 

النجاح في الامتحان، ورفعة الأمة

واليوم، إنّ الثورة والجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني والنهج الصحيح للدّين في هذا البلد، كلّها أقوى وأوضح بأضعاف مما كانت عليه السنة الماضية (فتنة ما بعد الانتخابات). والسبب هو هذا: أنّ الله تعالى يمنح علامة مقابل كل امتحان. عندما ينجح شخص أو مجموعة أو شعب في امتحان، يمنحه الله تعالى علامة، والعلامة هي أن يرتقي به ويرفعه إلى الأعلى. هكذا هي الامتحانات الإلهية. وهكذا أيضاً، فيما إذا أسأنا العمل في الامتحان ورسبنا فيه، فإنّ الله تعالى يعطي علامة رسوب وهي عبارة عن التنزّل والانحطاط فيصبح الإنسان أسوأ مما كان عليه، وفي النجاح كذلك الأمر، يرفع الله الشعوب للأعلى.

 

في إحدى الحقب، فشل الناس فى الامتحان، فوصل بهم الأمر إلى أن يُضرّج أمير المؤمنين عليه السلام بالدماء في محراب عبادته. حسناّ، لقد كان امتحاناً سيئ النتيجة. لماذا يصل وضع مجتمع إلى أن يُقتل فيه شخص، مثّل العدالة والمعنوية والتوحيد بأرقى مراتبها، على يد أشقى الناس؟ هذا مؤشّر على نتيجة الامتحان السيّىء الذي قدّمه الناس. عندما امتُحِنوا بهذا الامتحان، فشلوا ورسبوا فيه، لذلك أركسهم الله نحو الأسفل، فوصل الأمر بأعمالهم فيما بعد إلى أن يُقتل الحسين بن علي عليه السلام أمام أعينهم.

 

عندما تقدّمون امتحاناً جيداً، يرفعكم الله للأعلى

 اليوم، إن نهج الإسلام، نهج الإيمان بالله، نهج الثورة في أوساط الشعب، هو أشدّ قوّة وأكثر حضوراً وأرفع مقاماً ممّا كان قبل هذه الفتنة. لماذا؟ لأنّ الناس قدموا امتحاناً جيداً. هذه هي العلامة الإلهية. هذا الأمر صار قاعدة وقانوناً لنا. ينبغي لنا العمل وفق هذا المعيار في جميع القضايا.

 

18


9

خطاب الولي 2011

ينبغي أن نحسن الرؤية، أن نحسن التقدير، أن نحسن الحسابات. فلننتبه إلى أن لا نخطئ في التشخيص والتمييز، أن لا نستبدل القضايا الفرعية بالقضايا الأصلية، أن لا نرى الأمور الكبرى والحوادث المهمّة مسائل صغيرة وهامشية، وفي المقابل، أن لا نضخّم الحوادث الصغرى. ينبغي تشخيص الأمور بشكل جيّد. هذه هي الخطوة الأولى. يأتي بعدها الإحساس بالمسؤولية.

 

الحياة الطيبة لشعب حيّ هي هذه. الحياة الطيبة التي وعد الله تعالى المؤمنين بها ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾[1] تعني هذا، تعني الحركة والتقدّم يوماً بعد يوم، في الامتحانات المختلفة. من يقضِ نحبه في هذا الطريق في الدنيا، يصل إلى اللقاء الإلهي، ينَل درجات السعادة العليا، وكذلك الذي يبقى وينتظر، فإنّه يتقدّم في الدنيا معنوياً ومادياً. فالتقدّم الماديّ أيضاً موجود.

 

لقد شقّ الشعب الإيراني طريقاً، وانتصر ونجح في امتحانات كثيرة. فالحرب المفروضة كانت امتحاناً كبيراً، انتصر الشعب في هذا الامتحان. وليس فقط الانتصار في الحرب الذي قد تحقّق فعلاً، لكنّ الأهم من ذلك، كان الانتصار في المعايير المعنوية والإلهية، لأنّ الشعب أظهر صبره وأبرز إيثاره وبصيرته وتضحيته واستعداده للحركة والسير قدماً في سبيل الله. فرفع الله هذا الشعب وارتقى به إلى الأعلى. حتى اليوم كان الأمر هكذا، وسيكون هكذا دائماً. إنّ الأعداء الذين يواجهون الشعب الإيراني، لا يفهمون هذه الحقائق ولا يدركونها.

 

إنّ الشعب الإيراني اليوم، مقتدر في سياسته الداخلية، مقتدر في سياسته الخارجية، مقتدر في تأثيره في المنطقة، وكذلك في تأثيره في قضايا العالم المهمّة. هذه حقائق وواقعيات. يريد العدوّ من خلال كل هذه الطّرق أن يتسلّل ويشتبك مع الشعب الإيراني، أن يربكه ويشغله. وهذا ما لن يستطيع تحقيقه. يريد العدوّ أن يسبّب المشاكل للناس في المجال الاقتصادي، أن يُتعب مسؤولي البلد ويُنهكهم، هذا الحظر وهذه المقاطعة وهذا الكلام الذي تسمعونه. حسناً، لم يتمكّنوا من ذلك.

 

 


[1] سورة النحل، الآية 97.

 

 

19


10

خطاب الولي 2011

دور الإعلام في مواجهة الأمة

 في القضايا الخارجية سعوا جاهدين لإخافة البلدان والدول والحكومات والشعوب من إيران.

 

 كل هذه الدعايات والإعلام الضخم في مجال حقوق الإنسان، وفي مجال الطاقة النووية والقنبلة الذرّية الخيالية، ممّا يقوم به الأمريكيون والصهاينة ويتبعهم الأوروبيون وبعض الحكومات الحقيرة والمغلوبة على أمرها، تهدف إلى تشويه صورة إيران في أذهان العالم، وفي أذهان المنطقة، لكنهم لم يستطيعوا، وسبب ذلك هو أنّ أمريكا اليوم في منطقتنا نحن قد هُزمت، في قضايا فلسطين، وكذلك هُزمت في قضايا لبنان وفي قضايا أفغانستان والعراق.

 

اقتدار إيران ويقظة الشعوب

ممّن هُزمت أمريكا؟ من السياسة الصحيحة للشعوب. هؤلاء يقولون إنّ إيران هي الطرف المقابل لنا في المسائل الإقليمية المختلفة. لا، ليست إيران. إنّ تأثير الجمهورية الإسلامية هو تأثير معنوي. نعم، إنّ اقتدار الجمهورية الإسلامية أيقظ الشعوب، هذا ممّا لا شكّ فيه. ونتيجة هذا، أن يبذل الأمريكيون كلّ جهدهم لمنع تشكيل حكومة في العراق، لكنّها تشكّلت بسبب وعي الشعب ويقظته. هذا هو تأثير الجمهورية الإسلامية. والأمر كذلك، في الأماكن الأخرى. نحن سنمضى في هذا الطريق. لقد عرفنا القمم، ونعرف إلى أين نتحرّك، ﴿لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ﴾[1]. هذا الطريق هو الطريق الذي ينبغي أن يوصل شعبنا إلى الإسلام الكامل الأصيل، حيث خير الدنيا والآخرة.

 

التنبه واليقظة في المواجهة المتنوعة

الحياة الطيبة للدنيا والآخرة هي في الإسلام الكامل. نحن في بدايات الطريق. لا يزال ينقصنا الكثير، وتفصلنا مسافة طويلة عن ذلك الإسلام الكامل. هذا هو طريقنا.

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 143.

 

 

20


11

خطاب الولي 2011

لقد عرفنا هذه القمم، فالله تعالى -والحمد له- فقد دلّنا على الطريق، وإنّ إرادة وعزم مسؤولي البلاد للحركة والسير في هذا الطريق راسخ وقوى. طبعاً، ينبغي لنا أن ننتبه وعلى الجميع أن يتنبّهوا. لا نريد ولا ينبغي أن ننام على وسادة حريرية ونسلّي أنفسنا بالحداء، ونردّد بأنّ العدوّ قد هُزم، العدوّ ضعيف ونحن أقوياء، لا ينبغي لهذا أن يجرّنا للنوم. ينبغي أن ننتبه، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "وإنّ أخا الحرب الأرِق ومن نام لم يُنم عنه"[1]. عندما تكونون في قلب الصراع ينبغي أن تتيقّظوا. فالصراع ليس في اختياري أو اختياركم. العدوّ يريد أن يوجِد صراعاً، قد يكون صراعاً سياسياً أو أمنياً أو اقتصادياً. وليس دائماً الصراع عسكرياً. فعند المواجهة، ينبغي التنبّه. على الشباب أن يتنبّهوا، على علماء الدين أن يتنبّهوا، على الجامعة أن تتنبّه، على مسؤولي البلد أن يتنبّهوا.

 

انتباه المسؤولين ويقظتهم هي بأن يخدموا الناس بكل ما أوتوا من قوّة، وأن يحافظوا بكلّ إمكاناتهم على هذا الانسجام الذي هو كالشوكة في عين العدوّ.

 

موفّقون ومؤيّدون إن شاء الله.

 

اللّهم بمحمّد وآل محمّد اروِ هذا الشعب العزيز من ينبوع لطفك وفيضك.

 

اللّهم... ثبّت أقدامنا على هذا الطريق.

 

اللّهم... احشر الأرواح الطيبة للشهداء والروح المطهّرة لإمامنا العظيم مع أوليائك.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


[1] الرضيّ، السيّد محمّد بن حسين، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ Q)، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، دار الهجرة، إيران - قم، 1414هـ‏، ط1، ص452.

 

21


12

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في جمعة طهران

 

 

         

المناسبة:   صلاة الجمعة العبادية السياسية

الحضور:  جموع غفيرة من المصلّين

المكان:   طهران

 

الزمان:    15/11/1389هـ.ش.

30/٠٢/1432هـ.ق.

04/02/2011م.

 

 

23

         


13

خطاب الولي 2011

الخطبة الأولى

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله ربّ العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوكّل عليه، ونصلّي ونسلّم على حبيبه ونجيبه وخيرته في خلقه، حافظ سرّه ومُبلِّغ رسالاته، بشير رحمته ونذير نقمته سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين المكرّمين لا سيما بقيّة الله في الأرضين، ونصلّي ونسلّم على أئمّة المسلمين وحماة المُستضعفين وهداة المؤمنين.

 

أُوصيكم عباد الله بتقوى الله.

أُوصيكم جميعاً أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء والمصلِّين الأحباب ونفسي بمراعاة تقوى الله. اليوم يوم استشهاد عليّ بن موسى الرضا أبي الحسن عليه السلام. قبل عدّة أيام أحيا شعبنا ذكرى رحيل نبيّ الإسلام المكرّم المعظّم سيّدنا محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكرى الاستشهاد المُفجِع لسبطه الأكبر سيّدنا المجتبى عليه السلام. أُعزّيكم أيّها المؤمنون المصلّون وكلّ الشعب الإيراني وكافّة الشيعة وجميع مسلمي العالم بهذه المصائب الكبرى والأحداث التاريخية المفجعة الأليمة. يقول الله تعالى حتى لنبيّه: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ﴾[1]. فالتقوى، وضرورة التقوى، ومراعاة التقوى، يُخاطب بها حتى الكيان المقدس للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. لنتذكّر الله ولا ننساه، ولنراقب أعمالنا وسلوكنا وأقوالنا وحتى أفكارنا وتصوّراتنا. هذا هو معنى التقوى. إذا تحقّق هذا فسوف تنفتح كلّ الطرق المغلقة، وسيُعين الله تعالى الشعب الملتزم بالتقوى في كلّ المراحل والأطوار.

 


[1] سورة الأحزاب، الآية 1.

 

25


14

خطاب الولي 2011

انتفاضة الشعوب صدى الثورة الإسلامية

إنّ لعشرة الفجر والثاني والعشرين من بهمن لهذا العام أجواء خاصّة ومميّزة. فالشعب يشاهد بعد سنوات من الجهاد أنّ صوته وهتافه المظلوم والمُقتدر يُسمع اليوم بقوّة أكبر في مناطق أخرى من العالم الإسلامي.

 

إنّ الأحداث الجارية في شمال أفريقيا حالياً، في مصر وتونس وبعض البلدان الأخرى، لها معنًى آخر بالنسبة لنا نحن الشعب الإيراني... لها معنى خاصّ. هذا هو الشيء الذي كان يُطرح دوماً باعتباره صحوة إسلامية بمناسبة انتصار الثورة الإسلامية الكبرى للشعب الإيراني، وهو يُفصح عن نفسه اليوم، لذا فإنّ عشرة الفجر هذه حدث مهمّ.

 

سأذكر في الخطبة الأولى اليوم أموراً حول ثورتنا، وفي الخطبة الثانية سأتطرّق بعض الشيء لقضايا مصر وتونس، ثمّ أستأذنكم أيّها المصلّون المحترمون لأُوجِّه خطبة باللغة العربية للمسلمين العرب في كلّ المنطقة إن شاء الله.

 

ما أريد أن أقوله حول ثورتنا... هذا الحدث العظيم للشعب الإيراني -وهو مصدر دروس وعِبَر لنا- هو أولاً صورة لواقع العالم، حتى نرى ماذا كان يريد المستكبرون والمستعمرون والعتاة والقوى المهيمنة في العالم، وماذا حصل. ما الذي تابعوه وما الذي وقع على الصعيد العملي. ثم أذكر خصوصيتين من خصوصيات الثورة تتعلّق بوقتنا الحالي.

 

خطّة الغرب المرسومة للمنطقة

في الشقّ الأول المتعلّق بصورة الواقع الراهن، ومقارنته بالشيء الذي أراده عتاة وطغاة العالم، أقول: إنّ المنتصرين في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وهم بعض البلدان الأوروبية وأمريكا، كانت لهم سياسة ثابتة لمنطقة الشرق الأوسط المهمّة.

فهذه المنطقة مهمّة إنْ من حيث الموقع العسكري فهي نقطة اتصال آسيا وأوروبا وأفريقيا، وإنْ من حيث كونها أحد أكبر مخازن النفط في العالم، والنفط هو شريان حياة كلّ القوى الصناعية المتسلّطة على العالم، وإن من حيث شعوب المنطقة ففيها شعوب عريقة ومتجذّرة وذات سوابق تاريخية. لذلك رسموا لهذه المنطقة سياسة

 

26


15

خطاب الولي 2011

معيّنة، وكانت هذه السياسة عبارة عن أنّه يجب أن تكون في هذه المنطقة بلدان ووحدات سياسية لها هذه الخصوصيات:

أولاً، يجب أن تكون ضعيفة.

 

وثانياً، يجب أن تعادي إحداها الأخرى وتعارضها ولا تتّفق معها، ولا تستطيع الاتحاد، لهذا لاحظتم سياسة تقوية القومية العربية والقومية التركية والقومية الإيرانية تتابع طوال الأعوام المتمادية بجهود حثيثة.

 

وثالثاً، يجب أن يكون حكّام هذه البلدان عملاء ومطيعين وخاضعين للقوى الغربية من الناحية السياسية.

 

 ورابعاً، يجب أن تكون هذه البلدان من الناحية الاقتصادية مُستهلِكة، بمعنى أن تنفق أموال النفط الذي ينتزع بالمجان تقريباً من أيديهم للاستيراد والاستهلاك حتى تزدهر المصانع الغربية.

 

وخامساً، من الناحية العلمية، يجب أن تكون متخلفة ولا يسمح لها بالتقدم علمياً. وهذه النقاط التي أذكرها إنّما هي عناوين بارزة، ويمكن حقاًّ تأليف كتب وذكر تفاصيل كثيرة لكلّ واحدة منها. فعلى سبيل المثال، كيف حالوا في بلدنا إيران وفي بعض البلدان الأخرى دون تنمية العلوم وتعميقها، وكيف أرادوا أن تكون شعوب هذه المنطقة من الناحية الثقافية مقلِّدة محضة للأوروبيين، وتكون من الناحية العسكرية ذليلة وضعيفة وهشَّة، وتكون من الناحية الأخلاقية فاسدة ومنحطَّة بمختلف الأشكال، وأن يكون تعاملها مع الدين قشرياً بشكل تامّ وقانعة بنوع من التديّن الفردي والتشريفاتي (التديّن السطحي) أحياناً. هذه هي الصورة التي رسمها هؤلاء لهذه المنطقة، ووضعوا سياساتهم على هذا الأساس. لعلّ الخبراء الاستراتيجيين في الغرب قد جلسوا لآلاف الساعات، ودرسوا هذه القضايا وفكّروا ووضعوا البرامج وحدّدوا الشخصيات التي عليها العمل في بلدان هذه المنطقة وتنفيذ سياساتهم وأعمالهم. وِفقَ هذا التحليل يمكن إدراك سلوك رضا خان بصورة صحيحة، ويمكن أيضاً إدراك ما قام به مصطفى كمال في تركيا، وآخرون وآخرون. هذه كانت برامجهم وخططهم.

 

وقد نجحوا... نجحوا في ذلك إلى ما قبل انتصار الثورة الإسلامية باستثناء بعض

 

27


16

خطاب الولي 2011

الفواصل الزمنية القصيرة وفي بعض المسائل. وفي مصر مثلاً وعلى امتداد سنوات، جاءت حكومة وطنية قومية إلى مصر، ولمدّة قصيرة فقط، وفي إيران أيضاً بنحو آخر، وفي أماكن أخرى بأشكال مختلفة، ولكن على العموم، وحين ننظر للأمور بشكل كلي، فقد تقدم هؤلاء على كافة المستويات.

 

ثورة الإمام الخميني قدس سره واختلال معادلات المنطقة

إلا أنّه قبل الثورة وقعت فجأة حادثة كبرى وانفجار عظيم غيّر كلّ أوضاعهم. ظهر في الشعب الإيراني رجل عالِم متميّز حكيم فقيه مجاهد شجاع مخاطِر نافذ الكلمة باسم الإمام الخميني قدس سره، وقد كان ظهور هذا الرجل ووجوده وتربية هذا الإنسان الكبير من فعل الله تعالى حقاً. كان تقديراً إلهياً أن يقع مثل هذا الحدث. وقد كان الشعب الإيراني مستعداً فتقبّل الأمر ورحّب به وألقى بنفسه في الأهوال والمخاطر ونزل إلى الساحة وضحّى بنفسه وماله ونجح في الامتحان، هكذا انتصرت الثورة الإسلامية، وتغيّرت كل المعادلات واختلّت.

 

ظهرت الثورة الإسلامية في إيران بقوّة واستمرت بقوّة. فلم تكن السنوات الأولى والثانية والثالثة مجرد حالة من الفوران والحماس لينتهي بعد ذلك، كلا، بل تواصل الأمر وسأشير لاحقاً إلى هذا الاستمرار بالخصوص. وقف الإمام كالجبل، ومن خلفه وقف الشعب كالجبل الشامخ.

 

جهود الأعداء وأهدافهم إزاء الثورة

وبذلت جبهة الأعداء -ولم يكن العدو واحداً، بل كانوا في جبهة واحدة- كلّ ما استطاعت من الجهود والمساعي، وفعلوا كلّ ما بوسعهم، ابتداءً من حروب الشوارع، إلى الحروب القومية، إلى الانقلاب العسكري، إلى فرض حرب السنوات الثمانية وصولاً إلى الحظر الاقتصادي، وإطلاق حملة هائلة من الحرب النفسية طوال اثنين وثلاثين عاماً، منذ اثنين وثلاثين عاماً والحرب النفسية ضد الشعب الإيراني وضد الثورة وضد الإمام قائمة... لقد مارسوا الكذب وتوجيه التهم وبثّ الإشاعات، وسعوا لزرع الشقاق وتحريف السبل في الداخل.

 

28


17

خطاب الولي 2011

الأهداف التي كانوا يسعون لها هي بالدرجة الأولى إسقاط الثورة ونظام الجمهورية الإسلامية. كان هدفهم الأول هو الإطاحة. وهدفهم الثاني عندما لا يتحقّق إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية هو السعي لمسخ الثورة وتبديلها، أي تفريغها من جوهرها النقي وإزالة باطنها وسيرتها وروحها. محاولاتهم كثيرة في هذا المجال، وآخر مسرحياتهم التي عُرضت على الخشبة كانت فتنة عام 88 (2009 م). كانت في الحقيقة واحدة من هذه المساعي. ووقع بعض الناس في الداخل أسرى هذه المؤامرة بسبب حب الذات وحب المناصب وما إلى ذلك من الأمراض النفسية الخطيرة. وقد قلت مراراً إنّ المُخطّط والمُصمّم والمدير كان ولا يزال خارج الحدود. وقد تعاونوا معهم في الداخل، بعضهم عن علم وبعضهم الآخر عن غير علم. هذا هو الهدف الثاني.

 

أمّا الهدف الثالث، فكان ولا يزال -إذا بقي النظام الإسلامي- العمل على دسّ عناصر من ذوي النفوس الضعيفة فيه، والاستفادة منهم، وجعلهم الأطراف الأساسيين الذين يتعامل معهم في خصوص قضايا البلاد. وبالتالي تكون النتيجة وجود نظام لا يمتلك القدرة الكافية، ويكون ضعيفاً ومطيعاً - المهم هو أن يكون عميلاً ومطيعاً - ولا يقف في وجه أمريكا، هذه هي أهدافهم.

 

وقد أُحبِطت هذه الأهداف وهذه المراحل حتى هذا اليوم، ولم يفلحوا في تحقيقها. طبعاً بذلوا الكثير من الجهود وتابعوا ممارسات متنوعة -سوف أشير إلى بعضها خلال حديثي- ولم يدّخروا أي جهد، لكنهم لم ينجحوا، لأن الشعب كان يقظاً. لدينا في المجتمع نخب جيدة، وشعبنا شعب صالح جيد، ولدينا كذلك مسؤولون جيدون. ولذلك والحمد لله فشل العدو حتى الآن في تحقيق أهدافه. لقد واصلت الثورة طريقها وتقدمت.

 

الثورة أوجدت تغييرات جذرية

و الآن نسأل ما الذي حدث في الثورة؟ هذه أمور مهمّة. الثورة التي حدثت في إيران أوجدت تغييرات تعتبر من حيث العمق تغييرات مهمة وجذرية وأساسية. على

 

29


18

خطاب الولي 2011

أساس هذه التغييرات يمكن التقدم بالمجتمع وإيجاد تغييرات واسعة. لقد أُرسيت هذه الدعائم الأصلية بشكل متين ومحكم.

 

أريد هنا الإشارة إلى بعض هذه التغييرات التي حصل، وهي طبعاً مما يعلمه الجميع ونعلمه كلنا، فهي أمور مقابل أنظارنا، ولكن، كما يلفت الله تعالى أنظارنا في القرآن الكريم إلى الشمس ﴿وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا﴾[1]، والشمس هي أمامنا، لكنّه يُقسم بها لننتبه إلى أنّ هذه الظاهرة وهذه الحادثة وهذا الموجود له كلّ هذه العظمة... نحن كذلك يجب علينا التنبّه لهذه الظواهر العظيمة المحيطة بنا، لذلك فإنّ ذكر هذه الأمور ضروري من حيث إنّنا يجب أن نتوجّه وننتبه لها.

 

أولاً، كان النظام الحاكم في البلاد قبل الثورة نظاماً محارباً للإسلام بشدّة. لم يكن لهم اهتمام كبير بالظواهر الإسلامية، ولكنّهم في العمق كانوا يسعون بجدّ لاستئصال جذور الإيمان الإسلامي لدى الشعب. ولديّ أمثلة وخواطر كثيرة بهذا الخصوص، ولا مجال ههنا لاستعراضها. وجاءت الثورة لتكون في مقابل ذلك تماماً بفارق 180 درجة، فجعلت الإسلام محوراً لإدارة البلاد، فكانت الأحكام والقوانين إسلامية،وكذلك معايير وملاكات قبول القوانين أو رفضها أصبحت إسلامية، وكذلك معايير عمل الجهات التنفيذية في البلاد.

 

قبل انتصار الثورة، كان البلد يعيش التبعية من الناحية السياسية، أي إنّ الحكومة ومحمد رضا نفسه والأجهزة المختلفة كانت مطيعة لأمريكا وتنتظر إشارات أمريكا. وهنا أيضاً الشواهد كثيرة، كأن يذهب شخص من هنا إلى أمريكا -كالدكتور أميني - من أجل أن يُقنِع الأمريكيين بأن يكون رئيس وزراء إيران. وعاد وأصبح رئيساً للوزراء. وبعد سنة أو سنتين ذهب الشاه إلى أمريكا - وكان غير راغب فيه - وأقنع الأمريكيين بعزله عن رئاسة الوزراء، وعاد فعزله عن رئاسة الوزراء! كان هذا واقع بلدنا آنذاك. كان الشاه ورئيس البلاد من أجل تعيين رئيس الوزراء بحاجة لموافقة الأمريكيين ورضاهم!، كان الشاه في كثير من الأمور يدعو سفير أمريكا وسفير بريطانيا إلى قصره ليطرح عليهما

 

 


[1] سورة الشمس، الآية 1.

 

30


19

خطاب الولي 2011

القرار الذي يريد اتخاذه! وإذا عارضا فلا يُصدر القرار! هذه ه0ي التبعية السياسية. كانوا مطيعين لأمريكا، وقبل الفترة الأمريكية كانوا مطيعين لبريطانيا. البريطانيون أنفسهم جاؤوا برضا خان إلى السلطة، وحينما وجدوا أنّه لم يعد ينفعهم عزلوه عن السلطة ونفوه من البلاد وجاءوا بابنه إلى السلطة. كان هذا قبل الثورة. وعندما جاءت الثورة حقّقت للبلد استقلاله السياسي الكامل.

 

اليوم، لا توجد أيّة قوّة في هذا العالم الكبير، وبين هذه القوى الكبرى يمكنها أن تزعم أنها تؤثر على إرادة مسؤولي البلاد أو الشعب الإيراني. وهذه النقطة بالذات -أي الصمود والاستقلال والعزة السياسية- لها أكبر الجاذبية في نفوس الشعوب. حين ترون أنّ الشعوب تحترم الشعب الإيراني الكبير فإنّ الجانب الأكبر من هذا الاحترام يعود لهذا السبب... الاستقلال السياسي.

 

الدكتاتورية الاستخبارية والسيادة الشعبية

قبل الثورة كان نظام الحكم ملكياً، والطرف المقابل لذلك هو السيادة الشعبية [الديمقراطية]. والشعب لا شأن له ولا دور في نظام الحكم الملكي. أما في نظام الحكم الديمقراطي فالشعب هو الكل في الكل. كان الحكم وراثياً قبل الثورة. يموت واحد ويعيّن آخر مكانه. أي إن الناس لم يكن لهم أي دور، كانوا مضطرين للقبول شاؤوا أم أبوا. أما في الجمهورية الإسلامية وببركة الثورة، فإن الدولة منتخبة، والناس هم الذين ينتخبون، وذوق الناس وإرادتهم هي الحاسمة. قبل الثورة كانت الدولة دكتاتورية استخبارية... دكتاتورية سوداء حالكة... لا زلت أتذكر أن أحد أصدقائنا جاء لزيارتي من باكستان -وقد جاء إلى مشهد بطريقة غير قانونية- وكان يتحدث ويقول (كنا نقرأ المنشور الفلاني في الحديقة مع الأصدقاء). فتعجبت، في الحديقة؟! منشور؟! وهل هذا ممكن!؟ لم يكن يخطر ببالنا إطلاقاً أن يكون هناك منشور في جيب أحد، ويكون في ذلك المنشور شيء من النقد للجهاز الحاكم آنذاك، ويمكن لذلك الشخص أن يمشي في الأزقة. هكذا كان وضع الدكتاتورية الاستخبارية في ذلك الحين. وجاءت الثورة فجعلت الأجواء حرة... أجواء النقد والإصلاح والتذكير والتنبيه، وحتى أجواء المخالفة والاعتراض

 

31


20

خطاب الولي 2011

فتحتها الثورة أمام الناس. هكذا كان الوضع طوال هذه الأعوام الاثنين والثلاثين بما في ذلك سنوات بداية الثورة.

 

قبل الثورة كان اعتماد البلد في العلوم والتقنيات على الغرب تماماً. وقد قلتُ مراراً إنّ بعض قطع طائراتنا العسكرية حينما كانت تتعطّل أو تستهلك، وكان يراد إصلاحها لم يكونوا يسمحون للمهندسين في القوّة الجوية بفتح هذه القطعة ليروا ما هي، ناهيك عن أن يفكّروا في تصليحها. كانوا يضعون القطعة في طائرة ويأخذونها إلى أمريكا ويأتون بغيرها مكانها، أو إذا كان المقرّر إصلاحها كانوا يُصلحونها. لم تكن هناك صناعة، كانت الصناعة تجميعية محضة من دون أي ابتكار. وبعد الثورة توفّرت الثقة بالذات العلمية، والاعتماد على الذات الوطنية. وها هم كلّ هؤلاء العلماء البارزين والكبار في مختلف حقول العلم. لدينا اليوم علماء في داخل البلاد أمثالهم في العالم معدودون وقليلون جداً. لقد تقدّم علماؤنا، وإنّ معظمهم من الشباب.

 

تأثير إيران في قضايا المنطقة والعالم

قبل الثورة لم يكن لإيران أي تأثير في القضايا العالمية، وحتى في قضايا المنطقة. كان البلد مُهاناً، وليس بمقدوره ترك أي تأثير في القضايا المختلفة. وبعد الثورة تحققت للشعب عزّة وعظمة في أنظار شعوب العالم، وأصبح له تأثير في قضايا المنطقة إلى درجة صدمت الأعداء وفرضت عليهم الاعتراف بذلك. تلاحظون اليوم المواقع الالكترونية التي تورد الأخبار الأجنبية، تجدونها دوماً تتحدث عن نفوذ إيران وتمكنها وحضورها في قضايا المنطقة. يذكرون ذلك حتى بدوافع مغرضة أحياناً، لكنهم يعترفون على كل حال.

 

وعلى الصعيد الثقافي، كنا قبل الثورة محض مقلدين، وبعد الثورة أصبح الغزو الثقافي الآفة والخطر الأساس والكبير. والشواهد من هذا القبيل كثيرة. هذه هي الأمور الأساس.

 

حينما يتم إرساء مثل هذه الدعائم في بلدٍ، يستطيع الشعب عندئذ أن يكون متفائلاً بقدرته على بناء صرح حضارة جديدة وعظيمة على هذه الأسس. كلّ واحدة

 

32


21

خطاب الولي 2011

من هذه الخصوصيات تستقطب أنظار الشعوب بنحو من الأنحاء. فالشعوب الأخرى تنظر فترى وتنجذب وتثني وتمدح. بالطبع الأهم من كلّ شيء، هو حالة الاستقلال السياسي والصمود في مقابل عنجهية وغطرسة الأعداء وتعسفهم.

 

مقالة عالم غربي، واقتدار المسلمين

أنقل هنا رأياً لعالِم غربي، وليس من دأبي أن أنقل شيئاً من أقوال هؤلاء الساسة الغربيين وثنائهم، لكنّ هذه العبارة مُلفتة، فهو يقول: شيئان إذا تداولهما المسلمون من يد ليد وتعرَّفَت إليهما الشعوب المسلمة فسوف تتحطّم جميع المحظورات الغربية -أي الأصول الغربية القطعية- وتصبح باطلاً. فما هما هذان الشيئان؟ يقول هذا المفكّر الغربي: أحدهما دستور الجمهورية الإسلامية، وهو الدستور الذي يَطرح أمام أنظار المسلمين في العالم نظام حكم جماهيري شعبي تقدّمي عصري، وفي الوقت نفسه ديني. إنّه دستور يدلّ على أنّ بالإمكان تأسيس نظام حكم يتّصف بالحداثة والعصرية والتقدّم ويكون دينياً تماماً. هذه هي الصورة التي يرسمها الدستور. يقول إنّ مثل هذا الشيء ممكن. هذا أحد الشيئين. والأمر الثاني: حصيلة النجاحات العلمية والاقتصادية والسياسية والعسكرية للجمهورية الإسلامية، وهو ما لو توفّر للمسلمين لوجدوا أنّه أمر ممكن، وقد حصل. يقول: لو أنّ الشعوب المسلمة اطّلعت على هذه الإمكانية والحصول النسبي، أي إنّ هذا الشيء ممكن وقد تحقّق بنحو نسبي في إيران الإسلامية اليوم، ولو وضع هذا النظام أمام أنظارهم، فسيكون من الصعب التصدي لموجة الثورات المقبلة.

 

لقد حدث هذا الشيء اليوم. وهو طبعاً لم يحصل اليوم، بل منذ ثلاثين عاماً. إنّها فكرة تتموضع تدريجياً وبصورة هادئة في أذهان الشعوب، وتنمو وتنضج ثم تبرز بهذا الشكل الذي تشاهدونه حالياً في شمال أفريقيا والمناطق الأخرى.

 

الملف النووي والثبات الإيراني

طبعاً ارتكب الغربيون أنفسهم أخطاءً سياسية، وقد ساعدت هذه الأخطاء السياسية الجمهورية الإسلامية. لاحِظوا أنّ الغربيين أخطأوا في خصوص الملف النووي الإيراني.

 

33


22

خطاب الولي 2011

فقد ضخّموا القضية النووية الإيرانية من أجل مواجهتها، وأثاروا الضجيج حولها ومارسوا الضغوط وقالوا إنّ على الجمهورية الإسلامية التراجع عن قضيتها النووية. ولكن اتضح للناس في العالم طوال هذه الأعوام السبعة - منذ سبعة أعوام وهم يبذلون مساعيهم - شيئان أحدهما هو أنّ إيران استطاعت إحراز تقدّم لم يكن متوقّعاً في الملف النووي، والثاني هو إنّ إيران على الرغم من كلّ هذه الضغوط صمدت ولم تتراجع. وهاتان الحقيقتان هما لصالح الشعب الإيراني. واليوم، العالم بأسره يعلم أنّ أمريكا وأوروبا وأعوانهم وأتباعهم رغم كل الضغوط التي مارسوها لم يستطيعوا التغلّب على الجمهورية الإسلامية وفرض التراجع عليها. هذا ما تمّت معرفته وشاع على يد أعداء الشعب الإيراني أنفسهم، أي إنّهم ساعدوا على تعريف الشعب الإيراني. وكذا الحال في القضايا الأخرى.

 

أثاروا الضجيج بحظر البنزين على إيران فلا يُصدَّر البنزين إلى إيران. حسناً، لقد كنّا ولا نزال من مستوردي البنزين. قالوا نريد منع دخول البنزين إلى إيران. وأثاروا الضجيج حول هذا الموضوع. وذهب محلّلوهم بالتخمين إلى أنّ البلاد ستضطرب والناس ستفعل كذا وكذا. لكنّ هذا أدى إلى أن يُفكِّر المسؤولون هنا بإنتاج مزيد من البنزين. واليوم حسب التقرير الموجود لديّ -طبعاً حتى 22 بهمن (11 شباط) بتوفيق من الله- سوف تستغني بلادنا عن استيراد البنزين تماماً... وبناءً على التقرير الذي تلقيته سيكون بإمكاننا بعد الآن حتى تصدير البنزين، وقد أصدروا الأوامر بذلك. هنا انتهى ضجيجهم لصالح شعب إيران. وقد شاهد المراقبون الدوليون هذه الحقيقة. والأمر كذلك في جميع القضايا، بالنسبة لحظر الأسلحة في فترة الحرب، وفي قضية خلق تيار إسلامي متطرّف وموازٍ. خلقوا في جوارنا تياراً إسلامياً متطرّفاً من أجل التضييق على الجمهورية الإسلامية والإضرار بها، فأصبح الآن آفة عليهم، وليس بإمكانهم السيطرة عليه والحؤول دونه، ولا يدرون كيف يعالجون الأمر. وكذا الحال بالنسبة لاختلاقهم الخلافات المذهبية. وكذا الحال في فتنة سنة 88 (انتخابات 2009م) حيث أشاعوا الضجيج والصخب وقالوا إنّ الجمهورية الإسلامية انتهت والخلافات انتشرت وحدث كذا وكذا. ثم نظروا فوجدوا أنّ الشعب الإيراني وقف

 

 

34


23

خطاب الولي 2011

وانتصر، وقد كان التاسع من دي (30/12/2009م) و22 من بهمن العام الماضي من أيام الله بالمعنى الحقيقي للكلمة. القلوب بيد الله، والله تعالى قد جاء بهذه القلوب إلى وسط الساحة، وأظهر الشعب الإيراني قدرته. مهما فعلوا شيئاً انتهى بالضرر عليهم، وبعد الآن أيضاً سيكون الأمر كذلك. هذا واقع مشهود في العالم حالياً. أرادوا شيئاً وحصل شيء آخر.

 

الثورة ظاهرة نموذجية

وأمّا النقطة الثانية التي ذكرت أنّه ينبغي أن أقولها، فهي إنّنا لو أردنا تشخيص أهمية أيّة ظاهرة وتشخيص نجاحها فيجب أن ننظر كم استطاعت هذه الظاهرة أن تكون نموذجية ومثالاً يحتذى، وكم استطاعت الصمود والاستقامة والبقاء على مبادئها وكلامها. وهكذا هو الحال بالنسبة للثورات. إذا أرادت الثورة التأثير على أذهان الآخرين وممارساتهم والتحوّل إلى نموذج لهم فيجب أن تتحلّى بخصوصيات أهمّها الثبات والاستقامة والصمود. فإذا تحقّق ذلك، كانت الثورة نموذجاً للآخرين، وإلا فالبرق الذي يقدح في مكان ثم ينطفئ لا يمكنه أن يُعدّ نموذجاً ومثالاً، ولا يمكنه ترغيب الآخرين بأن يتبعوه. وقد استطاعت ثورتنا أن تكون مُلهِمة، وأن تُوفِّر نموذجاً ومثالاً، وقد كان هذا نتيجة الثبات والاستقامة والصمود على الأصول والأركان الرئيسة التي أعلنها الإمام الخميني قدس سره لهذه الثورة.

 

إسلامية الثورة، سبيل إنقاذ البشرية

لقد صمدت هذه الثورة. ويمكن أن أذكر عدّة أمثلة في هذا الباب. المثال الأول الصفة الإسلامية. منذ البداية قال الإمام إنّ ثورتنا إسلامية، وتقوم على أساس الإسلام، وأُثيرت ضجة كبيرة في العالم فقالوا إنّ الإسلامية لا تجتمع مع الديمقراطية، والإسلامية رجعية وتخلّف، والأحكام الإسلامية لا يمكن تطبيقها وكذا وكذا. وراح بعضهم يردّد في الداخل صدى ما قالته تلك الأوساط، فكتبوا الكتب والمقالات، وبثّوا الإشاعات من أجل فرض التراجع عن الالتزام بالإسلام على الجمهورية الإسلامية. لكن الجمهورية الإسلامية صمدت وثبتت ولم تستسلم للضجيج والصخب. نعم، نحن إسلاميون ونفخر بهذا.

 

 

35


24

خطاب الولي 2011

وانتصر، وقد كان التاسع من دي (30/12/2009م) و22 من بهمن العام الماضي من أيام الله بالمعنى الحقيقي للكلمة. القلوب بيد الله، والله تعالى قد جاء بهذه القلوب إلى وسط الساحة، وأظهر الشعب الإيراني قدرته. مهما فعلوا شيئاً انتهى بالضرر عليهم، وبعد الآن أيضاً سيكون الأمر كذلك. هذا واقع مشهود في العالم حالياً. أرادوا شيئاً وحصل شيء آخر.

 

الثورة ظاهرة نموذجية

وأمّا النقطة الثانية التي ذكرت أنّه ينبغي أن أقولها، فهي إنّنا لو أردنا تشخيص أهمية أيّة ظاهرة وتشخيص نجاحها فيجب أن ننظر كم استطاعت هذه الظاهرة أن تكون نموذجية ومثالاً يحتذى، وكم استطاعت الصمود والاستقامة والبقاء على مبادئها وكلامها. وهكذا هو الحال بالنسبة للثورات. إذا أرادت الثورة التأثير على أذهان الآخرين وممارساتهم والتحوّل إلى نموذج لهم فيجب أن تتحلّى بخصوصيات أهمّها الثبات والاستقامة والصمود. فإذا تحقّق ذلك، كانت الثورة نموذجاً للآخرين، وإلا فالبرق الذي يقدح في مكان ثم ينطفئ لا يمكنه أن يُعدّ نموذجاً ومثالاً، ولا يمكنه ترغيب الآخرين بأن يتبعوه. وقد استطاعت ثورتنا أن تكون مُلهِمة، وأن تُوفِّر نموذجاً ومثالاً، وقد كان هذا نتيجة الثبات والاستقامة والصمود على الأصول والأركان الرئيسة التي أعلنها الإمام الخميني قدس سره لهذه الثورة.

 

إسلامية الثورة، سبيل إنقاذ البشرية

لقد صمدت هذه الثورة. ويمكن أن أذكر عدّة أمثلة في هذا الباب. المثال الأول الصفة الإسلامية. منذ البداية قال الإمام إنّ ثورتنا إسلامية، وتقوم على أساس الإسلام، وأُثيرت ضجة كبيرة في العالم فقالوا إنّ الإسلامية لا تجتمع مع الديمقراطية، والإسلامية رجعية وتخلّف، والأحكام الإسلامية لا يمكن تطبيقها وكذا وكذا. وراح بعضهم يردّد في الداخل صدى ما قالته تلك الأوساط، فكتبوا الكتب والمقالات، وبثّوا الإشاعات من أجل فرض التراجع عن الالتزام بالإسلام على الجمهورية الإسلامية. لكن الجمهورية الإسلامية صمدت وثبتت ولم تستسلم للضجيج والصخب. نعم، نحن إسلاميون ونفخر بهذا،

 

 

35


25

خطاب الولي 2011

 ونثبت أنّ هذا هو سبيل إنقاذ البشرية. هذا ما أعلنته الجمهورية الإسلامية بصوت عال للعالم بأسره.

 

واليوم لاحِظُوا مجتمعنا بعد 32 سنة. فالسلوكيات إذا لم تكن أكثر إسلامية من اليوم الأول، فهي على أقلّ تقدير بنفس إسلامية اليوم الأول لانتصار الثورة. الشباب الذين لم يروا الإمام ولم يعاصروا فترة الحرب ولا يتذكّرون شيئاً عن الثورة نرى أنّ التزامهم بمبادئ الإسلام أفضل وأقوى من التزام بعضنا نحن الشيوخ. مسؤولو البلاد يفخرون بالإسلامية. طبعاً طوال هذه الأعوام الـ 32 جرت محاولات عديدة، وقد كان هناك بعض الأشخاص حتى داخل المنظومة الحكومية يحاولون أن يسلكوا سُبُلاً ملتوية ليبتعدوا تدريجياً، لكنّهم لم يستطيعوا. ثبتت الجمهورية الإسلامية على مبادئها وإسلاميتها... هذا نموذج.

 

تجلي السيادة الشعبية ضمن إسلامية الثورة

والنموذج أو المثال الآخر، قضية السيادة الشعبية (الديمقراطية). فقد أعلن الإمام الخميني قدس سره منذ اليوم الأول أنّ الشعب يجب أن يُدلي برأيه سواء في أصل انتخاب الجمهورية الإسلامية، أم في تدوين الدستور، أم في قبول الدستور الذي تمّت المصادقة عليه في مجلس الخبراء، أم في انتخاب رئيس الجمهورية، أم في انتخاب المجلس.. صمد الإمام... مضت على الثورة 32 سنة، وإذا أحصينا عدد الانتخابات والاستفتاءات المُقامة، فتكون النتيجة أنّه لدينا 32 مشاركة انتخابية جماهيرية -أي بمعدل انتخابات واحدة كلّ عام- حيث توجّهت الجماهير لصناديق الاقتراع وأدلت بأصواتها وانتخبت. انتخاب الشعب مهمّ جداً. كانت طهران في فترة الحرب المفروضة تحت القصف، لكنّ الانتخابات لم تتعطل. وفي المدن التي كانت تحت القصف الصاروخي لنظام صدّام خلال فترة الحرب لم تتعطّل الانتخابات. وفي إحدى دورات مجلس الشورى ضغطوا لتأخير الانتخابات لأسباب سياسية تتعلّق بهم، لكنّهم لم ينجحوا.

 

لم يحصل تأخير حتى يوم واحد في انتخابات الجمهورية الإسلامية ومشاركة الجماهير لحدّ الآن. هذه هي الديمقراطية. قالها الإمام الخميني قدس سره منذ اليوم الأول، وبقيت

 

36


26

خطاب الولي 2011

الجمهورية الإسلامية ثابتة على هذه الديمقراطية. لم يوافق على تجاوز الديمقراطية. واليوم فإنّ مسؤولي البلاد ابتداء من خبراء القيادة الذين ينصبون القائد ويعزلونه، إلى رئاسة الجمهورية، إلى مجلس الشورى، إلى المجالس البلدية هم من المُنتَخَبين من قبل الشعب. وقد تولّت الأمور تيارات متنوّعة ولم يتولّ الأمور تيارٌ واحد. فمنذ اليوم الأول وإلى الآن تولّى الأمور عدّة رؤساء جمهورية، وكان لكل واحد منهم توجّه وميول سياسية معينة، لكنّهم تولّوا الأمور كلهم من خلال انتخاب الشعب.

 

العدالة الاجتماعية

المثال الآخر هو العدالة الاجتماعية. أعلن الإمام الخميني قدس سره مبدأ العدالة منذ اليوم الأول. والعدالة الاجتماعية أصعب من كل هذه الأمور والمهمّات. أقول لكم إنّ تكريس العدالة الاجتماعية أصعب من الحفاظ على الديمقراطية، وسائر المهمّات في الجمهورية الإسلامية. إنّها عملية صعبة جداً. ولا نقول إنّنا استطعنا إلى اليوم تكريس وتحقيق العدالة الاجتماعية بشكل كامل، لا، لا تزال المسافة بعيدة جداً. لا تزال المسافة كبيرة بين العدالة التي أرادها منّا الإسلام وما هو موجود اليوم في مجتمعنا، بيد أنّ المسيرة نحو العدالة الاجتماعية لم تتوقّف وهي مستمرة وتتصاعد يوماً بعد يوم. التحرّك باتجاه العدالة الاجتماعية أشد حالياً من الأعوام والدورات الماضية. من المصاديق المهمّة للعدالة الاجتماعية التقسيم والتوزيع المناسب للفرص في البلاد. يتمّ التركيز في الأنظمة الغافلة عن حقيقة العدالة الاجتماعية على طبقة خاصّة وعلى مناطق خاصّة من البلاد، ولكن في الجمهورية الإسلامية كلّما مضى الزمن وتقدمنا - وقد مضى حتى الآن 32 عاماً - نجد أنّ هذا المعنى يتكرّس ويقوى أكثر (أي التقسيم والتوزيع المناسب للفرص). فالقرى والمدن النائية تندرج اليوم ضمن مناطق المراقبة والاهتمام. كلّ عمليات البناء للمساكن في القرى والأرياف، وكلّ هذا المدّ للطرق نحو المدن البعيدة والقرى في البلاد... طرق التواصل، والاتصالات على اختلاف أشكالها، وتوصيل الطاقة الكهربائية والمياه الصالحة للشرب والهاتف وإمكانات الحياة... كلّ هذه الأمور تم توزيعها في مختلف أنحاء البلاد.

 

 

37


27

خطاب الولي 2011

هذه الأسفار والزيارات التي يقوم بها المسؤولون للمحافظات والمدن، وبعض هذه المدن البعيدة لم يكن أهاليها يتصوّرون يوماً أن يشاهدوا مسؤولاً من الدرجة الثانية، ولكنّهم اليوم يرون أنّ مسؤولي البلاد من ذوي الرتب العليا يزورون مناطقهم. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية والقيمة. حينما يذهب المرء إلى هناك ويشاهد المشكلات ينبعث فيه الحافز لمعالجتها، وهذا هو تحقيق العدالة الاجتماعية. نحن نسير باتجاه العدالة الاجتماعية.

 

ما يشاهده المرء من حياة المسؤولين في العالم إنّما هو حياة باذخة ارستقراطية. الذين يصلون إلى الحكم ويتولون رئاسة الجمهورية أو مناصب رفيعة تنقلب حياتهم رأساً على عقب. لكن الأمر ليس كذلك في بلادنا. طبعاً أمثالي يجب أن يُطابقوا حياتهم مع أضعف وأفقر شرائح المجتمع، لكننا لم نستطع ولم نُوفَّق لذلك. هذا شيء لم يحصل، لكن حياة مسؤولي البلاد والحمد لله هي بمستوى الطبقة المتوسطة، وبعضهم دون المتوسط. وهذا شيء غاية في الأهمية.

 

أسهم العدالة، وترشيد الدعم الحكومي

مشاريع أسهم العدالة، والمساكن الريفية، وترشيد الدعم الحكومي... هذه أعمال كبيرة. وإذا استطاع مسؤولو البلاد إن شاء الله تطبيقها بنحو جيد، فهذا إنجاز كبير جداً، كالدعم الذي كانت تقدّمه الحكومة للجميع بما يتعلق بالكهرباء، فذلك الذي يوجد في بيته مصابيح وثريات عديدة يستهلك الكثير من الكهرباء أي هو من ذلك الذي لا يوجد في بيته سوى مصباحٍ أو مصباحين؟ فالأثرياء كانوا يستفيدون من هذا الدعم أكثر من غيرهم، وهذا ظلمٌ، ويريدون (الحكومة الحالية) الحؤول دون هذا الظلم. وكذا الحال بالنسبة للخبز والبنزين وغير ذلك. نحن صامدون والنظام صامد على شعار العدالة الاجتماعية.

 

مقارعة الاستكبار والثبات أمام الضغوط

النقطة الأخرى هي مقارعة الاستكبار وعدم الرضوخ للضغوط. ونحن أيضاً صامدون في هذا المجال. وقد كان هذا العمل شاقّاً، إلاّ أنّ الجمهورية الإسلامية نجحت في القيام

 

 

38


28

خطاب الولي 2011

بهذا العمل الصعب. فالكثيرون ومنذ بداية الثورة، كانوا يقولون ما دامت الثورة قد انتصرت فلنكتف ولنذهب وننهِ الأمور مع الأمريكيين! ومعنى هذا هو تخطئة شعار مقارعة الظلم الذي تتبنّاه الثورة. كانوا يُشجّعون على هذا. وقد كان هناك -على مرّ الزمن- من يسعى وراء هذا الأمر، أن نذهب ونتماشى مع أمريكا، وننضوي تحت مظلّة ورعاية من هم أعداؤنا الأصليون. ومعنى هذا الكلام بيع القضية الفلسطينية والتغاضي عن جرائم أمريكا في العراق وأفغانستان وأمثال ذلك. معنى هذا الكلام غضّ الطرف عن كلّ هذا الظلم الذي تمارسه أمريكا في العالم. معنى هذا الكلام عدم الاعتراض على هذه الأمور والقضايا.

 

صمود الشعب نموذج يحتذى

تطبيع العلاقات معناه أن لا يعود الشعب الإيراني والمسؤولون الإيرانيون قادرين على التصريح باعتراضهم والتعبير عن مواقفهم، وفي مرحلة لاحقة سيضطرون تدريجياً لقبول كلام أولئك. وقد كانت هذه الاستقامة صعبة جداً، لكنّها كانت مباركة واستجلبت الرحمة الإلهية، ولفتت أنظار الشعوب. كان لصمودكم أيها الشعب الإيراني في هذه الأعوام الـ 32 على الشعارات الأصلية للثورة بركة كبيرة، هي أن ينظر لكم العالم الإسلامي اليوم بعين الإعظام والإجلال. فعندما يسافر مسؤولو بلدنا إلى البلدان المختلفة يُستقبلون بكلّ حفاوة وترحيب. عندما يرصد المراقبون شعبية الشخصيات السياسية يأتي مسؤولو بلدنا في المرتبة الأولى. لقد أصبح ما قام به الشعب الإيراني نموذجاً يُحتذى. وأنتم تشاهدون اليوم تباشير ذلك. هذه البركة الكبرى وهذه الميزات لم يكن لتتضح إلا بعد مرور الزمن.

 

ففي مصر اليوم يُسمع صدى أصواتكم. قبل أيام تحدّث ذاك الرئيس الأمريكي الذي عاصر ثورتنا، وقال إنّ الأصوات التي تُسمع في مصر اليوم هي معروفة عندي! أي إنّ ما يُسمع في القاهرة اليوم كان يُسمع في طهران أيام رئاسته. هذا ما يحكم به العالم ويقوله، لذلك فإنّ عشرة الفجر في بلادنا لهذا العام مهمّة وحسّاسة وحماسية.

 

ستُضاف مظاهرات 22 بهمن التي تخرجون بها -يا شعبنا العزيز- إلى كلّ أمجادكم إن شاء الله.

 

39


29

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

﴿إِنَّآ أَعۡطَيۡنَٰكَ ٱلۡكَوۡثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنۡحَرۡ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلۡأَبۡتَرُ﴾[1].

 

الخطبة الثانية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين صلى الله عليه وآله وسلم، لا سيّما عليّ أمير المؤمنين عليه السلام، والصدِّيقة الطاهرة سيّدة نساء العالمين، والحسن والحسين سِبطي الرحمة وإمامي الهدى، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمّد بن علي، وعلي بن محمّد، والحسن بن علي، والخلف القائم الحُجّة، حُجَجِك على عبادك وأُمنائك في بلادك، وصلّ (اللّهم) على أئمة المسلمين وحماة المستضعفين وهداة المؤمنين، وأستغفر الله لي ولكم.

أُوصيكم عباد الله بتقوى الله.

 

أُوصيكم جميعاً أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء ونفسي مرّة أخرى بمراعاة التقوى.

 

أحداث مصر وتونس زلزال حقيقي

أَذكُر لدقائق قصيرة بعض النقاط حول الأحداث الجارية في مصر وتونس. إنّها أحداث مهمّة جدّاً، وهي زلزال حقيقي. إذا استطاع الشعب المصري بعون الله وتوفيقه أن يُحقّق هذا الشيء فستكون هزيمة لا تعوّض للسياسات الأمريكية في المنطقة. ربما كان الإسرائيليون اليوم أشدّ قلقاً من المسؤولين الهاربين من تونس ومصر. الإسرائيليون والأعداء الصهاينة قلقون أكثر من الجميع. إنّهم يعلمون أيّ حدث عظيم سيقع في هذه المنطقة لو تخلّت مصر عن التحالف معهم وتموضعت في مكانها الحقيقي. سوف تتحقّق تنبؤات إمامنا الجليل قدس سره. لذا فالأحداث مهمّة جدّاً. تسعى التحليلات العالمية لتجاهل السبب الأصلي لهذه الانتفاضات، فيشيرون إلى الشؤون الاقتصادية وغير الاقتصادية -وهي شؤون مؤثرة بالطبع- لكنّ العامل والسبب الرئيس لهذه

 


[1] سورة الكوثر، الآيات 1-3.

 

40


30

خطاب الولي 2011

الحركة الجماهيرية العظيمة في تونس أولاً، ثمّ حين بلغت ذروتها في مصر، هو شعور الجماهير بالمهانة نتيجة الوضع الذي أوجده رؤساؤهم. الجماهير أُهينت وشَعَرت بأنّها أهينت. هذا اللّامبارك مصر، أذلّ الشعب المصري.

 

تونس، بن علي الفار تابع مباشرة لـ CIA

سبق أن ذكرت نقطة حول تونس. رئيس جمهورية تونس الهارب بن علي هذا كان تابعاً للولايات المتحدة بشكل كامل، بل لدينا وثائق تُثبت أنّه كان تابعاً للـ (CIA) الأمريكية أي لأجهزة التجسّس الأمريكية. لاحظوا كم هو صعبٌ على الشعب أن يكون رئيسه المتبختر والمغرور-حيث كان شخصاً مُتكبِّراً وسيِّئاً جدّاً- خادماً رسمياً للأجهزة الأمريكية. ولسنوات طويلة حكم الناس بكلّ قسوة وحِدّة، عَمِل ضدّ مصالح الشعب، وضدّ الدين.

 

في تونس، البلد المسلم والذي له سابقة إسلامية طويلة وأمجاد في الثقافة الإسلامية، كان على الناس في زمن بن علي إذا أرادوا الذهاب للمسجد الحصول على بطاقة خاصّة... بطاقة الدخول للمسجد التي تمنحها الحكومة، ولم تكن تمنحها للجميع! لم يكونوا يسمحون للناس بالذهاب إلى المسجد. وقد كانت الصلاة فُرادى في المساجد ممنوعة، ناهيك عن صلاة الجماعة... كانت ممنوعة أمام الأنظار. والحجاب كان محظوراً بشكل رسمي. وقد كان الدافع المهمّ للناس أنّهم يريدون الإسلام. لذلك رأيتم أنّه بمجرد أن هرب هذا الخائن من بلاده وتغيّرت الأوضاع ذهبت الفتيات الجامعيات إلى الجامعات بالحجاب. هذه إشارة على الدوافع الإسلامية العميقة. هذا ما يريد المحلّلون الغربيون كتمانه وإخفاءه. والحافز الآخر هو رفض التبعية لأمريكا، وهذا شيء على قدر كبير من الأهمية. لا يرغب الأمريكيون في أن يُقال إنّ التبعية هي سبب نهضة الشعب في تونس أوّلاً ثم في مصر حيث بلغت النهضة ذروتها. هذه هي حقيقة القضية. طبعاً حدث في تونس تغيير سطحي. هرب بن علي لكنّ أجهزته بقيت تتولى الأمور. عسى أن يتفطّن الشعب في تونس إلى موقعه جيّداً لئلا يستطيع العدو -لا سمح الله- أن يخدعه.

 

41


31

خطاب الولي 2011

مصر، رائدة العالم العربي

وأمّا مصر، مصر بلد مهمّ جداً. أذكر بعض النقاط على وجه الإيجاز. كانت مصر البلد الإسلامي الأول الذي تعرّف إلى الثقافة الغربية. كانت بدايات تعرّف مصر إلى الثقافة الغربية في أواخر القرن الثامن عشر. حدث ذلك لمصر قبل كل البلدان. كانت مصر أوّل بلد من بين البلدان الإسلامية تتعرّف إلى الثقافة الأوروبية، كما كانت أول بلد إسلامي وقف بوجه تلك الثقافة الأوروبية والغربية وأدرك آفاتها وقاومها. فالسيد جمال الدين الكبير، ذلك الرجل الإسلامي الشجاع المناضل العظيم، وجد أنّ أفضل مكان لنضاله هو مصر... ومن بعده جاء تلامذته محمد عبده وغيره. والحركات الإسلامية في مصر لها مثل هذه السابقة. لدى المصريين شخصيات كبيرة في المجال السياسي والمجال الثقافي وكلّهم من أنصار الحرية. فأضحت مصر قائدة العالم العربي من الناحية الفكرية والسياسية. بقيت البلدان العربية لفترة طويلة تنظر لمصر حيث صارت مصر قائدة العالم العربي. وكان الاستقلال وطلب الحرية يموجان في تلك الديار. طبعاً لم تتوفّر فرص جيدة للشعب المصري، باستثناء فترات قصيرة. كانت مصر أول بلد أو أكبر بلد دخل الحرب إلى جانب سوريا من أجل القضية الفلسطينية. لم يدخل أي من البلدان الإسلامية الأخرى الحرب في هذه الحروب التي كانت مع إسرائيل. لكن مصر وظّفت جنودها وجيشها وشعبها وإسنادها للحرب، ولم ينجحوا طبعاً... مرّة في سنة 1967 ومرّة في سنة 1973. هكذا هي مصر.

 

اللّامبارك خادم الصهاينة

 لذلك تعتبر مصر ملجأ وملاذاً للفلسطينيين، بل ملجأً للكثير من الثوريين من البلدان الأخرى. مثل هذا البلد وقع لمدّة ثلاثين عاماً في قبضة شخص ليس من غير طالبي الحرية وأنصارها وحسب، بل عدوّ للحرية. وليس غيرَ معادٍ للصهيونية وحسب، بل مواكبٌ للصهاينة ومتعاونٌ معهم والأمين لديهم، وبمعنى من المعاني خادمهم. البلد الذي كانت فيه راية الكفاح ضدّ الصهيونية ذات يوم ملهمة للعالم العربي كلّه، وصل فيه الأمر إلى درجة أنّ الأعداء الإسرائيليين الصهاينة أصبحوا يعتمدون على مساعدة

 

42


32

خطاب الولي 2011

هذا اللامبارك في كلّ أنشطتهم المعادية للفلسطينيين، فقد كان يساعدهم.

 

دوره في محاصرة غزة

في قضية غزّة، لو لم يساعد حسني مبارك الإسرائيليين لما استطاعوا محاصرة غزّة. كان الفلسطينيون في غزّة محاصرين -وهم محاصرون منذ 4 أعوام- وفي حرب الـ 22 يوماً احترق رجالهم ونساؤهم وأطفالهم بنيران الإسرائيليين، وماتوا وتهدّمت بيوتهم، لكنّهم (نظام مبارك) لم يسمحوا لقوافل المساعدات بمدّ يد العون لهؤلاء الناس. وليست القوافل من مصر فقط بل حتى القوافل من البلدان الأخرى التي أرادت العبور من مصر لإيصال المساعدات لهم -ومنها قوافل شعبنا- لم يسمح لها حسني مبارك بذلك. مثل هذا الوضع كان سائداً في مصر. فهؤلاء الناس طفح بهم الكيل بالمحصِّلة. الشعب المصري يشعر بالذلّة والمهانة نتيجة مناصرة نظامه الحالي لإسرائيل، وبسبب تبعيته وطاعته المحضة لأمريكا. هذا هو السبب الأصلي للنهضة والتحرّك. هؤلاء شعب مسلم وقد انطلق التحرّك من صلاة الجمعة ومن المساجد. وكانت الشعارات “الله أكبر”. الجماهير ترفع شعاراً دينياً، والتيار المناضل الأقوى هناك هو التيار الإسلامي.

 

خدمات مبارك للأمريكيين بلا مقابل

يريد الشعب المصري مسح هذا الذلّ عن نفسه. هذا هو السبب، لكن الغربيين لا يسمحون لهذا التحليل بالانتشار بين الشعوب والرأي العام العالمي، فهم يُركِّزون فقط على المسائل الاقتصادية. نعم، هذه أيضاً حقيقة. طبعاً لم تستطع عمالة شخص لأمريكا - كحسني مبارك - التقدّم بمصر حتى خطوة واحدة نحو الازدهار. هناك 40% من سكان مصر البالغين أكثر من 70 مليون نسمة يعيشون تحت خطّ الفقر! في مدينة القاهرة نفسها هناك مئات الآلاف -كما ورد في تقارير مؤكّدة وصلتني وقد سمعتُ أنّ العدد يصل إلى مليونين وثلاثة ملايين، لكن القدر المسلَّم به هو مئات الآلاف- من فقراء القاهرة يعيشون في المقابر! هم مشردون وجوّابو صحاري يلوذون بالمقابر. الناس هناك تعيش معيشة صعبة. أي إنّ الأمريكيين لم يمنحوا حتى أجور هذه الخدمة (مقابل خدمات مبارك لهم). وسوف لن يمنحوه أجره اليوم أيضاً. واليوم أيضاً، متى ما

 

43


33

خطاب الولي 2011

هرب من مصر وخرج -بعون الله- ليكن على ثقة أنّ أول بوابة ستُغلق في وجهه هي البوابات الأمريكية. لن يسمحوا له بالدخول، كما لم يسمحوا لبن علي، وكما لم يسمحوا لمحمد رضا بهلوي... هكذا هم... لينظر الذين تخفق قلوبهم لصداقة أمريكا وإطاعتها إلى هذه النماذج. هؤلاء كالشيطان. يقول في دعاء الصحيفة السجادية: إنّ الشيطان حينما يغويني ينظر بعدها من هناك -على حد تعبيري- ويضحك عليّ ويُدير لي ظهر المجن ولا يأبه لي. هكذا هم هؤلاء... الأمريكيون يسعون وراء مصالحهم بواسطة هؤلاء الأفراد الضعفاء الأذلاّء.

 

الأعداء في تخبط وضياع

طبعاً الأمريكيون حالياً مضطربون ومتخبّطون بشدّة، والإسرائيليون متخبطون أكثر منهم، يبحثون عن علاج لقضية مصر. ولن يجدوا علاجاً، إنّما يعملون الآن على الخداع فيتحدّثون عن مناصرة الشعب. والآن قيل إنّ الأمريكيين أيضاً قالوا له يجب أن يعتزل بسرعة ويغادر. وهذا يعود إلى طريقة عمل الشعب المصري وكيف يتّخذون قرارهم.

 

والآن أقرأ بعض النقاط التي كتبتها، وأخاطب بها الإخوة العرب.

 

الخطبة العربية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نهضة الشعوب، حادثة إعجازية

السلام على أبناء الأمّة الإسلامية في كلّ مكان. اليوم على ساحة العالم الإسلامي إرهاصات حادثة عظيمة مصيرية كبرى، حادثة تستطيع أن تغيّر معادلات الاستكبار في هذه المنطقة لصالح الإسلام ولصالح الشعوب، حادثة تستطيع أن تُعيد العزّة والكرامة للشعوب العربية والإسلامية، وتنفض عن وجهها غبار عشرات السنين مما جناه الغرب وأمريكا بحقّ هذه الشعوب العريقة الأصيلة من ظلم واستهانة وإذلال. إنّ هذه الحادثة الإعجازية بدأت على يد الشعب التونسي وبلغت ذروتها بسواعد الشعب

 

 

44


34

خطاب الولي 2011

 المصري الرشيد العظيم. لقد انحبست الأنفاس في صدور العالم الغربي والعالم الإسلامي -ولكلّ واحد أسبابه- وهم يترقّبون ما سيحدث في مصر الكبرى، مصر نوابغ القرن الأخير، مصر محمد عبده والسيد جمال، مصر سعد زغلول وأحمد شوقي، مصر عبد الناصر والشيخ حسن البنا، مصر عام 1967 و1973، يترقبون مدى ارتفاع راية همّة المصريين. فلو أن هذه الراية انتكست -لا سمح الله- فسيعقب ذلك عصر حالك الظلام، وإن رفرفت على القمم فإنها ستطاول عنان السماء.

 

خروج المكشوفين وبطائنهم

الشعب التونسي استطاع أن يطرد الحاكم الخائن المنقاد لأمريكا والمجاهر بعدائه للدين، ولكن من الخطأ الظنّ بأنّ هذه هي النتيجة المطلوبة. النظام العميل لا يسقط بخروج المكشوفين من رموزه. لو حلّ محلّ هذه الرموز بطائنها لم يتغيّر شيء، بل إنّه الشرك الذي ينصب أمام الشعب. في الثورة الإسلامية الكبرى في إيران حاولوا مراراً إيقاع شعبنا في مثل هذا الفخ لكنّ وعي الشعب وقائده الإلهي العظيم أدرك دسيسة الأعداء وأحبطها وواصل الطريق حتى نهايته. وأمّا مصر، فإنّ مصر نموذج فريد، لأنّ مصر في العالم العربي بلد فريد. مصر أول بلد في العالم الإسلامي تعرّف إلى الثقافة الأوروبية، وأول بلد أدرك أخطار هجوم هذه الثقافة وتصدى لها. إنّه أول بلد عربي أقام دولة مستقلة بعد الحرب العالمية الثانية، ودافع عن مصالحه الوطنية في تأميم قناة السويس، وأول بلد وقف بكل طاقاته إلى جانب فلسطين وعرف في العالم الإسلامي بأنّه ملجأ للفلسطينيين. السيد جمال لم يكن مصرياً لكنّه لم يرَ في غير شعب مصر المسلم من يفهم همّه الكبير.

 

شجاعة الشعب المصري وجدارته

إنّ الشعب المصري أثبت جدارته في ساحات النضال السياسي والديني، وسجّل مواقفه المشرفة على جبهة التاريخ. لم يكن محمد عبده وتلاميذه وسعد زغلول وأتباعه أشخاصاً عاديين. كانوا من النوابغ الشجعان والواعين الذين يحقّ لمصر أن تفخر بهم وبأمثالهم. إنّ مصر بهذا العمق الثقافي والديني والسياسي قد احتلت بحقّ مكان

 

45


35

خطاب الولي 2011

الريادة في العالم العربي. إنّ أكبر جريمة ارتكبها النظام الحاكم في مصر هي أنّه هبط بهذا البلد من مكانته الرفيعة إلى مرتبة آلة طيّعة بيد أمريكا في لعبتها السياسية على صعيد المنطقة. إنّ هذا الانفجار الذي نشهده اليوم في الشعب المصري هو الجواب المناسب لهذه الخيانة الكبرى التي ارتكبها الدكتاتور العميل بحقّ شعبه. إنّ الساحة تموج اليوم بألوان التحليل بشأن نهضة الشعب المصري، وكلّ يدلي بدلوه في هذا المجال، غير أنّ كل من يعرف مصر يفهم بوضوح أنّ مصر تدافع اليوم عن عزّتها وكرامتها. مصر ابتُليت بخيانات صادرت كرامتها. إنّ شعباً في ذروة العزّة قد أذلّوه إرضاءً لغرور أعدائه وتكبرهم. إنّ موقف مصر من القضية الفلسطينية يُشكّل نموذجاً بارزاً لمكانة مصر. فلسطين منذ عشرات السنين تُشكِّل أبرز محور في مسائل المنطقة، ومسائل هذه المنطقة متداخلة مترابطة بحيث لا يستطيع أيّ بلد أو أي شعب أن يتصوّر مصيره بمعزل عن القضية الفلسطينية. وليس ثمة أكثر من جهتين: إمّا دعم فلسطين ونضالها العادل أو الوقوف في الجبهة المقابلة. لكنّ شعوب المنطقة بيّنت موقفها منذ البداية تجاه هذا الاصطفاف، فحين يتجه أي نظام حاكم إلى دعم القضية الفلسطينية فإنّه ينال التفاف شعبه والشعوب العربية والمسلمة، ولقد جرّبت مصر ذلك في الستينات وأوائل السبعينات، لكنّه حين يقف في الصف الآخر فإن الشعب يعرض عنه، وفي مصر ظهرت الهوّة العميقة بين الدولة والشعب بعد اتفاقية العار في كامب ديفيد.

 

غزة ودعم الشعب المصري

 إنّ الشعب المصري استرخص النفس والنفيس لمساعدة فلسطين في 1967 و1973 لكنّه رأى بعد ذلك بأمّ عينيه أنّ حُكّامه هرولوا على طريق العمالة والطاعة لأمريكا إلى درجة جعلت مصر حليفة وفيّة للعدو الصهيوني الغاصب. إنّ سيطرة أمريكا على حكّام مصر قد بدّدت كلّ جهود هذا الشعب السابقة في دعم فلسطين وبدّلت النظام المصري إلى عدوّ لدود لفلسطين وأكبر حام للصهاينة المُعتدين، بينما حافظت سورية، شريكة مصر في حرب 67 و73، على مواقفها المستقلّة رغم ما واجهت من ضغوط أمريكية هائلة. وبلغ بالنظام المصري العميل أن الشعب المصري شاهد لأول مرّة في

 

46


36

خطاب الولي 2011

 

التاريخ أنّ حكومته تقف في حرب إسرائيل على غزّة إلى صفّ الجبهة الإسرائيلية، ولم تمتنع عن المساعدة فحسب بل كانت نشطة في دعم جبهة العدو. سوف لا ينسى التاريخ أبداً أنّ حسني مبارك هو نفسه الذي وقف بقوّة إلى جانب إسرائيل وأمريكا في حرب إسرائيل وأمريكا على غزة، حيث قتل النساء والرجال والأطفال خلال 22 يوماً من القصف المتواصل، فيما فرض قبل ذلك وبعده على غزّة من حصار ظالم. أيّة معاناة ومحنة عاشها الشعب المصرى تلك الأيام. شاشات التلفزيون نقلت لنا جانباً من مشاعر المصريين وهم يبكون بسبب عدم فسح المجال أمامهم لمساعدة إخوتهم الفلسطينيين. لقد بلغ السيل الزبى بهذا الشعب، ولم يَعُد يحتمل أكثر هذا الوضع، وما نشاهده في القاهرة وبقية المدن المصرية هو انفجار هذا الغضب المقدس وهذه العقد المتراكمة في قلوب الرجال والنساء الأحرار المصريين خلال السنوات الطويلة جرّاء مواقف هذا النظام الخائن العميل المعادي للإسلام. إنّ نهضة الشعب المصري المسلم حركة إسلامية تحررية، وأنا باسم الشعب الإيراني وباسم الحكومة الثورية الإيرانية أحيّي الشعب المصري والشعب التونسي سائلاً الله سبحانه أن يمنّ عليكم بالنصر المؤزّر الكامل. إنّني أشعر بالفخر والاعتزاز لنهضتكم.

 

أيّها الإخوة والأخوات المصريون والتونسيون، لا شكّ أنّ نهضات الشعوب ترتبط بظروفها الجغرافية والتاريخية والسياسية والثقافية الخاصة ببلدانها، ولا يمكن أن نتوقّع أن يحدث في مصر أو تونس أو أي بلد آخر ما حدث في الثورة الإسلامية الكبرى بإيران قبل أكثر من ثلاثين عاماً، ولكن هناك مشتركات أيضاً، وتجارب كلّ شعب تستطيع أن تكون نافعة للشعوب الأخرى، وما نراه مفيداً أن نقدّمه من تجارب في الظروف الراهنة هو:

نهضة الشعوب بين ارادتين

أوّلاً: إنّ نهضة الشعوب هي في الواقع حرب بين إرادتين: إرادة الشعب وإرادة أعدائه. وكلّ جانب كان أكثر وأقوى عزّة وأكثر تحملاً للصعاب فهو منتصر حتماً. يقول سبحانه:

 

47


37

خطاب الولي 2011

﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ﴾[1].

 

ويخاطب رب العالمين رسوله بالقول: ﴿فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡۖ﴾[2].

العدوّ يسعى بممارسة القوّة والخداع إلى أن يوهن من إرادتكم فاحذروا من ضعف إرادتكم.

 

ثانياً: العدو يحاول بث اليأس من تحقيق أهدافكم بينما الوعد الإلهى يقول:

﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةً وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ﴾[3].

 

فثقوا ثقة تامّة لا يعتريها تردد بوعد الله المؤكد حيث يقول عزّ من قائل:

﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[4].

 

ثالثاً: العدوّ يسوق إليكم قواه الأمنية المجهّزة كي يبعث الرعب والفوضى بين الناس. لا تهابوهم.. أنتم أقوى من هؤلاء المأجورين. أنتم الآن في مرحلة تشبه المرحلة التي خاطب فيها الله سبحانه رسوله حيث قال: ﴿إِن يَكُن مِّنكُمۡ عِشۡرُونَ صَٰبِرُونَ يَغۡلِبُواْ مِاْئَتَيۡنِۚ﴾[5]. أنتم تستطيعون بالاتّكال على الله والاعتماد على الشباب الغيور أن تتفوّقوا على كلّ عبث وفوضى وإرهاب.

 

الاتحاد والانسجام سلاح الشعوب الاقوى

رابعاً: إنّ سلاح الشعوب المهمّ في مواجهة قوى الطغيان والحكام العملاء هو الاتحاد والانسجام. العدوّ يسعى بأنواع أساليب المكر إلى أن يُفتّت تلاحمكم، ومن ذلك إثارة مواضع الافتراق، ورفع الشعارات المنحرفة، وطرح وجوه غير موثوقة لتكون بديلة للرئيس الخائن. حافظوا على اتحادكم حول محور الدين وإنقاذ البلد من شر

 


[1] سورة فُصِّلت، الآية 30.

[2] سورة الشورى، الآية 15.

[3] سورة القصص، الآية 5.

[4] سورة الحجّ، الآية 40.

[5] سورة الأنفال، الآية 65.

 

48


38

خطاب الولي 2011

عملاء العدو... ﴿وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ﴾[1].

 

خامساً: لا تثقوا بما يلعبه الغرب وأمريكا من دور وما يقومون به من مناورات سياسية في نهضتكم. هؤلاء كانوا قبل أيام يدعمون النظام الفاسد وهم اليوم بعد أن يئسوا من الاحتفاظ به راحوا يعزفون على نغمة حقّ الشعوب. هؤلاء يسعون بذلك إلى أن يُبدّلوا عميلاً بعميل، وأن يُسلِّطوا الأضواء على بعض الوجوه ليفرضوا عملاءهم عليكم. هذه إهانة لمشاعر الشعوب. ارفضوا ذلك ولا تقبلوا بأقلّ من استقرار نظام كامل مستقلّ وشعبي ومؤمن بالإسلام.

 

وسام الجيش المصري ودور علماء الأزهر

سادساً: الظرف يتطلّب من علماء الدين والأزهر الشريف بتاريخه النضالي المعروف أن ينهضوا بدورهم بشكل بارز، فحين يبدأ الشعب ثورته من المساجد ومن صلوات الجمعة ويرفع شعار "الله أكبر" فإنّ المتوقّع من علماء الدين أن يتّخذوا موقفاً أبرز، وهو توقّع في محله.

 

سابعاً: الجيش المصري الذي يحمل على صدره وسام المشاركة في حربين على الأقلّ مع العدوّ الصهيوني يتعرّض اليوم لاختبار تاريخي كبير. فالعدو يطمع في أن يُدفَع به لقمع الجماهير، ولو حدث هذا -لا سمح الله- فإنّه يشكل ثغرة لهذا الجيش الفخور لا يمكن سدّها. إنّ الذي يرتعد أمام الجيش المصرى يجب أن يكون العدو الصهيوني لا الشعب المصري. مما لا شكّ فيه أنّ عناصر من الجيش المصري الذي هو من الشعب ومن أبناء الشعب ستلتحق بالجماهير إن شاء الله. عندئذ ستتكرّر هذه التجربة الجميلة في مصر مرة أخرى.

 

ثامناً وأخيراً: إنّ أمريكا التي دعمت الحكام العملاء ثلاثين عاماً خلافاً لإرادة الشعب المصري ليست الآن في موقف يؤهّلها لأن تدخل في قضية مصر في وساطة أو نصيحة. انظروا بعين الشكّ والتشاؤم في هذا الشأن إلى كلّ توصية وخطوة أمريكية ولا تثقوا بها.

 

أيّها الإخوة والأخوات، نستطيع أن نفهم بوضوح أنّ نهضة الشعب المصري يوجّهها

 

 


[1] سورة آل عمران، الآية 103.

 

49


39

خطاب الولي 2011

جمع من نخب السياسة والحكماء بالتشاور والتنسيق بينهم، ونتضرع إلى الله أن يأخذ بأيديهم، غير أن الذي ذكرناه إنما هو تجاربنا، وأنا باعتباري أخاً لكم في الدين وانطلاقاً من التزامي الديني قدمت لكم تلك التجارب.

 

يا أبناء الكنانة، إن الأبواق الإعلامية للعدو سوف ترفع عقيرتها كما فعلت من قبل بالقول إن إيران تريد أن تتدخل، تريد أن تنشر التشيع في مصر، تريد أن تصدّر ولاية الفقيه إلى مصر، وتريد وتريد... هذه أكاذيب ملأت آذاننا خلال ثلاثين عاماً والهدف منها أن يفرّقوا بين الشعوب بعضها عن بعض، وردّدها أيضاً المأجورون ﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾[1]. إنّ هذه الأحابيل لن تثنينا إطلاقاً عن أداء ما حمّلنا الإسلام من مسؤولية، والله من وراء القصد، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم...

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

﴿وَٱلۡعَصۡرِ ١ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ ٢ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾[2]

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 


[1] سورة الأنعام، الآية 112.

[2] سورة العصر، الآيات 1 - 3.

 

50


40

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء جمع من منتسبي القوة الجوية

في الجيش

 

 

 

 

 

في جمعة طهران

المناسبة:   ذكرى 19 بهمن

الحضور:  جمع من قادة وطياري القوة الجوية في الجيش الإيراني

المكان:   طهران

 

الزمان:    19/11/1389هـ.ش.

04/03/1432هـ.ق.

08/02/2011م.

 

 

51

         


41

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أُرحّب بكم كثيراً أيّها الإخوة الأعزّاء والقادة الخدومون الدؤوبون في القوّة الجوّيّة لجيش الجمهورية الإسلامية والدفاع الجوّيّ. نتمنى أن يوفّقكم الله تعالى جميعاً وأن يُعينكم للارتقاء درجاتٍ يوماً بعد يوم، بالمستوى الرفيع للقوّة الجوّيّة التي تحقّقت والحمد لله بفضل الكثير من المساعي والجهود وكذلك لمقرّ الدفاع الجوّيّ. واليوم أيضاً سيبقى اجتماعكم العزيز في هذه الحسينية، والكلمة الجيّدة التي ألقاها القائد المحترم، والنشيد العميق والجميل الذي قدّمه شبابنا الأعزّاء إن شاء الله خاطرة وذكرى طيّبة لنا جميعاً.

 

آثار يوم ٩١ بهمن

ابتدأ يوم 19 بهمن الذي خُلِّد نتيجة التحرّك الشجاع للقوّة الجوّيّة في سنة 1357 [1]، يومٌ له مضمونه ومعانيه العميقة. يومذاك، دخل الإخوة بشجاعة ساحة النضال وأدّوا دورهم إلى جانب الجماهير، وقاموا في الواقع بعملين مهمّين:

 

الأثر الأول: بناء هوية الجيش

بناء هويّة لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وعرض هويّة جديدة وحديثة لم يكن الشعب على معرفة بها حتى ذلك اليوم. غالباً ما ينظر الشعب إلى المنظّمات والمؤسّسات المختلفة على أنّها واجهات ومحلاّت للعرض. الواجهات يومذاك لم تكن واجهات جيّدة. في داخل جيش الجمهورية الإسلامية وعمقه كان هناك الكثير من الأفراد المؤمنين المستقلّين الأحرار يعيشون بنفس مبادئ وأهداف الشعب الإيراني، ويسعون لنفس المبادئ والأهداف والقضايا، إلا أنه كان لا بدّ من فُرص حتى يستطيعوا

 

 


[1] 8 شباط 1979 يوم إعلان القوّة الجوية الولاء للإمام الخميني قدس سره، قبل ثلاثة أيام من إنتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في 11 شباط 1979م.

 

53


42

خطاب الولي 2011

الإفصاح عن أنفسهم. كانت هناك مثل هذه الإمكانية الهائلة في الجيش. والناس لم تكن تعرف هذه الإمكانية، فخطوة شباب القوّة الجوّيّة في ذلك اليوم والتي شَهِدتُها عن قرب قَدَّمَت هويّة جديدة للجيش. وهذه قضيّة على جانب كبير من الأهمية. ثمّ تعزّزت هذه الهويّة في الأعوام اللاحقة أكثر فأكثر، سواء في فترة حرب الأعوام الثمانية والدفاع المقدَّس، أم بعد ذلك، أم قبله. وأريد أن أقول لكم إنّه في السنوات اللاحقة تألّقت هذه الهوية وبرزت أكثر.

 

الأثر الثاني: إحداث حركة ومعنويات جديدة

الأمر الثاني الذي تمّ إثباته وتحقيقه عن طريق هذه الخطوة هو إحداث تيار.

من خصوصيات الإنسان الحيّ أن يؤثّر في بيئته ومحيطه ويُوجِد التيارات فيه. تحرّكه إلى الأمام يخلق تحرّكات أخرى إلى الأمام. وهذا ما حدث يومذاك. لا شكّ أنّ هذه الخطوة التي كانت في يوم 19 بهمن في المدرسة العلويّة بشارع إيران بحضور الإمام الخميني قدس سره كان لها تأثيرها في واقعة 22 بهمن[1]. في ليلتي 21 و22 من بهمن كنتُ أسمعُ وأرى الذين يأتون في الشوارع المُفضِية إلى مقرّ الإمام، ويهتفون بأعلى أصواتهم من أجل إيقاظ النّاس وهم في بيوتهم، كانوا يقولون إنّ شباب القوّة الجوّيّة في خطر، لأنّهم تعرّضوا للهجوم. ولهذا الأمر معناه العميق. هذه الخطوة أوجدت هذا التيار العظيم، الذي أوجد تحرّكاً جديداً ومعنويات جديدة.

 

الشعب حطّم الهيمنة الأجنبية

حسناً، هذا نموذج واحد، وهو غيض من فيض، وجانب من جوانب مجتمعنا يدلّ على الوضع العام فيه. لقد جرى إنقاذ البلد بهذه الحركة. كانت إيران العظيمة مع كلّ سوابقها الثقافيّة وإمكاناتها المادّيّة والمعنوية أسيرة. هذه حقيقة مُرّة جدّاً في تاريخنا لم تُبحث حتى الآن بصورة صحيحة بسبب وجود الخلافات والاختلافات والقضايا المتعدّدة وتدخّل الأيادي المختلفة من هنا وهناك. كان البلد أسيراً وذليلاً ومُهاناً من

 

 


[1] 22 بهمن 1357 هجري شمسي الموافق لتاريخ 11 شباط 1979 ميلادي، يوم انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية.

 

54


43

خطاب الولي 2011

قبل القوى العاتية المتسلّطة في العالم. وأضحى مرميّاً في ملفّ النسيان. إيران الكبيرة، إيران العظيمة، إيران الفخورة بإيمانها الإسلامي العميق لم يكن لها تأثير في بيئتها المحيطة بها لأنّ كابوس الهيمنة الأجنبية الثقيل المشؤوم كان جاثماً عليها. وقد خرق الشعب هذا الحجاب وحَطَّم هذا الكابوس. تَحَرُّك الشعب في 22 بهمن، والأمور التي أدّت إلى 22 بهمن، كانت على هذا المنوال.

 

الجمهورية الإسلامية

لقد قلتُ مراراً وكرّرت ذلك في يوم الجمعة، إنّ أهمّ قضيّة تتعلّق بثورتنا اليوم -ونحن ننظر إلى هذه الأعوام الـ 32 التي مرّت- هي الثبات والاستقامة. أي إنّنا ثَبَتنا على كلامنا. الثبات على المبادئ يعدّ فخراً لأيّ شعب أو جماعة. المبادئ أمور يجب الصمود والثبات عليها. ينبغي حراسة القِيم وحمايتها. والقيمة الأهمّ التي كانت لشعبنا ولا تزال وستبقى إلى الأبد هي الإسلام. فالاستقلال موجود في الإسلام، والحرّية في الإسلام، والتقدّم المادّي في الإسلام، والوحدة الوطنية في الإسلام، وتَفَتُّح الاستعدادات في الإسلام... كلّ هذه مُتضمَّنة وموجودة في الإسلام. وهذا هو السبب الذي جعل الإمام الخميني يُؤكّد على كلمة الجمهورية الإسلامية. التأكيد على الجمهورية، لأنّ الاعتماد يكون على الشعب والجماهير. وإذا كان ينبغي للإسلام أن يسود المجتمع، فليس هذا ممكناً من دون الإيمان العام. إذن وجود الشعب وأصواته وإرادته وتدخّله صار نقطة أساسية. فتحقّقت الجمهورية الإسلامية. ينبغي أن نحافظ على هذا الأمر ونحييه، وينبغي أن تبقى هذه الراية مرفوعة. إذا استطعنا أن نُقرّب أنفسنا يوماً بعد يوم إلى أعماق هذه الكلمة النفيسة "الجمهورية الإسلامية" فسوف تتضاعف النجاحات أكثر فأكثر. وهذا ما يحتاج إلى همّة عالية ومضاعفة، وعمل مضاعف. ولحسن الحظّ، فإنّ آثار هذه الهمّة المضاعفة والعمل المضاعف ممّا يُمكن أن يشاهده المرء في أجهزة البلد ومؤسّساته المختلفة. إذا تحقّق هذا فسيكون الشعب الإيراني قدوة، وستكون الجمهورية الإسلامية نموذجاً يُحتذى به.

 

ليس من الضروري أن تقول الشعوب إنّ إيران قدوتنا - فالقول ليس مهمّاً سواء

 

55


44

خطاب الولي 2011

قالوا ذلك أم لا - إنّما المهمّ هو أن تَهُبّ هذه النسائم المُنعشة على البقاع الأخرى، وتُنبّه الناس هناك وتُحَرِّكَهم. وهذا ما حصل فعلاً.

 

حين ترون حالياً هذه النهضات العظيمة تجري في بعض البلدان، فإنّ هذا لم يحصل بصورة دفعية، إنّما تراكمت المُحفِّزات والإرادات والمعارف على امتداد الزمن وبرزت في المرحلة المناسبة. وقد كانت الأيام الراهنة وقت بروزها. تَرَاكُم هذه المحفِّزات وتَتَابُع هذه المعارف والإرادات يرجع إلى الأعوام الماضية، وقد كان لكم أيّها الشعب الإيراني وأيّها المسؤولون في المؤسّسات المسلَّحة دور كبير في ذلك. ينبغي أخذ هذا الأمر بنظر الاعتبار حتماً.

 

الاستمرار والمداومة

نحن اليوم في وسط الميدان، كما أنّنا في وسط الطريق. لا نقول إنّنا في بداية الطريق، وإن كنّا بمعنى من المعاني وبالنظر إلى بُعد الأمد في بداية الطريق. نحن على الطريق في كلّ الأحوال وعلينا أن نكمل المسير. الذي يسير في الطريق لكنّه لا يصل إلى الهدف ويعود أدراجه، أو يتوقّف وسط الطريق أو ينحرف في مسيره، هذا الشخص لا يختلف كثيراً عمّن لا يغادر بيته ولا يسير في الطريق أساساً. فَهُما متشابهان من حيث النتيجة لأنّهما لا يصلان إلى المقصد ولا يبلغان المطلوب، وعليه، فمتابعة الحركة واستمرارها أمر ضروري. وهذا ما يعتمد على الهِمَم وعلى الإيمان وعلى المساعي وعلى وجود الشباب ومشاركتهم. أنتم الشباب اليوم على رأس الأمور في القوّات المسلّحة لحسن الحظّ. الأعمال والأمور في أيديكم والعيون تتطلّع إليكم. إذا كان الشاب معتمداً على الله ومتّكلاً عليه وكان واثقاً من نفسه لاستطاع خلق المعجزات. كلّ أمور حياتنا وكلّ الأعمال الكبرى التي تحصل هي معجزات إلهيّة، لكنّنا تعوّدنا عليها فلا نفهم جانب الإعجاز فيها. هذه المعجزات تعتمد على القوّة والهمّة والشجاعة وإنتاجية الأفراد. لذا ينبغي متابعة العمل.

 

أمور تعيق التقدّم

1. عدم الالتزام بالقيم

لننظر ونر ما هي الأمور التي تُعيق التقدّم. يقيناً أنّ من الأمور التي تُزاحم التقدّم وتُعيقه عدم الالتزام واللامبالاة حيال القِيم. ينبغي عدم استبعاد القِيم.

 

56


45

خطاب الولي 2011

2. الاختلاف والتفرقة

ومن الأمور التي تُعيق التقدم يقيناً الاختلاف والتفرقة. التفرقة بين أبناء الشعب، بين المسؤولين، بين القطاعات المختلفة في النظام، بين النظام والشعب. هذا الانسجام والتلاحم الذي منحته الثورة لنا يجب أن يُحفَظ ويُحمَى كناموس مُقدّس. من أهمّ الأعمال في الحرب الناعمة للأعداء -وقد كان هذا الشيء موجوداً دوماً وهو موجود اليوم أيضاً- هو أن يُضَعضِعوا هذا الاتّحاد ويُزَلزِلوه، وهم يعملون في سبيل ذلك، فيَبُثُّون الخلافات الطائفية بين الشيعة والسّنة، وينشرون الخلافات القومية بين الفُرس والعرب والتُرك والكُرد وغيرهم، كما يزرعون الخلافات الإقليمية والنـزاعات المؤسّساتية والخلافات الحزبية.

 

البصيرة

يتعيّن مجابهة كلّ هذا بيقظة تامّة. وهو ما نسمّيه البصيرة. يجب أن نعلم أين نحن، لنَعْرف هذا الخندق الذي توجدون فيه اليوم. ثمّة فرق بين جندي يُرابط في خندق خَطِر، ويعلم كم هو خَطِر خندقه، ويدري أهمّية ما يقوم به ومكانته، وبين من هو في الخندق نفسه، لكنّه يجهل أهمّية الأمر، فيأخذه النوم ويغفل ويترك الخندق، ويتشاجر في الخندق مع رفاقه. فلنعلم مدى حساسية موقع الشعب الإيراني.

 

يقظة العالم الإسلامي

لقد استيقظ الشرق الأوسط اليوم. لقد استيقظ العالم الإسلامي. سنوات هيمنة المقتدرين البعيدين عن هذه المنطقة آخذة في الانتهاء. هجموا بسبب وجود مصادر هائلة في هذه المنطقة، وجرّبوا فترات الاستعمار والاستعمار الحديث والاستعمار ما بعد الحديث. هذا واقع. ذات يوم كانت القوّتان الكُبريان اللتان كانتا آنذاك أي أمريكا والاتّحاد السوفياتي السابق تُهيمنان على كلّ الشؤون السياسية في هذه المنطقة. جزء يرتبط باليسار وجزء باليمين. وكانوا يتنازعون حيناً ويتصالحون حيناً آخر. في الرأس كانت القوى التي تقف خلفهم أمريكا والاتحاد السوفياتي يتفاوضون ويتصالحون وفجأة شاهدنا كيف أنّهما باعا مصر كما باعاها في فترة ما، والواقع أنّها كانت حرباً

 

57


46

خطاب الولي 2011

بين معسكرين. ثمّ جلسا في المستويات العليا وتفاوضا، وسُحقت الشعوب ورؤساؤها ومصالحها بالكامل.

 

وليس الأمر كذلك اليوم. الشعوب اليوم ترى حالة الأفول التدريجي للقوى الكبرى. والرائدة على هذا الصعيد هي إيران الإسلامية برصيدها الثقافي الهائل والإمكانات الموجودة في هذا البلد. والكلام هنا عن إيران المُعتمِدة على الإسلام... الإسلام الممتزج بروح هذا الشعب ونفسه وفكره. ينبغي المحافظة على هذا الشيء، فهو قيّم جداً. ولكلّ قطاع دوره. للجيش دوره الخاصّ به. وفي أوساط الجيش للقوّة الجوّيّة دورها الخاصّ.

 

معالجة نقاط الضعف

كنتُ قد ذكرتُ مراراً هذا الحديث المرويّ عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "رحم الله امرأً عمل عملاً فأتقنه"[1]. التقرير الذي رُفع لي عن القوّة الجوّيّة، والتقارير تَصِل، وقد عَرَض قائد القوّة الجوّيّة المحترم اليوم جوانب منها. هذه التقارير جيّدة، لكنّي أريد القول لكم بأن لا تكتفوا بهذا. قضيّة صناعة قطع الغيار، والقطع المقلَّدة، والإنتاج، والتدريبات المتنوّعة هذه أمور جيّدة وقيّمة، والتنظيم حالة قيّمة جدّاً سواء في القوّة الجوّيّة أم في الدفاع الجوّي، ولكن لا تكتفوا بهذا، وانظروا أين هي النواقص. إذا نظر الرياضي فقط إلى عضلاته المفتولة التي ربّاها بالرياضة ولم ينظر إلى الجوانب الضعيفة والمنسيّة فسوف يُهزم في الظرف الحسّاس. لاحظوا أين هي نقاط الضعف والإشكالات وارفعوها. كلٌّ في قطاعه والقسم الخاصّ به. استكملوا هذه النواقص يوماً بعد يوم. والاستكمال لا نهاية له. كلّما تقدّمنا إلى الأمام بقي أمامنا مجال لمزيد من التقدّم والكمال.

 

وقد قلتُ مراراً للأصدقاء الأعزّاء -قادة القوى وسائر قادة القوّات المسلّحة- إنّ هناك نواقص وعقبات في القطاعات المختلفة. ثمّة حظر وقيود ماليّة وعقبات وأمور متنوّعة، فتجاوزوا هذه العقبات. أفضل الناس وأذكاهم هم الذين يقيّمون الظروف

 


[1] القرطبي، أبو عبد الله محمّد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي)، تصحيح أحمد عبد العليم البردوني، دار إحياء التراث العربي، لبنان - بيروت، 1405هـ - 1985م، ط2، ج13، ص244.

 

58


47

خطاب الولي 2011

 القائمة ثمّ ينظرون ما هي قدراتهم وإمكاناتهم للعمل في مثل هذه الظروف، فيستخدمون قدراتهم وإمكاناتهم على ضوئها. وإلاّ إذا نظر الإنسان وقال هذا غير ممكن وهذا الشيء لا نملكه و... عندئذ سينتهي كلّ شيء! هذا غير صحيح. النواقص يجب أن لا تُعيقنا، إنّما يجب أن تجعلنا نُراجع أنفسنا أكثر ونكتشف إمكاناتنا الجديدة. مثلاً قبل عقدين من الزمن من كان يُخمّن في القوّة الجوّيّة أنّها ستستطيع توفير وإنتاج كلّ هذه الإمكانيات والأشياء؟ وكذا الحال في القطاعات الأخرى. في قطاع الفضاء، وفي قطاع الطبّ، وفي قطاع الأدوية، وفي شتّى القطاعات العلميّة والتقنيّة من كان يتصوّر قبل عقدين أو ثلاثة أنّ بالإمكان القيام بهذه الأعمال؟ لكنّ شبابنا أبدوا هِمَمَهم وتحقّقت هذه الأشياء. تمّ إنجاز أعمال يَعتَرِف بها حتى أعداؤنا. وهم طبعاً يُواصلون عداءهم. يجعلون هذا وسيلة لسياسات محاربة إيران والتخويف منها، والتخويف من الإسلام ومعاداة الإسلام، لكنّهم يعترفون بوجود هذه الأشياء.

 

أريد أن أقول لكم لا تتراجعوا أبداً لوجود نواقص في القطاعات والمجالات المختلفة. توجّهوا نحو الاستفادة من الإمكانات المتاحة الجديدة لديكم، وفي مواهبكم وفي أذهانكم وأدمغتكم وفي أيديكم الماهرة، وتلافوا هذه النواقص بطرق أخرى. فهذا شيء ممكن عملياً.

 

لقد عانينا في بعض القطاعات الصناعية من الحظر. وتصوّر الذين فرضوا الحظر علينا أنّ هذه القطاعات سوف تموت، ولكنّ ما حصل هو العكس. أدّى الحظر إلى أن يُفكّر شبابنا بإنتاج ما لا يريد العدوّ إيصاله إلينا، فأنتجوه، وفي بعض الحالات أنتجوا ما هو أفضل من المستورد وأقلّ كلفة وأخفّ وأكثر كفاءة وفاعليّة. تحرّكوا -أنتم- في القوّة الجوّيّة بهذه الطريقة. وهذا يشمل القادة المحترمين، والمسؤولين المحترمين في القطاعات المختلفة، ومنظومة الكادر، وخصوصاً أنتم، وبالأخصّ الشباب.

 

نسأل الله تعالى أن يُوفّقكم. نتمنّى أن تكون الروح الطاهرة لإمامنا الجليل الذي بدأ هذه المسيرة وأخذ بأيدينا إليها ودلّنا على هذا الطريق والأرواح الطاهرة للشهداء

 

 

59


48

خطاب الولي 2011

 الأعزّاء الذين بذلوها في هذا السبيل، حيث تفخر القوّة الجوّيّة بأنّ فيها مثل هؤلاء الشهداء الكبار، نتمنّى أن تكون أرواحهم مسرورة وراضية عنّا جميعاً، وأن تشملنا أدعية إمامنا حضرة بقيّة الله عجل الله فرجه الشريف.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

60


49

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في الذكرى السنوية لانتفاضة أهالي مدينة تبريز

 

 

         

المناسبة:   الذكرى السنوية لانتفاضة أهالي مدينة تبريز

في 18 شباط/ فبراير عام 1978م

الحضور:  حشود غفيرة من أهالي تبريز

المكان:   طهران

 

الزمان:    27/11/1389هـ.ش.

12/03/1432هـ.ق.

16/02/2011م.

         

 

 

61


50

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

أُرحِّب بكم وأشكركم أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء الذين تفضّلتم بالمجيء من مكان بعيد، ونوّرتم اليوم حسينيّتنا بصَفَائكم وكلامكم وشعاراتكم وإيمانكم وصِدقِكم.

 

على عتبة يوم ٢٩ بهمن التاريخي

ما يمكن أن نقوله على أعتاب يوم 29 من بهمن التاريخي الذي لا يُنسى لأهالي آذربيجان وتبريز، هو أنّنا نشعر دوماً بالفخر والشموخ حينما ننظر لهذه البقعة البطولية... بقعة الإيمان والإخلاص. في أيّ حين وفي أيّ مقطع من التاريخ حينما ينظر الإنسان إلى آذربيجان وأهالي آذربيجان يشعر بالفخر والعزّة.

 

كان الآذربيجانيون سبّاقين وروّاداً في الأحداث التي مرّت على إيران خلال المائة وخمسين عاماً الأخيرة. كانوا أحياناً السبّاقين، وكانوا أحياناً متفرّدين. في قضيّة تحريم التنباك التي أصدر أمرها الميرزا الشيرازي من سامرّاء، كانت تبريز من أوّل المناطق التي استجاب علماؤها الكبار -المرحوم الحاج ميرزا جواد مجتهد وآخرون- للفتوى ونزلت الجماهير إلى الساحة، وهو ما قصم ظهر الاستعمار لفترة وبُرهة زمنيّة معينة، وكذا الحال بالنسبة لقضيّة الثورة الدستورية، وكذا الحال فيما يتعلّق بما بعد فترة الاستبداد الصغير، وكذلك كان الأمر في الأحداث التي أعقبت ذلك حتى فترة الثورة الإسلامية. وقد أضحت أحداث 29 بهمن راية ونموذجاً. هذا هو المهمّ. المهم هو أن يستطيع الشعب أو الجماعة أو الفرد أن يقدّم نموذجاً ويصنع مثيلاً له. وهذا ما صنعه أهالي تبريز في 29 بهمن، ولولا ذلك لربّما أصبحت قضية 19 دي في قم منسيّة. فأهالي تبريز لم يسمحوا للإعلام أو الغفلة أو النَزَعَات المُغرِضة بأن تجعل تلك الحادثة المهمّة والدامية -التي حصلت لأهالي قم- في طيّ النسيان. أي إنّهم قاموا بما قامت به السيّدة زينب الكبرى. لولا زينب لما كانت كربلاء، لولا زينب لما كان من المعلوم والأكيد أن

 

 

63


51

خطاب الولي 2011

تنتشر حادثة عاشوراء كلّ هذا الانتشار وتُخَلَّد في التاريخ كلّ هذا الخلود. هكذا كانت حركة الجماهير، ولذلك تحوّلت إلى نموذج. ذكرى الأربعين الأولى (لشهداء مذبحة قم في 19 دي) قام بها أهالي تبريز، والأربعينيات اللاحقة توالت وأفضت إلى هذه الحركة العظيمة.

 

سبب محاربة الثورة

أساس الثورة كان على هذا المنوال. قدّمت هذه الثورة نموذجاً بفضل الهمّة العامّة للشعب الإيراني. أعزّائي، الضغوط التي مورست طوال هذه الأعوام الـ 32 ضدّ إيران الإسلامية والجمهوريّة الإسلامية ربما أَمكَن القول إنّ سببها الرئيس هو أن لا يسمحوا بظهور نموذج أمام أنظار المسلمين في المنطقة، إذ من دون وجود النموذج ستكون التحرّكات صعبة، ومع وجود النموذج ستكون التحرّكات سهلة. حينما يتحوّل الشعب إلى نموذج، وحينما تصبح الحركة أُسوة ستُشجَّع المواهب على التحرّك. وهذا ما أرادوا الحؤول دونه.

 

إنّهم يَفرِضون الحظر ليُضعِفوا البلد من الناحية الاقتصادية كما يظنّون. وذلك من أجل أن ينظر الآخرون ويقولوا إنّ الإسلام تسبّب في تراجع الشعب من الناحية الاقتصادية. يغتالون العلماء حتّى يُوقفوا الحركة العلمية، ولا يستطيع الشعب الإيراني مواصلة تحرّكه العلمي والتقدّمي العظيم ببركة الإسلام والثورة وعرضه على العالم وعلى الأمّة الإسلامية. يُوجِّهون تُهم القمع ومناهضة حقوق الإنسان وما إلى ذلك ليَصرِفوا الرأي العام في العالم. ولكن رغم كلّ هذه المساعي والإعلام والخُبث تألّقت الثورة ولا تزال تتألّق.

 

وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ

كلّما زادوا من هجماتهم على الجمهورية الإسلامية ازدادت قوّة. حرب الأعوام الثمانية زادتنا قوّة. لو لم تقع حرب الأعوام الثمانية لما ظهر هؤلاء القادة الشجعان والرجال المميّزون بين الشعب، ولما وَجَد هذا التحرّك الشعبي المُخلِص العظيم مجالاً للظهور والبروز. لو لم يكن الضغط الاقتصادي والحظر الاقتصادي والحظر العلمي لما

 

64


52

خطاب الولي 2011

توفّرت الفرص لظهور مواهب شبابنا، أي لكان كلّ شيء حاضراً جاهزاً ولما سعى شبابنا وراءه ولما وصلوا إليه. فرضوا الحظر علينا فتفجّرت المواهب الداخلية وارتفع مستوى الشعب وتحقّق له الرشد والنمو وعَلَت رايته أكثر فأكثر. وكذا سيكون الحال بعد الآن أيضاً. ﴿يُرِيدُونَ لِيُطۡفِ‍ُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ﴾[1].

 

أهالي تبريز وآذربيجان

الشيء الذي أشعر به بما يخصّ تقييم تبريز وآذربيجان وهؤلاء الأهالي المؤمنين في هذه العملية العظيمة هو أنّهم كانوا دوماً يتحلّون بالحماس والشعور والوعي والعزم الراسخ إلى جانب البصيرة، فحافِظُوا على هذا. فالنشاط والحماس الذي شاهدتُه في أهالي تبريز وآذربيجان يجب أن أقول إنّه منقطع النظير. وكذا كانت الحال على امتداد الأعوام. هذا ما لاحظتُه في زياراتي لتبريز، وفي لقاءاتي بأهالي تبريز وآذربيجان. ولم يكن الحماس مجرَّداً، بل كان إلى جانب البصيرة والقدرة على التحليل والفهم الدقيق. ولهذا لم يُخطئ الناس الطريق، وحضروا في جميع الميادين والساحات، فهم حاضرون حيثما يجب أن يحضروا. هذا ما يجب أن تحافظوا عليه وتصونوه جيلاً بعد جيل ويداً عن يد.

 

تيار البصيرة

شبابنا اليوم - وفي هذا الاجتماع يوجد الكثير من الشباب - لم يَشهَدُوا الحرب. إنّكم لم تَشهَدُوا الشهيد باكري وأمثال الشهيد باكري، ولم تَلمِسُوا فترة المِحنة العظيمة، ولم تروا الإمام الخميني قدس سره، لكنّ معنويّاتكم نفس تلك المعنويّات وأفكاركم نفس تلك الأفكار، وطريقكم نفس ذلك الطريق، وتشخيصكم نفس ذلك التشخيص. وهذا على جانب كبير من الأهميّة. ينبغي لهذا التيّار أن يستمرّ. إنّه تيّار أشبه بنهرٍ يروي منطقة معينة. هكذا هي البصيرة. يقول الشاعر التبريزي (باللّغة التركيّة): وجود مدينة عامرة يعود لشريان حيويّ من المياه يجري فيها. وهكذا هو الإيمان والبصيرة الإيمانية... إنّها ذلك الشريان الحيوي الذي يحيي الأفكار والقلوب. وهو ما ترك تأثيراته في العالم.

 

 


[1] سورة الصف، الآية 8.

 

 

65


53

خطاب الولي 2011

توفّرت الفرص لظهور مواهب شبابنا، أي لكان كلّ شيء حاضراً جاهزاً ولما سعى شبابنا وراءه ولما وصلوا إليه. فرضوا الحظر علينا فتفجّرت المواهب الداخلية وارتفع مستوى الشعب وتحقّق له الرشد والنمو وعَلَت رايته أكثر فأكثر. وكذا سيكون الحال بعد الآن أيضاً. ﴿يُرِيدُونَ لِيُطۡفِ‍ُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ﴾[1].

 

أهالي تبريز وآذربيجان

الشيء الذي أشعر به بما يخصّ تقييم تبريز وآذربيجان وهؤلاء الأهالي المؤمنين في هذه العملية العظيمة هو أنّهم كانوا دوماً يتحلّون بالحماس والشعور والوعي والعزم الراسخ إلى جانب البصيرة، فحافِظُوا على هذا. فالنشاط والحماس الذي شاهدتُه في أهالي تبريز وآذربيجان يجب أن أقول إنّه منقطع النظير. وكذا كانت الحال على امتداد الأعوام. هذا ما لاحظتُه في زياراتي لتبريز، وفي لقاءاتي بأهالي تبريز وآذربيجان. ولم يكن الحماس مجرَّداً، بل كان إلى جانب البصيرة والقدرة على التحليل والفهم الدقيق. ولهذا لم يُخطئ الناس الطريق، وحضروا في جميع الميادين والساحات، فهم حاضرون حيثما يجب أن يحضروا. هذا ما يجب أن تحافظوا عليه وتصونوه جيلاً بعد جيل ويداً عن يد.

 

تيار البصيرة

شبابنا اليوم - وفي هذا الاجتماع يوجد الكثير من الشباب - لم يَشهَدُوا الحرب. إنّكم لم تَشهَدُوا الشهيد باكري وأمثال الشهيد باكري، ولم تَلمِسُوا فترة المِحنة العظيمة، ولم تروا الإمام الخميني قدس سره، لكنّ معنويّاتكم نفس تلك المعنويّات وأفكاركم نفس تلك الأفكار، وطريقكم نفس ذلك الطريق، وتشخيصكم نفس ذلك التشخيص. وهذا على جانب كبير من الأهميّة. ينبغي لهذا التيّار أن يستمرّ. إنّه تيّار أشبه بنهرٍ يروي منطقة معينة. هكذا هي البصيرة. يقول الشاعر التبريزي (باللّغة التركيّة): وجود مدينة عامرة يعود لشريان حيويّ من المياه يجري فيها. وهكذا هو الإيمان والبصيرة الإيمانية... إنّها ذلك الشريان الحيوي الذي يحيي الأفكار والقلوب. وهو ما ترك تأثيراته في العالم.

 

 


[1] سورة الصف، الآية 8.

 

 

65


53

خطاب الولي 2011

توفّرت الفرص لظهور مواهب شبابنا، أي لكان كلّ شيء حاضراً جاهزاً ولما سعى شبابنا وراءه ولما وصلوا إليه. فرضوا الحظر علينا فتفجّرت المواهب الداخلية وارتفع مستوى الشعب وتحقّق له الرشد والنمو وعَلَت رايته أكثر فأكثر. وكذا سيكون الحال بعد الآن أيضاً. ﴿يُرِيدُونَ لِيُطۡفِ‍ُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَٱللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ﴾[1].

 

أهالي تبريز وآذربيجان

الشيء الذي أشعر به بما يخصّ تقييم تبريز وآذربيجان وهؤلاء الأهالي المؤمنين في هذه العملية العظيمة هو أنّهم كانوا دوماً يتحلّون بالحماس والشعور والوعي والعزم الراسخ إلى جانب البصيرة، فحافِظُوا على هذا. فالنشاط والحماس الذي شاهدتُه في أهالي تبريز وآذربيجان يجب أن أقول إنّه منقطع النظير. وكذا كانت الحال على امتداد الأعوام. هذا ما لاحظتُه في زياراتي لتبريز، وفي لقاءاتي بأهالي تبريز وآذربيجان. ولم يكن الحماس مجرَّداً، بل كان إلى جانب البصيرة والقدرة على التحليل والفهم الدقيق. ولهذا لم يُخطئ الناس الطريق، وحضروا في جميع الميادين والساحات، فهم حاضرون حيثما يجب أن يحضروا. هذا ما يجب أن تحافظوا عليه وتصونوه جيلاً بعد جيل ويداً عن يد.

 

تيار البصيرة

شبابنا اليوم - وفي هذا الاجتماع يوجد الكثير من الشباب - لم يَشهَدُوا الحرب. إنّكم لم تَشهَدُوا الشهيد باكري وأمثال الشهيد باكري، ولم تَلمِسُوا فترة المِحنة العظيمة، ولم تروا الإمام الخميني قدس سره، لكنّ معنويّاتكم نفس تلك المعنويّات وأفكاركم نفس تلك الأفكار، وطريقكم نفس ذلك الطريق، وتشخيصكم نفس ذلك التشخيص. وهذا على جانب كبير من الأهميّة. ينبغي لهذا التيّار أن يستمرّ. إنّه تيّار أشبه بنهرٍ يروي منطقة معينة. هكذا هي البصيرة. يقول الشاعر التبريزي (باللّغة التركيّة): وجود مدينة عامرة يعود لشريان حيويّ من المياه يجري فيها. وهكذا هو الإيمان والبصيرة الإيمانية... إنّها ذلك الشريان الحيوي الذي يحيي الأفكار والقلوب. وهو ما ترك تأثيراته في العالم.

 

 


[1] سورة الصف، الآية 8.

 

 

65


53

خطاب الولي 2011

الصحوة الإسلامية

ثمّة شعور بوجود صحوة في العالم الإسلامي اليوم. وليس هذا قولنا نحن وحسب. في هذه الأعوام كنّا نقول إنّ حركة الصحوة الإسلامية قد انطلقت والنهضة الإسلامية قد بدأت. وكان الكثيرون ينظرون لظاهر القضيّة فيقولون لا، لا يوجد خبرٌ عن ذلك، ماذا يقول هؤلاء؟ أمّا اليوم فالعيون تنظر عياناً، والآذان تسمع الهتافات، والمشهد مشهدٌ كلّ شيء فيه واضح وجليّ.

 

إن قضية مصر على جانب كبير من الأهميّة، فحفنة من المرتزقة الخونة جعلوا بلد مصر وشعبها العريق المتحضّر ذي الفهم العميق والشباب الصالح تابعين لأمريكا وربطوهما بالعدوّ الصهيوني. وكان الناس يتجرّعون الغصص ولا يستطيعون فعل شيء لأنّ الضغوط شديدة. هذا التحرّك العظيم الذي حصل هناك لم يكن تحرّكاً دفعياً. التحرّكات الاجتماعية الكبرى ليست أحداثاً وليدة ساعتها، بل تتكوّن على مرّ الزمن مع تتابع العواملِ المختلفة -المعارف والبصائر والغصص والعقد- وتَرَاكُمِها، وتظهر فجأة بمناسبة معيّنة وفي الوقت المناسب، وقد ظهرت في مصر.

 

المثقّفون والواعون المصريّون كانوا يأتون ويذهبون، وكنّا على اطّلاع ونعلم ما هي مشاعرهم وكيف ينظرون للأمور والقضايا. واليوم أيضاً أنظرُ لكلام هؤلاء الشباب المصريين والناس في مصر -في حدود ما يُنشر ونطَّلِع عليه- وأستطيع أن أفهم ما هي خصوصيّاتهم. العامل الرئيس لتحرّكهم هو عدم تحمّلهم للذلّ الذي فرضه ساستهم العملاء على هذا الشعب. حينما تستسلمون لأمريكا وترضخون لقدرات القوى الكبرى فسوف يستتبع ذلك مثل هذه الأمور. على الشعب أن يصمد مقابل غطرسة وتعسّف القوى المهيمنة حتى لا يضطر للابتلاء بتَبِعات الرضوخ. حينما تكون الحكومات ضعيفة وجبانة أو ضعيفة النفس أو خائنة -وضعف النفس يُفضِي إلى الخيانة- وتستسلم أمام القوى الكبرى، فسوف يستتبع ذلك مثل هذه الأمور. يريدون فرض كيان مزيّف باسم إسرائيل في هذا المكان، وستكونون مضطرّين للمسير وراءهم. من سمات الشعب المستقلّ أن ينظر ويرى ما هو الصحيح وما هو الطريق الصواب فيتحرّك بحسب تشخيصه وإيمانه ويسير في ذلك الطريق ويقوم بذلك الفعل. وحينما لا يكون ثمّة استقلال

 

 

66


54

خطاب الولي 2011

فلن يتحقّق هذا، فالتبعية ذلّة للبلد، وهذا ما جعل الكيل يطفح بالشباب المصري ويؤدّي إلى ظهور حركتهم بشكل فجائي.

 

أيّها الشباب الأعزّاء: اعرفوا قدر أنفسكم

أَنظُرُ اليوم فأرى عزيمتهم الراسخة وإيمانهم. يرى المرء المشارَكَة المؤثِّرة للشباب في مصر. أنتم أيّها الشباب الأعزّاء اعرفوا قدر أنفسكم. لقد أصبحتم قدوة الشباب في العالم. الشباب لهم دور حاسم وخلاّق ومُغيِّر، وهم بمثابة الدينامو للتقدّم ومفتاح الطرق المسدودة، هكذا هي طاقة الشباب. وفي مصر أيضاً يقوم الشباب بالكثير من الأمور والأعمال بالإضافة إلى أولئك الذين لمسوا وأحسّوا بأجسامهم وأرواحهم وبكلّ وجودهم آلام ومحن سيادة أولئك الطواغيت وذلك الطاغوت. انطلَقَ التحرّك من المساجد ومن صلوات الجمعة. إنّه تحرّك باسم الله وهذا له قيمة كبيرة، والحركة هي حركة عامّة وشاملة.

 

الدور المصيري للشعوب

ما أستطيع أن أقوله بشكل قاطع ويقينيّ هو أنّ الشعب إذا نزل إلى الساحة تعطّلت كلّ الأدوات العدوانية التي تستخدمها القوى العظمى. أمريكا تستطيع أن تفرض منطق القوّة على بلد ما طالما أنّ شعب ذلك البلد لم يقف بوجهها. يمكن فرض منطق القوّة على الحكومات بسهولة...

 

الحكومات غير المعتمدة على شعوبها مضطرّة للرضوخ لأمر أمريكا والتحرّك وفق تعليماتها. مرّة تُنصِّب أمريكا فرداً وتدعمه، وفي يوم آخر ترفع دعمها عنه فيضطر للمغادرة. وحينما يُغادر لا يعطونه مكاناً لكلب، وهذا ما ترونه الآن. وقبل ذلك كان محمد رضا (شاه إيران)، وقبله بقليل كان بن علي في تونس. عندما لا تكون الحكومات معتمدة على الشعب ستكون هذه هي النتيجة. حينما ينزل الشعب إلىالساحة ويتحلّى بالوعي والشعور ويتّخذ قراره، عندئذ لا تستطيع القوى الكبرى فعل أيّ شيء. وهذا ما حدث حالياً في مصر. طالما كان الشعب في الميدان لم يستطع أولئك فعل شيء.

 

 

 

67


55

خطاب الولي 2011

فلن يتحقّق هذا، فالتبعية ذلّة للبلد، وهذا ما جعل الكيل يطفح بالشباب المصري ويؤدّي إلى ظهور حركتهم بشكل فجائي.

 

أيّها الشباب الأعزّاء: اعرفوا قدر أنفسكم

أَنظُرُ اليوم فأرى عزيمتهم الراسخة وإيمانهم. يرى المرء المشارَكَة المؤثِّرة للشباب في مصر. أنتم أيّها الشباب الأعزّاء اعرفوا قدر أنفسكم. لقد أصبحتم قدوة الشباب في العالم. الشباب لهم دور حاسم وخلاّق ومُغيِّر، وهم بمثابة الدينامو للتقدّم ومفتاح الطرق المسدودة، هكذا هي طاقة الشباب. وفي مصر أيضاً يقوم الشباب بالكثير من الأمور والأعمال بالإضافة إلى أولئك الذين لمسوا وأحسّوا بأجسامهم وأرواحهم وبكلّ وجودهم آلام ومحن سيادة أولئك الطواغيت وذلك الطاغوت. انطلَقَ التحرّك من المساجد ومن صلوات الجمعة. إنّه تحرّك باسم الله وهذا له قيمة كبيرة، والحركة هي حركة عامّة وشاملة.

 

الدور المصيري للشعوب

ما أستطيع أن أقوله بشكل قاطع ويقينيّ هو أنّ الشعب إذا نزل إلى الساحة تعطّلت كلّ الأدوات العدوانية التي تستخدمها القوى العظمى. أمريكا تستطيع أن تفرض منطق القوّة على بلد ما طالما أنّ شعب ذلك البلد لم يقف بوجهها. يمكن فرض منطق القوّة على الحكومات بسهولة...

 

الحكومات غير المعتمدة على شعوبها مضطرّة للرضوخ لأمر أمريكا والتحرّك وفق تعليماتها. مرّة تُنصِّب أمريكا فرداً وتدعمه، وفي يوم آخر ترفع دعمها عنه فيضطر للمغادرة. وحينما يُغادر لا يعطونه مكاناً لكلب، وهذا ما ترونه الآن. وقبل ذلك كان محمد رضا (شاه إيران)، وقبله بقليل كان بن علي في تونس. عندما لا تكون الحكومات معتمدة على الشعب ستكون هذه هي النتيجة. حينما ينزل الشعب إلىالساحة ويتحلّى بالوعي والشعور ويتّخذ قراره، عندئذ لا تستطيع القوى الكبرى فعل أيّ شيء. وهذا ما حدث حالياً في مصر. طالما كان الشعب في الميدان لم يستطع أولئك فعل شيء.

 

 

67


56

خطاب الولي 2011

طبعاً الأمريكيون اليوم في صدد أن يحتالوا على الناس في مصر، ويَصرِفُوهم ويُقنِعُوهم بمكتسبات جزئية وبدائية ويُعِيدُوهم إلى بيوتهم حتى لا يوجدوا في الساحة. ومن المستبعد أن تُؤتيَ مثل هذه الحِيَل نتائجها. حينما يستيقظ الشعب ويشعر بقدرته على التأثير، لن تعود هناك فائدة من هذه الحِيَل، بل سينزل الشعب إلى الساحة، ويُتابع أهدافه العليا إذا رُسِمَت له، وسيصل لأهدافه إن شاء الله.

 

العزّة والتقدّم

إنّنا نشاهد النتائج والثمار الطيبة لمقاومة شعبنا العظيم، وهي صلابة وجه إيران الإسلامية، وعزّة إيران الإسلامية، وتأثير إيران الإسلامية في مختلف الأحداث في المنطقة وحتى خارج المنطقة. نشعر أنّ الإيمان والإسلام قد منحانا العزّة والتقدّم والاقتراب من أهدافنا ومبادئنا. كلّما عزّزنا إيماننا وزِدنَا من تطبيق الإسلام والقيم الإسلامية في مجتمعنا وأوساطنا، ازدادت هذه العزّة وهذا التقدّم، وصلُحَت الحياة المادّية والمعنوية. وهذا ما يرتبط بهمّة الشباب وهمّة الشعب وإيمانه. ولحسن الحظّ، فإنّ المرء ليشاهد ذلك ويرى هذه العزيمة والإرادة لدى نسائنا ورجالنا وشيوخنا وشبابنا وفي مختلف قطاعات البلاد وقوميّاتها، وستستمر هذه الحالة إن شاء الله، وسترون أيّها الشباب إن شاء الله العهد الذي تكون فيه إيران ببركة الإسلام والقرآن قادرة على التألّق في ذروة العظمة وقِممها.

 

نسأل الله تعالى أن يُنزِل رحمته وفضله ولطفه عليكم أيّها الأهالي الأعزّاء في آذربيجان وأهالي تبريز، ونرجو من الله تعالى أن يُعين الشعب الإيراني ليستطيع قطع طريق الشرف والعزّة بسرعة واستقامة، وأن يشمل شهداءنا الأبرار برحمته ومغفرته.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

68


57

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في مؤتمر الوحدة الإسلامية

 

 

 

 

 

المناسبة:   مؤتمر الوحدة الإسلامية

الحضور:  جمع من الضيوف المشاركين في مؤتمر الوحدة الإسلامية

المكان:   طهران

 

الزمان:    01/12/1389هـ.ش.

16/03/1432هـ.ق.

20/02/2011م.

          

 

 

68


58

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

سعدنا كثيراً بكلمات الإخوة الأعزّاء. ليت الوقت كان أطول، وكان باستطاعتنا الانتفاع من كلمات سائر الإخوة. حينما نسمع هذا الكلام منكم تتجسّد لنا مرة أخرى عظمة الإسلام وشموليّته وانتصاره.

 

اجتماع اليوم واجتماعاتكم الأخرى انعقدت تحت عنوان الوحدة... اتحاد عالم الإسلام والوحدة بين المسلمين. وبالطبع فالوحدة هي القضية الرئيسة. إذا تحقّق الاتحاد بين المسلمين بشكل واقعي وبالمعنى الحقيقي فسوف تُعالَج معظم مشكلات المسلمين. وعلينا جميعاً أن نسعى، ويجب علينا نحن أيضاً أن نسعى حتى تتقرب القلوب من بعضاً إن شاء الله، وليس الألسن فقط. إذا تقربت القلوب من بعضاً تقاربت الأيدي والأعمال تبعاً لها.

 

القراءة الصحيحة للواقع الإسلامي

يعيش العالم الإسلامي اليوم مقطعاً تاريخياً، وعلينا أن نعرف هذا المقطع ولا نغفل عنه. طوال الأعوام الثلاثين الماضية -بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران- لم يحدث مثل هذا الوضع في العالم الإسلامي على الإطلاق. وحينما نقول هذا المقطع فليس معنى ذلك أنّ العالم الإسلامي كان هادئاً وساكتاً وغير مُكترث طوال هذه الأعوام الثلاثين، لا. إنّي أعتقد والواقع هو هذا بالتأكيد بأنّ نشاطات العظماء على مرّ الأعوام، وتحرّكات المُصلحين، ودماء المُضحِّين، وتعليمات أصحاب الفكر، وبالتالي الثورة الإسلامية في إيران، تركت جميعها تأثيراتها في العالم الإسلامي، وقلّبت القلوب، ودلّت على الاتجاهات، وتراكمت المحفِّزات تدريجياً وراحت هذه المحفِّزات تتجلّى الآن في فرصة معيّنة. هذا المقطع مقطع مهمّ، ويمكنه أن يُفضي لحلّ مشكلات العالم الإسلامي، وإذا لم نعرفه بصورة صحيحة، ولم نستفد منه جيداً، فقد يخلق لنا مشكلات أخرى.

 

 

71


59

خطاب الولي 2011

 

ما حدث هو تحرّك مليوني للجماهير في الساحة. وهذا شيء منقطع النظير. هذا التحرّك في الجمهورية الإسلامية هو الذي أنقذ إيران. لو نزلت الأحزاب والجماعات والشخصيات وما إلى ذلك إلى الساحة بدل الجماهير لما حدث هذا التأثير. في حضور الجماهير المليونية ثمّة تأثير لا يوجد في أيّ شيء آخر. وبالطبع فإنّ الحضور المليوني للجماهير غير متاح من دون الإيمان القلبي. يجب أن يحضروا أوّلاً، وأن يبقوا إلى حصول النتيجة ثانياً، وأن يُحافظوا على النتيجة ثالثاً. وهذا ما يحتاج إلى الإيمان الديني والإسلامي.

 

تجربة الثورة الفرنسية

أذكُرُ هنا الثورة الفرنسية الكبرى. هذه الثورة حركة شعبية انتهت إلى النصر، لكنّ ذلك النصر لم يَتمّ الحفاظ عليه وصيانته. كانت الثورة الفرنسية الكبرى في سنة 1789، وفي سنة -أي بعد أحد عشر عاماً- ظهرت في فرنسا حكومة ملكية أخرى، حيث تولّى نابليون زمام السلطة... وكأنّ شيئاً مذكوراً لم يكن! ثمّ مات نابليون، وعادت العائلة التي أُقصيت بالثورة إلى السلطة، أي الأسرة البوربونية. واستغرق الأمر سنوات طويلة إلى عام 1860 حيث كانت سُلالات الملوك والسلاطين تتعاقب في فرنسا. إذن، انتصرت الثورة على أيدي الناس، لكنّ الناس لم يستطيعوا الحفاظ على الثورة. وهذه نقطة على جانب كبير من الأهميّة. وقد استطعنا نحن الحفاظ على ثورتنا ببركة الإيمان وبفضل الإسلام وبفضل البثّ المتعاقب لروح القرآن الكريم في جسد هذا الشعب وفي قلوب هؤلاء الجماهير. هذا ما بوسعه ضمان بقاء الحركات واستمرارها وانتصارها. وهذا ما يجب أن يحصل.

 

إسلامية ثورة الشعب المصري

الجماهير اليوم في الساحة، في مصر وفي تونس وفي مناطق أخرى. وهذا ما يجب أن يُوجَّه. يسعى الأعداء لإظهار أنّ هذه الحركة غير إسلامية، وهذا خطأ. إنّه تحرّك إسلامي بالتأكيد. ماضي مصر يدلّ على هذا. والتحرّك المصري اليوم يدلّ على هذا. شعارات الجماهير وحضورها في صلاة الجمعة تدلّ كلّها على هذا. إذن هو تحرّك

 

 

72


60

خطاب الولي 2011

 إسلامي بلا شكّ، ورغم أنّ الأعداء يحاولون عدم السماح بتثبيت هذه النظرة الإسلامية في مصر أو في الأماكن الأخرى، فينبغي علينا تعزيز هذه الحركة.

 

أمريكا: المشكلة الكبرى

أمريكا هي أساس المشكلة في العالم الإسلامي. وإنّ وجود المستكبرين والمستعمرين في العالم الإسلامي يُوجِّه باستمرار أكثر وأعنف الضربات للهويّة الإسلامية والشعبية للأُمم، بدءاً من شرق العالم الإسلامي حيث اندونيسيا وماليزيا والهند وصولاً إلى أفريقيا. كان هناك دوماً تواجد للمستعمرين أضعف الشعوب وامتصّ دماءهم وحطّ من عزائمهم. وذلك المُستكبر والمُستعمر اليوم هو أمريكا، والباقون على الهامش. وجود أمريكا هو المشكلة الأكبر. قيل: "وجودك ذنب لا يُقاس به ذنب"[1]. وجود أمريكا هو في الوقت الراهن أكبر المآسي في العالم الإسلامي، وهذا ما ينبغي معالجته. ويجب إبعاد أمريكا عن السّاحة وتضعيفها، ولحسن الحظّ فقد أصبحت ضعيفة. أمريكا اليوم ليست أمريكا قبل عشرين سنة وثلاثين سنة. أمريكا اليوم غَدَت ضعيفة جدّاً. وهذا ما ينبغي الحفاظ عليه وعدم الركون لليأس.

 

وقفة مع صدر الإسلام

لاحِظُوا مشاهد صدر الإسلام، فهي نماذج لنا. لا أريد الادّعاء أنّ جميع أحداثنا تُشبه بصورة عينية أحداث صدر الإسلام، لا، فالعالم قد تغيّر، والمحفّزات والأشكال قد تغيّرت، لكنّ صدر الإسلام لوحة جّد معقّدة وفنّية ومندمجة يُمكن أن نُشاهد في أجزائها الجوانب المختلفة لتاريخ الأمّة الإسلامية إلى يومنا هذا وإلى الأبد. فأيّ جزء من هذه الأجزاء إذا لاحظه المرء وطابقه مع زمانه أمكنه أن يَفهم.

 

لاحِظوا أنّ هناك نوعين من الأفراد في مواجهة الأعداء ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا﴾[2]. هذه نظرة ورؤية في مواجهة هذه الأحداث. وهناك نظرة أخرى

 


[1] قول مشهور لدى أهل التصوُّف والعرفان.

[2] سورة الأحزاب، الآيتان 12 - 13.

 

73


61

خطاب الولي 2011

بعد عدّة آيات: ﴿بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾[1]. سوء الظنّ بالله يجعل الإنسان يقعد ويعجز عن التحرّك والسعي والعمل. وإذا أحسنّا الظنّ بالله عندها يمكننا أن نتقدّم.

 

إيران: مثال حُسن الظنّ بالله

نحن نُحسِن الظنّ بالله، وقد تعامل الله تعالى معنا طِبقاً لحُسن ظنِّنا به. طوال هذه السنوات الثلاثين ونيّف تعامل الله تعالى معنا طِبقاً لحُسن ظنِّنا به. واجهتنا مشكلات عديدة وقد خرجنا منها جميعاً منتصرين. الحظر الاقتصادي ليس بالشيء القليل ولم يكن كذلك. لكنّنا سحقنا الحظر بأقدامنا. في الفترة الأخيرة قالوا إنّنا لن نبيعكم البنزين. ونحن بلد ينتج النفط لكنّنا نستورد البنزين، وقالوا لنا لن نبيعكم البنزين. هذا نموذج صغير جدّاً. وهناك المئات من النماذج الأخرى من هذا القبيل. لكنّ طاقاتنا سَعَت مُؤمِّلة بالله، واستطعنا في ظرف أقلّ من سنة أن نستغني عن استيراد البنزين. فَرَضوا علينا الحرب ثمانية أعوام. وضعونا مقابل عدوّ عنيد سيّئ خبيث جدّاً مثل صدّام حسين، ودافعوا عنه ودعموه بكلّ طاقاتهم. واستطعنا والحمد لله التغلّب على تلك الحادثة.

 

تَقَدَّمنا في كلّ الميادين مؤمِّلين بالله. ونتقدّم اليوم في الميدان العلمي. وقد أشاروا إلى قضيّتنا النووية. لقد استطعنا بتوفيق من الله وبقدرته أن نحلّ قضيتنا النووية ونتقدّم بها إلى الأمام. واليوم يُثير الغربيون الضجيج، لكنّهم متخلّفون عن القضية، ويوجّهون التُهَم، ويتكلّمون، ويُثيرون الإعلام، ويضغطون، لكنّهم لا يستطيعون فعل شيء. وإنّ مُضيّ الوقت لصالحنا. إنّنا نتقدّم باستمرار وهم يقرعون رؤوسهم باستمرار ويثيرون الضجيج. هكذا هو الحال حينما ندخل متوكّلين على الله.

 

الشباب الذين يعملون في المجال النووي أصرّوا قبل سنتين أو ثلاث وطلبوا أن يأتوا للقائي. وأقاموا هنا في هذه الحسينية معرضاً لأُشاهد أعمالهم عن قرب. وذهبتُ ووجدتُ أنّهم جميعاً من الشباب، هذا أوّلاً، وثانياً كلّهم مؤمنون متديّنون. ذات يوم

 


[1] سورة الفتح، الآية 12.

 

 

75


62

خطاب الولي 2011

كان التصوّر أنّ كلّ من يدخل في نطاق العلوم الحديثة ويتخصّص فيها ينبغي أن يكون عديم الدين أو غير مكترث للدين. لكنّني وجدتُ أنّ الأمر غير ذلك، فكلّهم شباب متديّنون مؤمنون مندفعون ومُخلِصون. هكذا هو الحال الآن في مختلف قطاعات البلاد. هذه هي تجربتنا. وهي تجربة نضعها تحت تصرّف العالم الإسلامي.

 

التجربة المصريّة

طبعاً الشعب المصري والشعوب الأخرى غنيّة -والحمد لله- بالمفاهيم والمعارف الإسلامية. نحن مُطَّلعون على المعارف الإسلامية التي كانت شائعة في مصر على مرّ الأزمنة. وفي صلاة الجمعة التي أَشَرتُم إليها، قلتُ إنّ الشعب المصري كان أوّل شعب تعرّف إلى الثقافة الغربية -نابليون نقل الثقافة الغربية إلى مصر- وكان أوّل شعب أدرك مساوئ هذه الثقافة وواجهها. وقد كانت مصر مقرّ الشيخ محمد عبده والسيد جمال وآخرين. وقد كان هؤلاء أوّل من واجه الثقافة الغربية مباشرة وكافحها. وبعد ذلك أيضاً كانت مصر والكثير من البلدان العربية -والحمد لله- مركزاً لتفجّر الأفكار الإسلامية، ومفيدة لكلّ الإسلام.

 

واليوم فإنّ هذا الشعب قد نزل إلى الساحة، وينبغي السعي حتى لا يتمكّن العدوّ من مصادرة حركة الشعب المصري ويقوم بحَرفها وإبقاء بقايا النظام الطاغوتي والفرعوني في مصر، ثمّ ينشرها بعد ذلك تدريجياً في كلّ مكان. ينبغي الحذر من هذه الحالات. هذا من واجب المصريين أنفسهم، ومن واجب كل العالم الإسلامي كذلك.

 

الوحدة الإسلامية سبب التعاطف والتضامن

يجب أن لا تكون هناك فوارق بين الشعوب. يجب أن يكون الشعور بالتعاطف والتضامن بين الشعوب الأثر الأول للوحدة الإسلامية. حينما يفرح شعب تفرح له باقي الشعوب، وحينما يكون حزيناً تحزن له باقي الشعوب. وحينما يكون في مأزق يرى الآخرون أنفسهم أنّ لهم نصيباً في ذلك المأزق، وحينما يستنصرهم شعب يهبّ الآخرون لنُصرته ويأتون إليه، هذا هو واجبنا. وهو ما سوف يحصل ويتقدّم. إنّنا

 

 

76


63

خطاب الولي 2011

مؤمنون بهذا الوعد الإلهيّ، وعلى يقين منه، ونعتقد أنّ ﴿وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ﴾[1]. وأنّ الله تعالى سيُعين المؤمنين بلا شكّ.

 

كلّنا يجب أن نعرف قدر هذه الجلسات والاجتماعات. تقارُب القلوب هذا مهمّ جداً. مسائل السنّة والشيعة وصراعات السنّة والشيعة أمور يريد أعداء الإسلام اليوم التركيز عليها. إنّ الذين يتحدّثون حول التشيّع والذين يتحدّثون حول التسنُّن لا يؤمنون بالسنّة ولا بالشيعة ولا بعظماءالإسلام ولا بعلماء الإسلام المعاصرين، إنّما لهم أهداف أخرى. يجب التغلّب على كلّ هؤلاء، وتأمين الوحدة، وستكون الوحدة إن شاء الله رصيداً ودعامة لانتصار العالم الإسلاميّ.

 

أُرحِّب بالإخوة الأعزّاء مرّة أُخرى.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


[1] سورة العنكبوت، الآية 69.

 

77


64

خطاب الولي 2011

 

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في ذكرى ميلاد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم

 

 

 

 

المناسبة:   17 ربيع الأول ذكرى ميلاد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام الصادق عليه السلام

الحضور:  جمع من مسؤولي الدولة

المكان:   طهران

 

الزمان:    ٠٢/12/1389هـ.ش.

17/٠٣/1432هـ.ق.

21/02/2011م.

         

 

79


65

خطاب الولي 2011

مبارك لكم الميلاد السعيد للرسول الأعظم سّيدنا محمد بن عبد الله، وكذلك الولادة السعيدة لحفيد ذلك الإنسان الكريم سيّدنا صلى الله عليه وآله وسلم جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، مبارك لكم أيّها الحضور الأعزّاء، والضيوف الكرام في هذا الاجتماع، وكذلك لكلّ أبناء الشعب الإيراني الكبير، ولكلّ الأمّة الإسلامية، ولجميع طلاب الحقّ والحريّة في العالم.

 

﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾

ولادة النبيّ المكرّم كانت بداية فجر زاهر في حياة البشرية. بهذه الولادة ظهرت البشائر الإلهية في ذلك العصر أمام أنظار الناس، حيث تساقطت قِمم قصور الملوك الظَلَمة، وانطفأت النيران في معابد النّار، وزالت المقدّسات الخرافية التافهة بالقدرة الإلهية في مناطق مختلفة من العالم. كانت هذه الولادة مقدّمة للبعثة، وكانت البعثة رحمة لكلّ العالمين. وقد قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾[1]. انتفع العالم بكامله من بركات هذا الوجود المقدّس وسيبقى ينتفع. إنّ رقيّ البشر والتقدّم العلمي والمعارف المتنوّعة والاكتشافات العظيمة في العالم هي ببركة ظهور نور الإسلام في تلك البرهة العجيبة من التاريخ. وهذه نعمة وضعت تحت تصرّف البشرية. ولو كان للبشرية وعي أكبر وأكثر ومعرفة أعمق، ولو عَرَفَت الرسول الأكرم والإسلام، وأدركت رسالته لكانت صفحة التاريخ البشري اليوم صفحة أخرى. ما جعلنا نتأخّر هو جَهلُنا نحن البشر وقصرُ نظرنا. لا شكّ أنّه كلّما تقدّم التاريخ إلى الأمام، وكلما ازدادت معرفة البشرية واستيعابها لمزيد من الفهم كلّما تجلّت هذه الشمس المتلألئة أكثر، وازداد الانتفاع من هذا النور الحياتي. ونحن اليوم نرى علامات ذلك.

 


[1] سورة الأنبياء، الآية 107.

 

 

81


66

خطاب الولي 2011

الإسلام سبيل النجاة

العالم اليوم، طفح به الكيل نتيجة الأعباء الثقيلة التي تفرضها عليه الحضارة المادّية، وهو يبحث عن سبيل نجاة. ما تلاحظونه اليوم من صحوة إسلامية في بعض البلدان الإسلامية مثل مصر وتونس مؤشِّر ونموذج على نفاد صبر البشرية. حينما يتغلب الشيطان على حياة الناس -وشياطين الإنس أخطر من شياطين الجنّ- وهم مستكبرو العالم الذين يتدخّلون في حياة النّاس الاجتماعية، وحياتهم الخصوصيّة، وفي اقتصادهم، وفي فهمهم ورؤاهم، ويجرّونهم إلى طُرُق الضلال، تضْطَرب أجواء الحياة. وهذه الأجواء الثقيلة المظلمة لا تنسجم مع فطرة البشر، وبالتالي تصحو الفطرة البشرية. هذا ما يحدث اليوم في العالم. والعالم الغربي الأسير لعجلات وهيمنة القوى المادّية طفح به الكيل حالياً. نحن المسلمين لو كان بوسعنا تعريف الإسلام بصورة صحيحة، ومطابَقَة سلوكنا مع الإسلام، ثِقُوا أنّ العالم كان سيميل ميلاً عامّاً شاملاً نحو الإسلام. الضعف فينا، ونحن أوّل من خاطبهم القرآن ورسالة الرسول، فيجب علينا إصلاح أنفسنا.

 

رفض الاستكبار: مفتاح حلّ المشكلات

لقد استيقظت الشعوب اليوم ببركة الإسلام. يمكن للمرء أن يُشاهد هذه الصحوة على مستوى العالم الإسلامي. الأثر الأول لهذه الصحوة هو إبداء الانزعاج من حضور المستكبرين في هذه المنطقة. الأمريكيّون والسياسات الأمريكية تحاول بإعلامها الكثيف إبعاد نفسها عن مرمى سهام الحركة الشعبية العظيمة المشهودة اليوم في بعض البلدان الإسلامية، لكنّ هذا غير ممكن. هذه التحرّكات هي بالدرجة الأولى ضدّ الهيمنة الاستكبارية على هذه المنطقة. الشيء الذي أهان الشعوب هو هيمنة الاستكبار، والشيء الذي أدّى إلى أن لا تمدّ الشعوب المسلمة يد الأخوّة لبعضها بعضاً، ولا تتفهّم بعضها بعضاً، ولا تتكامل في طاقاتها وقواها فتُشكِّل الأمّة الإسلامية بالمعنى الحقيقي إنّما هو دسائس الاستكبار وتدخّلاته في هذه المنطقة. وهذا ما ينبغي إزالته. يجب أن تتحرّر الشعوب وتنجو من تدخّل الاستكبار وهيمنته. هذا هو مفتاح حلّ المشكلات في هذه المنطقة. مشكلات الناس والشعوب والحكومات - الحكومات البعيدة

 

 

82


67

خطاب الولي 2011

عن شعوبها - سببها وجود تواجد القوى المستكبرة وعلى رأسها أمريكا. وعلاج مشكلات هذه المنطقة يكمن في أن تصحو الشعوب وتصحو الحكومات وتُبعد الشيطان الأكبر عن التدخّل والتصرّف في مصيرها.

 

سياسات أمريكا في منطقة الشرق الأوسط أدّت إلى أن تُعارض الشعوب حكوماتها، وتبتعد الشعوب عن الحكومات. إذا كانت الشعوب متفقة مع الحكومات فلن تستطيع أيّة قوّة الهيمنة على البلدان، ولن تستطيع أيّة قوّة المقاومة أمام الشعوب. ما يحدث حالياً في بعض البلدان الإسلامية هو وجود شعوب المنطقة في ساحة النضال والكفاح. حينما توجد الشعوب في سوح النضال والكفاح سوف تكلّ سيوف الأعداء، ولن يستطيعوا فرض منطق القوّة على الشعوب وتسليط أفراد من المقرّبين إليهم ومرتزقتهم على الشعوب فيتعسّفوا مع الناس. حينما توجد الجماهير في السّاحة سوف تقوى ركائز الحكومات ودعائمها إذا كانت هذه الحكومات متفقة مع شعوبها. هذا هو علاج مشكلات المنطقة.

 

الدولة الصهيونية: غدّة سرطانية

الدولة الصهيونية المزيّفة في هذه المنطقة اليوم كالغدّة السرطانية تصيبها بالأمراض والآفات. كلّ مساعي الاستكبار مُنصبّة على حفظ هذه الغدّة السرطانية في المنطقة. وجود هذه الغدّة السرطانية في هذه المنطقة مبعث حروب واختلافات وشقاقات وسياسات خاطئة. يستخدمون كلّ قدراتهم من أجل أن يُحافظوا عليها ويُكرّسوا موقعهم في المنطقة. وهذا ما نشاهد اليوم آثاره ونتائجه، ألا وهو ردود أفعال الشعوب. حينما تصحو الشعوب فسوف لن تتحمّل هذا الوضع.

 

الواجب الأساس للنُخب: توجيه الشعوب

نعتقد أنّ التحرّكات المشهودة في الوقت الراهن في بعض البلدان الإسلامية هي ردود أفعال الشعوب حيال المهانة الطويلة التي فرضتها القوى الاستكبارية عليها. وقد وَجَدَت اليوم فرصة فنزلت إلى الساحة.

 

إنّ واجب علماء الدين والنُخب السياسية والعلمية والجامعية ثقيل جدّاً. الجماهير

 

83


68

خطاب الولي 2011

في تلك البلدان بحاجة اليوم لتوجيه النُخبة وهدايتهم، سواء النُخبة السياسية أم النُخبة العلمية أم الجامعية أم الدّينية. هناك واجبات جسيمة تقع على عواتقهم. يجب أن لا يسمحوا لأجهزة الاستكبار بما لها من وسائل متنوّعة أن تُصادر حركة الجماهير العظيمة هذه وتسرقها منهم، يجب أن يحذروا. يجب أن يُوجّهوا الجماهير نحو الأهداف السامية التي تُعدّ الأهداف العليا لكلّ شعب من الشعوب. إذا حصل هذا فسيكون مستقبل هذه المنطقة مستقبلاً زاهراً، وسيكون مستقبل الأمّة الإسلامية مُشرقاً.

 

تغيّر الأوضاع

عددنا في العالم مليار ونصف المليار نسمة، ونعيش في أكثر مناطق العالم حساسية من الناحية اللوجيستية ومن حيث المصادر الطبيعية والثروات الجوفية، لكنّ الآخرين يحكموننا ويقرّرون مصيرنا، ويتّخذون القرارات بشأن نفطنا. الآخرون يتّخذون القرار بما يخصّ أنظمة الحكم في بلداننا. هذا وضع يجب أن يتغيّر، وسيتغيّر بلا شكّ. وتُلاحَظ علامات ومؤشّرات ذلك حالياً. هذه هي الصحوة الإسلامية ببركة الإسلام.

 

علامات الأمّة الإسلامية

هكذا يُربّي الإسلام أتباعه: ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾[1]. هذه هي علامات الأُمّة الإسلامية. وهذه هي المعنويّة التي في أنفسهم، والتوكّل والتوجّه إلى الله والتذكّر والخضوع مقابل الخالق. هذه هي ميزة تربية الإنسان المسلم المؤمن. الإسلام يربّي مثل هذا الإنسان، خاضع مقابل الله تعالى، رحيم عطوف مع إخوانه في الإيمان، والأخوّة الإسلامية قائمة، لكنّه في مقابل المستكبرين والظالمين صامد شامخ كالجبل، ﴿وَمَثَلُهُمۡ فِي ٱلۡإِنجِيلِ كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطۡ‍َٔهُۥ فَ‍َٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ﴾. هذه هي مراحل رُشد الأمّة الإسلامية، تَنبُتُ وتَرشُدُ وتَتَرعرَعُ وتَستَحكِم. ﴿يُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ﴾. يندهش له حتى الّذين يعملون في هذا المجال. إنّها يد القدرة الإلهيّة التي تُرشِد البشر هكذا.

 


[1] سورة الفتح، الآية 29.

 

 

84


69

خطاب الولي 2011

﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ﴾. العدوّ المستكبر حينما ينظر لهذا الإنسان المسلم المتربّي والمُتَرَعرِع في أحضان الإسلام سيغضب طبعاً وينزعج. يجب أن نعمل بهذه الطريقة. يجب أن نبني أنفسنا ونطابقها مع القرآن. أخلاقنا وسلوكنا مع أصدقائنا ومع معارضينا ومع معاندينا ومع المستكبرين يجب أن ننظّمها مع تعاليم القرآن. لقد وعد الله تعالى الأفراد الذين يتحرّكون بهذه الطريقة أن يُثيبهم ويُؤجرهم. وهذا أجر في الدنيا وفي الآخرة. في الدنيا لهم العزّة والتمتّع بالجماليات والخيرات الإلهية -المعدّة للإنسان في هذا العالم- ولهم في الآخرة رضوان الله وجِنانهِ.

 

وَٱلعَٰقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ

هذا سبيل سلكتموه أيّها الشعب الإيراني العزيز وتتابعونه وتسيرون فيه، وسوف تواصلون هذا السبيل بتوفيق من الله، وهو سبيل نشاهد -لحسن الحظّ- حالياً أنّ الشعوب الإسلامية هنا وهناك من العالم الإسلامي تتّجه نحوه تدريجياً. قال الله تعالى: ﴿وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ﴾[1]. إذا جعلنا التقوى منهج عملنا فلا شكّ أنّ العاقبة والنهاية ستكون للأمّة الإسلامية، وهذا المستقبل ليس ببعيد بإذن الله.

 

أتمنّى أن يُوفِّق الله تعالى جميع الشعوب المُسلمة والأمّة الإسلامية وخصوصاً النخبة والمؤثّرين في هذه الأمّة ليستطيعوا الانتفاع من بركات وجود الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتعاليم القرآن إلى أقصى حدّ. نسأل الله تعالى أن يُنزل رحمته الواسعة على إمامنا الجليل الذي فتح هذا السبيل أمامنا، وعلى شهدائنا الأعزّاء الذين ضحّوا بأنفسهم في هذا السبيل.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 


[1] سورة الأعراف، الآية 128.

 

85


70

خطاب الولي 2011

تعزية الإمام الخامنئي دام ظله

برحيل صهر الإمام الخميني قدس سره

 

 

 

في ذكرى ميلاد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم

المناسبة:   رحيل صهر الإمام الخميني قدس سره المرحوم السيد محمود بروجردي

المكان:   طهران

 

الزمان:    08/12/1389هـ.ش.

23/03/1432هـ.ق.

27/02/2011م.

 

87


71

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تلقينا ببالغ الحزن والأسى نبأ رحيل صهر الإمام الراحل قدس سره السيد محمود بروجردي عن هذه الدار الفانية وانتقاله إلى جوار ربه وذلك اثر مرض عضال.

 

إننا إذ نقدم التعازي لمناسبة رحيل هذه الشخصية العلمائية المعززة إلى عقيلته الفاضلة والكريمة وأبنائه الأعزاء وبيت الإمام الراحل قدس سره نسأل المولى العلي القدير أن يمنَّ على الفقيد الراحل بالرحمة والغفران.

 

السيد علي الخامنئي

١٣٨٩/١٢/٨ هـ.ش.

١٤٣٢/٣/٢٣ هـ. ق.

٢٠١١/٠٢/٢٧ م.

 

 

89

 


72

خطاب الولي 2011

تعزية الإمام الخامنئي دام ظله

برحيل والد السيد محمد سعيد الحكيم

 

         

         

         

 

         

المناسبة:   رحيل والد السيد محمد سعيد الحكيم آية الله السيد محمد علي الحكيم

المكان:   طهران

 

الزمان:    10/12/1389هـ.ش.

25/٠٣/1432هـ.ق.

٠١/٠٣/2011م.

 

 

91


73

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

سماحة آية الله السيد محمد سعيد الحكيم دامت بركاته

 

إني أعزيكم بمناسبة وفاة والدكم المكرّم المرحوم آية الله السيد محمد علي الحكيم طاب ثراه وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتفضل عليه بعلو الدرجات ولجنابكم المزيد من التوفيق. 

 

السيد علي الخامنئي

١/٣/٢٠١١م

 ٢٥/٣/١٤٣٢ق

 

93


74

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في منتزه الولاية بمناسبة يوم الشجرة

 

 

         

المناسبة:   يوم الشجرة

الحضور:  أعضاء في مجلس الوزراء ونواب مجلس الشورى الإسلامي ورئيس المجلس البلدي الإسلامي في طهران وعمدة العاصمة وقادة عسكريون

المكان:   طهران

 

الزمان:    17/12/1389هـ.ش.

٠٣/٠٤/1432هـ.ق.

08/03/2011م.

 

95


75

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

المراسم ذات الصلة بالأشجار والنباتات والورود تتميّز طبعاً بطراوة معيّنة. ولحُسن الحظّ يشعر المرء أنّ الميول نحو الاهتمام بالورود والنباتات ووضع المتنزّهات واستخدامها لأجل المحافظة على سلامة البيئة تتعزّز باستمرار، وهذا ما يُسعدنا. والشيء الذي شجّعني اليوم خصوصاً على المشاركة في هذا الاجتماع، بحضوركم أيّها الأصدقاء، هو أنّ هذه المنطقة من المناطق قليلة الإمكانيات والفقيرة في مدينة طهران، ووجود مثل هذا المتنزّه ومثل هذه الإمكانية في هذه المنطقة من مدينة طهران يبدو فرصة جيّدة جداً. نحن سعداء لأنّ المسؤولين والحمد لله اتّفقوا في نهاية المطاف -أي الأشخاص الذين كانوا مسؤولين عن هذا المكان والذين يتولّون مسؤوليّته اليوم، أي البلدية والقوّات المسلحة- وستكون عاقبة هذا المشروع خيراً إن شاء الله.

 

أهمية قضية البيئة

قضايا النباتات والمتنزّهات والأشجار وما إلى ذلك من القضايا الأصلية، ويجب عدم اعتبارها من القضايا الفرعية. صحيح أنّه حينما تُرصَد القضايا الرئيسة في البلاد تتجّه الأنظار نحو الاقتصاد والثقافة والقضايا المالية والسياسية -هكذا هو الحال عادة- لكن لو نظرنا بدقّة لوجدنا أنّ قضايا الحياة البشرية والبيئة أهمّ من تلك القضايا. لماذا السياسة؟ ولماذا الاقتصاد؟ ولماذا الخدمات المدنية المتنوّعة في البلاد؟ ولماذا أصلاً تقدّم البلاد؟ التقدّم هو من أجل أن يعيش الناس حياة سليمة صالحة. إذا خرّبت البيئة فسوف تُبطل كل تلك الأمور. هنا تكمن أهمية البيئة. إذا لم نهتمّ بقضايا المياه والتربة والهواء والأشياء التي تؤدّي إليها -كالمراتع والمصادر الطبيعية والغابات ووضع بناء المدن- فإنّ حياة الناس لن تكون طيّبة جميلة. الصناعة والتقدّم الصناعي والعائدات المتزايدة للبلاد والمفاخر العلمية المختلفة لا تجعل الحياة جميلة، وكلّ هذه الأمور

 

97


76

خطاب الولي 2011

يجب أن تكون مقدّمات لكي تتوفّر للناس حياة سليمة جميلة. ومن جملة الأمور المتّصلة مباشرة بهذا الهدف هو البيئة والفضاء الذي يعيش فيه الناس وقضايا المناخ. وعندها تكتسب جذور هذا الأمر وأُسسه - وهي التربة والغابات والأشجار وسائر هذه الأمور - أهمية قصوى.

 

أرجو من المسؤولين في القطاعات المختلفة التنبّه لهذه النقطة، وهي أنّ النظرة لقضية المناخ ولقضية الغبار ولقضية الدخان والتلوّث، والنظرة لقضية الهواء النقي والماء النقي والبيئة السليمة والنظرة لقضية الغابات يجب أن تكون نظرة أصلية رئيسة تُدرَج في أصل وتشعّبات جميع الخطط والبرامج الحياتية.

 

بعض هذه التقارير التي رُفعت يجب أن تُوزّع بين المسؤولين، بين مسؤولي الحكومة وبين أعضاءمجلس الشورى، وتؤخذ في الحسبان.

 

لذلك أشدّد على قضية البيئة، والمتنزّه أحد النماذج ذات الصلة بالبيئة. قضية البيئة على جانب كبير من الأهمية. والمصادر الطبيعية على جانب كبير من الأهمية. المصادر الطبيعية ثروات وطنية وليست ملكاً لهذه الحكومة أو تلك، أو هذا الوزير وذاك الوزير. إنّها ملك الشعوب، بل هي ثروات تعود للشعوب على طول تاريخها. يجب الاستفادة منها. كونوا حسّاسين حيال قضية تخريب البيئة، فالضغوط على الغابات شديدة. يجب الحفاظ على الغابات، كما ينبغي الحفاظ على المصادر الطبيعية والمراتع.

 

الحذر من الانتهازيين

المسؤولون الحكوميون حاضرون هنا. وأنا قلق جداً من مشروع الحدائق المدنية. وقد طرح السيد رئيس الجمهورية الموضوع معي عدّة مرّات، وقلتُ له: لا أدري ما الذي سيحدث وماذا سيفعل الانتهازيون. لتكن نظرتكم متركّزة على عدم إفساح المجال للانتهازيين. حيثما كان هناك مشروع عام المنفعة -هذه الإحصاءات التي ذكرها السيد العمدة المحترم[1]- أنا واثق وعلى علم بأنّ هناك بعض الأشخاص يترصّدون ليروا كيف يستطيعون اختطاف هذه الغنيمة. هناك الغابات المحيطة بالمدينة والأراضي

 


[1] المقصود: عُمدة طهران السيد قاليباف.

 

 

98


77

خطاب الولي 2011

والمناطق الحرشية، وهي مناطق بُذِلت من أجلها الكثير من الجهود وعلى امتداد سنوات طويلة، وهؤلاء عيونهم عليها.

 

أذهبُ للمرتفعات أحياناً وأنظر من هناك وأرى ما الذي يحدث. وقد ذكرتُ هذا مراراً للبلديات. والأمر لا يتعلّق بالبلديات فقط، إنّما على المؤسسات ذات الصلة ببناء المدن وبالمراتع أن تتعاون جميعاً. لا تدعوا طهران تكبر أكثر من هذا، ولا تسمحوا بكلّ هذا التعرّض والمساس بالأراضي جنوب البُرْز[1]. حُولُوا دون هذا التخريب. بعض الناس يلهثون وراء المال فقط، وكلّ همّهم وغمّهم المال، ولا ينظرون إلى نتيجة تخريب هذا المكان الذي يخرّبونه ويحتلّونه من أجل المال، وما هي عواقبه على البلاد وعلى الشعب وعلى مدينة طهران. الأمر غير مهمّ بالنسبة لهم على الإطلاق. وأنتم حرّاس ومراقبو وحماة هذه المصالح الوطنية، يجب أن لا تسمحوا بذلك.

 

مشاريع المساحات الخضراء هنا - ذكرها السيد العُمدة المحترم وقد اطَّلَعتُ على تقاريرها من قبل - قرابة 300 هكتار، وهذا الشيء على جانب كبير من الأهمية. يقول: نريد أن نجعل 220 هكتاراً منها مساحات خضراء. وعليكم مراقبة الباقي. 80 هكتاراً من الأراضي وسط المدينة ليس بالشيء القليل. كلّ متر من الأراضي هنا محسوب، ولديكم هنا 80 هكتاراً من الأراضي، ويجب أن تُدقّقوا ما المقرّر أن يحدث في هذه الأراضي. أنتم والحمد لله منزّهون ولستم من الاستغلاليين بأيّ شكل من الأشكال، لكن الحياة ليست خالية من أشخاص استغلاليين. حينما تريدون تنفيذ مشاريعكم وخُططكم احذروا من أن يكونوا قد خطّطوا لها من خارج محيطكم ببعض التبريرات من قبيل التبريرات الاقتصادية وتأسيس مراكز تجارية وما إلى ذلك. المكان هنا هو الأكبر والأهمّ، ولكن توجد في طهران مراكز ومناطق أخرى يمكن إنشاء مساحات خضراء فيها وتوفير فضاءات لتنفّس المدينة وتقوية رئة طهران من خلالها. الحقّ أن رئة طهران ضعيفة.

 


[1] المقصود: جبال البُرْز.

 

99


78

خطاب الولي 2011

المساحات الخضراء في طهران

طهران مدينة كبيرة وفيها الكثير من السكان. رغم كلّ الجهود والمشاقّ التي بذلتموها لا تزال المساحات الخضراء في هذه المدينة أقلّ بكثير ممّا يجب. طبعاً لا يمكن مقارنة الوضع اليوم بما كان عليه الوضع قبل الثورة -كنتُ آتي في ذلك العهد إلى طهران وأرى أنّ المدينة وسخة ومزدحمة ودائمة التلوّث والمتنزّهات قليلة جداً والإمكانات قليلة جدّاً، وليس الوضع كذلك اليوم والحمد لله، فطهران اليوم مدينة أخرى- ولكن مع ذلك لا تزال المساحات الخضراء في طهران قليلة. حينما تنظرون إلى هنا من الأعلى ترون أنّ طهران مدينة مزدحمة، ويجب فتح هذه المناطق أكثر ممّا هو الحال الآن وتوفير فضاءات لتنفس المدينة. جاهدوا لأن تُستخدم الأماكن المختلفة من المدينة الموجودة تحت تصرّفكم لصالح المساحات الخضراء.

 

الإشراف والتعاون

الإشراف القويّ ضروري جدّاً. سواء إشراف الحراسة والحماية، أم الإشراف القضائي. ولحسن الحظّ فقد سمعتُ أنّ الملفّات القضائية قد تشكّلت، ولكن يجب أن يكون الأمر أكثر من هذا. السادة المسؤولون عن القضايا المدنية -سواء في الحكومة أم البلدية- عليكم أن تتعاونوا مع الجهاز القضائي وأن تطلبوا منه وتتابعوا هذه المسائل.

 

ذكروا رقماً، وقالوا إنّ هذا المقدار من الهكتارات عاد إلى بيت المال. وخطر ببالي أنّ هذا المقدار من أيّ مقدار كلّي؟ النسبة هي المهمّة. الأرقام وحدها هنا ليست لها أهمية. يجب النظر إلى نسبة هذا المقدار العائد إلى المقدار غير العائد، ما هي هذه النسبة؟ هذا ما سوف يجعلنا نفهم هل تقدّمنا أم لا؟ يجب أن تكون في الأمور دلالة على أنّنا تقدّمنا.

 

أهمية المشروع

على كلّ حال، المتنزّهات كما ذكرنا رئات المدينة. هذه المشاريع مشاريع جيدة جدّاً. في كلّ سنة كنت أغرسُ شجرتين أو ثلاثاً، لكنّني لم أكن أشارك في مثل هذه المراسم. ولكن في هذه السنة، ولأنّ المشروع مشروع كبير في طريقه للتنفيذ، وخصوصاً

 

 

100


79

خطاب الولي 2011

لأنّه في جنوب مدينة طهران كما ذكرت، فقد شاركتُ في هذه المراسم. الحاجة هنا كبيرة والازدحام هنا كبير جدّاً -ازدحام السكّان وازدحام الأبنية- والإمكانات قليلة. إذن، هذه المشاريع، خصوصاً لهذا الجزء من مدينة طهران، ضرورية وقد شاركتُ فيها. وفّقكم الله لتستطيعوا التقدّم في هذا المشروع.

 

قال لي السيد العُمدة المحترم إنّنا سوف نُسلِّم حتى شهر خرداد من العام المقبل (أيّار 2011) 60 هكتاراً. انتظروا كلّكم إن شاء الله الثالث من شهر خرداد وتعالوا هنا لتتسلموا الستين هكتاراً!

 

الثقافة هي الروح

وهذا القسم الثقافي الذي ذكرتموه قسم مهمّ جدّاً. اهتمّوا اهتماماً أكيداً بالجانب الثقافي. الثقافة هي الروح. كل هذه الأمور التي تحدّثنا عنها هي جسم الحياة. وجسم الحياة هذا له روح وروحه هي الثقافة. إذا كانت الثقافة ذات اتّجاه ديني وإلهي، فهذا طبعاً ما يريده الإسلام والناس الطاهرون والمعصومون.

 

إنّني أدعو لكم جميعاً... للمسؤولين وللعاملين وللمساعدين وللّذين يَعقِدون هِمَمَهم وللّذين يتّخذون القرارات وللّذين يصنعون القرارات. ساعدكم الله ووفّقكم وأيّدكم جميعاً.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

101


80

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة

 

 

         

المناسبة:   الاجتماع السنوي لأعضاء مجلس خبراء القيادة

الحضور:  أعضاء مجلس خبراء القيادة

المكان:   طهران

 

الزمان:    19/12/1389هـ.ش.

05/04/1432هـ.ق.

10/03/2011م.

 

 

103

         


81

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أُرحّب بكم كثيراً أيّها السادة المحترمون وخبراء الأمّة الأجلاّء، وأشكر جهود الإخوة الأعزّاء والسادة المحترمين، سواء خلال هذا الاجتماع الجاري، أم على امتداد العام في اللجان الخاصّة التي يُشارك فيها السادة ويبذلون جهودهم. ونحن ندعو لكم، تقبّل الله منكم أعمالكم ووفّقكم وسدّدكم إن شاء الله.

 

شكرٌ وتأييد

نشكر جميع السادة، وخصوصاً حضرة الشيخ هاشمي رفسنجاني لأنّه أحبط توقّعات الأعداء بوجود عداوات. كانوا يتوقّعون وقوع خلاف بين خبراء الأمّة، وأن تبدو المنافسات على غرار المنافسات الدارجة في العالم المادي، ويتحوّل سباق الخدمة إلى تنافس سلبي لشَغل المواقع والمراكز، وهذا ما لم يحصل والحمد لله. وقد كان هذا هو المتوقّع من جناب الشيخ هاشمي في ضوء سوابق عقلانيته وشعوره بالمسؤولية التي شهدناها فيه دائماً. والانتخاب الذي قُمتم به أيّها السادة كان انتخاباً صحيحاً وفي محلّه. فسماحة الشيخ مهدوي شخصية بارزة ومميّزة سواء في عالم العلماء أم في عالم السياسة أم في قضايا البلاد الحالية أم في قضايا الحوزة والجامعة منذ بداية الثورة وإلى اليوم. ما حصل سيكون لخير الإسلام والمسلمين ببركة إخلاص السادة وإخلاصكم والعقل والتدبير الذي يشاهده المرء في السلوك والأقوال، وهذا هو المتوقّع.

 

المشاركة الشعبية والشعارات الإسلامية

ظروف البلاد الحالية ظروف مهمّة وحسّاسة جدّاً في ضوء قضايا المنطقة. أحداثُ المنطقة أحداثٌ تتجاوز أبعادها الحدود المألوفة للقضايا الجارية تماماً. ما يحدث له أبعاد عظيمة جدّاً. أمّا الشيء الذي يريده الأعداء والانتهازيون والاستغلاليون الدوليون والمُستكبرون وما سوف يقومون به فهو بحث آخر. ما حدث له ميّزتان مهمّتان جدّاً.

 

 

105


82

خطاب الولي 2011

وهاتان الميّزتان يتمنّاهما كلّ المسلمين الصادقين ذوي الأفكار السامية في الثورة الإسلامية وفي الجمهورية الإسلامية وفي سائر مناطق العالم. هذان الأمران هما المشاركة الشعبية والشعارات الإسلامية. هذان الشيئان مهمّان للغاية.

 

الحضور الشعبي معناه أن تحضر الشعوب بأجسادها وحضورها الشخصي في ساحات الكفاح وتتحمّل الأخطار على غرار ما حدث في إيران. حينما يحصل هذا لا تتمكّن أيّة قدرة من الوقوف بوجهه. وأمريكا ومن شاكلها أمرها سهل، بل حتّى لو اجتمعت واتّحدت كلّ قوى العالم فلن تستطيع المقاومة أمام الشعب الذي نزل إلى الساحة بكلّ وجوده. طبعاً قد يُمارسون القتل وسفك الدماء لكنّهم سيُهزمون وسينتصر الدم على السيف كما قال الإمام الخميني في تلك الأعوام. لقد حصل هذا الشيء. نزل الشعب بجسمه ووجوده إلى الساحة ولم يبعثوا مُمثّلاً ولم يكتفوا بالكلام، وليس في بلد واحد بل في عدّة بلدان، والأرضية متوفّرة في بلدان أخرى. هذه نقطة مهمّة جداً. ليس بوسع شيء إيجاد مثل هذا الوضع سوى يد القدرة الإلهية. تتوفّر الأرضيات ويُمارس الأفراد دورهم -لا شكّ في هذا أبداً- لكنّها يد القدرة الإلهية التي تمتلك القلوب، و"قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن"[1]. الله تعالى هو الذي يبث العزيمة في القلوب ويعبّئ الإرادات. ويد القدرة الإلهية محسوسة في هذه الأحداث. ولأن يد القدرة الإلهية موجودة فالنصر أكيد.

 

النقطة الثانية في هذه الأحداث هي الشعارات الإسلامية. الجماهير في هذه البلدان وفي سائر البلدان الإسلامية جماهير مسلمة وجزء من الأمّة الإسلامية. وحتى في المواطن التي كانت فيها المظاهر الإسلامية محدودة بفعل الضغوط، فالجماهير مؤمنة متديّنة ومسلمة والإسلام متجذّر، وهذه من خصوصيات الإسلام. في البلدان التي حاول فيها الماركسيون لمدّة سبعين سنة وبكلّ ما أوتوا من قوّة إزالة الإسلام ومَحوِه، وبمجرد أن سقط النظام الشيوعي السوفياتي خرج الناس ورفع الشباب الذين لم يُدركوا عهد الإسلام أصلاً شعارات إسلامية. هذه خصوصية تتعلّق بعمق الإسلام وتجذّره في القلوب.

 


[1] الأحسائيّ، ابن أبي جمهور، عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، تحقيق الحاج آقا مجتبى العراقي، دار سيد الشهداء للنشر، إيران - قم، 1403ه - 1983م، ط1، ج1، ص48.

 

106


83

خطاب الولي 2011

الشعب المصري مسلم، محبٌّ لأهل البيت عليهم السلام

وكذا الحال هناك، طبعاً توجد حوافز ولا تزال -حوافز ليبرالية وربما بدرجة أقلّ اشتراكية وقومية وما إلى ذلك- لكنّ عموم الشعب مسلم والشعارات إسلامية. خصوصاً في بلد مثل مصر حيث الإسلام هناك عريق وعميق جدّاً والقرآن سائد ومحبّة أهل البيت سائدة.

 

إذن، الحدث الواقع حالياً حدث عجيب، ولا يزال هذا الحدث في بداية الطريق. حسناً، نحن بصفتنا جمهورية إسلامية، ونحن الحاضرين هنا بوصفنا مسؤولين في الجمهورية الإسلامية، وكذلك باقي المسؤولين، تقع على عواتقنا واجبات يجب التنبّه لها وينبغي أن لا نمرّ مرور الكرام على هذا المقطع الزمني.

 

الثورة، النموذج الإسلامي للعالم

من الأمور التي كانت مؤثّرة في هذه الأحداث بلا شكّ النموذج والخطاب الذي وفّرته الثورة الإسلامية. لقد أَضحَت الثورة الإسلامية نموذجاً للمسلمين، أولاً بظهورها، ثمّ بتأسيسها الناجح لنظام الجمهورية الإسلامية حيث استطاعت عرض نظام بدستور كامل وتكريسه وتحقيقه، ومن ثمّ بقاء هذا النظام على مدى 32 عاماً حيث لم يستطيعوا توجيه ضربة له، ومن ثمّ تمتين وتقوية هذا النظام باستمرار -حيث لا يمكن مقارنة نظام الجمهورية الإسلامية اليوم من حيث العمق والتجذّر بما كان عليه قبل 10 أعوام أو 20 عاماً أو 30 عاماً- ثمّ هناك حالات التقدّم المختلفة في هذا النظام حيث التقدّم العلمي والتقدّم التقني والصناعي والتقدّم الاجتماعي ونضج الأفكار وظهور أفكار جديدة والحركة العلمية الهائلة في البلاد والأنشطة المختلفة والعمران الحاصل في البلد، حيث بلغ البلد في بعض المجالات مستوى البلدان الأولى في العالم. هذه كلّها أحداث وقعت وهي أمور محسوسة لدى الشعوب المسلمة، فهم يرونها ويشاهدونها.

 

جاءت هذه الثورة وأسّست نظاماً، وقد بقي هذا النظام وتعزّز يوماً بعد يوم وتقدّم باستمرار. هذا هو النموذج. صناعة النموذج هذه أَوجَدَت خطاباً هو خطاب

 

 

107


84

خطاب الولي 2011

الهويّة الإسلامية والعزّة الإسلامية. الشعور بالهويّة الإسلامية بين شعوب العالم حالياً لا يقبل المقارنة بما كان عليه قبل 30 سنة. والشعور بالعزّة الإسلامية والمطالبة بها حالياً ممّا لا يمكن مقارنته بالسابق. وهذا شيء حصل.

 

الأعداء في مواجهة النموذج الإسلامي

حسناً، من الطبيعي أن تكون نتائج ذلك هزيمة الجبهة المخالفة المقابلة. المستبدّون الفاسدون العملاء كانوا يُمسكون زمام الأمور في بعض الأماكن. وقد وعد الله تعالى: ﴿سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعَذَابٞ شَدِيدُۢ بِمَا كَانُواْ يَمۡكُرُونَ﴾[1]. مَكرُهُم لن ينفعهم شيئاً، إنّما بسبب نفس هذا المكر سيُصيبهم الله تعالى بالذلّة والهوان. هذا ما حدث أمام أنظارنا.

 

هذه من الأحداث الأخرى التي شاهدنا فيها آيات القرآن الإلهية أمام أنظارنا وجرّبناها، وهي حالة تنتمي لزماننا وتُعدّ قَيِّمة جدّاً. ما وعد به الله في القرآن نراه نصب أعيننا وفي تجاربنا.

 

جانب كبير من الإعلام المُعادي للجمهورية الإسلامية يُركِّز على هذه المسألة، أي على أن لا يتوفّر النموذج والمثال، ولا تغدو الجمهورية الإسلامية نموذجاً ناجحاً في أنظار الشعوب المُسلمة. أعتقد أنّ هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية ويجب أن نتنبّه إليها كلّنا. محاولات الأعداء مُنصَبَّة على أن لا تتحوّل الجمهورية الإسلامية إلى نموذج ناجح في أعين الشعوب، إذ حينما يتوفّر النموذج تتحرّك الجماهير نحوه، وحينما يعلم الناس بنجاح هذا النموذج فسوف يتشجّعون.

 

كتب أحد الكتّاب المصريين قبل خمسين أو ستين سنة في أحد كتبه: إننا إذا استطعنا أن نُدير منطقة من مناطق العالم بحكومة إسلامية لكان ذلك أكبر تأثيراً في تقدّم الإسلام من آلاف الكتب والحملات الإعلامية. وقد كان على حقّ. مع أنّ نموذجنا ليس كما نتمنّى من حيث تطابقه مع الإسلام - ولا تزال المسافة كبيرة للأسف بيننا وبين الشكل المنشود من تطبيق الإسلام - ولكن بهذا المقدار الذي استطعنا أن ننجح فيه،

 


[1] سورة الأنعام، الآية 124.

 

108


85

خطاب الولي 2011

وأن نُدخل الإسلام إلى المجتمع والحياة، فإنّنا نشاهد آثار ذلك وما أدّى إليه من عزّة وقدرة وتقدّم واستقلال. هذه أحوال يشاهدها الناس. والأعداء لا يريدون انطلاق هذا النموذج، لذلك يحاولون تخريبه أمام أنظار المتلقّين. هذه من الممارسات التي دأبوا عليها منذ بداية انتصار الثورة حتى الآن. إذا كان لدينا نقطة ضعف ضخّموها أمام الأنظار، وإذا لم يكن لدينا ضعف اختلقوه لنا كَذِباً. هذه مسألة ينبغي أن نتفطّن لها. إنّها من الأمور الأساس التي يُركّز عليها العدوّ في إعلامه ضدّ الجمهورية الإسلامية، وجهوده كلّها منصَبَّة على هذا المعنى.

 

العوامل المُساعدة للأعداء وسُبُل مواجهتها

ثمّة عاملان يساعدان بعضهما بعضاً في إضعاف هذا النموذج، أحدهما العامل الداخلي، والمتمثل في النواقص الموجودة وتقصيرنا وتقاعُسنا وكَسَلنا والابتلاء بأمور مضرّة بالحركة -كالاختلافات والمُخالفات المتنوّعة والميل للدّنيا والانجرار إليها، والتعطّش للسلطة وعدم التدبير السياسي وما إلى ذلك- هذه أمور ناجمة عنّا ونحن الذين نُوجد هذه النواقص والعيوب. هذا العامل الداخلي يضرّ بهذا النموذج.

 

العامل الآخر يرتبط بالعدوّ، وهو أن يعمل العدوّ على تضخيم نواقصنا مئات المرّات ويعرضها أمام أنظار الآخرين، مضافاً إلى اتّهامه لنا بالعيوب التي ليست فينا. فماذا يجب علينا أن نفعل الآن؟ علينا أولاً أن نهتم لوضعنا الداخلي ونتدارك تقصيرنا ونواقصنا. فإذا أصلحنا هذا الجانب سوف يكفينا الله تعالى العامل الثاني، أي إنّه تعالى سوف يُحبط إعلام العدوّ.

 

في مناجاة الشاكين المنسوبة للإمام السجاد عليه السلام نجد أن أوّل شكوى يبثّها الإمام هي شكواه من نفسه: "إلـهي إلَيْكَ أشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ أَمّارَة، وَإلَى الْخَطيئَة مُبادِرَة"[1]. ثمّ بعد أن يشكو نفسه بعض الشيء يقول: "اِلـهي أشْكُو إلَيْكَ عَدُوّاً يُضِلُّني". الشكوى من أنفسنا أولاً، ثم الشكوى من العدوّ. ينبغي أن نُراقب ونحذر هذا الجانب.

 


[1] المجلسيّ، العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، مؤسسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403هـ - 1983م، ط2، ج91، ص143.

 

109

 


86

خطاب الولي 2011

حسناً، من الذي يُراقب وكيف نُراقب؟ الجواب هو: إنّ على المسؤولين والشخصيات البارزة والمثقّفين والعلماء ورجال الدين وأصحاب التأثير في محيطهم، يجب عليهم قبل غيرهم أن يراقبوا تصرّفاتهم في مجال طلب السلطة والسعي للدنيا والنزوع للخلافات، وإثارة القلاقل والضجيج والتحرّك بما يتنافى مع الأخلاق. وأريد هنا التشديد على التحرّك بما يتنافى مع الأخلاق.

 

إنّ إشاعة الإهانات وهتك الحُرُمات في المجتمع من الأمور التي يمنعها الإسلام. يجب أن لا يحدث هذا. إنّ إشاعة هتك الحُرُمات هو مخالف للشّرع وللأخلاق وللعقل السياسي. لا إشكال إطلاقاً في النقد والمخالفة والتعبير عن الآراء بجرأة، ولكن بعيداً عن هتك الحُرُمات والإهانات والشتم والسُبَاب وما إلى ذلك. والجميع مسؤولون في هذا الباب. هذه الممارسات فضلاً عن أنّها توتّر الأجواء وتسبّب اضطراب الأعصاب الهادئة للمجتمع -والهدوء اليوم مما نحتاج إليه- فإنّها تُغضب الله تعالى منّا. أُريد أن تكون هذه رسالة لكلّ الذين يتحدّثون أو يكتبون سواء في الصحافة أم في مواقعهم الإلكترونية الشخصية... ليعلموا جميعاً أن ما يقومون به ليس صحيحاً. المعارضة والاستدلال وإدانة الأفكار السياسية أو الدينية الخاطئة شيء، والابتلاء بهذه الممارسة المنافية للأخلاق والمخالفة للشرع والمتناقضة مع العقل السياسي شيء آخر. إنّنا نرفض هذا الأمر الأخير رفضاً كاملاً وقاطعاً، فهو شيء يجب أن لا يحصل. وللأسف فإنّ بعض الناس يفعل ذلك. إنّني أوصي الشباب خصوصاً وبعض هؤلاء الشباب هم بلا شكّ أفراد مُخلصون مؤمنون وصالحون، لكنّهم يتصوّرون أنّ هذا واجب، لا، بل أقول إنّ هذا بخلاف الواجب وعلى طرف نقيض من الواجب.

 

الحذر من المندسّين

طبعاً يجب أيضاً عدم الغفلة عن المندسّين وإغراءات الأعداء الشيطانية وتدخّلاتهم. وكما كان يقول الإمام الخميني مراراً: أحياناً يدخل هؤلاء الأفراد التجمّعات الحماسية الإيمانية المُخلِصة ويجرُّونها نحو اتّجاه معين. يجب عدم الغفلة عن هذه النقطة أيضاً، الغفلة الناجمة عن الانفعال العاطفي وعن عدم مشاهدة أيدي الأعداء. لذلك أطلب

 

 

110


87

خطاب الولي 2011

من الشباب خصوصاً أن لا يسمحوا باستمرار مناخ الغِيبة والتهم والشتائم والسُبَاب وهتك الحُرُمات. وإذا استمر هذا المناخ فسوف يسري وينتشر - كالمرض المُعدِي - وتجدون فجأة مثل هذه الأمور أحياناً في صلوات الجمعة، وهي أماكن للخشوع والذكر والتوجّه إلى الله، وهذا خطأ في خطأ. إذا كان الشخص يرفض خطيب صلاة الجمعة فلا يحضر خطبته أساساً ولا يقتدي به وليخرج، وحتى في الدروس أحياناً وفي المناخات العلمية والدراسية تُلاحَظ أمور من هذا القبيل، وهذا خطأ ومضرّ وبخلاف مصلحة الثورة. إنّها ضربات تُوجَّه، وتوجد شقاقاً وفواصل وتصدّعات في صرح النظام الإسلامي العظيم الشفاف الجليل الذي يسير ويتقدّم بكل اقتدار.

 

ولديّ نصيحتي للكبار أيضاً. كانت تلك نصيحتي للشباب، والكبار أيضاً بحاجة إلى نصيحة، وهم أيضاً يجب أن يتنبّهوا. اتّخاذ المواقف الصحيحة والتصريحات الصائبة وعدم التأثّر بالأخبار الكاذبة... هذا أيضاً واجب. هناك الآلاف في النظام الإسلامي يبذلون الجهود ويتحمّلون المشاقّ من أجل رضا الله، ويَشقُون على أنفسهم ليل نهار من أجل إنجاز الأعمال وإدارة النظام والنهوض بالواجبات الجسيمة جدّاً طبقاً للمسيرة الإسلامية، ثم يَسمَع المرء خبراً كاذباً فيُشكِّك في كلّ هذه الجهود وفي المسؤولين الحكوميين وغيرهم وغيرهم. هذا أيضاً ليس من المصلحة في شيء وهو خلافها. أولئك الشباب يجب أن يُراقِبوا وهؤلاء الشيوخ أيضاً يجب أن يُراقِبوا. إننا بحاجة للنصيحة في فترة شبابنا والآن أيضاً حيث بلغنا سنّ الشيخوخة.

 

نتمنّى أن يُعيننا الله تعالى جميعاً لنستطيع -بعونه تعالى- الحفاظ على هذا النموذج الناجح والعظيم جدّاً، وهو نظام الجمهورية الإسلامية، وتسليمه إن شاء الله للأجيال القادمة، فنكون بذلك مرفوعي الرأس عند الله تعالى.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

111


88

خطاب الولي 2011

نداء الإمام الخامنئي دام ظله

بمناسبة عيد النيروز

         

المناسبة:   عيد النيروز

المكان:   طهران

 

الزمان:    ٠١/٠١/1390هـ.ش.

15/٠٤/1432هـ.ق.

21/03/2011م.

         

113

 


89

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

"يا مقلّب القلوب والأبصار، يا مدبّر الليل والنهار، يا محوّل الحول والأحوال، حوّل حالنا إلى أحسن الحال".

 

مبارك عيد النيروز السعيد وحلول الربيع والعام الجديد لكم أبناء وطننا الأعزاء في كل أنحاء البلاد، وكذلك لكل الإيرانيين في البلدان الأخرى حيثما كانوا من أرجاء العالم، وكذلك للشعوب الأخرى التي تكرّم النيروز وتحييه. ومبارك خصوصاً للأفراد والعوائل العاملة على خدمة البلاد وخدمة الثورة وخدمة النظام، عوائل الشهداء الأعزاء، والمعاقين وعوائلهم، وعوائل المأمورين الموجودين في أعمالهم الحساسة والمهمة ويُحرمون من الحضور عند أسرهم في هذه الأيام التي يجتمع فيها الكلّ في بيوتهم. أتمنى بفضل من الله ورحمته أن يكون أمام الشعب الإيراني عام سعيد زاخر بالبركات والنعم، وأن يكون هذا الشعب موفقاً وشامخاً ومنتصراً في جميع الميادين.

 

طبعاً الأحداث المريرة التي تجري على الناس في بعض البلدان -ما يجري في البحرين على الشعب هناك، وفي اليمن، وفي ليبيا- تجعل العيد غير عذب علينا وتحول دون أن يشعر الإنسان بسرور العيد كاملاً. نتمنى أن يفرّج الله تعالى عن هذه الشعوب -شعب البحرين، وشعب اليمن، والشعب الليبي- فرجاً عاجلاً، ويجازي أعداء الشعوب بعقوبته.

 

العيد مؤشر حركة الإنسان الطبيعية طوال السنة والأشهر والأيام والليالي، ولأن هذه الحركة يجب أن تكون نحو الكمال والتعالي لذا كان كل عيد مقطعاً يمكّن الإنسان من أن يبدأ مرحلة جديدة. نحن الشعب الإيراني استطعنا بتوفيق وفضل من الله إنجاز أعمال كبيرة في عام 89. لقد سمّينا عام 89 باسم عام "الهمّة المضاعفة والعمل المضاعف". ولحسن الحظ تحقق هذا الشعار عملياً على امتداد السنة.

 

 

115


90

خطاب الولي 2011

يمكننا الادّعاء أنّ شعار "الهمّة المضاعفة والعمل المضاعف" كان من الشعارات التي حظيت طوال هذه السنوات بأكبر قدر من اهتمام الناس والمسؤولين والعمل بها وانطباق واقع البلاد عليها. فالحق أن الشعب والحكومة لحسن الحظ أبدوا في هذا المضمار وفي هذه الحركة السنوية همّة مضاعفاً وعملاً مضاعفاً. لقد شهدنا لحسن الحظ أعمالاً كبيرة في المجالات الاقتصادية والسياسية وفي مجال مشاركة الشعب العظيمة في مختلف الساحات السياسية والثورية، وفي حقل العلوم والتقنيات، وعلى صعيد السياسة الخارجية، وفي شتى الصعد. وهي إنجازات قام بها مسؤولو البلاد في السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، والسلطة القضائية، وخصوصاً السلطة التنفيذية حيث أنجزوا خلال فترة هذا العام أعمالاً كبيرة، ومنها مشروع ترشيد الدعم الحساس والكبير، إذ قد بدأوا هذا المشروع الضخم، ونتمنى أن يتمّوه إن شاء الله بنجاح كامل.

 

ما أشعر به على الإجمال هو أن بلدنا بدأ مسيرة جيدة على جادة التقدم والتعالي والحمد لله. وبالطبع فإن هذه المسيرة اكتسبت يوماً بعد يوم سرعة أكبر وهي نتيجة جهود ومساعي المسؤولين والشعب طوال هذه الأعوام المتمادية. ولكن لحسن الحظ كلما مضى الوقت اكتسبت هذه المسيرة سرعة أكبر. مثلاً على صعيد إنتاج العلم طبقاً للإحصائيات التي تعلنها المراكز العالمية المتخصصة والمراكز الدولية فإن مشاركة بلدنا في التقدم العلمي وفي إنتاج العلم في العالم أكثر من أحد عشر بالمائة، والحال أننا واحد بالمائة من سكان العالم، والبلد الذي كان له أعلى نصيب من بعدنا في هذه المنطقة سجّل أقل من ستة بالمائة من التقدم. وبالتالي فإن تقدم البلاد في الميادين المختلفة جيد جداً والحمد لله. وينبغي إن شاء الله استمرار هذه الحركة المتسارعة والمتسمة بالجدّ والهمّة.

 

ما يلاحظه الإنسان في مجمل قضايا البلاد، وهو ما ينبغي أن نجعله موضوعاً لهممنا في عام 90، هو أن التركيز الأساس لأعداء شعبنا وبلادنا لمواجهة بلادنا منصبّ على القضايا الاقتصادية. وهم طبعاً ينشطون في المجال الثقافي أيضاً، وكذلك في المجال السياسي، وعلى مستوى الاحتكار العلمي أيضاً، لكنهم ينشطون على الصعيد الاقتصادي بنحو فعال جداً. أنواع الحظر هذه التي يمهّد لها أعداء الشعب الإيراني أو

 

 

116


91

خطاب الولي 2011

التي فرضوها على الشعب الإيراني، كان الهدف منها توجيه ضربة لتقدم البلد وصدّه عن هذه المسيرة المتسارعة.

 

طبعاً لم تتحقق إرادتهم ولم يستطيعوا الحصول على النتائج التي كانوا يرجونها من الحظر، وتغلبت تدابير المسؤولين ومواكبة الشعب على أحابيل الأعداء، لكنهم يتابعون نشاطهم. لذلك علينا في هذه السنة التي تبدأ من هذه اللحظة أن نتنبّه لأهم قضايا البلاد وأعمقها، ومحورها جميعاً برأيي هو القضايا الاقتصادية. لذلك أسمّي هذه السنة سنة "الجهاد الاقتصادي"، وأتوقع من مسؤولي البلاد سواء في الحكومة أم في مجلس الشورى أم في القطاعات الأخرى ذات الصلة بالقضايا الاقتصادية، وكذلك من شعبنا العزيز، أن يعملوا في الميدان الاقتصادي بتحرك جهادي ويجاهدوا في هذا المضمار، فالحركة الطبيعية ليست كافية، إنما ينبغي أن تكون لنا في هذا الميدان حركتنا القفزية والجهادية.

 

تعلمون أننا في هذه الساعة ندخل العام الثالث من عقد التقدم والعدالة. طبعاً تم إنجاز أعمال جيدة على صعيد التقدم، وأيضاً على صعيد العدالة إلى حد كبير، لكن حركتنا يجب أن تكون بحيث نستطيع أن نجعل هذا العقد مظهراً للتقدم ولتكريس العدالة في بلادنا بالمعنى الحقيقي للكملة. ولحسن الحظ يشعر المرء بهذه الحركة التي انطلقت في العالم الإسلامي أن هذا العقد سيكون بتوفيق من الله عقد التقدم والعدالة للمنطقة أيضاً.

 

نتمنى أن يشملكم الله تعالى أيها الشعب العزيز وأيها المسؤولون الأعزاء وأيها الشباب المؤمن النشيط الموهوب ذو المعنويات العالية بلطفه وبالأدعية الزاكية لسيدنا الإمام المهدي المنتظر (أرواحنا فداه). نحيّي ذكرى شهدائنا الأعزاء وإمامنا الجليل، ونتمنى ببركة الأرواح الطيبة لهؤلاء العظماء أن يشمل الله الشعب الإيراني برحمته وفضله وبركته ورضوانه وغفرانه.

 

و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

117


92

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في بداية السنة الشمسية الجديدة

        

 

         

المناسبة:   بداية السنة الشمسية الجديدة

الحضور:  جموع غفيرة من أبناء الشعب وزوار حرم الإمام الرضا عليه السلام

المكان:   مدينة مشهد المقدسة

 

الزمان:    ٠٢/٠١/1390هـ.ش.

١٧/04/1432هـ.ق.

22/03/2011م.

 

 

119


93

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

والحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على النبيّ الأعظم والصّراط الأقوم وأشرف وُلد آدم، سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين، لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.

 

التهنئة بالعيد

أشكر الله تعالى أنّه أعطانا عمراً مرّة أخرى ووفّقنا لإدراك هذه اللحظة المباركة جداً والثمينة، أن يكون اليوم الأول للسنة في جوار عتبات الإمام علي بن موسى الرضا أرواحنا فداه وصلوات الله عليه. مبارك عيد النوروز السعيد وبداية العام الجديد، أتقدم بذلك إليكم جميعاً إخواني وأخواتي والحاضرين الأعزّاء الذين شاركونا في هذا المجلس المهيب والمعظّم، سواءٌ كانوا في هذا الصحن الكبير أم في الصحون الأخرى حيث يستمع أهالينا وإخواننا وأخواتنا أثناء حضورهم هناك. فهذا التجمّع هو في الواقع نموذجٌ من الشعب الإيراني. في هذا اليوم يشارك أهالينا الأعزّاء وقد قدموا من مختلف مناطق البلاد ومدنها وعبروا المسافات البعيدة والقريبة ليحضروا في هذا الحرم وتحت الظلّ الوارف لحضرة أبي الحسن الرضا عليه السلام ويتبرّكون بذلك. الإخوة والأخوات المشهديون أيضاً حاضرون بين هذا الجمع العظيم وأسلّم على الجميع وأهنئهم.

 

استثمار الأعياد

 إنّ عيد النوروز الإيراني هو فرصة ثمينة لنا جميعاً أبناء شعب إيران وللمسلمين في البلاد المختلفة الذين يعتبرون النوروز عيداً ويعظّمونه، وذلك لكي نستفيد من هذه المناسبة في التحرّك والتوجّه على طريق هذه الحركة الإسلامية. إنّ دأب الإسلام وديدنه هو أن تتمّ الاستفادة من جميع الفرص وجميع لحظات الحياة ومن جميع مراحلها في

 

 

121


94

خطاب الولي 2011

أشكالٍ مختلفة من أجل تكامل الإنسان وتقدّمه المعنوي والمادّي. نحن الإيرانيين يمكننا أن نتحرّك بالاستفادة من هذه المناسبة في الأعمال التي دعانا الإسلام إليها وعلى طريق الأحكام والمعارف الإسلامية، فنعرّف أنفسنا إلى أهداف الإسلام السامية. في هذه الأيام تُعدّ صلة الرّحم والتوجّه إلى الله تعالى والاستماع إلى بعضنا بعضاً في المحادثات الجيّدة والتجمّع في المراكز الدينية والمعنوية من الفرص الثمينة التي ينبغي الاستفادة منها.

 

الواقع أنّ شعبنا العزيز في هذا البلد ولسنوات متمادية، وخصوصاً في عصر حاكمية النظام الإسلامي على البلاد، قد استفاد من عيد النوروز على الصعيد المعنوي والمعرفي ولأجل التقرّب إلى الله. والشاهد هو أنّكم لو دققتم النظر في ساعة دخول السنة الجديدة للاحظتم أنّ أكثر الناس مشغولون بالتوجّه والدعاء والذكر في المراكز الدينية وفي العتبات والمزارات والمشاهد المشرّفة وفي المساجد. ومعنى هذه الحركة العظيمة أنّ شعب إيران يستفيد أيضاً من هذا التقليد والسنّة لأجل الدين. إن هذا ينبغي أن يكون خطاً شاخصاً لنا في جميع الأمور. إننا إذا أردنا التقدّم في معرفتنا ومعنوياتنا وديننا علينا أن نستفيد من إقامة الأحكام الإسلامية والمعارف والأخلاق الإسلامية. آمل أنّ الله تعالى يوفّقنا جميعاً ويوفّق شعب إيران في هذا العمل.

 

انجازات عام الهمة المضاعفة

واليوم في هذه الفرصة التي حبانا الله تعالى إياها بهذا اللقاء المبارك، سوف أعرض عليكم إخواني وأخواتي الأعزّاء المشهديين والزوّار المحترمين ثلاثة مطالب.

 

المطلب الأول، عبارة عمّا يشبه التقرير الجامع حول العام الفائت، حيث إنّنا نشاهد بنظرة عامّة كيف أنّ شعب إيران والمسؤولين المحترمين كانوا يتحرّكون وفي أيّ اتّجاه. المطلب الثاني، يتعلّق بالعام الجاري والذي يبدأ اليوم، بالالتفات إلى الشعار الذي طرحته هذه السنة على شعبنا العزيز، وهو الجهاد الاقتصادي وما هو مناسبٌ للتحقّق في هذا المجال. المطلب الثالث، نظرة على قضايا المنطقة، قضايا الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وما يحدث في هذه المنطقة الإسلامية بالالتفات إلى التزوير والأباطيل التي يستعملها أعداء الأمّة الإسلامية في هذا المجال.

 

 

 

122


95

خطاب الولي 2011

المطلب الأول: حول الهمّة المضاعفة والعمل المضاعف

يمكنني بما يتعلّق بالمطلب الأوّل القول إنّ شعار العام الفائت أي الهمّة المضاعفة والعمل المضاعف كان ملحوظاً طوال السنة، حيث استطاع شعبنا في الحقيقة أن يظهر همّة عالية ويضاعف من عمله في مختلف القطاعات. وبالتأكيد، فإنّ نتائج هذه الهمّة والعمل المضاعفين ستظهر على المدى البعيد. ولكن بنظرة أوّلية إذا نظر المرء إلى أوضاع العام الماضي وما أنجزه مسؤولو البلاد وما أظهره شعبنا العزيز من تناغم مع المسؤولين، يرى علامات الهمّة المضاعفة والعمل المضاعف. وهذا المعنى مشهودٌ في الكثير من الميادين.

 

ميدان العلم والتكنولوجيا

نبدأ من العلم والتكنولوجيا. ففي بداية العام الفائت أي في أيّام العيد وُفّق هذا العبد لأن يطّلع على قطاعٍ صناعيٍّ حسّاسٍّ في البلاد. وفي الأيام الأخيرة لشهر إسفند وُفّقت مجدّدا للتجوّل فيى أحد معارض الأعمال العلمية والتكنولوجية الرفيعة وشاهدت بأمّ العين نتائج هذه الحركة الممتدة على سنة كاملة ونتاجات الأعمال الطويلة الأمد. إنّ ما هو موجودٌ في بلدنا ويحصل على صعيد العلوم المتطورة والتكنولوجيا العالية هو أكثر بكثير ممّا تمّ إعلانه للناس، هذا ما أستطيع أن أقوله. فقبل عدّة سنوات انطلقت حركة علمية بارزة في القطاعات المختلفة ولحسن الحظ تزداد هذه الحركة تسارعاً يوماً بعد يوم.

 

عندما ذكرت هذه الرواية المنقولة عن المعصوم عليه السلام حيث يقول: "العلم سلطانٌ"[1]، أي إنّ العلم والمعرفة هما الأساس لاقتدار أيّ شعبٍ أو فردٍ، "من وجده صال ومن لم يجده صيل عليه"، فالذي يمتلك هذه القدرة ستكون له اليد العليا، والذي لا يتمكّن من تحصيل القدرة العلميّة ستبقى يده هي السفلى ويكون للآخرين عليه اليد العليا. فالعلم والتقنية لهما هذه الخاصّية. وفي يومنا هذا إنّ حركة البلد على طريق الحصول على العلم والتقنية في الكثير من المجالات وخصوصاً المجالات الحديثة جداً والعالية هو أمرٌ مشهودٌ في البلاد. ففي القطاعات المختلفة، في قطاع تكنولوجيا الأحياء، وفي قطاع الفضاء، وفي قطاع النانو تكنولوجي، وفي قطاع الخلايا الجذعية، وفي إنتاج الأدوية الإشعاعية المهمة جداً، وفي إنتاج الأدوية المضادة للسرطان، وفي إنتاج محرّكات التوربينات الهوائية التي تخلّص البلاد من التبعية في الطاقة للنفط إلى حدٍّ كبير، وفي إنتاج الحواسيب العملاقة وهي مهمة جداً للبلاد وفي تكنولوجيا

 


[1] ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله‏، شرح نهج البلاغة، تحقيق وتصحيح محمّد أبو الفضل إبراهيم، نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي‏، إيران - قم، 1404هـ، ط1، ج20، ص319.

 

 

123


96

خطاب الولي 2011

 الطاقة الجديدة التي تُعدّ جميعاً من العلوم المتقدّمة جداً على مستوى العالم فلحسن الحظ يشاهد الإنسان أنّ علماءنا وشبابنا مشغولون في التطوير على نحو متزايد ومتسارع، بحيث إنني في نداء النوروز الذي ألقيته البارحة فإنّ العناوين والتقارير الصادرة عن المراكز الدولية المعتبرة تدلّ على أن بلدكم في هذا المجال أكثر تحرّكاً من العديد من دول العالم وتسارعها يفوق بدرجات معدّل التسارع العالمي العام.

 

هناك نقطتان أو ثلاث نقاط مهمّة في قضية تطور العلم والتكنولوجيا أجد من المناسب أن أتعرّض لها. النقطة الأولى، إنّ أكثر العلماء الذين يعملون في هذا المجال هم من الشباب. إنّ متوسّط سنّ العلماء الناشطين في هذه الأعمال هو 35 أي إن أغلبهم من الشباب حيث ينبغي حتماً الاعتماد على هؤلاء الشباب. وبالطبع هناك أساتذة مجدّون ومؤمنون مشغولون في هذا المجال وهم ذخيرة عظيمة.

 

النقطة الثانية أنّ هذه الفئة التي تقوم بهذه الأعمال العظيمة والواسعة لديها روحية قويّة وثقة عالية بالنفس التي تُعدّ الرأسمال الأساس في هذا المجال. إنّ الرأسمال الأساس هو الطاقات البشرية. وهذا ما يمتلكه بلدنا. فشبابنا يتقدّمون في هذا الميدان بروحية قوية ولديهم إيمان أنّ جميع الأعمال التي تُعدّ بناها التحتية في البلد هي من صنع أيديهم.

 

النقطة الثالثة في قضية تطوّر العلم هي أنّ دورة العلم والتكنولوجيا والإنتاج والتسويق وهي دورة مهمّة جداً هي في طور التشكّل، حيث يتمّ إنتاج العلم وتبديله إلى تكنولوجيا ومن ثمّ إلى منتجات ليتم بعد ذلك عرض هذه المنتجات في الأسواق العالمية وبالتالي تحصيل الثروة للبلاد. فهذا العلم ليس مبعث السرور فقط، بحيث نقول إنّنا تطوّرنا في هذا المجال، كلا، إنّ هذا العلم يجعل البلد غنياً، ويعود نفعه على الجميع. وهذا الأمر بمثابة تحويل مسيرة إنتاج العلم إلى ثروة قومية، وتأمين لحاجات

 

 

124


97

خطاب الولي 2011

الشعب. إنّ هذا في مجال العلم وهو -حقاً وإنصافاً- يُظهر الهمّة المضاعفة والعمل المضاعف.

 

الميدان الاقتصادي

1. توجيه المساعدات الحكومية

المجال الآخر، الذي يشاهد فيه المرء الهمّة المضاعفة، وبتبعه بحراً من العمل، هو قضية الميادين الاقتصادية التي كان من نماذجها الخطوة المتقدّمة "لتوجيه المساعدات الحكومية". حسناً، فليعلم شعبنا أنّ جميع الخبراء الاقتصاديين سواء أولئك الذين يؤيّدون الحكومة الحالية في مجال الأطروحات الاقتصادية أم أولئك المعارضون لها متّفقون على أنّ "توجيه الدعم" هو أمرٌ ضروريٌّ جداً، وهو أمرٌ أساس جداً ومفيدٌ للغاية. فهذا كان من الأمنيات التي كانت الحكومات السابقة مطالَبة بها. فالدخول في هذا الميدان أمرٌ عصيبٌ وشديد ولم تكن الأرضية مهيّأة. وبحمد الله بدأ حالياً هذا العمل. وللإنصاف، فإنّ التعاون بين الشعب والحكومة في هذا المجال كبيرٌ جداً، فحركة الشعب على طريق "توجيه الدعم" كانت حركة عظيمة وسوف تتجلّى آثار هذا العمل في المستقبل أو تدريجياً، وإن كانت بعض الآثار الإيجابية قد تجلّت اليوم. الهدف المهمّ لهذا العمل بالدرجة الأولى هو التوزيع العادل لأنواع الدعم، فالأجهزة الإدارية للحكومة توزّع الدعم بين الناس. وكانت النسبة الأكبر من هذا الدعم بأشكاله السابقة تصل إلى من لديهم مداخيل أكثر، ويستهلكون أكثر. ولكن قليلاً ما كان يصل هذا الدعم إلى أولئك الذين يحصلون على مداخيل أقل ويستهلكون أقل. فبتوجيه الدعم الحكومي يتم التوزيع العادل، أي إنّه يصل إلى الجميع بنسبة واحدة. وهذا يُعدّ خطوة كبيرة على طريق إيجاد العدالة الاجتماعية.

 

2. ترشيد الاستهلاك

 وهناك هدفٌ آخر هو إدارة استهلاك الثروات العامّة في البلاد، ومنها المياه والطاقة. فقبل سنتين، جعلنا شعار السنة ترشيد الاستهلاك، بمعنى الاقتصاد والابتعاد عن الإسراف. وهذا يُعدّ أحد الطرق التي يمكن أن تصلح نموذج الاستهلاك بالمعنى

 

 

125


98

خطاب الولي 2011

الحقيقي للكلمة، مثلما أنّه الآن نشاهد آثار هذا الأمر. خلال هذه الأشهر التي تمّ فيها تطبيق توجيه الدعم، تمّ خفض استهلاك الطاقة، وهذا يعود لمصلحة البلد. فالإسراف في الخبز وإتلافه وإهدار القمح الذي هو نعمة إلهية كبرى، ونناله بمشقّات تمَّ تقليله. وأصبحت عمليات الاستهلاك متوازنة. وهذا من ضمن الفوائد التي تحقّقت حتى الآن، وإن شاء الله سيكون في المستقبل فوائد كثيرة. فإصلاح الهيكل الاقتصادي هو من هذا القبيل.

 

3. زيادة الصادرات غير النفطية

ومن ضمن الأعمال التي تظهر الهمّة المضاعفة في المجال الاقتصادي أيضاً، ازدياد الصادرات غير النفطية. إنّ ميزانية بلدنا وللأسف كانت مرتهنة للنفط من عشرات السنين وإلى يومنا هذا. ومثل هذا المنهج مردودٌ من قبل جميع الخبراء الاقتصاديين الحريصين، فهذا المنهج أصبح عادة في بلدنا. يُستخرج النفط ويُباع، وبأمواله تُدار البلاد، هذا أسلوبٌ خاطئ. لقد قلت قبل سنوات إنّ من أمنياتي أن يأتي ذلك اليوم الذي نتمكّن فيه من إدارة البلد بطريقة، حتى لو لزم الأمر لا نصدّر قطرة نفطٍ واحدة ومع ذلك ندير البلاد. وهذا الشيء لم يتحقّق إلى يومنا هذا. وبالطبع، ليس العمل سهلاً بل هو صعبٌ جداً. فإنّ ازدياد الصادرات غير النفطية يؤدّي إلى اقترابنا من هذا الهدف، وهذا العمل في طور التنفيذ. لقد خطونا خطوة كبيرة في العام الفائت على هذا الطريق.

 

4. مواجهة الحظر الدولي

ومن جملة الأشياء التي تظهر الهمّة المضاعفة في المجال الاقتصادي المواجهة الذكية والواعية والمقتدرة للحظر الذي يمارسه الغرب، بزعامة أمريكا، وللأسف بتبعية عمياء من بعض الدول الأوروبية لأمريكا ضدّ إيران. فمنذ بداية العام الفائت قاموا بتشديد عملية الحظر ضدّ إيران بزعمهم. فهم في حساباتهم وحيث تصلنا أخبارهم يتحدّثون وقد قالوا إنّ هذا الحظر سوف يركع الجمهورية الإسلامية وشعب إيران خلال خمسة أو ستة أشهر، هذا كان تصوّرهم. لقد كانوا يظنّون أنّهم بواسطة الحظر يجعلون الأمر عصيباً على شعب إيران، ويضيّقون عليه حتّى يعترض على نظامه وعلى الجمهورية الإسلامية، كان هذا هدفهم. وقد تمّ التعامل بذكاءٍ واقتدارٍ مع كل أنواع الحظر وتمّ

 

 

126


99

خطاب الولي 2011

فلّ شفرتهم. لم يتمكّن العدوّ من الوصول إلى أهدافه من خلال هذا الحظر. ولحسن الحظ، تمكّن المسؤولون في القطاعات المختلفة من خلال العمل المتواصل ليل نهار أن يتجاوزوا هذه العقبة. واليوم فإنّ الغربيين أنفسهم يعترفون ويقولون إنّ الحظر ضدّ إيران لم تعد له فائدة.

 

قالوا فلنحظر البنزين. لقد كانت هذه المسألة من مشاكلنا طوال الوقت، هذه المسألة، كنّا دولة منتجة للنفط، ومع ذلك نستورد بمبالغ طائلة منتجات النفط كالبنزين. فقالوا في أنفسهم إنّ هذه من نقاط ضعف الجمهورية الإسلامية، فلا ندعهم يستوردون البنزين. وقد انشغل مسؤولو حكومتنا بإعداد العدّة لذلك قبل أن يبدأ تنفيذ الحظر. فوصل الأمر إلى أن أصبح بلدنا العزيز مكتفياً ذاتياً في إنتاج البنزين، وقد كان هذا ببركة حظرهم. إنّ الله يؤيّد هذا الدين بقومٍ لا خلاق لهم. فبسبب حظرهم، بدأ مسؤولونا بالتفكير والسعي وأصبحنا في غنًى عن استيراد البنزين. وقد سمعت هذا الأمر في نفس المعرض الذي زرته في آخر شهر "إسفند" عن لسان مجموعة من هؤلاء العلماء الشباب. قالوا لي إنّنا أردنا أن ننتج هذا الجهاز فذهبنا إلى الخارج لتأمين أدواته، فقالوا لنا أنّه محظورٌ عليكم ولا نعطيكم إيّاه، ففهما أنّه علينا أن نصنعه بأنفسنا. فجئنا وبدأنا بالتفكير وسعينا وتعبنا وصنعناه بدون الحاجة إلى الأجنبي. فهذا تصرّفٌ ذكي. فشعبنا ومسؤولونا تعاملوا هكذا مع الحظر الذي مارسه العدوّ، فحرموا العدوّ من أحد أسلحته التي كان يستعملها. مثلما إذا قمتم في حربٍ ما بانتزاع السلاح من يد العدوّ وأمسكتم به. فهذا أيضاً من الهمم المضاعفة.

 

5. مجال العمال

في مجال العمالة، تمّ إنجاز أعمال جيّدة. فتقرير الدولة يقول إنّه تمّ إيجاد أكثر من مليون وستمائة ألف وظيفة في العام الفائت، بحيث إذا كان هذا التقرير دقيقاً فمعناه أنّه تمّ تأمين خمسمائة ألف وظيفة لم يُحسب حسابها. وفي بناء المساكن القروية وفي المدينة، وفي إيجاد الطرق وخطوط المواصلات، وفي إيجاد الاتصالات الإلكترونية و... والتي تُعدّ جميعاً بالنسبة للبلد أعمالاً في البُنى التحتية، تمّ القيام بأعمال جيّدة. هذا هو ميدان الاقتصاد.

 

 

127


100

خطاب الولي 2011

وفي المجالات الأخرى تمّ إنجاز الكثير من الأعمال، ولأنّ وقتنا محدود نعبر عنها. على كلّ حال، ما حدّدته لنا السنة الفائتة، هو أنّه بحمد الله كانت هذه السّنة سنة للهمّة المضاعفة والعمل المضاعف بكل ما للكلمة من معنى. وبالطبع، فإنّ العام الفائت ليس له خصوصية، ففي هذه السنة والسنة اللاحقة وبعد عقدٍ من الزمن ستكون السنوات، سنوات الهمّة المضاعفة والعمل المضاعف. وعلى شعب إيران والمسؤولين في كلّ عهدٍ أن يتحلّوا بالهمم العالية والمضاعفة، ويبذلوا المزيد من العمل من أجل أن نتمكّن من الوصول إلى ما يليق بشعب إيران، إن شاء الله.

 

المطلب الثاني: الجهاد الاقتصادي

وبالنسبة لشعار السنة والعمل الذي ينبغي أن يُنجز فيها. هناك بالطبع عناوين مهمّة تتمتّع جميعاً بالأولوية. فتحوّل النظام الإداري مثلاً، هو عملٌ ضروري يجب أن يُنجز، وكذلك التحوّل في التربية والتعليم، والذي يُعدّ عملاً بنيوياً. وموقعية العلوم الإنسانية في الجامعات وفي مراكز التعليم والتحقيق هي عملٌ أساس. القضايا المتعلّقة بالثقافة العامّة والقضايا المتعلقة بأخلاق المجتمع، فإنّها جميعاً أعمالٌ مهمة، ولكن بنظر الخبراء فإنّه في هذه البرهة من الزمن تتمتّع القضية الاقتصادية بلحاظ جميع القضايا في البلاد بالأولوية والفورية. لو أنّ بلدنا العزيز تمكّن من القيام بحركة جهادية في مجال القضايا الاقتصادية فإنّ هذه الخطوة الكبيرة التي ستتحقّق بالإضافة للخطوات الكبيرة اللاحقة ستكون بلا شك ذات تأثيرٍ هائل للبلد وتطوّر البلد وعزّة شعب إيران. يجب أن نتمكّن من إظهار قدرة النظام الإسلامي في مجال حلّ المشاكل الاقتصادية لكلّ العالم. نعلن هذا النموذج على الملأ لتتمكّن الشعوب من رؤية كيف أنّ شعباً يتمكّن في ظلّ الإسلام وتعاليمه من التطور والتقدّم.

 

ما هو موجودٌ في هذا المجال وله أهمية كشاخصٍ هو النموّ المتسارع للبلاد بحسب الميزان المحدّد ضمن الخطّة الخمسية. أي أن الحدّ الأدنى هو 8%. في هذا النمو فإنّ النصيب الأكبر يتعلّق بالأرباح، أي أن نتمكن من الاستفادة من إمكانات البلاد بأفضل شكلٍ ممكن. لقد ذكرت قبل سنتين عدّة مطالب في حديثي أوّل العام في مجال

 

 

128


101

خطاب الولي 2011

قضية الاستهلاك والمشاكل الموجودة بخصوص الأرباح، يجب أن يعرف شعبنا مثل هذه الأمور. إنّني أوصي مسؤولي البلد أن يتحدّثوا مع الشعب حول أهمية ارتفاع مستوى الأرباح في التنمية الاقتصادية للبلاد. ليبينوا أهمية ارتفاع مستوى الأرباح في النمو الاقتصادي للبلد وكذلك التقليل من المسافة الفاصلة على مستوى مدخول الطبقات المختلفة للمجتمع، هذا الصدع الموجود في المداخيل، والتصدّع الاقتصادي بين القطاعات المختلفة للمجتمع. فهذه الفواصل والهوّة والتصدّعات ليست مقبولة عندنا، والإسلام لا يحبّذها. ويجب السعي للقيام بهذه الأعمال إلى حدّ ما في برنامج الخطّة الخمسية.

 

إنّ تخفيض معدّل البطالة وزيادة العمالة في البلاد من القضايا الأساس والمهمّة جداً، وكذلك قضية زيادة استثمارات القطاع الخاص ومساعدته للقيام بالاستثمارات في المجالات الاقتصادية للبلد. هذه أيضاً من القضايا المهمة والأساس. ومن الأعمال المهمّة في هذا الباب تشكيل التعاونيات حيث يمكن بواسطتها تشكيل رساميل كبرى واستثمارها في القضايا الاقتصادية المهمّة للبلد وحلّ عقد مهمة، لتتمكن الحكومة من القيام بهذا العمل. يجب تأمين المستلزمات الحقوقية والقانونية لهذا الأمر. وهذا يعني دعم تفتّح العمل وانطلاقته.

 

الاقتصاد في استهلاك المواد الأساسي ومنها ما يتعلّق بالمياه. فاليوم 90% من المياه التي نستهلكها في البلد، تُستهلك في القطاع الزراعي. لو تمكّنت الحكومة بتوفيق الله من إصلاح أساليب الري، وتمكنّا من التقليل بنسبة 10% من هذه الـ 90% سوف تلاحظون أيّة نتيجة سنحصل عليها. ففي غير القطاع الزراعي في جميع القطاعات الأخرى الاستخدام المنزلي والصناعي والقطاعات التي تحتاج إلى الماء كلّها تستهلك 10% من مياه البلد. لو استطعنا أن نقتصد بنسبة 10% في القطاع الزراعي، سوف تلاحظون أي نتيجة سنصل إليها. في الواقع إنّ إمكانيات الاستفادة من الماء في القطاع غير الزراعي تصبح مضاعفة، حيث إنّ هذا أمرٌ مهمٌّ جداً وقيّم.

 

المشاركة الشعبية المباشرة في الاقتصاد أمرٌ ضروري. وهذا يحتاج إلى التقوية كما يحتاج إلى المعلومات الضرورية حيث ينبغي للمسؤولين أن يضعوها في متناول الناس

 

 

129


102

خطاب الولي 2011

ونأمل إن شاء الله أن يتكامل هذا السعي يوماً بعد يوم. وبالطبع للوسائل الإعلامية دور، كالتلفزيون والراديو، حيث يمكنهم إطلاع الناس، ويجب على الحكومة أن تتصرّف بفعالية وتتمكّن إن شاء الله من التقدّم بالقضية الاقتصادية.

 

مقتضيات الجهاد الاقتصادي

 1. تحصيل الروحية الجهادية

حسناً، لو أردنا تحقيق هذه الحركة الاقتصادية العظيمة في البلد في عامنا هذا [1390 هـ.ش]، هناك مجموعة من المقتضيات. ويجب أن نصنّف هذه المقتضيات ونرتّبها. فأولاً، من الضروري حصول هذه الروحية الجهادية. إنّ شعبنا منذ بداية الثورة وإلى يومنا هذا قد تقدّم في أيّ موضعٍ دخله بروحية جهادية، شاهدنا ذلك في الدفاع المقدّس، وفي جهاد إعادة البناء، ونشاهده في الحركة العلمية. لو أنّنا كنّا نمتلك الروحية الجهادية في القطاعات الأخرى أي أنّنا نعمل في سبيل الله وبجدّية وبصورة لا تعرف التعب لا لمجرّد إسقاط التكليف فلا شكّ أن هذه الحركة ستتكامل.

 

2. المعنويات وروح الايمان التديّن

ثانياً، استحكام المعنويات وروح الإيمان والتديّن في المجتمع. أعزّائي! فليعلم الجميع هذا، تديّن المجتمع والشباب يساعد الشعب والمجتمع في الأمور الدنيوية أيضاً، لا يُتصوّر أنّ تديّن الشباب ينحصر أثره في أيّام الاعتكاف في المساجد أو في ليالي الجمعة في دعاء كميل. لو أنّ شعباً صار شبابه متديّنين، فإنّهم سيبتعدون عن العبث والفوضى ويجتنبون الإدمان ويبتعدون عن الأشياء التي تؤدي بالشباب إلى الخمول والقعود، فترفع من استعداداتهم وتجعلهم فاعلين فتتطور البلاد وتتكامل في المجالات العلمية والفعاليات الاجتماعية والسياسية. وهذا الأمر يجري في الاقتصاد أيضاً. فروحية المعنويات والتديّن لها دورٌ مهمٌّ جداً.

 

 3. التركيز على القضايا الأساس

الشرط الآخر هو أن لا تُبتلى البلد بالقضايا الثانوية. لاحظوا، في كثير من الأوقات هناك قضية أساس في البلاد يجب على الجميع أن يبذلوا هممهم ويهتمّوا بها، ويجب

 

 

130


103

خطاب الولي 2011

أن تكون القضية المركزية، ولكن فجأة نرى أن هناك صوتاً يرتفع من زاوية ويختلق قضية ثانوية فتتوجّه الأذهان إليها. ومثال هذا كمن يكون في سفرٍ مهم والقافلة تتحرّك وهدفه الوصول إلى نقطة معينة وفجأة يشغل الأذهان بأمرٍ ثانوي في الصحراء فيتوقّفون عن المضي وفي بعض الأحيان يُسلبون إمكانية الاستمرار في التحرّك. فلا ينبغي الإتيان بالقضايا الثانوية إلى الميدان. وشعبنا لحسن الحظ يمتلك قدرة تحليلية، وهو ذكي وواعٍ ويمكنه أن يفرّق بين القضايا الفرعية والثانوية والقضايا الأساس. فليتم الحذر من أن لا تصبح القضايا الثانوية والهامشية نقطة توجّه الرأي العام.

 

4. حفظ الاتحاد والانسجام الوطني

الشرط الآخر، يتعلق بحفظ الاتحاد والانسجام الوطني. هذا الاتّحاد الموجود بين الشعب وبين الشعب والمسؤولين، وتعلق الشعب بمسؤوليهم وثقتهم بهم، وإعانتهم وتأييدهم ووجود الاتحاد والوحدة بين الناس، يجب أن يبقى ويقوى يوماً بعد يوم. وإحدى الخطط الكبرى لأعداء الشعب الإيراني هي إيجاد الفرقة والتصدّع في الداخل، تحت حجّة القومية والمذهب والتوجّهات السياسية والأجنحة والتيّارات وغيرها من الحجج. يجب الحفاظ على الوحدة. لحسن الحظ إنّ شعبنا واعٍ. وكلّ الذين يحبّون بلدهم ويحبّون النظام الشعبي الديني الذي يُعدّ مفخرة الشعب الإيراني اليوم يجب عليهم أن يحصلوا على الانسجام بينهم. وينطبق هذا الأمر على مسؤولي الحكومة، فعليهم أيضاً أن يسعوا معاً لو كان بينهم شكاية ما وأحياناً قد تكون هذه الشكاية محقة أن لا يظهروا هذه الشكاية على مستوى الرأي العام، فهذه تشكّل ضربة توجّه إلى الوحدة الوطنية، فليلتفت الجميع إلى هذا. إنّني أُذكِّر وأنبّه مسؤولي الدولة بصورة جادّة لهذا. من الممكن أن يكون لبعض الناس شكاية على بعضهم الآخر، حيث شاهدنا هذا الأمر دائماً ومنذ بداية الثورة عندما كنّا في العمل، أحياناً، يكون هناك اعتراض من السلطة التنفيذية تجاه السلطة التشريعية أو بالعكس أو يكون هناك اعتراض من قبل السلطة القضائية تجاه السلطة التنفيذية، وطبيعة العمل هي هذه ومن الممكن أن تكون هذه الشكايات محقة، ولكن لا ينبغي الإتيان بهذه الأمور إلى ميدان الرأي العام، وإزعاج أذهان الناس وقلوبهم وبالتالي إحباطهم، فليحلّ المسؤولون هذه الأمور

 

 

131


104

خطاب الولي 2011

بينهم. إنّ أهم قضايا العالم قابلة للحل من خلال التفاوض، وهذه القضايا الجزئية ليست ذات أهمية. لهذا فإنّ انسجام السلطات وتعاونها أمرٌ مهم.

 

وبالطبع، يجب أن أذكّر حتماً بهذه النقطة، في بعض الأوقات عندما نعلن شعاراً للسَّنَة، نشاهد وبصورة مفاجئة أنّ جميع الجدران والأماكن في طهران والمدن الأخرى امتلأت بالإعلانات حول هذا الشعار. هذا لا فائدة منه. وأحياناً يتمّ القيام بأعمالٍ ذات نفقات عالية جداً، فما هي ضرورة هذا الأمر؟ إنّ ما أتوقّعه من المسؤولين ومن شعبنا العزيز هو أن يسمعوا هذا الشعار ويصدّقوه ويتابعوه، فلا فائدة من وضع هذه الإعلانات وملء الجدران ووضع الصور وأمثالها. لو لم تكن مكلفة فلا ضرورة فيها، وإذا كانت مكلفة فيوجد فيها إشكال. فلا حاجة للقيام بأعمالٍ مكلفة جداً.

 

وبالطبع، لا ينبغي أن تلقي قضية محورية الاقتصاد التي تحدّثت عنها بمعنى الغفلة عن الميادين الأخرى. ففي الميادين الأُخرى وخصوصاً في ميدان العلم والتكنولوجيا، يجب تقديم الدعم لهؤلاء العلماء الشباب، والاعتماد عليهم ليتمكّنوا من القيام بالأعمال الكبرى.

 

المطلب الثالث: نظرة على قضايا المنطقة

أما قضايا المنطقة، فالأحداث الأخيرة التي جرت فيها، أحداث مصر وتونس وليبيا والبحرين، هي أحداثٌ مهمّة جداً. فهناك تحوّلٌ جوهري يجري في هذه المنطقة الإسلامية والعربية، وهذا يُظهر صحوة الأمّة الإسلامية. إنّ الشيء نفسه الذي كان قبل عشرات السنين شعاراً في الجمهورية الإسلامية أضحى ظاهرة اليوم في صلب حياة هذه الدول.

 

هناك خاصيتان لهذه التحوّلات، أحداهما عبارة عن الحضور الشعبي، والأخرى عبارة عن الوجهة والصبغة الدينية لهذه الحركات. وهذان عنصران أساسان. حضور الناس بأنفسهم وهو ما حدث في الثورة الإسلامية، الأحزاب والجالسون وراء الطاولات وفي الأبراج العاجية، والمحلّلون المنظّرون لم يتمكّنوا من القيام بأيّ شيء. إنّ الفنّ الأكبر لإمامنا العظيم أنّه تمكّن من إنزال الشعب إلى الساحة. فعندما نزل الناس إلى الساحة

 

 

132


105

خطاب الولي 2011

بأبدانهم وقلوبهم ونواياهم انحلّت العقد العمياء وفُتحت الطرق المسدودة. واليوم يجري هذا الأمر نفسه في دُولٍ أخرى.

 

في مصر أو في تونس نزل الناس إلى الساحة. وقد كان المثقفون والجالسون في الأبراج العاجية موجودين دائماً ويتحدّثون دوماً، وكانوا يدعون الناس في كثيرٍ من الأوقات ولكن لم يكن أحد يلتفت إلى كلماتهم. وهنا جاء الناس بأنفسهم إلى الساحة وكانت توّجهاتهم واندفاعاتهم ذات طابع ديني، أي صلاة الجمعة والجماعة واسم الله وعلماء الدين والمبلّغون الدينيون وبناة الفكر الديني الجديد في بعض الدّول. هؤلاء نزلوا إلى الساحة ولهذا جاء الناس أيضاً. فهذه هي خصوصية هذه القضية. لماذا جاؤوا؟ إنّ الشيء الذي جرّهم هو بشكل واضح قضية عزّتهم وكرامتهم الإنسانية في مصر وفي تونس وكذلك في الدول الأخرى. جُرحت كرامة الشعوب على أيدي الحكّام الظالمين. ظنّوا أنّ شعب مصر كان يشاهد شخصاً على رأس دولتهم يرتكب بالنيابة عن إسرائيل أقذر الأعمال والجرائم. في قضية حصار غزّة، لو لم يتعاون حسني مبارك مع إسرائيل، لما تمكّنت إسرائيل من الضغط بهذا الشكل على غزّة وارتكاب كل تلك الجرائم. لقد جاء حسني مبارك إلى الساحة وقدّم العون وأغلق أبواب الدخول والخروج من غزّة إلى مصر. ثمّ اكتُشف أنّ أهالي غزّة قاموا بحفر الأنفاق وبدأوا يتحرّكون من خلالها. ومن أجل أن لا يتمكّن هذا الشعب المظلوم في غزّة من القيام بهذه الأمور، بنوا جدراناً فولاذية بارتفاع ثلاثين متراً من أجل سدّ كل طرق الأنفاق، هذا ما قام به حسني مبارك. حسناً، إنّ شعب مصر كان يشاهد، لهذا أضحت كرامته مجروحة. ونظير هذا موجودٌ في غيرها من الدول.

 

ففي ليبيا مثلاً، وبالرغم من أنّ القذافي كان يُظهر في السنوات الأولى من حكمه توجّهاً مضاداً للغرب، لكنه في السنوات الأخيرة قدّم خدمات جليلة للغربيين. فقد شاهد هؤلاء بأنفسهم أنّهم من خلال تهديدٍ واهٍ قام هذا السيّد بجمع كل قدراته النووية ووضعها على سفينة وقدّمها للغربيين وقال خذوها! فانظروا إلى شعبنا في أيّ وضعٍ هو، وانظروا إليهم في أيّ وضعٍ هم. إنّ شعبنا يشاهد كيف أنّ العالم كلّه بزعامة أمريكا قد قام ضدّ التحرّك أو المسار النووي الإيراني وفرض الحظر وأثار الشجار وهدّد

 

 

133


106

خطاب الولي 2011

 عسكرياً وقال إننا سنهجم ونفعل كذا وكذا. أمّا مسؤولونا فليس أنهم لم يتراجعوا، بل على رغم أنف الأعداء زادوا من قدراتهم النووية أضعافاً كلّ سنة. هناك شاهد الناس كيف أنّ مسؤول بلدهم قد أمر بتجميع كل الإمكانات الموجودة لديه، وذلك مقابل التهديدات الغربية أو بتعبيرهم مقابل المحفّزات الغربية. كمن يُقدّم حلوى مرّة أو قطعة من الشوكولا ويضعونها في حلق ولدٍ لترغيبه، وهؤلاء خسروا كلّ شيء وذهبوا! حسناً، إنّ الشعب يرى هذا ويتألّم في باطنه وتُجرح كرامته. في جميع هذه الدول التي قام فيها الناس ونهضوا تُشاهد هذه القضية.

 

الموقف الأمريكي من أحداث المنطقة

حسناً، ماذا كانت مواقف الأمريكيين؟ إنّ هذا مهمٌّ بالنسبة لنا. ففي البداية وقف الأمريكيون حائرين أمام هذه الأحداث وافتقدوا القدرة على التحليل ولم يكونوا يفهمون ماذا يجري، لم يصدّقوا. وبعد أن حدثت تلك الأمور، ولأنهم لم يمتلكوا تحليلاً صحيحاً عنها ولم يعرفوا الناس اتّخذوا مواقف متناقضة، وكلّ ما شوهد إلى الآن بما يتعلّق بهذه الدول وغيرها من مواقف وتصرّفات الأمريكيين هو دعم هؤلاء الدكتاتوريين، فقد دافعوا عن حسني مبارك حتى آخر لحظة أمكنهم فيها الدفاع عنه، ثم وجدوا بعد ذلك أنّه لم يعد الأمر ممكناً فرموه جانباً! وهذا يمثّل عبرة لكلّ الزعماء التابعين لأمريكا ليعلموا أنّهم عندما يصلون إلى تاريخ انتهاء الصلاحية ولا يعودون مُنتجين فإنّهم يرُمون كخرقة بالية دون أن يُعتنى بهم! لكنّهم دافعوا وقدّموا الحماية للدكتاتور حتى آخر لحظة.

 

ما حدث للغرب ولأمريكا لم يكن في الواقع قابلاً للتحمّل وما زال كذلك. فإنّ مصر تُعدّ إحدى الركائز الأساس للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وكانوا يعتمدون على هذه السياسة. لم يتمكّنوا من الحفاظ على هذه الركيزة والدعامة لمصلحتهم، فالشعوب انتصرت. سعى الأمريكيون للحفاظ على شاكلة ذاك النظام. إنّ كل هذه الأعمال التزويرية والخدع الأمريكية الغربية هي مؤذية وخبيثة ولكنها في الوقت ذاته سطحية، لو كانت الشعوب واعية لفضحت كل هذه الأساليب وأبطلت هذه الخدع.

 

 

134


107

خطاب الولي 2011

لقد سعى الأمريكيون إلى أن يتخلّصوا من حسني مبارك في مصر ومن بن علي في تونس لعلّهم يتمكنون من الحفاظ على شكل النظام، وأن يتبدّل الأشخاص ويبقى النظام، لهذا أصرّوا على أن يبقى رئيس الوزراء في هاتين الدّولتين، لكنّ الشعوب استمرّت في نهضتها وانتصرت على هذه الخدعة وأسقطت هذه الحكومات. وبتوفيق الله وحوله وقوّته فإن مسلسل الهزائم الأمريكية في هذه المنطقة سيستمر.

 

بعد أن فقد هؤلاء عملاءهم في هذه الدول، اتخذوا منحيين من الخداع: الأول هو الانتهازية، والثاني هو الاستنساخ. وتجلّت انتهازيتهم في سعيهم لمصادرة هذه الثورات، أي أن يقوموا بخداع الشعوب من خلال التظاهر بتأييدها لكي يأتوا بأتباعهم على رأس الأمور. وقد فشلوا في هذه الأعمال. الثاني، هو الاستنساخ، وهو يعني أن يصنعوا نسخة شبيهة لما جرى في تونس وليبيا ومصر وفي بعض الدول الأخرى، يصنعونه في إيران مثلاً، إيران الشعبية الدينية، إيران الشعب! فسعى عملاؤهم داخل البلد من الضعفاء الساقطين أتباع الأهواء النفسانية علّهم يتمكّنون من القيام بهذا الأمر. أرادوا أن يوجدوا في هذا المكان تحرّكاً مهزوماً وكاريكاتورياً مضحكاً، لكنّ شعب إيران صفعهم على وجههم...[1] المنافق الواقعي هو أمريكا، والنفاق الواقعي هو ما يقومون به من ادّعائهم الدفاع عن الشعوب. ينفقون نفاقهم في مصر فيقولون إنّنا مع الشعب فيكذبون. لقد كانوا يتعاونون مع عدوّ الشعب حتى آخر لحظة. وقد صرّحوا بنفس هذا الكلام في شأن تونس، يقولون إنّنا نؤيّد الشعب، وهنا لا بأس أن يعرف شعبنا العزيز أن الرئيس الأمريكي، قد أرسل إلى شعب إيران، قائلاً إننا نؤيّدكم! يدّعي أنّه يخالف الدكتاتور ويؤيّد حقوق الشعوب. إنّهم يكذبون. فهؤلاء بالإضافة إلى أنّهم لا يشعرون بأيّة رحمة تجاه الشعوب الأخرى، فإنّهم لا يشعرون بالرحمة تجاه شعبهم. فالرئيس الحالي لأمريكا نفسه، ينفق من أموال الشعب آلاف مليارات الدولارات في هذا الوضع الاقتصادي الوخيم، لعلّه يتمكّن من إنعاش البنوك، والمحافظة على مصانع الأسلحة وشركات النفط، فهو يأخذ من أموال الناس ليملأ جيوب الشركات والبنوك،

 


[1]وهنا قاطعت الحشود سماحته بشعار: الموت للمنافقين، الموت للمنافقين.

 

 

135


108

خطاب الولي 2011

لهذا فإنّهم لا يرحمون حتى شعوبهم. اليوم، يعيش شعب أمريكا في أزمة اقتصادية شاملة وعميقة ولا يوجد طريق للعلاج. وهنا فإنّ الحديث عن أشكال التعذيب في غوانتنامو وأبو غريب في العراق وغيرهما هي قصّة أخرى ولها تفصيلها. هؤلاء لا يفهمون ولا يدركون معنى الشعوب. هل أنّ الرئيس الحالي لأمريكا يعرف ماذا يقول؟ وهل يعرف في الواقع من يقف خلف سياساته، أم أنّه لا يفهم وغافلٌ ومتحيّر؟ هذا ما لا نعلمه. يقول إنّ الناس الموجودين في ميدان الحرية هم نفس أولئك الموجودين في ميدان التحرير في مصر. حقاً يقول. ففي الثاني والعشرين من شهر بهمن من كل عام، يجتمع الناس في ميدان الحرية ويطلقون شعار الموت لأمريكا.

 

موقف إيران من قضايا المنطقة

بما يتعلّق بقضايا المنطقة إن موقف نظام الجمهورية الإسلامية واضحٌ. إنّ موقفنا هو الدفاع عن الشعوب وحقوق الشعوب. نحن نؤيّد الشعوب الإسلامية والشعوب المظلومة في أيّ منطقة من العالم، ونخالف المستبدّين والمستكبرين والدكتاتوريين وكل خبيث ومتسلّط وناهب في أيّ منطقة من العالم. هذا هو موقف شعب إيران وموقف النظام الإسلامي. هذا هو الموقف العلني والصريح لنظام الجمهورية الإسلامية. هذه هي السياسات والتوجّهات العاطفية والمنطق والتصريحات، سواءٌ صدرت من قبل الشعب أم المسؤولين.

 

قضية ليبيا

توجد مسألتان جديرتان بالتأمّل: الأولى، هي قضية ليبيا، والثانية قضية البحرين. في قضية ليبيا، نحن ندين تماماً التصرّف التي تقوم به الحكومة الليبية، ضدّ الشعب من ذبحه والضغط عليه وقصف المدن وقتل المدنيين، ولكننا أيضاً ندين تدخّل الأمريكيين والغربيين. هم يدّعون أنهم يريدون التدخل للدفاع عن الشعب الليبي، أو القيام بعمليات عسكرية وهذا أمرٌ غير مقبول بتاتاً. لو كانوا مؤيّدين في الواقع لشعب ليبيا، ولو أنّ قلوبهم كانت تتحرّق لهذا الشعب، فهذا الشعب يعاني منذ شهر تحت القصف. لو كنتم تريدون إعانتهم فقدّموا لهم الأسلحة والإمكانات والمضادات الجوّية.

 

 

136


109

خطاب الولي 2011

وبدلاً من هذه الأعمال، جلسوا لشهرٍ كامل يتفرّجون على ذبح الشعب، وها هم الآن يريدون التدخّل! إذن، أنتم لم تأتوا للدفاع عن الشعب، بل كل همّكم هو النفط الليبي، وما تريدونه هو الحصول على موطئ قدم في هذه الدولة. أنتم تريدون أن تحصلوا على موطئ قدم من أجل أن تكون الحكومات الثورية المستقبلية في مصر وتونس المجاورتين لليبيا تحت نظركم. فنواياكم فاسدة. ونحن لا نقبل هذا التحرّك الذي يقوم به الغربيون بزعامة أمريكا. ومنظّمة الأمم المتّحدة التي من المفترض أن تكون في خدمة الشعوب، أضحت وللأسف أداة بأيديهم، وكلّ ما يحتاجون إليه، تؤمّنه لهم! وهذا عارٌ يلحق بهذه المنظّمة. لهذا لا يمكن القبول بتاتاً بوجود القوى الأجنبية في ليبيا، وحضور الغربيين فيها. لو أرادوا مساعدة الشعب الليبي، فإنّ الطريق مفتوحٌ، يمكنهم تقديم العون للشعب وتجهيزه، والناس يحلّون قضاياهم بأنفسهم، فلماذا تتدخّلون؟

 

قضية البحرين

وأما قضية البحرين فإنّها بلحاظ الماهية مشابهة تماماً للقضايا الأخرى في بلدان المنطقة. أي إنّ قضية البحرين لا تختلف أبداً عن قضية مصر وتونس وليبيا، فهناك شعبٌ، وحكومة تتجاهل حقوقه الأساسية. فماذا أراد شعب البحرين بهذه النهضة؟ إنّ مطالبهم الأساسية هي أن تجري الانتخابات وأن يكون لكلّ شخصٍ صوته، فهل هذا كثير؟ وهل هذا توقّعٌ كبير؟ ففي البحرين يوجد انتخابات صورية، لكنّ الناس هناك لا يتمتّعون بحقّ التصويت بمعنى أن يقوم كلّ واحدٍ بالإدلاء بصوته، فهم يتعرّضون للظلم. وهنا استغلّ الغربيّون الفرصة من أجل التدخّل في قضايا المنطقة، وذلك بطرح قضية جديدة هي قضية الشيعة والسنة. فلأنّ أهل البحرين المساكين شيعة فلا ينبغي أن يقوم أحدٌ بدعمهم! فالمحطات التلفزيونية التي كانت تبثّ تفاصيل قضايا المنطقة سكتت بما يتعلّق بقضايا البحرين ولم تنقل مجريات ذبح الشعب هناك، ثمّ يأتي بعض الناس من دول خليج فارس سياسيون ومحلّلون لينطقوا بتلك الترهات ويقولوا إن قضية البحرين هي حرب بين الشيعة والسنّة. أيّ حربٍ بين الشيعة والسنّة؟ إنّه

 

 

137


110

خطاب الولي 2011

اعتراض شعبٍ على الظلم الذي يتعرّض له، تماماً مثلما جرى في تونس وفي مصر وفي ليبيا، وكذلك في اليمن، فلا فرق بينها. والأمريكيون فرحون لأنّهم استطاعوا بواسطة الأبواق الإعلامية التابعة لهم في المنطقة من جعل قضية البحرين قضية خلاف بين الشيعة والسنّة، فهم يحولون دون وصول المساعدات التي يمكن أن تصل إلى هذا الشعب المظلوم ويبدّلون بنفس الوقت ماهية القضايا ويشيعون ذلك. يقولون لماذا تدعم إيران شعب البحرين. حسناً، لقد دعمنا الجميع. إنّنا منذ أكثر من ثلاثين سنة نقف لدعم شعب فلسطين، فمن هي الدول والحكومات والشعوب التي قامت بهذا الدعم طيلة 32 سنة؟ فهل أنّ شعب فلسطين من الشيعة؟ فكم ناضل شعبنا من أجل قضية غزّة؟ لقد تقاطر شبابنا نحو المطارات لكي يذهبوا إلى غزّة فكانوا مستعدّين للذهاب إلى غزّة لقتال إسرائيل. كانوا يتصوّرون أنّ الطريق كان مفتوحاً. كان الطريق مغلقاً. ولا يمكن الذهاب إلى هناك، ونحن قلنا لا تذهبوا فهم لا يسمحون بذلك. وقفنا أمامهم حتى لا يعلقوا في وسط الطريق حائرين. إنّ شعبنا يظهر مشاعره بالنسبة لغزّة وفلسطين وتونس ومصر وكل الأماكن وهم لم يكونوا من الشيعة. لهذا فإنّ البحث لا يدور حول الشيعة والسنة. المغرضون والخبيثون يسعون لإظهار قضية البحرين كقضية بين الشيعة والسنّة. وللأسف، وقع بعض الذين كان الإنسان يتصوّر أنّهم لا يحملون أيّة نوايا سيّئة. ولو كان من بينهم من يحمل النوايا الحسنة، فإنّني أقول لهم لا تحوّلوا القضية إلى قضية شيعة وسنّة، فهذه أكبر خدمة تقدّمونها لأمريكا ولأعداء الأمّة الإسلامية التي تفسّر هذه الحركة العامّة المناهضة للاستبداد كصراع بين السنة والشيعة، لا يوجد نزاع بين الشيعة والسنة.

 

إنّنا لا نفرّق بين غزّة وفلسطين وتونس ومصر والبحرين واليمن. إنّنا ندين الظلم ضدّ الشعوب في أيّ مكانٍ حدث. ونؤيّد حركة الشعوب تحت شعار الإسلام وباتّجاه الحرية. إنّ ذروة الوقاحة الأمريكية في أنّها لم تعتبر تدخّل الدّبابات السعودية التي جاءت إلى وسط شوارع المنامة في البحرين تدخّلاً، لكن عندما يقول مراجع تقليدنا وعلماؤنا والخيّرون فينا لا تقتلوا الشعب، يعتبرون ذلك تدخّلاً! هل هذا تدخّل؟! عندما نخاطب حكومة ونظاماً ظالماً ونقول لا تقتل شعبك، هل هذا تدخّل؟ أمّا أن تأتي

 

 

 

138


111

خطاب الولي 2011

الدبّابات الأجنبية وسط شوارع البحرين فهذا ليس تدخّلاً ! هذا أوج وقاحة الأمريكيين وأذنابهم في المنطقة الذين يقومون بمثل هذا التحرّك وينطقون بمثل هذه التصريحات ويمارسون هذه الدعايات. وبالطبع، برأينا أنّ السعودية قد ارتكبت خطأً وما كان ينبغي أن تفعل هذا، فهي تجعل نفسها مبغوضة في المنطقة. حسناً، الأمريكيون بعيدون آلاف الكيلومترات عنّا، فلو أصبحوا مكروهين فمن الممكن أن لا يشكّل الأمر بالنسبة لهم مشكلة، لكنّ السعوديين يعيشون في هذه المنطقة، ولو كرهتهم الشعوب فإنّ هذه ستكون خسارة كبيرة لهم. فقد ارتكبوا خطأً بقيامهم بهذا العمل. وكلّ من يرتكب هذا الأمر فإنّه مخطئ.

 

إنّ ما أذكره بشكل قاطع، هو أنّ هناك حركة جديدة في المنطقة قد بدأت بتوفيق الربّ. وهذه الحركة هي حركة الشعوب، حركة الأمّة الإسلامية، الحركة تحت شعار الإسلام ونحو الأهداف الإسلامية، وهي مظهر الصحوة العامّة للشعوب. وطبق الوعد الإلهي، ستنتهي هذه الحركة بالنصر حتماً. إنّ شعب إيران شامخٌ مفتخرٌ ومسرور لأنّه كان فاتح هذا الطريق وقد ثبت واستقام. إنّ جيل شباب اليوم الذي نزل إلى الساحة لم يشاهد الثورة، لكنّ ثوّار ذلك اليوم، إذا لم يكونوا أكثر عزماً فليسوا بأقل.

 

اللهم بمحمّد وآل محمّد احفظ شبابنا الأعزّاء.

 

اللهم أنزل رحمتك وفضلك على شعبنا العزيز.

 

اللهم اعزز خدّام هذا الشعب وهذه الحركة وخدّام الإسلام والمسلمين يوماً بعد يوم وارفع شأنهم.

 

اللهم أرضِ عنّا القلب المقدّس لوليّ العصر.

 

اللهم بمحمّدٍ وآل محمّد أرضِ عنّا الأرواح الطيبة وروح إمامنا الجليل المطهّر. واشملنا بفيضك ورحمتك التي شملتهم بها.

 

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

139


112

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في أهالي عسلوية

والعاملين في صناعة النفط

 

         

المناسبة:   تفقد المشاريع الإنتاجية والتنموية في القطاعات النفطية والغازية والبتروكيماوية

الحضور:  وزير النفط، وزيرا الاقتصاد والصناعات والمناجم، محافظ البنك المركزي، وعدد من نواب الشعب في مجلس الشورى الإسلامي، وجمع من العاملين في صناعة النفط في منطقة عسلوية

المكان:   عسلوية

 

الزمان:    ٠٨/01/1390هـ.ش.

23/04/1432هـ.ق.

28/03/2011م.

         

 

141


113

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إنني مسرورٌ جداً أنّ جولتنا اليوم - بحمد الله - على هذه المنطقة الحسّاسة والثّرية في هذا البلد انتهت إلى هذا الاجتماع بكم إخواني الأعزّاء وأخواتي العزيزات العاملين في هذا المُجمَّع الصناعي والتكنولوجي المهمّ، بالإضافة إلى جمع من الأهالي القاطنين في هذه المنطقة. إنّني مسرورٌ جداً بلقائكم أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء.

 

لحسن الحظّ، نشاهد في أطراف وزوايا البلد وفي كلّ قطاعٍ إشارات التنمية والرشد الفكري والعملي في شعبنا العزيز بوضوح. إنّ محافظة بوشهر من أكثر المحافظات أصالة وقِدماً في هذا البلد وقد أبلوا بلاءً حسناً. إنّ كلّ من له اطّلاع على تاريخ هذه المنطقة يعلم أنّ أهالي هذا الشاطئ الممتد على الخليج الفارسي قد قدّموا خدمات جليلة لبلدهم واستقلاله ولعزّة شعب إيران.

 

الصمود في وجه أطماع المستكبرين

في أحد العصور قرّر المستكبرون المعتدون المتسلّطون الذين أدركوا أهمية هذه المنطقة من العالم أن يسيطروا بشكل كامل على هذه الدائرة الثرية من خليج فارس والاستحواذ عليها. هؤلاء أنفسهم هم المستعمرون الذين كانوا في ذاك اليوم مسيطرين على شبه القارة الهندية، وبوجودهم هناك أنزلوا بأهالي تلك المنطقة ضربات فادحة، وفعلوا ذلك في شمال أفريقيا بنحو، وفي شرق آسيا بنحو آخر. هؤلاء لم يكونوا مستعدّين للحدّ من طمعهم في هذه المنطقة. في ذلك اليوم قدّم أهالي هذا الساحل الممتد، وخصوصاً في محافظة بوشهر وفي محافظة هرمزغان، خدمات جليلة، فوقفوا وأظهروا شجاعتهم وأكّدوا ثبات وصمود شعب إيران، ومثل هذه السابقة التاريخية لهذه المنطقة ومثل هذه الأشياء لا يمكن محوها من ذاكرة التاريخ.

 

وعصرنا هذا هو بمثابة عصرٍ جديدٍ. فالمتسلّطون والمعتدون الدوليون يفكّرون

 

 

143


114

خطاب الولي 2011

بنحوٍ آخر بتأمين مصالحهم غير المشروعة في أيّ منطقة من مناطق العالم أمكنهم الوصول إليها ولو كان ذلك على حساب إبادة هوية الشعوب وعزّتها، مثلما تشاهدون ما يقومون به منذ سنوات في أطراف وزوايا العالم وخاصّة في هذه المنطقة.

 

ما حدث في إيران كان أمراً مخالفاً تماماً لأهداف الاستكبار العالمي وأطماعه. لقد تشكّل هنا نظامٌ مستند إلى الشعب، ومستند إلى القلوب والإيمان والأحاسيس والمشاعر، انطلق بأهدافٍ إسلامية وقرآنية وهدف ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ﴾[1] وبهذا الاعتقاد والتصديق لم يكن لأي ضغط أن يزلزله. مثل هذا النظام هو نظامٌ إسلامي. ونفس هذا الصمود والقيام وهذه المقاومة لمطامع الأجانب تجعل مراكز القدرة العالمية غاضبة. على مدى ثلاثين سنة وهم يُظهرون هذا الحقد والغضب بأي نحوٍ، ولكن مع إرادة وعزيمة الشعب الإيراني المستند لإرادة الرّب المتعال والمطمئِنّ بوعد الله فَشِل الأعداء وتقدّم شعب إيران في شتّى الميادين وطوى طريق التكامل والسموّ.

 

حقيقة الجهاد الاقتصادي

لقد أعلنتُ هذا العام عام الجهاد الاقتصادي، ومعناه أنّ شعب إيران في هذا المقطع الزمني ينبغي أن يكون جهاده بشكل أساس في المجال الاقتصادي. جئنا اليوم إلى هذه المنطقة للاطلاع عن قرب. هذه المنطقة هي منطقة اقتصادية تعتمد على الإنتاج، وإنّ أهم قطاع يمكن أن يؤدّي إلى الازدهار الثابت هو الإنتاج، وخصوصاً ذلك القطاع الاقتصادي الإنتاجي الذي يعتمد على العلم، وهذا ما هو متحقّق هنا، فهو اقتصادٌ وأيضاً إنتاج وأيضاً علم ويستند إلى المعرفة، وهذا ما يليق بشعب إيران. إذا كان شعب هذه المنطقة وأهالي المناطق المختلفة للبلد وقفوا ذات يوم مقابل العنجهية والغرور والنهب الذي قامت به الدول الناهبة والمُعتدية فإنّهم اليوم يقفون مقابلها بشكل أكثر تعقيداً وحساسية وأكثر تنوّعاً وهو ما يحتاج إلى جهود متشعِّبة وعميقة.


 


[1] سورة المنافقون، الآية 8.

 

 

144


115

خطاب الولي 2011

لحسن الحظ إنّ شعبنا يعلم معنى ثقافة الجهاد، فنحن لسنا غرباء عن الجهاد. لقد أبلى شعبنا بلاءً حسناً في ميادين الجهاد سواءٌ العسكري في مرحلة سنوات الدفاع المقدّس الثمانية، أم في الجهاد السياسي طوال هذه المدّة، وأيضاً الجهاد الاقتصادي والعلمي. شعبنا يعرف معنى الجهاد. إنّ هذا الجهاد الذي ينبغي أن تقوموا به اليوم الجهاد الاقتصادي من أنواع الجهاد الذي لا يزيد صعوبة عمّا قام به شعب إيران إلى يومنا هذا، لكن يجب علينا أن نعرف ماذا ينبغي أن نعمل.

 

إنّ الجهاد الاقتصادي ليس مجرّد سعيٍ اقتصادي. للجهاد أحياناً معنى خاصّ، فليس كلّ سعيٍ يمكن أن يُقال عنه أنّه جهاد، ففي الجهاد يُفترض أن يكون هناك حضور ومواجهة مع العدوّ. عندما يقوم الإنسان بسعي ولا يكون في مقابل العدو لا يسمّى هذا السعي جهاداً. لكن إذا أردتم ذات يوم أن تقوموا بسعي ما وكان هناك عدوّ يواجهكم وجهاً لوجه فهذا ما يسمّى جهاداً. ومن الممكن أحياناً أن يصبح هذا الجهاد على شاكلة القتال وأحياناً جهاداً مالياً وأحياناً جهاداً علمياً وقد يكون جهاداً تقنياً. جميع هذه الأمور تُسمّى جهاداً، فهي من أنواع وأقسام الجهاد والمواجهة. لو أردنا اليوم أن نجد في أدبياتنا مرادفاً للجهاد فيمكننا أن نعبّر عنه بالمواجهة، فالجهاد الاقتصادي يعني المواجهة الاقتصادية (أو النضال الاقتصادي).

 

الجهاد والسعي في سبيل الله

الجميع مسؤول. أولئك الرجال المؤمنون -الذين رأينا بعضهم اليوم- والكثير منكم يعملون في هذه المجموعة وهم منهم، أعمالكم هذه هي جهاد. هذا العمل الذي يتمّ في هذه المنطقة الصناعية والاقتصادية الهائلة هو جهاد. فلو كانت النية لله يصبح جهاداً في سبيل الله.

 

عندما يسعى الإنسان من أجل إعلاء كلمة الحقّ وكلمة الإسلام وإضفاء العزّة على الأمّة الإسلامية والشعب المؤمن والمسلم في إيران يصبح (سعيه) جهاداً في سبيل الله، وحينئذٍ تكون في هذا السعي بركات الجهاد في سبيل الله وعظمته وشأنه. أريد أثناء شكري للعاملين والمتخصّصين والفاعلين في هذا الميدان أن أطلب منكم أن تعتبروا

 

 

145


116

خطاب الولي 2011

عملكم جهاداً في سبيل الله، فلا تشعروا بالتعب. واعلموا أنّ الجهاد في سبيل الله وعد إلهي بالنصر، فعندما تتحرّكون لله وفي سبيل الله ستصلون إلى النصر. وفي عامنا هذا، إنّ جميع قطاعات الشعب والمسؤولين في الدولة ومسؤولي القطاعات المختلفة في المحافظات وفي الأماكن المختلفة وأفراد الشعب، عليهم أن يتقدّموا جميعاً في هذا السعي في سبيل الله، والله تعالى سيُبارك. إنّ الله تعالى سيُبارك ويُعين في هذا السعي والعمل الذي تكون فيه تلك النية والعزم كما أعاننا طوال هذه السنوات الاثنين والثلاثين إلى يومنا هذا، فبدون العون الإلهي ما كان بالإمكان لشعبٍ أن يقف مقابل الاستكبار العالمي.

 

الاعتماد على النفس

في هذه المنطقة المليئة بمصادر الغاز هناك شريكٌ لنا وأنا لا أريد الآن أن أُعبِّر عنه بالمنافس. عندما تنظرون ترون أنّ كلّ من ليسوا راضين عن تقدّم شعب إيران قد اجتمعوا هناك لمواجهة شعب إيران، وتضافروا من أجل مساعدة ذلك الآخر، ومن أجل تخريب كلّ ما يقوم به هذا الجانب. وهذا ما يُظهِر معنى الجهاد والمواجهة، وهذا ما يُشعِر الإنسان بأنّ هناك عدوّاً وعداوة وخصماً يقف في مقابله. إنّ كلّ خطوة تخطونها في هذا العمل وأمثاله يُغضب العدوّ ويُسخطه، وسوف يقوم بأيّ أمرٍ تخريبي. إنّ كلّ ما تحتاجونه لتطوير هذا العمل سيسعون للوقوف معاً بوجهه لمنع وصوله إليكم ليجعلوا الأمر صعباً عليكم.

 

فما هو الحلّ؟ إنّه بالرجوع والاعتماد على النفس، والاستمداد من القدرات الذاتية، هذا النبع الفوّار الذي لا ينضب للإرادة الإنسانيّة والاستعدادات الموجودة بحمد الله في شعب إيران العزيز وفي أهلنا وفي شبابنا.

 

المساهمة في الجهاد الاقتصادي

الكلام في هذا المجال كثير. ذكر بعضه اليوم المسؤولون في هذا القطاع خلال هذه الجولة الطويلة، ونحن قد أوصينا به. وهناك جملة أُخاطب بها كلّ شعب إيران وهي أنّكم جميعاً شركاء في هذا الجهاد الاقتصادي. فالاستهلاك في إدارة اقتصاد أي شعب

 

 

146


117

خطاب الولي 2011

يُعدّ ركناً أساساً، أي الاستهلاك الصحيح والجيّد والبعيد عن الإسراف والتبذير وإتلاف الأموال، أوصي الجميع بهذا الأمر.

 

إيجاد ثقافة العمل والسعي لله. حتى أنتم، إذا كنتم تعلّمون في صفٍّ من الصفوف الدراسية يمكنكم أن تكونوا مساهمين في هذا الجهاد الاقتصادي. علّموا هذه الثقافة للشباب والقوى البشرية الواعدة. وهذا يُعدّ جهاداً اقتصادياً، أينما كنتم يمكنكم أن تُساهموا في هذا الجهاد.

 

المساعدة في ترويج العدالة. إنّ هذا العقد من الزمان هو عقد التطوّر والعدالة. فبدون العدالة لا يُعدّ التطوّر بنظر الإسلام تطوّراً في الحقيقة.

 

تأمين احتياجات الناس وحلّ مشاكلهم

في هذه المنطقة المسمّاة "عسلويه" في هذين المركزين المهمّين على المستوى البشري والإنساني لعسلوية ونخل تقي هناك احتياجات للناس. والمساعدة في تأمين هذه الاحتياجات ُيعدّ من الجهاد الاقتصادي وهو من الأعمال الكبرى. واليوم بحثنا مع المدراء والمسؤولين في مختلف القطاعات، في مجال البيئة والتلوّث والمشاكل المختلفة بشأن أهالي هذه المنطقة. وإن شاء الله يجب متابعة هذه القضايا. يجب حلّ مشاكل الناس. هذه كلّها تمثّل أجزاء هذه المجموعة من الجهاد العظيم والشامل للاقتصاد. فبالتعاون والتعاضد والأخوّة والشعور بأنّ العمل لله يمكن لهذا الشعب أن يصل إلى مكانته اللائقة.

 

وحدة الكلمة مقابل الأعداء

إنّ هؤلاء الأعداء المعاندين يريدون بأيّ نحو كان أن يتسبّبوا بالأذى لهذا الشعب، كلّ هذا بجريرة اتّباع الحق والاستقلال وعدم الاستسلام لاستقواء الأعداء. إنّهم يريدون الضغط على شعب إيران وتهديده وإنزال الضربات به. ويمكن الوقوف في وجه هذا العدو بوحدة الكلمة والقلوب والتعاون وهذا الجهاد العام والتغلّب عليهم، مثلما أنّ شعب إيران قد استطاع إلى اليوم أن يتغلّب على أعدائه ويحافظ على عزّته وسيكون الأمر كذلك لاحقاً.

 

 

147


118

خطاب الولي 2011

وصيّة للمسؤولين

إنّ ما نُوصي به المسؤولين المحترمين في القطاعات المختلفة وبما تسمح به هذه الجولة اليوم وخصوصاً في هذا القطاع أن يُتابعوا بجدّية تامّة هذا الطريق المستقيم المستند إلى الطاقات الذاتية وتحقيق الاستغناء عن الآخرين، وليعلموا أنّ هذا الجهد سيكون مورد نظر الله وجهاداً في سبيل الله، فلو كانت النيّة إلهية -نيّة خدمة الناس وخدمة البلد من النوايا الإلهية- فالله تعالى يوصل هذا الجهاد إلى ثمرته. فلا يَدَعوا هذا الخطّ وهذا التوجّه، وليَسعوا فيه.

 

اقتدار الشعوب

إنّ ما شاهدتُه اليوم يبعث على الرضا. بالطبع توجد نقائص، ويجب التفكير، والأمر كذلك. يشعر المرء أنّ هناك من يفكّر في إزالة هذه النقائص. وفي نفس الوقت إنّ ما تمّ إنجازه هو أمر عظيم جداً، وهو ما يدلّ على أنّ شعب إيران يستطيع القيام بكلّ ما يريده. هذا الشعور بالاقتدار في أيّ شعب يُعدّ أعظم الذخائر المعنوية والروحية بالنسبة له، وهذا ما يشعر به شعبنا، ويمكن مشاهدة إشاراته في جميع القطاعات.

 

أهمية الثروة البشرية

في هذا العمل، توجد قطاعات يجب عليها أن تُنجز الأمور العلمية. وخاصّة في مجال النفط والغاز، فإنّه بالإضافة إلى الأعمال التقنية يجب أن نعمل على صعيد المجالات الحقوقية والاقتصادية، حقوق النفط والغاز، اقتصاد النفط والغاز وأن نبحث في هذه المجالات ونقوم بالدراسات العلمية. وسيتمكّن شبابنا من العمل في هذا المجال، وسيتقدّمون بمشيئة الله. إنّ هذه الثروة ملك للشعب الإيراني، فالغاز ثروة والنفط ثروة ولكن ما هو أهمّ من هذه الثروات هو الطاقات البشرية المستعدّة والمقتدرة والعاشقة للعمل. لدينا هذه الثروة وهذا هو الأصل. لو أنّ شعباً كانت لديه هذه الموارد البشرية فبإمكانه استخراج ثرواته الطبيعية وجعلها في خدمة الشعب. أمّا إذا لم يكن لديه مثل هذه الموارد فستكون ثرواته الطبيعية لمصلحة الآخرين، وستكون منافعها للآخرين أكثر مما هي لمصلحته، ونحن بحمد الله لدينا هذه الثروة.

 

 

148


119

خطاب الولي 2011

وصيّة للمسؤولين

إنّ ما نُوصي به المسؤولين المحترمين في القطاعات المختلفة وبما تسمح به هذه الجولة اليوم وخصوصاً في هذا القطاع أن يُتابعوا بجدّية تامّة هذا الطريق المستقيم المستند إلى الطاقات الذاتية وتحقيق الاستغناء عن الآخرين، وليعلموا أنّ هذا الجهد سيكون مورد نظر الله وجهاداً في سبيل الله، فلو كانت النيّة إلهية -نيّة خدمة الناس وخدمة البلد من النوايا الإلهية- فالله تعالى يوصل هذا الجهاد إلى ثمرته. فلا يَدَعوا هذا الخطّ وهذا التوجّه، وليَسعوا فيه.

 

اقتدار الشعوب

إنّ ما شاهدتُه اليوم يبعث على الرضا. بالطبع توجد نقائص، ويجب التفكير، والأمر كذلك. يشعر المرء أنّ هناك من يفكّر في إزالة هذه النقائص. وفي نفس الوقت إنّ ما تمّ إنجازه هو أمر عظيم جداً، وهو ما يدلّ على أنّ شعب إيران يستطيع القيام بكلّ ما يريده. هذا الشعور بالاقتدار في أيّ شعب يُعدّ أعظم الذخائر المعنوية والروحية بالنسبة له، وهذا ما يشعر به شعبنا، ويمكن مشاهدة إشاراته في جميع القطاعات.

 

أهمية الثروة البشرية

في هذا العمل، توجد قطاعات يجب عليها أن تُنجز الأمور العلمية. وخاصّة في مجال النفط والغاز، فإنّه بالإضافة إلى الأعمال التقنية يجب أن نعمل على صعيد المجالات الحقوقية والاقتصادية، حقوق النفط والغاز، اقتصاد النفط والغاز وأن نبحث في هذه المجالات ونقوم بالدراسات العلمية. وسيتمكّن شبابنا من العمل في هذا المجال، وسيتقدّمون بمشيئة الله. إنّ هذه الثروة ملك للشعب الإيراني، فالغاز ثروة والنفط ثروة ولكن ما هو أهمّ من هذه الثروات هو الطاقات البشرية المستعدّة والمقتدرة والعاشقة للعمل. لدينا هذه الثروة وهذا هو الأصل. لو أنّ شعباً كانت لديه هذه الموارد البشرية فبإمكانه استخراج ثرواته الطبيعية وجعلها في خدمة الشعب. أمّا إذا لم يكن لديه مثل هذه الموارد فستكون ثرواته الطبيعية لمصلحة الآخرين، وستكون منافعها للآخرين أكثر مما هي لمصلحته، ونحن بحمد الله لدينا هذه الثروة.

 

148


120

خطاب الولي 2011

بركة الشهداء

لحسن الحظّ، إنّ الجوّ العام في البلاد هو جوّ العمل، مناخ السعي والتعاضد، وهذا إنّما كان ببركة المجاهدات التي تحقّقت سابقاً. اليوم هناك جمعٌ من عوائل الشهداء من هذه المنطقة يشاركوننا هذا الاجتماع. وعلينا أن نعرف بشكل حتمي أنّ ما وُفِّقنا إليه اليوم إنّما كان ببركة جهاد الشهداء ودمائهم وإيثارهم، ببركة الشهداء، المعوّقين، المؤثرين، فبعضهم ذهب إلى ميادين الحرب وقدّموا أرواحهم وحصلوا على ثواب الإيثار في سبيل الله، مع أنّ الله تعالى قد حفظ أرواحهم وجعلهم في خدمة الثورة والبلاد.

 

هذا الإيثار وهذه المجاهدات هي التي أوصلت شعب إيران اليوم إلى هذه العزّة والاقتدار ومنحته فرصة ليتمكّن من القيام بهذه الأعمال الكبرى.

 

نسأل الله تعالى أن يزيد يوماً بعد يوم عزّة وقدرة وتطوّر شعب إيران، ويوفّقنا جميعاً لنُساهم في هذا العمل العام والعظيم وأن يرضى -سبحانه وتعالى- عنّا.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

149


121

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء جمع من مسؤولي النظام

 

 

 

         

المناسبة:   لقاء جمع من مسؤولي النظام

الحضور:  رئيس الجمهورية، وأعضاء مجلس الوزراء، وأعضاء هيئة رئاسة مجلس الشورى الإسلامي

المكان:   طهران

 

الزمان:    ١٥/٠١/1390هـ.ش.

٣٠/٠٤/1432هـ.ق.

04/04/2011م.

          

 

 

151


122

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إلتقى سماحة الإمام السيد الخامنئي دام ظله في بداية العام الشمسي 1390 رئيس الجمهورية، وأعضاء مجلس الوزراء، وأعضاء هيئة رئاسة مجلس الشورى الإسلامي.

 

فيما يلي أبرز ما ذكره:

يجب أن لا ننسى ذكر الله. إنّ كل ما لدينا هو من التوسّل والتوجّه إلى الحضرة الربوبية. فهو الذي يأخذ بقلوبنا ويسمو بها إلى الأهداف العليا، وهو الذي يأخذ بمجامع القلوب ويشدّها إليها، وهو الذي يجمع القلوب ويؤلّف بينها. فالإنسان مهما بلغ غير قادر على أن يجمع القلوب ويشدّها نحو جهة ما، وحدها القدرة الإلهية هي من يقدر على ذلك.

 

لا بدّ لنا من اغتنام الفرص. وبصفتنا مسؤولين فإنّ الله سبحانه وتعالى قد منحنا فرصة، وهي فرصة الحياة وفرصة المسؤولية. فقد أوكلت لكل منّا مسؤولية ما لمدّة محدّدة من الزمن تنتهي عندها. فعلينا أن نغتنم الفرصة التي أتيحت لنا ونستثمرها بأقصى ما يمكن، لأنّ الإنسان عندما يغادر هذه الحياة، توصد خلفه جميع أبواب العمل والحركة. نعم، قد يكون هناك من يستغفر لنا وينفعنا ذلك، أو قد نترك خلفنا أعمالاً تحسب كصدقة جارية، لكنّ المهم في الأمر هو أنّنا سنغدو غير قادرين على فعل شيء وقد غلّت أيدينا وانقطع عملنا. وما دمنا في الحياة الدنيا، فأيدينا مبسوطة، وبمقدورنا القيام بالكثير والكثير من الأعمال. فبنظرة، أو بابتسامة، أو بكلمة، أو بحركة يد، أو بحركة قلم، بإمكانكم أن تجمعوا حسنات يتجاوز حجمها حجم السماوات والأرض. فهذا هو ما عليه الأمر في الحياة الدنيا، فاليد مبسوطة والإنسان قادر على فعل ما يريد لكن ما إن يغادر الإنسان هذه الحياة، حتى تغل يده ويغدو غير قادر على فعل أي شيء، سوى فتات حسنات قد تصله من استغفار الآخرين له أو تصدّقهم

 

 

153


123

خطاب الولي 2011

عنه بعد رحيله، وهذا لا يوازي بأي حال من الأحوال ما كان الإنسان قادراً على فعله ولم يفعله في حياته وقبل مماته، من هنا لا بدّ للمرء من أن يعي ثمن الفرصة ويحرص على اغتنامها.

 

و إذا أردنا أن نعي ثمن الفرصة ونحرص على اغتنامها بكل ما لهذه الكلمة من معنى، فعلينا أن نزج ونحشد كل قوانا في ميدان العمل. علينا أن نشدّ أحزمتنا ونلج ساحة العمل الدؤوب. وهنا لا بدّ لنا أيضاً من العودة إلى أنفسنا ومراجعتها وملاحظة مواطن الخلل والنقص فيها. فلكلٍّ منّا ثغرات ونواقص، وهي ليست بالقليلة. وغالباً ما تكون عيوبنا نحن البشر أكثر بكثير من محاسننا من غير أن نكون مدركين لذلك. ولو لم يكن الأمر كذلك لما لجأ الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وبما له من مقام عظيم ونور خالص مجرّد من كلّ ظلمة إلى الاستغفار. فالنبي كان يستغفر أيضاً وهو القائل: "لأستغفر اللَّه في كلّ يوم سبعين مرّة"[1]، وقال: "إنّه ليغان على قلبي"[2]. فهذه طبيعة البشر. فنحن مجموعة من الضعف، لكن الله سبحانه وتعالى أودع فينا القدرة على التطوّر والتحسّن اللامتناهي بما يمكّننا من التغلّب على مواطن الضعف فينا، فنبدأ بتبديل الأصفار إلى أعداد والسوالب إلى موجبات. فالله تبارك وتعالى لا يظلمنا بتاتاً. فنحن قادرون على تحويل جميع الأصفار إلى أعداد، وكلما قمنا بذلك تقدّمنا، وما نخفق فيه، فلا بدّ من الالتفات والتركيز عليه. بمعنى لو أنّ المرء غفل عن إدراك مواطن الضعف في ذاته، وأخفق في تحديد مواطن الخلل والنقص في فعله وفي ذاته، فسيغدو متخلّفاً. وهذه إحدى فوائد السباق، ففي السباق حيث يقف إلى جانب المرء من ينافسه، فإنّه يدرك على الدوام مواضع النقص والخلل فيه ويسعى لتلافيها، ولكن عندما يكون وحيداً في الميدان ويعدو وحده، فإنّه قد يجد نفسه مضطراً للتوقّف أحياناً، فيقف برهة من أجل السعال مثلاً، لكنّه بما أنّه وحده لن يدرك كم جعله هذا التوقّف متأخراً، أما إذا كان هناك من يعدو إلى جانبه ولم يتوقف حتى لثانيتين وليس لخمس

 

 


[1] الطبرسي، الميرزا حسين النوري، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلاملإحياء التراث، لبنان - بيروت، 1408هـ - 1987م، ط1، ج‏5، ص320.

[2] المصدر نفسه.

 

 

154


124

خطاب الولي 2011

ثوان فسيجعله ذلك مذهولاً من طول المسافة التي تقدّم فيها خصمه عليه. إذن فحياتنا العملية مهدّدة بثوان ودقائق وساعات من التخلّف، علينا الانتباه لها جيّداً ليتسنّى لنا تعويضها. وإنْ لم يسعنا تعويضها فعلى الأقل نقرّ بذلك أمام الله سبحانه وتعالى: "وإن كان قد دنا أجلي ولم يدنني منك عملي فقد جعلت الإقرار بالذّنب إليك وسيلتي"[1]. فهذا من جملة الطرق التي يتقرّب بها العبد إلى الله سبحانه، أي الإقرار بالذنب، الإقرار بالتقصير والإخفاق والنقص والظلمات التي تعاني منها نفوسنا. علينا الالتفات لهذا الأمر، فجميع ذلك من الممكن التغلّب عليه بتوفيق الله وعنايته سبحانه وتعالى.

 

إنّنا نعيش في زمن جيّد وعلينا أن نشكر الله سبحانه على ما حبانا، ونثني عليه على هذه النعمة الكبيرة، على هذه الفرصة العظيمة التي أتاحها لنا إذ جعلنا مفيدين لمجتمعنا ولبلدنا ولإسلامنا العزيز ولتاريخنا. فقد مرّ بنا زمن لم نكن قادرين على فعل شيء، ولا سوانا من ذوي الهمم والعزائم. لكن اليوم أصبح بمقدورهم ذلك. فعلينا أن نقدّر هذه الفرصة ونشكر الله سبحانه عليها، ونسأله أن يتغمد روح إمامنا (الخميني) الكبير برحمته وكذلك أرواح سائر شهدائنا الأبرار المجاهدين في سبيل الحق، والممهدين ذلك السبيل أمامنا.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 


[1] ابن طاووس، علي بن موسى، الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرة في السنة، تحقيق وتصحيح جواد قيومي الأصفهاني، نشر مكتب الإعلام الإسلامي‏، إيران - قم، 1418هـ‏، ط1‏، ج‏3، ص296.

 

 

154


125

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء جمع من المثقفين والسياسيين

 

 

 

 

 

المناسبة:   لقاء جمع من الشخصيات الثقافية والسياسية

الحضور:  مجموعة من الشخصيات الثقافية والسياسية

المكان:   طهران

 

الزمان:    23/01/1390ﻫ.ش.

٠٨/05/1432ﻫ.ق.

12/04/2011م.

 

 

 

 

157


126

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مباركٌ -إن شاء الله- العام الجديد عليكم أيّها الأصدقاء الإخوة والأخوات وكذلك عوائلكم وأقاربكم. نأمل أن تكون السنة الجديدة -إن شاء الله- سنة مليئة بالبركة والسرور لكم جميعاً ولشعب إيران.

 

وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ

وبالطبع إنّ قسماً من هذا يقع على عاتقنا نحن، فنحن الذين بسلوكنا وتوجّهاتنا نجعل حياتنا مباركة أو غير مباركة. أي إنّ ما يحدّد مصير الإنسان النهائي هو اختياره. والله تعالى قد أعطانا هذه القدرة على الاختيار ﴿وَهَدَيۡنَٰهُ ٱلنَّجۡدَيۡنِ﴾[1]، وأبان لنا الطريقين لنختار بينهما. بالطبع، تكون الظروف أحياناً بحيث يصبح الاختيار سهلاً وأحياناً أخرى لا يكون كذلك. ولكن على كلّ حال، يجب الاختيار في جميع الأمور.

 

ٱهدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلمُستَقِيمَ

إنّ تكرار ﴿ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ﴾[2] في سورة الفاتحة عدّة مرّات يومياً، يدلّ على أنّ الصراط المستقيم الذي طويناه على فرض أنّنا حدّدناه وسلكناه في كل لحظة يصل إلى مفترق طريقين. فليس الأمر أنّنا نسير في نفقٍ بحيث إذا دخلناه لا بدّ أن نعبره إلى آخره كسكّة الحديد. كلا، بل هناك دائماً مفارق ومنعطفات متعدّدة على الطريق يجب معرفتها وتحديدها وفهمها ووضع القدم على الطريق الصحيح. إنّ تكرارنا لـ ﴿ٱهۡدِنَا﴾ كلّ يوم يعني: اليوم ﴿ٱهۡدِنَا﴾، وغداً ﴿ٱهۡدِنَا﴾، وبعد غد ﴿ٱهۡدِنَا﴾، وفي هذه القضية ﴿ٱهۡدِنَا﴾، وفي تلك القضية أيضاً ﴿ٱهۡدِنَا﴾.

 

 


[1] سورة البلد، الآية 10.

[2] سورة الفاتحة، الآية 6.

 

 

159


127

خطاب الولي 2011

لا نريد أن نُظهر الأمر وكأنّه مستحيلٌ أو صعب، كلا، فقد جعل الله تعالى البيّنات أمام الجميع. ﴿ذَٰلِكَ أَن لَّمۡ يَكُن رَّبُّكَ مُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهۡلُهَا غَٰفِلُونَ﴾[1]. ليس الأمر أنه إذا لم يكن أمامنا وسيلة للهداية - وأحياناً قد تكون حركتنا غير صحيحة - فيؤاخذنا الله أو يعذّبنا أو أمثال ذلك، كلا، فالله تعالى جعل في أيدينا وسيلة الهداية. وبالطبع هناك موارد مستثناة من هذه القاعدة العامّة، لكن في العادة الأمر هكذا، الهداية الإلهية موجودة.

 

تجدّد العام: تجدّد العمل والفكر

والنوروز يعني تجدّد العام، وليس مهمّاً ما نعتمده من مصطلح، إلاّ أنّ اسم النوروز جيّد جداً. في حركة الحياة يكون جعل المقاطع الزمنية أمراً جيداً جداً. فلو أنّ الحياة سارت على منوالٍ واحد ولم يصل المرء إلى مقاطع جديدة فإنّه لن يفكّر عموماً بالتجديد والابتكار. من فوائد جعل المقاطع في حركة العمر ومسيرة الحياة أن يقول الإنسان: حسناً، ها قد انتهى العام وانقضى، وجاء عام جديد، وهذا يعني عملاً جديداً وفكراً جديداً وهمة جديدة ودوافع جديدة تلازمه، مثلما أنّه جرت العادة بيننا وبين باقي شعوب العالم أنّه إذا جاء العام الجديد، يلبسون الثياب الجديدة ويجدّدون بيوتهم، ونحن نعبّر عن ذلك بـ "تعزيل البيوت" وأمثال ذلك، فيبدو أن الآخرين بحسب الظاهر لديهم مثل هذه الأشياء، فالنوروز يمثّل مقطعاً جديداً.

 

إنّ كون هذا المقطع جديداً له هذه الفائدة، وهي أنّ الإنسان يجد فرصة ليفكّر بأعماله التي انقضت وأعماله الآتية، فيقول مثلاً: ها قد مضت هذه السّنة وكان لدينا مثل هذه الإشكالات، فلنبدأ في السنة الجديدة بالإصلاح. وهذا المعنى يظهر في جميع أمور الحياة.

 

العلاقة مع الله

وبنظري فإنّ أولى المسائل التي ينبغي أن يفكّر بها الإنسان تتعلّق بعلاقته مع الله. فعندما يأتي العام الجديد يفكّر الإنسان أنّ السنة الماضية وما قبلها -مهما كانت- قد

 

 


[1] سورة الأنعام، الآية 131.

 

 

160


128

خطاب الولي 2011

انقضت، والآن يوجد مقطعٌ جديد، فلنحدّد رابطة جديدة مع الله المتعال، سواءٌ ما يتعلّق بالجوانب الإيجابية أم السلبية. والجانب السلبي هو المعصية، فالمرء يكون قد اعتاد على المعاصي، لذلك لا يدرك خطرها، ولو تأمّل قليلاً لوجدها مزروعة في سلوكه وفي عمله. وبالطبع هذا الإنسان يحسن الظن بنفسه. عموماً، قلّما يسيء الإنسان الظن بنفسه، وهذا هو بلاء بني آدم، إنهم يقومون بتبرير أعمالهم، لكنّ الأمر لن يمرّ هكذا، فإنّ الله تعالى يحتج علينا، لهذا فإنّ الحجّة علينا تامّة، ولو دقّقنا لعرفنا.

 

باطن القلب

يوجد في قلب الإنسان وروحه ووجدانه باطن، وهو في العادة صادق معنا. ولو كانت ظواهر القلب تخدعنا، إلاّ أنّ باطنه صادقٌ معنا. وقد قال الإمام رضوان الله عليه ذات يوم: "إنّني في هذه القضية الفلانية لا أشعر بأي انزعاج في باطن قلبي". وفي الواقع الأمر هكذا، فللقلب باطن قليلاً ما نتوجّه إليه. ولو التفتنا إليه لشاهدناه جلياً أمامنا.

 

تقليل الذنوب بكتابتها

حسناً، ها هو الإنسان قد اعتاد على بعض المعاصي، وهو يعُدُّ بعضها صغيراً ويخضع لها. وأحد الأعمال التي يمكن للإنسان القيام بها في السنة الجديدة هي النظر في كيفية التقليل من معاصيه وذلك بكتابتها.

 

في العام الماضي أو ما قبله كنت أذكر أحوال الشهيد أفشردي (باقري) -وعلى ما يبدو كان الأمر إمّا دائراً حوله أو حول بعض الشهداء الآخرين- وهناك ذُكر أنّه كان يكتب كل يومٍ أخطاءه، وهو ما كان يوصي به علماء الأخلاق، وذُكر كوصية في بعض الأحاديث التي أَمَرَتنا بأن نكتب خطايانا ونحاسب أنفسنا كل ليلة. فكان يدوّن هذه الأشياء على ورقة -نحن لا نقدر أن نصرّح لأنفسنا مباشرة فلنكتب على ورقة ونعلنها ولو بيننا وبين الورق- فقد كتب في مذكّراته أنّه مثلاً في الليلة الفلانية، أو هذا اليوم قد ارتكبت هذه الذنوب.

 

 

161


129

خطاب الولي 2011

إنّ محاسبة النفس هذه أمرٌ مهمّ جداً. فعلى الإنسان أن يحاسب نفسه، وبعدها يقوم بالتقليل من ارتكاب المعاصي واحدة تلو الاخرى. فنحن قد اعتدنا على بعض المعاصي، أحياناً يعتاد الإنسان على خمس أو ست أو عشر معاصٍ فلنبذل الهمّة من أجل التخلّص منها واحدة واحدة، فلنقم بالتقليل من نقاط الضعف هذه واحدة واحدة.

 

الاهتمام بالصلاة

وكذلك الأمر على مستوى الأمور الإيجابية. برأيي لو بدأنا بالاهتمام بالصلاة نفسها لأن الصلاة مهمة جداً فإنّ هذا الأمر سيكون فاتحة مهمة. فليصلّ الإنسان بشكل جيدٍ وبتوجّه وحضور قلب. فحضور القلب يعني أن لا يغفل الإنسان عمّا يقوله وما يفكّر به ويجري على لسانه، أي أن لا يبتعد عن فهم ما يقول، فمثلاً، أنا الآن أتحدّث معكم وأنتم المخاطَبون، وهنا يفهم الإنسان أنّ لديه مخاطَباً يسمعه ويتكلّم معه. وفي الصلاة الأمر كذلك، فنحن لدينا مخاطَب ونتحدّث معه. وإنّني أقول هنا إنّه حتى لو لم يعرف الإنسان معنى الصلاة ولم يدرك أبداً معاني هذه العبارات لكنّه يعلم هذا القدر وهو أنّه يتحدّث مع أحد، أي مع الله تعالى، فإنّ هذه المسألة تقرّب الإنسان "قربان كل تقيّ"[1] فهذا بذاته مقرّب. وحتى نحن الآن الذين ندرك معناها ونعلم تفسيرها وقد قرأنا عدّة كتب بشأنها ولكن عندما يأتي وقت الصلاة كأنها تخرج من ذاكرتنا بالكامل ولا نعلم ماذا نفعل. وعلى قول الشاعر صائب، ليس حاضراً لدي بحرفيته وإنّما أذكر مضمونه:

أنت الذي لا تذكر هذا وذاك خارج الصلاة لماذا تتذكر كل ما سوى الله فيها.

 

فالصلاة أمرٌ جيّد، وحضور القلب في الصلاة بداية جيدة أي أن نتوجه إلى أننا نتحدث ولدينا مخاطَب - وهكذا الصلاة أول الوقت وصلاة الجماعة والنوافل، فهذه لائحة ينبغي للإنسان أن يُدخلها في حياته ذرة ذرة. فلو بذلنا جهداً فإنّ العام الجديد يمكن أن يجلب معه كل هذه البركات إن شاء الله.

 


[1] الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح عليّ أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج3، ص265.

 

162


130

خطاب الولي 2011

بالطبع، هناك أشياء أخرى غير ما ذكرناه بالنسبة لنا أنا وأنتم، فلدينا عمل ولدينا وظيفة وتكليف وهناك حوادث خاصة تجري في حياتنا، فلو أدّيناها بشكل أفضل وأدق وسعينا بمشيئة الله أن نجعلها أكثر إلهية فإنّها ستكون ذات آثار أكبر.

 

إن شاء الله يعطيكم جميعاً الخير ويُعينكم، وإن شاء الله تكون هذه السنة مباركة عليكم جميعاً وعلى شعب إيران بهذا المعنى الذي ذكرناه.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

163


131

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء الآلاف من أهالي محافظة فارس

 

 

 

         

المناسبة:   لقاء جمع من أهالي محافظة فارس

الحضور:  الآلاف من أهالي محافظة فارس - شيراز

المكان:   طهران

 

الزمان:    03/02/1390ﻫ.ش.

19/05/1432ﻫ.ق.

23/04/2011م.

         

 

 

165


132

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أرحّب بكم كثيراً أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء من محافظة فارس. في الحقيقة لقد أحييتم هذا البيت بجمعكم الإيماني والحميم وبهذه الشعارات المليئة بالمعنى والمغزى والحضور الواضح والمقرّب، في ذكرى البطولات العظيمة لأهالي محافظة فارس وأهالي شيراز والتي لم تكن قليلة وذلك على مرّ التاريخ المعاصر وفي الأزمنة التاريخية القديمة.

 

شيراز: المدينة الشامخة

بالحقّ والإنصاف إنّ محافظة فارس ومدينة شيراز تُعدّ من القمم الشامخة لبلدنا وشعبنا، القمّة المميّزة للقوى الإنسانية الممتازة في العلم وفي الأدب وفي التطوّرات المختلفة على صعيد القضايا الاجتماعية والجهاد والمواجهة والتديّن. وعندما أنظر إلى التاريخ الأخير لما قبل انتصار الثورة فإنّ اسم شيراز يبقى شامخاً في أكثر قضايانا الاجتماعية حساسية ومصيرية. فعلى سبيل المثال في قضية تحريم التبغ التاريخية التي كانت بداية مواجهة شعبية وواعية ضدّ تسلّط الغرب، فإنّ اسم الميرزا الشيرازي يظهر، ولو أنّ نفس هذه الحركة التي قام بها الميرزا الشيرازي رضوان الله عليه استمرّت وتابع السياسيون والنُخب الموجودون في البلاد نفس هذا الخط، فإن ّمصير إيران كان ليصبح غير ما هو عليه الآن، ولكن استغلّ المستعمرون الغفلة والمطامع وتدخّلوا وشتّتوا الجبهة، أو في قضية معارك أهل العراق ضدّ الاستعمار الإنكليزي والتدخل الإنكليزي نجد اسم شيراز يبرز أيضاً.

 

قائد هذه الحركة العظيمة الميرزا محمد تقي الشيرازي المعروف بالميرزا الثاني الشيرازي، هذا الرجل العظيم كان عالماً ومرجع تقليد. في نفس فارس كان هناك علماء كبار وشخصيات بارزة وأشخاص عظماء سواء في مواجهات مرحلة الثورة الدستورية، أم ما بعد مرحلة مواجهات الثورة الإسلامية أم في مرحلة انتصار الثورة وما بعدها إلى

 

167


133

خطاب الولي 2011

حسناً، هناك أربعة عشر ألفاً وستمائة شهيد، خمسة آلاف منهم، فقط، من مدينة شيراز وهذا رقمٌ كبير. عندما نقول شهيد فمعنى ذلك أنّ هناك عشرات الأشخاص كانوا يجاهدون ويحملون أرواحهم على أكفّهم، وأحدهم قد نال فيض الشهادة ورجع الباقون. وبهذه الطريقة أجروا العملية الحسابية لتجدوا ما معنى 14600 شهيد، أي أن المحافظة كانت كلّها عبارة عن هيجان وتحرّك وعشق للتضحية والفداء.

 

حسناً، نحن لا نريد أن نكون مدّاحين لأهالي شيراز أو أن نتحوّل إلى مدّاحين لأهالينا، فلا أنتم تحتاجون لهذا الأمر ولا أنتم تتوقعونه، فلماذا نذكر هذه الأمور؟ هذا لأجل أن يتّضح ويظهر تاريخنا وحقيقة وواقعية شعب إيران للصديق وللعدوّ لليوم وللغد، رغماً عن أنف العدوّ، لأنّ إعلام الأعداء يُبيّن خلاف هذه القضية تماماً. أن يقف شعبٌ ما ويصمد على كلمته ويثبت، وهي كلمة حق ولها أهمية بالنسبة لدنياه وآخرته، إنّ هذا الشيء هو الذي يُعتبر المفتاح الأساس لتقدّم الشعوب، وهو النقطة المقابلة تماماً لأهداف الطواغيت والمستبدّين وأصحاب القدرات الدنيوية الذين يريدون السيطرة على الشعوب غصباً وأسر البشرية واستعبادها. ما يبطل سحر هذه الحركة للعدوّ هو أن يقف هذا الشعب ويثبت على كلمته المحقّة التي اختارها. فالثبات على هذه الكلمة يوصله إلى الهدف ويكون أيضاً قدوة وأسوة للذين يشاهدون من حوله، كما أنكم يا شعب إيران أصبحتم قدوة. إنّ تحليل أبناء العالم بالنسبة لقضايا منطقتنا هو ما نقوله، يقولون إنّ إيران أضحت قدوة وهكذا هو شعب إيران. ويخافون من أن يحدث ما حدث هناك، أي أن ترتفع راية الإسلام وينشأ نظامٌ مبنيٌّ على الإسلام. هذه هي خصوصية الثبات والصمود.

 

المواجهة التاريخية بين المستكبرين والشعوب

فليس من المبالغة والمزايدة أن يقوم المرء بمدح شعب إيران العظيم، مع هذه الدلالات التي ذكرناها بما يتعلق بفارس. فهناك مواجهة وحرب على امتداد الزمان، حرب بين عدّة من الطامعين والمستبدين والمستكبرين في العالم وبين جماهير الشعوب، وقد كانت هذه الحرب موجودة على مرّ التاريخ، أولئك المستكبرون يمتلكون الأسلحة

 

 

169


134

خطاب الولي 2011

والمال والمنبر، كما أنهم يفتقدون لأشياء: فليس لديهم أيّة رحمة وهم مستعدون لارتكاب كل الفجائع والجرائم من أجل الوصول إلى مقاصدهم. أما الشعوب فلديها فقط النفس والعزيمة والإيمان، وعندما تنزل الشعوب -هذه الأدوات العظيمة- إلى الميدان وتثبت، فإنّ الخصم المقابل سينهزم. ولكن لم يكن هذا الأمر هكذا على الدوام. ولم تكن الأمم تمشي دائماً على طريق الاستقامة والثبات وتبذل النفس والعزم والهمّة والإيمان بذلاً كاملاً، ومتى ما فعلت تقدّمت.

 

هذه الحرب هي اليوم هكذا. فالقوى المستكبرة في العالم أي القوى الغربية وأمريكا والصهيونية لا تقف عند حدّ، بل يريدون الهيمنة على كل العالم وعلى المصادر المالية فيه وعلى كل الطاقات والقوى الإنسانية. حسناً ما هو ذنب الشعوب؟ ولماذا يجب على الأمم أن تتحمّل؟ ولكن وللأسف هذا ما أضحت الأمور عليه. يأتون بأشخاص من صنفهم ويسلّطونهم على الشعوب من أجل تأمين مصالحهم ويمارسون كل ما أمكنهم من الضغوط على الناس وضدّ مصالح الشعوب. فعلى مدى القرنين الماضيين، حيثما وُجدت قضية الاستعمار كانت هذه الأمور تحدث بأشكال مختلفة في مناطق العالم. ولم تكن مشكلة الشعوب منحصرة في مثل هذا العصر الاستعماري بوجود دكتاتورٍ أو مستبدٍ أمامهم، بل كانت مشكلتهم أن هذا الدكتاتور كان يتمتّع بدعم من القوى الدولية، فهذه القوى هي التي كانت تدوس على مصالح هذه الدولة وهذا الشعب وتبيدها. هذه هي مشكلة عصر الاستعمار. ولو نظرنا بهذه الرؤية لاستطعنا أن نحلّل جميع هذه القضايا بشكل صحيح. وإن قضايا اليوم هي من هذا القبيل.

 

واليوم وببركة الإسلام وبركة الثورة الإسلامية وبركة الصحوة الإسلامية العامة هناك أحداث تجري في المنطقة. ولا شك بأنّ هذه الصحوة الشعبية ستصل إلى النتيجة، مثلما أّنّه إلى يومنا هذا وإلى هذه الساعة وصلت إلى الثمرة في بعض المناطق. كلّما استمرّ عزم الشعوب وإيمانها واستعدادها للتضحية يزداد احتمال انتصارها. وهذا ما لا يريده الاستكبار ولا أمريكا ولا الصهيونية أن يقع. لا يريدون أن تقف الشعوب وتصمد. إنّ أمريكا قد تفاجأت بمثل هذه القضايا وكانت الضربة التي وُجهت إليها صادمة، وهذا ما حدث مع الصهاينة والدول الأوروبية الاستعمارية المدّعية، فجميعهم فوجئوا

 

170


135

خطاب الولي 2011

ولكنّهم يريدون بأي شكل أن يتسلّطوا على الأوضاع. وبالطبع - ولحسن الحظ - لم يتمكّنوا حتى الآن. ففي بعض الدول لم يتمكّنوا من الأساس، وفي بعضها الآخر يسعون دائماً. ولا شك بأنّ هذه الصحوة ليست شيئاً يمكن أن ينتهي، فتحرك الشعوب نحو الأمام ليس له أن يتراجع، فليفعلوا ما شاؤوا، فلهذه الحركة خاتمة جميلة ستكون لمصلحة الشعوب وضرر القوى. وبالطبع على الشعوب أن تكون واعية وأن تعلم أنّ العدوّ يكمن لها.

 

اليمن، البحرين، ليبيا

حقاً وإنصافاً، هم يظلمون بشكل سافر في بعض المناطق. الآن في قضية البحرين، في قضية ليبيا، وفي اليمن يمكن لجميع الناس أن يحكموا بشأن هذه القضايا لو دقّقوا، وسوف يعلمون أن هذه القوى الغربية هي مجرمة ومقصّرة ولا يمكن التغاضي عن هذا الأمر. هؤلاء يظلمون الناس. وتحليل ذلك هو عمل المحللين السياسيين، يحللون بشكل جيد ويتحدّثون، وما يجتمع لديهم في المحصّلة هو أنّ أمريكا والغرب اليوم يمارسون الضغوط على الشعوب ويظلمونها من أجل مصلحة الصهاينة ومن أجل منفعة الكيان الإسرائيلي المختلق. وأكثر الشعوب مظلومية وللأسف الشديد هو شعب البحرين، لأن الجمهورية الإسلامية اختارت موقف الحق وأعلنت كلمتها بصراحة، فإنّ جميع الهجمات الإعلامية انصبّت عليها. فهم يودّون لو أن الجمهورية الإسلامية تكون شاهداً غير مكترث وهذا ما لا يمكن أن يكون، فليست هذه طبيعة الجمهورية الإسلامية، لا على صعيد الشعب ولا المسؤولين ولا النخب السياسية. فمن المعلوم أنهم لا يمكنهم أن يكونوا غير مكترثين وأن يكتفوا بالمشاهدة في هذه المواجهة الظالمة التي يمارسها المستكبرون ضدّ الشعوب. وحينها يقولون إنّ إيران تتدخل، فأي تدخل هو؟! أين تدخلت إيران في البحرين أو في ليبيا أو في اليمن؟ أجل، التدخل هو أننا أعلنّا رأينا بصراحة، فنحن لم نخف أبداً، ولم ولن نكترث لتلك القوى العالمية المزيفة. إننا نعلن موقفنا الحق بصراحة. الموقف الحق هو أنّ شعب البحرين محق، واعتراضه في محلّه. فلو أردتم بحث هذا الأمر مع أي إنسانٍ صاحب رؤية في الدنيا، وذكرتم أوضاعهم ونوع

 

 

171


136

خطاب الولي 2011

ولا تسمحوا ببروز الخلافات. ولا تسمحوا بحدوث تصدع. لا تسمحوا لما يريده العدو من خلال إعلامه وخبثه السياسي وفتنه السياسية أن يحدث في بلدنا.

 

قضية وزارة الأمن

أنتم ترون كيف أنّهم في الأيام الخمسة أو الستة الماضية قاموا بإحداث كل هذا الضجيج وفي العالم كلّه حول قضية ليست بذات أهمية قضية (وزارة) الأمن وأمثالها. ساقوا التحليلات نحو القول بوجود صدع داخل نظام الجمهورية الإسلامية، ووجود ثنائية في الحكم، وأن رئيس الجمهورية لم يطع كلام القيادة! ملأوا أجهزتهم الإعلامية بهذا الكلام الهشّ المفتقر لأية أسس. انظروا كيف ينتظرون أيّة حجّة. انظروا كيف أنّهم يكمنون كالذئب حتى إذا ما وجدوا أيّة حجة هجموا بكل ما أوتوا من قوّة. يعلمون أنّ الحكومة مشغولة بالسعي والنشاط والخدمة. حسناً، إنّها في الواقع تقوم بالخدمة، وأينما كان هناك خدمة أيّدها الناس وكذلك القيادة. نحن لا نحكم ولا نقضي بشأن شخص ما، إنّما نجعل العمل والنهج والتوجّه ملاكاً ومعياراً. وحيثما كان هناك عمل وخدمة وسعي فإنّه يكون مورد دعمنا ودعم الناس. وبحمد الله فإنّ العمل اليوم جارٍ، المسؤولون في الحكومة يسعون بحقّ وإنصاف. فأعضاء الحكومة وكذلك الأمر بخصوص رئيس الجمهورية ليس لديهم ليلٌ أو نهار. أنا أرى ذلك وأشاهده عن قرب فهم مشغولون دوماً بالخدمة والسعي. فهؤلاء بالنسبة لدولتنا لهم قيمة عظيمة. وأنا العبد الحقير، وطبقاً للأصول لم أكن بانياً على التدخل في أعمال الدولة وقراراتها، فإنّ المسؤوليات محدّدة في الدستور ولكلّ مسؤوليته، إلا في تلك الموارد التي أشعر بأن هناك مصلحة يتم إهمالها، مثلما حدث في مثل هذه القضية الأخيرة. فالمرء يشعر بأنّ هناك إغفالاً لمصلحة كبرى وتضييعاً لها، هنا يتدخل المرء للحؤول دون تضييع هذه المصلحة وهذه ليست بالقضية المهمة، وعادة ما يحدث أمثالها، ولكن المخالفين والأعداء الخارجيين والمنابر الدولية والأبواق الإعلامية تستغل هذه القضية من أجل إيجاد الضوضاء في الأجواء الإعلامية. أقول للعناصر الداخلية ولشعبنا الحريص

 

173


137

خطاب الولي 2011

ولإخواننا وأخواتنا الذين يعملون في الداخل في المجال الإعلامي أن لا يساعدوا على إشاعة مثل هذا الضوضاء. فما هي فائدة القيام بهذه التحليلات والإتيان بالأطراف من هنا وهناك وتحريض هذا على ذاك؟ كلا، إنّ الجهاز بحمد الله جهازٌ قدير، والمسؤولون عاكفون على أعمالهم، والقيادة المتمثّلة في هذا العبد الحقير بكل ما فيه من حقارة وذلّة، وبعون الله تعالى سنثبت على مواقفنا الصحيحة، فما دمت حياً وأتحمل المسؤولية فإنني بحول الله وقوّته لن أسمح بانحراف هذه الحركة العظيمة لشعبنا عن أهدافها ومبادئها. فما دام شعبنا العزيز هكذا بحماسه وشعوره وعزمه الراسخ حاضراً في الميدان فإن لطف الله يشمله واعلموا هذا. ما دمنا في الميدان فإن لطف الله سيظللنا. وإذا جرينا -أنا بشكل وأنتم بشكل وذاك الآخر بشكل والرابع بشكل- وراء قضايانا الشخصية ونسينا الأهداف فسوف يقلّ العون الإلهي طبعاً.

 

لكن اليوم تلاحظون أنّ الشعب لحسن الحظ حاضر في جميع الميادين، وكذلك المسؤولون والسلطات الثلاث بمجملها، سواء السلطة التشريعية أم التنفيذية أم القضائية جميعهم في الميدان، وإنني أشاهد هذا الأمر عن قرب، أشاهد سعيهم وعملهم وجهادهم وعرقهم، فالأعمال ثقيلة وليست قليلة.

 

حركة الجهاد الاقتصادي

ها نحن قلنا الجهاد الاقتصادي، فأضحى أمام جميع المسؤولين في البلد حركة عظيمة. على أبناء الشعب وعلى المسؤولين أن يضعوا يداً بيد، ويبدأوا هذا العام حركة الجهاد الاقتصادي. وكما قلنا فإن شعارات الأعوام تعني بدء التحرك لا أن يختص ذلك التحرّك أو الشعار بذلك العام. جيد، فهؤلاء والحمد الله يقومون بذلك.

 

معرفة النواقص لتقليلها

هناك طبعاً نواقص في أعمالنا جميعاً، أنا أيضاً توجد نواقص في عملي، ورؤساء السلطات لا يخلون من نواقص، والمسؤولون لا يخلون من نواقص. يجب أن نلجأ إلى الله تعالى، ونتعرّف إلى نواقصنا ونقلّلها، ولا نخلق العقد والعقبات في الأمور العظيمة لهذا الشعب الكبير وحركته العظيمة.

 

 

174


138

خطاب الولي 2011

نسأل الله تعالى أن لا يسلبنا نظر رحمته ونظرته الرحيمية الرحمانية التي يجزلها على هذا الشعب. إن شاء الله يكون القلب المقدس لولي العصر عطوفاً علينا ويشملنا بدعائه. نسأل الله تعالى أن يحشر شهداءنا الأعزاء وإمامنا الجليل الذي كان أساس هذه الحركة الكبرى في أعلى عليين وفي مقامات قربه.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

175


139

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء الآلاف من العمّال من مختلف المناطق

 

 

         

المناسبة:   يوم العامل

الحضور:  آلاف العمال من مختلف أنحاء البلاد

المكان:   طهران

 

الزمان:    ٠٨/٠٢/1390ﻫ.ش.

24/٠٥/1432ﻫ.ق.

٢٣/04/2011م.

 

 

177


140

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء الآلاف من العمّال من مختلف المناطق

 

 

         

المناسبة:   يوم العامل

الحضور:  آلاف العمال من مختلف أنحاء البلاد

المكان:   طهران

 

الزمان:    ٠٨/٠٢/1390ﻫ.ش.

24/٠٥/1432ﻫ.ق.

٢٣/04/2011م.

 

177


141

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أرحب بكم أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء الفاعلين في ميادين العمل وأجوائه. إنّ هذه فرصة لهذا العبد الحقير كي ينال توفيق الجلوس معكم كلّ سنة لعدّة دقائق وذكر بعض الأمور.

 

قيمة العمل والعامل

إنّ قضية العمل وشأن العامل وموقعه قضيّة فائقة الأهمية سواء في الإسلام أم في المنطق العقلائي. ففي منطق العقلاء، لو التفت الإنسان إلى سلسلة احتياجاته المصيرية لوجد أنّ الحلقة المتعلّقة بالعمل هي حلقة أساس ومصيرية. أي إنّنا لو جمعنا كلّ أموال الدنيا ولم يكن عنصر العمل والعامل إلى جانبها لبقيت كلّ حاجات الإنسان على الأرض. فالمال لا يمكن أكله أو لبسه أو الاستفادة منه. إنّ الشيء الذي يؤمّن حاجات الإنسان من الثروة البشرية والنّعم الموجودة على الأرض هو عنصر العمل. والعمل يعتمد على العامل. لهذا فإنّ دور الساعد المقتدر والأنامل الماهرة والذهن والذوق والسليقة الموجودة عند العامل في حياة الإنسان سواءٌ في حياته الفردية أم الاجتماعية هو أمرٌ عقلائيٌّ واضح. أمّا أولئك الذين لا يعتنون ولا يلتفتون إلى دور العامل ومجموع العمل فإنّهم في الواقع لا يرون هذا الدور الأساس والمهم أو لا يأخذونه مأخذ الجدّ. وأولئك الذين يعتبرون العامل من أدوات العمل كوسيلة هم من هذا القبيل. هذا هو المنطق العقلائي وهو منطق صحيحٌ تماماً، ولكن ما هو أعلى من هذا، هو منطق الإسلام. فالإسلام يعدّ هذا العمل الذي نقوم به عبادة وعملاً صالحاً. أي إنّ قضية العامل والعمل الذي يقوم به ليست محدودة ومنحصرة بالحياة الدنيا، بل إنّ الله تعالى قد أعدّ لهذه الحقيقة ولهذه الظاهرة أي ظاهرة العمل مقاماً سامياً في الخطّة الجامعة للحياة البشرية الممتدّة في الدنيا والآخرة. قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "هذه يدٌ لا

 

 

179


142

خطاب الولي 2011

تمسّها النار"[1]. عندما أخذ النبي يد العامل وقبّلها تعجّب الجميع. عندها قال النبي: هذه يدٌ لا تمسّها النار، أي إنّ صلاة الليل التي نؤدّيها وقراءتنا للقرآن الكريم وتوسّلنا إلى الله تعالى توجد في الواقع حجباً بيننا وبين النار، وكذلك العمل الذي نقوم به هو بنفسه سبب لإيجاد مانع وحجاب بيننا وبين النار. وهذا أمرٌ سامٍ جداً، ومهم للغاية، هذه هي رؤية الإسلام.

 

الحضور الميداني للعمّال

فلنأتِ الآن إلى الفئة العاملة. إنّني أذكر ما يتعلّق ببلدنا وخصوصاً ما يتعلق بعهد الثورة والجهاد. أولاً، كان للعمّال دورٌ مهمٌّ في إيصال نضال شعب إيران إلى ثماره. لو أنّ الفئة العاملة وبشكل أساس في النفط وبعض الأماكن الحساسة المهمة الأخرى لم تنزل إلى الميدان لبقيت عقبات ومشاكل عديدة على طريق انتصار الثورة. ثمّ جاءت قضية الدفاع المقدّس. وقبل الدفاع المقدّس وفي قضايا أوائل الثورة نفسها حيث إنّ أغلبيتكم أيّها الشباب إمّا أنّكم لم تكونوا موجودين وإمّا أنكم لا تذكرون، نحن كنا نشاهد عن قرب والعمّال ومجتمع العمّال في البلاد أدّوا ما عليهم. أنا شخصياً في يومي 21 و22 من شهر بهمن كنت في أحد المصانع القريبة من طهران بين العمّال وشاهدت عن كثب كيف أنّ العناصر التي تمّ تحريكها من قبل يسار ذلك الزمن أي الشيوعيّين وأذنابهم أرادوا الانطلاق بحركة من نقطة ما، هي بحسب الاصطلاح حركة عمّالية ويبدّلوا الثورة الإسلامية إلى ثورة شيوعية وماركسية. وكان هذا الأمر يجري في طهران. ومن وقف في قبال هؤلاء هم العمّال أنفسهم. بالطبع، كان ذلك المصنع لا يستخدم أكثر من بضع مئات من العمّال ولكنّهم أرادوه أن يكون نقطة الانطلاق لخطّتهم. نحن ذهبنا إلى هناك ووقفنا بين العمّال الذين كانوا يعرفون جيّداً صوت الدين. لم يكونوا يعرفونني، كنت طالباً عادياً، لكن أدركوا أنّ صوت الدين هو صوتٌ معروفٌ عندهم، وأنّ الصوت المعادي للدين هو صوت غريب وأجنبي عليهم، وكان بالنسبة لهم منكراً. لو أنّ من بين العمّال الذين كانوا آنذاك في المصنع من يسمع هذا الكلام ويجلس ليشرح ما حصل في تلك الأيام الثلاثة التي كنّا نذهب فيها إلى هناك وكنت أجلس

 

 


[1] راجع: ابن الأثير، المبارك بن محمد الجزري، النهاية في غريب الحديث والأثر، تحقيق طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، مؤسسة إسماعيليان، إيران - قم، 1364هـ.ش، ط4، ج‏4، ص202.

 

 

180


143

خطاب الولي 2011

هناك لساعات لكانت تجربة عجيبة ومهمّة في البلد. هكذا قام العمّال بما عليهم. أي إن أولئك الذين أرادوا تهيئة مجتمع العمّال لمواجهة الإسلام والجمهورية الإسلامية تلقّوا صفعة من نفس هؤلاء العمّال على وجوههم. وطيلة هذه السنوات كان الأمر على هذا المنوال واستمر إلى يومنا هذا، ثم جاءت قضية الدفاع المقدّس وتلك السنوات الثمانية وذلك الحضور العظيم والواسع للعمال في هذه الساحة، ثم جاء وقت الحضور في ميدان العمل.

 

الجهاد الاقتصادي

هناك عبارة وردت في أنشودة هؤلاء الإخوة الأعزّاء "ميدان العمل ميدان جهادنا"، وهذه الجملة صحيحة. فالعامل الإيراني الغيور والشريف يعدّ العمل ساحة نضاله وجهاده. فأنتم من خلال عملكم تمارسون الجهاد ضدّ أولئك الذين يريدون جرّ البلاد إلى ورطة السقوط والركود والفشل الاقتصادي. فليعلم عمّالنا الأعزاء في سائر أنحاء البلاد، أنّ العمل الذي تقومون به اليوم -الذي هو عمل مجدّ، وعمل ابتكاري، وعمل مبني على ذائقة الذهنية الإيرانية وسليقتها- هو جهادٌ ونضال. فأنتم بعملكم تقومون بمواجهة عالم المستكبرين ويجب أن يلتفتوا إلى هذا الأمر.

 

حسناً، إنّ ما حدث في بلدنا وفي نظام الجمهورية الإسلامية وهو في طور الاستمرار بحمد الله، عبارة عن بيئة من الصفاء والمحبة والأخوّة بين أطراف العمل. لا يعني ذلك أنّه لا يوجد من لا يريد ظلم العامل، ولا يعني أنّه لا يوجد أماكن تُهدر فيها حقوقهم أو لا يُعتنى بحاجاتهم، حسناً، يوجد أمور من هذا القبيل، لكن سياسة النظام والمسؤولين والمسار العام الحاكم على النظام الإسلامي هي إيجاد التآلف والانسجام والتعاون والتقارب بين أطراف العمل، سواء بين ربّ العمل أم العامل أم مسؤولي الحكومة. إنّ هذه الأشياء التي ذكرها الآن الوزير المحترم والعزيز، للعمل والشؤون الاجتماعية، هي أشياء مهمة، بعضها قد أُنجز وبعضها يجب إنجازه والتقدّم فيه بالصبر والتحمّل والمثابرة وبسرعة متى أمكن. يجب إن شاء الله أن يكون مجتمعنا العمّالي من المجتمعات الفعّالة والمفيدة. عامنا هذا هو عام الجهاد الاقتصادي والجهاد

 

 

181


144

خطاب الولي 2011

الاقتصادي يتوجّه إلى نقطة أساس في قضية إدارة البلاد، وهي أنّ العدوّ في يومنا هذا قد ركّز في حربه ضدّ الإسلام والجمهورية الإسلامية، على القضية الاقتصادية، لا أنّه نسي المجالات الأخرى. فإنّهم يفعلون كل ما أمكنهم في المجالات الثقافية والأمنية والسياسية وفي كل المجالات ضد نظام الجمهورية الإسلامية وقضية أنّهم سيُهزمون هي مسألة أخرى، ولكنّهم يسعون سعيهم ويتمركز سعيهم هذا حول القضايا الاقتصادية. فمن أجل فصل الشعب عن الدولة والنظام وإيجاد صدعٍ بينهم، هم يسعون لإيجاد مشاكل في القضايا الاقتصادية، لهذا فإنّ الجهاد الاقتصادي ضروري، أي نفس المواجهة والنضال بصورتها الجهادية، بكلّ عزمٍ وقوّة وإخلاصٍ وفهمٍ وبصيرة لما نقوم به. هذا هو معنى عام الجهاد الاقتصادي. القطاعات الاقتصادية المختلفة في البلاد في جميع فروعها الحكومية وغير الحكومية لو أنّها بتوفيق الله تمسّكت بهذه المجاهدة فستحدث طفرة ويكون الجميع مشاركين في هذا النجاح.

 

ضرورة إتقان العمل

ما أوصي به الفئة العاملة هو الإتقان والدقّة. هذا الحديث قرأته عدّة مرّات: "رحم الله امرأً عمل عملاً فأتقنه"1.

 

يجب أن نعمل من أجل أن تثبت في ذهن المستهلك الإيراني وغير الإيراني أن البضاعة الإيرانية هي بضاعة متقنة مطلوبة جميلة توافق الأذواق ومتينة. وهذا يعتمد على همّة مجموعة المبتكرين والعاملين والمتصدين للأمر. بالطبع، إنّ لهذا الأمر متطلّبات. من الممكن أن تكون هناك حاجة للتدريب ولدوراتٍ تتعلّق بتقوية المهارات حيث إنّ هذه هي مهمّة الأجهزة الحكومية وأشباهها لكن يبقى الهدف هو ذاك. فحيثما يقوم العامل الإيراني بإعمال ذائقته وسليقته وأنامله الماهرة يخرج بعملٍ جذّابٍ وملفت.

 

هذه الأعمال الفنّية التي هي مزيج من الفن والعمل والتي كانت لدى الإيرانيين في السابق، موجودة الآن، فهذا الأمر ملحوظٌ ومشهود. حيثما نزل الذوق والفن الإيراني إلى الميدان نفس هذا العامل الذي يعمل ويبتكر وله ذوقٌ وفنٌّ وإتقانٌ فإنّ العمل يكون

 


1- القرطبي، الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي)، مصدر سابق، ج13، ص244.

182


145

خطاب الولي 2011

جذّاباً ومستديماً. والآن ولحسن الحظ فإن الكثير من المنتوجات المحلّية هي أفضل من نظائرها الخارجية، وبعضها أفضل بدرجات وكذلك أجمل وأكثر إتقاناً وجاذبية. علينا أن نجعل هذا الأمر شاملاً لجميع المواد التي ننتجها، سواءٌ على مستوى المواد الغذائية أم الألبسة أم وسائل العيش أم الزينة. يجب أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار في جميع الأشياء التي يتم إنتاجها، ويمكننا ذلك. إن فئة العمّال والمهندسين والمصمّمين وأصحاب رؤوس المال والعاملين في مجال الأعمال اليدوية والآلات يمكنهم أن يقوموا بهذا العمل. يجب أن نصبّ همّنا في هذا الاتجاه لإيجاد منتجٍ مستديمٍ جميلٍ وفاخر، وهذا عملٌ جماعي.

 

الاتجاه نحو البضائع المحلية

النقطة الأخرى التي أتوجّه بها إلى أبناء شعبنا تتعلّق باستهلاك المنتجات المحلّية. فمن الآفات الموجودة في مجتمعنا والتي تعود بجذورها إلى إرث عهد الطاغوت والعصر الظلامي البائد هي أنّ الناس يحبّون المنتجات الأجنبية. في بعض الأحيان لا يكون لدينا إنتاجٌ محلّي، وفي أحيانٍ أخرى يكون المنتَج موجوداً لكنّه غير قابل للاستهلاك، ولكنّنا في هذا الزمن لسنا كذلك، فالآن أضحت المنتجات المحلّية مرغوبة ومطلوبة. وفي نفس الوقت هناك من يعجبه أن فلاناً توجد ماركة أجنبية على لباسه أو على وسيلة طعامه وهذا مرضٌ ويجب معالجته. هذا الأمر هو عدم اكتراث بأنّنا نعيش في هذا البلد وننعم فيه بالنعم الإلهية. فعندما نحصل على الأموال في هذا البلد ونقوم بصبّها في جيب عاملٍ أجنبي فإننا نضر بالعامل المحلّي. وهذا يعني عدم الاكتراث للحاجة المحلية والعامل المحلي الذي يتعب لينتج، ثمّ نذهب إلى العامل الأجنبي وهذه عادة سيئة جداً.

 

برأيي، إنّ من أنواع الجهاد الاقتصادي للشعب، في عام الجهاد الاقتصادي، هو أن يتّجهوا نحو البضائع المحلية ويطلبوها. وبالطبع الجانب الآخر للقضية هو أن تكون السلع المصنّعة محلياً مقنعة، أي يجب أن يكون إتقانها ومرغوبيتها وصلاحيتها بحيث تقنع المشترين. فكلاهما معاً لازمان وواجبان.

 

 

183


146

خطاب الولي 2011

متابعة القضايا الهامّة

بالطبع هناك قضايا يجب على مسؤولي البلاد أن يتابعوها بهمّة. هي قضايا متعدّدة في عام الجهاد الاقتصادي. فقضية العمالة مهمة جداً، وكذلك الإبداع وأيضاً قضية الاهتمام بالبنية التحتية الاقتصادية على مستوى سائر المناطق، ومن الجيد أنّ أفراداً من ذوي الفكر والرأي جلسوا وبحثوا حولها وحدّدوها. ومتابعة هذا الأمر مهمّة جدّاً. وكذلك قضية الصناعة والزراعة وغيرها من القضايا في هذه المجالات. كلّها أعمالٌ أساسية وأداؤها يُعدّ بحدّ ذاته جهاداً في سبيل الله.

ما يشاهده المرء هو أنّ التوفيق والتفضّل الإلهيين على هذا البلد والشعب، سيزيل الموانع التي تقف على الطريق تباعاً. فهذا التطوّر هو مصير شعبنا. والمساعي التي يبذلها أعداء شعب إيران ستعود عليهم بالضرر، وسينالهم غضبٌ من الله وخسرانٌ في الدنيا والآخرة ولن يصلوا إلى نتيجة.

 

المردود العكسي لجهود المستكبرين

في يومنا هذا، تصطف أجهزة الاستكبار، أجهزة الظلم وأعداء الإنسانية، الأجهزة التي أضحت أمام شعوب العالم مفضوحة، تصطف كلها مقابل الجمهورية الإسلامية علّها تتمكّن من توجيه ضربة إلى نموذج العظمة، والشرف الإسلامي الإنساني هذا، لكي لا يكون ملهماً للآخرين، إنّهم يبذلون كلّ مساعيهم، والنتيجة أنّهم لا يُحصِّلون أي فائدة من هذه الجهود. أرادوا أن يعزلوا شعب إيران وحصل العكس. فكم قاموا بجولاتٍ مكوكية في هذه المنطقة وأقاموا الاجتماعات والتقوا بالشخصيات الفاسدة في هذه المنطقة من أجل أن يعزلوا إيران. والله تعالى فعل ما جعل شعب إيران اليوم ونظام الجمهورية الإسلامية في هذه المنطقة أكثر مقبولية من قبل هذه الثورات الشعبية وهذه السلسلة من النهضات العظيمة في هذه الدول.

 

وأضحى ذلك مورد توجّه هذه الشعوب وأضحت إيران تُذكر على الألسن أكثر من أي وقت مضى، وأصبحت أكثر احتراماً، وهذا كلّه خلاف ما أرادوه.

 

إنّ الولايات المتّحدة الأميركية، التي هي من أكثر الدول والأجهزة المدانة، والتي

 

184


147

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء آلاف المعلمين من سائر البلاد

 

         

المناسبة:   ذكرى استشهاد آية الله الشيخ مرتضى مطهري

الحضور:  آلاف المعلمين من مختلف أنحاء البلاد

المكان:   طهران

 

الزمان:    14/٠٢/1390ﻫ.ش.

30/٠٥/1432ﻫ.ق.

04/05/2011م.

 

 

187


148

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أرحب بكم إخواني وأخواتي الأعزّاء المعلّمين والمسؤولين في هذه الوظيفة المميّزة والحساسة مهنة التربية والتعليم في سائر أنحاء البلاد. نستغلّ هذه الفرصة لنسلّم على جميع المعلمين في أقصى مناطق البلاد ونحيّيهم ونسأل الله تعالى بتضرّع أن يبارك لكم هذا المسار العظيم للتعليم والتربية الملقى على عواتقكم ويجعله لشعبنا العزيز إن شاء الله منشأ الخيرات والبركات.

 

فضل الشهيد مطهّري وبركاته

كما ونجلّ ذكرى شهيدنا العزيز المعلّم المميّز والحي دائماً المرحوم الشهيد المطهري. أقول إنّ جعل يوم المعلّم في ذكرى شهادة الشهيد مطهري يجسّد معنى عميق المغزى والمضمون، لأنّ المرحوم الشهيد مطهري حقاً وإنصافاً كان إنساناً عظيماً ومميزاً. إنّ حياته وسعيه المخلص، الإيماني والعلمي، كان متلازماً مع حرفته وبصيرته الكاملة في ميدان العلم والمعرفة والثقافة. والله تعالى أثاب هذا الرجل العظيم وآجره ومنّ عليه بالشهادة، وفي الواقع أبقاه حيّاً ﴿بَلۡ أَحۡيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمۡ﴾[1]، فعندما يأتي خرّيجٌ محصّلٌ من الحوزة العلمية في قم محمّلاً بالمعرفة والعلم المتميّز بالعمق إلى وسط الجوّ الثقافي والتعليمي والتربوي العام والشبابي فسوف يصبح -إلى هذا الحدّ- منشأً للبركات.

 

وهنا أريد أن أقول وقد قلت هذا الكلام سابقاً في الحوزة العلمية إنّ فضلاء الحوزة العلمية أي العناصر اللائقة والمقتدرة هم الذين يمكنهم أن يؤدّوا الدور داخل المجموعة الكبيرة للتربية والتعليم، فلا يوجد جهازٌ أكثر أهمية من التربية والتعليم، بمعنى أنّ كلّ ما ننفقه على التربية والتعليم مادياً ومعنوياً وبشرياً سيكون

 

 


[1] سورة آل عمران، الآية 169.

 

 

189


149

خطاب الولي 2011

جديراً بالإنفاق. فالتربية والتعليم مصدر حياة بالنسبة للمجتمع، سواء كان ما يتعلق بحاضره أم مستقبله.

 

دور المعلّم وتأثيره

حسناً، هنا نصل إلى دور المعلّم -أي أنتم- المعلّم هو الذي يعمل على إعداد الطاقات البشرية من أجل إدارة حياة البلاد والمجتمع في المستقبل غير البعيد. فما هي إلا غمضة عين وتكون أعمال هذا المجتمع على عاتق هؤلاء الشباب والطلاب الذين تعملون عليهم، وفي أية رتبة أو مستوى كانوا. فمن بينهم سيكون المبدعون والمميزون والعظماء، ومن بينهم سيخرج المجاهدون في سبيل الحق والأصفياء والمخلصون المجهولون، السائرون على طريق الأهداف الإلهية، ومن بين هؤلاء ستولد الأيدي المقتدرة التي ستدير عجلة اقتصاد البلاد وتوجّه ثقافتها. إنّهم هؤلاء الطلاب الذين يدرسون في صفوفكم. أنتم تريدون تنشئتهم وتخريجهم، أنتم تريدون تربيتهم ليكونوا في المستقبل قادرين على العمل بنحوٍ جيد وصحيح وأن يكونوا أساس تطوّر لا موانع أوأسباب فساد، فانظروا كم أنّ الأمر مهم.

 

أقول، إنّ تأثيركم كمعلّمين في العديد من الموارد هو أكثر من تأثير الوراثة. فالخصائص الوراثية هي التي تلازم الإنسان، ولكن بالتمرين والاعتياد الثانوي يمكن التغلّب عليها. يمكن للمعلّم أن يمنح تلامذته وطلّابه هذا التمرين على الاعتياد الثانوي. إنّكم تقدرون على إيجاد إنسان على الطراز الإسلامي بالمعنى الحقيقي للكلمة، يمكنكم أن توجدوا إنساناً وفق طراز الجمهورية الإسلامية، هذا هو دور المعلم. هذه ليس مجاملة، هذه وقائع.

 

 مسؤولياتنا تجاه المعلّم

إنّ من الأعمال الواجبة علينا أن نقدّر المعلّم على مستوى أفراد الشعب كباراً وصغاراً، من المقامات العالية إلى آحاد الناس، وأن ندرك حرمته وأهميته. وهذا من الأعمال المهمة جداً. وعلى الوسائل الإعلامية المختلفة أن تؤدي دورها في هذا المجال كما المسؤولين. وأن لا يكون الأمر مجرّد مجاملة وإعلان. ليفهم من هم أمثالي مدى

 

 

190


150

خطاب الولي 2011

أهمية الدور الذي يؤدّيه هذا الرجل أو تلك المرأة التي تبذل عمرها في الصف من أجل تربية فتيتنا هؤلاء وأطفالنا وأبنائنا. بالطبع نفس هذا المعلّم، عليه أن يدرك أيضاً هذا الدور وهذه الأهمية. فهذا من الأعمال الأساسية والمهمة الملقاة على عاتقنا. لهذا إن قيمة المعلّم في أسبوعه ويومه هي أمور فائقة الأهمية والعظمة.

 

على الجميع أن يلتفتوا، الناس بطريقة، والمسؤولين بطريقة أخرى، ومؤسسة التربية والتعليم بطريقة ثالثة، وكذا الحكومات، على كلّ واحدٍ منّا مسؤوليات تجاه هذا المقام للمعلّم. وعلى الجميع إن شاء الله أن يلتزموا ويضعوا في أعناقهم هذا الأمر وينجزوه بجوانبه المادية والمعنوية وخاصّة بما يتعلّق بجانب التقدير والاحترام.

 

الحاجة إلى نظام تربية وتعليم جديد

كلمة تتعلّق بالتحوّل في التربية والتعليم. كنّا قد ذكرنا هذا مراراً في نفس هذه الاجتماعات التي أقمناها معكم أيّها المعلّمون الأعزّاء والمسؤولون في التربية والتعليم، أو في اللقاءات التي جرت مع المسؤولين بشكل خاص. حسناً، ما هو المبرر لمثل هذا التحوّل؟ غاية الأمر أن الإنسان يقوم بعملية تحويل وتطوير بدون هدفٍ أم مبرّر. فلماذا نريد إيجاد تحوّل؟ إن السبب البسيط هو أنّ نظامنا الحالي في التعليم والتربية لم يظهر عن قدرات لازمة لتربية وإعداد الأجيال المختلفة. والسبب بالدرجة الأولى هو أنّ هذا النظام وهذه التشكيلات مستوردة وليست نابعة من حاجاتنا الداخلية. وهذا من أكبر مشاكلنا. فأحياناً، تجارب شعبٍ ما وسيره التاريخي يوصله إلى هذه النتيجة أنّ عليه أن يعلّم بهذه الطريقة ويربّي بهذه الطريقة ويبني بتلك الطريقة ويتحرّك على هذا النحو ويدير بذاك الأسلوب. هذا جيّد. على الإنسان أن يستفيد من تجارب الآخرين أيضاً. نحن لا يسوؤنا أن نتعلم من الآخرين ولا نعتبره عاراً. لكن السيئ هو أن نأخذ هذه النماذج المختلفة للشعوب الأخرى والثقافات المختلفة كقطعة واحدة ونطبقها دفعة واحدة بين شعبنا وفي بلدنا دون أن نأخذ بعين الاعتبار المقتضيات والظروف والأرضيات. ومنذ مئة سنة والأمر في بلدنا على هذا المنوال. أولئك الذين كانت نواياهم حسنة وأرادوا التقدّم لهذا البلد ولكن لم يعرفوا كيف يحصل هذا الأمر

 

 

191

 


151

خطاب الولي 2011

-ولنترك جانباً أولئك الذين كانوا عملاء وجواسيس للدول الأجنبية- ظنّوا أنّهم يجب أن يتحوّلوا من الرأس لأخمص القدمين وأن يصبحوا كالأجانب، وقد ذكروا ذلك وكتبوه أيضاً وارتكبوا بهذا الأمر ذلك الخطأ الكبير ومن جملته التعليم والتربية لدينا. والكثير من أمورنا الأخرى هي على هذا المنوال، اقتصادنا، فنّ عمارتنا، حياتنا العرفية، ثقافتنا، وأشياء كثيرة أخرى عندنا أصيبت بهذا الداء بسبب خيانة أو اعوجاج فهم النخبة السياسية في العهود الطاغوتية. حسناً، الحمد الله جاءت الثورة الإسلامية وبدّلت المسار. نحن أقبلنا على النهضة الذاتية والعودة إلى الذات وإدراك القدرات ولكن ما يزال الكثير من البنى على حالها كما كانت في السابق ومن ضمنها قضية التعليم والتربية. يجب علينا أن نستفيد من تجارب العالم سواء في الغرب أم في الشرق ومن الشعوب المختلفة من أجل أن نضفي الكيفية على نموذجنا. وحاجتنا إلى التحوّل تنبع من هنا.

 

النموذج الأصيل

هذا التحوّل يجب أن يكون على أساس إيجاد نموذجٍ إيرانيٍ مستقل ونابع من المعنويات والاحتياجات المحلية، أي إنّه في الواقع ناشئ من الإسلام الأصيل، الإسلام الذي نعتقد به. يجب علينا إيجاد مثل هذا النموذج، ويجب أن يكون التحوّل ناظراً إلى هذا الأمر. ما هو هدف هذا النموذج الجديد وهذه الهيكلية والتركيبة الحديثة للتعليم والتربية؟ الهدف هو تربية القوى الإنسانية على طراز الجمهورية الإسلامية.

 

الهدف من التربية والتعليم

إذا أرادت الجمهورية الإسلامية رفع راية الإسلام وإيصال نفسها إلى السعادة وإعمار دنياها وآخرتها -حيث إن القرآن يعلّمنا أنّه يمكننا القيام بعمارة الدنيا والآخرة ويجب علينا ذلك- إذا أرادت أن تكون عوناً للشعوب الأخرى ﴿كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ﴾ شاهدة ومبشّرة للشعوب الأخرى فبالطبع هناك مقتضيات ولوازم: يجب أن تربّوا أشخاصاً شرفاء وعلماء وباستعدادات فوّارة ومبتكرين ويتحلّون بالأخلاق الإنسانية الحسنة، ويتمتعون بالشجاعة والقدرة على المخاطرة والدخول في الميادين الجديدة

 

192


152

خطاب الولي 2011

بدون أية عقدة من عقد النقص أو التعالي، أشخاصاً متحرّقين متعلّقين بالله تعالى، ويعتمدون على القدرة الإلهية ولديهم توكّل كامل وصبر وتحمّل وحلم وأمل وتفاؤل. وقد قدّم الإسلام كل هذه الخصائص كمجموعة واحدة لكلّ المعتقدين والمؤمنين به. فلنفتح هذه المجموعة ولنستفد من هذه المواد قطعة قطعة، ولنتذوقها ولندّخرها في أعماق وجودنا. هذا ما ينبغي أن يكون عليه ناتج التعليم والتربية. فضَيِّقو الأفق والمتشائمون واليائسون والمحبطون وعديمو التقوى والفاسدون لا يمكنهم أن يتقدّموا بالمجتمعات ويمنحوا الشعوب سعادتها، وبالطبع لن يقدروا على أن يكونوا أنموذجاً وأسوة. فالتحول في التعليم والتربية ناظرٌ إلى هذه القضايا.

 

إنّ جميع ما ذكره الوزير المحترم هو أعمالٌ حسنة وبالطبع ليست كلّها بنفس المستوى، فبعضها أعمال مهمة وتقع في الدرجة الأولى والأساسية، وبعضها أعمال فرعية يجب إنجازها. غاية الأمر أنّ عليكم أن تحدّدوا الوجهة وتعلموا ماذا نريد أن نفعل. إنّ الخطة الجامعة للتحوّل يجب أن تكون في أيدينا وعلى أساسها نحقّق أجزاءها المختلفة، بعضها يكون أسرع من بعض، وبعضها يكون لاحقاً. أنتم تضعون في أذهانكم تصميماً لبناءٍ كاملٍ وجامعٍ وجميلٍ ومحكم في أرضٍ وسيعة وفي المكان المناسب، فتعلمون ماذا ينبغي أن تفعلوا. ومن ثمّ تشرعون من زاوية. فأحياناً، تبنون جانباً من هذا البناء وأحياناً جانباً آخر. الذي ينظر ربّما لن يفهم ما الذي سيتحقق، لكنّكم تعلمون ماذا تفعلون لأنّكم تحملون التصميم في ذهنكم. وكلّ جزءٍ يؤمّن شطراً من تلك الخطّة الجامعة. هذا في حال كان لديكم هذه الخطة الجامعة، فإذا لم تكن هذه الخطة موجودة ولم يكن هناك نظرة شمولية في هذا التحوّل فمن الممكن أن تخرج الأمور بصورة متناقضة وتكون مكررة وزائدة ومليئة بالنقائص الكبيرة. لهذا فإنّ النظرة الكلية والخطة الجامعة هي الشرط الأول.

 

المعلّم هو الأساس

أحد الأشياء التي ينبغي مراعاتها في هذه الخطة الجامعة بصورة حتمية هي قضية المعلّم. بالطبع، هناك إنجازات مهمة على صعيد الكتب الدراسية، فنحن نقوم بإنجاز

 

 

193


153

خطاب الولي 2011

بعض الأعمال الجيدة على صعيد الكتب الدراسية. وبالطبع هناك أمور ينبغي إنجازها وإن شاء الله ستُنجز لكنّ الكتاب سيكون على عاتق المعلّم الذي يدرّسه. فإذا كان المعلّم عالماً متحرّقاً من أهل الفكر والابتكار فإنّه سيرمّم النقص في الكتاب لو وُجد. أما إذا كان المعلّم عاجزاً يائساً فاقداً للدافعية والمثابرة ويدرّس من أجل المصالح الضيقة حتى ولو كان الكتاب جيداً فلا نعلم ماذا سيكون نصيب التلميذ منه. فالمعلّم مهمٌّ والمحور هو المعلّم.

 

لقد أشير إلى قضية إعداد المعلّم وقضية التأهيل واستمرار التعلّم والدورات التعليمية المختلفة التي تُجرى للمعلّمين. هذه أعمالٌ جيدة جداً، ويجب إنجازها. وبالطبع أنتم المعلّمون الأعزاء لديكم دور في عرض ذلك النموذج الكافي واللازم للمعلّم في المدارس. وعلى كل حال هذه هي احتياجاتنا ويجب تأمينها. على أجهزة الدولة أن تنظر إلى هذه المجموعة الكبيرة والمهمة بهذه العين، فمستقبلنا متوقف على حاضر التعليم والتربية. كلّ ما يتمّ بذله هنا، سيكون له قيمته ونتائجه في زمانه وفي وقته، وبدرجات أعلى مما أنفق عليه مادياً ومعنوياً. إن بلدنا بحاجة إلى تعليم وتربية جيدين، لماذا؟ لأن العمل الذي نهض به هذا الشعب وبدأه هو عمل كبير.

 

أعزائي! لنكن متيقّنين أنّ هذه الحركة التي حققها وأنجزها هذا الشعب القوي والشجاع والمؤمن بقيادة إمامنا الجليل والعظيم قلّ نظيرها على امتداد التاريخ، لا في زماننا فقط.

 

إيران وحركة الصحوة العالمية

تحقَّق عمل عظيم وكبير. أنا وأنتم وُجدنا في قلب هذا العمل، وكلّ واحد منا بقدر وسعه وطاقته، نقوم بهذا التحرّك. لا يمكننا أن نجري تقييماً شاملاً لهذه الحركة إلا إذا أخرج الإنسان نفسه من هذه الأبعاد وفكّر وقارن ونظر إلى أوضاع العالم وتأمّل في الحركات العالمية والإنسانية العظيمة، وشاهد الدوافع المختلفة التي تقف وراء هذه الحركات السياسية والاجتماعية المختلفة، ونظر إلى دور القوى المستكبرة، أولئك الذين

 

 

194


154

خطاب الولي 2011

ذكرهم القرآن تحت ﴿أَكَٰبِرَ مُجۡرِمِيهَا لِيَمۡكُرُواْ فِيهَاۖ﴾[1] وشاهد دور السياسات التخريبية الساعية للقبض على العالم والإمساك بالبشر بمخالبها الدموية والحديدية من أجل تحقيق مصالحها الخاصة، ثمّ شاهد بعد ذلك كيف كانت هذه الحركة حركة عظيمة. إنّ حركة شعبٍ من أجل إحياء القيم الإسلامية -وأكثر القيم الإنسانية أصالة هي هذه القيم الإسلامية في عالمٍ تهيمن عليه كل هذه العناصر الظالمة والمقتدرة وتعمل ضد هذه القيم- ستكون حركة كبيرة جدّاً وعظيمة.

 

صحيحٌ أن شعباً نزل إلى الميدان بكل قوته وقام بعمل عظيم وانتصر وأسس نظاماً لكنّه كان غريباً. فهذا الشعب ما زال غريباً. هذا الشعب قام بهذا العمل في غربة وطوى هذا الطريق الصعب بغربته دون أن يتعب أو يتزلزل أو يندم أو ييأس أو يخاف وتقدّم. واليوم أضحت آثار أعماله وحركته العظيمة ودوافعه الكبرى تُستشعر بالتدريج على مستوى العالم وتُشاهد.

 

إنّني أقول لكم إنّه لن تكون حركات الصحوة منحصرة في دول شمال أفريقية ومنطقة غرب آسيا التي تحدث اليوم، بل إنّ حركة الصحوة هذه ستمتد إلى قلب أوروبا. سيأتي ذاك اليوم الذي ستقوم فيه الشعوب الأوروبية ضدّ السياسيين والمسؤولين والمقتدرين الذين سلّموها بالكامل للسياسات الثقافية والاقتصادية الأمريكية والصهيونية. إن هذه الصحوة حتمية. إن امتداد وعمق حركة شعب إيران هي هذه الأمور، إنّها حركة عظيمة.

 

حسناً، إذا أردتم أن تستمر هذه الحركة بنفس السرعة والسلوك وتكون مثمرة يجب علينا أن نبني أنفسنا، أن نكون كزبر الحديد، أن نقوي إيماننا ونرفع من بصيرتنا ونزيد من وعينا ونتقدّم في علومنا ونفعّل طاقاتنا الكامنة التي جعلها الله فينا، ونحافظ بقوّة على اتّحادنا ووحدتنا ونُحكِم ذلك، فكل هذه أمور ضرورية.

 

الحمد لله إن شعبنا يعمل على هذا الأساس، ويتقدّم بشكل جيد، لكن إذا استطعتم أن تربّوا هذا الجيل الفتي تربية صحيحة فإن هذه الحركة ستتقدم بشكل أسرع. ثقوا

 

 


[1] سورة الأنعام، الآية 123.

 

195


155

خطاب الولي 2011

بأنّ جمهورية إيران الإسلامية ببركة الهمم الرفيعة وببركة الإيمان القوي وببركة الصلحاء والمؤمنين والمخلصين، الذين لدينا منهم بحمد الله الكثير، ستفتح القمم الرفيعة واحدة بعد أخرى.

 

رحمة الله على روّاد هذا الطريق. رحمة الله على شهدائنا الأعزاء والمجاهدين العظماء رحمة الله على روح إمامنا العظيم الطاهرة الذي فتح أمامنا هذا الطريق، ورحم الله كل الشعب الإيراني.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

196


156

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في الملتقى الثاني للأفكار الإستراتيجية بموضوع العدالة

 

 

 

 

         

المناسبة:   الملتقى الثاني للأفكار الإستراتيجية

الحضور:  المشارکون فی الملتقی

المكان:   طهران

 

الزمان:    27/٠٢/1390ﻫ.ش.

13/٠٦/1432ﻫ.ق.

17/05/2011م.

 

 

197


157

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

أوجّه شكراً كبيراً للحضور المحترم، الإخوة والأخوات الأعزّاء وكذلك لمقيمي هذا اللقاء المفيد والغني بالمضمون، وبالأخص للدكتور واعظ زاده1 الذي أدار اللقاء إدارة جيّدة. أشكركم لإيجاد هذه الفرصة لطرح هذه الأبحاث وإن شاء الله سيكون لها استمرار. وأحمد الله المتعال والرّب العزيز الحكيم الذي منّ بالوقت والأمن والإمكانات والنشاط على الجمع الحاضر والذين دعموا تشكيل هذا اللقاء حتّى تمكّنوا من إنجاز هذا العمل. لو لم يكن لطف الله، ولو لم يكن هناك راحة بالٍ عند المفكّرين والأساتذة والعلماء، لما تمكّن النظام من الحصول على هذه الفرصة. هذه فرصة مهمّة، لحسن الحظ، جعلها الله بأيدينا.

 

ما تمّ إنجازه اليوم في هذا اللقاء يمثّل بداية، ونحن نأمل بمتابعتها أن تكون لها استمرارية لائقة تتبعها عاقبة مباركة. أشعر بوجود استعداداتٍ بشرية واسعة في هذا البلد من أجل متابعة هذا البحث المهمّ بحث العدالة وإيصاله إلى غايته.

 

كما أنّ أصحاب الرأي والخبراء الذين لم يحضروا اللقاء هم بنظرنا شركاء هذا البحث. وحتماً، هناك لحسن الحظ على مستوى البلاد وفي الجامعات والحوزات والمؤسّسات التحقيقية الممتدّة على مدى البلاد، من أصحاب الرأي من لديهم تحقيقات في هذه المقولة وهذا البحث، أو أنّهم مستعدّون للقيام بالأبحاث. نحن نعدّهم شركاء في هذا البحث.

 

 


1- رئيس المجلس الأعلى لمركز النموذج الإسلامي الإيراني للتقدّم.

199


158

خطاب الولي 2011

بحث العدالة مقولة نخبوية

يجب أن يتحوّل بحث العدالة إلى مقولة نخبوية. يجب علينا المضيّ بهذه القضية وأن لا ندع متابعة هذا البحث، حيث إنّ الأرضية مهيّأة جداً، والحاجة ملحّة للغاية. وقد استشعرنا من كلمات الأصدقاء جانباً من هذا الاحتياج. إنّ هذه الأبحاث التي قمتم بها والتي ستكون في المستقبل إن شاء الله، سيكون نتاجها للجيل الحاضر والأجيال المقبلة نتاجاً قيّماً ومورد حاجة شديدة. ولعلّه من الضروري أن نستفيد لاحقاً من أصحاب الرأي في العالم الإسلامي أيضاً. ولعلّه يوجد في الدول الأخرى أصحاب رأيٍ يمكنهم أن يعينونا في الاستنباط النهائي وفي إيصال بحث العدالة إلى غايته.

 

إنّني راضٍ ومسرور لأنني شعرت بأنّ الأصدقاء قد اهتموا بأبحاث بعضهم بعضاً. فهذه المحاور المتعلقة بالنقد والإشكال التي أدغمها الدكتور واعظ زاده في هذا اللقاء كانت بنظري من أكثر الأبحاث جاذبية، وكانت تشير إلى أنّ الحاضرين قد اعتنوا بالأبحاث. وهذا الأمر يُؤدّي إلى إيجاد التضافر. جميعكم لديه آراء، وقد فكّرتم بهذه المقولة وسوف تفكّرون أكثر، لكن عندما يأتي الجميع ويتباحثون في مثل هذا التجمّع ويتبادلون الآراء فإنّ ما كنّا نفكّر به يصبح أكثر عمقاً وأوسع وأكثر جامعية وفي النهاية بمشيئة الله يوصلنا إلى نقطة نهائية سوف أشير إليها.

 

لن أدخل في المضمون، فالبحث المضموني قد بدأ اليوم من خلالكم ويجب أن يستمرّ بإذن الله في هذا المركز الذي أشار إليه السيّد واعظ زاده، حيث إنّ ذاك البحث وتلك النتيجة النهائية ستكون مليئة بالمحتوى المثمر من أفكار وآراء ونتاجات علمائنا ومفكرينا. لهذا لن أدخل في تلك المسألة، إنّما أذكر عدّة نقاط فقط.

 

نقاط حول العدالة

1. الدور الإستثنائي للأديان في مجال العدالة

إحدى هذه النقاط أنّ العدالة كانت همّاً دائماً للبشر عبر التاريخ. ونتيجة الشعور بالحاجة إلى العدالة التي عمت جميع الناس على مرّ التاريخ وإلى يومنا هذا، دخل مفكّرو البشرية والفلاسفة والحكماء في هذه المقولة وأضحت مورد اهتمامهم. لهذا

 

 

200


159

خطاب الولي 2011

تمّ البحث بشأن العدالة والعدالة الاجتماعية من الأزمنة القديمة وإلى يومنا هذا بهذا المعنى العام، وقُدّمت النظريات، لكنّ دور الأديان كان دوراً استثنائياً. أي أنّ ما ذكرته الأديان عبر الأزمنة حول العدالة وأرادته واهتمّت به كان منقطع النظير واستثنائياً. ومثل هذا الاهتمام الذي أولته الأديان لا نشاهده في آراء الحكماء والعلماء.

 

أ. العدالة هدف الأديان النهائي

الميزة الأولى أنّ الأديان جعلت العدالة هدفها بشهادة القرآن ﴿لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ﴾[1]. من المؤكّد أنّ هذه الآية تحكم بأنّ هدف إرسال الرسل وإنزال الكتب ومجيء البيّنات -أي الحجج المتقنة التي لا تقبل الشكّ ممّا عرضه الأنبياء، والكتاب يعني منشور الأديان بما يتعلّق بالمعارف والأحكام والأخلاقيات، ،والميزان يعني ما يحدّد وضع المعايير- هو القيام بالقسط، ﴿لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ﴾. وبالطبع، لا شكّ بأنّ القيام بالقسط وكلّ ما يتعلّق بالحياة الدنيوية والاجتماعية والفردية للنّاس، هو مقدّمة لذاك الهدف المتعلّق بالخلق ﴿ وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ﴾[2]، أي العبودية. في الأساس هدف الخلقة صيرورة الإنسان عبداً لله، حيث إنّ هذه العبودية نفسها تُعدّ أعلى الكمالات. إلاّ أنّه للوصول إلى ذاك الهدف، الذي هو هدف النبوّات وإرسال الرّسل، ومن جملتها ذاك الشيء الذي تصرّح به هذه الآية. بالطبع، هناك بيانات أخرى أيضاً في آيات القرآن تشير إلى بقية أهداف إرسال الرسل، حيث يمكن جمعها معاً. فإذاً، أضحى الهدف هو العدالة، هدف بناء النظام، هدف الحضارات وغاية حراك البشر في المحيط الاجتماعي هو العدالة. ومثل هذا لا يوجد في أي مذهبٍ آخر، فهو من مختصّات الأديان.

 

ب. الأنبياء إلى جانب المظلوم في وجه الظالم

الخاصّية الثانية للأديان هي أنّ الأنبياء كانوا على مرّ التاريخ إلى جانب المظلومين، فقد جاهدوا عملياً من أجل العدالة. لاحِظوا، لقد صرّح القرآن الكريم أنّ الأنبياء يواجهون الطواغيت والمترفين والملأ، حيث إنّ هؤلاء جميعاً من الطبقات الظالمة، المترَف والمترِف

 

 


[1] سورة الحديد، الآية 25.

[2] سورة الذاريات، الآية 56.

 

201


160

خطاب الولي 2011

من جهتين ينطبقان على طبقة خاصة، وكلاهما صحيح. بالطبع، ما ورد القرآن هو "المترفين"، لكنّ المترِف صحيح أيضاً. فالمترفون يقفون مقابل الأنبياء، ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِي قَرۡيَةٖ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتۡرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلۡتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ﴾[1]. فما نجد من نبيٍّ إلا وكان في مقابله مُترَفون وكان النبيّ يُحاربهم، وهكذا كان حال الممسكين بالقدرة وأصحاب السلطة. والطاغوت له معنى يشمل جميع هؤلاء. لهذا فإنّ الأنبياء كانوا دائماً إلى جانب المظلوم في الصراع بين الظالم والمظلوم، فكانوا ينزلون إلى الميدان من أجل العدالة ويُحاربون، وهذا ما لا نظير له. لقد تحدّث الحكماء عن العدالة، ولكنّهم في أوقات كثيرة كانوا مثل كثير من المفكّرين المختلفين الذين يكتفون بالكلام ولكنّهم لا ينزلون إلى الميدان عندما يحين دور العمل. وقد شاهدنا مثل هذا في مرحلة المواجهة (ضد الشاه) وأيضا شاهدناه بعد ذلك في مرحلة الدفاع المقدّس. وهذا ما نشاهده تقريباً اليوم أيضاً. لم يكن الأنبياء هكذا، بل كانوا ينزلون إلى الميدان ويُعرّضون أنفسهم للخطر، حتى أنّه في الوقت الذي كانوا يقولون لهم لماذا تقفون إلى جانب الطبقات المظلومة، انفَصِلُوا عنهم، كان الأنبياء يواجهونهم. فالآية الشريفة، ﴿وَلَآ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزۡدَرِيٓ أَعۡيُنُكُمۡ لَن يُؤۡتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيۡرًاۖ﴾[2] تتحدّث عن جواب النبي نوح لمعارضيه هي في هذا المجال أيضاً. لذا، فأولئك الذين كانوا محرومين من العدالة كانوا أوّل من يُؤمن بالأنبياء أيضاً.

 

ب. الخاتمة خاتمة العادلة

الخاصّية الثالثة هي أنّ جميع الأديان تتّفق على أنّ نهاية هذه الحركة التاريخية العظيمة هي نهاية مليئة بالأمل بالعدل. إنّها تقول بشكل قاطع إنّه سيأتي عصرٌ يكون عصر العدل وهو عصر استقرار الدين الكامل. وقد جاء في الدعاء الذي يُقرأ بعد زيارة آل ياسين، "يَملأ اللهُ بِهِ الأَرضَ قِسطَاً وَعَدلاً"[3] أو "عَدلاً وَقِسطَاً" حيث تختلف في مواضع عديدة "كَمَا مُلِئَت ظُلمَاً وَجَورَاً"، وفي مواضع أخرى "بَعدَمَا مُلِئَت ظُلمَاً وَجَورَاً". فجميع الأنبياء وكلّ الأديان وجميع النبوّات أشارت إلى هذه النهاية وأكّدت

 

 


[1] سورة سبأ، الآية 34.

[2] سورة هود، الآية 31.

[3] الخزاز الرازي، علي بن محمد، كفاية الأثر في النصّ على الأئمة الإثني عشر، تحقيق وتصحيح عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري، إيران - قم، بيدار، 1401ه‏، لا.ط، ص89.

 

202


161

خطاب الولي 2011

عليها وأصرّت وقالت إنّها في طور السير إلى تلك النهاية. لهذا فإنّه في المبدأ وفي المسير وفي المنتهى، كان استناد النبوّات إلى العدل، وهذا ما لا نظير له.

 

2. الموقع المُميّز للعدالة في الثورة الإسلامية الإيرانية

النقطة الثانية هي أنّ العدالة في ثورتنا الإسلامية التي كانت حركة دينية كانت بشكل طبيعي في موقع ممتاز، والآن هي كذلك. وهذه الموقعية المميّزة مشهودة في الشعارات الشعبية، وفي الدستور، وفي كلمات الإمام الراحل {، وفي الخطابات المقطعية، وفي الأزمنة المختلفة، وفي المواقف المختلفة التي أعلنتها الجمهورية الإسلامية. لنفترض في زمن الدفاع المقدّس (الحرب المفروضة)، فقد كانوا يضغطون ويطرحون شعار الصلح من أجل إخراج الجمهورية الإسلامية من الميدان. هناك طرحت الجمهورية الإسلامية شعار الصلح العادل. حسناً، إنّ الصلح ليس قيمة مطلقة، هو قيمة نسبية، ففي بعض الأماكن يكون الصلح جيداً، وفي أماكن أخرى يكون سيئاً والحرب جيّدة. لكن العدالة ليست كذلك، فالعدالة قيمة مطلقة، أي إنّه لا مكان لدينا تكون العدالة فيه سيّئة. هكذا كانت الوضعية في الجمهورية الإسلامية، فقد كانت (العدالة) على رأس اهتمامات النظام منذ بدايات الثورة، ففي الجانب الإجرائي للعدالة، فإنّه -إنصافاً- أُنجز الكثير من الأعمال، لكنها غير مُرضِية. بعض الأصدقاء قدّموا معطيات وأرقاماً مهمّة في توصيف الإنجازات، ولعلّ معلوماتي أكثر في مجال الأعمال التي أُنجزت. أنا أعلم أنّه قد أُنجز الكثير من الأعمال منذ بداية الثورة، لكنها ليست مرضية مطلقاً. ما نحتاج إليه ونسعى نحوه هو العدالة بحدّها الأكثري لا مجرّد حد مقبول، كلا، نحن نسعى نحو العدالة في حدّها الأكثري، نريد أن لا يكون هناك أي ظلم في المجتمع. وللوصول إلى هذه المرحلة توجد مسافة طويلة، لهذا يجب السعي من أجل ذلك.

 

الهدف من طرح موضوع العدالة

والشيء الذي ينبغي أن أذكره ويتبع هذا الأمر هو أنّنا عندما نقوم اليوم بالمباحثة حول العدالة وطرح موضوع العدالة فإنّه تتمّة لذلك الهمّ الأساس، ولا يعني أنّنا طول السنوات المتمادية لم نكن نعرف العدالة أو أنّ نظام الجمهورية الإسلامية لم يكن

 

 

203


162

خطاب الولي 2011

 يمتلك أي تعريف عن العدالة وأنّه لم يتحرّك بهذا الاتجاه. كلا، هناك تعريفات إجمالية وكلّية، وحدٌّ بالقدر المتيقّن كان موجوداً دائماً، وكان الجميع على إطلاع عليه، وهناك أعمالٌ كثيرة كما ذكرت قد أُنجزت.

 

أ. إحياء مقولة العدالة

 لكنّنا اليوم نطرح هذا، أولاً بسبب أنّنا نريد أن تكون مقولة العدالة حيّة دائماً وحاضرة في الساحة، بين النخب والمسؤولين والناس وخصوصاً الأجيال الجديدة حيث يجب أن يكون عنوان العدالة وقضية العدالة مطروحة بعنوان قضية أساسية بشكل دائم، وهذا أحد أهداف هذا الملتقى والهدف من طرح العدالة فيه.

 

ب. تجاوز مرحلة التجربة والخطأ

الأمر الآخر هو أنه إذا أردنا أن نقلّل المسافة بين ما هو ضروري وواجب من العدالة وبين الوضع الحالي -الوضع الذي نحن عليه الآن- يجب أن نتوصّل إلى أساليب وطرق عمل جديدة ومؤثّرة. يجب أن نعلم ما هي الأساليب التي نطبق فيها العدالة، أي أن نتجاوز مرحلة التجربة والخطأ. فعلى مدى هذه السنوات الثلاثين كان عملنا في الكثير من الموارد عبارة عن التجربة والخطأ، سواء في العقد الأول مع ما كان فيه من توجّه حيث أشار الأصدقاء إلى ذلك وما بعده. في النقطة المقابلة، في العقد الثاني وأثناءه حيث شاهدنا أساليب ومناهج مختلفة. لم يعد من الصلاح أن نعمل بهذه الطريقة. يجب أن نجلس ونكتشف الأساليب المتقنة والمبنية على الحدود المتقنة ونشخّصها ونستقر عليها ونتحرّك.

 

ج. تشخيص العلاقة بين التقدّم والعدالة

الجهة الثالثة هي أنّ البلد يتطور اليوم بقفزات متسارعة (النمو الطفري)، فهذه واقعية. لحسن الحظ، حركة البلد نحو التطوّر بالمعنى العام هي حركة سريعة. فلا يمكن أبداً مقارنة اليوم مع ما كان قبل عشرين سنة. إنّنا اليوم نتحرّك نحو التطوّر بشكل قفزي. وفي هذا الوضع الذي تكون فيه التحرّكات نوعية (طفرة) تكون هناك حاجة إلى اتخاذ قرارات كبرى. يجب اتّخاذ القرارات الكبرى. حسناً، لو أنّ عنصر العدالة بقي مغفولاً عنه في هذه القرارات الكبرى، فإنّ الأضرار والخسائر التي ستحدث لن

 

204


163

خطاب الولي 2011

تحصى. لهذا، اليوم خصوصاً، يجب أن يكون هناك مزيد من التوجّه إلى العدالة، وبالأخص تشخيص العلاقة بين التقدّم والعدالة. أُشير إلى استحداث مركزٍ لأجل متابعة قضية أنموذج التقدّم المرتقب وقد أُنجزت مقدّماته، وإن شاء الله يجري العمل بجدّية. إنّ بحث العدالة يجب أن يُتابع هناك إن شاء الله.

 

3. استخراج النظرية الإسلامية في باب العدالة

النقطة الثالثة هي أنّ ما نريد أن نصل إليه في المرحلة النظرية هو النظرية الإسلامية في باب العدالة. بالطبع، ينبغي أن يكون ذلك برؤية تجديدية ابتكارية تُراجَع فيها المصادر الإسلامية وتُستخرج من متن المصادر الإسلامية، في أُطُرها العلمية والفنية التي أشار إليها بعض الأصدقاء. إنّنا نمتلك المناهج والأساليب العلمية والمجرّبة والمحسوبة بدقّة للاستنباط، يجب أن نستفيد منها. لهذا في المرحلة النظرية والتنظير يجب أن نتوجّه إلى المصادر الإسلامية ونحصل على النظرية الأصيلة في باب العدالة من المتون الإسلامية. ومستندي في هذه النكتة هو أنّه لا نريد أن نستخرج نظرية أو أن نُنتجها من خلال التجميع والتركيب من النظريات المختلفة للمفكّرين والحكماء الذين تحدثوا في هذا المجال. إننا في هذه القضية يجب أن نحترز تماماً من الالتقاط. ففي موارد متعدّدة وقعنا في الخطأ. ودون أن نريد ذلك، زلّت أقدامنا في مستنقع الالتقاط. وإخراجها سيكون صعباً جداً. كلا، يجب علينا في الحقيقة أن نبحث في المصادر الإسلامية، وهذه المصادر كثيرة جداً وقد أشار إليها الأصدقاء أيضاً. في القرآن والحديث ونهج البلاغة والمدوّنات الفقهية والكلامية والحكمية توجد أبحاث كثيرة، يمكنها جميعاً أن تُمثّل مصدراً مفيداً لاكتشاف النظرية الإسلامية الأصيلة.

 

بالطبع، فإنّ التعرّف إلى آراء الآخرين - مثل كل الموارد الأخرى - يمكنه أن يساعدنا في فهم المتون الإسلامية. وهذا الأمر واردٌ في جميع المجالات وفي الأبحاث الحقوقية والفقهية أيضاً. عندما نتعرّف إلى رأيٍ أجنبي ويتّسع ذهننا بطريقة صحيحة، فإنّنا سنستفيد بشكل أفضل وأكمل من مصادرنا الإسلامية، والأمر هنا كذلك. لكن ينبغي أن نكون جادّين للوصول إلى النظرية الإسلامية الأصيلة وأن نحترز من الالتقاط. وبالطبع من البديهي أن سبب قولنا إن النظرية الإسلامية ينبغي أن تكون خالصة وأصيلة

 

205


164

خطاب الولي 2011

هو أنّ قضية العدالة مبنية على أسس ومباني معرفة الوجود وعلم المعرفة والأركان الأساس، وإذا أردنا أن نعتمد على النظريات الغربية والتي هم عمدتها فإننا نكون في الواقع قد اعتمدنا على المباني الفلسفية التي لا نقبلها وهي الآراء المتعلقة بمعرفة الوجود.

 

اختلاف الرؤية الإسلامية عن الرؤية الغربية حول مفهوم العدالة

المكمّل لهذه النقطة هو أنّ توجّه الرؤية الإسلامية إلى العدالة يختلف مع توجّه النُظُم والنظريات الغربية. ففي الإسلام تنشأ العدالة من الحق. كما أشار الأصدقاء لحسن الحظ قد طُرحت في هذا الملتقى كلمات جيدة تجعل هذا العبد مستغنياً عن المزيد من الإيضاح والتوسّع في الكلام. وبالإضافة إلى هذا يوجد في العدالة "الوجوب"، أي أنّ التوجّه نحو العدالة في الإسلام يُعدّ وظيفة إلهية، في حين أنّ الأمر في المذاهب الغربية ليس كذلك. في المذاهب الغربية تُطرح العدالة بأشكالٍ مختلفة ففي الاشتراكية بنحو وفي الليبرالية بنحو آخر مع كلّ التطوّرات والأشكال المختلفة لهذه المذاهب. وفي جميع هذه المذاهب لم يكن النظر إلى العدالة نظراً بنيوياً وأساسياً ومبنياً على القيم الأصولية كما هو الحال في الدين والإسلام.

 

4. دور تعدّد الآراء وتضاربها في تأصيل النظريات

النقطة الرابعة هي أنّنا نحتاج في ميدان الفكر والتنظير إلى تعدّد الآراء وتضاربها. أي عندما نقول يجب أن نصل إلى نظرية ونكشف عن النظرية الإسلامية الأصيلة، فإنّ هذا مبنيٌّ على مقدّمات طويلة نسبياً وواسعة، حيث إنّ من أهمّ هذه المقدّمات هو أن تتضارب آراء المفكّرين وتُطرح الآراء المختلفة، فهذا أمرٌ ضروري وهذا هو النشاط العلمي. لا ينبغي تصوّر أنّ لدينا حكماً مسبقاً، وأنّ هناك شيئاً قد اتخذناه من قبل ونريد أن نصل إليه حتماً، كلا، نحن نريد من خلال تضارب الآراء أن نصل إلى ما هو حقٌّ وصواب. لهذا فإنّ تضارب الآراء لازم، ولا يقف عند حدّ. أي بعد وصولنا إلى الرأي النهائي والمختار لهذا المقطع من الزمان، كذلك فإنّ احتمال طرح آراءٍ جديدة ونقاط مُستَحدثة في المستقبل موجودٌ أيضاً. فلا مانع من ذلك. لكن، هناك حاجة في كلّ

 

 

206

 


165

خطاب الولي 2011

الأحوال لأن نصل إلى استجماعٍ قويّ تتشكّل على أساسه البرامج البعيدة المدى في البلاد. لهذا فإنّ تضارب الآراء ضروري. لكن في النهاية تحتاج إدارة البلاد إلى الوصول إلى حصيلة قوية ومُتقنة ومُستدلّة في باب العدالة الاجتماعية يُمكن على أساسها التخطيط للبرامج البعيدة المدى.

 

أهمية الاستفادة من تجارب الآخرين في الجانب التطبيقي

بالطبع بعد وصولنا إلى هذه الحصيلة نعود ونشرع بالأبحاث الجديدة من أجل اكتشاف الأساليب، أي الأبحاث التطبيقية. لقد لاحظت اليوم أنّ بعض مقاطع الأبحاث يرتبط بالأبحاث التطبيقية وهو أمرٌ حسنٌ جداً ومجاله واسعٌ جداً. وبعد وصولنا إلى نظرية مُتقنة ومستجمعة في باب العدالة، تظهر الحاجة من جديد لاكتشاف أساليب إجرائية وتنفيذية في المجتمع، من خلال الأبحاث التطبيقية، وهو ما يستتبع بذاته أبحاثاً كثيرة. وهناك يمكننا أن نستفيد من تجارب البشر.

 

إنّني أقبل ما ذكره أحد السادة من أنّ المناهج تتأثّر بالأهداف. لا شكّ في ذلك. لكنّ هذا لا يعني أنّه لا يمكننا أبداً الاستفادة من مناهج وتجارب الآخرين. كلاّ، لا شكّ أنّه يمكننا ذلك، فهنا في قسم الأبحاث التطبيقية يأتي دور الاستفادة من التجارب التي قام بها الآخرون. لنفرض في مجال القطاع المصرفي أو أي مجال آخر في القضايا الاقتصادية، أو في الأبحاث الاجتماعية بشكل آخر، أو في الأبحاث القضائية بنحو مختلف، تجربة خاضها شعبٌ ما وبقي عليها مدّة من الزمن وآثارها أيضاً أصبحت واضحة، فهنا يمكننا أن نستفيد منها، لا إشكال في ذلك. لهذا، ينبغي الاستفادة من تجارب الآخرين.

 

5. إدراج بحث العدالة كفرع علميّ في الحوزة والجامعة

النقطة الخامسة: إنّ أحد أهم الأعمال في الميدان النظري هو أن نعرّف بحث العدالة في الحوزة وفي الجامعة كفرعٍ علميٍّ محدّد. وهذا غير موجود اليوم، لا في الحوزة ولا في الجامعة. فلا إشكال في أن نفرض في الحوزة أنّ أحد المواضيع التي يتمّ بحثها من قِبل فقيهٍ أو أسلوب فقهي هو قضية العدالة. وهنا، فإنّ قاعدة العدل والإنصاف نفسها التي أشار إليها السادة يجب تنقيحها، فهي غير منقحة، وسبب عدم

 

 

207


166

خطاب الولي 2011

تنقيحها هو أنّ المرء يرى في الفروع الفقهية المختلفة الاستنادات إلى هذه القاعدة حيث لا يتمّ ذلك أي إنّها ليست قابلة للاستدلال مثلما يُقال في المجالات المختلفة. فما هو الإشكال في أن يكون في الحوزة العلمية -وهنا بحمد الله يشاركنا فضلاء مميّزون في هذا الملتقى- أحد المجالات التي يُتابعها الفقيه في درس الفقه الاستدلالي الذي يُعطيه، "قضية العدالة"، "كتاب العدالة"؟ وهذا غير بحث العدالة الذي أشاروا أنّ الشيخ رحمه الله قد ذكره، هو بحثٌ آخر، أي أن يكون البحث في باب العدالة الاجتماعية بحثاً فقهياً قويّاً. فليُستحدث في الجامعة فرعٌ علميٌ متوسطٌ ويتم تعريفه، يُبحث فيه ويُعمل عليه وتُوضع له ميزانيات مستقلّة. برأيي إنّ هذا عملٌ ضروري في الميدان النظري، فهذا ما يوسّع من نطاق التنظير ويُعِدّ الطاقات المقتدرة في هذا الميدان.

 

6. تحديد شواخص العدالة

هناك عملٌ آخر مهمٌّ هو وضع الشواخص، تحديد شواخص العدالة. إنّ أحد الأعمال النظرية المهمّة التي ينبغي أن نقوم بها هي أن نكتشف شواخص العدالة. حسناً، الشواخص التي يطرحها الغرب اليوم يمكن قبولها بشروط، فبعضها ليس شاخصاً بالمطلق، وبعضها شواخص ناقصة، وبعضها يمكن أن يكون شاخصاً في بعض الظروف. علينا أن نجلس ونكتشف بشكلٍ مستقل شواخص العدالة و(عوامل) استقرارها في المجتمع. وأحد الجوانب المهمّة للعمل هو هذا. بالطبع، في ميدان العمل ينبغي إنجاز الكثير من الأعمال، وأحدها أن نضع للعدالة معياراً أساسياً في التشريع. فهذه النقطة ينبغي أن تكون مورد عناية النوّاب المحترمين لمجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور، بحيث يتم الالتفات إلى قضية العدالة في التشريع بالخصوص، وكذلك رصدها دوماً.

 

نقطتان من وحي البحث

الأولى: محورية الاعتقاد بالمبدأ والمعاد في قضيّة العدالة

في النهاية، أطرح نقطتين مختصرتين وهما بالطبع خارجتان عن متن البحث، لكنّ التنبّه إليهما وتذكّرهما لا بأس به.

النقطة الأولى أنّ الاعتقاد بالمبدأ والمعاد في قضية العدالة له دورٌ أساس لا ينبغي

 

208


167

خطاب الولي 2011

أن نغفل عنه. فلا ينبغي أن نتوقّع استتباب العدالة في المجتمع بمعناها الحقيقي دون أن يكون هناك اعتقاد بالمبدأ والمعاد. فأينما انعدم هذا الاعتقاد تصبح العدالة كشيءٍ مفروض وإجباري لا أكثر. وهذا هو السبب أنّ بعض الأطروحات الغربية الجميلة في باب العدالة لم تتحقّق مطلقاً لأنّه لم يكن لديها ركائز اعتقادية. الكلام جميل على الأقلّ بظاهره وإن لم يكن برهانياً كثيراً لكن في العمل، في المجتمعات الغربية، في الحياة الغربية، لا خبر عنه ولا أثر، أساساً لا يُشاهد المرء تحقّقه، بل الموجود هناك هو اللاعدالة المطلقة. وسبب ذلك أنّه لا وجود لركيزة الاعتقاد بالمبدأ والمعاد فيه. فالاعتقاد بالمعاد، والاعتقاد بتجسّم الأعمال، والاعتقاد بتجسّم الملكات في القيامة له تأثير كبير.

 

أن نكون عادلين، ومُطالَبين بالعدالة، ونمدح العدل ونسعى لأجله، كلّ هذه ستتجسّم يوم القيامة. هذه هي النقطة المُقابِلة (للغرب). هذا الاعتقاد يمنح الإنسان النشاط والطاقة. فليعلم الإنسان أيّ بلاءٍ جلبه على نفسه جرّاء سلوكه الظالم بل حتى فكره الظالم على صعيد تجسّم الأعمال في القيامة، فمثل هذا يقرّبه إلى العدالة طبعاً.

 

يا من مزّقتم قميص يوسف     انهضوا من نومكم ذئاباً

فمن اعتقد بهذا، أنّ من كان سَبُعياً هنا سيتجسّم هناك بذئبٍ نهض من سُبات الموت، هذا سيكون له تأثير كبير. لهذا لا ينبغي الغفلة عن هذه النكتة في الأبحاث المتعلّقة بالعدالة.

 

الثانية: عدالة الإنسان مع نفسه

النقطة الثانية والنهائية التي لا بأس أن أذكرها هنا هي العدالة بين الإنسان ونفسه والتي لا ربط لها بالعدالة الاجتماعية. في القرآن تكرّر ظلم النفس في آيات عديدة. حسناً، الظلم هو النقطة المقابلة للعدل. في دعاء كميل نقرأ: "ظَلَمتُ نَفسِي"[1]، وفي المناجاة الشعبانية الشريفة نقول: "قَد جُرتُ عَلَى نَفسِي بِالنَظَر لَهَا، فَلَهَا الوَيلُ إِن لَم تَغفِر لَهَا"[2]. الذنوب والزلاّت والسعي وراء الشهوات واتّباع الأهواء والابتعاد عن

 


[1] الطوسيّ، الشيخ محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد‏، نشر مؤسسة فقه الشيعة، لبنان - بيروت، 1411ه‏، ط1‏، ج2، ص845.

[2] السيد ابن طاووس، الإقبال بالأعمال الحسنة، مصدر سابق، ج3، ص296.

 

209


168

خطاب الولي 2011

الذكر والخشوع لربّ العالمين هو ظلمٌ للنفس. وهذا يُعدّ ميداناً مهمّاً. عندما نقوم بالبحث في باب العدالة -في العلاقات الاجتماعية وفي تشكيل النظام الاجتماعي- لا يُمكننا أن نُغفِل العدالة مع النفس. فلا ينبغي أن نَظلِم أنفسنا. بل أن نكون عادلين مع أنفسنا. والنقطة المقابلة لـ "قَد جُرتُ عَلَى نَفسِي" هي هذا العدل. فلا نجور بل نَعدِل. إذا وفّقنا الله تعالى لاجتناب هذا الظلم (ظلم النفس) فإنّ هذا العبد لديه أملٌ كبير أن نُوفَّق إن شاء الله بإقامة العدل في المجتمع.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

210


169

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في ذكرى ولادة الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها السلام

 

 

 

 

 

المناسبة:   ولادة بضعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة الزهراء عليها السلام

الحضور:  جمع من السيدات

المكان:   طهران

 

الزمان:    ٠١/03/1390هـ.ش.

18/٠٦/1432هـ.ق.

22/05/2011م.

          

 

211


170

خطاب الولي 2011

حركة النساء نحو الكمال

بداية مباركة لكم هذه الأيّام المتعلّقة بولادة سيّدة العالمَين، سيّدة نساء أهل الجنّة، الصدّيقة الطاهرة سلام الله عليها. بحمد الله هذا الاجتماع مهمّ جداً وأسفر عن ثمار طيّبة وقيّمة. فالحضور المحترمون أولاً، هنّ نساءٌ بارزات في مختلف قطاعات الحياة الاجتماعية والعلمية عندنا وهنّ نُخب حقيقية، سواءٌ الأستاذات المحترمات والرائدات في الميادين العلمية والتقنية وغيرها، أم عوائل الشهداء المحترمات، هذه الزوجة المحترمة للشهيد والأمّ لأربعة شهداء، حيث إنّهن جميعاً يمثّلن ذروة حركة النساء نحو الكمال والسموّ. بحمد الله هذا الملتقى يُعدّ مميزاً من جميع الجهات. والأهمية الأخرى له هي جهته الرمزية. فباليقين هناك نساء محترمات أخريات في أطراف وأكناف البلاد قد حصلن على امتيازات وأظهرن ذلك وأضحين ثروات مهمّة لتطوّر البلد ومستقبله. وهذا الملتقى أنموذجٌ لمجموع الحركة العظيمة لنساء بلدنا.

 

فالمطالب التي بَيَّنَتها السيّدات هنا، تشتمل تقريباً على جميع الجوانب المتعلّقة بالنساء، من جهة أنه على النظام الإسلامي والجمهورية الإسلامية الاهتمام بهذه القضية ومتابعتها. لقد أصغيت بدقة إلى الكلمات، فجميع المسائل -تقريباً- بما يتعلّق بقضية المرأة التي يمكن البحث بشأنها ومتابعتها والتي على أساسها يتمّ التخطيط في البلاد، قد أُدرجت في كلمات السيّدات. وهذا أمرٌ ملفتٌ جداً ومرضٍ بالنسبة إلي.

 

أزمة المرأة

حسناً، لو أردنا أن نصدر حكماً عند هذا الحدّ، لكان حكمنا أنّ نظام الجمهورية الإسلامية تمكّن من الوصول إلى قمّة هي عبارة عن تربية نساءٍ صالحاتٍ صاحبات فكر

 

213


171

خطاب الولي 2011

 ورأي ونظرٍ في أكثر قضايا المجتمع دقّة وحساسية حيث سأبيّن هذا الآن. إنّ قضية المرأة والتي ينبغي تسميتها اليوم في العالم "أزمة المرأة" تُعدّ من أكثر القضايا أهمية في أي مدينة ومجتمع وبلد. في هذا المورد أنتنّ استطعتنّ الوصول إلى أعمال متقنة دقيقة وعناوين مهمّة والتفكير بشأن هذه القضية. لهذا صار ذاك الحكم أنّ الجمهورية الإسلامية قد وصلت إلى قمّة لم تبلغها أكثر دُول العالم.

 

المرأة والأسرة

أذكر هنا مسألة. إنّ قضية المرأة والأسرة ومع كلّ ما تمّ القيام به من قبلكنّ ومن قبل الآخرين ما زالت قضية مهمّة وقابلة للبحث والتوسعة على مستوى حركة الفكر. وهذا الموضوع سيكون محوراً في اللقاءات الفكرية الإستراتيجية التي سنجريها في المستقبل إن شاء الله. إنّ تلك الملتقيات الفكرية الإستراتيجية وأعمالها من الناحية الفكرية -ستكون إن شاء الله متبوعة بالتخطيط والتطبيق، حيث أجرينا منها اثنين حتى الآن- تتكفّل بدراسة القضايا الفكرية الأكثر أهميّة واستراتيجية للمجتمع. وإحدى تلك القضايا قضية المرأة والأسرة، والتي أُدرجت ضمن هذه القضايا التي سيتم تناولها في المستقبل. إنّني هنا أطلب من السيّدات المحترمات والمفكّرات من النساء اللاتي التقينا بنماذج منهن اليوم ولله الحمد أن تكون لهنّ مشاركة جدّية في هذا العمل، فابحثوا وفكّروا وطالعوا وقوموا بالبحث حول العناوين المتعلّقة بقضية المرأة بصورة منفصلة وتخصصية وعلمية بالاعتماد على المصادر الإسلامية والفكر الثوري الأصيل المتحقّق فيكنّ لحسن الحظ في الملتقى المتعلّق بهذا الموضوع، حيث سيُطرح ويُبحث وإن شاء الله وسيُتابع على مستوى التحقيق والتطبيق.

 

أصل المشكلة في قضية المرأة

بما يتعلّق بقضية المرأة في المجتمع يرجع أصل المشكلة إلى أمرين، إلى نقطتين أساسين، فلو تمّ التفكير بهما وقُدّم طرحٌ جديد وتمّ العمل بمثابرة واستمرار، يمكن أن نأمل مع مرور الزمن سواءٌ بالمدى المتوسط أم البعيد أن تُحلّ تلك المسألة التي تُعدّ اليوم أزمة للمرأة في العالم. النقطتان هما عبارة عن النظرة الخاطئة وإساءة فهم

 

 

214


172

خطاب الولي 2011

موقعية المرأة وشأنها في المجتمع حيث إنّ هذه النظرة وسوء الفهم بدأت من الغرب وهي ليست أمراً قديماً ومتجذّراً. أولئك الذين ادّعوا أنّ هذه المسألة موجودة في بروتوكولات حكماء صهيون، يمكن أن نحدس بأن ذلك ليس خلاف الواقع. أي إنّنا لو نظرنا لرأينا أنّ هذه الرؤية الخاطئة وهذا الاعوجاج الفكري وسوء الفهم بما يتعلّق بفهم المرأة في المجتمع لعلّه لا يرجع إلى أكثر من قرنٍ أو قرنٍ ونصف في الغرب حيث تسلّل من الغرب إلى المجتمعات الأخرى ومنها المجتمعات الإسلامية. هذه نقطة.

 

والنقطة الثانية، أنّ أساس المشكلة هي إساءة فهم قضية الأسرة وإساءة التصرّف في السلوكيات داخل الأسرة. هاتان المشكلتان، بنظرنا، هما ما أوجد أزمة قضية المرأة التي تُعدّ اليوم مشكلة أساساً في العالم. إنّ تعبير "أزمة المرأة" يثير العجب. وفي يومنا هذا تُطرح قضية أزمة الماء والهواء، وأزمة المياه، وأزمة الطاقة، وأزمة الدفيئة (الاحتباس الحراري)، كقضايا أساس عند البشرية، ولكن لا يُعدّ أيّ منها كذلك. إنّ أكثر الأشياء التي تُعد مشاكل أساساً للبشرية ترجع إلى تلك القضايا التي ترتبط بالمعنويات والأخلاق والسلوك الاجتماعي للبشر بينهم، ومنها قضية الرجل والمرأة وموقعية المرأة وشأنيتها في المجتمع حيث يُعدّ هذا في الحقيقة أزمة، غاية الأمر أنّهم لا يتوجّهون إليها ولا يطرحونها وتلك السياسات المتسلّطة على العالم لا تعتبرها من شأنها ولعلّهم يعتبرون أنّ طرح هذه القضية مخالفٌ لتطلّعاتهم الأساس.

 

نظرة الغرب إلى المرأة

بشأن القضية الأولى، التي هي موقعية المرأة في الحياة والمجتمع وتحت أيّ عنوان أردتنّ طرحها المشكلة هنا أنّهم أوجدوا بالتدريج عدم توازن ولا تعادل، فهناك طرفٌ مُنتَفِع وطرفٌ يُستغلّ، والبشرية قُسّمت على هذا الأساس، فالمُنتَفِع هو الرجل والمُستغَلّ هو المرأة. وقد حدث هذا بصورة هادئة وتدريجية وبأساليب مختلفة مع دعايات عديدة على مرّ العقود لعلّها تصل إلى 100 سنة أو 150 سنة، لا أستطيع أن أجزم هنا وهي قضية قابلة للتحقيق في المجتمعات الغربية بالدرجة الأولى، ولاحقاً حصل في باقي المجتمعات. لقد عرّفوا شأن المرأة الاجتماعي هكذا: إنّ المرأة هي كائنٌ

 

215


173

خطاب الولي 2011

يجب أن يكون مورداً لانتفاع الرجل. لهذا لو أرادت المرأة بحسب الثقافة الغربية أن تبرز في المجتمع وتثبت شخصيتها، عليها حتماً أن تظهر شيئاً من جاذبيتها الجنسية. وحتى في المجالس الرسمية يجب أن يكون نوع لباس المرأة مورد استمتاع الرجل الذي هو الجانب المُنتفِع.

 

وبرأيي إنّ أكبر ضربة وإهانة ودوسٍ على الحقّ جرى في مجال قضية المرأة هو هذا. ففي المحيط الاجتماعي تشكّلت ثقافة كانت فيها المرأة كطرف يُنتفع به ويُستفاد منه من جانب الطرف المنتفِع. وللأسف إنّ هذا موجودٌ اليوم في الثقافة الغربية، والآخرون قلّدوه وساروا على هذا الطريق وصار الأمر هكذا في العالم، ولو تحدّث أحد بخلاف ذلك لقاموا عليه. فافرضوا مجتمعاً يدين قضية عرض النساء وتبرّجهنّ في الأماكن العامّة فإنّ الدنيا تقوم عليه ولا تقعد. ولو حصل أمرٌ مقابل هذا أي أن تُطرح في مجتمعٍ ما تعرية المرأة فلا يحصل أيّ اعتراض في الدنيا. أمّا عندما يُطرح لباس المرأة وعدم تبرّجها وتزيّنها في المجتمع فإنّ الأجهزة الإعلامية والدعائية المهيمنة في العالم تقوم وتثير الضجيج، وهذا مؤشّرٌ على أنّ هناك ثقافة وسياسة ومخطّطاً يتمّ العمل عليه منذ سنوات متمادية وأساسه تثبيت هذه الموقعية وهذا الشأن وهذا الأمر الخاطئ والمهين للمرأة، وللأسف لقد فعلوا ذلك.

 

لهذا ترون في الغرب كيف أنّهم بالتدريج بدأوا يخالفون الحجاب بصورة علنية، والعنوان الذي يذكرونه لهذا الاعتراض هو أن يقولوا إنّ الحجاب هو شعار حركة دينية، ونحن لا نريد أن تُطرح المظاهر الدينية في مجتمعاتنا التي هي مجتمعات علمانية. وبرأيي هذا كذب. فالبحث لا يتعلّق بالدين وغير الدين، البحث هو أنّ السياسة الاستراتيجية الأساس للغرب قامت على أساس استعراض المرأة واستغلالها والحجاب يُعارض ذلك. حتى لو لم يكن الحجاب ناشئاً من دافعٍ وإيمانٍ ديني، فإنّهم يخالفون ذلك، ويعترضون، فالمشكلة الأساس هي هذه.

 

المُتاجرة بالنساء

عند ذلك نتج عن هذه القضية تبعات مؤلمة جداً على صعيد المجتمعات البشرية:

 

 

216


174

خطاب الولي 2011

كقضية تهاوي بنيان الأسرة وتقاريرها المروّعة والتي أشارت إحدى السيدات المحترمات هنا إلى نموذج منها، قضية الإحصاءات المبكية المؤسفة المتعلقة بالمُتاجرة بالنساء. في عالمنا اليوم وطبق التقرير الذي قدّم حيث إن هذا التقرير برأيي صادرٌ عن الأمم المتحدة وهو تقرير لمركزٍ رسمي إنّ من أكثر التجارات نمواً في العالم، هي المتاجرة بالنساء وتهريب النساء. وهناك مجموعة من الدول هي من أكثر الدول سوءً في هذا المجال ومن جملتها الكيان الصهيوني، حيث يجتمع النساء والبنات تحت عنوان إيجاد العمل والزواج وأمثالها من الدول الفقيرة، من أمريكا اللاتينية ومن بعض دول آسيا ومن بعض الدول الفقيرة في أوروبا ويأتون بهنّ تحت ظروفٍ قاسية جداً إلى مراكز، تهزّ الإنسان بمجرد تصوّرها وذكر اسمها. وكل ذلك مبنيٌّ على هذه النظرة الخاطئة وهذا اللاتوازن الظالم الذي يتعلّق بمكانة المرأة في المجتمع، وظاهرة الأطفال اللاشرعيين حيث إنّ الرقم يبلغ أعلى معدّلاته في أمريكا هي ظاهرة الحياة المشتركة التي تحصل بدون زواج، أي هي في الحقيقة عبارة عن إبادة لمؤسسة العائلة والبيئة الحميمة والدافئة للأسرة وبركاتها وحرمان الإنسان من هذه البركات والتي هي جميعاً ناشئة من المشكلة الأولى. يجب التفكير بشأن هذا. يجب تعريف موقعية المرأة، والوقوف بجدّ مقابل المنطق المفضوح للغرب.

 

لقد قلت ذات مرّة، عندما سئلت ما هو دفاعك تجاه ما يقوله الغربيون بشأن المرأة في البلد؟ قلت: نحن لا ندافع، نحن نهجم! نحن من يطالب الغرب بما يتعلق بقضية المرأة، نحن نتّهم الغرب، هم الذين يظلمون المرأة ويُحقّرونها ويُسقطون من موقعيتها تحت اسم الحرية والعمالة وإعطاء المسؤولية، يجعلونها تحت ضغوطات روحية ونفسية وعاطفية ويهينون شخصيتها وشأنيتها، فهم من عليه أن يجيب. على الجمهورية الإسلامية في هذا المجال مسؤولية. يجب على الجمهورية الإسلامية بما يختصّ بقضية المرأة أن تعلن رأيها بشكل صريح ودون أيّة مجاملة، الذي هو في الأساس اعتراض على الرؤية الغربية وهذا اللاتوازن الظالم في الغرب. عندها وبهذه الرؤية تأخذ قضية الحجاب ونوعية العلاقة بين المرأة والرجل معناها. هذه قضية.

 

 

217


175

خطاب الولي 2011

أما من ناحية الرؤية الإسلامية والمتون الإسلامية فلا يوجد أيّ نقصٍ في هذا البعد من القضية. نحن نرى بعض الأشخاص الذين ينتقدون الأفكار الإسلامية، حيث يشكلون على الإرث والديّة وأمثالهما، في حين أن هذه الإشكالات غير واردة، وتوجد عليها أجوبة منطقية وقوية. أما في مجال السلوكيات داخل الأسرة فللأسف قد بقي مغفولاً عنها في الأغلب. في حين أنه بنظر الإسلام توجد رؤية شديدة الوضوح. يجب أن تكون بيئة الأسرة بالنسبة للمرأة بيئة آمنة عزيزة هادئة لكي تتمكّن المرأة من تأدية مسؤوليتها الأساس التي هي الحفاظ على الأسرة على أفضل وجه.

 

ميزان المرأة الصالحة في القرآن

لقد جرت أبحاث كثيرة في مورد الرؤية الإسلامية للمرأة، ونحن أيضاً تحدثنا عدة مرات. وذكرت مراراً أّنّ المرأة قد عُرضت في القرآن كنموذجٍ للإنسان المؤمن والمرضي عند الله، وكنموذج للإنسان الكافر المطرود من جنب الله، وهذا أمرٌ ملفتٌ. فالقرآن عندما يريد أن يذكر نموذجاً للإنسان الصالح والإنسان السيئ فإنّه يختار لهما من النساء: ﴿ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ﴾[1]، فهاتان المرأتان هما بحسب القرآن مثل أي نموذج ومظهر للمرأة السيئة، زوجة نوح وزوجة لوط، وبالنقطة المقابلة، ﴿وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱمۡرَأَتَ فِرۡعَوۡنَ﴾[2]،كنموذج للمرأة الصالحة والسامية والمؤمنة، فيذكر الاثنين، إحداهما زوجة فرعون والأخرى مريم ﴿وَمَرۡيَمَ ٱبۡنَتَ عِمۡرَٰنَ ٱلَّتِيٓ أَحۡصَنَتۡ فَرۡجَهَا﴾[3]، والملفت أنّ كلاً من هؤلاء النساء الأربع صلاحهن وسوؤهن مرتبط بالأسرة. ففي مورد المرأتين السيئتين امرأة نوح وامرأة لوط يقول تعالى: ﴿كَانَتَا تَحۡتَ عَبۡدَيۡنِ مِنۡ عِبَادِنَا صَٰلِحَيۡنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾[4]، فالقضية هي قضية الأسرة. وموضوع المرأتين الأخريين يتعلق بالأسرة، الأولى زوجة فرعون قيمتها وأهميتها أنّها قد ربّت في حضنها نبياً من أولي العزم، موسى كليم الله وآمنت به وساندته

 

 


[1] سورة التحريم، الآية 10.

[2] سورة التحريم، الآية 11.

[3] سورة التحريم، الآية 12.

[4] سورة التحريم، الآية 10.

 

 

219


176

خطاب الولي 2011

لهذا انتقم فرعون منها. القضية قضية داخل الأسرة مع هذا التأثير والشعاع العظيم للعمل الذي قامت به، حيث ربّت شخصاً كموسى. وبشأن مريم الأمر كذلك: التي أحصنت فرجها فحفظت شأنيّتها وعفّتها. وهذا يدلّ على وجود عوامل متعدّدة في البيئة الاجتماعية لمريم سلام الله عليها كان من الممكن أن تهدّد عفّة وشرف امرأة عفيفة وقد استطاعت أن تواجهها. لهذا فإنّ هذه كلّها ناظرة إلى هذه الأبعاد المهمّة التي ذُكرت، البعد الأسري وقضية شأن المرأة في المجتمع. لهذا فإنّ القضية مهمّة.

 

بالطبع نحن في الجمهورية الإسلامية تقدّمنا. ونظرتي هي نظرة متفائلة. لقد شاهدنا ما قبل الثورة الوضع الذي كانت عليه بلادنا ومجتمعنا ونساؤنا والمسير الذي يسلكونه كان وضعاً مهولاً جداً وخطراً. وذلك بسبب جانب التقليد في هذه الحركة، حيث إن الوضع الظاهري للنساء بحسب ما كنّا نراه في الصور والمنقولات والتقارير أو نقرأه كان أحياناً أسوأ من وضع نساء أوروبا، كانوا يشيعون مثل هذا الوضع. وبالطبع فإن المرأة الإيرانية بسبب جوهر الإيمان الموجود فيها تمكّنت أن تنتصر على هذه الأمواج التخريبية. فقد كان لها مشاركة أساس في الثورة، سواء في حضورها أم في حثّها للرجال، لتكون ركيزة أساساً لانتصار الثورة. وبعد الثورة أيضاً كانت الحركة النسائية حركة استثنائية.

 

نموذج المرأة الكامل

من اللازم أن أذكر، أنّ هؤلاء النساء المجاهدات في سبيل الله والمناضلات والرائدات والأمهات هنّ في الحقيقة آية من الصبر والمقاومة. عندما ينظر الإنسان ويقرأ عن أحوالهن بنحو مفصّل، ويشاهد آلامهن -وبالطبع النساء اللاتي كنّ قبل الثورة زوجات مجاهدين تحمّلن الصعاب، نشاهد منهن نماذج هناك، لكن النماذج الكاملة كانت في مرحلة الدفاع المقدس- يرى كم تحمّلن هذه النسوة وهذه الأمهات. حيث أرسلن الأبناء إلى الجبهات وأضحى الكثير منهم شهداء ومعوّقين. وهذه النماذج والأسوة في الصبر والمقاومة وقفن كالطود الشامخ. هذا في مجال القضايا المعنوية والإنسانية، أما في ميدان القضايا السياسية والعلمية فإن بلدنا بحمد الله قد تطور بشكل استثنائي. كل

 

 

220


177

خطاب الولي 2011

هذه النساء العالمات الأستاذات في التخصّصات العلمية المختلفة في العلوم الحوزوية والجامعية حيث إن النماذج منهن لحسن الحظ أنتن الحاضرات المحترمات في هذا المجلس كل ذلك مؤشّر على نجاح الجمهورية الإسلامية، هذه هي نظرتي. وهذه النظرة، تدخل الأمل بالمستقبل إلى القلوب. لو تقدّمنا بنفس هذه الحركة والسرعة إن شاء الله فإننا قطعاً سنتمكن من الانتصار على الثقافة الغربية الخاطئة والرائجة في العالم. يجب العمل والسعي والمثابرة. فالنظرة متفائلة. غاية الأمر أنّ هذه الرؤية المتفائلة لا ينبغي أن تصبح مانعاً من ملاحظة نقاط الضعف. لقد تقدّمنا بدرجات، ولكن حبذا لو أمكن أن نتقدّم عشرة أضعاف ذلك. إنّ ما أدّى إلى أن لا نتمكن من التقدّم إلى هذا الحدّ هو تلك النقائص والمشكلات الموجودة والتي أشرتنّ إلى بعضها، وتوجد مشاكل أخرى ينبغي العمل على إزالتها.

 

ما أريد أن أذكره في نهاية كلمتي هو أنّ أساس العمل على النساء أنفسهن القيام به. فأنتنّ من يمكنه التفكير والتخطيط والمطالعة وحلّ المعضلات على صعيد الفكر والرأي، وتقديم الأساليب الإجرائية في مقام العمل. وهذا ما يسهّل العمل كثيراً ويقربه. بالطبع، قدّمت النساء المحترمات في هذا الملتقى اقتراحات بعضها عمليٌ كاملاً، وفي متناول الأيدي ويمكن تطبيقه والإقدام عليه ويمكن أن يكون بالنسبة للبعض أرضية بنّاءة.

 

على كلّ حال أملنا أنّ تكون الشريحة النسائية في بلدنا إن شاء الله من أكثر الشرائح نجاحاً، وتتمكّن بناتنا الشابات إن شاء الله من القيام بخطوات عظيمة على هذه الأرضية التي أوجدتنّها ونصبح يوماً بعد يوم بمشيئة الله أقرب إلى الأهداف الإسلامية السامية، إن شاء الله تبقى بركات هذا اللقاء في هذا المجال وتستمر.

 

 والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

221


178

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في ذكرى ولادة الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام

 

 

 

 

 

في ذكرى ولادة الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها السلام

المناسبة:   ذكرى ولادة الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام

الحضور:  جمع غفير من شعراء ومداحي أهل البيت عليهم السلام

المكان:   طهران

 

الزمان:    03/03/1390ﻫ.ش.

20/06/1432ﻫ.ق.

24/05/2011م.

         

 

 

223


179

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد الله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين. اللهمّ صلّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها.

 

مبارك هذا اليوم الشريف والمتلألئ بالأنوار المعنوية لكم إخواني وأخواتي الأعزّاء، ولمدّاحي أهل بيت النبي الأطهار عليهم السلام، بلابل البستان النبوي والعلوي والحسيني، ذوي الأصوات الرخيمة الذين هم أنتم. حقّاً، من الجدير أن يهنّئكم المرء في هذا اليوم أيّها المدّاحون الأعزّاء وقرّاء المحافل الدينية ومليّني قلوب المستمعين للمواعظ الإلهية. نشكر الله على هذا اللقاء المبارك الذي يُقام كل عام في مثل هذا اليوم ومنذ سنين طويلة لعلّها تعود إلى ثلاثين سنة، لعلّ الأمر أطول من سن بعض الحاضرين المحترمين. وبالطبع، نحن على مرّ السنة نتوسّل بهذه العظيمة ونتبرّك بذكرها. واليوم هو يوم الولادة. طبعاً، إنّ مسرّة ذكر ولادة هذه السيدة العظيمة يُضفي مزيد توجّه وتذكّر وخشوع قلبي فينا جميعاً إن شاء الله.

 

إن اقتران ولادة إمامنا الجليل أيضاً مع هذه الذكرى، في يوم العشرين من جمادى الآخرة، هو بالنسبة لنا ظاهرة شديدة العذوبة. هذا العظيم الذي أدركنا محضره طيلة سنين متمادية كان بحقّ أنموذجاً ومستودعاً لتلك الحقيقة العظيمة والساطعة التي سمعناها عن أئمتنا العظماء وعرفناها في الآثار وهي موجودة في ذاكرتنا عن أمّ الأئمة النجباء عليهم السلام. بالطبع، لا ينبغي أن نُقارن ولا يمكن، ولكن حسناً ذاك السبيل كانت علائمه متحقّقة في هذا (الإمام) الجليل. ذاك الإيمان والإخلاص والعبادة والثبات على طريق الله. تلك الأشياء التي أعزّت إمامنا في السماء وفي الأرض وعند عباد الله الصالحين، هي هذه الخصائص. وهذا العيد عيدٌ مضاعف. وفي هذا العام توافق هذا العيد مع الثالث من خرداد (ذكرى تحرير مدينة خرمشهر عام 1982، الذي له قصّة

 

 

225


180

خطاب الولي 2011

خاصّة). هذا الأخ العزيز الذي هو بالظاهر من معوّقي الحرب، قد أنشد لنا هذه الأشعار اللطيفة هنا، كذكريات لتلك الأيام من مرحلة الدفاع المقدّس. لهذا فإنّنا اليوم نشاهد تجلياً منها أيضاً. حسناً، إنّ اليوم هو يومٌ عظيم.

 

شعار الثورة الإسلامية يا زهراء، يا مهدي

إحدى الخصوصيات البارزة في ثورتنا الذكر المكرّر المضاعف لاسم السيّدة الزهراء المبارك عليها السلام، والاسم المبارك لحضرة بقية الله المهدي صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف. هذان الاسمان المباركان تكرّرا طيلة عصر الثورة وبمناسبات مختلفة أكثر من سائر المعارف الإلهية والمعارف الإسلامية والمعارف الشيعية، وهو يُعدّ بذاته ظاهرة. فقبل الثورة، لم يتكرّر هذا الاسم المبارك للزهراء سلام الله عليها بهذا القدر، لا في المحافل الدينية ولا في المحافل العامّة، ولا على لسان الشعراء والخطباء والخواص والعوام وغيرهم. كان هناك متديّنون ومجالس ومحافل وخطباء وكان يُذكر اسمها المبارك، ولكن ليس بهذه الكيفية وهذه السعة وهذه النظرة العميقة. وما كان أحدٌ ليذكر للناس مثل هذه الأمور، أي أنّنا لم نكن نطرح هذه القضية في شعاراتنا وفي كلماتنا. هذه ظاهرة إلهية وهي أمرٌ نابعٌ من القلوب وناشئٌ من العواطف والإيمان. لم يقل أحدٌ لا إمامنا الجليل، ولا قادة الثورة للمجاهدين في مرحلة الدفاع المقدّس أن يجعلوا شعار "يا زهراء" للعمليات، أو أن يكتبوا على العصبة "يا زهراء"، ولكن أينما نظرتم طيلة مرحلة الدفاع المقدس فإنّ الاسم المبارك للسيدة الزهراء كان يُذكر أكثر من سائر الأسماء المطهرة والمباركة، كذلك كان الأمر للاسم المبارك لحضرة بقية الله أرواحنا فداه. في الثورة، نبع هذان الاسمان على هذا النحو وبشكل طبيعي وبدون أوامر وبدون دراسة مسبقة، من القلوب والإيمان والعواطف. وهذه علامة مباركة تشير إلى عناية سيّدة العالَمين، ذاك العنصر الإلهي الملكوتي الذي لا نظير له بلحاظ النورانية في ساحة الوجود بعد أبيها الأكرم وأمير المؤمنين عليه السلام. بعض أهل المعنى كانوا يذكرون هذا الاهتمام الخاص. نحن سمعنا من بعض الذين كانوا يقولون إنّ لسيدة العالَمين عناية خاصّة. ومثل هذا الأمر قيّمٌ جداً، وباعثٌ على الأمل، فهو يُطمئننا ويُثبّتنا في قلوبنا ومن أعماق

 

 

226


181

خطاب الولي 2011

أرواحنا بأنّنا سنصل إلى الأهداف النهائية، ويحكم الخطوات ويُثبِّت الأقدام. عندما يتوجّه الإنسان إلى الهدف ويُشخّصه فإنّ الوصول إليه لن يكون مجرّد أمنية أو أمل، بل يجعل الأقدام راسخة، وكذلك لا يضلّ الطريق ولن يكون هناك يمينٌ ويسار.

 

عدم الانحراف عن الخط المستقيم للثورة

إحدى أهمّ خصائص ثورة إيران الإسلامية هي أنّه وطيلة هذه السنوات الاثنتين والثلاثين وبالرغم من صعوبة الطريق وبُعد المسافة ومع كلّ هذه المزاحمات والتناقضات، ومع كل هذه السياسات الجديدة المختلفة الأشكال والمتعدّدة الجوانب، فإنّ هذا الخطّ المستقيم للثورة لم ينحرف مطلقاً، فشعاراتنا هي نفس تلك الشعارات وأهدافنا هي نفس تلك الأهداف والخط هو نفس الخط والطريق هو نفس الطريق.

 

ببركة البيان الواضح والبليغ لإمامنا الجليل الذي هو لحسن الحظ مضبوطٌ ومسجّل لا يوجد تفسيرٌ وتأويل. فالطريق مستقيم، هذا الطريق سارت عليه الثورة. وأنا أقول لكم، ما دمنا أنا وأنتم نتقدّم بإحكامٍ ولا نحرف عيوننا عن الهدف ونتحرّك بأمل، لا يمكن لأيّة قدرة في العالم أن تسدّ علينا الطريق، ومثل هذا كان له أكبر الأثر في تفتّح براعم الأمل في قلوب المسلمين والشعوب الإسلامية. عندما تحدث ثورة يفرح الكثيرون في العالم، وعادة ما تكون جماهير الشعوب في العالم هكذا. أذكر أنّه في أيام القمع عندما هلك دكتاتور إسبانيا وبالرغم من أنّ هلاكه لم يكن له أيّة علاقة بنا، لكنّنا هنا في طهران أو في مشهد فرحنا، كأنّه كان بالنسبة لنا عيداً، أن يزول ذاك الدكتاتور الذي حكم إسبانيا لسنوات، أو ذاك الدكتاتور الآخر في البرتغال حيث يوجد في هذه الدول الآن ضجيجٌ كبير، الحركة، حركة عظيمة جداً عندما مات، نحن هنا فرحنا. لهذا عندما تقع الثورات فإنّ أي إنسانٍ يوجد في قلبه أمل، وأمنية وفكرة سامية ويتألّم من الوضع الموجود في بيئته ونظامه يصبح مسروراً. عندما قامت ثورتنا فرح الكثيرون. لكن في الكثير من هذه الظواهر لا يبقى هذا السرور. تقع أحداثٌ تزيل هذه المسرّات وقد يختلف الأمر، أحياناً يطول الأمر لعشر سنين أو عشرين سنة، وأحياناً لا يصل إلى هذه المدّة، فتصبح الطرق معوجّة.

 

 

227


182

خطاب الولي 2011

في ستينيات القرن الميلادي الماضي وتقريباً في نفس هذه الدول الإفريقية الشمالية حدثت ثورة في مصر، وفي السودان، وفي تونس، وفي الجزائر ولكن لم يطل الأمر، فإمّا أنّ البساط قد سُحِب من تحت أقدام الذين كانوا على رأس الأمور وكانوا زعماء الثورة فذهبوا وأعطوا أماكنهم للعملاء، أو أنّهم أضحوا بأنفسهم عملاء، فزخارف الدنيا لا تدع للناس مجالاً للراحة، فهذه الوساوس تشغل قلب الإنسان بشكل دائم وتؤثّر فيه، فما لم يوجد درع التقوى فإنّها تؤثّر في الناس بشكل سريع وتبدّل الطرق. لهذا فإنّ الآمال التي تفتّحت على أثر الثورات أصبحت محبطة على أثر الرجعيات، ربيعٌ سريع الزوال وينتهي.

 

إنّ خاصية هذه الثورة الإسلامية العظيمة، التي قمتم بها يا شعب إيران، هي أنّها بفضل الله لم تخسر ربيعها إلى اليوم. فهذا الثبات والمثابرة والتمسّك بالقيم والأصول التي جَلَبَتها الثورة للناس، هي تلك الأشياء ذاتها التي تحيي الآمال في قلوب الناظرين في أطراف وأكناف العالم الذين ينظرون ويشاهدون. لقد حدث هذا في ثورتنا.

 

نحن لا نريد هنا أن نقول أنا وأنا... ونغترّ بأنفسنا وننسب إلى أنفسنا المفاخر الخاوية، فنتبجّح قائلين إنّ تلك الدولة تعلّمت منّا، وتلك الدولة تلقّت منّا الدروس، كلا، لم تتعلّم أيّة دولة من بلدنا، لكن ما نقطع بوجوده هو أنّ بذرة الأمل تلك التي نُثرت في قلوب الشعوب وزُرعت وسُقيت ونمت وأثمرت كانت ناشئة من ثبات شعب إيران. لو أنّ شعب إيران تراجع، ولو أنّنا تخلّينا عن شعاراتنا، ولو أنّنا انحنينا أمام تهديدات الاستكبار العالمي وتهويلاته وضغوطاته لكانت ورود الأمل هذه، التي نمت وترعرعت في قلوب الشعوب، ذوَت وماتت. فثباتكم هو الذي سمح لغرسات الأمل هذه أن تنمو ولهذا الأمر أن يقع، وهذا بالبركات المعنوية الإلهية التي حصلت لنا عن طريق أهل البيت عليهم السلام واسم الزهراء المبارك الأطهر، واسم حضرة بقية الله المبارك وعنايته بنا. يجب أن نحافظ عليها، ويجب أن نحافظ عليها بكل جوارحنا. علينا أن نحافظ على هذا التوجّه وهذا التوسّل وهذا الالتفات لأهل البيت عليهم السلام واعتبار كل هذا من الله وعدم الاغترار بالنفس.

 

 

228


183

خطاب الولي 2011

نصيحة في اختيار الشعر وكيفية قراءته

المقولة الأخرى، ترتبط بهذه المهنة الجميلة المؤثرة لقرّاء المدائح. حيث إنّ جمعنا الحاضر إذا لم يكن قد شمل الجميع فإنّه لا شكّ جمع الكثيرين من المدّاحين المحترمين. لقد كنتُ أتحدّث كثيراً بهذا الخصوص وطيلة السنوات المتمادية في هذه المناسبة وفي المناسبات الأخرى لكنني أيضاً أؤكّد هنا أنّ تأثير الشعر الذي تنشدونه بأصواتكم الرخيمة وألحانكم الجميلة هو في الكثير من الموارد أكبر من حديثٍ علمي منطقي فلسفي أو غير فلسفي. لو أنّ ما يُقرأ يتمّ اختياره بشكل صحيح وتُراعى فيه الجهات الصورية والمعنوية -الجهات الصورية هي جمالية الشعر، ويجب اختيار الشعر بشكل صحيح وجيد- فإنّ الشعر يُعدّ أحد النماذج البارزة للفن. فليس كل ما ينظم شعراً، فللشعر خصوصياته، يجب انتقاء الشعر. ولحسن الحظ لدينا شعراء جيّدون، يردّدون الأشعار المتعلّقة بأهل البيت عليهم السلام بلغات مختلفة وجميلة وعذبة وجيدة. وعندما تكونون أنتم المشترين له فإنّ هذا الطلب سيستتبع بطبيعة الحال عرضاً (العرض والطلب). الشعر الجيد إذاً، وكذلك الصوت الجيّد واللحن الجميل أمور مهمّة. وبالطبع، لا يعني اللحن الجيّد أن نُقلِّد الألحان الموسيقية اللهوية المضلّة عن سبيل الله فالتفتوا إلى هذا جيداً. فبعض الألحان سيئ ومغلوط ولهوي، لا ينبغي أن يجد طريقه إلى عمل المدّاحين والمدائح. لا عيب في أن تبتكروا أنواعاً وأساليب جديدة في قراءة الأشعار وفي الألحان المتنوعة لكن اجتنبوا هذا التشابه والتداخل. بالطبع، إنّني أتحدث عن الألحان اللهوية المضلّة عن سبيل الله، لا أنّنا نريد أن نمنع عن أيّ لحنٍ عندما يُستعمل في مضمونٍ آخر، كلا، إنّها الألحان التي تُعد لهوية ومضلّة عن سبيل الله فلا تستخدموها.

 

خصائص المضمون الشعري

1. يتضمّن مناقب أهل البيت عليهم السلام

القضية اللاحقة تتعلّق بالمضمون. إنّ أفضل مجموعة شعرية يصحّ أن يعتبرها الإنسان لمنبر المدائح هي التي تكون فيها أولاً مناقب أهل البيت عليهم السلام. ذكر مناقبهم

 

 

229


184

خطاب الولي 2011

يُضيء القلوب ويسرّها ويبعث الشوق في الإنسان ويُجري الدمعة من العيون. بالطبع، ما هو مقصود هو تلك المناقب المُتقنة. فلا ينبغي أن يعتمد المرء على الكلمات الضعيفة. فكلّ هذه المناقب المتعلّقة بأهل البيت موجودة في الكتب المعتبرة فلنستفد منها، من أقوال أولئك الذين يُعدّون سنداً وثقة ومُعتَبَرين. مثل هذا الشعر الذي تلاه أحد السادة عن المرحوم الشيخ محمد حسين الأصفهاني. حسناً، هذا الجليل هو أستاذ المجتهدين. إنّ المجتهدين الكبار ومراجع التقليد الكبار هم تلامذته في الفقه والأصول والفلسفة. لقد كان أيضاً شاعراً. حسناً، مثل هذا الشعر يصح أن يصبح سنداً، أو الروايات المختلفة الموجودة في كتب المناقب وفي شرح أحوال الأئمة عليهم السلام، المناقب المعتبرة. إذاً هنا قسمٌ يرتبط بمناقب أهل البيت عليهم السلام.

 

2. يتضمّن نصائح مُستبطنة حياة أهل البيت عليهم السلام

القسم الآخر هو النصائح التي يمكن أن تُستنبط من حياة هؤلاء الأطهار. نحن اليوم بحاجة إلى النصيحة، فمن أجل تنمية الأخلاق في المجتمع ونشرالأخلاق الفاضلة وتكامل روحية المواساة والأخوّة والصفاء التي نحتاج إليها في المجتمع الديني، نحتاج إلى النصيحة. فمن أين نأخذها؟ إنّ قواعد الأخلاق موجودة في كلمات الأئمة عليهم السلام وفي سلوكهم. فلنوسّع من الأخلاق في المجتمع. ولندعُ الناس إلى الخير والأمل والتعاون والأخوّة والصبر والحلم والشكر والإحسان والإيثار والصفح، ولنحذّرهم من الأخلاق السيئة وضيق النظر واليأس وسوء الظن والإساءة لهذا وذاك والحسد والبخل وبقية الأخلاق السيئة. ومثل هذا الأمر يمكن تحقيقه من خلال الأسلوب الشعري أفضل بكثير من لغة النثر ولغة النصيحة.

 

3. يتضمّن المسائل الأخلاقية

خطيبٌ مثلنا يجلس وينصح الناس ليس معلوماً إلى أي مدى سيكون عمق تأثيره، ولكن عندما يُبيِّن نفس هذا المضمون بقالبٍ شعري جميل ولحنٍ عذب فإنّه يكون كالماء العذب الذي يشربه الإنسان فيشعر بأنّ جميع خلايا بدنه استفادت من هذا الماء، فإنّ ذلك يؤثّر في أعماق وجود الإنسان. بالطبع، ينبغي تكرار الأخلاقيات، فإنّ الكلام له أثر وكذلك الاستماع، لكن هذا الأثر ليس أبدياً فهناك مؤثّرات أخرى في

 

 

230


185

خطاب الولي 2011

المجتمع تعمل على عكس ذلك. لهذا ينبغي تكرار المسائل الأخلاقية وإعادة ذكرها. هذا بما يتعلق بجانب الأخلاقيات.

 

4. يتضمّن إشاعة البصيرة ونشر الوعي

 قسمٌ آخر، يتعلّق بالوعي ونشر البصيرة بما يتعلّق بمسائل الحياة. وبالطبع إنني لا أوافق أن تصبح منابر المدائح تعرّضاً لهذا وإساءة لذاك، وهذا ما لا أحبّه، ولكن إشاعة البصيرة أمرٌ جيد، وهي تعطي الوعي. شعبنا اليوم وعلى أثر البصيرة تمكّن من أن يصمد. شعبنا اليوم يعلم ما هي المؤامرات التي تُحاك ضدّه ومن هم المتآمرون وما هي أهدافهم، وأي شيءٍ يزعج شعب إيران. هذه الأشياء يعرفها شعبنا. شعب إيران يعلم أنّ روحية الإيمان، والإسلام، والحرية، والاستقلال، والثبات على الطريق الصحيح تُغضب العدوّ. إنّ شعبنا يعرف عدوّه. وقد تعرّفنا جميعاً إلى أساليبه يوماً بعد يوم، وأدركنا ما هي هذه الأساليب. هذه البصيرة أمرٌ قيّمٌ جداً. لو لم تكن هذه البصيرة لما تمكّن شعبنا من الصمود. إنّ الدعايات التي يروّج لها الأعداء سواء كانت من قِبلَهم بصورة مباشرة أم عبر الأبواق المأجورة، هي كلّها من أجل انتزاع هذه البصيرة من شعبنا، وجعل الأمر ملتبساً عليه، ومن أجل إبعاد هذا الشعب عن إيمانه وإسلامه واستقامته وصموده على هذا الطريق وعن معرفته الصحيحة للأحداث التي تجري في الحياة. حسناً، يمكن أن يُخصّص برنامج في مجالس المدائح لهذا القسم. فابحثوا عن شعره واختاروا كلماته. وفي لحظة مناسبة أحياناً يكون لكلمة واحدة من التأثير في القلوب ما يكون لكتابٍ كامل. أثّروا في القلوب. إنّني أرى لحسن الحظ اليوم أنّ شريحة المدّاحين، وللإنصاف، قد تطوّرت كثيراً على هذا الصعيد، من خلال البرامج التي نوفّق للاستماع إليها أو تقام هنا أو نشاهد بعضها في التلفزيون.

 

خصائص مدّاحي أهل البيت عليهم السلام

1. المطالعة والتدوين

المطلب الآخر هو أنّ صاحب مهنة ذكر المدائح الذي يفتخر بأنّه يعمل ويخدم في هذا الطريق لو أراد أن ينال جميع هذه الخصوصيات فإنّه يحتاج أولاً إلى

 

 

231


186

خطاب الولي 2011

المطالعة والعمل. وبالقول المعروف من لا يملك شيئاً لا يحصل على شيء، هو بحاجة إلى المطالعة وإلى العمل. بالطبع، كان المدّاحون القدماء عندنا حتماً يتقيّدون بأن يقرأوا عن ظهر قلب، وكانوا يعتبرون القراءة عن الورقة أمراً سيئاً، فلحسن الحظ اليوم لم يعد الأمر كذلك، لم يعد من الضروري أن يقضي ساعات على سبيل المثال من أجل أن يحفظ قصيدة معينة، كلا، يقرأ عن الورقة. والمنبريون أيضاً على هذا النحو. نحن في أيام شبابنا وحداثة سنّنا لم نشاهد إطلاقاً خطيباً يستخرج ورقة من جيبه ليقرأ حديثاً، كانوا يعتبرون هذا سيئاً. وقد قام المرحوم الشيخ فلسفي رضوان الله عليه بالقضاء على هذه السُّنَّة الخاطئة، فكان يستخرج ورقة ويقرأ الحديث أو الرواية. حسناً، لقد كان واعظاً من الطراز الأول في البلد. والآن استفاد الوعّاظ أيضاً. فمن أجل أن يقرأوا بشكل صحيح وفي المكان المناسب، ولأجل أن يقرأوا ما ينبغي فإنّهم يستخرجون الورقة من جيبهم ويقرأون الحديث أو المطلب الذي دوّنوه أو الشعر. وقد سهّل هذا الأمر العمل كثيراً. والمدّاح أيضاً على هذا المنوال. لهذا فإنّ المطالعة والتدوين والكلام على أساسٍ محسوبٍ بدقّة وضمن دراسة ومطالعة كل هذه هي الشرط الأول.

 

2. الأُنس بالقرآن والحديث

الشرط الثاني هو أن تطّلعوا على القرآن والحديث أثناء مطالعاتكم. الأُنس بالقرآن هو أمرٌ لازم للجميع. إننا نوصي الجميع بهذا، نوصي جميع شباب البلاد. اليوم لحسن الحظ صار الأمر على هذا المنوال، فالمرء يشاهد بين الجامعيين والطلاب وبين الشباب غير الجامعيين والحوزويين أفراداً يأنسون بالقرآن، وبعضهم يحفظون القرآن، ومن لم يحفظه يدرك القرآن بالجملة ولو لم يدرك جميع التفاصيل فإنه يفهم المضمون وهذا الأمر غنيمة مهمة.

 

من يُقارن اليوم بما قبل 20 أو 25 سنة يلاحظ الفرق ما بين السماء والأرض. المُعطيات غير متوفرة عند الكثيرين. أنا العبد لأنني كنت أهتم بهذه المسألة فعندي معطياتها، أعلم ماذا جرى وماذا يجري من أجل التعرّف والأُنس بالقرآن. سابقاً كان قارئنا عندما يقرأ القرآن في كثير من الأحيان لا يفهم معنى الآيات فكان يقطع حيث

 

232


187

خطاب الولي 2011

ينبغي أن يصل، ويصل حيث ينبغي أن يقطع. اليوم لم يعد الأمر كذلك بتاتاً، فالكل مطّلعون. لهذا فإنّ التعرّف إلى القرآن والحديث هو وصيّتنا للجميع. لكنّ مبلغي الدين وشريحة المداحين هم بالطبع مختصّون بهذا الخطاب. يجب أن يأنسوا بالقرآن.

 

فاحرصوا على قراءة القرآن، واقرأوه بالالتفات إلى الترجمة واحفظوا هذه الترجمة. دوّنوا الآيات التي تنطوي على نصيحة وتتضمّن معرفة ما ويفهمها الإنسان وسجّلوها واستفيدوا منها واذكروها واعملوا بها وهكذا الأمر بالنسبة للحديث.

 

لحسن الحظّ، فإنّ كتب الحديث المعتبرة عندنا اليوم قد تُرجمت كلّها. لقد تُرجم الكافي ومن لا يحضره الفقيه ونهج البلاغة وكلمات السيدة الزهراء سلام الله عليها. فلم يعد الأمر مختصّاً بمن يعرف اللغة العربية، كلا، فمن يعرف اللغة العربية ومن لا يعرف اللغة العربية، الجميع يمكنهم الاستفادة من هذه الكلمات وهذه فرصة يجب الاستفادة منها. لهذا وصيتنا هي: تلاوة القرآن والأنس بالقرآن والحديث، والتعرّف إلى معارف أهل البيت من خلال الحديث، والأهم من كل هذا التوجه إلى الله تعالى والحفاظ على هذا الارتباط القلبي مع الذات الأحدية الأقدس بالدعاء والتوسّل والذكر والخشوع والنوافل.

 

فلو بقيت هذه الرابطة محفوظة وقَويَت فإنّ جميع الأعمال الصعبة تُحلّ بالتدريج وهذا هو أساس العمل. إنّ فرع الارتباط بمقام الأحدية الذي يكون بالخشوع والذكر والتوسّل هو أيضاً مرتبطٌ ومتّصل بأهل البيت عليهم السلام ولا ينفكّان "مَن أَرَادَ اللهَ بَدَأَ بِكُم"[1] لكن حسناً، إنّ أدعية الصحيفة السجادية والمناجاة الخمسة عشر، والأدعية والمناجاة المختلفة الموجودة تمنح القلب صفاءً كما الذهن، وتجعل الذهن فعّالاً أيضاً. الكثير من المعارف ينالها الإنسان من هذا الطريق.

 

أملنا إن شاء الله تعالى أن يوفّقكم الله. الكلام كثير ولكن الوقت قليل. واليوم سُررنا كثيراً من زيارة السادة والاستماع إلى بيانات الأعاظم.

 

اللّهم بحقّ محمّد وآل محمّد اجعلنا من أتباع أهل البيت عليهم السلام.

 

اللّهم اجعلنا من الشيعة الحقيقيين للسيدة الزهراء عليها السلام.

 

اللّهم وفّق شعب إيران في جميع الميادين.

 


[1] الصدوق، الشيخ محمد بن علي بن بابويه، من لا يحضره الفقيه‏، تحقيق وتصحيح علي أكبر غفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم‏، إيران - قم‏، 1413ه‏، ط2، ج2، ص615.

 

233


188

خطاب الولي 2011

اللّهم فرّج فرجاً عاجلاً على جميع المسلمين وشيعة البحرين وجميع مستضعفي العالم.

 

اللّهم أرضِ عنّا القلب المقدّس لولي العصر وأفرحه، واجعلنا مشمولين بأدعية هذا العظيم.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

234


189

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء نواب مجلس الشورى الإسلامي

 

 

 

المناسبة:   انتخاب رئيس وأعضاء الهيئة الرئاسية في مجلس الشورى الإسلامي

الحضور:  رئيس ونواب مجلس الشورى الإسلامي

المكان:   طهران

 

الزمان:    ٠٨/٠٣/1390ﻫ.ش.

25/٠٦/1432ﻫ.ق.

29/05/2011م.

 

235


190

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أرحّب بكم كثيراً، إخواني وأخواتي الأعزّاء وعافاكم الله. أملنا أن يضفي الله تعالى على كلّ لحظات مساعيكم واهتماماتكم وتشخيصكم للمسؤوليات أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء مزيد عنايته وأجره العميم، ويزيدكم توفيقاً ونجاحاً يوماً بعد يوم.

 

نشكر جناب السيد لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإيراني، على هذا التقرير الجيّد الذي قدّمه، وكذلك بخصوص هذا الموقف الصريح والواضح بالنسبة للمستكبرين، وبالنسبة لأمريكا، وبالنسبة للمزايدين والمتبجحين الدوليين، والذي ظهر على لسانكم أيّها النوّاب المحترمون. وبالطبع، إنّ هذه المواقف هي لسان حال شعبنا، وينبغي بالحقيقة أن نشكر الله الذي تفضّل ووفّق شعبنا طيلة هذه العقود الثلاثة، وكذلك حفظ الفهم الدقيق والواضح المميّز بين الخطوط والتيّارات العالمية ومضامينها وأهدافها، بل وزاد من ذلك كلّه يوماً بعد يوم.

 

المستكبرون وثقافة الغفلة

في الحقيقة إنّ من جملة مشاكل الشعوب ومصائبها عدم امتلاك هذا الوعي، أو الغفلة عن المتغيرات العالمية والأحداث المختلفة التي تؤدّي إلى ضررها وانسداد الطرق في وجهها، وتلك التي تؤدي إلى الوقوع في الشبهات من جرّاء المصاعب السياسية. لو أنّ التيارات العالمية والتيّارات الكبرى الشمولية في عالم السياسة وعالم الاقتصاد كانت مكشوفة للشعوب، وفكّرت هذه الشعوب بما يدور حولها بوعيٍ وبصيرة واطّلعت على أهدافها، فإنّ حدة سيف مستكبري العالم ستُفَلّ. الهدف من هذه الدعايات الواسعة التي تلاحظونها -وما أكثر تلك الأجهزة الإعلامية والدعائية الموضوعة اليوم في خدمة سياسات المستكبرين- هو في الواقع من أجل إثارة الضوضاء والغبار حتى لا تتمكّن الشعوب من نيل هذه البصيرة والوعي، أو تعجز عن حفظها. لقد حفظ شعبنا ذلك كلّه، وهو محطّ تقديرٍ كبيرٍ.

 

 

237


191

خطاب الولي 2011

ما يوجب هزيمة العدو

 أنا العبد يجب أن أشكر المجلس المحترم، لأنّه أظهر هذه المواقف طيلة هذه المرحلة وإلى يومنا هذا وبمشيئة الله سيبقى إلى نهاية هذه الدورة بشكل واضح. كان من الممكن للمجلس أن يتسبّب للبلاد وللثورة بالكثير من الإزعاج لو أنّه في بعض الأحيان ارتكب خطأً، أو لم يتّخذ موقفاً، أو ما هو أسوأ من ذلك: لو أنّه اتخّذ موقفاً خاطئاً بما يتعلّق بإحدى هذه القضايا السياسية المهمّة والأحداث المختلفة. فالمجلس الذي يقف بثباتٍ وإحكام ووضوحٍ وعلانية ويتّخذ موقفاً بشأن القضايا السياسية العالمية المختلفة، وضد هجمات الأعداء على الجمهورية الإسلامية، هو في الواقع محلّ افتخار وشكر. إنّني أتوجّه بالشكر من كلّ أعماقي وأصرّ على استمرار هذه المواقف مع هذا الثبات والإحكام والقوّة، لأنّ التحدّي بين الثورة الإسلامية والاستكبار العالمي مستمرٌّ، وبالطبع، فإنّه بحول الله وقوّته لن يبقى إلى الأبد. فمع مرور الزمان سترجح كفّة النظام الإسلامي وتصبح أقوى. وفي اليوم الذي يشعر به الأعداء باليأس، ستقلّ الهجمات، لتزول بعدها بالتدريج، ولكن حتى ذاك اليوم، فإنّ ثبات وصمود الشعب ونُخبه أمرٌ ضروريٌّ ولازمٌ، ويجب أن يستمرّ. فلنحذر من تناسي هذه الدقائق المنظورة في نوعية تعامل الثورة مع العدوّ. فلننظر اليوم إلى خطّة العدوّ بما يتعلّق بالثورة، وحسب التعبير الرائج والمتعارف فلنتفحص سيناريوهات العدوّ ولنرَ ماذا يريد. فلو استطعنا أن نفهم جيّداً، ونحدس بنحوٍ صحيح، ونخطّط لتصرّفاتنا وأعمالنا في مقابل سيناريوهات العدوّ فإن العدوّ سيُهزم قطعاً.

 

عناصر الخطة العدوانية

1. استهداف الاقتصاد

جميع الشواهد تشير إلى أنّ العدوّ اليوم يستند بشكل أساس إلى عدّة أمور. يبدأ الإنسان من أوضحها، وهي قضية الاقتصاد. إنّ ما قلناه هذا العام من أنّه عام الجهاد الاقتصادي ناظرٌ إلى هذا البعد في القضية. فإركاع البلد من الناحية الاقتصادية، وإرجاعنا إلى الوراء في المجال الاقتصادي الذي يؤدّي إلى شلل في الركائز الاقتصادية

 

 

238


192

خطاب الولي 2011

ويؤدّي في النهاية إلى يأس الشعب، كلّ ذلك يُعدّ من أعماله الأساس. حسناً، هذا شيء واضح وهم أنفسهم يعلنون ذلك ويتحدّثون عنه. وهذا بالنسبة للمجلس وللحكومة ولجميع المسؤولين في القطاعات المختلفة، يرسم خطاً واضحاً بما يتعلّق بالمسؤوليات، وماذا عليهم أن يفعلوا.

 

2. إيقاع الفتنة بين الأجهزة الإدارية

الأمر الآخر الذي هو واضحٌ جداً هو إشعال الخلافات بين الأجهزة الإدارية المختلفة في البلاد، وهذا من أعمالهم الأساس. وهم لا يخفون هذه القضية أيضاً. لا أنّهم لا يريدون إخفاءها، بل لأنّها غير قابلة للإخفاء. فطريقة عمل الأعداء في مثل هذه القضايا المهمّة والعامة والدولية يقتضي أن يقوموا بأشياء ويتحدّثوا عن أمور ويعلنوا قضايا، لهذا فإنّ هذه التدبيرات والسياسات التي يقوم بها الأعداء لا تبقى مستترة. يريدون إيقاع الخلافات، وهم يسعون مهما أمكنهم إلى حقن هذه الخلافات، ونحن علينا أن نكون متيقّظين. فاختلاف السلائق ووجهات النظر بشأن القضايا السياسية لا ينبغي أن ينجرّ إلى تحدّ بين التيارات في البلد وبين عناصر البلد. إنّ الذنب الكبير لمشعلي الفتنة قبل سنتين، لو نظرنا بحسن الظن إليهم وقلنا إنّهم وقعوا في الاشتباه وكانوا يعانون من خدشة في أذهانهم، هو أنّ هذه الخدشة قد أدّت إلى إيجاد مشكلة للنظام الإسلامي. ومثل هذا الذنب الكبير لا يمكن التغاضي عنه، وما زالت آثاره إلى يومنا هذا في مجتمعنا. وبالطبع إنّ شعبنا شعبٌ يقظٌ. والحدّ المطلوب من الفهم والبصيرة الموجود عند هذا الشعب أدّى إلى أن تختفي هذه الحوادث وتزول آثارها على مرّ الزمان، لكنهم بسبب هذا وجّهوا ضربة. فإيجاد النزاع والشجار والخلاف العميق يُعدّ من الأعمال المشينة والبشعة ومن الكبائر، وهذا ما يريده العدوّ.

 

وأنتم في مجلس الشورى الإسلامي قوموا بدوركم في هذا المجال. ولا علاقة لهذا المطلب بنوعية انتماء أيٍّ من أعضاء المجلس إلى أيّ تيّارٍ أو توجّهٍ سياسي، فلا فرق، القضية هي قضية الدفاع عن البلاد والثورة والإسلام والمنجزات الكبيرة للشعب الإيراني. وهذا الأمر مشتركٌ بين جميع التيارات، ما خلا أولئك الأجانب، وغير ذلك فإنّه أمرٌ

 

 

239


193

خطاب الولي 2011

مشتركٌ بين جميع التيارات الملتزمة لأيّ نِحلة أو توجّهٍ سياسيٍّ انتمت. وهذه مسألة مهمّة جداً، ومن البنود الواضحة.

 

3. استهداف الشعور الديني

ومن النقاط الأساس الواضحة إضعاف العقائد والمشاعر الإسلامية وترسيخ الأفكار الإلحادية وشبه الإلحادية من خلال الأساليب المختلفة. وهذا من سياساتهم. فالأجهزة الإعلامية المختلفة تُستخدم بميزانيات هائلة ومتابعة حثيثة وشاملة من أجل تغيير أفكار شبابنا. وبالطبع هذا لا يختص بشبابنا فقط. فاليوم، يتمّ تطبيق هذه القضية نفسها وبقوّة في هذه البلدان العربية التي جرت فيها تلك النهضات والثورات، فينفقون المليارات من أجل أن يتمكّنوا من تغيير ذهنية وأفكار الشباب الذين تجمّعوا في هذا الميدان في القاهرة أو ذاك الميدان في تونس وقاموا بتلك الإنجازات الكبيرة. مثل هذه الأحداث تجري. فليست من التخمين والتحليل، إنّها معطيات. حسناً، العدوّ مشغول وهو يستخدم كل ما لديه من قوّة، ومثل هذه الأعمال يتمّ القيام بها من قبل العدوّ. ويوجد ترويجٌ للفساد والفحشاء وإيجاد التزلزل في العقائد.

 

المناعة التي صَنَعَت النصر

لقد هيّأ العدوّ سيناريو شاملاً وجامعاً للنظام الإسلامي وللحركة والصحوة الإسلامية. ولحسن الحظ، لدينا الكفاءة المناسبة للتعامل مع هذا السيناريو، فلا شكّ في ذلك. وهنا أقول بكلّ قاطعية: إن هذه الكفاءة والقدرة موجودة لدى نظام الجمهورية الإسلامية لمواجهة هذه الهجمة من خلال الأصول الاعتقادية والفلسفية الغنية والقوية الموجودة بيننا بالفعل. أمّا بما يتعلّق بتلك الأمور الكامنة فلها محلٌّ آخر ومن خلال الموارد البشرية المتشوّقة والفاعلة الكفوءة. كما أنّ الجمهورية الإسلامية أظهرت هذه الكفاءة أيضاً طيلة هذه السنوات الـ 32. فطوال هذه المدّة لم يكن الأعداء عاطلين عن العمل. وكانوا في سعيٍ مستمرٍّ وتخطيط، وبحسب قولهم كانت غرف التخطيط عندهم مشغولة دائماً. صرفوا الميزانيات، ووضعوا الخطط، وعيّنوا أشخاصاً ومأمورين وبعثات، وفي المجال الدبلوماسي فعلوا

 

 

240


194

خطاب الولي 2011

كل ما يقدرون عليه، ولكن حسناً، كانت النتيجة أنّ الجمهورية الإسلامية تقدّمت وهم تراجعوا. وبالطبع لو لم يكن منّا بعض التقصير وبعض العيوب الأخلاقية وغير الأخلاقية لكنّا تقدّمنا أكثر. غاية الأمر أنّه كان لدينا بعض المشاكل، ولكن مع وجود هذه العُقد فإنّنا اليوم تقدّمنا وبشكلٍ واضحٍ، وعدوّنا قد تراجع بشكل واضح. فأمريكا في عهد ريغن (الرئيس الأربعين للولايات المتّحدة الأمريكية من عام 1980 إلى عام 1989) تختلف عن أمريكا في عهد أوباما (الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتّحدة الأمريكية منذ 2009/01/20) من السماء إلى الأرض. والجمهورية الإسلامية قبل ثلاثين سنة تختلف عن الجمهورية الإسلامية الآن من الأرض إلى السماء. لقد تقدّمنا وتراجعوا، لهذا نحن نمتلك كفاءة التعامل، ولكنّ الخوف هو أن نصبح غافلين أو مغرورين. فكلاهما يمثلان خطراً (الغفلة والغرور). فلا ينبغي الغفلة والانشغال والتلهي بالأعمال الهامشية ولا ينبغي أن نغترّ ونقلّل من شأن العدو، بل علينا الحذر، وكلّ واحدٍ منّا هو مشمولٌ بهذا الخطاب. فأنتم الـ 290 نائباً في المجلس، كلّ واحدٍ منكم يتوجّه إليه هذا الخطاب الإلهي بمفرده، ويتحمّل هذه المسؤولية الإلهية، فعلينا أن نلتفت، وكذلك الحكومة والمسؤولون القضائيون ومسؤولو القطاعات المختلفة في الدولة وكذلك العسكريون وغير العسكريين وكل أفراد الشعب، فالكل مسؤول ولكن غاية الأمر أنّ مسؤولية المسؤولين في الدولة محدّدة وواضحة وفي الأغلب معروفة. جميعنا مسؤولون، أي إنّ علينا أن ننظر إلى وظائفنا انطلاقاً من هذه الرؤية. أنا العبد بما يتعلّق بوظيفتي وأنتم بما يتعلّق بوظائفكم وكذا غيرنا.

 

الأمانة الحتمية

لقد وُضع على عاتقنا حمل أمانة ثقيلة. وضع الله هذه الأمانة على عاتقنا وليس لدينا خيار في أن نقول: حسناً، نحن لا نريد هذه الأمانة، كلا، إنّ هذه الأمانة يجب أن نوصلها إلى المقصد بكل قوّة وأمانة. كلّ ما نفعله على الصعيد السياسي والفكري والاقتصادي والإداري ينبغي أن يكون وفقاً لهذه الرؤية. وإذا انطلقنا في أعمالنا بدون

 

241


195

خطاب الولي 2011

هذه الرؤية، فالخوف هو أن يقع عملنا في الاتّجاه المخالف لهذه الأهداف. فعندها سنكون مورد المؤاخذة الإلهية. والله تعالى لا يتجاوز عن مثل هذه الذنوب الكبيرة. الإمام رضوان الله تعالى عليه، كان له مثل هذا التعبير في عددٍ من المسائل الاجتماعية والذنوب الاجتماعية والأخطاء السياسية وغيرها حيث كان يقول: "إنّ هذه معصية لن يتجاوز الله تعالى عنها، لأنّ التوبة فيها ليست سهلة". حسناً، إنّ الله يتوب على الإنسان في أيّة معصية تاب منها، ولكن عندما يقوم هذا الإنسان بتحرّكٍ ما ويوجّه ضربة معيّنة إلى شعبٍ ما، كيف يمكن أن يتوب منها؟ وكيف يمكن جبران هذا الأمر؟ وكيف يمكن أن يستحلّ ويطلب المسامحة من الذين أصابهم منه أذى فرداً فرداً؟ لهذا فإنّ الله تعالى لا يصفح عن هذه المعاصي، وحساسية مواقفنا أنا وأنتم تنبع من هذه النقطة.

 

وصيّتان ليبقى صوت الثورة

حسناً، لنلقِ الآن نظرة على قضايا المنطقة والعالم والقضايا العامّة في البلد التي تعرّضنا لها. لحسن الحظ، كانت مواقف المجلس والحكومة جيدة، لقد صمدوا. ولحسن الحظ، تمكّن مسوؤلو الدولة وفي المناسبات المختلفة من إيصال الصوت البليغ للثورة إلى أسماع شعوب المنطقة، وسط هذا الضجيج الإعلامي المتعدّد الذي هيمن على المنطقة. فبالرغم من هذا الضجيج والضوضاء والتلاعب الذي أحدثه الأعداء، تمكّن شعب إيران ومسؤولو البلاد من إيصال الكلام الصحيح والمتين والمنطقي إلى الآذان. إنّ هذا لحسن الحظ قد تحقّق وينبغي أن يستمر.

 

الوصية الأولى: اليقظة والحذر

حسناً، هذه ساحة حرب. إن الحرب كرٌّ وفرّ. الإنسان يضرب في الحرب ويتوقع أيضاً الرد. فالعدوّ ليس عاطلاً عن العمل وهو أيضاً يوجّه الضربات، وعلى المرء في هذه الساحة الدولية الواسعة أن يرى نفسه في ميدان الحرب. فليس البحث حول السلام والتودّد وأمثالهما. حتى أنّهم حينما يطلقون الكلام اللين فإنهم يحملون خلف ظهورهم خنجراً مسلولاً، وينتظرون أدنى غفلة لكي يغرزوه في كبد الخصم. لهذا، يجب اليقظة والحذر. إنّني أوصي وأؤكد أن نحفظ هذه اليقظة وهذا الحذر.

 

 

242


196

خطاب الولي 2011

الوصية الثانية: مراعاة التقوى الجمعية

بالطبع، أقول هذا، فالمحلّ هنا هو محلّ التقوى الجمعية. لدينا تقوى فردية، حيث ينبغي أن يجعل كلّ واحدٍ منّا نفسه تحت المراقبة الدائمة. التقوى الكاملة هي أن يجعل الإنسان نفسه تحت المراقبة بصورة دائمة، كالذي يتحرّك في فناءٍ مليء بالأشواك المؤذية وهذا المثال موجودٌ في الروايات أيضاً وكذلك في كلمات العظماء حيث ينبغي أن يكون حذراً دوماً، فينظر تحت قدميه لأنه إذا غفل فإنّ الأشواك ستخترقه وتمزّق ثيابه وتجرح قدميه. شُبّهت التقوى بالحركة في حقل الأشواك. حسناً، هذه هي التقوى الفردية، وهي ضرورية، وطريق الوصول إلى الفوز والفلاح هو فقط هذا. لو أراد الإنسان أن يصل إلى الفلاح والفوز والنجاة الأبدية فعليه أن يصل إلى التقوى. وكلّما ازدادت هذه الحالة يزداد الفوز والفلاح.

 

ولدينا تقوى جمعية. التقوى الجمعية هي أن تراقب الجماعات نفسها، أن يراقب الجمعُ من حيث هو الجمعَ نفسه. فعدم مراقبة الجموع أنفسها كمجموعة يؤدّي إلى زلل الأقدام، حتى لمن لديهم تقوى فردية ضمن الجماعة، بسبب هذه الحركة العامة لهذا الجمع، فيصلون إلى حيث لا يريدون. وطوال هذه السنوات الثلاثين تلقّينا ضربات من هذه الجهة. وكانت هذه إحدى الجوانب التي أظهرنا فيها الضعف.

 

في العقود السابقة كان هناك تيّارٌ في بلدنا باسم اليسار. كانوا يرفعون شعارات جيّدة ولكنهم لم يراقبوا أنفسهم ولم يظهروا التقوى الجمعية. كان من بينهم أشخاصٌ لديهم تقوى فردية، ولكنّ عدم امتلاك التقوى الجمعية وصل بهؤلاء إلى أن أصبح أهل الفتنة ممن هم أعداء الإمام الحسينخ والإسلام والإمام والثورة معتمدين عليهم، فهم لم يطلقوا شعارات معادية للإمام والثورة، ولكن استطاع الذي يطلق الشعارات ضدّ الإمام والثورة أن يعتمد عليهم، وهذا خطرٌ كبير جداً، لقد زلّت أقدامهم، لهذا إنّ التقوى الجمعية مهمّة جداً.

 

ليعلم الجميع، لقد قلت لكم السنة الماضية أن تجعلوا رقابة ذاتية داخل مجلس الشورى الإسلامي، وهذه هي التقوى الجمعية، أن تتدارك المجموعة نفسها. وهنا

 

 

243

 


197

خطاب الولي 2011

انطلقت بعض التصريحات من الزوايا "بأنّ النائب ينبغي أن يكون حرّاً وأمثال ذلك"! لا يخالف أحدٌ حرّية النائب، لكن الاعتراض على السلوك المنحرف للنائب. فمن الممكن لنائب واحدٍ منحرفٍ أن يسيء إلى سمعة مجلس الشورى الإسلامي ويطعن به، أليست هذه خسارة؟

 

ذهبنا إلى الإمام في بداية الثورة، من أجل تعيين أحد الأجلّاء من بيننا كرئيس للجمهورية ونعرّفه للإمام من أجل الحصول على موافقته،، ومن ثمّ نطرحه كمرشح حزب الجمهورية الإسلامية لرئاسة الجمهورية. فلم يقبل الإمام لسببٍ ما. لاحقاً قال لنا عليكم بالمجلس، فالمجلس هو المهم. فبالنسبة لقائد الثورة ومؤسّس هذا النظام وموجد هذه المجموعة كان للمجلس مثل هذه الموقعية. حسناً، يجب المحافظة على هذا وحفظ سمعته وصورته، وهذا ما يتطلب رقابة ذاتية. فما لم تكن هذه الرقابة الذاتية موجودة، ستقع المشاكل، وأنتم ترون بأنفسكم. لقد أكّدت في السنة الماضية على هذا. وبالطبع، لقد تحقّق شيءٌ مؤخراً بالنسبة لهذه القضية في المجلس. لكنّ أهمية القضية لم تُدرك بالكامل. هذه الرقابة الذاتية هي التقوى الجمعية.

 

الحلّ في ظلّ تعدّد السلائق

توجد في المجلس سلائق مختلفة وتيارات متعدّدة. ليس لهذا العبد إصرار على أن تأتي هذه التيارات لتتّحد فيما بينها، كلا، إن اختلاف السلائق والآراء والأذواق والعقائد السياسية أمر موجود وأمرٌ طبيعي. ومثل هذا الاختلاف في السلائق مفيدٌ في العديد من الموارد، من الممكن هنا أن يكون له بعض الأضرار أحياناً.

 

لا تتشاجروا

لا يوجد إصرارٌ على إزالة هذه الخطوط، بل الإصرار أولاً على هذا الشيء الذي ذكرته سابقاً: لا تتشاجروا، لا يؤدِّ بكم الاختلاف في السلائق إلى النزاعات والعداوات وتناسي أمريكا. وللأسف فإنّ بعض تياراتنا هي هكذا. عندما يعارضون الخصم، تُنسى أمريكا وإسرائيل وأعداء الثورة وأعداء الإمام، تصبح خصومتهم الأساس مع الطرف المقابل! حسناً، هذا خطأ. فلا ينبغي أن تتناحر الأجنحة بما بينها وتتنازع.

 

 

244


198

خطاب الولي 2011

الرقابة الذاتية

الأمر الثاني، أن تقوم كلّ جماعة بالضبط الداخلي والمراقبة الذاتية فلا يسمحوا لتيارهم بالانحراف. إنّ عدد الأشخاص الجيّدين بين هذه التيّارات ليس قليلاً، ولكن عندما يُبتلى التيّار بمشكلة ما، فإنّ الصالح سيزلّ معهم، وينساق. هذه النكات من الأمور الواضحة. ليس في ذهني أن أتوسّع في الكلام والبيان مع الإخوة والأخوات.

 

وصايا لأعضاء مجلس الشورى

1. الإستمرار في العمل حتى آخر الولاية

النقطة التي أرى من اللازم أن أتعرّض لها، لأنّ هذا العام هو آخر سنة لدورة هذا المجلس، والأصدقاء والأعزّاء عليهم أن يلتفتوا بحجة أن الانتخابات هي في آخر السنة، في شهر إسفند، لا ينبغي للمجلس أن يُبتلى بالركود وقلّة العمل، في هذه الأشهر العشرة الباقية. إنّ الخوف هو أن يؤدّي توجّه الأصدقاء والنوّاب المحترمين لحدث 12 إسفند[1] المقبل، لأن يُلقي بضلاله على جميع الأعمال المطلوبة في المدة الفاصلة بين اليوم وذاك التاريخ. رجائي أن لا يحدث هذا. لقد كنتُ أُوصي جميع الحكومات بهذا وهو أن لا تكون السنة الأخيرة ضعيفة. وإنّ أهمية هذا بالنسبة للمجلس أكبر لأنّ خطره أكثر. فالسنة الأخيرة بالنسبة للحكوميين (أعضاء الحكومة) هي فقط السنة الأخيرة بالنسبة لهم، فلا يمكنهم السعي والحراك من أجل الاستمرار في المسؤولية، لكنّ ممثّلي المجلس لا ينبغي أن يكونوا كذلك، فإذا أرادوا السعي يمكنهم ذلك (أي الترشح لولاية أخرى). فهذا السعي لا ينبغي أن يهيمن على وظيفة اليوم التي هي وظيفة النقد وهي لازمة. إنّني أطلب بجدّ من الإخوة والأخوات أن يلتفتوا إلى هذا.

 

2. التقرّب من أصحاب الثورة لا أصحاب الثروة

المسألة الأخرى هي التقرّب من أصحاب القدرة والثورة، إنّني أقول لكم هذا دون أيّة مجاملة. فنحن في النهاية إخوة وعلينا أن نتواصى بالحق والخير. هذا خطرٌ جداً، أن يتقرّب أحدٌ إلى أصحاب الثروة أو القدرة من أجل ضمان انتخابه في دورة. إنّه أمرٌ

 


[1] 12 اسفند 1390ش موعد انتخابات مجلس الشورى الإسلامي (مجلس النواب) ويصادف أواخر شهر 2/2012م.

 

 

245


199

خطاب الولي 2011

في غاية السوء، ومن الأمور التي لا يصفح الله تعالى عنها بل ينتقم. إنّ هذه الأمور تترك آثاراً سلبية على الشخص وعلى عاقبته وعلى المجتمع. هذه العاقبة التي نوليها هذا القدر من الأهمية.

 

3. تفعيل الرقابة

في هذا الطرح المتعلّق بالرقابة والذي تمّ تصويب مسائله الكلية، على الأصدقاء أن ينظموا الأمور لكي يتمّ القيام برقابة واقعية، أي أن لا يتحوّل الأمر إلى نوع من المجاملة وسياسة تمرير المصالح. اعملوا بطريقة بحيث تكون في المجلس نفسه عينٌ بصيرة تراقب بشكل واقعي. فلا يتحول الأمر إلى أجواء تسيطر فيها المجاملة والمقايضة.

 

4. التكامل مع السلطتين التنفيذية والقضائية

المطلب الآخر هو هذه الوصية التي أقدّمها دائماً وهي ما يتعلّق بالتكامل مع السلطة التنفيذية (السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، ولكن بالأساس السلطة التنفيذية لأنّ أساس عمل المجلس هو مع هذه السلطة) وينبغي أن تتكامل. لا ينبغي أن تجري الأمور بحيث تؤدي إلى النزاع والاختلاف، فمثل هذا الأمر له آثارٌ سيئة جداً في الخارج وعلى الناس. فأحياناً، يصدر مثلاً داخل المجلس تصريحٌ أو إبداء رأيٍ وكما تعلمون يُنشر، فإذا كان لا سمح الله طعناً بشخصٍ أو جماعة لا يمكن جبرانه بسهولة، وهذا ما يؤدّي إلى تيئيس الناس. في يومنا هذا، المسؤولون يبذلون الجهود ويعملون، لا تقولوا يوجد هذا الضعف وذاك الضعف. فأنا العبد مطّلع على نقاط الضعف هذه، بل لعلّني مطّلع على نقاط ضعفٍ لا يعلم بها كثيرون. ومع وجود هذه النقاط، فإنّ هذا الشيء الموجود اليوم في السلطة التنفيذية هو في وضعية جيدة ومطلوبة، ففي البلد يتم انجاز الأعمال. حسناً، يجب التعاون ومد يد المساعدة، فيقوم المجلس بمساعدة الحكومة، وتقوم الحكومة بمساعدة المجلس، ويكون القانون هو فصل الخطاب بالنسبة لأداء الحكومة، وتكون توجّهات الحكومة وتشخيصاتها مؤشراً بالنسبة للمقنّن في كيفية التقنين. فمثل هذه القضية لا تتنافى مع استقلالية المجلس. لقد كنتُ نائباً في المجلس ورئيساً للحكومة أيضاً وقد جرّبتُ الأمرين معاً، طوال هذه السنوات المتمادية أيضاً، شاهدتُ المجالس والحكومات. فلا إشكال بأن

 

246


200

خطاب الولي 2011

 يقوم أيّ مجلسٍ بوضع قانونٍ صحيحٍ وقويٍّ ومنطقيٍّ ويكون المسلك العام للحكومة بناءً عليه عملياً، ممكناً، وسهلاً. فلو حصل هذا لا يعني أنّ المجلس فاقدٌ للاستقلالية. بعض الأشخاص ربّما يريدون أن لا يكون المجلس خاضعاً، حيث يرى المرء كيف أنّهم متحرّقون لاستقلاليته، فيقولون فليكن للمجلس استقلالية! هذا لا يتنافى أبداً مع استقلالية المجلس. فلينظر المرء ليرى كيف يمكن للحكومة أن تعمل وكيف يمكن أن تقوم بدورها على نحوٍ أفضلٍ وأسهل، ويضع هذا القانون على أساسه، فهذا ممكنٌ ولا إشكال فيه، ومن ذاك الجانب عندما يصبح القانون جاهزاً ومنجزاً، تُصبح الحكومة مسؤولة عن أن تعمل طبق هذا القانون بكلّ وجودها ومع جميع السلطات بدون أيّ عذر. فطرفا القضية على هذه الشاكلة. أي أنّ الطرفين يمكنهما أن يتعاونا ويتكاملا. هذا ضروريٌّ وينبغي أن يُنجز. فلو حصل أن بدأ كلٌّ منهما بطرح الأعذار: هذا يقول كلا، لا نريد أن نقوم بهذا، لأنّ الحكومة تريد القانون بهذا الشكل، وذاك يقول لأن ذاك القانون فيه اعوجاج هنا فإننا لن نخضع، حسناً، إنّ هذا لا يصح، فأوضاع البلاد لا تُدار بهذا الشكل. الرفق جيّدٌ، الرفق والتعاضد والتعاون والمداراة، هذه. توجد لدينا في باب الرفق روايات تفسره بالتوافق والتصالح. فالذي لا ينبغي أن نصالحه هو العدوّ، لكنّ المرء يجب أن يتوافق ويتصالح مع الصديق. نهاية الأمر أنّ عليه أن يتحمّل، فيقوم كلٌّ من الطرفين بتحمّل ذاك الشيء من الآخر.

 

الانتخابات في ظلّ النظام الإسلامي

حسناً، الانتخابات مهمّة، وهي شاخصٌ وعَلمٌ لنظام الجمهورية الإسلامية. هي شوكة في عين الأعداء. ونحن بحمد الله أجرينا الانتخابات بدون أي تأخيرٍ ودوماً في وقتها. هذا مهمٌّ جداً.

 

فمنذ عام 1979م، حيث أُجريت أول انتخابات وإلى يومنا هذا، تم إجراء 32 دورة إنتخابية في موعدها وبالدقة. وفي الواقع الأعداء بذلوا قصارى جهدهم[1] علّهم يتمكنون من تأخير انتخابات واحدة للمجلس ولكنهم لم يتمكنوا، فزعماء القوى (الغربيون)

 


[1] التعبير العامي الوارد في النص: أنهم قتلوا آو شلخوا أنفسهم كي...

 

 

247


201

خطاب الولي 2011

كانوا يتعاونون لكي لا تجري انتخابات مجلس الشورى الإسلامي في موعدها لكنهم لم يتمكنوا. سعوا كثيراً، جاؤوا وتباحثوا وتحدّثوا وكتبوا المقالات وجمعوا التواقيع وعبّأوا مسؤولي الحكومة ولكنهم بحمد الله لم يتمكّنوا. وسوف يكون الأمر بعد هذا وبتوفيق الله على هذا المنوال. الانتخابات مهمّة، فهي بالنسبة لنا محلّ افتخار، ودليلٌ على النظام الشعبي الديني. فينبغي أن تجري الانتخابات بشكل جيد. فإلى يومنا هذا وبالرغم من كلّ الإساءات التي صدرت عن الأطراف المختلفة وعبر العهود المتنوعة وبالرغم من كلّ النقيق، وعلى الرغم من شروعهم قبل الانتخابات بإشاعة إنّه لا ينبغي أن تحصل أية مخالفة في الانتخابات، ولكنهم لحسن الحظ لم يتمكّنوا من إثبات أي شيء. ففي الدورات المختلفة بحمد الله تمّ إجراء انتخابات جيدة وواضحة وشفافة وستكون هذه الدورة بمشيئة الله هكذا أيضاً. بالطبع، ما زال هناك وقتٌ طويل إلى موعد الانتخابات، لكنني في نهاية الأمر أريد أن أوصي المسؤولين أن يراقبوا ويحفظوا حرمة الانتخابات. سواء المجلس أم الحكومة أم السلطة القضائية، فلا يصحّ لأحدٍ أن يتدخّل بأيّ نحوٍ كان وهذا ليس مقبولاً وغير جائزٍ فعلى الناس أن يشخّصوا طبق المسار القانوني ويتعرّفوا وينتخبوا.

 

وأنا هنا أذكر جملة واحدة: إنّ هذه المطالب التي تفضّل بها الإخوة الأعزاء بعد كلمات السيد لاريجاني هي في الواقع تُخجلني، وإن كنت أعلم بأنّها نابعة من المحبّة والوفاء والصفاء فلا شكّ بذلك لكن مثل هذه الكلمات مضرّة لي وكذلك لقائلها. فلا ينبغي أن تُذكر هذه الكلمات بهذا الشكل. فنحن مجموعة صادف أنّنا نعمل معاً في زمن واحد وإلى جنب بعضنا بعضاً. فمثل هذه العبارات لا تُفرح المرء ولا تُساعده على التقدّم في العمل. فنحن جميعاً عباد الله سنكون خدّاماً للناس. نأمل إن شاء الله من العليّ المتعال أن يشملنا جميعاً بفضله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

248


202

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في جامعة الإمام الحسين عليه السلام

 

 

 

 

         

         

المناسبة:   تخرج دفعة من طلبة جامعة الإمام الحسين عليه السلام للضباط وكوادر حرس الثورة

الحضور:  كبار القادة والضباط ووزير الدفاع وعدد من الأساتذة والمدراء والمدربين

المكان:   طهران جامعة الإمام الحسين للضباط

 

الزمان:    10/03/1390هـ.ش.

27/٠٦/1432هـ.ق

31/٠٥/2011م.

         

249


203

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

من الأعماق أهنئكم أيّها الشباب الأعزّاء للنجاحات التي حقّقتموها في عنفوان الشباب سواءٌ لخرّيجي هذه الجامعة الغرّاء أم الشباب الذين نالوا الرّتب وسوف يشاركون بصورة رسمية في التدريبات التابعة للحرس. ونحن نسأل الله المتعال لكم التوفيق.

 

إنّ مراسم اليوم، بالإضافة إلى جماليّتها وعظمتها، كانت عالية المضمون والمعنى. فهذا هو المتوقّع من الحرس الأعزّاء، ممن جرّب الميادين الشاقّة للجهاد في سبيل الله. أملي بالله أن تزداد نجاحاتكم يوماً بعد يوم.

 

خصائص ومميّزات قوّات الحرس

لقد وُلدت قوّات الحرس في أشدّ مراحل تاريخ هذا البلد حساسيّة وتعقيداً وغموضاً. لم تكن الولادة سهلة، فمنذ بداية هذه المؤسّسة المباركة ونشوئها أُلقي على عاتقها مسؤوليات ثقيلة. لم تكن ذخيرة الحرس في تلك الأيّام الأولى إلا الإيمان والدافع والحماس الثوري. بالطبع، كان الشباب يمتلكون مختلف الكفاءات، فمنهم من جاء من الجامعات، ومنهم من جاء من بعض المراكز العسكرية، ومنهم من كانت له سوابق شخصية وكفاءات خاصّة. إلاّ أنّه لم تكن بأيديهم أيّة خبرة أو أداة مناسبة لذلك الميدان الشاقّ. كان رأسمالهم الثمين والنفيس عبارة عن إيمانهم وحماسهم الثوري واستعدادهم للجهاد وبذل الأنفس في هذا الميدان الصعب، وقد وُفّقوا لذلك. فلم يمرّ وقتٌ قصير من حياة قوّات الحرس حتى بدأت المعارك الجدّية. فالشباب المؤمنون من مختلف أنحاء البلد أو في طهران نفسها واجهوا ميادين الحرب الواقعية، فبداية عمليات الحرس كانت واقعية. وفي الواقع كان عليهم أن يحملوا أرواحهم على أكفّهم وينزلوا إلى الميدان، وقد فعلوا ذلك.

وببركة ذلك الحماس الثوري توفّرت جميع العناصر الضرورية الأخرى: اكتسبوا الخبرة، وتفتّحت فيهم روحيّة الإبداع، وحصلوا على المعرفة والإحاطة بكلّ ما هو لازم. وفيهم انبعث تيّار هادر على المستوى العلمي والمعرفي. وكلّ ما كان يلزمهم تعلّموه. وكلّ ما كان ضرورياً لميدان الحرب، مادياً ومعنوياً، أوجدوه بابتكارهم وإبداعهم، ثم سطع في ميادين الجهاد، سواءٌ في القتال على الثغور ضدّ الأعداء المعتدين، أم في المعارك الجهادية الثورية في الميادين التي هاج غَيهَبُهَا وانطَمَسَت معالمها داخل المجتمع، وقد وُفّقوا لذلك.

 

 

251


204

خطاب الولي 2011

وببركة ذلك الحماس الثوري توفّرت جميع العناصر الضرورية الأخرى: اكتسبوا الخبرة، وتفتّحت فيهم روحيّة الإبداع، وحصلوا على المعرفة والإحاطة بكلّ ما هو لازم. وفيهم انبعث تيّار هادر على المستوى العلمي والمعرفي. وكلّ ما كان يلزمهم تعلّموه. وكلّ ما كان ضرورياً لميدان الحرب، مادياً ومعنوياً، أوجدوه بابتكارهم وإبداعهم، ثم سطع في ميادين الجهاد، سواءٌ في القتال على الثغور ضدّ الأعداء المعتدين، أم في المعارك الجهادية الثورية في الميادين التي هاج غَيهَبُهَا وانطَمَسَت معالمها داخل المجتمع، وقد وُفّقوا لذلك.

 

أولئك الرجال الصادقون النقيّون، الذين أرسوا قاعدة الحرس، وبنوا قواعد وبنيان هذه المؤسسة المباركة، كانوا على هذه الشاكلة. فببركتهم تمكّن الحرس من إظهار وإثبات نفسه في البلد كمؤسّسة ثورية فعّالة ومبتكرة ومصدّرة للطاقات الإنسانية إلى غيره من الأجهزة. طوال هذه السنوات المتمادية 32 سنة ببركة هذه القاعدة الراسخة التي أوجدها الرجال المؤمنون كان للحرس حضورٌ في مختلف الميادين، فسطع وأحسن العمل وأثبت بوضوح تأثيره في مجريات حركة الثورة وتقدّم هذا المجتمع. بعض هؤلاء بالطبع، نالوا فيض الشهادة وفخرها، والكثير منهم بحمد الله ما زالوا أحياء ولهم دورٌ مصيري. لكنّ قضايا البلد وحاجاته إلى الطاقات الجهادية المُبدِعة والمُندَفِعة والمُنبَعِثة ببصيرة تزداد يوماً بعد يوم. فالقاعدة المُتجدّدة بشكل دائم للحرس يجب أن تتشكّل في هذه الجامعات نفسها، في هذه الجامعة، وفي التعامل مع الأحداث المختلفة. وهذه القاعدة في يومنا هذا تتشكل منكم. فأنتم الذين تمثّلون مستقبل الحرس. أنتم الشتول المباركة التي سيتكئ عليها وسينشأ منها البناء الراسخ في السنوات والعقود الآتية ضمن الاختبارات والامتحانات المتنوّعة التي ستواجهونها، فأعدّوا أنفسكم لمثل هذه الرسالة المهمّة والثقيلة.

 

إذا لم تكن الركائز في أيّة مؤسسة راسخة وسليمة، فإنّ البناء الذي سيتشكّل لن يكون ثابتاً. فالبناء الراسخ للحرس طيلة هذه السنوات المتمادية كان ببركة الإيمان والسعي الجهادي لرجالٍ بنوا القواعد الأساس للحرس، والله تعالى أعانهم، وأضحى ميدان الدفاع المقدّس ساحة تجاربهم، وكان حضور الإمام الجليل وبركات كلماته

 

 

252


205

خطاب الولي 2011

مشعل دربهم دوماً، لهذا تمكّنوا من الوفاء الصحيح بهذه الرسالة. وأنتم عليكم اليوم أن تعدّوا أنفسكم لبناء ذلك المستقبل.

 

وأنا أقول لكم: إنّه بموازاة تقدّم المجتمع، وبموازاة تطوّر الفنون والعلوم في الحياة الإنسانية، وبموازاة الحركة التكاملية الطبيعية للإنسان، فإنّ عملكم مقارنة بعمل من سبقكم في السنوات الثلاثين الماضية هو أهمّ وأعقد وأدقّ وأمسّ حاجة للدقّة ولإظهار الاقتدار والابتكار الذاتي. كما أنّ ثورتنا اليوم والنظام الناشئ من هذه الثورة بالنسبة للعقود الماضية بلغا درجات أعلى بكثير. رجال هذا النظام والمبدعون المجاهدون فيه وفي صفوفه الأمامية يجب أن يكونوا بنفس هذا المستوى من التقدّم: أكثر علماً وتهذيباً وشجاعة وبصيرة من السوابق الجليلة، وهو كذلك.

 

أقول لكم: إنّ شبابنا المؤمن البصير، وبسبب الأوضاع والظروف المشهودة في الحركة التاريخية لشعبنا والحركة التاريخية للعالم، هم أكثر تقدّماً من شباب العهد الأول للثورة. ففي ذاك العهد، أولئك الذين كانوا يبذلون أنفسهم في ميدان الثورة كانوا يسيرون قُدُماً بالدافع الإيماني والاعتقاد بالمستقبل المشرق. لكنّ شباب اليوم يرون بأمّ العين ذلك المستقبل. لقد أوفى الله تعالى بوعده لهذا الشعب. لقد وعد الرّب المتعال أنّه لو تقدّمتم بالإيمان في ميدان السعي والجهاد فسوف يعينكم وينصركم: ﴿إِن يَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ﴾[1]، فعندما يعين الله وينصر، لا يمكن لأيّة قوّة أن تتغلّب عليكم. هذا وعد الله، وشعبنا وشبابنا اليوم يشاهدون هذا الوعد بأمّ العين.

 

هزيمة أمريكا وعودة الإسلام

الإمبراطورية العسكرية والمالية والدعائية والسياسية المهيمنة على العالم أي الشيطان الأكبر أمريكا نزلت بكلّ قوّتها، وبكلّ ما تحمله في جعبتها إلى ميدان نظام الجمهورية الإسلامية، إلى ميدان الثورة، وهي تمنّي النفس بإركاع هذه الثورة. واليوم بعد 30 سنة أنظروا لتروا ماذا حصل في العالم، لقد ركعوا بأنفسهم. والسياسة الأمريكية الفائقة الحساسية المرسومة للشرق الأوسط قد تلقّت ضربة قاصمة. والكلّ يرون هذا

 


[1] سورة آل عمران، الآية 160.

 

254


206

خطاب الولي 2011

حدث هذا. قبل أسبوعين، "في يوم النكبة"، قام الشباب بتحطيم حدود إسرائيل لأوّل مرّة بعد مرور ستين سنة. هذا كان ﴿وَلِتَعۡلَمَ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقٌّ﴾. فهذا بدوره يشير إلى أن تعلموا أنّ وعد الله الذي قال عنه: ﴿لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ﴾[1] متحقّق فالله تعالى سينصر هذا الدين وهذه الرسالة على جميع النتاجات الفكرية والدينية في العالم والله يفي بوعده، وشرطه فقط أن لا تضعف أقدامنا ولا تتشتّت حواسنا أنا وأنتم في هذا الطريق، طريق المجاهدين السائرين في هذا التحرّك، وفي هذا العصر الحديث.

 

الذنب الكبير والذي لا يُغفر لأولئك الذين نظروا إلى الوراء في هذه الحركة العظيمة الثورية لشعب إيران، ونظروا إلى أنفسهم، لشهواتهم، ولسعيهم للسلطة، نسوا أنّ هذا الشعب لأيّ شيء ثار وما هو معنى هذه الحركة، هذا معنى أنّ أقدامهم تزلزلت. بالطبع إنّ شعبنا بحمد الله لم يأخذ عنهم ولن يتعلّم منهم، ولكن علينا جميعاً أن نكون مراقبين في هذه الحركة العظمية المتسارعة نحو الأمام حيث الربّ المتعال يضع أمام أنظارنا ويوماً بعد يوم بشائر الانتصار.يجب على الجميع أن يثبتوا ولا يَهِنُوا.   

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                             

ضرورة إعداد النفس

أعزّائي الشباب! أنتم من المصطفين لهذه الحركة الرائدة، فأعدّوا أنفسكم. أنتم بحاجة إلى المعرفة فتعلّموا، بحاجة لتهذيب النفس فقوموا بذلك. إذا لم نهذّب أنفسنا فإنّ زخارف الدنيا الخدّاعة ستُلهينا. عندما ينسى السائرون هدفهم أثناء الطريق ويُلهيهم المقهى الموجود على الطريق وينسون إلى أين يذهبون فإنّ خطراً عظيماً سيتهدّدهم. فالتفتوا إلى العلم وتهذيب النفس والتجربة والانضباط في البيئة العسكرية، هذا الانضباط النابع من الدوافع المعنوية -يقيناً- تأثيره أكثر بكثير من الانضباط الشكلي والتنظيمي. لحسن الحظ، فإنّ القوّات المسلّحة اليوم في التشكيلات المختلفة سواء في الجيش أم في الحرس أم في القوى الأمنية أم في مجموعة التعبئة العظيمة تتمتّع جميعاً بهذه الذخيرة المعنوية. إنّ شبابنا اليوم في القوات المسلّحة يهتمّون بالمعنويات، وهذا ما يُعدّ فرصة عظيمة تُبشِّر بمستقبل زاهر.

 


[1] سورة التوبة، الآية 33.

 

255


207

خطاب الولي 2011

اللّهم! اجعل شبابنا الأعزّاء جنوداً حقيقيين للإسلام والقرآن.

 

اللّهم! وفّقهم برحمتك للاستمرار على هذا الطريق، واشملهم بدعاء حضرة بقية الله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

256


208

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في الذكرى 22 لرحيل الإمام الخميني قدس سره

 

 

         

 

المناسبة:   الذكرى الثانية والعشرون لرحيل الإمام الخميني قدس سره

الحضور:  حشود من أبناء الشعب الإيراني ومن مختلف بلدان العالم

المكان:   طهران، مرقد الإمام الخميني قدس سره

 

الزمان:    14/٠٣/1390هـ.ش.

٠١/٠٧/1432هـ.ق.

٠٤/٠٦/2011م.

 

 

257


209

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد للَّه ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.

 

سلام الله ورحمته على روح الإمام الجليل المطهرة وشهداء الثورة الإسلامية.

يقيم شعب إيران من جديد اليوم ذكرى إمامنا الجليل، على طريق مدرسة الإمام وخطّه. إنّ يوم الرابع عشر من شهر خرداد من كلّ سنة (4 حزيران ذكرى وفاة الإمام الخميني) هو فرصة لعرض بُعدٍ من أبعاد حياة الإمام الطاهرة وخطّه المبارك والساطع. وهذا العام صادَف الذكرى أوّل أيّام شهر رجب المبارك. شهر رجب، شهر رحمة الله وبركته. وقد رُوي عن نبي الإسلام المكرّم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "اللّهُم بَارِك لَنَا فِي شَهرِ رَجَب وَشَهرِ شَعبَان". فهذا الشهر وشهر شعبان هما معبر المؤمنين إلى شهر ضيافة الله، شهر رمضان المبارك.

 

تتزامن ذكرى الإمام هذا العام أيضاً مع حادثة مهمّة أخرى هي الصحوة الإسلامية، هذه الحادثة والملحمة التي كان إمامنا الجليل ينتظرها ويتمنّاها ويخبر عنها. كان إمامنا العظيم يستشرف حركة الصحوة للشعوب الإسلامية، وقد تفضّل الله تعالى أن حقق له ما كان يتوقعه، مثلما أنّه استشرف سقوط الحكم الروسي وقد حقّقه الله تعالى.

 

في هذا اليوم تنقسم النقاط التي سأعرضها إلى قسمين، على أمل أن أتمكّن في هذا الوقت المختصر من التعرّض لهما. الأوّل، إطلالة على الدرس الكبير لإمامنا الجليل، مروراً على مدرسة إمامنا العزيز الخالدة التي تمثّل ذخر شعب إيران، هذه الذخيرة التي تمكّن شعب إيران بالاعتماد عليها والتمسّك بها، من أن يطوي معابر وعرة، كانت من الطبيعي أن تقع على طريق أيّ شعبٍ يحمل هذه الأهداف. والقسم الآخر هو النظر في قضايا المنطقة.

 

 

259


210

خطاب الولي 2011

الخطّ الواضح لحركة الشعب

بشأن مدرسة الإمام، فإنّ شعب إيران العزيز يعلم هذه القضية جيداً وهي أنّ حبّ الناس للإمام الجليل ليس مجرّد عِلقة قلبية ومشاعر وعواطف. هذا، وإن كان الأمر من ناحية الأحاسيس والعواطف يدلّ على أنّ حب الإمام في القلوب كان هادراً، لكنّ الأمر لم ينحصر بهذه القضية، بل إنّ محبة الشعب للإمام الكبير كانت بمعنى القبول بمدرسة الإمام كخطٍّ واضحٍ ومسارٍ جليّ للحركة العامّة الكلّية لشعب إيران، عبارة عن مرشدٍ نظريٍّ وعمليٍّ يوصل البلد والشعب إلى العزّة والتطوّر والعدالة. وطوال السنوات الـ 32 الماضية كان الأمر كذلك من الناحية العملية. أي أنّنا أينما وُفّقنا لتطبيق وصايا الإمام واتّبعنا إشارة الإمام نِلنا النجاحات الوافرة. فالشعب ينظر بهذه العين إلى خطّ الإمام وطريقه وإرثه الخالد. في هذه العقود الثلاثة تمكّن شعبنا من الصمود بوجه أعتى المؤامرات، سواء المؤامرات العسكرية أم الأمنية أم الاقتصادية، هذا الحظر الشامل المفروض منذ ثلاثين سنة أو المؤامرات الإعلامية من الإمبراطورية الإعلامية الواسعة والدعايات التي كانت تبث ليل نهار ضدّ شعب إيران أو المؤامرات السياسية. وقد ثبت شعب إيران بوجه هذه المؤامرات ببركة مدرسة الإمام ونهجه.

 

أبعاد مدرسة الإمام الخمينية

إنّ مدرسة الإمام تمثّل مجموعة متكاملة ذات أبعاد مختلفة، ويجب النظر إلى هذه الأبعاد مجتمعة والالتفات إليها على هذا النحو. فهناك بعدان أساسان في مدرسة إمامنا الجليل وهما البعد المعنوي والبعد العقلاني.

 

1. البُعد المعنوي

 أمّا البعد المعنوي فيعني أنّ إمامنا الجليل لم يكن يسير في طريقه باعتماده الصرف على العوامل والظواهر المادية، فقد كان من أهل الارتباط بالله والسلوك المعنوي ومن أهل التوجّه والتذكر والخشوع والذكر، وكان يؤمن بالمدد الإلهي وكان رجاؤه وأمله بالله تعالى لا حدّ له.

 

 

260


211

خطاب الولي 2011

2. البُعد العقلاني

 وفي البعد العقلاني كان يُشهد له اعتناؤه باستعمال العقل والتدبير والفكر والحسابات. وسوف أذكر بعض الجمل التي تتعلّق بهذين الأمرين.

 

3. بُعد العدالة

البُعد الثالث، والذي نبع من الإسلام كالروحانية والعقلانية. فعقلانية الإمام كانت من الإسلام وكذلك روحانيته، كانت روحانية إسلامية وقرآنية. وهذا البعد أيضاً استقاه الإمام من متن القرآن والدين، وهو بعد العدالة. ينبغي النظر إلى هذه مجتمعة. فالاعتماد على أحد هذه الأبعاد دون الالتفات إلى الأبعاد الأخرى يسوق المجتمع في الطريق الخاطئ ويجرّه نحو الانحراف. فهذه المجموعة المتكاملة هي الميراث الفكري والمعنوي للإمام. الإمام الجليل كان في سلوكه مراقباً للعقلانية ومراقباً للروحانية وبكلّ وجوده كان متوجّهاً إلى بعد العدالة.

 

نماذج من البُعد العقلاني في مدرسة الإمام الخميني

1. اختيار النظام الشعبي

أذكر هنا عدّة نماذج من المظهر العقلاني للإمام. الأوّل هو اختيار النظام الشعبي كنظامٍ سياسي للبلاد، وهو الاعتماد على آراء الناس. واختيار هذا النمط كنظام (سياسي) يُعدّ من المظاهر البارزة لعقلانية الإمام في مدرسته الإحيائية والمنهجية. فعلى مدى عدة قرون من الزمن والأنظمة الفردية (سلطة الشخص الواحد) تتوالى على حكم بلدنا، وكان الأمر من الناحية العملية ليس سوى الاستبداد والدكتاتورية البهلوية التي صارت أمرّ وأشدّ من استبداد الماضين، حتى في عهد المشروطة في إيران (الحركة الدستورية) وإعلان تطبيق القانون في البلاد بشكل رسمي. ففي بلدٍ بمثل هذه السوابق أوجد إمامنا الجليل هذا الإمكان (حكم الناس)، وحقّق هذا التوفيق، وحوّل قضية حضور الشعب والانتخابات الشعبية إلى حقيقة راسخة، فشعبنا لم يذق طعم الانتخابات الحرّة سوى في برهة قصيرة جداً، في بداية المشروطة. ففي مثل هذا البلد وفي ظلّ مثل هذه الأجواء رسّخ إمامنا الجليل ومع أول خطوة مسألة الانتخابات في البلد.

 

 

261


212

خطاب الولي 2011

لقد سمعتم مراراً أنّه على مدى هذه السنوات الـ 32 من انتصار الثورة الإسلامية، قد أُجريت حوالي 33 عملية انتخابية في البلد، كان يُقبل فيها الناس بحرّية على صناديق الاقتراع ويدلون بأصواتهم التي كان على أساسها يتشكّل المجلس والحكومة ومجلس الخبراء ومجالس البلديات وأمثالها. كان هذا أبرز نموذج لعقلانية إمامنا الجليل.

 

2. الصلابة وعدم التنازل في مواجهة الأعداء

النموذج الآخر لعقلانية الإمام واستناده إلى العقل والذكاء، كان عبارة عن صلابته وعدم مهادنته في مواجهة العدوّ المعتدي. لم يثق الإمام بالعدوّ. فبعد أن خبَر عدوّ شعب إيران، وعدوّ هذه الثورة جيداً، وقف مقابله كالطود الشامخ. صحيح أنه كان هناك من يتصوّر أنّ العقل يقتضي أن يتنازل المرء أحياناً للعدوّ، إلا أنّ الإمام كان يتحرّك بعكس هذا التصوّر. فعقلانية الإمام وعقل هذا الرجل الإلهي الناضج الكامل أوصله إلى هذه النتيجة وهي أنّ أقلّ تنازلٍ وتراجعٍ وليونة مقابل العدوّ ستؤدي إلى تقدّم هذا العدوّ. ففي ميدان المواجهة لا يشعر العدوّ بالرحمة إزاء تراجع الخصم. فأيّ خطوة إلى الوراء من قبل الشعب المجاهد، معناها تقدّم العدو خطوة إلى الأمام ومزيد من تسلّطه. كان هذا أحد مظاهر عقلانية الإمام الجليل.

 

3. غرس الثقة بالنفس في الشعب

المظهر الآخر لعقلانية الإمام كان غرس الثقة بالنفس والاعتماد على الذات في الشعب. فعلى مدى سنوات، ومنذ بداية تسلّط الغربيين ودخولهم إلى هذا البلد أي منذ بداية القرن التاسع عشر الميلادي، حينما فُتح الباب للغربيين على إيران كانوا دوماً يحشون رأس الشعب الإيراني، بواسطة عمّالهم وأعوانهم، بالتحليلات المختلفة ويُحقّرونه ويحملونه على التصديق بأنّه لا يقدر وليس لديه شأنية الإقدام والتطوّر العلمي، وأنّه لا يمتلك القدرة على العمل والوقوف على قدميه. كان زعماء النظام البهلوي وما قبله يُحقّرون شعب إيران على الدوام. فكانوا يُظهرون أنّ أيّ تطوّر متصوّر وأيّ عملٍ كبير يجب أن يتحقّق بواسطة الغربيين، وأنّ شعب إيران ليس لديه هذه القدرة. لكن إمامنا الجليل عمل على غرس روحية الثقة بالنفس في مثل هذا الشعب، وهو ما أضحى نقطة تحوّل في شعب إيران. إنّ كل هذا التطور الذي

 

 

262


213

خطاب الولي 2011

يتحقّق في المجال العلمي والصناعي وغيره من الميادين المختلفة للحياة كان بسبب روحية الثقة بالنفس هذه. إنّ شبابنا الإيرانيين اليوم وحرفيّينا وعلماءنا وسياسيّينا ومبلّغينا، جميعهم يمتلكون الإحساس بالقدرة. فقد رسّخ الإمام الجليل في عمق روح هذا الشعب شعار "نحن نستطيع". وكان هذا أحد المظاهر المهمّة لعقلانية الإمام الجليل.

 

4. تدوين الدستور

مظهرٌ آخر هو تدوين الدستور. لقد أمر الإمام خبراء الشعب أن يدوّنوا الدستور عن طريق الانتخابات. وهؤلاء المدوّنون للدستور أنجزوا عملية التدوين بعد انتخاب الشعب لهم. فلم يجرِ الأمر بطريقة يقوم فيها الإمام بتعييّن مجموعة خاصة لكتابة الدستور ثمّ يُجعل في عهدة الشعب. انتخب الشعب الخبراء عن معرفة ووعي، وهؤلاء قاموا بتدوين الدستور. ثمّ قام الإمام مجدَّداً بعرض هذا الدستور على الشعب وأجرى استفتاءً عامّاً عليه في طول البلاد وعرضها. هذا كان من مظاهر عقلانية الإمام. أنظروا كيف رسّخ الإمام أركان النظام بصورة مُحكمة. لقد أوجد الإمام قاعدة متينة ومُحكمة من الجهات الحقوقية والسياسية والاجتماعية وكذلك على صعيد التطوّرات العلمية، والتي أمكن على أساسها بناء الحضارة الإسلامية العظيمة.

 

5. للبلاد صاحب وهو الشعب

ومن القضايا التي تظهر عقلانية الإمام الجليل هو أنّه كان يفهّم الناس أنّهم أصحاب هذا البلد ومالكوه "فللبلاد صاحبٌ". وهذا الكلام كان يجري على الألسن في عهود الحكومات الاستبدادية أنه للبلاد صاحب. وكان مرادهم من هذا التعبير أنّ أصحاب البلد هم في الواقع أولئك المستبدّون والدكتاتوريون المسلّطون على البلاد. كان الإمام يفهّم الناس أنّ للبلد صاحباً وهو الشعب.

 

الإخلاص لله مظهر الروحانية في مدرسة الإمام

كان مظهر الروحانية في الإمام الجليل وبالدرجة الأولى إخلاصه. كان الإمام يقوم بالعمل لله. فمنذ البداية كان كلّما أدرك التكليف الإلهي يؤدّيه، ولم يأبَ الإمام أيّة

 

 

263


214

خطاب الولي 2011

تضحية على هذا الطريق. فمنذ بداية المواجهات والنضال في العام 1962 كان الإمام على هذا المنوال، يتقدّم من خلال التكليف. ولطالما ردّد هذا الدرس على الناس والمسؤولين أنّ ما هو مهمّ هو التكليف. نحن علينا أن نؤدّي تكليفنا ونتيجة عملنا بيد الله. لهذا كان مظهر الروحانية المهمّ في سلوك الإمام عبارة عن إخلاصه. لم ينطق بكلمة أو يفعل فعلاً أو يُقدم خطوة من أجل الحصول على ثناء وتمجيد هذا وذاك. فما أدّاه لوجه الله نال عليه البركة من الله وصار خالداً. فهذه هي خاصية الإخلاص. كان الإمام يكرّر هذه الوصية على المسؤولين، فكان يأمرنا بأن نكون من المتوكلين والواثقين بالله الذين يحسنون الظن بربّهم ويعملون لله. وكان هو من أهل التوكل والتضرّع والتوسّل والاستمداد من الله ومن أهل العبادة. فبعد نهاية شهر رمضان عندما كان المرء يرى الإمام كان يشعر بنورانيته شعوراً حسياً. كان يستفيد من فرص الحياة من أجل التقرّب إلى الله تعالى ومن أجل تطهير قلبه وروحه الطاهرة. وكان يأمر الآخرين ويقول: إنّنا في محضر الله. العالم محضر الله. العالم محلّ حضور التجلّيات الإلهية. وكان يوجّه الجميع في هذا الاتّجاه. وكان من الذين يراعون الأخلاق ويوجّه الآخرين نحو الأخلاق. فقسمٌ مهمّ من الروحانية في الإسلام عبارة عن الأخلاق واجتناب المعاصي، والبُعد عن الطعن وسوء الظنّ والغيبة وسوء السريرة والفرقة. كان الإمام الجليل نفسه يُراعي هذه الأشياء ويُوصي الناس بها وكذلك المسؤولين. لطالما أوصانا الإمام بأن لا نغترّ بأنفسنا وأن لا نعدّها أعلى من الناس، وأن لا نتعالى عن الانتقاد ونغفل عن العيوب. لقد سمع جميع المسؤولين رفيعو المستوى في بلدنا هذا الأمر من الإمام بأنّ علينا أن نكون مستعدّين، إذا انتُقدنا لا نقول إنّنا أرفع من أن يكون لدينا عيب أو يُوجّه إلينا نقد. وهكذا كان الإمام. فهو قد كرّر في كتاباته وخصوصاً في أواخر عمره الشريف وفي تصريحاته إنّني أخطأت في القضية الفلانية. أقرّ بأنّه قد أخطأ في القضية الفلانية، ومثل هذا الأمر يتطلّب عظمة كبيرة. فروح أي إنسان ينبغي أن تكون عظيمة لكي تتمكّن من القيام بمثل هذا الأمر حيث تنسب الخطأ والاشتباه إلى النفس؟ هذه هي روحانية الإمام وأخلاقه وهي أحد الأبعاد المهمّة للدرس الذي عَلَّمَنا إيّاه الإمام.

 

 

264


215

خطاب الولي 2011

بُعد العدالة في مدرسة الإمام الخميني قدس سره

وكان بُعد العدالة في مدرسة الإمام بارزاً جداً. هذا وإن كانت العدالة بأحد معانيها تنبع من العقلانية والروحانية، لكنّ عظمة هذا البُعد في شخصية الإمام الجليل أبرزته لنا بصورة متفرّدة. فمنذ بداية انتصار الثورة كان الإمام يصرّ على الاعتماد على الشرائح المستضعفة فيُكرّر هذا ويُوصي به، فالتعبير بـ "الحفاة وسكّان الأكواخ" من العبارات التي تكرّرت كثيراً في كلمات الإمام. وكان يُصرّ على المسؤولين أن يُدركوا الطبقات المحرومة. ويُصرّ على المسؤولين أن يجتنبوا حياة الأشراف. كان هذا من الوصايا المهمّة للإمام العظيم، وعلينا أن لا ننساها. إنّ آفة المسؤولية في أيّ نظامٍ يعتمد على آراء الناس وإيمان الشعب هي: أن يتحوّل المسؤولون إلى التفكير برفاهيتهم الخاصّة والبحث عن الثروة وتجميع المال وهوس حياة النبلاء والأشراف وطرق باب هذا وباب ذاك، فهذه هي الآفة العظمى. وقد جنّب الإمام نفسه هذه الآفة بشكل تام وكان يُوصي مسؤولي البلاد مراراً بأن لا يتّجهوا نحو حياة القصور والأشراف، وأن لا ينشغلوا بتكديس الثروة بل بإيجاد روابط قريبة مع الشعب. ونحن الذين كنّا في تلك الأيام من المسؤولين كان الإمام يحبّ لنا أن نرتبط بالناس ونأنس بهم، ويصرّ على إيصال الخدمات إلى أقصى نقاط البلاد لكي يتنعّم أهالي تلك المناطق النائية بالخدمات العامّة. وكانت هذه نابعة من نظرة الإمام الجليل لبُعد العدالة. كان الإمام يُصر أن يُنتخب المسؤولون من بين الناس وأن يكونوا مُنبثقين منهم، وأن لا تُصبح التبعيات (المحسوبيات) مِلاكاً لتقبّل المسؤوليات، التبعية للشخصيات والعائلات. كان إمامنا الجليل يُحذِّرنا من مصيبة الألف عائلة التي تزعّمت هذه البلاد في العهد القاجاري والبهلوي. وكان أحياناً يقول في مقام مدح أحد المسؤولين: إنّ هذا جاء من بين الناس. كان يعدّه مِلاكاً. فبرأي الإمام الجليل كان الاعتماد على الثروة والسلطة للوصول إلى المسؤولية من المخاطر الكبرى على البلاد والثورة. حسناً، هذه هي أبعاد خطّ الإمام.

 

ضرورة رعاية مدرسة الإمام في أبعادها الثلاثة

إخواني وأخواتي! يا شعب إيران العزيز! إنّ هذه المدرسة قد عبرت بنا، طيلة هذه السنوات الـ32، المنعطفات الخطرة، ورفعت من مستوى عزّتنا الوطنية وكرامتنا

 

 

265


216

خطاب الولي 2011

الدولية. فهذا البلد قد تقدّم ببركة السير على هذا الخط، وبمقدار ما حافظ على هذا الخط سار قُدُماً نحو قِيمه وأهدافه. علينا رعاية هذا الخطّ إلا أنّ هذا ينبغي أن يكون من جميع الجوانب. فلو أراد شخصٌ أو تيّارٌ أن يَعدِل عن القيم الإسلامية والثورية تحت عنوان العقلانية فهذا انحرافٌ. ولو أراد شخصٌ بحجّة العقلانية أن يخرج عن التقوى مُقابِل العدوّ ويُحدِث التبعية فهذا انحرافٌ وخيانة. إنّ تلك العقلانية الموجودة في مدرسة إمامنا الجليل لا تقتضى الغفلة عن خدع العدو وكيده وخططه الماكرة والثقة به والتنازل له. فكلّما تنازل الإنسان لعدوّه سوف يخسر الدعم المعنوي العظيم داخل البلد ومن قلوب الشعب.

 

وهكذا في النقطة الأخرى: فلو دُسنا على الأخلاق تحت عنوان السير نحو العدالة وباسم الثورية، فإنّنا نكون قد أضررنا وانحرفنا عن خطّ الإمام. ولو قمنا تحت عنوان الثورية وباسم تحقيق العدالة بإهانة إخواننا وشعبنا المؤمن وأولئك الذين يُخالفوننا من الناحية الفكرية، ولكنّنا نعلم أنّهم مؤمنون بأصل النظام والإسلام، وقمنا بأذيّتهم وتعذيبهم نكون قد انحرفنا عن خطّ الإمام. ولو أردنا تحت عنوان الثورية والسلوك الثوري سلب الأمن من بعض الناس في المجتمع والبلد نكون قد انحرفنا عن خط الإمام. ففي هذا البلد توجد آراء وعقائد مختلفة. فلو انطبق عنوان الإجرام على حركة ما أو كلامٍ ما، فمثل هذا العنوان الإجرامي قابلٌ للمعاقبة وعلى الأجهزة أن تتعقّبه، ولكن عندما لا ينطبق عليه هذا العنوان الإجرامي، وإنما يخالف أسلوبنا السياسي ونهجنا ومذاقنا، دون أن يكون بصدد الإطاحة والخيانة وتطبيق أوامر العدوّ في البلد، فلا يمكننا أن نحرمه الأمن والعدالة، ﴿وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَ‍َٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ﴾[1]. فالقرآن يأمرنا قائلاً: لا ينبغي أن تكون مخالفتكم لقومٍ ما سبباً للدّوس على العدالة وتناسيها، ﴿ٱعۡدِلُواْ﴾، أجروا العدالة حتى بما يتعلّق بمن يخالفكم، ﴿هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ﴾، إيّاكم أن تتصوّروا أنّ التقوى تعني أن نسحق من يُخالفنا. كلا، فإنّ إجراء العدالة

 


[1] سورة المائدة، الآية 8.

 

 

266


217

خطاب الولي 2011

يتوافق مع التقوى. فعلينا جميعاً أن نكون حذرين وواعين. فمثل هذا البُعد لا ينبغي أن يطغى على الأبعاد الأخرى.

 

البُعد الروحاني والمعنوي هكذا أيضاً. فنحن أهل المعنويات والتوسّل والتوجّه والذكر والشكر. وإنّ أجواء مجتمعنا عابقة بالتوجّه إلى الله. فشهر رمضان في بلدنا هو شهرٌ مشهود، وهو ربيع الروحانية. وشبابنا الأعزّاء هؤلاء في جلسات القرآن والذكر والدعاء والتوسّل لهم من الحضور النوراني ما يُبهج الإنسان. وفي الأيام الآتية نفس مراسم الاعتكاف التي يُقيمها شبابنا تُعدّ ظاهرة مُدهشة.

 

في أيّام شبابنا، في حوزة قمّ العلمية، وفي أيّام منتصف رجب التي هي أيّامٌ معروفة للاعتكاف، لعلّ الذي كانوا يُشاركون في الاعتكاف في مسجد الإمام، في تلك الأيام، لم يكن ليتجاوز العشرة أو الخمسة عشر نفراً أو العشرين من الطلبة هناك حيث مركز الحوزة العلمية أي قم. فمثل هذا العمل لم يكن معروفاً. أمّا في أيامنا هذه، وفي جامعات البلاد، يعتكف آلاف الأشخاص من شبابنا الجامعيين ذكوراً وإناثاً في مساجد الجامعات. يتعبّدون لثلاثة أيام ويختلون بربّهم ويثبّتون علاقتهم بالله، وكذلك المساجد الكبرى والجوامع لها حالها. فهذه هي المعنويات. إنّ بلدنا هو بلد المعنويات، ولكنّ روحانياتنا ومعنوياتنا تصاحب الشعور بالمسؤولية. فهذه المعنويات لا ينبغي بأي شكلٍ من الأشكال أن تفصلنا عن مسؤوليتنا الثورية العظيمة، بل ينبغي أن تكون معينة لنا في حركتنا الثورية. أولئك الذين يعتمدون على التديّن وتحت عنوان التديّن يسعون لجعل مجتمعنا وشبابنا معزولين عن السياسة ويعملون على إبعادهم عن الحضور في ميادين البلاد، هؤلاء مُخطئون ويسلكون الطريق الخطأ وقد ابتلوا بالانحراف، فهذه الأبعاد تكون مجتمعة.

 

ثبات الشعب على نهج الإمام الخميني قدس سره

إنّني هنا وفي جوار مرقد الإمام المطهّر، وفي جوار الأرواح الطيبة للشهداء الذين دُفنوا في هذا المزار المعنوي بهشت زهراء، أَشهد أنّ شعبنا قد سلك هذا الطريق جيّداً وقد حفظ نهج الإمام. إنّني أرى بالعين ويمكنني أن أَشهد أنّ شبابنا الثوريين اليوم إذا

 

 

267


218

خطاب الولي 2011

لم يكونوا من الناحية الإيمانية والتقوائية وثبات العقيدة أفضل من الشباب الثوريين في بداية الثورة، فهم ليسوا بأقلّ. إنّني أَشهد من صميم القلب وبضرسٍ قاطع وأعتقد بأنّ شعبنا قد وفى بعهده على أفضل وجه، فقد حفظ القيم وثبت عليها، إنّ شعبنا هو الذي أحبط خطط أعدائنا.

 

لا أريد أن أتحدّث بهذا الشأن بالتفصيل، فلا يوجد وقت، ولعلّه الآن لا يوجد مجال لمثل هذا الحديث، ولكن أتحدّث بالإجمال والإشارة. إنّ أعداءنا يتصوّرون أنّه برحيل الإمام قد بدأ عصر زوال هذا النظام المقدّس. كانوا يتصوّرون أنّ الإمام إذا رحل فإنّ هذه الشعلة ستنطفئ بالتدريج وأنّ هذا المصباح سيخبو. وفي مراسم تشييع جنازة الإمام، فإنّ مشاعر الشعب وذلك التحرّك العظيم في دعم ما قام به الخبراء جعلهم آيسين. فقد خطّطوا لمدّة عشر سنوات فهذا تحليلي، وليس بمعنى أنّه خبر، إنّما تحليلٌ تُثبته القرائن لنا، وكانوا يأملون أنّه بعد عشر سنوات (هذه المخططات) ستُؤتي ثمرتها. وفي سنة 1999 عندما جرت تلك الأحداث، كان الشعب هو من أحبط تلك الحوادث، ففي الثالث والعشرين من شهر تير [1999/07/14] من ذلك العام، نزل الناس إلى الشوارع وأحبطوا في يومٍ واحد مؤامرة العدوّ التي كان يخطّط لها لسنوات وانقضى ذلك اليوم. ثمّ جاءت أمواجٌ أخرى ووضعوا خططاً لعشر سنوات وحتى مجيء عام 2009. وبرأيهم أنّه ستحين الفرصة. تصوّروا أنّهم قد هيّأوا الأرضية. كان للناس مطالب -الناس المرتبطين بالنظام والأوفياء له- ففكّروا أنّه يمكنهم استغلال هذه المطالب. لهذا أحدثوا قضايا عام 2009. فبقيت طهران لمدّة شهرين أو ثلاثة في حالة من الاضطراب -بالطبع طهران فقط- فتمكّنوا طيلة هذه المدّة من إشغال القلوب والأذهان بهم. وهنا نزل الناس إلى الميدان. وبعد أن انكشفت السرائر، علم الناس في يوم القدس ما هو مُراد هؤلاء، وفي يوم عاشوراء فهموا عمق مُرادهم، فنزل شعبنا العزيز إلى الميدان، وحقّق ملحمة التاسع من شهر دي [2009/12/30]. ليس فقط في طهران بل في جميع أنحاء البلاد، نزل الملايين في ذاك اليوم [9دي] ومن ثمّ ومن دون أيّة فاصلة في الثاني والعشرين من شهر بهمن [1979/02/11 ذكرى انتصار الثورة الإسلامية]، وقضوا على تلك المؤامرة من خلال

 

 

268


219

خطاب الولي 2011

لم يكونوا من الناحية الإيمانية والتقوائية وثبات العقيدة أفضل من الشباب الثوريين في بداية الثورة، فهم ليسوا بأقلّ. إنّني أَشهد من صميم القلب وبضرسٍ قاطع وأعتقد بأنّ شعبنا قد وفى بعهده على أفضل وجه، فقد حفظ القيم وثبت عليها، إنّ شعبنا هو الذي أحبط خطط أعدائنا.

 

لا أريد أن أتحدّث بهذا الشأن بالتفصيل، فلا يوجد وقت، ولعلّه الآن لا يوجد مجال لمثل هذا الحديث، ولكن أتحدّث بالإجمال والإشارة. إنّ أعداءنا يتصوّرون أنّه برحيل الإمام قد بدأ عصر زوال هذا النظام المقدّس. كانوا يتصوّرون أنّ الإمام إذا رحل فإنّ هذه الشعلة ستنطفئ بالتدريج وأنّ هذا المصباح سيخبو. وفي مراسم تشييع جنازة الإمام، فإنّ مشاعر الشعب وذلك التحرّك العظيم في دعم ما قام به الخبراء جعلهم آيسين. فقد خطّطوا لمدّة عشر سنوات فهذا تحليلي، وليس بمعنى أنّه خبر، إنّما تحليلٌ تُثبته القرائن لنا، وكانوا يأملون أنّه بعد عشر سنوات (هذه المخططات) ستُؤتي ثمرتها. وفي سنة 1999 عندما جرت تلك الأحداث، كان الشعب هو من أحبط تلك الحوادث، ففي الثالث والعشرين من شهر تير [1999/07/14] من ذلك العام، نزل الناس إلى الشوارع وأحبطوا في يومٍ واحد مؤامرة العدوّ التي كان يخطّط لها لسنوات وانقضى ذلك اليوم. ثمّ جاءت أمواجٌ أخرى ووضعوا خططاً لعشر سنوات وحتى مجيء عام 2009. وبرأيهم أنّه ستحين الفرصة. تصوّروا أنّهم قد هيّأوا الأرضية. كان للناس مطالب -الناس المرتبطين بالنظام والأوفياء له- ففكّروا أنّه يمكنهم استغلال هذه المطالب. لهذا أحدثوا قضايا عام 2009. فبقيت طهران لمدّة شهرين أو ثلاثة في حالة من الاضطراب -بالطبع طهران فقط- فتمكّنوا طيلة هذه المدّة من إشغال القلوب والأذهان بهم. وهنا نزل الناس إلى الميدان. وبعد أن انكشفت السرائر، علم الناس في يوم القدس ما هو مُراد هؤلاء، وفي يوم عاشوراء فهموا عمق مُرادهم، فنزل شعبنا العزيز إلى الميدان، وحقّق ملحمة التاسع من شهر دي [2009/12/30]. ليس فقط في طهران بل في جميع أنحاء البلاد، نزل الملايين في ذاك اليوم [9دي] ومن ثمّ ومن دون أيّة فاصلة في الثاني والعشرين من شهر بهمن [1979/02/11 ذكرى انتصار الثورة الإسلامية]، وقضوا على تلك المؤامرة من خلال

 

 

268

 


220

خطاب الولي 2011

نزولهم إلى الميدان. هذه هي مهارة الشعب. فالسلام على شعب إيران، السلام على هذا الشعب المؤمن والمجاهد والبصير. وإن شاء الله بتوفيقه تعالى سيستمرّ هذا الشعب على هذا الطريق والخط وعلى هذه الأهداف وبنفس هذا العزم والهمّة حتى النهاية.

 

ولحسن الحظّ، فإنّ هذه الحركة العظيمة للشعب آتت أكلها. فببركة الثقة التي أولاها الشعب لمسؤولي البلاد، وببركة الاستقرار الذي تحقّق بحضور الناس في جميع أنحاء البلاد تمكّن المسؤولون من توسعة الخدمات وأنجزوا الأعمال الكبرى، فقد تحقّقت في البلاد أعمالٌ عظيمة في البُنى التحتية وهو شرطٌ ضروري لتقدّم أيّ بلد، ونفس هذه الأعمال في البُنى التحتية هي التي تجري اليوم بصورة متلاحقة، والشعب يشاهد هذا، وإن شاء الله سوف يرى ثمارها على المدى القصير والبعيد. وببركة هذا الاستقرار الذي تحقّق بمشاركة الشعب فإنّ مؤامرات العدوّ الأمنية قد أُحبطت وكذلك مؤامراته الإعلامية. فببركة هذا الحضور الشعبي أضحى التطوّر العلمي والتقني في البلاد بمستوى عال. وفي يومنا هذا وطبق الإحصاءات الدولية لا طبق إحصاءاتنا وبحسب الحسابات الدولية، التي تُعلَن بشكلٍ رسمي، فإنّ سرعة التطوّر العلمي في بلدنا تبلغ 11 أو 12 ضعف المعدّل العام في العالم، وهذا ليس بالشيء القليل. هذا ما يقوله المخالفون ويعلنه أعداؤنا. فقد حقّق شبابكم العلماء في يومنا هذا من التطوّر وفي مجال أكثر من عشرة فروع مهمّة ما يأتي في الدرجة الأوّلى علمياً وتقنياً في البلاد، بحيث صاروا في الصفّ الأوّل على المستوى العالمي أي إنّهم ضمن علماء الدول العشر الأولى في العالم، كلّ ذلك ببركة حضور الناس. وكلما استمرّ هذا الحضور وهذه الثّقة المتبادلة وهذا الإحساس العميم بالمسؤولية، ستحوز البلد على المزيد من التطوّر. هذا هو خطّ الإمام.

 

وقفة مع قضايا المنطقة

أعرض لقضايا المنطقة ببضع جمل.

أولاً، إنّ ما حدث في منطقة شمال أفريقيا ومنطقتنا يُعدّ من الأحداث الفائقة

 

 

269


221

خطاب الولي 2011

الأهمية والمؤسِّسة للتاريخ. فما حدث في مصر وتونس وهذه الصحوة العظيمة التي انبعثت في الدول الإسلامية، لعلّها من الأحداث التي تحتاج إلى قرنين أو ثلاثة قرون لتقع، فهي من الأحداث المهمّة جداً والمؤثِّرة والصانعة للتاريخ. بالطبع إنّ شعب مصر قد نجح وكذلك شعب تونس، وخصوصاً انتصار الثورة المصرية فقد كان انتصاراً ساطعاً جداً وعملاً عظيماً للغاية. في بعض الدول الأخرى كليبيا واليمن وشعب البحرين المظلوم هناك جهاد قائم، ولكلّ حكمه الخاص. وهناك ستؤدي تحرّكات الشعوب إلى الانتصار عاجلاً أم آجلاً، لكنها لن تخيب. فعندما ينهض شعبٌ ما وعندما يشعر هذا الشعب بالاقتدار والقوّة لا يُمكن لأي شيءٍ أن يقف سدّاً أمامه. بالطبع، إنّ أعداء الشعوب الإسلامية أي نظام الهيمنة الشيطاني الأكبر أمريكا، والصهيونية الغدارة الوحشية مشغولون ويبذلون المساعي، وهم لا يريدون أن تتحوّل هذه الانتصارات إلى طعمٍ عذبٍ في ذائقة الشعوب، وبالمعنى الواقعي للكلمة أي أن تصل إلى النصر النهائي. ولكن لو أنّنا نحن الشعوب الإسلامية استيقظنا وأصغينا لنداء القرآن الذي يأمرنا بالصبر والاستقامة والثبات ويبثّ فينا الأمل ولم نسئ الظنّ بربّنا ورجونا وَعدَه وسعينا في سبيله، فلا شكّ أنّ هذه الشعوب ستصل إلى شاطئ النصر. بالطبع، إنّ السياسة الغربية بشأن ليبيا هي إضعاف هذا البلد وتوهينه. تقتضي سياستهم استمرار الحرب الداخلية لكي تصل هذه الدولة إلى الرمق الأخير، ثمّ يأتون بأنفسهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة للإمساك بزمام أمور هذا البلد الحسّاس. إنّ ليبيا أولاً تحتوي على مصادر غنية بالنفط، ثمّ إنّها قريبة من أوروبا، لهذا فإنّها مهمّة جداً بالنسبة للمستكبرين العالميين، وبالنسبة لأمريكا، وبالنسبة للدول المستكبرة في أوروبا الغربية، فهم لا يريدون رفع اليد عنها بهذه السهولة، بل يريدون إضعافها. فلو أنّهم تركوا هذه الدولة وحالها لتمكّن الشعب من الانتصار ولأقيمت حكومة شعبية وإسلامية على رأس الأمور ولشكّلت بالنسبة لهم خطراً، لهذا لا يريدون أن يحدث مثل هذا الأمر.

 

وفي اليمن الأمر شبيهٌ بهذا. فإنّ اليمن من الناحية اللوجستية مهمّة، إنّ مجاورتها لبعض الدول المرتبطة بأمريكا، وجغرافيتها السياسية، تجعلها فائقة الأهمية، وهنا

 

 

270


222

خطاب الولي 2011

أيضاً لا يريدون لشعبها أن ينتصر. فسياسة أمريكا والغرب بالنسبة لهاتين الدولتين منع الناس من الانتصار.

 

أمّا شعب البحرين فإنّهم يرزحون تحت مظلومية مُطلقة، ولأنّهم شيعة، يُراد تعريف التحرّك على أنّه طائفي ومذهبي، في حين أنّ القضية ليست كذلك. بالطبع، إنّ شعب البحرين هم من الشيعة، وكانوا هكذا طوال التاريخ، الأكثرية شيعة، لكن القضية ليست قضية شيعة وسنّة، بل القضية هي أنّ هذا الشعب مظلوم، وأنّه محرومٌ من حقوقه الأساس كمواطن في بلده ويعيش على أرضه. إنّه يطالب بحقّه، وبحقّ التصويت، ويقول إنّني قادرٌ على إبداء رأيي، والمشاركة في تشكيل الحكومة والدولة، وهذا ليس جرماً فهو حقٌّ مشروع. عندها يأتي الأمريكيون الكاذبون والمراؤون والمخادعون والمدّعون لحقوق الإنسان والديمقراطية ليتدخّلوا في قضية البحرين ضدّ الشعب. بالطبع، هم يُنكرون ذلك ويقولون إنّ الأمر ليس منّا بل السعوديين، ولكن السعوديين لا يمكنهم أن يدخلوا إلى البحرين ويفتعلوا هذه الحوادث المُرّة والدموية فيه من دون أن يأخذوا الضوء من أمريكا، لذلك فإنّ الأمريكيين مسؤولون أيضاً.

 

الشواخص الأساس في الحركة الشعبية

أتعرّض هنا إلى نقطتين أو ثلاث، فقد انتهى الوقت ومرّ. النقطة الأولى هي أنّ الشاخص الأساس في الحركة الشعبية في هذه الدول ثلاثة أمور: الأول هو إسلاميتها، والثاني هو عداؤها لأمريكا والصهيونية، والثالث هو شعبيتها. فهذا الشاخص مشتركٌ في جميع هذه الدول. إنّ شعب مصر الذي يُعدّ شعباً بارزاً في العالم العربي والإسلامي، هو شعبٌ قام بهذه النهضة وحقّق هذه الثورة في بلده، فهي إسلامية وشعبية وتُصرّح بعدائها لأمريكا والصهيونية. وهذا حال بقيّة البلدان.

 

إنّ موقفنا تجاه هذه التحرّكات الشعبية واضحٌ: فأينما كان التحرّك إسلامياً شعبياً معادياً لأمريكا فنحن نؤيّده، لكنّنا أينما وجدناه يحصل بتحريك من الأمريكيين والصهاينة فإنّنا لن نؤيّده. إنّنا مع النهضة المعادية لأمريكا والصهيونية. فأينما نزل

 

 

271


223

خطاب الولي 2011

 الأمريكيون والصهاينة إلى الميدان من أجل إسقاط نظام ما، واحتلال دولة ما، فإنّنا سنكون في مقابل هذه الحركة الأمريكية. إنّ أمريكا لا يُمكنها أن تفكّر بمصلحة شعوب هذه المنطقة وفعل أي شيء بهذا الصدد، كلّ ما يقومون به وكلّ ما فعلوه إلى اليوم كان ضدّ شعوب هذه المنطقة. هذا هو موقفنا.

 

أهمية وعي الدول المنتصرة تجاه الأعداء

النقطة الثانية: إن على هذه الدول التي انتصرت بحمد الله خصوصاً مصر التي هي دولة كبيرة وذات إرث ثقافي وإسلامي ومعنوي غني أن تتنبّه من عودة العدوّ من النافذة بعد أن خرج من الباب. هذه المساعدات التي يُقال إن أمريكا يمكن أن تقدّمها لمصر أو أية دولة أخرى هي في الواقع أساس البلاء. فالأمريكيون يُرسّخون من خلال هذه المساعدات وهذه الدولارات سيطرتهم وهيمنتهم على هذه الدول ويفرضون آراءهم، ويعملون على إعادة هذا الشعب الذي حصل على حريّته إلى قبضتهم الظالمة. على الجميع أن يكونوا واعين. بالطبع إنّ شعب مصر واعٍ. إنّ هذه الحركة العظيمة التي قام بها شعب مصر بالاعتراض على موقف النظام السابق بما يتعلق بفلسطين وغزّة ومعبر رفح هي حركة عظيمة الشأن، ويجب أن تستمر. إنّ مصر دولة مؤثرة في العالم العربي، ولأجل هذا كان أولئك الذين يريدون أن تخضع الدول العربية للكيان الصهيوني الغاصب يسعون وراء مصر، ففرضوا عليها معاهدة كامب دايفيد المُذلّة. وقد حصل استسلام الدول العربية تِباعاً بعد قبول مصر اتفاقية كامب دايفيد حيث خضع الجميع لأمريكا، وأُخرجت القضية الفلسطينية من ساحة القرار في الدول العربية. فيجب أن يُراقبوا وأن يكونوا على يقظة. فالغربيون والاستكبار الذين أُخرجوا يوماً من مصر في عهد جمال عبد الناصر عادوا في اليوم التالي، ومثل هذه التجربة لا ينبغي أن تتكرّر في مصر. فالشعب المصري واعٍ ويقظ وأملنا بالله أن يمدّهم بالعون في هذا المجال.

 

حركة الشعوب نتيجتها النصر

 النقطة الأخرى هي أنّ هذا القمع كلّه لا ينفع، فالشعوب عندما تستيقظ في

 

 

272


224

خطاب الولي 2011

النهاية وتتعرّف إلى قدراتها فإنّها سوف تستمر على هذا الطريق. وبمشيئة الله فإنّ حركة شعوب هذه المنطقة سواءٌ تلك التي تجري اليوم أم ما هو كامنٌ في الدول الأخرى سوف تصل إلى شاطئ النصر. فالشعوب في هذه البلاد ستنتصر، غاية الأمر أنّ عليها أن تكون ملتفتة إلى تحرّكات الأعداء لبثّ الفرقة. فاليوم نجد الأعداء بصدد إيجاد التفرقة في مصر وفي تونس وفي سائر الدول الإسلامية. وخصوصاً لأنّ إيران الإسلامية هي مركز التحرّك ضدّ الاستكبار فإنّهم يريدون الإيقاع بين إيران الإسلامية وبقية الدول وإيجاد فاصل بينها، سواءٌ على المستوى القومي أم المذهبي. حتى داخل هذه الدول نفسها يُريدون إيجاد هذه التفرقة. ففي مصر اليوم يسعى بعض هذه الجماعات التكفيرية والوهابية وأمثالها وتحت ذرائع مختلفة لإيقاع الخلافات بين المصريين أنفسهم، فيجب الوعي لهذه الأفعال الرامية لبثّ الخلافات.

 

فلسطين ستعود

إنّ موقفنا تجاه فلسطين موقف واضح. نحن نعتقد أنّ أرض فلسطين ودولة فلسطين هي للفلسطينيين. أولئك الذين سعوا لمحو خارطة فلسطين من صفحة الجغرافية قد أخطأوا، فإنّ مثل هذا الأمر لن يحصل. ففلسطين باقية. اغتُصبت لعدّة عقود لكنّها لا شكّ سترجع إلى شعب فلسطين وإلى حضن الإسلام، وسوف يتحقّق هذا الأمر. فشعب فلسطين واعٍ، وفلسطين لا تقبل التجزئة، فلسطين كلّها للفلسطينيين. لقد أعلنت الجمهورية الإسلامية قبل عدّة سنوات طريق الحلّ. إنّ طريق حلّ قضية فلسطين ليست على شاكلة ما يطرحه الأمريكيون وأمثالهم، فهم لن يصلوا إلى نتيجة. إنّ طريق الحلّ هو أن يُجروا استفتاء عامّاً لشعب فلسطين، وأي نظامٍ يختارونه في هذا الاستفتاء يجب أن يحكم كّل فلسطين. ولاحقاً يقرّرون بأنفسهم ماذا يفعلون بالصهانية الذين قَدِمُوا إلى فلسطين من الخارج. فهذا يرتبط بقرار ذاك النظام الذي سينبعث من رأي الشعب الفلسطيني.

 

اللّهم انصر الشعوب الإسلامية، شعب مصر وشعب تونس والشعب الليبي وشعب اليمن والبحرين وشعب فلسطين المظلوم في ظلّ عناياتك نصراً كاملاً.

 

 

273


225

خطاب الولي 2011

اللّهم زِد من بركاتك على شعب إيران العزيز.

 

اللّهم اجعل روح إمامنا الجليل المطهَّر وأرواح شهدائنا الطيبة في أعلى المقامات. واجعلنا مشمولين بأدعية بقية الله (أرواحنا فداه) الزاكية.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

274


226

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في ذكرى ولادة الإمام علي عليه السلام

 

 

 

المناسبة:   ذكرى ولادة الإمام علي عليه السلام

الحضور:  جمع من شعراء ومدّاحي أهل البيت عليهم السلام

المكان:   طهران

 

الزمان:    25/03/1390ﻫ.ش.

12/07/1432ﻫ.ق.

15/06/2011م.

         

 

275


227

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أوّلاً، لقد سُررتُ كثيراً بسماع تلك الأشعار التي أنشدها الأصدقاء، لا سيّما بعض القصائد التي حازت كل معايير بعث الغبطة والسرور من حيث إسهامها في تطوّر الشعر.

 

ثانياً، إنّ ما يلاحظه المرء في هذا اللقاء، وأحياناً في بعض اللقاءات الأخرى، هو وجود طاقاتٍ قويّة جداً وغنيّة ومُبشّرة، حيث أتوقّع أن يكون لنا في المستقبل غير البعيد تألّق عصرٍ شعريٍّ ذهبيٍّ آخر بفضل هذه الطاقات الشابّة إن شاء الله. وبالطبع، يجب أن تتطوّر هذه الطاقات وتتكامل فتصبح الأشعار أكثر نُضجاً وعُمقاً، ولا شكّ بأنّ هذا سيحدث. إن شاء الله سيتحقّق في زماننا بناءٌ شامخٌ يُذكّرنا بعصور بلوغ الشعر أوجه في بلادنا، حيث كان للشعر عبر الأزمنة التاريخية مدٌّ وجزر، وفي بعض العصور بلغ ذروته. وسيكون لنا إن شاء الله في المستقبل غير البعيد رجوعٌ إلى تلك القمّة.

 

بيد أنّ ما يتناسب مع لقائنا ممّا سأذكره بعنوان توصية إلى الإخوة عبارة عن عدّة نقاط.

 

الشعر الديني أفضل ميادين الشعر

أوّلها أنّ هذا الشعر الذي أسميتموه شعراً ملتزماً -وهو ليس بالاسم غير المناسب، لا بأس بتسمية الشعر الديني بالشعر الملتزم- هو من أفضل ميادين استعمال قرائح موهبة الشعر العظيم. فهذه القريحة هي نعمة كبرى يمنّ بها الله على الإنسان ولا يجوز كفرانها. وشكر هذه النعمة هو أن يقوم صاحبها بتقديم ما هو مفيدٌ للناس والأفكار، ولا يعني ذلك أن يكون جافّاً وجامداً بحيث لا يهتم الشاعر بما في نفسه ويجتنب إظهار مشاعره ومكامن قلبه بغضّ النظر عن الفائدة التي يجنيها المُستمع وأن لا يصغي الشاعر لقلبه ولا يذكر أحاسيسه وما يقوله قلبه، كلا، فلا إشكال في ذلك.

 

 

277

 


228

خطاب الولي 2011

فنحن لا نُنكر على الشاعر أن يُعبّر عن مكنونات ذاته، لكنّنا نريد أن نقول في مقام التقييم، إذا كان المطلوب أن يكون للشعر مضمون، فأفضل المضامين هي تلك التي يحويها الشعر الديني مع ما يتّسع له من مجال عريض.

 

استخراج الشعر ذي المضمون الديني من دواوين الشعراء المشهورين

هناك شعرٌ ديني في بعض قصائد حافظ الغزلية. وبالطبع، لستُ ممّن يعتقد بأنّ كل شعر حافظ الغزلي على هذا النحو، لكن قسماً مهمّاً منه يُعتبر شعراً دينياً بالمعنى الذي نرومه. وهو تبيين المعرفة والحقائق الإلهية في قالبٍ خاصّ، كما يُمثّل ديوان مولوي في الشعر المثنوي خزانة من هذه الأفكار والمعارف الإلهية. لهذا، فإنّ هذه المضامين تُمثّل أفضل موارد استخدام الشعر. بالطبع، عندما ينظر الإنسان أو المرء إلى تاريخ الشعر يرى أنّ شعراءنا لم يعملوا بهذا الالتزام والاحتياط بالنسبة لهذا الأمر عبر التاريخ، أي أنّهم نثروا هذا الجوهر الفريد -وبتعبير ناصر خسرو الدر الدريّ (الفارسي)- تحت أقدام الخنازير، فتشدّقوا بالمدح والكلام الفارغ، واستخدمه بعضهم أيضاً في معان ٍ متدنية عاطفية وشهوانية. وقد كانت هذه في الواقع إسرافاً، استخداماً للقريحة الشعرية في غير محلّها وموردها.

 

وبالطبع، إنّ من بين شعرائنا، وهؤلاء ليسوا بقلّة، من استفاد من هذه القريحة إلى الحدّ الأقصى ونظم على أساسها أفضل الأشعار، وأمثال هؤلاء موجودون عبر العصور المختلفة، حيث يوجد منهم في زماننا وفي الأزمنة الماضية وعبر العهود الغابرة، وكذلك من حيث تنوّع السبك، فمن الازمنة القديمة هناك شعراء كالسنائي وناصر خسرو. هؤلاء استفادوا من هذه القريحة وعملوا بموجبها. وكذلك لدينا أمثال سعدي. والأمر كان على هذا المنوال في العصور اللاحقة، مثل الشاعر صائب. بالطبع، ما كان من شعر صائب خارجاً عن القيود والالتزام بالمعاني والمعارف ليس بالقليل، لكن وللإنصاف يوجد لديه الكثير من الشعر الأخلاقي والشعر المعارفي. فقد نظّم هؤلاء، في الأخلاق والعرفان وعلى مستويات عالية أفضل ما يمكن أن يُقال بشأن القصائد الغزلية (القصائد الغنائية العرفانية)،كما يدل كذلك، فكل ديوانه تقريباً شعرٌ معارفي (عرفاني). كنت قد أوصيتُ

 

 

278


229

خطاب الولي 2011

ذات يوم وقبل عدّة سنوات الأصدقاء المدّاحين (الذين يقرأون مدائح أهل البيت) أن ينظروا في ديوان صائب وأن يستخرجوا منه الأشعار الأخلاقية والعرفانية والتي ليست بالقليلة. فهذه مضامين ناضجة جدّاً تُنير القلوب.

 

ليس هناك من لحن لا تَسري فيه موسيقاك         العالم مليء بك ولكن مكانك خالٍ منك

الكـائــنات وإن كانــت فقيرة ببابك        لكن مــا مِـن مـخلوق يـعرف دارك

لاحظوا تلك الثورة التي يُحدثها أيّ مدّاح في قلوب المُستمعين، عندما يقرأ في مجلسٍ هذه الأشعار بصوته الحسن ولحنه الجميل. يجب الاستفادة من هذه الأشعار. وكذلك بالنسبة للآخرين من الشعراء.

 

المضامين الشعرية العالية ترفع من مستوى أذهان الناس

أُضيف هنا هذه النقطة التي كنت قد دوّنتها بالطبع، ولكن سأذكرها الآن. بعض السادة المدّاحين يقولون لنا أيّها السيّد إنّنا لو قرأنا هذه الأشعار العجيبة الغريبة فالناس لن يفهموها. حسناً، أجل، بعضها هو هكذا فإنّها أعلى من مستوى فكر عامّة الناس، فالأديب والشاعر وصاحب الذوق يجب عليه أن يُدقّق حتى يفهم المعنى. وهذا ما لا نُوصي به. لكن اعلموا أنّ مستوى فهم المخاطبين وتلقيهم يصبح أفضل مع إلقائكم للشعر. إنّني أقول هذا للمدّاحين، أنتم تستطيعون أن ترفعوا من مستوى أذهان الناس. عندما تكون الأشعار التي تُقرأ على الناس جيّدة وألفاظها جميلة، ومضامينها عالية ومعارفها قوية، حسناً، إنّ الناس سيضطرون للإصغاء. عندما تقرأون أنتم بشكل جيد سوف يستمعون، وبالطبع فإنّ مستواهم الذهني سيرتفع. حتماً علينا أن نعتبر هذا من مسؤولياتنا وهو أن نرفع من مستوى رؤية الناس وأذواقهم وأنسهم.

 

صياغة مضامين الأدعية والزيارات في قوالب شعرية

النقطة الأخرى هي أنّ المناجاة تُعدّ من الشعر الملتزم. الشعر الملتزم ليس مجرّد مدح ورثاء، فالمناجاة تُعدّ منه. ومن أفضل المصادر لاكتشاف مضمون المناجاة جيداً هي الأدعية. فليأنس الأصدقاء بالصحيفة السجادية. يُمكنكم أن تستفيدوا من هذه

 

 

279


230

خطاب الولي 2011

القريحة التي أراها فيكم بشكل ممتاز من أجل وضع مضامين الصحيفة السجادية في القوالب الشعرية وبشكل فائق الجمال. المرحوم البهجتي الأردكاني صديقنا القديم وقبل أربعين سنة تقريباً نظم قسماً من دعاء أبي حمزة شعراً وقرأه عليّ. وكان هناك مقاطع صعبة من الدعاء من حيث الألفاظ والمضمون وفي نفس الوقت تمكّن من تبديل هذا الدعاء إلى شعر. إنّني الآن أرى من بين هؤلاء الشباب قرائح وأذواقاً هي أفضل من ذائقة المرحوم البهجتي. إنّني أرى في هذا اللقاء طاقات شعرية هي أقوى وأحدّ وأقدر من قدمائنا وأسلافنا. يُمكنكم أن تصوغوا مضامين دعاء عرفة لسيد الشهداء سلام الله عليه بصورة شعرية، فدعاء عرفة للإمام الحسين عليه السلام هو دعاء عشقي. وكذلك الإمام السجاد عليه السلام له دعاء في هذا اليوم وهو الدعاء الـ 47 من الصحيفة السجادية وهو دعاء عالي المضامين وغني بالمحتوى، لكنّ دعاء الإمام الحسين عليه السلام هو دعاء العشق، هو شيءٌ آخر. فلو أنّكم حصلتم على هذه المعرفة والأُنس والدقّة يمكنكم أن تُنشِدوا من فقرة واحدة من هذا الدعاء قصيدة أو مجموعة شعرية أو غزلاً شديد العذوبة. لهذا ننهل من الصحيفة السجادية والأدعية معاني المناجاة والتوحيد.

 

بما يتعلّق بمناقب الأئمّة ارجعوا إلى الزيارات وخصوصاً الزيارة الجامعة الكبيرة. فلن تحتاجوا بعدها إلى إجهاد أذهانكم بالمبالغة والإفراط. فما ينبغي أن يُقال في باب الأئمة عليهم السلام هو موجودٌ في الزيارة الجامعة، ويُمكنكم باختيار فقرة واحدة من الزيارة الجامعة -حيث تعد فقراتها قرابة الـ 100 فقرة- ومن خلال القريحة الشعرية والقوة الخيالية الموجودة في أذهانكم، أن تَنظِموا غزلاً جميلاً وأصيلاً. فسعة هذه المعارف عالية الى هذا الحد.

 

ضرورة اعتماد الشعر الملتزم على المعارف الإلهية

خذوا المعارف الإسلامية والقرآنية السامية من القرآن نفسه ومن نهج البلاغة ومن بعض روايات أهل البيت عليهم السلام، روايات أصول الكافي في بعض الأبواب، واسعوا للأُنس بهذه المصادر. فللشعر الملتزم نطاق واسع جداً، ويمكنكم أن تؤثّروا في الوعي العام للمجتمع. هناك رواية في تحف العقول وهي وصية الإمام الصادق عليه السلام لعبد الله بن

 

 

280


231

خطاب الولي 2011

جندب، تبتدئ مقاطعها بـ "يا ابن جندب يا ابن جندب..."[1]، وهذه الرواية مُفعمة بالحكمة. وفي الواقع إنّ كل ما نحتاجه لأخلاقنا الفردية وعلاقاتنا الاجتماعية وأنشطتنا العامّة وبناء حضارتنا الإسلامية يمكن أن نجده في هذه الرواية وأمثالها، وما ذكرته هنا يُعدّ نموذجاً، حيث يوجد الكثير من نظائره ويُمكنكم الرجوع إليه. لهذا استندوا في شعركم الملتزم إلى هذه المعارف الإلهية الحقَّة من خلال هذه المصادر التي ذُكرت.

 

أُسس نظم الشعر الديني

1. صياغة المضمون

عندما يشاهد الإنسان هذه القرائح، وهذه الأذواق الجيّاشة، فإنه يشعر واقعاً بالحرقة والحماس، فالتفتوا جيدا إلى بعض الأصول: أوّلها صياغة المضمون. فعندما تُريدون أن تُبيّنوا مطلباً ما فإنّه يمكن بيانه بمضامين متنوّعة. إنّ صياغة المضمون لبيان حقيقة ما يُعدّ فنّاً كبيراً في الشعر، وإنّ مركزه ومنبعه الرئيس هو الشعر ذو السبك الهندي، كأشعار صائب وبيدل والعرفي وكليم. فعندما تُراجعون تلك الأشعار تجدون أنّ مستوى صياغة المضمون واستحداثه فيها واسع واستثنائي لحسن الحظّ، فإنّ المضامين الجديدة والجميلة في تعبيرات الأصدقاء هنا ليست قليلة، وهذا ما أراه، فأيّ مطلبٍ يمكن إلباسه عدّة أثواب ونحن نسمّي كلّ لباسٍ مضموناً وهذا معنى احتواء المضمون، وعلى هذا الأساس، إنّ إحدى المسائل هي إيجاد المضمون.

 

2. التراكيب الجديدة

الأمر الآخر هو التراكيب الجديدة، الآن وفي مرحلة الثورة، فإنّ اللغة الرائجة المتداولة في الحوار قد دخلت إلى الشعر وبأشكالٍ مختلفة، الأمر الذي لم يكن مألوفاً قبل الثورة، فبعضها قوي ويستفيد من هذه اللغة بصورة جميلة جدّاً، وبعضها مستواه أدنى، فلا إشكال في استعمال لغة محاوراتنا العرفية والرائجة من أجل بيان تلك المعاني والمعارف، غاية الأمر أن يكون بتراكيب جديدة وأشكالٍ حديثة واختيارٍ جديد للألفاظ.

 

3. النُطق الصحيح

القضية الأخرى، هي قضية النطق الصحيح، فعلى الأصدقاء أن يلتفتوا إلى ضرورة

 


[1] ابن شعبة الحراني، الحسن بن علي، تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، تحقيق وتصحيح علي أكبر غفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، إيران - قم، 1404ه‏، ط2، ص301.

 

281


232

خطاب الولي 2011

أن يكون الشعر صحيحاً بلحاظ موازين اللغة، فتُستخدم الأفعال بالشكل الصحيح وفي محلّها، وأن يكون الترابط بين أجزاء الجملة منطقياً وموافقاً للقواعد.

 

4. تأثير البيئة

النقطة الأخرى التي هي مهمّة بنظري بالنسبة للأحبة الذين ينظمون الشعر الديني هي قضية تأثير البيئة والمحيط، وبالطبع لا أقصد بذلك البيئة الاجتماعية العامة. من البديهي أنّ هذه البيئة الاجتماعية تؤثّر في الإنسان، فالأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تترك أثرها على كلّ إنسان وعلى الشاعر أيضاً، في شعره بالطبع، وهذا ما لا أريد ذكره هنا، فالبيئات الخاصّة والجماعات الثقافية الخاصّة تترك أثرها في الأذهان. وأنا أريد أن أقول لكم أيّها الشباب المؤمن الملتزم والمحبّ لأهل البيت، يا من تتحدّثون حول أهل البيت بعشقٍ وحماس وتنظمون الشعر، وتنطقون بجميل الحديث والشعر المُفعم بالحبّ حول المعارف الإلهية والتوحيد، انتبهوا أن لا يجرّكم محيطكم إلى توجّهات مغايرة، أي عليكم أن تنتبهوا لأنفسكم بأنفسكم. عليكم أن تثبّتوا أقدامكم على هذا الطريق، وأن تُحكِموا هذا الثبات يوماً بعد يوم، لأنّ البيئات الشعرية والفنية والأدبية تؤثّر في الإنسان.

 

هناك مثال يخطر دائماً ببالي. الشاعر الذي أقصده، والذي سأذكر اسمه، هو شاعر عظيم، محمد جان قدسي مشهدي. فقد كان من الشعراء البارزين في السبك الهندي في عصر الصفويين في القرن الحادي عشر وأشعاره من أمتن الأشعار. أنا أعتقد أنّه يأتي بعد صائب في هذا الأسلوب. حقاً، قد لا يكون هناك مثل محمد جان واحد أو اثنان. عندما كان في مشهد، كان من خدّام حرم الإمام الرضا ومادحيه، وكانت أشعاره دينية، وديوانه مليء بهذا النوع من الأشعار. اطّلعوا على ديوان حاج محمد جان، إنّه يحوي الكثير من هذه القصائد. بعدها سافر إلى الهند. إنّ معاشرة أمراء الهند وسلاطينها - تلك الأنظمة الحاكمة المتفلّتة التي كانت موجودة حينها - كأنّها كشفت وجهاً آخر لهذا الرجل.

 

يمكن للإنسان أن يلاحظ هذا في قصائده الغزلية. كثيراً ما أُفكِّر في هذا الأمر. هذا من شعر محمد جان قدسي:

 

282


233

خطاب الولي 2011

 

لا يليق بالتقيّ الجلوس في مجلس اللهاة

                                  من لم يشرب الخمرة الليلة فليس منّا

في فصل البلبل السكران وحدائق الورد الجم

                                  خلوّ كاس العمر اجمع ما كان خيراً

 

وهذا يعني أنّه دخل البيئة الشعرية سكرانَ لاهياً متحلّلاً شارباً للخمر، ومن كان؟ كان ذلك الإنسان التقيّ الطاهر المُتعبّد الذي كان يمدح الإمام الرضا في مشهد! حسناً، هذه هي التربية الناتجة عن محيط كهذا. لذا عليكم أن تحذروا من المحيط، وهذا يحصل بتواصلكم الدائم مع بعضكم البعض. أعتقد أنّه ينبغي أن يكون هناك لقاءات مستمرة بين الشعراء من مدّاحي أهل البيت عليهم السلام، سواء الشباب أم المتمرّسون والقدامى. هذا طبعاً لا يعني بالضرورة لقاءً واحداً، كلا، يجب أن تكون هناك لقاءات لكي تنمو فيها القدرات الوقّادة التي يمتلكها الشباب.

 

5. الاهتمام بقضايا الثورة والحرب والدفاع المقدّس

النقطة الأخيرة هي أن هناك بعض الموضوعات في الشعر الملتزم التي قلّما يحصل التعرّض لها، ومن جملتها الموضوعات المرتبطة بقضايا الثورة، وقضايا الحرب والدفاع المقدّس. طبعاً، كان الوضع جيداً جداً في مرحلة من المراحل. فعندما كانوا يُحضِرون جنازات الشهداء إلى مشهد أيام الحرب، كان السيد مؤيّد مثلاً، يلقي كل يومٍ أو عدّة أيام قصيدة غزلية، وكان المنشدون (الرواديد) يردِّدونها. وكان هناك آخرون. نحن نفتقد هذه الأشعار اليوم. لقد كانت السنوات الثماني للدفاع المقدّس من حيث الزمان ثماني سنوات، أمّا بلحاظ الاستمرارية المعنوية والفكرية والثقافية، فقد تطول إلى عدّة قرون. إنّ الملحمة التي شهدها الدفاع المقدّس، والدافع الذي أدّى إلى حصولها، والأحداث التفصيلية التي جرت خلال هذه الفترة، هي أمور لا يمكن أن تنتهي خلال عشر أو خمس عشرة أو عشرين سنة. أنتم إحدى المجموعات المؤتمنة، يجب أن تحفظوا هذه الأمانة ويجب أن تنقلوها. هناك بالطبع أحداث جديدة تشهدها هذه الثورة يوماً بعد يوم، ويجب أن تُعطى حقّها جميعاً، لكن يجب أن لا تنسوا تلك. إنّ أحد الأمور

 

 

283


234

خطاب الولي 2011

ذات العلاقة بالحرب والتي تشغل ذهني، هي هؤلاء الجرحى الذين يُستشهدون بعد فترة من الزمن، هذا بحدّ ذاته موضوع نوعي، هذا يختلف عن الشهيد الذي استشهد في الجبهة ونُظم الشعر فيه، هذا إنسان عاش تجربة وتحمّل ألماً، ووصل في النهاية إلى الشهادة. ابحثوا عن موضوعات كهذه. وهكذا بالنسبة للموضوعات المرتبطة بالمراثي، مراثي سيّد الشهداء عليه السلام وقضايا كربلاء.

 

شعر لسان الحال

حسناً، المرء يرى بعض ما يُقال في لسان الحال، وشعر لسان الحال كثير، طبعاً هناك قسمٌ منه قد لا يكون مطابقاً للواقع، أي يكون أموراً لا يمكن للمرء أن يُصادق عليها، لكن هناك بعض الظروف أظنّ مثلاً أنّ من المقاطع المهمّة والجذّابة التي يمكن أن تُبيّن لنا مصيبة أبي الفضلعليه السلام، وهو لسان حال أم أبي الفضل، قصيدة "لا تَدعُوَنِّي وَيكَ أُمَّ البَنِينِ"[1]، أو ذاك الشعر الآخر المنسوب إليها.

 

حسناً، هاتان قصيدتان إذاً. طبعاً تمّت ترجمتهما شعراً، ترجمة غير جيّدة، ترجمة ليست جداً قوية، ولكن هذا بحدّ ذاته أحد المجالات: إنّها أمّ، تخطّ قبور شبابها الأربعة المُستشهدين في كربلاء، على أرض البقيع، وترثي وتخلق ثورة. لا يقتصر الأمر على ذرف الدموع ولطم الرأس. طبعاً لا مشكلة في البكاء لكن هذا فعل ثورة، وافتخار بهؤلاء الشباب. هذا مجال جيّد جدّاً، ويجب أن نستفيد من هذه الفضاءات في عرض المصاب. أو هناك وصف لبعض الحالات النفسية لأبطال كربلاء، من قبيل ما قاله "عمان ساماني"، حيث يصوّر لحظات نزول سيّد الشهداء إلى ساحة المعركة. لا أدري إلى أي مدى هذا قريب من الواقع، لكن قرّاء العزاء يقرأونه وهو أنّ السيدة زينب عليها السلام تقدّمت وسدّت الطريق أمامه، وجرى حوار بين هذين العظيمين. وقد استفاد عمان من هذا الحوار البسيط ليبيّن شخصية السيدة زينب عليها السلام.

 

يا من تمسكين عنان الفرس، أأنت زينب؟

                                   أم أنّك المتأوّهة وجعاً في عتمة الليل؟

 


[1] ابن حيون، النعمان بن محمد، شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار عليهم السلام‏، تحقيق وتصحيح محمد حسين الحسيني الجلالي، مؤسسة النشر الإسلامي‏ التابعة لجماعة المدرسين بقم، إيران - قم، 1409ه‏، ط1، ج3، ص187.

 

 

284


235

خطاب الولي 2011

ثمّ يقول بعدها: "لا تقُل إنّها امرأة، إنّها صانعة الرجال عبر التاريخ". انظروا كيف يستغلّ هذه المناسبة، مناسبة حوار هذا الأخ مع أخته، لكي يُحلِّل شخصية السيدة زينب عليها السلام. هذه آفاق مهمّة ينبغي أن لا يكون وصف الحالة ولسان الحال مقتصراً على بيان الحالة التي يعيشها بطل القصّة في تلك اللحظة، بل يُمكن أن يكون بياناً لخصوصياته، شخصيته، لطائف روحه والخصائص العظيمة التي يتميّز بها وجوده، هذه جميعاً آفاق متاحة.

 

على كلّ حال، أسأل الله تعالى أن يُوفّقكم ويُؤيّدكم، وأن تتمكّنوا من التقدّم بأقصى ما يمكن في هذا المجال. لقد كان هذا يوماً جيداً بالنسبة لي. لقد سُررتُ كثيراً بالأشعار التي أنشدها الأصدقاء، أنا سأدعو لكم. أسأل الله أن يُنشّط أذهانكم أكثر يوماً بعد يوم، وأن يُوقّد قرائحكم أكثر، وأن يُطلق ألسنتكم أكثر، وأن يجعل وجهة عملكم أقوم وأفضل.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

285


236

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في الملتقى الدولي لمكافحة الإرهاب عالمياً

 

 

 

في ذكرى ولادة الإمام علي عليه السلام

المناسبة:   انعقاد المؤتمر الدولي الأول لمكافحة الإرهاب

المكان:   طهران

 

الزمان:    ٠٤/٠٤/1390ﻫ.ش.

22/٠٧/1432ﻫ.ق.

25/06/2011م.

 

 

287

         


237

خطاب الولي 2011

 

الضيوف الأعزاء، الحضور المحترمون، أرحب بكم وأشكركم لاجتماعكم من أجل دراسة إحدى الظواهر الكارثية الراهنة التي تعيشها البشرية، ألا وهي ظاهرة الإرهاب. هذه الدراسات التي يجب بلا شك أن تستمر وتفضي إلى عزيمة ومساع صادقة في المجتمع العالمي، ستستطيع إن شاء الله أن تمثل خطوة أساساً في احتواء الإرهاب وإنقاذ الإنسانية من هذه الظاهرة المؤلمة. إننا نتابع هذه المهمة بأمل متوكلين على الله ومستمدين منه الهداية والعون، وسوف نمضي قدماً في هذا الطريق برفقة جميع المخلصين الصادقين وأصحاب الشعور بالمسؤولية.

 

ليس الإرهاب ظاهرة جديدة وحصيلة العصور المتأخرة، إلا أن ظهور الأسلحة الفتاكة وسهولة المذابح الشاملة المفجعة جعلت هذه الظاهرة البشعة أخطر وأفظع مئات المرات.

 

النقطة المهمة والمذهلة الأخرى هي الحسابات الشيطانية للقوى المهيمنة التي أدخلت استغلال الإرهاب في سياساتها ومخططاتها كأداة للوصول إلى أهدافها اللامشروعة.

 

إن الذاكرة التاريخية لشعوب منطقتنا لن تنسى أبداً كيف نظمت الدول الاستعمارية جماعات إرهابية جرارة كالشبكة الصهيونية الدولية وأكثر من عشر جماعات مشابهة لها من أجل اغتصاب فلسطين وتشريد شعبها المظلوم من أرضهم وديارهم، وخلقوا فاجعة دير ياسين وما شاكلها من الفجائع.

 

والكيان الصهيوني منذ بداية ظهوره وإلى اليوم يواصل علناً سلوكه الإرهابي داخل فلسطين وخارجها، ويعلن عنه دون أي خجل. والقادة السابقون والحاليون للكيان

 

289


238

خطاب الولي 2011

 الصهيوني يفخرون علانية بتاريخهم الإرهابي، بل حتى بمشاركتهم في العمليات الإرهابية بعض الأحيان.

 

النموذج الآخر هو نظام الولايات المتحدة الأمريكية الذي كان له طوال العقود الأخيرة لائحة طويلة من الممارسات الإرهابية، وكذلك الدعم المالي والتسليحي للإهاربيين المنظمين في بلدان المنطقة. الهجمات الدامية للطائرات من دون طيار على عوائل المدنيين العزل في القرى والمناطق الأفغانية والباكستانية الفقيرة التي بدلت مرات عديدة حفلات أعراس الناس هناك إلى مآتم، وجرائم بلاك ووتر في العراق وقتل المواطنين والنخبة العراقيين، ومساعدة جماعات زراعة المتفجرات في إيران والعراق وباكستان، واغتيال العلماء النوويين الإيرانيين بالتعاون مع الموساد، وإسقاط الطائرة المدنية الإيرانية في الخليج الفارسي وقتل ركابها البالغين نحو ثلاثمائة طفل ورجل وامرأة، ما هي إلا جانب من هذه اللائحة المخزية المستعصية على النسيان.

 

و قد أضافت أمريكا وبريطانيا وبعض الدول الغربية الأخرى ذات الملفات السوداء الكافية لإدانتهم في السلوك الإرهابي، أضافت دعوى مكافحة الإرهاب إلى دعاواها الزائفة. الإرهابيون الذين قتلوا في عقد الستينات الآلاف من الناس دون رحمة، ومن ذلك قتلهم في حادث واحد 72 شخصاً من النخبة العلمية والسياسية ومسؤولي البلاد رفيعي المستوى، وقتلوا في حادث آخر رئيس الجمهورية ورئيس وزارء بلدنا، يعيشون الآن بدعم من الدول والساسة الأوربيين وتحت حمايتهم.

 

بمثل هذه الممارسات يبدو ادعاء مكافحة الإرهاب ادعاء وقحاً للغاية.

 

وفي الوقت نفسه تسمّي أمريكا والدول الأوربية التابعة لها الجماعات الفلسطينية المناضلة التي تمارس كفاحاً مظلوماً لإنقاذ أرضها، تسمّيهم إرهابيين! هذا التعريف المضلل للإرهاب من أسس مشكلة الإرهاب في العالم اليوم.

 

الإرهاب من وجهة نظر قادة نظام الهيمنة عبارة عن كل ما يهدّد مصالحهم اللامشروعة.

 

290


239

خطاب الولي 2011

إنهم يعتبرون المناضلين الذين يستخدمون حقهم المشروع في مجابهة المحتلين والمتدخلين إرهابيين، لكنهم لا يعتبرون خلاياهم الخبيثة المرتزقة التي أنزلت الويلات بأرواح الأبرياء وأمنهم إرهابية.

 

يمكن أن يكون تعريف الأرهاب تعريفاً واضحاً دقيقاً من الأعمال الأساس لملتقاكم الحالي.

 

إننا بالاعتماد على التعاليم الإسلامية التي تضع كرامة الإنسان على رأس أولوياتها وتعتبر قتل حتى إنسان واحد بمثابة قتل كل الناس، وباعتبارنا شعباً تحمّل خلال العقود الثلاثة الأخيرة خسائر جسيمة من الإرهاب العنيف، نعدّ مكافحة هذه الظاهرة الشيطانية واجباً لا بد منه على عواتقنا، وسوف نواصل باقتدار السعي في سبيل هذا الكفاح... بحول الله وقوته.

 

والسلام عليكم وعلى عباد الله الصالحين.

 

291


240

خطاب الولي 2011

السيد علي الخامنئي

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء مسؤولي السلطة القضائية

 

 

 

 

المناسبة:   لقاء مسؤولي السلطة القضائية

الحضور:  مسؤولو السلطة القضائية

المكان:   طهران

 

الزمان:    ٠٦/٠٤/1390ﻫ.ش.

24/٠٧/1432ﻫ.ق.

27/06/2011م.

 

 

293

                


241

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بداية أرحّب بالإخوة والأخوات الأعزّاء، العاملين والمسؤولين والقضاة المحترمين في السلطة القضائية وعوائل شهداء واقعة السابع من تير المُرّة الأجلّاء والأعزّاء. ونشكر جناب الشيخ الآملي، رئيس السلطة المحترمة، الذي قدّم للرأي العام في تقريرٍ علميٍّ مليء بالمضامين نقاطاً عديدة تتعلّق بالسلطة القضائية والخطوات المقدَّرة والجيّدة التي اتّخذت على صعيد هذه السلطة. نسأل الله تعالى أن يمدّه ويوفّقه ومعاونيه في المراتب المختلفة للسلطة القضائية ويعينهم جميعاً للاستمرار في هذا الطريق النّوراني والخيّر والمبارك إن شاء الله. هذا ما يُتوقّع من أمثاله، حيث إنّه بحمد الله يحوز على مرتبة ممتازة في العلم والابتكار والنشاط والدافعية والهمّة العالية. وإن شاء الله يتقبّل الله من الجميع.

 

الصبر والبصيرة مقابل المحن

أعرض لحادثة السابع من شهر تير بكلمة واحدة وكذلك بما يتعلّق بالسلطة القضائية أمام الحضور المحترم. وواقعة السابع من تير كانت محنة حقيقية وكانت في الواقع تمثّل ضربة وحادثة مرّة مزلزلة للبلد وللنظام. فما حدث لقلب الجهاز الإداري للبلاد، لشخصية كالشهيد المظلوم المرحوم آية الله بهشتي وغيره من الأجلاء ومن الناشطين والفاعلين في السلطة القضائية ولمجلس الشورى الإسلامية وللحكومة وللنخب السياسية والعلمية، كل ذلك يُعدّ فاجعة ومحنة حقيقية. غاية الأمر أنّه يوجد في هذا المجال نقطة يمكن تلمّسها ومشاهدتها عبر التاريخ وهي أنّ كل شعب أو جماعة أو فردٍ إذا صبر وتبصّر مقابل أيّة مصيبة تنزل عليه فإنّ محنته هذه ستتبدّل إلى نعمة. إن سرّ انتصار الحقّ وكلمته وانتشاره كذلك انتشار التوحيد عبر التاريخ بين الناس يرجع إلى هذه المسألة. فالأنبياء الإلهيون العظام وفي بعض الحالات الشعوب

 

 

295


242

خطاب الولي 2011

 التي كانت تحت حكومتهم قد تحمّلوا جميع هذه المحن، وكان من اللازم أن لا يبقى أيّ أثرٍ لرسالة الأنبياء على مرّ التاريخ، لا لفكرهم، ولا لتطلّعاتهم ولا لنهجهم. كان ينبغي أن تزول كلّ هذه أدراج رياح الحوادث المرّة وتُطوى وتنعدم. لكنّكم ترون العكس فإنّ التاريخ كلّما تقدّم تصبح رسالة النبوات بين الناس وأفكارهم أكثر حياة. إن سرّ ذلك هذه المسألة: الصبر والبصيرة مقابل المحن.

 

وقد أظهر شعبنا في السابع من تير هذه اللياقة: فبدلاً من أن ييأس ويفقد الثقة بالنفس وبدلاً من أن يخاف من العدو ويركع أمامه وبدلاً من الضعف والانكسار والانهزام، صبر شعبنا واستقام وردّ كيد العدوّ في نحره بفضل البصيرة التي امتلكها والتي كان يتلقّاها بشكل دائم من الإمام الجليل.

 

لقد سمعت أخبار السابع من تير لاحقاً، ففي ذلك اليوم والأيام اللاحقة لم أكن في حالة عادية. كنت أتقلّب بين الإغماء واليقظة ولكنّني عندما سمعت ما حدث وماذا حصل وكيف تعامل الناس مع ذلك، أصابتني الدهشة. وفي الحقيقة كنت كناظر يراقب من الخارج. وعلى شعبنا أن يحافظ على هذا. يجب أن نحفظ هذا كدرسٍ عملنا به وأدرجناه في التاريخ.

 

الوقوف بوجه الأعداء

بالنسبة لشعبٍ كشعب إيران الذي نزل إلى الميادين بمثل هذه الأهداف السامية لأجل الوصول إلى القيم الإسلامية وتحقّق مباني الإسلام في المجتمع وانتشاره في العالم من الحتمي أن تقع الأحداث الكثيرة. حسناً، إنّكم تطبقون إسلاماً يخالف الظلم، ويعارض الجور، ويعترض على ركون الشعوب للأعداء والمستبدّين، حتى أنّه لا يمكن أن يقف حيادياً أمام الإملاءات التي تُفرض في هذا العالم على الآخرين، فمقابل هذه الأحداث وهذا التحرّك من الذي سيقف بوجهكم؟ إنّهم مستبدّو هذا العالم الظالمون والمستعمرون والمستبدّون الدوليون وكل دكتاتور ظالم وعنيف، فجميع هؤلاء اصطفّوا بوجهكم وهم يمتلكون المال ووسائل الإعلام والقوّة السياسية والإمكانات الدعائية، لهذا فإنّهم يصنعون المحن. ويجب الوقوف بوجههم. لقد نجح شعبنا في هذا الامتحان.

 

 

296


243

خطاب الولي 2011

في يومنا هذا يُعدّ نظام الجمهورية الإسلامية مقارنة مع السابع من تير قبل ثلاثين سنة من حيث الاقتدار والتقدّم والإمكانات المختلفة وباللحاظ الدولي وحيثية إيجاد الأمل في الشعوب مختلفاً كالفرق ما بين السماء والأرض. كلّ ذلك بفضل ثبات شعبنا العزيز. فلنحفظ هذا الأصل الذي استقيناه من حادثة السابع من تير في ذاكرتنا حتى إذا ما نزلت بنا مصيبة أو محنة نواجهها بصبرنا واستقامتنا وبصيرتنا فتتبدّل تلك المصيبة إلى سلّمٍ للعروج والارتقاء والتطوّر وهذا ما حدث، وإن شاء الله سيحصل لاحقاً.

 

عوامل نجاح السلطة القضائية

أما بالنسبة للسلطة القضائية: فهي تحتاج هذه السلطة إلى عاملين للنجاح. ففي كلّ نظامٍ أو اجتماع تُعدّ السلطة القضائية مكان حل وفصل النزاعات وإحكام العدل مقابل الظلم والاعتداء والفساد وأمثالها. فمن أجل أن توفّق السلطة القضائية لتحقيق هذا الهدف، فإنها تحتاج إلى أمرين: أحدهما القوّة والاقتدار -فينبغي أن تكون قوية-والثاني الثقة حيث ينبغي أن يشعر الناس بالثقة تجاه هذه السلطة.

 

1. القوّة والاقتدار

أمّا القوّة والاقتدار فيمكن تأمينهما بواسطة البُنى التحتية البشرية والفنّية حيث قدّم رئيس السلطة المحترم في هذا المجال عرضاً لمثل هذه التطوّرات، وأنا العبد مطّلعٌ إلى حدّ كبير على مجريات الأعمال التي أُنجزت. فالسلطة القضائية تنال قوّتها وتصل إلى اقتدارها بالاستحكام الداخلي وبإعداد وتأهيل وتشغيل الطاقات البشرية المناسبة والفاضلة والأمينة والكفوءة. ويتحقق هذا الاقتدار بوضع القوانين الصحيحة والإشراف المناسب والاستفادة من التطوّرات المختلفة فنّياً وتنظيماً والاستفادة من كلّ العالم. إننا لا نخجل كما ذكرت مراراً من الاستفادة من الآخرين. إننا سنستفيد من كلّ شعبٍ أو دولة أو أيّ نظامٍ قضائيٍ في العالم لديه نقاط جيّدة ومضيئة في عمله وسنتعلّم منه. لكنّنا لا نتطلّع إلى أيّ أسلوبٍ أو كلامٍ من هنا أو هناك بأعينٍ مغمضة فهذا خطأٌ. أن نتصرّف كما يتصرّف الجميع في هذا العالم، في هذا المجال، يُعدّ خطأً. ﴿وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ

 

 

297


244

خطاب الولي 2011

مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ﴾[1]، إنّنا لا نطيع أو نتّبع أسلوب هذا وذاك. فلأنّ الغربيين يعملون هكذا ولأنّ الشرقيين يعملون كذلك، ولأنّ الدولة الفلانية تعمل كذا فلنفعل مثلهم، كلا، إنّ هذا خطأ. إنّنا نتّبع تشخصينا، أي إنّنا عندما نرى في نظامٍ قضائيٍّ لدولة ما، كبرى كانت أم صغرى، أنّ عملهم بهذه المسألة سهّل أمور القضاء واستتبع ذلك فوائد، عندما يشخّص عقلنا هذا فإنّنا نعمل به. وهذا لا يُعدّ تبعية لهم، بل هو اتّباع للعقل، وهو حسنٌ. ومثل هذه الأمور تزيد السلطة القضائية اقتداراً. فالسعي الكثير والإبداع المستمرّ يجلب الاقتدار. فلا يجوز أن نجلس هكذا على أن تتقدّم الأمور على مسارها الاعتيادي، فعلى مسؤولي السلطة القضائية أن ينظروا ليكتشفوا نقاط الضعف والمشاكل والعقد العمياء من أجل أن يتخلّصوا منها بالإبداع، فالذهنيات المتفوّقة والمميّزة يمكنها أن تساعد. وبحمد الله يوجد داخل هذه السلطة من أمثال هؤلاء، ويجب الاستفادة من أمثالهم من خارجها. فليتمّ العمل على تأمين البُنى التحتية الفنّية والبشرية فهذا ما يُعد اقتداراً للسلطة القضائية، فتصبح سلطة قوية مقتدرة تمتلك القدرة على التحرّك نحو أهدافها. هذا هو الركن الأول.

 

2. ثقة الناس

 الركن الثاني وهو ثقة الناس سيتمّ تحقيقه من خلال بسط العدالة والعمل الدقيق والحكيم بالقانون. يجب أن ننال ثقة الناس. فعندما يرون أن السلطة القضائية تلتزم بقولها في إجراء العدالة تحصل الثقة. حتى ذاك الذي يُدان فإنّه عندما يخلو بنفسه وقلبه وربّه سيصدّق أنّ الحقّ معهم. من الممكن أن لا يتنازل على مستوى القول والظاهر ولكنّه بقلبه سيتقبّل. لهذا ستنشأ حالة من الثقة بالسلطة القضائية وهي أمرٌ ضروري.

 

العدالة مهمّة. لو أردنا أن يكون للعدالة في السلطة القضائية مسار دائم وعام وشامل، فينبغي تحكيم التقوى والنظرة الحيادية تجاه القضايا الصغرى والكبرى التي

 

 


[1] سورة الأنعام، الآية 116.

 

298


245

خطاب الولي 2011

ترد إلى السلطة القضائية. وعلى الجميع مراعاة هذا من أعلى الرّتب إلى أدناها فهي مسألة غاية في الأهمية وهذا ما سيجلب الثقة.

 

هناك شيءٌ يضادّ هذه الحالة، وهو أن يخلق بعض الناس حالة التشكيك بالسلطة سواء القضائية أم التنفيذية أم التشريعية. وهذه عادة سيئة قد ظهرت وهي ليست بالأمر الجديد. لقد كانت دائماً موجودة، ولكن كما تعلمون لأنّ وسائل الإعلام تكاثرت وطغت فإنّ مثل هذا الأمر يظهر أكثر. هذه العادة السيئة التشكيك في التقارير. السلطة القضائية تقدّم تقريراً، فيخرج أحدهم ليقول من أين نعلم صحّة هذه الإحصاءات؟ فيشكّك، ونفس هذه القضية تحدث مع السلطة التشريعية فلا يصحّ أن ينسف المرء جهود مجموعة فعّالة بإلقاء الشكوك والشبهات الجزافية. وبالطبع، نحن لا يمكننا الوقوف أمام أولئك الذين لا يضبطون ألسنتهم، لكن على المسؤولين أن يلتفتوا، وعلى الوسائل الإعلامية التي تشعر بالمسؤولية أن تنتبه، ولا تشكّك بالتقارير الرسمية للمسؤولين الرفيعين للنظام من دون مبرّر. وهذا ما يجري على السلطات الثلاث. التشكيك بالأنشطة يضيّع الجهود. يشاهد المرء في هذه الأيام الطعن بإحصاءات السلطة التنفيذية، وبيانات وإحصاءات السلطة القضائية وإلقاء الشبهات بشأن الإنجازات الإيجايبة والأنشطة الجيدة للسلطة التشريعية والمجلس، وهذا ما يسلب ثقة الناس. ونحن كمستمعين ومخاطبين حيال هذه التقارير يجب أن ننظر بحذر، لكن نتلقّاها بالقبول. وبالطبع، من الممكن في بعض الموارد أن يُقدّم لنا إحصاءٌ كاذب أو خاطئ، ولكن لا ينبغي تعميم ذلك والطعن فيه، فمثل هذا الأمر يسلب ثقة الناس بأجهزة النظام وهيكلياته، ويؤدي إلى ضياعها. على المسؤولين أن يلتفتوا إلى هذه المسألة، فإنّ هذه الثقة مهمة جداً.

 

عدم التشهير بالمتهمين والمحكومين

وهناك مطلبٌ آخر بشأن السلطة القضائية وعملها وانعكاس ذلك في الخارج، ممّا ينبغي الالتفات إليه حيث أشار إليه الآن رئيس السلطة المحترم، إن السلطة القضائية تتواجه مع المتّهم. قد يُتّهم أحدٌ بشيءٍ ما وعلى السلطة القضائية أن تبدأ بالتحقيق

 

299


246

خطاب الولي 2011

وفق الطرق القانونية والبحث وتشخيص ما إذا كانت التهمة صحيحة أم لا. فمجرّد الاتّهام ليس جرماً. يمكن أن يُتّهم أي إنسان. وما لم يثبت الجرم بالطريق القانوني فلا يحقّ لأحد أن يشهّر بسمعة مسلمٍ، لا داخل السلطة ولا خارجها، لا على المنابر الرسمية وغيرها ولا في وسائل الإعلام وأمثالها، فهذه قضيّة لها أهمية فائقة. يشاهد المرء في بعض الأحيان كيف تُمارس الضغوط على السلطة القضائية من أجل الإذاعة. كلا، أيها السيد، لا لزوم لهذه الإذاعة. نعم في بعض الموارد الخاصة فإنّ الشارع المقدّس بالتشخيص والتعيين أراد أن يطّلع الناس على العقاب أو أن يتعرّفوا إلى المعاقب، ولكنّ هذا متعلّقٌ بموارد خاصّة لا في جميع الموارد. وخصوصاً، عندما تعمّ في المجتمع روحية الإذاعة، حيث يُراد لشيءٍ ما أن يذيع في غير مورده، فهنا ينبغي أن يحتاط المرء كثيراً. فما لم يثبت الجرم لا يجوز حتماً التعرّض لأيّ إنسان وجعله في معرض التّهمة لأنّكم عندما تقولون إنّه متّهم فإنّ الرأي العام لا يميّز بين المتّهم الذي لم يرتكب أي جرم وذاك الذي توجد دلائل على معصيته. وحتى بعد إثبات الجرم فما هي الضرورة لذلك؟ لقد قلت إلا في بعض الموارد الخاصة ﴿وَلۡيَشۡهَدۡ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾[1]، فهناك عدة موارد من هذا القبيل. حتى لو فرضنا شخصاً ارتكب جرماً وتمّ إثباته في المحكمة الصالحة، وحُكم عليه بعقوبة معيّنة كالسجن على سبيل المثال فما هي ضرورة ذكر اسمه في الجرائد ليؤدي ذلك إلى أن لا يتمكّن أبناؤه من الذهاب إلى المدرسة؟! فما هي المشكلة في أن يقضي مدّة السجن ثم يخرج ويعود إلى عائلته يمارس حياته الطبيعية. حسناً، لقد ارتكب جرماً، وتمّت مجازاته وانتهى الأمر. فهل من اللازم إسقاط سمعته؟ هذا من المسائل المهمّة جداً.

 

وبالطبع لا يتوجّه الخطاب إلى السلطة القضائية فحسب، فالجميع مخاطبٌ من مسؤولي السلطة إلى خارجها، إلى وسائل الإعلام، فلا ينبغي الطعن بعمل السلطة القضائية من جهة، فيُشكّك بكل ما تقوم به هذه السلطة، كلا، لا يجوز لأحدٍ أن يتصرّف بهذه الطريقة وأن يتحدّث بهذا الشكل. كما أنّه من جانبٍ آخر، لا ينبغي

 


[1] سورة النور، الآية 2.

 

300


247

خطاب الولي 2011

ذكر أولئك المتّهمين تحت أي عنوان، والإعلان عنهم للرأي العام. ما هي السعادة التي تحصل للرأي العام من هذه المسألة؟ ما هي الفائدة التي يجنيها الرأي العام من معرفة أنّ زيداً وعمراًو وبكراً اتُّهموا بجناية ما؟ يجب الالتفات إلى هذه الأمور.

 

لقد قلت إنّ ما يضمن جميع هذه الأمور هو التقوى. والتقوى تعني أن نراقب كلامنا، وأعمالنا، وتوجّهاتنا وسلوكياتنا. فإنّ أقلّ أعمالنا يُدوّن ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾[1]. كل أعمالنا وأقوالنا وألفاظنا تُسجّل ثم يؤتى بنا للحساب والمساءلة. فهناك محكمة العدل التي ينبغي أن يقف الإنسان للإجابة عندها. فالتقوى تعني أن نراعي ذلك ونلتفت إليه.

 

بحمد الله، إنّ السلطة القضائية ومنذ بداية الثورة وإلى يومنا هذا كانت تتقدّم خطوة مع كلّ عهد. فحصل في كلّ عهدٍ تطوّرٌ مهم. واليوم بحمد الله فإنّ كل ما يجري من تطوّر في السلطة القضائية والإنجازات التي تحصل فيها، كلّ ذلك مبعث الأمل في الحقيقة. عندما ينظر المرء إلى هذا النشاط والهمّة والروحية الخلّاقة، وهذا الأمل المستشري بين مسؤوليها وهم يعملون وبحمد الله في حراكٍ عمليٍّ وابتكاريّ يعمّه الرضا. فهذه بشائر المستقبل.

 

أملنا أنّ الله تعالى سيتقبل منكم جميعاً ويشملكم دعاء حضرة بقية الله أرواحنا فداه، ويرضى بمشيئة الله قلبه المقدّس عنكم، بمشيئة الله سيجعل الله الأرواح الطيبة لشهدائنا الأعزّاء وروح إمامنا الجليل راضية عنا جميعاً.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


[1]سورة الزلزلة، الآية 7 - 8.

 

301


248

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء مدراء الدولة

بمناسبة المبعث النبوي الشريف

 

 

 

 

 

المناسبة:   عيد المبعث النبوي الشريف

الحضور:  جمع من مسؤولي النظام ومدراء الدولة

المكان:   طهران

 

الزمان:    ٠٩/٠٤/1390ﻫ.ش.

27/٠٧/1432ﻫ.ق.

30/06/2011م.

 

 

303

         


249

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مباركٌ لكم هذا العيد الكبير وهذا اليوم الشريف أيّها الحضور المحترم في هذا المجلس، ومبارك لمسؤولي البلد المحترمين والسفراء المحترمين للدول الإسلامية، وعموم شعب إيران العزيز والأمّة الإسلامية الكبرى وكل المجتمع البشري.

 

يوم البعثة أعظم أيام السنة

لو كانت عظمة الأيام وأهميّتها بكونها زمناً أنزل الله تعالى فيه لطفه على البشر، فباليقين أنّ يوم البعثة هو أعظم أيّام السنة وأهمّها، لأنّ نعمة بعثة النبيّ الأعظم على البشرية هي أعظم من جميع النعم الإلهية على مرّ التاريخ. لهذا يمكن القول بكلّ جرأة إنّ يوم المبعث هو أسمى وأعظم أيّام السنة كلّها وأكثرها بركة. يجب علينا تقدير ذكرى هذا اليوم وتجسيم عظمة تلك الحادثة أمام الأعين.

 

يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "أرسله على حين فترة من الرسل وطول هجعة من الأمم"[1]. فالبعثة وقعت بعدما كانت البشرية محرومة ولعصورٍ طويلة من حضور الأنبياء الإلهيين. فقد مرّ على ظهور النبيّ عيسى حوالي ستمائة سنة، فلمئات السنين والبشر لم يروا سفيراً إلهياً بينهم. وماذا كانت النتيجة؟ "والدنيا كاسفة النور ظاهرة الغرور"[2]، كانت الدنيا مظلمة والمعنويات فيها ضامرة والناس يسيرون في متاهات الجهالة والضلالة والغرور. ففي مثل تلك الظروف أرسل الله تعالى النبيّ.

 

النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم صانع الحضارة الإسلامية

لقد أعدّ الله تعالى النبي المكرّم، هذا العنصر اللائق، من أجل مثل هذه الحركة العظيمة على مرّ تاريخ البشرية. لهذا تمكّن وعبر 23 سنة أن يوجد تياراً استطاع أن يتفوّق على جميع الموانع والمشكلات، ويتقدّم بالتاريخ إلى يومنا هذا. 23 سنة

 


[1] السيد الرضيّ، نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، مصدر سابق، ص121.

[2] المصدر نفسه، ص122.

 

305


250

خطاب الولي 2011

زمنٌ قصير. وفيها 13 سنة من الجهاد في غربة، وفي مكّة بدأ مع خمسة أشخاص ثمّ عشرة ثمّ خمسين، وتمكّنت فئة قليلة من مقاومة الضغوط الهائلة للأعداء المتعصّبين والجهلة. تمكّن من بناء أركان محكمة لإشادة مجتمعٍ وحضارة إسلامية. ولاحقاً هيّأ الله تعالى ظروفاً تمكّن النبيّ معها من الهجرة إلى المدينة ليوجد هذا النظام وهذا المجتمع، وليخطّط لهذه المدنية. وكل المدّة التي تطلّبت من النبي الأكرم تشييد هذا النظام الجديد وبناءه وتهيئته والتقدّم به كانت عبارة عن عشر سنوات، أي أنّها كانت مدّة قصيرة. ومثل هذه الأحداث تضيع في العادة وسط طوفان أمواج حوادث الدنيا وتزول وتُنسى. فعشر سنوات هي مدّة قصيرة جداً، لكنّ النبيّ الأكرم استطاع في هذه المدّة أن يغرس هذه الغرسة ويسقيها ويهيّئ لها أسباب النموّ. أوجد حركة أدّت إلى هذه الحضارة التي بلغت قمّة التمدّن البشري في عصرها، أي في القرن الثالث والرابع الهجري. لم يُشاهد في كلّ عالم ذلك اليوم مع كل السوابق الحضارية والحكومات المقتدرة والتراث التاريخي المتنوع أيّة حضارة بعظمة ورونق الحضارة الإسلامية وهذا هو فنّ الإسلام.

 

وهذا في حين أنّه بعد عصر نبيّ الإسلام الأكرم، أي بعد تلك السنوات العشر، حدثت وقائع مختلفة ومرّة في الأمّة الإسلامية وظهرت موانع ونزاعات واختلافات داخلية. فمع كل هذه، الانحرافات التي حصلت على مرّ الزمان، والشوائب التي انبعثت داخل التيّار الإسلامي ونمت، فإنّ النبيّ الأكرم ورسالة البعثة وعلى مدى حوالي أربعة قرون تمكّن من تحقيق تلك العظمة التي جعلت كلّ العالم وكل الحضارات اليوم مدينة لتلك الحضارة في القرن الثالث والرابع الهجريين عند المسلمين، فهذه تجربة.

 

الإسلام سفينة نجاة البشرية

لو أنّ البشر فكّروا وراعوا الإنصاف لصدّقوا بأنّ نجاة البشرية وسيرها نحو الكمال سيكون ممكناً ببركة الإسلام ولا غير. نحن المسلمين لم نقدّر تلك النعمة، فأكلنا من الوعاء وكسرناه ولم نعرف قدر الإسلام. نحن لم نحافظ على تلك الأسس والأركان التي شادها النبيّ الأكرم من أجل بناء المجتمعات الإنسانية الراقية والمتكاملة، لم نكن

 

 

306

 


251

خطاب الولي 2011

شاكرين، وقد لقينا نصيبنا من جرّاء ذلك. كان للإسلام مثل هذه القدرة وما زال في إيصال البشرية إلى السعادة والكمال والتكامل على الصعيدين المادي والمعنوي. إنّ تلك الأسس والأركان التي وضعها النبيّ أركان الإيمان والعقلانية والجهاد والعزّة هي الأركان الأساسية للمجتمع الإسلامي. فلنغزّر إيماننا في قلوبنا وفي عملنا، فلنستفد من العقل البشري الذي هو هدية إلهية كبرى للبشر، فلنستمرّ في جهادنا في سبيل الله سواء في ميادين الجهاد العسكري حيث يلزم أم في الميادين الأخرى كالميدان السياسي والاقتصادي وغيرهما، ولنغتنم شعور العزّة والكرامة الإنسانية والإسلامية ونحفظها لأنفسنا.

 

عندما يتم إحياء هذه الأمور في المجتمع فبالتأكيد تجعله يسير وفق الحركة الإسلامية التي هي خطّ نبيّ الإسلام المعظّم. فببركة نداء الإسلام ونداء الإمام الجليل، نحن شعب إيران تمكنّا من تحقيق قسمٍ منها في حياتنا، وها نحن نشاهد آثارها وثمارها.

 

العالم الاسلامي... بداية فصل جديد

لقد التفت العالم الإسلامي في هذا اليوم. فهذه التحرّكات المشاهدة اليوم في بعض دول شمال أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط، إنّما هي بفضل الاستفادة والاستضاءة من نور الإسلام والتوجيهات المباركة التي أرساها النبيّ الأكرم. لهذا فإنّ مستقبل هذه المنطقة وهذه الدول بتوفيق الله وبحوله وقوّته هو مستقبلٌ ناصعٌ.

 

الغربيون يعاندون بلا طائل ويصرّون على مواقفهم الخاطئة دون نتيجة. ما يجري اليوم ويُشاهد في مصر وفي تونس وفي بعض الدول الأخرى، معناه أنّ تاريخ هذه المنطقة قد طُوي ليبدأ فصلٌ جديد، هذه المعادلة الخاطئة الظالمة التي أوجدها المستعمرون والمستكبرون الغربيون في هذه المنطقة قبل حوالي 150 سنة وأرادوا لها أن تهيمن على مصير هذه المنطقة العظيمة والإستراتيجية قد سقطت، وقد بدأ فصلٌ جديد.

 

وبالطبع اليوم، فإنّ القوى الغربية المستكبرة تبذل قصارى جهدها، ولا يريدون

 

 

307


252

خطاب الولي 2011

التسليم بهذه الواقعية الكبرى التي لا تقبل الإنكار وهي أنّ شعوب هذه المنطقة استيقظت وأنّها رجعت إلى الإسلام، لكن الحقيقة هي هذه. فالنفَس الإسلامي قد نُفخ في الدول المسلمة. والتابعون والحكّام المعيّنون من قبل أمريكا والغرب على هذه الشعوب قاموا بما جعل هذه الشعوب تشعر بأنّه لا طريق مقابل تلك الأمور إلا القيام والحركة العامّة العظيمة والثورة، لهذا قامت بما قامت وتحرّكت على هذا الطريق. وإنّ هذه التحرّكات ستصل حتماً إلى النتيجة.

 

المساعي الغربية لحرف الثورات

بالطبع، إن الغربيين يسعون كثيراً. اليوم إنّ جميع الأجهزة الإعلامية والسياسية والاقتصادية لأمريكا وبعض عملائها في هذه المنطقة تقوم بما يمكن حتّى تنحرف هذه الثورات الشعبية والنهضات الكبرى عن مسيرها الأصلي، فيخفون بُعدها الإسلامي ويكتمونه وينكرونه، يوجدون أشخاصاً يمسكون بزمام الأمور من خلال خداع الناس من أجل أن تُرسم المعادلات مرّة أخرى لمصلحة الغرب. هذه هي المساعي التي يقومون بها لكنّها عديمة الفائدة. فالشعوب نهضت، وعندما ينهض شعب وينزل إلى الساحات ويضع الروح على الأكف ويمضي فلا يمكن بعدها إرجاعه وخداعه. إنّنا نأمل أن يستمرّ بمشيئة الله هذا المسير الصعب للشعوب الإسلامية الناهضة، وأن يقصر هذا المسير أكثر فأكثر. النتيجة قطعية، والطريق من الممكن أن يكون طويلاً أو قصيراً.

 

إنّ الأمريكيين اليوم بمعونة الصهاينة وبعض حلفائهم وعملائهم في المنطقة يسعون لحرف هذه الثورات والسيطرة عليها وركوب أمواجها، لكنّ ذلك لن يفيد. بالطبع، إنّهم يوجدون العقبات والمشاكل للشعوب وهي أمورٌ طبيعية ويزرعون الشقاق، ونحن قد جرّبنا كل هذه الأشياء. ففي ثورتنا زرعوا الخلافات ونفذوا فيها، وحرّضوا قوماً على آخرين، وأوجدوا المعارك الداخلية وحرّكوا العدوّ الخارجي ليهجم علينا ويجتاحنا، فكلّ هذه الأمور قد حدثت ولكنّ الشعب صمد ومضى على الطريق وتفوّق على كل هذه الأمور وسوف يبقى كذلك... لهذا هذه المشاكل موجودة.

 

تشاهدون اليوم في مصر وفي مناطق أخرى، كيف أنهم يصنعون الخلافات والمعارك.

 

 

308


253

خطاب الولي 2011

وباليقين، سوف يقومون بسلسلة من الاغتيالات والفتن. والعلاج عبارة عن هذا الوعي الشعبي ويقظة النخب (النخب العلمية والسياسية والمسؤولون الحريصون والمتحرّقون على مصير البلد) فعلى الجميع اليقظة والانتباه وبمشيئة الله سيستمر العمل على أفضل وجه. هذه هي الاستمرارية لبعثة النبيّ والحركة النبوية التي تظهر نفسها اليوم بهذا الشكل.

 

إنّ الشعوب المظلومة تريد كرامتها. تلك العزّة والكرامة التي تُعدّ من أسس دعوة النبيّ. فعلى مرّ سنين متمادية استغلّ الأعداء والمستكبرون والمحتلّون والمتطفّلون شعوبنا، وفي نفس الوقت أذلّوها. إنّ الشعوب عندما تستفيد من الإسلام تكون طالبة للعزّة والكرامة. هذه هي الحركة الإسلامية، وهذا هو معناها.

 

نحن الشعوب المسلمة ينبغي أن نكون حذرين. وعلى نخب الدول الإسلامية أن تكون يقظة فلا يتلهّوا بالجدالات الفارغة وبلا أهمية. فلا ينبغي أن يدخلوا في الخلافات المذهبية والقومية والاختلافات المتعلّقة بالسلائق والأبحاث الهامشية، فإنّ ما يحدث في هذه المنطقة عظمته أكبر من هذه الأمور.

 

نحن شعب إيران مسرورون وفرحون لأنّنا نرى الشعوب الإسلامية في حركة وهي تسترجع حريتها وكرامتها. منذ بداية النهضة وانتصار هذه الثورة في إيران ومواقفها بالنسبة لقضايا المنطقة وحركاتها ونهضاتها واضحة. فأينما وُجد تحرّك ضد الاستكبار والصهيونية والكيان الصهيوني الغاصب لدولة فلسطين العزيزة فإنّه كان مقبولاً عندنا ومدعوماً ومؤيّداً. وأينما كان هناك تحرّك ضدّ أمريكا، ضدّ هذه الدكتاتورية الدولية، حيث إنّ أمريكا في هذا العصر قد أوجدت دكتاتورية دولية، وأينما وُجد تحرّك ضدّ الدكتاتوريات الداخلية، من أجل تحقيق حقوق الشعوب، نحن نؤيّده.

 

على الجميع أن يكونوا حذرين. علينا جميعاً أن نكون حذرين، وعلى الشعوب أن تكون كذلك. فليعلموا أنّ دسائس الأعداء وحيلهم متنوعة ومتشعبة. فلنجعل البصيرة معيار عملنا. فلتلتفت الشعوب، إن الأمريكيين والصهاينة وعملاءهم ومن معهم يسعون لتحريف هذه الثورات. الدول التي وُجدت فيها هذه الصحوة مستهدفة ومهما استطاعوا سيسعون لحرف هذا الحراك الشعبي.

 

309


254

خطاب الولي 2011

إنّ شعب البحرين المظلوم هو كشعب مصر وتونس واليمن، فالقضية هناك نفس القضية ولا معنى للتفكيك بينها. فنحن نرى وللأسف أشخاصاً عوضاً عن أن يعتنوا بكلمة الشعوب، فإنّهم يسلكون طريقاً ويقومون بتحرّكات هي نفس تحرّكات أعداء هذه الشعوب. إنّ أمريكا اليوم ولأجل اختلاق شبيهٍ لما كان في مصر وتونس واليمن وليبيا وأمثالها، التفتوا إلى أن يوجدوا مشكلة لسوريا التي هي في خط المقاومة. إنّ ماهية القضية في سوريا تختلف عما هو موجودٌ في هذه الدول. ففي هذه الدول كان التحرّك ضدّ أمريكا والصهيونية، ولكن في سوريا نلاحظ بوضوح يد أمريكا والصهاينة يتابعون القضية. لا ينبغي أن نخطئ. لا ينبغي أن ننسى المعيار. وحيثما كان التحرّك ضدّ أمريكا والصهيونية فهو تحرّك أصيل وشعبي، وأينما كانت الشعارات لنفع أمريكا والصهيونية، فإنّ التحرّك يكون انحرافياً. سنحافظ على هذا المنطق والبيان والتوضيح.

 

جهوزية الجمهورية الاسلامية

بالطبع، نحن نعلم أنّ أعداء نظام الجمهورية الإسلامية يغضبون ويحنقون ويصعّدون من مؤامراتهم ضدّنا، ونحن قد وقفنا بوجه هذه المؤامرات. فالشعب أصبح خبيراً. إنّ شعب إيران وطيلة هذه السنوات الثلاثين قد واجه أنواع المؤامرات، فاستقام ونضج. إنّهم يفرحون لبعض هذه الأحداث الداخلية.

 

لحسن الحظ فإنّ الأجهزة المختلفة في البلاد تعمل اليوم بأملٍ وشوقٍ وفق مسؤولياتها. في هذه المدّة الأخيرة وفي هذه السنة الأخيرة، أنتم ترون كم قد أنجز من أعمالٍ في البلد. لقد تحوّلنا من دولة تستورد مشتقاتها النفطية إلى دولة تصدّرها. والبلد منهمكٌ بحمد الله بالعمل في المجالات المختلفة. إنّ مسألة تقليل حجم الحكومة وهو ما قامت به الحكومة والمجلس معاً هو عملٌ مهمٌّ جداً وكبير، ويجب متابعة هذه الأمور وإن شاء الله ستُتابع.

 

إنّ شعب إيران بثباته ومقاومته ووحدته ورجائه اللامتناهي بالمدد الإلهي، والمسؤولين في الدولة، بوحدة كلمتهم وتعاونهم سيتمكّنون بمشيئة الله من تحويل أمل أعداء شعب إيران إلى اليأس والإحباط.

 

310


255

خطاب الولي 2011

نسأل الله تعالى أن يزيد من بركاته العميمة على هذا الشعب، وبمشيئة الله وببركة هذا اليوم الشريف وهذا العيد المبارك وبحرمة الوجود المقدّس لخاتم الأنبياء أن يشمل شعب إيران والشعوب الإسلامية بفضله ونصره ويرضي القلب المقدّس لولي العصر أرواحنا فداه عنّا جميعاً.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

311

 


256

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في ذكرى ميلاد الإمام الحسين عليه السلام

ويوم الحرس الثوري

 

 

 

 

 

         

المناسبة:   ذكرى ميلاد الإمام الحسين عليه السلام ويوم الحرس الثوري

الحضور:  قادة حرس الثورة الإسلامية وجمع من مسؤولي ممثليات الولي الفقيه في الحرس

المكان:   طهران

 

الزمان:    ١٣/٠٤/1390ﻫ.ش.

٠٢/٠٨/1432ﻫ.ق.

٠٤/٠٧/2011م.

 

 

313

         


257

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مبارك لكم هذه الذكرى أيها الحرس الأعزّاء وجميع أعضاء هذه الأسرة الثورية المباركة. بالإضافة إلى هذا، ها هنا أعياد طيلة هذا الشهر المبارك تُذكّرنا بمفاخر كبرى، وشهر شعبان المبارك نفسه الذي هو شهر المغفرة وشهر الرحمة وشهر التذكّر والتوسّل جدير بتقديم التبريك والتهنئة لجميع المؤمنين.

 

إنّه لابتكار مُلفتٌ أن يتمّ اختيار يوم باسم الحرس يرتبط بالمولد السعيد لسيّد الشهداء سلام الله عليه، فهو ابتكارٌ طافح بالمعنى والتوجيه. ينبغي تقديم الشكر للذين خطرت على ذهنهم هذه الفكرة منذ البداية وأرادوا توجيهنا إلى هذا المعنى. إنّ إطلاق عنوان "قوّات الحرس" هو مدعاة كبيرة: إنّه حراسة الثورة الإسلامية وهذا ما سنتعرّض له باختصار.

 

في رحاب المدرسة الحسينية

هذا المعنى معنى الحرس بجميع أبعاده وكلّ أدواته ووسائله المُمكنة يتجسّد في الوجود المقدّس لسيّد الشهداء سلام الله عليه. لا يعني ذلك أنّ الآخرين لم يفعلوا أو لم يريدوا، لكن الأنموذج الكامل لهذا التحرّك قد تحقّق بكل معانيه في مرحلة إمامة سيد الشهداء سلام الله عليه طيلة عشر سنوات. فجميع الطرق التي كان يمكن لسبط النبي أن يستفيد منها لأجل حفظ تراث الإسلام العظيم الذي هو ميراث جدّه وأبيه وأتباعه المُخلِصين نجدها مشهودة في حياة سيد الشهداء، من حيث التبيين والإنذار والحركة الإعلامية التبليغية وإيقاظ وجدان العناصر الخاصّة وجعلهم مُستشعرين للأمور، هؤلاء الذين نعبّر عنهم بالخواصّ في تلك الخطبة في منى، كل تلك الأمور كانت على مرّ حياة سيّد الشهداء، وبعد وقوفه بوجه انحرافٍ كبير قاصداً مواجهته بالنفس... لم يكن الإمام الحسين عليه السلام غافلاً عن مصير هذه الحركة، كلا، كانت كلّها تعبّر عن

 

 

315

 

 


258

خطاب الولي 2011

الإمام. قضية معرفة الإمام واطّلاعه الواسع أعلى من هذه الكلمات التي يمكن أن تأتي على أذهاننا، بل هي تعني رسم خطّة عمل وعدم الاستسلام ودعوة الناس إلى النصرة. عندما تبرز جماعة وهي جماعة أهل الكوفة وتعلن أنّها حاضرة للمضي إلى جنب هذا الجليل على هذا الطريق، فإنّه يستجيب لمطالبهم ويتحرّك نحوهم، ولاحقاً لا يشعر بالندامة أثناء الطريق. عندما ينظر المرء في كلمات الإمام عليه السلام، يرى أنّه كان عازماً وجازماً على إتمام هذا العمل. فوقوف الإمام الحسين عليه السلام مقابل حركة انحرافية استثنائية بخطرها في ذاك الزمان يمكن أن يُعدّ درساً، وهو ما كرّره عليه السلام، أي أنّه أسند عمله إلى تعاليم الإسلام: إنّ رسول الله قال: "مَنْ رَأَى سُلْطَاناً جَائِراً مُسْتَحِلّاً لِحُرُمِ اللهِ نَاكِثاً لِعَهْدِ اللهِ مُخَالِفاً لِسُنَّة رَسُولِ اللهِ يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللهِ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ثُمَّ لَمْ يُغَيِّرْ عليه بِفعل ولا قول كَانَ حَقاً عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مَدْخَلَه"[1]. فقد بيّن عليه السلام هذا. أي إن تكليفي هو هذا، يجب عليّ أن أُظهر المعارضة بما أقوم به، ويجب أن أتقدّم على طريق المعارضة والصمود وليكن المصير ما يكون، فإذا كان المصير هو الانتصار فما أَحسَنَه، وإذا كانت الشهادة فما أحسنها أيضاً، أي إنّ الإمام الحسين عليه السلام تحرّك على هذا النحو.

 

وهذا ما أضحى إيثاراً كاملاً وحفظاً للإسلام. هذا التحرّك نفسه هو الذي حفظ الإسلام وجعل القيم باقية ثابتة في المجتمع. ولو لم يتقبّل مثل هذه المخاطرة ولم يتحرّك ويقدّم ويبذل دمه ولم تحصل تلك الفجائع العظيمة لحرم النبي وابنة أمير المؤمنين وأبناء أهل البيت لما بقيت هذه الواقعة في التاريخ. فمثل هذه الحادثة هي التي كان من الممكن أن تقف بوجه ذلك الانحراف العظيم، فقد كان ينبغي وبهذا النحو من العظمة إحداث صدمة بوجه ذاك الانحراف في ذهن المجتمع والتاريخ، وقد حصل. هذه هي تضحية الإمام الحسين عليه السلام.

 

وبالطبع إنّ ذكر هذا باللسان سهلٌ. فما قام به الإمام الحسين عليه السلام كان عملاً استثنائياً، وأبعاده تفوق بكثير ما يمكن أن ندركه بحسابات اليوم. فغالباً ما نغضّ النظر

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج44، ص382.

 

 

316


259

خطاب الولي 2011

عن أبعاده ودقائقه. ذات مرّة تحدّثتُ بالتفصيل عن صبر الإمام الحسين عليه السلام. لم يكن صبره منحصراً في تحمّل العطش والصبر على مقتل الأصحاب، فمثل هذا صبرٌ سهلٌ. الصبر الأصعب هو أن يسمع أصحاب النفوذ والاطلاع والاحترام يقولون له لا تفعل هذا، وهذا عملٌ خاطئ وخطر، وهم يبثّون الشكّ والتردّد، ومن هم هؤلاء؟ إنّهم أمثال عبد الله بن جعفر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، هذه الشخصيات البارزة الكبرى في ذاك الزمن المميّز، وهم من أبناء الشخصيات المهمّة في الإسلام، فقد كانوا يقولون: لا تفعل هذا. وبالرغم من كل ذلك، لو لم يكن فيه ذلك العزم وتلك الإرادة والثبات، لكان سيقول في نفسه: "لم يعد الأمر من تكليفي، فهؤلاء هكذا يقولون، والدنيا هكذا تتحرّك، فلنقل وندع الأمور". إنّ الذي يقف ولا يرتجف قلبه ويمضي على هذا الطريق وفي وجه كل هذه التصريحات، وفي الواقع، تلك الوساوس والتشكيكات واختلاق الطرق الشرعية، هو الذي يستطيع أن يوجد مثل هذا التحوّل العظيم. وقد تشبّه إمامنا الجليل بهذا المجال واقتفى أثر سيد الشهداء، حيث قلت ذلك ذات يوم ولا أريد الآن أن أدخل في هذا البحث لأنّ شرحه مفصّل... هذه هي حراسة الإمام الحسين.

 

وصايا لقوّات الحرس

إنّ قوّات الحرس في الواقع بمثل هذه العنوان أرادت بمنتهى الدقّة أن تقول إنّنا نريد أن نسلك هذا الطريق. حسنٌ جداً، مباركٌ ومهمٌّ جداً وعظيم ومناسب. من الممكن أن يأتي بعض الأشخاص من متتبّعي العيوب والمدقّقين ليقولوا إنّ هذا الخطأ قد حصل في هذا المكان الفلاني، وإنّ فلاناً قد تصرّف بهذه الطريقة. ويمكن الإشكال على جميع التيّارات والوحدات والأشخاص والشخصيات الحقيقية والحقوقية، لكنّنا إذا نظرنا بإنصافٍ إلى حركة قوّات الحرس من اليوم الأوّل إلى يومنا هذا، فإنّنا سنرى وللإنصاف أنّ قوّات الحرس قد عملت بكلامها، وبالحقّ والإنصاف كانت هذه القوات ثابتة على هذا الطريق. يأتي الأشخاص ويذهبون، لكن تلك الهوية الجمعية تبقى محفوظة وثابتة.

 

 

317


260

خطاب الولي 2011

لقد ذكرتُ في آخر لقاءٍ لي مع أعزّائي الحرس هذه المسألة المهمّة وهنا أكتفي بالإشارة، وهي أنّني قلت إنّ الأجيال المتعاقبة على الحرس، والأجيال الآتية يجب أن تسعى وتتقدّم خطوة إلى الأمام على الأجيال السابقة، أي أنّ العالم في حالة تطوّر وتكامل، والحركة حركة تكاملية، لهذا من المناسب أننا لو كنا نتوقّع شيئاً وننتظره فليكن تحرّك ذلك الشاب الذي ينتسب إلى الحرس اليوم من حيث المعرفة والبصيرة والتضحية والاستعداد للقيام بالعمل وإتقانه وحسن إنجازه وهي خصائص أظهرها الحرس طيلة هذه السنوات متقدّماً خطوة على ما سبقه.

 

عندما ينظر المرء إلى الحرس اليوم سيجد أنّ الكيفية تحسّنت وهذا ممكنٌ، لا تقولوا كيف يمكن أن يكون ذلك. كلا، إنّه ممكنٌ بشكلٍ كامل. أنظروا أنتم إلى تلك الظروف التي كانت في تلك الأيام: كانت هناك حرب، وكان العدوّ جاثماً على أرضنا، سواءٌ قبل الحرب المفروضة لمدّة ثماني سنوات، حيث كان هناك الحضور المسلّح لأعداء الثورة، أم بعد بدء الحرب، فكلّ هذا كان يُمثّل عاملاً وحافزاً قوياً من أجل حضّ الناكلين والإتيان بهم إلى قلب الصراع العجيب والهائج. واليوم لا توجد حرب (عسكرية)، بل توجد حربٌ أكثر دقّة وأشد خطورة، والاطّلاع على أعماق هذه الحرب يتطلّب قدرات أعلى وذكاءً أكبر. إذا شاهدنا اليوم أشخاصاً ينزلون إلى هذا الميدان ويبذلون المساعي ويجاهدون ويصمدون ببصيرة وسط الميدان لكان من اللازم أن نقول إنّ هذا ليس بأقل من الأول بلحاظ الدافع والعمل. فمن يعمل بشكل أفضل فما أحسن! وفي المستقبل يمكن أن يكون كذلك، ويجب أن تكون الهمّة هكذا.

 

أقول اليوم إنّ هويّة الحرس المترجمة بالحراسة، لا ينبغي أن نتلقاها بطريقة محافِظة. فالحرس يعني الحفظ، وهذا الحفظ يمكن تفسيره بطريقة محافظة[1]. فنقول إنّ علينا المحافظة على الوضع الموجود للثورة، وأنا لا أقول هذا. فإنّ حفظ الثورة لا يعني حفظ الوضع القائم. لماذا؟ لأنّ الثورة بذاتها هي حركة تقدّمية وهذا التقدّم متسارع، فإلى أين يتّجه؟ إنّه يتّجه نحو الأهداف المرسومة. والأهداف لا تتبدّل. هذه هي الأصول

 

 


[1] يظهر من سياق الخطاب أن قصده: أن لا ننظر إلى هوية الحرس بطريقة رجعية متأخرة.

 

318


261

خطاب الولي 2011

والقيم التي ينبغي الثبات عليها وبذل النفس في سبيلها وهي الأصول والقيم التي تمّ تشخيصها في الأهداف. الهدف النهائي هو التسامي والتكامل والقرب الإلهي، والهدف الأدنى صناعة الإنسان، والهدف الأدنى من ذلك إيجاد المجتمع الإسلامي بكلّ خصائصه وآثاره التي تُعدّ إقامة العدالة منه، وكذلك التوحيد والمعنويات. هذه هي الأهداف. وهي ليست قابلة للتبديل، أي إننا لا نستطيع أن نأتي بعذرٍ لنقصّر ونقلّل من ذاك الهدف، فنقول حسناً، إننا ذات يوم كنا نريد إقامة العدل، والآن نقول إنّ ذلك غير ممكن فلنسعَ لإقامة أنصاف العدالة! كلا، العدالة هي هدفٌ، والتوحيد، واستقرار الشريعة الإسلامية بشكل كامل، هذه هي أهداف، وهي غير قابلة للتبديل. ولكن من حيث توجيه التحرك نحو هذه الأهداف، فإنّ السرعة يمكن أن تزداد وتنقص وكذلك يمكن تغيير الأساليب ويمكن كذلك تبديل التدابير. وفي هذه الجهة إنّ الثورة تقدّمية وتسير نحو الأمام. فحفظ الثورة يعني حفظ تلك الحالة، التقدّمية والتكاملية. حراسة الثورة تكون بهذا المعنى، فلو إنّنا نظرنا بهذه الطريقة وفهمنا الحرس على هذا النحو، فإنّ تلك المرونة والدقّة والحماس الموجود في حركة الحرس ستتضاعف.

 

تحركان ضروريان

إن شباب اليوم لا يكتفي بالمظاهر التي يوجد الكثير منها نسبياً في مجتمعنا الآن، بل يتوجّه إلى الأعماق والمضامين والسيرة ويسعى نحوها. فأنواع الإيمان العميق وتزايد الوعي، أشياءٌ يجب أن نسعى إليها... فهذا هو الحرس بالمعنى الصحيح والكامل، حراسة الحركة الثورية والتقدّم الثوري. لو أردنا لهذا العمل أن يتحقّق يجب علينا أن ننجز تحرّكين في الحرس: التحرّك الأوّل داخليٌّ، وذلك على صعيد التكامل الذاتي. والتحرّك الثاني يرتبط بتطوّر وتكامل جزء في كل النظام والثورة، وهو ما يتعلق بالتأثير في الخارج. وهذان التحرّكان يجب أن يتحقّقا ويسيرا بموازاة بعضهما بعضاً. فلو غفلنا عن التحرّك الأوّل لا نكون قد أنجزنا ذاك التحرّك التقدّمي والتكاملي والتصاعدي في داخل مجموع قوّات الحرس وأسرة الحرس، وسيصاب التحرّك الثاني الذي يرتبط بتأثير الحرس في تقدّم مجموع الثورة (أي الكل) بالفشل. وأيّ تحرّكٍ يحصل لن يكون

 

 

319


262

خطاب الولي 2011

صحيحاً لأنّ: (شعر مترجم معناه): فاقد الشيء لا يعطيه.

 

لهذا فالتحرّكان ضروريان: ذاك التحرّك الداخلي وهو ما أشار إلى أبعاده قائد الحرس المحترم وهو صحيحٌ وأنا أؤيّده، فيجب القيام بتلك الأعمال. وللتحرّك الداخلي بُعدان مادي ومعنوي. البُعد المعنوي هو التوجّه إلى القيم بالمعنى الحقيقي للكلمة أي تشخيص العلائم والشواخص القيمية للحرس وعرض النفس والآخرين على هذه المعايير بقصد التقدّم والصيرورة الصحيحة والكاملة نحو تلك الأهداف، هذا هو بُعده المعنوي. أمّا بُعده المادي فهو تلك الأعمال الجيدة التي يتمّ إنجازها في الحرس على صعيد التشكيلات والبُعد العلمي والأبحاث، والبُعد المتعلّق بالإنتاجية والتصنيع والبُعد المتعلّق بالتدريبات العسكرية وأمثالها. فكلّ هذه ينبغي أن تُنجز إلى جنب بعضها بعضاً. وهناك ستتحقّق في الحرس مجموعة حيّة مليئة بالنشاط، مفعمة بالشباب لا طريق للهرم والشيخوخة إليها والتي لحسن الحظ قد تهيّأت اليوم أرضيتها وبنيتها التحتية وخبراتها ودوافعها ولله الحمد. هذا ما يمكن تسميته بالتحرّك الداخلي. ومثل هذه المجموعة ستكون مجموعة تُمثّل شاخصاً وأنموذجاً واضحاً. ومن الممكن أن لا ينتسب بعض شبابنا وأهلنا إلى الحرس لكنّهم سيختارون مثل هذا الأنموذج لحياتهم، أنموذج المعنويات الصحيحة وأنموذج الفكر والتدبير والخط الصحيح والحركة الصحيحة في مجالات البناء.

 

وبعدها يصل الدور إلى تأثير هذا التحرّك على مجموع الثورة. وهذا ما سيحصل من تلقاء ذاته. فعندما توجد مجموعة حيّة مفعمة بالنشاط والحيوية والتقدّم والالتصاق الشديد بالمباني والأصول والقِيم في النظام، وتكون في حالة من الحراك والحيويّة وتحيط بجميع الأبعاد، وتحضر في جميع الأماكن وتتمتّع بالبصيرة والتأثير فإنّ هذا سيكون له لزاماً تأثير مصيري في تقدّم المجموع. وهذا بالطبع لا يختصّ بالحرس، هذا بذاته ما أقوله في الحوزات العلمية وللمؤسسات الحكومية، غاية الأمر أن درجة ووزن كلٍّ منها ليس كغيره، فلكلٍّ موقعيته ووزنه. وأنا الآن أتحدّث عن الحرس ونحن بحاجة ماسّة إلى هذا التحرّك البنّاء والتقدّمي والتكامليّ، أي إنّ الإسلام اليوم بحاجة إلى هذا التحرّك.

 

 

 

320


263

خطاب الولي 2011

الثورة الإسلامية أنموذج الفصل الثوريّ الجديد

إنّ حركة نظام الجمهورية الإسلامية قد تركت أثرها في العالم وهو تأثيرٌ عميقٌ وأضعفت القوى الاستكبارية والشيطانية وفتحت أمام الأُمم طرقاً جديدة. وقد بدأ فصلٌ جديدٌ في العالم، وهو ما لا يُرى له نظير.

 

بالطبع أنا العبد، قد شاهدتُ أو قرأتُ طيلة حياتي، في عمر الشباب، التاريخ والتحوّلات المختلفة التي حصلت في مناطق مختلفة من العالم ومنها منطقتنا. هذه الثورات التي وقعت في الدول الإفريقية وأمريكا اللاتينية، تلك الثورات اليسارية في عقد الستينات من القرن العشرين أي قبل حوالي 50 سنة كلها شاهدناها لم نكن نجهل ماهية السوابق التاريخية لمثل هذه التحوّلات وكيفيتها، كلا لقد شاهدناها. ولكن ما يحدث اليوم لا سابقة له ولا نظير. في تلك الأحداث التي وقعت في الستينيات الميلادية سواءٌ في أفريقيا أم أمريكا اللاتينية أم بعض الدول الآسيوية ما كان يجري عبارة عن انتصار حزبٍ أو منظّمة وسيطرتها على مصير شعبٍ، وكانوا يُطلقون عليها الثورات الشعبية رغم التوجّهات المادية والماركسية التي لا وجود فيها لله أو الروحانية، لكنّ شعبيتها كانت في الأغلب عبارة عن قيام حزبٍ بانقلابٍ وسيطرته على الأمور. فهذه الأحزاب والأنظمة التي يُطلق عليها الأنظمة الثورية التي سيطرت على الأمور في شمال أفريقيا جميعها وصلت إلى السلطة من خلال الانقلابات، كجمال عبد الناصر والقذافي وغيرهما. لم تكن حركة شعبية وثورية بالمعنى الحقيقي. أمّا ما يحدث اليوم فهو نزول الناس بأبدانهم وأرواحهم إلى الميدان، وهذه هي الشعوب. من الممكن أن يكون للأحزاب حضورٌ ما أو تأثيرٌ معيّن، ولكن من هو في الميدان ليس عبارة عن مجموعة عسكرية أو انقلابية، بل هي تجمّعات شعبية وجماهيرية وهي في نفس الوقت ذات دوافع توحيدية وإلهية: بنداء الله أكبر وصلاة الجماعة. ولندَع كل تلك الدعايات الأمريكية والصهيونية تُنكر ما تُنكر، فليفعلوا ذلك، فالواقع لا يتبدّل بالإنكار لأنّه هكذا، وهذا ما لا سابقة له. إلى الحد الذي شاهدناه في العهود الثورية وسمعناه وقرأنا عنه لا يوجد سابقة لمثل هذا الشيء مع هذه الشمولية، فهذا أمرٌ جديد، أي إنّ تاريخ المنطقة ويتبعها تاريخ العالم يطوي صفحة جديدة، مفتتحاً فصلاً آخر. فماذا

 

 

321

 


264

خطاب الولي 2011

نفعل هنا؟ نحن لا نريد أن ندّعي أبداً ونقول إنّ الثورة الإسلامية كانت صاحبة الفضل في كلّ شيء فبعض الناس لديهم حساسية بأن يُقال إن منشأ هذه الثورات هو الثورة الإسلامية، كلا، إنّنا في الأصل لا ندّعي مثل هذا الأمر وليس بالضرورة أن نفعل ذلك، لكنّ القضية هي أنّ هذه الحركة التي بدأناها نحن شعب إيران قبل ثلاثين سنة، أو اثنين وثلاثين سنة، نشاهدها عياناً مع اختلافات إقليمية وداخلية وجغرافية وتاريخية في العالم الإسلامي في عدّة دول. وأنا قد ذكرتُ أنّ هناك أمواجاً لاحقة ستشمل مناطق بعيدة جداً، وسيتحقق هذا الأمر وهو ما يبعث فينا الحماس والبشرى، وهو يشير إلى أنّ أملنا بالمستقبل يجب أن يزداد.

 

بالطبع، إنّ العدوّ يعمل بكلّ طاقته على هذه القضية. لا يريد لهذا الأنموذج أن يتجسّد أمام أعين الشعوب الإسلامية، فيقول أنظروا إلى إيران أين وصلت. ولكن شاؤوا أم أبوا، رضوا أم لم يرضوا لقد وقع هذا الأمر. ونفس هذه الأعمال العلمية والتقنية والبحثية التي تقومون بها أنتم، والمنظّمات الأخرى للقوات المسلّحة وما يُنجَز خارج القوّات المسلّحة في الجامعات ومراكز الأبحاث المختلفة في بلادنا، كلّها أمور ترسم آفاق المستقبل بشكلٍ دقيق، أي أنّ كلّ واحدٍ من هذه الأعمال يترك بصماته الواضحة على المستقبل. فهذه هي التي تُعين لمن سيكون المستقبل. وهذا بالطبع ببركة الإسلام والروحية الثورية، هذه الروحية التي ينبغي تقويتها. لهذا، فإنّ علينا أن نتلقّى حراسة الثورة بهذا المعنى، بمعنى التحوّل والتطوّر والتقدّم.

 

ضرورة اليقظة وعدم الانشغال بالخلافات الداخلية

من الأمور التي ينبغي أن نتوجّه إليها الآن في الميادين والساحات هي أن نحذر من أن تتورّط الأجهزة الثورية بالأعمال غير المفيدة، بل والمُضرّة أحياناً، بهذه الحركة التقدّمية، وأحدها هذه الخلافات التي كنتُ أركّز عليها. أحياناً، قد ينبعث تيارٌ مقابل الثورة من أجل القضاء عليها، ومن الطبيعي هنا أنّ مسؤولية كلّ واحدٍ منّا أن ينبري للدفاع. فالثورة تدافع عن نفسها كموجودٍ حيٍّ، لأنّ الثورة التي لا تستطيع أن تدافع عن نفسها في أوقات الفتن وفي حالات نشوء الانقلابات المختلفة السياسة والعسكرية

 

 

322


265

خطاب الولي 2011

وأمثالها ليست ثورة حيّة. وهذه الثورة حيّة، لهذا فإنّها تدافع عن نفسها وتنتصر، وليس فيها أي تراجع، مثل ما شاهدناه قبل سنتين. فأحياناً تكون القضية هكذا، وأحياناً بالعكس، لا تكون عبارة عن مواجهة حركة انقلابية، بل هناك اختلاف في الأخلاق والسلائق والعقائد أحياناً، فمثل هذه الأمور ينبغي إخمادها قدر الإمكان، ويجب التقليل من هذه الأمور مهما أمكن، لأنّ إشعال خلافات الرأي أمر مضرٌّ.

 

لو تفوّه أحدٌ بكلامٍ خاطئ هل يجب أن ينبري له أحد ويردّ عليه أم لا؟ حسناً، أجل، هذا أمرٌ واضح. فالرد على الكلام الخاطئ له أسلوبه وطريقته وعمله. أحياناً يتفوّه أحدٌ بكلامٍ خاطئ فنأتي نحن مثلاً لننشر هذا الكلام الخاطئ في مئات الأماكن ونجعله شعاراً ونعلن أنّ هذا الشخص الفلاني قد قال الخطأ الفلاني حتى يعلم الجميع به، هذا خطأٌ واشتباه. إنني لست مخالفاً لأيّ تحرّك توضيحي من أي شخص أو مؤسسة، بل إنّني أحبّ ذلك وأؤمن بمسألة التبيين. فبالأصل، إنّ من استراتيجياتنا الأساس في العمل ومنذ البداية قضية التبيين. فالتبيين لازمٌ، لكن ذلك لا يعني أن ننشغل بخلافاتنا الداخلية، فالتفتوا. وعلى الجميع أن يتوجّهوا وخصوصاً الحرس. فإنّ إلهاب الأجواء ليس أمراً مناسباً أبداً على صعيد الحوادث السياسية والفكرية وغيرها. وأنتم جميعاً ولله الحمد تمتلكون البصيرة والوعي ولا بدّ أنّكم مطّلعون على الأحداث، والآن ترون هذه الأوضاع الموجودة في البلد حيث وللأسف هذا يقوم ضد ذاك، وذاك يقوم ضدّ هذا، ويبدأون بإرضاء الأجهزة الخارجية وإدخال السرور إلى قلوبها، وهنا يشرع أولئك بإصدار التحليلات بشأننا ليقولوا بوجود اختلافات في البين وأنّ الكلّ سيزول وينقرض! فيُكرّرون أمانيهم بشكلٍ دائم. حسناً، من الواضح أنّ هذه القضية نقطة ضعفنا ولا ينبغي أن تستمرّ أو تزداد. فيجب الالتفات إلى هذه الأمور ويجب أن تكون الحركة متينة وصلبة ومستدلة وموفّقة. فلو كان هناك اختلافٌ في الآراء بين الأشخاص فليكن البيان بالاستدلال. وقد قلتُ إنّني أعتقد وأؤمن بالتبيين. في أيّام النضال كان خلافنا مع اليساريين والماركسيين الذين كانوا يناضلون في ذلك الوقت على هذه القضية حيث كنّا نقول إنّ علينا أن نُبيّن وهم لم يكونوا يؤمنون بذلك، بل كانوا يقولون شيئاً آخر ويفسّرون الأمور على طريقتهم. لقد كان عمل الثورة من الأساس مبنياً على

 

 

323


266

خطاب الولي 2011

التبيين والإيضاح والبيان المنطقي والاستدلالي والبعيد عن الضجيج والصخب. فلو دخل الصخب والفوضى سيخرّب على الكلام المنطقي. ومن الممكن أن نجذب أربعة أشخاص لكننا سنطرد أربعة أذكى. هذا هو كلامنا وقولنا.

 

إنّ التحرّك ينبغي أن يكون تقدّمياً وهو يحتاج إلى أشياء كثيرة. وأنا هنا قد دوّنت أموراً، منها التلاحم في صفٍّ واحد، وهي قضية الوحدة التي تعرّضنا لها: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ﴾[1].

 

فيجب أن نكون بناءً مُحكماً وجداراً حصيناً لا يمكن النفوذ من خلاله، نقف في مقابل هجوم الأعداء.

 

فاعلموا أمرين أيّها الشباب الأعزّاء الموجودون في الحرس، والمشايخ، والطلاب الشباب، والمؤمنون، والنشطون العاملون في مكتب الممثلية. الأول، أنّ لكم جميعاً أعمالاً كثيرة. فشباب الحرس وكذلك المشايخ المحترمون، أمامكم الكثير من العمل الذي ينبغي أن يُنجز. الثاني، أن تعلموا أنّه لو بذلتم الهِمّة فإنّكم حتماً ستتمكّنون من إنجاز هذه الأعمال ولن يطول الزمن حتى تروا فجأة أنّكم أصبحتم في مكانٍ أعلى، فإنّ التقدّم أمرٌ حتمي. فما إن يوجد السعي والهمّة والأمل حتى يتحقّق التقدّم حتماً، فهذا ليس فيه تراجع. ويجب أن يؤخذ هذا الأمر بعين الاعتبار في مجموع الحرس ككلّ. وبالطبع، فإنّ الخطّة المختلفة في متن تشكيلات الحرس تُعدّ أمراً لازماً ودائماً يجب إنجازه وهو ما يُنجز الآن وبشكلٍ جيّد أيضاً. وأملنا أن يعينكم الله تعالى. فلنكتفِ اليوم بهذا المقدار، آملين من الله أن يشملكم بلطفه.

 

رعاية عوائل الشهداء

وأذكر هذا الآن للمسؤولين المحترمين في الحرس لأنّكم تشكّلون الأغلبية في هذا اللقاء، بأنّ من الأعمال الضرورية جداً -والتي ذكّرتُ بها الآن القائد العام للحرس- أن تتابعوا أمور عوائل شهدائكم، وأهمّ وأفضل ما في هذه المتابعة هو التلطّف والسؤال عن الأحوال والاستطلاع، وليس هذا كلّه عبارة عن تقديم المساعدات، فالكثير منهم ليسوا بحاجة إلى المساعدات، لكنّهم بحاجة إلى المحبّة والملاطفة والمواكبة والمواساة...

 

 


[1] سورة الصف، الآية 4.

 

324


267

خطاب الولي 2011

والجميع بحاجة إلى هذا الأمر من الأعلى إلى الأسفل، والكلّ يحبّون أن يكونوا مورد عناية ولطفٍ. بعض شهدائنا الشامخين وبحمد الله أضحت شُهرتهم عامّة والجميع يعرفهم. لكنّ الكثير من الشهداء ليسوا كذلك، وإن كانوا معروفين عند أهل السموات، والملائكة تعرفهم جيداً ولكنّهم ليسوا معروفين جيداً في وسطنا، فاهتمّوا بهم وتابعوا أمورهم وأملنا إن شاء الله أن يتوجّه الأصدقاء إلى القيام بعملٍ منسجمٍ ومُدوّن في هذا المجال.

 

أملنا أن يحفظكم الله ويشملكم بأدعية ولي العصر أرواحنا فداه ويُرضي عنّا وعنكم روح إمامنا الجليل المُطهَّر وأرواح شهدائنا المطهرين.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

325


268

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء المشاركين في مسابقات القرآن

 

 

 

المناسبة:   ميلاد الإمام الحسين عليه السلام واختتام الدورة 28 من مسابقات القرآن

الحضور:  جمع من المشاركين في مسابقات حفظ وتلاوة القرآن الكريم

المكان:   طهران

 

الزمان:    14/٠٤/1390ﻫ.ش.

٠٣/٠٨/1432ﻫ.ق.

٠٥/٠٧/2011م.

 

 

327


269

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

 

إنّني مسرورٌ جدّاً أنّ الله بحمده وفّقنا للحياة عاماً آخر ومرّة أخرى لنُدرك هذا اللقاء القرآني المُحبّب والعَذب. استأنسنا بتلاوات الإخوة الأعزّاء. ونسأل الله تعالى أن يحشركم جميعاً أيّها الأعزّاء وإيانا مع القرآن، لنكون في الدنيا مع القرآن ونحيا به ونتنفّس به وكذلك في الآخرة، في يوم القيامة فيكون القرآن شفيعنا لا يشكونا. هذه هي أمنيتنا.

 

القرآن أساس الوحدة

ما يتمثّل أمام ناظري الإنسان في مثل هذه المسابقات الدولية هو أنّ القرآن أساس الجمع والوحدة. فنحن المسلمين لدينا عوامل كثيرة للاتحاد، أحدها ولعلّ أهمّها القرآن. فجميع المسلمين وكلّ الشعوب المسلمة يخضعون للقرآن ويريدون أن يتعلّموا منه ويتقرّبوا إليه. وهذا ما يُعدّ فرصة ثمينة. أعداء الإسلام والقرآن قد سعوا لإيجاد الشقاق بين الشعوب المسلمة وعزلهم عن بعضهم بعضاً حتى ينجرّ الأمر في بعض الأحيان إلى المواجهة والمعاداة. وهذا ناشئٌ من الغفلة عن القرآن. فعندما تكون الشعوب المسلمة مؤمنة بهذا الكتاب السماوي والنداء السماوي والهدية الإلهية العظيمة، فأي شيء سيكون أفضل من مثل هذه الوسيلة للاجتماع والاتحاد، حيث يلتقي الجميع على هذه المعنوية لينهلوا من منبع العزّة والقدرة الإسلامية والإلهية هذه.

 

ضرورة الإيمان بالوعود الإلهية

نحن لدينا غفلتان: الأولى، الغفلة عن أنّ القرآن هو وسيلة لاجتماعنا نحن المسلمين. الثانية، الغفلة عن الاعتقاد بالمفاهيم القرآنية والاعتراف بما وعدنا الله تعالى

 

 

329


270

خطاب الولي 2011

في القرآن الكريم. فعلينا أن نؤمن بالوعود الإلهية. ولو آمنّا بها فإنّ الطريق نحو العزّة والوحدة والاقتدار سيُفتح أمام الأمّة الإسلامية وستنجو هذه الأمّة من التخلّف. فهذه الآيات التي تلاها هذا الأستاذ المصري المحترم: ﴿إِن يَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ﴾[1]، ﴿وَإِن يَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِي يَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ﴾، تُعدّ نهجاً لامعاً. وعلى الأُمم أن تُسطّره وترفع رايته وتجعله أمام أعينها وفوق رؤوسها، ﴿إِن يَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ﴾، فما الذي نفعله من أجل أن ينصرنا الله؟ هذه قضية. ما هو الشيء الذي ينبغي أن نقوم به ليشلمنا نصر الله؟ وهذا ما يُجيبنا عنه القرآن ﴿إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ﴾[2]، ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ﴾[3] فإذا نصرتم الله ودينه وقمتم لله فإنّ الله سينصركم، فأينما قامت أمّة في سبيل الله، واستخدمت قدراتها في الميادين ستنال النصرة الإلهية. وعندما ينصرها الله لن تتمكّن منها أية قوة. ونحن قد جرّبنا أنموذجاً من هذا. وجرّبنا قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ﴾[4]. إنّ شعب إيران قد خَبُر هذه الآية في ميادين العمل. فقد أوجدنا في أنفسنا تغييراً، فغيّر الله تعالى أوضاعنا. والعجيب أيضاً هو أنّنا عندما خطونا خطوة واحدة، فإنّ الله تعالى أقبل علينا عشر خطوات. نحن غيّرنا أنفسنا قليلاً والله تعالى أنزل نصره أضعافاً وغيّر أوضاعنا.

 

واليوم نحن نشاهد هذا في الدنيا. انظروا إلى شعب مصر، فنداء "الله أكبر" ذاك، وصلاة الجماعة تلك، وهذه الشعارات الإسلامية، كلّها نزلت إلى الميدان ونصرت الله. هل أنّ أمريكا أرادت أن تقع مثل هذه الأحداث في مصر؟ هل أرادت الجبهة الصهيونية الخبيثة التي لها نفوذٌ في جميع القوى الغربية أن تحدث هذه الأمور؟ هل أنّ أتباعهم السياسيين في المنطقة كانوا حاضرين لمجرد التفكير في قرارة أنفسهم بمثل هذه الأحداث؟ بيد أنها وقعت. فلماذا؟! لأنّ ﴿إِن يَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ﴾[5]، فالله

 


[1] سورة آل عمران، الآية 160.

[2] سورة محمد، الآية 7.

[3] سورة الحج، الآية 40.

[4] سورة الرعد، الآية 11.

[5] سورة آل عمران، الآية 160.

 

330


271

خطاب الولي 2011

الأساس هو التدبّر في القرآن والتفكّر فيه.

 

على كلّ حال، إنّنا نرحّب بجميع قرّاء القرآن الأعزّاء في بلدنا وكذلك بضيوف هذه اللقاءات ونسأل الله بمشيئته أن يُنزل بركاته بفضل احترام القرآن عليكم جميعاً ويحشرنا مع القرآن في الدنيا والآخرة.

 

‏والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

332


272

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء جمع من أساتذة وخريجي

فرع المهدوية

 

 

       

المناسبة:   لقاء مجموعة من خريجي فرع المهدوية

الحضور:  جمع من أساتذة وخريجي فرع المهدوية

المكان:   طهران

 

الزمان:    18/٠٤/1390ﻫ.ش.

٠٧/٠٨/1432ﻫ.ق.

٠٩/٠٧ /2011م.

 

 

333


273

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بداية أشكر جميع الإخوة والأخوات في الفروع المختلفة الأمر الذي يلزم للجميع العاملين والساعين سواءٌ في الفرع المتعلّق بالصلاة أم الزكاة أم التفسير أم المهدوية، أم سائر ما ذكره جناب الأستاذ قراءتي. وجميع هذه أعمالٌ مهمّة وضرورية. وبالحقّ والإنصاف إنّ العمل في هذه الفروع يُعدّ إنفاقاً حقيقياً وصدقة مقبولة عند الله تعالى إن شاء الله. فالشكر للجميع، ولكن من اللازم أن أتشكّر جناب الأستاذ قراءتي بالخصوص. ليس شُكراً لأنّ العمل هو عمل الله ولله، وإن شاء الله يجب أن يكون الشكر من الله له ولمعاونيه، لكن علينا نحن أن نكون مُقدّرين. وأنا أذكر بضع كلماتٍ في محضركم أيّها الإخوة والأخوات.

 

الأستاذ قراءتي... القُدوة المُخلِصة

إنّ الأستاذ قراءتي يُعدّ أنموذجاً جيداً جداً مُلهَماً. أولاً، الأعمال التي باشرها وتابعها كانت جميعاً تُمثّل فراغاً، وقد ملأ هذه الفراغات، ولهذا الأمر قيمة كبيرة. إنّ بعض الأعمال تكون جيّدة ولكنّها تكرارية، فلو استطاع المرء أن يكتشف الاحتياجات والفراغات ويُحدّدها ويسعى لملئها فسيكون لهذا الأمر قيمة مضاعفة. والأستاذ قراءتي تصرّف على هذا النحو، سواء في قضية الصلاة حيث إنّ إهمال الصلاة وعدم الاعتناء بها بالشكل المطلوب في المجتمع مع كل هذه العظمة والأهمية وكونها ركن الدين وأصل قبول جميع أعمال الإنسان يُعدّ فراغاً كبيراً. فالأستاذ قراءتي توجّه إلى هذا الفراغ واعتنى به، وكذلك في قضية الزكاة التي لم تكن في الواقع مطروحة في مجتمعنا، ونفس هذا الإهمال يُعدّ نقطة ضعفٍ ونقيصة، فقد اهتمّ بهذا الأمر وأقبل عليه وقام بالتحرّك في كل مكان، والحديث عنه في جميع المواطن وأصرّ على الجميع ولم يتعب حتى تحقّق هذا التيار. وكذلك قضية التفسير هي على هذا المنوال وقضية المهدوية وباقي القضايا

 

 

335


274

خطاب الولي 2011

 التي يتابعها الآن، هذه نكتة بارزة في عمل الأستاذ قراءتي العزيز والمحترم.

 

النقطة الثانية التي لها من الأهمية ما يفوق النقطة الأولى، هي صفاؤه وخُلوصه. نفس هذا الصفاء أدّى إلى أن يتمكّن من القيام بهذه الأعمال. إنّ الله تعالى يُلازم النوايا الخالصة، فلِخُلوص النية تأثيرٌ مدهش في تقدّم الأعمال التي تؤدّى بهذه النية. وهذه نقطة أيضاً ولها أهمية كبيرة.

 

لقد ذكرتُ هذه الأمور لا لأجل أنّنا نريد إجلال أحدٍ أو تعظيمه. فمثل هذه ليست مورد احتياج وتوقّع الأستاذ قراءتي، كذلك نحن لسنا بصدد هذه الأشياء، نحن نريد أن تكون مثل هذه الأعمال بالنسبة لنا جميعاً وخصوصاً نحن الطلبة قدوة، أي أن نتحرّك بهذه الطريقة، لا أن نقوم بهذه الأعمال نفسها، بل بمعنى أن نكون بصدد البحث عن الفراغات والاحتياجات وكشفها. فلكلٍّ ذائقته واستعداداته وقدراته، عليه أن يستفيد منها في العمل. هذا أمر.

 

والأمر الثاني الاستمرارية والمتابعة، وما أريده الآن من الأستاذ قراءتي ومعاونيه الذين شرعوا بمثل هذه الأعمال أن لا يدعوها مطلقاً، بل أن تُتابع ويُداوم عليها. فلا يكون الأمر بحيث نبدأ عملاً وبمجرّد أن تظهر بركاته وثمراته نرضى ونفرح ونشكر الله ثم يعرض علينا الشعور بالشبع وعدم الاحتياج، كلا، يجب أن يُتابع العمل. وأملنا إن شاء الله أن يفيض الله تعالى عليه وعليكم جميعاً أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء المَدَد والعون وطول العمر والصحة لكي تتابعوا هذه الأعمال، فهذه أمورٌ مهمّة.

 

أصالة قضية المهدويّة

أمّا قضية المهدويّة التي تتناسب في هذه الأيام مع اقتراب ذكرى النصف من شعبان وهذا العيد الإسلامي الكبير بل الإنساني، فاللازم أن أعرض لهذا المقدار وهو: إنّ قضية المهدويّة هي في عِداد المسائل الأصلية التي تدور في سلسلة المعارف الدينية العليا كقضية النبوّة مثلاً، حيث إنّ أهمّيتها ينبغي أن تُقارن بأهمية النبوّة. لماذا؟ لأنّ ذاك الشيء الذي تبشّر به المهدويّة هو نفس الأمر الذي جاء من أجله جميع الأنبياء وانطلقت من أجله جميع البَعَثات، وهو عبارة عن إيجاد عالمٍ توحيدي مبني

 

 

336


275

خطاب الولي 2011

وقائم على أساس العدالة وبالاستفادة من جميع الاستعدادات التي أودعها الله تعالى في الإنسان، ومثل هذا العصر هو عصر ظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، هو عصر المجتمع التوحيدي، عصر حاكمية التوحيد، عصر الحاكمية الحقيقية للروحانية والدين على كلّ مجالات حياة البشر، وعصر استقرار العدل بمعناه الكامل والجامع. حسناً، لقد جاء الأنبياء من أجل هذا.

 

لقد ذكرنا مراراً أنّ جميع التحرّكات التي قام بها البشر في ظلّ تعاليم الأنبياء وطيلة هذه القرون المتمادية هي حركة نحو الجادّة العريضة المُعبّدة التي ستكون في عصر الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف متّجهة نحو الأهداف السامية حيث يسير الناس عليها. مثله مثل جماعة من الناس يتحرّكون في الجبال والأودية والطرق الشاقّة والصعبة والمُنعطفات الخطرة تبعاً لإرشاد أشخاصٍ معيّنين من أجل أن يصلوا إلى تلك الجادّة الأساس. فعندما يصلون إلى الجادّة الأساس يُفتح الطريق أمامهم ويتبيّن الصراط المستقيم وتصبح الحركة عليه سهلة، ويمكن السير عليه بِيُسر. فإذا وصلوا إلى تلك الجادّة الأساس لن تُبتلى هذه الحركة بالتوقّف، كلا، بل سيبدأون سعياً جديداً نحو الأهداف الإلهية السامية، وذلك لأنّ استعدادات البشر لا منتهى لها. وطوال هذه القرون المتمادية كان البشر يسيرون على هذه الطرق وعلى المنعطفات والطرق الصعبة والشاقّة وهم يواجهون الموانع المتعدّدة بأبدانٍ متعبة وأقدامٍ مثخنة بالجراح من أجل أن يُوصلوا أنفسهم إلى هذه الجادّة الأصلية. وهذه الجادّة الأصلية هي جادّة زمان الظهور، إنّه عالم الظهور الذي ستبدأ البشرية فيه حركتها.

 

فلو لم تكن المهدوية لكان معنى ذلك أنّ جميع مساعي الأنبياء وكلّ هذه الدعوات والبعثات وهذه التضحيات والجهود المضنية ستكون بلا فائدة وتبقى بلا أثر. لهذا إنّ قضية المهدوية هي قضية أساس وتُعدّ من المعارف الإلهية الأساس. لهذا فإنّ جميع الأديان الإلهية تقريباً إلى الحدّ الذي وصلت إليه مطالعاتنا لديها ما يُمثّل اللبّ والمعنى الحقيقي للمهدوية، لكن بأشكالٍ تمّ تحريفها وأشكالٍ مُبهمة دون أن يتّضح المراد منها بالدقّة.

 

337


276

خطاب الولي 2011

إنّ قضية المهدوية في الإسلام من المسلّمات وهي لا تختصّ بالشيعة. فإنّ جميع المذاهب الإسلامية تقبل بأنّ غاية العالم عبارة عن إقامة حكومة الحقّ والعدل على يد المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف. فقد تمّ نقل رواياتٍ معتبرة بطرقٍ مختلفة في المذاهب المتعدّدة عن النبي الأكرم والأجلاّء. لهذا، لا يوجد في ذلك أيّ شكٍّ. غاية الأمر أن امتياز الشيعة في هذا الأمر أنّ قضية المهدوية عندهم لا يعتريها الإبهام، وليست مسألة معقّدة يصعب على الناس فهمهما، بل هي مسألة واضحة ولها مصداقٌ واضح نعرفه، ونعرف خصائصه ونعرف آباءه وأُسرته وولادته وتفاصيل أخباره. وفي مثل هذه المعرفة لا ينحصر الأمر بروايات الشيعة، فهناك رواياتٌ جاءت عن طرقٍ غير شيعية توضّح لنا مثل هذه المعرفة، ويجب على أتباع المذاهب الأخرى أن يلتفتوا ويدقّقوا حتى تتضح لهم هذه الحقيقة. لهذا إنّ أهمية المسألة هي بهذا المستوى ونحن أولى من الآخرين أن ننهض لمعالجتها، ويجب القيام بالأعمال العلمية والدقيقة والمتقنة على هذا الصعيد.

 

قضية الانتظار

وقضية الانتظار قضية لا تنفكّ عن قضية المهدوية. فالانتظار من المصطلحات المفتاحية الأساس لفهم الدين والحركة الأساس والعامّة والاجتماعية للأُمّة الإسلامية نحو الأهداف الإسلامية السامية، الانتظار يعني الترقُّب، يعني ترصّد حقيقة قطعية، الانتظار يعني ذاك المستقبل الحتمي والقطعي، وخاصّة انتظار موجود حيّ وحاضر، فهذه مسألة في غاية الأهمية. فلا يُكتفى بالقول إنّ هناك من وُلِد ووُجِد، كلا، فهذا الموجود له حضور بين الناس. وفي الروايات أنّ الناس يرونه وهو يرى الناس ولكن لا يعرفونه. وفي بعض الروايات شُبّه بالنبي يوسف الذي كان يراه إخوته وكان بينهم وجلس مجلسهم ولكنّهم لم يعرفوه. فهو حقيقة بارزة واضحة ومستنهضة، هذا ما يعين على فهم معنى الانتظار. فهذا الانتظار ممّا تحتاجه البشرية والأُمّة الإسلامية بطريقٍ أولى. هذا الانتظار يضع على عاتق الإنسان تكليفاً. فعندما يكون الإنسان على يقين من مثل هذا المستقبل كما جاء أيضاً في الآية القرآنية ﴿وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِي ٱلزَّبُورِ

 

 

338


277

خطاب الولي 2011

مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّٰلِحُونَ﴾[1]، ﴿إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾[2]، فمن كان من أهل العبودية لله يفهم وعليه أن يُهيّئ نفسه ويكون مُنتظراً وُمترصّداً. لأنّ من لوازم الانتظار الإعداد الذاتي، أن نعلم أنّ هناك واقعة كبرى ستَحدُث ونكون منتظرين دوماً. فلا يصحّ أبداً أن يُقال إنّه قد بقي سنواتٌ أو فترات محدّدة لوقوع الأمر، ولا يصحّ أبداً أن يُقال إنّ هذه الحادثة قريبة وسوف تقع في هذه الأيام المقبلة. وعلينا أن نكون مترصّدين دائماً ومنتظرين دوماً. الانتظار يوجب على الإنسان أن يُعدّ نفسه بطريقة وهيئة وخُلُقٍ يُقارب الشاكلة والهيئة والخُلُق المتوقّع في الزمان الذي ينتظره. فهذا من لوازم الانتظار. فعندما يكون ذلك العصر المُنتظَر هو عصر الحقّ والتوحيد والإخلاص والعبودية لله وهو منتظَرٌ فعلينا أن نُقرّب أنفسنا من مثل هذه الأمور ونُعرّف أنفسنا إلى العدل ونُهيّئها للعدل ولقبول الحقّ. إنّ الانتظار يُوجد مثل هذه الحالة. ومن الخصائص المُودعة في حقيقة الانتظار أن لا يقنع الإنسان بمقدار التقدّم الحاصل في وضعه الحالي، بل يسعى للإكثار منه يوماً بعد يوم، وأن يزيد من تحقّق الحقائق ومن الخصال المعنوية والإلهية في نفسه وفي المجتمع. إنّ هذه من لوازم الانتظار.

 

البحث في القضايا المهدويّة محصورٌ بأهل الاختصاص فقط

حسناً، بحمد الله هناك اليوم من يقوم بأعمالٍ علمية كما جاء في التقارير التي قدّمها الأستاذ قراءتي وقد اطّلعتُ عليها سابقاً. وهو قد أشار الآن إلى هذا الأمر وذكره. فلا ينبغي الغفلة عن هذه الأعمال العلمية المتلازمة مع الدقّة بما يتعلّق بقضية الانتظار وقضية عصر الظهور.

 

 ويجب اجتناب عمل العوام والجهلة بشدّة، فمن الأشياء التي يمكن أن تُشكّل خطراً كبيراً مثل هذه الأعمال التي هي بعيدة عن المعرفة ولا ترجع إلى سندٍ ومدركٍ بما يتعلّق بقضية إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهو ما سيُشكّل فرصة مناسبة للأدعياء الكاذبين.

 

 


[1] سورة الأنبياء، الآية 105.

[2] سورة الأنبياء، الآية 106.

 

339


278

خطاب الولي 2011

فالأعمال غير العلمية وغير الموثّقة والتي لا تعتمد على المصادر والمدارك المعتبرة هي أوهامٌ وخيالاتٌ صرفة، ومثل هذه الأمور تُبعد الناس عن حالة الانتظار الحقيقية، وتُهيّئ الأرضية للأدعياء الكاذبين والدجّالين، فيجب اجتناب هذه الأمور بشدّة.

 

على مرّ التاريخ ظهر أدعياءٌ، بعض المُدّعين قاموا بتطبيق إحدى العلامات على أنفسهم أو على أحد الأشخاص كما أُشير إليه الآن، وكلّ هذه أخطاء. إنّ بعض الأشياء التي ترجع إلى علامات الظهور ليست قطعية وهي أمورٌ لم ترد في الروايات المعتبرة التي يمكن الاعتماد عليها، وهناك روايات ضعيفة لا يصحّ الاستناد إليها، وتلك الموارد التي يمكن الاستناد إليها لا يُمكن تطبيقها بسهولة. لقد وُجد دوماً من كان يُطبّق هذه الأشعار الصادرة عن شاه نعمة الله ولي على مرّ السنين وفي موارد عديدة على أشخاصٍ مختلفين على مرّ القرون وهذا ما شاهدته بنفسي، قد يأتي شخص ويقول لقد رأيتُ رجلاً بطريقة ما، وما قد رآه في الواقع هو شخص ما. ثم يأتي زمان آخر -لنفرض بعد مئة سنة- فيجد شخصاً آخر ينطبق عليه نفس الأمر! هذا خطأٌ وهذه أعمالٌ مُضلّة وتُوقع في الأخطاء. فعندما يقع الانحراف والخطأ فسوف تُهجر الحقيقة ويُشتبه الأمر فيها، وتتهيّأ الوسيلة لإضلال أذهان الناس. لهذا ينبغي اجتناب عمل العوام والاستسلام للشائعات العامّية بشدّة، وليكن العمل علمياً قويّاً موثّقا بالمدارك والأسانيد، وهو بالطبع عمل أهل هذا الفنّ، وليس عمل أي إنسان، بل ينبغي أن يكون من أهله ومن أهل الحديث والرجال والأسانيد، ومن أهل الفكر الفلسفي، فليعلم ويتعرّف إلى الحقائق وعندها يمكن أن يدخل في هذا الميدان ويقوم بالأعمال التحقيقية. ويجب الاعتناء بجدّية في هذا القسم من العمل مهما أمكن لكي يُفتح الطريق بمشيئة الله أمام الناس، وكلّما استأنست القلوب بمقولة المهدوية وتعرّفت إليها وأضحى حضور هذا العظيم بالنسبة لنا نحن الذين نعيش في عصر الغيبة محسوساً أكثر ونشعر به أكثر ويتعمّق ارتباطنا به فسيكون أفضل بالنسبة لعالمنا ولتقدّمنا نحو تلك الأهداف.

 

إنّ لهذه التوسّلات الموجودة في الزيارات المختلفة -والتي لبعضها أسانيد جيّدة- قيمة عالية. فالتوسّل والتوجّه والأُنس بهذا الإنسان العظيم عن بُعد لا يعني أن يدّعي أحدٌ أنّني سأصل إلى محضره أو أسمع صوته، أبداً ليس الأمر كذلك، فأغلب ما يُقال

 

340


279

خطاب الولي 2011

في هذا المجال ادّعاءاتٌ: إمّا أن تكون كذباً، أو أنّ من يقولها لا يكذب ولكن يتخيّل. لقد شاهدنا أشخاصاً لم يكونوا كاذبين ولكن كانوا يتخيّلون وقد نُقلت تخيّلاتهم لهذا وذاك كوقائع! فلا ينبغي الإذعان لمثل هذه الأمور. إنّ الطريق الصحيح هو الطريق المنطقي. وذاك التوسّل توسّلٌ عن بُعد. والتوسّل الذي يسمعه الإمام منّا سيقبله إن شاء الله ولو كنّا نتحدّث مع مخاطبنا عن بُعد، فلا إشكال في ذلك. والله تعالى يوصل سلام المسلّمين ونداء المنادين إلى هذا الجليل. فهذه التوسّلات وهذا الأُنس المعنوي جيدٌ جداً وضروري.

 

نسأل الله بمشيئته تعالى أن يُقرّب ظهوره ويجعلنا من أتباعه في غيبته وحضوره ويجعلنا بمشيئته من المجاهدين معه والمستشهدين بين يديه.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

341


280

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء مسؤولي وأمناء المكتبات

 

         

 

         

المناسبة:   لقاء مسؤولي وأمناء المكتبات

الحضور:  مدراء المكتبات العامة وأمناؤها

المكان:   طهران

 

الزمان:    29/٠٤/1390ﻫ.ش.

18/٠٨/1432ﻫ.ق.

20/٠٧/2011م.

 

 

 

342


281

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نرحّب بكم كثيراً أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء أهل الكتاب. لقاؤنا لقاءٌ ثقافي مئة بالمئة. وأنا العبد الحقير قصدتُ في الأساس من هذا اللقاء معكم إخواني وأخواتي الأعزّاء أن أشكر جهود مسؤولي وأُمناء المكتبات في أطراف وأكناف البلاد على العمل الكبير والمهمّ الذي يُنجز، وقصدي الآخر في الواقع التعبير عن تقدير الكتاب والمطالعة وأهمية الكتاب في المجتمع.

 

الحاجة إلى الكتاب

كلّما تقدّمنا ازداد احتياجنا للكتاب. ومن يتصوّر أنّه بظهور وسائل الاتصال الحديثة سيُعزل الكتاب فهو مخطئٌ، فالكتاب، يوماً بعد يوم، يزداد أهمية في المجتمع الإنساني. والوسائل الحديثة مهارتها الأساس هي في نقل مضامين الكتب ومحتوياته والكتب ذاتها بسهولة ويُسر. فلا يمكن لأي شيء آخر أن يحلّ محلّ الكتاب.

 

نقطة أخرى، هي أنّه لو كنّا بصدد التكامل على صعيدنا الفردي من حيث الفكر والخبرة والذائقة والفن فيجب أن نُعمّق ارتباطنا بالكتاب أكثر. فالكتاب عبارة عن حصيلة نتاج فكر ورؤية وذائقة وفنّ، هو حصيلة نتاجات إنسانٍ أو مجموعة من الناس وعلينا أن نغتنم بقوة فرص الاستفادة من نتاج أفكار البشر. إنّ ما يقدّمه لنا الكتاب عبارة عن هدية، هذه هي هدية الكتاب إلينا. لهذا فإنّ الكتاب يُعدّ ظاهرة ووجوداً قيّماً، وهكذا كان دوماً وسيبقى هكذا في المستقبل. لهذا يجب عليكم أن تهتمّوا بالكتاب.

 

إرشادات حول المطالعة

والاهتمام بالكتاب في الواقع قوامه الاهتمام بالمطالعة. فيجب ترويج عادة المطالعة

 

 

345


282

خطاب الولي 2011

 في المجتمع. وهذه هي فائدة التعلّم. فالآثار الناجمة عن التحرّك والنهضة التي تجري في البلاد من أجل اقتلاع جذور الأمية هي عبارة عن هذا الأمر: التمكّن من الاستفادة من مجموع ما يعرضه فكر وذائقة وقدرات الآخرين. ومثل هذا لا يمكن أن يتحقّق بدون المطالعة. وأظن أنّ من أسوأ أنواع الكسل وأشدها خسارة هو الكسل في مطالعة الكتاب. وكلّما فسح الإنسان المجال لهذا الكسل فإنّه سيزداد. فيجب ترويج المطالعة في المجتمع، وهذا العمل يقع على عاتق جميع الأجهزة المسؤولة في هذا المجال، من المدارس الابتدائية حيث ينبغي أن تكون البرامج متوجّهة نحو أبنائنا ابتداءً من مرحلة الطفولة على مطالعة الكتاب، المطالعة بالتدبّر والتأمل والتحقيق مروراً بأجهزة التواصل العمومية انتهاءً بالتلفزيون والإذاعة ووسائل الإعلام المختلفة.

 

من الأعمال الكبرى والمهمة على صعيد المجتمع أن تتسع رقعة الدعاية والترويج المتعلّقة بالمطالعة. نحن نرى اليوم كيف أنّ أصحاب البضائع القليلة الأهمية التي لا تأثير لها في حياة البشر يروّجون لبضائعهم بطريقة مبهرجة عجيبة ومدهشة، فأجهزة الاتصال العام والمطبوعات والتلفزيون والإذاعة تبثّ تلك الدعايات في حين أنّ تلك المنتجات ليست ضرورية إطلاقاً ولا لزوم لها، بل هي إضافة على حياة الإنسان. فأحياناً، وجودها يكون مفيداً وأحياناً لا يكون مفيداً البتّة، بل لعلّه يكون مضراً. ونتاجٌ بعظمة الكتاب وقيمته جديرٌ بأن يروّج له ويرغَّب به من يمكنه مطالعته، هذا ما ينبغي أن نحوّله إلى عادة.

 

وأنا أقول نحن في بلدنا ومجتمعنا لسنا راضين عن هذه الحالة الموجودة في هذه المجال. صحيحٌ أنّ مقدار ما يُنتج من كتبٍ في هذه الأيام يفوق بكثير ما كان في السابق ولعلّه يزيد بأضعاف، سواء من حيث العناوين أم النُسخ ولكن هذا ليس كافياً، فمثل هذه الأمور لا تتناسب مع بلدنا. ويجب العمل بحيث يصبح الكتاب شريكاً مقبولاً في سلّة مشتريات العائلة، وذلك لكي يُقرأ، لا لأجل تزيين غرفة المكتبة وعرضها على هذا وذاك. وهذه نقطة ترتبط بقضية المطالعة في المجتمع.

 

قضية أخرى ترتبط بالمكتبات. حسناً، أمناء المكتبات المحترمون يبذلون جهوداً أساساً في هذا المجال ويتصدّون للأمر ويباشرونه. وأنا العبد، ومنذ حداثتي، شاهدتُ

 

 

345


283

خطاب الولي 2011

عن قرب دور أمناء المكتبات عند مراجعتي للمكتبات. كنتُ أذهب إلى مكتبة العتبة الرضوية المقدّسة وأشاهد ما يقوم به أمناء المكتبات وما يبذلونه من جهود وما يصدر عنهم من حرص واهتمام. فأمانة المكتبات تُعدّ عملاً إنسانياً ثقافياً ممتازاً، غاية الأمر أنّ أمين المكتبة ليس مجرّد من يقدّم الكتاب ويسترجعه، فأمين المكتبة يمكنه أن يكون مصدراً ومنشأً ومرجعاً مُرشداً للمُراجِعين.

 

ومن الأعمال المهمّة تعويد أذهاننا على التنظيم في المطالعة. فأحياناً، لو كان الرجوع إلى كتابٍ ما بشكل صحيح، بمعنى أن يتم قبل الشروع بقراءته مطالعة كتب أخرى متناسبة مع موضوعه، ومن بعدها نشرع بمطالعته، فإنّ التأثير سيكون أعلى بكثير وأعمق مما لو اكتفينا بهذا الكتاب دون ملاحظة ما يرتبط به. حسناً، هذا ما يتطلّب إرشاداً.

 

بعض الذهنيات هي من أهل الكتاب، أي الكتاب السهل، الكتاب الذي لا يحتاج إلى إعمال الفكر. لا عيب في ذلك، فهذه مطالعة ونحن لا نرفضها، لكنّ ما هو أفضل من هذا الأسلوب في المطالعة هو أن يمزج الإنسان في مجموع مطالعاته بين الكتاب السهل على سبيل المثال رواية أو مذكّرات أو كتب تاريخية سهلة والكتب التي تحتاج إلى التفكير والمطالعة، فمثل هذا النوع من الكتب يجب إدراجه ضمن عملية المطالعة، فنعوّد الذهن على أن يصبح مُتأمّلاً ومُدقّقاً، وحينها ينشط عند تعامله مع الكتاب، وهذا ما يحتاج إلى إرشاد.

 

من الأشياء التي نحتاج إليها كثيراً في هذه الأيام: برامج المطالعة للشرائح المختلفة.

 

فغالباً ما يحصل أن نرغّب الشباب والأحداث بالمطالعة فيراجعوننا ويقولون: "أيّها السيّد ماذا نقرأ؟" وهذا السؤال ليس له جواب واحد، فمن المحتمل أن تكون له أجوبة متعدّدة. والمتصدّون لأمر الكتاب سواء في وزارة الإرشاد أم في عالم المكتبات عليهم أن ينهضوا بجدّية للعمل على هذه القضية في القطاعات المختلفة ولأجل الشرائح المختلفة بأنواعٍ مختلفة وأشكالٍ مناسبة ليعرضوا مساراً للمطالعة، فهذا الكتاب في البداية وذاك الكتاب يليه وهكذا. فعندما يأتي هذا الشاب أو ذاك الحدث أو من لم يأنس بالكتاب حتى الآن، ويتحرّك ويسير، ففي الأغلب سيكتشف مسيره. فهذه مسألة.

 

 

347

 


284

خطاب الولي 2011

عرض الكتب الجيّدة

ومسألة أخرى تتعلّق باختيار الكتاب وانتقائه. إنّ الكتاب هو نتاج فكرٍ ودماغ وتجربة وفن شخصٍ ما أو عدّة أشخاص قاموا بإعداده وإنتاجه. فليس من الضروري أن يكون كل كتاب مفيداً أو أن يكون كل كتاب غير مضّر. فبعض الكتب غير مفيدة. فالذين يتصدّون لشأن الكتاب لا يمكنهم بالاعتماد على فكرة "ترك الآخرين يختارون بحريتهم" أن ينزلوا كلّ كتاب مُضرّ إلى سوق المطالعة مثلما أنّ المهتمّين بالأدوية لا يسمحون بجعل الأدوية المُسمّة والخطرة والمُخدّرة في متناول الجميع، بل يُبعدونها عنهم وأحياناً يُحذّرون منها وهذا غذاءٌ معنوي لو فسد وأصبح مُسمّاً أو مُضراً، فنحن كناشرين وأمناء وأصحاب المكتبات تحت أيّ عنوانٍ يرتبط بالكتاب ليس لنا الحق فيّ أن نضعه في متناول من ليس لديه اطلاعٌ أو التفات، حيث إنّ لهذا الأمر في فقه الإسلام فصلاً مختصّاً به. فيجب مراقبة الأمور. ويجب وضع الكتاب الجيّد والسليم في متناول الأيدي. والأكثر أهمية هو الالتفات إلى كون الكتاب عاملاً في التنمية الفكرية وسبباً لإضاءة الطريق الصحيح. لهذا يجب الالتفات إلى هذه المسألة إلى جانب برنامج المطالعة.

 

تطوّر عملية إنتاج الكتب

نحن كشعبٍ إيراني وأمّة مُسلمة ارتباطنا بالكتاب ارتباطٌ بنيوي وعميق وقديم. فمعرفتنا بالكتاب ليست وليدة اليوم والأمس. في بلدنا، وخصوصاً بعد انتشار الإسلام، وُجدت مكتبات عظيمة ومجاميع علمية ومصنّفات قيّمة ذات سوابق تاريخية عريقة. نحن شعبٌ لدينا سوابق كثيرة مع الكتاب، فطيلة القرون المتمادية كان لدينا استئناسٌ بالكتاب. وبالطبع لم يكن الوصول إلى الكتاب في تلك الأيام سهلاً. كان استنساخ الكتب الخطّية صعباً، ولكن في نفس الوقت كم كان أهل الكتاب واللائقون للاستفادة من الكتاب يبذلون من جهودٍ ومجاهدات. لقد قرأنا وسمعنا مرّات عن الذين كانوا يحتاجون إلى كتاب معيّن كيف كانوا يتعاملون مع من كان يملكه ويبخل به ولا يعطيه، وبعدها بالالتماس والتعب يستعيرون الكتاب لليلة أو ليلتين فلا ينامون طوال

 

 

347


285

خطاب الولي 2011

عرض الكتب الجيّدة

ومسألة أخرى تتعلّق باختيار الكتاب وانتقائه. إنّ الكتاب هو نتاج فكرٍ ودماغ وتجربة وفن شخصٍ ما أو عدّة أشخاص قاموا بإعداده وإنتاجه. فليس من الضروري أن يكون كل كتاب مفيداً أو أن يكون كل كتاب غير مضّر. فبعض الكتب غير مفيدة. فالذين يتصدّون لشأن الكتاب لا يمكنهم بالاعتماد على فكرة "ترك الآخرين يختارون بحريتهم" أن ينزلوا كلّ كتاب مُضرّ إلى سوق المطالعة مثلما أنّ المهتمّين بالأدوية لا يسمحون بجعل الأدوية المُسمّة والخطرة والمُخدّرة في متناول الجميع، بل يُبعدونها عنهم وأحياناً يُحذّرون منها وهذا غذاءٌ معنوي لو فسد وأصبح مُسمّاً أو مُضراً، فنحن كناشرين وأمناء وأصحاب المكتبات تحت أيّ عنوانٍ يرتبط بالكتاب ليس لنا الحق فيّ أن نضعه في متناول من ليس لديه اطلاعٌ أو التفات، حيث إنّ لهذا الأمر في فقه الإسلام فصلاً مختصّاً به. فيجب مراقبة الأمور. ويجب وضع الكتاب الجيّد والسليم في متناول الأيدي. والأكثر أهمية هو الالتفات إلى كون الكتاب عاملاً في التنمية الفكرية وسبباً لإضاءة الطريق الصحيح. لهذا يجب الالتفات إلى هذه المسألة إلى جانب برنامج المطالعة.

 

تطوّر عملية إنتاج الكتب

نحن كشعبٍ إيراني وأمّة مُسلمة ارتباطنا بالكتاب ارتباطٌ بنيوي وعميق وقديم. فمعرفتنا بالكتاب ليست وليدة اليوم والأمس. في بلدنا، وخصوصاً بعد انتشار الإسلام، وُجدت مكتبات عظيمة ومجاميع علمية ومصنّفات قيّمة ذات سوابق تاريخية عريقة. نحن شعبٌ لدينا سوابق كثيرة مع الكتاب، فطيلة القرون المتمادية كان لدينا استئناسٌ بالكتاب. وبالطبع لم يكن الوصول إلى الكتاب في تلك الأيام سهلاً. كان استنساخ الكتب الخطّية صعباً، ولكن في نفس الوقت كم كان أهل الكتاب واللائقون للاستفادة من الكتاب يبذلون من جهودٍ ومجاهدات. لقد قرأنا وسمعنا مرّات عن الذين كانوا يحتاجون إلى كتاب معيّن كيف كانوا يتعاملون مع من كان يملكه ويبخل به ولا يعطيه، وبعدها بالالتماس والتعب يستعيرون الكتاب لليلة أو ليلتين فلا ينامون طوال

 

 

348


286

خطاب الولي 2011

 الوقت ولا يستريحون من أجل استنساخ هذا الكتاب والحصول على نسخة خاصة بهم. فمثل هذا الأمر كثيراً ما كان يحدث. واليوم ارتفعت هذه الموانع. فإنّ تطوّر العلم جعل إنتاج الكتاب ونسخه وانتشاره سهلاً، وعلينا اليوم وبالالتفات إلى هذه السابقة العريقة أن نرفع مستوانا في نشر الكتاب والاستفادة منه.

 

الحذر من الأعمال ذات الأغراض السياسية

وعلى منتجي الكتاب أن يلتفتوا إلى هذه المسألة. ففي إنتاج الكتاب سواء بمعنى إيجاده أم ترجمته أم بمعنى نشره وعرضه على هذا وذاك يجب النظر إلى الاحتياجات والفراغات الموجودة في المجتمع، تلك الفراغات والاحتياجات الفكرية ينبغي أن تُحدّد ويُختار منها ما ينبغي سدّه وتأمينه. نحن نرى بما يتعلّق بالكتاب وسُوقه أنّه أحياناً يتمّ اتّباع خطوات متلازمة مع الانحراف وخصوصاً بما يتعلّق بالقضايا المضرّة لذهنية المجتمع والبلد سواء من الناحية الأخلاقية أو الدينية والاعتقادية أم السياسية. يشاهد المرء بوضوح في سوق الكتاب وفي عالمه أياديَ ناشطة، تجلب أشياء وترجمات لأغراضٍ سياسية وإن كانت في ظاهرها ثقافية. لكنّها في باطنها سياسية.

 

أقول لكم إنّ الكثير من الأعمال التي تندرج تحت المقولة الثقافية في بلدنا والتي يروّجها الأجانب والأعداء والمخالفون للإسلام والنظام الإسلامي، هي بالظاهر ثقافية ولكنّها في الباطن سياسية، هذا ما يشاهده المرء. فالفئة العاملة على الكتاب سواء أنتم أمناء المكتبات أم مدراؤها وسواء أولئك الذين يعملون في وزارة الإرشاد ويتحمّلون مسؤولية هذا العمل أم الناشرون المحترمون يجب على الجميع الالتفات إلى نشر المواد المفعمة بالمعنوية السليمة والمفيدة والمقوّية على صعيد المجتمع. واليوم، ولحسن الحظ، فإنّ مستوى التعليم وإمكانية الاستفادة من الكتاب أضحت وسيعة وشاملة، فيجب الاستفادة من هذه الإمكانية.

 

حركة جديدة لقضية الكتاب

إنّني أريد أن أستفيد من هذا اللقاء في يومنا هذا لأجدّد الميثاق بما يتعلّق بقضية الكتاب والمطالعة والكتاب الجيّد والمفيد والسليم من أجل البدء بحركة جديدة من

 

 

349


287

خطاب الولي 2011

قبل جميع المسؤولين في البلاد، ومن قبل واضعي الخطط والبرامج، ومن قبل المنتجين، وصولاً إلى أولئك الذين يبلّغون ويهتمّون بالكتاب، والمعنيين بعالم الكتاب من الشباب وغيرهم، فليكن لنا نظرة جديدة. إنّ طباعة ألفٍ أو ألفين أو ثلاثة آلاف وأمثالها من النسخ لا تليق بدولة يبلغ تعداد سكانها 75 مليوناً مع كل ما فيها من شباب ودوافع، يجب أن تبلغ الطباعة أضعاف ذلك. وهنا، لحسن الحظ يجد المرء في بعض الحالات كتباً تُطبع بأعدادٍ كبيرة، لكن في نفس الوقت عندما ننظر إلى المعدل العام لن يكون الأمر مُرضِياً ومُقنعاً، يجب البدء بحركة جديدة.

 

على كلّ حال إنّني أشكر كل من يتحمّل مسؤولية الكتاب وأرجو أيضاً أن يتمّ النظر بصورة أكثر جدّية إلى قضية الكتاب. فلنعمل على أن تصبح المطالعة أمراً رائجاً ولا ينفصل الكتاب عن أيدي شبابنا. إنّ ما يُقال من أنّ معدّل ساعات المطالعة اليومية هو هذا المقدار ليس رقماً مُرضياً، فيجب أن يزيد الأمر كثيراً. فلا يستغني المرء عن الكتاب أبداً. من مرحلة الحداثة، ومن بداية التعليم إلى آخر العمر يحتاج الإنسان إلى الكتاب، يحتاج إلى إدراك القضايا، وجذب المواد المُغذية المعنوية والروحية والفكرية، يجب أن يصبح هذا الأمر مفهوماً على مستوى عموم المجتمع، ويجب متابعته واتّخاذ الإجراءات بشأنه.

 

إن شاء الله يوفّقكم ويؤيّدكم. إنّنا نشكر جهودكم. إنّنا راضون عمّا تحقّق وننتظر أن تزيدوا على ما أنجزتموه بمشيئة الله أضعافاً مضاعفة. أعانكم الله ونأمل أن يشملكم دعاء حضرة بقية الله أرواحنا فداه.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

350


288

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في زيارة تفقدية للجيش

 

 

 

 

 

         

المناسبة:   زيارة تفقدية للمنطقة البحرية الأولى ومصانع القوة البحرية للجيش

الحضور:  كبار القادة وكوادر القوات البحرية للجيش وحرس الثورة

المكان:   مقر القوة البحرية للجيش "بندر عباس"

 

الزمان:    ٠١/٠٥/1390ﻫ.ش.

21/٠٨/1432ﻫ.ق.

23/٠٧/2011م.

         

 

 

351


289

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إنّني أشكر الله تعالى أن وفّقني لتجديد العهد واللقاء بكم والكلام من أعماق القلب، عافاكم الله أيّها الأعزّاء والقادة العاملون والشباب الأعزّاء وأنتم اليوم في هذا الميدان.

 

اعلموا يقيناً أنّ من أكثر الأعمال تأثيراً هو العمل الذي تقومون به اليوم في القوّات البحرية للجيش والحرس وتنهضون بأعبائه: لم تقم الحكومات الطاغوتية بجبران كلّ ذلك التخلّف الذي امتدّ لسنواتٍ طوال كما لم تؤمّن أرضية التقدّم والحضور البحري لإيران العزيزة، وإنّ سعيكم المضاعف اليوم ينبغي أن يَجبُر ذاك التخلّف الذي امتدّ لفترات طويلة من الزمن.

 

 المصالح البحرية لدول منطقة الخليج الفارسي وبحر عُمان

كما نعلم جميعاً، إنّ البحر وفي أيّة دولة يُعدّ فرصة عظيمة للتقدّم والحفاظ على المصالح القومية. ففوائد البحر لأيّة دولة أو شعبٍ هي فوائد استراتيجية، فوائد كبيرة وعظيمة. الذين سيطروا على البحار على مدى قرونٍ متوالية لمدّة أربعة قرون تقريباً تمكّنوا من توسعة قدراتهم الدولية لتشمل أراضٍيَ بعيدة. لقد ظُلمت الشعوب واغتُصبت الأراضي وأُهدرت ثروات الأمم، لكنّ تلك الدول والبلدان التي هيمنت على البحار تمكّنت بواسطة هذا النهج الظالم أن تؤمّن لنفسها شأنية مادية وقدرات كبرى. أمّا شعوب منطقتنا، سواء في خليج فارس أم في بحر عُمان، فقد اعتادت ولسنوات مديدة لعلّها عشرات السنين أن تستمع إلى صوت أولئك المقتدرين والمستبدّين، الذين كانوا يركبون الأساطيل الحربية ويأتون من البعيد إلى هذه المنطقة، وأن تخضع أمامهم وتسكت.

 

ذات يوم، جاء الأسطول الإنكليزي إلى هذا الخليج الفارسي وهذه المنطقة البحرية

 

 

353


290

خطاب الولي 2011

الحسّاسة جداً، وكان قائد الأسطول الإنكليزي يُصدر أوامره من داخل الأسطول وكان هناك من يعتبر نفسه مكلّفاً بإجرائه وتطبيقه. لقد مرّت سنوات مديدة على هذا المنوال في هذه المنطقة.

 

أمّا اليوم فقد تبدّل كلّ شيء. لقد أصبح الساحل الممتد والطويل التابع لإيران العزيزة اليوم بيد حكومة مستقلّة وشعبٍ شامخٍ ويقظ، شعبٍ يتوكّل على الله تعالى ويعرف قدرته ويفخر بها ويفرض إرادته على كلّ إرادة متحكّمة بأيّة قدرة سياسية وعسكرية، ويجبر أولئك الذين يريدون السيطرة من خلال التحكّم بالشعوب على التراجع.

 

تُعدّ منطقة الخليج الفارسي وبحر عُمان اليوم منطقة حرّة ومستقلّة ومعتمدة على نفسها، بالرغم من الحضور المضرّ وغير المرغوب به لأساطيل الدول المختلفة الأوروبية والأمريكية في هذه المنطقة، والسبب هو وجود الجمهورية الإسلامية وإيران الشامخة وشعب دولتنا المقتدرة العزيز.

 

لقد ولّى ذاك العصر الذي يأتي فيه من يحدّد مصير هذه المنطقة بحضوره العسكري. من الممكن أن يكون من بين حكّام ومسؤولي هذه المنطقة من لا يزال راغباً بجعل موجات استقباله على بثّ المبعوثين الأجانب، إلا أنّ الشعوب اليوم قد استيقظت. فلقد أضحت الشعوب اليوم حذرة، وتعلم أنّ الحضور العسكري والمسلّح للأجانب في أيّة منطقة ليس فقط في منطقتنا هو أساس عدم الاستقرار فيها. وهنا يُعدّ حضور الأجانب أساساً لعدم الاستقرار. إنّ أمن الخليج الفارسي وبحر عُمان يمكن تحقيقه من خلال حضور دول المنطقة وتعاونها فقط لا غير. إنّ المصالح البحرية هي للجميع، فإمكانات هذا البحر المليء بالبركات هي لجميع هذه الشعوب. فكيف يمكن الاستفادة من هذه البركات لصالح المنافع القومية ومصلحة البلاد؟ من خلال امتلاك القدرة، هذا الاقتدار الذي يمكنكم أيّتها القوّات المسلّحة تأمينه من خلال الجهاد وتجاوز الأنا.

 

فمنذ بداية تشكيل نظام الجمهورية الإسلامية، لم نشجّع أبداً أيّة دولة أو قدرة على المحاربة والمواجهة ولن نفعل ذلك ما أمكننا. إنّنا سنمنع أيّ نوعٍ من المواجهة المتعمّدة أو غير المقصودة، وهو أمرٌ محفوظٌ في محلّه. فنحن أمّة مسالمة، أمّا أولئك

 

354

 


291

خطاب الولي 2011

الذين يريدون تحقيق تقدّمهم من خلال الحضور العسكري والسيطرة العسكرية والتسلّط المعتاد فيجب عليهم أن يشعروا أنّ هناك شعباً مقتدراً يقف في وجههم، وأنّ مظهر اقتدار الشعب في البحر هو أنتم، القوّات البحرية، الحاضرون على امتداد هذا الساحل الطويل.

 

جهاد السرّ للقوّات البحرية

إنّ كلّ يومٍ وليلة، وكلّ فترة عملٍ، وكلّ مسؤولية عملياتية أو إسنادية أو تدريبية لكم هي حسنة، وهي إقدام على طريق مصالح شعب إيران ورفعة جمهورية إيران الإسلامية. الله تعالى قد أعدّ لكم الأجر والثواب في الديوان الإلهي على هذه المجاهدة التي لا يعرف عنها الكثيرون وهي في الحقيقة مجاهدة في السرّ. ومهما أمكنكم جاهدوا واستمرّوا في هذا السعي المقدّس الصادق والمُخلص وبكلّ ما أمكنكم من قوّة واعلموا أنّ هذا البلد وهذا النظام وهذا الشعب مدينٌ لكم أيها الشباب الذين تجسّدون اقتداره وتظهرونه.

 

إنّ لهذه المنطقة أعمالاً عظيمة بحضور القوى المسلّحة، سواء في منطقة بحر عُمان أم في منطقة سواحل الخليج الفارسي. إنّ الأجهزة الحكومية والمسؤولين المختلفين للدولة مكلّفون بالتنسيق المطلوب مع القوّات المسلّحة كي يتمّ إنجاز هذه الأعمال على أفضل وجه.

 

إنّني مسرورٌ من هذا الحضور اليوم بينكم أيّها الأعزّاء الشباب المسؤولون والمدراء والقادة في القوّات المسلّحة لهذه المنطقة. أشكر الله. ومثل هؤلاء الشباب الأعزّاء الذين تلوا ذاك النص الجميل على مسامعنا، فإنّ قصدي وإرادتي هو أن أطلب لكم من الله العزيز القوّة، وأقول اعلموا أن أجركم وجهودكم محفوظة عند الله تعالى ومن المسلَّم أنّكم مورد لطف الله وتفضّله أنتم وعوائلكم وأفرادكم، وإن شاء الله يشملكم حضرة بقية الله أرواحنا فداه بدعائه.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

355


292

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء قرّاء وحفظة وأساتذة القرآن

 

 

         

المناسبة:   حلول شهر رمضان المبارك

الحضور:  قرّاء وحفظة وأساتذة القرآن

المكان:   طهران

 

الزمان:    ١١/٠٥/1390ﻫ.ش.

٠١/٠٩/1432ﻫ.ق.

02/08/2011م.

         357


293

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الشكر الجزيل للإخوة الأعزّاء الذين تلَوا علينا بألحانهم العذبة الآيات الكريمة، فصدحت تلاوتهم في هذه الأجواء، ونوّروا قلوبنا بنور تلاوة الآيات الكريمة للكتاب الإلهي. أملنا أن يُعرّف الله تعالى شعبنا وخصوصاً شبابنا إلى القرآن أكثر.

 

الطريق هو القرآن

إنّ الأُنس بالقرآن سوف يجعل قلوبنا أكثر إلفة بمعارف القرآن. فكلّ نقصٍ يعاني منه العالم الإسلامي هو بسبب الابتعاد عن المعارف الإلهية والمعارف القرآنية. فالقرآن كتاب الحكمة والعلم والحياة. إنّ حياة الأمم والشعوب إنما تكون في ظلّ التعرّف إلى المعارف القرآنية والعمل بمقتضى هذه المعارف وتطبيق الأحكام القرآنية. لو كان الناس طالبين للعدالة ورافضين للظلم فعليهم أن يتعلّموا أسلوب مواجهة الظلم من القرآن. لو كان الناس طلاّب علمٍ وأرادوا بواسطة المعرفة والوعي والعلم أن يُحسّنوا حياتهم ويُؤمّنوا راحتهم ورفاهيتهم فإنّ الطريق سيُعرف بواسطة القرآن الكريم. إذا كان الناس بصدد معرفة الله تعالى وتحصيل الصفاء المعنوي والروحي والأُنس بمقام القرب الإلهي فإنّ الطريق هو القرآن.

 

بُعد الأُمّة الإسلامية عن القرآن

إنّ ضعفنا نحن الأمّة الإسلامية وتخلّفنا وضلالاتنا واضطراباتنا في القضايا الأخلاقية والحياتية كلّ ذلك ناشئٌ من البعد عن القرآن. فالشعوب الإسلامية وبسبب حكومات الطواغيت امتُصّت دماؤها - حيث إنّ القرآن الكريم قد حذّر مخاطَبيه من كلّ هؤلاء الطواغيت - لا دماؤها الاقتصادية أو ثرواتها الحيوية ومناجمها وثرواتها الباطنية ونفطها وأمثال ذلك فحسب، بل روحية مقاومتها وصمودها وطلبها للعلوّ والعزّة في

 

359


294

خطاب الولي 2011

الدنيا أيضاً. لقد أدارت الشعوب الإسلامية ظهرها لثقافتها وتقبّلت الثقافة المادّية. مع أنّنا بالظاهر كنا نقول كلمة "لا إله إلا الله" وكنّا طيلة الزمان مسلمين، لكن ثقافة الغرب وعلومه قد أثّرت في قلوبنا وأبعدتنا عن الحقائق. حينها لم نفقد اقتصادنا وعزّتنا الدنيوية فحسب، بل أخلاقنا ومعالمنا الأخلاقية. إذا كنا قد ابتلينا بالكسل والضعف والهوان، وإذا كنّا قد خسرنا إلفة القلوب فيما بيننا وحلّ بيننا سوء الظنّ فكلّ ذلك بسبب الثقافة المعادية للإسلام والمخالفة للإسلام والتي تمّ حشوها فينا وفرضها علينا.

 

القرآن يمنح العلو المادي والمعنوي

إنّ دور القرآن هو أن يمنحنا العلوّ من الناحية المادية والمعنوية، وهذا ما يفعله القرآن. أولئك الذين طالعوا التاريخ شاهدوا نماذج من ذلك فيه، ونحن أهل هذا الزمان نشاهد في زماننا نماذج لذلك. وأحد نماذجه هو أنتم شعب إيران العزيز. فلا تظنّوا أنّ شعب إيران كان يتمتّع في أزمنة وعهود الأنظمة الطاغوتية سواء النظام البهلوي أم ما قبله النظام القاجاري بأي ذرّة من الاعتبار أو الحيثية في المحيط الدولي. فهذا الاستعداد الفوّار والمتراكم الموجود في شعبنا كان كثروة منسيّة أو كنزٍ مدفونٍ في الخرابات، إلاّ إذا صادف أن يقوم فردٌ لإظهار نفسه وهو ما لم يكن يحدث. فكلّ هؤلاء الشباب الفعّالين والنشطين والمُبدعين والعاشقين لتطوّر بلدهم الذين تشاهدونهم اليوم يصنعون المفاخر في مختلف الميادين ويُحقّقون العزّة تلو العزّة ويُحقّقون لشعبهم سمعة جيدة. حسناً كان هناك شبابٌ في ذلك الزمان ولكن بسبب غلبة الطواغيت لم تكن مثل هذه الأمور.

 

أثر التحرّك نحو القرآن

وبمقدار هذه الخطوة الواحدة التي قُمنا بها تجاه القرآن، وخطونا باتّجاه المعارف القرآنية، حيث إنّ حركتنا وتوجّهنا نحو القرآن الكريم لم تكن في الواقع أكثر من خطوة واحدة، أعطانا الله العزّة ومنحنا الحياة ومنّ علينا بالبصيرة والوعي ومنحنا القدرة والقوّة. إنّ شعبنا اليوم هو من أكثر شعوب العالم حيوية (حياة) وقوّة. فالاستعدادات المتراكمة والفوّارة والجهوزية والرؤية المستمرّة للتطوّر في الميادين المختلفة هي حال

 

360


295

خطاب الولي 2011

بلدنا اليوم. وها هي الشعوب الأخرى معجبة بشعبنا.

 

فاليوم ولحسن الحظ، أضحت الشعارات الإسلامية مشهودة لدى الأمّة الإسلامية وهي أساس تحرّك الشعوب في عدّة دول، وأنتم تشاهدون وتسمعون أخبارها. فهذه التحرّكات تكتسب المزيد من الرونق والنضارة، في ذلك المحلّ الذي تكون فاعليتها ونفوذها فيه أكثر. وهناك حيث يكون التأثّر بالأعداء والمنافقين والمعاندين والمزوّرين أقل، تكون الشعارات الإسلامية والدعوة الإسلامية والإرادة الإسلامية. هذه هي خاصية المعارف القرآنية. فيجب التعرّف إلى القرآن.

 

بالطبع، يومنا هذا لا يمكن قياسه بالماضي. ففي الماضي، لم يكن كل هؤلاء التالين للقرآن والحفظة وكل هذه المعرفة للنص القرآني وهذا العشق والحب لتلاوة القرآن، في حين أنّه كان البلد هو البلد والشعب هو الشعب.

 

إنّني أذكر أن أحد القرّاء المصريين البارزين المرحوم أبو العينين شعيشع جاء يوماً إلى مشهد وقرأ القرآن في مسجد كوهرشاد وكان يقرأ بصورة رائعة. ولأنّ اللقاء كان لوزارة الأوقاف في ذلك الزمان وكانت هذه الوزارة بخلاف حالها اليوم التي هي ولله الحمد مؤسسة مشرّفة كانت آنذاك منظّمة ذات سمعة سيّئة، فإنني أنا العبد رغم شدّة اشتياقي للاستماع إلى تلاوة ذلك القارئ لم أشأ الذهاب والمشاركة في ذلك المجلس، فكنت أنظر من بُعد وأستمع. وجميع الذين شاركوا في ذلك المجلس في أغلب الظن لم يتجاوزوا الخمسين أو الستين، بعضهم كان من موظفي الحكومة، وبعضهم كان من نفس القرّاء المشهديين المعروفين عندنا.

 

اليوم، إنّ هذا الاشتياق إلى القرآن الموجود في جميع الأرجاء يجب أن يزداد، يجب أن يزداد يوماً بعد يوم. فهذه التلاوة الجيدة والأصوات الحسنة والتنظيم الجيد للمجلس - حيث أرى بحمد الله أنّ قرّاءنا أصبحوا ماهرين وبارعين في تنظيم المجالس القرآنية - هي أشياءٌ مهمة، فائدتها أنّنا نزداد قرباً من القرآن والمعارف والمعاني القرآنية.

 

أهمية حفظ القرآن

إنّ من الأشياء التي يمكن أن تمنحنا التدبّر في القرآن، هو حفظ القرآن. لدينا القليل

 

361


296

خطاب الولي 2011

من حفظة القرآن. لقد قلتُ سابقاً إنّه في بلدنا يجب أن يكون عدد حفظة القرآن بالحد الأدنى مليوناً وهذا الرقم أصبح الآن قليلاً بالنسبة لعدد سكاننا ولكن الآن الإخوة ولله الحمد قد أعدّوا وهيّأوا المقدّمات اللازمة، وهم مشغولون بأعمال شتى وإعداد البرامج من أجل أن تسير برامج الحفظ قُدُماً إن شاء الله. وأَمَلي أنا أيضاً أن يصبح أكثر، وبدل أن يكون مليوناً نقول إن شاء الله يجب أن يكون عدد حفظة القرآن الكريم عشرة ملايين.

 

بالطبع، التفتوا إلى أنّ حفظ القرآن هو الخطوة الأولى. فيجب الثبات على الحفظ أولاً. لهذا فإنّ حافظ القرآن يجب أن يكون تالياً دائماً للقرآن، فيتلوه باستمرار، وإلاّ سيفقد ما حفظه. وبعدها يجب أن يصبح هذا الحفظ معيناً للتدبّر، وهو كذلك. إنّ الحفظ في الحقيقة مُعين على التدبر. وحيثما كرّرتم القرآن وأصبحتم حفظة وقرأتموه دوماً، فإنّ فرصة التدبّر والتعمّق في آيات القرآن تسنح لكم.

 

بالطبع، إنّ الأنس بالتفاسير التي تبيّن المراد من الآية هو أمرٌ مطلوبٌ جداً. فعندما يتحقّق الحفظ ويكون الأنس بالتفسير موجوداً ويكون هناك تدبّر فإنّ هذا الشيء الذي نتوقّعه في مجتمعنا سوف يتحقّق: وهو الازدهار القرآني. تصوّروا أنّ في بلدنا عشرة ملايين أو خمسة عشر مليوناً من الرجال والنساء الذين حقّقوا تلك الرابطة القريبة بمعارف القرآن فكم ستكون عظمة هذا؟ إنّ التعاليم القرآنية والدروس القرآنية والنصائح القرآنية والإنذارات القرآنية والبشارات القرآنية ستُحفر في الأذهان وتسري وتُتلى على مسامع القلوب، عندها سنصنع شعباً فولاذياً. ولحسن الحظ إنّ أرضية هذا متوفّرة. فإنّ عزم وإرادة شعبنا اليوم فولاذية. لكنّ ذلك البناء القرآني للمجتمع سيتحقّق عندها، ونحن نأمل بإذن الله أن يتحقّق.

 

أنتم أيها الشباب الذين تأنسون بالقرآن وأنتم أهله وأهل التلاوة، وتطلبون تلاوة القرآن من أصحاب التلاوة الرائعة أو أنّكم منهم، اعلموا قدر شأنكم. وإن شاء الله تعالى سيمنحكم الأجر. فأنتم في الحقيقة الصفوف الأمامية لهذه الحركة العامّة للمجتمع. من الممكن أن تزداد صعوبته ولكن أجره وثوابه عند الله تعالى سيكون أكثر إن شاء الله.

 

 

362


297

خطاب الولي 2011

اللّهم احشرنا طيلة عمرنا مع القرآن.

 

اللّهم لا تفصلنا عن القرآن في الدنيا والآخرة.

 

اللّهم اجعلنا يوم القيامة تحت ظلّ القرآن.

 

اللّهم امنحنا الحياة القرآنية والحياة الإلهية والإسلامية والتي يريدها الإسلام.

 

اللّهم بمحمّد وآل محمّد أرضِ عنا قلب ولي العصر المقدّس وسُرّه بنا. لا تفصلنا عن القرآن وأهل البيت.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

363


298

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء مسؤولي نظام الجمهورية الإسلامية

 

 

 

         

المناسبة:   الاجتماع السنوي في نظام جمهورية إيران الإسلامية

الحضور:  رؤساء السلطات الثلاث وجمع من مسؤولي النظام في الجمهورية الإسلامية الإيرانية

المكان:   طهران

 

الزمان:    16/٠٥/1390ﻫ.ش.

٠٦/٠٩/1432ﻫ.ق.

٠٧/٠٨/2011م.

 

 

365


299

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد الله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين لاسيّما بقيّة الله في الأرضين.

 

أُرحّب بالإخوة والأخوات الأعزّاء مسؤولي الحكومة الكادحين والحريصين. إن شاء الله يجعل هذا الشهر الشريف مباركاً عليكم جميعاً وعلى شعب إيران. نشكر الله الذي حبانا هذه الفرصة عاماً آخر وأمهلنا لنتمكّن مرّة أخرى من إقامة هذا المجلس الحميم والدافئ، ولنستمع ونتحدّث بشأن مسائل الابتلاء والقضايا المهمّة للبلاد.

 

سأجعل المسائل التي سأعرضها على ثلاثة أقسام: القسم الأوّل، مجموعة من التذكيرات وهي بالدرجة الأولى ما أحتاج إليه أنا هذا الحقير، ومما ينبغي أن ألتفت إليه، وهو إن شاء الله إلهامٌ من معنويات شهر رمضان. والآخر يتعلّق بقضايا البلاد ضمن رؤية كلّية. وفي القسم الأخير إذا شاء الله وبقي وقت سنشير إلى القضايا التي ترتبط بقضايا الجوار والمنطقة.

 

مقتطفات من كلام الميرزا الملكي التبريزي

يقول المرحوم الحاج ميرزا جواد الملكي التبريزي العارف المعروف والمشهور والفقيه الكبير في كتابه الشريف المراقبات إنّ الصوم هدية إلهية منّ الله تعالى على عباده وعلى المؤمنين بها. وبحسب تعبيره: "الصوم ليس تكليفاً بل تشريف، يوجب شكراً بحسبه"[1]. فهذا التوجّه إلى فريضة الصوم التي هي تكريمٌ إلهي للعباد يستوجب بحدّ ذاته شكراً. ثمّ يذكر فوائد عديدة للجوع والعطش ممّا يلزم المؤمنون أنفسهم به في شهر رمضان وهي مستفادة من الروايات ونابعة من القلب النوراني لهذا الرجل الجليل. ويقول إنّ هذه الخاصية أهمّ من الجميع. إنّ هذا الجوع والعطش يمنح القلب

 

 


[1] الملكي التبريزي، الميرزا جواد آغا، المراقبات (أعمال السنة)، تحقيق السيد عبد الكريم محمّد الموسوي، مؤسسة دار الاعتصام للطباعة والنشر والتحقيق، 1416ه، ط1، ص157.

 

367


300

خطاب الولي 2011

صفاءً ويكون أرضية مساعدة للتفكّر حيث إنّ "تفكّر ساعة خيرٌ من عبادة سنة"[1]. وهذا التفكّر هو نوع من المراجعة والرجوع إلى الباطن والروح والقلب فيؤدّي إلى ظهور الحقائق بوضوح، ويفتح باب الحكمة على الإنسان. فيجب الاستفادة من هذا.

 

التفكّر في العمر... والموت... والأدعية

فلنفكّر في أعمارنا. فالعمر هو الرأسمال الأساس لكلّ إنسان. إنّ جميع الخيرات تتحقّق بواسطة العمر، هذه الساعات التي تمرّ علينا هي الرأسمال الذي يمكنه أن يمنح الإنسان السعادة الأبدية والجنة الباقية. وعلينا أن نفكر بشأن هذا العمر وننظر إلى انقضائه. فتصرّم ساعات حياتنا وأيام وليالي أعمارنا، ينبغي أن يكون محسوساً عندنا. فلنتوجّه إلى تصرّم الزمان وانقضائه، فالعمر ثلجٌ والشمس شمس تمّوز وها هو الرأسمال يقلّ لحظة بلحظة في حين أنّ هذا الرأسمال هو كل ما لدينا من أجل كسب سعادة الآخرة، فكيف نصرفه وفي أيّ طريقٍ نقضيه؟

 

التفكّر بشأن الموت وعبور هذا العالم ولحظة خروج الروح من هذا البدن وملاقاة ملك الموت: كل هذه أمور حتميّة لكلّ واحدٍ مناّ. كلّ نفسٍ ذائقة الموت، فكيف سيكون حالنا في تلك اللحظة؟ وكيف سيكون حال قلوبنا عندها؟ فكلّ هذه مسائل جديرة بالتدبر والتأمل. إنّ التفكّر في مثل هذه الأمور يُعدّ من التفكّر المطلوب والأساس والضروريّ.

 

وهناك مجالٌ آخر للتفكّر هو هذه الأدعية. فإنّ المضامين التي تحتويها هذه الأدعية المأثورة فائقة الأهمية. وفي كتاب المراقبات يقول إنّ الحقائق والمعارف التي وصلتنا في الأدعية عن المعصومين عليهم السلام لا يوجد عُشرٌ منها في جميع الروايات والخطب التي وصلتنا عنهم عليهم السلام، ما خلا تلك الروايات والخطب التوحيدية[2]. فهذه الأدعية تتمتع بأهمية فائقة.

 

في رحاب دعاء مكارم الأخلاق

وها أنا أتعرّض لمقطعٍ من دعاءٍ لفت نظري، أعرض لجمل منه خلال عدّة دقائق،

 

 


[1] العيّاشيّ، محمّد بن مسعود بن عيّاش السلميّ السمرقنديّ، تفسير العيّاشيّ، تحقيق الحاج السيّد هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلامية، إيران - طهران، 1422ه‏، ط1، ج2، ص208.

[2] راجع: الميرزا جواد الملكي التبريزي، المراقبات (أعمال السنة)، مصدر سابق، ص176.

 

368


301

خطاب الولي 2011

فيكون تكراراً بالنسبة لمن سمعه سابقاً وتذكيراً للذين لم يسمعوه، وهو الدعاء العشرون من الصحيفة السجّادية والمعروف بدعاء مكارم الأخلاق.

 

في بداية هذا الدعاء يقول عليه السلام: "اللّهم صلّ على محمّد وآل محمّد وحلّني بحلية الصالحين وألبسني زينة المتقين"[1]، فيطلب من الله أن يجعله من عباده الصالحين والمتّقين، ثمّ يذكر بعدها خصائص للمتّقين نتعلّم منها ما ينبغي قوله إذا طلبنا من الله أن يفيض علينا بحلية المتّقين وزينتهم. ففي أيّ شيءٍ نحصل على زينة المتّقين وحلية الصالحين ونقترب منهم؟ في العادة، عندما يأتي الحديث عن التقوى، فإنّ ما يتبادر إلى الذهن هو اجتناب المعاصي الفردية بالإضافة إلى القيام بالعبادات وأمثالها وهي باليقين كذلك ولا شكّ فيه ولكن الإمام السجّاد عليه الصلاة والسلام في هذا الموضوع يذكر 22 مطلباً في ذيل هذه الفقرة تُوجّهنا إلى أبعادٍ جديدة من معنى التقوى ومفهومها ومصداقها.

 

"وألبسني زينة المتّقين"، في هذه الأشياء

الأول "في بسط العدل"، فنقوم بإقرار العدالة في المجتمع، العدالة القضائية، العدالة بمعنى تقسيم الثروات الحيوية للبلاد بين الناس، العدالة بمعنى التوزيع الصحيح للفرص. فالتقوى التي تُتوقّع منّا مبنية على هذه الأبعاد.

 

"وكظم الغيظ"، أحياناً قد يكون أحدكم إنساناً عادياً ويُعدّ كظمه لغيظه تجاه أحد إخوته في الدين أو أحد أفراد أسرته أو أحد العاملين معه من الأمور التي لها فضيلة كبيرة، ﴿وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ﴾[2]. وأحياناً يكون أحدكم مسؤولاً اجتماعياً وله موقعية معيّنة، فحركته وفعله وتركه وقوله وعمله تؤثّر في المجتمع ككلّ، في مثل هذه الظروف لا يكون غضبه كغضب أيّ إنسانٍ عاديّ. قد نغضب على إنسانٍ أو تيّارٍ معيّن ونتفوّه ببعض الكلمات فيكون لمثل هذا الغضب آثار لا تتشابه أبداً مع آثار الغضب العادي الذي يصدر عن إنسانٍ يتعرّض على سبيل المثال بالضرب لشخصٍ آخر. إنّ كظم الغيظ يعني أن نُخمد غضبنا ولا نتصرّف بناءً عليه. من الممكن أن

 

 


[1] الإمام زين العابدين عليه السلام، الصحيفة السجادية، دفتر نشر الهادي، إيران - قم، 1418ه، ط1، ص96.

[2] سورة آل عمران، الآية 134.

 

 

369


302

خطاب الولي 2011

الأشياء لا مصلحة فيه. وفي هذا المجال يوجد الكثير من الكلام. هذا قسمٌ من هذا الدعاء، وفيه 22 مسألة تعرّضت إلى ستّ منها بشكلٍ مجمل. فلنوجّه قلوبنا نحوها، ولنطلب من الله سبحانه وتعالى: "ألبسني زينة المتقين". آخر الأمر إنه لا بدّ لنا من ذلك. وكذلك الصوم الذي ورد في القرآن الكريم، ﴿لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾[1] فقد فرض الصوم من أجل أن نصبح من المُتّقين. وهذه الموارد من موارد التقوى. هذا هو القسم الأول الذي تعرّضنا له.

 

قضايا البلد ضمن رؤية كلّية

القسم الثاني، هو استنتاجٌ عام حول وضع البلد. حسناً، إنّ هذا التقرير الممتاز والمفصّل الذي قدّمه رئيس الجمهورية المحترم كان بليغاً. فهناك نقاطٌ مميّزة وواضحة في هذا التقرير. وما أحسن أن تصل هذه المطالب وهذه المعلومات إلى آذان الناس ليعلم الجميع مدى الجهود التي بُذلت والخدمات التي قُدّمت. وأنا سأعرض لقضايا البلاد العامّة من منظارٍ آخر أعتبره مهمّاً بالنسبة لنا. أمّا لماذا هو مهمّ؟ فأولاً، لأنّ الإطلاع على المسار العام للبلاد، وموقعيتنا وما وصلنا إليه وإلى أي جهة ينبغي أن نتّجه هي أمورٌ مهمّة جداً وستبقى كذلك، ولكن أهميتها اليوم بالخصوص أكثر، ولعلّه يمكن القول إنّ ذلك بسبب الأوضاع الحاكمة على العالم، حيث تتضاعف هذه الأهمية. فأوضاع المنطقة أولاً هي أوضاعٌ لا سابقة لها أبداً. اليقظة الإسلامية والحادثة العظيمة التي تحقّقت في المنطقة هي أمرٌ لم يكن له شبيه أو قريب بما يتعلّق بحياة الجمهورية الإسلامية منذ بداية الثورة وإلى اليوم. لقد تحقّق أمرٌ عظيم وحادثة كبرى. أن ينهض شعبٌ كشعب مصر ويقوم بمثل هذه الحركة العظيمة ويُسقط هذا النظام ومن ثمّ يطرح الشعارات الإسلامية ويُهدّد وجود الكيان اليهودي والصهيوني المختَلَق، كل ذلك لا يمكن إدراجه ضمن الحسابات المتعارفة، فإنّها أمورٌ في غاية العظمة. حسناً، لقد وصلنا إلى مثل هذه الظروف التي ترسم للجمهورية الإسلامية أُفقاً واضحاً ومدهشاً.

 

وأوضاع العالم وراء المنطقة أيضاً، هي أوضاعٌ لا سابق لها. فالأزمة الاقتصادية

 

 


[1] سورة الأنعام، الآية 153.

 

 

371


303

خطاب الولي 2011

 

 المدهشة التي تحاصر الدول الغربية المستكبرة بهذا الشكل، وها نحن نراها تهزّها، هي أيضاً أمرٌ استثنائي. فمثل هذا لا يمكن المرور عليه بمثل هذه البساطة. هذه التحليلات التي تطالعونها حيث يدقّ فيها الغربيون ناقوس الخطر بشأن الأزمة الاقتصادية الأمريكية وبعض الدول الأوروبية هي جانبٌ من القضايا ولا يمكنهم أن يذكروا كلّ شيء، فوراء الكواليس، إنّ مراكز التخطيط وصناعة السياسة وكذلك الأدمغة المهتمّة بقضايا العالم في الدول الكبرى في العالم والتي تمتلك معظم وسائل الإعلام لا يقبلون بأن تظهر أبعاد هذه الأزمة لشعوب العالم، وإلا فإنّ أبعاد الأزمة أكبر بكثير مما يقال، حيث إنّني إن شاء الله سأتعرّض لهذه المسألة بعدّة جمل في آخر الكلمة إذا بقي وقتٌ.

 

المسألة الأخرى، هي نموّ التيارات المتطرّفة والإرهابية في الغرب وخصوصاً في أوروبا. بدءاً من النازية الجديدة في أوروبا ووصولاً إلى المحافظين الجدد في أمريكا والتي كانت الحكومة الأمريكية السابقة منهم. هؤلاء يعلنون بصراحة مواقفهم المتطرّفة. فرئيس أمريكا الأحمق السابق أعلن جهاراً أنّ أمامنا حرباً صليبية، كان يُعلن بدء الحروب الصليبية! ولا يوجد نوع من التطرّف أكثر من هذا. ثمّ بعد ذلك يهاجم دولتين إسلاميتين. وكانت هناك أعمال أخرى ضمن برامجهم لم يسمح لهم الله بها وهُزموا. حسناً، إنّ هذه قضايا مهمّة. هذه الحادثة التي وقعت في النروج لا ينبغي النظر إليها كحادثة جزئية. فمثل هذه الأحداث في الغالب تكون نتيجة أحداث متلاحقة طويلة ثمّ يأتي الزمن الذي تظهر فيه وتبرز. وها هنا يأتي السؤال حول قدرتهم على السيطرة عليها والحؤول دونها، ومنع استمرارها، فكلّ هذا موكولٌ إلى المستقبل، يجب التأمّل حتّى نطمئن، وهذا ما لا يقدرون عليه. فمثلما بدأ النازيون الجدد في منطقة معينة في أوروبا ثم اتّسعوا وازدادوا يوماً بعد يوم، ففي هذه الأيام يعلنون عن وجودهم في العديد من الدول الأوروبية بأساليبهم الإرهابية والعنيفة.

 

حسناً، في مثل هذه الظروف علينا أن نُعيد النظر في أنفسنا لنرى في أيّ موضع نحن مستقرّون. هناك ظروفٌ مهمّة حاكمة على العالم يمكن أن تمثّل بالنسبة لنا فرصاً كبرى. فإذا لم نلتفت إلى هذه الفرص ونتعرّف إليها، وإذا لم نستفد منها بشكلٍ صحيح،

 

 

372


304

خطاب الولي 2011

وفي الوقت المناسب، فإننا سنتضرّر. ففي بعض الأحيان إنّ تضييع الفرصة يُعدّ بذاته تهديداً ويؤدّي إلى التأخّر والتخلّف. لهذا لا بأس في أن ننظر من هذه الجهة بمنظارٍ جامعٍ وكلّي إلى قضايا البلد. وبالطبع، في هذه النظرة الكلية يجب علينا أن نستعمل المنظار الواقعي فلا نُبتلى بالخطأ والنظرة الأحادية. فنحن لدينا نقاط إيجابية ونقاط سلبية، وعلينا أن ننظر إليها كلها. في بعض الأحيان تغلب النظرة السلبية. وللأسف، اليوم يرى المرء بين بعض المسؤولين والنخب السياسية وغيرهم كأنّها أصبحت موضة أن ينظر الإنسان بطريقة متشائمة وسلبية ولا يرى الإيجابيات بل يعتمد فقط على السلبيات. ولا ننسى أنّ وسائل الإعلام وغيرها تعمل دائماً على السلبيات، وإذا قال أحدٌ لماذا يحدث هذا، يُقال له أنت لا تريدنا أن نتحدّث عن الواقعيات. يقال هذه سوداوية، فيقال نريد أن نظهر الحقائق. كلا، إنّ هذه نظرة أحادية. حسناً، لو فرضتم أنّ هناك وحدة إنتاجية تعرضت لعطل ما وأنتم تريدون أن تبيّنوا المسألة من منظارٍ واقعيّ، جيدٌ جداً، فإلى جانبها تم بناء وحدتين إنتاجيتين. لو أنّنا قمنا بإظهار هذه النقطة الإيجابية فسندرك قضايا البلد على نحوٍ، ولو لم نظهرها فإنّ فهمنا سيكون بنحو آخر. لو أنّ مشاهدتنا اقتصرت على النقاط السلبية حيث ولا شكّ بوجودها فإنّ هذا ليس واقعياً بالتأكيد، فمثل هذا لن يقدّم لنا استنتاجاً صحيحاً حول أوضاع البلد، بل سيؤدّي إلى اليأس، وهذا هو ضرره الاجتماعي.

 

أنا العبد، أمرّ يومياً على عشر أو عشرين جريدة في الغالب. وبعض هذه الجرائد، تضع يومياً من أربعة إلى خمسة عناوين رئيسة كلّ واحدٍ منها كافٍ لزلزلة أيّ إنسانٍ ضعيف، سلبيات، سلبيات، سلبيات، سلبيات! يُحبّون مثل هذا العمل. ربّما لهم في البين أغراض سياسية أو الهدف منها جذب المشترين فمهما كان لا أعلم ولا أريد أن أتّهم أحداً، لكنّ الواقع هو هذا، وهو خطأ. فإنّ تغليب الرؤية السلبية مخالفٌ للنظرة الواقعية ويؤدّي إلى اليأس.

 

والنقطة المقابلة كذلك، أي تغليب الرؤية الإيجابية دون النظر إلى السلبيات، فهذا أيضاً مُضِلّ، وهو يؤدّي إلى إحداث نوع من الرضى في النفس يكون في بعض الأحيان رضىً كاذباً، فهذا ليس صحيحاً أيضاً. فيجب النظر إلى السلبيات بالإضافة إلى

 

373


305

خطاب الولي 2011

الإيجابيات. فنقول هذا العمل تمكّنت الحكومة والنظام من القيام به، وذاك العمل لم تتمكّن منه، فلننظر إلى الأمرين معاً. لهذا لو أردنا أن نتعرّف بشكلٍ صحيحٍ إلى أوضاع البلد يجب أن ننظر إلى النقاط السلبية والنقاط الإيجابية في نفس الوقت.

 

حسناً، مثل هذا يتطلّب بحثاً مفصّلاً. ورجائي هو أن ينهض المسؤولون والنُخب والجامعيون والحوزويون للقيام بهذا العمل. وها أنا اليوم سأعرض بعض الفصول المختصرة لكنّ الأمر يتطلّب جُهداً مستديماً، وينبغي إعداد لائحة بالنقاط السلبية ولائحة بالنقاط الإيجابية، فهذه النقاط الإيجابية ستدلّنا على الاستعدادات والطاقات التي نمتلكها في هذا البلد. وتلك اللائحة من النقاط السلبية ستدلّنا على الأولويات والأعمال التي يجب القيام بها. فعندما نضع اللائحتين جنباً إلى جنب، يمكننا أن نستبين السبيل ونعرف ما ينبغي القيام به.

 

النقاط الإيجابية لنظام الجمهورية الإسلامية

لقد دوّنت هنا حوالي ستّ نقاط، هي حصيلة حركة مستديمة مطّردة لنظام الجمهورية الإسلامية على مرّ 32 سنة والتي شهدت نجاحات وإخفاقات، ففي بعض السنوات عبر عهود الحكومات المختلفة كان هناك حكومات أفضل، وكان هناك حكومات تسير بالعكس، لكن بالمجموع طيلة هذه المدة كان لدينا هذه النقاط الإيجابية.

 

1. التغلّب على التهديدات

أولى النقاط الإيجابية والتي هي نقطة قوّة للنظام هي أنّ هذا النظام قد أثبت قدرته على التغلّب على التهديدات، فمثل هذا أمرٌ مهمٌّ جداً. فنحن طيلة السنوات الـ 32 واجهنا الكثير من التهديدات على الصعيد السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي وكان من المفترض لمثل هذه التهديدات أن توجّه ضربة قاصمة للنظام. بالطبع، أرادوا إسقاط النظام، الأمر البعيد عن متناول أيديهم، فعلى الأقل يجعلونه متخلّفاً ويجعلون الدولة كذلك. فقد استطاع النظام التغلّب على جميع هذه التهديدات، وأحد نماذجها الحرب المفروضة ومنها أيضاً تلك التحرّكات الأمريكية، ومنها الأنواع المختلفة للحظر.

 

 

374


306

خطاب الولي 2011

كان بعضها مباشرة من جانب الأجانب كالحظر، هذا الحظر الذي كان طيلة السنوات المتمادية ولكنه اشتدّ مؤخّراً، وهم أنفسهم قالوا إنّ الحظر يشلّ. وسواءٌ كان بواسطة الأمم المتّحدة التي كانت تحت سيطرتهم أم بصورة مستقلّة، فقد مارسوا هذه الأنواع من الحظر. هذا كان من جانب الأجانب الذين كانوا يتدخّلون بشكل مباشر. وكانت هناك تهديدات أرضيّتها ممهّدة داخلياً، وإن كان العدوّ يعمل على استغلالها، كقضية القوميات في البلد. وقد تغلّب النظام على جميع هذه الأمور. ففي يومنا هذا أضحت القوميات المختلفة في بلدنا تعيش متآخية جنباً إلى جنب، والشعور بالاتصال بالنظام والانتماء إليه مشهودٌ ومحسوسٌ عند الجميع. وبرأيي إنّ هذا يُعدّ من أهم نقاط القوّة. عندما نقوم بحساب نقاط القوّة للنظام يجب أن نأخذها ونأخذ هذا بعين الاعتبار. فأن يتمكّن نظامٌ بمفرده ودون دعمٍ دولي من مواجهة عداء أكثر القوى اقتداراً على الصعيد المادي العالمي، وطيلة 32 سنة مع هذه التهديدات المتتالية، ثم يتغلّب في النهاية عليها جميعاً، فهذا يُعدّ نقطة مهمّة جداً. برأيي إنّ نقطة القوّة التي تحتل المرتبة الأولى من بين الجميع بما يتعلّق بالنظام هي هذا الأمر.

 

2. الثقة المتبادلة بين الشعب والنظام

الثانية: الثقة المتبادلة بين الشعب والنظام. قليلة هي الدول في العالم التي يوجد فيها مثل هذه الثقة كما هو حاصلٌ من شعب إيران تجاه نظام الجمهورية الإسلامية، وتجاه نظامه الحاكم. ودليل هذه الثقة هو نفس هذه الظواهر الواضحة التي تتجلّى أمام أعين الجميع. ومع ذلك هناك من لا يراها ومن ثم يتحدّث عن عدم ثقة الشعب، كلا، إنّ الشعب يثق بالنظام. أحد الأدلّة هذه الانتخابات التي جرت قبل عامين حيث شارك فيها أكثر من 80% ممّن يحقّ لهم التصويت. فأين نجد في العالم مثل هذا الشيء؟ نموذجٌ آخر هو المظاهرتان اللتان تجر يان كلّ سنة، مظاهرة الثاني والعشرين من شهر بهمن، ومظاهرة يوم القدس، فكلٌّ منهما للنظام، ولا ترتبطان بأيّ حكومة أو تيّارٍ خاص. فأنتم ترون الناس ماذا يفعلون في مثل هذه الحركة العظيمة. ففي صقيع الثاني والعشرين من بهمن وفي شهر رمضان حيث الأفواه الصائمة، سواءٌ كان الجوّ بارداً أم كان حارّاً. وإن شاء الله سوف ترون الناس مرّة أخرى في يوم القدس بأيّة

 

 

375


307

خطاب الولي 2011

عظمة يظهرون. فهذا دليلٌ على انتماء الناس إلى النظام وحبّهم له. ولن يكون أفضل وأوضح من مثل هذا دليلاً على ثقة الناس بالنظام. فمثل هذا الحضور له معانٍ جليلة. وبالإضافة إلى هذا، الوقائع الخاصّة، كالتاسع من شهر دي قبل سنتين حيث إنّ الناس بمجرد أن شعروا بتحركٍ تجاه النظام والثورة لا إلى شخصٍ خاصّ أو حكومة معيّنة قاموا بتلك الحركة العظيمة من تلقاء أنفسهم، ولم يكن الأمر مقتصراً على الشباب المتحمّس، بل نزل الجميع إلى الميادين. لقد كانت حادثة التاسع من دي حادثة مدهشة، وكلّ ذلك بسبب حب الناس للنظام. كلّ هذه مؤشرات على هذه الثقة. وللأسف نسمع في تصريحات الانتهازيين تكرار قولهم: أيّها السيّد أرجعوا إلى الناس ثقتهم التي فُقدت! فأيّة ثقة قد فُقدت؟! إنّ الناس يثقون بالنظام ويحبّونه ويدافعون عنه، وكلّ هذه كانت نماذج على ما ذكرنا.

 

3. التطوّر في ظلّ ظروف الحظر

الثالثة: التطوّر في ظلّ ظروف الحظر. إنّ من نقاط القوّة المهمّة للدولة هو هذا الأمر. لقد تمكّن البلد من التطوّر في أصعب الظروف الناشئة من الحظر. وفي أي مجالٍ حصل ذلك؟ أحدها في مجال العلم والتكنولوجيا وهو ما أشار إليه السيد رئيس الجمهورية في تقريره. نحن قد تطوّرنا في المجال النووي وفي مجال البيوتكنولوجي (تقنية الأحياء) وفي تكنولوجيا النانو، وفي الطاقة الجديدة، وفي صناعات الفضاء، وفي التكنولوجيا العليا، وفي قضية الخلايا الجذعية الفائقة الأهمية، وكذلك في قضية الاستنساخ، وكذلك في الأدوية المشعّة، وفي الأدوية المتعلّقة بالنانو تكنولوجي المضادة للسرطان، فكلّ هذه تُعدّ من العلوم التي تحتل المرتبة الأولى في العالم. هذه عدّة موارد ذكرتها وبعضها الآخر وهو من العلوم العليا التي منها ما هو مقصور على خمس أو عشر دول في العالم حقّقنا فيه تطوّراً ملحوظاً في الوقت الذي كانت أبواب نقل هذه العلوم مغلقة بوجهنا من قبل العالم كله.

 

كنت أقرأ مقالة منقولة عن أحدى الجرائد الأمريكية نُشرت قبل عدّة أيام. تقول المقالة إنّ إيران كانت أمراً استثنائياً في القضية النووية. فالصين قد وصلت إلى هذه القدرة وعرفنا من أين حصلت على ذلك، وهكذا بالنسبة لباكستان والهند، ولكن

 

376


308

خطاب الولي 2011

عظمة يظهرون. فهذا دليلٌ على انتماء الناس إلى النظام وحبّهم له. ولن يكون أفضل وأوضح من مثل هذا دليلاً على ثقة الناس بالنظام. فمثل هذا الحضور له معانٍ جليلة. وبالإضافة إلى هذا، الوقائع الخاصّة، كالتاسع من شهر دي قبل سنتين حيث إنّ الناس بمجرد أن شعروا بتحركٍ تجاه النظام والثورة لا إلى شخصٍ خاصّ أو حكومة معيّنة قاموا بتلك الحركة العظيمة من تلقاء أنفسهم، ولم يكن الأمر مقتصراً على الشباب المتحمّس، بل نزل الجميع إلى الميادين. لقد كانت حادثة التاسع من دي حادثة مدهشة، وكلّ ذلك بسبب حب الناس للنظام. كلّ هذه مؤشرات على هذه الثقة. وللأسف نسمع في تصريحات الانتهازيين تكرار قولهم: أيّها السيّد أرجعوا إلى الناس ثقتهم التي فُقدت! فأيّة ثقة قد فُقدت؟! إنّ الناس يثقون بالنظام ويحبّونه ويدافعون عنه، وكلّ هذه كانت نماذج على ما ذكرنا.

 

3. التطوّر في ظلّ ظروف الحظر

الثالثة: التطوّر في ظلّ ظروف الحظر. إنّ من نقاط القوّة المهمّة للدولة هو هذا الأمر. لقد تمكّن البلد من التطوّر في أصعب الظروف الناشئة من الحظر. وفي أي مجالٍ حصل ذلك؟ أحدها في مجال العلم والتكنولوجيا وهو ما أشار إليه السيد رئيس الجمهورية في تقريره. نحن قد تطوّرنا في المجال النووي وفي مجال البيوتكنولوجي (تقنية الأحياء) وفي تكنولوجيا النانو، وفي الطاقة الجديدة، وفي صناعات الفضاء، وفي التكنولوجيا العليا، وفي قضية الخلايا الجذعية الفائقة الأهمية، وكذلك في قضية الاستنساخ، وكذلك في الأدوية المشعّة، وفي الأدوية المتعلّقة بالنانو تكنولوجي المضادة للسرطان، فكلّ هذه تُعدّ من العلوم التي تحتل المرتبة الأولى في العالم. هذه عدّة موارد ذكرتها وبعضها الآخر وهو من العلوم العليا التي منها ما هو مقصور على خمس أو عشر دول في العالم حقّقنا فيه تطوّراً ملحوظاً في الوقت الذي كانت أبواب نقل هذه العلوم مغلقة بوجهنا من قبل العالم كله.

 

كنت أقرأ مقالة منقولة عن أحدى الجرائد الأمريكية نُشرت قبل عدّة أيام. تقول المقالة إنّ إيران كانت أمراً استثنائياً في القضية النووية. فالصين قد وصلت إلى هذه القدرة وعرفنا من أين حصلت على ذلك، وهكذا بالنسبة لباكستان والهند، ولكن

 

376


308

خطاب الولي 2011

السؤال هو حول إيران من أين حصلت على ذلك؟ تقول تلك المقالة إنّ الأمر لم يكن من أحد. وهذا قد حصل في ظروفٍ محاطة بالحظر ومنع وصول الإمكانات النووية المتطوّرة إلى إيران، بل مع وجود مواجهة وحربٍ مستمرّة كما حدث عند إرسال ذلك الفيروس الخاص بالبرامج إلى داخل أجهزتنا. لقد وقف علماؤنا وشبابنا بالمرصاد وتقدّموا وأحبطوا خطّة العدوّ. وتشير هذه المقالة أيضاً إلى اغتيال علمائنا النوويين. هذه أشياء يُصرّح بها أعداؤنا. هذه المقالة قد نُشرت في جريدة واشنطن بوست، حسناً، هذا هو التطوّر في العلم والتكنولوجيا.

 

التطوّر في إنجاز البُنى التحتية في البلاد، وقد سمعتم هذه الأرقام والإحصاءات على صعيد الطرق والسدود والمصانع والمنتجات الصناعية المهمّة والفولاذ والإسمنت والإهراءات وأمثالها، فتلك البُنى التحتية الكثيرة في البلاد والقدرات الفنية والهندسية في الصناعات المختلفة كلّها تُعدّ تطوّراً.

 

التطوّر على صعيد الثقة بالذات الوطنية. وفي هذه الأيام بالخصوص نجد أنّ ثقة شبابنا بأنفسهم قد تضاعفت عمّا كانت عليه قبل عشر سنوات أو عشرين سنة. ما ذُكر هنا صحيحٌ، وأنا العبد مطّلع على ذلك، ففي المجالات العلمية إنّ كلّ عملٍ وُجدت بنيته التحتية في البلد شبابنا مستعدّون للقيام به. فلا يوجد أيّ شيءٍ نطلبه من شبابنا العلماء ليعملوا عليه ولا يقدرون عليه خلال مدّة وجيزة. وهو مشروطٌ بأن تكون بنيته التحتية مؤمّنة. نحن بحمد الله نعيش في مثل هذه الوضع. والأعمال العمرانية الواسعة تجري على قدمٍ وساق في البلد.. وهذا تطوّر واقعي. ففي هذه المجالات نجد التطوّر كبيراً جداً.

 

4. العزّة والشأنية الدولية

النقطة الرابعة من النقاط الإيجابية: هو الشأنية الدولية. فأنا (العبد) لا أوافق على الرأي الذي يقول إنّنا اليوم في وضعٍ سلبي على المستوى الدولي، لا أوافق بتاتاً. فأحياناً نسمع هذا في بعض التصريحات والأقوال. كلا، إنّ وضعنا اليوم على الصعيد الدولي جيدٌ جداً. فالجمهورية الإسلامية اليوم تُعدّ على المستوى السياسي الدولي دولة محترمة مؤثِّرة معتَبَرة ونافذة عالمياً. وهذه العزّة الدولية الناشئة من

 

377


309

خطاب الولي 2011

كلّ التحرّكات ضد أمريكا. الأمر الذي سيتحقّق في المستقبل غير البعيد.

 

5. ثبات واستقرار البلد

النقطة الجلية الأخرى هي قضية ثبات البلد بالرغم من كل هذه المؤامرات والدسائس. بالطبع، إنّ الثبات لا يعني الركود. فنحن ليس لدينا في هذا البلد ركود. إنّنا نتحرّك ونتقدّم ونعيش الفورات، لكنّ النظام نظامٌ ثابت ومستقرّ ومستحكم. فهذه هي نقاطنا الإيجابية. وبالطبع، هناك نقاط إيجابية كثيرة غيرها: إلهام الآخرين، القدوة للآخرين، إضعاف أعدائنا في الساحة الدولية، إياس العدوّ من استفزاز الثورة. ومع أنّ أساليب أعدائنا أضحت أكثر تشعّباً وتعقيداً وازدادت إمكاناتهم -هذه الإمكانات كالانترنت والتشكيلات الكثيرة الغريبة الموجودة في العالم، وتلك الشبكة المتحكّمة به- مع ذلك فقد يئسوا من استفزاز الجمهورية الإسلامية.

 

6. التجربة المتراكمة في التشريع والتقنين والتنفيذ

إنّ التجربة المتراكمة في التشريع والتقنين وفي التنفيذ هي أيضاً من النقاط الساطعة للبلد. عدد سكّان بلدنا 75 مليوناً. وأنا العبد أقول هنا إنّني أعتقد أنّ بلدنا مع الإمكانات المتوافرة لدينا يمكنه أن يستوعب 150 مليون نسمة. إنّني أؤمن بكثرة السكّان. وكلّ تحرّكٍ أو تدبيرٍ من أجل إيقاف زيادة السكان فليكن بعد بلوغ 150 مليون نسمة!

 

النقاط السلبية لنظام الجمهورية الإسلامية

حسناً، هذه نقاطٌ إيجابية ولامعة قد تحقّقت بحمد الله. وبالطبع، إنّ ما لدينا من نقاط إيجابية هو أكثر. ولكن لدينا نقاط ضعف. وإذا لم نرَ النقاط السلبية ولم نتعرّف إلى ضعفنا فإنّنا حتماً سنتلقّى ضربات. نقاط ضعفنا في المجالات الاقتصادية وفي المجالات الثقافية أيضاً. كانت لدينا أخطاء ونقاط ضعف، ولم نتمكّن من التغلّب على بعض التحدّيات... فهذه واقعية، حتى في تلك التهديدات التي تلقّيناها بشكلٍ مباشر من العدوّ، أينما تلقّينا ضربة فذلك بسبب تقصيرنا نحن. يذكر القرآن الكريم حول معركة أُحد: ﴿أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٌ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَيۡهَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَٰذَاۖ قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ

 

 

379

 


310

خطاب الولي 2011

أَنفُسِكُمۡۗ﴾[1] في قضية أُحد تلك الحادثة المرّة التي وقعت... في البداية كان المسلمون منتصرين ثمّ بعدها نسيت مجموعة من المقاتلين الأوامر التي صدرت إليها، وتركوا ذلك المضيق واتّجهوا نحو جمع الغنائم فتمكّن العدوّ من تفريق القوّات الإسلامية ليتمكّن منهم ويقتل عدداً ويلحق بهم الهزيمة، حتى اضطرّ المسلمون بسبب خوفهم إلى الاحتماء بالجبل. وقد صارت حياة النبيّ الأكرم في خطر وأُصيب بجراحات. وبعد ذلك قال المسلمون لماذا حدث هذا فإنّ الله قد وعدنا بالنصر؟ والله تعالى يقول إنّنا نصرناكم وقد تحقّق وعد الله لكنّكم أنتم الذين خرّبتم عملكم. فأولاً، لو أنّ العدوّ قد وجّه إليكم ضربة فأنتم قد أنزلتم به ضربة في المقابل، ﴿قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَيۡهَا﴾ فلا تعجبوا، ففي ميدان الحرب هناك كرٌّ وفرّ. في ميدان الحرب الكبرى، في الميدان السياسي والاقتصاد العالمي يضرب الإنسان ويتلقّى الضربات، فلا ينبغي أن يتوقّع خلاف ذلك. لكنّكم قلتم ﴿أَنَّىٰ هَٰذَاۖ﴾ يعني تقولون من أين تلقّينا هذه الضربة. ويقول القرآن: ﴿قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ أَنفُسِكُمۡۗ﴾، فأنتم ارتكبتم الخطأ، ﴿إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، وفي بعض الأماكن لم نعمل بتكليفنا، وفي بعض الأماكن لم نكن مراقبين حيث يجب، وفي بعض الأماكن قمنا بالدوس على روابطنا الوطيدة وقد انجرّ ذلك كلّه إلى وقوع مشاكل، يجب أن نأخذ ذلك بعين الاعتبار. لقد تلهّينا بالأشياء التي كان ينبغي أن نحذر منها وانشغلنا بالنزاعات السياسية والشجار، انشغلنا بطلب الرفاهية وانشغلنا بحياة الطبقات المرفهة، هذه نقاط ضعفٍ. فعندما أقوم أنا وأنتم بجعل حياتنا حياة الرفاهية والتفاخر فإنّ الناس يقتدون بنا. هناك مجموعة تنتظر المبرّر وهم ينظرون إلينا ويقولون أيّها السيّد انظر كيف يعيش هؤلاء ونحن نريد أن نعيش مثلهم، فهؤلاء أيديهم طائلة... وهناك أشخاص يعتقدون أنّ علينا أن نعيش حياة الاقتصاد ولا ينبغي أن نُسرف أو نُفرّط، هؤلاء عندما ينظرون ويرون أنّني أنا وأنتم نُسرف يقولون حسناً نحن لسنا أفضل من هؤلاء فهؤلاء رؤساؤنا. مثل هذه الأمور خطرة. فقد كان نهج الثورة والثوريين يتبع التعاليم الإسلامية وهو عبارة عن الإعراض عن الحياة المرفّهة.

 

 


[1] سورة آل عمران، الآية 165.

 

380

 


311

خطاب الولي 2011

فأنتم اسعوا قدر استطاعتكم أن تحقّقوا للناس الرفاهية وأن تزيدوا من الناتج القومي مهما أمكنكم. حقّقوا للبلد الثروات ولكن ليس على مستوى أنفسكم، فالمسؤولون ما داموا مسؤولين لا ينبغي أن يتوجّهوا للحياة المرفّهة. إنّ الغفلة عن الروحية الجهادية والإيثار والغفلة عن الهجوم الثقافي للعدوّ، والغفلة عن وجود كمائن العدوّ ونفوذه في الجوّ الإعلامي للبلد واللامبالاة تجاه حفظ بيت المال، كلّ هذه معاصٍ، وهي نقاط ضعفنا.

 

إنّ الميل إلى السلوكيات القَبَلية في ميدان السياسة والاقتصاد هو من نقاط ضعفنا الأخرى. فالسلوك القَبَلي يعني أنّ تخطئة أو تأييد أي شخص لا ينبع من عمله بل ينبع من جهة علاقته بي وبك. فلو أخطأ شخصٌ من قبيلتنا نغضّ النظر عنه بسهولة، لكنّه إذا كان من قبيلة أخرى فإنّنا نلاحقه ونتتبعه. وإذا صدر العمل الجيّد عن شخصٍ ينتمي إلى قبيلتنا فإنّنا نُثني عليه ولو كان من قبيلة أخرى فلا نفعل ذلك. هذا هو السلوك القبلي وهو ليس سلوكاً إسلامياً ولا ثورياً، ونحن للأسف لدينا مثل هذا السلوك، لا أقول إنّه شاملٌ وعام لكنّه موجود.

 

وفي المجال الاقتصادي تحقّق الكثير، وهو مهمٌّ أيضاً. لكنّ قضية العمالة لم تُحلّ. وقضية التضخّم لم تُحلّ، وقضية ثقافة العمل لم تُحلّ، وقضية ساعات الإنتاجية في العمل لم تُحلّ. يجب أن تصبح ثقافة العمل في البلد بحيث يعتبر الناس العمل عبادة، وكلٌّ يريد بشوق أن يزيد من ساعات العمل من حيث المدّة والمقدار. يجب العمل على ذلك. فبالبطالة والخمول والكسل لن تُطوَّر البلاد.

 

على مستوى الثقافة لدينا مشاكل بما يتعلّق بالأخلاق العامّة وعدم رواج الفضائل الأخلاقية، فينبغي أن تتكامل الفضائل الأخلاقية بيننا يوماً بعد يوم، فصَبرُنا وشُكرُنا وذِكرُنا وإحساننا ومروءتنا ونخوتنا تجاه الآخرين واجتنابنا للأذى والميل لخدمة الآخرين يجب أن تنمو يوماً بعد يوم في المجتمع. فمثل هذه الأمور لا تتحقّق بنفسها وإنّما تتطلّب عملاً وسعياً وجِدّاً. ونحن في هذه المجالات قصّرنا. فرواج ثقافة الإسراف والكماليات في مجتمعنا وعدم توقّف سلوكيات العنف في بعض البيئات الشبابية في البلد مُضرَّة، نحن نبثّ أفلاماً، نفس الذين قاموا بإنتاجها يُحذّرون منها ويُريدون

 

 

381


312

خطاب الولي 2011

أن يوقفوا خطر هذه الأفلام وتأثيرها في إيجاد العنف في المجتمع. ولكن نحن الآن نقوم ببثّها، فهذه أمورٌ مُضرَّة. أبناؤنا في البداية يتعرّفون إلى الخنجر والسكّين والسلاح بالطبع البلاستيكي منها ثمّ بعد ذلك يألفونها ويتعلّمون منها، حسناً هذه مخاطر ومشكلات ولها تبعات ونحن نرى آثارها في المجتمع، كلّ ذلك من نقاط ضعفنا. قبل عدّة سنوات شاهدت في إحدى المجلاّت الأمريكية أنّ بعض المُصلحين عندهم كانوا قد اقترحوا أن يتمّ التقليل من هذه الأفلام الرائجة التي بأغلبها هوليوودي وتكثر فيها مشاهد الشهوة والعنف، وأن يُروّجوا للأفلام العائلية والأفلام الأخلاقية. هؤلاء يفكّرون بذلك ونحن هنا قد تعلّمنا منهم الآن!

 

إنّ عدم المواجهة الصحيحة والمنطقية لمشكلة تضييع جيل الشباب هو من مشاكلنا الأخرى. إحدى خُططهم هي تحلّل جيل الشباب. فنحن في هذا المجال وإلى الآن لم تكن لدينا مواجهة صحيحة ولم نُوفَّق. كذلك بما يتعلّق بالمواد المخدِّرة الصناعية والمهيِّجة للغريزة الجنسية وأمثالها، وكذا بالنسبة للعرض الصحيح للمباني الاعتقادية، سواءٌ تلك المتعلّقة بالإسلام أم تلك المتعلّقة بالثورة ونظام الجمهورية الإسلامية. قلنا إنّ نقاط القوّة تزيد من آمالنا وتدلّنا على إمكاناتنا ونقاط الضعف تدلّنا على الأولويات وما الذي ينبغي فعله.

 

قضايا المنطقة

إنّ ما يتعلّق بقضايا المنطقة -لقد انقضى الوقت. وأظنّه الآن وقت الأذان- ولكن يجب أن أقول بكلمة واحدة إنّ أوضاع المنطقة تجري بشكل معاكس لسياسات القوى الغربية وأمريكا والصهيونية الدولية. فهم لديهم برامج لإيران، والله تعالى قدّر وحقّق الأمر المقابل لما أرادوه تماماً. لقد فرضوا الحظر على إيران، لكنّ الأزمة الاقتصادية التفّت حول أعناقهم، لقد قوّوا فتنة عام 88 (أي قبل سنتين) من أجل إسقاط الجمهورية الإسلامية أو إنّهم دعموا أو لا أقلّ دافعوا وقوّوا، لكنّ الأنظمة التابعة لهم، ها هي قد بدأت تسقط الواحد تلو الآخر أو أصبحت متزلزلة. لقد هاجموا العراق وأفغانستان من أجل أن يُحاصروا إيران، كبراؤهم قالوا إنّ ذلك من أجل محاصرة إيران، لكنّهم في

 

 

382


313

خطاب الولي 2011

الواقع حاصروا أنفسهم وقد علقت أرجلهم في مستنقع الوحل وسقطوا في الفخ. فكلّ ما دبّروه لنا وفعلوه فإنّ الله تعالى قدّر عكسه ولم يتحقّق.

 

وإنّ ما يتعلّق بالمنطقة هناك أحداث كما قلتُ استثنائية. ففي الواقع إنّ أبعاد ما حدث في مصر وفي تونس وفي اليمن، وفي بعض المناطق الأخرى ممّا لا يمكن التعامل معه ضمن حسابات اليوم، فأبعاد ذلك عظيمة جداً. فجلبُ اللامبارك المصري إلى قفص الاتّهام في المحكمة هو في الأساس حادثة مليئة بالمعنى ومدهشة. وليست القضية قضية أنّ هناك نظاماً زال أو قوّة ما ذهبت وجاءت أخرى مكانها. فالأمر أعمق من ذلك بكثير. اليوم إنّ الكيان الغاصب للقدس في حصارٍ بين دولٍ تمتلك الدافع لمواجهته. الأحداث أحداثٌ مدهشة. وبالطبع، إنّهم يسعون دوماً من أجل ركوب أمواج الأزمات في هذه المنطقة والسيطرة على الصحوة بنحوٍ ما، لكنّهم لم يتمكّنوا، وإن شاء الله ببركة وعي الشعوب لن يتمكّنوا. كهذه الشعارات الإسلامية التي أُطلقت في مصر اليوم، فإنّها مرّة أخرى ستسلب النوم من عيونهم.

 

بالطبع، إنّني قلقٌ بشأن ما يجري في ليبيا، حيث يمارس الغرب سياسات خبيثة جداً ومؤذية. فهم يستغلّون ثورة الشعب. وأكثر ما يهمّهم هو البقاء في ليبيا وإيجاد موطئ قدم لهم. فأولاً قضية النفط الليبي مهمّة جداً بالنسبة لهم، وثانياً، هذه المساحة الواسعة في هذا البلد التي تمكّنهم من إيجاد قواعد في أماكن مختلفة، وثالثاً، الإشراف على دولة مصر وتونس اللتين هما دولتان ثوريّتان، ففي شرق ليبيا تقع مصر وفي غربها تونس، هذا بالإضافة إلى أنّه يمكنهم أن يتسلّطوا على السودان والجزائر وجميع دول هذه المنطقة وهم يريدون أن يوجدوا لأنفسهم موطئ قدمٍ ثابتاً هناك. يريدون تدمير البُنى التحتية لهذه الدولة حتى إذا لم يجدوا لأنفسهم موطىء قدم بطرق أخرى، يمكنهم ساعتئذٍ أن يرجعوا إلى ليبيا عبر هذا الطريق (تدمير البنى التحتية)، فها هم الآن يُدمّرون البُنى التحتية تحت عنوان دعم الشعب، يُدمّرون الطرقات والمصافي وما بقي من مصانع حتى إذا كان لا بدّ من إعادة بنائها ذات يوم ولا يكون الشعب الليبي قادراً على القيام بذلك بنفسه، فيعودون تحت هذه الحجّة. إنّني قلقٌ مما يجري في ليبيا.

 

383


314

خطاب الولي 2011

اللهمّ نجِّ شعب ليبيا وشعب اليمن وشعب البحرين، واجعل شعوب هذه المنطقة والمسلمين فيها أكثر يقظة وثباتاً يوماً بعد يوم.

 

اللهمّ اشملنا برضاك وارضَ عمّا قلناه وفعلناه وسمعناه وتقبّله منّا.

 

اللهمّ أرضِ عنّا القلب المقدّس لوليّ العصر. واجعل حياتنا ومماتنا من أجل الإسلام وفي سبيله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

384


315

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء مجموعة من الجامعيين

 

 

 

         

         

المناسبة:   لقاء سنوي في شهر رمضان المبارك

الحضور:  حشد من طلبة الجامعات

المكان:   طهران

 

الزمان:    ١٩/٠٥/1390هـ.ش.

٠٩/٠٩/1432هـ.ق.

10/08/2011م.

 

 

385


316

خطاب الولي 2011

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إنّني أشكر من أعماق قلبي الربّ المتعال لأنّنا وُفّقنا مرّة أخرى وفي شهر رمضان أن نجلس في جمعكم ونستمع لساعات إليكم أيّها الشباب الأعزّاء، أصحاب الروحية والاندفاع والنشاط الكبير. ما بيّنه الإخوة والأخوات وأبنائي الأعزّاء هنا هو ما كنّا نتوقّع سماعه منكم أيّها الشباب. من الممكن أن يكون هناك اختلافٌ حول بعض ما ذكر بين رأيي أنا الحقير وبين القائل المحترم فقد لا أقبل ما قيل لكنّ روحية التفكير والاختيار مع دافعية التبيين هو ما نتوخّاه في الشباب. أريدكم أن تفكّروا وأن تريدوا على أساس الفكر، وأن تمتلكوا الجرأة وشجاعة البيان انطلاقاً من هذه الإرادة. من الممكن أن لا يتحقّق ما تقولونه وتريدونه وتعرضونه في مدّة قصيرة، ومن الممكن بعد مدّة أخرى من الزمن ونتيجة تجدّد التجارب أن تغيّروا آراءكم، فكلّ هذا ممكنٌ ولا إشكال في ذلك، لكنّ هذه الروحية نفسها والمتابعة والنشاط هي أمور نحتاجها اليوم في شبابنا.

 

مناقشة آراء الشباب

وأنا هنا قد أعددت بحثاً سوف أعرضه وهو بالطبع بداية بحث سأتعرّض له إن شاء الله لكن قبل ذلك لديّ كلامٌ حول ما بيّنه الأصدقاء.

 

أولاً، لقد كان حديث أصدقائنا ممتازاً لا سيّما بعض هذه الكلمات التي كانت من ناحية الاستدلال والمنطق مضبوطة جداً وشفافة. وأنا بدوري دوّنت رؤوس مطالب السادة والسيّدات.

 

أبدى أحد الأصدقاء أنّه لا بدّ أن أحدّد رأيي بشأن الانتخابات. وبنظري أنّ الوقت لم يحن بعد. لديّ كلام بشأن الانتخابات سأقوله في المستقبل إن شاء الله.

 

387


317

خطاب الولي 2011

وصديقٌ آخر أطلعنا أنّ هناك جهازاً[1] جامعياً قد استُحدث من أجل التحقيق والبحث في الاقتصاد المقاوم. إنّه عملٌ ملفتٌ جداً. فالبلد يحتاج إلى مثل هذه الأعمال النوعية. عليكم أن تفكّروا وتطالعوا وتحقّقوا. فإذا لم تكن هذه التحقيقات والأبحاث مفيدة لذاك الجهاز المسؤول أو أنّها لم تنسجم مع أعماله أو لم يرضَ بها فهي قطعاً ستكون مفيدة لعملكم وسوف تنفعكم. إنّ هذا عملٌ مميّزٌ جداً.

 

وآخر أطلعنا أنّه تمّ تأسيس مركز أبحاث في جامعة "شريف"، وأن العمل جارٍ في هذه المجالات أيضاً. إنّ هذه أعمالٌ مهمة جداً. إنّ هذا الدافع الشبابي الجامعي المفعم بالفكر مهمٌّ جداً لمستقبل البلد.

 

 بالطبع، إنّ بعض طرق الحل التي ذُكرت صحيحة تماماً. وأنا أقول لكم هذا: إنّ جزءاً ممّا عُرض واقتُرح في نفس المجال المتعلّق بالاقتصاد، نحن على اطّلاع على أنّه مورد نظر المسؤولين وهم يعملون عليه، ويتّخذون القرارات والإجراءات بشأنه، لكنّ جميع هذه الإجراءات إمّا أنّها لا تصل إلينا وإمّا أنّه لا يُعلن عنها. وعلى كل حال، لا ينبغي الاعتقاد بأنّ القضايا الاقتصادية ليست مورد نظر المسؤولين.

 

لقد تمّ توجيه انتقادات لبعض الأجهزة. ولا شك أنّ بعضها واردٌ، وأنا لديّ نفس هذا الاعتقاد، لكن على المستوى النظري هناك الكثير من الأعمال التي تخطر على بال الإنسان إلا أنه في مقام العمل لا يكون الأمر بهذه البساطة. فعندما تنزلون إلى ميدان العمل تبرز أمامكم موانع عديدة تقف في وجه الأماني والإرادات ومقابل ما يشخّصه المرء. حسناً، يجب إزالة الموانع، لكنّ تجاوز جميع الموانع ليس بالأمر السهل، فأحياناً يكون الأمر مما يحتاج إلى وقت ويجب الالتفات إلى هذه المسألة.

 

بشأن قضايا المنطقة، أشار أحد الأصدقاء، على سبيل المثال، إلى أنّه لم يتمّ العمل بالشكل المطلوب ولم يحصل التحرّك اللازم. وأنا في الجملة أقول لكم إنّ الأمر ليس كذلك. ففي قضايا المنطقة كان للأجهزة المعنية في البلد تحرّكٌ ممتاز ولا زال. إنّ المنطقة الآن هي ميدانٌ واسعٌ لعرض القوّة، والأجهزة المعنية بهذه القضية تعمل بدقّة

 

 


[1] هيئة عليا، او لجنة للإشراف والمتابعة.

 

 

388


318

خطاب الولي 2011

وسط الميدان. حسناً، لا يمكن الإعلان عنه إمّا أنّه غير ممكن وإما أنّه ليس ضرورياً وإما أنّ هناك إشكالاً في ذلك ولكن على أيّ حال، هناك الكثير من العمل الذي يجري، التفتوا إلى هذه المسألة. في هذا المجال، كانت الأجواء الداخلية في البلد جيّدة. فحضور الجامعيين في القطاعات المختلفة والتصريحات المتعلّقة بقضايا المنطقة نفسها كلّ ذلك يساعد. وهذا العمل مستمر، وإن شاء الله سوف يتّخذ يوماً بعد يوم أبعاداً أشمل وأفضل. هدفي أن لا يُتصوّر عدم وجود عمل، كلا، إنّ العمل جارٍ وهناك إنجازات جيدة تتحقّق.

 

وقفة مع العلوم الإنسانية

هناك مسألة بيّنتها هذه السيّدة المحترمة بما يتعلّق بالعلوم الإنسانية وهي صحيحة تماماً. أولاً، هذا المطلب الذي ذُكر كان مدروساً بدقّة. ما يُقال من أنّ تطور الفكر يقف خلف تقدّم العلوم، وما يُقال من أنّ مبدأ التغيّر والتحول في الشعوب قبل العلم والتجربة هو الفكر، هو كلامٌ صحيحٌ تماماً ومُثبت. ولهذا أنا أظهر حساسية تجاه قضايا العلوم الإنسانية. نحن لم نقل إنّه لا ينبغي أن نستفيد بأيّ شكلٍ من الأشكال من معارف الغربيين التي كان فيها الكثير من الطفرات وعبر قرون عدة في مجالات العلوم الإنسانية المختلفة أو أن لا نقرأ كتبهم، لكن ما نقوله هو أن لا تقلّدوا. وهذه السيّدة في كلمتها أشارت إلى هذه المسألة وهي مسألة صحيحة.

 

إنّ مباني العلوم الإنسانية في الغرب تنبع من الفكر المادّي. وكلّ من اطّلع على تاريخ النهضة ولديه معرفة بذلك وتعرّف إلى شخصيّات هذا العصر، فإنّه سيصل إلى هذه النتيجة قطعاً. حسناً، لقد كانت النهضة مبدأ التغيّرات المختلفة في الغرب، لكنّ المباني الفكرية الموجودة عندنا تختلف عن مبانيهم. ولا يوجد أي إشكال في أن نستفيد نحن من علم النفس، وعلم الاجتماع، والفلسفة، وعلوم الاتصالات، وجميع الفروع العلمية الإنسانية التي ابتُكرت في الغرب أو توسّعت هناك. لقد قلت مراراً إّننا لا نشعر بالمذلّة من التعلّم بأي شكلٍ من الأشكال. علينا أن نتعلّم، نتعلّم من الشرق

 

 

389


319

خطاب الولي 2011

 ومن الغرب، "اطلبوا العلم ولو بالصين"[1]، فهذا أمرٌ واضحٌ. إنّنا نشعر بالمذلّة عندما لا يكون هذا التعلّم مؤدياً إلى المعرفة والوعي والقدرة على التفكّر عندنا. فلا ينبغي أن نبقى دائماً تلامذة، نكون تلامذة حتى نصبح أساتذة. والغربيون لا يريدون هذا الأمر. لقد كانت السياسة الاستعمارية للغرب مبنيّة ومنذ البداية على هذا، حيث أرادوا أن يكون هناك في العالم تمييز وهويتان، ومستويان في القضايا العلمية.

 

فالتاريخ، أحد العلوم الإنسانية: التاريخ الذي أوصي مرة أخرى بقراءته، طالعوا التاريخ في عصر الاستعمار لتروا أيّة انتهاكات ارتكبها الغربيون في هذا المجال، بالرغم من ظاهرهم الأنيق المعطّر والمنظّم والمرتّب وادّعاءاتهم حول حقوق الإنسان. لم يكتفوا بقتل البشر، بل سعوا كثيراً لإبعاد الشعوب المستعمَرة عن مجال التقدّم وسلبها إمكانية التطوّر في جميع المجالات. وما نريده نحن هو أن لا يحصل هذا الأمر. نحن نقول ادرسوا العلوم الإنسانية لكي تتمكّنوا من إنتاجها بشكلها المحلّي، وبعدها صدّروها إلى العالم. أجل، عندما يحدث هذا، فإنّ كلّ من يتخرّج من محيطنا سيكون مورد أملنا واعتمادنا. لهذا نحن نقول أن لا نكون مقلّدين في هذه العلوم. هذا هو كلامنا في مجال العلوم الإنسانية.

 

فضح المتهمين والتشهير بهم

أشار أحد الأصدقاء إلى "أنّ أمير المؤمنين قال لمالك الأشتر في عهده إليه أن يفضح الانتهازيين وأنتم تقولون لا تفعلوا ذلك". إنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يطلب من مالك أن يفعل ذلك في الموارد التي لم تثبت. فمثل هذا لم يجرِ على لسان أمير المؤمنين أبداً وهو بالتأكيد ليس من الدين. فكيف نفشي ما لم يثبت ولمجرّد التّهمة؟ من الممكن أن يكون حجم الاتّهام كبيراً وواسعاً إلى الدرجة التي ينظر بعض الناس إليه كأمرٍ قطعيٍّ وواقعيّ في حين أنه يكون فاقداً لأيّة خلفيّة استدلالية ولم يتم إثباته أبداً. فنحن هنا لا نملك الحجّة لنذيعه. حتى أنّني في تلك الجلسة التي أُشير إليها، ذكرت ما هو أبعد من ذلك. لقد قلت إنّ الأصل في الجرم الذي قد ثبت هو أن لا تزر وازرة وزر أخرى. غاية الأمر

 


[1]  الطبرسيّ، الشيخ عليّ بن الحسن‏، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، تحقيق مهدي هوشمند، دار الحديث، لا.م، 1418، ط1، ص239.

 

390


320

خطاب الولي 2011

أنّ هناك مجرماً قد ارتكب ذنباً وسوف يعاقب ويجازى، لكنّ أسرته وأبناءه وأباه وأمه لم يرتكبوا خطأً، فلماذا نشهّر بهم من دون سبب؟ إلّا في موردٍ يكون في نفس الإفشاء مصلحة كبيرة. أجل، في بعض الموارد، يكون هناك مصلحة في نفس عملية الإفشاء في قضيّة ثبتت. عندها لا إشكال في ذلك. هذا هو منطقنا. ولا يوجد أي شيء وردنا عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام أو عن أيٍّ من أئمة الهدى عليهم السلام خلاف ذلك. فنحن لا يحقّ لنا أن نشهّر بأيّ إنسانٍ لمجرّد الظّن، أو أن نتّهمه، لا في مواقع الإنترنت ولا في الجرائد ولا على المنابر المختلفة... ففي الواقع هذا أمرٌ غير جائز. يجب صيانة حيثية الأفراد.

 

وفي مورد تنفيذ سياسات البند 44، سُئلت حول رأيي وهل أنّه تمّ تنفيذها أم لا، حسناً، لو أردنا الحديث مفصّلاً، فهذا غير ممكن. فلكلٍّ من فصوله وأقسامه تفصيل، ولكنّنا إذا أردنا أن نتحدّث بالإجمال نقول إنّ هناك إنجازات جيّدة قد تحقّقت. ولا يعني ذلك أنّ الأمر قد تحقّق بمعناه الكامل التام المرضي، كلا، فهناك نقائص، ولكن هناك حراكٌ يجري في نفس الوقت. حسناً، إنّ مسؤولي الحكومة الرسميين يقدّمون التقارير ويجب النظر إليها بحسن الظن، فلا ينبغي البناء في هذا الأمر على أنّ ما يقوله المسؤولون هو كذبٌ ومبالغة وخلافٌ للواقع، كلا، إنّهم يقدّمون التقارير. وينبغي الانطلاق من هذا الأصل وهو أنّ التقارير تقارير واقعية، وإن وُجد أحياناً، مقدارٌ من المبالغة وغضّ نظر عن بعض الجوانب السلبية، لكنّ التقارير في الغالب صحيحة. ولا شكّ بوجود نقائص وهذا ما يتمّ العمل عليه.

 

وبما يتعلّق بالتغيير على مستوى المجلس الأعلى للثورة الثقافية فقد قمنا بما ينبغي. وإنّ إجراءات الاستفادة من هذا المجلس هي إجراءاتٌ خاصّة. بداية، هناك بونٌ شاسع بين ما يتمنّاه الإنسان وبين ما هو واقع في ساحة العمل، لكن لا شك بأنّ هناك تدابير اتُّخذت وستكون بمشيئة الله سبباً لزيادة فوائد هذا المجلس.

 

شروط نزول الشباب إلى الميدان

لقد ذكر أحد الشباب الأعزّاء أنّ هذا الجيل الجديد إذا أراد أن يتحمّل المسؤولية يجب أن ينزل إلى الميدان بنفسه. وفي الواقع إنّني أصادق على هذا، فيجب على الشباب أن ينزلوا إلى الميدان، ولكن هذا الأمر ماذا يعني؟ يعني أن يكون لديهم

 

 

391


321

خطاب الولي 2011

الكفاءة، كفاءة التحصيل، والكفاءة العلمية والعملية، وأهلية الحضور في الميدان. قام بعض الأشخاص بأعمالٍ علمية وهم علماء، لكنّهم ليسوا من أهل الميادين العملياتية. أمّا إذا أراد أحدٌ أن يتحمّل مسؤوليات البلاد في الواقع وهو يعدّ ذلك مهمّاً، لا مجرد الخدمة حيث إنّ الخدمة في النهاية أعمّ من حمل المسؤولية وإن كانت الأخيرة هي نوعٌ من الخدمة، وهو نوعٌ أكثر تأثيراً وشمولية وأفضل، حسناً لهذا الأمر كفاءات وهي ضرورية، الكفاءة العلمية ضرورية وكذلك العملية والدافع للنزول إلى الميدان.

 

إنّ من يسير على الرصيف أو في ممرٍّ مزدحم سيصطدم بالآخرين ويحتك بهم، هذا أمرٌ طبيعي. ولو أراد الإنسان أن لا يصطدم بأحد، يجب أن يجلس في بيته. وهذا أمرٌ يمكن أن يحصل، ويمكن أن يعتزل وقد يكون عملاً جيّداً، لكن، عندما ينزل الإنسان إلى الساحة الاجتماعية سواءٌ كانت سياسية أم أية ساحة إدارية فهذا أمرٌ فيه احتكاك.

 

لاحظوا الآن أنّكم مجموعة من الشباب الأعزّاء الطاهرين الذين يتمتّعون بمعنويات وصفاء وتقفون هنا وتنتقدون من الأعلى إلى الأسفل، ولا أحد يقول لكم لماذا تفعلون ذلك؟ فأنا أستمع إليكم بل أمدحكم، لا باللسان وإنّما بالقلب.

 

حسناً، هؤلاء الذين تنتقدونهم، من هم بحسب تصوّركم؟ إنّهم عبارة عن شباب مميّزين عملوا وتعبوا وجاهدوا ووصلوا إلى إحدى المسؤوليات وهم يعملون فيها. من الممكن أن يكون في هذا العمل أخطاء وتكون انتقاداتكم في محلّها. فالإدارة هي هكذا. وعندما يأتي دوركم لتنزلوا إلى ميدان الإدارة ستسمعون الكلمات نفسها، وسيأتي شبابٌ، يقفون هنا، وينتقدونكم.

 

وأنتم الآن تشكون: لماذا يكون المدير طاعناً في السنّ والمستشار شاباً؟ تقولون يجب أن يكون المدير شاباً والمستشار عجوزاً. فيأتون إليّ ويشكون ويكتبون بما يتعلّق بنفس هؤلاء المستشارين الشباب وينتقدون: إنّ هذا المستشار الشاب قد فعل كذا وكذا في الوزارة الفلانية. في حين أنّ ذاك المستشار الشاب، هو شاب جامعي، فهو على سبيل المثال قد أنهى مرحلة الماجستير أو الدكتوراه أو أنّه خرّيجٌ جديد وهو لم يرتكب ذنباً، لكنّه يتعرّض للانتقاد. حسناً، إنّ مثل هذه الدوافع مطلوبة. فالإنسان عليه أن

 

392


322

خطاب الولي 2011

يهيّئ لنفسه مثل هذا الاستعداد وهذه الكفاءة وينزل إلى الميدان وهناك ستأتي إليه المسؤولية حتماً.

 

أحد إخواننا الأعزّاء كان قد تحدّث هنا بشكلٍ ممتاز وفي بداية كلامه قال: إنّنا نعمل بهذه الطريقة لكي يُعلم أنّه ما زال هناك أشخاص. لا تستعملوا عبارة "ما زال". إنّ هذه العبارة تعني أن لا يكون هناك توقع، كلا، لا يوجد مثل هذا التوقع. إنّ توقّعنا وأملنا بشأن قضية الثورة هو أبعد من هذه الكلمات. لا تقولوا ما زال هناك أشخاص. نعم، إنّ هوية مجتمعنا هي هوية الثورة. حسناً، إنّ البحث الذي سأتعرّض له يرتبط في قسمٍ منه بهذه القضية.

 

إنّ هذه الحركة الجامعية البنّاءة مميّزة جداً ومطلوبة للغاية، والعمل هنا جيّدٌ جداً.

 

حسناً، لقد أردت فقط أن أعرض لبعض الأمور. لقد دوّنت خلاصات ما ذكره الأصدقاء لكي أتذكرها. ولا شك أنّ لها تفاصيل وسوف تتمّ دراستها ومتابعتها. ولا ينبغي الظن أنّها ستُنسى. كلا، فهذه المسائل إمّا أنها سيتمّ الاعتناء بها بشكلٍ خاص ويُعمل عليها، وإمّا أنّها في الحدّ الأدنى ستساهم في إيجاد التجارب والمعارف والمعلومات المتراكمة، ممّا يعني أنّه لن يذهب أيٌّ من هذه المقولات والآراء سدى.

 

ثبات واستقرار واستمرارية الثورة

المطلب الذي أريد التعرّض له هو في الواقع بداية انطلاقة بحثٍ يجب عليكم أيّها الشباب متابعته في محافلكم إن شاء الله. في الأشهر السبعة الماضية أشرت في عدّة كلمات إلى ثبات النظام والثورة وقلت إنّ هذا الثبات والاستمرارية والاستقرار لنظام الجمهورية الإسلامية كان من أهمّ العوامل التي جعلت شعوب المنطقة والشعوب الإسلامية تعيش الأمل، ويمكن القول إنّه أدّى دوراً مؤثّراً في إيجاد هذه الحركة الإسلامية العظيمة في المنطقة، وتلك الحرية واليقظة.

 

وأريد اليوم أن أتعرّض باقتضاب لثبات الثورة واستمراريتها واستقرارها، بالمقدار الذي يمكن عرضه.

 

 

393


323

خطاب الولي 2011

تحدث التغيّرات الكبرى في المجتمع ومن نماذجها البارزة الثورات السياسية والاجتماعية. فمن هو الذي يوجد هذه التغيّرات؟ هناك جيلٌ يحقّق ذلك، وهو بالطبع نتاج ظروفٍ عاشها لم تتسنَّ للجيل الذي سبقه أو للأجيال التي ستليه، كما حدث في الثورة الإسلامية. وهنا ستتحقّق إحدى حالتين:

1. إمّا أنّ الأجيال اللاحقة ستتابع مسيرة ما حقّقه هذا الجيل من تغييرٍ وتكمّله وتستمر عليه. وفي هذه الحالة، سيكون هذا التيّار باقياً مستمرّاً وسيتحقّق: ﴿فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذۡهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمۡكُثُ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ﴾[1] فيستقرّ ويثبت.

 

2. وإمّا أنّ الأجيال اللاحقة -وعندما نقول الأجيال لا نعني بالضرورة المسألة العمرية، بل أولئك الذين يتسلمون من المجموعة الأولى والذين يمكن أن يكونوا من نفس مرحلتها العمرية وتحت تأثير العوامل المتعدّدة- لن تتابع الأمر وتُبتلى بالركود أو الانحراف والانزواء. ففي مثل هذه الحالة، سيتوقف هذا التغيير عن تقديم المنافع للناس وتقع الأضرار والخسائر فيه ولا يمكن جبران ذلك لاحقاً. فالقضية بكليتها هي هذه.

 

نماذج الثورات التي انحرفت عن مسارها

في التحوّلات التي حدثت طيلة القرنين الأخيرين، وهي مرحلة الثورات الكبرى -كلّما أمعنتُ النظر وأنتم طالعوا بأنفسكم لعلّكم تجدون موارد أخرى لم أجد مورداً واحداً يشبه الثورة الإسلامية، حيث إن التحوّل الذي تحقّق في المرحلة الأولى، استمر في المراحل والعهود أو العقود اللاحقة وبالصورة نفسها والأهداف نفسها والمسار الذي بدأ نحو تلك الآمال والتطلّعات والتوجّهات- فإمّا أنّ تلك التغيّرات لم تدم كما حصل في الثورة البلشفية، وإمّا أنّها امتدّت عبر الزمن، ولكن على فترات زمنية طويلة مليئة بالمرارات والمِحن والمصاعب الهائلة، كما كان حال الثورة الفرنسية الكبرى أو استقلال أمريكا، سواء عبّرنا عنها بالثورة أم أي شيء آخر. فالأهداف الأساس قد تحقّقت في النهاية، لكن بعد تضحيات هائلة ولفاصل زمني طويل.

 

 


[1] سورة الرعد، الآية 17.

 

 

394


324

خطاب الولي 2011

1. الثورة الفرنسية

كما حدث في الثورة الفرنسية الكبرى، ويُقال "الكبرى" لتمييزها عن الثورات الأخرى التي قامت بعد هذه الثورة على مدى الخمسين أو الستين سنة في ذاك البلد، نعم إنّ تلك الثورة الأولى كانت الأهم والأكثر تأثيراً وقد وقعت عام 1789 ولأجل أن تبقى في ذاكرتكم فهو: ألف بعدها سبعة، ثمانية، تسعة وهو عام الثورة الفرنسية الكبرى ضدّ الحكومة الملكية الفرنسية كما حدث في إيران. تلك الأسرة الملكية التي كانت تحكم فرنسا في ذلك الوقت كانت أكثر تجذّراً واقتداراً من الأسرة المشؤومة البهلوية عندنا، أُسرة البوربون، والتي حكمت فرنسا لسنوات، وكان من بينهم ضمن هذه السلسلة أباطرة فائقو القدرة. هذه الثورة وقعت كما ذكرت عام 1789 ميلادي. حسناً، كانت الثورة ثورة شعبية بكل ما للكلمة من معنى، فالشعب في الواقع هو الذي حضرفي الساحات كثورتنا وكان القادة شعبيين 100% يمتلكون أفكاراً جديدة وكانوا يسعون لتشكيل مجتمعٍ شعبيّ. ولا شكّ أنّ ما كان في بالهم أمر مختلفٌ عمّا يسمّى الأيديولوجية والعقيدة، ولكنّهم كانوا يريدون إقامة حكومة شعبية، أرادوا حكومة يحكمها الشعب. حسناً، هذه الثورة قد وقعت في تلك السنة. وعلى امتداد ثلاث أو أربع سنوات، تمّ تنحية تلك الجماعة الأولى التي قادت الثورة جانباً على يد مجموعة متشدّدة متطرّفة، وتمّ إعدام بعضهم، وأمسكت هذه المجموعة المتشدّدة بزمام الأمور. ثمّ تولّت هذه المجموعة المتشدّدة زمام الأمور لمدّة أربع أو خمس سنوات وبسبب تشدّدها مع الناس قام الناس بردّ فعلٍ وعزلوها، حيث تمّ إعدام بعضهم، لتأتي مجموعة ثالثة على رأس الأمور. أي إنّهم بحدود 12 سنة، حتى سنة 1800، كان هناك ثلاث جماعات تتعاقب على السلطة وتقوم كل جماعة باقتلاع وإبادة وقمع من سبقها. ففي تلك السنوات الـ 11 الأولى تمّ إعدام شخصيات سياسية معروفة من الجماعات الثورية.

 

ولاحقاً عمّت الفوضى. من البديهي أن تقع مثل هذه الفوضى في بلدٍ بهذه الخصائص. وتعب الناس إلى أن تمّ تشكيل جماعة من ثلاثة أشخاص وكان نابليون أحدهم، فقد كان نابليون ضابطاً شاباً شارك في غزو مصر وهنا لهذا الأمر قصصه الكثيرة والمفصّلة

 

 

395


325

خطاب الولي 2011

فنال مزيّة صيّرته حاكماً على هذه المجموعة ليتحوّل لاحقاً إلى ملكٍ وإمبراطور. هذه الدولة نفسها التي تحمّلت كل تلك الخسائر من أجل اقتلاع الملك وأعدمت لويس السادس عشر وزوجته تحوّلت مرّة أخرى إلى سلطنة ملكية يرأسها نابليون. بالطبع كان نابليون رجلاً عسكرياً قديراً ونشيطاً وقد حقّق لفرنسا إنجازات كبرى. وكان له أعمال غير عسكرية، وإن كانت عُمدة أعماله عسكرية. وقد قام بإلحاق عدّة دول أوروبية بفرنسا وجعل إيطاليا وإسبانيا وسويسرا جزءاً من فرنسا، قام باحتلال عدّة دول أوروبية ليجعلها جزءاً من فرنسا. وبالطبع، بعد ذهابه قامت كلّ واحدة منها بالانفصال مرّة أخرى. فتلك الاحتلالات لم تكن مستديمة. لكنّ ذلك البلد الذي تحمّل كل تلك الخسائر من أجل الثورة وتمكن من تشكيل حكومة شعبية، عاد مرّة أخرى وبسهولة ليصبح سلطنة ملكية. وبعد نفي نابليون وموته حوالي عام 1815 -وبعد ما يقارب 50 سنة- استقرّت حكومة ملكية في فرنسا، وذلك بالطبع بعد سلسلة من التغييرات الشديدة المليئة بالمرارات، حيث إنّكم لو قرأتم الروايات التي تدور حول فرنسا القرن التاسع عشر، لرأيتم بشكل واضح مظاهر تلك الثورات وتلك المرارات والمحن والشدائد التي جرت على شعب فرنسا، ومنها مؤلفات فيكتور هيغو وبلزاك وآخرين.

 

بالطبع بعد ذلك، أي في سنة 1860 ونيّف، وقعت ثورة أخرى مجدّداً وتمّت تنحية ذلك الملك الذي ينتمي إلى نابليون الثالث وجاءت الحكومة الجمهورية، حيث إنّ الجمهوريات كانت تتعاقب من الأولى إلى الثانية إلى الثالثة، إلى أن وصل الأمر إلى فرنسا التي ترونها اليوم وهي على شاكلة الحكومة الشعبية والديمقراطية. لقد عانت الثورة الفرنسية من كل تلك المرارات فلم تكن من بداية نشوئها تمتلك تلك القدرة والإمكانية بحيث تستقرّ بين أهلها وتستمرّ. فتقريباً، جرت كل هذه التحوّلات على مدى عهودٍ طويلة قاربت حوالي القرنين من الزمن.

 

2. الثورة الأمريكية

ونفس هذه القضية حدثت في أمريكا. وقعت الثورة الأمريكية وهو ما يُصطلح عليه بتحرير أمريكا من الإنكليز قبل الثورة الفرنسية بخمس سنوات تقريباً، أي حوالي

 

396


326

خطاب الولي 2011

سنة 1782، وبالطبع لم تكن أمريكا في ذلك الزمن تزيد عن خمسة ملايين نسمة. نشأت تلك الحركة وأقيمت دولة ووصل إلى زمام السلطة شخصيات كجورج واشنطن المعروف، وغيره وغيره لكن حدث معهم ما حدث في فرنسا. وبعد ذلك التحرّك الأوليّ الذي جرى عانى الشعب الأمريكي من المحن والحروب الأهلية الهائلة والمتعاقبة. وفي أحد تلك الحروب الأهلية -وهي أهم حرب أهلية بين الشمال والجنوب، في الواقع بين الشمال الشرقي والجنوب الشرقي، لأن غرب أمريكا لم يكن حتى ذلك الحين تحت سلطة هذه الدولة- وفي هذه الحرب قُتل ما لا يقل عن مليون شخص خلال أربع سنوات، وبالتأكيد، لم يكن في ذلك الزمان إحصاءات دقيقة، فأولئك الذين كتبوا وتحدّثوا يقولون هذا. حتى وصل الأمر بالتدريج، وبعد مرور مئة عام، إلى استقلال أمريكا، وحصلت تلك الدولة على استقرارها وتمكّنت من الاستمرار على نفس تلك الوضعية السابقة.

 

بالطبع، إنّ قصص الجرائم التي وقعت والفجائع التي جرت بواسطة أولئك الحكّام وأتباعهم وجيوشهم هي قصصٌ مؤلمة وطويلة وعجيبة: غزو الدول المجاورة، والاعتداء على السكّان الأصليين -وهم من الهنود الحمر- واقتلاع وقمع القبائل الهندية، وإنني لآسف أنّ شبابنا لا يعلمون عن هذه القضايا. فعندما يعلم الإنسان مدى التخريب والفظائع والقسوة والظلم الذي كان وراء مدنية اليوم والتطور والثروات التي تحققت في هذه الدول، عندها ستتسع آفاقه بما يتعلّق بالثورات وما ينبغي أن يقوم به وما هو تكليفه.

 

3. الثورة الروسية

وفي روسيا، حدث الأمر بنحوٍ آخر. فالأهداف التي رُسمت في ذاك البلد وهي أهدافٌ عقائدية وأيديولوجية لم تتحقّق. ففي الأساس تمّ الادّعاء أن حكومة روسيا هي حكومة شعبية جماهيرية اشتراكية، أي أنّ الحكومة شعبية جماهيرية تقوم على أكتاف الناس وتلتزم بتلبية احتياجاتهم، وقد نُقض هذا الأمر منذ السنوات الأولى. فلم تمر على سنة 1917، التي هي سنة الثورة، خمس أو ست سنوات حتى تغيّر الطريق وتمّ حذف الشعب من حسابات الحكومة بالمعنى الحقيقي للكلمة وصار الحزب

 

 

397


327

خطاب الولي 2011

الاشتراكي بأعضائه، الذين يبلغون عدّة ملايين، هو الحاكم، وكان يترأس ذاك الحزب عدّة أشخاصٍ في كلّ عهدٍ. ففي عهد ستالين لم يكن الحاكم سواه، أمّا في العهود اللاحقة فإنّ الهيئة التأسيسية للحزب الاشتراكي كانت تدير جميع الأمور. فأيّة ضغوطٍ مورست على هذا الشعب وأيّة قيود وُضعت وما هي المِحن التي مرّت عليهم؟!

 

فحتى أنه في تلك العهود كانت تتسرّب كتابات من داخل الاتحاد السوفياتي إلى الخارج، وكان بعضها يُترجم إلى اللغة الفارسية وكنّا نطالعها. وإلى ما قبل سقوط الاتحاد السوفياتي، كان الكثير من تلك الجوانب الشاقّة والمرّة مخفياً، ثمّ تبيّن كل شيء بعد انهياره، واتّضح ما كان يفعله ذلك الحزب والأغلال التي كان يكبل بها الشعب. تلك الأدبيات التي ظهرت في تلك الفترة تدلّ على محنة حياة ذلك الشعب تحت ذاك الحُكم. فالثورة قد انحرفت منذ البداية بشكلٍ تام، لأنّها لم تنفّذ وعودها الأولى.

 

4. انقلابات بلاد شمال أفريقيا

حسناً، هذه ثوراتٌ. وكان هناك ما يشبه الثورات في منطقة الشرق الأوسط وبشكلٍ أساس في شمال أفريقيا وأمريكا اللاتينية. ولم تكن ثورات، بل في الأغلب عبارة عن انقلابات. وفي أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات حدثت تحرّكات ثورية في بلاد شمال أفريقيا أي في مصر وليبيا والسودان وتونس كانت ذات ميول يسارية. وكانت جميع هذه البلاد بلاداً ثورية، وما خلا بعض الاستثناءات المحدودة فإنّ الذين كانوا من المؤسسين للثورات انحرفوا عنها. فكانت الثورات يساريّة معادية لأمريكا وإنكلترا أو فرنسا، وقد تمّ جر الجماهير إلى الميادين على هذا الأساس، لكنّ نفس أولئك الذين كانوا يترأسون هذه الثورات انحرفوا من الناحية العملية وسقطوا مرّة أخرى في أحضان القوى الاستعمارية! وأحد هؤلاء هو بورقيبة التونسي. كان بورقيبة قائد الثورة التونسية، وفي الأساس هو من صنع هذه الثورة، لكنّه تحوّل إلى أداة بيد الغرب وفرنسا، فتحرّك في ذلك الاتّجاه، ثمّ لحقه بن علي بعد ذلك. أو في مصر، فقد كان أنور السادات من مساعدي جمال عبد الناصر ومن أولئك الذين صنعوا ذلك الانقلاب، أو بتعبيرهم ثورة الضباط الأحرار، وفي الأساس كانت حركة الضباط الأحرار في زمان عبد

 

 

398


328

خطاب الولي 2011

الناصر تحمل شعار نجاة فلسطين، ولكنّ عملهم وصل إلى أن يصالحوا من اغتصب فلسطين وأن يتآمروا على شعبها، ووصل بهم الأمر أخيراً إلى التعاون مع الصهاينة لمحاصرة فلسطين وغزّة وإبادة شعب فلسطين! أي إنّهم انحرفوا عن ذلك التحرّك الابتدائي 180 درجة.

 

أو في السودان، بحسب ما يبدو لا تذكرون شيئاً عن النُّميري. فنحن نتذكّر مجيئه إلى السلطة. لقد كان النُّميري ضابطاً ثورياً خلّص السودان في الواقع من يد الغرب، لكنّه وبالتدريج سار باتّجاه الغرب ليتحوّل إلى أحد عملائه وأدّى ذلك إلى أن يقوم الثوريون اللاحقون، الذين تسلموا زمام الأمور في السودان، ضدّه ويخلّصوا البلد منه. فجعفر النُّميري الذي قام بانقلابٍ ضدّ حكومة غربية تحوّل بالتدريج من معادٍ للغرب إلى عنصرٍ غربيّ يستخدمه الغرب ويعمل لمصلحته، فأصبح عميلاً للغرب! والباقون كانوا على هذا المنوال.

 

إنّني أذكر في الأربعينيات الشمسية (الستينات الميلادية) عندما كنت في مشهد، كنّا نتلقّى إذاعة صوت العرب المصرية في زمن عبد الناصر، ونستمع إليها. فقد ذهب جمال عبد الناصر إلى ليبيا، وبصحبة هذا القذّافي نفسه الذي كان في ذاك الوقت شاباً لم يتجاوز الـ 29 وقام بانقلاب عسكري وجعفر النُّميري، ثلاثتهم كانوا يتحدّثون عبر إذاعة صوت العرب المصرية. فقد اجتمعوا وكانوا ينطقون بكلمات ثورية وعنيفة. نفس هذا القذّافي كان يطلق شعارات، كانت تبثّ فينا الحماس في ذلك الوقت. فنحن في الأغلب كنّا في خضم النضال. وكان الاستماع إلى تلك الإذاعة مخالفاً للقانون. كنا مع بعض الأصدقاء وأحدهم كان يمتلك جهاز راديو نذهب ليلاً إلى أحد البيوت ونستمع معاً إلى إذاعة صوت العرب.

 

كانت الحركات على هذا النحو. أي إنّ الثورات ولأسبابٍ متعدّدة، إمّا إنّها انحرفت منذ البداية أو بعد ذلك بقليل. وأحياناً كان هذا الانحراف يستغرق عشرات السنين. وفي بلدٍ كفرنسا استغرق هذا الانحراف أكثر من سبعين سنة حتى تمكّن بالتدريج من تحقيق جزء من الأهداف وليس جميع الأهداف.

 

 

399


329

خطاب الولي 2011

النموذج الفريد للثورة الإسلامية الإيرانية

الثورة الإسلامية كانت استثناءً. فقد كانت الثورة الإسلامية حركة ذات أهداف محدّدة، وإن كانت تلك الأهداف التي حُدّدت في بعض الأحيان كلّية واتّضحت بالتدريج وتبلورت وشُخّصت مصاديقها، لكن أهدافها كانت أهدافاً واضحة. فالهدف كان الإسلام ومواجهة الاستكبار، وحفظ استقلال البلاد، وإرجاع الكرامة للإنسان، والدفاع عن المظلوم، والتطوّر، والسموّ العلمي والتقني والاقتصادي، فقد كانت هذه أهداف الثورة. عندما ينظر المرء في بيانات الإمام رضوان الله عليه وفي الوثائق الأساس للثورة يرى أنّ كل تلك الأمور لها جذورٌ في المصادر الإسلامية. فالشعبوية والاعتماد على إيمان الناس وعقائدهم ودوافعهم وعواطفهم كانت من أركان الثورة الأساس. وقد استمرّ هذا الخط ولم ينحرف ولو بمقدار درجة واحدة، قد مرّ على الثورة أكثر من 32 سنة، وهذه حادثة مهمّة جداً.

 

فالثبات والاستقرار في الثورة الذي نتحدث عنه يعني ذلك. لقد قلنا كلمة واحدة ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ﴾[1]، لقد قال شعب إيران ﴿رَبُّنَا ٱللَّهُ﴾ ووقف على قدميه. التمسّك بهذا القول انتقل من جيلٍ إلى جيل. وأنتم اليوم شبابٌ ألقيتم هذه الكلمات بنشاطٍ فائق وحماس وحيوية وصدق في هذا المكان بالذات، ومن المحتمل أنّه لم يكن أحدٌ منكم قد وُجد في هذه الدنيا عند بداية الثورة، ولم تعيشوا عهدها، ولم تشاهدوا تجربة الحرب ولم تدركوا زمن الإمام، ولكن الخط هو هو، والطريق هو ذاك الطريق، والهدف هو تلك الأهداف، وما يُقال الآن هو ما لو أردنا أن نقوله في ذلك الوقت، كنا نقوله. لقد كنت آتي إلى جامعة طهران مرّة كلّ أسبوع وكنّا نعقد اللقاءات مع الجامعيين ونصلّي، وبعد الصلاة كانت تتم الإجابة عن الأسئلة والكلمات وقد استمرّ هذا الأمر لفترات. فتلك الكلمات التي كانت تصدر في ذلك الوقت عنا وعن الجامعيين هي نفس هذه الكلمات الآن، وبالطبع إنها اليوم أكثر نضجاً ودقّة وخبرة. وهذه المشاعر هي بنفس مستوى تلك المشاعر والأحاسيس، ولكن في المطالب

 

 


[1] سورة فصلت، الآية 30.

 

 

400


330

خطاب الولي 2011

التي تُطرح اليوم داخل البيئة الجامعية نجد أنّ العقلانية أكثر مما كانت عليه في ذلك الوقت ومثل هذا له قيمة مهمة جداً.

 

تكليف جيل الشباب

حسناً، هذا ما تحقّق حتى الآن، فماذا بعد؟ ما أريد قوله أختصره بجملة واحدة: إنّ تكليف جيل الشباب الحالي وخصوصاً الجامعي من الآن فصاعداً هو الاستمرار والتقدم بهذا الخط بنفس هذا التوجّه نحو المزيد من التكامل. وهذا ما يشخّص تكليفنا على صعيد الجامعة. فالأمر عندئذ موكلٌ إليكم. ذاك الجيل الذي كنّا نشارك فيه بفعالية ونمتلك فيه قوة الشباب وأنفقنا فيه شبابنا قد اتّجه نحو الاضمحلال مثل جميع الأشياء في هذا العالم التي تتّجه نحو الفناء والزوال. والجيل الذي سُلّمت إليه هذه الحقيقة اليوم هو أنتم شباب وجامعيّو اليوم. وفي المستقبل ستُلقى مسؤوليات البلاد على عاتقكم. وسوف تكونون أنتم أصحاب القرار وواضعي الخطط لهذا البلد. يمكنكم أن تستمرّوا على هذا الطريق وتوصلوه إلى كماله وتستفيدوا من تلك الطاقات التي لم يتم الاستفادة منها وتملأوا الفراغات وجميع الأشياء التي كنتم تذكرونها تحت عناوين هذا الإشكال وذاك الإشكال، وتلك المشكلة، وانتقادٌ هنا وانتقادٌ هناك وهو أمرٌ صحيحٌ أيضاً ويمكنكم أيضاً أن لا تقوموا بهذا العمل. فجيل شباب اليوم يمكنه أن يقرّر إذا كان لن يعمل. وبالتأكيد لن يتّخذ مثل هذا القرار، فأنا لا أشكّ بذلك. فجيل الشباب ولتجذّر هذه الحركة الدينية واستحكام أركانها الاعتقادية سيستمرّ على هذا الطريق. فلأوّل مرّة في تاريخ الثورات المختلفة في العالم قد تحقّقت ثورة سوف تعرض نفسها للعالم وسوف تستمرّ على كلمتها الأولى وأصولها وقيمها الأساس بكلّ وجودها وبدون توقّفٍ وإن شاء الله سوف تتوصّل إلى أهدافها النهائية.

 

حسناً، ها أنتم في التشكيلات الجامعية والزُبدة والنُخب الجامعية، وأنتم في الواقع باقة من هذه الفئة العظيمة التي تناهز عدّة ملايين في البلد قد اجتمعتم هنا وبالتأكيد يمكن لسائر الجامعيين أن يسمعوا هذا الكلام لاحقاً حيث سيُبثُّ في التلفزيون والنشريات وكل من يريد يمكنه ذلك طبعاً. عليكم أن تتّخذوا القرار.

 

 

401


331

خطاب الولي 2011

فاعلموا أنّ هذه الحركة المباركة والقائمة على هذه القيم مرتبطة بدوافعكم وهممكم وشجاعتكم وقدرتكم وأفكاركم وعزمكم الراسخ. أنتم الذين ينبغي أن تكملوا هذا.

 

الحمد الله إنّ الثورة اليوم قد تقدّمت بشكلٍ جيّد. وكما قلت إنّنا لم ننحرف عن الأهداف ولم يتخذ مسيرنا زاوية. فالمصائب التي نزلت بتلك الثورات العظمى والكبرى لم تحدث في ثورتنا. فقد وقعت أحداثٌ مختلفة وتمكنت هذه الثورة من التغلّب عليها في كلّ مكان، وبموازينها الخاصة تمكنت من الحفاظ على نفسها والاستمرار على طريق التكامل إلى يومنا هذا. إنّ الثورة قد تقدّمت في هذا البلد. فهذا التطوّر الذي تشهدونه اليوم في القطاعات المختلفة في البلاد حيث أشرت إليه في كلمتي مع مسؤولي النظام قبل يومين أو ثلاثة بشكلٍ مختصر لم يكن له أيّة سابقة في أيّ زمنٍ في القرون الأخيرة على صعيد بلدنا. بالتأكيد، كان له مثيل في الأيام الخالية وفي التاريخ، وهناك موارد شبيهة به بحسب الزمان، ولكن في القرون الأخيرة لم يكن له سابقة. فأنتم قد أوصلتم البلد إلى هنا، ويجب أن يتقدّم البلد. ونحن ما زلنا في أوّل الطريق نخطو خطواتنا الأولى. وقد قلت إنّ من الخصائص الكبرى للثورة هو صناعة القدوة. أنتم يمكنكم أن تواصلوا هذا الهدف من أجل أن تصنعوا للمجتمعات الإسلامية قدوة فتقولون عندئذٍ للآخرين تحرّكوا بهذا الشكل تصلوا بهذه الطريقة، فهذا ممكنٌ.

 

وصايا إلى التشكيلات الجامعية

حسناً، للتشكيلات الجامعية دورها بالتأكيد. ووصيّتي الأولى إلى مجموع هذه التشكيلات الجامعية التي تفكّر في المجالات المتعلقة بالجامعة والبلد والثورة وباقي الأشياء هي: إنّكم عندما تنظرون إلى الجبهات المخالفة أي الاستكبار، وجبهة الظلم، وجبهة الرأسماليين الدوليين والكارتيلات وغيرها من الشركات والمؤسسات،... انظروا إليها بمنظار جبهة واحدة. فهناك جبهة واحدة متّصلة تواجه الثورة الإسلامية التي هي ثورة معنوية ودينية وثقافية واعتقادية. عندما تنظرون إليهم بعين الجبهة الواحدة المتّصلة فإنّ الكثير من أعمالهم ستظهر على حقيقتها. فهذه القضية تشخّص تكليف الجامعي أو التشكيلات الجامعية.

 

 

402


332

خطاب الولي 2011

افرضوا أنّ هناك عملية اغتيال قد وقعت في البلد، حيث تمّ اغتيال الشهيد علي محمّدي والشهيد شهرياري والشهيد رضائي نجاد. حسناً، إنّ هذا عملٌ إرهابي. فأحياناً، ننظر إلى مثل هذه القضية بمنظار أّنّها عملٌ إرهابيٌّ يهدّد الأمن، حسناً، هنا يتجرّع المرء الغصّة، فعدّة من علمائنا استهدفهم العدو بإجرامه من قبل بضعة إرهابيين. وأحياناً، لا يكون الأمر كذلك بل ننظر من منظار الجبهة: إنّ هذه حركة من ضمن مجموع التحرّكات المعادية ضدّ النظام الإسلامي. فعلى سبيل المثال، في الجبهة على حدود العراق حيث كنّا في حربٍ لمدّة ثمان سنوات إذا كان هناك قصفٌ مدفعيٌّ للعدوّ في مكانٍ ما لا يعني ذلك أنّ العدوّ يهتم بهذا المكان بالخصوص، بل يعني أنّ هناك حركة يقوم بها العدوّ هنا، ومن المحتمل أنّه يريد إلهاءكم بهذا المكان من أجل أن يهجم في مكان آخر وبتعبيرهم: هي أعمالٌ إسنادية لكنها في الواقع حيلة، أو لأجل أن يضعف مقاتلينا في هذا المكان حتى يتمكّن على سبيل المثال من القيام بهجومٍ شاملٍ. عندما تنظرون بهذه العين سيُعلم أنّ العدوّ بصدد القضاء على الحركة العلمية في البلد، أي أنّ من حلقات مؤامرة العدوّ هو هذا الأمر. فهناك حلقاتٌ متّصلة ومتسلسلة كحلقات الحظر الاقتصادي، وإشاعة الابتذال، وترويج المخدّرات، والأعمال الأمنية، وإيجاد التزلزل في المباني والقضايا الاعتقادية، سواءٌ كان على صعيد الاعتقاد بالإسلام أم الثورة. فهذه كلّها حلقاتٌ مختلفة متّصلة، وأحدها أيضاً الذي يكمل هذه السلسلة هو عبارة عن القضاء على الحركة العلمية في البلد من خلال إرعاب علمائنا وتصفيتهم. فلننظر بهذه العين إلى القضية.

 

فلو نظرنا إلى الأعداء مجتمعين بمنظار جبهة متواصلة قد قسّمت الوظائف على أفرادها، عندها سيتّخذ شعورنا بالمسؤولية في كلّ قضيّة شكلاً جديداً. وهنا في نفس قضية هذه الاغتيالات، إنّني أعتقد بأنّ أعضاء التشكيلات الجامعية قد قصّروا فيها، أي إنّهم لم يظهروا العمل المطلوب. وكان عليكم أن تكبّروا القضية. وبالتأكيد، لا يعني ذلك تضخيمها لأنّها بذاتها كبيرة بل أن تظهروها على حقيقتها. ونحن لم نشاهد حتى داخل تشكيلاتنا أيّة يافطة أو بوستر لهؤلاء الشهداء، لم يُطبع أو يُنشر أو يُوزّع ما يحفظ ذكراهم. كلا، فهذا الموضوع يجب أن لا يُنسى أبداً، فهذا العمل ليس بقليل.

 

 

403


333

خطاب الولي 2011

المشاعر والعواطف فإنّ التأمّل والتفكّر والتعمّق في القضايا المختلفة ومن جملتها المسائل السياسية أمرٌ مطلوب.

 

إنّ من الأشياء التي أوصي بها جدّياً اجتناب الابتذال في الأعمال الثقافية والفنّية، التفتوا إلى ذلك. لديّ نماذج حول ما أقول، بالطبع، ليست من الحاضر بل ترجع إلى حوالي 18 سنة. فقد اطلعت في ذلك الوقت على أنّ مجموعة جامعية حصل في بعض مراسمهم في الجامعة مظاهر من الابتذال. وهناك أبرقت إليهم فلم يكونوا منقطعين عنّا وحسناً، لم يتمّ الالتفات إلى ذلك. وبعد ذلك لم يكن للأمر تبعات جيّدة. فليتمّ اجتناب الابتذال الثقافي والأخلاقي بشدة ولتتم مواجهته. فاليوم إنّ من سياسات العدوّ نشر الابتذال. واجهوا هذه السياسة الاستكبارية. ومثلما أنّهم يخطّطون للحظر الاقتصادي كذلك يفعلون بشأن ترويج الابتذال ومثل هذا ليس ادّعاءً شعاراتياً بل هو نابعٌ من معلومات ونحن لدينا مثل هذه المعلومات، فإنّهم يجلسون ويخطّطون ويضعون البرامج ويقولون إنّه يجب ترويج الابتذال بين الشباب من أجل تحطيم مقاومة الجمهورية الإسلامية، وهم بذلك يضفون على القضايا الوجه السياسي. حسناً، يجب مواجهة هذه الأمور ومحاربتها، وبالتأكيد يجب أن يكون ذلك بطريقة صحيحة. ومثل هذا الصمود والمواجهة له أهمية فائقة في مواجهة خطط الاستكبار.

 

ووصيّتنا الأخرى هي أن تظهر التشكيلات الجامعية تعاوناً وتآزراً وانسجاماً فكرياً بينها. والآن لا أريد أن أقترح شيئاً بشكلٍ قطعي، ولكن يبدو للناظر تأسيس مجمع للتنسيق بين هذه التشكيلات حتى تتحرّك هذه التشكيلات على مسارٍ واحد. وبالتأكيد إنّ التوجّهات العامّة واحدة تقريباً، وهذا أمرٌ جيّد. لا نريد أن نقول إنّ على هذه التشكيلات أن تتخلّى عمّا تتفرّد به من خصائص، لتصبح متشابهة تماماً، كلا، إنّ التنوّع والخصائص المختلفة في التشكيلات ليس فيهما مشكلة، غاية الأمر أنّه من اللازم أن يكون هناك نوع من التنسيق في التوجّهات وفي التقدّم نحو أهداف الثورة لكي تتمكّنوا من التأثير على البيئة الجامعية. يجب أن تتمكّن التشكيلات من التأثير في هذا المحيط. ولحسن الحظ إنّ البيئة الجامعية هي بيئة جيّدة. ولا يعني ذلك أنّها خالية من المشاكل أو الانحراف أو الأخطاء أو الزلّات، فأين هو المكان الذي لا توجد فيه مثل

 

 

405


334

خطاب الولي 2011

هذه الأمور؟ فنستطيع أن نلحظ مثل هذه الزلّات أو نشاهدها في أكثر المجموعات والبيئات قداسة، ولكن في الجملة إنّ البيئة الجامعية هي بيئة مليئة بالنشاط والسعي والتوجّهات الدينية والاعتقادية والتمسّك بالمباني، ومثل هذا الأمر ثمينٌ جداً. هكذا هي بيئتنا الجامعية ويجب الاستفادة منها وحتى يتمّ التأثير عليها يجب أن تكون التوجّهات صحيحة.

 

ووصيّتنا الأخرى، إنّ على المسؤولين الجامعيين في البلاد وكذلك في التشكيلات السعي من أجل أن يحقّقوا الانسجام والتعاضد بينهم. يسمع المرء أحياناً أنّ مثل هذا التنسيق إمّا أنّه غير موجود وإمّا أنّ هناك اختلافاً، حيث تحدث بعض المشاكل، وقد أشار أحد الأصدقاء إلى حادثة بوشهر وغيرها. فيجب التنسيق وإيجاد التآزر لأن الأهداف واحدة وهي أهداف الثورة. المسؤولون يبذلون الجهود ويسعون. في النهاية هذا أمرٌ مشهود ويفكّرون وهم يسعون بمقدار ما تبلغه أذهانهم وقدراتهم. وشباب هذه التشكيلات أيضاً جميعهم أصحاب دوافع وحماس وطهارة. حسناً، هذه الفئات يجب أن تتآزر مع بعضها بعضاً.

 

وفي مورد العلوم الإنسانية حيث جرى الحديث عنها أقول هذه المسألة: إنّ ما قلناه بشأن العلوم الإنسانية وكرّرناه هو ما ذُكر: يجب علينا الاجتهاد في باب العلوم الإنسانية ولا ينبغي أن نكون مقلّدين. ولكن افرضوا الآن أنّه تم حذف تلك الفروع من العلوم الإنسانية من الجامعة أو تمّ التقليل منها فإنّني لن أبدي أي رأي بشأن هذه الأمور، فإنّني لن أنفي ولن أثبت، فالأمر ليس من شأني، إنّه عمل المسؤولين. فمن الممكن أن يروا المصلحة بحذف بعض الفروع أو لا، ولن أعلّق، إنّ قولي هو أن يتمّ العمل بعمق في باب العلوم الإنسانية وأن يسعى أصحاب الفكر والمعرفة في هذه المجالات. حسناً، يبدو أنّ الوقت قد انتهى. والكلام الذي وجدنا من الضروري أن نصرّح به قد انتهى، وإن شاء الله تبقون في حفظه.

 

اللهمّ نقسم عليك بأوليائك أن تنزل بركاتك وفضلك على شبابنا هؤلاء.

 

اللهمّ قرّب بيئة الشباب في بلدنا يوماً بعد يوم إلى الأهداف والتطلّعات الإسلامية.

 

اللهمّ بحقّ محمد وآل محمد حقّق آمال وأماني هؤلاء الشباب. وتفضّل بعنايتك

 

 

406


335

خطاب الولي 2011

على مسؤولي البلد وعلينا جميعاً من أجل أن نخطو قدماً نحو هذه الأهداف.

 

اللهمّ أظهر رأي العين الشكل الإسلامي للمجتمع وللدولة الإسلامية بكل ما للكلمة من معنى لشبابنا الأعزّاء هؤلاء. ارضِ عنّا الأرواح الطيبة للشهداء وروح إمامنا الجليل المطهّر.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

407


336

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء حشد من الشعراء

 

 

 

 

 

 

         

المناسبة:   ذكرى ميلاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام

الحضور:  جمع من الشعراء

المكان:   طهران

 

الزمان:    24/05/1390هـ.ش.

14/09/1432هـ.ق.

15/08/2011م.

         

 

 

409


337

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بداية تهانيّ لكم، وآمل أن تعمر قلوبكم بالسرور، وأن تتفتّح قرائحكم وتزهر جهودكم. سعيٌ مأجور ومبارك إن شاء الله. أنا مسرور لأنّ هذا الحشد استمرّ على مدى سنوات متتالية، وستُكتب له الاستمرارية بعد هذا بعونه تعالى.

 

عصابة الأوفياء لن يتفرّق بعضهم عن بعض

 

هذه السلسلة لن تتناثر إلى يوم القيامة

 

هذا دعاء، وفي نفس الوقت خبر عن أمر واقعي إن شاء الله.

 

الشِّعر في الجمهورية الإسلامية

سوف أعرض اليوم موضوعين أو ثلاثة. الموضوع الأوّل الشعر اليوم في بلدنا. بالطبع، يمكننا من خلال نظرة أوسع إبداء الرأي في الشعر الفارسي اليوم في مختلف البلدان والحديث حوله، ولكن هذا ما سنوكله إلى فرصة أخرى. الشعر اليوم في بلدنا هو شعرٌ طلائعي. عندما أنظر اليوم إلى شعر الشباب على وجه الخصوص وقد أنشد الليلة الشعر مجموعة من شبابنا الأعزّاء، وغيرهم من الأحبّة، أصحاب السّبق في شعر الثورة وقد قلتها السنة الماضية، إنّني أشعر بتطوّر ملحوظ، أي إنّنا حقّاً تقدّمنا في مجال الشعر.

 

لدينا هنا نقطة لا بأس أن نتعرّض لها. إنّي أرى وَجهَي شبهٍ بين الشعر اليوم في بلدنا وبين الشعر الفارسي في مرحلة مهمّة للغاية وبارزة امتدّت لمئتي عام، أي مرحلة رواج الأسلوب الهندي وازدهاره، وقد راج الأسلوب الهندي من الشعر وانتشر وبلغ القمّة من أواسط القرن العاشر حتى أواسط القرن الثاني عشر.

 

دعوني أذكر لكم أوّلاً أنّ مرحلة المئتي سنة تلك لا نظير لها عبر عصور تاريخ شعرنا، إذا ما لاحظنا بعض النواحي فيها.

 

هذا لا يعني أنّنا نريد أن نغض النظر عن

 

 

411


338

خطاب الولي 2011

قدر شعراء القصائد في القرن الرابع والخامس والسادس، أو شعراء القصائد الغزلية في القرن السابع والثامن، لا، فلكلٍّ موقعه، وقدره وقيمته، وعظمته محفوظة، لكن مرحلة المئتي سنة هذه هي من المراحل المنيرة جداً في تاريخ الشعر الفارسي.

 

من الخصائص التي تُميّز هذه المئتي سنة، هو عدد الشعراء. أي إنّكم عندما تنظرون في هذين القرنين اللذين ذكرنا، ترون أنّه يوجد عددٌ هائلٌ من الشعراء في إيران، وفي الهند، وفي أفغانستان، وفي منطقة ما وراء النهر أي المنطقة التي تمّ تقسيمها اليوم وللأسف بين طاجيكستان وأوزبكستان حيث كان يقطن الطاجيك مناطق الناطقين باللغة الفارسية من قبيل بخارا وسمرقند، وغيرها من المناطق. كان في هذه المرحلة الآلاف من الشعراء وهم شعراء معتدٌّ بهم، لا أنّهم ممّن ينشد الشعر فحسب، لا، بل هؤلاء شعراء حقاً. قد لا يكون الجميع من البارزين، ولكنّهم شعراء. طبعاً من بين هؤلاء الآلاف من الشعراء وهو ما أقوله على وجه التقريب لعلّه يمكننا القول: إنّ المرء يستطيع العثور على مئة شاعر، ولعلّ المرء يستطيع انتقاء عشرة شعراء من الدرجة الأولى، من بين هؤلاء الشعراء، مثل صائب، كليم، محمد جان قدسي أو نظيري نيشابوري. هكذا كان وضع تلك المئتي سنة بلحاظ الكمّ الشعري.

 

هذا أحد أوجه الشبه بين اليوم وبين تلك الحقبة، وهو الكمّ. إنّ عدد الشعراء اليوم في بلدنا، ليس له مثيل في أي مرحلة من المراحل، أي المراحل التي كان لنا حضور فيها وشهدناها وكانت تربطنا فيها علاقة مع الشعراء، وكذلك في ما سمعناه عن الماضي. إنّ عدد الشعراء اليوم في بلدنا يشبه مرحلة المئتي سنة تلك من ناحية الكمّ. طبعاً هذا ببركة الثورة. لقد جاءت الثورة بالمعارف والفنّ وكلّ شيء إلى كنف الشعب، إلى كنف المجتمع، لذا حصل هذا الغليان. لدينا اليوم في بلدنا الكثير من الشعراء، من الناشئة في المراحل الابتدائية إلى الثانوية، إلى الشباب الطيّبين، إلى متوسطي الأعمار وكبار السنّ. حقّاً، إذا أراد الإنسان أن يحسب، سوف يرى أن عدد الشعراء اليوم كثير جداً. طبعاً، هذا كان خلال ثلاثين سنة، وإذا استمرّ الأمر على هذا المنوال إن شاء الله أي تقدّمنا على هذه الوتيرة وجرى تشجيع الشعر، واستطاع

 

 

412


339

خطاب الولي 2011

الشعراء الجيّدون تربية شعراء يافعين فسيكون عدد شعرائنا أكثر من تلك المرحلة.

 

وجه الشبه الثاني بين هذه المرحلة ومرحلة المئتي سنة تلك، هو الإبداع في المضمون. لم يسبق أن حصل هكذا أمر في أي مرحلة أخرى من المراحل، أن تظهر كلّ هذه المضامين الجديدة والكلمات البديعة في الشعر. فعندما يأتي المضمون الجديد، يأتي بتبعه التركيب الجديد أيضاً. إنّ حاجة المضمون إلى اللفظ تُحفّز الشاعر على استخدام ذوقه وفنّه ليأتي بالتراكيب. طبعاً، من الممكن أن نرى بعض الهفوات لدى المبتدئين، لكنّ اللغة تنضج وتتّزن وتستقيم بالتدريج لتصبح لغة فخمة.

الليلة في هذا الجمع الذي قُرئ الشعر فيه، شعر الشباب، السيدات، السادة إنّي أرى كلمات ناضجة وموزونة، ألفاظاً قوية ومُحكمة، على النحو الذي يُحبّ الإنسان أن يراه في الشعر. أمّا المضمون فإلى ما شاء الله. حقاً، لقد كان المرء عندما يقرأ في ديوان صائب مثلاً، أو ديوان الشعراء العظام المُبدعين للمضامين كـ "بيدل" والآخرين، لعلّه كان يقول إنّ هؤلاء لم يتركوا شيئاً إلاّ وقالوه، لقد عبّر هؤلاء عن كلّ ما يخطر في ذهن الإنسان وما لا يخطر، وصاغوه في قالب شعريّ، ولكنّكم ترون بعدها أنّ الأمر ليس كذلك. وعلى ما يقوله صائب:

لديك الحديث عن ثنايا شعر الحبيب مدى العمر            من قال إنّه لم يبقَ لديك مضمون[1]

 

لقد قال هو "العمر"، ولكن يمكنك التحدّث عن ثنايا شعر الحبيب دهراً من الزمن. إنّ المرء ليشاهد اليوم كل هذه المضامين الجديدة في هذه الكلمات، وهي تستحقّ واقعاً التدقيق فيها والتأمّل بها، فهي جيّدة للغاية. برأيي هذا هو وجه الشبه الثاني ما بين شعرنا اليوم، والشعر في مرحلة المئتي عام تلك.

 

بالطبع، ما زالت أعيننا على الطريق، تنتظر مجيء أمثال صائب ومحمد جان قدسي ونظيري.

 

 


[1] يك عمر ميتوان سخن از زلف يار گفت

در بند آن مباش كه مضمون نمانده است

 

 

413


340

خطاب الولي 2011

لا أريد أن أكون قد بالغت. ليس الأمر بحيث يمكن أن نقول: بما أنّنا نشبّه الآن مرحلتنا بتلك المرحلة، فلدينا إذن اليوم أمثال صائب وكليم ونظيري وطالب آملي، أو محمد قلي سليم الطهراني، لا، فللإنصاف، لا زال أمامنا عمل كثير قبل وصول شعرائنا إلى الرتبة الشعرية العالية والممتازة لأولئك والتي قلّ نظيرها، حيث ذكرتُ أسماء بعضهم، واللائحة تطول إلى ما شاء الله.

 

حسناً، سوف أغتنم الفرصة هنا لأذكر لشعرائنا الشباب الأعزّاء نقطة أخرى فالحمد لله الجميع شعراء ومجدّدون ومبدعون للمضامين ولديهم الشجاعة في التعبير. لقد كانت الأشعار التي استمعتُ إليها الليلة في الأغلب جيّدة جداً، ولكن اعلموا أنّ "الجيّد جداً" لا يعني "ممتاز". فقد تكون الـ"جيّد جداً" عُشر الـ"ممتاز"، أمّا الأعشار التسعة تلك ما زالت أمامكم، فيجب أن لا تتوقّفوا.

 

لقد كانت المشكلة لدى كل الذين أبدعوا في مسيرة معيّنة، أنّهم تصوّروا أنّهم قد وصلوا إلى نهاية الطريق. فلنفترض أنّ شخصاً غناؤه جميل، فنقول له أحسنت، كان هذا ممتازاً، نمدحه. فإذا تصوّر أنّه لا يوجد شيءٌ فوق هذا، فإنّه سيتوقّف قطعاً، وبعد التوقّف مباشرة سيتدنّى مستواه ويسقط. يجب أن يعلم أنّه يمكن أن يغنّي بشكل أفضل، وهذا الأمر بذاته يَصدُق في جميع المجالات. لقد كان الأمر كذلك في كلّ الأعمال التي رأيناها. إنّ الشعور بالوصول إلى المنزل نتيجته التعب والركود، أنتم إلى الآن لم تصلوا إلى المنزل. لقد تقدّمتم تقدّماً جيّداً جداً، وأنتم جيّدون جداً، ولكن كما ذكرت لكم، أحيانا الـ "جيد جداً" تكون عُشر الـ"ممتاز"، فيجب أن تعثروا على الأعشار التسعة التالية، ابذلوا الجهد، اعملوا، تحمّلوا المصاعب وتقدّموا.

 

حاجة الشعراء إلى المعرفة الدينية العميقة

النقطة التالية التي أودّ أن أشير إليها أمام الشعراء الأعزّاء الحاضرين هنا، والشعراء الآخرين المعتبرين ضمن مجموعة شعر الثورة وتيّاره، هي أنّ الشاعر في زماننا، في هذا الزمان المتميّز بهذه الخصائص، يحتاج إلى معرفة دينيّة عميقة. اليوم، لقد أصبحت الكثير من الشعوب تعتبركم نموذجاً وأسوة لها، سواءٌ أردتم ذلك أم لم تريدوه، وسواءٌ علمتم ذلك أم لم تعلموه، وسواءٌ صدّقتم ذلك أم لم تصدِّقوه.

 

إنّ هذه الصحوة الإسلامية التي تشاهدونها، سواءٌ قلنا ذلك أم لم نقله، وسواءٌ أظهرنا

 

 

414


341

خطاب الولي 2011

ذلك أم لم نظهره، وسواءٌ أظهره الآخرون أم لم يظهروه، هي متأثرة بالحركة العظيمة التي قام بها الشعب الإيراني. إنّ هذه الثورة العظمى، هذه الثورة الكبرى، هذا التحوّل الهادم لأبنية السُنن الطاغوتية والنظام الطاغوتي ونظام الاستبداد، قد حوّل الشعب الإيراني إلى أسوة.

 

إذا أردتم أن تعملوا بلوازم كونكم أسوة ونموذجاً، فيجب أن تُعمّقوا معرفتكم الدينيّة والإسلاميّة، وهذا ما كان موجوداً في ماضينا الشعري. أُنظروا إلى شعرائنا البارزين، لا أقول إنّهم جميعاً كذلك ولكن أغلبهم، من فردوسي إلى مولوي وسعدي، إلى حافظ وجامي. ففردوسي هو الحكيم أبو القاسم فردوسي، إنّه شخص قصّاص، ولو كان مجرّد قصّاص ومنشد للملاحم، لما قالوا "الحكيم". ولم نكن نحن من قال "الحكيم"، بل المفكّرون هم من أطلق عليه هذه التسمية على مدى التاريخ.

 

إنّ كتاب سيَر الملوك للفردوسي[1] مليءٌ بالحِكم. لقد كان إنساناً صاحب معارف دينية أصيلة. لقد كانوا جميعاً حكماء، دواوينهم من أوّلها إلى آخرها مليئة بالحكمة. لولا أنّ حافظ كان يفتخر بكونه حافظاً للقرآن، لما كان اختار لقب "حافظ". لقد كان من حفظة القرآن وهو القائل:

"إنّي لأقرأ القرآن عن حفظ، برواياته الأربع عشرة"[2].

 

الآن قُرّاؤنا الذين يقرأون بقراءات مختلفة، يمكن عادة أن يقرأوا بروايتين أو ثلاث، لا أكثر، أمّا هو، فقد كان يقرأ القرآن بأربعة عشر رواية، وهذا أمر عظيم للغاية.

هذه المعرفة بالقرآن هي أمرٌ مشهودٌ في قصائد حافظ الغنائية، لمن يفهمها. أمّا بالنسبة لسعدي، فالأمر واضح، ومولوي معروف، وكذلك جامي وصائب. عندما تقرأون ديوان صائب فستشاهدون فيه معرفة دينية عميقة، وعندما يصل الإنسان إلى "بيدل"، سيشاهد المعارف الدينيّة العميقة المعقّدة في شعره بشكل مثير للدهشة. هؤلاء هم عظماؤنا، وهؤلاء هم أئمة الشعر، في الواقع يجب أن نقول

 


[1] شاهنامه فردوسي.

[2] قرآن ز بر بخوانم با چهارده روايت.

 

 

415


342

خطاب الولي 2011

إنّ هؤلاء هم أنبياء الشعر الفارسي. لقد كان هؤلاء من أصحاب المعارف. عليكم أنتم أيضاً أن تكونوا من أصحاب المعارف. طبعاً الطريق إلى ذلك تكون بالتعرّف إلى القرآن، والأُنس بالقرآن، الأُنس بنهج البلاغة، الأُنس بالصحيفة السجادية. الكثير من الشكوك والقلق والصدأ الذي يعتري قلب الإنسان في بعض الحالات، يتبدّل إلى شفافية وإشراق، يصبح الإنسان صاحب فهم، يتعرّف إلى الطريق، يحدد العمل، يشخّص الهدف، فمطالعة كتاب "الأحاديث المعنوية" للشهيد مطهري مثلاً، تتناسب مع أيام شهر رمضان هذه، أو حتى مجرّد الاهتمام بالأحكام الإلهية. في أحد الأيام تحدّثتُ ونقلتُ قولاً عن المرحوم الحاج ميرزا جواد ملكي تبريزي، أنّه كم هي ثمينة هذه الروحانية التي تحصل بسبب الصوم، وذلك التفتّح والعلو الذي يُحقّقه في روح الإنسان. حسناً، للصدفة، الشاعر أيضاً هو شخص يتفاعل مع الانفعالات الروحية والتلقّيات والإدراكات المعنويّة، وهذا ما يميّز الشاعر، وهذا ما تقتضيه لطافة الشاعر، فهو يستطيع أن يُدرك هذه المعارف بمنتهى السهولة. الاعتناء بشهر رمضان، بالصيام، عاملٌ مساعدٌ للغاية.

 

عليكم أن ترفعوا من مستوى معرفتكم الدينية. طبعاً لقد ذكرنا أنّ المعرفة الدينية المطلوبة هي بنمطها الفنّي والعلمي، لا الذوقي والارتجالي الشخصي. يتحدّث بعض الأشخاص أحياناً حول الدين، ولكنّهم في الواقع يختلِقون! فلا يكون كلامهم مُتّكئاً إلى مُستندٍ، أو سندٍ، أو نظرة عالمة، أو بحثٍ علميّ، هذه لا تُسمن ولا تُغني من جوع.

 

وظيفة الشعراء تجاه الثورة

النقطة الأخرى التي أودّ الإشارة إليها، هي أن شاعر الثورة صاحب هوية، وهو في الواقع المتصدّي والمباشر وصاحب الميدان في قول كلمة الثورة الإسلامية، وهذا ما يجب حفظه. يجب أن لا نقع تحت تأثير بعض الاضطرابات الناتجة عن تألّم الشاعر بسبب مشكلة ما، قضية ما، بسبب شيءٍ ما. في النهاية، الخروج عن الموازين موجود أينما كان، وروح الشاعر اللطيفة تصاب ببعض الآلام، وهذه الآلام بالطبع تترك أثراً

 

416


343

خطاب الولي 2011

في الشعر، ولكن يجب أن لا تتغلّب هذه الآلام على القضية الأساس للثورة، على تلك الهوية الأساس للثورة. يجب أن تتحدّثوا من أجل الثورة، يجب أن يكون جهدكم وسعيكم في سبيل قضية الثورة. لقد قام شعبكم بعملٍ عظيم. لقد قلتُ هذا السنة الماضية وعلى ما يبدو في هذا الاجتماع أيضاً إنّ القضية ليست فقط قضية الشهادة. بالطبع إنّ الشهادة في سبيل الله وحمل الأرواح على الأكفّ والتضحية في سبيل الله، هي قِمم الشرف الإنساني. إنّ المعارف الدينية والمعارف الثوريّة واسعة جداً، وهي غزيرة جداً وغنيّة بالمواضيع التي يمكن الاستفادة منها وبثّها.

 

هذه الوظيفة تقع اليوم على عاتق الشعراء. قد يرى المرء أحياناً أنّ هذه الآلام تؤثّر في بعض الأشعار والأناشيد، وتؤثّر على تلك القضيّة الأساس، عندها، يُصبح الإنسان هنا مغرّداً ومتناغماً مع سرب أولئك المعترضين على أصل تلك القضية. إنّ الشعراء الذين كانوا تابعين لنوادي السلطة والبلاط وملحقات البلاط البهلوي الفاسد، أو كانوا ضمن تيارات يساريّة، قد حنقوا منذ بداية الثورة، ولم يُقبِلوا عليها بوجه جميل، وإعراضهم هذا عن الثورة هو ما أدّى إلى تفجّر هذه الإفاضات الجميلة الغزيرة من هذه الفئة المناصرة للثورة.

 

لعلّ بعض مَن ترونه من شعراء جيدين وبارزين نبعوا من قلب الثورة، قد ظهروا نتيجة حنق أولئك. حسناً، هناك الآن تيارٌ معادٍ لأصل الثورة، أصل قضية الثورة، أصل الحركة التحرّريّة للشعب الإيراني، لحركة الثورة الإسلامية الدينية المحور، فإذا لم يتنبّه المرء للحفاظ على هوية الثورة وقضيتها الأساس، فسيقترب خطابه من خطابهم شيئاً فشيئاً.

 

لا مشكلة لديّ مع الشعر المُعارض. قد يرى المرء خللاً ما، فينعكس ذلك في شعره. لا مشكلة في هذا البتة، إلا أنّه لا بدّ لكم من الانتباه إلى أنّ اعتراضكم هو على الخلل، في حين تكونون مؤمنين بأصل قضيّة الثورة الإسلاميّة، لكن قد يكون هناك من يعترض على أصل القضية، عليكم أن تحذروا من أن يتوحّد خطابكم مع خطابه.

 

فيجب أن يحذر شعراؤنا الشباب الأعزاء هذا الأمر. هناك أشخاص بعيدون عن

 

417

 


344

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء الفعاليات والنخب

في القطاعات الإقتصادية

 

 

المناسبة:   لقاء جمع من الفعاليات والنّخب الاقتصادية

الحضور:  الفعاليات والنّخب في القطاعات الاقتصادية

المكان:   طهران

 

الزمان:    ٢٦/٠٥/1390هـ.ش.

16/٠٩/1432هـ.ق.

17/08/2011م.

 

 

419


345

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بداية، أُرحّب بكم كثيراً أيّها الأصدقاء الأعزّاء والفعاليات المحترمة في القطاعات الاقتصادية المختلفة للبلد. إنّ لقاءنا اليوم هو -من جهة- لقاءٌ يتجلّى فيه اهتمام النظام بالقضية الاقتصادية في الظروف الحالية الحسّاسة للعالم والمنطقة والبلد. هذا ما أردناه بالدرجة الأولى. أردنا أن نُخصّص يوماً من أيّام شهر رمضان، يشرّفنا فيه مجموعة من الفعاليات الاقتصادية في القطاع العام والقطاع الخاص، وفي المجالات المختلفة، فنجلس ونستمع إليهم لساعة ويكون لذلك أصداؤه في البلاد، حتى يكون علامة على ضرورة اهتمام النّظام اهتماماً جدّياً بقضية الاقتصاد، والحركة الاقتصادية، والتطوّر الاقتصادي، وضرورة التعاون والسعي المتبادل في هذا المجال بين الدولة بمعناها العام أي الحكومة والناس، لأسبابٍ سنشير إليها.

 

لقد ذكر المُقدّم المحترم قائلاً: "ممثّلو القطاعات المختلفة". يجب أن يُقال "مُختارون من القطاعات المختلفة"، وذلك لأنّه لم تجرِ انتخابات في هذا المجال حتى يُقال ممثّل أو نائب، ولكن بحمد الله وفي جميع القطاعات نجد الحضور الواضح للأدمغة المُفكّرة والشخصيات المميّزة، حيث تمّ اختيار باقة منهم ليشاركوا في هذا اللقاء. حسناً، هذه هي القضية الأولى، وقد تحقّقت وسوف يكون لهذا اللقاء انعكاساته في الخارج. فهذا نداءٌ للجميع، سواءٌ مسؤولو الحكومة في القطاع الاقتصادي، أم الفعاليات الاقتصادية في سائر البلاد، أم أفراد الشعب، وهي أنّ علينا اليوم النهوض بالقضية الاقتصادية والاهتمام بها.

 

ضرورة اطّلاع الشعب على مجريات الأمور

المسألة الثانية، التي تمكّن هذا اللقاء بما في وسعه أن يُحقّقها، والحمد الله قد تحقّقت، هي تقديم تقريرٍ يصل إلى أسماع وأنظار النّاس، صادرٍ عن غير العاملين في

 

 

421


346

خطاب الولي 2011

القطاع العام، بشأن وقائع البلد والتطوّر والحراك الموجود فيه. لست ممّن يعتقد بأنّه علينا دائماً ذكر التطوّر والتقدّم، فالجميع يعرف وجهة نظري في هذا المجال، حيث أعتقد بضرورة وضع النقاط الإيجابية والنقاط السلبية جنباً إلى جنب، لكن ما يبدو لي اليوم مهمّاً هو أن يعلم أبناء بلدنا أيّة ثمارٍ ونتائج تحصل بفضل هِمَمهم وهِمَم المسؤولين والطاقات البشرية الهائلة والمتنوّعة في البلد.

 

أقول لكم هذا، إنّني على تواصلٍ مع الناس، والناس لا يعرفون عن هذه التطوّرات. هذه الأشياء التي ذكرتموها الآن هنا في المجالات المختلفة حيث دوّنت ملخّصاتٍ عنها، وسوف يُدوّن التقرير المفصّل حولها إن شاء الله أغلب الناس لا يعرفونها. إنّنا شاهدون على تحقّق إنجازاتٍ كبرى للبلد، ومفاخرها ترجع إلى شعب إيران. هذه المفخرة هي لشعب إيران. إنّه الشعب الذي يقوم بذلك. إنّها تلك الأدمغة المتوقّدة التي تنجز هذا العمل. إنّها الشخصيات العلمية والتقنية والعملية والمِقدامة والمُخطّطة التي تصنع مثل هذه المفاخر للبلد. لقد كان لنا إنجازات متطوّرة جيّدة على صعيد الإنتاج، والخدمات، والزراعة، والصناعات العملية التأسيسية، وغيرها من القطاعات التي تمّ التطرّق إليها. إنّه لأمرٌ جميل أن يسمع الناس هذه الأشياء على لسان المسؤولين في القطاعات الخاصّة المختلفة، وعلى لسان من لا يتبع الحكومة، فمثل هذا يبثّ الأمل والسرور في الناس.

 

فلنلتفت جميعاً إلى أنّ من أساليب وفنون الحرب النفسية لأعداء شعب إيران هو زرعُ اليأس في النفوس، فأنا ملتفتٌ إلى هذه القضية ومصرٌّ عليها. يريدون إيقاف جيلنا الشاب الناشط، والعناصر المؤثّرة في البلد الذين هم باليقين يتمتّعون بتميّزٍ وسطي مقارنة مع كل العالم عن الإنتاجية، وأحد أساليبهم زرع اليأس وتثبيط وإقناع الناس بعدم الجدوى والإمكانية.

 

فلتُذكر النقاط السلبية أيضاً، والنقائص، ولكن بلهجة وأسلوبٍ علاجيّ. فالأمر يختلف كثيراً بحسب اللهجة التي تُذكر فيها النواقص. فلتكن هذه اللهجة بعيدة عن بثّ اليأس والقضاء على الهِمم والمساعي. يجب أن نشعر بأنّنا تقدّمنا أربعين درجة من أصل مئة درجة، ويجب تهيئة الأرضية المناسبة للستين الباقية. لا شكّ بأنّ هذه

 

 

422


347

خطاب الولي 2011

الدرجات الستّين مفقودة الآن، فتعالوا نعدّها ونؤمّنها. يجب أن تكون لهجة ذكر الستين الناقصة مقابل تقدّم الأربعين بهذه الطريقة. حسناً، إنّ هذا اللقاء ولحسن الحظ، قد حقّق هذا المقصد.

 

مواجهة الحظر الاقتصادي

أكتفي هنا بذِكر عدّة نقاط مختصرة. منها أنّنا قد أعلنّا هذا العام، عام الجهاد الاقتصادي، والسياسة الاستكبارية تريد إخضاع شعب إيران ونظام الجمهورية الإسلامية من خلال الاقتصاد. فأنواع الحظر التي تُبرّر بملف الطاقة النووية، كلّها أكاذيب. السبب وراء قضية الحظر، ليس الطاقة النووية. لعلّكم تذكرون أنّ عُمدة أعمال الحظر التي مورست في البدايات، وقعت في أجواءٍ لم يكن يُذكر فيها شيء عن الملف النووي في هذا البلد، وما كان معروفاً منها ولم يكن بالطبع حظراً مهمّاً اشتُهر بحظر داماتو نسبة لأحد أعضاء الكونغرس الأمريكي الذي طرحه وتابعه حيث يعود إلى زمنٍ لم يكن الملف النووي مطروحاً من الأساس. فالهدف من كلّ أنواع أعمال الحظر هو شلّ الاقتصاد. ولا شكّ بأنّ من مفاخر شعب إيران هو تحمّله طيلة 32 سنة لكلّ أعمال الحظر هذه.

 

وبالتأكيد، اتّسعت وتنوّعت مشاريع الحظر في السنوات الأخيرة، لكنّها ليست بشيء، مقابل التنمية والتنوّع الملحوظ في الأنشطة البنّاءة في البلد. مرّ ثلاثون سنة على بدء أعمال الحظر ضدّنا، وكان من الممكن أن يكون لها تأثيرٌ علينا أكبر من الحظر الذي يتمّ إقراره وإجراؤه في أيامنا هذه، وما يتوعّدوننا بزيادته أيضاً يوماً بعد يوم. ما يعني أنّنا قد امتلكنا وبالتدريج قدرة الردّ على هذا الحظر. يمكننا أن نواجه كل هذا الحظر بأشكالٍ مختلفة: إمّا بإبعاده وهو أسلوبٌ جيّدٌ ومميّزٌ وجميلٌ أن تستفيد منه الحكومة والشعب وإمّا من خلال الإقبال على الطاقات المحلّية وهو عملٌ بنيوي ويجب حتماً اعتماده وقد تمّ ذلك حتى الآن. إنّ هدف العدوّ هو إخضاع الجمهورية الإسلامية أي إيران الإسلامية وإخضاع هذا الشعب الذي تقدّم بهذا النّظام من خلال حضوره ودعمه وحمايته حيث ساهم بنموه وزاده رونقاً، لهذا ينبغي الإعداد والاستعداد في

 

 

423


348

خطاب الولي 2011

المقابل. يجب تشخيص الجبهة المعادية بما تمتلكه من أدوات وأسلحة وإعداد الأسلحة المضادة، فهذا ما يتطلّبه الجهاد الاقتصادي. ما معنى الجهاد؟ لا يُطلق عنوان الجهاد على أيّ تحرّكٍ. بل ما يُعدّ جهاداً هو التحرّك المتميّز بخصائص معيّنة. ومن هذه الخصائص هو أن يعلم الإنسان أنّه في مواجهة العدوّ، وأنّ ما يقوم به هو مواجهة لحركة معادية خبيثة. فمثل هذا التحرّك الذي يكون في مقابل التوجّهات المعادية يُعدّ من الشروط الأساس للجهاد.

 

الجهة الثانية، التي ينبغي حتماً أن تُلاحظ في مفهوم الجهاد هي الاستمرارية والشمولية والوعي والإخلاص، فمثل هذا التحرّك يُسمّى جهاداً. لهذا فإنّ الجهاد الاقتصادي هو عبارة عن التحرّك المستمرّ الشامل الهادف لشعب إيران بنيّة إحباط المساعي العدائية والخبيثة للعدوّ وجعلها عقيمة.

 

المسألة الأخرى، هي أنّنا في وثيقة الآفاق وهي وثيقة أساس عُليا ومهمّة وتشكّل مرجعية قد استشرفنا لبلدنا المرتبة الأولى في القطاعات المهمّة والحيوية والأساس، وعلينا أن نُحقّق تلك المرتبة. وبالطبع، لن يقف الآخرون متفرّجين حتى نحقّق هذه المرتبة الأولى، بل هم في سعيٍ متواصلٍ. ونحن شاهدون على المساعي الاقتصادية الحثيثة لبعض الدّول التي تقع في نفس دائرة المرتبة الأولى هذه. وبالطبع، هناك بعض الوسائل التي يستخدمونها، نحن لا نستفيد منها ولن نفعل. فنحن نتحرّك بطريقة أنظف وأشرف وأكثر نزاهة، لكنّنا نعتقد بإمكانية بلوغ المرتبة الأولى لو زدنا من سرعتنا وانضباطنا. لهذا يحتاج الأمر إلى جهاد. فمثلما ينبغي الإسراع يجب الالتفات إلى التدبير من أجل بلوغ تلك المرتبة الأولى. وأن نقول إنّنا نريد أن نكون الأوائل هو ليس مجرّد هوسٍ، كلا، وإنّما بسبب أنّ مصير الشعوب اليوم مرتبطٌ به. فالدولة التي لا تتمكّن من التقدّم على الصعيد الاقتصادي والعلمي والبُنى التحتية المتطوّرة ولا تتمكّن من تحقيق التنمية سوف تتعرّض لبطش الآخرين. ونحن لا نريد أن يتطاول علينا أحد. فلقرنين وبلدنا يُهاجم، ويُتطاول عليه. والذي تسبّب بذلك هو ضعف الأجهزة الملكية المبتذلة الفاسدة المهووسة بالدنيا، والتحرّكات الناشطة للطرف المقابل. منذ عام 1800، حيث نفذ الإنكليز لأوّل مرّة إلى أجهزة بلدنا السياسية وبدأوا يتدخّلون

 

 

424


349

خطاب الولي 2011

ويحصلون على الدعم، وإلى جانبهم كانت بعض الدول الأوروبية الأخرى تقوم بذات الفعل وفي الوقت نفسه. عام 1800، قدِم أوّل سفيرٍ لإنكلترا وقد كان قدومه من الهند حيث كانت الحكومة الهندية خاضعة للإنكليز ويحكمها نائب السلطان. وبمجرّد وصوله إلى بوشهر، عبر السفينة، بدأ بتقديم الرشاوي وشراء الذمم، وتمكّن من القيام بذلك بسهولة. جميع هؤلاء الأمراء وتلك الأسماء البرّاقة استسلمت مقابل هدايا هذا السيّد! فمسيرة تطاول الأعداء على هذا البلد بدأت منذ ذلك الوقت. فالتربة الناعمة والأرضية المحلية الهشّة في ذاك الزمان سمحت للعدوّ بالنفوذ. ونحن لا نريد لهذا الأمر أن يستمرّ. لقد بنت الثورة سدّاً فولاذياً بوجههم. ونحن نريد أن نجعل هذا السدّ أكثر استحكاماً.

 

إنّنا لن نسمح لهم وبأيّ ثمن أن يتدخّلوا في اقتصادنا وثقافتنا وسياستنا ومصيرنا ومقدّراتنا. وهذا ما يتطلّب استحكاماً داخلياً، والذي يُعدّ الاقتصاد من أركانه المهمّة. لهذا عندما نقول إننا نريد أن نبلغ المرتبة الأولى فهو لأجل ذلك، لا لأننا مهووسون بإيران الأولى، كلا، إنّ مصير الشعب يرتبط بهذا. فإنّ السّعي المستمرّ والواعي والمُخلص والرّاسخ والذي يجب أن تتضافر فيه جميع الطاقات المحلّية مؤثّرٌ في هذا المجال.

 

ضرورة تفعيل إمكانات البلد

إنّ إمكانات البلد حقيقة، جليّة ومهمّة. إنّها إمكانات استثنائية. وما لدينا من موارد بشرية يُعدّ ممتازاً على المستوى العالمي. يجب تفعيل هذه الإمكانات واستخدامها وهذا ما نشاهده اليوم. بالطبع، لقد كنتُ أسمع قبل عدّة عقود أشخاصاً ذوي اطّلاع إمّا من الناحية العلمية وإمّا بلحاظ الخبرة العملية الحاصلة من بعض الأجهزة العملية في العالم كانوا يقولون إنّ استعداد الإيرانيين وطاقاتهم الفكرية أعلى من المعدّل العام العالميّ. حسناً، كنّا نسمع هذا، وها نحن نعاينه على صعيد تطوّر البلاد في عهد الثورة. وقد أُشير الآن إلى قضية بناء السدود. ما حدث على صعيد هذه القضية في بلدنا، ما كان ليصدّقه أحد قبل الثورة. وقد ذُكر السدّ هنا كنموذج، والأمر هو على نفس المنوال في الكثير من القطاعات. ما حدث اليوم من تطوّرٍ عمليّ في القطاعات المختلفة، ما

 

 

425


350

خطاب الولي 2011

كان ليخطر على بال أحدٍ يوماً ما ولو أقسمنا لهم بالعبّاس. ها نحن اليوم، نشاهده بأعيننا، لقد أدركتُ هذا بالتجربة ومن التواصل مع القطاعات المختلفة وهو أنّه لا يوجد شيءٌ تأمّنت بنيته التحتية في بلدنا، إلاّ ويقدر شبابنا على تحقيقه وصناعته. فجميع القطاعات العلمية المختلفة من أدقّها وأصغرها إلى أكبرها وأشملها تخضع لهذه المعادلة، إلا إذا فُقدت البنية التحتية. لدينا في هذا البلد مثل هذه الطاقات البشرية، الأمر الذي يحوز على أهميّة فائقة.

 

إنّ إمكاناتنا الاقتصادية عظيمة. لقد قلتُ ذات يوم إنّ نسبة مناجمنا وثرواتنا الكامنة والحسّاسة في مقابل عدد سكّاننا هي أعلى نسبة على صعيد الكرة الأرضية. فنسبة سكّاننا إلى سكّان العالم هي واحد في المئة تقريباً كما أنّ بلدنا هو كذلك تقريباً على مستوى الكرة الأرضية وهذا يعني أنّه من اللازم أن تكون ثرواتنا الطبيعية والأساس واحداً في المئة، لكنّها في بعض المجالات تصل إلى ثلاثة أو أربعة أو خمسة في المئة. فمثل هذه الإمكانات مهمّة وذات قيمة عالية.

 

إنّ شُحّ المياه الذي يعاني منه بلدنا، كما ذُكر وهو صحيحٌ، يمكن التخلّص منه بشكلٍ كامل من خلال المشاريع العلمية والتقنية الذكيّة، حيث أشار إلى ذلك أحد أصدقائنا هنا، وكنتُ أنا العبد قد ذكرتُ ذلك سابقاً. فبشيءٍ من الدقّة والتطوير يمكن جبران هذا النقص والتخلّص منه. لهذا فإنّ بلدنا في الواقع يمتلك إمكانات استثنائية على صعيد الثروات الطبيعية.

 

وعلى صعيد الموقع الجغرافي والإقليمي الأمر كذلك، فنحن واقعون في مكانٍ هامّ. نجاور بحرين ونصل بسهولة إلى المياه الدولية ونقع في منطقة هامة بين الشرق والغرب أي بين آسيا وأوروبا فنحن نمثّل جزءاً مهمّاً من هذه المنطقة يؤمّن لنا الوصول إلى الشرق والغرب. جميع هذه تُعدّ امتيازات وهي من إمكانات البلد. ويجب أن نفعّلها، الأمر الذي يحتاج إلى بذل الجهود.

 

حسناً، لقد انقضى ربع مرحلة العشرين سنة على رؤية الآفاق كما أُشير إليه. وقد انتهى أحد البرامج البرنامج الرابع للتنمية. وهذا العام هو بداية البرنامج الخامس. وبالطبع، لقد أُنجز الكثير في البرنامج الرابع وذلك وفق التقارير المعروضة والتي

 

 

426


351

خطاب الولي 2011

سمعتموها وهي صحيحة كذلك، لكن في نفس الوقت هناك ما لم يُنجز ويجب أن يتحقّق. فالسياسات الموضوعة صحيحة. السياسات المعلنة في نطاق إصلاح الإنفاق، والسياسات العامّة للنظام الإداري، والسياسات العامّة للعمل، والسياسات المتعلّقة بالبند 44 التي تمّ الإعلان عنها كلّها منسجمة مع بعضها. لو استطعنا أن نعدّ برنامجاً على أساس هذه السياسات ونبدأ بتطبيقه في الواقع فإنّنا سنتمكّن كثيراً من الاستفادة من الطاقات التي أشرت إليها. فهذه السياسات تُحقّق انسجاماً، ويؤمن الانسجام بين الطبقات المختلفة الحراك الاقتصادي.

 

بالطبع، هناك بعض الأهداف التي حُدّدت في البرنامج الرابع لم تتحقّق. ولهذا أسبابه المختلفة سواءٌ على الصعيد الداخلي أو الخارجي. فقضية النموّ 8%، أو خفض معدّل البطالة، أو النسبة المئوية للميزانيات المحدّدة، أو قضية خفض معدّل التضخّم والتي أشرتُ إليها ذات يوم كلّ هذه لم تتحقّق. هذه القضية تُلزمنا بمضاعفة جهودنا في المرحلة الخمسية لهذا البرنامج. فنضاعف من جهودنا من أجل سدّ النقائص السابقة.

 

بالطبع، كنّا ننظر إلى هدفٍ كبير عند إعلان السياسات المتعلّقة بالبند 44، وما زال الأمر كذلك، ويجب متابعته إن شاء الله. فطبق ذاك البند، كان علينا أن نُعيد النظر في مجال أملاك الدولة ونشاطاتها الاقتصادية. وقد حصل هذا الأمر، بأيّ هدف؟ بهدف إيجاد اقتصادٍ تنافسيّ تشارك فيه القطاعات الخاصّة ورساميلها في الميدان الاقتصادي للبلاد. وقد جرى حساب المبلغ المطلوب للاستثمار في هذه السنوات الخمس، فكان حوالي 160 مليار دولار في السنة، ومثل هذا لا تنهض به الدولة، فيجب تعاون وإشراك القطاع الخاص، ويجب أن يتحقّق هذا الأمر.

 

لقد أُنجزت أعمالٌ جيدة على صعيد إجراء سياسات البند 44، لكنّها غير كافية ويجب القيام بالمزيد من التحرّكات. فالقضية لا تنحصر في مجرّد تأمين الودائع الاقتصادية، فإلى جانبها ينبغي القيام بأعمالٍ أخرى: يجب أن يصبح القطاع الخاص مقتدراً وتحقيق الإمكانية الإدارية الجيّدة والرقابة من أجل الحؤول دون الاستغلال السيئ.

 

دائماً هناك أنشطة غير سليمة تحدث إلى جانب الأنشطة السليمة. أنا العبد،

 

 

427


352

خطاب الولي 2011

ولسنوات، كنت أؤكّد على قضية الفساد الاقتصادي. عندما كنت أتعرّض لهذه القضية كان بعض الأشخاص يأتون إليّ ويقولون أيّها السيّد إنّكم تصرّون على قضية الفساد الاقتصادي إلى الدرجة التي يمكن أن تخيف الفعاليات الاقتصادية عندنا وتمنعها من الدخول في الميادين الاقتصادية الفاعلة. وكنتُ أقول إنّ الأمر على عكس ذلك، فهذا ما يشجّعهم. إذا علم الناشط الاقتصادي الذي يريد الحصول على خبزٍ حلال وعملٍ حلال ومطابقٍ للوجدان والشرع أنّ الأجهزة ستطال المخالفين للقانون، فإنّ هذا سيشجّعه أكثر. فنحن معارضون للفساد والمفسدين والمستغلّين الانتهازيين. فالناشط الاقتصادي الذي يُعين البلاد بوجوده وفكره وماله واستثماراته وخلقه لفرص العمل، يجب تشجيعه وتقديره. لهذا، فإنّ مواجهة الفساد الاقتصادي تُعدّ ركناً أساساً في العمل ويجب تحقيقها.

 

ولحسن الحظ يشاركنا اليوم وزير الاقتصاد والفعاليات الاقتصادية في الحكومة أو معظمهم. حسناً، لقد استمعوا إلى ما نطق به المشاركون من أمور، سواءٌ تلك التي ذُكرت كثوابت، أم ما تمّ اقتراحه، وهو يحكي عن وجود نواقص. إنّني لأرجو أن يولوا الاهتمام والدقّة والتدقيق بما سمعوه. لا ينبغي أن نمرّ مرور الكرام على ما ذُكر في هذا اللقاء، وهنا مع أنّ السيّد توكّلي كان يشكو من إغفال السلبيات ولكن الأمر ليس كذلك، فعندما يتمّ اقتراح القيام بعملٍ ما، لماذا لا يتمّ إنجازه؟! هذا يدلّ على وجود بعض النواقص والمشكلات. فلو تمّ الاعتناء بهذه الاقتراحات والتدقيق فيها فإنّها برأيي اقتراحاتٌ جيّدة، وقابلة للمتابعة.

 

وصايا اقتصادية

الكلام في هذا المجال كثير. وإنّني أكتفي هنا بوصيّتين أو ثلاث. قسمٌ منها يتوجّه إلى الأجهزة الحكومية المسؤولة، وقسمٌ منها عامٌّ.

 

الإنتاج

الأولى تتعلّق بقضية التنفيذ الكامل للسياسات ودعم قطاع الإنتاج. فالإنتاج أساس الاقتصاد، وعليه يقوم اقتصاد البلاد. في مجال توجيه الدعم الحكومي والحراك العظيم

 

 

428


353

خطاب الولي 2011

الذي بدأت به الحكومة في هذا المجال، يجب حتماً الالتفات إلى قطاع الإنتاج، وكذلك في القانون: قد تمّ تخصيص 03%. بالطبع، إنّ بعض مسؤولي الدولة الذين تحدّثوا معي يعتقدون بأنّه لا حاجة إلى هذه النسبة المئوية. وقد ذكرت بعض الفعاليات الاقتصادية هذا الأمر أيضاً، دعونا وشأننا ونحن ندير أنفسنا بأنفسنا. من الممكن أن يكون الأمر كذلك في بعض القطاعات. لكن على كلّ حال إنّ الإنتاج يحتاج إلى الدعم والإعانة من الأجهزة الحكومية. يجب تقديم الحصّة المتعلّقة بقطاع الإنتاج، وخصوصاً لتلك المؤسسات التي تأذّت من الحظر. فهناك مؤسسات تعرّضت للأذى بسبب ما جرى من حظرٍ بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، يجب أن تستفيد من هذا الأمر.

 

بالطبع، على القطاع الخاص في هذا المجال مسؤوليات: الاقتصاد في استهلاك الطاقة، زيادة معدّل الربح، تجديد الآلات. لقد اشتكى إليّ بعض مسؤولي الحكومة وقالوا: إنّ بعض أصحاب المصانع لا يظهرون أيّ اهتمامٍ بتجديد آلاتهم القديمة والمتداعية التي تستهلك الكثير من الطاقة وتنتج القليل، فحتى لو قدّمنا لهم التسهيلات، فإنهم لا يتحرّكون بهذا الاتّجاه. حسناً، يجب الالتفات إلى هذه القضية. فإنّ رقابة الدولة في هذا المجال مهمّة جداً. فإلى جانب الدعم الذي تقدّمه الدولة، عليها أن تقوم بالرقابة. فلتُقدّم التسهيلات بحسب حصة الإنتاج، ولكن يجب مراقبة أولئك الذين أشرت إليهم من الانتهازيين والمستغلّين حتى لا يستفيدوا من هذه التسهيلات للقيام بأعمالٍ أخرى، حيث حدث مثل هذا الأمر واطلعنا عليه ووصلتنا تقاريرُ حول حالات متعدّدة. يجب التصرّف بحزم تجاه هذه الحالات حتى يقوم المنتج الصادق، والمحب للعمل، والمهتمّ بالإنتاج، بعمله.

 

الواردات

القضية الأخرى ترتبط بالواردات، والتي قد أشير إليها أيضاً. حيث إنّني تحدّثت لمرّات عديدة مع المسؤولين بخصوصها. ولا يوجد من يعترض على الواردات إنّما يلزم تنظيمها وضبطها. فمجرّد أنّنا لا نريد خلوّ السوق من البضاعة الفلانية في أحدى المناسبات كمناسبة العيد مثلاً لا يُعدّ مبرّراً كاملاً لزيادة الواردات. يجب الالتفات

 

429


354

خطاب الولي 2011

جيداً إلى الإنتاج المحلّي بما يتعلّق بالواردات. وبالطبع، يُقال إنّ الواردات تساهم في رفع القدرة التنافسية للإنتاج المحلّي، فإذا لم يكن هناك واردات فإنّ المنتج المحلّي لن يولي أهمية للكيفية أو القيمة الصافية، فالواردات تفرض عليه هذا الأمر. وبرأيي إنّ هذا المنطق ليس منطقاً قوياّ كفاية. لقد كان لنا مباحثات بهذا الخصوص مع بعض المسؤولين.

 

وبما يتعلّق بالواردات أشير خصوصاً إلى القطاع الزراعي. فباعتقادي، إنّ الواردات المتعلّقة بالمحاصيل الزراعية تتطلّب مبرّرات أقوى ممّا يشاهده المرء في هذه الأيام. فنحن لدينا في هذا القطاع منتجات ممتازة. أحد السادة هنا قدّم تقريراً يتعلّق بالصناعة الغذائية. فبلدنا على هذا الصعيد، وباللحاظ الكيفي، من أفضل الدول في العالم. يجب علينا أن نتمكّن من زيادة إنتاجنا. علينا أن نصدّر منتجاتنا الغذائية والزراعية لكي يعلم العالم ما يجري في إيران. لا أن نستورد من أمريكا اللاتينية ومن هنا وهناك ما يشاكلها والتي تكون من الناحية الكيفية بمستوى متدنٍ جداً. إنّني أؤكد على هذا الهدف في قضية الواردات.

 

الصادرات

القضية الأخرى هي قضية الصادرات، حيث إنّ على الدولة أن تساعد الصادرات والمصدّرين. لحسن الحظ وكما أشار أحد السادة في تقريره فإنّ الصادرات غير النفطية نمت بشكلٍ ملحوظ، وسوف تنمو أكثر. نحن نتوقّع أن تصل في المستقبل إلى ما يتناسب معها، بحيث تكون نسبة الصادرات إلى الواردات إيجابية. يجب علينا أن نصل إلى هذا الحد ونتمكّن من الاستغناء في الواقع عن مداخيل النفط. إنّ من أكبر مصائبنا الاقتصادية، لا فقط في الاقتصاد، بل على المستوى العام في البلاد. هو اعتمادنا على مداخيل النفط. لقد ذكرت هذا قبل عدّة سنوات ولم يعجب هذا الكلام مسؤولي الحكومة حينها أنّه يجب علينا الوصول إلى ذاك اليوم الذي لو اضطّررنا أن نوقف صادراتنا لمدّة 15 يوماً أو شهراً واحداً، لأسبابٍ سياسية أو اقتصادية، أن نكون قادرين على ذلك. انظروا إلى هذا العمل كم سيكون له تأثير في إيجاد قدرة عظيمة

 

 

430


355

خطاب الولي 2011

الحكومية. فأنتم عندما تكتشفون في البلد نموذجاً في قطاع الدواجن يدلّ على انتشار الوباء الفلاني على سبيل المثال، فإنّكم لن تتساهلوا أبداً لأنكم تعلمون بأنّ الخسارة لن تنحصر في بضعة آلاف من الدواجن، بل ستتّسع وتنتشر، ولهذا ستقومون بعملية إتلاف فوري ودون أي تردّد. والفساد هو هكذا. فلو شعرتم ورأيتم في أحد الأجهزة الحكومية -وهنا الخطاب موجّه إلى المسؤولين الحكوميين- وجود شائبة فساد فلا ينبغي أن تتساهلوا بشأنها أبداً. ولو تساهلتم فإنّ هذا الأمر سوف ينتشر ويزداد بسرعة، لأنّه يتفاقم بسرعة. فإنّ مرض الفساد الاقتصادي من الأمراض التي تنتشر بقوّة وبسرعة، لهذا عليكم أن تلتفتوا إلى هذه القضية حتماً.

 

ومن الأمور المهمة جداً مسألة البرنامج الجامع المتعلّق بتنمية القطاع التعاوني، حيث أكّدنا عليه في سياسات البند 44 ويجب إنجازه. فنحن بحاجة إلى سياسة كاملة جامعة في مجال القطاع التعاوني. وما أشار إليه أحد السادة من أنّ بعض المنتجات الصغيرة يمكن أن تحصل على التسهيلات المصرفية وغيرها وغيرها، كلّها قابلة للتحقّق في ظلّ التعاونيات، أي إنّ أفضل طرقها إيجاد التعاونيات، فالتعاونيات المنطقية والمعقولة والقانونية والسالمة والقوية يمكنها أن تستفيد في هذه الحالة من الإمكانات والتسهيلات، وهو أمر ممكن.

 

تعريف القطاع الخاص إلى الفرص الاستثمارية

النقطة الأساس الأخرى، هي الاهتمام الجاد بتعريف القطاع الخاص إلى الفرص الاستثمارية في البلد. أي إنّ على فعاليات القطاع الخاص أن يعلموا أين تقع فرص الاستثمار وما هي. الكلّ يجب أن يعلموا، دون تخصيص لأحد دون أحد. فحصر المعلومات بأفراد معينين دون سواهم يؤدي إلى هذه المحسوبيات العجيبة، التي ينجم عنها ذلك الثّراء الطارئ لبعض المستغلّين، كلّ ذلك لأنّهم حازوا على معلومات بشأن تلك البضاعة التي ستنزل إلى السوق أو ذلك المنتج الذي سيُصنع أو يُمنع، أو سعره الذي سيرتفع أو يهبط، أو ذلك القانون الذي سيُقرّ. فالذين حصلوا على هذه المعلومات، سيستغلّون الأمر. لهذا ينبغي تعميم هذه المعلومات، وإدخالها ضمن

 

432


356

خطاب الولي 2011

إطار من الشفافية.

 

وبالطبع، مثل هذا كان مطروحاً في الحكومات السابقة، وفي الحكومة التاسعة والعاشرة قد تمّ إنجاز بعض الأمور، لكنّه غير كافٍ. فيجب القيام بالمزيد.

 

حسناً، لقد دوّنت نقاطاً أخرى سأتجاوزها الآن، لأنّ موعد الأذان قد حان تقريباً. على أمل أن يكون هذا اللقاء قد جعل من كان في قلبه حب لهذا البلد وهذا الشعب ونظام الجمهورية الإسلامية ومستقبل هذه الأمّة، أكثر جدّية في ميدان النشاط والفعالية الاقتصادية إن شاء الله. وكذلك أن يضاعف من نشاطه بوعي وقصد. إنّ هذا الشعار "الهمّة المضاعفة والعمل المضاعف" الذي طرحناه في العام الماضي يجب أن تتمّ العناية به هذه السنة إلى جانب قضية "الجهاد الاقتصادي". وبمشيئة الله يجدّ الجميع ويسعون. فإنّ مستقبل البلد مستقبلٌ جيّد. وإمكاناته استثنائية ولا نظير لها. وبحمد الله إنّ القلوب الطيّبة، والإيمان الجيّد، والهمم العالية، والأيادي القديرة الفاعلة، والأعين الباصرة كثيرة في هذا البلد. إنّ شأن هذا البلد هو أعلى بكثير من أن يكون معدوداً ضمن دول المرتبة الثانية في العالم. يجب أن يكون بالمستوى الأول بين الدّول والشعوب. إنّ سوابقنا التاريخية، وتراثنا الثقافي، وقدراتنا الشعبية، وثرواتنا الطبيعية، كلّها تملي علينا هذا الأمر. يجب أن يكون تحرّكنا على هذا النحو. وإن شاء الله سنصل إلى ذلك الهدف وذلك بفضل الله تعالى.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

433


357

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء أساتذة الجامعات

 

 

 

         

         

المناسبة:   الثالث والعشرون من شهر رمضان المبارك

الحضور:  مجموعة من أساتذة الجامعات

المكان:   طهران

 

الزمان:    ٠٢/٠٦/1390هـ.ش.

23/٠٩/1432هـ.ق.

24/08/2011م.

 

 

435


358

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أشكر الله تعالى على توفيق عقد هذه الجلسة وعلى حضوركم أيّها الإخوة والأخوات، وعلى الكلمات المفيدة جداً والعميقة التي أُلقيت من قبل الخطباء المحترمين. هذه كلّها نِعم من الله، وعلينا جميعاً - لا سيّما أنا شخصياً - أن نكون من الشاكرين لله تعالى، على كلّ واحدة من هذه النعم ونشاهد فيها نزول رحمة الحقّ. كلّ كلمة حسنة تخطر في أذهانكم وتنطقون بها هي مظهر من نزول رحمة الحقّ، والشكر لله على كل هذا. إنّني في هذه الأيّام، عندما أشاهد أوضاع وأحوال بلدنا ومجتمعنا، أشكر الله في كل لحظة على هذه النّعم الكبرى.

 

حسناً، إنّه شهر رمضان واليوم هو الثالث والعشرون منه، والليلة الماضية كانت ليلة عبادة وذِكر ومناجاة، ويُفترض أن تكون القلوب مفعمة بالنورانية الحاصلة من ليلة القدر. فلنسأل الله تعالى أن يجعل هذا الشهر مباركاً علينا وعلى شعبنا وبلدنا وعلى الشعوب المسلمة، وخصوصاً الشعوب الناهضة في المنطقة.

 

للإنصاف، فإنّ وقت الأصدقاء كان قصيراً. أنا سأُعقّب بعدّة جمل حول كلمات السيدات والسادة الذين تحدّثوا. لقد حدّد المقدّم المحترم خمس دقائق، (لكلّ كلمة)، لم يراعِ الأصدقاء الوقت، ممّا دفع المقدّم المحترم إلى تنبيههم ومطالبتهم بشكل متكرّر.كان الوقت قصيراً في الواقع. كان عند السيدات والسّادة الكثير من الأفكار، وأنا، بدون أي مبالغة ومجاملة، كنت أتمنّى وأحبّ أن يكون الوقت أطول وكذلك الحال والنشاط أكثر، ولاستطاع الإنسان حينها أن يستمع لكلّ واحدٍ من الأصدقاء لمدّة نصف ساعة على الأقل، فلقد طُرح الكثير من المسائل الجيّدة. المسائل التي طرحها الأصدقاء كانت مسائل موزونة وناضجة. توجد نقاط جديدة في كلام الأصدقاء، وهي لافتة وجديدة بالنسبة لي، وممّا يُدخل السرور إلى قلب الإنسان. اقتراحات لافتة في مجالات

 

 

 

437


359

خطاب الولي 2011

 الصناعة، والعلم، والجامعة، والعمارة، وتخطيط المدن، والفنّ، والعلوم الإنسانية. هذه الاقتراحات هي تلك الأشياء نفسها التي كنتُ أتمنّى دوماً أن أسمعها على لسان النخب العلمية والجامعية عندنا والآن تحقّقت هذه الأمنية.

 

الحاجة إلى الفكر

النقطة التي لمستها هذه السنة بشكلٍ واضح، هي اتجاه كلمات الأصدقاء بشكل أكبر نحو الجانب الفكريّ والنظريّ وليس مجرّد تقديم الاقتراحات التنفيذية والعملية، والتي هي شيءٌ ضروريّ وجيّد في موضعه. وهذا الفكر هو السّند الداعم لأيّة حركة علميّة. فكما أشار بعض الأصدقاء، وهو أمرٌ صحيحٌ بشكلٍ كامل، نحن نحتاج إلى الفكر، نحتاج إلى الفلسفة، كي نتمكّن من المضيّ قُدُماً وحلّ المشكلات في مجال العلم، والتقنية، وإدارة البلاد، والقضايا المختلفة للمجتمع. الحاجة للفكر قبل العلم. ولقد لاحظتُ هذا التوجّه. بعض النقاط التي تناولها الأصدقاء، ولحسن الحظ، تمّت دراستها وبحثها في المراكز الفكريّة ومراكز القرار، وتمّ إنجاز بعض الأعمال والتي سيتمّ الكشف عنها بالتدريج إن شاء الله. لقد كانت مسائل إنتاج العلم، وإنتاج الفكر، والنهضة العلمية، ونهضة البرمجة، تُطرَح في المجتمع بغربة وصارت الآن تشّكل الخطاب الأساس والشائع، وستتحول هذه النقاط، التي تُطرح هنا وهناك أو التي ليست محل اهتمام، في يوم من الأيام إن شاء الله، إلى الخطاب الغالب في المجتمع بشكلٍ تدريجي.

 

لقد أشار أحد الأصدقاء إلى وجود فراغ سببه غياب المؤسسة التي تنظر إلى المستقبل بشكل كلّي. حسناً، لقاءات الأفكار الاستراتيجية هذه هي التي تسدّ هذا الفراغ. وإن شاء الله، بالتعاون بين كلّ أهل الفكر، ينبغي أن تُنجز، وبالتدريج، أعمالٌ كبرى على هذا الأساس.

 

يوجد بعض الملاحظات أيضاً حول كلمات الأصدقاء، سأتجاوزها بسبب ضيق الوقت، لكنّني أوصي في هذا المجال العاملين في مكتبنا وكذلك المسؤولين المحترمين الموجودين هنا بأن يجمعوا هذه الاقتراحات. إحدى بركات هذه الجلسة هي هذه الأفكار التي يطرحها الأصدقاء. إحدى حاجات مجتمعنا هي هذا، أن يجلس جمع من

 

 

 

438


360

خطاب الولي 2011

أصحاب الفكر ويقوم من بينهم من يطرح حصيلة فكره وتجربته والتي يستند بعضها إلى خلفية إنسانية وفكرية عريقة وعميقة. هذه الأفكار تنتقل بالتدريج من الإطار الشخصي لتصل إلى الإطار الجماعيّ وتتحوّل إلى الخطاب العام للمجتمع. فليجمعوا هذه الاقتراحات. إنّها أفكار جيّدة، كلامٌ حسن. إنّ بعض هذه الأفكار يمكن تنفيذها حالياً ولديها قابلية الإجراء العمليّ، وبعضها أيضاً يساهم في التقدّم والتطوّر. ما أريد أن أقوله عبارة عن عدّة نقاط قصيرة.

 

صمود الشعب الإيراني

إنّ أحد الأركان الأصلية لوقوف وثبات الشعب الإيراني حالياً هو عبارة عن التقدّم والتطوّر العلميّ للبلاد، والتي أعقبها تقدّم عملي وإنجازات في العديد من المجالات. صمود الشعب الإيراني، هو حدثٌ مجيدٌ في العالم. نحن في وسط الحدث. الذين ينظرون من الخارج يشعرون أكثر بعظمة هذا الصمود.

 

لاحظوا كيف أنّ القوى الاقتصادية الأولى في العالم، القوى العلميّة الأهم، القوى العسكرية والأمنيّة الأولى، كلّها قد شكّلت حالياً جبهة واسعة في مواجهة هذا الشعب، أليس كذلك؟ إنّهم يقومون بأي عمل يستطيعون فعله. يهدّدون أمنياً، ويهدّدون اجتماعياً، وسياسياً، ويغتالون علماءنا، ويفرضون الحظر علينا، وكذلك الضغوط السياسية الكثيرة، ويهدّدون دائماً بالعمل العسكري، وفي الداخل أيضاً يقومون بإثارة الفتن والشغب كلما استطاعوا، لكنّ الشّعب الإيرانيّ والجمهورية الإسلامية وقفا في مقابل كلّ هذا بكلّ قدرة واستقامة. شعبنا لم ينطق بهذه الـ"نعم" التي أرادوا أن ينتزعوها منّا بالقوة. تلك الـ"النعم" التي تعني الخضوع أمام القوى المستبدة في العالم، ولكنه لم يفعل، نحن الذين نقول "لا" في مواجهة نظام السلطة العالميّة، هذه الـ"لا" ليست "لا" للعلم والحضارة والتطوّر أو التجارب المتراكمة للبشر بل هي "لا" للتسلّط والنّهب واستعباد الشعوب، لقد قلنا هذه الـ"لا" وصمدنا وثبتنا عليها، ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ﴾[1]. إنّ ثبات الشعب الإيراني هو صمودٌ مجيدٌ وعظيم.

 

 


[1] سورة فُصِّلَت، الآية 30.    

 

 

439


361

خطاب الولي 2011

الجامعة مركز اقتدار الشعب

إنّ أحد الأركان الهامّة لهذا الصمود هو العلم. إنّه العلم الذي أعطانا الثقّة بالنفس. لو كان نفطنا اليوم بيد الشركات الأجنبية بحيث تقوم باستخراجه وتكريره وتقوم بتمديد الغاز، لو كان النظام الصحي (الغذائي) مرتبطاً بأخصائيين أجانب وغالباً ما يكونون من الأوربيين، لو كان غذاؤنا بأيديهم، لو كانت الزراعة والصناعة بأيدي الإسرائيلين، لو كانت صناعتنا النووية تحت سيطرة فرنسا وألمانيا وغيرهما، لما كنّا نملك اليوم هذه الثقة بالنفس، ولم يكن عندنا قوّة الصمود هذه، ولا هذه العزّة وذلك الشرف. لو كانت أيدينا ممدودة لصناعيّي وعلماء الشرق والغرب لأجل بناء سدّ، وبناء مفاعلٍ أو شقّ جادّة وحفر نفق أو إقامة إهراءات للقمح لما ذاق شعبنا طعم العزّة، ولما كان لمسؤولي البلاد ماء وجه لإظهار وجودهم أمام الاستكبار العالمي، وكذلك لما كان هناك الثقة بالنفس ولا هكذا قوّة إرادة ولا هكذا عزم. من بنى لنا الطرقات والأنفاق والمفاعلات والسدود والجسور وأبحاث الخلايا النووية والطاقة النووية؟ إنّها الجامعة. هي الجامعة التي ساعدت الشعب الإيرانيّ كي يحفظ عزّة نفسه وماء وجهه ويتصدّى لأطماع الأعداء. مسؤولو البلاد هم مدينون أيضاً للجامعة من هذه الجبهة.

 

أهداف العدو في الجامعة

حسناً، ليس هدفي أن أستعرض فضائل الجامعة أمام الجامعيين، بل أريد أن أصل لنتيجة. إنّ عدوّنا ليس بغافل عن مركز اقتدارنا هذا ولن يغفل لاحقاً، علينا أن نعلم هذا. كل ما يشكّل مصدراً لعزّة البلد وعزّة الشعب وثباته واستقامته، فسيتعرّض بلا شكّ إلى هجوم الأعداء.

 

1. حذف العلم

الحسّ الديني، الحسّ الثوري، روح الاستقلال وكل ما شابه في هذا المجال -كالجامعة كما ذكرنا- هو هدف للعدو. ماذا يريدون أن يفعلوا بالجامعة؟ المفترض أنّ عدوّنا قد برمج لعملين في جامعتنا: الأول حذف العلم والثاني حذف الدين، أن يتّم القضاء على العلم في الجامعة، أن يتّم القضاء على الدين في الجامعة. كيف يتّم حذف العلم في

 

 

440


362

خطاب الولي 2011

الجامعة؟ أحد الأعمال الصغيرة في هذا المجال هو اغتيال العلماء، والذي كان آخره عدد من علمائنا الأعزّاء في المجال النوويّ والذين فقدناهم في العام الماضي. المخطّط أوسع من هذا، الاغتيال هو الجزء الأوسط، وإلا فإنّ المسألة أكثر تعقيداً من هذا، وهي إلهاء جامعتنا وأساتذتنا وطلّابنا بالأعمال غير العلميّة، فلا يسمحون لهذا الازدهار العلمي، الذي هو أمنيتنا، بأن يتحقّق.

 

أجل، إنّ سرعة تطوّرنا العلميّ -كما قال الأصدقاء وبناءً على الإحصاءات الموجودة عندي والتي طالما قلتها وأقولها وأفتخر بها- هي سرعة جيّدة جداً، لكنّ نقطة انطلاقنا متأخرة. أجل، البلد الذي ذُكِرَ سرعته أقل منّا، لكن نقطة انطلاقه متقدّمة كثيراً عن المرحلة التي بدأنا بها نحن.

 

إنّ علينا أن نعوّض هذا الفارق. علينا أن نركض. إنّ علينا أن نصبح روّاد هذا الميدان، القفزة النوعية ضرورية. هذا أولاً، وسأذكر لاحقاً بضع نقاط تتعلّق بهذا الأمر.

 

2. حذف الدين

والشيء الآخر هو حذف الدين، فإذا أصبحت جامعتنا جامعة علميّة بحتة، فلا دين فيها ولا أخلاق، فسينزل على مجتمعنا وبلدنا ومستقبلنا ذلك البلاء نفسه الذي نزل على مجتمع الغرب العلميّ. الغرب مجتمع علميّ ولكنه ليس مجتمعاً سعيداً. فلا أمن أخلاقي هناك ولا أمن نفسي، لا انسجام أسري وعائلي. لا أخلاق ولا معنويات. الفراغ الأساس للبشر هو هذه الأمور. هذه ليست سعادة، نحن لا نريد هذا. نحن نطلب السعادة، ننشد الأمن الحقيقي والمعنويّ. لا يمكن الوصول إليه بدون علم، أو بالعلم ولكن بدون دين، الدين ضروريّ. على المجتمع أن يكون مجتمعاً دينياً، وعلى رأسه الجامعة. على الجامعة أن تكون جامعة متديّنة. لا يؤخذ مفهوم "التديّن" من كلامي بشكل خاطىء.

 

التديّن بمعنى المعرفة الدينية العميقة، الإيمان العميق والاعتقاد الراسخ بالدين والمعارف الدينية، والذي يتبعه العمل بالطبع، ينبغي أن نسعى لهذا، هذا واجب الجميع، ولا سيّما أنتم أيّها الأساتذة المحترمون. كلمة واحدة تقولونها أحياناً، يكون تأثيرها أكبر من ساعة أو ساعتين خطابة منّي أنا العالم الديني، لا فرق هنا بين معلّم ومعلّم وبين درس وآخر. يمكن للأستاذ أن يترك تأثيراً عميقاً في

 

 

441


363

خطاب الولي 2011

الصف على تشكّل فكر الشباب وأذهانهم وعملهم وقلوبهم وإيمانهم. تأمّلوا في هذا الأمر وفكّروا فيه، فهو مهم جداً.

 

بالطبع، عندي كلام في مجال العلوم الإنسانيّة. لقد قدّم أحد الأصدقاء هنا اقتراحاً، ولقد كان قد خطر هذا الاقتراح نفسه على ذهني، إن شاء الله سنعقد جلسة خاصّة لأساتذة العلوم الإنسانية فقط. نحن طرحنا فكرة مهمة في هذا المجال السنة الماضية، وهي تحتاج إلى تعميق وتوضيح، يدرك الإنسان مدى أهميّة البحث والكلام والشّرح في هذا المجال عندما يتأمّل ردود الأفعال على ما طُرح. علينا أن نقوم بهذا كي نتمكّن من المضيّ قُدماً فنصل إلى تلك النقطة الأصلية فلا يحدث تلقٍّ خاطئ لهذه المسألة.

 

الطب النسائي

أنا سجّلت هنا فهرساً عن مجالات التطوّر العلمي للبلد، أنتم تعرفونه، لطالما كرّرت هذا، وكذا تكرّر في وسائل الإعلام. لكن بما أنّ إحدى السيدات ذكرت مسألة هنا وهي مهمة جداً بالنسبة لي، فسأذكر مجالاً واحداً لهذا التطوّر، الطب النسائي. هذا مجال مهم جداً. إنّنا وصلنا اليوم إلى مستويات من التطوّر الطبّي حيث صار لدينا تقريباً موقعية عالمية. الأهمّ من هذا، فإنّ السيدات في بلدنا غير مضطرّات، وفي أيّ مرض، لمراجعة طبيب رجل، توجد طبيبات في جميع المجالات يمكنهنّ مراجعتهنّ للعلاج. هذه الأرضيّة متوفّرة في بلدنا حالياً. لعلّكم أنتم الشباب ممّن لم تدركوا مرحلة ما قبل الثورة ولا معلومات لديكم حول هذا، لا تقدّرون أهمية هذه القضية. ليس فقط للأشخاص المتديّنين، بل حتّى للآخرين ذوي مستوى التديّنٍ الأقل، فإنّ هذه المسألة مهمة. لدي نماذج في ذهني ولكن لا أرى ضرورة لذكرها. لقد تحقّق هذا الإنجاز في بلدنا، وهو قيّم جداً. لدينا نماذج كثيرة من أنواع هذا التطوّر العلمي في البلاد.

 

ضرورة حفظ العلم مقترناً بالإيمان في الجامعة

فإذن، المسألة أنّ علينا أن نحفظ العلم مقترناً بالإيمان في الجامعة. للأساتذة دورٌ في هذا المجال، من خلال كلامهم وسلوكهم. يريد العدوّ أن يدفع شبابنا -وخاصة الجامعيين الذين هم روّاد الفكر والعلم وإدارة مستقبلنا في هذا البلد - نحو رفض

 

 

442


364

خطاب الولي 2011

واستنتاج الظواهر، فيفهم ما هي هذه الظاهرة، كيف حدثت ولماذا ظهرت؟ عندها لا يخطىء في التحليل والحكم عليها.

 

بالطبع، إنّ العدوّ يُغرِق الساحة بوابل التحليلات بشكلٍ مستمرّ. هذا العدد الهائل من وسائل الإعلام والذي تمّ إحصاؤه وتقديمه لنا منذ فترة، شيءٌ مدهشٌ وعجيب! هذا عدا مواقع الإنترنت -الإنترنت أصبح اليوم عالماً بلا حدود- أعني هذه الفضائيات والإذاعات ومحطّات التلفاز. التحليلات المتكرّرة في هذه الوسائل والتي تهدف إلى مواجهة الجمهورية الإسلامية والنظام الإسلامي والشعب الإيراني مملّة وتبعث على الضجر (لكثرتها وتشابهها). هؤلاء الذين يضخّون هذه الكميّات الكبيرة من التحليلات، يعلمون أنّ الناس لا يستمعون إلى جميع ما يقولون. لكنّهم يسعون جهدهم للوصول إلى أيّ عدد ممكن من الناس، يخلطون الصدق بالكذب، ليستخلصوا منه تحليلاً خاطئاً وسيئاً، "ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان" يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "فلو أنّ الباطل خلُص من مزاج الحقّ لم يخفَ على المرتادين، ولو أنّ الحقّ خلُص من لَبْس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين، ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان"[1] يخلطون لقمة من الحقّ ولقمة من الباطل ليقدّموا للناس الذين لا علم لهم، غذاءً لا يدلّ ظاهره على كونه مسموماً، هذه التحليلات تترك أثرها في الأذهان. التحليلات التي تُسْمَع أحياناً في بعض المجامع الجامعية والطلابية ومن قبل بعض الأساتذة، يلمس الإنسان فيها آثار عدم المعرفة والاطّلاع. لا يوجد أحد مقصّر. بناءً على هذا، ينبغي للأساتذة أن يمتلكوا الاطّلاع والإشراف على المسائل والأحداث.

 

أهمية جلسات التواصل بين المسؤولين والجامعيين

من الضروريّ أن تُعقد جلسات نقد وأسئلة وأجوبة بين المسؤولين والجامعيين. أنا، منذ سنوات طويلة، لطالما أوصيت المسؤولين ورؤساء الجمهورية المتعاقبين أن يذهبوا إلى الجامعة، اذهبوا وتحدّثوا مع طلاّب الجامعات. وأنا شخصياً كنت أذهب

 

 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص88 .

 

444


365

خطاب الولي 2011

دائماً. أنا منذ أوائل الثورة، ومن قبل الثورة، كنت على تواصل مع الطلاّب الجامعيين وكنت أوصي الآخرين بذلك. والآن أيضاً أكرّر القول أن يجلس المسؤولون مع أساتذة الجامعات في لقاءات أسئلة وأجوبة. هذه الأسئلة والأجوبة قيّمة جداً. وهي تساعد كثيراً، تساعد المسؤولين وكذلك تساعد أساتذة الجامعات وأيضاً فإنّها تساعد الجوّ العلميّ للجامعات. فليتقبّل المسؤولون الحضور في الأوساط الجامعية، وليتقبلوا النقد البنّاء. الكثير من الكلام الذي قيل هنا أو الذي يُقال في جلسات مشابهة، يمكن أن يهدي المسؤولين ويرشدهم. ولا يمكن للمسؤولين مهما علت درجاتهم العلمية ومعرفتهم وتجربتهم أن يستغنوا عن الاستماع إلى أفكار المثقفين والنّخب والاستفادة من آرائهم.

 

الإنسان يستفيد حقاً من هذه الآراء. ينبغي أن لا يستنكف المسؤولون عن هذا العمل، وأن يقبلوا بالنقد الموضوعيّ والعلميّ وبالنقد البنّاء. ولا ينبغي أن نسارع إلى اتّهام أيّ شخصٍ ينتقد بأنّه مخالف للنظام وأنّه كذا وكذا... لا، الكثير من الآراء الناقدة ناشئة من الشفقة والاهتمام. ينبغي للإنسان أن يقبل ذلك الإنسان الذي ينتقده بشفقة ورحمة. هذا من جهة المسؤولين، حيث إنّ هذا هو واجبهم. بالطبع، فإنّ على الأساتذة المحترمين أيضاً أن لا يبغوا التخريب. البيان الانتقادي يختلف عن التخريب، البيان الانتقادي يختلف عن إكمال مخطّط العدوّ وبرامجه، ويختلف أيضاً عن التشاؤم ونشر جو التشاؤم في الأجواء العامة للبلاد، لا ينبغي للانتقاد أن يكون كذلك، ينبغي أن يكون مشفقاً رحيماً.

 

والاطّلاع على مسائل المنطقة هو كذلك أيضاً، وكذا على المسائل العالميّة. هذه الأحداث التي تجري حالياً حولنا، على درجة عالية من الأهمية، تأثيرها كبير.

 

ولادة أنظمة شعبية بروح إسلامية

إنّ العالم على مشارف حدثٍ عظيم. هذا الحدث له بعدان، بُعدان احتماليان: أحدهما احتماله قويّ والآخر احتماله أضعف. الاحتمال الأضعف هو أن تتمكّن أجهزة القوى الاستكبارية، بالاستفادة من فرصة ما ومن قدراتها الإعلامية، من العودة مجدّداً للتحكّم بالمنطقة وتهيئة الأرضية للسيطرة عليها لمدّة خمسين أو ستين سنة

 

 

 

445


366

خطاب الولي 2011

أخرى. وهذا احتمالٌ ضعيفٌ ولكنّه موجود، وقد بدأوا بالعمل عليه وأنتم تلاحظون ما يجري. أعتقد أنّ مسألة ليبيا هي الأكثر رعباً وإثارة للمخاوف، حيث إنّهم يستغلّون فراغاً موجوداً هناك، هكذا شنّوا هجوماً ويريدون أن يثبّتوا وجودهم هناك. بالطبع، هذا احتمالٌ ضعيف. الاحتمال الأقوى هو أن تنتصر إرادة وبصيرة الشعوب فتتمكّن من إقامة أنظمة شعبية وستكون هذه الأنظمة أنظمة شعبية وإسلاميّة رغم أنف الاستكبار والصهيونية وأمريكا وغيرها، أشكال هذه الأنظمة تكون مختلفة، ولكنّ روحها إسلامية، لأن هذه الشعوب هي شعوب مسلمة.

 

منذ مدّة، قدّم لي بعض الأشخاص المتابعين تقريراً حول عدد حافظي القرآن في ليبيا، عددهم عجيب، لو صرّح الإنسان بهذه الإحصاءات فالكثيرون، ربما، لن يصدّقوا، أنا أيضاً لن أذكر العدد، لأنّني لم أصل إلى اطمئنانٍ كامل. حسناً، هذه علامة تدلّ على النّزعة الدينية لهذا الشعب. عندما يشارك هذا الشعب في الانتخابات، إذا كان اختياره مبنياً على البصيرة، فمن المعروف كيف ومن سيختار، هذا الأمر نفسه قد قاله الأمريكيون منذ عدّة سنوات إنّه إذا أُجريت أيّة انتخابات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستكون نتيجتها حتماً لصالح المسلمين، لصالح التيار الإسلامي، ولو لم يدلّ ظاهر القضية على ذلك. من كان يتخيّل أن الغليان الإسلامي سيكون بهذه القوّة في مصر؟ لم يكونوا يسمحون له بالبروز. على أيّ حال، هذا حدثٌ كبيرٌ قد وقع في هذه المنطقة. فإمّا أن يتّجه الجوّ الإقليميّ العام ليُشكّل تياراً يتحرّك نحو تأسيس ائتلافٍ إسلاميّ قويّ واضح المعالم ذي حجم بشري كبير ولديه نخب كثيرة -وهذا الاحتمال أكبر- وإمّا، لا سمح الله، أن تعود المنطقة لاستعمار آخر يؤّخر حركة الشعوب لخمسين أو ستين أو مائة سنة أخرى، إلى أن تعود الشعوب لتفهم وتُجرّب وتعرف أنّها تعرّضت للخيانة وتستفيق مجدّداً. على كلّ حال، إنّه حدثٌ مهم. ونحن لا يمكننا أن نقف بشكل لا مبالٍ أمام ما يحصل حالياً، لا يمكننا أن لا نحلّل، لا يمكننا أن لا نعرف بشكل صحيح. ينبغي للأساتذة المحترمين أن يبذلوا جهودهم في هذا المجال.

 

 

446


367

خطاب الولي 2011

فشل النظريات الغربية

إحدى نتائج أو هوامش أحداث المنطقة -التي هي أهم من هوامش- هي فشل النظريّات الغربيّة. كل نظرياتهم في مجال الاقتصاد -وأنتم تشاهدون أوضاعهم الاقتصادية حالياً- وفي مجال السياسة، إدارتهم السياسية تغرق أكثر فأكثر في وحول مستنقع هذه المنطقة. بعد كلّ هذه الجهود والأعمال التي قاموا بها في هذه المنطقة والنفوذ الذي أوجدوه، يزول حضورهم واقتدارهم السياسي بهذا الشكل. هذا يدلّ على أنّ نظريات الغرب في مجال السياسة والاقتصاد إنّما هي نظريات ناقصة وعقيمة ولا فائدة منها، وهذا يشجّعنا أكثر فأكثر إلى أن نرجع إلى أنفسنا لنجد نظرية الإسلام والفكر الإسلامي.

 

ضرورة بثّ روح جديدة في النهضة العلمية

نقطة أخرى، هي ضرورة بثّ روح جديدة في نهضة علمية عميقة وسريعة. الحركة جيّدة -أشرت لهذا سابقاً- لكن ينبغي أن تُنفخ روح جديدة فيها. جزءٌ مهم من إمكانيات جامعات بلدنا لم تلتحق حتى الآن بركب التطوّر العلميّ. كل القابليّات الجماعيّة ينبغي أن تنشغل ببحث التطوّر العلمي. على الجميع أن يشاركوا ويندمجوا من الجامعات المختلفة إلى الأساتذة في كل مكان والطلاب الجامعيين -وخاصة الطلاب النخب والمستنيرين الذين يوجد منهم نوابغ أيضاً- على الجميع أن يعملوا ويساهموا في هذا التطوّر العلميّ. هذه نقطة، النقطة الأخرى هي الأمر الذي أشار إليه واحد أو اثنان من الأصدقاء ولطالما أوصيت به أيضاً: العلم النافع، العلم الذي ينفع البلاد.

 

ينبغي أن تكون منظومتنا العلميّة صحيحة وسليمة، حيث تتكفّل "الخريطة العلمية الشاملة" حالياً بهذا العمل. على منظومتنا العلمية أن تكون منظومة كاملة، يُعرف منها ما هي حاجاتنا، وما هو مدى احتياجنا، كيفية التناسب بين الأقسام العلمية المختلفة. فلا يظهر تطوّرنا بشكل كاريكاتوري، أن تكون خريطة منسجمة، تطوّراً منسجماً وصحيحاً، ينبغي نشر ثقافة الإبداع في جامعاتنا. كل هذه القابليات المليونية للأساتذة والطلاب عندنا ينبغي أن تنزل إلى ميدان الإبداع العلمي، أن يتحوّل هذا إلى

 

 

447


368

خطاب الولي 2011

ثقافة. على طالبنا الجامعيّ أن يفكّر من البداية أن يتعلّم كي ينتج العلم، فلا يتعلم للتقليد وهكذا يقبل أشياء لا يمكن تغييرها لاحقاً. ينبغي أيضاً أن تُزال الموانع من أمامه.

 

إشراك الجامعات في حلّ مسائل البلاد العلمية

نقطة أخرى أعتقد بأنّها مهمة، إشراك الجامعات في حلّ مسائل البلاد العلمية. حسناً، أنتم تلاحظون اليوم أنّ أساتذة محترمين، من اختصاصات علمية مختلفة، قد تحدّثوا. ويسمع الإنسان في كلّ اختصاص كلاماً جديداً، هذا مثير للاهتمام. إلى أي مدى تستطيع الأجهزة الإدارية في البلاد أن تستفيد من الجامعات ومن النتاجات الذهنية والفكرية للنخب الوطنية. التعامل الشكلي والتقدير الظاهري لا يكفيان، ينبغي إيجاد تعامل حقيقي. ينبغي أن يتمّ بنحوٍ تكون مقالاتنا العلمية ناظرة إلى احتياجات البلاد. لقد قُدمت هنا إحصاءات عن المقالات العلمية في مجال الصحّة والسلامة. ينبغي أن تكون نسبة تسعين بالمئة من المقالات التي تُكتب، في المسائل العلمية للبلاد، ناظرة للمسائل الداخلية واحتياجات البلاد. ينبغي أن تتّجه 90% من رسائل التخرّج والأطروحات لحلّ مشاكل البلاد. حسناً، الآن افترضوا أنّنا قلنا "جهادٌ اقتصاديّ". هذه مسألة، والجميع قد صدّق بأن العام هو فعلاً عام الجهاد الاقتصاديّ، أي أنّه ينبغي القيام بجهادٍ اقتصاديّ. سؤالي الآن هو التالي: كم كان عدد اللقاءات العلمية وعدد المقالات البحثية والمشاريع العملية في مجال الجهاد الاقتصادي في البلاد، في هذا العام؟ الجهاد الاقتصاديّ ذو أبعادٍ متعدّدة. فهو يرتبط أيضاً بكلية الحقوق، وبكليات الاقتصاد والفنون والعلوم كذلك. إذا أردنا أن نلتفت إلى أبعاد الجهاد الاقتصاديّ، فإنّ جميع المؤسّسات العلميّة ستنشغل بشكلٍ مباشر أو غير مباشر في مسألة الجهاد الاقتصاديّ. إذن، لدى كلّ مؤسسة وكلّ جهاز مسألة يمكنه من خلالها أن يتابع ويطرح قضية الجهاد الاقتصاديّ، ولكن هذا لم يحصل. على الجامعات أن تنشغل في حلّ مسائل البلاد. الهدف من العلم هو إيصال النفع والفائدة. ينبغي أن يكون العلم نافعاً للناس، ينبغي الاستفادة من بركات ذلك العلم.

 

بالطبع، إنّ للحركة العلمية في البلاد نقاط قوّة ونقاط ضعف. لقد تفضّل الأصدقاء

 

 

448


369

خطاب الولي 2011

في المكتب وسجّلوا ملاحظات، فلم يكن هناك مجال لكي أسجّلها أنا، ولو كنت سجّلتها أيضاً فالمجال الآن لا يتّسع لذكرها.

 

مسألتان مهمتان

1. الخريطة العلمية الشاملة

هناك عنوانان ينبغي أنّ لا يتّم نسيانهما: الأوّل هو تلك المنظومة العلمية الكاملة -حيث إنّ المنظومة العلمية للبلاد ينبغي أن تكون منظومة كاملة- وهي الخريطة العلمية الشاملة. بالطبع، إنّ تنفيذ الخريطة العلمية الشاملة هو أهم من إعدادها. إعداد الخريطة كان عملاً مهماً. لقد بذل الأصدقاء في المجلس الأعلى للثورة الثقافية جهوداً كبيرة وتعاونت معهم الأجهزة المسؤولة، وخاصة أساتذة الجامعات الذين ساعدوهم كثيراً في هذه السنوات الأخيرة واستخرجوا معاً الخريطة الشاملة، جيد جداً، هذه الخريطة ينبغي أن تُنفّذ عملياً. أسلوب التنفيذ تمّت الإشارة إليه في الخريطة نفسها. ينبغي أن يُبذل أضعاف مضاعفة من جهود إعداد الخريطة الشاملة لكي يتمّ تنفيذها عملياً. هذا عملٌ أساس ومهمّ، فإذا تمّ إنجازه، فسيتمّ حينها إعداد المنظومة العلمية الكاملة للبلاد. نضيف الاختصاص الفلاني، ننقص أو نحذف الاختصاص الفلاني، نوجد اختصاصاً آخر، كل هذا سيتمّ وفق المنظومة العلمية الكاملة.

 

2. الدورة المتكاملة للفكرة العلمية

مسألة أخرى هي دورة الفكرة العلمية حتى وصولها للمستهلك، هذا أيضاً أمرٌ مهم جداً. بالطبع، هذا يتعلّق بالحكومة وتعاون الحكومة مع الجامعات، والذي تُعد هذه الحدائق إحدى نماذجه التي أشار إليها بعض الأصدقاء وتوجد أيضاً نماذج أخرى منه. فكرة العمل العلمي تتشكّل في ذهن النخبة، ثم تتحوّل لاحقاً إلى علم، وبعدها تتبدّل إلى تقنية ومن ثمّ تصبح صناعة لتنزل في مرحلة لاحقة إلى سوق الاستهلاك. ردّة الفعل والانطباع حول هذا المنتج يعيد إنتاج الفكرة مجدّداً. هذه الدورة ينبغي أن تتابع حركتها بهذا الشكل. هذا يستلزم تعاوناً وتنسيقاً بين الحكومة والأجهزة الصناعية والإدارية والأجهزة الجامعية وينبغي أن يحصل عملياً.

 

 

449


370

خطاب الولي 2011

يوم القدس العالمي

حسناً، نحن على مشارف يوم القدس. يوم القدس هو يومٌ عالميّ إسلاميّ بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، هو يومٌ، يمكن فيه للشعب الإيراني، وبمساعدة الشعوب التوّاقة الأخرى -والتي لحسن الحظ أصبح عددها اليوم أكثر فأكثر- من أن يصدح بكلمة الحقّ، هذه الكلمة التي سعت أجهزة الاستكبار لمدّة ستين سنة من أجل إطفائها وإخمادها -بالطبع فالستون سنة هي أقلّ تقدير ومنذ تأسيس الكيان الغاصب وإلاّ فإنّ مقدّماته تعود لما قبله بمئة سنة- ستّون سنة وهم يحاولون حذف فلسطين من خريطة العالم الجغرافية. كانوا قد نجحوا نسبياً ولكن الثورة الإسلامية قامت وصفعتهم على أفواههم. إنّ تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية وإعلان يوم القدس وتبديل سفارة الكيان الغاصب بسفارة فلسطين، كانت حركات محذّرة وفعّالة للوقوف في مواجهة هذه الخطة الاستكبارية. لحسن الحظّ فإنّ هذه الحركة تنمو وتنتشر في كل يوم بشكل أكبر.

 

كذلك، فإنّ يوم القدس هو دعم لأمن بلدنا أيضاً. فليعلم جميع أفراد شعبنا العزيز بهذا، كل من ينزل إلى الشارع في يوم القدس، فإنّه يساهم بدوره في الحفاظ على أمن البلد وأمن الشعب وإنجازات ثورته. إنّ يوم القدس هو يومٌ عظيم، يومٌ مهم. إن شاء الله فإنّ يوم القدس في هذا العام سيُقام بشكلٍ أضخم من السابق سواء في بلدنا أم في البلدان الإسلامية الأخرى.

 

اللهمّ اجعل كلّ ما قلناه وما سمعناه وما عملناه وما نويناه لك وفي سبيلك، الّلهم بارك لنا في كل هذا.

 

اللهمّ ثبّت أقدامنا في سبيلك.

 

اجعل أعمالنا مقبولة عند إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف ومورد سرور الأرواح الطاهرة لشهدائنا والروح الطاهرة لإمامنا العظيم.

 

واشملنا بدعاء ذلك العظيم.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

450


371

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كان لقاء اليوم لقاء جيداً. أسأل الله تعالى أن يُبارك في الجهود والنوايا الصادقة والكلمات الحريصة وأن يكون هذا اللقاء عوناً لنا - لشعبنا وحكومتنا ومسؤولينا - لنعبر بسهولة هذا الطريق المفعم بالفخر والعزّ والمليء في الوقت عينه بالعقبات.

 

أسبوع الحكومة

أحيّي أولاً "أسبوع الحكومة" المزيّن بذكرى شهيدينا العظيمين وأُهنىء أعضاء الحكومة المحترمين. أحيّي ذكرى هذين الشهيدين اللذين - للحقّ والإنصاف - قد شرعا بأعمال مهمة في مرحلة صعبة وأبدعا وتقدّما إلى الأمام، وأسأل الله تعالى لهما ولبقية الشهداء علو الدرجات.

 

كما أرى من اللازم في هذه المناسبة، وبشكل سريع، أن أُقدّر وأشكر من صميم القلب شعبنا العزيز الذي أظهر تألقاً وجسّد عظمة يوم الجمعة في مسيرات يوم القدس. الحقّ والإنصاف إنّ يوم القدس هذا العام كان رمزاً لحضور وحيوية الشعب الإيراني، الأمر الذي يبعث الأمل في أجواء المنطقة ويدفع الشعوب إلى الاستقامة. كذلك أجد من اللازم أن أشكر للحكومة خدماتها والتي ذُكر اليوم بعضها. وعلى ذكر هذه التقارير، أودّ أن أقول للأخوات والإخوة المحترمين والأعزّاء إنّني أنا من طلبت من السيد رئيس الجمهورية بأن يقوم كل واحد من الوزراء المحترمين بتقديم تقرير حول الأعمال التابعة لوزارته. حسناً كان لقاء جيداً، تقاريركم أيضاً جيّدة، موثّقة ومنطقية ومستندة إلى الإحصاءات، وفي مواضع متعدّدة كانت إحصاءات مقارنة، وكلّ هذا مطلوب وكان ينبغي أن يتم ويُنجز.

 

 

453


372

خطاب الولي 2011

ضرورة لقاء المسؤولين مع النُخب

النقطة التي أريد إضافتها هنا، أنّه ومن خلال اللقاءات المتعدّدة لي مع نخب البلد وصفوته -الجامعية والحوزوية- على المستويات المختلفة، كان هناك عتب بشكل متكرّر عليكم أيّها المسؤولون المحترمون لأنّكم لا تذهبون إليهم (النخب) ولا تتكلمون معهم في هذه المجالات. هذا الإشكال وارد عليكم. أنا أيضاً منذ عدة أيام وفي لقاء أساتذة الجامعات طرحتُ هذه المسألة وذكروا لي هذا مراراً، في ذلك اللقاء قالوا أيضاً، وأنا طرحته كذلك.

 

حسنا، لقد دار لقاء اليوم بشكل أساس حول المسائل الاقتصادية، والتي هي بالمناسبة المسألة الأساس والمحورية للبلد وإحدى النقاط المهمة والتي تمثّل تحدياً للمسؤولين على المستويات المختلفة وتشكل موضوعاً أساساً عند بعض الأشخاص بين معترض ومنتقد. حسناً، خذوا هذه القضية (الاقتصاد) إلى أوساط النخب، حلّلوا، برّروا، بيّنوا. افرضوا أنّ وزير الاقتصاد المحترم أو المدير العام للبنك المركزي قد حضرا بين جمهور كبير من الجامعيين. من الممكن أحياناً أن تكون بين الأسئلة أو الانتقادات التي تُطرح، أسئلة متحيّزة وانتقادات غير منطقية وغير علمية، فليكن، لا بأس في ذلك. أنتم اذهبوا، ولا يكن رأيكم موجَّهاً -بين مئة ومائتين أو خمسمائة شخص- إلى عشرة أشخاص من الذين يمكن أن يفكّروا بهذه الطريقة المتحيّزة أحياناً. ركّزوا على الأربعمائة والتسعين الآخرين بين هؤلاء الخمسمائة شخص وقولوا ما لديكم. من الممكن أن تُطرح أحياناً انتقادات مفيدة لكم، أي أنّه في مجالات البنى التحتية والأعمال الاقتصادية وفي المجالات المتعلّقة بالعمل وما شابه، سيخلق الانتقاد نمواً ورشداً. أعتقد أنّ هذا العمل هو عمل ضروري، هذه توصيتي.

 

مطلبنا هو أن يتم نشر هذا اللقاء بتفاصيله، أي أن تُعرض هذه التقارير التي قدّمها الأصدقاء، الوزراء المحترمون لرئيس الجمهورية، واحدة واحدة في الإعلام كي يسمعها الناس. لكنّي أقول لكم إنّ هذه الإحصاءات الرقمية والعددية لا تبقى في أذهان الناس العاديين. الخواص وأهل الاختصاص ينتفعون أكثر بهذه الإحصاءات فيبنون الحسابات والاستنتاجات على أساسها. حسناً، اقصدوا هؤلاء النخب، واطرحوا عليهم

 

 

454


373

خطاب الولي 2011

هذه التقارير. سيكون لهذا نتائج جيدة. أحياناً، من الممكن أن يُشكِلوا عليكم وأن تكون الإشكالات صحيحة، وهذا سيساعدكم أيضاً. أنا عندي هذه التوصية الأكيدة.

 

لا ننتظر فقط أن يقوم رئيس الجمهورية بهذا العمل. الوزراء أيضاً يمكنهم القيام بهذا العمل. بالطبع إذا حضر رئيس الجمهورية المحترم أيضاً في المحافل النخبوية وطرح هذه التقارير، فهذا جيد جداً.

 

التمسّك بالأصول

أريد أن أشير إلى نقطتين أو ثلاث، وهي بمثابة توصياتي الدائمة لكم وطالما أكّدت عليها. إنّ شعارات الحكومة التاسعة والعاشرة (حكومتي الدكتور أحمدي نجاد) كانت شعارات ذات جاذبية لشعبنا المؤمن، مثل المطالبة بالعدالة أو مقاومة الاستكبار أو البساطة في العيش ومواجهة النمط الأرستقراطي، أو محاسبة استغلال المناصب واستغلال العلاقات في الأمور الاقتصادية وغير الاقتصادية أو شعار الخدمة الصادقة. وهنا أقول، وأنتم أيضاً تعلمون، إنّ سبب إقبال الناس على الحكومة وعلى رئيس الجمهورية، سواء في العام 84 (2005م) أم في العام 88 (2009م) إنّما كان هذه الشعارات. أي إنّ الناس قد تعلّقت قلبياً وشعرت بضرورتها وبالحاجة إليها. لا تتخلّوا عن هذه الشعارات. من أهمّ هذه الشعارات، كان التمسّك بالأصول والقيم التي أدخلها إمامنا العظيم وطرحها في المجتمع والتي كانت بالمناسبة سبب نمو ارتباط شعوب الدنيا بالثورة الإسلامية. أي إنّنا ومع عدم امتلاكنا لوسائل الإعلام وعدم معرفتنا الكافية بالأساليب الإعلامية واستخدامها، إلاّ أنّ اسم وحبّ إمامنا العظيم قد سرى وجرى بين الشعوب وفي جميع أنحاء الدنيا، لقد تم ذلك بسبب هذه الشعارات وبسبب هذه التوجهات والرؤى. بمجرد أن تقفوا مقابل القدرة المسيطرة ظاهرياً للاستكبار والتي مظهرها حالياً أمريكا والصهيونية العالمية، فذلك يُوجد قيمة، نفس هذا الأمر يُوجد محبة لكم، يبعث الأمل ويبثّه في قلب الشعوب، لا ينبغي خسارة هذا. احذروا جيداً أن يتم تخطي هذه الشعارات في الأساليب، في التصريحات، في نوع التعامل وفي نمط العمل ونتائجه.

 

 

455


374

خطاب الولي 2011

اعملوا لله

اعملوا لله. وليس لأنّ الناس تحب هذا العمل، كلا. إذا أصبح الهدف كسب قلوب الناس فسيكون الفشل نصيبنا "لأقطَعنّ أمل كلّ مؤمّل غيري"[1]. هذا حديث قدسي، كما يخطر في ذهني، وهو منقول بسند معتبر عن كلام لله تعالى بأن يقطع أمل كلّ شخص يضع أمله في غيره. ينبغي أن يكون أملنا في الله، أن نعمل لله، بالطبع نحن نعلم بأنّ العمل لله له جاذبية. هذه الشعارات، هي شعارات إلهية. إذا ضعف هذا التمسك بهذه الشعارات، وإذا قلّ الإلتزام والتقيّد بها فإنّ التوفيقات الإلهية ستسلب أيضاً. إنّ الكثير من النجاحات التي عندكم في ميدان العمل، وكذلك كلّ ما كان ناجحاً منذ بداية الثورة وحتى اليوم إنّما كان من التوفيقات الإلهية الشاملة للعاملين وهذا هو العون الإلهي. إن لم يكن العمل لله، ستُسلب منا هذه النجاحات. ينبغي أن يستمر ذلك الشوق والنشاط والسعي للخدمة الصادقة بدون منّ وانتظار مقابل. هذه نقطة أساس.

 

نقاط القوّة ونقاط الضعف

النقطة الثانية: لقد ذكرتها أيضاً يوم لقائي مع مجموعة من مسؤولي البلاد، أن بيّنوا للناس نقاط القوّة، وكذلك بيّنوا نقاط ضعفكم، هذا مهم أيضاً. هذا أمر مؤثر. اليوم مثلاً، لاحظت بين تقارير الأصدقاء إشارات إلى نقاط الضعف، ولكن بعبارات كـ"يجب أن تتم". هذه الـ "يجب" هي دلالة على الحاجة إلى عمل ينبغي أن يُنجز ولكنه لم ينجز. قولوا هذا بشكل صريح. قولوا كان يجب أن نقوم بهذا العمل ولكن حتى الآن لم نستطع القيام به. لا أحد يؤاخذ شخصاً على عدم استطاعته. تقولون حسناً، في مقابل هذه الأعمال العشرة التي أُنجزت، هذان عملان، هذه الأعمال الثلاثة، الخمسة لم يتم إنجازها، ونحن مصمّمون على القيام بها. بيّنوا هذا، وبشكل صريح. فلا بأس، ولا يأخذكم الخوف من تطابق كلام المنتقد الفلاني - والذي يمكن أن يكون مغرضاً أحياناً- مع كلامكم أنتم. حسنا فليفعل. ما الإشكال في هذا؟ قولوا نعم، هذا

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص66.

 

456


375

خطاب الولي 2011

الانتقاد وارد علينا. اطرحوا هذا، ولكن قولوا إننا عازمون أن نرفع هذا الإشكال. قولوا إنّنا أنجزنا هذه الأعمال، وسنقوم بتلك الأعمال. هذه توصيتي.

 

بالطبع يمكن التعامل بطريقتين مع الانتقادات التي تُوجّه للحكومة من قبل وسائل الإعلام والجرائد أو بعض المراكز الحقوقية:

الأولى: تتمثّل في أسلوب التبيين والتوضيح، وهي طريقة جيّدة.

 

الثانية: هي النزوع نحو المخاصمة وهي ليست جيّدة. لا يكن الأمر هكذا بأن تقولوا: بما أنّهم يهاجمون الحكومة، بما أنّ الانتقاد مُغرض، ينبغي أن نتعامل معهم هكذا. كلا، بيّنوا المسائل، فالتبيين أمر ضروري. أسلوب التبيين هو هذا، بيّنوا المسائل في لقاءات عامّة مع الناس، أوضحوا ما يجري، فلتُطرح الأسئلة وأنتم قدموا الإجابات، هكذا يكون التبيين، وكذلك يتم عرض هذا في وسائل الإعلام.

 

إذا تم التبيين بشكل جيد، فلن يصل غرض المغرضين إلى نتيجة. هناك نقطة أخرى أريد ذكرها على هامش مسألة الالتفات إلى نقاط الضعف، هي أنّ إحدى نقاط الضعف أن لا نلاحظ الأولويات في الأعمال. أشار أحد السادة -وإشارته صحيحة- إلى أنّه ينبغي أن نكمل المشاريع المتوقفة في وسط العمل. هذا جيد جداً، هذا العمل ضروري، لطالما أكدت على هذا. لكن حدِّدوا المطلوب، شكّلوا فريق عمل، مهمّته أن يدرس ويحدد الأولويات في المشاريع غير المكتملة الإنجاز - وقد ذُكر رقم معيّن لعدد هذه المشاريع - أيها ضروري، وله الأولوية، أيها أعطيت وعود أكثر بشأنه أو أن الناس تنتظر إنجازه أولاً، حددوا هذا، ثمّ قوموا بإتمام هذه المشاريع.

 

وليكن هذا متقدّماً على المشاريع الجديدة. كم هو جميل أن يتمّ تحقيق جميع الوعود التي أعطتها الحكومة للناس. إذا وُعد الناس بأعمال لم تُنجز، فإنّ هذا سيخلق مشاكل، ليس للحكومة وحسب بل للنظام ككلّ.

 

أشار السيد رئيس الجمهورية إلى أنّهم يقولون لنا إنّكم رفعتم مستوى توقّع الناس. إنّ رفع مستوى التوقّعات لدى الناس ليس بسبب ذكركم لنواقصكم، كلا، إنّ مستوى التوقّعات يرتفع من خلال إعطاء الوعود للناس. إذا استطعنا أن نفي بهذه الوعود وننجزها، فإنّ التوقّعات تتبدّل إلى إيمان واعتقاد لدى الناس، هذا أمر جيّد.

 

 

457


376

خطاب الولي 2011

فلنعمل بشكل نُنجز معه كلّ ما نقوله وليرَ الناس أنّه قد أُنجز وأُكمل. لاحظتُ اليوم أنّ إحصاءاتكم هي إحصاءات مقارنة - وهو أمر جيد جداً ومناسب- فلتكن إحدى المقارنات: المقارنة بين ما قلنا إنّنا سننجزه وبين ما أنجزناه من أعمال حتى الآن. إذا حصلتم على نسبة الواحد بالمئة، نرى حينها كيف يكون الوضع. هذا أمر مهم جداً.

 

الجهاد الاقتصادي

هناك نقطة أخرى، هي مسألة الجهاد الاقتصادي والتي طُرحت بشكل متكرّر، وطرحها الأصدقاء اليوم أيضاً. إنّ مباني واستدلالات إعلان عام "الجهاد الاقتصادي" معلومة لكم كونكم داخل الحكومة. أي إنّنا نعتبر أنّ الجهاد الاقتصادي هو ضرورة للبلاد وليس صرف أولوية، هو حاجة مبرمة، أولاً لأنّ الاقتصاد والتقدّم الاقتصادي والازدهار الاقتصادي هي أمور مرتبطة بمعيشة الناس بشكل مباشر.

 

كانت معيشة الناس وما زالت في طليعة أهداف جميع الحكومات في كل أنحاء الدنيا وعلى مرّ التاريخ. بالطبع نحن نقصد الحكومات التي تحب الناس، وليس تلك الحكومات المتسلطة والجبارة. كل حكومة تريد أن تخدم الناس بشكل جيّد، يكون همّها الأساس معيشة الناس كي تتمكّن من إدارتهم.

 

حسناً، هذا الأمر يرتبط بالاقتصاد. يمكن لاقتصاد جيّد وسليم ومزدهر ومتقّدم أن يُحسّن وضع حياة الناس. حسناً، هذا واحد من الأدلّة على ضرورة أن نجاهد في العمل الاقتصادي.

 

الأُفق المستقبلي

مسألة أخرى هي مسألة تحقيق خطّة "الأُفق المستقبلي". لقد رُسمت أهداف هذه الخطة وهي وثيقة عليا مُلزِمة، ينبغي علينا أن نلتزم بها حتماً. بدون الجهاد الاقتصادي لن نتمكن من الوصول لأهداف هذا الأفق.

 

في "الأُفق المستقبلي" تُطرح إيران على أنّها القدرة الاقتصادية الأولى في المنطقة. إذا بقينا في الخلف في هذا الميدان -الذي هو ميدان سباق- فسنتلقى ضربة فادحة. يومها وفي ذلك اللقاء طُرح الموضوع أيضاً، على أنّه ليس معايرة وغيرة بين الدول، المسألة

 

458


377

خطاب الولي 2011

هي أنّه وسط هذه التحدّيات العامّة وميدان التحّرك الكلّي للحكومات في هذه البرهة من الزمان، إذا تخلّف أحد فسيتم سحقه وتجاوزه. إنّ تقدمنا الاقتصادي الذي يوصلنا لتحقيق أهداف "الأُفق المستقبلي" مطلوب لأنّه إن لم نصل لهذا المستوى فإن شعبنا وبلدنا سيتلقيان ضربات موجعة، قد تصل أحياناً إلى حد الضربات المهلكة. ينبغي أن نصل إلى هناك، هذه حاجتنا.

 

بالالتفات إلى الشعارات التي نطلقها ولأهداف الثورة الإسلامية، فلا سبيل سوى هذا. في الحقيقة إنّ النظام الإسلامي قد وضع نظام الاستكبار والسلطة والإلحاد اليوم أمام تحدّ كبير، هذه حركة قد انطلقت. يصعب وصف الخسائر التي ستنتج من هذه الهزيمة في هذا الميدان والتي لن تكون منحصرة في شعبنا فقط. لذلك لا بد من الانتصار في هذا الميدان. هذا الانتصار غير ممكن بهذه الوسائل، يلزمه وسائل أخرى متعدّدة. من جملتها التقدّم الاقتصادي. هناك مسألة أخرى، هي أنّ أعداء النظام الإسلامي وأعداء الشعب الإيراني اليوم يستخدمون الوسائل الاقتصادية كسلاح ضدّنا، ومثاله الحظر والعقوبات التي ذُكرت.

 

هنا أرى لزاماً عليّ أن أتقدّم بالشكر من هذه المجموعة التي تعمل في مواجهة الحظر والعقوبات. ينبغي الاستفادة من كلّ الأساليب الصحيحة والمنطقية والذكيّة والعاقلة فاستفيدوا منها. أبطلوا مفعول الحظر. وأبطلوا خطط العدو عظيمة الهيكل في الظاهر لكنّها ضعيفة في الحقيقة. عندما نشاهد في مواجهتنا هذا الحجم العظيم في ظاهره، لتحركات الاستكبار العسكرية والاقتصادية، يتذكّر الإنسان الهر في الصور المتحركة "توم وجيري" حيث إنّ حركاته كثيرة وضجيجه عال وحجمه ضخم ولكن نتيجة أعماله ليست كما يتوقع المشاهدون. هكذا هو الواقع. وهذا يعتمد على فطنتكم. لقد قالو إنّها عقوبات ذكية أو عقوبات مُشلّة. لكنّنا نرى أنّ هذه العقوبات لم تكن ذكية ولا مُشلّة. حسناً، هذه العقوبات جعلتنا نصل إلى الاكتفاء الذاتي في الكثير من الأمور التي لم نكن نملكها سابقاً، وجعلتنا ننطلق بنشاط في المجالات العلمية، وأن نشهد أعمالاً كبرى في مجالات الإنتاج الصناعي والعسكري وغير العسكري في بلدنا، وأن نصل إلى طرق متنوعة لإبطال مفعول هذا الحظر.

 

 

459


378

خطاب الولي 2011

سيتم إبطال كلّ هذه العقوبات، اعلموا هذا. فهم لا يمكنهم ولا يتحمّلون الاستمرار في هذه الحركة وهذا السلوك لمدة طويلة. هذا غير ممكن، أي إنّ العالم لا يقبل بهذا. العالم اليوم ليس ذلك العالم الذي يسمع كلام أمريكا ويطيع أوامرها. مع أنّ مندوبها مثلاً يذهب للبلد الفلاني ويوبّخ ويفعل كذا وكذا. هذا الوضع سيستمر لمدة قصيرة، ولكنّه غير قابل للاستمرار. وقلتُ منذ عدة أشهر، واليوم أنتم تشاهدون، ما اعتبروه سيشلّنا (العقوبات) في بداية هذا العام، وتوقّعوا أنّ وضعنا الاقتصادي سيُصاب بالشلل خلال بضعة أشهر. ولكن ها قد مضت على هذه الأشهر عدة أشهر أخرى، واقتصادنا لم يصب بالشلل بل إنّنا شهدنا وبحمد الله حركة أفضل للأمام. الجهاد الاقتصادي هو لهذا الأمر. أي إنه ينبغي إن شاء الله أن نقوم بجهاد وحركة هادفة وواعية بالتوكّل على الله تعالى وبالاعتماد على الدعم الإلهي.

 

حسنا هناك مصداق من هذا الجهاد الاقتصادي، هو مشروع التحوّل الاقتصادي والذي طرحته الحكومة منذ سنتين أو ثلاث سنوات. إحدى نقاط التحول الاقتصادي كان ترشيد الدعم الحكومي، حسناً، بحمد الله تمّ تصديق قانونه وجرى تنفيذه. وبالمناسبة أنا عندي سؤال في مجال دعم الإنتاج. لقد ذكر السادة في تقاريرهم، لكن ذلك الدعم الذي تم تصديقه قانونياً لدعم الإنتاج لم يتحقق. يجب أن تدعموا الإنتاج. وبالطبع فإنّ هذه الأجهزة المُنتجة سوف تتمكّن على المدى البعيد من الوقوف على قدميها. وإن شاء الله سيصبحون أقوى يوماً بعد يوم ويستغنون عن الدعم. لكن وعلى المدى القريب ينبغي ضخّ الموارد اللازمة لهم. بالطبع إن كان هناك من يزوّر، أو يأخذ مال المصارف لينفقها على غير الإنتاج، تعاملوا معه بشدّة وحسم ولا ترحموا النمور ذات الأنياب الحادة. ولكن حين تكون هناك حاجة، ينبغي أن تذهبوا وتساعدوا حتماً.

 

إذن، في مشروع الترشيد، ينبغي الالتفات حتماً إلى هذا القسم.

 

كذلك ينبغي الالتفات إلى الأقسام الأخرى للمشروع، أحدها مسألة الجمرك -والتي ذكر أحد السادة في تقريره اليوم أن مشروع قانونه قد أرسل إلى المجلس (النيابي)- وقسم آخر مسألة سياسات النظام المصرفي والنقدي للبلاد.

 

هذه النقاط الخمس أو الست الموجودة في مشروع التحول، ينبغي أن تنفّذ. إعملوا

 

 

460


379

خطاب الولي 2011

بطريقة أن تنطلق هذه الأعمال في المدة الباقية للحكومة، كي تستمر. أي لا تتركوا الأعمال تتعطل في منتصفها. هذه الأعمال لا تتم في سنتين. مشروع الترشيد هذا له مراحل متنوعة أيضاً. حين تبدأون، تكونون قد أنجزتم العمل. التقدّم بنفسه يُعدّ في الواقع إتماماً للعمل.

 

 البداية نفسها، تعني إتمام العمل بشكل من الأشكال، خاصة إذا بدأ جيداً وصحيحاً ومستنداً إلى أصول سليمة.

 

كذلك قُدّم تقرير حول مسألة الواردات، وهي في الواقع من المسائل التي تقلقني. والآن هذا التقرير أيضاً.

 

و لكن ما يشاهده الإنسان، يثير القلق بنسبة معينة. صحيح، من الممكن أن يكون نمو مستوى نسبة الواردات إلى الصادرات غير النفطية قد انخفض، وهذا المعدل قد انخفض -وهذا أمر إيجابي بحد ذاته- ولكن لا تكتفوا بهذا، وخاصة في المجالات الزراعية والبساتين وغيرها من المجالات التي ذُكرت. هذه من الأشياء التي ينبغي تجنب استيرادها قدر المستطاع. اتجهوا نحو تصنيع الصادرات الزراعية، وهذا ما ذُكر في التقارير. هذه أمور مهمة. إن شاء الله يتم الاعتماد عليها. الناس يتحملون أيضاً ويقبلون بهذا.

 

بناءً على هذا، أعيدوا النظر بشكل جدي في مجال سياسات الاستيراد وخاصة في البضائع التي لدينا أفضلية في إنتاجها، سواء كانت صناعية أم زراعية. فليتم اجتناب النظرة المجتزأة إلى الواردات، أي أن يتحرك كل قسم في الحكومة للاستيراد حسب حاجته هو.

 

العمل الثقافي

هناك مسألة أخرى لا تتعلّق بالمسائل الاقتصادية وهي متعلّقة بالثقافة، حيث لم يتم اليوم تقديم تقرير عنها، وتمّ تأجيله. وأرى من الواجب أن أوصي به الأصدقاء في الحكومة، وهو أن تتعاملوا مع مسألة الثقافة بجدّ وعلى قدر عال من الأهمية.

 

إذاً، أنجزنا الأعمال الاقتصادية كما هو في البرنامج وآمالنا متعلقة به، ولكن إذا بقينا متأخرين في مجال العمل الثقافي، اعلموا بأنّ البلد سيُمنى بخسارة فادحة.

 

 

461


380

خطاب الولي 2011

توصيات للحكومة

هناك مسائل متعددة. توصيتي لكم في مجال الارتباط بإيران، التعلّق بالبلد والاهتمام بإيران، التفتوا إلى بعض النقاط. إحداها أنّ القسم الأهمّ المتعلّق بالبلاد هو اللغة والآداب، هكذا يتحقّق الاهتمام بإيران. عندنا لغات مختلفة في البلد، لكن اللغة الوطنية هي اللغة الفارسية. الذين يتكلمون اللغات الأخرى هم أنفسهم من المروّجين للغة الفارسية بالدرجة الأولى. فأهم المقالات في مجال اللغة الفارسية كتبها الناطقون باللغة التركية، وإنني أقول هذا على أساس معلومات موثقة...... (أحد المسؤولين: الأكراد هم هكذا أيضاً) إن شاء الله الأكراد أيضا يكتبون، لا بأس نحن نرحب بذلك. لقد كتب المحققون البارزون الناطقون بالتركية في البلد، طوال العقود الأخيرة، أفضل وأقوى المقالات في مجال اللغة الفارسية. بناء على هذا لا نتصور أن اللغة الفارسية ليست رمزاً للوطنية الإيرانية، بل هي كذلك. ينبغي الإتكاء على هذا الموضوع. وكذا ينبغي الإتكاء على إيران بعد الإسلام. فالافتخارات التي حازت عليها إيران بعد الإسلام لم تكن في أي عصر من العصور التاريخية الأخرى، إنّ ما أقوله لكم قابل للاستدلال والإثبات. إنّ توسُّع البلد والإنتصارات العسكرية الكبرى، والتقدم العلمي العظيم في المجالات المختلفة كل هذا متعلق بمراحل ما بعد الإسلام. وهذا لا يعني أنّ إيران قبل الإسلام لم تكن تملك شيئاً، لا بل كانت تملك ولكن ما كان لديها هو ناقص وقليل بالنسبة إلى العصر الإسلامي. بالطبع هناك أشياء تُطرح كإنجازات قديمة ولكنها غير موثقة ولا يمكن لأحد إثباتها. مسائل غير قابلة للإثبات. ولكن إنجازات العصر الإسلامي قابلة للإثبات، واضحة. أنظروا إلى التقدم العسكري والعلمي والثقافي لإيران في زمان الديلم والسلاجقة ومن ثم في العهد الصفوي وحتى بينهما كيف كانت في عهد المغول. عندما جاء المغول إلى إيران، صاروا إيرانيين وتأثروا بالثقافة الإيرانية، كما أنهم عندما ذهبوا إلى الهند صاروا هنوداً. كم من الأعمال البارزة والعظيمة في المجال العلمي والثقافي والفني قد أنجزت في ذلك العهد؟ إذا أراد أحد أن يدافع عن إيران والنزعة الإيرانية، حسناً فإيران العصر الإسلامي (هي الأفضل) إنجازاتها أكثر توثيقاً واستدلالاً وقبولاً بالإضافة إلى كونها أمام الأعين. كتابها ظاهر للعيان، عمارتها ظاهرة، آثارها

 

 

462


381

خطاب الولي 2011

العلمية ظاهرة. تاريخها مدوّن وهو واضح.

 

نقطة أخيرة أيضاً - والظاهر أننا نقترب من أذان الظهر- هي أن تحلّوا مسألة التعاون بين القوى (التشريعية، التنفيذية والقضائية). وأنا لطالما أوصيت القوى بذلك، لكن بما أنكم القوة التنفيذية وأنتم حاضرون هنا ينبغي أن أوصيكم هنا، تنازلوا، كلما استطعتم وفي المواضع التي يمكن التنازل فيها. ما الإشكال في ذلك؟ بيّنوا مواقفكم حين يمكن التبيين. حين يمكن حل المسألة من خلال إيجاد علاقات صداقة حلّوها بهذا الشكل. لماذا أصر على عقد اجتماع رؤساء القوى إلى هذا الحد؟ عندما يُعقد اجتماع رؤساء القوى يتمّ حل الكثير من المشكلات.

 

في اللقاءات التي تجري وجهاً لوجه، يجلسون ويتحدثون معاً. يحل هذا العمل الكثير من المشكلات. هذه تجربتنا من الماضي. لنفرض أنّ الأصدقاء قد سلكوا سبلاً متعددة ولكن لم يصلوا إلى نتيجة، ولكن لا بأس، توجد سبل أخرى. مهما حصل فإنّ اختلاف الآراء والأذواق أو الاختلاف في فهم القانون، ينبغي أن يحُلّ هكذا. إعملوا على أن يصبح هذا التواصل حميماً. إذا شاهدنا من الطرف الآخر سلوكاً لا نرتضيه، فلنراجع أنفسنا أيضاً لنرى هل كان لنا دخل في نشوء تلك الأجواء المتلبدة أم لا. فلنراقب، إن كان لنا دخل، فلنقم بإصلاح دورنا وتأثيرنا. إنني أدعو لكم أيها المسؤولون المحترمون ولرؤساء القوى ولجميع العاملين في المجال العام فرداً فرداً.

 

نسأل الله تعالى أن يفيض عليكم من توفيقه كي تتمكنوا من إنجاز العمل المتوقع منكم بأفضل طريقة.

 

أخلصوا النوايا، انزلوا إلى ساحة العمل بصدق وصداقة وصفاء ولا تدعوا هذا الجهد والاجتهاد الذي عرفتم به والحمد لله، ينقص ولو قليلاً. 

 

و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

464


382

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في صلاة عيد الفطر السعيد

 

         

         

         

المناسبة:   صلاة عيد الفطر السعيد

الحضور:  جمع من كبار المسؤولين وجُموع غفيرة من المصلين من مختلف شرائح المجتمع

المكان:   طهران

 

الزمان:    09/06/1390ﻫ.ش.

01/10/1432ﻫ.ق.

31/08/2011م.

 

 

464


383

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الخطبة الأولى

 

الحمد الله ربّ العالمين والصّلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين لاسيّما بقيّة الله في الأرضين.

 

مبارك عيد الفطر السعيد لكم جميعاً أيّها الإخوة والأخوات المُصلون الأعزّاء ولكلّ شعب إيران والأمّة الإسلاميّة العظيمة في كلّ أنحاء العالم. وأسأل الله تعالى في هذا اليوم الشريف والمبارك أن يُنزل رحمته وفضله على جميع الإخوة والأخوات المسلمين والمسلمات في كل أنحاء العالم، وأن يتقبّل طاعاتهم وعباداتهم في هذا الشهر على أحسن وجه، وإن شاء الله أن يجعل هذا اليوم يوم عيدٍ واقعيّ للأمّة الإسلامية.

 

ثمار شهر رمضان

في شهر رمضان المبارك تمكّن الكثير من الناس أن ينالوا ثماراً ونتاجات كثيرة، ثماراً سيكون لها بركاتٌ لا لسنتهم الآتية فحسب، بل في بعض الأحيان لكلّ عمرهم. فبعضهم نال حالة الأُنس مع القرآن واستفاد من معارفه وتدبّر فيه، وبعضٌ جعلوا الأُنس والمناجاة مع الله في هذا الشهر سيرتهم ومنهاج حياتهم ونوّروا قلوبهم بذلك.

 

صام الناس، وبواسطة الصيام حقّقوا في أنفسهم صفاءً حيث سيكون لهذا الصفاء وهذه النورانيّة والأُنس بركات كثيرة في الحياة الفرديّة والاجتماعيّة. فهذا الصفاء النفسانيّ يُعطي الإنسان حُسن الفكر وتطهير النفس من الحسد والبخل والكبر والشهوات. الصفاء في نفس الإنسان يجعل بيئة المجتمع بيئة آمنة وأمينة على المستوى الروحي والمعنوي، يُقرّب القلوب ويجعل المؤمنين يتراحمون مع بعضهم بعضاً ويزداد

 

467


384

خطاب الولي 2011

ومخاطبته في أنفسنا. لو أنّكم تحدّثتم مع الله، فإنّ الله يتحدّث معكم، ﴿فَٱذۡكُرُونِيٓ أَذۡكُرۡكُمۡ﴾[1].

 

اللهمّ بمحمّد وآل محمّد، اجعل مجتمعنا مجتمعاً قرآنياً دائماً، ومجتمعاً مليئاً بالصفاء وأهل المحبّة والوداد، مجتمعاً منسجماً ومتحابّاً.

 

اللهمّ أوصل هذا الشعب العظيم وهؤلاء الشباب الأعزّاء إلى آمالهم السامية وأهدافهم العظيمة، وانصرهم على أعدائهم.

 

اللهمّ أرضِ عنّا القلب المقدّس لوليّ العصر، اجعلنا مشمولين بأدعيته.

 

اللهمّ ارضِ عنّا روح إمامنا الجليل المطهّر وأرواح شهدائنا الطيّبة.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

﴿وَٱلۡعَصۡرِ ١ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ ٢ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾[2].

 


[1] سورة الرعد، الآية 17.

[2] سورة فصلت، الآية 30.

 

468


385

خطاب الولي 2011

الخطبة الثانية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

والحمد الله ربّ العالمين ونحمده ونستعينه ونستغفره ونتوكّل عليه ونُصلّي ونُسلّم على حبيبه ونجيبه سيّد خلقه سيّدنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين لا سيّما عليّ أمير المؤمنين، والصدّيقة الطّاهرة، والحسن والحسين سيديّ شباب أهل الجنّة، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن عليّ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ، والخلف القائم المهديّ، حُجَجِك على عبادك وأمنائك في بلادك وصلِّ على أئمّة المسلمين وحماة المستضعفين وهداة المؤمنين.

 

في الخطبة الثانية نُشير إلى وضعنا ووضع العالم. وبداية أرى من الضروريّ أن أشكر شعبنا الشريف والعزيز لحضوره القيّم والعظيم في تظاهرات يوم القدس. أريد أن أشكر هذا الشعب العظيم، ولست أنا ممّن يملك شيئاً، فالأمر متعلّقٌ بهذا الشعب نفسه، وإنّ ما قام به إنّما قام به لنفسه، وتحرّك تحرّكاً صحيحاً. يجب أن نشكر الله لأجل هذه البصيرة العامّة والهمّة الشاملة وهذه الدوافع الواسعة التي وُجدت في قلوب نسائنا ورجالنا المسلمين.

 

لقد كان يوم القدس هذه السنة يوماً جليلاً جداً. والأحداث التي جرت في المنطقة أدّت إلى أن تشارك بعض الشعوب الإسلاميّة الأخرى هذه السنة أكثر من السنوات السابقة في هذا الامتحان الكبير وهذه الحركة العظيمة المعادية للاستكبار. ونسأل الله تعالى أن يحدّ من شرّ وجود الصهاينة الظالمين ومصّاصي الدماء تجاه الفلسطينيين والمنطقة.

 

وكذلك أيضاً، من اللازم أن نشكر الله سبحانه وتعالى لحضور الناس المعنويّ في مراسم شهر رمضان. وبحسب ما ذكرت التقارير فقد كان الحضور هذه السنة في المراسم المختلفة لشهر رمضان حضوراً ملفتاً جداً ووسيعاً للغاية وذلك في جميع أنحاء البلد، وهو مؤشّرٌ على رحمة الله ولطفه. فأينما حصل لكم التوفيق والنجاح الذي يُمكّنكم من القيام بعملٍ صالح والمجيء بحسنة، فاشكروا الله، لأنّ ذلك دليلٌ على أنّ الله تعالى يتلطّف بكم ويعتني بكم ويُعطيكم النّجاح. وعندما نفقد التوفيق يجب أن

 

 

469


386

خطاب الولي 2011

فإنّ هذه الحوادث بحمد الله ليست موجودة في بلدنا ولكنّها في النهاية تمثّل تحدّياً، وتجعل الناس متحفّزين. فالتفتوا إلى أن لا يؤدّي هذا التحدّي إلى توجيه ضربة لأمن البلد. فالانتخابات التي تُمثّل مظهر حضور الناس ومظهر الشعبوية الدينية يجب أن تكون دعامتنا الأمنية. فلا ينبغي أن يُسمح لهذا الشيء الذي يمثّل ذخراً أمنياً ودعامة أمنية أن يضرب أمننا. فقد رأيتم وشعرتم ولمستم عن قرب ذاك الوقت الذي أراد الأعداء أن يستغلّوا الانتخابات ضدّ أمن البلد. يجب أن يراقب الجميع ويكونوا واعين. فليلتفت الجميع أفراداً ومسؤولين وأصحاب منابر في السياسة وكل الذين يمكنهم مخاطبة الناس أن يُحذِّروا، ويحرسوا الانتخابات كنعمة إلهية. ولا شكّ بأنّ لدينا كلاماً ذا شجون حول الانتخابات سوف نعرضه للشعب في وقته.

 

أحداث العالم الإسلامي

وها هو العالم الإسلاميّ في هذه الأشهر الأخيرة يمرّ بأحداثٍ كبرى. فالعالم الإسلاميّ يُظهر لكلّ العالمين ولكلّ التاريخ عظمة حضور الناس في الساحة. وذات مرّة قبل 32 سنة، أظهر شعب إيران هذه العظمة وهذا الاقتدار الكبير. فقد نزل شعبنا الأعزل حاملاً الأرواح على الأكفّ إلى الشوارع والميادين وتمكّن من إيجاد تحوّلٍ غيّر مسير تاريخ المنطقة، بل مسير تاريخ العالم بأحد الوجوه. واليوم، مرّة أخرى نجد الناس في الميادين. فإنّ حضورهم فيها سيحلّ العُقد العمياء والأقفال التي لا تُفتح. من كان يفكّر بأنّ عملاء أمريكا والصهيونية في المنطقة يسقطون واحداً بعد الآخر؟! من كان يفكّر بأنّ هناك يداً يمكنها أن تحطّم هذه الأصنام؟! لكنّ هذه اليد كانت موجودة، وهي يد الشعوب. يجب على الجميع أن ينظروا إلى الأُمّة الإسلاميّة بهذه العين. فللأُمّة الإسلاميّة مثل هذه اليد المقتدرة، وهذه أيضاً بالاعتماد على ذكر الله والتكبير وذكر اسم الله الذي أعطى هذا النشاط والاقتدار وهذه الفاعلية، وهو عملٌ عظيمٌ.

 

ولا شكّ بأنّ القضايا لم تنتهِ عند هذا الحدّ ولن تنتهي، فهذه بداية، بداية طريقٍ طويلٍ. ويجب على الشعوب أن تكون واعية. فنحن قد مررنا بهذه التجربة، فبعد أن خرجت الساحة الثورية مع كلّ عظمتها وجلالها من حالتها الثورية وجاءت حكومة

 

 

472


387

خطاب الولي 2011

ودولة إلى العمل، وجدناهم مباشرة يتحرّكون من أجل العودة، علّهم يتمكّنون بأساليبهم وحِيَلهم المختلفة من السيطرة على الأمور، وأن يركبوا الأمواج، وأن يستغلّوا الوضعية الحاصلة. إلا أنّ وعي الشعب وقيادة إمامنا الجليل المُشاكِلَة لقيادة الأنبياء، حالا دون ذلك. والشعوب الإسلاميّة تحتاج اليوم إلى مثل هذا الوعي سواء كانت في مصر أم ليبيا أم تونس أم اليمن أم باقي الدّول. فلا ينبغي أن تدع هذه الانتصارات التي تحقّقت بأيديهم تُصادر من قبل الأعداء، فلا ينسوا، أولئك الذين يتدّخلون اليوم في الساحة الليبية ويعدّون أنفسهم أصحاب القضية هم الذين كانوا قبل عدّة صباحات يجلسون مع نفس أولئك الذين كانوا يظلمون الشعب الليبيّ وينادمونهم، قد جاؤوا اليوم ويريدون أن يستغلّوا الوضع، فيجب على الشعوب أن تكون يقظة وواعية.

 

بالطبع، نحن قلقون جدّاً على وضع البحرين. فهذا الشعب يتعرّض للظلم، يتم تقديم الوعود له ولكن لا يُعمل بها. إنّ شعب البحرين شعبٌ مظلوم، ولا شكّ أنّ كلّ تحرّكٍ وإقدامٍ عندما يكون لله، ويكون مليئاً بالعزم والإرادة، فسوف ينتصر لا محالة، وهذا أمرٌ يصدق في جميع الأمكنة، ويصدق هناك كذلك.

 

والمطلب الأخير بشأن الصومال، فإنّ الغصّة الكبيرة التي غشيت قلوبنا اليوم هي غصّة شعب الصومال. ولحسن الحظّ فإنّ شعبنا قد عمل جيداً في هذا المجال، وقدّم مساعدات جيّدة، لكن، كل ما يمكنكم عليه مسؤولين وغير مسؤولين قوموا به على صعيد المساعدات حتّى يرفع الله هذه المحنة.

 

اللهم! بمحمّد وآل محمّد اجعل الأُمّة الإسلامية والشعوب الإسلاميّة أكثر عزّة وشرفاً يوماً بعد يوم.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

﴿إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ ١ وَرَأَيۡتَ ٱلنَّاسَ يَدۡخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا﴾[1]

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 


[1] سورة النصر، الآيات 1 - 3.

 

 

 

473


388

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في عيد الفطر السعيد

 

 

 

 

 

المناسبة:   عيد الفطر السعيد

الحضور:  قادة النظام وسفراء الدول الإسلامية

المكان:   طهران

 

الزمان:    09/06/1390ﻫ.ش.

01/10/1432ﻫـ.ق.

31/08/2011م.

 

475

 


389

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مبارك عيد الفطر السعيد والعظيم لكم أيها الحضور الكريم، ولمسؤولي البلاد الحريصين، وسفراء البلدان الإسلامية المحترمين الحاضرين في هذا المجلس، وكذلك لكلّ أبناء الشعب الإيراني العظيم والأُمّة الإسلامية العظيمة في جميع أنحاء العالم.

 

عيد الفطر، يوم تسلُّم المكافأة

يتخذ المسلمون هذا اليوم عيداً في كل مكان من هذا العالم. إنّ عيد الفطر في الواقع عيد حقيقي للناس السعداء والمؤمنين. إنه بالفعل يوم تسلُّم المكافأة من الله تعالى، عن شهر رياضة اختيارية، تحمّل اختياري، تحمّل اختياري للجوع والعطش، عن شهر ضبط الشهوات البشرية والإنسانية طوال النهار، إنّها (أمور) قيّمة جداً. تتحوّل هذه التمارين إلى ذخيرة للإنسان كي يتمكن وعلى مدى حياته، أن يلجم ويضبط رغباته المُضلّة بإرادة وعزم راسخين. نحن البشر، نحتاج إلى هذا العزم الراسخ لضبط أنفسنا. إنّ طغيان الأنفس وتعدّيها للحدود هو ما يجعل الحياة شاقّة علينا وعلى الآخرين. إنّ هذا التمرين الذي وضعه الله لكل البشر -حيث يستجيب المؤمنون لهذه الدعوة الإلهية وهذا التمرين طوال الشهر- هو في الحقيقة علاج للألم الكبير للبشر، والذي هو عبارة عن اتّباع أهواء النفس، اتّباع الشهوات، الاستسلام مقابل أطماع أنفسنا. ينبغي تقدير هذا التمرين. والحمد لله فإنّ مسلمي العالم يُكرّمون شهر الصيام. والحقّ والإنصاف أنّ شعبنا العزيز أيضاً قد كرّم هذا الشهر وعظّمه وقام بواجباته فيه. في عيد الفطر، نرجو من الله تعالى أن يمنح "عيديّة" لكلّ الأُمّة الإسلامية.

 

477


390

خطاب الولي 2011

تحدّيات الأُمّة الإسلامية الراهنة

تعيش الأُمّة الإسلامية اليوم أحداثاً كبرى. ما ندركه ونشعر به هو أنّ هذه التجربة التي حصلت في بعض البلدان في هذا العالم الإسلامي -حيث جعلت النهضة الإسلامية الناس يحضرون في ساحة تحديد مصيرهم- هي إحدى التجارب المهمة جداً والقيّمة لتاريخ الإسلام.

 

 ما تلاحظون حصوله في مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين وفي بعض البلدان الأخرى، حيث نزل الناس بأنفسهم إلى الميدان، وشمّرت الشعوب عن سواعد همّتها كي تتولى بنفسها تقرير مصيرها، هو من الأحداث الكبرى الخارقة للعادة والحاسمة، وعلى المدى الطويل، يمكن له أن يرسم مسير تاريخ الأُمّة الإسلامية ومسير هذه المنطقة.

 

إذا استطاعت الشعوب الإسلامية، إن شاء الله، في هذه الحركة التي بدأتها، أن تتيقظ وتفرض إرادتها على الذين يسعون للتدخّل في البلدان الإسلامية، فإنّ هذه البلدان ستشهد لفترات طويلة، حركة تقدّم، لكن إذا استطاع أعداء الإسلام والمسلمين -لا سمح الله- أي العالم الاستكباري، أصحاب السلطة، الصهيونية العالمية، النظام الأميريكي المستكبر والظالم أن يركبوا هذه الأمواج -ولا سمح الله- أن يتفوّقوا على عزم الشعوب ويتسلموا زمام الأمور فيوجّهوا سير الأحداث باتجاه مآربهم وأهدافهم، ومن المؤكّد أنّ العالم الإسلامي سيُبتلى مجدداً بمشاكل كبرى لعشرات السنين. ينبغي للأُمّة الإسلامية أن لا تسمح بهذا. ينبغي للنخب السياسية والثقافية أن لا تدع أعداء البلدان الإسلامية يتفوّقون على عزم الشعوب الإسلامية.

 

إنّه يوم امتحان كبير للبلدان الإسلامية وشعوبها. فلم تكن الشعوب تدرك حتى اليوم قدراتها إلى هذا الحدّ.

 

تعرف الشعوب اليوم أي قدرة لديها وكم أنّ إرادتها يمكن أن تؤثّر وتصنع الأحداث. معرفة الشعوب لنفسها هي نعمة عظيمة. بالطبع فإنّ متسلّطي العالم وزعماء امبراطوريات السلطة والقدرة قد فهموا أيضاً ماذا يجري في العالم الإسلامي، لذا فهم لا يقفون مكتوفي الأيدي، إنّهم يرسمون الخطط أيضاً.

 

 

478


391

خطاب الولي 2011

اليوم هو يوم عودة الشعوب الإسلامية إلى هويتها الأصيلة الإسلامية. كل ما عندنا من قوّة وعظمة ومجد، نابع من الإيمان بالإسلام والاعتقاد بقدرة النصرة الإلهية والاتكال على الله تعالى، هذه هي القدرة التي لا يمكن لأيّ قدرة أن تتفوّق عليها. إنّ علينا أن نجعل هذا يتجلّى أكثر فأكثر في قلوبنا وأعمالنا.

 

لقد تمكّن الشعب الإيراني العزيز حتى الآن من الاستمرار في هذه الاستقامة وطيّ الصراط المستقيم بكلّ قدرة وقوّة. وها هو يرى آثار هذا الثبات والاستقامة.

 

إنّ مرحلة الثلاثين عاماً هذه، في ثورتنا وبلدنا، هي واحدة من أكثر المراحل تألّقاً في تاريخنا.

 

طوال ثلاثين عاماً، قامت الأجيال المتعاقبة، شباب الأمس، شباب اليوم، فتيان اليوم -الذين هم شباب الغد- بالتحرّك نحو هدف واحد، بروح واحدة ودافع واحد، وبالتقدّم إلى الأمام في هذه الميادين الصعبة، في مقابل مكر وضغوط الاستكبار -ضغط العقوبات، ضغط التهديد، التهديد العسكري، التهديد السياسي، التهديد الأمني- وبتوفيق من الله تمكنّا من التفوّق على أعدائنا. لم يكونوا يريدون رؤية شعب إيران عزيزاً ومقتدراً ومتقدّماً ومستبشراً، لكن ورغماً عنهم، فإنّ الشعب الإيراني العزيز يقف اليوم عزيزاً، ومتقدّماً ومقتدراً، معتمداً على نفسه وذا أفق وأمل كبيرين بالمستقبل.

 

أسأل الله تعالى، أن يُقدّر للشعب الإيراني والشعوب الإسلامية العزّة أكثر فأكثر. اللّهم اجعل الإسلام والمسلمين مرفوعي الرأس أكثر يوماً بعد يوم.

 

و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

479


392

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أُرحّب بكم كثيراً أيّها السادة المحترمون، الإخوة الأعزّاء. إنّ هذا اللقاء الذي يتمّ مرّة كلّ ستّة أشهر، فيه -إلى جانب جهاته القانونية والزمانية- هذه الفائدة، حيث نلتقي عن قربٍ بالأصدقاء والزملاء وأعزّتنا وإخواننا الطيّبين، وهو بالنسبة لي غنيمة.

 

لحسن الحظ، إنّ مؤتمركم هذا قد أقيم مباشرة بُعيد الأجواء المعنويّة لشهر رمضان التي تهيمن على أجواء هذا اللقاء. وبحسب ما جاء في التقارير -وأنا العبد محاط بالمجريات إلى حدٍّ ما- فإنّ النقاط التي ذكرها السّادة نقاط مفيدة ومهمّة، كلّها دليل على الرحمة الإلهية وتوجب شكر الله.

 

أجواء شهر رمضان في الجمهورية الإسلامية

1. جلسات تلاوة القرآن

إنّ شهر رمضان لهذا العام وبنظرة إجمالية كان أفضل وأعذب وأكثر صفاءً من أشهر رمضان الماضية. ونحن بحمد الله نشعر بذلك كلّ سنة. فجلسات تلاوة القرآن التي أقيمت في المدن المختلفة والتي كانت الواحدة منها في بعض الأحيان تضم أكثر من ألف شخص في اليوم وهم يستمعون إلى التلاوة، دون أن يقتصر هذا على مدينة أو مدينتين، وإنما تكرّر في الكثير من مدن البلد. في الواقع، إنّ المرء لا يعرف كيف يشكر الله، حيث إنّ هذا البلد الذي كان بعيداً عن القرآن وتلاوة القرآن والأُنس بالقرآن في زمن الطاغوت، أصبح اليوم هكذا متفاعلاً مع الآيات الإلهية الكريمة. يرى المرء شباباً وأحداثاً في السنّ يجلسون هناك ويتلون القرآن لمدّة ساعة، وليس أيّة تلاوة بل تلاوة صحيحة ودقيقة ومتوجّهة إلى المعنى والناس يستمعون أيضاً. لو تأمل المرء على مستوى البلد، يمكنه القول إنّ هذا الأُنس بالقرآن وتلاوته في شهر رمضان المبارك قد شمل الملايين.

 

483


393

خطاب الولي 2011

2. جلسات الأدعية

وكذلك الأمر بما يتعلّق بجلسات الأدعية، فتصوّروا مجموعات مليونية تقرأ دعاء أبي حمزة في ليالي شهر رمضان وأسحاره، سواء أولئك الذين يشاركون في الجلسات أم أولئك الذين يستمعون عن طريق التلفزيون والإذاعة في بيوتهم، ويأنسون بهذا الدعاء ويعيشون أجواءه وصفاءه ويذرفون الدموع، فليست هذه بالأمور البسيطة بل هي دلائل لطف الله.

 

3. يوم القدس

بعدها يصل الدور إلى الحضور السياسي للناس في يوم القدس. هنا أيضاً يشاهد المرء يد القدرة الإلهية وهي تجذب قلوب الناس وتأتي بهم إلى قلب الشوارع، وفي ذلك الطقس الحارّ والأفواه الصائمة، فيُظهرون وفاءهم للثورة وقيمها وأهدافها ويعلنون ذلك بنداءاتهم، فينزل العجوز والولد الصغير والنساء والرجال.

 

4. عيد الفطر

ثمّ يأتي دور يوم عيد الفطر وصلاته. هذا التضرّع والدعاء الذي انبعث في يوم عيد الفطر في أرجاء البلاد، حيث اجتمع الناس ودعوا وتضرّعوا وتوجّهوا بالمسألة إلى الرّب المتعال بحالة من التوجّه والتضرّع، فمتى كان لنا مثل هذه الأشياء؟ متى كان بلدنا وطوال التاريخ تاريخ القرون وليس تاريخ السنوات مشحوناً بالآيات الإلهية وكلمات الضّراعة للرّب، كذلك الدعاء والتوجّه والذكر؟ متى سلك كل هؤلاء النّاس مثل هذا الوادي؟ ولأجل من يأتون؟ ولمن يريدون أن يظهروا أنفسهم؟ لا شيء يمكن تصوره كدافع لذلك غير الإخلاص والإيمان والمحبة والاعتقاد بالمباني الإسلامية. حسناً، كلّ هذه موجبات رحمة الله، "اللّهم إنّي أسألك موجبات رحمتك"[1]، فهذه أشياءٌ تستنزل أمطار فيض الله على رؤوسنا.

 

مظاهر التأييد الإلهي

بالطبع، نحن نُخطئ، فلا ندرك أحياناً هذا التفضّل الإلهي ولا نرى يد العطف الربّانية التي تُظلِّنا في مختلف القضايا. بعض الأحيان، نُخطئ من هذه الجهة حيث

 


[1] الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد‏، مصدر سابق‏، ج1، ص61.

 

484


394

خطاب الولي 2011

نتصوّر أنّنا نحن الذين نقوم بمثل هذه الأمور، في حين أنّنا لسنا كذلك. ﴿لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ﴾[1]، "قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن"[2]، فمن الذي يجذب هؤلاء المؤمنين لينزلوا إلى الميادين ويجعلهم متوجّهين إلى الله بهذا الشكل؟ ليست إلا اليد الإلهية والقدرة الربّانية ولا غير، هذه هي الأمور التي تجعلنا متفائلين.

 

 لا أريد الاقتصار على تفصيل الوقائع فنحن جميعاً نشاهدها تباعاً بل أريد أن أصل إلى هذه النتيجة: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَيَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾[3]، فالله تعالى يجعل تأييده إلى جانب النّصرة بواسطة المؤمنين، حيث إنّ الأمر هنا بالظاهر هو النّصرة المعنويّة، مثلما ورد: ﴿أَنِّي مُمِدُّكُم بألف مِّنَ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةِ مُرۡدِفِينَ﴾[4] وأمثالها. ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَيَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ المؤمنون هم الذين يوجبون النّصرة، المؤمنون هم الذين يحفظون النظام ثابتاً، المؤمنون هم الذين يُعبّدون الطريق في الميادين المختلفة حتى يتمكّن النظام الإسلامي من إنجاز الأعمال الكبرى. ونحن لا ينبغي أن نتصوّرها: ﴿قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلۡمٍ عِندِيٓۚ﴾[5]، لا نتصوّرن أنّنا من يفعل ذلك، بل هي فعل الله. هذه النقطة الأولى، حيث يبدو لي أنّ شعبنا بتوفيق الله ولطفه شعبٌ طيّب، وحسناته في وفائه للإيمان ورسوخ هذا الإيمان في القلوب.

 

أنتم ترون مستوى الوسائل التي تُستخدم اليوم لأجل إغواء قلوب الشباب، هو أمرٌ لا يمكن مقارنته مع الماضي. فكل هذه الفضائيات والإنترنت وكل أنواع وأقسام وسائل الإعلام تغوي القلوب وتجذبها وتحرفها عن الطريق، وتُضعِف الدوافع المعنوية في الإنسان وتحرّك غرائزه. فمع وجود هذه جميعاً، نجد كل تلك المجالس التي أُشير إليها وقد شاهدتموها، عامرة بمعظمها بهؤلاء الشباب. وفي بعض الأحيان، حتى عندما لا تدل

 

 


[1] سورة الأنفال، الآية 63.

[2] ابن أبي جمهور الإحسائيّ، عوالي اللئالي، مصدر سابق، ج1، ص48.

[3] سورة الأنفال، الآية 62

[4] سورة الأنفال، الآية 9.

[5] سورة القصص، الآية 78.

 

485


395

خطاب الولي 2011

الشعبوية (الديمقراطية) الدينية، وقضية ولاية الفقيه، وعلى أساس هذا المبنى قام النظام الإسلامي. كانت هذه أوّل تجربة كذلك. فلا يوجد لدينا مثل هذه التجربة في التاريخ، لا في عهد الصفوية ولا في العصور الأخرى، وإن كان في العصر الصفوي من نزل إلى هذا الميدان كأمثال المحقّق الكركي، لكن لم يكن هناك من خبرٍ عن هذا النظام الإسلامي والنظام الفقهي. ففي الحدّ الأقصى جُعل القضاء بعهدة عالمٍ وهو على مستوى المحقّق الكركي مع عظمته، وكان عليه أن يكون رئيساً للقضاة ليُعيّن على سبيل المثال القضاة ولا أكثر، ولم يكن نظام الحكومة والنظام السياسي في المجتمع قائماً على المباني الفقهية. فإيجاد النظام هو الأمر الذي حقّقه إمامنا الجليل. مثلما أشار السيّد مهدوي في كلمته حيث إنّني اطّلعت بالإجمال فإنّ الإمام جعل قضيّة ولاية الفقيه في النجف استدلالية بحثية، وفي مقام العمل جاء بها وقام بتطبيقها ليُحقّق نظاماً إسلاميّاً. حسناً، هنا يوجد مطلبان علينا الالتفات إليهما.

 

التمسّك بالأصول وحفظ الخطوط الأساس للنظام الإسلاميّ

المطلب الأوّل، استمرارية وجود تحدٍّ كبير على طريق حفظ هوية هذا النظام. فهذا الأمر موجودٌ الآن وسيبقى في المستقبل كذلك. ذاك التحدّي هو عبارة عن الجمع بين الوفاء للخطوط الأساس أي أصول النظام ومبانيه والحفاظ عليها من جانبٍ، وبين إنجازات التقدّم الماديّ والمعنويّ للنّظام ومكتسباته من جانبٍ آخر. وقد يبرز مثل هذا التفكير أحياناً، ولبروزه مبرّر، لأنّ تلك الأهداف تترتّب على تلك المباني، فلا يعني ذلك أنّ الأهداف تحصل بسرعة وتتحقّق في ظرف عشر أو عشرين سنة بشكل حتميّ، ففي بعض الأحيان يجب أن تمرّ أجيال حتّى تتحقّق هذه الأهداف التي وُضعت على أساس تلك الأصول. فإذا لم تتحقّق هذه الأهداف على المدى المتوسّط أو القصير تطرأ تلك الوساوس لدى النّخب والمسؤولين بأنّ التزامنا وتمسّكنا بهذه الأصول كان مانعاً من الوصول إلى تلك الأهداف. فهذا تحدٍّ مهمٌّ جداً.

 

قبل مدّة طويلة أشرت في إحدى كلماتي إلى أنّ من مظاهر عظمة الإمام الجليل

 

 

 

487


396

خطاب الولي 2011

هو صبره في هذه القضية. ولا شكّ بأنّ عهده كان عهداً قصيراً لم يطل لأكثر من عشر سنوات لكنّه في هذه المدة قام بإحكام الأصول والقواعد. ومن أعمال الإمام أنّه لم يتنازل عن المباني والأصول في مقابل المشاكل التي كانت تحدث أحياناً سواء في مجال القضايا الداخلية أم في مجال التحدّيات الدولية أي إنّه صبر. لقد عبّرتُ عن ذلك بصبر الإمام. أي إنّ صبره كان بمعنى التحمّل. فمقابل الضغوط التي كانت تأتي، حيث كان يقُال له إنّك لو لم تصدر هذا الحكم، ولو لم تطرح قضية سلمان رشدي، ولو لم يحدث كذا ويحدث كذا، لكان من الممكن أن نُحقّق هذه النجاحات، فلم يتنازل بل أصرّ. ومثل هذا التحدّي موجودٌ إلى يومنا هذا.

 

حسناً، قد يُفكّر بعض الناس في أنّ تمسّكنا بالأصول قد أدّى إلى أن لا نصل إلى هذه الأهداف، والفشل على مستوى الإدارة الداخلية أو على مستوى القضايا الدولية جعلنا نعاني. هذا تحدٍّ مهمّ، ويجب التعامل معه بحنكة وذكاء. كلا، فالمطلوب أن نسلك نحو الهدفين بشكل متوازٍ ونعلم أنّهما ينسجمان معاً، أي حفظ أصول ومباني النظام، وفي الواقع الحفاظ على هويّة النظام من جانبٍ، ومن جانبٍ آخر تحصيل تلك الأهداف التي حدّدها النّظام سواءٌ الأهداف الماديّة والتطوّرات الماديّة والعلميّة والمعيشيّة والمدنيّة وأمثالها، أم الأهداف المعنويّة كاستحكام العدالة وأمثالها. يجب أن نعلم أنّها منسجمة مع بعضها بعضاً. ونحن لا يمكننا أن نصل إلى تلك الأهداف إلا إذا تمسّكنا بهذه الأصول. فلا نعمد إلى التخلّي عن الأصول لأنّنا واجهنا مشاكل أثناء السعي نحو تلك الأهداف، وأن لا نُبتلى بحالة القناعة بالحدّ الأدنى. ولنعلم أنّنا إذا تنازلنا عن الأصول فإنّ هويّة النّظام ستزول ولن نصل إلى تلك الأهداف. لقد شاهدنا أمثال هذه الأمور في الثورات المتعدّدة. وبالطبع، فإنّ أصولهم أصولٌ باطلة، لكنّ تنازلاتهم لم تساعدهم بأيّ شكلٍ.

 

أن نأتي ونطرح قضيّة في العقلانيّة ونقول، "بناء الثورة على أساس العقل"، فإنّ ذلك لا يوصلنا إلى أيّة نتيجة. ما زلت أذكرفي أعوام بداية الثورة تلك الكلمات التي كانت تُذاع حول تسيير الثورة على أساس العقل! فتذرّعوا بالعقلانيّة كوسيلة ليصرفوا

 

 

488


397

خطاب الولي 2011

النّظر عن الأصول والمباني والأركان الأساس، هذا لا ينبغي أن يحصل، ﴿وَإِن تُطِعۡ أَكۡثَرَ مَن فِي ٱلۡأَرۡضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا يَخۡرُصُونَ﴾[1]، فلا ينبغي سحق الأصول. بالطبع هذا عملٌ مهمّ وهناك تعقيدات وصعوبات وفي بعض الموارد قد تحصل بعض الشكوك للنّخبة وصفوة القوم. فيجب أخذ هذا كأصلٍ موضوعيٍّ قطعيّ، وهو أنّ التمسّك بالأصول وحفظ الخطوط الأساس للنظام الإسلاميّ هو أصلٌ.

 

على أساس هذا، يجب السعي نحو التطوّر. لقد مررنا بتجربة ورأينا أنّه يمكن الحفاظ على الأصول ويمكن الوصول إلى التطوّر. إنّ بلدنا اليوم من حيث التقدّم العلميّ والتطوّر التقنيّ وبلحاظ الوعي والنضج السياسيّ، وبلحاظ كشف الطرق والتصنيفات المتعدّدة في المؤسسات المختلفة المؤسّسات الاقتصادية وغيرها لا يمكن مقارنته بما كان عليه مع بدايات الثورة. لقد تقدّمنا كثيراً وتطوّرنا أكثر. وفي نفس الوقت، حافظنا على الأصول. وأينما حصل منا تقصير تجاه الأصول علينا أن نتوب عن ذلك. فلا ينبغي التساهل بشأن الأصول أبداً. كذلك ينبغي أن نعلم أنّ النّصر الإلهيّ مرتبطٌ بهذا الأمر وهو أن نحافظ على هذه الأصول والمباني. هذه نقطة.

 

النقطة الثانية التي نتعرّض لها في هذا المجال هي أنّ بناء النّظام - حيث قلنا إنّ إمامنا الجليل قد حقّق ذلك على أساس المباني الفقهية ليس أمراً دفعيّاً ويتحقّق في مرة واحدة- لا يعني أنّنا إذا اكتشفنا نظاماً على أساس الفقه وقمنا بالاستدلال ووضعناه في الوسط فقد انتهى كل شيء. كلا، ليس الأمر كذلك، إنّ بناء النّظام أمرٌ متواصل، وينبغي أن يُستكمل ويُتمّم يوماً بعد يوم. من الممكن أنّنا قد أخطأنا في محلٍّ ما ولكنّ المهمّ هو أن نُصحّح أنفسنا ونُصلحها انطلاقاً من معرفتنا بهذا الخطأ، فهذا من مكمّلات بناء النّظام، لا أن نقوم بتخريب السابق. فعندما نقول إنّ لبناء النّظام جرياناً وتواصلاً لا يعني ذلك أنّ نُخرّب كل ما بنيناه، فنخرّب دستورنا ونُضيّع نظامنا الحكوميّ ودولتنا. كلا، بل نُحافظ على كلّ ما بنيناه ونتخلّص من نقائصه، ونكمّله، فهذا العمل عملٌ ضروريّ.

 


[1] سورة الأنعام، الآية 116.

 

489


398

خطاب الولي 2011

تنطبق هنا. فلا ينبغي أن نأتي نحن ونقول إنّ علينا أن نُجدّد النّظر من أجل أن ننسجم مع العالم بسبب أنّ الإذاعات الأجنبية والدعايات العدائية ومراكز التخطيط التابعة للعدوّ والضغوط على النّظام الإسلاميّ تعترض على الحكم الفلاني أو المبنى الفلاني، وترفع عقيرتها، كلا، هذا خطأٌ وهذا انحراف، ولا ينبغي أن نُبتلى بمثل هذا الانحراف.

 

الحاجة إلى أبحاث مختصّة بالفقه الحكومي

وفي نفس الوقت هناك قضايا جديدة. في المجال الاقتصادي توجد قضايا جديدة. على سبيل المثال، لقد أنشأنا نظاماً مصرفيّاً إسلامياً. واليوم توجد قضايا جديدة في مجال المال والنّظام المصرفيّ يجب حلّها ويجب النّظر إليها في ظلّ النظام المصرفي الإسلامي البعيد عن الرّبا. فمن الذي ينبغي أن يُنجز هذه الأمور؟ إنّ الفقه هو الذي يتكفّل بمثل هذه الأشياء. بالتأكيد، إنّني أذكر هنا أنّ احتياجاتنا لم تتحقّق بما يتعلّق بمنابر البحث الفقهيّ الحرّ في حوزة قمّ التي هي أهمّ الحوزات. (تم استخدام مصطلح كرسي البحث).

 

إنّني هنا أقول إنّ هذا الاحتياج لم يتمّ رفعه. ففي قمّ يجب أن تكون هناك دروس استدلالية قويّة مختصّة بالفقه الحكوميّ في البحث الخارج لكي يتمّ من الناحية الفقهية تشخيص وتوضيح وبحث القضايا الحكوميّة الجديدة والتحدّيات التي تقف أمام الحكومة والمسائل المستحدثة التي تواجهنا تباعاً وتوضيحها وإجراء الأبحاث الفقهيّة المتينة حولها، وبعد هذه الأبحاث يأتي دور المثقّفين والنخب الجامعية وغير الجامعية بمختلف أطيافها لتقوم بتحويل هذه النتائج للرأي العام ولأذهان الجامعيين ولأذهان الشعوب الأخرى لتكون قابلة للاستفادة من جانبهم. يجب إنجاز هذا العمل، ونحن نعتبر هذا ضرورياً. وحصيلة هذه المساعي العلميّة يمكن أن تُجعل في معرض استفادة الشعوب والنّخب في الدّول الأخرى.

 

"الشعبوية الدينية" وصفة العلاج للشعوب الثائرة

تلاحظون الآن، أنّه خلال هذه الأشهر الثمانية تمّ إسقاط أربعة أنظمة في إحدى أكثر مناطق العالم سكوناً وهدوءً أي في شمال أفريقيا وما يحيط بها وفي جزيرة العرب

 

 

491


399

خطاب الولي 2011

فقد تمّ إسقاط أربعة دكتاتوريين متشبّثين بكراسيهم قائمين بالغرب ومعتمدين على أمريكا: مصر وتونس وليبيا واليمن. إنّ هذه حادثة في غاية الأهمية. لقد ذكرتُ سابقاً، وأقول الآن أيضاً: إنّنا لن نتمكن الآن في الواقع أن نُدرك أبعاد عظمة هذه الحادثة بشكلٍ دقيق. فقد تحقّق عملٌ كبير. حسناً، وهنا فالشعوب عرضة للحوادث، وإحداها وإن شاء الله هذه تحدث أن تتمكّن النّخب الدينية للشعوب من الإمساك بزمام أمور هذه الشعوب وترسم للناس الطريق الصحيح النابع من الإسلام والشريعة والاحتياجات المحلّية والإقليميّة، هذا هو أفضل طريق. لكن، ما هو مقدار احتمال أن يحدث هذا؟ قلب الإنسان يرتعش.

 

هناك احتمال آخر وهو أن يقوم أولئك الذين خرج عملاؤهم من الباب أن يعودوا من الشبّاك. ويقوم أولئك أنفسهم الذين دعموا دكتاتوراً لمدّة ثلاثين سنة بوجه الإسلام وفي مواجهة حركة الشعب المصري المعادية للصهيونية، تمهيد الأرضيّة لدكتاتورٍ جديد. حسناً، في البداية الدكتاتور لا يقول أنا دكتاتور بل يُضفى عليه ظاهرٌ معيّن، فبيدهم الأجهزة الدعائية، وهناك المال، والإمكانات، وحتماً لديهم أيضاً بالإضافة إلى كل هذه الأشياء العملاء والأشخاص. لهذا، الخوف أن يعودوا ويصنعوا أنظمة لهم، أو يأتي على رأس الأمور أنظمة تقتدي بالغرب بشكلٍ كامل. هذا هو الخطر الجسيم المُحدق بهذه الدّول. أن تأتي أنظمة غربيّة لتحكمها باسم الديمقراطية وباسم الحريّة وأمثال هذه الكلمات. وهناك أنواعٌ وأقسامٌ من المخاطر أيضاً.

 

ما يمكن أن يُعين هذه الدّول هنا، هو رؤية الشعبوية (الديمقراطية) الدينية. وهذه (الشعبوية) الدينية التي كانت ابتكار إمامنا الجليل يمكنها أن تكون وصفة علاج لجميع هذه الدّول، فهي شعبية (ديمقراطية) وهي نابعة من متن الدين أيضاً.

بالطبع من الممكن أن لا يكون فقهاء من أهل السنّة سواء فقهاء الشافعية في مصر أم المالكية في بعض الدول الأخرى في المنطقة، أم الأحناف في دول ثانية معتقدين بولاية الفقيه. حسنٌ جداً، نحن لا نريد أن نعرض عليهم بشكلٍ حتميّ مبانينا الفقهية أو نصرّ عليها، ولكن الديمقراطية الدينية من الممكن أن تتّخذ أشكالاً مختلفة. يجب علينا أن نعرض عليهم ونفهّمهم هذا المبنى المتعلّق بالديمقراطية الدينية ونُقدّمها

 

 

492


400

خطاب الولي 2011

كهدية بين أيديهم. فلا شكّ أنّ هذا الشعب سوف يستحسن الديمقراطية الدينية. هذا العمل الذي يقع على عاتقنا ويجب إنجازه لكي لا يستغلّ أعداء هذه الشعوب الفراغ الذي حصل. يجب ملء هذا الفراغ بواسطة الإسلام.

 

أملنا أن يوفّقنا الله تعالى لكي نتمكّن أولاً من معرفة مسؤولياتنا وثانياً أن نعمل بها بأفضل وجهٍ إن شاء الله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

493


401

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في مؤتمر الصحوة الإسلامية العالمي

 

 

المناسبة:   انعقاد المؤتمر الدولي الأول للصحوة الإسلامية

الحضور:  رؤساء سلطات، جمع من الضيوف المشاركين في المؤتمر (شخصيات ومفكرون إسلاميون من سائر بلدان العالم وشخصيات من داخل الجمهورية الإسلامية)

المكان:   طهران

 

الزمان:    26/06/1390ﻫـ.ش.

18/10/1432ﻫـ.ق.

17/٠٩/2011م.

         

 

 

495


402

خطاب الولي 2011

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين وصحبه المنتجبين.

 

قال الله العزيز الحكيم:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَٱتَّبِعۡ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرًا  * وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً﴾[1].

 

أُرحّب بالحضور الكرام والضيوف الأعزّاء.

 

إنّ ما جمعنا هنا هو الصحوة الإسلامية، أعني حالة النهوض والوعي في الأُمّة الإسلامية، التي أدّت إلى تحوّل كبير بين شعوب المنطقة، وإلى انتفاضات وثورات لم تكن تستوعبها أبداً حسابات الشياطين الإقليميين والعالميين. نهضات عظيمة هدمت قلاع الاستبداد والاستكبار وألحقت الهزيمة بحرّاسها.

 

ممّا لا شكّ فيه أنّ التطورات الاجتماعية الكبرى تستند دائماً إلى خلفية تاريخية وحضارية، وهي حصيلة تراكم معرفي وتجارب طويلة. في الأعوام المائة والخمسين الماضية كان حضور الشخصيات الفكرية والجهادية الكبيرة والفاعلة الإسلامية في مصر والعراق وإيران والهند والبلدان الأخرى الآسيوية والأفريقية مقدّمة تمهيدية لهذا الوضع الحالي في العالم الإسلامي.

 

 


[1] سورة الأحزاب، الآية 1 - 3.

 

 

497


403

خطاب الولي 2011

إنّ ما جرى في العقدين الخامس والسادس من القرن الماضي الميلادي في عدد من البلدان من تطوّرات أدى إلى تولّي أنظمة تميل غالباً إلى مدارس فكرية مادية، وقد تورّطت بمقتضى طبيعتها بعد أمد في شراك القوى الاستكبارية والاستعمارية الغربية، إنّما هو أيضاً من التجارب المليئة بالعبر وممّا كان له سهم وافر في بلورة الأفكار العامّة والعميقة في العالم الإسلامي.

 

إنّ ما شهدته إيران من ثورة إسلامية كبرى هي على حدّ تعبير الإمام الخمينى العظيم انتصار الدم على السيف، وإقامة نظام الجمهورية الإسلامية الراسخ والمُقتدر والشجاع والمتكامل وتأثيره في الصحوة الإسلامية الراهنة، هو أيضاً يُشكِّل فصلاً مُسهباً جديراً بالبحث والتحقيق، وسيستوعب حتماً مساحة مهمة في تحليل وتدوين الوضع الحالي للعالم الإسلامي.

 

والحصيلة أنّ الحقائق المتزايدة الحالية في العالم الإسلامي، ليست بالحوادث المنفصلة عن جذورها التاريخية وأرضيتها الاجتماعية والفكرية، ولذلك من العبث أن يعمد الأعداء أو السطحيون إلى اعتبارها موجة عابرة وحادثة سطحية، وأن يحاولوا بتحليلاتهم المنحرفة والمغرضة إطفاء شعلة الأمل في قلوب الشعوب.

 

إنّني في حديثي الأخوي هذا، أريد أن أقف عند ثلاث نقاط أساس:

1. إلقاء نظرة مجملة على هوية هذه النهضات والثورات.

 

2. الآفات والأخطار والعقبات الكبرى التي تقف في طريقها.

 

3. اقتراحات بشأن مواجهة هذه الآفات والأخطار ومعالجتها.

 

 

إلقاء نظرة مجملة على هوية الثورات الحالية

في الموضوع الأول، أعتقد أن أهمّ عنصر في هذه الثورات الحضور الواقعي والشمولي للشعوب في ميدان العمل وساحة النضال والجهاد، لا فقط بقلوبهم وإرادتهم وإيمانهم، بل أيضاً بأبدانهم وأجسامهم.

 

إنّ الفرق كبير وعميق بين مثل هذا الحضور، وبين انقلاب يقوم به جمع من

 

499


404

خطاب الولي 2011

العسكريين أو مجموعة مناضلة مسلّحة أمام شعب لا يتفاعل معهم أو حتى لا يكون راضياً عنهم.

 

في حوادث العقدين الخامس والسادس من القرن الميلادي الماضي كان عبء الثورات في عدد من بلدان آسيا وأفريقيا لا تحمله الجماهير والشباب، بل تنهض به مجموعات انقلابية أو فئات صغيرة ومحدودة مسلّحة. أولئك عزموا وأقدموا، ولكن حين غيّروا -هم أو الجيل الذي تلاهم- طريقهم على أثر دوافع وعوامل عديدة فإنّ الثورات قد انقلبت إلى ضدّها وعاد العدو ليفرض سيطرته مرة أخرى.

 

إنّ هذا يختلف كلّ الاختلاف عن تغيير تنهض به جماهير الشعب التي تندفع بأجسامها وأرواحها إلى الميدان وتطرد العدوّ من الساحة بجهادها وتضحياتها.

 

وهنا فقط تصنع الجماهير شعاراتها، وتُعيّن أهدافها وتُشخّص عدوّها وتفضحه وتتعقبه، وترسم -ولو بإجمال- مستقبلها، وبالنتيجة تقطع الطريق أمام الخواص المُداهنين والملوّثين بل أمام المندسّين وبذلك تحول دون الانحراف ومداهنة العدو وتغيير المسير.

 

في الحركة الجماهيرية من الممكن أن يكون عمل الثورة بطيئاً، ولكنّه يبتعد عن السطحية وعن عدم الثبات. إنّه الكلمة الطيبة التي قال عنها سبحانه: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء﴾[1].

 

إنني حين رأيت التجمّع الجماهيري الضخم المقاوم للشعب المصري الفخور على شاشة التلفزيون في ميدان التحرير أيقنت أنّ هذه الثورة منتصرة بإذن الله.

 

أذكر لكم هذه الحقيقة وهي: أنّه بعد انتصار الثورة الإسلامية وإقامة النظام الإسلامي في إيران وما نزل على أثر ذلك من زلزال عظيم هزّ القوى الطامعة الشرقية والغربية وما ولّده من موجة هائلة فريدة بين الشعوب المسلمة.. كنّا نتوقع أنّ مصر سوف تنهض قبل غيرها. والذي أثار في قلوبنا هذا التوقّع ما كنّا نعرفه عن مصر من تاريخ جهادي وفكري ولما أنجبته من شخصيات مجاهدة وفكرية كبرى. لكنّنا لم

 

 


[1] سورة ابراهيم، الآية 24.

 

 

499


405

خطاب الولي 2011

نسمع صوتاً واضحاً من مصر. كنتُ مع نفسي أخاطب الشعب المصري بقول أبي فراس الحمداني:

أراك عصيّ الدمع شيمتك الصبر

أما للهوى نهي عليك ولا أمر؟

 

ولكن حين تدفّقت الجماهير المصرية إلى ساحة التحرير والساحات المصرية الأخرى سمعت الجواب، فإنّ الشعب المصري كان يقول لي بلسان قلبه:

بلى أنا مشتاقٌ وعندي لوعة

ولكن مثلي لا يذاع له سرُّ

 

هذا السّر المقدس، أي الاندفاع والعزم للقيام تحقّق وتشكّل بالتدريج في ذهنية الشعب المصري وفي اللحظة التاريخية المناسبة نزل بارزاً إلى الميدان في الساحة العظيمة.

 

تونس واليمن وليبيا والبحرين سوف تخضع لنفس هذه القاعدة بالدقة.. ﴿فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن يَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلًا﴾[1].

 

في مثل هذه الثورات، الأصول والقيم والأهداف لم تدوّن في لوائح ومناشير مسبقة على يد الفئات والأحزاب، بل هي مدوّنة في أذهان كلّ أفراد الشعب الحاضر في الساحة وفي قلوبهم وإرادتهم، ومُعلَنة ومُثبَتة في شعاراتهم وسلوكهم.

 

وفق هذا الحساب يمكن بوضوح تشخيص أنّ أصول الثورات الحالية في مصر وبقية البلدان تتجلّى بالدرجة الأولى بما يلي:

1. إحياء وتجديد العزّة والكرامة الوطنية التي انتُهكت على يد الهيمنة الدكتاتورية للحكّام الفاسدين والسلطة السياسية لأمريكا والغرب.

 

2. رفع راية الإسلام الذي يُمثّل العُمق العقائدي والعاطفي للشعب وتوفير الأمن النفسي والعدالة والتقدّم والتفتّح ممّا لا يتحقّق إلاّ في ظلّ الشريعة الإسلامية.

 

3. الصمود أمام النفوذ والسيطرة الأمريكية والأُوروبية التي أنزلت خلال قرنين أكبر الضربات والخسائر والإهانات بشعوب هذه البلدان.

 


[1]  سورة الأحزاب، الآية 23.

 

 

500


406

خطاب الولي 2011

بشأن فئة من المجاهدين في عصر الرسالة: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾[1].

 

لا بدّ من تشخيص الأخطار حتى لا تحصل الحيرة والتردّد عند مواجهتها، ولنكن على معرفة مسبقة بتشخيص الحلّ والعلاج.

 

نحن واجهنا هذه الأخطار بعد انتصار الثورة الإسلامية وعرفناها وخبرناها وخرجنا من أكثرها بسلام بفضل الله وقيادة الإمام الخميني ووعي جماهيرنا وبصيرتهم وتضحياتهم. طبعاً لا يزال الأعداء يحوكون المؤامرات ولا يزال الشعب يقاوم بعزيمة راسخة لا تلين.

 

إنني أُقسّم هذه الأخطار والآفات إلى قسمين: ما كان له جذور في داخلنا وينبثق من ضعفنا، وما كان نتيجة مباشرة لتخطيط أعدائنا.

 

القسم الأول هو من قبيل: الشعور والظنّ بأنّ سقوط الحاكم العميل والفاسد والديكتاتور هو نهاية الطريق. إنّ هذا سوف يبعث على الارتخاء وراحة البال والغرق في نشوة النصر، وما يتبع ذلك من ضعف الدوافع وهبوط العزائم. هذا هو الخطر الأول. وسوف يتفاقم هذا الخطر حين يعمد أشخاص إلى الحصول على سهم خاص في الغنيمة. ما جرى في "معركة أُحد" حيث طمع المحافظون على مضيق الجبل بالغنيمة وما أدّى ذلك إلى هزيمة المسلمين وإلى لوم ربّ العالمين إنّما هو نموذج بارز ينبغي أن لا ننساه أبداً.

 

إنّ الشعور بالخشية من الهيمنة الظاهرية للمستكبرين والإحساس بالخوف من أمريكا وسائر القوى المتدخلة، آفة أخرى من هذه الفئة، ولا بّد من توقّيها. النخب الشجاعة والشباب يجب أن يطردوا من قلوبهم هذا الخوف.

 

إنّ الثقَة بالعدو والانخداع بابتسامته ووعوده ودعمه إنّما هو من الآفات الكبرى الأخرى التي يجب أن تحذر منها بشكل خاصّ النخب وقادة المسيرة. يجب معرفة

 

 


[1] سورة آل عمران، الآية 173 - 174.

 

 

502


407

خطاب الولي 2011

العدو بعلاماته مهما لبس من لباس، وصيانة الشعب والثورة من كيده الذي يدبّره في مواضع خلف ستار الصداقة ومدّ يد المساعدة. ومن جانب آخر قد يعتري الأفراد غرور ويحسبون العدو غافلاً. لا بّد من اقتران الشجاعة بالتدبير والحزم وحشد كل الإمكانات الإلهية في وجودنا لمواجهة شياطين الجنّ والإنس.

 

إثارة الاختلافات وخلق الصراعات بين الثوريين والاختراق من خلف جبهة النضال هي أيضاً من الآفات الكبرى التي يجب الفرار منها بكل ما أوتينا من قوة.

 

أمّا أخطار القسم الثاني

فإنّ شعوب المنطقة قد خبرتها غالباً في الحوادث المختلفة. وأوّلها تولّي الأمور عناصر تعتقد أنّ لها التزامات أمام أميركا والغرب. الغرب يسعى بعد السقوط الاضطراري للعناصر التابعة أن يحافظ على أصل النظام والهيكليات المفصلية للقدرة ويضع رأساً آخر على هذا الجسم وبذلك يواصل فرض سيطرته. وهذا يعني إهدار كلّ المساعي والجهود، وفي هذه الحالة إن واجهوا مقاومة الجماهير ووعيها فسوف يسعون إلى بدائل منحرفة أخرى يضعونها أمام الثورة والجماهير. هذا السيناريو يمكن أن يتمثّل باقتراح نماذج للحكم والدستور تدفع بالبلدان الإسلامية مرّة أخرى إلى شراك التبعية الثقافية والسياسية والاقتصادية للغرب، ويمكن أن تتمثّل في اختراق صفوف الثوريين وتقديم الدعم المالي والإعلامي لتيار مشكوك وعزل التيارات الثورية الأصلية. وهذا يعني أيضاً عودة تسلّط الغرب وتثبيت النماذج الغربية التي أعيدت صياغتها والبعيدة عن مبادئ الثورة ثم سيطرتهم على الأوضاع.

 

ولو أنّ هذا التكتيك لم يُفلح فإنّ التجارب تقول لنا إنّهم سيعمدون إلى أساليب منها إثارة الفوضى والاغتيالات والحرب الداخلية بين أتباع الأديان أو القوميات والقبائل والأحزاب، بل بين الشعوب والبلدان المجاورة، إلى جانب فرض الحصار الاقتصادي والمقاطعة وتجميد الأرصدة الوطنية وأيضاً الهجوم الشامل الإعلامي والدعائي. إنّ هدفهم من وراء كلّ ذلك جعل الشعوب تشعر بالتعب واليأس، والثوار بالتردّد والندم. والأعداء يعلمون أنّ مثل هذه الحالة تجعل هزيمة الثورة ممكنة وميسورة. اغتيال

 

503


408

خطاب الولي 2011

وأن لا تكون الانتصارات مبعث غرور وغفلة: ﴿إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ ١ وَرَأَيۡتَ ٱلنَّاسَ يَدۡخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفۡوَاجٗا ٢ فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا﴾[1]. هذه دعائم حقيقية لكلّ شعب مؤمن.

 

الوصية الأخرى هي إعادة قراءة أصول الثورة بشكل مستمر. الشعارات والأصول يجب أن تخضع للتنقيح والتطبيق مع أصول الإسلام ومُحكَماته. الاستقلال والحرية والعدالة، وعدم الاستسلام أمام الاستبداد والاستعمار، ورفض التمييز القومي والعنصري والمذهبي، ورفض الصهيونية رفضاً صريحاً وهي التي تشكّل أركان النهضات المعاصرة في البلدان الإسلامية، هي بأجمعها مستقاة من الإسلام والقرآن.

 

دوِّنوا مبادئكم، وحافظوا بحساسية كبيرة على أصالتكم، ولا تدعوا أعداءكم يدوّنون نظام مستقبلكم، لا تدعوا أصولكم الإسلامية تُقدَّم قرباناً على مذبح المصالح العابرة.

 

الانحراف في الثورات يبدأ من الانحراف في الشعارات والأهداف. لا تثقوا إطلاقاً بأمريكا والناتو وبالأنظمة المجرمة مثل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا التي لأمد طويل وزّعت بينها أراضيكم ونهبتها. تعاملوا معها بسوء ظنّ ولا تصدّقوا ابتساماتهم، فوراء هذه الابتسامات والوعود تكمن الخيانات والمؤامرات. ابحثوا عن حلولكم من منبع الإسلام الفيّاض وردّوا وصفات الأجانب إليهم.

 

الوصية المهمّة الأخرى الحذر من الاختلافات المذهبية والقومية والعنصرية والقبلية والحدودية. اعترفوا بالتفاوت ووجّهوه بإدارة حاذقة. التفاهم بين المذاهب الإسلامية مفتاح النجاة.

 

أولئك الذين يُضرمون نيران التفرقة المذهبية أو يعمدون إلى تكفير هذا وذاك، هم عملاء الشيطان وجنده حتى لو لم يعلموا هم بذلك.

 

إقامة النظام عمل كبير وأساس. إنّه عمل معقّد وصعب. لا تدعوا النماذج العلمانية أو الليبرالية الغربية، أو القومية المتطرّفة، أو الاتجاهات اليسارية الماركسية تُفرض عليكم.

 

 


[1] سورة الشرح، الآية 8.

 

 

505


409

خطاب الولي 2011

 

إنّ المعسكر الشرقي قد انهار والمعسكر الغربي يتوسّل بالعنف والحرب والخدعة ليُحافظ على بقائه وليس له عاقبة خير متصوّرة في الأفق.

 

سيكون بضررهم مرور الزمان ولصالح تيار الإسلام. الهدف النهائي يجب أن يتمثّل في التوجّه نحو الأمّة الإسلامية الواحدة وبناء الحضارة الإسلامية الجديدة على أساس الدين والعقلانية والعلم والأخلاق.

 

تحرير فلسطين من مخالب الصهاينة هو أيضاً هدف كبير. بلدان البلقان والقفقاس وآسيا الغربية قد تحرّرت من سيطرة الاتحاد السوفياتي السابق بعد ثمانين سنة من الاحتلال، فلماذا لا تستطيع فلسطين المظلومة بعد سبعين سنة أن تتحرّر من أسر السيطرة الصهيونية؟!

 

الجيل المعاصر في البلدان الإسلامية له قدرة النهوض بمثل هذا العمل الكبير. جيل الشباب مبعث افتخار مَنْ سبقه من أجيال. يقول الشاعر العربي:

قالوا: أبو الصخر من شيبان قلت لهم      كلا لعمري ولكن منه شيبانُ

وكم أبٍ قد علا بابنٍ ذُرى شَرَفٍ          كما عـلا برسولِ الله عدنانُ

 

ثقوا بجيل شبابكم. أحيوا روح الثقة بالنفس في وجودهم وغذّوهم بتجارب الآباء والأجداد.

 

وثمّة ملاحظتان مهمّتان في هذا المجال:

الأولى: أنّ أحد أهم مطالب الشعوب الثائرة والمتحرّرة أن يكون لها الحضور وأن يكون لأصواتها الدور الحاسم في إدارة البلاد.

 

ولما كانت هذه الشعوب مؤمنة بالإسلام فإنّ مطلوبها هو "نظام السيادة الشعبية الإسلامية" أي إنّ الحكام يُنتخبون وفق تصويت الناس، وأن تكون القيم والأصول الحاكمة على المجتمع وفق أصول قائمة على المعرفة والشريعة الإسلامية.

 

وهذا يمكن تحقيقه في البلدان المختلفة بأساليب وأشكال مختلفة بمقتضى ظروفها، لكن يجب المراقبة بحساسية كاملة كي لا يختلط هذا المشروع بالديمقراطية الليبرالية

 

506


410

خطاب الولي 2011

الغربية. الديمقراطية الغربية العلمانية أو المعادية للدين في بعض الموارد ليس لها أي ارتباط بالسيادة الشعبية الإسلامية الملتزمة بالقيم وبالخطوط الأصلية الإسلامية في نظام البلاد.

 

الملاحظة الثانية أنّ التوجّه الإسلامي يجب أن لا يختلط بالتحجّر والقشرية والتعصّب الجاهل والمتطرّف.

 

لا بدّ أن يكون الفاصل بين هذين الاثنين واضحاً. التطرّف الديني المقرون غالباً بالعنف الأعمى هو عامل التخلّف والابتعاد عن الأهداف السامية للثورة، وهذا بدوره عامل ابتعاد الجماهير وفي النتيجة سيكون عامل فشل الثورة.

 

أختصر: إنّ الكلام عن الصحوة الإسلامية ليس حديثاً عن مفهوم مُبهَم غير مشخّص ويقبل التأويل والتفسير. إنّه حديث عن واقع خارجي مشهود ومحسوس ملأ الأجواء وفجّر الثورات الكبرى وأسقط عناصر خطرة في جبهة الأعداء وأخرجهم من الساحة. ومع ذلك فالساحة لا تزال سيّالة وتحتاج إلى البلورة وتحقيق الأهداف النهائية.

 

الآيات التي تُليت في مطلع الحديث تشتمل على منهج كامل للعمل وله الفاعلية الدائمة وخاصّة في هذه البُرهة الحساسة المصيرية. إنّها تخاطب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم  لكنّنا جميعاً في الواقع مُخاطَبون بها ومكلفون.

 

أوّل توصية في هذه الآيات بالتقوى بمعناها السامي والواسع، ثم رفض الطاعة للكافرين والمنافقين، ثم اتّباع الوحي الإلهي وبالتالي التوكّل على الله والاعتماد عليه.

 

مرّة أخرى أمرّ على هذه الآيات:

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَٱتَّبِعۡ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرًا  * وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً﴾[1].

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 


[1] سورة الأحزاب، الآية 1 - 3.

 

 

507


411

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في جامعة العلوم الأمنية

 

 

         

المناسبة:   مراسم تخرج طلبة جامعة العلوم الأمنية

الحضور:  كبار القادة من الجيش والحرس الثوري وجمع من الطلبة في جامعة العلوم الأمنية

المكان:   طهران

 

الزمان:    ٣٠/٠٦/1390ﻫـ.ش.

22/10/1432ﻫـ.ق.

21/٠٩/2011م.

 

509


412

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مبارك للخرّيجين الأعزّاء لهذه الجامعة الذين أصبحوا اليوم جاهزين للنّزول إلى ميدان العمل وأداء التكليف، وكذلك للشباب الأعزّاء الذين نالوا اليوم رُتبهم ودرجاتهم، فأَعَدّوا أنفسهم للدخول في ميدان العلم والاستعداد لأداء الوظائف والأعمال الكبرى. فهذه المراسم تُعدّ -ببركة حضوركم أيّها الشباب الأعزّاء وببركة الحضور في هذا الميدان العلميّ- من أعذب مراسمنا وأكثرها رغبة.

 

الأعمال التي أُنجزت وأيضاً العرض الرائع في هذا الميدان ونظم القوّات وانضباطها كلّ ذلك مورد تقديرنا. فهذا النشاط والانضباط في القيام بالأعمال العاديّة يمكن أن يكون مؤشّراً على وجود النّظم والانضباط الفكري والروحيّ الذي يُعدّ المنطلق الأساس للعمل الصحيح والصراط المستقيم وأملنا أن يكون كذلك.

 

أهمية القوى الأمنية

ما أريد اليوم أن أعرضه عليكم يا شبابنا الأعزّاء هو أهميّة القوى الأمنية، أهميّة العمل الذي التزمتم به. أهميّة القوى الأمنيّة يجب عدّها بمستوى أهميّة الأمن الاجتماعي. وبقدر ما يكون الأمن مهماً لأي شعبٍ وأيّ دولة، تكون أهميّة حماة هذا الأمن بنفس ذلك المقدار، حيث تعدّ القوى الأمنيّة من مظاهرهم البارزة. إنّ عملكم مهمٌّ، فالأمن في أيّ بلدٍ سواء كان اجتماعياً ومدنياً أم روحيّاً وأخلاقيّاً يُعدّ من الأركان الأساس لتقدّم البلد وقوامه ورفعته. وأسوأ بلاء يمكن أن ينزل على رأس أيّ شعبٍ وتقدّمه وتكامله هو أن يُسلب الأمن منه. عندما لا يكون هناك أمن فلن يكون هناك تفكيرٌ منظّمٌ ومن ثمّ عملٌ منظّم، ولن يتيسّر التطوّر. وبالإضافة إلى ذلك فإنّ

 

 

511


413

خطاب الولي 2011

الأمن هو حاجة أساس للبشر، ﴿ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۢ﴾[1]. فَتَحت عنوان نعمتين كبريين يُظهرهما الحقّ المتعال للمخاطبين بهذه الآية الشريفة: النجاة من الجوع والنجاة من عدم الأمن، فهذه تشير إلى أهميّة الأمن.

 

بالإضافة إلى هذا، فإنّ من الأعمال التي يعملون عليها بشكلٍ دقيق في المواجهة بين القوى الشيطانيّة للاستكبار الدوليّ الذي يُمثّل اليوم الخطر الكبير على الشعوب المستقلّة هو إيجاد عدم الأمن، سواء كان على المستوى الاجتماعي أم الأخلاقي أم المعنوي والروحي. وقد ثبت أنّ ترويج المخدّرات يتمّ تبعاً لخططٍ توضع وراء الكواليس من قبل سياسيّي الاستكبار تجاه الدّول التي يكرهونها. ونفس هذا الأمر يتعلّق بقضيّة ترويج التحلّل وإضعاف الإيمان وتوهين الأركان الأخلاقيّة في أيّ مجتمع. وكلّ هذه تزيد من أهميّة الحفاظ على الأمن وحراسته. لقد وضعتم هذا التكليف الكبير على عاتقكم، وها أنتم تنزلون إلى هذا الميدان، فاعرفوا قدر هذا الأمر.

 

في يومنا هذا، أولئك الذين يسعون ضمن القوى الأمنية من أجل تأمين الهدوء والأمن وراحة البال لمواطني بلدهم هم في الحقيقة مجاهدون في سبيل الله بالمعنى الواقعيّ للكلمة، وهذا له أهميّة فائقة. ولازم هذه السّمة المهمّة وهذا العنوان الكبير هو أن يصونوا -مهما أمكنهم- هذا العمل من الآفات التي يمكن أن تكون فيه أو تعرض عليه. كان هذا تأكيدنا الدائم وهو الآن كذلك.

 

إنّ القوى الأمنيّة هي أيضاً مظهر اقتدار النّظام والنّظم الذي يريد حفظ أمن البلد وضمانه وحراسته، وكذلك هو مظهر عطف وحرص وروحيّة الرأفة والرحمة من قبل النّظام تجاه آحاد الناس. وهذان الأمران يجب الالتفات إليهما معاً وبشكلٍ متلازم، في الدروس وفي الدورات المختلفة التي تُقام من أجل التأهيل على مستوى القطاعات المختلفة، يجب تعليم هذا الأمر لكلّ أفراد القوى الأمنية ليصبح من الثقافة الحتميّة لهم.

 


[1] سورة قريش، الآية 4.

 

 

512


414

خطاب الولي 2011

أنتم تريدون أن تكونوا حماة الراحة والهدوء الفكري للناس. فيجب أن يشعر الناس بقدرتكم واقتداركم وكذلك برأفتكم وحرصكم وأمانتكم ومحبّتكم لهم. أنتم أيّها الشباب لديكم مؤهّلات كبرى للعمل. فاليوم إنّ قوانا الأمنيّة قد أضحت على مسافة كبيرة جدّاً، وتطوّرت كثيراً، قياساً بماضيها وما كان في العقود الماضية.

 

وينتظركم أيضاً المزيد من التطوّر. فالميادين مفتوحة أمامكم، فبالعلم والتجربة والتحقيق والتأمّل وإعمال جميع القوى والثّروات التي أوجدها الله تعالى فيكم يمكنكم فتح هذه الميادين.

 

أيّها الأساتذة المحترمون، والقادة المحترمون، وكلّ العاملين، وأنتم أيّها الجامعيّون والخرّيجون، جميعكم مشمولون بهذا الخطاب. وإن شاء الله تنالون توفيق الله. إنّ رفعة إيران العزيزة، إيران الإسلاميّة، إيران المتطوّرة، هي عندنا رهن إرادتكم المُحكمة وعزمكم الرّاسخ أيّها الشباب والنّخب، حيث إنّه اليوم بحمد الله نجد هذا مشهوداً في كلّ أرجاء البلاد، والعالم أيضاً يشاهده وسيكون يوماً بعد يوم إن شاء الله أفضل. نسأل الله تعالى أن يُوفّقكم ويشملكم بالدّعاء المُستجاب لوليّ العصر أرواحنا فداه، ورضا روح إمامنا المطهّر وشهدائنا.

 

والسلام عليكم ورحمة والله وبركاته.

 

513

 


415

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في آخر يوم من أسبوع الدفاع المقدّس

 

 

 

 

         

المناسبة:   آخر يوم من أسبوع الدفاع المقدّس

الحضور:  مجموعة من معوّقي وجرحى الحرب

المكان:   طهران

 

الزمان:    ٠٧/07/1390هـ.ش.

٠١/١١/1432هـ.ق.

29/09/2011م.

 

 

515

         


416

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كانت فكرة رائعة من الأصدقاء الذين خطّطوا لهذا البرنامج ونفّذوه. فأولاً: إنّ نفس إجلال المعوّقين المصابين بهذه الخسارة الفادحة كأمثالكم هو عملٌ عظيم. لا لأنّه يدخل السرور والبهجة على مجموعة من أعزّ الناس إلينا وهم أنتم فحسب، بل لأنّه يُبرز ويُجسّم نماذج الإيثار ومظاهره في المجتمع الذي يحتاج اليوم كثيراً إلى مثل هذه النماذج.

 

أحياناً، يؤمن المرء بشيء ويعتقد بمفهوم ما، جيّد، وهو حسناً، لكن في بعض الأحيان يتجسّم هذا المفهوم الذي آمن واعتقد به أمام ناظريه. قبل انتصار الثورة وفي عصر الطاغوت، كنّا نسمع عن اسم الجهاد ونعرف أحكامه وكنّا نقرأ عن معاني الصمود والوقوف بوجه العدوّ وعن الإيثار والتضحية في الكتب، وكنّا ننقل ذلك للناس أيضاً، لكنّنا لم نكن قد شاهدنا ذلك ولا لمسناه. فشتّان ما بين هذا -حيث يشاهد المرء ناراً من بعيد- وبين أن يشاهد الجهاد والفداء والإيثار وبذل النفس عن قُرب. وقد شاهدنا ذلك.

 

في يومنا هذا، عندما يتمّ إظهار المعوّقين بشكل متمايز وشاخص في المجتمع، فيُثنى عليهم ويتمّ إجلالهم وتقديرهم وتكريمهم، فهذا يعني الإتيان بالتمثيل الواقعي للإيثار والمجيء به إلى الميدان. ولهذا أهمّية فائقة. ولهذا أيضاً نحن بحاجة إلى هذا التكريم والتجليل، وكذلك النظام (السياسي). وبالإضافة إلى هذا، البُعد الثالث للقضيّة هو شيء من الشكر القليل لهذه المجموعة المضحّية ولعوائلهم.

 

فبناءً عليه، لقد قمتم بعملٍ ممتاز حيث نظّمتم هذه المراسم وأقمتموها. وبمشيئة الله سيتمّ إنجاز هذا العمل كلّ عام وليجلس أصحاب الفكر وأهل الفن ويُفكّروا وليُضفوا المزيد من التكامل على هذه المراسم.

 

516


417

خطاب الولي 2011

وبالطبع، إنّ لساننا قاصر إذا أردنا أن نشكركم، أنتم الذين بذلتم وجودكم وصحّتكم وراحتكم مدى العمر من أجل الثورة والإسلام.

 

وإنّه في الواقع لمضيعة للجهود إذا أراد من هو مثلي أن يشكركم. فأنتم تاجرتم مع الله، ويجب أن نتوجّه إليكم بقوله تعالى: ﴿فَٱسۡتَبۡشِرُواْ بِبَيۡعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعۡتُم بِهِۦۚ﴾[1].

 

الفراشات الحائمات

ونفس هذا المقدار من إظهار الاحترام والتكريم أرى ضرورة أن أوجّهه إلى هذه السيّدات، الممرّضات والزوجات وكلّ من كنّ بحسب تعبير أخينا العزيز، "الفراشات الحائمات" حول هذا المعوّق بإيثار وتضحية من أجل تأمين راحته وجعل استمرار حياته براحة، مُمكنة وميسّرة. إنني في الواقع أشكر بكلّ محبّة ومن أعماق القلب جميع هذه الزوجات المحترمات. ولتعلم كلّ واحدة منهنّ أنّ أجرها وثواب خدمتها الصادقة الممتزجة بالبِشْر لكلّ معوّق تُعدّ من أعظم أنواع الإيثار وأبرز مصاديق الجهاد. فلهنّ عند الله تعالى الأجر الجزيل.

 

نحن جميعاً محتاجون. ستأتي اللحظة التي يشعر فيها الإنسان بخلوّ يديه. سيأتي اليوم الذي يشعر فيه الإنسان أمام الله تعالى وأمام المحاسبة والمؤاخذة الإلهية أنّ كفّة ميزان أعماله خفيفة، خالية. هذه الخدمات التي تقدّمونها، هناك ستنفع.

 

كلّ لحظة صبر صبرتموها طيلة هذه العقود الثلاثة، طيلة 25 سنة منذ بداية الإعاقة وإلى اليوم، وستكون لسنواتٍ لاحقة أيضاً -إن شاء الله يمنح الله الشفاء للمعوّقين- وكلّ ما فيها من حالات، ستصبرون فيها أيضاً، فإنّها جميعاً عند الله تعالى. ففي الحساب الإلهي لا يضيع شيء. عندما يتألّم المرء لساعة ويشعر بالانزعاج، ويتحسّر لما يُصيبه من ألم، لكنّه يتحمّل كلّ ذلك في سبيل الله، فإنّ ذلك سيُدّون. وهذا ما لا يُمكن وصفه. فغير الله بذاته المقدّسة والكرام الكاتبين من العاملين عنده لا يوجد بشريّ يُمكنه أن يُدرك ما تشعرون به. فهو غير قابل للبيان. لكنّ الله تعالى يشعر ويعلم

 

 


[1] سورة التوبة، الآية 111.

 

 

517


418

خطاب الولي 2011

ويُدرك ويُسجّل. فإذا ثبت فإنّه إن شاء الله سوف يعطيكم جزاءه. فاعلموا قدر هذه اللحظات. قيل (شعراً):

كل بلاءٍ يأتي هو رحمة

                    كلّ ألم تنزله هو راحة

لما جعلت العبد في ظلمة

                    فذلك حتى يدرك سطوع وجهك

كل حبل وثّقت به عبدك

                    فذاك حتى يوثّق بعشقك

 

فانظروا بهذا المنظار إلى ما ابتُليتم به من حالات. فعندما يغوص المرء في الظلام يرى النور أكثر ويشعر به. ففي ظلّ هذه الآلام يمكن شهود الله عن قرب. هذا هو المهمّ. وعلى كلّ حال بمشيئة الله ستنالون الأجر الإلهي.

 

وتوجد هنا نقطة أخرى، وهي أنّ دولتنا ونظامنا الجمهوريّ الإسلاميّ وشعبنا هو الذي أنجز هذا العمل الكبير.

 

فهذه الواقعة التي جرت في إيران وغيّرت مسير التاريخ لا يمكن إدراجها في قالب الألفاظ. ها قد مرّت ثلاثون سنة من الثورة. وعندما يمرّ ثلاثمائة سنة، فإنّ الذين يشاهدون ويرون هذه الواقعة العظيمة سيشعرون حينها أيّة واقعة جرت، أيّ انعطاف عظيم في تاريخ الأُمّة الإسلاميّة وما هو أبعد، أي تاريخ للبشريّة قد تحّقق. فقد حصل أمرٌ عظيم. لقد استشعرنا جزءاً بسيطاً منه وتلمّسناه وشاهدناه ونشاهده. حسناً، هذا العمل العظيم الذي أنجزه شعب إيران في الثورة بقيادة إمامنا الجليل هذا الرجل الإلهيّ والسماويّ يُعدّ ذخراً لهذا الشعب. كان عملاً عظيماً، وكانت تكلفته باهظة أيضاً. وما هو أمامي جزء من هذه التكلفة.

 

لقد فقد شعبنا عدداً من أبنائه وصاروا في عداد الشهداء وعدداً آخر صاروا مثلكم، وآخرون أدنى. كلّ هؤلاء يعتبرون من تلك التكاليف التي دفعها هذا الشعب من أجل هذا العمل الكبير.

 

بالطبع، لو أردت أن أحكم، لقلت إنّ قضيّة المعوّق بنسبة 70% والمعوّق في حالة

 

519


419

خطاب الولي 2011

الشلل الرباعي وهو الوضع الذي أنتم عليه هو أهمّ من قضية الشهادة. لأنّ الشهادة تحدث دفعة واحدة وتتمّ، ثمّ يعرج بواسطتها الإنسان. أماّ الحال التي أنتم عليها، وبحسب ما عندي من تحليل، فإنّها تبدو لي على مستوى الإيثار أكبر من الشهادة، وذلك لما فيها من آلام ومشكلات، سواءٌ لكم أم لآبائكم وأمّهاتكم وعوائلكم وأبنائكم. فهذا يُعدّ من تلك الأرقام الضخمة جداً في هذا العمل العظيم. وإن شاء الله، ستنالون من الله تعالى من الأجر ما يتناسب مع ذلك ويثقل في ميزان الأعمال ثوابكم.

 

وبالتأكيد، أقول إنّ لكم دوراً كبيراً في تعظيم هذا الأجر، أو التقليل منه. فهذه الآية التي تُليت علينا الآن ﴿ٱلَّذِينَ ٱسۡتَجَابُواْ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَصَابَهُمُ ٱلۡقَرۡحُۚ لِلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ مِنۡهُمۡ وَٱتَّقَوۡاْ أَجۡرٌ عَظِيمٌ﴾[1]، تُشير إلى هذه المسألة: فالذين جُرحوا لهم أجرٌ عظيم بشرط التقوى والإحسان. فلا يُسلب في أيّ وقتٍ من الأوقات حالة الاختيار من الإنسان، فأنتم في حالٍ دائمٍ من الاختيار، أنتم الذين تقومون بالاختيار دوماً، وإلى النهاية، إنّ صبركم وثباتكم واحتسابكم، كلّ هذه تزيد من أجركم. الاحتساب يعني الكتابة عند الله، فيقول الإنسان لله: اللّهمّ! إنّ جسمي هذا وبدني وراحتي وشبابي قد وهبتك إيّاه وأنفقته في سبيلك وأنا الآن راضٍ.

 

هذا هو الاحتساب. ولهذا أكبر الأثر في العروج إلى المقامات العليا وإحراز الأجر والثواب الإلهي.

 

حسناً، هذا كافٍ على ما يبدو. وقد تحدّثنا كثيراً. مجدّداً أشكر السيّدات وأعتذر لأنني لم أتمكّن من السؤال عن قرب عن أحوال كلّ معوّق عزيز بمفرده. وها أنا أعلن إرادتي تجاه السيّدات عن بُعد. وإن شاء الله يوفّق الجميع ويؤيّدون.

 

ها نحن قد أثنينا عليكم، وكان حقّاً وصدقاً. وأنتم عليكم أن تعرفوا قدرها. هذه نعم إلهية. ونسأل الله تعالى أن يحفظكم جميعاً.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 


[1] سورة آل عمران، الآية 172.

 

 

520


420

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في مؤتمر نصرة الانتفاضة الفلسطينية

 

 

 

 

         

المناسبة:   انعقاد المؤتمر الدولي الخامس لدعم الانتفاضة الفلسطينية

الحضور:  رؤساء، جمع من مشاركين في المؤتمر (رؤساء مجالس، ووفود من مائة بلد)

المكان:   طهران

 

الزمان:    ٠٩/٠٧/1390ﻫـ.ش.

٠٣/11/1432ﻫـ.ق.

٠١/10/2011م.

         

 

 

521


421

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

قال الله الحكيم: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ ٣٩ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[1].

 

أرحب بالضيوف الأعزاء وجميع الحضور المحترمين.

 

القضية الفلسطينية

تتميز القضية الفلسطينية بخصوصية فريدة من بين كل الموضوعات التي يجدر بالنخبة الدينية والسياسية في كل العالم الإسلامي أن تتطرق لها. فلسطين هي القضية الأولى بين كل الموضوعات المشتركة للبلدان الإسلامية. وثمة خصوصيات منقطعة النظير في هذه القضية:

أولاً: أن يغتصب بلد مسلم من شعبه، ويعطى لأجانب جُمّعوا من بلدان شتى، وكوّنوا مجتمعاً غير متجانس ومزيفاً.

 

ثانياً: إن هذا الحدث غير المسبوق في التاريخ جرى بواسطة المذابح والجرائم والظلم والإهانات المستمرة.

 


[1] سورة الحج، الآيتان 39 - 40.

 

 

523


422

خطاب الولي 2011

ثالثاً: إن قبلة المسلمين الأولى والكثير من المراكز الدينية المحترمة في هذا البلد مهدّدة بالهدم والامتهان والزوال.

 

رابعاً: إن هذه الحكومة والمجتمع المزيفين مارسا في أكثر مناطق العالم الإسلامي حساسية، منذ بداية ظهورهما وإلى الآن، دور القاعدة العسكرية والأمنية والسياسية للحكومات الاستكبارية، ودور المحور للغرب الاستعماري الذي هو -ولأسباب متعددة- عدو اتحاد البلدان الإسلامية ورفعتها وتقدمها، وقد استخدمه كالخنجر في خاصرة الأمة الإسلامية.

خامساً: إن الصهيونية التي تعدّ خطراً أخلاقياً وسياسياً واقتصادياً كبيراً على المجتمع البشري استخدمت محطّ الأقدام هذا وسيلة ونقطة انطلاق لتوسيع نفوذها وهيمنتها في العالم.

 

ويمكن إضافة نقاط أخرى للنقاط السابقة منها التكاليف المالية والبشرية الجسيمة التي تحمّلتها البلدان الإسلامية حتى الآن، والانشغال الذهني للحكومات والشعوب المسلمة، ومعاناة ومحن ملايين المشردين الفلسطينيين الذين لا يزال بعضهم يعيشون حتى الآن وبعد ستة عقود في المخيمات، والانقطاع التاريخي لقطب حضاري مهم في العالم الإسلامي، وإلى غير ذلك.

 

انطلاقة الصحوة الإسلامية

وقد أضيفت اليوم نقطة أساس أخرى إلى تلك النقاط، ألا وهي نهضة الصحوة الإسلامية التي عمّت كل المنطقة، وفتحت فصلاً جديداً حاسماً في تاريخ الأمة الإسلامية. هذه الحركة العظيمة التي يمكنها بلا شك أن تؤدي إلى إيجاد منظومة إسلامية مقتدرة ومتقدمة ومنسجمة في هذه المنطقة الحساسة من العالم، وتضع بحول الله وقوته وبالعزيمة الراسخة لرواد هذه النهضة نهاية لعصر التخلف والضعف والمهانة الذي عاشته الشعوب المسلمة، وقد استمدت جانباً مهماً من طاقتها وحماسها من قضية فلسطين.

 

 

524


423

خطاب الولي 2011

الظلم والتعسف المتصاعد الذي يمارسه الكيان الصهيوني ومواكبة بعض الحكام المستبدين الفاسدين المرتزقة لأمريكا لهذا العسف من جهة، وانبعاث المقاومة الفلسطينية واللبنانية المستميتة والانتصارات المعجزة للشباب المؤمن في حربي الـ 33 يوماً في لبنان والـ 22 يوماً في غزة من جهة أخرى، هي من جملة العوامل المهمة التي أطلقت الطوفان في المحيط الهادئ في ظاهرة للشعوب في مصر وتونس وليبيا وباقي بلدان المنطقة.

 

إنها لحقيقة أن الكيان الصهيوني المدجج بالسلاح والمدعي أنه عصي على الهزيمة تلقى في حرب غير متكافئة في لبنان هزيمة قاسية مذلة من القبضات المشدودة للمجاهدين المؤمنين الأبطال، وبعد ذلك اختبر سيفه الكليل مرة أخرى أمام المقاومة الفولاذية المظلومة لغزة وذاق طعم الإخفاق.

 

هذه أمور يجب أخذها بعين الجد في تحليل الأوضاع الحالية للمنطقة، وقياس صحة أي قرار يتخذ على ضوئها.

 

إذاً، إنه لرأي وحكم دقيق أن قضية فلسطين اكتسبت اليوم أهمية مضاعفة، ومن حق الشعب الفلسطيني أن يتوقع المزيد من البلدان المسلمة في الوضع الراهن للمنطقة.

 

رسم خارطة المستقبل

لنلقِ نظرة على الماضي والحاضر ورسم خارطة المستقبل. وأنا أطرح بعض رؤوس النقاط.

 

مضت على فاجعة اغتصاب فلسطين أكثر من ستة عقود. وجميع المسببين الرئيسيين لهذه الفاجعة الدامية معرفون، وعلى رأسهم الحكومة البريطانية المستعمرة، حيث استخدمت سياستها وقواها العسكرية والأمنية والاقتصادية والثقافية، هي وسائر الحكومات الغربية والشرقية المستكبرة من بعد ذلك، لخدمة هذا الظلم الكبير.

 

وقد طرد الشعب الفلسطيني المشرد تحت وطأة قبضات المحتلين التي لا تعرف الرحمة، وقتل وأخرج من موطنه ودياره. وإلى اليوم لم يجرِ تصوير حتى واحد بالمائة

 

525


424

خطاب الولي 2011

من الفاجعة الإنسانية والمدنية التي وقعت على يد أدعياء التحضر والأخلاق في ذلك الحين، ولم تحظَ بنصيب من الفنون الإعلامية والمرئية، فهذا ما لم يشأه كبار أرباب الفنون التصويرية والسينمائية والتلفزيونية والمافيات الغربية لإنتاج الأفلام، ولم يسمحوا به. شعب كامل قتل وتشرد وسط صمت مطبق.

 

ظهرت حالات المقاومة في بداية الأمر، وقد قمعت بقسوة وشدة. وبذل رجال على الحدود الفلسطينية، وخصوصاً من مصر، جهوداً بمحفزات إسلامية، لكنها لم تحظَ بالدعم اللازم ولم تستطع التأثير في الساحة.

 

وبعد ذلك جاء الدور للحروب الكلاسيكية بين عدة بلدان عربية والجيش الصهيوني. جندت مصر وسورية والأردن قواتها العسكرية في الساحة، لكن المساعدات العسكرية والإمدادية والمالية السخية والزاخرة والمتزايدة التي قدمتها أمريكا وبريطانيا وفرنسا للكيان الغاصب فرضت الإخفاق على الجيوش العربية. إنهم لم يعجزوا عن مساعدة الشعب الفلسطيني وحسب، بل وخسروا أجزاء مهمة من أراضيهم في هذه الحروب.

 

ومع اتضاح عجز الحكومات العربية الجارة لفلسطين تكوّنت تدريجياً خلايا المقاومة المنظمة في معظم الجماعات الفلسطينية المسلحة، وبعد فترة من اجتماعها تأسست منظمة التحرير الفلسطينية. وكان هذا بصيص أمل تألق تألقاً حسناً لكنه لم يستمر طويلاً حتى خبا. ويمكن ردّ هذا الإخفاق إلى العديد من الأسباب، بيد أن السبب الرئيس هو ابتعادهم عن الجماهير وعن عقيدتهم وإيمانهم الإسلامي. الإيديولوجية اليسارية أو مجرد المشاعر القومية لم تكن الشيء الذي تحتاجه قضية فلسطين المعقدة الصعبة. ما كان بوسعه إنزال شعب بكامله إلى ساحة المقاومة وخلق قوة عصية على الهزيمة من أبناء الشعب هو الإسلام والجهاد والشهادة. أولئك لم يدركوا هذه الفكرة بصورة صحيحة. في الأشهر الأولى لانتصار الثورة الإسلامية الكبرى حيث كان زعماء منظمة التحرير الفلسطينية قد اكتسبوا معنويات جديدة وراحوا يترددون على طهران، سألت أحد شخصياتهم المهمة: لماذا لا ترفعون راية الإسلام في كفاحكم الحق؟ وكان جوابه إن بيننا بعض المسيحيين. وقد جرى اغتيال هذا الشخص بعد ذلك في

 

 

526


425

خطاب الولي 2011

أحد البلدان العربية على يد الصهاينة، ونتمنى أن يكون الغفران الإلهي قد شمله إن شاء الله، لكن استدلاله هذا كان ناقصاً وغير ناهض. أعتقد أن المناضل المسيحي المؤمن يكتسب إلى جانب الجماعة المجاهدة المضحية التي تقاتل بإخلاص من منطلق الإيمان بالله والقيامة والأمل بالمعونة الإلهية، وتتمتع بالدعم المادي والمعنوي لشعبها، يكتسب محفزات أكبر وأكثر للنضال مما لو كان إلى جانب جماعة عديمة الإيمان ومعتمدة على مشاعر متزعزعة وبعيدة عن الإسناد الشعبي الوفي.

 

عدم توفر الإيمان الديني الراسخ والانقطاع عن الشعب جعلهم بمرور الوقت عاجزين وعديمي التأثير. طبعاً كان بينهم رجال شرفاء ومتحفزون وغيورون، بيد أن الجماعة والتنظيم سارا في طريق آخر. انحرافهم وجّه ولا يزال الضربات للقضية الفلسطينية. هم أيضاً تنكروا كبعض الحكومات العربية الخائنة لأهداف المقاومة التي كانت ولا تزال السبيل الوحيد لإنقاذ فلسطين، وقد وجّهوا الضربات لا لفلسطين وحسب بل لأنفسهم أيضاً. وعلى حد تعبير الشاعر المسيحي العربي:

لئن أضعتم فلسطيناً فعيشكم

                     طول الحياة مضاضات وآلامُ

 

وهكذا مضت اثنتان وثلاثون سنة من عمر النكبة... لكن يد القدرة الإلهية قلبت الصفحة فجأة. وقلب انتصار الثورة الإسلامية في إيران في سنة 1979 (1357 هجري شمسي) الأوضاع في هذه المنطقة رأساً على عقب، وفتح صفحة جديدة. ومن بين التأثيرات العالمية المذهلة لهذه الثورة كانت الضربة التي وجّهتها للحكومة الصهيونية هي الأسرع والأوضح من بين الضربات الشديدة والعميقة التي وجّهتها للسياسات الاستكبارية. وكانت تصريحات ساسة الكيان الصهيوني في تلك الأيام جديرة بالقراءة وتنمّ عن وضعهم الأسود الغارق في الاضطراب. في الأسابيع الأولى للانتصار أغلقت السفارة الإسرائيلية في طهران، وأخرج العاملون فيها، وجرى تسليم مكانها رسمياً لممثلي منظمة التحرير الفلسطينية، وهم موجودون هناك حتى الآن. أعلن إمامنا الجليل أن أحد أهداف هذه الثورة تحرير الأرض الفلسطينية واستئصال غدة إسرائيل

 

527


426

خطاب الولي 2011

السرطانية. الأمواج القوية لهذه الثورة التي عمّت العالم كله في ذلك الحين حملت معها أينما ذهبت هذه الرسالة: "يجب تحرير فلسطين". المشاكل المتتابعة والكبيرة التي فرضها أعداء الثورة على نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية وإحداها حرب الأعوام الثمانية التي شنها نظام صدام حسين بتحريض من أمريكا وبريطانيا ودعم الأنظمة العربية الرجعية، لم تستطع هي الأخرى سلب الجمهورية الإسلامية محفزات الدفاع عن فلسطين.

 

وهكذا تم ضخّ دماء جديدة في عروق فلسطين، وانبثقت الجماعات الفلسطينية المجاهدة الإسلامية، وفتحت المقاومة في لبنان جبهة قوية جديدة أمام العدو وحماته. واعتمدت فلسطين بدل الاستناد إلى الحكومات العربية ومن دون مدّ اليد للأوساط العالمية من قبيل منظمة الأمم المتحدة - وهي شريكة إجرام الحكومات الاستكبارية - اعتمدت على نفسها وعلى شبابها وعلى إيمانها الإسلامي العميق وعلى رجالها ونسائها المضحين. هذا هو مفتاح كل الفتوحات والنجاحات.

لقد تقدم هذا السياق وتصاعد خلال العقود الثلاثة الأخيرة يوماً بعد يوم. وكانت الهزيمة الذليلة للكيان الصهيوني في لبنان عام 2006 (1385 هجري شمسي)، والإخفاق الفاضح الذي مني به ذلك الجيش المتشدق في غزة سنة 2008 (1387 هجري شمسي)، والفرار من جنوب لبنان والانسحاب من غزة، وتأسيس حكومة المقاومة في غزة، وبكلمة واحدة تحول الشعب الفلسطيني من مجموعة من الناس اليائسين العاجزين إلى شعب متفائل مقاوم له ثقته بنفسه. كانت هذه كلها من الخصائص البارزة للأعوام الثلاثين الأخيرة.

 

هذه الصورة الكلية الإجمالية سوف تكتمل حينما يُنظر بصورة صحيحة للتحركات الاستسلامية والخيانية التي تهدف إلى إطفاء المقاومة وانتزاع الاعتراف الرسمي بشرعية إسرائيل من الجماعات الفلسطينية والحكومات العربية.

 

هذه التحركات التي بدأت على يد الخليفة الخائن واللاخلف لجمال عبد الناصر في معاهدة كامب ديفيد المخزية أرادت دوماً ممارسة دور التثبيط حيال العزيمة

 

 

528


427

خطاب الولي 2011

 الفولاذية للمقاومة. في معاهدة كامب ديفيد اعترفت حكومة عربية رسمياً ولأول مرة بصهيونية الأراضي الإسلامية في فلسطين، وتركت توقيعها تحت سطور اعترفت بإسرائيل كياناً قومياً لليهود.

 

وبعد ذلك وصولاً إلى معاهدة أوسلو في سنة 1993 (1372 هجري شمسي) والمشاريع التكميلية الأخرى التي أعقبتها والتي أدارتها أمريكا، وواكبتها البلدان الأوربية الاستعمارية، وفُرِضت عبئاً على عاتق الجماعات الاستسلامية عديمة الهمّة من الفلسطينيين، انصبت كل مساعي العدو على صرف الشعب والجماعات الفلسطينية عن خيار المقاومة بوعود مخادعة جوفاء وإشغالهم بألاعيب صبيانية في الساحات السياسية. وسرعان ما تجلى عدم اعتبار كل هذه المعاهدات، وأثبت الصهاينة وحماتهم مراراً أنهم ينظرون لما كتب على أنه مجرد قصاصات ورق لا قيمة لها. كان الهدف من هذه المشاريع بث الشكوك والتردد في قلوب الفلسطينيين، وتطميع الأفراد عديمي الإيمان وطلاب الدنيا، وشلّ حركة المقاومة الإسلامية ليس إلا.

 

وقد كان المضاد لهذا السمّ في كل هذه الألاعيب الخيانية حتى الآن هو روح المقاومة لدى الجماعات الإسلامية والشعب الفلسطيني. لقد صمد هؤلاء أمام العدو بإذن الله، وكما وعد الله ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[1] فقد حظوا بالمعونة والنصرة الإلهية. لقد كان صمود غزة على الرغم من المحاصرة المطلقة نصراً إلهياً، وسقوط النظام الخائن الفاسد لحسني مبارك نصراً إلهياً، وظهور موجة الصحوة الإسلامية القوية في المنطقة نصراً إلهياً، وسقوط أستار النفاق والزيف عن وجوه أمريكا وبريطانيا وفرنسا، والكراهية المتصاعدة لشعوب المنطقة لهم كانت نصرة إلهية. والمشكلات المتتابعة والعصية على الحصر للكيان الصهيوني ابتداءً من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية إلى عزلته العالمية والكراهية العامة له حتى في الجامعات الأوربية، كلها من مظاهر النصرة الإلهية.

 


[1] سورة الحج، الآية 40.

 

529


428

خطاب الولي 2011

الفولاذية للمقاومة. في معاهدة كامب ديفيد اعترفت حكومة عربية رسمياً ولأول مرة بصهيونية الأراضي الإسلامية في فلسطين، وتركت توقيعها تحت سطور اعترفت بإسرائيل كياناً قومياً لليهود.

 

وبعد ذلك وصولاً إلى معاهدة أوسلو في سنة 1993 (1372 هجري شمسي) والمشاريع التكميلية الأخرى التي أعقبتها والتي أدارتها أمريكا، وواكبتها البلدان الأوربية الاستعمارية، وفُرِضت عبئاً على عاتق الجماعات الاستسلامية عديمة الهمّة من الفلسطينيين، انصبت كل مساعي العدو على صرف الشعب والجماعات الفلسطينية عن خيار المقاومة بوعود مخادعة جوفاء وإشغالهم بألاعيب صبيانية في الساحات السياسية. وسرعان ما تجلى عدم اعتبار كل هذه المعاهدات، وأثبت الصهاينة وحماتهم مراراً أنهم ينظرون لما كتب على أنه مجرد قصاصات ورق لا قيمة لها. كان الهدف من هذه المشاريع بث الشكوك والتردد في قلوب الفلسطينيين، وتطميع الأفراد عديمي الإيمان وطلاب الدنيا، وشلّ حركة المقاومة الإسلامية ليس إلا.

 

وقد كان المضاد لهذا السمّ في كل هذه الألاعيب الخيانية حتى الآن هو روح المقاومة لدى الجماعات الإسلامية والشعب الفلسطيني. لقد صمد هؤلاء أمام العدو بإذن الله، وكما وعد الله ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[1] فقد حظوا بالمعونة والنصرة الإلهية. لقد كان صمود غزة على الرغم من المحاصرة المطلقة نصراً إلهياً، وسقوط النظام الخائن الفاسد لحسني مبارك نصراً إلهياً، وظهور موجة الصحوة الإسلامية القوية في المنطقة نصراً إلهياً، وسقوط أستار النفاق والزيف عن وجوه أمريكا وبريطانيا وفرنسا، والكراهية المتصاعدة لشعوب المنطقة لهم كانت نصرة إلهية. والمشكلات المتتابعة والعصية على الحصر للكيان الصهيوني ابتداءً من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية إلى عزلته العالمية والكراهية العامة له حتى في الجامعات الأوربية، كلها من مظاهر النصرة الإلهية.

 


[1] سورة الحج، الآية 40.

 

529


429

خطاب الولي 2011

الكيان الصهيوني اليوم مكروه وضعيف ومعزول أكثر من أي وقت آخر، وحاميته الرئيسة أمريكا مبتلاة متحيرة أكثر من أي وقت آخر.

 

الصفحة الكلية والإجمالية لفلسطين طوال نيف وستين عاماً الماضية أمام أنظارنا حالياً. ينبغي تنظيم المستقبل بالنظر لهذا الماضي واستلهام الدروس منه.

 

ينبغي قبل كل شيء إيضاح نقطتين:

الأولى: إن دعوانا هي تحرير فلسطين وليس تحرير جزء من فلسطين. أي مشروع يريد تقسيم فلسطين مرفوض بالمرة. مشروع الدولتين الذي خلعوا عليه لبوس الشرعية الاعتراف بحكومة فلسطين كعضو في منظمة الأمم المتحدة ليس سوى الاستسلام لإرادة الصهاينة، أي الاعتراف للدولة الصهيونية بالأرض الفلسطيني. وهذا معناه سحق حقوق الشعب الفلسطيني وتجاهل الحق التاريخي للمشردين الفلسطينيين، بل وتهديد حقوق الفلسطينيين الساكنين على أراضي 1948. وهو يعني بقاء الغدة السرطانية والتهديد الدائم لجسد الأمة الإسلامية وخصوصاً شعوب المنطقة. وهو يعني تكرار آلام ومحن عشرات الأعوام وسحق دماء الشهداء.

 

أي مشروع عملياتي يجب أن يكون على أساس مبدأ: "كل فلسطين لكل الشعب الفلسطيني". فلسطين هي فلسطين "من النهر إلى البحر"، وليس أقل من ذلك حتى بمقدار شبر. طبعاً يجب عدم نسيان أن الشعب الفلسطيني كما فعل في غزة، سوف يتولى إدارة شؤونه بنفسه عن طريق حكومته المنتخبة في أي جزء من تراب فلسطين يستطيع أن يحرره، لكنه لن ينسى الهدف النهائي على الإطلاق.

 

النقطة الثانية: هي أنه من أجل الوصول إلى هذا الهدف السامي لا بد من العمل وليس الكلام، ولا بد من الجدّ وليس الممارسات الاستعراضية، ولا بد من الصبر والتدبير لا السلوكيات المتلونة غير الصبورة. ينبغي النظر للآفاق البعيدة والتقدم للأمام خطوة خطوة بعزم وتوكل وأمل. يمكن لكل واحدة من الحكومات والشعوب المسلمة والجماعات المقاومة في فلسطين ولبنان وباقي البلدان أن تعرف نصيبها ودورها من هذا الجهاد العام، وأن تملأ بإذن الله جدول المقاومة.

 

 

530


430

خطاب الولي 2011

مشروع الجمهورية الإسلامية لحل قضية فلسطين ولمداواة هذا الجرح القديم مشروع واضح ومنطقي ومطابق للعرف السياسي المقبول لدى الرأي العام العالمي، وقد سبق أن عرض بالتفصيل. إننا لا نقترح الحرب الكلاسيكية لجيوش البلدان الإسلامية، ولا رمي اليهود المهاجرين في البحر، ولا طبعاً تحكيم منظمة الأمم المتحدة وسائر المنظمات الدولية. إننا نقترح إجراء استفتاء للشعب الفلسطيني. من حق الشعب الفلسطيني كأي شعب آخر أن يقرر مصيره ويختار النظام الذي يحكم بلاده. يشارك كل الفلسطينيين الأصليين من مسلمين ومسيحيين ويهود -وليس المهاجرين الأجانب- أينما كانوا، في داخل فلسطين أو في المخيمات أو في أي مكان آخر، في استفتاء عام ومنضبط ويحددون النظام المستقبلي لفلسطين. وبعد أن يستقر ذلك النظام والحكومة المنبثقة عنه سوف يقرر أمر المهاجرين غير الفلسطينيين الذين انتقلوا إلى هذا البلد خلال الأعوام الماضية. هذا مشروع عادل ومنطقي يستوعبه الرأي العام العالمي بصورة صحيحة، ويمكن أن يتمتع بدعم الشعوب والحكومات المستقلة. بالطبع، لا نتوقع أن يرضخ الصهاينة الغاصبون له بسهولة، وهنا يتكون دور الحكومات والشعوب ومنظمات المقاومة ويكتسب معناه.

 

قطع الدعم من العدو الإسرائيلي

الركن الأهم لدعم الشعب الفلسطيني هو قطع الدعم عن العدو الغاصب، وهذا هو الواجب الكبير الذي يقع على عاتق الحكومات الإسلامية. الآن وبعد نزول الشعوب إلى الساحة وشعاراتهم المقتدرة ضد الكيان الصهيوني بأي منطق تواصل الحكومات المسلمة علاقاتها مع الكيان الغاصب؟ وثيقة صدق الحكومات المسلمة في مناصرتها للشعب الفلسطيني هو قطع علاقاتها السياسية والاقتصادية الجلية والخفية مع ذلك الكيان. الحكومات التي تستضيف سفارات الصهاينة أو مكاتبهم الاقتصادية لا تستطيع أن تدعي الدفاع عن فلسطين، وأي شعار معاد للصهيونية لن يؤخذ منهم على مأخذ الجد والحقيقة.

 

531


431

خطاب الولي 2011

منظمات المقاومة الإسلامية التي تحملت في الأعوام الماضية أعباء الجهاد الثقيلة لا تزال اليوم أيضاً أمام هذا الواجب الكبير. مقاومتهم المنظمة هي الذراع الفاعل الذي بمقدوره أخذ الشعب الفلسطيني نحو هذا الهدف النهائي. المقاومة الشجاعة للجماهير التي احتلت ديارهم وبلادهم معترف بها رسمياً وممدوحة ومشاد بها في كل المواثيق الدولية. تهمة الإرهاب التي تطلقها الشبكات السياسية والإعلامية التابعة للصهيونية كلام أجوف لا قيمة له. الإرهابي العلني هو الكيان الصهيوني وحماته الغربيون، والمقاومة الفلسطينية حركة إنسانية مقدسة مناهضة للإرهابيين.

 

وظيفة البلدان الغربية

وفي هذا الخضم، من الجدير بالبلدان الغربية أيضاً أن تكون لها نظرتها الواقعية. الغرب اليوم على مفترق طرق، إما أن يتخلى عن منطق القوة الذي استخدمه زمناً طويلاً ويعترف بحقوق الشعب الفلسطيني، ولا يواصل أكثر من هذا اتباع المخططات الصهيونية التعسفية اللاإنسانية، وإما أن ينتظر ضربات أقسى في المستقبل غير البعيد. وهذه الضربات الشالة ليست مجرد السقوط المتتابع للحكومات المطيعة لهم في المنطقة الإسلامية، إنما يوم تدرك الشعوب في أوربا وأمريكا أنّ أغلب مشكلاتهم الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية نابعة من الهيمنة الأخطبوطية للصهيونية الدولية على حكوماتهم، وأن ساستهم يطيعون ويسلمون لتعسف أصحاب الشركات الصهيونية المصاصة للدماء في أمريكا وأوروبا من أجل الحفاظ على مصالحهم الشخصية والحزبية، فسوف يخلقون لهم جحيماً لا يمكن تصور أي سبيل للخلاص منه.

 

يقول الرئيس الأمريكي: إن أمن إسرائيل هو خطنا الأحمر. من الذي رسم هذا الخط الأحمر؟ مصالح الشعب الأمريكي أم حاجة أوباما الشخصية للمال ودعم الشركات الصهيونية للحصول على كرسي الرئاسة في الدورة الرئاسية الثانية؟ إلى متى ستستطيعون خداع شعبكم؟ ماذا سيفعل الشعب الأمريكي يوم يدرك عن حق أنكم رضيتم بالذلة والتبعية والتمرّغ في التراب أمام أرباب المال الصهاينة، ونحرتم مصالح

 

 

532


432

خطاب الولي 2011

شعب كبير أمام أقدامهم من أجل البقاء في السلطة أياماً إضافية؟

 

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، اعلموا أن هذا الخط الأحمر لأوباما وأمثاله سوف يتحطم على يد الشعوب المسلمة الثائرة. ما يهدد الكيان الصهيوني ليس صواريخ إيران أو جماعات المقاومة حتى تنصبوا أمامها درعاً صاروخياً هنا وهناك. التهديد الحقيقي والذي لا علاج له هو العزيمة الراسخة للرجال والنساء والشباب في البلدان الإسلامية الذين لم يعودوا يريدون أن تتحكم فيهم أمريكا وأوروبا وعملاؤهم، ويفرضون عليهم الهوان.

 

وبالطبع، فإن تلك الصواريخ سوف تؤدي واجباتها متى ما ظهر تهديد من قبل العدو.

﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾[1].

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


[1] سورة الروم، الآية 60.

 

 

533


433

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء العاملين في الحج

 

 

المناسبة:   لقاء العاملين في الحج

الحضور:  مسؤولو الحج في البعثة ومنظمة الحج والزيارة

المكان:   طهران

 

الزمان:    ١١/٠٧/1390ﻫـ.ش.

٠٥/11/1432ﻫـ.ق.

03/10/2011م.

 

 

535


434

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أُرحّب بالإخوة والأخوات الأعزّاء، سواء الخدّام المبجّلين للحجاج، مسؤولي القوافل والعاملين فيها أو غيرهم أم المدراء المسؤولين عن الحج في البعثة أو في منظّمة الحجّ والزيارة. نسأل الله تعالى أن يوفّق ويهدي ويسدّد لكي تتمكّنوا بهممكم العالية ودوافعكم القوية والعميقة إن شاء الله من تأمين حجّ معنويّ فاخر ومقبول عند الله لحجّاجنا هذه السّنة.

 

الحج... وفادة إلى الله

هذه الواقعة الكبرى أي واقعة الحج التي تتكرّر كلّ عام من قِبل الأمّة الإسلاميّة تعدّ من الرموز الأساس للإسلام. وفي رواية إنّ حقّ الحجّ أن تعلموا "أنّه وفادة إلى ربّك"[1]. فالورود على الله هو أن يصبح الإنسان ضيفاً عنده. ومن الواضح كم لضيافة معدن العظمة وجوهر القدرة وأصل الجمال ومركز الكرم من أهمّية وقيمة. تسعى كلّ الشعوب المسلمة من كلّ وادٍ أو فجٍّ عميق للوصول إلى هذه الضيافة الكبرى كلّ سنة. فينال بعضهم هذه السعادة وذاك التوفيق. وها نحن من هذه الأمّة الإسلاميّة ونتحمّل جانباً من هذا الأمر. فمن هذه الحركة العظيمة للأمّة الإسلاميّة، هناك ما يرتبط بنا نحن الإيرانيين. فعلينا أولاً، أن نكون بصدد التفكير لإقامة هذه المراسم بأبّهة وعظمة ومحتوى ومعنى على صعيد الشعوب الإسلامية ونُخطِّط لها، وثانياً، أن نكون بصدد الاغتنام والاستفادة الفردية. أنتم الحجّاج وكل الحجّاج المحترمون، على كلّ واحد منكم أن يغتنم لنفسه. لهذا يجب الالتفات إلى البُعدين معاً.

 

 


[1] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج2، ص620.

 

537


435

خطاب الولي 2011

مؤامرة الأعداء تجاه الصحوة الإسلامية

بالنسبة للجانب الأوّل المتعلّق بالبُعد العمومي والدولي والمرتبط بالعالم الإسلامي والأُمّة الإسلامية، على الحاج الإيراني مسؤوليات، كأن يُظهر حسن السلوك والأخوّة والمواساة والاستفادة من الرابطة الإسلامية بينه وبين الشعوب الأخرى من أجل تحقيق التقارب القلبي. فهذه من المسؤوليات والوظائف. وهي ما يقابل ما يريده أعداء الإسلام والمسلمين تماماً. فهؤلاء لا يريدون للأُمّة الإسلاميّة أو المسلمين أن يكونوا نسيجاً واحداً. لأنّهم إن أصبحوا كذلك، فإنّهم سيُصبحون مقتدرين وأقوياء ويستعيدون هويّتهم في الميادين المختلفة. حينها سيصعب العمل على المستكبرين العالميين. ولهذا يريدون أن يُفرّقوا. فهم يلقون الخلافات المذهبية والقومية ويُحرّكون النزاعات القوميّة المتطرّفة بين الشعوب، حتى يُقال هذا فارسيّ وذاك عربيّ وهذا تركيّ وذاك باكستاني، وفلان شيعيّ وذاك سنّي. فيضخّون الخلافات ويُصعّدونها من أجل أن يوجدوا جدراناً بيننا، ويشيع سوء الظن بين الواحد والآخر منا حتى لا نكون معاً فلا نتصافح ولا نتعاضد ولا نتمكّن من إيجاد تيّار عظيم.

 

واعلموا أنّ هذه المؤامرة ستشتد هذه السنة. فلأنّ الصحوة الإسلامية قد تحقّقت هذه السنة، وصحت مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين، وركّزت الشعوب الإسلاميّة في ثوراتها ونهضاتها حربة تحرّكاتها المسنونة ضدّ الاستكبار والصهيونيّة، سيكون سعيهم من أجل منع الشعوب من الترابط والقلوب من التقارب. "فلو تعارفت القلوب المختلفة لأضحت واحدة مؤتلفة" وهناك ستكون الإرادة واحدة والقرار واحداً. وهذا ما لا يريدونه. لهذا، فإنّهم يصرّون على أن يتشدّد السنّي في تسنّنه، والشيعي في تشيّعه، والحال كذلك في الفرق الأخرى المتعلّقة بخصوصياتها. وللأسف، فإنّهم يمتلكون الوسائل والأدوات لاستفزاز المشاعر. فلديهم الأدوات في كلّ مكان، ولعلّ أدواتهم هناك أكثر.

 

وَٱعتَصِمُواْ بِحَبلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً

﴿وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعا﴾[1]. والحج من مظاهر حبل الله الذي ينبغي أن تعتصموا به جميعاً. فكونوا جميعاً يداً واحدة. لا فقط كإيرانيين بل كأمّة إسلاميّة.

 

 


[1] سورة آل عمران، الآية 103.

 

538


436

خطاب الولي 2011

سواء كنتم من أفريقيا أم آسيا أم أوروبا، أو كنتم سوداً أم بيضاً، أم من أي مكان في العالم، فهم (المسلمون) جسد واحد. هذه هي النظرة العظيمة والعمومية والعالمية.

 

فترابطوا وتحادثوا وتبادلوا المعنويّات، واشرحوا لإخوانكم الذين نزلوا حديثاً إلى هذا الميدان تلك الحقائق التي تعرفونها عن الاستكبار والمستكبرين والمعاندين والمخالفين، فلديكم تجربة ثلاثة عقود في هذا المجال. ومن لم يكن لديه قدرة البيان والتبيين وأمثال هذه الأمور، فيمكنه أن يدعو النّاس بتصرّفاته وسلوكه "كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم"[1]. إنّ دعوة الناس يمكن أن تحصل باللسان ولكن الدعوة الأقوى والأفضل تكون بالعمل. فتأدّبكم واحترامكم وإظهاركم لتعظيم حقائق الحج، كل هذه سلوكيات عامّة وجمعية من أجل إقامة هذه الواقعة الإسلامية الدولية.

 

الحج جامع الفرائض

وهنا توجد مجموعة من الأعمال بمتناول أيديكم، وترتبط بقلوبكم، وأشخاصكم. فعليكم أن تغتنموا. نحن في هذه الدنيا قد تلوّثنا بالماديات، وبالنوازع والوسوسات. فإذا أردنا أن نعبر حدود الموت ونحن على هذا الحال، فواسوأتاه. لهذا يجب أن نُطهّر أنفسنا، وهذه الطهارة تحصل في الصلاة، وفي تلاوة القرآن، وفي الصيام، وفي الإنفاق والصدقات، وفي أنواع الفرائض وأشكالها. والحج تجتمع فيه هذه الفرائض. ففيه الذكر، وفيه الطواف، والصلاة، والوقوف، والتوجّه الى الله، والإنفاق والتضحية. كلّ شيء مجموع في الحجّ.

 

الاستعداد للحج ومعرفة قدره

فاعلموا قدر هذه الأسابيع القليلة. وقوموا بتطهير القلوب فيها وتزكيتها. وأفضل الأماكن للتطهير هي نفس مراسم الحج، المسجد الحرام، والطواف ببيت الله، والمسجد النبويّ، تلك الشعائر العظيمة. جمعاً ووسط الجموع، ولكن كلّ واحد على نحو مستقل له سلك اتصال بالله. ومن الممكن أن لا يطلع عليه أحد أو يخبر به. فحافظوا على هذا الاتصال وقوموا بتقويته. وابدأوا من الآن. بل كان ينبغي البدء قبل الآن.

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص77 .

 

 

538


437

خطاب الولي 2011

يجب الاستعداد للحج، مثلما كان سلوك وديدن العلماء الكبار وأهل السلوك والمعنى والطريقة بالنسبة لشهر رمضان المبارك، حيث كانوا يُعدّون أنفسهم قبل دخول شهر رمضان بعدّة أشهر لكي يفدوا على ضيافة الله. والحج كذلك، حيث ينبغي الاستعداد قبل السفر.

 

وأهم الأعمال هنا اجتناب المعصية، وترك الغيبة، واجتناب الظلم، والحذر من النظرة الحرام والعمل الحرام، فمثل هذا الاجتناب والحذر يهيّئ القلب من أجل الورود إلى هذه الضيافة والوفادة الإلهية.

 

المحافظة على ذخائر الحج

حتى إذا ذهبتم وغنمتم وادّخرتم لأنفسكم ذخراً ورجعتم، اسعوا مجدّين للحفاظ على تلك الذخائر. وقد جرت العادة أنّه طوال سفر الحج المبارك -كم هي عادة جيدة- يتلوَ الحجاج آيات القرآن حيناً بعد حين. وبعضهم يختمونه في المدينة، وبعضهم يأتون الى مكّة فيوفّقون لختمية واحدة أو اثنتين. فاستمرّوا على هذه العادة. ومن لم يكن من أهل التهجّد وصلاة الليل، فليُجرّبوا ذلك في الحج، ويجعلوه سبباً لأنفسهم حين يذهبون الى المسجد الحرام، ومسجد النبيّ فيتهجّدون. فاستمرّوا على ذلك وحافظوا عليه.

 

فلو قمنا برعاية هذه الأمور، فإنّ الحجّ هو جهاز مدهش لإحداث الانقلابات، ففي كلّ موسم حج، سيسري تيّار في المجتمع كلّه، حركة جماعية، لا تنحصر بأفراد معيّنين. ففي هذا الموسم تزداد المحبّة في القلوب تجاه الرّب المتعال. والقلب الذي يكون مستودع الحبّ الإلهي هو القلب النفيس العظيم. من استولت على قلبه محبّة الله، سيقلّ أو ينعدم ميله إلى المعصية، ويزداد توجّهه إلى فعل الخير. فيجب إيجاد هذه المحبّة. وهو ممكنٌ بالذكر والتوجّه والإخلاص والتضرّع.

 

المقصد إذن، أن تقدّروا هذه الأمور جيداً. سواء من الناحية الجماعية أم الفردية.

 

ارفعوا شأن بلدكم الذي هو إيران العزيزة والشامخة في هذا السفر. فالحاج الإيراني يمكنه بسلوكه أن يجمّل ويعزّ بلده وتاريخه وثورته ونظام جمهوريته الإسلامية في أعين أهل الدنيا الذين جاؤوا من كل حدب وصوب. ويمكنه أن يفعل العكس أيضاً.

 

 

540


438

خطاب الولي 2011

حيث يمكن أن نذهب إلى الحج وبأعمالنا السيئة وغير اللائقة والسفيهة نسفّه بلدنا وشعبنا.

 

كلمة في التسوّق وشراء البضائع

إنني لا أعارض شراء الهدايا، ولكن لماذا التجوال في الأسواق؟ فهذا سيّئ جداً. هناك من يتلهّف للتجوال في الأسواق (التسوّق)، وهذا ما يقلّل من شأن شعبكم وبلدكم. فهو أمرٌ مؤسف. يذهبون لشراء بضائع هي في الغالب بضائع عديمة الجودة تأتي من بلدان بعيدة انتفاعية تربطها بشركات الدولة المضيفة اتّفاقيات عديدة. فيصنعون للحجّاج بضائع مقلّدة فاقدة الجودة ويجلبونها إلى تلك الأسواق. وأنتم تذهبون إلى هناك وتبذلون عملتكم الصعبة وشرفكم لكي تشتروا تلك البضائع. ونحن اليوم في بلدنا لدينا ولحسن الحظ منتوجات محلّية بكيفية جيدة ومنوّعة وجميلة وقد صنعتها أيادي العمّال الإيرانيين من إخوانكم وهي متوفّرة بكثرة. بعض الناس وقبل أن يسافروا إلى مكّة، يعدّون الهدايا هنا وهو أمرٌ جيّد ويحفظونها، حتى إذا رجعوا يقدّمونها تحت هذا العنوان، هذه هدية السفر وهذا جيد، وهذا عملٌ ممتاز.

 

بعضهم يُحضرون من هناك هدايا باعتبار أنّها مباركة. كلا، إنّها ليست كذلك. فتلك المصلّيات التي تُصنع في مدينة سنندج، وكردستان في بلدنا هي أفضل بدرجات من التي تُجلب من هناك. وبهذه الطريقة تزيدون أخوكم قوّة، اشتروا ما تصنعه يداه وهو أجمل وأفضل وقدّموه كهدايا الحج. خذوها معكم الى هناك وقدّموها هدايا لمن تحبّون. وجميع منتوجاتنا هي هكذا. وأنا هنا ذكرت "المصلية" كمثال وهي الأكثر بركة. فالتفتوا.

 

لدينا كلّ شيء في الإسلام. فالنظام الإسلامي يحتوي على كلّ شيء. ففيه البضائع المادية، والبضائع المعنوية. فمعارفنا ودروسنا وقرآننا وسنّتنا وأحاديث أئمتنا الأطهار عليهم السلام، كلّ هذه ثرواتنا. فلو التفتنا إلى هذه الذخائر واستفدنا منها، ولم نحرم أنفسنا منها، سنتقدّم ﴿إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ﴾[1] وإذا حرمنا أنفسنا بأيدينا:

 


[1] سورة الإسراء، الآية 7.

 

541


439

خطاب الولي 2011

فمثل هذه القضايا يتمّ التعامل معها بعقلانية وتدبير وقوّة ودقّة. الضوضاء والصخب ضروريّ للإعلام إلى حدٍّ ما. لكن الاستمرار عليه وخصوصاً إذا كان بعض الناس يريدون استغلال الأمر لمآرب أخرى فلا مصلحة في ذلك. يجب المراقبة، وعلى المسؤولين المتابعة. وليعلم شعبنا أن الأمر يُتابع ولن يتوقّف، وسوف تُقطع أيادي الخونة بتوفيق الله، إن شاء الله.

 

المسؤولون في القضاء يتابعون بحمد الله وبجدية تامّة، ويبلّغون وسائل الإعلام حيث يلزم. وعلى الناس أن يعلموا أن العمل يجري قدماً. ولا يجوز التسامح تجاه الأشرار والمخرّبين والمفسدين.

 

أملنا بالله تعالى أن يجعل حجّ هذه السنة حجّاً مباركاً ببركة تفضّله وعنايته وبركاته على هذا الشعب إن شاء الله. وإن شاء الله أيضاً تشمل شعب إيران كلّه الأدعية الزاكية لحضرة بقية الله أرواحنا فداه، فتمّموا حجّكم بعافية وصحّة ورفعة وسلامة.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

543


440

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء جمع من النخب والمتفوقين

       

المناسبة:   لقاء جمع من النخب والمتفوقين

الحضور:  جمع من النّخب والمتفوّقين

المكان:   طهران

 

الزمان:    ١٣/٠٧/1390ﻫـ.ش.

٠٧/11/1432ﻫـ.ق.

05/10/2011م.

         

 

 

545


441

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

في الحقيقة أشكر الله من أعماق قلبي وأحمده من صميم وجودي، لأجلكم أيّها الشباب الأعزّاء. أعتقد أنّه على كلّ حريص على البلاد، وعلى كلّ مهتمّ بمصيرها، أن يشكر الله تعالى لأنّه أنعم علينا وعلى البلاد بأمثالكم. إنّني شاكرٌ جدّاً لله على هذه النّعمة الكبيرة. الحمد لله أنّ لدينا شباباً جيّداً ومؤمناً ولائقاً وحاضراً للعمل ومفعماً بالحيويّة، وهل تحتاج أمّة إلى أكثر من هذا لكي تتقدّم؟

 

أهمية النقد وإيجابيّته

المسائل التي طرحها الأصدقاء هنا، كانت جيّدة جداً، ناضجة ومعمولاً عليها جيداً. بالطبع، عليّ أن أذكر، أنّ لكلّ حركة آفات، أو كما يُقال "لا تخلو كتابة الإملاء من بعض الأخطاء"، فالطريق الذي لا أخطاء فيه هو كعدم كتابة الإملاء أصلاً. يكتب شعبنا اليوم، إملاءً صعبة، المسؤولون، والحكومة، والشعب، يعبرون طريقاً وعرة. في بعض الأحيان، تكون العثرات والكبوات والزلّات أمراً طبيعيّاً. في أماكن أخرى لا ينبغي أبداً أن نستوحش من التعب الشديد أو التأخّر في المسير والقلق لماذا حدث هذا. ليس لأنّي أنزعج من ذكر الإشكالات والانتقادات أبداً تأكّدوا من هذا.

 

أحد الأصدقاء كان يقول معتذراً لا أريد أن أنتقد، إنّما أريد أن أطرح هواجسي القلبية. لا، بل انتقدوا، لا بأس في هذا. نحن لا نتحاشى أبداً الانتقاد وبيان العيوب والإشكالات. نحن أيضاً نقولها، وحاضرون جداً أن نستمع إليها. أي إنّه لا يوجد أيّ إشكال في ذلك. لا ينبغي تصوّر أنّ هناك مشكلة في ذكر المشكلات، لكن المهم، أنّ لا يجعلنا وجود المشكلات متردّدين في صحّة الطريق، ومتزلزلين في صحّة العمل. ينبغي لنا أن لا ننسى إلى أين نسير لمجرّد أنّ أحد رفاق الدّرب قد تعب مثلاً، أو قعد، أو أراد أن يشرب قطرة ماء أو حصلت معه مشكلة ما. علينا أن نضع القمّة دائماً نصب أعيننا. هذا هو كلامي.

 

547


442

خطاب الولي 2011

أهمية الوثيقة الوطنية للنُخب

النقاط التي ذكرها الأصدقاء، يرتبط بعضها بمسائل النخبة، وهذا يتعلّق بمؤسّسة النخبة، وبعضها الآخر أوسع من مسائل النخب. وقد سجّلتُ الأسماء وإن شاء الله سيتم الاهتمام بكلمات الإخوة والأخوات في مجموعها من قبل المكتب وتنقل إلى المسؤولين أيضاً. حسناً، بعض حضرات المسؤولين حاضرون هنا أيضاً، وستكون هذه المسائل محلّ اهتمام من قبلهم. بناءً على هذا، بعض هذه النقاط أوسع من مسألة النخبة، تتعلّق بمسألة العلم، تتعلّق بمسألة تقدّم العلم. وقد طُرحت هنا نقاط أعتقد أنّها صحيحة جداً. هناك أشياء أيضاً ذات بُعد إجرائي، وهي ترتبط أيضاً بالسيدة سلطان خاه، كونها المعاون العلمي لرئيس الجمهورية. بالطبع ما تقوله صحيح، هذا العمل شبيه بالاختصاصات الواقعة بين عدّة اختصاصات في الجامعة، هذا عمل بين عدّة اختصاصات ويرتبط بالجميع بنحوٍ من الأنحاء. على الأجهزة المختلفة أن تساعدها أيضاً. لقد سمعت ليس من التقارير الرسمية، بل من تقارير غير رسمية -وصلتني أخبار وسمعت- أنّ أعمالاً جيدة جداً قد أنجزت أو أنّها على مشارف الإتمام إن شاء الله، وآمل بأن نرى نتائجها.

 

وهنا أقول، إنّ هذه الوثيقة التي ذكرتها (السيدة سلطان خاه) هي عملٌ مهم جداً. ما أعلنته من أنّ الوثيقة الوطنية للنّخب(155) قد تمّ إعدادها أو أنّها في مرحلة التصديق هو بالنسبة لي خبرٌ جميل.

 

فكل هذه المشاكل التي ذُكرت، إنّما هي بسبب غياب هكذا وثيقة.

 

لدينا أولاً مسألة التعرّف إلى النخب. وقبل ذلك اكتشاف ذوي الاستعدادات الأفضل والذين سيتحوّلون مع مرور الزمن إلى نخب، لأنّه ليس كل صاحب استعداد أفضل هو نخبة، بل هو يتبدّل تدريجياً إلى نخبة. إذاً، أولاً، يتمّ اكتشاف ذوي الاستعدادات الأفضل، ومن ثمّ حركة صاحب الاستعداد نحو النخبوية، ثم الوصول بعدها إلى مرحلة

 

 

548


443

خطاب الولي 2011

الإنتاج والعطاء وفي الواقع هي نقطة (منعطف) التحول إلى نخبة، حيث يتحوّل هذا الشاب إلى نخبة في مرحلة الدراسات العليا، الماجستير والدكتوراه، وبعد ذلك استمرار عمل النخبة.

 

على الجميع أن يلتفتوا -ولعلّكم جميعاً ملتفتون- إلى أنّه عندما يمتلك شخص ما صفة "نخبة"، فإنّ هذا هو أوّل الغيث وبداية طريقه. من الخطأ أن نتخيّل أنّه صار نخبة، فإذاً عليه أن يرتاح ويطمئن ويمتلك بعض الامتيازات أيضاً، وقد أصبح معروفاً، كلا، عندما نصبح نخباً، فهذا أوّل الطريق. حسناً، إذا أردنا أن نرى كل هذه المراحل ونتابعها بشكل جيّد ونقوم بتدوينها، نحتاج إلى هذه الوثيقة التي أشارت إليها.

 

ولذلك، فهذه الوثيقة مهمة. وأنا هنا أؤكّد عليكم، طالما تمّ إعداد هذه الوثيقة، إن شاء الله يتم تكميلها أو إصلاحها أو تصديقها بسرعة وأي عمل مقرّر بشأنها، وستوضع موضع التنفيذ والإجراء.

 

الأرستقراطية الثقافية

أشير إلى بضع نقاط ممّا ذكره الأصدقاء. بالنسبة إلى مسألة "الأرستقراطية الثقافية" وأبناء المسؤولين والتي ذكرتها ابنتنا العزيزة، أنا في الواقع لم أسمع شيئاً في هذا المجال، مع أنّني أتصوّر أنّني أسمع تقارير متنوّعة في المسائل المختلفة، لكن هذا كان كلاماً جديداً عليّ. لقد قالت إنّ لديها مصاديق أيضاً. فليتمّ إيصال المعلومات لي حتماً، اكتبي تقريراً بهذا. إن كان هذا الأمر حقيقياً، فهذا سيّئٌ جداً. أنا لم أسمع شيئاً معتبراً في هذا المجال.

 

بالطبع، من الممكن أن ابن أو بنت المسؤول الفلاني في الثانوية أو في الجامعة قد يتفاخران مثلاً بأني ابن وبنت فلان، ولكن أن تتحوّل هذه المسألة إلى مسار تربوي، يلقي بآثاره على عملية الاختيار وعلى الحصول على امتيازات علمية أكثر وعلى كذا وكذا، فهذا أمر سيّئ جداً. إن كانت هكذا ظاهرة موجودة فينبغي التصدي لها والقضاء عليها. إّنني أطلب من السيدة التي أشارت إلى هذه المسألة أن تكتب هذه الحالات وتذكرها لي.

 

 

548


444

خطاب الولي 2011

الإنتاج والعطاء وفي الواقع هي نقطة (منعطف) التحول إلى نخبة، حيث يتحوّل هذا الشاب إلى نخبة في مرحلة الدراسات العليا، الماجستير والدكتوراه، وبعد ذلك استمرار عمل النخبة.

 

على الجميع أن يلتفتوا -ولعلّكم جميعاً ملتفتون- إلى أنّه عندما يمتلك شخص ما صفة "نخبة"، فإنّ هذا هو أوّل الغيث وبداية طريقه. من الخطأ أن نتخيّل أنّه صار نخبة، فإذاً عليه أن يرتاح ويطمئن ويمتلك بعض الامتيازات أيضاً، وقد أصبح معروفاً، كلا، عندما نصبح نخباً، فهذا أوّل الطريق. حسناً، إذا أردنا أن نرى كل هذه المراحل ونتابعها بشكل جيّد ونقوم بتدوينها، نحتاج إلى هذه الوثيقة التي أشارت إليها.

 

ولذلك، فهذه الوثيقة مهمة. وأنا هنا أؤكّد عليكم، طالما تمّ إعداد هذه الوثيقة، إن شاء الله يتم تكميلها أو إصلاحها أو تصديقها بسرعة وأي عمل مقرّر بشأنها، وستوضع موضع التنفيذ والإجراء.

 

الأرستقراطية الثقافية

أشير إلى بضع نقاط ممّا ذكره الأصدقاء. بالنسبة إلى مسألة "الأرستقراطية الثقافية" وأبناء المسؤولين والتي ذكرتها ابنتنا العزيزة، أنا في الواقع لم أسمع شيئاً في هذا المجال، مع أنّني أتصوّر أنّني أسمع تقارير متنوّعة في المسائل المختلفة، لكن هذا كان كلاماً جديداً عليّ. لقد قالت إنّ لديها مصاديق أيضاً. فليتمّ إيصال المعلومات لي حتماً، اكتبي تقريراً بهذا. إن كان هذا الأمر حقيقياً، فهذا سيّئٌ جداً. أنا لم أسمع شيئاً معتبراً في هذا المجال.

 

بالطبع، من الممكن أن ابن أو بنت المسؤول الفلاني في الثانوية أو في الجامعة قد يتفاخران مثلاً بأني ابن وبنت فلان، ولكن أن تتحوّل هذه المسألة إلى مسار تربوي، يلقي بآثاره على عملية الاختيار وعلى الحصول على امتيازات علمية أكثر وعلى كذا وكذا، فهذا أمر سيّئ جداً. إن كانت هكذا ظاهرة موجودة فينبغي التصدي لها والقضاء عليها. إّنني أطلب من السيدة التي أشارت إلى هذه المسألة أن تكتب هذه الحالات وتذكرها لي.

 

 

549


445

خطاب الولي 2011

حضور الشباب في الأقسام المختلفة

هناك نقطة أخرى، وهي ما ذكره أحد الأصدقاء من أنّ الشباب يقومون بأعمال جيّدة، ويفكّرون في المسائل المختلفة، ولكن لا يوجد عندهم مجال لطرح أفكارهم وجعلها مؤثّرة. افترضوا مثلاً أن يحضر الشباب في المجلس الأعلى للثورة الثقافية أو في تلك اللقاءات الإستراتيجية التي أشاروا إليها والتي ستستمرّ إن شاء الله، فهذا بالطبع كلامٌ منطقيّ، هذا الكلام صحيح، لا شك بأنّ حضور الشباب في بعض الأقسام مؤثّر. أقول لكم -أنتم جميعاً شباب وأنا في محضركم أيّها الشباب الأعزّاء وجميعكم أبنائي وشبابي- أقول لكم بمحبة أبوية خالصة، ليس صحيحاً أنّ حضور الشباب سيكون إيجابياً في جميع ومختلف الأقسام. إحدى السيدات قالت وهي تنتقد عمل (جهاز) القضاء، إنّ إدخال القضاة الشباب إلى السلك القضائي يضعف من فعالية الجهاز القضائي، على القاضي أن يكون ناضجاً، حسناً، لقد كان هذا الكلام لافتاً للنّظر، وقد قمت بتسجيله. هكذا هو الأمر في بعض الأماكن. وبالطبع في أقسام أخرى -وهي ليست قليلة أو محدودة- يكون حضور الشباب ذا تأثيرات إيجابية وبنّاءة ومطوّرة للعمل، بل هو يفتح فضاءً جديداً وأفقاً جديداً أمام الأعين، ولكنّه ليس كذلك في كلّ مكان. على كلّ حال، تنبغي الاستفادة من الشباب حتماً، ولكنّي أقول لكم هذه الكلمة، انظروا أيّها الأعزّاء! إنّ ما قدمتموه من رؤية وعمل ومقترح وما أوجدتموه من طريق جديد، لا ينحصر تأثيره فقط بأن ينتقل فوراً إلى الجهاز التنفيذي ويُترجم ترجمة عملية، كلا، هذا ليس هو التأثير الوحيد. أحد أهم التأثيرات هو أنّكم بهذه الأفكار، تؤسسون لفضاء ولخطاب جديد. وتكون النتيجة وجود جوٍّ مؤمنٍ بأصلٍ فكريّ أو عمليّ، فيفكّر رئيس الجمهورية بهذا الشكل، ويفكّر الوزير أيضاً بهذا الشكل، والمدير العام، والموظّفون، هذا أمرٌ جيّد. وأنتم تقومون بهذا العمل. فكّروا، وتكلّموا، واكتبوا، واطرحوا الأمور في مجامعكم، أطلقوا "منابر الخطاب الحر" التي أكدت عليها مئة مرة -أكثر أو أقل- وادفعوا بها إلى الأمام، وهذا يصبح جوّاً وفضاءً. عندما يُخلق جوّ خطاب ما، ويفكّر الجميع في ظلّ هذا الجوّ، ويوجدون التوجّهات ويعملون في هذا الجوّ، فإنّ هذا هو عين ما تريدونه أنتم. بناءً عليه، فما بذلتموه من عمل أو ما توصلتم إليه من أفكار

 

550


446

خطاب الولي 2011

ورؤى في لقائكم الفلاني أو مجموعتكم الجامعية الفلانية، إذا لم يترجم عملياً أو على صورة قانون أو برنامج عمل، فلا تيأسوا، ولا تقولوا إنّ عملنا لا فائدة منه، كلا. وأنا هنا أقول لكم، إنّ هذه الحركة العملية التي بدأت في الأعوام الخمسة عشر الأخيرة قد بدأت بهذا الشكل، وهكذا أصبح العلم قيمة في يومنا هذا. لم يكن الأمر كذلك قبل سنوات. إنّنا وبهذا الشكل نتقدّم يوماً بعد يوم.

 

إنتاج العلم

 بعض الأشياء كانت تُقال في يوم من الأيام، وكانت ثقيلة على المسامع. لقد طُرحت مسألة "إنتاج العلم" في يومٍ من الأيّام. ثم لاحظتُ أنّ بعض الأشخاص قد أثار الجدل والتشكيك وهو نقاشٌ لفظيّ بأنّ العلم غير قابل للإنتاج! لقد تحوّل هذا الأمر اليوم (أي قضية إنتاج العلم) إلى مقولة حاسمة وقطعية. أنتم تشتكون من أنّ هذا العمل لا يتقدم في مرحلته الخاصّة. هذا تقدّم جيّد. وعليه ينبغي القيام بالعمل. اعملوا وفكّروا، فهذا مؤثّرٌ حتماً.

 

العلوم الأساس

لقد سُئلت عن رأيي في العلوم الأساس، كما أشاروا. فقد بحثت في مسألة العلوم الأساس مرّات عديدة. إنّني أعتقد أنّ العلوم الأساس مهمة جدّاً. لقد قلتُ مرّة إنّ العلوم الأساس إذا ما قورنت بالعلوم التطبيقية الموجودة لدينا، هي مثل رصيد مصرفي في مقابل المال الذي تضعونه في جيوبكم. أنتم عندكم أرصدة مصرفية هي الداعمة لعملكم، وهي مصدر أملكم ومدخولكم. بالطبع، تضعون بعض المال أيضاً في جيوبكم وتنفقونه. لا أريد أن أتجرّأ، لكن حقيقة القضية هي هذه. إنّ العلوم التطبيقية الموجودة اليوم، إنّما هي بمثابة هذه الأموال التي ننفقها. كلّ شعب مجبر على أن يكون عنده هندسة وتخطيط مدن وصناعات وطب ورعاية صحّيّة، إنّها الأموال التي نقوم يومياً بإنفاقها، لكن الرأسمال والجذر الأصلي لهذه العلوم هو العلوم الأساس.

 

لقد تحدّثت في شهر رمضان هذا العام، مع الطلّاب الجامعيين والشباب هؤلاء حول العلوم الإنسانية، وقبلها كان لي كلام في هذا المجال أيضاً، وسيكون عندنا لاحقاً

 

 

551


447

خطاب الولي 2011

لقاءٌ خاصّ حول العلوم الإنسانية، مع أصحاب الفكر والثقافة وأمثالكم أيّها الشباب المحترم. العلوم الإنسانية هي روح العلم. في الحقيقة، إنّ جميع العلوم وكافّة التحرّكات الطلائعية في المجتمع، هي الجسد والعلوم الإنسانية هي روح هذا الجسد. إن العلوم الإنسانية توجّه المسير، تحدّد لنا الاتّجاه الذي نتحرّك نحوه، والهدف الذي يسعى إليه علمنا. عندما تنحرف العلوم الإنسانية وتقوم على أسسٍ ورؤى كونية خاطئة، تكون النتيجة أنّ جميع تحرّكات المجتمع تتّجه نحو نزعة منحرفة. إنّ العلم الذي لدى الغرب اليوم ليس بمزحة، ليس بالشيء القليل. إن علم الغرب هو ظاهرة تاريخية لا نظير لها. لكن هذا العلم قد استُخدم لسنوات متمادية، في سبيل الاستعمار، في سبيل استعباد البشر، في سبيل الظلم، في سبيل نهب ثروات الشعوب. واليوم أيضاً أنتم تشاهدون ماذا يفعلون. هذا ناجمٌ عن ذلك الفكر الخاطئ، والنظرة الخاطئة، والرؤية الخاطئة والتوجه الخطأ، حيث سقط هذا العلم مع عظمته. إنّ العلم بنفسه هو أمرٌ شريف وظاهرة عزيزة وكريمة واستُخدم في تلك الاتجاهات. لا شك أنّ أحد الأصدقاء قد ذكر نقاطاً جيّدة حول العلوم الإنسانية.

 

الحاجة إلى العلماء والساسة المضحّين

 لقد سجّلتُ هنا عدّة نقاط أذكرها لكم. هناك مسألة هي أنّ البلد يحتاج إلى علماء يكونون عاشقين لبلدهم، وعاشقين للناس وعاشقين لهويّتهم ومصير شعبهم. وبدون هذا التعلق والمحبة لا يتقدّم العمل. ذلك العالِم الذي يكون العلم وسيلة عنده لتحصيل المال وما شابه، لا يستطيع أن يساهم كثيراً في تحديد مصير بلده. إنّني أقول لكم، على مرّ الزمان لا شك أنّ الوضع كان هكذا، ولكنّه اليوم أكثر، كانت الدنيا مكان غربلة، مكان صراع، حلبة منازعة واختلاف، وذلك بسبب طبيعة الناس، فكلّ من يستشعر القوّة، يهجم لافتراس الآخر الضعيف، لا وجود للشفقة، إلا إذا وُجد الوازع الديني والاعتقاد الديني. عندما كان قادة صدر الإسلام يدخلون إلى البلدان، مع أنّ تلك الشعوب المغلوبة كانت قد عاملتهم بقسوة شديدة، إلا أنه عندما يدخل المسلمون كانوا (أي المسؤولون) يعاملونهم بصورة أخلاقية وسلوك متديّن.

 

 

552


448

خطاب الولي 2011

حتى في زمن الحروب الصليبية بعد الإسلام بعدة قرون كان الأمر كذلك. عندما كان المسيحيون، الذين أتوا من أوروبا، يدخلون إلى بيت المقدس، كانوا يرتكبون المجازر بحقّ المسلمين كما تعلمون فإنّ الحروب الصليبية - قد استمرّت حوالي مائتي عام، وقد شهدت كرّاً وفرّاً - وعندما كان المسلمون ينتصرون كان الأمر على العكس من ذلك، حيث كانوا يشفقون عليهم. في صدر الإسلام، في منطقة الشامات هذه والتي كانت تحت سيطرة إمبراطورية الروم الشرقية، كان هناك أقلية يهودية، عندما دخل المسلمون، كان اليهود يقسمون وعبارتهم نفسها قد سجلها التاريخ، كانوا يقولون: قَسَماً بالتوراة أنتم أفضل من حكمنا حتى الآن. وهذا هو الواقع. هذا بسبب وازع الدين. عندما لم يكن هناك دين كان الشعب الغالب يسحق الشعب المغلوب، ويقضي على دينه، وثقافته، وأخلاقه، وعزّته، وعنفوانه، ويمحو أمجاده. لا أريد أن أذكر أسماء بعض الدول الغالبة. لا شكّ أنّ أمريكا والغرب وأمثالهما يظلمون ويرتكبون الجرائم، ولكن هذا ليس مختصّاً بهم فقط، فبعض الدول الأخرى هي هكذا أيضاً. عندما كانوا يغلبون في بعض الأحيان، كانت وحشيتهم وشدّة الهمجية التي مارسها هؤلاء لدرجة أنّ تقشعرّ لها الأبدان حتى عند مطالعة تلك الأحداث بعد مضيّ سنوات متمادية.

 

حسناً، هناك شعب الآن يريد أن يحافظ على قوّته، وأن يمنع أحداً من الهجوم عليه، سواء كان هجوماً ظاهرياً أم مادياً أم عسكرياً أم هجوماً ناعماً، هجوماً أخلاقياً، أم هجوماً ثقافياً، أم احتقاراً ثقافيا ً-والذي راج في العقود الأخيرة- ماذا يفعل مثل هذا الشعب؟ يجب على ساسته وعلى علمائه أن يضحّوا من أجله. لا أقصد أنّكم أنتم الآن نخبة، وأنتم شباب فاذهبوا وضحّوا بأنفسكم وأن لا يكون عندكم أي توقّع مادي، كلا، لا يوجد لدينا مثل هذا التوقع الزائد. ولكن من دون الارتباط الروحي، لا يمكن لمجموعة نخبوية كانت نخبة سياسية أو نخبة علمية أن تحافظ على بلدها، ولا يمكنها أن تمنحه القوّة.

 

كذلك هو الأمر بين السّاسة. إذا كان السياسيّ لا يفكّر سوى بنفسه، وراحته وجيبه وشهواته، ولم يرد أن يتصدّى لذلك الهمّ والغمّ الأساس، والذي من الطبيعي أن يؤثّر على راحته، فستكون الهزيمة من نصيب هذا البلد، وتشير هزائم سلسلة الملوك المتعاقبة

 

 

553


449

خطاب الولي 2011

إلى هذا المعنى. فالدولة الصفوية كانت دولة مقتدرة، وكانت ذات قوّة وإيمان عندما توّلت زمام الحكم، ولكن بسبب هذا الضعف، بسبب هيمنة هذه الخصوصيات، وصل بها الأمر إلى ما تعرفون. الدولة القاجارية كانت أسوأ منها، وكانت البهلوية أسوأ من كلتيهما.

 

في مجال العلم الأمر كذلك أيضاً. إذا وُجد في بلدٍ ما عالِمٌ حريصٌ على مصير البلد، مستعدٌّ للتضحية في هذا السبيل -التضحية في محلها- فإنّ هذا البلد سينمو ويتقدّم. إنّ أفضل ما يمكن أن يخلق هذه الطاقة وأن يوجد هذا التقدّم، هو الإيمان. فإذا كان هذا الإيمان موجوداً، سيتقدّم البلد. إنّ قيمة التطوّرات العلميّة الذاتية الموجودة في البلاد حالياَ -وبالطبع نحن غير راضين عن هذا المستوى- هي أعلى بدرجات من التطوّرات العلمية الرائجة في الدنيا. لماذا؟ لأنّنا كنّا محرومين من التبادل العلمي والاستفادة العلمية والمساعدة العلمية من الآخرين. وكنا تحت الضغط، وكانت الأبواب موصدة بوجهنا، ومع هذا كلّه، فقد ظهرت شخصيات بارزة، ظهر الشهيد "شهرياري" ولا شكّ أنّ عشرات الأشخاص مثله لا يزالون بيننا، والحمد لله، وبرز العشرات والمئات من الشخصيات في الاختصاصات المختلفة والذين قاموا بأعمال كبرى، والذين لم يستفيدوا أبداً من الجامعات ومراكز الأبحاث الغربية والأساتذة الغربيين. لقد استفادوا بالطبع من الإنجازات الغربية، ونحن أيضا ينبغي أن نستفيد منها. لقد ذكر أحد الأصدقاء كلاماً صحيحاً، وقال إنّ الفرار من الأجانب والصراع معهم لا يوصلنا إلى أيّ مكان. نعم، الأمر هكذا. لكن ينبغي أن ننتبه، حين نقول أحياناً الفرار من الأجانب والصراع مع الأجانب، فهذا لا يعني أن نحرم أنفسنا من علم وإنجازات الأجانب، كلا. لقد قلت مراراً: نحن حاضرون أن نكون طلاباً كي نتعلّم من الآخرين، لكن ينبغي ألا نبقى دائماً طلاباً، هذه هي المسألة. يستطيع شعبنا أن يصل إلى المكان الذي يصبح الآخرون طلاباً عنده. هذه القمّة هي ما أصبو إليه. ينبغي أن نتقدّم في ذلك الاتّجاه. وعليه فمن اللازم وجود مجموعة علميّة ذات جهد وهمّة مخلصة وخالصة كي تتمكّن من العمل. الحمد لله لديكم هذه القابلية، لديكم هذا الاستعداد. الشكر لله. أنتم تستطيعون أن تُعيدوا لهذا الشعب عزّته.

 

554


450

خطاب الولي 2011

العراقة التاريخية لإيران

أعزّائي! قبل عشرات السنين تمّ الدّوس على عزّة شعبنا وعنفوانه وكرامته. إنّ الثورة قد أعادتنا إلى أنفسنا وجعلتنا نلتفت إلى أنفسنا. إنّ بلادنا التي هي بهذه العراقة التاريخية، والعلميّة، ومع هذه الكنوز العلمية والفكرية التي كنا نمتلكها، وأولئك العظماء الذين خرّجتهم بلادنا في زمان جهالة الدنيا وغفلتها أمثال "ابن سينا"، و"محمد بن زكريا الرازي"، و"الفارابي"، و"الخواجة نصير الدين"، وغيرهم في عصر جهالة البشرية، وفي القرون الوسطى، حيث لم يكن هناك أيّ أثر للعلم وأيّ شعاع من العلم في الدنيا، هذه البلاد التي لديها هكذا قابليات واستعدادات يصل بها الأمر إلى أن تحتاج إلى الآخرين في أبسط مقوّمات معيشتها الأولية! كان ساستنا المتخلّفون ومسلوبو القوّة يقولون إنّ الإيرانيّ لا يستطيع حتى أن يصنع إبريقاً! كان هذا الإبريق عبارة عن جرّة من الطين. العار والشنار على هذا السياسيّ الذي يتحدّث بهذه الطريقة عن شعبه، أو ذلك الآخر الذي كان يقول بأنّه ينبغي أن نصبح إفرنجيين من رأسنا حتى أخمص القدمين كي نستطيع التقدّم! حسناً، هذا استهتار. إن هذا التخلف الذي فرضه البعض بسبب ضعفهم وسبب إهانة الأمة، قد تخلصت منه الثورة ونحن ثبنا لرشدنا واستيقظنا، ولحسن الحظّ، فقد أنجزت أعمال جيدة، وبرزت قابليات جيدة، ولقد تقدّمنا وإن شاء الله سنتقدّم أكثر.

 

الحاجة إلى الاستثمار ومواكبته بالارتقاء الإداري

أنا أريد أن أقول لمسؤولي الحكومة بأنّ الاستثمار في إنتاج العلم والإبداع العلمي كان له فوائد مضاعفة بالنسبة لبلدنا وشعبنا: لا تتركوا هذا الطريق. ينبغي أن يزيد الاستثمار في إنتاج العلم والإبداع العلمي أكثر فأكثر، ويوماً بعد يوم، ينبغي ألاّ يقل. نحن اليوم لا نستثمر في هذا المجال حتى بمستوى بلدان كإنجلترا وإيطاليا وفرنسا مثلاً، حين بدأوا في عالم الصناعة والعلم، فاستثماراتنا أقل، ينبغي أن تزداد هذه الاستثمارات كلما أمكن ذلك.

 

بالطبع ينبغي أن يواكب هذه الاستثمارات ارتقاءً في مستوى الإدارة أيضاً، الأمر الذي

 

 

555


451

خطاب الولي 2011

أؤكّده خاصة على مسؤولي الدولة المحترمين. لأنّنا إذا زدنا المصادر المالية وقمنا بعملية التوزيع والتقسيم دون ارتقاء إداري في هذا المجال، فإن المصادر المالية ستذهب هدراً.

 

إنّ الارتقاء الإداري ضروريٌّ في الجامعات، وفي محافل البلد العلمية، وفي قسم المعاونية العلمية لرئيس الجمهورية. ينبغي لهذه المراكز الحكومية التي ترتبط بمسألة العلم والجامعة، أن تتطوّر إدارياً، إضافة إلى زيادة الاستثمار بالطبع.

 

علاقة الصناعة بالجامعة

هناك نقطة أخرى، هي مسألة علاقة الصناعة بالجامعة، والتي هي مسألة قديمة. لقد طُرحت هذه المسألة وتمّ متابعتها منذ أكثر من خمس عشرة سنة -من الأفضل أن لا أذكر عرضاً تاريخياً عنها- وأخيراً خرجت إلى العلن على شكل فكرٍ رائجٍ كما يرغب الجميع. حسناً، كيف يمكننا أن نحقّق هذا العمل؟ إذا أرادت صناعاتنا أن لا تتخلّف عن منافسات السوق فهي بحاجة إلى تطوّرٍ علميّ وإبداعيّ. هذا الإبداع، إنّما تتوفّر أرضيّته في جامعاتنا ومعاهدنا ومراكز أبحاثنا توفّراً كاملاً. مراكز الأبحاث هذه، التي تمّ التوصية عدّة مرات بأن يتمّ إيجادها إلى جانب الجامعات وأن تتبع لها، يمكن أن تضع قسماً من أبحاثها في تصرّف الصناعات لتشارك في هذه الأبحاث وتؤمّن حاجاتها بواسطتها. هذا العمل الذي تتوفّر عناصر تنسيقه في القطاع الحكومي هذا. ينبغي أن يجلسوا ليبرمجوا هذا العمل، فهو مفيدٌ للصناعة وهو مفيدٌ أيضاً للجامعة. عندما تلتفت الجامعة إلى حاجات المجتمع وسوق العمل، فإنّها بالتأكيد ستأخذ وجهتها الطبيعية، وستصبح مفعمة بالنشاط والحيوية أيضاً، كذلك فهي ستصبح مصدر دخل للجامعات.

 

عندما تعتمد الصناعة أيضا على رؤية جديدة وفكر جديد وإنتاج علم وتقنية -الأمر الذي يتحقّق في الجامعات- فهي ستتقدّم بالطبع. نحن بحاجة إلى هذا، وهذا ينبغي أن يُنجز حتماً.

 

منتجات البلد

لقد سجّلتُ هنا ملاحظة حول منتجات البلد -والتي أشار إليها أحد الأصدقاء- لحسن الحظ، لدينا منتجات ذات جودة في البلد وفي القطاعات المختلفة. إنّ الجزء

 

556

 


452

خطاب الولي 2011

الأساس من منتجات البلد يتم استهلاكه من قبل أجهزتنا الحكومية. ينبغي لهذه الأجهزة أن تعقد العزم على عدم استخدام المنتجات غير الوطنية. أي يجب في الواقع منع استيراد أيّ شيء من الخارج له شبيه داخلي، منعاً مطلقاً. اسعوا في هذا، واطرحوه في الحكومة، وليعطِ السيد رئيس الجمهورية أمراً به للأجهزة الحكومية. وهذا ممكنٌ. فلقد جرّبناه في المسائل التي أمرت الأجهزة بحزم أن لا تستخدم أي منتج غير إيراني، وتحقّق الأمر على أحسن وجه. فلو عقد مدراؤنا العزم على أن يستخدموا الإنتاج والمحاصيل الإيرانية، فإنّ هناك منتجات ذات جودة عالية موجودة حالياً، وهذا الأمر نفسه سوف يرفع من مستوى جودة الإنتاج الوطني. ينبغي أن يقوموا بهذا العمل حتماً. لقد سمعت بأنّ دعم الإنتاج الداخلي ضعيف من قبل الأجهزة والمصارف وغيرها، بحيث إنّ بعض القطاعات قد وصلت إلى الإفلاس بسبب غياب الدعم. ينبغي مواجهة هذه المسألة حتماً في الحكومة نفسها، أي أن يصدر أمر بذلك. نعم، لقد ذكرت مسألة أيضاً، وأنا بالمناسبة دوّنتها هنا، أنّه يوجد أحياناً تأخير في الدفع يتمّ أحياناً في المعاملات بين الأجهزة الحكومية والمنتجين المحلّيين، بينما تُدفع الأموال نقداً وعداً حين تكون المعاملة مع صناعيّ أجنبيّ، ولكن هنا تطول المسألة سنة أو سنتين حتى يدفعوا المتوجّب عليهم. ينبغي التصدّي لهؤلاء ومنعهم من ذلك.

 

المقالات العلمية

هناك مسألة أخرى هي مسألة المقالات العلمية. لحسن الحظ، فإنّ المقالات قد تطوّرت تطوّراً جيّداً من حيث الكمّ، وفي بعض الأحيان من حيث النّوع. لكن هناك نقطة هامّة، وقد طرحتها مراراً ولحسن الحظ لاحظت أنّها تكرّرت في كلام بعض الأصدقاء، هي أن إنتاج المقالة ليس هدفاً بحدّ ذاته. فنوعيّة المقالة مهمّة. والأهم منها هو غاية المقالة، لماذا نكتب هذه المقالة؟ إنّ زيادة عدد المقالات هذا، ينبغي أن يتجلّى في أسواق عملنا وإنتاجنا وحياتنا في الواقع. وينبغي أن تُكتب المقالة بحسب حاجة البلد، وهذا أمرٌ مهمٌّ جداً.

 

بناءً عليه، فإن مسألة نوعية المقالات مهمّة، وكذلك أن تُعدّ المقالة لرفع حاجة

 

 

557


453

خطاب الولي 2011

ما في البلد. ولنفترض أنّه حصل أن كتب أحدهم مقالة وباعها لآخر، قائلاً "أعطيك ما تريد وكما تريد"، فنحن لا نقول هذا. إذا كانت المقالة لمصلحة البلد وذات توجّه مفيد، فهذا جيّد، ولكن نفس كتابة المقالة ليس هدفاً، إنّ نموّ عدد المقالات ليس هدفاً، ينبغي أن تظهر نتائج المقالات في الصناعة والسوق.

 

الزراعة

مسألة الزراعة التي طُرحت أيضاً، هي مسألة مهمّة جداً وصحيحة. الزراعة هي من الأقسام التي تحظى بدعمٍ حكومي خاص في كل أنحاء الدنيا، فينبغي الاهتمام بهذا القطاع.

 

على أيّ حال، كان لقاء اليوم لقاءً جيداً جداً. وإن شاء الله سآخذ الأوراق من الأصدقاء وأطالعها وأتابعها. أرجو الله تعالى أن يوفّقكم ويساعدكم وأن يصنع بأيديكم أيّها الشباب الأعزّاء مستقبل البلد القريب إن شاء الله من الأهداف السامية لهذه الثورة.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

558


454

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في الاجتماع الكبير لأهالي كرمانشاه

 

 

         

المناسبة:   زيارة الإمام الخامنئي دام ظله لمحافظة كرمانشاه

الحضور:  أهالي كرمانشاه

المكان:   محافظة كرمانشاه

 

الزمان:    ٢٠/٠٧/1390هـ.ش.

14/11/1432هـ.ق.

12/10/2011م.

         

 

 

559


455

خطاب الولي 2011

 

والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين لا سيّما بقيّة الله في الأرضين.

 

إنّني في غاية الرضا، وأشكر الله تعالى أن وفّقني اليوم أنا العبد الفقير، ولو في وقت متأخّر، لأن أكون بينكم يا أهالي كرمانشاه الأعزّاء والأوفياء والمؤمنين. وإن وقع تأخير لحضوري إلى مدينتكم وإلى محافظتكم، فإنّ ذلك لا ينقص من أهميّة هذه المحافظة وأهلها الأعزاء في شيء. هذه المحافظة من حيث الموقع البشريّ والطبيعي والجغرافي، هي واحدة من المحافظات الممتازة في بلدنا العزيز والواسع الأرجاء. في بداية الكلام نعرض لجملة من مناقب كرمانشاه وأهلها الأعزاء.

 

خصائص محافظة كرمانشاه وأهلها

بعض الميّزات الايجابيّة تكون مشتركة بين أهالي مناطق البلاد كافّة، ولكنّ بعضها يكون أكثر بروزاً وظهوراً في بعض المحافظات.ولقد عرفنا أهل كرمانشاه منذ سالف الأيّام أهل مروءة وصلاح ووفاء وودّ، أهل إكرام للضيوف والغرباء، وبعبارة مختصرة، لديهم صفات بطولية حسنة. هذه بعض الميّزات التي تسطع في كرمانشاه، الجميع يعلم هذا الشيء ويدرك ذلك، عن قرب أوعن بعد.

 

ما يحثّني أنا العبد دائماً، على مدح كرمانشاه والثناء عليها، هو أنّ أهل هذه المحافظة على الرغم من التنوّع القومي، والمذهبي، وحتى من حيث اللهجة، يعيشون إلى جانب بعضهم بعضاً بمحبّة، وسلام ومداراة وأخوّة، وهذه ميزة إيجابيّة ينبغي التأكيد والحفاظ عليها، والعمل على زيادتها. إنّ عشائر هذه المحافظة وحماة مناطقها الحدودية الغيورين، معروفون في كافّة أنحاء هذه المحافظة بتلك الميّزات العشائريّة وبغيرتهم.

 

 

561


456

خطاب الولي 2011

لقد ذهبت عام 1980م في بداية الحرب المفروضة، إلى كافّة مناطق تلك المحافظة، وشاهدتها عن قرب. في "كيلان غرب" و"إسلام آباد" التي أهلها من الشيعة، وفي "پاوه" و"أورامانات" التي يتشكّل أهلها من الطائفة السنّية، في "ريجاب" و"دالاهو" اللتين تضمّان مجموعة من طائفة أهل الحقّ. كان الناس في كلّ مكان في حالة دفاع، وفي حالة إظهار المحبة لنظام الجمهوريّة الإسلامية. تلك الروحيّة التي شاهدتها في المناطق المختلفة لهذه المحافظة، شاهدتها أيضاً في مركز المحافظة الذي يحوي نماذج متنوّعة من القوميّات والعشائر. وهذه صفة بارزة.

 

كانت فترة حرب الدفاع المقدّس فترة امتحان كبير لهذه المحافظة. فقد ابتدأت حرب السنوات الثمانية من هذه المحافظة، وانتهت فيها. كانت أوّل الغارات الجوّية للنظام البعثي العراقي على هذه المحافظة وعلى مدنها، على إسلام آباد هذه وكيلان الغربية وبقيّة المناطق الحدوديّة. وأوّل اعتداء حدوديّ على قصر شيرين، كان في هذه المحافظة. وبعد ثماني سنوات، اختُتمت الحرب أيضاً هنا. وآخر حركة دفاعيّة لبلدنا وشعبنا العزيز في واقعة "المرصاد" كانت أيضاً في هذه المحافظة. أي على امتداد السنوات الثمانية هذه، كانت هذه المحافظة في حالة دفاع، في حالة صمود وشجاعة. وقد كانت كذلك قبل الحرب أيضاً، منذ بداية الثورة. فبعد شهر من انتصار الثورة أي في شهر إسفند من العام 1978 كان الشباب الكرمانشاهي أوّل من تصدّى للدفاع عن مقرّ لواء "سنندج"، وأوّل المجموعات التي تطوعت للدفاع في مواجهة المعادين للثورة، وانطلقت، وبعض من هؤلاء من الشهداء المعروفين في كرمانشاه.

 

برزت في هذه المحافظة في الماضي القريب والبعيد، شخصيّات بارزة وممتازة في الأدب، وفي أنواع الفنّ، وفي الشعر، وفي الخطّ، وفي العلوم الفنّية والهندسيّة، والعلوم الآلية، والعلوم الدينية وفي الرياضة، ولا زالت تبرز في الوقت الحاضر بحمد الله. توجد عائلات علميّة معروفة، ذوات سوابق علميّة، في هذه المدينة وفي هذه المحافظة، يمتد بعضها إلى أكثر من قرن أو قرنين. أي من حيث القوى الإنسانية والبشريّة، تتمتّع هذه المحافظة بمثل هذا الامتياز.

 

دور النساء أيضاً، في هذه المحافظة، هو من الأدوار البارزة. ففيما عدا هذه

 

 

562


457

خطاب الولي 2011

 المحافظة من محافظات البلاد ليس لدينا هذا العدد من اللواتي استُشهدن أو جُرِحن في سبيل وقائع الدفاع المقدّس سوى في محافظة واحدة. هنا توجد نسوة استشهدن في الجبهة، أو جرّاء قصف الأعداء. لا يوجد لهذا مثال سوى في منطقة واحدة من سائر مناطق البلاد. وهذا أيضاً من الامتيازات التي تتميّز بها هذه المحافظة.

 

كما إنّ طبيعة هذه المحافظة أيضاً متناسبة مع الوضع البشري فيها، فوضع طبيعتها ممتاز، سواء من حيث الطبيعة أم من حيث الموقع الجغرافي، فإن هذه المحافظة مميزة. فأراضيها صالحة للزراعة بشكل كبير، وفيها الكثير من المياه السطحيّة، والتي للأسف لا يُستفاد منها، فأحد الأعمال التي يجب أن تُنجز في هذه المحافظة هو الاستفادة أكثر من ذي قبل من المياه السطحيّة. وفيها أراضٍ خصبة، وتربة خصبة، وأراضٍ صالحة للزراعة.

 

ففيها أكثر من 800،000 هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة. من حيث المناخ، لهذه المحافظة مناخ متنوّع، وتتمتّع بإمكانات صناعيّة ومنجمية. ومن حيث موقعها الجغرافي، والاتصال بالخارج وبأجزاء مختلفة من مناطق البلاد، تصلح هذه المحافظة للمواصلات والتجارة. فالكثير من المراكز الاقتصاديّة المهمة في البلاد، تقع على مسافات متساوية ومتقاربة من هذه المدينة وهذه المحافظة. وكذا، بسبب الطبيعة الجميلة والآثار التاريخية الفريدة الموجودة في هذه المحافظة، تتمتّع بأهميّة سياحية. هذه هي المميّزات الطبيعية والجغرافيّة والإنسانية لهذه المحافظة.

 

بالالتفات إلى هذه النقاط الايجابية والمهمة، ينبغي على شباب هذه المحافظة أن يكونوا مفعمين بالأمل والنشاط وحب العمل. على شباب هذه المحافظة أن يعملوا في أيّ مكان، وفي أيّ منطقة حسّاسة وذات امتيازات يقيمون. بالطبع، هناك مشاكل، ينبغي على المسؤولين بعونه تعالى أن يشحذوا هممهم لإزالتها كافّة، حيث تأتي مشكلة تأمين فرص العمل على رأس مشاكل هذه المحافظة. مشكلة تأمين فرص العمل هنا، هي أكثر حساسية من المعدل العام في البلاد، وينبغي إيلاؤها اهتماماً خاصّاً.

 

حسناً، تأتي زيارتنا اليوم التي ستستمرّ لأيّام عدّة، وسيكون لي معكم فيها أيّها الأعزاء، سواء في هذه المدينة أم في بعض المدن الأخرى، برامج متنوّعة، في وقت وزمن

 

 

563


458

خطاب الولي 2011

 حسّاس. فكلّ يوم تصلنا أخبار جديدة عن المنطقة وعن العالم. القضايا والأمور التي تحدث في منطقتنا وفي كافّة أنحاء العالم هي قضايا لا سابقة لها، سواء التي تحدث في المنطقة أم التي تحدث في العالم، في أوروبا أو في أمريكا. أوضاع العالم أوضاع حسّاسة، وهي بالطبع لمصلحتنا. من الجيّد في مثل هذه الأوضاع، لشعب إيران أن ينظر نظرة جامعة إلى أوضاعه، ونظرة متبصّرة في وضع العالم.

 

دور الشعب في التحوّلات الكبرى

إنّني اليوم، أغتنم هذه الفرصة لأطرح بعض القضايا المهمة المرتبطة بشعبنا العزيز وبلدنا في هذه الفترة الجديرة بالاهتمام، والتي يلزم التذكير بها. قضيّتنا الأساس هي قضيّة الشعب، حضور الشعب، ميل الشعب، إرادة الشعب، وعزمه الراسخ. هذا ما ينبغي أن نعرضه، فدور الشعب دور أساس في جميع التحوّلات والحركات الاجتماعية الكبرى المختلفة، أي إنّ اتساع رقعة أيّ تحوّل، وانتشار أيّ فكر، وامتداد نفوذ أيّ مصلح اجتماعي، مرتبط بمدى ارتباطه بالناس. فكلّما كان ارتباطه وارتباط ذلك التيّار وتلك الحركة وذلك التحوّل بالناس أكثر، تزداد إمكانيّة نجاحه، فإن انفصل عن الناس، فسوف لن يستمرّ طويلاً، ولن يحقّق شيئاً. بالطبع، لم يكن لتبدّل السلطات، ولمجيء سلالات السلاطين وزوالهم في تاريخ بلدنا ارتباط بالناس، لكنّ هذه السلالات نفسها التي كانت على امتداد تاريخنا، من استطاع منهم أن يوثّق علاقته بالشعب بنحو راسخ وصميمي وودّي، كُتب له الاستمرار والنجاح في إدارة البلاد وفي تحقيق الاعتزاز الوطني لفترة أطول، ومن قطع منهم علاقته بالشعب خسر كلّ شيء. والنموذج الأتمّ لهذا الأمر هم سلالة القاجاريّين والسلالة البهلويّة المشؤومة في العهود الأخيرة. لدينا تجربة المشروطة في العهد القريب، وتجربة تأميم صناعة النفط. في هاتين التجربتين، كان للشعب حضوره، ومشاركته، فعامل نجاح كلّ من النهضتين، كان الشعب، ولكنّهم انفصلوا عن الشعب. في نهضة المشروطة، ركب الإنكليز بمكرهم وكيدهم، وحيلهم وخدعهم موجة المشروطة. نحّوا الشعب والقادة الجماهيريّين، فتمخّضت المشروطة عن استبداد رضاخان.

 

 

564


459

خطاب الولي 2011

في قضيّة تأميم صناعة النفط أيضاً، في أوائل الثلاثينات من قرننا هذا (الهجري الشمسي) كان الشعب في وطننا فعّالاً ومؤثّراً، كان حضوره باعثاً على النجاح، لكن لم تكد تمضي فترة حتى قطعوا حبائل الارتباط بالشعب، وأداروا الظهر له، أتى الانقلاب الأمريكيّ، وأمسك زمام الأمور بيديه، وجرّ البلاد إلى الاستبداد مجدداً.

 

على امتداد تاريخنا، لم نشهد أيّ حادثة كحادثة انتصار الثورة الإسلامية والحوادث التي جرت بعدها، حيث كان للشعب فيها دور مباشر في الثورة الإسلامية نزل الشعب، الشعب كلّه، بكلّ شرائحه، من أهل المدن والقرى، من النساء والرجال، الشيوخ والشباب، المتعلّمين والأميّين، حضروا جميعاً جنباً إلى جنب. وعلى الرغم من أنهم لم يستندوا إلى السلطة والقوّة، ولم يكن لديهم سلاح، وحتى لو كان لما استخدموه، لكنّهم في الوقت نفسه، استطاعوا أن يسقطوا نهائيّاً، نظاماً مدجّجاً بالسلاح معتمداً على الأنظمة الاستكباريّة، وأن يقودوا الثورة إلى الانتصار.

 

وبالمحصّلة، القضية الأساس في ثورتنا كانت أنّ دور الشعب لم ينتهِ بانتصار الثورة، وكان هذا بفضل حكمة إمامنا الجليل وعمق تفكير هذا الرجل الروحاني والإلهي الحكيم. لقد كان عارفاً حقّاً بشعب إيران، مؤمناً به، مؤمناً بسلامة عقل الإيرانيّين وصدقهم وعزمهم الراسخ وقدراتهم. في ذلك الوقت قال بعضهم، حسناً، الثورة انتصرت، فليرجع الناس وليذهبوا إلى بيوتهم. وقف الإمام بقوّة وعهِد بالأمور إلى الناس، أي بعد الثورة بخمسين يوماً، حُدّد النظام السياسي للبلاد عن طريق الاستفتاء الشعبي. انظروا أنتم في الثورات المختلفة حتى تتبيّن لكم أهمّية هذا الكلام. فبعد خمسين يوماً من انتصار الثورة عرف الناس أيّ نظام يريدون. لقد نزلوا بأنفسهم إلى صناديق الاقتراع، وحدّدوا في هذا التصويت العجيب والتاريخي أنّهم يريدون نظام الجمهوريّة الإسلامية. في القرنين الأخيرين اللذين هما قرنا الثورات العظمى لم يحدث في أيّ ثورة مثل هذا الأمر، أن يُحدّد خلال مدّة قصيرة، نظام جديد بواسطة الشعب نفسه، لا بواسطة عامل آخر. بعدها ومن دون أيّ تأخير سعى الإمام باتجاه الدستور. لا أنسى، في شهر أرديبهشت أو شهر خرداد من العام 58هـ.ش (1979 ميلادي) أي بعد انتصار الثورة بثلاثة أو أربعة أشهر أرسل الإمام في طلب مجلس قيادة الثورة، والتي كنت أنا

 

 

565


460

خطاب الولي 2011

عضواً فيها، للحضور إلى قم. أتينا إلى الإمام، ولا أنسى وجه الإمام الغاضب الذي قلّما رأيته على مثل هذه الحال من الغضب. كان يقول: لماذا لا تفكّرون في الدستور؟! هذا والحال لم يكن قد مضى على انتصار الثورة أكثر من ثلاثة أشهر. في تلك الجلسة تقرّر أن تُجرى انتخابات مجلس الخبراء. حضر مسؤولو البلاد الذين كانوا يشكّلون الحكومة المؤقّتة آنذاك وأجروا الانتخابات. شارك الشعب في انتخابات على مستوى البلاد كافّة. وحدّدوا ممثّليهم الذين كانوا خبراء الدستور والذين بدورهم دوّنوا الدستور في ظرف عدّة أشهر. بعدها قال الإمام ثانية، إنّ هذا الدستور الذي دُوّن ينبغي أن يُقرّ بصوت الشعب - ومع أنّ ممثّلي الشعب كانوا هم من دوّنه، إلا أنّ الإمام قال: ينبغي أيضاً أن نستطلع رأي الشعب - لذا جاؤوا وأجروا عملية الاستفتاء على الدستور، فصوّت الشعب بنسب مرتفعة لصالحه. بناءً على هذا، لم ينتهِ دور الشعب بعد انتصار الثورة. ولقد استمرّ في تفاصيل إدارة البلاد. فلم يكد يمضي عام على انتصار الثورة حتى انتُخب رئيس الجمهوريّة طبقاً للدستور. وبعد أشهر عدّة، انتُخب مجلس الشورى الإسلامي. ومنذ ذلك الوقت إلى اليوم، على امتداد هذه الاثنتين والثلاثين سنة، انتُخب بواسطة الشعب مرّة بعد أخرى، كلّ من مجلس خبراء القيادة، ورئيس الجمهوريّة، وممثّلي مجلس الشورى الإسلامي، وممثّلي المجالس المحليّة. كان الناس أنفسهم من يقرّر، ويشارك، ويختار، كان الأمر بيد الشعب. حضور الشعب بهذا الشكل، هو حضور بارز.

 

التحدّيات التي واجهتها الجمهورية الإسلامية

على امتداد هذه السنوات، باشرت الأعمال حكومات مختلفة، وأصحاب توجّهات سياسيّة متنوعة سواء في المجلس النيابي ذي السلائق السياسيّة المختلفة، أم في السلطة التنفيذية. بعضهم كان لديه وجهة نظر في بعض أسس النظام، لكنّ هذا النظام برحابته، من دون إظهار أيّ تململ، استطاع أن يتجاوز كلّ هذه المسائل، استطاع أن يستوعب كلّ هذه المشاكل، وذلك بفضل حضور الشعب، وإيمانه، وارتباطه بالنظام الإسلامي، أي باعتبارهم أنفسهم أصحاب هذه البلاد. ولقد قيل قديماً: إنّ للبلد صاحباً، والمقصود كان، أنّ الأمير الفلاني والحاكم الفلانيّ والسلطان الفلانيّ هو صاحب البلد!

 

566


461

خطاب الولي 2011

ليس للناس أيّ دور، وأيّ عمل. اليوم، وببركة الثورة الإسلامية، يعلم الناس أنّ للبلد صاحباً، وصاحب البلد هو الشعب نفسه.

 

عندما نعيد قراءة تجربة اثنين وثلاثين عاماً من الثورة، نصل إلى الأغوار العميقة لحكمة الإمام وتدبيره، لِمَ؟ لأنّ أيّ نظام كنظام الجمهوريّة الاسلامية، مع هذه المبادئ السامية التي ينادي بها، ومع ضدّيته ومخالفته للاستكبار والظلم الدولي، ووقوفه في وجه شياطين القوّة في سائر أنحاء العالم، له أعداء أقوياء، يظهرون التحدّي، ويختلقون المشاكل، إذا أراد مثل هكذا نظام أن يبقى، ينبغي أن تحرسه قوّة وطاقة عظيمة، حتى يمكنه الثبات، وحتى يمكنه التقدّم، ولا يبقى راكداً. في الثورة الإسلامية، من خلال تدبير الإمام المستقى من صلب الإسلام هذه القوّة الحارسة هي عبارة عن إرادة الشعب، وعزمه، وحضوره. لذا خاض النظام الإسلامي التحدّيات وانتصر. ويمكن القول بثقة تامّة إنّ الجمهوريّة الإسلامية إلى اليوم، قد تجاوزت جميع التحدّيات الصلبة والناعمة التي واجهتها، وسوف تتغلّب بعون الله، وبفضله، وهدايته، على جميع التحدّيات المستقبليّة.

 

1. الحرب المفروضة

أحد التحدّيات الكبرى التي واجهتها البلاد في بداية الثورة، حرب السنوات الثمانية المفروضة. المسألة ليست مزحة، ثماني سنوات! فُرضت حرب على هذا البلد. إنّ أيّ نظام، مع عدم الجهوزيّة الذي هو طبيعي في بداية الثورة، سوف ينهزم أمام هكذا تحدٍ، لكنّ بلدنا العزيز، ونظام الجمهوريّة الإسلامية المقدّس، لم ينكسر، بل انتصر. كانت الحرب تُدار من قبل الشعب. الجيش وحرس الثورة الإسلامية وسائر القوّات المختلفة، كانوا معتمدين على الشعب، على إيمان الشعب، على حبّ الشعب، على إخلاص الشعب. فمن الخطوط الأماميّة إلى سائر صفوف العمليّات، إلى الخطوط الخلفيّة والدعم، قدّم الشعب بإخلاصه وصدقه مثلاً ونموذجاً يُحتذى به ولا يُنسى، مستعدّاً للتضحية. للأسف إنّ الشباب بعد تلك الفترة لا يُطلعون على تلك الأحداث. وكم هو جدير أن تُعاد قراءة تلك الأحداث الممتازة والسامية والجميلة.

 

نُقل لي عن مدينة كرمانشاه هذه، أنّ "جعفر آباد" كانت قد قُصفت، وقد بقيت

 

567


462

خطاب الولي 2011

عائلة بكامل أفرادها تحت الأنقاض. ذهب الإخوة في المحافظة للمساعدة، وأخرجوهم من بين الركام. بعدها جاء ربّ هذه العائلة، وكان عجوزاً، إلى مركز المحافظة لتقديم الشكر. كان يشكر الجميع كونهم أنقذوه. قال له مسؤولو المحافظة: سجّل لنا قائمة بالخسائر التي تكبّدتها، ونحن نقدّم لك المساعدة ونعوّض خسارتك. وحسبما نُقل، قال هذا الرجل العجوز: أتأسّف كيف أنّ هذا الكلام صادر عن ابن مدينتي! وهل أتيت إلى هنا من أجل حطام هذه الدنيا؟! التفتوا، إنّه كرمانشاهيّ! هذا التعبير، هو نفسه ذلك التعبير المفعم بالتجاوز والتغاضي الذي يصدر عن إنسان راق. هناك الكثير من هذه النماذج في مدينتكم هذه ومحافظتكم هذه. في جميع مناطق العمليّات في الغرب والجنوب الغربي والشمال الغربي، يمكن العثور على هكذا نماذج. هذه أمور لا توجد في الشعوب الأخرى. لا يمكن أن تجد نموذجاً واحداً بارزاً كهذا، وبهذه الوفرة أيضاً. الحرب قادها الشعب، وكان هو من تابعها وقام بتبعاتها.

 

2. الضغوطات والعقوبات الاقتصادية

تحدٍّ آخر من التحدّيات الكبيرة، كان تحدّي الضغوطات الاقتصاديّة والعقوبات.اليوم يتكلّمون عن العقوبات، ليست العقوبات شيئاً جديداً بالنسبة لنا. فمنذ العام الأوّل لانتصار الثورة، بدأت العقوبات الأحادية الجانب من قبل أميركا والدول الأوروبية، وعلى امتداد سنوات الحرب بلغت هذه العقوبات والمحاصرة الاقتصاديّة ذروتها. قلت ذات مرّة، كنّا نريد شراء أسلاك شائكة من خارج البلاد. لم يسمح الاتحاد السوفياتي السابق الذي كان ينبغي للأسلاك الشائكة أن تمرّ عبره، لهذه البضاعة أن تمرّ عبر أراضيه، لتصل إلى إيران! والحال أنّ البضاعة ليست بضاعة عسكرية، ولا أسلحة هجوميّة، هي أسلاك شائكة! إلى هذا الحدّ ضيّقوا الخناق على بلدنا. كانوا يسعون إلى فرض العقوبات في جميع المجالات الاقتصاديّة، كان هدفهم أن يُركِعوا الشعب الإيراني، ويركعوا النظام، لكنّ نظام الجمهوريّة الإسلامية، بصبركم وبصيرتكم أيها الشعب، أركع كلّ تلك السياسات وواضعيها.

 

لقد استطعنا أن نحوّل هذا التهديد إلى فرصة، فالحصار نفسه، والعقوبات والتضييق قادنا إلى ميادين الإبداع والابتكار، وإلى تحقيق التقدّم في المجالات كافّة،

 

 

568


463

خطاب الولي 2011

 

 

حيث لم تستطع بلدان المنطقة على امتداد الأعوام المتمادية أن تحقّق مثل ذلك التقدّم. أمّتنا، وشعبنا، وشبابنا علموا. لديّ أمثلة عن الثورات، لا مجال لذكرها هنا، لعلّني ذكرتها في بعض اللقاءات الأخرى. كان للثورات التي حدثت في السبعينات من هذا القرن الميلادي -أي قبل انتصار ثورتنا بعدّة سنوات- وضع مثير للشفقة، ولم تكن تُقاس بثورتنا. فثورتنا العظيمة استطاعت أن تحقّق مثل هذا التقدّم.

 

3. إثارة الفتن

و تحدٍّ آخر من التحدّيات، والتي هي بالطبع، أكثر تعقيداً من التحدّيات الأخرى، كان تحدّيات إثارة الفتنة، كالفتنة التي أثارها هؤلاء في طهران في التاسع من شهر حزيران من العام 1999 وفتنة العام 2009، بفارق 10 سنوات. كانوا يأملون من خلال هذه الفتنة التمكّن من إحداث شرخ في هذا النظام وتوجيه ضربة إليه، لكنّ العكس حصل. ففي فتنة الثامن عشر من تير، وبعد خمسة أيّام من شروع أهل الفتنة بإشعال نارها، قام الشعب بذلك التحرّك العظيم في الثالث والعشرين من تير، ليس فقط في طهران، بل في سائر المدن. وفي فتنة العام 2009، بعد يومين من أحداث عاشوراء، انطلقت حركة التاسع من شهر دي العظيمة (03/21/9002). وقتئذٍ، كتب بعض المراقبين الأجانب الذين شاهدوا الحراك عن قرب في الصحافة الغربيّة، وقال: ما حدث في إيران في التاسع من شهر دي لم يشاهد له نظيرا على صعيد التجمّع والحماس، سوى في تشييع جنازة الإمام. هذا ما فعله الشعب، وعلى هذا النحو هو حضوره.

 

4. الملف النووي

الملف النووي، هو تحدٍّ آخر. ذلك الحصار المستحكم الذي أعطى المسؤولين الجرأة والقوّة للوقوف بوجه تهديدات الأعداء وإملاءاتهم في الملفّ النووي، كانت إرادة الشعب، ودعمه، والقاعدة الشعبيّة القويّة هي التي استطاعت أن تحقّق النجاح الكبير لبلدنا.

 

5. ميدان العلم والتقنية

واحد من الميادين الأخرى الشديدة الأهمّيّة، التي كان لشعبنا العزيز فيها دورٌ، والتي لم يكن أحد يتصوّر أنّ لهذا الميدان مثل هذه القابلية الخلاّقة، هو ميدان العلم

 

 

569


464

خطاب الولي 2011

والتّقنيّة. من كان يتصور أنّ شبابنا يردون هذا المجال بهذا النحو؟ فبمجرّد أن طُرحت مع النخب والزبدة من الجامعيّين نهضة إنتاج العلم وحركة البنية اللينة (الفوقية) حتى ظهرت حركة عظيمة صارت حديث العامّة، وصارت حركة جماعيّة. اليوم، ينجز شبابنا في كافّة أنحاء البلاد، في المحافظات المختلفة، في المدن الصغرى والكبرى، وخاصّة في المراكز العلميّة والحسّاسة، أعمالاً حسّاسة كبرى من الناحية العلميّة والتقنيّة، أعمالاً حقّق بعضها نجاحاً مئة في المئة، وبعضها على طريق النجاح. وسوف يرى الشعب الإيراني هذه النجاحات. هذه الانجازات العلمية هي أساس ثقة الشعب الإيراني بنفسه، وتحقيق الازدهار الاقتصادي. التجارات الماديّة الرابحة، ناشئة عن التقدّم العلمي. وقد ورد شبابنا هذا الميدان.

 

والإحصائيات العالميّة تؤكد هذا الأمر أيضاً. بالطبع، يبذل المسؤولون أيضاً جهوداً حثيثة في هذا المجال.

 

نتيجتان لما سبق

حسناً، أريد أن أستخلص نتيجتين من كلامي هذا:

1. النظام قوي ومُقتدر بحضور الشعب

أوّلاً: فليعلم العالم، وليعلم أعداؤنا الغربيّون، أنّ هذا النظام بسبب حضور الشعب هو نظام قوي ومقتدر. ولا يختلط الأمر على واضعي السياسات الغربيين، فيقيسوا إيران ببعض البلدان التي حصلت فيها ثورات، ثمّ بعد ذلك، يغيّرون مسيرهم كما يريد الغرب، وغيّروا. هنا الشعب حاضر. هنا النسيج العامّ للبلاد أي الشعب في المناطق المختلفة، وبطبقاته المختلفة مساهم في هذه الثورة، له رأيه، ولإرادته وعزمه أثرهما. فلو أراد مسؤول أن ينحرف، وأن ينشىء حركة أخرى في مقابل حركة الثورة، لنحّاه الشعب. هذا ما يجب أن تعلمه شعوب العالم كافّة، وواضعو السياسات في البلدان المختلفة، وحتماً يعلمونه، وقد لمسوه. إنّ مثل مشاركاتكم الشعبية اليوم، يعطي النظام القوّة والقدرة، حيث أجد من اللازم عليّ، واقعاً، أن أشكركم على حضوركم الودّي والحميمي في هذه الطرقات، وأعتذر منكم. إنّني لا أرضى بهذا النوع من

 

 

570


465

خطاب الولي 2011

المكابدة والمشقّة التي يتكبّدها الناس في هذه الاستقبالات... شكراً لكم، شكراً كثيراً، شكراً. إنّ النتيجة الأولية التي استخلصناها من بحث حضور الشعب هذا، هي ليعلم الآخرون، ليعلم العالم، ليعلم واضعو سياسات الاستكبار وغيرهم، أن هذه هي إيران، هنا الشعب حاضر، الأمّة حاضرة، الإرادة الشعبيّة، إرادة الأمّة.

 

2. تأمين المشاركة الشعبية مقدّمة للنجاح

النتيجة الثانية التي أريد أن أستخلصها، هي في الواقع خطاب موجّه لجميع مسؤولي البلاد المحترمين. في كلّ مكان اكتشف فيه مسؤولو البلاد قدرات الشعب، وعملوا عليها، نجحنا. وفي كلّ مكان حصل فيه إخفاق، فذلك بسبب أنّنا لم نستطع ضمان حضور الشعب في ذلك الميدان. لدينا الكثير من المسائل العالقة. في قضايا البلاد المختلفة، ينبغي للمسؤولين من خلال الخبرة، والدقّة والابتكار أن يتمكّنوا من إيجاد طرق للمشاركة الشعبية كما حدث في ميدان الحرب القاسية جدّاً، حيث فُتح الطريق، وتمكّن أشخاص من فتحه حتى إذا ما أراد أيّ شابّ، أو عجوز، أو رجل، أو امرأة المشاركة في هذا العمل العظيم، تكون الطريق مفتوحة أمامه. وهذا ممكن الحصول في المجالات المختلفة، وهو ممكن أيضاً في الاقتصاد. فاقتصاد البلاد، وإنتاج البلاد يمكن من خلال همّة الشعب، ومال الشعب، وابتكارات الشعب، ودوافعه، أن يشهد أضعافاً مضاعفة من الازدهار. سياسات المادة 44 من الدستور التي أقررناها، كانت قائمة على هذا الأساس. لقد حُدّدت أهداف من أجل مستقبل البلاد. لقد أطلقنا على هذا العقد اسم "عقد التقدّم والعدالة"، لقد وضعنا سياسات المادة 44، ورسمنا أفق العشرين سنة، ووضعنا سياسات لبرامج الخطّة الخمسية، ولا نزال نضع. جميع هذه السياسات الموضوعة قائمة على أساس الرؤية الواقعية. وليست هي بنحو يجلس فيه عدّة أشخاص ويكتبون، بناءً على توهّماتهم، السياسة الخمسيّة، أو المنظور للخطّة العشرينيّة، لا، إنّهم يطابقون هذه مع الواقع، ويعتمدون على واقع البلاد.

 

حسناً، هذه أهداف محدّدة. إذا ضُمن حضور الشعب في هذه السبل، ومن أجل هذه الأهداف، سوف تُحقّق هذه الأهداف بأسرع من الوقت المنظور. ما هي الطريقة التي سيشارك فيها الشعب؟ هذه هي النقطة الأساس. هنا ينبغي للمسؤولين

 

 

 

571


466

خطاب الولي 2011

تهيئة الأرضيّة، النماذج، الصيغ العمليّة والمفهومة من قبل عامّة الشعب، المعادلات المانحة للثقة، من أجل المشاركة الشعبيّة. يمكن القيام بهذا الأمر في جميع القطاعات. فالسلطة التنفيذيّة، والسلطة القضائيّة، والسلطة التشريعية أيضاً، يمكنهم بأساليبهم الخاصّة أن يوفّروا هذا الأمر، يمكنهم أن يستفيدوا من إبداع الشعب، من فكر الشعب، من قوّة الشعب ودوافعه، من النشاط الشبابي لشبابنا، الذين يشكّلون شريحة عظيمة وواسعة. هذه من الأعمال التي ينبغي أن تُنجز بعونه تعالى، من خلال السياسات والآليات الشفّافة من قبل المسؤولين. بالطبع، لقد أُنجزت أعمال في المجالات المختلفة، وفُتحت سُبُل، لكن يمكن أن يُنجز أكثر من هذا، ويمكن ضمان مشاركة الشعب كله، حتى يعلم الشابّ والعجوز، الصناعي والمخترع، مكانه في هذه الحركة العامّة. ينبغي أن يصل كلّ شيء إلى مرحلة النظم من خلال مثل هكذا آليّة، كالسابق.

 

واجبات المسؤولين تجاه الشعب

بالطبع، للشعب توقّعاته، وهذه التوقّعات في مكانها. ينبغي للمسؤولين أن يقدّروا الشعب. إنّ مشاركة الشعب، جهوزيّة الشعب، هي نعمة عظيمة جداً، علينا جميعاً أن نقدّرها. فليخلص المسؤولون نيّاتهم في خدمة الشعب. ما يتوقّعه الناس من المسؤولين خصوصاً الأعلى رتبة أن يتداولوا الأمور بينهم، أن يتّحدوا، أن يتعاونوا، على المستويات العليا أو المتوسّطة، عليهم التركيز على أولويّات البلاد، فيقدّموا المسائل الأساس، ولا يتلهّوا بالمسائل الفرعيّة والجانبيّة، وأن يتابعوا الأعمال ويبذلوا الجهود الحثيثة. الشعب ينتظر منكم الصدق، والوفاء بالوعود، وتجنّب الجدال، ينتظر الأمانة ونظافة الكفّ ومجازاة المرتكبين والخونة، هذه هي أهم مطالب الشعب. إذا لم نستطع نحن مسؤولي البلاد في وقت من الأوقات، أن ننجز عملاً، إنشاء طريق، سدّ، عمل اقتصادي، فلنأتِ ولنقل للناس إنّنا لا نستطيع إنجازه، فالناس لن يعترضوا. إذا قال مسؤولو البلاد لا نستطيع القيام بهذا العمل لعدم توفّر الإمكانات، فالشعب لن يعترض، أمّا اعتراض الشعب فهو على تقصيرنا في معاقبة المرتكب، وتقصيرنا في تحقيق العدالة، فالشعب لن يقبل بهذه الأمور، وسيغضب من هذه الأشياء. الإجراء

 

 

572


467

خطاب الولي 2011

المدبّر، العزم الراسخ، المطالبة بالعدالة، قضيّة مواجهة الفساد الإداري والمالي، هي أمور مهمة. في قضيّة الفساد المصرفي التي حصلت مؤخّراً، ولفتت أنظار الجميع إليها، أرى وأشهد أنّ السلطات الثلاثة، ولحسن الحظ، تتعاون مع بعضها بعضاً بشكل كبير جدّاً، فالمجلس، والحكومة، والسلطة القضائيّة، يعملون سوياً من أجل متابعة هذه القضيّة.

 

ينبغي لهذه القضيّة أن تُتابع، وأن نصل فيها إلى نتيجة، أن يعاقب المخالف أيّاً كان حتى يكون عبرة للآخرين.

 

بالطبع، في مواجهة الفساد، تأتي مسألة الوقاية والحؤول دون وقوعه في المرتبة الأولى، لكن لو حصل تقصير في الوقاية، ووقع فساد بنحوٍ ما، فالعلاج يكون بالمتابعة. لا ينبغي أن يُغفل عن هذا الأمر. وإن شاء الله لن يُغفل، وإن شاء الله أيضاً تحصل المراقبة حتى لا يُغفل.

 

إنّ مسألة الثقافة الإسلامية ومبادئ الثورة هي أيضاً مسائل مهمة، ينتظرها الناس من المسؤولين. من أقصى البلاد إلى أقصاها، حيثما ذهبت، ليس فقط عوائل الشهداء، بل الكثير من أبناء الشعب، كانوا يرجون، ويطالبون بمراعاة الظواهر الإسلامية والثقافة الإسلامية في المجتمع، وعلى وجه الخصوص من قبل المسؤولين.

 

مسألة تأمين فرص العمل أيضاً هي مسألة مهمّة كما ذكرنا. بالطبع، إنّ لتأمين فرص العمل في هذه المحافظة وبعض المحافظات الأخرى أهميّة أكبر. في بعض المناطق، أُنجزت أعمال نوعيّة، والتي ينبغي أن يُقتفى أثرها بإذن الله. إنّ تقوية الإنتاج المحلّي، الزراعة، الصناعة، هي أعمال ينبغي أن تُنجز.

 

قضية الانتخابات

ما أريد أن أتطرّق إليه في هذا القسم، هو مسألة الانتخابات القادمة. الانتخابات إحدى مظاهر حضور الشعب. بالطبع، تفصلنا عن الانتخابات ثلاثة أو أربعة أشهر. أنا بدوري، إذا قُدِّر لي العمر، سوف أتّخذ أوقاتاً لأذكر فيها مطالبي أمام الشعب، وسوف أعرضها إن شاء الله. ما ينبغي أن أذكره اليوم، هو أنّه مع كلّ انتخابات، يُضخّ دمٌ جديد في أوردة البلاد، وتُنفخ روح جديدة في جسدها. عليكم أن تعلموا

 

573


468

خطاب الولي 2011

 وكيفيّة متابعته. إذا كنّا نلتزم بالقانون، فينبغي علينا أن نسلك طريق القانون. هذه أيضاً نقطة أساس.

 

هناك نقطة أخرى بالطبع، وهي انتخاب النائب الودود والمؤمن والمحبّ، فهي أيضاً مسألة غاية في الأهميّة، وبعدها، لدينا الوقت الكافي. ينبغي للشعب أن ينتخب الأشخاص الذين ليس لهم صلة بمراكز الثروة والسلطة، الأشخاص الذين يريدهم الشعب واقعاً، الذين يعملون حسبما تمليه عليه ضمائرهم، ويقتضيه دينهم ومبادئهم الثوريّة، حيث يكثر البحث في هذا المجال هذه الأيّام.

 

مسألتان في قضايا المنطقة

أما عن قضايا المنطقة، فقد سمعتم أخباراً وتحليلات كثيرة عن حوادث البلدان الإسلامية مصر وتونس وليبيا واليمن والبحرين وباقي الدول وقد تكلّمت أنا مرّات عدّة في هذا المجال. سأتطرّق اليوم لمسألتين في هذا المجال.

 

1. تحطيم سياسة الاستكبار

الأولى، هي أنّ الظاهرة الأساس لهذه الحركات والحوادث في مصر وتونس وباقي الدول، هي تحطيم سياسة الاستكبار، هذا هو أساس القضيّة. كانت أميركا تحكم المنطقة لسنوات. فالحكومة المصريّة، والحكومة التونسيّة، ومؤخّراً القذّافي، حيث كان في الظاهر ثوريّاً، وذا سابقة ثوريّة، وكذلك حكّام بعض الدول الأخرى، كانوا جميعاً مطيعين لأميركا. كانت أميركا اللاعب الوحيد في المنطقة. تغيّر هذا الوضع، وفُتحت صفحة جديدة. بالطبع، يُعمل الأميركيون كلّ قواهم، علّهم يسيطرون على الأوضاع، لكن ليس من فائدة، فالشعوب استيقظت، ووجدت في أنفسها الجرأة. لا يمكن لأحد أن يواجه إرادة الشعوب. هذه هي النقطة الأولى والأساس.

 

2. مسؤولية الشعب الإيراني

المسألة الثانية هي أنّ شعبنا العزيز في كلّ أرجاء البلاد يعلم أن حوادث بلدنا لها تأثيرها القويّ على هذه البلدان. إنّهم ينظرون إلى بلدنا، إذا كنّا نسلك طريق التقدّم، وننعم بالأمن، والمشاركة العامّة، وكان شعبنا واثقاً من نفسه، وموحّداً، سوف يسلك

 

 

575


469

خطاب الولي 2011

هؤلاء طريقنا لهذا السبب، أمّا لو لم نكن لا قدّر الله ننعم بالأمن، وكنّا ضعافاً، ونعيش حالة من الركود، أو كنّا متفرّقين وهذا ما يريده العدوّ فهذا سوف يودي بهم إلى اليأس، ويقضي على نشاطهم وحيويّتهم. لذا تترتّب علينا مسؤولية كبيرة في هذه المجال، إذ يجب علينا -كون الشعب الإيراني أصبح معروفاً كنموذج- أن نسير بأنفسنا قدُماً بنحوٍ يكون موضع تقدير من قبل هذه الشعوب، يبعث فيهم النشاط والأمل بالمستقبل.

 

تحرّك وول ستريت

هناك مسألة أخرى أيضاً تتعلّق بالشأن الغربي. قضيّة أميركا هذه، قضيّة مهمة جدّاً. إنّ هذا الحراك الذي عُرف بـ "تحرّك وول ستريت" وأثار الشعب الأميركي، هو حراك بالغ الأهمّية. لقد سعوا إلى التقليل من أهميّته، ولا زالوا يعملون على ذلك. هؤلاء هم السادة الذين يدّعون أنّ حريّة التعبير أمر لازم، وأنّهم مع حريّة التعبير. من بين جميع الصحف الأميركيّة المهمة، لم ينشر خبر ذلك التحرّك سوى صحيفة واحدة، والبقيّة لاذت بالصمت! هؤلاء الذين إن وقع حادث صغير في زاوية من زوايا العالم في المناطق المخالفة لسياساتهم يضخّمونه بأضعاف مضاعفة من حجمه، يسكتون كلّياً عن تحرّك بمثل هذه العظمة، ويطمسونه. ولكن جيّد، في النهاية، رأوا أن لا حيلة أمامهم. فالأشخاص أنفسهم الذين كانوا متجمّعين هناك، بضعة الآلاف المتجمّعين في نيويورك في وول ستريت وأمثالهم في المدن والولايات الأميركيّة الأخرى، أجبروهم، لذا تراهم الآن يقرّون بهذه الحادثة. بالطبع، هم يريدون أن يركبوا الموجة، لكنّ القضيّة قضيّة مهمة.

 

فساد النظام الرأسمالي

هناك مسألة أخرى، وهي أنّ فساد النظام الرأسمالي أصبح محسوساً وواضحاً لهؤلاء الناس. يمكنهم أن يقمعوا هذا التحرّك، لكنّهم لن يستطيعوا القضاء على جذوره، فبالنهاية، لا بدّ أن يأتي يوم وينمو فيه هذا التحرّك، بحيث يسقط النظام الرأسمالي لأمريكا والغرب تماماً.

 

النظام الرأسمالي الفاسد ليس فقط لا يرحم شعوب بلدان كأفغانستان والعراق

 

576


470

خطاب الولي 2011

 وبقيّة المناطق، بل هو لا يرحم شعبه أيضاً. لقد رفع الناس في تجمّعات نيويورك وتظاهراتها المؤلّفة من بضعة آلاف شخص، يافطات كُتب عليها: "نحن 99%". أي أنّ تسعة وتسعين في المئة من الشعب الأميركي أكثريّة الشعب محكوم للواحد في المئة.

 

الحرب على العراق وأفغانستان سيّرها ذلك الواحد في المئة، ولكنّ قتلاها وخسائرها يقدّمها أولئك الـ 99 في المئة. وهذا هو الشيء الذي أيقظ الناس، ودفعهم إلى الاعتراض. بالطبع، إنّ الوسائل الدعائيّة والحرب النفسيّة للمسؤولين الأميركيّين، وللمخابرات المركزيّة الأمريكيّة، وغيرهم، هي وسائل قويّة وجبّارة، يمكن أن يتفوّقوا عليهم، لكن بالنهاية، اتّضحت حقيقة المسألة، وسوف تتضّح أكثر. مع كلّ هذه الادّعاءات، هذه هي حقيقة النظام الرأسمالي، وهذه هي الليبرالية الغربية.

 

إنّ من يدافع عن إسرائيل هو هذا الـ 1% في المئة. فالشعب الأميركي ليس عنده الدافع والرغبة في الدفاع عن إسرائيل، بأن يدفع الأموال، والضرائب، والنفقات، من أجل أن يمكّن الغدّة السرطانية "إسرائيل"، هذه الدولة المصطنعة، من البقاء واقفة على رجليها في هذه المنطقة. هناك أيضاً، معاملتهم لبني جنسهم، وذلك من الأمور المسكوت عنها، وأيضاً العنف، سواءً هناك (في أميركا)، أم في بعض الدول الأوروبيّة. في بريطانيا يُمارس العنف إلى درجة لا تبلغ معشار ما يشاهده الإنسان في البلدان المتأخّرة التي تحكمها الأنظمة الدكتاتوريّة. ويدّعي أولئك عندها، أنّهم إلى جانب حقوق الإنسان، ويدّعون حريّة التعبير، وحرية التظاهر، ويدّعون أنّهم إلى جانب شعوب العالم كافّة. فلينظر أولئك الذين كانوا يوصون باتّباع مناهج النظام الرأسمالي، بتعلّمها، والعمل وفقها، إلى هذه الوقائع، وليروا النظام الرأسمالي على حقيقته، إنّه لا يوصل إلّا إلى طريق مسدود. النظام الرأسمالي اليوم هو في طريق مسدود. يمكن لنتائج هذا الطريق المسدود أن تصل إلى نهايتها بعد سنوات، لكنّ أزمة الغرب قد بدأت بشكل كامل.

 

يشهد العالم اليوم منعطفاً تاريخيّاً. يمكن لشعبنا العزيز، لشعوبنا الإسلامية، للأمّة الإسلامية العظيمة أن تؤدي دوراً. هنا الإسلام، تعاليم الإسلام، منهج الإسلام الذي جاء لتلبية احتياجات شعوب العالم، وهنا نظام الجمهوريّة الإسلامية يمكنه إثبات نموذجيّته

 

 

577


471

خطاب الولي 2011

 لكافّة شعوب العالم.

 

إلهنا! بمحمّد وآل محمّد، أنزل بركاتك على شعب إيران ومسؤوليها.

 

إلهنا! كما وعدت عبادك المخلصين بالنصر، اشمل الشعب الإيراني بالنصر التامّ.

 

إلهنا! أنزل رحمتك ولطفك وفضلك على أهل هذه المدينة، وعلى أهل هذه المحافظة، على هذه القلوب الطاهرة والشجاعة.

 

إلهنا! اعصم شبابنا من الزلل.

 

إلهنا! اجعلنا من الذين قلت فيهم في كتابك: ﴿يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُۥٓ﴾[1].

 

إلهنا! أرضِ عنّا القلب المقدّس لوليّ العصر أرواحنا فداه.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 


[1]سورة المائدة، الآية 54.

 

 

578


472

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في تجمّع علماء الشيعة والسنّة

في كرمانشاه

 

 

 

 

 

         

المناسبة:   زيارة الإمام الخامنئي دام ظله لمحافظة كرمانشاه

الحضور:  جمع كبير من العلماء المسلمين

المكان:   كرمانشاه

 

الزمان:    ٢١/٠٧/1390هـ.ش.

15/11/1432هـ.ق.

13/10/2011م.

 

579


473

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

والحمد الله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا أبي القاسم محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين وصحبه المنتجبين لا سيّما بقية الله في الأرضين.

 

قال الله الحكيم في كتابه:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

﴿ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَٰلَٰتِ ٱللَّهِ وَيَخۡشَوۡنَهُۥ وَلَا يَخۡشَوۡنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَۗ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبًا﴾[1].

 

بالنسبة لي إنّ من أمتع لقاءاتي في الأسفار هو اللقاء مع العلماء المحترمين والفضلاء الأعزّاء الذين يعملون في المحافظات المختلفة عبر البلاد، واللقاء بالطلاب الشباب الذين يُمثّلون غرسة وبراعم جديدة في ساحة التربية الدينية والتعليم الديني. الليلة بحمد الله هذا الجمع الكبير، الإخوة والأخوات، والطلاب، والفضلاء والعلماء المحترمون في المحافظة من الشيعة والسنّة الحاضرين يمثّلون لي فرصة عذبة وسانحة متلازمة مع الحظوظ المعنوية.

 

في ذكرى علماء كرمانشاه

لديّ عدّة جملٍ أريد أن أعرضها، لكن قبل أن أبدأ بها أرى من اللازم أن أذكر بإجلال، عالماً كبيراً وأخلاقياً زاهداً قضى عمره في هذه المحافظة بأمرٍ من المرحوم آية الله البروجردي وختم جهوده بالشهادة، وهو شهيد المحراب الجليل المرحوم آية الله أشرفي، حيث سمعت أنّ هذه الأيام تمثّل ذكراه السنوية. لقد وُفّقت عدّة مرّات للقائه في منزله في كرمانشاه وكنّا نجلس بشكل ثنائي ونتحاور. وكنتُ قد التقيتُ به في جلساتٍ أخرى، وفي لقاء أئمّة الجمعة للمحافظة في إسلام آباد حيث جاء المرحوم

 


[1] سورة الأحزاب، الآية 39.

 

 

581


474

خطاب الولي 2011

 

الشهيد صدّوقي من يزد وآخرون. أُقيمَ ملتقى أئمّة الجمعة للمحافظة تحت القصف وقد شاركنا نحن أيضاً. وفي لقاءات متعدّدة التقيت بهذا الرجل الجليل عن قرب، وكان بإنصاف مصداقاً للعالِم العامِل. فلم يكن صاحب دعوة باللسان فقط، بل كان عمله عبارة عن التبليغ. تواضعه وزهده وعدم اعتنائه بالكثير من الأشياء الظاهرية، كلّ ذلك كان من خصائصه، كان رجلاً جليلاً. والله تعالى أيضاً قد أثابه، ففي آخر عمره المديد نسبياً جعل الله تعالى موته المفاجئ شهادة. لقد قلنا مراراً إنّ الشهادة هي الموت المربح (إنّها ذاك الزيت المراق نذراً لأبناء الأئمة) ففي النهاية سوف يُراق هذا الزيت ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ﴾. لو نال الإنسان السعادة - اللّهمّ! نحن أيضاً مشتاقون لهذه السعادة - فهذا الأمر المحتوم نبيعه لله وننال مقابله ربحاً كثيراً. ﴿إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَنفُسَهُمۡ﴾[1] فالله يشتري. إنّها سعادة كبرى وقد أدركها هذا الرجل.

 

في هذه المحافظة، إنّ صديقنا القديم العزيز المرحوم الحاج آغا بهاء الدين محمّدي العراقي، كان من أولئك السعداء الذين أدركوا مقام الشهادة. فقد كان هذا المرحوم من تلامذة الإمام المميّزين، ومن أصدقائنا في قم. رحمة الله على هذين الشهيدين.

 

كذلك نتذكّر العالِم الأخلاقي الشفيق المتواضع المحبوب والحميم المرحوم الحاج آغا مجتبى الحاج آخوند. الذي كان من أصدقائنا القدماء في المدرسة الحجّتية في قم، كان مؤمناً نقياً صالحاً صادقاً. رحمة الله عليه.

 

كذلك نتذكّر المرحوم آغا نجومي رضوان الله عليه، عالماً فاضلاً محصّلاً للعلم، مثابراً وهو في نفس الوقت قمّة في الفنّ وفنّان في الحقيقة. فبعد الثورة وقبل عهد رئاسة الجمهورية، جئت في إحدى الأسفار إلى كرمانشاه وذهبت إلى منزله وشاهدت أعماله الفنّية عن قرب. وبعد رحيل الإمام، أرسل إليّ أحد أعماله. وكنت قد طلبت منه أن يكتب لي هذا الحديث الشريف: "من نصّب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره"، حتى أضعه أمام ناظري ولا ننسى تكليف تعليم أنفسنا. فكتبه

 


[1] جسورة الأنبياء، الآية 35.

[2] سورة التوبة، الآية 111.

[3] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص480.

 

582


475

خطاب الولي 2011

بخطٍّ جميلٍ جداً وأنا جعلته في قالبٍ ووضعته في غرفتي أمام ناظري. "من نصّب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره". فلو حصل هذا التعليم سيكون تعليم الآخرين سهلاً، إنّ المعضلة الأساس في عملنا هي هذه.

 

أعزّائي! إخواني! أبنائي! يا شباب! الطلّاب الفتية والفتيات! إذا أردتم أن تُعطّروا الأجواء كباقة من الورود، إذا أردتم أن تفيض المعنويات منكم كالنبع وبسلاسة ومن دون إكراه يرتوي منها الآخرون ويسارعون إليها فإنّ طريق ذلك هو "فليبدأ بتعليم نفسه".

 

"إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماء"

هذه الآية الشريفة التي تُليت، ﴿إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ﴾[1]، قد جعلت الخشية من خصائص العلماء. حسناً، للعلماء خصائص عديدة لكن الاختيار وقع على الخشية. فبعد ذكر الآيات الإلهية في الجبل والوادي والصحراء والبستان والهضاب الموجودة في الآيات يقول: ﴿إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ﴾. إنّ من خاصّية العلم أنّه يشمل الإنسان بهذه النعمة الكبرى، فإنّ الخشية الإلهية تظلّل قلب الإنسان ويجب علينا أن نحصل عليها. أنتم الشباب يمكنكم أن تقوموا بهذا العمل أسهل منّي. فإذا وصلتم إلى سنّي، فإنّ الذي يكون قد قام بهذا العمل في أيّام شبابه سينفعه ذلك، وإلا سيكون عمله صعباً.

 

فجِدُوا الخشية اليوم في أنفسكم وحصّلوا الخشوع لله في هذه المرحلة وافتحوا باب التضرّع إلى الله في أيّامكم هذه، وأشرعوا النوافذ التي تقرّبكم إلى الله اليوم، فكلّ ذلك سينفعكم. إنّ هذا العمر سينقضي، بعضٌ يصلون إلى الشيخوخة وبعضٌ لن يصلوا. فاعلموا ذلك، إنّ المسافة بين العشرين سنة أو الثلاثين سنة إلى سبعين سنة وما بعدها حيث نحن الآن هي مسافة قصيرة تمرّ كالبرق. الإنسان عندما يكون في العشرينات يتصوّر أنّه ما زال هناك وقتٌ طويل إلى السبعينات. كلا، إنّ العمر يمرّ كالبرق. وبعدها يكون الرحيل. لو كان القرار بأن نقوم بعملٍ ما ونؤمّن زاداً ما في

 


[1] سورة فاطر، الآية 28.

 

 

583


476

خطاب الولي 2011

هذه المدّة القصيرة والفرصة القليلة، فإنّ فرصتها الأساس في مرحلة الشباب. إنّني أرى الوصية بالخشوع والذكر والتقوى والسعي للتقرّب إلى الله أوجب للطلّاب من الوصية بالعلم الذي يُعدّ أساس عملهم. فلو وُجد العلم ولم يكن هناك من تقوى فإنّ هذا العلم يكون بلا فائدة، بل يكون مضراً أحياناً. كان لدينا علماء سواء في العلوم الدينية أو في غيرها لم يستفيدوا من هذا العلم أو يفيدوا فحسب، بل أصبحوا وبالاً ووزراً. فإنّ روح المعنويات أمرٌ ضروريٌّ في قالب العلم والعالِم.

 

حسناً، إنّ مدينة كرمانشاه مدينة مهمّة، مثلما أشار السيد "عُلَما". في الماضي البعيد كان لكرمانشاه علماء كبار، وقد وُجدت في القرنين الأخيرين أُسرٌ علمية كبيرة فيها، مثل آل آغا، وأسرة جليلي، والأسر العلمية التي كان فيها على الغالب أكثر من عالمٍ أو عالمين أو عشرة كانت أسراً علمية خالدة.

 

ضيافة "كرمانشاه" للعلماء

النقطة الأخرى التي تلفت نظري في هذا الباب، بما يتعلّق بكرمانشاه، هي أنّه مثلما عُرف أهالي كرمانشاه بضيافتهم واعتنائهم بالغرباء وعطفهم وكرمهم، فإنّ هذه الخصوصية لعلّها أكبر بالنسبة للعلماء الذين يأتونها. فقد جاء المرحوم آغا محمد علي رضوان الله عليه، ابن المرحوم الوحيد البهبهاني، الذي كان من ألمع تلامذة والده، جاء إلى كرمانشاه وبقي فيها. مع أنّه لم يكن يقصد كرمانشاه لكنّه بقي فيها حيث احتضنته كرمانشاه، وهنا انبثقت سلسلة أسرة آل آغا. فكان هو نفسه وعدد كبير من أبنائه وأسرته من العلماء. هذا موردٌ.

 

المورد الآخر، هو المرحوم السيّد حسين الحائري، الذي جاء في آخر حياته إلى مشهد. في ذلك الوقت كنا في مرحلة الحداثة. وما زلت أذكره إلى حدٍّ ما، فكان ابن أخ المرحوم السيد الأصفهاني المعروف وتلميذ الآخوند، وعالماً جليلاً جاء من العراق وسكن مدّة طويلة في كرمانشاه. وكان يقيم الحدّ في أصفهان، كان شخصية بارزة، فكان عالماً من جهة، وكان روحانياً وأخلاقياً من جهة ثانية. وكان المرحوم آغا مرتضى الحائري قد نقل لي عن المرحوم السيد حسين نفسه أنّ رجلاً جاء إلى منزل السيد حسين وبقي هناك

 

 

584


477

خطاب الولي 2011

مدّة. كان من أهل المعنى وأهل السلوك والرياضة، فقال له إذا استطعت أن تقوم بعملٍ يوصلني إلى لقاء الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، فعرفه طريقاً. بعدها يذكر أنّه في العاشر من محرّم في أيّام العزاء سيأتي إلى مجلسك. وقد جاء الإمام إلى مجلسه. حيث إنّ لهذا قصّة مفصّلة. كان يمتلك مثل هذه الشخصية. هذا من الناحية المعنوية فيه. وأمّا من الناحية العلمية فقد كان من الذين تربّوا على يد المرحوم الآخوند الملّا فتحعلي السلطان آبادي أخلاقياً، والذي كان في ذلك الوقت في سامرّاء.

 

الشخصية الأخرى هي المرحوم "سردار الكابولي"، هذه الشخصية البارزة علمياً في الفنون المختلفة. والكتاب الذي أُلّف حوله، كان كتاباً عظيم المحتوى وجيّداً. لقد رأيت أنا العبد هذا الكتاب قبل سنوات. لقد كان في كرمانشاه لمدّة ستين سنة تقريباً. استفاد الأجلّاء منه. وقد قرأت في ذاك الكتاب أنّ المرحوم الحاج آغا حسين القمّي رضوان الله تعالى عليه، في سفره إلى العتبات المقدّسة أو عند رجوعه يأتي إلى كرمانشاه ويلتقي بالمرحوم سردار الكابولي. وقد جرت بينهما مباحثة حول القبلة وأمثالها. وذكر المرحوم الكابولي أموراً جعلت الحاج آغا حسين يقول تعالَ علّمني إيّاها. يقول مؤلّف هذا الكتاب إنّني بنفسي شاركت في جلستين -بنظري إنّه- يقول "رأيت بنفسي"، لأنّني قرأت هذا الكتاب قبل سنوات والحاج آغا حسين القمّي كان مرجعاً للتقليد وشخصية علميّة بارزة يجلس أمام الكابولي، والكابولي يعلّمه هذا البحث العلميّ. إنّ هذا يُعدّ درساً بذاته، أن يقوم المرحوم الحاج آغا حسين بالتعلّم في عمر الثمانين سنة وهو في مرتبة المرجعية. بالنسبة لأيّ عالمٍ لا يكون هذا العمل عاراً وعيباً بل افتخاراً. يجب علينا أن نعلّم طلّابنا مثل هذه الأمور. ويجب عليكم أيّها الشباب أن تتحرّكوا وفق هذا النهج، وتتقدّموا. هذا الرجل كان كابولياً أي من مدينة كابول، وقد ترعرع في الهند وجاء إلى النجف، ومن هناك جاء إلى كرمانشاه التي استضافته واحتضنته. إن المرحوم سردار الكابولي جامع الفنون وذو الفنون بقي في كرمانشاه مدة ستين سنة. والمرحوم الشهيد أشرفي الأصفهاني نفسه كان من العلماء الذين هاجروا إلى هذه المدينة. فهذه المدينة تتمتّع بهذه الخاصّية وهذا ما يدلّ على أنّ قلوب أهلها تحبّ علماء الدين. فعندما وجدوا شخصاً وتعرّفوا على خصائصه استحسنوه وفهموه وتعاملوا معه بصفاءٍ

 

 

585


478

خطاب الولي 2011

وحميمية لم يعد يشعر أنّه ليس في وطنه. حسناً، فإنّ المرحوم أشرفي كان أصفهانياً ولكنّه كان يعدّ نفسه كأنّه كرمانشاهي، لقد أصبح كرمانشاهياً. حسناً، هذه الأمور كانت في المقدّمات. وهنا أتعرّض لبعض المطالب الأخرى.

 

المسؤوليات المضاعفة لعلماء اليوم

أحدها يا أعزّائي! أيّها العلماء المحترمون! والفضلاء الأعزّاء! والطلّاب الشباب أمل المستقبل! اعلموا أنّ مسؤولية العلماء اليوم قد تضاعفت. ولو كان العلماء يحملون على عاتقهم ثقلاً لكان ثقل التفهيم والتبيين والإبلاغ ﴿ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَٰلَٰتِ ٱللَّهِ﴾[1] وإنّ هذا الثقل اليوم أصبح مضاعفاً. لماذا؟ لجهتين: أحداهما تحقّق الفرصة لتبليغ الإسلام في العالم سواءٌ في العالم الإسلاميّ أو غيره حيث سأتعرّض لهذا الأمر بشكلٍ مختصر الآن. ثانيهما بسبب هذه الفرصة والخوف من الإسلام تزداد الهجمات على الإسلام. فإنّ المسؤولية هنا تتضاعف. أحياناً توجد الفرصة والمسؤولية كبيرة. وأحياناً يكون الهجوم من قبل العدو بسبب هذه الفرصة فتصبح المسؤولية كبيرة أيضاً. اليوم أنتم في مثل هذه الوضعية ولا ينبغي أن تخافوا ﴿وَيَخۡشَوۡنَهُۥ وَلَا يَخۡشَوۡنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَۗ﴾[2]. لا تخافوا من شيء، ولا تخشوا الصعوبات أثناء الطريق. لا أن تنفوا وجود الصعوبات، كلا، فهي موجودة، ولكن لا تخافوا منها. فاحتضنوا الأعمال الصعبة. وقوموا بالأعمال التي يراها الآخرون مستحيلة. ألم يحدث هذا الأمر في إيران؟ لقد أُنجز في إيران عملٌ لو قضى جميع محلّلي العالم ساعات وأياماً وليالي وأمضوا كل أوقاتهم فإنّهم لن يصلوا إلا إلى هذه النتيجة التي مفادها أنّ حصول هذا مستحيل. ما هو الشيء الذي حصل؟ لقد كان هذا العمل، أنّ هذا البلد الذي كان تابعاً للغرب من الناحية الثقافية وواقعاً في قبضة القدرة الغربية من الناحية السياسية وألعوبة للغرب من الناحية الاقتصادية، وزعماؤه يعتبرون أنفسهم تحت طاعة أمريكا الآمرة الناهية، حيث كان جهاز محمد رضا وغيره منزعجين لأنّهم مجبورون على السمع والطاعة لكنّهم كانوا كالعبيد الذين

 

 


[1] سورة الأحزاب، الآية 39.

[2] سورة الأحزاب، الآية 39.

 

586


479

خطاب الولي 2011

ينزعجون من أسيادهم، أجل، كانوا منزعجين ولكنّ عيونهم كانت عمياء ويجب أن يطيعوا، بلد كانت ثقافته وسياسته واقتصاده ومسؤولوه وكل ما فيه تابعاً للغرب وبعيداً عن الإسلام، ثمّ فجأة انقلبت الأمور 180 درجة وجاء نظام على رأس الأمور ينظر إلى الغرب بعين سوء الظنّ وأحياناً بعين العداوة وجعل وجهته نحو الإسلام وتطبيقه، أي تشكيل نظام الجمهورية الإسلامية. كلّ محلّل كان يقول إنّ هذا العمل محال وغير ممكن، ولكنّه تحقّق، لقد حصل هذا المستحيل.

 

إنّني أقول لكم: حتى بعض مناضلينا كانوا يقولون إنّه لا يتحقّق. كان المرحوم الطالقاني يقول لي: إنّ الإمام يقول: يجب أن يذهب الشاه، حسناً، من الواضح أنّ الشاه لا يمكن أن يذهب. لم يكن ليصدّق أنّه من الممكن أن يرحل الشاه. كان المرحوم الطالقاني يقول لي إنّ كلمات هذا الرجل مدهشة. فالأشياء التي يمكن أن تتحقّق كان يقولها وتتحقّق ومنها ذهاب الشاه. هذا ما قاله لاحقاً. قال الإمام يجب أن يذهب الشاه ولم يكن أحد ليصدّق ذلك، لكنّه ذهب، ولم يكن وحده ليذهب، فقد رحلت أمريكا والغرب والاستعمار والاستكبار، لم يكن أحد ليصدّق لكنّه حصل.

 

لم يكن أحد ليصدّق أنّ أكبر ثورة في زماننا الحالي في الدول الإسلامية ستكون في مصر، مصر كامب دايفيد، مصر حسني مبارك. كان من الممكن أن يحتملوا ذلك في أماكن أخرى، ولكنّهم لم يكونوا يحتملون ذلك في مصر. لقد حدثت الثورة في مصر. وهذا الشيء الذي ينبغي أن نحتفظ به في ذاكرتنا.

 

اذهبوا إلى الأعمال التي لا يمكن أن تتحقّق، حتى تتحقّق. قرّروا حمل الأعباء الثقيلة حتى تتمكّنوا من حملها، ﴿وَلَا يَخۡشَوۡنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَۗ﴾. حسناً، ما هي متاعبها؟ آلامها؟ محروميتها؟ جواب ذلك هو ﴿وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبًا﴾. لا تنسوا الله، فحسابكم بيد الله. في الميزان الإلهي ألمكم ومحروميتكم والألم والتعب الذي تحمّلتموه والعمل الذي قمتم به ودم القلب الذي أرقتموه والمضض الذي تحمّلتموه، كلّ ذلك لا يمكن أن يُنسى ﴿وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبًا﴾.

 

 

587


480

خطاب الولي 2011

الاستعداد الداخلي والخارجي لمواجهة شياطين الإنس والجنّ

هذا هو طريقنا. هنا يتمّ توصيتنا كعلماء بالخشوع، هنا تتمّ التوصية بـ﴿يُبَلِّغُونَ رِسَٰلَٰتِ ٱللَّهِ﴾. حسناً، ﴿رِسَٰلَٰتِ ٱللَّهِ﴾ هي "رسالات أنبياء الله". والله تعالى يقول:

﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾[1]. فحال التموضع مقابل النبيّ هو هذا. ﴿عَدُوًّا شَيَٰطِينَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ﴾ فكلّ من شياطين الجن والإنس يهجمون عليه. حسناً، لو كان القرار أن أقوم أنا وأنتم بتبليغ رسالات الله فعلينا أن ننتظر شياطين الإنس والجنّ ليهجموا علينا، وعلينا أن نستعدّ لهم. فمن الناحية الروحية نوجد في داخل أنفسنا قلعة محكمة وهي قلعة الإيمان والتوكلّ لكي لا نُهزم ولا نُغلب من الداخل. فالفرار والهزيمة الخارجية تنشأ من الفرار والهزيمة الداخلية. إنّ الهزيمة الداخلية في الإنسان هي التي تؤدّي إلى هزيمته الخارجية وتفرض عليه ذلك. لو لم تُهزم في قلبك فلا يمكن أن يهزمك أحد. إنّ القلعة التي ينبغي أن توجد في قلوبكم هي قلعة الإيمان بالله والتوكّل على الله ﴿وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ﴾[2]. ﴿وَعَلَى فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُتَوَكِّلُونَ﴾[3]، ﴿وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ﴾[4]، ﴿أَلَيۡسَ بِكَافٍ عَبۡدَهُۥۖ﴾[5]. هذه هي دروسنا، فلنقرأ القرآن الكريم بتأمّلٍ ولنعتبر بهذه الدروس التي تمثّل نهجاً لحياتنا، فمثل هذا يُعدّ أحد أبعاد الاستعداد والإعداد.

 

الإعداد الآخر هو الإعداد من الخارج. فهذا الشيطان الذي يهاجم لا يفعل ذلك على نحوٍ واحدٍ. فإنّ شيطان اليوم الذي يسارع نحوكم من خلال الإنترنت والفضائيات ووسائل الاتّصال الحديثة وما فوقها لديه كلامٌ معاصر، لقد قام بتحديث كلّ من أدواته الصلبة (hardware) وبرامجه اللينة (software). فيختلق الشبهات ويحدث الخلل في العقائد ويشوّش الأذهان ويحقن اليأس في النفوس ويزرع الخلافات. الآن، يتمّ إنفاق

 


[1] سورة الأنعام، الآية 112.

[2] سورة آل عمران، الآية 122.

[3] سورة ابراهيم، الآية 12.

[4] سورة الطلاق، الآية 3.

[5] سورة الزمر، الآية 36.

 

588


481

خطاب الولي 2011

دولارات النفط في أماكن محدّدة. وأنا العبد على اطّلاع. ومثل هذه لا تُعلن أخبارها في التقارير غالباً. في بعض الدول الإسلامية يضخون الأموال مثل الرمال من أجل أن يخلقوا تجمّعات سنّية معادية للشيعة. هذا من جانبٍ، ومن جانبٍ آخر يعطون المال لخطيبٍ شيعيٍّ كما يُقال لكي يتحدّث في التلفزيون باسم الشيعة ويطعن بأمّ المؤمنين عائشة، ويقذف ويهين، هذه هي أساليبهم. فماذا تفعلون أنتم مقابل هذه الأساليب؟ ماذا يفعل السنّة؟ وماذا يفعل الشيعة؟ فلا ينبغي أن ننخدع بأعمالهم. فإنّ الخلاف بالنسبة لهم أكبر وأعظم نعمة.

 

الحوارات العلمية

إنّني أتعرّض لهذه القضية هنا وهي أنّ محافظتكم هي محافظة شيعية وسنية وغير ذلك... فليجلس علماء الشيعة والسنّة معاً ويتفاهموا ويتحاوروا. فلدينا الكثير من الأمور المشتركة. حسنٌ جداً، فليدرسّ كلٌّ منكم فقهه ويبيّنه، سواء كان فقهاً جعفرياً أم شافعياً. فليكن لكلّ عقيدته، لكن يمكنكم أن تقوموا بأعمالٍ مشتركة. فأنا لا أقول للفقيه الشافعيّ أو للمقلّد الشافعيّ إنّه عليك أن تصبح جعفرياً أو شيعياً، كلا، إذا أراد أن يُحقّق فليأتِ، إن حصل ذلك فهو جيد، وإن لم يحصل، فلا مشكلة.

 

كلّ من أراد أن يحافظ على مذهبه وعمله فليكن، وإذا أراد أن يُجري بحثاً مذهبياً فلا إشكال في ذلك فإنّني أقبل بالبحث المذهبي، فمن أراد البحث العلمي المذهبي بين العلماء وبين أصحاب الفنّ فليقم بذلك، لكن لا يكون ذلك على مرأى ومسمع الناس، بل في اللقاءات العلمية، فالكل يستدل ويطرح أدلّته، فإمّا أن يقتنع أو لا، فمثل هذا لا إشكال فيه، ولكن بالرغم من كل هذا، فهناك أمور مشتركة، وهناك همومٌ مشتركة تتطلّب علاجات مشتركة. فللعالم الشيعي نفوذٌ بين أهله، وكذلك للعالم السنّي نفوذٌ بين أهله، وعليهما الاستفادة من هذا النفوذ من أجل رفع هذه المشاكل المشتركة.

 

 

589


482

خطاب الولي 2011

مواجهة التكفير

يوجد اليوم من يستخدم سلاح التكفير ولا يستنكف أن يقول إنّني تكفيريّ. هؤلاء سمومٌ ويجب التخلّص منها وإخراجها من البيئة الإسلامية. فبعضهم يكفّر ويفسّق، فهنا كمن يتحدّث في خطبه وعلى المنابر ويتعرّض للآخرين، وهناك من يردّ عليه، إنّ هذا ما يريده العدوّ. فإنّ هذه المسؤولية المضاعفة التي ذكرتها تشمل جميع هذه الجوانب، بدءاً من المسؤولية المعنوية وتربية النفس وإيجاد الخشوع والخشية في القلب وانتهاءً إلى هذه الأشياء.

 

مسؤولية أخرى هي مسؤولية التعلّم. لقد سمعت أنّ بعض الفضلاء، أهل كرمانشاه، موجودون في قم. ولا بدّ أنّ السادة يعلمون ذلك، فليتمّ تشجيعهم على هذا الأمر، فإمّا أن يهاجروا إلى قم، وإن لم يكن ذلك بشكل تام فليأتوا في أيّامٍ خاصة، كل سنة لمدّة شهرين أو ثلاثة أو أربعة، وليحضروا بين الناس ويذهبوا إلى القرى والمدن وليعمروا المساجد. لهذا فإنّ قضية العلم قضية مهمّة.

 

قضية التبليغ

بالطبع، يوجد إلى جانب العلم قضية التبليغ التي هي قضية مهمة جداً. للتبليغ قصّة مطوّلة. فإذا أردتم أن تبلّغوا بشكل جيّد فعيّنوا مخاطبيكم مسبقاً. إذا أردتم أن تتحدّثوا مع الشباب، حسنٌ جداً، فإذا اخترتم مخاطبيكم من الشباب فعليكم أن تعلموا ما هي أسئلتهم.

 

كان هناك طالبٌ يأتي إلى دروسنا في مشهد، ومرّت فترة لم يأتِ، ولم نعد نراه في الدرس. بعد مدّة رأيته، فقلتُ له: أين كنت؟ قال لي: كنت في المكان الفلاني في إحدى المدن البعيدة في محافظة خراسان وكنت أُبلّغ. قلت له: حسناً، وماذا حصل في النهاية؟ قال: لقد وصلت إلى نتيجة وهي أنّني لم أتعلّم شيئاً للناس. قال: إنّ كلّ ما تعلّمته لا ينفع الناس. حسناً، مثل هذا يُعدّ جهلاً بالمخاطبين، فيجب معرفة المخاطب إذا كان قروياً، مدنياً، مثقفاً.

 

في يومنا هذا كم لدينا من الشباب المتعلّمين؟ ففي كرمانشاه هذه، إنّ عدد

 

590


483

خطاب الولي 2011

المتعلّمين كثيرٌ جداً. ومثل هذا لم يكن هكذا في السابق. قبل الثورة، لعلّه لم يكن في محافظة كرمانشاه كلّها أكثر من 300 من خرّيجي الجامعات، والآن، أصبح العدد عشرة أضعاف، بل لعلّه عشرات الأضعاف. هؤلاء الشباب عرضة للدعايات والمقولات المختلفة التي تطرح أمامهم أسئلة فتعرّفوا إلى أسئلتهم وأعدّوا لها الأجوبة، ثمّ بعدها اذهبوا وكونوا في محلّ للإجابة، واختاروا مخاطبكم، وتعرّفوا عليه، واعرضوا إليه من المطالب ما يتناسب مع فكره وحاجته من الكتاب والسنّة وكلمات العظماء. لقد قال جناب السيد ممدوحي -وحقّا قال- فليأتِ من يختار من نفس كتب المرحوم مطهري وكتاب الميزان الشريف ما يتناسب مع حاجات وأسئلة الشباب، حسناً، إنّ مثل هذا العمل يجب أن يجري في قم. فأنتم في قم، وخطابنا يتوجّه إلى قم دائماً. يجب على قم أن تقوم بمثل هذه الأعمال، قوموا بذلك فمثل هذه الأعمال ضروري.

 

الاهتمام بالتزكية

وبمقدار التعليم ولعلّه أكثر اهتمّوا بالتربية، فلعلّه لم يرد في القرآن، قوله ﴿يُعَلِّمُهُمُ﴾ قبل يزكّيهم سوى في موردٍ واحد والبقية كلّها جاء فيها ﴿يُزَكِّيهِمۡ﴾ قبل "التعليم"، ﴿وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ﴾[1] ولعلّ هذا يدلّ على أنّ للتزكية مقاماً أعلى. فزكّوا مخاطبيكم وربّوهم. وهذه التربية التي ذكرتها، "من نصّب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره"، عملية صعبة. فيجب القيام بهذا العمل الصعب. فانفذوا إلى الطبقات العميقة لذهن المخاطب. ولا تكتفوا بتحريك مشاعره وجذب عاطفته، كلا، فاسعوا إلى التأثير في عمق كيانه وذهنيته حتى لا تزول تلك الآثار مع الأحداث المختلفة.

 

الوظائف الاجتماعية

على العلماء وظائف اجتماعية. فيجب عليهم الدخول في القضايا الاجتماعية، إلا أنّ القضية الأساس هي أنّ دخول العالم في القضايا الاجتماعية يجب أن يكون متلازماً مع علمائيته (روحانيته) وأن لا يكون مصطنعاً لأنه لو كان كذلك لخلا من الفائدة.

 

 


[1] سورة الجمعة، الآية 2.

 

591


484

خطاب الولي 2011

فخصوصية العالم هي أن يظهر جوانب القضية من خلال الأخلاق والنصيحة وبيان الطريق ويحثّ عليها ويقنع بها ويحمل على العمل وفقها. فلو كان الأمر مصطنعاً سيخلو من الفائدة، فالعالم يجب أن يعمل انطلاقاً من مقام العلمائية. بالطبع، لو صار أحدكم رئيساً للجمهورية فسوف يكون له في هذا المقام مسؤولية أخرى، وهكذا في مجال القضاء، لكن من حيث الجهة العلمائية فإنّ المسؤولية تفرض الحديث مع الناس بلسان العالِم ولسان الأنبياء فلا ينبغي أن يكون من خلال الفرض والروحية السياسية.

 

الحثّ على الصلاة

إنّ الصلاة هي كل شيء. إن الشخص الذي قطعت ارتباطاته لو تمكّن من حفظ رابطة الصلاة، إنّ هذا سينجيه. فالصلاة مهمّة جداً. فحثّوا مخاطبيكم على الصلاة، وسهّلوا عليهم سبل المشاركة في صلوات الجماعة. إنّ مؤتمر الصلاة الذي يُعقد كل سنة، لا أعلم إذا أقيم حتى الآن في كرمانشاه أم لا، فأقيموه هنا، فإنّه يضفي على الصلاة رونقاً وجلوة.

 

فليبتعد المبلّغون من الشيعة والسنّة عن الإساءة إلى بعضهم بعضاً. كونوا معاً وتحابّوا. وفي الموارد الخاصّة فليقم كلٌّ بعمله.

 

ولكن توجد موارد مشتركة تفرض علينا التعاون. فلو حصل هذا إن شاء الله، فإنّ سلك العلماء سيتقدّم.

 

عوامل الإقبال نحو الإسلام في العصر الحاضر

1. انتصار الثورة الإسلامية

أقول لكم إنّ الثورة الإسلامية حيث انتصرت فإنّ الإسلام أضفى على العالم رونقاً جديداً. الكثيرون في العالم بدأوا يفكّرون حول ماهية هذا الشيء؟ فما هو هذا المحرّك القدير الذي استطاع أن يوجد هذه الواقعة العظيمة التي هزّت الغرب؟ إنّ انتصار الثورة الإسلامية وعظمة الإمام قد هزّت الغرب وزلزلت نظام التسلّط. الكثيرون بدأوا يفكّرون بالاتّجاه نحو البحث عن هذا الأمر. فرجعوا إلى القرآن وأدركوا حقائق من الإسلام وانجذبوا إلى الإسلام، ومالوا إليه. في تلك البرهة، فُتح فصلٌ جديد وتحققت هجمة وإقبال جديد نحو الإسلام استمرّا بعد ذلك.

 

592


485

خطاب الولي 2011

2. سقوط النظام الماركسي

الموجة الثانية كانت عندما سقط النظام الماركسي. حتى الدول الإسلامية كان فيها الكثير من الشباب والناس المخلصين الذين انعقدت آمالهم على النظام الماركسي، كانوا يظنون أنهم بتشكيل حكومة اشتراكية سيتمكّنون من القضاء على الفقر والظلم وغيرهما من الأمور في بلادهم، وبعضهم كان صادقاً بحقّ. لقد شاهدت أنا العبد بعض هؤلاء سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين، كانوا صادقين ولم يكونوا يعتقدون بالإسلام أبداً، تحوّلوا إلى ماركسيين لأنهم تصوّروا أنّه في الماركسية أملٌ للشعوب، وبعد انكسار الماركسية رأى هؤلاء أنّ الأمر لا فائدة فيه، لهذا جاؤوا إلى الإسلام.

 

كل هذه الجماعات الشبابية التي شاهدتموها في مصر وتونس وليبيا واليمن وأماكن أخرى، كانت تطلق شعار الإسلام. هؤلاء في الستينات والسبعينات الميلادية أي قبل حوالي 40 سنة كانوا جميعاً يطلقون الشعارات اليسارية والشعارات الشيوعية، ولو كان أحدهم يذكر شيئاً عن الإسلام فقد كانت الماركسية في طيات كلماته.

 

حتى في بلدنا كانت هناك موارد من هذا القبيل، ولا أريد أن أذكر الأسماء. كان هناك من يتحدّث عن الإسلام، ولكن في طيّات الكلام الإسلامي كان في الواقع الفكر الماركسي الذي يُبلّغ ويُنشر. حسناً، لمثل هذه الأشياء تأثيرها في بعض الأماكن. وبعد انكسار الماركسية يئست جميع هذه الجماعات من الماركسية ورجعت إلى الإسلام، نظرت إلى الإسلام وإلى القرآن الكريم وإلى الأحكام الإسلامية والجمهورية الإسلامية فرأت عجباً، كيف أنّ نظاماً قد أقيم على الأسس الإسلامية ولديه كل هذه الشعارات المعاصرة والراقية وكل القوى الظالمة والممتصة لدماء الشعوب تقف بمقابله وهو يقف كالطود الشامخ ولم يتزلزل، فاندهشوا وقالوا عجباً، فلنأتِ وننظر ما هو هذا الشيء. فما كانوا يريدونه ويبحثون عنه في الماركسية ولم يقدروا على الوصول إليه وقد أُلحقت به الهزيمة بالكامل فيما بعد ها هم يشاهدونه في الإسلام.

 

نُقل لي أنّ أحد القادة الفلسطينيين الذي كان يسارياً وأنتم تعرفونه، اسمه مشهور وأنا لا أريد أن أذكر الآن أسماء الأشخاص إنّه في بداية الثورة وقبل سقوط الماركسية

 

 

593


486

خطاب الولي 2011

كان يقف على المنبر في سوريا أو لبنان في أحد المؤتمرات الكبرى وقال معلناً أنا صرت مسلماً. فقد كان بالنسبة للحضور أمراً ملفتاً، هذا الرجل المعروف قائد إحدى الفصائل الفلسطينية اليسارية المهمة يتحدّث بهذه الطريقة. بعد أن نزل عن المنبر قام أحد العلماء الحاضرين في المؤتمر وكان من أهل السنّة -حسناً هناك كانوا سنّة- ارتقى المنبر وقال: نحن مسرورون جداً من أنّ هذا السيد بموقعيته وشخصيته السياسية النضالية قد آمن بالإسلام أخيراً وجاء إلينا. فيردّ عليه من مقعده قائلاً: أيّها الشيخ لا تخطئ إنّ الإسلام الذي لديّ ليس إسلامكم إنّه إسلام الخميني، وهذا كان مقطعاً يعبّر عن الإقبال على الإسلام.

 

3. اليأس من الرأسمالية

والآن، يوجد مقطعٌ آخر، وهو اليأس من ليبرالية الغرب الديمقراطية والاقتصاد الرأسمالي، فانظروا ماذا يحدث هنا. هؤلاء يريدون أن يقلّلوا من حجم القضية في الإعلام. في الواقع، القضية لا تصغر بهذه الطريقة. في المركز المالي لأمريكا وفي العاصمة الاقتصادية لهذه الدولة أي نيويورك، وأيضاً في نفس شارع وول ستريت، الذي هو المركز الأساس للرأسمالية العالمية يجتمع آلاف الأشخاص ويقولون إننا لا نريد الرأسمالية، فهؤلاء ليسوا من المهاجرين وليسوا من السود وليسوا من الطبقات الدنيا في المجتمع، فمن بينهم يوجد أساتذة جامعات وسياسيون وقد التحقت بهم جماعات جامعية، يقولون نحن لا نريد النظام الرأسمالي. حسناً، هذا هو كلامنا، لقد قلنا منذ البداية "لا شرقية ولا غربية" أي لا للرأسمالية ولا للاشتراكية، تلك كانت الاشتراكية التي ذهبت إلى جهنّم والأخرى نراها تنزلق شيئاً فشيئاً. بعد هذه الحادثة، سيزداد الإقبال على الإسلام، فلهذا موجة أخرى هي الموجة الثالثة.

 

يجب أن تستعدوا

يجب أن تستعدّوا. يجب أن يكون علماء الإسلام مستعدّين. فلنتخلّص من الكلام الواهي ولنطرح المعارف المنطقية والقوية ذات الجذور الإسلامية المأخوذة من الكتاب والسنّة ومن كلمات الأئمة المعصومين عليهم السلام، ووفق المباني العقلية المحكمة المتناسبة

 

 

594


487

خطاب الولي 2011

مع حاجات البشر والمجتمع الإنساني، وسوف ترون كيف سيزداد الإقبال على الإسلام.

 

حسناً، لقد تحدّثنا كثيراً، وكان اللقاء بالنسبة لي كما ذكرت لقاءً محظوظاً، لكن حسناً يجب رعاية الوقت.

 

اللهمّ اجعلنا من علماء الدين كما تحب وترضى.

 

اللهمّ وفّق هؤلاء الطلاب الشباب الأعزّاء، غرسات بستان علم الدين، أينما كانوا في كرمانشاه أو غير كرمانشاه ليكونوا من العلماء العاملين.

 

أنزل فضلك ورحمتك وهدايتك علينا جميعاً. وأرضِ عنّا القلب المقدّس لوليّ العصر أرواحنا فداه.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

595


488

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء عوائل شهداء ومضحّي كرمانشاه

 

 

المناسبة:   لقاء عوائل شهداء ومضحّي كرمانشاه

الحضور:  عوائل شهداء كرمانشاه

المكان:   كرمانشاه

 

الزمان:    21/٠٧/1390هـ.ش.

15/11/1432هـ.ق.

13/10/2011م.

 

 

597


489

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

أشكر الله تعالى حيث وفقني اليوم للمشاركة في هذا المجلس ذي العظمة المعنوية. إن أحد أهم وأعظم اللقاءات بالنسبة لي، في زياراتي للمحافظات المختلفة، هو اللقاء مع العوائل الكريمة للشهداء والمضحين والجرحى.

 

والسبب هو أن هناك عظمة كامنة في مسألة الإيثار بحيث لا يمكن لأي مجتمع بدون امتلاكه لأمر مهم ومصيري كهذا، أن يصل إلى العزة والعظمة. نحن نشاهد، عادة، جوانب محدودة في قضية الشهادة والشهداء ومجاهدة المضحين والجرحى، والواقع أن لهذا العمل نفسه وحركة الإيثار في المجتمع وما يتبعها من شهادة أو جراح، معاني متعددة وجهات عديدة، تستحق كل منها البحث والمطالعة. إحدى هذه الجهات هي معرفة الفرصة وتلبية الحاجة الراهنة.

 

أهمية معرفة الوضع الراهن وتحديد الفرصة المناسبة

فمن الممكن أن يكون لدى بعض الأشخاص إحساس بالمسؤولية، ولكن عند الحاجة، لا يحددون المسؤولية ولا يقومون بالعمل (المطلوب)، وهذا يختلف كثيراً عن تلك الحركة وذلك الإقدام الذي ينجز بدقة وفي وقت الحاجة. الشباب الشجاع والغيور والمؤمن والفدائي والذي أحس بحاجة البلاد، تحرك مسرعاً نحو الخطر. هذا الشباب، لديه هذه الميزة البارزة حيث عرف الحاجة في الوقت المناسب وقام بتلبيتها. هذا بعد مهم جداً، إنه درس لنا.

 

لقد أشرت بالأمس إلى أن الشباب الكرمانشاهي، أحس بالحاجة للتحرك بعد شهر من انتصار الثورة. لقد قام الشهيد السيد محمد سعيد جعفري -الشهيد الرائد والمقدام- مع جمع من رفاقه، للدفاع عن ثكنة لواء سنندج. لقد أدركوا ما معنى هذا الدفاع، ما معنى أن يسيطر أعداء الثورة على ثكنة عسكرية.

 

599


490

خطاب الولي 2011

هذا الفهم السريع، وفي الوقت المناسب، العمل وتلبية الحاجة في وقتها، هو تلك النقطة البارزة التي لا ينبغي الغفلة عنها.

 

شهداؤنا الأعزاء في أنحاء البلاد لديهم هذه الميزات. لقد ذكر الأصدقاء والإخوة أسماء المدن، نقلوا ذكريات عن مناطق المقاومة في هذه المحافظة. بالطبع لقد جاء المقاومون من كافة أنحاء البلاد، شهداء عظماء ومعروفون، امتزجت دماؤهم بتراب هذه الأرض. جاؤوا من مناطق أخرى، لكن دور أهل هذه المحافظة، دور الشباب المؤمن، دور ذلك الإحساس العظيم والعزيز والنادر الذي كان لدى هذا الشباب - ذكاؤه ومعرفته للوضع الراهن والفرصة السانحة - لا ينبغي الغفلة عنه، وهذا هو الأمر الذي لا ينبغي الغفلة عنه أبداً.

 

تتلقى البلدان والمجتمعات ضربات جراء عدم معرفتها للوضع الراهن والفرصة المناسبة. عندما ينصب العدو كميناً ونحن لا نعلم هذا، أو أننا علمنا بكمينه ولكن لم نعالج الوضع بسرعة وفي الوقت المناسب، حينها نتلقى الضربة. لقد قال هذا الأخ العزيز هنا جملة جيدة. قال إنّ العوائل كانت تقول إننا لو لم نقم نحن بإرسال هذا المقاتل من بيوتنا، لوصل العدو في اليوم التالي إلى أبواب بيوتنا. يجب أن نحارب، هذه نقطة مهمة جداً. وهي النقطة التي عناها أمير المؤمنين عليه السلام في قوله: "ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا"[1]. ينبغي رؤية العدو من بعيد، ينبغي معرفة العدو من بعيد، هذه هي الغفلة التي أصابت يومها من كان يجب أن يرى ولم يرَ. كانت تصل الأخبار مراراً إلى طهران بأن هناك تحضيرات عسكرية من قبل العدو في منطقة كرمانشاه، ومنطقة إيلام - غالباً في هذه المناطق - حين كان يقال هذا الأمر، كان بعض السياسيين الذين كانوا مسؤولين حينها، كانوا ينكرون هذا الأمر، وكانوا يقولون لا، لا يوجد شيء من هذا القبيل. إلى أن تعرضت طهران للقصف.

 

 في الواقع لم تبدأ الحرب في يوم 22 أيلول 1981م. في ذلك اليوم تعرضت طهران للقصف، لكن الحرب كانت قد بدأت قبل ذلك. لو كان المسؤولون الذين كانوا

 

 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص69.

 

600


491

خطاب الولي 2011

يمسكون بزمام الأمور في تلك الأيام، أولئك الأشخاص الذين أثبتوا لاحقاً أنهم ليس لديهم الجدارة لإدارة البلاد أيضاً. لو كانوا يدركون، يميزون الواقع فيرفعون من مستوى استعداداتهم، لما حدث ما حدث في خرمشهر ولا في قصر شيرين ولا في بعض المناطق الحدودية الأخرى.

 

لقد أدت تلك الغفلة الأولى إلى ما جرى في هذه المنطقة، وفي منطقة خوزستان، وقد شاهدته عن قرب لمدة وجيزة، تلك الأجواء الحزينة المؤثرة والتي رأيت بعض مشاهدها عن قرب ولا يمكنني أن أنساها. عندما تكون المبادرة بيد الناس، عندما يفسح المجال للطاقات الشعبية وعندما يحضر الناس إلى الساحة، لا تحدث مثل هذه الغفلة. هذا الأمر الذي لم يكونوا يسمحون به في تلك الأيام. في هذه المناطق، هنا وهناك كانت مجموعات شعبية تلتقي مع بعضها، وبعناء شديد تتمكن من الحصول على قطع السلاح، وتقوم بالدفاع. أولئك المسؤولون، كانوا منزعجين، كانوا يعاتبون ويشتكون في الاجتماعات الرسمية من أنه لماذا قام فلان في المكان الفلاني بجمع الأسلحة. أولئك المسؤولون لم يستطيعوا أن يتحملوا. هذا درس لنا.

 

الاستعداد للتحديات

لقد قلت بالأمس، إن نظاماً كنظام الجمهورية الإسلامية، لديه هكذا مُثُل، وهكذا أهداف، وهكذا رسالة كبرى، عدو للظلم، عدو للاستكبار، عدو للتسلط والغرور وللقوى العالمية، سيواجه تحديات كبيرة، بألوان مختلفة وأشكال متعددة، لذا علينا الاستعداد. هذا الاستعداد، يعتمد قبل كل شيء على إيمان الناس. ذلك الحصن الحصين، ذلك الحارس الأعظم في الدفاع عن هوية شعب وعزة شعب ونجاة شعب من كيد الأعداء هو ووعي الناس. هذا ما جربناه نحن في الحرب. كذلك اليوم وفي كل مجال، في كل مجموعة عمل يلتفت المسؤولون بوعي ويعطون دوراً للناس، فإن هذا هو ما سيحدث.

 

الجمهورية الإسلامية، حاكمية الشعب، الحاكمية الإسلامية للشعب. ينبغي لحاكمية الشعب أن يكون لها معنى خاص، لها معنى حقيقي وليس مجاملة. لقد قدّم

 

 

601


492

خطاب الولي 2011

الشهداء والجرحى والأسرى والأحرار وعوائلهم أفضل امتحان واختبار في هذا الطريق. هذا الصبر العظيم الذي تحلت به عوائل الشهداء، له قيمة كبيرة. لو أظهرت العوائل تململاً، أو تقاعساً، أو عدم بصيرة، لبردت أجواء الجهاد، ولما استمر التوهج والشوق للفداء والإيثار في القلوب.

 

لقد أبدت العوائل صبراً. مرت سنوات متمادية، على زمان الدفاع المقدس، لكن باب الشهادة لم يُغلق. ولا زلنا نشاهد عوائل تُثكل بأعزاء يفتح لهم وادي الشهادة بابه في مواقع متعددة، إنّهم يحلقون بأجنحتهم ويرحلون.

 

إذا تميز شعب ما بهذه البصيرة وبهذا الصبر، فلا شك بأن هذا الشعب سيرتقي إلى أعلى القمم.

 

نحن لم نتردد أبداً، في تحديد أهدافنا، وتعيين سبل الوصول إلى هذه الأهداف. لم نشكّ في طريقنا، نشكر الله، لم يترك الله تعالى قلوبنا قط خالية من نور الأمل. وعلى أرض الواقع رأينا أن هذه الآمال لم تكن آمالاً واهية، كانت آمالاً صحيحة.

 

في يوم ما عندما كان بعض الأشخاص ينظر إلى الساحة، في الظاهر لم يكن هناك أي مصدر للأمل، لكن أهلنا ذوو البصيرة وعلى رأسهم الإمام العظيم كانوا يهبوننا الأمل والبشرى.

 

كنا نطيع تعبداً أحياناً، ولكننا لم نكن قادرين على التحليل، كنا نقبل تعبداً، ثم كنا نرى لاحقاً صحة ما يحدث. كنا نرى لاحقاً أن هذا الأمل الإلهي قد تمّ، وأن تلك البشرى الإلهية قد تحققت. واليوم عندما ننظر إلى تجربة الاثنين وثلاثين عاماً للثورة، نرى النجاحات المتتابعة للثورة الإسلامية.

 

روح الإيثار

في اللقاءات مع العوائل العظيمة للشهداء والجرحى الأعزاء والمضحين، فإن الأمر المهم بالدرجة الأولى بالنسبة لهذا الحقير، بعد التجليل والاحترام وتقديم أعلى درجات الشكر والامتنان للعوائل العزيزة،هو أن ينتبه جمع شعبنا العزيز إلى أن روح الإيثار هي المنجية لأي بلد، المنجية لأي شعب.

 

 

602


493

خطاب الولي 2011

إنّ سبيل النجاة هي في روح التضحية، روح الفداء، معرفة زمن القيام بالواجب، إنجاز العمل في الوقت المناسب، والموقع السليم.

 

لحسن الحظ، فإننا اليوم نشاهد آثار التقدم والنجاح في بلدنا. نحن نرى كيف أننا نتقدم إلى الأمام. بالطبع فإنّ بذل الجهد ضروري، العمل ضروري. تتقدم الأعمال نحو مزيد من الدقة والتعقيد. إن وعي شعبنا اليوم هو أكثر بأضعاف من السنوات الماضية. وبحمد الله فإن الناس المؤمنين والملتزمين والمعتقدين بالمثل العليا هم أكثر في مجتمعنا. هكذا هو الأمر أيضاً في هذه المحافظة العزيزة. كل ما رأيناه وسمعناه في هذه المحافظة العزيزة كان عبارة عن النبل والفتوة والشجاعة -وكما ذكرت بالأمس- وخصال الأبطال الحميدة عند الرجال والنساء.

 

قد ذكروا أن سيدة في "جيلان الغربية" قد أسرت أحد الأعداء، امرأة، سيدة مؤمنة وشجاعة. مؤشرات الشجاعة في هذه المحافظة كثيرة إلى درجة لا يستطيع الإنسان أن يحصيها. منذ البدايات وعندما تشكّل العمل هنا، ضمّت القوات الشعبية والحرس جنباً إلى جنب مع قوات الجيش المقاتلة.

 

قادة شجعان جديرون، كانوا هنا. قائد القوة الجوية، والذي كان الشهيد شيرودي وآخرون -يستفيدون من إمكاناته ودعمه ويقومون برحلات طيرانهم المدهشة- سواء في فيلق 81، أم في الأقسام المختلفة، حيث التقيت عن قرب ببعض مقاتلينا الشجعان والمؤمنين في ثكنة أبو ذر هذه التي أشار إليها أحد الإخوة. لقد كانوا يعملون بإخلاص وتضحية بشكل جعلوا أجواء هذه المنطقة مفعمة بآثار الإخلاص والفداء والبطولة والتضحية والإيثار. وهذا من مفاخر محافظتكم، وهذا ما سيبقى لكم. لقد صرتم علامة على جبين الدفاع المقدس.

 

الكثير من مفاخر الدفاع المقدس، متعلقة بهذه المحافظة. لقد دعمتم، لقد ضحيتم. إن شاء الله سيهبكم الأجر والجزاء المعنوي، كما أجره الدنيوي، والذي هو عزة البلاد، لكم وللشعب الإيراني.

 

هذه الزيارة بالنسبة لنا هي زيارة جميلة ومؤثرة جداً. بسبب اللقاء مع الناس الأعزاء ورؤية وجوههم المسرورة والمبتسمة. حيث إنّ الإنسان كان يلاحظ بالأمس في

 

 

 

603


494

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء أفراد التعبئة في محافظة كرمانشاه

 

 

         

         

المناسبة:   لقاء أفراد التعبئة

الحضور:  جمع من أفراد التعبئة

المكان:   كرمانشاه

 

الزمان:    ٢٢/٠٧/1390هـ.ش.

16/11/1432هـ.ق.

14/10/2011م.

         

 

605


495

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين لا سيّما بقية الله في الأرضين.

 

مع أنني ومنذ زمن، أعرف منطقة كرمانشاه وأهالي كرمانشاه، عن بُعد وكذلك عن قُرب، لكن في هذين اليومين أو الثلاثة التي وفقني الله أن ألتقي بكم أيها الأهل الكرام في الفئات المختلفة واطلعت وشاهدت الاستقبال والمعاملة، فقد ازدادت محبتي لكرمانشاه ولأهلها. نشكر الله تعالى الذي شمل بتوفيقه وهدايته هؤلاء الناس الطاهرين والمؤمنين الصادقين وذوي المروءة والفتوة وبحمد الله فقد حاز جيل الشباب والناشئين في هذه المنطقة وهذه المحافظة على الميزات الإيجابية والبارزة والممتازة والتي أورثها لهم أهاليهم من أخلاقهم الاجتماعية، والأهمّ هو حياة وحيوية الفكر الثوري والتيار الثوري والروح الثورية ومنطق الثورة وكلام الثورة في هذه المحافظة.

 

ضرورة السلامة البدنية

لقد كانت برامج اليوم برامج جيدة أيضاً. نشكر المنظِّمين المحترمين كل هذا اللقاء، فقد كانت أناشيدهم الجماعية جيدة وكذلك رياضتهم التراثية. إننا نطلب بجدية من الشباب، الذين يهوون الرياضة، وعندهم استعداد رياضي، أن يأخذوا هذا الإحساس بالقدرة عندهم على محمل الجد. فإلى جانب التقدّم المعنوي والفكري والأمور التي أهدتنا إياها الثورة -والتي سأذكرها بشكل إجمالي- فليؤمّن جيلنا الحالي استعداده البدني. إنّ السلامة البدنية والقدرة الجسدية بالنسبة لمن هو من أهل المعنى وأهل المعنويات ومن أهل الفكر وأهل الأهداف السامية، أمر ضروري ومفيد جداً ومساعد لعملهم.

 

اليوم في هذا اللقاء، سيكون البحث حول الحرس والتعبئة. ينبغي التوجه للحرس

 

 

607


496

خطاب الولي 2011

كمؤسسة، كغصن شامخ متفرع من جذع هذه الثورة وهذا النظام، وللتعبئة أيضاً كحادثة بديعة ولا نظير لها في مجموع مجريات الثورة.

 

من مستلزمات النهضة والحركة الجديدة

1. وضع المصطلحات الجديدة

من الأمور الضرورية في كل حركة عامة وفي كل نهضة، أن يتم "وضع اصطلاحات" وكذلك بناء مؤسسات على أساس الأفكار والأسس الأصيلة لهذه النهضة الإسلامية وهذا التيار. عندما يطرح فكر جديد -كفكر الحكومة الإسلامية والنظام الإسلامي والنهضة الإسلامية- فإنّ هناك مفاهيم جديدة تظهر في المجتمع، لذلك فإنّ على هذه الحركة وهذه النهضة امتلاك الإصطلاحات المتناسبة معها، إذا جرت استعارة الإصطلاحات الأجنبية فإنّ الجو سيتلبد ويرتبك، وستبقى المفاهيم المطلوبة غائبة.

 

نحن نقبل بحاكمية الشعب (الديموقراطية) وكذلك نقبل بالحرية، ولكننا لا نقبل بالليبرالية الديموقراطية، مع أنّ المعنى اللغوي لـ "الليبرالية الديموقراطية" هو الحرية وحاكمية الشعب هذه، لكن اصطلاح الليبرالية الديمقراطية في معناه الرائج عند شعوب العالم وفي تلقي الجميع، يترافق مع مجموعة مفاهيم ونحن لا نُقرّها، فلا نرغب بوضع ذلك الاسم على المفهوم النقي والصحيح والخالص الذي نملكه، لذلك فإننا نضع إسماً جديداً على نظامنا المنشود، نقول حاكمية الشعب الدينية أو الجمهورية الإسلامية، أي إننا نختار اسماً جديداً. أو بما يتعلق بالتوزيع الصحيح للثروة والاستفادة الجماعية من الأموال العامة، والتي هي من الأهداف الأصلية السامية للإسلام، فإنّنا لا نستخدم اصطلاح الاشتراكية "سوسياليسم" مع أنّ الاشتراكية لغوياً تعني ذلك المفهوم، لكنها ترافقت مع مفاهيم أخرى لا نرتضيها، وتمتزج مع وقائع لا نقبلها في التاريخ والمجتمع. لذلك وبدلاً من الاصطلاحات التي كانت معروفة بين الماركسيين واليساريين وغيرهم، طرحنا اصطلاح "الاستكبار" و"الاستضعاف" و"الشعبية". نحن وضعناها، أي إنّ الثورة وضعتها، ولم يكن لأشخاص معنيين في هذا المجال، تأثير حتمي وقاطع.

 

608


497

خطاب الولي 2011

2. بناء المؤسسات

كذلك في "بناء المؤسسات"، عندما تقوم ثورة ما وحركة ما، ينبغي إيجاد الأجهزة الخاصة التي تُنفذ مطالبها، تلك الأهداف التي تسعى هذه المجموعة لتحقيقها. من الأعمال إيجاد تحوّل في الأجهزة الموجودة في المجتمع، والعمل الآخر هو إيجاد الأجهزة المتناسبة مع أهداف هذه الحركة، وكلا الأمرين صعب، كلاهما من الأعمال الشاقة، وقد قامت الثورة الإسلامية بهذين الأمرين. على سبيل المثال وفي المجال العسكري، فقد تحول الجيش، الذي كان قد تأسس وأُعدّ على ثقافة أخرى وعقيدة مختلفة وبيد أشخاص آخرين، إلى جيش ثوري وجيش مؤمن ملتزم، تغيرت بناه وأساليبه أيضاً، وكذلك تغيرت شعاراته، هناك تحول فيه. وإلى جانبه، نمت مؤسسة جديدة ومن الثورة نفسها، وهي "حرس الثورة الإسلامية"، حيث إنّه إن لم يتمّ الأمر الثاني (إيجاد الحرس الثوري) لما أمكن تحقق الأمر الأول (تحول الجيش). هذه فنون الثورة والتي كان الإمام العظيم مظهر تحقيق هذه الفنون والفهم الدقيق لحاجة المجتمع ومتطلبات المستقبل، وقد أنجز هذه الأعمال بكل اقتدار وحزم ومثابرة.

 

التعبئة وجيش العشرين مليون

كانت حركة التعبئة العظيمة هذه -وهي الخطوة التي قام الإمام بتنظيمها حيث أنشأ التعبئة وطرح فكرة جيش العشرين مليون- واحدة من الأعمال الإعجازية للثورة والتي قام بها الإمام.

 

لقد قلتُ في ذلك اليوم، عندما ينشأ نظام وبلد وشعب يحمل هذه الأهداف السامية والتي تبدو في الظاهر صعبة المنال -مواجهة الظلم العالمي، مواجهة سلطة القوى العالمية، مواجهة نظام السلطة، مكافحة كل من الاستضعاف والاستكبار- فلا شك أنّ هناك أعداءً متجبّرين وكباراً وقوى كبرى ستنزل إلى الساحة لمواجهة هذا النظام، لذلك فإنّ عليه أن يعدّ نفسه بالشكل اللازم. وقد كانت مسألة التعبئة واحدة من أركان هذا الاستعداد. وقد قال الإمام ما مضمونه: عندما يوجد عشرون مليون إنسان مستعدون لحمل السلاح والقتال في مجتمع ما، فلن تستطيع أي قوة في العالم

 

 

609


498

خطاب الولي 2011

أن تنظر له بعين الطمع، لأنّها تعرف أنّ أي تعرض لهذا المجتمع سيكلّفها الكثير من الخسائر. طرح الإمام فكرة "جيش العشرين مليوناً"، عشرون مليون في الوقت الذي كان عدد السكان أربعين مليوناً تقريباً، ثم طرحنا نحن فكرة "جيش عشرات الملايين" وحقيقة الأمر هي كذلك. بالطبع لا يعني هذا أن يصبح الجميع عسكريين في المجتمع، ويحملون البنادق بأيديهم، بل المقصود أن يستعد الجميع للدفاع والمواجهة. فالمجتمع الذي يكون جميع أفراده مستعدين للمواجهة لا يمكن لأحد أن يهزمه أبداً، فكل مؤامرة تجري على هكذا شعب، لن تحصد سوى الخيبة والفشل. لقد ابتكر الإمام هكذا فكرة. فقد أعلن تأسيس التعبئة في شهر كانون الأول 1980. وقد أولى الإمام التعبئة عناية خاصة ونظرة اهتمام حتى آخر عمره. "التعبئة مدرسة العشق"، "مذهب الشهود والشهداء المجهولين"، "التعبئة هي جيش الله المخلص"، هذه كلمات الإمام العظيم. هذه علامة المعرفة الصحيحة لحاجة هذا البلد وهذا الشعب وهذا النظام في الحاضر والمستقبل. هذا أمر مطلوب بشكل دائم، وستبقى هذه الحاجة موجودة حتى بعد خمسين عاماً من الآن.

 

وبالطبع فإنّ التعبئة التي تأسست في العام 1980 كانت تلبّي حاجات تلك الفترة الزمنية. كانت هذه هي الحاجة. واليوم فإنّ التعبئة تلبّي نوعاً آخر من الحاجات. المسائل المطروحة اليوم لم تكن مطروحة حينها. إنّ التعبئة رائدة حالياً في مجالات العلم والابتكار والابداع. وقد كان هذا فن الإمام أيضاً. لقد طلب الإمام في ذلك البيان الذي كتبه في شهر كانون الأول 1988- أي في أواخر عمره، حوالي عشر سنوات بعد البيان الأول- من طلاب الجامعات وطلاب الحوزة العلمية، أن يؤسّسوا تعبئة، تعبئة الجامعيين وتعبئة العلوم الدينية. وهذا يشير إلى أنّ الحاجات التي يلزم أن تشملها روح التعبئة، تتعلق بجميع المجالات، ومن جملتها المجالات ذات النطاق الحوزوي والجامعي. واليوم فإنّ الحوزة العلمية تشهد وجود فضلاء تعبويين وعلماء كبار تعبويين، من الذين يفتخرون بكونهم تعبويين. لقد كان الإمام يفتخر أيضاً. كان يقول الإمام -وبعظمته تلك- إنّ افتخاري هو أنني تعبوي. والأمر كذلك في الجامعة، حيث يعتبر وجود تعبئة الطلاب وتعبئة الأساتذة ظاهرة رائدة ومتقدّمة. إنّ لدينا

 

 

610


499

خطاب الولي 2011

اليوم مسائل في جميع المجالات، لم تكن عندنا في تلك الأيام، حيث لم يكن هذا التطوّر العلمي. في أوائل الثورة، كان همّ وغمّ النظام والتعبئة والحرس وجميع مسؤولي البلاد والثورة المحافظة على هذا المولود الجديد، هذه النبتة التي خرجت حديثاً من تراب هذه البلاد، وعدم السماح باقتلاعها وإتلافها. هنا في غرب البلاد وفي المنطقة الجنوبية الشرقية، وكذا في الشمال الشرقي وفي الجنوب الغربي للبلاد وفي مناطق متعددة، قام المستكبرون وأعداء الثورة والإسلام وإيران بافتعال الحوادث والمشاكل. في تلكم الأيام، نزل الشباب المؤمن والمحب إلى الميدان بعنفوان الروح التعبوية وضحّى بنفسه في هذا السبيل، حيث أشرت إلى بعض النماذج من كرمانشاه، بالأمس في اللقاء مع عوائل الشهداء، وكذلك في خطاب أمس الأول. بعد شهر واحد من انتصار الثورة، كنا نشهد هذه الحركات الشعبية العفوية، هؤلاء الشباب كانوا ينطلقون من هنا من كرمانشاه. وهذه هي التعبئة. التعبئة حركة منبعثة من الإيمان والعشق والثقة بالنفس بالترافق مع الابتكار.

 

ضرورة الابتكار في مختلف الميادين

ينبغي الابتكار في جميع المجالات. عندما كنتُ أنظر الآن إلى هذه الرياضة التراثية، كانت الحلبة هذه -كما يسميها القدماء- مفعمة بالابتكار. حسناً، طالما شاهدنا حلبات الرياضة التراثية منذ أيام الشباب، بشكل دائم وفي كل مكان، وكان الأسلوب ثابتاً ومتكرراً دائماً، وفي جميع الأنحاء. لم يكن سيئاً، وكان جيداً، ولكن لم يكن فيه كل هذا الإبداع. وها أنا اليوم، أشاهد هؤلاء الشباب وقد أتقنوا تلك الأصول الرياضية القديمة، وزينوها بأنواع وأقسام الابتكارات والحركات الجميلة والدقيقة، فأخرجوا عملاً جميلاً، هذا هو الابتكار. هذا في مجال الرياضة التراثية، إنّ هذا الابتكار ممكن في جميع المجالات، في كيفية القيادة، في نوع الحرب، في نوع الوسائل العسكرية ونوع التنظيم، هذا بما يتعلّق بنطاق القوات المسلحة. عندما نخرج من هذا الإطار، لدينا الابتكار في نوع الدبلوماسية.

 

إنّ المجال الدبلوماسي الواسع مليء بأنواع الشيطنة، أنتم ترون ما يحصل، وبالطبع

 

611


500

خطاب الولي 2011

نحن نشكر الله الذي جعل أعداءنا من الذين لا يفهمون ما ينبغي أن يفعلوا، يضعون الخطط مراراً ويخطئون تكراراً، فتغرق أقدامهم في الوحل أكثر فأكثر، ولا يأخذون العبر فيكرّرون الخطأ نفسه، مثل كلامهم الذي يبثونه في الإعلام وفي تصريحاتهم والأعمال التي يقومون بها. والمجال الدبلوماسي هو هكذا، الذكاء ضروري فيه، الابتكار مطلوب، التعامل الإبداعي مطلوب، كل هذا ينطلق من الروح الثورية التي نعبّر عنها بروح التعبئة وروح الشباب المبتكر والرائد الواثق بنفسه.

 

والأمر كذلك في الاقتصاد أيضاً. وكذا في الأنشطة الإنتاجية وفي مجال التقدم العلمي والبحثي أيضاً. وعليه فإنّ الإطار الذي نطلق عليه اسم التعبئة والروح التعبوية التي نبثّها فيه، ليس إطاراً محدوداً، ليس إطاراً عسكرياً فقط. يمكن لكل أقسام وفئات البلد أن تتحلى بالروح التعبوية. التعلم التعبوي، جمع الثروة بشكل تعبوي، الدبلوماسية التعبوية، العمل السياسي التعبوي، الإدارة التعبوية، التنظيم التعبوي. يشمل مفهوم التعبئة كل هذه المجالات، وهو يعني التجدد والابتكار والإخلاص.

 

الإخلاص...الأصل الأولي لعمل التعبئة

الإخلاص هو الأصل الأولي لعمل التعبئة. "المجهولون" من جملة تعابير الإمام: "مذهب الشهود والشهداء المجهولين".

 

"المجهولين" دلالة على عدم طلب الشهرة. قال الشاعر(كليم الكاشاني):

في مذهبنا تجرد العنقاء لا تمام له                   فقد بقي قيد الاسم وإن أفنى أثره

 

قاموا بالعمل لله، هذا منبعث من روح الاعتماد على الله، نحن نعلم أنّه لا يضيع عند الله. أنتم تعبدون الله في الخلوة، تتكلّمون مع الله، لا أحد يعرف بذلك، ومطمئنون بأنّ الله يرى، يُحسب هذا على أنّه عبادة. إنّ الكرام الكاتبين الإلهيين لا يتركون عبادتكم هذه وكأنها لم تكن. لقد حدثت بالفعل، وهم يسجلونها، حينها ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾[1] يرى ما عمله.

 


[1] سورة الزلزلة، الآيتان 7 - 8.

 

612


501

خطاب الولي 2011

الأمر نفسه في الأنشطة الاجتماعية. تقومون بحركة في سبيل الله، تعملون شيئاً لله، تتخذون قراراً لله، ولا يعلم بذلك أحد، ولا تتباهون به أمام أحد، يعلم الله بهذا ويكتبه لكم. عندكم ثقة بالله وعندكم حسن ظن به. ولنفترض الآن أنّ الآخرين لم يعلموا بهذا. كم يعطينا الآخرون أجراً؟ كم هي قيمة هذه الأجور الدنيوية مقابل الأجر الإلهي؟ يفكر التعبوي بهذه الطريقة. لذلك يقوم بعمله بإخلاص.

 

الإخلاص واحد من الخصوصيات. إذا وُجد الإخلاص ستزول عندها عبادة الذات والأنانية وما شابه. وسيصبح ممنوعاً كلّ من تكديس الثروة للنفس، واستغلال الموقع، والتطاول هنا وهناك. كل هذا ناشىء من الشرك، الشرك الخفي. إذا جاء الإخلاص، زهق الشرك وزال. هذه هي روح التعبئة. يمكن لروح التعبئة أن تظهر في كل مكان: في إدارات البلاد وفي النظام العام والمؤسسات العامة والأنشطة المختلفة وكذلك في الأنشطة الحكومية الروتينية وفي الأنشطة الشخصية.

 

توجد ميزة خاصة بالقسم العسكري والاستعدادات الدفاعية. عندما نقول التعبئة في كل مكان فهذا لا يعني أن نغفل عن تعبئة العشرين مليوناً التي نادى بها الإمام -أو عشرات الملايين (كما طرحناها) بعد الإمام- كلا كلا، فهذا ضروري. مع وجود الأهداف والآمال والتطلعات السامية لدى شعبنا، فإنّ هذا الاستعداد للدفاع ينبغي أن يوجد دائماً، مترافقاً مع الابتكار، مترافقاً مع التجدد. لذلك نحن ندعم التعبئة بشكل كامل. كما وينبغي الانتباه إلى عمق الفكر والبصيرة في عملية التنظيم هذه، أي إن شبابنا العزيز ينبغي أن يعلم، ويتحرك بشكل واعٍ، فليعلم إلامَ يسعى.

 

حتمية انتصار جبهة الحقّ

اليوم هناك أمة ظهرت وسط مجموعة هذه التيارات في أنحاء العالم، وهذا الامتزاج بين الحق والباطل، وهذا التسلّط والهيمنة الظالمة والشيطانية لشياطين الإنس على حياة الآخرين، في مثل هذه الأجواء، التي هي أجواء استكبارية، أجواء نظام السلطة التي طالما ذكرناها، حدث أن ظهر شعب يقول الحقّ ويسعى للحقّ، ينشد حقوق الناس، يهدف إلى إقامة العدالة. هذا الشعب هو الشعب الإيراني العزيز، الذي استطاع

 

 

613


502

خطاب الولي 2011

أن يَثبُت ويستقيم على مواقفه ببركة الإسلام. وبسبب ثبات الشعب الإيراني، فقد انتشر هذا الفكر بالتدريج في هذه المنطقة، بل وفي كل العالم. ونحن الآن نرى ما يحدث في هذه المنطقة. هذه حقيقة. من البديهي أنّ شياطين العالم لا يملّون ولا يكفّون شرورهم. طالما هم موجودون فهم يتابعون دون يأس. فقد كان الاتحاد السوفياتي المنحرف والخاطىء، وإلى ما قبل سقوطه، تماماً مثل هذا النظام الليبرالي الرأسمالي - وكما يقولون - الليبرالي الديمقراطي، مخالفاً للإسلام وللجمهورية الإسلامية.

 

حسناً، لقد زال نظام الاتحاد السوفياتي المنحرف الشيطاني، وكذلك فإنّ النظام الآخر (الرأسمالي) سيزول أيضاً. ولكن إلى أن يزول هذا النظام فإنّ أصحابه يجمعون كل همّهم وقواهم وينزلون إلى الميدان لمواجهة النظام الإسلامي. ولا شكّ أنّ كل سعيهم سيكون بلا فائدة. إذا كان هناك ثبات في هذه الجهة، إذا تحلّت بالصبر ولم تفقد الأمل في القلوب وتابعت وثابرت، فلا شكّ بأنّ النصر حليفها، هذه من السنن الإلهية، إن الله تعالى صادق وهو أصدق القائلين: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ﴾[1]، ﴿إِن تَنصُرُواْ  يَنصُرۡكُمۡ﴾[2].

 

هناك جبهة تسعى نحو الحق وتطلبه، الجبهة المقابلة لها تجري وراء الباطل. إذا خاف أهل جبهة الحق هذه، فمن الواضح أنّهم سيُهزمون، هم على حق لكنهم يُمنون بالفشل. عندما يُظهرون عدم الصبر ويملّون بسرعة، لا شكّ في هزيمتهم. أحياناً ينطقون بكلام الحق ولكن لا يعملون بمقتضياته. يجرون وراء الدنيا والماديات وطيب العيش، بالطبع سيُهزمون. لم يعطِ الله لأحد إمضاءً على بياض، لأنّكم على حق فأنتم حتماً منتصرون، كلا، أنتم ستنتصرون، لأنّكم على الحقّ ولأنكم ثابتون مستقيمون على الحقّ. إذا صمدتم ستنتصرون. ولكن إلى أن يحصل النصر النهائي فهناك صراع وكفاح وتحدٍّ مستمرّ.

 


[1] سورة الحج، الآية 40.

[2] سورة محمد، الآية 7.

 

614


503

خطاب الولي 2011

إحياء الروح التعبوية

داخل النظام الإسلامي ينبغي وبشكل دائم وجود قوة دفاعية قادرة ويقظة ومتماسكة وجاهزة للعمل، هذه هي الروح التعبوية. يمكن للجيش أن يتحلى بالروح التعبوية، كذلك يمكن للحرس أن يتحلى بالروح التعبوية. وحدات التعبئة والتي تأسست على هذا الأصل، يمكنها أيضاً أن تتحلى بروح تعبوية. مؤسسات الدولة أيضاً يمكنها أن تتحلى بالروح التعبوية. المؤسسات العسكرية كذلك يمكنها أن تتحلى بروح تعبوية. المؤسسات الدبلوماسية كذلك يمكنها أن تتحلى بروح تعبوية. إذا حصل هذا الأمر فإنّ النصر سيكون حتمياً وسريعاً. تطلّعوا إلى التعبئة بهذه النظرة، إلى الروح التعبوية كذلك، وأحيوا هذه الروح ما استطعتم.

 

الدفاع عن الأصول الإسلامية الثابتة

إن من الأعمال الأساس الملقاة على عاتق التعبئة وترتبط بالنسيج الداخلي لهوية التعبئة هو الدفاع عن الأصول الإسلامية الثابتة. وقد ورد هذا في كلام الإمام، الأصول الإسلامية التي لا يمكن أن تتغير. هنا يصبح دور التعبئة يتخطى (ما فوق) المراحل والفترات الزمنية. تنظر التعبئة لترى إذا ما انحرفت الحركة الكلية للثورة والنظام عن المسير الصحيح، تراقب كي لا يحدث أي انحراف، وأينما لوحظ انحراف، تقف التعبئة لتواجهه. هذه من الخصائص المتعلقة بالتعبئة، أي إنها تقف في مواجهة الانحرافات. تُشكّل خطاً مستقيماً نحو الأهداف السامية للثورة الإسلامية، دون أي انحراف أو التواء. هذا من خصائص التعبئة. تلقي نظرة من الأعلى، نظرة ما فوق المراحل الزمنية. من الممكن أن تحدث إشكالات في بعض الأقسام، ينبغي للحركة العامة أن تتحرك وفق مسير مستقيم. هذه النظرة هي نظرة تعبوية.

 

ضرورة النظم والانضباط

من الأمور التي أرى من الضروري أن أذكرها أيضاً، أن التعبئة مع ما لديها من الخصائص والميزات التي ذُكرت، متقيدة بالقوانين والمقررات والقيم والتي تتجسد في

 

 

615


504

خطاب الولي 2011

إطار النظام. ينبغي خلق الإبتكار وإيجاد التجدد ولكن بدون مخالفة للأنظمة. يشتبه الأمر على بعض الناس.

 

يتصور بعضهم أن التعبوي هو الذي لا يلتزم بالمقررات ولا يتقيد بالقوانين ولا يراعي الضوابط المقررة في المجتمع، كلا هذا اشتباه، هذا خطأ. بالطبع عندما ترى الهوية العامة للتعبئة والتي تظهر أحياناً في مجموعة نظامها -أي تشتمل على القيادة ومجموعة وضع القوانين وآخرين- أن ضوابط ما قد أصبحت موانع، فإنها تغير تلك الضوابط، ولا تخالف أو تمارس الفوضى.

 

زمن الحرب، كان حديث بعض الأشخاص أن التعبئة تتحرك عشوائياً، كانوا يقولون تعبئة -بلا فرامل- وكان السبب أنه في ميادين الحرب وساحات المعارك، كان التعبويون يصرون بكل حزم وجزم على القيام بالهجوم، كانوا يريدون الإسراع في حسم المعارك، كانت روح الاندفاع وحماس الشباب ونشاطه تدفع بهم نحو الجبهات. حسناً، كان القادة لا يرون مصلحة دائماً، (في الإسراع بالهجوم) فكان هناك نوع من التجاذب والاختلاف دائماً في الأقسام المختلفة من جبهة الحرب. كانوا يقولون التعبئة بلا فرامل. هذا لا يعني أنّ التعبئة بلا إنضباط، أو أنّها ينبغي أن تكون دون انضباط، أو أنّ عدم الانضباط هو بحد ذاته قيمة إيجابية، أبداً. الانضباط بحد ذاته قيمة، والنظم قيمة. يوصي أمير المؤمنين عليه السلام أولاده: "أوصيكما (...) بتقوى الله ونظم أمركم"[1]. أي فليكن عملكم منظّماً ولتكن لديكم نظم. إذا فُقد النظم وفُقد الإيقاع الصحيح تبرز الانحرافات، والاختلالات، الأمر هكذا في كل مكان ومجال. النظم هو الذي يُعدّ الأرضية للنجاح. إذا كان هناك قوة عسكرية لا تمتلك نظماً، ستصبح بلا فائدة بالمطلق.

 

هذه التشريفات التي تلاحظونها في قوى الأمن الداخلي، عرض، صف مرصوص، ونظام شارات ودرجات ولباس موحد، ليست فقط لأنهم يريدون الاهتمام بمظهر جيد، كلا بل هي تعويد لقوى الأمن على الانضباط والنظم.

 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص421.

 

616


505

خطاب الولي 2011

ينبغي أن تتحركوا من هنا، وينبغي ألا تتجاوز حركة أقدامكم هذا الخط ولو بخطوة واحدة (في العرض العسكري)، هذا نظم. لحسن الحظ، نلاحظ أنّ هذه الأمور تُراعى بشكل كامل، سواء في الحرس أم في الجيش. النظم أمر ضروري، إذا نزعنا النظم من قوة عسكرية، من وحدة عسكرية. سيصبح بلا فائدة. افترضوا أنَّ لواءً عسكرياً يضم ألف شخص. حسناً، ألف شخص بحد ذاتهم لا فعالية لهم. هؤلاء الأشخاص يمتلكون القدرة حينما يتشكلون في لواء يحتوي أفواجاً وكتائب ومجموعات منظّمة ذات قيادة منظّمة ومقررات محددة وبرامج عمل معينة. وإلّا فإنّ هؤلاء الأشخاص، بدون هذا النظم وهذا البرنامج وهذه الأوامر، لا يمكنهم إنجاز أي عمل. النظم مهم إلى هذه الدرجة. وعليه فإن الانضباط هوقيمة. عدم الانضباط ليس بقيمة، غياب القانون ليس بقيمة، العمل وفق المقررات هوالقيمة، فليلتفتوا إلى هذا. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، لا يتمسك بعضهم ببعض المقررات ويتشبث بها بشكل متزمت، كي يحجم ويهمش الحركات الابتكارية والحركات المنطلقة من الروح التعبوية. هذا هو الجانب الآخر من المسألة.

 

إزالة موانع الابتكار والتقدّم

إذا لوحظ في وقت ما بأن هناك مقررات تعيق وتمنع الإبتكار والحركة والتقدم، فعلى الأشخاص المعنيين بتغيير المقررات أن يغيّروها ويزيلوا الموانع. عدم الخروج عن القانون والمقررات من جهة، ومن جهة أخرى إزالة التشبث الأعمى بالمقررات المانعة للحركة. ينبغي أن تقوم الإدارات العامة في الأقسام المختلفة إلى هذه الأمور. على كل حال كان هذا بعضاً من مقرراتنا إلى التعبئة.

 

المستقبل منير جداً

إنني أقول لكم، إن مستقبل البلاد، مستقبل منير جداً. على الرغم من كل ما أراده العدو وكرره ورددته بعض الحناجر المغرضة والألسن الملوثة بنواياه الخبيثة، وصدّقه بعض الناس بسذاجة، فإنّ حركة الثورة الإسلامية هي حركة ناجحة. هذا ما أثبتته التجربة على أرضنا. نحن لا ننسج الخيال، لا نريد أن نخلق أوهاماً، ونُفرح أنفسنا

 

 

617


506

خطاب الولي 2011

 

بتوهماتنا، لا بل ننظر إلى الواقع، فنرى أن نظام الجمهورية الإسلامية والشعب الإيراني في ظل هذا النظام قد تقدما للأمام يوماً بعد يوم في هذه السنوات الاثنتين والثلاثين تقدماً ملحوظاً وبارزاً أكثر من التقدم العادي والمعروف بين الشعوب. هناك بعض الشعوب لديها إدارات جيدة، وتقوم بأعمال جيدة، ولكن حركة الشعب الإيراني هذه أنجح وأكثر ندرة مما هوموجود في الدنيا، الأمر كذلك في كل المجالات، لقد تقدمنا.

 

هناك بعض المشاكل موجودة في المجتمع. التقدم لا يعني أنه لا توجد مشاكل، بل يعني الحركة نحو الأكمل والأفضل، وهذا موجود.

 

هكذا هو الأمر في كافة المجالات. في المجال السياسي، في المجال العلمي، وفي مجال التجارب المختلفة، على الأصعدة المتنوعة التي يمكن أن تلهم المدراء الموجودين في الإدارات العامة للبلاد، يمكن لهذا الأمر أن يساعدهم.

 

الالتزام بالأصول والقيم

والأهم من كل شيء هو الالتزام بالقيم. الالتزام بالأصول والقيم، التي قامت الثورة على أساسها، إنه أمر مهم جداً.

 

بحسب رأيي الشخصي، فإنَّ الالتزام اليوم هو أكثر من السابق، حسناً، كانت أحاسيس الشباب في بداية الثورة متوهجة جداً، والسبب كان شعلة الثورة، ولكن لم يكن العمق موجوداً في كل مكان. لقد كان لي ارتباط وتواصل مع الطلاب الجامعيين في تلك الأيام أيضاً. كنت أذهب في كل أسبوع إلى الجامعة. كنت أجيب عن الأسئلة. كان الأمر هكذا. في طهران، وفي أي مكان كنت أذهب إليه، كنت أتلقى أسئلة الطلاب الجامعيين وأدرك انشغالاتهم الذهنية. إنّ النظرات اليوم أعمق بكثير، أكثر أصالة ومنبعثة من التأمل العميق في المباني. في تلك الأيام كانت هناك أحاسيس، وكانت هناك حركة، وكانت الحركة حركة ناجحة وذات قيم. بُذلت تضحيات كثيرة، لكن شبابنا اليوم أكثر عمقاً.

 

لا يوجد اليوم ذلك الرصيد الإحساسي والعاطفي، كذلك فإنّ إعلام العدو حاضر بقوة، وعلى الرغم من كل هذا فإنّ شبابنا هم هكذا. لكن بعض الناس يغضّ الطرف عن كل هذه الإيجابيات، يرى فقط الآفات والخلل. يرى الآفات فقط، هذا خطأ. توجد

 

 

618


507

خطاب الولي 2011

آفات، ولكن ينبغي أن ننظر لنرى هل تسير هذه الآفات نحو التحسن والمعالجة أولا.

 

إذا رأينا أن هناك اتجاهاً نحو التعافي والتحسن والصحة والفهم، فلنعرف أن عملنا هو عمل ناجح. كل هذا في هذا العالم، أي العالم الذي تركز فيه الوسائل الإعلامية هجومها على شبابنا المسلم والسليم.

 

أيها الشباب الأعزاء... اجعلوا هذه الرؤية أساساً لحركتكم. اسعوا أن تتركوا أثراً على البيئة المحيطة بكم. اسعوا أن تزيدوا هذا التعمق. اسعوا أن تنشروا الوعي الإسلامي العميق في محيط عملكم.

 

لحسن الحظ اليوم، الوسائل اللازمة لهذا الأمر متوفرة. كتابات الشهيد مطهري، وكتابات الفضلاء والعلماء البارزين، الحاضرين حالياً في قم وطهران وغيرهما، إنها أمور جيدة، معارف جيدة، مطالب جيدة، حيث فيها المعنويات والعقلانية والدقة والرؤية المستقبلية. أعيدوا صياغة أذهانكم بهذه المعارف وانشروها في البيئة المحيطة بكم.

 

مزج المعنوية بالمعرفة

بالطبع توجد روح هنا، وهي روح الارتباط بالله. قوّوا ارتباطكم المعنوي والشخصي بالله تعالى. هذا أمر ثمين جداً.

 

إن نظرتكم الشابة وكلامكم من القلب إلى الله، الاستغفار، التهليل والتكبير، الاستغاثة، التضرع لرب العالمين، (عندما يصدر عنكم أيها الشباب) يترك الأثر الكبير في أنفسكم، لا تنسوا ذلك.

 

اسعوا كي تترافق لقاءاتكم المعنوية -كالدعاء وما شابه- بالمعرفة، فليكن دعاء كميل مثلاً متلازماً مع معرفة مفاهيم دعاء كميل ومعرفة الدعاء، وكذلك دعاء الندبة وباقي الأعمال كذلك. فلتتمَّ الاستفادة من محضر العلماء المحترمين وأصحاب الفكر، وبحمد الله فإنهم موجودون.

 

إن هذه الحركة هي حركة ناجحة، وإن شاء الله فإنّ الشعب الإيراني سيفتح قمم الاقتدار العالمي بعون هذه الروح الشابة، والمؤمنة والتعبوية والمبتكرة. وإن شاء الله سترفعون راية الإسلام فوق هذه القمم. وكما أنه في السنوات الثلاثين السابقة، لم يكن

 

 

619


508

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في تجمع أهل كيلان الغربية

 

 

 

         

المناسبة:   تجمع أهل گيلان الغربية

الحضور:  كرمانشاه

المكان:   طهران

 

الزمان:    ٢٣/٠٧/1390هـ.ش.

17/11/1432هـ.ق.

15/10/2011م.

 

 

621


509

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين لا سيّما بقية الله في الأرضين.

 

شجاعة وثبات أهالي كيلان الغربية في الحرب المفروضة

أحمد الله تعالى كثيراً أن مدّ في عمرنا واستطعنا مرّة أخرى أن نزور عن قرب هذه المدينة المقاومة وشعبها الغيور والعزيز. لقد تجاوزت هذه المدينة حقاً في سنوات الدفاع المقدّس امتحاناً صعباً. حسناً، الشباب الأعزّاء الذين يعيشون اليوم وسط أهل كيلان الغربية والمدن المحيطة يجب أن يعتزوا بأنّ آباءهم وأمهاتهم والسلف من أهلهم قد أظهروا هكذا عظمة وروعة في مرحلة صعبة جداً. أنا جئت إلى كيلان الغربية عدة مرات في تلك الأيام: إلى المدينة نفسها، وإلى المرتفعات القريبة منها -منطقة جبال "برآفتاب" ومناطق استقرار قواتنا- وقد رأيتُ بأمّ العين غربة قوات الدفاع في هذه المنطقة، لكن بالرغم من كل هذه الغربة كانت علامات شجاعة هذا الشعب وبسالته بادية للعيان أيضاً. مدينة كانت تُهدّد ليس فقط بواسطة القصف بل بواسطة الغزو البري، استطاعت أن تصمد وتقاوم، والناس لم يغادروا المدينة. هذه ذكرى عظيمة جداً من تلك المرحلة الصعبة وهي محل افتخار في الواقع.

 

بعضكم أيها الشباب الأعزاء لم يكن موجوداً أيام الحرب، بعضكم كانوا صبية صغاراً. أنا لا أريد أن اقول إنّ على الشباب الأعزاء أن يفخروا بعمل آبائهم وأجدادهم -وإن كان هناك داع للفخر والاعتزاز- بل أريد أن أُبيّن هذه الملاحظة، وهي أنّ على الشباب المعاصر أن يعلم بأنّه قد تربّى في جو كهذا وفي منطقة كهذه وفي أُسَرٍ كهذه.

 

 

623

 


510

خطاب الولي 2011

مسؤولية أهالي المنطقة في حفظ حدود الهوية الوطنية

صحيح أنه ليس هناك اليوم دفاع عن الحدود الجغرافية. مرحلة حرب الدفاع المسلحة عن الوطن ليست مطروحة اليوم. ولكن الدفاع عن حدود الهوية الوطنية مطروح، الدفاع عن حدود الشخصية الدينية والإسلامية، الدفاع عن الحدود العقائدية، مثل هذه الأمور مطروحة، وجميعنا مسؤولون. إن لم يكن الشباب المعاصر موجوداً في تلك المرحلة كي يقف في مواجهة العدو ويصد هجومه ويدافع عن بيته ومدينته فهو يستطيع اليوم في ميدان الشرف والافتخار أن يؤدي دوراً في الدفاع عن الشخصية الوطنية، والعزة الوطنية، والهوية الوطنية، والعقيدة الإسلامية الراسخة. الفتية والفتيات، النساء والرجال المؤمنون، يستطيعون جميعاً أن يؤدوا دوراً في هذه المنطقة الدفاعية الحساسة الحالية. يجب حفظ هذه الروحية. يجب أن يلتفت مسؤولو هذه المنطقة إلى وجود مثل هذه البيئة الغنية بالقيم الإنسانية والمعنوية والروحية في هذه المنطقة مثلما توجد الأرضية المادية.

 

 لقد قلت في كرمانشاه واليوم أقول لكم، هذه المنطقة هي منطقة مهيأة من ناحية المياه ومن ناحية التربة ومن ناحية المناخ ومن نواح عدة. توجد هناك إمكانات لم تفعّل بعد. في نفس الوقت ومثلما ذكر إمام جمعتكم المحترم الآن وصحيح ما قاله -وقد سررتُ لأن إمام الجمعة يعتبر حاجات الناس وحاجات المدينة مسألة شخصية ويلاحقها - نسبة البطالة مرتفعة وإضافة إلى ذلك، فآثار البطالة، أي أمور من قبيل الإدمان، موجودة في هذه المنطقة.

 

أيها الشباب الأعزاء! حاربوا بروز الإدمان ورواجه في مجتمعكم. واجهوا رسوخ الثقافات المفسدة في مجتمعكم. اليوم أنتم حماة حدود منطقة الدفاع المقدس المدافعون عن العقيدة والعمل والسلوك الاجتماعي تماماً كحال كل أفراد شعب إيران المدافعون عن الهوية الوطنية وعن الشخصية العظيمة لشعب ايران.

 

والمسؤولون يجب إن شاء الله أن يفكّروا بالأمر. نحن في هذا السفر استكملنا معلوماتنا عمّا يجري. وسيأتي المسؤولون إن شاء الله أيضاً وستُطرح معهم المسائل، وبقدر ما هو متوفّر للدولة من إمكانات فسوف تُقدّم الخدمات الضرورية حتماً.

 

 

624


511

خطاب الولي 2011

أهمية حفظ ذكريات مرحلة الدفاع المقدّس

إنّ إحدى الأمور التي لها تأثير كبير في حفظ حدود الهوية الوطنية ها هو عبارة عن حفظ ذكريات تلك المرحلة المجيدة من الدفاع المقدس. أن تتمكن امرأة مسلمة وشجاعة في مدينتكم في مقام الدفاع من أسر الجندي المعادي وتُردي القوات المهاجمة، حافظوا على هذا الأمر واحفظوه لأنفسكم. أن تكون هذه المدينة قد استطاعت أن تصمد في أصعب الظروف أمام هجوم العدو، حافظوا على هذا الأمر واحفظوه. طبعاً حفظ ذكريات مرحلة الدفاع المقدس هو أمر واجب بالنسبة لمنطقة كيلان الغربية. حفظ هذه الذكريات بعينها بالنسبة لأهل قصر شيرين ولأهل إسلام آباد الغربية أمر ضروري. في تلك المناطق حضر رجال ونساء مدافعون ومقاتلون وسعوا وصمدوا في وجه العدو بكل ما أوتوا. إنّ حفظ الهوية الإسلامية لشعب إيران يحوز على ذلك القدر من الأهمية بحيث يجب أن يشعر الرجال العظماء والعلماء الكبار والمجاهدون الكبار والشخصيات البارزة بالمسؤولية.

 

تآمر الاستكبار بهدف عزل إيران وانقلاب السحر على الساحر

لاحظوا كيف أن عالم الاستكبار قد اجتمع واتحد اليوم من أجل طمس هذه الهوية، من أجل أن يدفعوا الهوية الإسلامية لشعب إيران المناضل والبطل نحو الانزواء. كل من يضع اليوم أمام ناظريه ساحة السياسات الدولية والألاعيب الدولية يرى أنّ المستكبرين في أمريكا وأوروبا والدول التابعة لهما يقتلون أنفسهم من أجل كسر مقاومة شعب إيران، ويشقون ثيابهم لعلهم يتمكنون من إجبار شعب إيران على التراجع. ويُفهَم كم هو أمر قيّم ومهم هذا الصمود العام للشعب والثبات على تطلعات الثورة وقيمها.

 

كل عدة صباحات يجلس واضعو سياساتهم ومخططوهم -وفقاً لما يقولون- في كواليس الفكر ويطرحون خطة ضد الجمهورية الإسلامية وشعب إيران، لكن الله تعالى يحبط هذه المخططات العقيمة. في هذه الأيام الأخيرة أثاروا في كل المطبوعات ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة وغير ذلك - والتي هي مرتبطة بالشبكة الصهيونية العالمية - ضجة بشأن تهمة فارغة وتافهة نسبوها إلى عدة أشخاص إيرانيين

 

 

625


512

خطاب الولي 2011

في أمريكا واتخذوا من ذلك ذريعة ليصوّروا الجمهورية الإسلامية بصورة المدافع عن الإرهاب. لم يلقَ ذلك صدى ولن يلقى. هم دائماً وبشكل متواصل ينسجون هذه المكائد ولكنها بلا فائدة أو أثر.

 

يقولون نريد أن نعزل إيران لكنهم أنفسهم أصبحوا منعزلين. اليوم لا يوجد بين الشعوب حكومة مبغوضة في العالم كأمريكا. أمريكا اليوم هي أكثر الحكومات والأنظمة مبغوضية في نظر شعوب المنطقة. أنتم المعزولون لكونكم مبغوضين.

 

 قبل سنتين ذهب رئيس أمريكا إلى مصر ليتملّق إلى حد ما الإسلام والمسلمين، علّه يتمكن من شد أنظار الرأي العام الإسلامي نحوه، فماذا كانت النتيجة؟ استقطب أقلية صغيرة -أي الجماعة الحاكمة أمثال حسني مبارك المعزول والمنحّى - ولكن عموم شعب مصر وعموم شعوب المنطقة لم يُخدعوا بهذا التظاهر. واليوم ترون أن شعار مناهضة أمريكا قد ارتفع في نفس تلك الدول.

 

يسافر الرئيس الأمريكي إلى أفغانستان -وهو بلد تحت احتلالهم وفيه عدة آلاف من الجنود الأمريكيين وجنود الناتو- لكنه لا يتجرأ أن يخرج من قاعدة بَغْرام وهي معسكر أمريكي. لم يستطع أن يلتقي مع أي من رجالات السياسة الأفغان في كابول وغير كابول. ذهب الى المعسكر وخرج من المعسكر! أنت تخاف من أكثرية الناس. أنت تخاف من أكثرية الشعوب. اليوم أنت تخاف من أكثرية شعبك في أمريكا. ودليل ذلك هو هذه الحركة والنهضة في وول ستريت والتي لم تبقَ محصورة في نيويورك. الناس يُظهرون تنفرهم في العديد من المدن الأخرى في أمريكا ولذا فأنت المعزول.

 

من أجل أن يعزلوا الجمهورية الإسلامية يُروّجون لـ "رُهاب إيران"، ويُكرّرون الكلام تلو الكلام. كلا، إنّ إيران هي حليفة الشعوب وحليفة المظلومين. إنّ الجمهورية الإسلامية تُعارض الظلم، وتقاتل الظالم، وتقف بكل ما لديها في وجه طغيان الظالمين والمستكبرين وجشعهم ولا تتراجع. ولهذا السبب في كل مكان تتعرف فيه الشعوب إلى الجمهورية الإسلامية تُصبح مُحبة وحليفة لها. شعارات الجمهورية الإسلامية محببة لها، بعكسكم أنتم يا رؤساء نظام الولايات المتحدة الأمريكية المبغوضين في العراق، والمبغوضين في أفغانستان، والمبغوضين في مصر، والمبغوضين في تونس بعد الثورة،

 

 

626


513

خطاب الولي 2011

والمبغوضين في ليبيا حيث أدخلتم قوات عسكرية ولديكم فيها عمل عسكري، بل حتى في أوروبا أنتم مبغوضون.

 

قبل عدة سنوات اجتمعت كالعادة أقلية في إحدى الدول الأوروبية ووافقت على منح رئيس أمريكا الحالي جائزة نوبل للسلام. هم كانوا قلّة، وقد سيطرت عليهم الدوافع السياسية والعلاقات السياسية، لاحقاً ذهب الرئيس الأمريكي ليتسلم الجائزة فتظاهر أهل ذلك البلد نفسه ضد الرئيس! أنت جزء من الأقليات. أنت جزء من مجموعات لا تتعدى الواحد في المئة. المجموعات العظيمة البالغة تسعين في المئة من الشعب تُعارضكم. هذا تماماً يُمثّل النقطة المقابلة لتموضع الجمهورية الإسلامية وحركتها. ولذا فإنّ العدو بسعيه وجهده وكيده لا يصل في المواجهة مع شعب إيران إلى أية نتيجة، وصمود شعبنا وشبابنا في حفظ هويتهم الوطنية وشخصيتهم الإسلامية يتغلّب على كل هذه المساعي. وأنا أريد منكم أيها الشباب العزيز أن تعرفوا قدر هذه الوضعية وأن تعدّوا أنفسكم يوماً بعد يوم للمستقبل الرفيع والسامي.

 

الإسلام هو حبل النجاة

لحسن الحظ ميدان العلم اليوم مفتوح. ميدان الأنشطة التكنولوجية مفتوح. وعلى المسؤولين في البلد أيضاً أن يفتحوا الميادين الاقتصادية كي يتمكن شباب هذا البلد من الدخول إلى الميادين المختلفة معتمدين على أنفسهم. هذا البلد هو لكم. لقد قام جيلنا بكل ما أمكنه طوال السنوات الماضية. البلد اليوم هو من نصيب الشباب ومتعلّق بهم. يجب على الشباب أن يحفظوا جهوزيتهم في المجالات المختلفة. أيّها الشباب قفوا في وجه نفوذ الأعداء وتأثيرهم الثقافي وواجهوا العوامل المثبطة التي يبثها العدو في المجتمع. اعلموا واعرفوا أنّ الاسلام هو حبل نجاتكم المادية والمعنوية.

 

إنّ راية الإسلام سوف تُنجي إن شاء الله كل هذه المنطقة. نحن اليوم نرى أنّ النهضة الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط الإسلامي العظيم تتجه يوماً بعد يوم نحو الاتساع. العدو في حالة انزواء وفي حالة تراجع والحركة الإسلامية تسلك طريق التقدم على الرغم مما يقوم به العدو من أعمال لإخمادها.

 

627


514

خطاب الولي 2011

لا شكّ عندي بأنّ المستقبل هو من نصيب الإسلام. المستقبل سيكون في ظل الإسلام. وسوف ترون أيها الشباب إن شاء الله وبتوفيق منه ذلك اليوم الذي ترتفع فيه راية الإسلام خفاقة في كل هذه المناطق وتتشكل فيه مجموعة إسلامية متحدة ومقتدرة وعزيزة.

 

مُجدَّداً أُبدي سروري من الحضور بين الأهل الأعزاء لمنطقة كَيلان الغربية وكذلك بين أهل إسلام آباد وقصر شيرين الذين تحمّلوا عناء المجيء وبعضهم يشارك في هذا التجمع. كذلك أعتذر عن عدم تمكّني من أن أزور المدن الأخرى. الإمكانات والفرص السانحة محدودة، على الرغم من أنّ رغبتنا ومحبتنا لأهل هذه المناطق هي محبّة تعمّ الجميع.

 

ربّنا بمحمّد وآل محمّد وفّقنا للخدمة الحقيقية والمُخلصة لهذا لشعب. ربّنا اهزم وأهلك أعداء هذا الشعب. ربّنا حقّق الآمال الكبيرة والتطلعات السامية لهذا الشعب. أرضِ عنا جميعاً القلب المقدّس لولي العصر أرواحنا فداه، أرضِ عنا الأرواح الطيبة للشهداء والروح المطهر للإمام الخميني العظيم.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

628


515

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء الطلاب الجامعيين

 

 

 

 

 

         

         

المناسبة:   لقاء الطلاب الجامعيين في كرمانشاه في جامعة الرازي

الحضور:  جمع من الطلاب الجامعيين

المكان:   كرمانشاه

 

الزمان:    ٢٤/٠٧/1390هـ.ش.

18/11/1432هـ.ق.

16/10/2011م.

 

 

629


516

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

هذا اللقاء بالنسبة لي، هو لقاءٌ رائع وعميق ومؤنس وجميل جداً، مع جمعٍ غفيرٍ من الشباب الجامعي والأساتذة المحترمين في هذه المحافظة، حيث ينبغي للمرء أن يتكلم إلى ما شاء الله مع هذا العدد الكبير والجمع العظيم لطلاب وأساتذة هذه المحافظة. والنقاط التي عرضها الأصدقاء سواء ما قاله الرئيس المحترم والعالم والمؤمن لهذه الجامعة وكذلك ما قاله شبابنا الأعزّاء، كان بينها نقاط مهمة وتستحقّ متابعتها.

 

أهمية اللقاء بالشباب

إنّ اللقاء معكم أيها الشباب العزيز مهم لي من جهتين:

الجهة الأولى: إنّ الحضور بحد ذاته في أوساط الشباب، الاستماع له والتحدّث معه، يمنح الإنسان روح الشباب وحيويته، حيث إننا اليوم وفي مختلف المسؤوليات، نحتاج إلى روح النشاط هذه. في مثل هذه التجمّعات، تتوهّج حالة الابتكار والتجدّد والطموح ببلوغ القمم العالية، وهذا هو الأمر المنشود لدينا.

 

الجهة الثانية: إنّ جيل الشباب كان يقع على عاتقه حِمل الثورة ولا يزال وسيبقى في المستقبل أيضاً. لا يختص هذا بشباب الستينيات (الثمانينات بالتاريخ الميلادي) فقط، فأنتم أيضاً يا شباب التسعينيات (هجري شمسي) تحملون على أكتافكم حملاً ثقيلاً. وإنني أرى وأشاهد كيف أن شباب بلادنا والحمد لله، وخاصة الشباب الجامعي والمتعلم، يسير قُدماً بهذا الحمل وسيوصلونه إن شاء الله إلى الهدف المنشود.

 

إنّ دور الشباب أساسٌ، سواء اليوم وهو يوم المجاهدة والصمود والبصيرة والصبر في معبر الثورة، أم في المستقبل حيث ستُلقى على عاتقكم أيها الشباب مسؤوليات ومهام كثيرة في المجالات المختلفة، في المجالات العلمية والسياسية والاجتماعية والدبلوماسية

 

 

631


517

خطاب الولي 2011

والاقتصادية والتقنية وفي جميع مجالات الحياة. فإذن، أنتم اليوم مسؤولون ومشغولون بالجد والسعي، وستكونون كذلك أيضاً في المستقبل إن شاء الله.

 

معنى التمتّع والاستفادة من مرحلة الشباب

بناءً على هذا، تُظهر أهمية اللقاء بالشباب والتحدث معهم والاستماع إليهم، أهمية خاصة.

لقد فرح الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بأحد أصحابه الشباب فدعا له قائلاً: "اللّهم أمتعه بشبابه"[1]. أي اللّهم اجعله يستفيد من شبابه ويلتذّ به. يُفهم من هكذا دعاء للرسول لهذا الشاب أنّه ليس كل شاب يستفيد من شبابه. ماذا يعني التمتّع والاستفادة من مرحلة الشباب؟ من الخطأ أن نتصوّر أنّ الاستفادة من الشباب تعني الالتذاذ بالشهوات المادية للشباب وتسليات الشباب وصرف الوقت باللهو في هذه المرحلة من العمر، ليس هذا بالاستفادة من الشباب. قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في كلمة أخرى له: "ما من شاب يدع لذة الدنيا ولهوها وأهرم شبابه في طاعة الله إلا أعطاه الله اجر اثنين وسبعين صدّيقاً"[2]، أي إنّ الشاب الذي يحافظ على طهارته وعفته ويختار عدم الانغماس في الشهوات المادية، له عند الله تعالى أجر اثنين وسبعين صدّيقاً. "الطهارة في الشباب منهج نبوي". المثال الذي وضعه الله كأسوة للشباب هو النبي يوسف عليه السلام. ليس هذا بالتمتع من الشباب، بل هو عند من "أهرم شبابه في طاعة الله" كما ورد في الحديث يقضي الشباب في طاعة الله.

 

إطاعة الله ليست فقط في الصلاة، بالطبع إن الصلاة هامة وبنَّاءة وذات فضيلة عالية، ولكن ليس في هذا فقط، توجد في أفق الحياة الواسع مصاديق كثيرة لإطاعة الله، ومن أهمها ترك الذنب، حفظ العفة والطهارة. الدرس الذي تدرسونه هو أيضاً إطاعة لله، الابتكار الذي تبدعونه هو إطاعة لله. هذه الأعمال التي ذكرها شبابنا العزيز هنا في مسائل الكيمياء والطاقة والعلوم الإنسانية والطب وغيرها وبذل الجهد في هذا الطريق، كلها إطاعة لله.

 

[1] الراوندي، قطب الدين سعيد بن هبة الله، الخرائج والجرائح‏، تحقيق وتصحيح ونشر مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام‏، إيران - قم‏، 1409ه‏، ط1، ج1، ص52.

[2] المالكي الاشتري، ورام بن أبي فراس، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام)، دار الكتب الإسلامية، إيران - طهران، 1368ش، ط2، ج2، ص379.

 

 

632


518

خطاب الولي 2011

أهمية القيام بأبحاث متعلّقة بقضايا المنطقة

حسناً، هناك الكثير ليُقال في جمع الشباب ونحن لدينا الكثير لنقوله، وكذلك الشباب بالطبع لديهم الكثير من الكلام. ينبغي الاستفادة من هذه الفرص، لكن ونظراً للأحداث الجارية في المنطقة، هذه الثورات التي حدثت والنهضات التي قامت والأنظمة الطاغوتية الرجعية المستكبرة العميلة التي سقطت خلافاً لجميع التوقعات وكل التحليلات وكذلك نتائج هذه التطورات، من الضروري القيام بأبحاثٍ بالنظر إلى هذه القضية، وسأشرح هذا إن شاء الله.

 

هذه التداعيات التي ذكرتها، هي نزاعات ظاهرة، وخفية تجري الآن حول الأنظمة البديلة. في مصر على سبيل المثال، بالطبع ما أذكره محسوس ومشهود لمن يتابع القضايا، هناك يقين بأنّ الاستكبار وعملاؤه يبذلون جهودهم بعد سقوط النظام التابع (لهم) علهم يستطيعون إقامة نظام يحافظ على تبعيته للغرب، نظام تابع للغرب، يقوم بتنفيذ برامج الغرب وبرامج أمريكا بحسب رغبتهم، ولكن بشكل أحدث. يرغب بعضهم بأن يتخلص هذا النظام الجديد من شكل العجوز الهزيل المكروه حسني مبارك ويتلبس بشكل جديد صالح ظاهرياً. ويتابعون هذا المشروع منفقين عليه المال والجهد. هناك بعض آخر لا يرغب بهذا، ولكنه يعمل وبجد لقيام نظام علماني، نظام لا علاقة له بالالتزام الديني. وهناك آخرون يريدون قيام نظام إسلامي. حيث توجد تفاسير وقراءات مختلفة للنظام الإسلامي. وعليه، هناك نزاعات في هذه المجالات سعياً لإيجاد نظام بديل.

 

بشكل طبيعي، أحد العوامل الذي يمكنه أن يؤثّر في إطار التجاذبات واتّخاذ القرار ورسم المستقبل، هو نظام الجمهورية الإسلامية في إيران وأسلوب عمل المسؤولين والشعب، وبشكل كلي شاكلة وشخصية نظام الجمهورية الإسلامية. وكما قلت ذلك اليوم في تجمع أهالي كرمانشاه الأعزاء، إن حسننا اليوم وحسن عملنا وسمعتنا الحسنة هي عوامل مؤثرة في البلدان التي ثار شعبها أو هو على مشارف الثورة. فلا سمح الله، إذا كنا أذلاء، أو إذا ظهر عدم فعاليتنا عملياً، أو أن صورتنا كانت مكدرة، فهذا سيلقي بظلال تأثيراته السلبية عليهم. لذا فإنّ من المهم ماذا نكون وكيف نكون وكيف نعمل ونتصرف؟

 

 

633


519

خطاب الولي 2011

قراءة جديدة للهوية والشخصية الكلّية للثورة

حسناً، على هذا الأساس، سأعيد قراءة الهوية الكلية والشخصية الكلية للثورة. وهذا الأمر هو مهم لنا أيضاً. لا يمكن لنا أن نخفض رؤوسنا للأسفل، فلا ندرك ماذا يحدث في الدنيا، ثم نتحرك هكذا للأمام. حركة الانسان بهذا الشكل، حيث يغمض عينيه ويسد أذنيه، دون اهتمام ونظر لما حوله ودون نظر للوقائع وللآفاق البعيدة، تؤدي غالباً إلى الضياع والانحراف. إنّ علينا إذن، أن نلقي نظرة وأن نعيد القراءة.

 

أنا اليوم سأقوم بقسم من إعادة القراءة هذه. وإن شاء الله سيكون هذا برنامجنا الأشمل والأعمّ. إذا نظرنا إلى أنفسنا فرأينا انحرافاً في وجودنا، فلنرَ أين بدأت زاوية الانحراف في هذه المسيرة، وفي أي نقطة تشكّلت الزاوية عن الخط المستقيم، وما هو سبب ذلك. ينبغي دراسة هذه المسائل. هناك أسئلة تطرح، ما دام هناك وقت، سأطرح سؤالين أو ثلاثة، وسأتناولها بالتوضيح.

 

هناك سؤال: كيف يمكن تحليل مسألة شيخوخة النظام وشبابه؟ كل موجود حي له مرحلة شباب، وله مرحلة شيخوخة. ما هو وضع النظام الإسلامي في هذا المجال وكيف سيكون في المستقبل؟ هل سيشيخ النظام الإسلامي ويهرم؟ هل سيصيبه الاهتراء والشلل؟ هل هناك طريق استباقي كي لا يصاب بهذا الوضع؟ وإذا ما حصلت هكذا حالة فهل من علاج متصوّر لها؟ إنها أسئلة مهمة. ينبغي أن تطرح هذه الأسئلة ويتم التفكير فيها في مراكز الفكر واتخاذ القرارات وصناعة القرارات في الحوزات والجامعة بشكل أساس ينبغي بحثها ودراستها والتفكر فيها، أنتم أيضاً أيها الشباب فكروا فيها.

 

هنا سأذكر نقطة، توجد سلسلة منطقية، قلنا هذا سابقاً، وجرى البحث فيه.

 

الحلقة الأولى (في السلسلة) هي الثورة الإسلامية، وبعدها تشكيل النظام الإسلامي، ثم تشكيل الدولة الإسلامية، ليأتي بعدها تشكيل المجتمع الإسلامي، ثم تشكيل الأمة الإسلامية، هذه سلسلة مستمرة ذات حلقات متصلة ببعضها بعضاً.

 

المقصود من الثورة الإسلامية والتي هي الحلقة الأولى هو الحركة الثورية، وإن كانت الثورة بمعنى آخر شاملة لجميع المراحل. نقصد هنا بالثورة الإسلامية، تلك

 

634


520

خطاب الولي 2011

الحركة الثورية والنهضة الثورية، التي تسقط النظام الرجعي والقديم والفاسد والتابع وتخلق الأرضية المناسبة لقيام النظام الجديد.

 

الحلقة التالية هي النظام الإسلامي، وأعني به هنا، الهوية الكلية ذات التعريف المحدد والتي يختارها البلد والشعب وأصحاب الثورة والذين هم الناس بالنسبة لنا، فقد اختار شعبنا الجمهورية الإسلامية، أي النظام الذي تنبثق حاكمية الشعب فيه من الإسلام ويتوافق مع القيم الإسلامية. ونحن قد عبرنا هذه الحلقة. المقصود بالدولة الإسلامية هو أنّ هناك دستوراً وقوانين أصلية ومؤسسات وبُنى إدارية للبلاد قد تحددت على أساس ما وجد في مرحلة تعيين النظام الإسلامي. هذه المجموعة من المؤسسات الإدارية هي الدولة الإسلامية. وليس المقصود هنا بالدولة السلطة التنفيذية (الحكومة) فقط، بل مجموع الأجهزة الإدارية في البلاد والتي تلقى على عاتقها مهمة إدارة البلاد والنُّظم الإدارية المختلفة في البلد.

 

الحلقة التي تليها هي المجتمع الإسلامي، وهي مرحلة أساس وشديدة الأهمية. بعد قيام الدولة الإسلامية فإن مسؤوليتها والتزامها يكمنان في تحقيق المجتمع الإسلامي.

 

ما هو المجتمع الإسلامي؟

هو المجتمع الذي تتحقق فيه المثل العليا الإسلامية والأهداف الإسلامية والآمال الكبرى التي يرسمها الإسلام للبشرية. مجتمع عادل، مفعم بالعدالة، مجتمع حر، يكون للناس فيه دور وتأثير أساس في إدارة البلاد وبناء مستقبلهم وتقدمهم. مجتمع ذو عزة وطنية واكتفاء وطني، مجتمع يتمتع بالرفاهية وخالٍ من الفقر والجوع، مجتمع متقدم في جميع الأبعاد تقدماً علمياً، تقدماً اقتصادياً، تقدماً سياسياً وأخيراً، مجتمع لا يعرف السكون، بدون ركود، بدون توقف وفي حال مسير دائم للأمام، هذا هو المجتمع الذي نسعى له ونرغب به.

 

هذا المجتمع لم يتحقق حتى الآن، ولكننا نسعى جاهدين لتحقيق هذا المجتمع، أصبح هذا هو هدفنا الأساس والمهمّ والوسطي.

 

لماذا نقول الوسطي؟ لأنه عندما يتشكل هذا المجتمع، فإنّ أهم مسؤولياته أن

 

 

635


521

خطاب الولي 2011

 يتمكن الناس، في ظل هكذا مجتمع وهكذا حكومة وهكذا أجواء، من أن يصلوا إلى الكمال المعنوي والكمال الإلهي، حيث ﴿وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ﴾[1]، أن يصل الناس إلى عبودية الله. لقد فُسِّرت ﴿لِيَعۡبُدُونِ﴾ بـ "ليعرفون". وهذا لا يعني أن "عَبَدَ" تعني "عَرَفَ" وأنّ العبادة تعني المعرفة، كلا، بل تعني أن العبادة بدون المعرفة لا معنى لها، ليست ممكنة وليست عبادة. بناءً على هذا، إنّ المجتمع الذي يصل إلى العبودية لله، يكون قد وصل إلى المعرفة الكاملة بالله ووصل للتخلق بأخلاق الله، وهذا هو نهاية الكمال الانساني. وعليه فإن الهدف النهائي هو ذلك الهدف، والهدف الذي قبله هو إيجاد المجتمع الإسلامي، والذي هو هدف كبير جداً وعالٍ جداً.

 

حسناً، عندما يوجد هكذا مجتمع ستتحقق أيضاً الأرضية لإيجاد الأمّة الإسلاميّة، أي توسّع هذا المجتمع وتمّدده، وهذه الآن مقولة أخرى وبحث آخر.

 

هذا الأمر الذي ذُكر كهدف، هو أمر شامخ جداً، سأذكر أولاً هذا، هذه المفاهيم التي ذُكرت مفهوم العدالة، مفهوم الحرية، مفهوم كرامة الإنسان نحن نقصدها بمعانيها الإسلامية، وليس بمعانيها الغربية. للحرية بالمنطق الإسلامي معنى مغاير للحرية في منطق الغرب. تكريم الإنسان، احترام الإنسان، تقدير إنسانية الإنسان مغاير في مفهومه الإسلامي لهذا المفهوم بالمعنى الغربي والتلقي الغربي.

 

إحدى مشكلاتنا طوال هذه السنوات، أنّ بعض الأشخاص قام يترجم المفاهيم الإسلامية بالمفاهيم الغربية، حيث قام بتكرار كلام الغربيين، وسعى لتحققها، والحال أن الثورة الإسلامية لم تقم من أجل هذا.

 

الحرية الغربية في مجال الاقتصاد هي هذه المسائل التي تشاهدونها، هي "اقتصاد آدم سميث" هذا، وصولاً للوضع الاقتصادي الديكتاتوري الموجود في العالم، والذي يشهد حالياً انحلاله وسقوطه بنفسه وبشكل تدريجي. ليس مرادنا من الحرية هذا.

 

الحرية الإنسانية لا تعني حرية التفلّت الأخلاقي الموجود في الثقافة الغربية. لا ينبغي لنا ومن أجل أن نحلو في عيون الغربيين، أن ننطق بالكلام الذي ينطقون به،

 

 


[1] سورة الذاريات، الآية 56.

 

636


522

خطاب الولي 2011

وهو كلام خاطئ وباطل، وها هو اليوم يظهر بطلانه. نحن نتكلم عن احترام الإنسان، احترام المرأة، لا ينبغي أن يشتبه هذا مع ما يتمّ ترجمته وعرضه وبيانه في الغرب تحت هذه المفاهيم. المراد هو المفاهيم الإسلامية، العدالة بمعناها الإسلامي، الحرية بمعناها الإسلامي، كرامة الإنسان بمعناها الإسلامي، حيث إنّ جميع هذه المفاهيم واضحة ومبينة في الإسلام. للغربيين أيضاً كلام آخر. في هذه المجالات، في اعتبار القيم ووضعها، إنّ طريقهم طريق منحرف.

 

وبالمناسبة، فإن الغربيين عملياً وليعلم الجميع هذا، وأنتم تعلمون بالطبع، لم يعملوا أبداً بهذه المفاهيم نفسها التي ادّعوها بأنفسهم، أي إنّ الزعماء والرؤساء وأصحاب القدرة الغربيين لم يقفوا مع تلك العدالة ولا مع تلك الحرية التي نادوا بها، بل كانت مجرد شعارات وعناوين طرحوها وارتكبوا باسمها كل ما يحلو لهم. على سبيل المثال: يهاجمون أفغانستان تحت شعار تحقيق الديموقراطية ولكن باطن القضية شيء آخر، وهو أنّ أمريكا أو حلف الناتو بحاجة لأفغانستان، لإقامة قاعدة مستقرة لهم هناك، بحيث يمكنهم الإشراف على الصين والهند وإيران وجنوب غرب آسيا من هذه القاعدة.

 

غزوا العراق تحت عنوان مكافحة الأسلحة الذرية، لكن باطن القضية ليس هذا، وهم بالمناسبة قد قاموا لاحقاً باختلاق القصص وقالوا: نعم لقد فتشنا ولكن لم نجد شيئاً، لقد أخطأنا، الأمر ليس كذلك، أيعقل أن يقوم أحد، ولأجل تقرير خطأ وغير موفق بتحميل نفسه دفع كل هذه الأثمان البشرية والمالية لمهاجمة العراق؟ لم يكن الهدف من الهجوم على العراق مكافحة الأسلحة الكيميائية، بل السيطرة على بلد غني بالنفط مجاورٍ للجمهورية الإسلامية، وكان الهدف كذلك الهيمنة على العالم العربي وحماية إسرائيل واستكمال السلسلة الاستكبارية في هذه المنطقة.

 

وكذلك الآن حيث تواصل قوات حلف الناتو غاراتها الجوية على ليبيا، هذه الغارات المستمرة منذ عدة أشهر بدون أي مسوّغ حقيقي وإنساني وقانوني ودولي، وادعاؤهم أنهم يريدون إسقاط القذافي! ليست هذه هي القضية، بل المطلوب هو تعبيد الطريق أمام الشركات النفطية. إنّ ليبيا هي بلد مشرف على مصر وكذلك على تونس وعلى

 

 

637


523

خطاب الولي 2011

السودان والجزائر، بلد محاذٍ للبحر الأبيض المتوسط، وعلى بعد مرمى حجر من أوروبا.

 

إنهم يريدون إقامة مركز لهم هناك، يحكمون من خلاله هذه المنطقة، ويطلقون على هذا اسم الصراع مع القذافي! والواقع ليس كذلك، أي إنّ الغرب غالباً ما يستخدم هذه المفاهيم والأهداف التي يدّعيها هو بنفسه، كغطاء للوصول إلى مقاصده الشيطانية. وعليه فإننا عندما نقول عدالة أو حرية لا نعني مطلقاً كلماتهم ومفاهيمهم نفسها، تلك الديمقراطية الكاذبة. إني أقول بكل حزم، إنّ الديمقراطية الرائجة في الغرب مع وجود بعض الاستثناءات هي غالباً الديمقراطية الكاذبة، ليست حقيقية، فإذن، مقصودنا المفاهيم المستنبطة من منطق الإسلام والقرآن وما هو موجود في المعارف الإسلامية.

 

إنّ تشكيل المجتمع الإسلامي أصبح هدفاً، بهذه المميزات والشواخص التي ذُكرت. وهذا الهدف لا يمكن أن يبلى أو يعتق أبداً. المطالبة بالعدالة لا تُنسخ أبداً. لقد سعى الناس وراء العدالة من أول تاريخ البشر وحتى اليوم. كل قيام الناس غالباً ما كان ضد الظلم وضدّ التمييز. الناس تطلب الحرية، لقد خلق الله تعالى الإنسان حراً "لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً"[1]، الإنسان يسعى للحرية، هذا مطلب فطري. ليس بالأمر الذي يبلى ويندرس.

 

بناءً على هذا، عندما ينظر الإنسان إلى أهداف وقيم النظام الإسلامي أي المجتمع الإسلامي بهذه الخصائص يرى أنها لا تبلى ولا تصبح قديمة أبداً. يسعى الانسان وراء هذه الآمال دوماً. كلما تحرك الإنسان، أصبح هناك مجال أوسع للحركة. على سبيل المثال فإن التطوّر يُعدّ من أهدافكم. التطوّر ليس له نهاية، وليس له آخر. ﴿وَفَوۡقَ كُلِّ ذِي عِلۡمٍ عَلِيمًا﴾[2]، فمهما امتلكتم من علم، هناك علم متصور فوقه، فالمجال مجال لا نهاية له، فإذن هو لا يعتق ولا يبلى، لكن طريق الوصول إلى هذا هو الحلقة السابقة، التي قلنا إنها الدولة الإسلامية.

 

الدولة الإسلامية هي العمل المنظم والمؤسسات اللازمة لإيجاد المجتمع الإسلامي، وهي أمور يمكن أن تبلى وتعتق. من الممكن أن تكون الظروف في العالم بشكل لا تكون معه هذه النظم وهندسة النظام كاملة ومفيدة كما يجب، ينبغي عندها أن

 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص401.

[2] سورة يوسف، الآية 76.

 

 

638

 


524

خطاب الولي 2011

تتغير، لا إشكال أبداً في هذا. النظام الإسلامي لديه هذه القابلية. إذا كان نظام ما يسعى للمثل العليا، هذه المثل لا تبلى، أمّا النظم والمؤسسات التي يُراد أن توصلنا إلى تلك الأهداف فهي قابلة للتجدد.

 

والتجدد يعني أن تستلزم المقتضيات الخارجية والوقائع شيئاً أحياناً، ثمّ تقتضي شيئاً آخر في زمن آخر. من النماذج العملية الواقعية هو نفس سياسات البند 44 في باب الاقتصاد. في السابق كان تقسيم الموارد الاقتصادية في البلاد بهذا الشكل والذي ورد في مقدمة البند 44 للدستور. لقد تم ذكر أسماء المؤسسات والمراكز المتعلقة بالقطاع العام والأخرى المتعلقة بالقطاع الخاص -تم فرزها وتحديدها- ولكن ورد في آخر هذا البند أنّ مفعول هذا البند سارٍ طالما هو يساهم في ازدهار اقتصاد البلد. فماذا يعني هذا؟

 

يعني أنّه في حال وجود ظروف جعلت هذا التنظيم والإجراء لا يساهم في ازدهار الاقتصاد وتقدمه، يمكن حينها تغييره، وهذا ما حدث وتم تغييره، هذا هو التبديل في الخطوط الهندسية للنظام.

 

وعلى سبيل المثال، فقد كان لدينا في الدستور منصب رئيس وزراء ومنصب رئيس جمهورية في إطار وشكل محدد، لكن التجربة دلتنا على أنّ هذا ليس صحيحاً.

 

كلّف الإمام مجموعة من الخبراء والجامعيين وعلماء الدين ومن مجلس الشورى الإسلامي والنخب والشخصيات البارزة بأن يجتمعوا ويقوموا بما يلزم من تغيير بحسب الحاجة. وقد قاموا بهذا العمل. وكذلك حصل في مجال القضاء. وفي المستقبل أيضاً يمكن أن تجري تغييرات أخرى.

 

نظامنا الحالي هو نظام رئاسي، أي أن الشعب ينتخب رئيس الجمهورية بشكل مباشر، وحتى الآن كان هذا الأسلوب جيداً جداً ومجرّباً. إذا حدث في يومٍ ما في المستقبل القريب أو البعيد -لا يحتمل أن يتم هذا في المستقبل القريب - شعور بأنّ النظام البرلماني أفضل من النظام الرئاسي - كما هو رائج في بلدان العالم- فلا إشكال حينها أبداً، يمكن للنظام الإسلامي أن يبدل خطاً هندسياً مكان خطٍ هندسي آخر، لا فرق في هذا، وأمثال هذه الأمور.

 

 

639


525

خطاب الولي 2011

بالطبع فإنّ هكذا تغييرات ينبغي أن تقوم استناداً إلى الأصول. وإعادة النظر وإعادة البناء والتجديد ينبغي أيضاً أن تكون ناظرة للأصول، وتكون منبعثة ومستنبطة من الأصول الإسلامية. افترضوا مثلاً أن لياقة الحكم والقيادة (الشخص المناسب في المكان المناسب) نشعر بأنها ينبغي أن تتم بهذا الشكل لتتحقق بنحوٍ أحسن، أو أنّ هذا الشكل هو أفضل لتحقق العدالة.

 

في مجال حاكمية الكفاءة، سأقرأ عليكم هذا الحديث عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. خلال فتح مكة، عيّن الرسول شاباً في التاسعة عشرة من العمر حاكماً على مكة. كان يلزم وضع حاكم أو مسؤول هناك. حيث يوجد كل هؤلاء الكهول وكبار السن، لكن الرسول عيّن شاباً في التاسعة عشرة من العمر. انتقد بعضهم قائلين إنه صغير السن فلماذا جعلته حاكماً؟ وفق هذه الرواية، فقد أجابهم الرسول "لا يحتجّ محتجّ منكم في مخالفته بصغر سنّه"[1]، فلا يكون الاستدلال في المخالفة هو صغر السن، إنّه شاب، هذا ليس باستدلال صحيح. أي إنه إن كان لديكم استدلال آخر -حسنٌ جداً- فتعالوا وقولوه، لكن صغر السنّ والشباب ليس استدلالاً صحيحاً "فليس الأكبر هو الأفضل بل الأفضل هو الأكبر"[2]، فالشخص الأكبر سناً ليس لزوماً الأفضل، بل الشخص الأفضل هو الأكبر في الحقيقة. الأفضل هو الأكثر لياقة. هذه هي حاكمية الكفاءة، حسناً، ينبغي رعاية هذه.

 

أصل حاكمية الكفاءة هذا، ينبغي أن يراعى في جميع نظم الجمهورية الإسلامية، في السلطة التنفيذية، في السلطة التشريعية، في السلطة القضائية، في القوات المسلحة، في المؤسسات المختلفة. اختيار الكفء، ينبغي أن يتم الاختيار والتعيين وفق المعايير والصلاحيات، وليس حسب الميول والعلاقات الشخصية. هذا أصل بحد ذاته في الإسلام. كل تغيير وتبديل موجود في الإسلام يتم على هذا الأساس.

 

وهكذا هي السياسات. فمن الممكن أيضاً أن تتغير سياسات النظام. كانت هناك سياسة اقتصادية حاكمة في يوم من الأيام، ثم تغيرت بحسب الحاجات، وفي المحصّلة ينبغي أن تؤخذ كلتاهما من الإسلام. هذا التغيير ينبغي أن يستند أيضاً إلى الأصول الإسلامية. سياستنا الدبلوماسية يمكن أن تتغير في ظروف ما، لكن ينبغي لهذا التغيير

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج21، ص123.

[2] المصدر نفسه.

 

 

640


526

خطاب الولي 2011

أن يكون أيضاً على أساس الأصول الإسلامية. فلا يكون الأمر أن شخصاً ذوقه ورغبته هما هكذا، أو أن مصالحه الشخصية تقتضي هذا، أو أنّه ينبغي أن يقوم بهذا للبقاء على كرسي السلطة، يحق له عندها أن يغير هذه السياسة أو ذلك الخط. كلا، ينبغي أن يتم ذلك وفق المعايير. وبالطبع قد وردت الضمانات اللازمة لهذا في الدستور نفسه.

 

وعليه، يمكننا أن نستنتج، أن المثل العليا في النظام الإسلامي غير قابلة للتغير، وذلك لأنها مُثل فطرية. النظرة إلى هذه المثل ليست شهوانية أو لتلبية نزوات عابرة، بل هي حاجة طبيعية نابعة من فطرة الإنسان. الحاجة للعدالة، الحاجة للحرية، الحاجة للتقدم، الحاجة للرفاهية العامة، الحاجة للأخلاقيات السامية، إنها حاجات الإنسان الفطرية. المجتمع الإسلامي هو هذا، وهذا ما نسعى إليه. هذا ليس قابلاً للتغيير، لكن النظم التي توصلنا إليها، قابلة للتغيير أحياناً، هذا يتعلق بالظروف الراهنة وكيفيتها.

 

بناءً على هذه الرؤية، فإنّ نظام الجمهورية الإسلامية لديه ثبات وكذلك لديه تحول. يوجد ثبات، أي أنّ الحركة هي حركة مستمرة باتجاه المثل العليا، فلا تذبذب ولا تغيير للطريق، حركة في خط مستقيم نحو الأهداف المحددة، ولكن وسائل العمل تتغير، يتجه الإنسان أحياناً نحو هدف ما، يضطر أحياناً لركوب السيارة، في قسم آخر من الطريق يستقل القطار، وفي قسم آخر يسافر بالطائرة، قد يلزمه في مكان آخر أن يترجل ويسير على قدميه، لكن الهدف لا يتغير، مع أن شكل الحركة قابل للتغيير.

 

بناءً على هذا، لو أردنا أن نلخص هذا الكلام، في الجواب عن السؤال حول مسألة شيخوخة وشباب النظام وكيفية حلها، ينبغي أن نقول: أولاً، إنّ التجديد ممكن، لكن ليس بمعنى تجديد النظر في المثل العليا، لأنّ هذه المثل فطرية. ثانياً، إنّ التجديد بمعنى تغيير النظم، تغيير وسائل العمل وأساليبه، تغيير السياسات، هو أمرٌ عملي وممكن، وواجب في بعض الأحيان، وهو مانع من التحجر، لكن ينبغي أن يتم بناءً للأصول. والنقطة الثالثة هي أنّ التغيير ينبغي أن يتم على أساس الأصول. فإذن، المثل العليا والتي استلهمت منها الشاكلة والهوية الكلية للنظام غير قابلة للتغيير. نظام الجمهورية الإسلامية هو هكذا نظام. وبهذه النظرة فهو ليس نظاماً يمكن أن يبلى ويهرم أو يتحجر، ليس متخلفاً ولن يكون كذلك، بل يمكنه أن يبقى شاباً دائماً.

 

 

641


527

خطاب الولي 2011

وهنا يلزم إضافة أنّ الشباب والشيخوخة، ليسا ملاكاً كاملاً. بعض الأنظمة سيئة منذ نشوئها وشبابها. النظام الملكي، النظام الاستبدادي، النظام الذي يقوم على القهر والانقلاب، منذ نشوئه وهو لا يزال شاباً هو نظام ملعون وكريه. والنظام الذي يقوم على أسس الأخلاق والمعرفة، على أساس الأصول الإسلامية والغايات الفطرية، لا يهرم ولا يشيخ ولو مضت عليه مئات السنوات، يمكنه أن يبقى شاباً للأبد، وأن يبقى نضراً دائماً ومنتجاً ورائداً، هذا هو المهم.

 

انظروا لنظام الجمهورية الإسلامية بهذه النظر. بالطبع فإنّ نظامنا وبعد مضي ثلاثين عاماً، لا يزال في ريعان شبابه، أي إنه وفي مقابل الأنظمة الحاكمة في الدنيا -منذ مائتي أو ثلاثمائة عام- هذا نظام لا يزال شاباً. إن نظامنا يمتاز بحيوية الشباب، بكل ما تعني الكلمة. وعندما ننظر إلى أفق المستقبل أيضاً، فإن هذه الحالة خالدة ودائمة. نظام شامخ وحيوي ومتقدم لا يهرم، هذا هو نظام الجمهورية الإسلامية.

 

مسألة القيادة وولاية الفقيه

هناك مسألة هي مسألة القيادة. ما ليس رائجاً في العالم، موجود في الجمهورية الإسلامية.

 

إنّ ولاية الفقيه التي بيّنها إمامنا الجليل وأعلنها وطرحها ومن ثم طبقها -فكان ذلك الجليل مظهرها التام والكامل- حيث إن كل من عرفه عن قرب، وكلّما مرّ الزمان، تظهر له المواصفات البارزة والممتازة لهذا الرجل، تعني وجود إدارة حية ومتسامية ومتقدمة. لقد طرح الإمام اصطلاحاً هو "الولاية المطلقة للفقيه"، حيث أراد بعض الأشخاص ومن خلال مغالطتهم أن يشوّهوا هذا المفهوم ويقدموا معنىً خاطئاً وتفسيراً خاطئاً له.

 

لقد قالوا إنّ معنى الولاية المطلقة للفقيه هو أنّ القيادة في نظام الجمهورية الإسلامية غير مقيّدة بأي قانون، مثل حصان مقطوع الزمام، يمكنه أن يفعل ما يشاء أينما يشاء. لم تكن المسألة هكذا وهي ليست كذلك. لقد كان الإمام الجليل ملتزماً أكثر من الجميع برعاية القوانين والأصول والمباني وجزئيات الأحكام الشرعية، وهذه

 

 

642


528

خطاب الولي 2011

 مسؤولية القيادة. في نظام الجمهورية الإسلامية القيادة لا تحتاج في عملية إقالتها إلى من يشخّص فقدانها للشروط، فلو فقد القائد الشرائط يُقال ويُعزل من تلقاء نفسه، وهذا أمر مهمٌ جداً. القيادة هي إدارة، ولكن ليست إدارة تنفيذية، ما زال هذا الإشكال والخطأ مستمرّاً منذ بداية الثورة وإلى يومنا هذا يصدر عن بعض المحافل الإعلامية، حيث فهموا المسألة هكذا، أنّ القيادة هي إدارة تنفيذية، كلا الإدارة التنفيذية محددة.

 

للإدارة التنفيذية ضوابط محددة، في قطاع السلطة التنفيذية وهذا معلومٌ ولها مسؤولون معنيون، كذلك الأمر في السلطة القضائية -والتي هي إدارة تنفيذية أيضاً -لكلّ مسؤوليات معينة، السلطة التشريعية واضحة الدور أيضاً. القائد مشرف على هؤلاء، بأيّ معنى؟ بمعنى أنه يشرف على المسار العام للنظام.

 

إنّ القيادة في الواقع هي إدارة قيمية كلّية. كما أشرت، في بعض الأحيان تجبر الضغوط والأزمات والضرورات الإدارات المختلفة لسلوك بعض المنعطفات غير اللازمة أو غير الجائزة، وهنا على القيادة أن تراقب لئلا يقع هكذا أمر. هذه المسؤولية ثقيلة جداً، هذه المسؤولية ليست مسؤولية تنفيذية، وليست تدخلاً في الأعمال، مع أنّ بعض الأشخاص يحبون أن يتحدثوا بهذا الشكل، ويقولوا إنّ القرارات الفلانية لا تتخذ بدون رأي القيادة، كلا ليس الأمر كذلك، المسؤولون في الأقسام المختلفة لديهم مسؤوليات محددة، في القطاع الاقتصادي، وفي القطاع السياسي، وفي القطاع الدبلوماسي، ونواب المجلس في أقسامهم، ومسؤولو السلطة القضائية في مجال عملهم، فلكلٍّ مسؤوليات محدّدة. وفي جميع هذه الأمور لا القيادة قادرة على التدخّل ولا لها الحق في ذلك ولا القدرة عليه. لا يوجد أصلاً إمكانية لذلك. يمكن أن يتم اتخاذ الكثير من القرارات الاقتصادية مما لا تقبله القيادة، ولكنها لا تتدخل، هناك مسؤولون لهذا، وعليهم أن يعملوا، نعم في المكان الذي يؤدي اتخاذ سياسة ما إلى انحراف طريق الثورة، يصبح هناك مسؤولية على القيادة. على القيادة أن تضع العقلانية في خدمة الأصول وفي اتخاذ القرار والعمل، وأن تضع الواقعية في خدمة التوجّهات نحو المثل العليا.

 

في الملف النووي، في تلك المرحلة الأولى حيث كان هناك تجاذبات، كان بعض الناس يتّخذ إجراءات لعلها لم تكن مناسبة، حينها قلت في خطاب عام إذا لم يتم القيام بهذه

 

 

643


529

خطاب الولي 2011

الأعمال، فسأنزل بنفسي إلى الميدان، وهكذا حدث، هذا هو معنى القيادة، وهذا أمر مستنبط من الإسلام، إنه أمر إيجابي في النظام الإسلامي.

 

الأجهزة المختلفة: السلطة القضائية، والسلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية تقوم بإنجاز أعمالها المطلوبة منها قانونياً، كما يجري في كل العالم، بصلاحيات كاملة محددة لها في الدستور، لكن الحركة العامة والكلية للنظام الإسلامي ينبغي أن لا تنحرف عن المثل العليا، وإذا انحرفت ينبغي مطالبة القيادة واعتبارها مسؤولة، مسؤولية القيادة أن لا تسمح بالانحراف. لا شك أنّ هذه المسألة لها أمثلة كثيرة، ونظراً إلى ضيق الوقت سأشير إلى أحدها باختصار.

 

 مسألة العلاقات مع أميركا، حيث فعلوا الكثير في هذه السنوات، وكم بذلوا من الجهود في العهود المختلفة للحكومات المتعددة، وتحت تأثير عوامل مختلفة. حسناً، كان هذا الأمر يسبب الضرر للحركة العامة للنظام، وكذلك لم يكن له فائدة بالنسبة للوضع المعيشي والحياتي للناس، هنا برزت الممانعة، وهناك مسائل مختلفة شبيهة بهذه.

 

مسألة الأحزاب والتحزّب

كانت هناك مسألة أخرى في ذهني وٍسأطرحها، وهي مسألة الحزب والتحزب، وأظن أنّ الوقت ضيق ولذا سأختصر. تلاحظون أنه في البلدان التي حدثت فيها ثورة، فإنّ الأحزاب تكون في وسط الميدان، فيطرح هذا السؤال: ما هي نظرتنا للتحزب والأحزاب؟ الوقت الآن ضيق ولا يمكنني أن أتكلم بالتفصيل، إن شاء الله سأتكلم في وقت آخر عن هذا الأمر بشكل مفصل، إجمالاً أقول إننا لا نخالف التحزب بشكل مطلق، ليس صحيحاً أن يتصور بعض الأشخاص بأننا مخالفون للأحزاب والتحزب.

 

قبل انتصار الثورة نحن أنفسنا قمنا بالتمهيد لتأسيس حزب كبير وفعال، وأسسنا هذا الحزب في بداية الثورة، وقد أيّد الإمام، وعملنا بجد لعدة سنوات، ثم حُلّ الحزب لاعتبارات معينة، في ذلك الوقت كان بعضهم ينتقدنا بأنّ التحزب يتنافى مع الوحدة العامة للمجتمع، وقد ألقيت خطبة مفصلة في حينها، وتمّ تفريغها وطبعها ونشرها،

 

 

644


530

خطاب الولي 2011

تحت عنوان "الوحدة والتحزب". يمكن ممارسة التحزب في المجتمع، والمحافظة على الوحدة وعدم الإضرار بها في الوقت نفسه، لا منافاة بينهما، ولكن الحزب الذي نقصده هو عبارة عن تنظيم يتولى دور هداية وإرشاد أفراد المجتمع نحو المثل العليا.

 

يوجد نوعان من الأحزاب: حزب يكون مثل قناة تجري عبرها التوجيهات والهداية الفكرية، سواء كان فكراً بالمعنى السياسي أم فكراً بالمعنى الديني والعقائدي. إذا قام أشخاص بهذا العمل فهذا جيد، فليس المقصود عبارة عن كسب القدرة، بل هم يسعون لإيصال المجتمع إلى مستوى من المعرفة، مستوى من الوعي السياسي والعقائدي، هذا أمر جيد. بطبيعة الحال، فإنّ من يمتلك هكذا قدرة سيفوز أيضاً بشكل طبيعي في مباراة القدرة والانتخابات التي تجري، هؤلاء الأشخاص سيربحون ولكن ليس هذا هدفهم. هذا نوع من الأحزاب وهو مورد تأييدنا، الميدان مفتوح ومن أراد العمل فليعمل.

 

هناك نوع آخر من الأحزاب، هو تقليد للأحزاب الحالية في الغرب. لن أتعرض للماضي وحديثي هو عن الغرب الحالي حيث إنّ الأحزاب الحالية في الغرب هي نواد لكسب القدرة، حيث إنّ الأصل في الحزب هو سعي مجموعة لكسب القدرة، يواكبها جمع من المؤيدين، فيتم الاستفادة من رؤوس الأموال والإمكانات المادية عندهم، أو أنّهم يموّلون من الآخرين، أو أنّهم يقومون بالمفاوضات السياسية في سبيل الوصول إلى القدرة، وهناك مجموعة منافسة لهؤلاء، تقوم بأعمال مشابهة لهم كي تنزع منهم القدرة وتحل محلهم. هكذا في أغلب الأحزاب حالياً في العالم. هذان الحزبان اللذان يتناوبان على السلطة في أمريكا هما من هذه النوعية. في الحقيقة هكذا أحزاب إنما هي نواد لكسب القدرة، وهي غير مقبولة لدينا. إذا أراد بعض الناس في بلدنا أن يسعوا للتحزب بهذا الشكل فنحن لا نقف في وجههم، وإذا ادّعى أحد أنّ النظام قد منعه من تأسيس حزب ما فهذا كذب واضح، لا يوجد هكذا أمر، ولكنني لا أؤيد هكذا حزب. هكذا تصنيع للأحزاب والألاعيب الحزبية إنما هو نزاع حول القدرة، وهذا غير مبرر. ولكن الحزب بمعناه الأول، أي شق قناة في المجتمع لنشر الفكر السليم أكان فكراً عقائدياً وإسلامياً أم فكراً سياسياً وإعداد

 

 

645


531

خطاب الولي 2011

الكوادر المختلفة فهذا جيد جداً، وهو ليس أمراً سلبياً. هذا إجمال المسألة، ونترك تفاصيلها لوقت آخر إن شاء الله.

 

اتهام إيران بمحاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن

أشير هنا بجملة مقتضبة إلى هذا السيناريو الأميركي الأخير (اتهام إيران بمحاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن). مسألة الاتهام بالاغتيال والهمروجة الإعلامية الأخيرة هي سيناريو، يقول الأميركيون شيئاً فيهب الأوروبيون لدعمهم. أحدهم يمرر الكرة والآخر يسجل الهدف ويقومون بلعبة سياسية في العالم، يوظّفون عملاءهم المتعددين في المنطقة وخارجها لخلق أزمة وصراع، إنه سيناريو أميركي، بالطبع نحن نرصد هذا بدقة، نتحرى لمعرفة ماذا يوجد وراء هذا السيناريو، وليعلموا بأنّ الجمهورية الإٍسلامية ستواجه أية مؤامرة وحركة تخريبية ومزعجة بكل قوة وعزم. لا شك أنّ لديهم نوايا شيطانية. ولقد استطلعنا وعرفنا هذه النوايا بشكل كبير، وسنقوم برصدها والاطلاع عليها أكثر فأكثر. إننا ننظر لنرى ماذا يفعلون، ويحتمل أنّ أحد أهدافهم الأولية هو صرف النظر عما يجري في أميركا، حيث إنّ الناس في ثمانين دولة تؤيد هذه الحركة العظيمة التي تتحرك حالياً وتدعمها، وهي حركة فتح "وول ستريت"، ليس هذا بالأمر العادي إنه مهم جداً.

 

الصهيونية منشأ مشاكل الشعوب

لا شك بأن الشعوب الأوروبية عندما تفهم أنّ مشاكلها ناشئة من سلطة الصهيونية فإنّ هذه الحركات ستنهض وتقوى أكثر.

 

هناك الكثير من المشكلات الحالية في البلدان الأوروبية كإنكلترا وفرنسا وألمانيا وايطاليا، ناشئة عن سياسات الشبكة الصهيونية الخبيثة التي تتحكم بحكومات هذه البلدان، حيث تغض الطرف عن المستثمرين والشركات الصهيونية المنتشرة في الدنيا بكثرة وتحسب لها ألف حساب. والأمر كذلك في أمريكا. التزلف والتملق للصهاينة أسلوب رائج بين أصحاب النفوذ في أمريكا. وفي أوروبا كذلك بشكل أو بآخر.

 

عندما تعلم الشعوب - الشعب الأمريكي أو الشعوب الأوروبية - بأنّ الكثير من

 

 

646


532

خطاب الولي 2011

مصائبها مصدرها السلطات الشيطانية لهذه الشبكة، فلا شك بأنّ دوافعها للتحرك ستكبر وتزيد وحركتها ستشتد. قد تتمكن أمريكا اليوم من قمع الناس بواسطة الشرطة، وحتى بواسطة الجيش -لديها سوابق في هذا، قبل عدة سنوات حدث تحرك في شيكاغو فأعطيت الأوامر للجيش لقمعها، أظن أنها جرت في زمان كلينتون وقبل مجيء بوش- فلا مانع عندهم أبداً، يستدعون الجيش، ويقمعون الناس، ويضربون ويقتلون ويتشدّدون بالسجن والاعتقال. يمكنهم أن يقمعوا هذه الحركة ولكنها لن تزول وتنتهي، بل ستبقى ناراً تحت الرماد لتلتهب في يوم من الأيام وتحرق كل هذا الهيكل المتهاوي للاستكبار والرأسمالية وتحيله رماداً.

 

تحذير للمسؤولين الأمريكيين

بطبيعة الحال إننا الآن نُحذّر المسؤولين الأمريكيين من القيام بأي حركة سخيفة وشيطانية -سواء في المجالات السياسية أم الأمنية- وليعلموا أنّ الجمهورية الإسلامية حية ويقظة. كلما أداروا هم ظهورهم لشعوبهم فإننا نقترب أكثر من شعبنا، إذا كانوا مكروهين من قبل شعبهم، من أكثرية شعبهم -والحقيقة هي هذه- فإن المسألة في الجمهورية الإسلامية هي بالعكس من ذلك. هذه التجمعات العظمى للناس، اليوم وفي جميع المناسبات الأخرى، دلالة على عزم الشعب الراسخ. نحن جميعاً في الساحة، كلنا من الشعب، كلنا جنود الثورة والنظام الإسلامي. فليعلموا أنّ هنا كياناً متحداً ومنسجماً ومستحكماً، سيقف بوجه أي مؤامرة ولن يخضع لابتزاز أي كان. هم يخطئون إن تخيلوا أنّهم يمكنهم أن يضغطوا ومن ثم يفرضون التنازلات.

 

بالطبع فإنّ هذا ديدن القوى الكبرى. وهو من الأعمال الرائجة عند القوى الدولية المستكبرة، يجدون أمامهم دولة، على رأس السلطة فيها أشخاص ضعفاء ومعزولون عن شعوبهم، يقومون بالضغط عليهم، ويطلقون الشائعات ومن ثم يبتزونهم ويفرضون عليهم التنازلات.

 

لقد أثبتت الجمهورية الإسلامية خلال هذه السنوات الثلاثين أنها لا تخضع ولا تتنازل وأنه لا أثر للضغوط عليها، ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ

 

 

647


533

خطاب الولي 2011

مصائبها مصدرها السلطات الشيطانية لهذه الشبكة، فلا شك بأنّ دوافعها للتحرك ستكبر وتزيد وحركتها ستشتد. قد تتمكن أمريكا اليوم من قمع الناس بواسطة الشرطة، وحتى بواسطة الجيش -لديها سوابق في هذا، قبل عدة سنوات حدث تحرك في شيكاغو فأعطيت الأوامر للجيش لقمعها، أظن أنها جرت في زمان كلينتون وقبل مجيء بوش- فلا مانع عندهم أبداً، يستدعون الجيش، ويقمعون الناس، ويضربون ويقتلون ويتشدّدون بالسجن والاعتقال. يمكنهم أن يقمعوا هذه الحركة ولكنها لن تزول وتنتهي، بل ستبقى ناراً تحت الرماد لتلتهب في يوم من الأيام وتحرق كل هذا الهيكل المتهاوي للاستكبار والرأسمالية وتحيله رماداً.

 

تحذير للمسؤولين الأمريكيين

بطبيعة الحال إننا الآن نُحذّر المسؤولين الأمريكيين من القيام بأي حركة سخيفة وشيطانية -سواء في المجالات السياسية أم الأمنية- وليعلموا أنّ الجمهورية الإسلامية حية ويقظة. كلما أداروا هم ظهورهم لشعوبهم فإننا نقترب أكثر من شعبنا، إذا كانوا مكروهين من قبل شعبهم، من أكثرية شعبهم -والحقيقة هي هذه- فإن المسألة في الجمهورية الإسلامية هي بالعكس من ذلك. هذه التجمعات العظمى للناس، اليوم وفي جميع المناسبات الأخرى، دلالة على عزم الشعب الراسخ. نحن جميعاً في الساحة، كلنا من الشعب، كلنا جنود الثورة والنظام الإسلامي. فليعلموا أنّ هنا كياناً متحداً ومنسجماً ومستحكماً، سيقف بوجه أي مؤامرة ولن يخضع لابتزاز أي كان. هم يخطئون إن تخيلوا أنّهم يمكنهم أن يضغطوا ومن ثم يفرضون التنازلات.

 

بالطبع فإنّ هذا ديدن القوى الكبرى. وهو من الأعمال الرائجة عند القوى الدولية المستكبرة، يجدون أمامهم دولة، على رأس السلطة فيها أشخاص ضعفاء ومعزولون عن شعوبهم، يقومون بالضغط عليهم، ويطلقون الشائعات ومن ثم يبتزونهم ويفرضون عليهم التنازلات.

 

لقد أثبتت الجمهورية الإسلامية خلال هذه السنوات الثلاثين أنها لا تخضع ولا تتنازل وأنه لا أثر للضغوط عليها، ﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ

 

 

647


533

خطاب الولي 2011

وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾[1]. عندما نشاهد هذه الضغوط وهذه المكائد الشيطانية من قبل أخبث شياطين العالم، ندرك أن الوعد الإلهي حق، فنقول ﴿هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ﴾. لقد وعد الله كل من يتحرك على الصراط المستقيم بأنّ الشياطين والمنحرفين سيقومون بمواجهته، وهذا مصداقه.

 

لقد أخبرنا الله بهذا في السابق، وأخبرتنا به آيات القرآن ﴿وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥۚ﴾، قول الله حق. ﴿وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾، إنّ هذا يزيد الإيمان بالوعد الإلهي، قال الله تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ﴾. من ينصر الله وينصر دينه وسبيله وأهدافه، فإن الله سينصره حتماً ويقيناً. واعلموا أنّ هذا ما ينتظر الشعب الإيراني العزيز.

 

لقد كان لقاءً جيداً جداً. إنّ هذا الجمع العظيم والحاشد، هذه القلوب الطاهرة والصافية، كل هذا بالنسبة لي أمر لا يُنسى.

 

اللّهم بمحمدٍ وآل محمد، أنزل فضلك ولطفك ورحمتك على هذا الشباب العزيز، وعلى أهالي كرمانشاه الأعزاء.

 

اللّهم اخزِ ودمّر أعداء الشعب الإيراني.

 

اللّهم بمحمد وآل محمد ثبّت أقدامنا على صراطك المستقيم. أرضِ القلب المقدس لولي العصر عنا. أرضِ الأرواح المطهّرة للشهداء والروح الطاهرة للإمام العظيم عنا.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


[1] سورة الأحزاب، الآية 22.

 

 

648


534

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء حشد من جماهير باوه في كرمانشاه

 

 

         

         

         

المناسبة:   لقاء حشد من جماهير باوه  في كرمانشاه

الحضور:  حشد من جماهير باوه

المكان:   كرمانشاه

 

الزمان:    ٢٥/٠٧/1390هـ.ق.

19/11/1432هـ.ق.

17/10/2011م.

 

 

649


535

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الأطيبين وصحبه المنتجبين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين.

 

أشكر الله تعالى كثيراً أنه بعد سنوات طوال، وفقني للحضور في هذه المدينة وأن أكون بين حشد متحمس مُحب هو صفوة هذه المنطقة. إنني مسرور جداً لحضوري بين جمعكم الكبير والمتحمس والمخلص، أنتم أهل باوه الأعزاء. كذلك لحضوري بين أهلنا الأعزاء من أبناء جوانرود، روانسر وثلاث باباجاني الذين تكبدوا العناء للحضور. يقيناً سيكون هذا اللقاء الحار الحميمي والمفعم بالود، بالنسبة لي، ذكرى لا تنسى، كما أنّ ذكرياتي السابقة مع أهل باوه ذكريات لا تنسى.

 

من ذكريات القائد في مدينة "باوه"

لا بأس أن أسرد لكم شباب باوه الأعزاء هذه الحادثة الذكرى، حين التقيت لأول مرة بجماعة من أهل باوه، وكان ذلك في الأشهر الأولى لانتصار الثورة في مجلس قيادة الثورة. كنت حينها عضواً في مجلس قيادة الثورة، وقد رأيت عدة أشخاص من الشباب أصحاب الطلّة والهيئة الحسنة باللباس الكردي حضروا إلى مجلس قيادة الثورة، وطلبوا منا تخصيص بعض الوقت للضرورة. التقيت بهذه الجماعة الشابة والمتحمسة، وكان كلامهم أنّ أعداء الثورة في منطقة "باوه" و"اورامانات"، بصدد أن يشنوا هجوماً مسلحاً على أبناء الثورة ويبطشوا بهم. وأنتم ساعدونا كي نستطيع أن نقاوم ونصمد في وجه أعداء الثورة. هذا الكلام يعود إلى عدة أشهر من بدايات الثورة. لعله لا يمكن للمرء أنّ يتصور أن هناك شباباً مؤمناً من منطقة كردية، يعتقدون بالإسلام وشجعان، وفي الواقع فدائيون، مستعدون أن يحملوا على عاتقهم حمل الدفاع عن المدينة، عن قضاء اورامانات.

 

 

651


536

خطاب الولي 2011

لقد كانت آمالهم فقط أن تمد الأجهزة المسؤولة -التي كانت في ذلك الوقت إمكانياتها محدودة جداً، ولديها أيضاً مشاكل كثيرة، إضافة إلى وجود الكثير من المعوقات- يد العون لهم، وأن تعطيهم مقداراً من السلاح.

 

لاحقاً حقّقت هذه المنطقة في الدفاع في وجه أعداء الثورة، امتيازاً وتفوقاً. وقبل بدء الحرب المفروضة، شكل شباب هذه المنطقة، بأنفسهم، وحدة عسكرية تابعة لحرس الثورة الإسلامية في منطقة اورامانات وباوه، كما أنّ الحرس ساعد، وانهمك في الدفاع عن هذه المنطقة. هذه الجبال الشاهقة، وهذه الأرض الوعرة، لانت وخضعت أمام همة ومروءة وشجاعة شباب هذه المنطقة. وقبل أن تنوي الأجهزة المسؤولة الدخول، قاوم الناس أعداء الثورة.

 

قبل مرحلة المواجهة العسكرية، حدثت مواجهة سياسية في هذه المنطقة، وذلك في شهر آذار 1979، أي بعد مضي شهر ونيّف على انتصار الثورة، حيث أُجري الاستفتاء الشعبي للجمهورية الاسلامية، وقد منع أعداء الثورة، الناس في هذه المنطقة، كما في مناطق أخرى، من المشاركة في الاستفتاء العام، لكن أهل باوه كانوا من جملة الأشخاص الذين، على الرغم من وجود أعداء الثورة ومواجهتهم، أظهروا أكثر مشاركة حماسية في الاستفتاء العام في شهر آذار 1979. ولاحقاً وصل الدور إلى المقاومة المسلحة.

 

كنت قد جئت إلى باوه سنة 1981، في مرحلة الحرب. كانت الأجواء صعبة. وكان الإنسان يرى أنّ العدو قد سعى لأن يفرض أجواء غير آمنة على هذه المنطقة. كان ذلك في أوائل أو منتصف شهر آذار، وكانت الثلوج قد غطت الأرض. ذهبنا إلى أعالي المرتفعات. وشاهدت كيف أنّ مرافقينا كانوا يصرون على أنّ المكان غير آمن، وعليكم أن ترجعوا، أي آنذاك كانت المرتفعات المشرفة على المدينة غير آمنة. في تلك الظروف، صمد أهل باوه ونخب باوه والشباب المؤمن لباوه، وقاوموا واستطاعوا أن يكسبوا لأنفسهم هذه المكانة المرموقة. لقد كانت المنطقة على هذه الشاكلة. وأذكر الآن باوه لأنه كان لها المحورية وكانت باوه أساس العمل، وإن كان القضاء بأكمله في ذلك الوقت والذي كان يشمل روانسر وجوانرود وثلاث باباجاني وسائر المناطق الصغيرة، قد شاركت جميعها في هذه الحركة العظيمة، ولكن كانت باوه المحور والمركز.

 

 

652


537

خطاب الولي 2011

مميّزات أهل "باوه"

كان التدين من مميزات هؤلاء الأهالي. ولا زال إلى يومنا هذا. وتوجد ميزتان في منطقة باوه تحثان المرء على الثناء والمديح: الميزة الأولى، ميزة التدين، الالتزام بالمعرفة الدينية ومباني الدين والشريعة. الميزة الثانية، التنور الفكري. شباب هذه المنطقة -بحسب اطلاعي ومن خلال مراقبتي للتقارير المفصلة- هم شباب متنور. جزء مهم من هذه الامتيازات يعود إلى ذلك الرجل العالم والمجاهد، حضرة جانب ماموستا قادري، وهو رجل دين عالم وأيضاً متنور.

 

هكذا يكون العالِم في تلك المرحلة وفي كافّة المراحل الحساسة، يخوض عمل الجماعات الشعبية، يتحلى بالوعي والبصيرة، لديه القدرة على فهم وتشخيص المسائل، ثم أيضاً ينزل إلى وسط الميدان. العالِم الذي يتنحى جانباً، ويقول للناس أنتم اذهبوا وتحرّكوا، أقدموا، لا يجدي نفعاً. العالِم الذي ينال التوفيق هو الذي يسير، ويقول نسير، لا ذلك الذي يقول سيروا. العالم ينبغي أن يكون وسط الميدان، يتقدم الناس، ويكون من أهل الإقدام. ونحن لحسن الحظ قد شاهدنا ورأينا نماذج متنوعة يُقتدى بها من علماء المنطقة الكردية.

 

وأولئك الأشخاص الذين هم على عداوة مع أفراد هذا الشعب بسبب تدينهم، وهم على عداوة مع أفراد هذا الشعب بسبب روحيتهم الثورية، وعلى عدواة مع أفراد هذا الشعب بسبب عشقهم للوطن العزيز، لإيران العزيزة، هؤلاء الأعداء الشياطين أكثر مخالفتهم لمثل هؤلاء العلماء، هم أعداء العلماء الذين ينزلون وسط الميدان، ومستعدون للجهاد والتضحية والذين هم مشعل هداية. أنا اليوم أتطلع إلى مدينة باوه ومنطقة اورامانات، أرى مستوى عالياً من العلم، مستوى مرتفعاً من المعلومات، شباباً محصلين وواعين ومتدينين، وهذا امتياز كبير جداً لهذه المنطقة، نشكر الله تعالى عليه.

 

مشكلة البطالة

من المؤكد أن المشاكل التي ذكروها، هي مشاكل حقيقية، ونحن مطلعون عليها. فمن المسائل التي تقلقني وتعتبر هاجساً عندي هي مسألة البطالة في هذه المحافظة.

 

 

653


538

خطاب الولي 2011

وأنا كنت قد تعرضت لهذه المشكلة في خطابي العام في كرمانشاه. وتدوالتها أيضاً مع المسؤولين. وإن شاء الله في أواخر سفرتي، سيأتي المسؤولون من طهران، ونطرح المشكلة هنا حتى تُتخذ قرارات بنّاءة فنستطيع أن نقلّص بالحد الأدنى من هذه الهواجس. فالأرضية وفرص العمل في هذه المحافظة كبيرة، وفي نفس هذا القضاء أيضاً الفرص ليست بقليلة، وإن شاء الله لو تم تدبيرها بوعي، يمكن لقسم مهم من هذه الطاقات الشابة والمستعدة للعمل والمحصلة علمياً أن تجد فرص عمل.

 

الشعب الإيراني قدوة

ما هو مهم هو حفظ الهوية الجماعية لشعب ما أو لمجموعة إنسانية ما، تحت أي عنوان. الهوية الإيرانية الإسلامية لشعبنا وأمتنا، ببركة الثورة الإسلامية، وببركة حضور الناس في الساحة ومساهمة ومشاركة الشعب في المسائل الأساس للنظام، هي حقيقة راسخة. العالم اليوم يتعرف إلى شعب إيران، يتعرّف إلى أنّ الإسلام يتلاءم مع الوعي والبصيرة والريادة والتقدم في الميادين المختلفة، وهذا ليس بقليل. خاصة أن الحركات الإسلامية في عالم الإسلام قد انطلقت اليوم، ويمكن لشعب إيران أن يؤدّي دوراً.

 

بالتأكيد نحن ليس لدينا أية مزاعم مقابل هذه الشعوب، نحن لا نقول نحن قادتكم، وأنتم تعلّموا منا، أبداً، نحن لا ندعي هذا، كل أمة بما تملك من استعدادات، بشخصيتها، بقدراتها، ستعثر بنفسها على الطريق وتسير، لكن لا شك أنّ الأشخاص الذين استيقظوا في هذه البلاد وعثروا على سبيل الخلاص، من قبيل مصر وتونس وبعض البلدان الأخرى، وحتى البلدان التي لا زالت تتولاها الأنظمة المفروضة والطاغوتية، ولكن شعبها استيقظ، في كافة هذه البلاد، العيون والأنظار تتطلع إلى شعب إيران، لأنّ هذا الشعب طوال 30 عاماً قد أثبت قابلياته واستعداداته العالية في الميادين الصعبة. فهم يتطلعون إلينا، ونحن يمكننا أن نكون علامة فارقة ومعياراً لكلّ الأفراد الذين ينظرون إلينا نحن شعب إيران في تلك البلاد.

 

عندما نلتزم بالإسلام والقيم الإسلامية، بالتلازم مع العقلانية، والتقدم العلمي، والتواجد في ميادين العلم المختلفة والمسائل الاجتماعية والسياسية، نكون قدوة

 

 

654


539

خطاب الولي 2011

وأسوة. والشعوب حينها تتطلع، وتستفيد من تجربة هذا الشعب، وهذا الأمر سيعود بالنفع على شعب إيران، وأيضاً سيعود بالنفع على شعوب المنطقة، وأيضاً إن شاء الله سينفع في المستقبل من أجل تشكيل الأمة الإسلامية الكبيرة، الأمة الإسلامية الموحّدة.

 

الوحدة بين السنة والشيعة

من المؤكد أنّ هناك أعداء لهذا النهج. فما نفكّر فيه وما نجريه على ألسنتنا، هو بعينه يفكر به أعداؤنا، أعداء النظام الإسلامي، أعداء الإسلام، أعداء شعوب هذه المنطقة الذين هم في صدد الاستغلال والتسلط والاستيلاء والاعتداء والتدخل في شؤوننا. هم أيضاً قد فكروا أنّ شعب إيران بتطوره، وتقدمه العلمي، وتقدمه التقني، وبحضوره الدبلوماسي القوي، يمكنه أن يبرز كمعلم وشاخص، وستتبعه الشعوب الأخرى، ولذلك يريدون الحؤول دون ذلك، وهم بصدد بث الفرقة.

 

من الوسائل التي يستفيد دوماً منها أعداء الشعوب المسلمة للتفرقة، مسألة التفرقة المذهبية، بين الشيعة والسنة. هم يصنعون الشقاق، يحدثون التفرقة، يوقعون أيضاً بين الإخوة، يضخمون الاختلافات، يبرزونها، ويضعفون الجهات المشتركة والموحدة ويبهتونها، فهم يضخمون الشيء الصغير ويبرزونه. كل المسائل المشتركة الموجودة بين السنة والشيعة، يضعفونها ويقللون من شأنها، وهذا العمل الذي كان يُعمل عليه دوماً، الآن أيضاً يعمل عليه.

 

الجمهورية الإسلامية من اليوم الأول وقفت في وجه هذه المؤامرة، والسبب أننا لا نجامل أحداً أو نداهن، هذه عقيدتنا. قبل أن يتشكل النظام الإسلامي، كان إخوتنا، أعلام النهضة، قادة النضال الثوري آنذاك -ووقتها لم يكن يلوح في الأفق خبر حول الحكومة الإسلامية والجمهورية الإسلامية- يسعون باتجاه وحدة الشيعة والسنة. أنا نفسي تمّ إبعادي إلى بلوشستان، ومن حينها والى يومنا هذا أنا وعلماء السنة الحنفيون لمدن بلوشستان -إيرانشهر وتشابهار وسراوان وزاهدان- الذين هم بحمد الله لازالوا أحياء، أصدقاء ومقربون وتجمعنا علاقات حميمة. لقد نُفيت إلى هناك، ولم تكن الأجهزة لتدعنا نقوم بأي سعي، لكن في الوقت ذاته أنا قلت تعالوا ولنقم بعمل ما

 

655


540

خطاب الولي 2011

كمظهر يظهر الوحدة بين الشيعة والسنة في هذه المدينة، حيث خطرت قضية أسبوع الوحدة -ولادة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في الثاني عشر من الربيع الأول على رواية أهل السنة، وفي السابع عشر من ربيع الأول على رواية الشيعة- بأذهاننا في ذلك الوقت وعملنا بها في إيرانشهر، أي أننا احتفلنا من الثاني عشر وحتى السابع عشر. فهذا الفكر المتأصل ليس وليد اليوم أو البارحة.

 

فلينظر الإخوة المسلمون ويروا أنّ اتحادهم هو وفق أية مباني، هل هو كلام باللسان، أم له تحقق وواقعية؟ حسناً، نحن نرى أن معارفنا واحدة، توحيدنا واحد، معادنا واحد، نبوتنا واحدة، صلاتنا وصومنا واحدان، حجنا واحد، عدونا واحد، أهدافنا وآمالنا ومصالحنا مترابطة ومتشابكة -الشعوب المسلمة، سواء كانت من الشيعة أم من السنة- كيف يمكننا أن ننفصل عن بعضاً العدو يريد بالقوة أن يرتكب هذه الجريمة. لهذا من اليوم الأول، وقفت الجمهورية الاسلامية إلى جانب الإخوة الفلسطينيين، مع أنه في فلسطين -بحسب ما هو ببالي- لا يوجد أساساً شيعة، وفي حال وجد، هم قلة. الإخوة الفلسطينيون كانوا يعتبرون إيران كبيتهم، ولا زال الوضع كذلك، فهم يأتون، ويذهبون. ولا يوجد أي بلد إسلامي آخر من مذاهب أهل السنة المتنوعة، قد تعامل بهذا الشكل بلا مقابل وبمحبة وإخلاص مع الفلسطينيين. والعدو يرى هذا، ولذا هو لا يريد لهذا أن يحدث، لا يريد أن تتوحد الأمة الإسلامية.

 

نحن لحسن الحظ في إيران الإسلام استطعنا إحباط هذه المؤامرة. الشيعة والسنة جدّوا في بلدنا. أنتم الأكراد السنّة الشافعيون في هذه المنطقة تشكلون ضلعاً مؤثراً في تكوين هذه العظمة والمجد، أنتم أظهرتم هذه الوحدة، بيّنتم هذه الوحدة وهذا الإخلاص والصفاء، ولجمتم فم العدو، وهذا عمل متميز جداً.

 

أنا أصر أنه في كافة مناطق البلاد، سواء في المناطق التي يعيش فيها السنة والشيعة جنباً إلى جنب، أم تلك المناطق التي يقطنها الشيعة فقط، أم تلك المناطق التي يسكنها السنة فقط، على الجميع أن يتصرفوا على هذا المنوال بحيث يفهم العدو أنه لا يمكنه في هذا البلد وبذريعة الاختلاف المذهبي، أن يُحدث تفرقة بين المذاهب الاسلامية، وإلا إذا وُفق العدو لذلك، اعلموا أنه لن يكتفي بهذا المقدار، فإذا لا قدر الله استطاع أن

 

 

656


541

خطاب الولي 2011

يفرّق بين الشيعة والسنة، فإنه سيذهب باتجاه السنة، وإذا كانوا موحدين، سيفرقهم، جماعة من الشافعيين، جماعة من الحنفيين، جماعة من المالكيين، جماعة تتبع المذهب الأصولي الفلاني، وجماعة تتبع المذهب الآخر، فالعدو لا يقف عند حد.

 

إنّ سبيل النجاح في مواجهة العدو، هو أن لا يتراجع المرء خطوة واحدة، وإلا إذا تراجع خطوة واحدة في مواجهة العدو، سيؤدي ذلك إلى تشجيع العدو على إحكام قبضته وتطاوله.

 

الجمهورية الاسلامية تفتخر، أنه طوال اثنين وثلاثين عاماً، لم تتراجع خطوة واحدة مقابل العدو. بالرغم من الضغوطات الهائلة، الضغط العسكري، والضغط الأمني، وضغط الحظر، والضغوطات السياسية، والضغوطات الإعلامية، إلا أننا لم نتراجع. وأنا أقول لكم، أعزائي! إخواني! أخواتي! شباب هذه المنطقة الواعي والمتنور! اعلموا أن شعب إيران ومسؤولي البلاد لن يتراجعوا خطوة واحدة في مقابل ابتزاز وضغوطات الأعداء.

 

رحمة الله على أموات هذه المنطقة الشجعان. رحمة الله على الشهيد شمران، وعلى الشهيد كشوري والشهيد شيرودي الذين ذرعوا بطائراتهم العمودية هذه المنطقة ذهاباً وإياباً، شهداء أمثال الشهيد ناصر كاظمي وشهداء آخرين كانوا في هذه المنطقة، وشهداء كثر من شباب هذه المنطقة الذين ضحوا بأرواحهم. قبل أن أبدأ الخطاب، هنا في الأسفل، جاء عدة أشخاص من الإخوة الأعزاء وعرفوا بأنفسهم: ابن شهيد، ابن شهيد، ابن شهيد، فلقد كَبر اليوم أبناء الشهداء اليافعين. رحمة الله عليهم وعلى الأمهات اللواتي ربتهم وأنشأتهم في أحضانها، ورحمة الله على معلميهم وأساتذتهم.

 

أنا أؤكد، أنه يلزم لنفس هذه الرؤية الدينية والثقافية الواعية المتحققة بحمد الله في باوه بنحو لافت، أن تنتشر وتدوم إن شاء الله، أي الوعي الديني، والوعي التاريخي، والوعي الإسلامي، والبصيرة بالنسبة لقضايا المجتمع. لقد صبر شعب إيران، وأنتم صبرتم، وقاومتم، ونقلتم المقاومة من جيل إلى جيل آخر. وهذا كله اليوم قد ترك أثراً، الأمة الاسلامية قد استيقظت. لا يظن المستكبرون أنهم يستطيعون أن يزيلوا أو يطفئوا هذه السلسلة من النهضات والصحوة الاسلامية في المنطقة، أبداً. وبلا شك ستستمر

 

 

657


542

خطاب الولي 2011

حركة الصحوة هذه، وبانتظار هذه الشعوب مستقبل أفضل.

 

إنني مجدداً أتوجه إليكم بالشكر، من الحضور المحترم، من مسؤولي هذه المنطقة وكذلك المناطق الأخرى لكرمانشاه. وأنا قبل عدة أيام ذهبت إلى كيلان الغربية، وبجّلت وأجللت أهل كيلان الغربية، أهل إسلام آباد، أهل قصر شيرين، ويلزم أن أبجل أهل سربل ذهاب أيضاً الذين ضحوا كثيراً. أنا بنفسي قد ذهبت مراراً إلى معسكر أبو ذر. إنّ العون الذي قدمه الأهالي، صمود أهل تلك المنطقة وكافة أنحاء محافظة كرمانشاه، هو بالغ الأهمية والقيمة، وان شاء الله ستكون تأثيراته، كما تركت أثراً على تنشئة الجيل الجديد لهذه المنطقة، ستترك أيضاً أثراً على تقدم هذه المنطقة أكثر من قبل.

 

 أملي إن شاء الله أن ينال المسؤولون المحترمون التوفيق وأن يعالجوا الأزمات المتعلقة بهذه المناطق، بالأخص منطقة باوه واورامانات، ونحن بوسعنا أن نتصور مستقبلاً أفضل لكم أهلنا الأعزاء، وبالأخص شباب هذه المنطقة العزيز، وننتظر ونأمل أن يكون لنا ذلك المستقبل. أتقدم من جميعكم بجزيل الشكر وأسأل الله تعالى لكم التوفيق.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

658


543

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء النخب والصفوة في كرمانشاه

 

         

         

المناسبة:   لقاء أفراد التعبئة

الحضور:  جمع من أفراد التعبئة

المكان:   كرمانشاه

 

الزمان:    ٢٢/٠٧/1390هـ.ش.

16/11/1432هـ.ق.

14/10/2011م.

 

659


544

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

هذه الجلسة، كانت جلسة عذبة ومنشودة ولا تُنسى، منوّعة وغنية بمحتواها ومضمونها. وفي الواقع استفدت وانتفعت من الكلام الذي أدلى به السادة. كما أنّ هذه الجلسة تزيد من معرفة هذا العبد وأمثال هذا العبد بمدينة كرمانشاه ونخب هذه المحافظة، والاستعدادات الكامنة لتنشئة النخب في هذه المحافظة. لقد تفضل أحد السادة قائلاً إنّ المحافظة هي درع إيران الحديدي، كم هو تعبير جميل وعميق المحتوى، أريد أن أضيف، هي أيضاً وجه إيران الجميل، فالعلم والفن والأدب والجهود الثورية وكذلك الأعمال الرياضة والروحيات البطولية وكل شيء آخر قد وُجد بحمد الله في هذه المحافظة.

 

جملة من شخصيات كرمانشاه النخبوية

بالتأكيد، كنتُ أعرف قبل انتصار الثورة بعض شخصيات المحافظة النخبوية والمرموقة، منهم المرحوم يد الله بهزاد الذي كان صديقاً قديماً لي. وكان يأتي مراراً إلى مشهد. المرحوم بهزاد كما كان يتمتع بالقريحة الشعرية بنحو جيد جداً بالأخص في القصيدة والقطعة الشعرية، بحيث كان للإنصاف شخصية متميزة ومرموقة في البلاد أيضاً كانت توجد فيه روحية وأخلاقيات كرمانشاه البطولية، فهو كان قد جاء برحلة إلى مشهد، وأنا حينها كنتُ تحت الملاحقة، ومُبعداً عن مشهد، رحلت إلى مكان ناءٍ عن الأعين مدة ورأيتُ السيد بهزاد وبعض الأصدقاء الآخرين من اتحاد مشهد الأدبي قد جاؤوا إلى هناك لرؤيتي بالرغم من خطورة هذا العمل. هذا الرجل لم يكن من أهل هذا النحو من الأعمال النضالية، وإنّما دفعته الصداقة والمودّة والرفقة إلى هذا الوادي. فهو جدير بالثناء والمدح.

 

وكنت على معرفة أيضاً بالمرحوم كيوان سميعي، الذي حقاً وإنصافاً كان عالماً محقّقاً

 

 

661


545

خطاب الولي 2011

ونادراً. فهو إضافة إلى الكتاب الذي كتبه في سيرة المرحوم سردار كابلي -هذا الكتاب نفسه على الرغم من أنّه سيرة ذاتية، إلا أنّه غني بمطالبه ومضامينه وأبحاثه- له أيضاً كتابٌ آخر، عنوانه: "تحقيقات أدبى". وفي الواقع يشعر المرء أنّ هذا الرجل هو في مصاف محمد قزويني وشخصيات أخرى من هذا القبيل. فبلحاظ البحث والتحقيق، وسعة المعلومات في المجال الأدبي، والتاريخ وكل شيء، كان للإنصاف شخصية متميزة.

 

المرحوم السيد نجومي رضوان الله عليه أيضاً الذي تشرفنا بزيارته منذ بدايات الثورة وتعرفنا إليه، وللإنصاف كان رجلاً جامعاً -لقد كان فقيهاً، وأيضاً أديباً، وأيضاً فناناً- شخصية يقل نظيرها من بين العلماء.

 

بالتأكيد في الماضي، من عهد قم، كنتُ على معرفة بنخبة علماء هذه المحافظة، المرحوم الحاج السيد مجتبى حاج آخوند رحمة الله عليه، المرحوم الشهيد الحاج بهاء محمدي عراقي، وبعض آخر من الأصدقاء. في الوقت ذاته ينبغي إنّ أقول أنّ الصورة الحقيقية العلمية والفنية والأدبية لكرمانشاه، لم تعرف كما ينبغي، وهذا يدعو للأسف والحسرة. والحق أنّ المسؤولين الإعلاميين في البلاد والإذاعة والتلفزيون، وبمساعدتكم أنتم نخبة وزبدة هذه المنطقة، بإمكانكم أن تعرّفوا عن كرمانشاه. الآن هناك قسم متعلق بماضي كرمانشاه، وقسم متعلّق بحاضر كرمانشاه.

 

الاستعدادات العالية لأبناء كرمانشاه

اليوم ولحسن الحظ الاستعدادات عالية جداً. واليوم شُوهد في الكلمات التي ألقاها الاصدقاء هنا، نموذج من هذه الاستعدادات العالية للمحافظة. فشخص من أمثال السيد البروفسور شمسي بور هو في الحقيقة مفخرة من المفاخر. وهو ليس فقط عمدة افتخار المحافظة، بل للحقّ والإنصاف هو من مفاخر البلاد. ومعرفته تبعث على الأمل والرجاء. هؤلاء الشباب الأعزاء الذين تكلّموا، كل واحد منهم يبشّر بالخير في مجاله، يبشر بمستقبل واعد لكل البلاد.

 

قبل يومين كنت أيضاً في الجامعة، وهناك أدلى بعض الشباب بمسائل وقدموا اقتراحات آنستني. فمن الممكن أن لا يتطابق ما يدور في أذهان وآمال هؤلاء الشباب

 

 

662


546

خطاب الولي 2011

 مع الواقع فيظهر وكأنّه طموحٌ خياليّ، لكنّ هذا الأمر جيّدٌ ومطلوبٌ ومن المستحسن أن يكون لشبابنا مثل هذه الطموحات العالية والآفاق البعيدة ونتحرّك باتّجاهها.

 

اليوم لحسن الحظ توجد هذه الهمة في البلاد، هذا الدافع، وهذه الخلفية، لكنّها في يوم ما لم تكن. ففي عهد النظام الطاغوتي، واقعاً لم يكن هناك مجال لتنمية الاستعدادات المختلفة. هؤلاء الأشخاص الذين كانت دوافعهم شخصية، قد تحرّكوا خلف دوافعهم الشخصية، والأمر دائماً هكذا. هناك وقتٌ تشرع فيه القافلة بالتحرّك وتكون قافلة الأمّة، وهذا ما يتطلّب أرضيّة وجوّاً مناسباً، وقد تحقّقت اليوم هذه الأرضية وهذا المجال الحيويّ. أمّا في الأمس فلم تكن، لذا ما كان لدينا في الماضي من مفاخر علمية وأدبية وفنية ودينية وغير ذلك، يمكننا أن نأمل بأنه سيكون أضعافاً مضاعفة في المستقبل إن شاء الله وبهمّة وسعي وقدرة وجهد نسائنا وشبابنا ورجالنا المؤمنين وبتوفيق الله.

 

إحياء سُنّة تكريم النُخب

لقاء النخب -حيث أعدُّ لعقد مثل هذه اللقاءات عادة في المحافظات المختلفة وهي بالنسبة لي مفيدة جداً- هو بالدرجة الأولى من أجل تكريم النخب، تكريم الخلاقيّة والإبداع. إنّنا نريد أن يصبح تكريم وتقدير أصحاب الفكر والإبداع والإنجازات المميّزة سنّة رائجة في المجتمع. الكثير من الأشخاص الذين دفعوا بالبلاد إلى الأمام بمساعيهم العلمية وجهدهم الفكري، لا يتوقعون الأجر المادي، وإنّما معرفة قدرهم. ونحن نريد أن يتمّ هذا التقدير لهم. وليس فقط أن أقدّر أنا هذا العبد الحقير بأن هذا جيد، وهذا أمر ليس مهماً، ما نريده أن يصبح هذا الأمر سُنّة في بلادنا، وفي مجتمعنا، وأن ينتشر بين شعبنا وأهلنا. لوحظت مسألة متميزة وبارزة في الفكر، وفي العلم، وفي السعي والجهاد، ينبغي تقديرها، وهذا هو دافعنا الأول.

 

لحسن الحظ أنّه يوجد أيضاً في كل بقاع البلاد من هذه النقاط والعلامات المميزة. لقد شاهدتُ في بعض المحافظات أنّ مفكّراً وعالماً قد نشر كتاباً في مجال أحبّه، وأنا العبد مع أنّني من أهل المطالعة وأتابع غالباً المنشورات والكتب، إلا أنّ اسم هذا

 

 

663


547

خطاب الولي 2011

الكتاب لم يصل حتى إلى مسامعي، حتى أنّني لم أسمع باسم هذا المؤلف، فتعجّبت. وهذا يشير إلى أننا لدينا الكثير من الذخائر والكنوز المخفية، لابد من أن نكشف عنها، ولا بد من أن نتعرّف إلى شخصياتنا المميزة، ولا بد للناس من أن يعلموا بها. فهذا الاطّلاع والمعرفة والإحاطة نفسها، هي أول درجة لتقديرهم. إضافة إلى هذا، المسألة الثانية برأينا، هي أنّ الدافع الثاني من عقد هذه الجلسات هو صناعة النموذج والقدوة.

 

صناعة النموذج والقدوة

هناك سعيٌ اليوم إلى نحت نماذج وقدوات في شتّى المجالات لتكون أسوة للمجتمعات المختلفة. حقيقة أنّ السياسيات الحالية هي بصدد هذا الأمر، عندما ترون على سبيل الفرض شخصاً منحرفاً ثنائي الجنس ودون أن يكون له فن أو مهارة لامعة ومتميزة، يضعون اسمه ورسمه مباشرة في كافة وسائل الإعلام الأمريكية ومن بعدها الوسائل الغربية، وتضع المجلات الغربية المعتبرة والواسعة الانتشار صوره وسيرة حياته ومراحل عمره المختلفة وأشكاله المتنوعة كرجل وإمرأة. لا يمكن حمل هذا الأمر على أنّه صدفة، هذا تم التخطيط له. هؤلاء هم نماذج قدوة مُصنّعة لأجل حرف الأجيال البشرية، وهدف هجمتهم ليس فقط إيران. وبالاطلاع على هذه الأشياء يتأكّد للإنسان ما نُشر قبل سنوات تحت عنوان البروتوكولات الصهيونية في العالم وتُرجمت إلى اللغات المختلفة وجاء فيها ضرورة حرف وإبعاد الأجيال عن المناهج الإنسانية العامّة لكي ينحرفوا أخلاقياً. وإذا قلنا الآن ما هو الهدف؟ فيتسع كثيراً البحث حوله. لقد كان هذا أحد أصول هذه الأعمال المُعدّة لهذا الفكر الصهيوني الانحرافي والخطير.

 

لعلّ الإنسان لا يصدّق في البداية، ولكن تدريجياً يصدّق. يريدون أن يصنعوا النموذج القدوة، واليوم هذا الشكل أسوأ النماذج. ولكن هناك أيضاً أشكال أخرى مختلفة.

 

إنّنا بحاجة إلى تشخيص الأسوة في مختلف المجالات لشبابنا وأجيالنا الصاعدة. ذلك الشخص المحبّ للعلم، ذلك الشخص المحبّ للفن، ذلك الشخص المحبّ للأدب،

 

 

664


548

خطاب الولي 2011

ذلك الشخص المحبّ للتاريخ، ذلك الشخص المحب للنشاطات العملية، ذلك الشخص المحب للزراعة أو الصناعة أو التكنولوجيا، كل واحد منهم يمكنه أن يجد لنفسه نماذج قدوة لائقة، فهذا من الأعمال التي يجدر بنا القيام بها، ويساعدنا على ذلك عقد مثل هذه الجلسات.

 

إظهار الاستعدادات الذاتية للبلد والشعب

هناك مسألة أخرى مهمّة أيضاً هي إظهار الاستعدادات الذاتيّة للبلد والشعب، لا للأجانب بل لأنفسنا. من الأشياء التي ينبغي أن تجعلنا واعين بشدة لموقعيتنا هو أنّ طوال عشرات السنين بُثّت دعايات بأنّ الإيراني غير فعّال ومنتج ويجب أن يتعلّم من الآخرين ويقلّدهم، ويجب أن يتوسّل ويتشبّث بأذيال الآخرين، حيث كان هذا من ضمن الأمور الشائعة والرائجة في مرحلة حداثتنا وشبابنا. فما إن يجري الحديث عن شيء حتى يُقال لا يمكن صناعة هذه الأشياء، فكانوا إن أرادوا أن يبنوا جسراً في مدينة ما فوق شارع معين، يلزم أن يأتي مهندس من الخارج، وإذا أرادوا أن يُحدثوا سداً، ينبغي أن تأتي عدة شركات أجنبية ومهندسون ومتخصّصون أجانب. أساساً لم يكن بالإمكان تصوّر أن يُبنى جدار سد، أو يُصنع توربين، أو أن تُصنع بقية الآلات والمعدات. وبقي هذا التفكير على هذا المنوال حتى بدايات الثورة. أنا لا يمكنني أن أنسى، حين طُرِحت قضية بناء محطة لتوليد الغاز -كان قد أنجز نصف هذا العمل قبل انتصار الثورة وبقي النصف الآخر- فطلبت من المسؤولين أن ينجزوا هذا العمل، فجاؤوا إليّ -كنت حينها رئيساً للجمهورية- وقالوا: أيّها السيد لا يُمكن ذلك أبداً. هم لم يكونوا ليصدّقوا ذلك. حسناً، اليوم المهندسون في بلادنا، وشبابنا، يبنون بأيديهم أكثر المحطات تطوّراً على أشكالها المختلفة، وبأنواعها المتفاوتة. نحن اليوم يمكننا أن نبني محطة لتوليد الطاقة النووية. هذه الاستعدادات لم تكن معلومة.

 

لسنوات متمادية كان يُعمل على هذه القضية. قبل حوالي مئة وخمسين عاماً حيث دخلت البلاد تباعاً الثقافة الغربية، والأساليب الغربية، ومعالم الحضارة الغربية والتكنولوجيا الغربية المتطوّرة، ترسّخت هذه المسألة بالتدريج، فمن جهة قيل ذلك

 

 

665


549

خطاب الولي 2011

وتمّ التأكيد عليه، ومن جهة أخرى تمّ ترسيخه على الصعيد العملي، بأنّ الإيراني لا يمكن أن يفعل شيئاً. نسوا أنّ تاريخنا وتراثنا الماضي غني بالمفاخر العلمية. وقتها لم يكن هناك خبر عن عالم الغرب، وقتها إذا تحقق تقدّمٌ علميّ، أو حصل اكتشافٌ علميّ، يحرقون المكتشف بجرم الشعوذة والسحر. وقتها كان الظلام العلمي الدامس مسيطراً على بلاد أوروبا -وفي هذا المجال يوجد كلام- في ذلك الوقت كانت بلادنا رائدة البلاد الاسلامية. هذا التقدّم هو ملك للعالم الاسلامي، ولكن إيران كانت ناصية البلاد الإسلامية في التطور العلمي على مختلف الصعد، في الفلسفة، وفي العلوم العقلية، وحتى في العلوم الشرعية، وفي الفقه، وفي الحديث. أكثر كتب الحديث في تلك الحقب الزمنية -سواء كتب حديث أهل السنة، أم كتب حديث الشيعة- تعود إلى الإيرانيين، الكتّاب الإيرانيين، المحدّثين الإيرانيين، الفقهاء الإيرانيين، حتى يصل الأمر إلى العلوم الطبيعية، في الطب، في الصيدلة، في الهندسة، في علم الفلك وفي باقي العلوم الأخرى. جيد، هذا هو ماضينا، وهو يشير إلى وجود استعدادات أعلى واستعدادات مدّخرة غنية في هذه المنطقة من جغرافيا العالم. لماذا ينبغي لنا أن ننسى هذا؟ لقد نسينا. اليوم نريد أن نبيّن أنّ الأمر ليس على هذا المنوال.

 

جيد، بالتأكيد أنا العبد قد قلتُ مراراً، وكرّرت هذه المسألة، ولعلها بدت للوهلة الأولى كشعار، حيث قلتُ إنّ الاستعدادات في إيران هي أعلى من المعدل العام للاستعدادات البشرية على المستوى العالمي. وقد اطّلعنا على هذا. بعض الأشخاص كان يعتقد أنّ هذا مجرد شعار، لكنه بحمد الله يتضح شيئاً فشيئاً.

 

نعمةُ تنامي التقدّم العلمي

إنّ نفس تنامي التقدم العلمي الذي أشير إليه -والذي أدلى به هذا العبد مراراً وتكراراً- هو حقيقة واقعية، وهو يستند إلى إحصاءات عالمية. صحيح أنّ هذا المستوى الذي حققناه عملياً على الصعيد العلمي، هو متأخر عن المستوى العالمي الفعلي بمراحل وبمراتب، لكن هذا بسبب تخلّفنا سابقاً. إنّ تحرّكنا نحو الأمام كان متميزاً بالسرعة العالية التي تفوق المعدّل العام في العالم بعدة أضعاف. فلو حافظنا على هذه

 

666


550

خطاب الولي 2011

السرعة، بل زدنا منها، فمن المسلّم أنّنا سنصل إلى الرقم القياسي للعلم ونحطّمه، وهذا ما سيحدث. ينبغي لشباب بلادنا أن يصدّقوا هذا، وهذه إحدى الطرق للاقتناع به، فاليوم يأتي الشاب إلى هنا ويتكلم، يدلي هنا بكلام جديد، مسائل جديدة، واقتراحات جديدة بروحية جيدة. يأتي الأساتذة المميزون والعظام في العلم، في الفن، في الخط، وفي كافة المجالات الأخرى ويتحدثون ويدلون بمسائل وقضايا جديدة. وهذا ينبغي أن يظهر كي يصدق شباب بلادنا.

 

خدمة تكامل وسمو الإنسان

المسألة الاخرى التي ينبغي أن أتعرض لها، هي أنّه يلزم أن تكون الامتيازات الفكرية والعلميّة للمجتمع في خدمة تكامل الإنسان وسموّه. واليوم في العالم لا يُنتحى هذا المنحى. اليوم لا العلم في العالم في خدمة تسامي الإنسان، ولا الفن ولا بقية الأشياء. حسناً، تعدّ السينما نموذجاً من نماذج الفنّ. وقمّة السينما في العالم هي هوليود. هذه الأجهزة الفنية في العالم إلى أي مدى تساهم في بناء أخلاق الإنسان، ومعنويات الإنسان، وإضفاء الأمل على حياته؟! بل على العكس من ذلك، لا يمكن القول إنّ النتيجة صفر، بل بدرجات تحت الصفر! أي إنّهم يدمّرون المباني الأخلاقية، والأسس الفكرية، وتسامي الإنسانية، وأيضاً العلم ينحى هذا المنحى، فالعلم في خدمة الرأسماليين، في خدمة جامعي الثروات. المعارف البشرية اليوم في خدمة الذين يملكون الشركات الاقتصادية الكبرى، الذين يشعلون فتيل الحروب، يقتلون البشر، يرتكبون المجازر، العلم في خدمة هؤلاء، فالعلم ليس في خدمة شعب أفغانستان المحروم. العلم الذي حلّ على أفغانستان، هو الطائرات ذاتها التي تحلق فوق رؤوسهم عالياً وترميهم بالقذائف. العلم الذي جاء آنذاك إلى العراق كان المواد والأسلحة الكيميائية التي ظهرت وقتها في حلبجة. العلم في هذه المناطق من هذا القبيل. والعلم في نفس بلاد الغرب أيضاً على هذا النحو. نعم، لقد زاد من ثروة جماعة أقلية، ونفس تلك الثروة سبّبت في أن يتقدّم العلم، لكن العلم قد أصبح أداة ووسيلة لأجل التمييز وعدم التوازن الاجتماعي وتخلّف المجتمعات. علينا أن نسترجع هذا الأمر.

 

 

667


551

خطاب الولي 2011

العلم بذاته ليس كذلك. العلم بطبيعته وذاتيّته ظاهرة إلهية ونعمة ربّانية. وكذلك الفن، وكذلك المواهب الفنية جميعها مواهب إلهية. واختيار الإنسان هو الذي يجعل هذه المواهب على الطريق الصحيح أو الجادّة الخطأ.

 

الإنسان المادّي الملحد قد جعل حضارته الصناعية في غير خدمة الأهداف الإلهية، بينما الإنسان الإلهي المعنوي في الجمهورية الإسلامية والعالم الإسلامي يمكنه أن يجعلها كلها في خدمة البشرية. لا بد من أن يُجعل هذا هدفاً، ومورد عناية. نحن ينبغي لنا أن نجعل امتيازات المجتمع لصالح المعنويات الإنسانية.

 

وأقول في ختام ما عرضته -لأنّه حان وقت الأذان- أنّه لحسن الحظ أنّنا شاهدنا في كافة أرجاء البلاد علامات وجود نوابغ ومميزين واستعدادات عالية، ولا بد لنا من أن نُقدّر ونُثمّن هذا الأمر. فمن جملة أوجب أعمال مسؤولي البلاد هو هذا. اليوم كان من بين كافة المقترحات التي قُدمّت، اقتراح أن يجمعوا الأساتذة الجهابذة في أمكنة يجعلونها مورد اهتمام وعناية، وأن يستفاد من وجودهم، هذا صحيح تماماً. وكذلك بالنسبة للشباب المتميّز والمتفوّق. وكذلك ينبغي لمؤسسة النخبة -التي بحمد الله لها مساع جيدة- أن تمشي في هذا الأثر. علينا أن نقوّي حركة الابتكار والإبداع هذه في المجتمع بحيث يكون المجتمع منشغلاً بالمعنى الواقعي للكلمة، بالخلاقية والإبداع. وإن شاء الله سيؤول هذا بالبلاد إلى مستقبل أفضل.

 

لقد سررتُ من لقاء اليوم. وأستودع الله جميع الإخوة والأخوات الأعزاء. وأتقدّم بجزيل الشكر على هذه الكتب والمؤلّفات والميدالية التي تلطفتم عليّ بها هنا. وأسأل الله أن يشملكم جميعكم إن شاء الله بلطفه وفضله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

668


552

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء أهالي كنكاور

 

       

         

المناسبة:   تجمع أهل گيلان الغربية

الحضور:  كرمانشاه

المكان:   طهران

 

الزمان:    ٢٣/٠٧/1390هـ.ش.

17/11/1432هـ.ق.

15/10/2011م.

         

 

 

669


553

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين لاسيّما بقية الله في الأرضين.

 

أحمد الله تعالى أن وفقني للحضور في جمعكم الحماسي المؤمن والوفي أيها الأهل الأعزاء في هذا الجزء من محافظة كرمانشاه. لهذا الجمع العظيم ولهذا الشباب الحماسي، لهؤلاء الرجال والنساء المؤمنين والأوفياء، لشعب "كنكَاور" العزيز، وكذلك للإخوة والأخوات المشاركين في هذا الجمع العظيم من "صحنه"، من "سنقر"، من "هرسين"، لكم جميعاً أيها الأعزاء، الإخوة والأخوات والشباب والأبناء، تحياتي وسلامي، أسأل الله تعالى أن يشملكم بتوفيقاته.

 

مميّزات مدينة "كنكَاور"

يتميّز هذا القسم من محافظة كرمانشاه كسائر أقسامها الاخرى بخصوصيات هي على صلة بأهل هذه المحافظة، الوفاء، الرأفة، صفات البطولة، الإيمان، الإخلاص والصفاء والمعنويات، هي صفات منتشرة في هذه المحافظة برمتها. لكن لبعض أقسام هذه المحافظة ميزات خاصة. لقد عُرفت مدينتكم بوصفها مضيفة قاصدي كربلاء المقدسة والعتبات العالية.

 

كنكَاور هي منزل العشاق الحسينيين على مدى السنوات والقرون المتمادية. العلاقة بالدين والتديّن ورجال الدين هي من جملة الخصوصيات الأخرى لهذه المدينة. كما يرتبط بهذه المدينة أسماء علماء كبار هم من وجهاء هذه المحافظة: المرحوم الحاج الشيخ الكبير محمدي العراقي العالم الروحاني الترابي السالك والتقي هو من الوجوه البارزة في هذه المحافظة.

 

لقد عاش في هذه المدينة وقد نال الناس من البركات الكثيرة لهذا الرجل الكبير والمعنوي، وابنه الشهيد أيضاً المرحوم الحاج بهاء الدين المحمدي

 

 

671


554

خطاب الولي 2011

العراقي والذي تعرفنا إليه أيام الدراسة في قم وأحببناه، هو حصيلة تربية هذه المدينة، العالم والشهيد.

 

على الرغم من أنّ مدينتكم لم تكن في المنطقة الأمامية للجبهة إلا أنها كانت من المراكز المهمة لساحات الجهاد والرجولة لشبابنا. إنّ شباب هذه المدينة وهذه المنطقة من محافظة كرمانشاه هم أكثر من قدّم الدعم إلى الجبهة أثناء مرحلة الحرب المفروضة، ولهذا السبب فإنّ عدد شهدائها كبير أيضاً. إنّ صور الدعم المختلفة والأعمال اللوجستية لهذه المدينة في خدمة الجبهات يعلمه ويعرفه جيداً رجال الحرب والعارفون بمرحلة الجبهة. بركات الله على أهل هذه المدينة الذين قدموا سابقاً سواء في مرحلة الثورة أم في مرحلة الحرب المفروضة أم في المراحل التي سبقت ذلك أو خلال امتحانات العقدين الماضيين قدموا امتحاناً ناجحاً. هذه هي بطاقة هوية مدينة، هذه هي الميزات الأخلاقية والروحية والمعنوية لمدينة يمكن اعتبار ماضيها دليلاً على مستقبلها. لهذا السبب اعتقاد هذا العبد الفقير هو أن مدينة كنكَاور وهذه المنطقة من كرمانشاه سيكون لها إن شاء الله وبتوفيق من الله مستقبل مضيء وحسن جداً.

 

وجوب الاستقامة على الطريق

طبعا هناك نواقص. مسألة تأمين فرص العمل -التي أشار إليها إمام الجمعة المحترم- هي أمر صحيح بالكامل، وهي ليست مرتبطة بهذه المدينة فقط، هي مرتبطة بكامل المحافظة. المشكلة الكبيرة لهذه المحافظة هي مسألة العمل. وقد طرحت مع المسؤولين، وإن شاء الله ستطرح بعد ذلك أكثر وبتأكيد أكبر كي يتمكنوا من أن يبحثوا ويجدوا الطرق الصحيحة والسليمة لرفع هذه المشكلة وحلها. لكن هذا الاستعداد الشعبي وهذه الروحية الشعبية وهذا الاستعداد للعمل وهذه الحماسة والشوق وهذا الوفاء للثورة، هذه جميعاً هي خصوصيات مبشّرة، وتمكّن البلد والثورة والنظام بمثل هذه الميزات من أن يتجاوزوا حتى اليوم مراحل صعبة جداً ويتقدموا نحو الأمام.

 

إخوتي وأخواتي الأعزاء! إنّ بلدنا العزيز اليوم لا يمكن أن يقاس بالمراحل السابقة. لقد كنا شعباً ابتلي بالركود والجمود والانزواء في جميع المجالات. الثورة هي التي

 

 

672


555

خطاب الولي 2011

أحيت البلد والشعب، وأيقظت روحية الخلاقية في هذا البلد، وجلبت العزة لهذا الشعب. لقد طوينا طرقاً كثيرة وقد تحققت تطورات كثيرة، وهذا الطريق سيتواصل، نحن لا نقف في منتصف الطريق.

 

هناك ملاحظة مهمة، تشير إليها الآية القرآنية الشريفة في سورة الفتح: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوۡقَ أَيۡدِيهِمۡۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيۡهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمًا﴾[1]. حينما يشق شعب طريقاً ما، فإنّ الوصول إلى النتائج يحتاج إلى الاستقامة على هذا الطريق، وإلى التقدّم فيه، وعدم الوقوف في وسطه، وإلى عدم الاقتناع بالمكتسبات التي تتحصل أثناءه. إنّ إحدى آفاتنا هي أن نتصور أنّ المقدار الذي تقدمنا فيه يمثل النتيجة النهائية وأن نتوقف عندها. والآفة الأخرى هي أن نتصور أنه بما أنّنا لم نصل خلال هذه المرحلة وخلال هذه المدة إلى الأهداف النهائية فعلينا أن نطفئ مصباح الأمل في قلوبنا، أن نتصور أننا لن نصل إلى نتيجة. إنّ الطريق الذي يعلّمنا إياه الله تعالى والإسلام هو: ﴿فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡۖ﴾[2]. الطريق الذي عرفتموه اطووه بدقة. تحركوا بخطوات محكمة وثابتة واستقيموا. لو استقمنا فسوف نصل حينها إلى الأهداف الإسلامية السامية، ذلك المجتمع الإسلامي نفسه الذي عرضته ورسمت معالمه قبل عدة أيام في كرمانشاه، تلك العدالة، تلك الحاكمية الشعبية[3] بالمعنى الحقيقي للكلمة، تلك الكرامة الإنسانية، تلك الحرية الإسلامية، سوف نحققها بتقدمنا وخطواتنا الثابتة، بعدم تعبنا، بحفظ نور الأمل في قلوبنا، بالتوفيق الإلهي، بأيدي هؤلاء الشباب.

 

 إنّ جيل شباب بلدنا هو جيل باعث على الأمل. كل ناحية ينظر إليها الإنسان يرى شبابنا المعاصر محصلاً للشهادات، متصفاً بالوعي، حاملاً للميزات الثورية الإيجابية لإنسان يستطيع أن يتطور، يستطيع أن يلحظ الآفاق البعيدة ويأمل أن يصل إليها.

 

 


[1] سورة الفتح، الآية 10.

[2] سورة الشورى، الآية 15.

[3] مردمسالاري: مصطلح جديد يستخدم في توصيف نظام الجمهورية الاسلامية في الحكم وهو بمعنى حاكمية الشعب الدينية أو الحاكمية الشعبية، ومعناه اصطلاحاً قريب للديمقراطية الدينية.

 

 

673


556

خطاب الولي 2011

هذه الأمور يستطيع الإنسان أن يشاهدها في شباب بلدنا الأعزاء. وقد شاهدتها بشكل واضح في هذه المنطقة. إنّ هذا هو ذلك الشيء الذي يقودنا نحو الأمام، يبعث الأمل، تماماً في ذلك الموضع المقابل لما يريده الأعداء.

 

مساعي الأعداء

إنّ أعداء شعب إيران ومن خلال أنواع الدعاية المختلفة يسعون لإحداث اختلال في هذا الصف المرصوص وهذه الحركة المستمرة. أحياناً بتشويه الحقائق وأحياناً بإخفاء النجاحات الساطعة لشعب إيران في مرحلة الثورة وإلى اليوم. إنّ سعيهم هو أن يقولوا إنّ الثورة لم تستطع أن تقوم بما تعهدت به. إنّ ما يحرقهم هو أنّ شعب إيران قد استطاع من خلال الثقة بالنفس والتي حصل عليها بواسطة الثورة وبواسطة الإيمان الذي منحتنا إياه الثورة أن يتحصن ويثبت ويقاوم في مواجهة السلطة المادية والمعنوية للأعداء.

 

لقد كان بلدنا تحت قدم الأعداء. كانت طهران تعد نقطة آمنة وهادئة لعساكر الصهاينة الخبثاء كي يأتوا إلى هنا ويأكلوا من كيس الشعب ويستريحوا، لكي ينالوا هنا الراحة التي لم تكن متوفرة لهم في الأراضي المحتلة. إنّ بلدنا كان مكاناً تعيِّنُ وترسُمُ سياساتُ أمريكا وبريطانيا وأحياناً البلدان الأخرى المستكبرة والمستعمرة منحى العيش فيه. إنّ أولئك الأشخاص الذين كانت حكومة البلد وسلطته في أيديهم، أولئك لم تكن في أيديهم لا قدرة ولا إرادة ولا غيرة ليقفوا في وجه أعداء هذا الشعب. كما لم يمتلكوا دعامة شعبية ليتمكنوا من معارضة المستكبرين والمتدخلين من الخارج. اليوم أولئك الأشخاص التي كانت سياساتهم حاكمة في هذا البلد يرون أن شعب إيران يقف باستقلال كامل في مواجهة رغباتهم. لقد اعترفوا بهذه الحقيقة وهي أنّ الكثير من سياسات أمريكا -خصوصاً سياساتها المتعلقة بالشرق الأوسط - قد فشلت ولم تحقق نتائجها بسبب صمود شعب إيران والجمهورية الإسلامية، ومن الواضح أنهم غاضبون. وقد انصبت مساعيهم على التشويه - هذه هي إحدى الطرق - لا سيما أنّ شعوب المنطقة اليوم قد استيقظت. إنّ يقظة شعوب المنطقة ويقظتها الإسلامية

 

 

674


557

خطاب الولي 2011

قدمت شعب إيران والثورة الإسلامية وجعلته أمامهم. هم يريدون أن لا يُقتدى بإيران، يريدون أن لا تكون إيران والإيراني والجمهورية الإسلامية الإيرانية قدوة تلك الشعوب ولذا هم يقللون - لا سيما في عيون تلك الشعوب - يقللون من حجم التقدم ويضخمون نقاط الضعف.

 

وجوب التنبّه

 يجب على الجميع أن يكونوا متنبهين. يجب أن ينتبه في بلدنا أهل القلم وأصحاب المطبوعات ومن بأيديهم وسائل الإعلام وأصحاب المنابر فلا يساعدوا على تحقيق مآرب الأعداء هذه. فبعض الناس عن معرفة وآخرون عن غير معرفة يساعدون العدو في هدفه من خلال إبراز آرائهم وكلامهم. يجب على الجميع أن يكونوا متنبهين. العدو يريد اليوم من الجمهورية الإسلامية أن تظهر وجهاً غير مرغوب فيه أمام شعوب المنطقة كي لا تنقاد هذه الشعوب إلى هذه الناحية وأن لا ينتشر بينهم خط الصمود في وجه الاستكبار -وهو خصوصية شعب إيران- ولذلك علينا أن نكون يقظين.

 

وظائف المسؤولين

ليسعَ مسؤولو البلد حيثما كانوا وفي جميع المستويات في إزالة النواقص، أن يرفعوا المشاكل من أمام الناس، أن يسهلوا حياة الناس بحدود إمكانات البلاد، أن لا يتوقفوا عن بذل الجهد والسعي الحثيث. هذا الامر يرتبط بمسؤولي البلد. أولئك الأشخاص الذين يملكون منابر الكلام وبأيديهم وسائل الإعلام وصوتهم مسموع في المجتمع، ليسعوا أن لا يقللوا من قيمة النقاط البارزة لهذا الشعب بناءً لرغبة العدو. يقظة شعب إيران هذه يجب أن تبقى محفوظة دائماً.

 

ضرورة الوحدة لمواصلة الطريق

لقد بدأنا طريقاً شاقاً جداً، وبالتوفيق الإلهي تجاوزنا عقبات صعبة جداً فيه. الحرب المفروضة كانت من العقبات الصعبة. أنواع الحصار المختلفة منذ عدة سنوات والمتواصلة كانت من العقبات الصعبة جداً. لقد تجاوز شعب إيران كل هذه العقبات بافتخار وقدرة ولاحقاً سوف يتجاوز باستقامة وثبات وتوفيق كل المنعطفات الخطرة.

 

 

675


558

خطاب الولي 2011

هذا الأمر يحتاج إلى وحدة وطنية وهي لحسن الحظ موجودة اليوم، ويجب أن تزداد يوماً بعد يوم. وكذلك الاتحاد والاتفاق بين الطبقات الاجتماعية وأفراد الشعب والفئات المختلفة مع بعضها بعضاً، وكذلك الإلفة والمودة والمحبة بين الناس والمسؤولين، هذا المشهد بحمد الله اليوم موجود.

 

هذا المشهد الذي ترونه اليوم ههنا - وقد تكررت هذه المشاهد وصور المحبة وهذا الازدحام للجماهير في المدن الأخرى لكرمانشاه وهي كذلك في الوطن برمته - لا يوجد مثل هذا الأمر في أي نقطة من نقاط الدنيا، هذه الوحدة، هذه الإلفة، حسن الظن هذا، هذه المحبة التي توجد بين شعب ومسؤولي نظام الجمهورية الإسلامية، هذا من خصوصيات شعب إيران وخصوصيات نظام الجمهورية الإسلامية.

 

ربنا بمحمد وآل محمد أنزل رحمتك وبركاتك على هذا الشعب. ربنا بمحمد وآل محمد ارفع بهمة الناس أنفسهم وهمة المسؤولين المشكلات الصغيرة والكبيرة لشعب إيران. ربنا بمحمد وآل محمد اكبت وآيس أعداء شعب إيران. ربنا احشر الأرواح المطهرة لشهدائنا الأعزاء مع النبي. ربنا أرضِ عنا الروح الطاهرة للإمام. أرضِ عنا القلب المقدس لولي العصر أرواحنا فداه واشملنا بدعاء ذلك العظيم.

 

أنا مسرور جداً من اللقاء بكم يا أهل كنگاور الأعزاء، وهذه المنطقة الشرقية لكرمانشاه الأعزاء.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

676

 


559

خطاب الولي 2011

 

 

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء المسؤولين التنفيذيين

في محافظة كرمانشاه

 

 

 

         

المناسبة:   لقاء المسؤولين التنفيذيين في محافظة كرمانشاه

الحضور:  المسؤولون التنفيذيون في محافظة كرمانشاه

المكان:   كرمانشاه

 

الزمان:    ٢٨/٠٧/1390هـ.ش.

22/11/1432هـ.ق.

20/10/2011م.

 

 

 

677


560

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين لا سيّما بقية الله في الأرضين.

 

تحمّل المسؤولية تجاه الشعب

إنّ لهذا اللقاء مع الفئات المختلفة من المسؤولين والمديرين التنفيذيين من معظم مناطق المحافظة، وفي هذا الاجتماع الحميم، ميزات لم تتمتّع بها اللقاءات السابقة، ذلك لأنّ أهل كرمانشاه الأعزاء والذين بجهادهم الذي أظهروه في السنوات السابقة، والمحبة التي أبرزوها لهذا العبد في هذه الزيارة ووفائهم للثورة، أظهروا مدى ثقل المسؤولية التي تقع على عاتق مسؤولي هذه المحافظة. والمسؤولون الذين يتحمّلون هذه المسؤولية في مجالات متعدّدة، حاضرون بمعظمهم في هذا اللقاء. لذلك، على كلّ منا، أنا وأنتم، في هذا الاجتماع، أن نشعر بتحمّل المسؤولية تجاه هذا الشعب العزيز والعامل، وأن يقوم كلٌّ منّا بدوره على أحسن وجه. لذا، إنّ ثقل المسؤولية يقع على عاتقكم أنتم أيها الإخوة والأخوات الأعزّاء.

 

الشكر لمسؤولي المحافظة

أرى من واجبي أن أشكر جميع مسؤولي المحافظة من مسؤولي المستوى الأول في المحافظة إلى جميع المديرين والعاملين في الأقسام المختلفة على جهودهم وأعمالهم وخاصة في هذه الفترة، بسبب الاهتمام الذي أظهروه خلال هذه الزيارة والجهد الذي بذلوه مع الناس. إنّ كلامنا يعجز عن شكر الشعب، لأنّ الشعب قد أظهر في كل مراحل الثورة أنّه متقدّم علينا. إنّ استعداد الناس للحضور في الميادين المختلفة للثورة عجيب. أنا متأكد من أنّ أهالي كرمانشاه، وفي كل نقطة من هذه المحافظة،

 

 

 

679


561

خطاب الولي 2011

لديهم توقعات مُحقّة وفي مكانها، واحتياجات لم تتم تلبيتها لأسبابٍ مختلفة، وإن شاء الله سوف تُلبّى قريباً، لكن الناس لا يظهرون هذا الأمر، أنّ هناك نقصاً، وهناك مشكلة، ففي الوقت الذي تحتاج فيه الثورة والميادين المختلفة إلى حضورهم، ينزلون إلى الميدان دون أدنى اعتراض، مثلما شاهدتم بأنفسكم. والحق والإنصاف يقال: إنّ المسؤولين في المناطق والأقسام المختلفة -أكان ذلك في كرمانشاه نفسها، أو المدن التي زرناها، أو تلك التي زارها الأصدقاء والمبعوثون من قبلنا- قد تحمّلوا أعباء كثيرة، في الجدَد والطرقات.

 

عتب صغير

لديّ عتب صغير، وكنت أنتظر منذ عدّة أيام الوقت المناسب كي أُعبّر عنه. وهذا العتب يتعلّق بالأمر التالي: عندما كنت أمرّ في شوارع كرمانشاه، رأيتُ وبشكل غريب وغير مأنوس صوراً كبيرة (لهذا العبد الحقير) وُزّعت على الطريق بإفراط وإسراف، وأعتقد أنّه في مسيرنا إلى باوه، كان هناك أيضاً بعض الصور على جانب الطريق. لماذا كل هذه الصور؟! إنّ لهذا العمل إشكالات عديدة: الأولى هي أنّ هذه الصور مكلفة، فيها دفع أموال. أنا أعرف ومطّلع، وهذا العمل غير ضروري على الإطلاق بكلفة مرتفعة، حسناً، لا مبرّر لهذا الأمر. ثانياً، إنّ طريقة العمل هذه، وتوزيع الصور بهذا الشكل، لا ينسجم مع وضعنا، ومع شأن الجمهورية الإسلامية وشأننا كطلاب علوم دينية. إنّ هذه الأعمال هي لغيرنا، إنّ عملنا يجب أن يتوافق مع البساطة. إنّ هذه الأعمال المزخرفة لا تتناسب مع حالنا، حتى على المستوى التقني، إذا دقّق أحدٌ منا فإنّها "منافية للترويج" أيضاً. إذا ما أراد أحدكم أن يعبّر عن حبّه حقاً، فإنّ هذه الأعمال لا تأثير لها، بل تأثيرها معكوس. على كلّ حال، كنتُ عاتباً حقاً، ولكنني لم أعرف إلى من أوصل عتبي، ومن هي الأجهزة التي تولّت تنفيذ هذا الأمر وقامت به، فوجدتُ أنّ هذا المكان هو الأفضل، حيث لم تسنح الفرصة لهذا الأمر في الأيام السابقة.

 

على كلّ حال، إنّ هذه الأعمال ليست حسنة، وليعلم الأصدقاء والمسؤولون والمعاونون ذلك. إنّ هذا النمط من العمل، والترويج بهذا النحو لا يليق بالثورة

 

 

680

 


562

خطاب الولي 2011

وبالجمهورية الإسلامية. ولكن، وللإنصاف والحق يُقال، إنّه في الأيام المعدودة التي كنا فيها ضيوفكم يا أهل كرمانشاه الأعزاء، قد عبّر الناس كما المسؤولون عن مشاعرهم تعبيراً كاملاً وأظهروا مدى حبهم وصفائهم بأعلى المستويات.

 

خدمة تبعث على الفخر

أيّها الإخوة الأعزّاء والأخوات العزيزات، سوف أتحدّث عن نقطتين أو ثلاث فقط: الأولى: إنّ العمل والخدمة في نظام الجمهورية الإسلامية يبعث على الفخر، لأنّه خدمة لكسب الرضا الإلهي، ولمساعدة الناس بهدف تقوية النظام الإسلامي. كلما خدمنا، أنا وأنتم، أكثر، وكلما عملنا بشكل أفضل، يصبح نظام الجمهورية الإسلامية أكثر قوة. نحن، أنا وأنتم، بنوعية عملنا نستطيع أن نحفظ ماء وجه نظام الجمهورية الإسلامية، والعكس صحيح لا سمح الله.

 

لذلك، يصبح عملنا ذا أهمية فائقة، كونه لا يمثّل عملاً إدارياً عادياً ومتعارفاً فحسب، بل هو مرتبط بصورة الإسلام الأصيل، وكل ما ندّعيه. لذلك تصبح الخدمة في هذا النظام فخراً. وتبقى أهمية أن يشعر الإنسان الذي يعمل بأنّه يخدم الدين ويخدم الإسلام فوق كل الأحاسيس والتصورات والإدراكات. لا فرق في أي مكان أو قسم تعملون، اشعروا أنكم تخدمون الإسلام. إنّ النية الصافية التي تملأ قلوبنا على أثر هذا الشعور، تضاعف من قيمة عملنا وإن شاء الله يبقى أجرنا عنده محفوظاً. علينا أن نعرف قيمة العمل في هذا النظام، وأن نعدّها توفيقاً ولطفاً من الخالق لنا.

 

وجوب العمل المتواصل لتطوير محافظة كرمانشاه

أمّا النقطة الثانية فهي أنّ هذه المحافظة كما أشار الإخوة، وكما ذكرت أنا شخصياً في اليوم الأول، تمتلك إمكانات عالية للتطوّر والتنمية تمكّنها من الوصول إلى مستوى ممتاز من الحياة والرفاهية والعمران والنهوض، وإنّ المسؤولين والمخططين لهذه المحافظة مدركون لهذا الأمر جيداً.

 

حسناً، ارتكازاً إلى هذه الإمكانات اتّخذت الحكومة قرارات جيدة، وقد عرض السيد المحافظ هذه القرارات عرضاً إجمالياً. وعليّ التقدم بالشكر فعلاً. فالقرارات شاملة

 

 

681


563

خطاب الولي 2011

وجيدة، وهي قرارات مهمة، تستطيع فعلاً أن تحرّك المحافظة وتدفعها إلى الأمام، ولكن بشرط واحد وهو أن تقوم كل الأجهزة المعنية بعملها بما يخصّ هذه القرارات بشكلٍ صحيح. لأنّ القرارات هي مشاريع، وخريطة طريق، يجب العمل بهذه الخريطة خطوة خطوة. يجب المثابرة على القيام بالتكاليف التي تترتّب على هذه القرارات في الأقسام والإدارات المختلفة. إنّ هذا الأمر يقع على عاتقكم، على عاتق إدارات المحافظة وفي أقسامها المتنوعة. وبالطبع إنّ الإدارات المركزية في الحكومة لديها واجبات أيضاً.

 

لقد تحدّثنا مساء الأمس، مع السادة المحترمين، الذين جاؤوا من طهران. وقد وعدوا بمتابعة هذه الأعمال بجدية، ولن يسمحوا بتباطؤ الحركة العامة المتوقّعة لهذه المحافظة. يجب التسريع من هذه الحركة كي تتم هذه الأعمال بنحوٍ صحيح وفي مكانها المناسب.

 

لقد تمّ فرز ميزانيات أيضاً. حتماً، هناك جهتان مهمّتان تتعلّقان بمسألة الميزانيات والأموال المخصّصة لهذه الأعمال، الجهة الأولى إعطاء الميزانية وخصخصتها، الثانية جذب الميزانية الجذب المنطقي والعقلاني والعادل وصرفها في المكان المناسب. إنّ هذه الأعمال أساس ومهمة، وهي التي تدفع بهذه المحافظة إلى الأمام.

 

أمّا قضية فرص العمل التي أشار إليها السادة، وتم التأكيد عليها للمسؤولين، فهي بالفعل مهمة جداً. فالعائلات التي لديها شباب، متعلمون جداً أيضاً، في كافة أنحاء هذه المحافظة، في كرمانشاه نفسها، وفي المناطق المختلفة، شباب عاقل ومدرك، وعاطلون عن العمل، هذا أمر صعب للغاية. يجب أن تؤمّن لهم فرص العمل، هذا أساس العمل.

 

عندما توجد فرص العمل، فإنّ الفساد الناشئ من البطالة سيزول بنفسه، لأنّ البطالة تجلب الفساد، الفساد الأخلاقي، والفساد الاجتماعي، والفساد الأمني، والفساد بكل أنواعه وأقسامه، وعندما تتاح فرص العمل، ينحسر الفساد تلقائياً، وتُرفع المصاريف عن كاهل الدولة. حسناً، إذا أردنا أن نوجد فرص العمل على النحو الذي قرّره المسؤولون المحترمون، يلزمنا العمل، العمل في طهران، فالأصدقاء الذين حضروا من طهران على عاتقهم مسؤوليات ثقيلة، العمل على مستوى عالٍ في المحافظة، وكذلك العمل في

 

 

 

682


564

خطاب الولي 2011

معظم الأجهزة الإدارية للمحافظة على هذا الأساس. إذا أردنا لمحافظة كرمانشاه أن تتحرك قُدُماً وتتطور، فالأمر يحتاج إلى همّة جماعية وعمل واسع النطاق من كافة المسؤولين.

 

الأجر الإلهي والأجر الدنيوي

واعلموا أنّ الله يلتفت إلى أبسط جهد منكم، ويعطيكم ويكتب لكم الأجر والثواب.

إنّ هذه الأعمال لا تغفل عنها عين الله. أحياناً، قد تكون أنت المسؤول عن قسم، أو عمل ما في الإدارة الفلانية، فتتفانى في العمل، وتظهر اهتماماً، وتبقى نصف ساعة إضافية. وتُدقّق أكثر، وتُظهر أخلاقاً حسنة مع المراجعين، وتصبر وتكون طويل البال أكثر من اللازم، ولا أحد يشكرك، أو بالأحرى لا أحد يعلم أنّك قُمت بما قُمت به، والمسؤولون عنك لا يعلمون بهذا أيضاً، زميلك كذلك لا يلتفت، تتألم دون أن يشعر بك أحد أو يشكرك أحد. الناس لم يعرفوا ذلك، لكنّ الله يعلم. لم يدوّن لك المسؤولون وموظّف الحضور والغياب ما قمت به. لكنّ الكرام الكاتبين والمأمورين الإلهيين قد دوّنوا لك ذلك. لن تذهب أية لحظة من جهدك هدراً. إنّ الأجر الإلهي أكبر بكثير من الأجر الدنيوي هذا. أن يشكرونا بالكلام، أو أن يعطونا أجراً استثنائياً على عمل ما، هذا ليس شيئاً مهماً، إنّ الأجر الإلهي هو المهم، التقبّل الإلهي مهم جداً.

 

لا يوجد عمل أو جهد ما تقوم به لله إلا ويقبله الله منك، ويتبعه فوراً اللطف والثواب الإلهيان حتى لو لم يعرف الآخرون. يجب أن نعمل وأن نجتهد بهذه النظرة.

 

أريد أن أذكر هذا الأمر أيضاً، اليوم وعلى الرغم من كل العداوات، وكل الخيانات، وكل التجييش الإعلامي والسياسي والأمني والاقتصادي الذي يمارسونه ضدّ الشعب الإيراني ونظام الجمهورية الإسلامية وفي الحقيقة عداوتهم للإسلام وسعيهم للانتقام من الإسلام، نحن وبتوفيق إلهي، نتقدّم نحو الأمام، وبسرعة أكثر من السرعة المعروفة والمتوقعة. نحن نتقدم جيداً إلى الأمام. لو لم يكن هناك أي دليل آخر على ذلك، فهذا الدليل كاف ّوهو أن العدو ملتفت ويقوم بردّة فعل. كلّ الأعمال التي تشاهدونها في الإعلام وغير الإعلام، والضغط الاقتصادي والحجج المتنوعة التي يطرحونها في العالم.\

 

 

683

 


565

خطاب الولي 2011

عندما تنزل جبهة الاستكبار، والتي هي قوية المخالب من الناحية المادية، إلى الميدان، كل هذا خير دليل على أنّكم تنجحون، وإلا لو كنتم دون تأثير، ودون معنى، ومتأخرين، ولا تتقدّمون، لما أصرّوا على مبارزتكم هكذا. إنّ العدوّ يرى أنّكم تتقدّمون.

 

لحسن الحظ، إنّ خطاب الإسلام، الخطاب التابع للتعاليم الإسلامية والأحكام الإسلامية والشريعة الإسلامية، قد أضحى هو الخطاب الغالب. لقد حصلت الثورة في بلدان، وانطلقت الحركة وأطلق الناس شعاراتهم في بلدان أخرى، حتى لو لم يظهر هذا الأمر لكن الناس في داخلهم هم هكذا، فالمرء يشاهد علاماته، هذا هو خطابكم، وهذه هي حركتكم. إنّ الجمهورية الإسلامية وبلدنا العزيز إيران مطروحة الآن كقدوة وكنموذج. ينظرون، ويقيسون، كما قلنا في كلامنا السابق، كل ما يحصل في بلادنا، وحصيلة كل هذه الأحداث، مورد تطلّع الشعوب، ومحط أنظارهم. كل سعي العدو هو أن يخرّب هذه الحصيلة. ونحن علينا أن نسعى قدر الإمكان لنعرض للعالم هذه الحصيلة بصورة أبهى، وأكثر تنظيماً، وأكثر انسجاماً.

 

نشكر الله على نعمة التوجّه الكبير للمعنويات في هذه المحافظة. إنّ شبابها شباب جيّد، إنّ آباءها وأمهاتها هم آباء وأمهات جيّدون، إنّ الجوّ العام للمحافظة هو جوّ العواطف الإنسانية والإسلامية، هذا أمرٌ مهم جداً. إن شاء الله تسعى الأجهزة المختلفة إلى تقوية هذه الجوانب المعنوية والروحية بين الناس وفي الأجواء العامة.

 

ضرورة الاهتمام بالساجد في محافظة كرمانشاه

من الأمور المهمّة التي على المسؤولين التوجّه إليها، الاهتمام بالمساجد. نحن لدينا نقص كبير في المساجد في كافة مناطق المحافظة في القرى وفي المدن أيضاً. يجب ملء هذا النقص.

 

فالمساجد، مراكز تمنح الناس المعنويات. لقد بدأ الاهتمام بهذا المزار الشريف، مزار السيد أحمد بن إسحاق، ويجب أن يزداد هذا الاهتمام به، فهو من أفضل صحابة الأئمة، منذ الإمام الجواد عليه السلام وما بعده، ومن أهم رواة وأصحاب هؤلاء الكبار. إنّ دفن هذا العظيم هنا من حظ هذه المنطقة وهذا البلد، حيث يقع مزاره بالقرب من

 

 

684


566

خطاب الولي 2011

"بل ذهاب". إنّ الاهتمام بهذا المزار والتردّد إليه، سيخلق مركزاً للمعنويات. اهتموا بالمساجد، اهتموا بهذا المزار الشريف، اهتموا بالمزارات الأخرى الموجودة في المنطقة قدر الإمكان، كي تصبح المراكز المعنوية للشباب فعّالة.هذا رصيد، إنّ هذا الشيء هو الذي يمكنه أن يُسرّع من حركة النظام ويدفع به قدماً.

 

نسأل الله تعالى أن ينزل رحمته وفضله وبركاته على هذه المحافظة وأهلها.

 

اللهمّ بمحمد وآل محمد أنزل على هذا الشعب لطفك وفضلك.

 

اللهمّ اجعل شباب هذه البلاد وهذه المنطقة مشمولين برحمتك وفضلك.

 

اللهمّ زد يوماً بعد يوم التوفيقات المادية والمعنوية لهذا الشعب

احشر الأرواح الطيبة لشهداء هذه المنطقة مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

685

 

 


567

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء مسؤولي إحصاء الأحوال الشخصية والسكن

 

 

         

         

المناسبة:   لقاء مسؤولي إحصاء الأحوال الشخصية والسكن

الحضور:  مسؤولو إحصاء الأحوال الشخصية والسكن

المكان:   طهران

 

الزمان:    ٠٢/٠٨/1390هـ.ش.

26/11/1432هـ.ق.

24/10/2011م.

 

688


568

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أرحب بالسادة والسيدات أشد الترحيب. إن شاء الله أنتم موفقون. كلام الدكتور عادل آذر كان كلاماً علمياً ينم عن تسلط كامل على الموضوع وإن شاء الله عن همة كافية للسير قدماً بهذا العمل المهم والكبير.

 

الإحصاء... العمود الفقري للتخطيط

ما أريد أن أبيّنه هو أنّ الإحصاء أمر حيوي في التخطيط للبلد، فلو لم يكن الإحصاء لما أمكن التخطيط، ولو جرى التخطيط، فإنّ محتواه سيكون غير مطابق للواقع وسرعان ما ينكشف خطؤه. وعليه فإنّ الإحصاء هو العمود الفقري للتخطيط، لا فرق بين أن يكون هذا التخطيط اقتصادياً أو ثقافياً أو اجتماعياً أو سياسياً أو حتى دبلوماسياً. كل أنواع التخطيط تتوقّف على الإحصاء. فما دمنا لا نعرف ما لدينا وكيف هو وما هي خصوصياته، فلن نتمكن من التخطيط للمستقبل أبداً، هذا أمر واضح وبيّن، وهو أمرٌ يجب أن يستشعره الجميع، الناس ينبغي أن يعرفوه، وكذلك الأجهزة المعنية.

 

إنّ دور الناس -حيث سأشير لاحقاً- هو دور مقطعي، فأنتم تأتون باستمارات الإحصاء، والناس تعطيكم الإجابات، وتنتهي المسألة، ولكن دور الأجهزة المختصة هو دور مستمر، التعاون مستمر، التعاضد مستمر. جهاز الإحصاء المركزي هو مركز قيادي. التحرك على أساس هذا الإحصاء والاستفادة من هذه المعطيات وتحليل المدخلات، كل هذا هو عمل الأجهزة المختلفة التي ينبغي أن تتعاون مع مركز الإحصاء. وعليه يجب أن يتعاون الجميع.

 

690

 


569

خطاب الولي 2011

الإحصاء الدقيق

حسناً، ما الذي علينا فعله حتى يكون الإحصاء الذي نقوم به صحيحاً ودقيقاً؟ الطريق الأفضل، بل لعله ينبغي القول إنّ الطريق الوحيد، هو عبارة عن الاستمارات الإحصائية، الذهاب إلى الناس، وسؤال الناس. وعلى هذا فملخص الكلام يوصلنا إلى هذه النتيجة وهي أنّ التحقيق الدقيق يشكل ضرورة لمستقبل البلد، لأجل تخطيط سليم، ولأجل تنعّم البلد بمستقبل منطقي وصائب ومرغوب فيه. فالإحصاء الدقيق هو أمر غاية في الأهمية.

 

وظائف طرفي الإحصاء

وللإحصاء الدقيق طرفان: أولهما هو السائل أنتم، والثاني هو الناس. ولكل طرف وظائفه. تلك التي على الناس الاهتمام بها إن شاء الله هي تقديم إحصاءات سليمة ودقيقة، وإجابات صادقة. في كل الأقسام التي يتم السؤال عنها، ينبغي أن تكون الإجابات دقيقة وصادقة. وأنا من هنا أتمنى على شعبنا العزيز أن يبدي كامل التعاون في هذا المجال، أن يمتثلوا لما يطلبه المكلَّفون بالإحصاء، وأن يجيبوا عن أسئلتهم، وأن يتعاونوا معهم حتى يتم ملء هذه الاستمارات بنحو صحيح إن شاء الله. هذا مرتبط بدور الناس.

 

أمّا ما يرتبط بكم، فهو أن تتوخوا الدقّة والموضوعية والواقعية والحياد في العمل. أي دافع -سواء كان دافعاً سياسياً أم أيّاً من الدوافع المختلفة التي يمكن أن توجد- ينبغي أن لا يكون له أي تأثير في الإحصاء، في إجرائه وفي استخراج نتائجه. بالطبع، قسم من الإحصاءات في كل بلد يمكن أن يصنف على أنّه أمني -يكون سرياً، سرياً جداً- لكن الكثير منها ليس كذلك، ليس فيه جنبة سرية. في كل أشكال تصنيف المعلومات فإنّ عمل جهاز الإحصاء ينبغي أن يكون دقيقاً وعلمياً ومطابقاً للواقع. الإحصاءات الأسرية، والإحصاءات المتعلقة بالتوجّهات، والإحصاءات المالية، وإحصاءات فرص العمل والبطالة، وإحصاءات المستوى التعليمي والأمية -جميع هذه الأمور التي يتمّ السؤال عنها- يجب أن تتمّ بنحو حيادي حتى تتمكن أجهزة التخطيط المختلفة من

 

 

691

 


570

خطاب الولي 2011

 الاعتماد عليها. أنتم تتحدثون عن الثقة بهذا الجهاز، هذه الثقة يمكن أن يؤمّنها نفس جهاز الإحصاء. أنتم أثبتوا عملياً أنكم في استطلاع المعطيات واستخلاص النتائج منها لستم منحازين بأي مقدار، يعني أنكم تنقلون الواقع بحق، تظهرون ما هو موجود. إذا حصل هذا فستكون ثمرته الثقة الكاملة إن شاء الله.

 

الاعتماد على جهاز الإحصاء المركزي

لقد أوصيت من قبل، وأوصي الآن أيضاً، أن لا تستعجل أجهزة البلد المختلفة في تقديم الإحصاءات المختلفة المتعلقة بمختلف الموضوعات -إحصاءات الإدمان، وإحصاءات البطالة، وإحصاءات الأمية، وإحصاءات المصابين بالمرض الفلاني- فلتُترك هذه للجهاز المسؤول ليقدّم عنها المعلومات على أساس ما أُخذ من الوقائع فعلاً، عندها هم أيضاً وعلى أساس هذا الإحصاء يذيعون النتائج لو أرادوا الإعلان عنها، أو يضعون الخطط لو أرادوا التخطيط على أساسها، أي أن يتمّ الاعتماد على جهاز الإحصاء المركزي.

 

النتيجة أنّ عملكم حسن جداً، إنّه عمل مهم ومفيد للبلد، وإن شاء الله تحسنون العمل. يجب أن تتم توصية العاملين في الإحصاء أن يُقابلوا الأُسَر بسماحة ويسألوهم بجَلَدٍ كامل، مع مراعاة الأخلاق الإسلامية، والناس أيضاً إن شاء الله يجيبون بصبر تام، فيصل هذا العمل إلى غايته. موفّقون إن شاء الله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

692

 


571

خطاب الولي 2011

نداء الإمام الخامنئي دام ظله

إلى حجاج بيت الله الحرام لسنة 1432هـ

 

 

         

المناسبة:   موسم الحجّ

المكان:   طهران

 

الزمان:    04/08/1390هـ.ش.

28/11/1432هـ.ق.

26/10/2011م.

 

 

694

         

 


572

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله ربّ العالمين وصلوات الله وتحياته على سيد الأنام محمد المصطفى وآله الطيبين وصحبه المنتجبين.

 

حلّ الآن ربيع الحج بطراوته وصفائه المعنوي وعظمته وحشمته الموهوبة، وصيّر القلوب المؤمنة والمشتاقة كالفَراشات تحلّق حول كعبة التوحيد والوحدة. مكة ومنى والمشعر وعرفات منازل أناسٍ سُعداء لَبّوا نداء ﴿وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ﴾[1] وفازوا بالحضور في دعوة الربّ الكريم الغفور. فهنا ذلك البيت المبارك ومنطلق الهداية، حيث تسطع منه الآيات الإلهية البينات وتمتدّ فيه مظلة الأمان على رؤوس الجميع.

 

اغسلوا القلب في زمزم الصفاء والذكر والخشوع، وافتحوا عيون باطنكم على آيات ربّ العالمين الباهرة، واتجهوا إلى الإخلاص والتسليم فهما معالم العبودية الحقيقية، وأحيوا القلوبَ مرّات ومرّات بذكرى ذلك الأب الذي أخذ إسماعيله إلى المذبح عن طواعية وتسليم، وبذلك تعرفون الطريق الواضح الذي فتحه أمَامنا للوصول إلى مقام الخليل للربّ الجليل، واحفظوا في همتكم المؤمنة ونيتكم الصادقة عزم ولوج هذا الطريق.

 

مقام إبراهيم واحد من تلك الآيات البيّنات. موضع قدم إبراهيم عليه السلام جوار الكعبة الشريفة، ليس إلا رمزاً لمقام إبراهيم. مقام إبراهيم هو مقام إخلاصه وإيثاره وتضحيته، هو مقام وقوفه أمام دوافع النفس وعواطف الأبوّة، وكذلك أمام سيطرة الكفر والشرك وسلطة نمرود العصر.

 

 


[1] سورة الحج، الآية 27.

 

695


573

خطاب الولي 2011

هذان الطريقان للنجاة ماثلان الآن أمام كل فرد من أفراد أمتنا الإسلامية. ما فينا من همّة وشجاعة وعزم راسخ يستطيع أن يقودنا إلى نفس تلك الأهداف التي دعا البشرَ إليها أنبياءُ الله من آدم إلى الخاتم، ووعدوا السائرين نحوها بالعزّة والسعادة في الدنيا والآخرة.

 

في هذا المحضر العظيم للأمة الإسلامية ينبغي للحجاج أن يتناولوا أهمّ مسائل العالم الإسلامي.

 

إنّ على رأس هذه المسائل جميعاً اليوم، النهوض والثورة في بعض البلدان الإسلاميّة المهمّة. بين حجّ العام الماضي وحجّ هذا العام برزت في دنيا الإسلام حوادث تستطيع أن تغيّر مصير الأمة الإسلامية، وتبشّر بمستقبل وضّاء مُفعم بالعزّة والتطور المادي والمعنوي. في مصر وتونس وليبيا أطيحَ بالطواغيت المتفرعنين الفاسدين العملاء، وفي بعض البلدان الأخرى تتصاعد أمواج الثورات الشعبية لتهدّد قصور المال والقوّة بالإبادة والدمار.

 

هذه الصفحة الجديدة من تاريخ أمتنا توضّح حقائق هي بأجمعها من الآيات الإلهية البينات، وتقدّم لنا دروساً حياتية. هذه الحقائق يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار في جميع محاسبات الشعوب المسلمة.

 

الأولى: انبثق من قلب الشعوب التي كانت لعشرات السنوات قابعة تحت السيطرة السياسية الأجنبية جيل من الشباب باعتماد على النفس يستحق التقدير خاطر بنفسه ونهض لمواجهة القوى المهينة وشمّر عن ساعد الجدّ لتغيير الأوضاع.

 

والحقيقة الأخرى: رغم سيطرة الحكام العَلمانيين وما بذلوه من سعي في السر والعلن لعزل الدين عن الحياة في هذه البلدان، فإنّ الإسلام بنفوذٍ وحضور باهر وعظيم قد صار هادياً وموجّهًا للألسن والقلوب، ومثل ينبوع متدفّق بعث الطراوة والحياة في أقوال الجماهير المليونية وأعمالهم. وفي تجمعاتهم ومواقفهم. المآذن والمساجد والتكبير والشعارات الإسلامية معالم واضحة لهذه الحقيقة، والانتخابات الأخيرة في تونس برهان قاطع على هذا الادّعاء. ومن دون شك فإنّ الانتخابات الحرّة في أي بلد إسلامي آخر سوف لا تكون لها غير نتيجة ما حدث في تونس.

 

 

696

 


574

خطاب الولي 2011

والأخرى: إنّ حوادث هذا العام قد بيّنت للجميع أنّ الله العزيز القدير قد جهّز في عزم الشعوب وإرادتها قدرة لا تستطيع أن تقاومها أية قدرة أخرى. الشعوب بما وهبها الله من هذه القوة قادرة أن تغيّر مصيرها وتجعل النصر الإلهي من نصيبها.

 

والأخرى: إنّ الدول المستكبرة وعلى رأسها أمريكا مع أنّها قد عملت لعشرات الأعوام، بممارسة أحابيلها السياسية والأمنية، على إخضاع حكومات المنطقة ظانة أنها قد عبّدت طريقًا سالكًا للسيطرة الاقتصادية والثقافية والسياسية المتزايدة على هذا الجزء الحسّاس من العالم، ها هي الآن تواجه أمواجاً من السخط والرفض والنفور من شعوب المنطقة. ومما لا شك فيه أنّ الأنظمة المنبثقة عن هذه الثورات سوف لا تنصاع أبداً لحالة عدم التعادل المهينة السابقة، وسوف تتغير الجغرافيا السياسية لهذه المنطقة بيد الشعوب وفي اتجاه التحقيق التام لعزّتها واستقلالها.

 

والأخرى: إن الطبيعة المزوّرة والمنافقة للقوى الغربية قد انكشفت لشعوب هذه البلدان. أمريكا وأوروبا بذلتا كل ما في وسعهما بشكل من الأشكال لإبقاء صنائعهما في مصر وتونس وليبيا، وحين تغلّب عزم الشعوب على ما أرادوه، توجّهوا إلى هذه الشعوب المنتصرة بابتسامة صداقة مزوّرة.

 

الحقائق القيّمة والآيات الإلهية البينة في حوادث العام الأخير بهذه المنطقة أكثر مما ذُكر وليس بالعسير على أهل التدبّر أن يروها ويعرفوها.

 

ولكن مع ذلك فإن الأمة الإسلامية بأجمعها وخاصة الشعوب الناهضة بحاجة إلى عنصرين أساسَين:

الأول: مواصلة النهوض، والحذر الشديد من وهن العزم الراسخ. الأمر الإلهي للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في القرآن الكريم هو: ﴿فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ﴾[1] و﴿فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ﴾[2] وفي الكتاب الكريم على لسان موسى قوله سبحانه:


 


[1] سورة هود، الآية 112.

[2] سورة الشورى، الآية 15.

 

 

697


575

خطاب الولي 2011

﴿قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصۡبِرُوٓاْۖ إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ﴾[1].

 

إنّ مصداق التقوى البارز للشعوب الناهضة في هذه الفترة يتمثل في عدم توقّف حركتها المباركة، وأن لا تُلهينّها منجزات هذا المقطع. هذا هو القسم الأعظم من التقوى التي وُعد أصحابها بعاقبة الخير العميم.الثاني: الوعي واليقظة أمام ما يكيده المستكبرون الدوليون والقوى التي صُفعت جرّاء هذه الثورات والنهضات. هؤلاء سوف لا يقفون مكتوفي الأيدي، بل سيتوجهون إلى الساحة بكل قواهم السياسية والأمنية والمالية لاستعادة نفوذهم واقتدارهم في هذه البلدان. آليّتهم في ذلك التطميع والتهديد والخداع. التجارب دلت على أن بين الخواص يوجد مَن تفعل هذه الآلية فعلَها فيهم، ويدفعهم الخوف والطمع والغفلة عالمين أو غير عالمين، إلى خدمة العدوّ. لا بدّ من أن تكون عيون الشباب اليقظين والمثقفين وعلماء الدين في حالة دقيقة من المراقبة.

 

إنّ أهم خطر هو تدخل جبهة الكفر والاستكبار وتأثيرها على صياغة النظام السياسي الجديد في هذه البلدان. سوف يبذلون ما في وسعهم كي لا تتخذ الأنظمة الجديدة هوية إسلاميّة وشعبيّة.

 

 المخلصون في هذه البلدان بأجمعهم والذين يحملون همّ عزة بلدانهم وكرامتها وتطورها كلهم يجب أن يسعوا إلى تحقيق إسلامية النظام الجديد وشعبيته بشكل تام وكامل. دور الدساتير له المكانة البارزة في هذا المجال. إنّ الاتحاد الوطني وقبول التنوع المذهبي والقبلي والقومي شرط لما يُستقبل من انتصارات.

 

لِتعلَم الشعوب الشجاعة الناهضة في مصر وتونس وليبيا والشعوب اليقظة المناضلة الأخرى أن نجاتها من ظلم وكيد أمريكا وسائر المستكبرين الغربيين يكمن فقط وفقط في أن يكون تعادل القوى في العالم لصالحهم. من أجل أن يستطيع المسلمون حلّ مسائلهم بشكل جادّ مع القوى العالمية الطامعة، يجب عليهم أن يوصلوا أنفسهم إلى


 


[1] سورة الأعراف، الآية 128.

 

 

698


576

خطاب الولي 2011

 مشارف قوة عالمية كبرى. وهذا لا يتحقق إلاّ بالتعاون والتعاضد والاتحاد بين البلدان الإسلامية. وهذه هي الوصية الخالدة للإمام الخميني العظيم. أمريكا والناتو بذريعة القذافي الخبيث والدكتاتور صبّت النيران لأشهر على ليبيا وشعبها. والقذافي هو نفسه الذي كان يُعتبر قبل ما أقدم عليه الشعب الليبي من نهوض شجاع من أصدقائهم المقربين، وكانوا يحتضنونه وينهبون ثروات ليبيا على يديه، بل من أجل إغوائه يشدّون على يديه أو يقبّلونهما، وبعد نهوض الشعب اتخذوه ذريعة وهدموا جميع البنى التحتية في ليبيا. أية دولة استطاعت أن تحول دون مأساة قتل الشعب الليبي وانهدام ليبيا بيد الناتو؟ ما دامت مخالب القوى الدموية الطامعة والوحشية الغربية لم تنكسر فإنّ مثل هذه الأخطار متصوّرة للبلدان الإسلامية، ولا نجاة إلاّ بتشكيل قطب مقتدر من العالم الإسلامي.

 

الغرب وأمريكا والصهيونية اليوم أكثر ضعفاً من أي وقت مضى. إنّ المشاكل الاقتصادية، والهزائم المتتالية في أفغانستان والعراق، والاعتراضات العميقة الشعبية في أمريكا والبلدان الغربية الأخرى التي اتسعت يوماً بعد يوم، ونضال الشعب الفلسطيني واللبناني وتضحياتهما، والنهوض البطولي للشعوب في اليمن والبحرين وبعض البلدان الأخرى القابعة تحت نفوذ أمريكا كل هذا يحمل بشائر كبرى للأمة الإسلامية وخاصة للبلدان الثائرة الجديدة.

 

المؤمنون من الرجال والنساء في جميع أرجاء العالم وخاصة في مصر وتونس وليبيا عليهم أن يستثمروا أكثر فأكثر هذه الفرصة لإقامة القوة الدولية الإسلامية. وليتوكل الخواص وطلائع النهضة على الله العلي القدير ويعتمدوا على وعده بالنصر، ويزيّنوا الصفحة الجديدة المفتوحة من تاريخ الأمة الإسلامية بمفاخرهم الخالدة التي ترضي الله تعالى وتوفّر لهم عوامل نصرته سبحانه.

 

والسلام على عباد الله الصالحين

السيد علي الحسيني الخامنئي

٢٩ ذي القعدة ١٤٣٢

 

699

 


577

خطاب الولي 2011

تعليق الإمام الخامنئيّ دام ظله بعد قراءته لكتاب

رحلة الحج في ٠٥/١١/٢٠١١م.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

أعادني هذا الكتاب مرة أخرى إلى وجد وشوق مشوب بالحسرة لزيارة بيت الله وحرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وجد وشغف وشوق لم يعد هناك حتى من أمل بتحقيقه. في حدود ما أتذكر -منذ سني الشباب البعيدة- لم أجد القلب في يوم من الأيام منعتقاً من نيران هذا الشوق. ولكن حتى في أعوام القمع السوداء، حيث كان كل رجل دين، وفيّ أو عديم الوفاء، يستطيع بسهولة، عن رغبة أو حتى عن بطر، أن يضع نفسه على خط الحج، لم يكن ذلك متاحاً لي! والأفضل أن أقول: ما من رئيس قافلة حج كان بوسعه أو يتجرأ -خوفاً من سافاك الشاه- أن يدرج اسمي في لائحة حجاجه ناهيك عن أن أكون رجل الدين المعتمد في تلك القافلة. أجل، حتى في تلك الفترة العصيبة لم يخلُ الفؤاد من آمال زيارة الكعبة وتقبيل محط قدمي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مكة والمدينة. ومع أن هذا الأمل تحقق بسفرة الحج التي استمرت لعشرة أيام في عام 58 (1979م) والتي يعود الفضل فيها للشهيد محلاتي، لكن نيران الشوق ازدادت حرارة واشتعالاً. في سنوات رئاسة الجمهورية عقدت الأمل على أعوام ما بعد تلك الفترة، أما اليوم، وجد وشوق لا يقرّ له قرار وأمل ميّت تقريباً... والعزاء الوحيد هو قراءة مثل هذه الرحلات أو سماعها، وهي بدورها تعيد التأجّج للهيب الشوق.

 

 

 

700

 


578

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء تلامذة المدارس وطلّاب الجامعات

على أعتاب اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي

 

 

 

         

المناسبة:   اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي

الحضور:  تلامذة المدارس وطلاب الجامعات

المكان:   طهران

 

الزمان:    ١١/٠٨/1390هـ.ش.

٠٥/12/1432هـ.ق.

٠٢/11/2011م.

         

 

701

 


579

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أرحّب بكم جميعا أيّها الشباب الأعزّاء والطلّاب الجامعيون والمسؤولون المحترمون. مباركٌ لكم الثالث عشر من شهر آبان الذي سُمّي بيوم مقارعة الاستكبار. في الواقع، يجب القول إنّه يوم بداية سقوط هيبة أمريكا الاستكبارية.

 

عشرة ذي الحجة

هذه الأيّام هي أيّام عشرة ذي الحجة. أنتم الشباب الأعزّاء أصحاب القلوب النورانية والروحيات المبهجة، أبنائي الأعزّاء التفتوا إلى أنّ من أفضل أيّام وليالي السّنة بلحاظ الفضيلة وإمكان ارتباط القلوب بالله هي هذه الأيّام. إنّ الأساس والقوام الرئيس لجميع التحرّكات الكبرى والمنتصرة، هو ذكر الله والارتباط بالله. يقول تعالى: ﴿وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٍ مَّعۡلُومَٰتٍ﴾[1]، وفي الحديث أنّ الأيّام المعلومات التي أمر الله تعالى بالذكر فيها هي هذه العشرة الأولى من شهر ذي الحجّة.

 

في هذه الأيّام العشرة يوجد يوم عرفة الذي هو يوم الدعاء والاستغفار والتوجّه، فقد أنشأ سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام دعاءً عابقاً بالعشق والشوق والحرقة في يوم عرفة وفي مراسم عرفات، وهو دليلٌ على الروحيّة التوّاقة والعاشقة والمشتاقة التي ينبغي أن يكون عليها أتباع أهل البيت في مثل هذه الأيّام، فاعرفوا قدر هذه الأيّام. فإنّ الفرصة سانحة لكم. وكما أنّ اليوم يُعدّ فرصة للتطوّر والتفتّح والتحرّكات السياسية والثورية والاجتماعية الكبرى بالنسبة لكم أيّها الشباب فإنّ الفرصة أيضاً سانحة لكم للتوجّه إلى الله تعالى وذكره وترسيخ الرابطة القلبية معه. وأفضل وسيلة يمكن أن تحيي ذكر الله فيكم وفينا هي ترك المعصية، ومثل هذا الأمر أسهل عليكم


 


[1] سورة الحج، الآية 28.

 

703


580

خطاب الولي 2011

من الشيوخ والعجّز، فأنتم أيّها الشباب تتمتّعون بقلوبٍ نورانيّة واستعدادات فعّالة فاسألوا الله العون، واعرفوا قدر هذه المرحلة الساطعة من الشباب. متّنوا علاقتكم بالله وأكملوا وتقدّموا على هذا الطريق المليء بالفخر الذي بدأه شعب إيران، وها أنتم اليوم في أوجه، وإن شاء الله سيكون ذلك بكلّ وجودكم وطاقاتكم.

 

مناسبة الثالث عشر من آبان

الثالث عشر من شهر آبان والذي سيكون بعد يومين في الحقيقة هو أحد أيّام الله بالمعنى الواقعي للكلمة، إنّه فرصة من أجل التفكير والاستنتاج وعلى أساسه يكون التخطيط للغدّ وبنائه، لأنّ المستقبل لكم. فكيف يمكن أن نتحّرك بحيث يمكننا أن نوصل أنفسنا وشعبنا وبلدنا وتاريخنا بل وأمّتنا الإسلامية إلى القمّة؟ ما هو طريقه؟ مثل هذا ينبغي الوصول إليه بالتفكّر والتدبّر بهذه العِبر. وأحد هذه العِبر هو نفس هذا اليوم الثالث عشر من آبان. فالقدرة الإلهية من جانبٍ، وكلّ شيءٍ يندرج في عبارة "القدرة الإلهية" هذه، ثم إرادة المواجهة والصمود على هذا الطريق الذي يعتمد على القدرة الإلهية والتوفيق الإلهي من جانب آخر، كل ذلك منح هذا اليوم عظمته.

 

لقد وقف إمامنا العزيز، هذا الرجل الأوحديّ في تاريخنا، في 13 آبان مقابل مشروع الحصانة (القضائية)[1] للأمريكيين والذين كانوا في تلك الأيام مهيمنين على كلّ شيء في إيران وبسبب هذا الاعتراض تمّ نفيه من إيران غريباً وحيداً بواسطة عملاء أمريكا. في ذاك اليوم وفي ذاك النفي لم يكن مع الإمام أحد. وبالطبع كانت قلوب الشعب مع الإمام، لكنّهم خطفوا الإمام من بيته ونفوه في غربة تامّة في يوم الثالث عشر من آبان لعام 43 هـ.ش. (خريف 1964م) من إيران. وبعد خمس عشرة سنة -ليست بالوقت الطويل فإنّها تمرّ كالبرق- قام أبناء الإمام وهم الشباب الجامعيون الثوريون باحتلال وكر الجاسوسية الأمريكية في طهران في يوم الثالث عشر من آبان، وقاموا بنفي أمريكا من إيران. لاحظوا هذا الفعل والانفعال للحركة الشعبية المستندة إلى الإرادة الإلهية والقدرة الربّانية ماذا تفعل. لقد وقف الإمام غريباً في منفاه وأكمل مسيره


 


[1] قضية الكابيتولاسيون المشهورة.

 

704


581

خطاب الولي 2011

بكلّ استقامة وتمكّن شيئاً فشيئاً وعلى مرّ الزمان من جلب الناس إلى الميدان. فقد أيقظ الإمام الشعب وأحيا فيه الشعور بالاستقلال والقيم السامية المتلازمة مع الجهاد الذي ليس فيه أيّ خوفٍ أو وجل، فنزل الناس إلى الميدان وانتصرت الثورة. لقد أخرج الشعب في هذه الثورة الشاه من إيران، وفي 13 آبان أُخرجت أمريكا من إيران، لهذا قال الإمام عنه إنّه ثورة أكبر من الثورة الأولى. فهذه إحدى العِبر.

 

الحراك المستقيم للشعب لا يمكن إيقافه

عندما يتحرّك أيّ شعبٍ على الطريق الصحيح مهتدياً ومستبصراً ويصمد ويستقيم فلا يمكن لأيّة قوة أن تتحمّل المقاومة مقابله. فكلّ الموانع قد رُفعت. وكانت هذه القضية تبدو مستحيلة. فحكومة ملكية بعمر 2500 سنة مع ما تمتلكه من دعمٍ من قبل كل القوى المادّية في العالم، تمّ طيّ صفحتها من إيران. فهل كان هذا ليُصدّق؟! لكن الإرادة الإسلامية والإيمانية لشعب إيران بقيادة الإمام جعلت هذا المحال ممكناً، وهذا الأمر "غير الممكن" أصبح واقعاً. لقد شاهد الجميع بأمّ أعينهم هذا الأمر بوضوحٍ ولمسوه. والأكثر من ذلك تمّ إنزال راية الهيمنة الظالمة المستكبرة لأمريكا من على سطح إيران إلى الأسفل، وداستها أرجل شبابنا المؤمنين. وكانوا مثل هذا الأمر يبدو مستحيلاً، وغير ممكنٍ. فالتحليلات والأقاويل والكتابات كانت كلّها تقطع بهزيمة إيران الإسلامية واضطرارها للانسحاب لأنها وقفت في وجه أمريكا. هكذا كانت التحليلات المادية تذكر وتبيّن. وهكذا كان يحلّل الكثير من المتظاهرين بالثقافة عندنا والذين كان يعدّون أنفسهم من أصحاب التحليل السياسي وتقليب الأحداث والاستنتاج منها. ولكنّ الذي حدث كان على العكس تماماً فقد انتصر الإسلام والجمهورية الإسلامية واضطرّت أمريكا إلى التراجع.

 

التخطيط للمستقبل

ومنذ ذلك اليوم وإلى يومنا هذا مرّ 32 سنة. أيّها الشباب الأعزّاء! في هذه السنوات لم يكن هناك سنة خلت من المؤامرات ضدّ إيران من قبل الاستكبار بقيادة أمريكا والصهيونية، بهدف هزيمة شعب إيران والثورة ونظام الجمهورية الإسلامية. وبفضل

 

 

705


582

خطاب الولي 2011

الله وحوله وقوّته، وبهمّة شعبنا العزيز، وفي كل مقطع بهمّة تقدّم شبابنا الأعزّاء انتصرت إيران الإسلامية على جميع هذه المؤامرات وانهزمت أمريكا. وسيكون هذا الأمر أيضاً على هذا المنوال. هذا هو التحليل الصحيح. وهذه هي النظرة الصائبة إلى المستقبل. أنتم إن شاء الله تمتلكون حوالي 60 إلى 70 سنة من العمر أمامكم. ولأجل هذا العمر المديد جعله الله تعالى بإذنه مليئاً بالبركة والرحمة والتفضّل عليكم، عليكم أن تخطّطوا. وأساس هذا التخطيط: أن تتّخذوا القرار وتحدّدوا الهدف الصحيح وتسعوا نحوه باستقامة تامّة، ففي هذه الحال، لا يمكن لأيّة قدرة أن تقف في وجوهكم. فلتكن أهدافكم على صعيد العلم والاقتصاد والاجتماع والأخلاق ونشر الفكر الإسلامي والصحوة الإسلامية في العالم، هذه هي آمالكم الكبرى. وهذا هو الطريق الوحيد. حدّدوا بدقّة واتّخذوا القرار الحازم وتحرّكوا وسيروا على الطريق متوكّلين على الله تعالى ومعتمدين عليه وسوف تصلون إلى الغاية. إنّ أعداءكم مهما كانوا ومهما كانت قوّتهم في العالم سيضطرّون إلى التراجع، مثلما كانوا دوماً في مسألة الثورة وفي واقعة 13 آبان وفي مسائل الحرب المفروضة وفي قضية الحصار الاقتصادي وفي جميع المؤامرات الأخرى وإلى يومنا هذا.إنّ أيدينا مليئة. ولدينا الفكر الصحيح. لقد قامت الجمهورية الإسلامية بعرض فكرٍ سياسيٍّ جديدٍ أمام العالم: حكومة الشعب الدينية. ومثل هذا الفكر الدينيّ الجديد، يعتمد على فلسفة صحيحة ويستند إلى أرضية فكرية وعقائدية محكمة وهي باللحاظ العملي قابلة للتنفيذ والتقدّم. هذا الفكر، وهذا الطريق، وهذه الفلسفة، وهذه التجربة، التي خبرها شعب إيران طيلة 32 سنة جعلت أيدينا مليئة.

 

مخطّطات العدو الدائمة

إنّ العدوّ يسعى، ولا ينبغي أن نظنّ أنّه صرف النظر عن السعي، كلا، فأنتم ترون. في مثل هذه الأيّام وفي خضمّ المصائب الأمريكية، في قضية هذه الحركة الشعبية الواسعة لنهضة وول ستريت في نيويورك وفي سائر المدن الأمريكية وصلت حكومة أمريكا إلى فكرة، ظنّتها وبحسب كلامها أنها يمكن أن تفتح صفحة جديدة، فاختلقت "سيناريو إرهابياً سخيفاً" تتّهم فيه الجمهورية الإسلامية بتحرّكٍ إرهابيٍّ عابثٍ خارج

 

 

706

 


583

خطاب الولي 2011

المنطق وبعيد عن الصواب، وكلّ من كان من أهل المعرفة والخبرة في العالم عندما شاهد ذلك أدانه وردّه. يتشبّثون ويتوسّلون بهذه الأشياء لعلّهم يتمكّنون من إبعاد أنفسهم عن هذه المصائب والأزمات، ويسلّطون الضوء على مثل هذه الأشياء لعلّهم يتمكّنون عن الضغط على الجمهورية الإسلامية. ولا شكّ بأنّهم سيتابعون هذه القضية. وهم يقصدون بذلك أن يلصقوا بأشرف عناصر أبناء الجمهورية الإسلامية المجاهدين تهمة الإرهاب. وهم أنفسهم إرهابيون. واليوم إن الإرهابيّ الأكبر في العالم هو أمريكا.

 

مائة وثيقة دامغة

وفي هذه القضية فإنّ أيدينا أيضاً مليئة. فلدينا اليوم 100 وثيقة لا يمكن الطعن فيها وهي دليلٌ على أنّ حكومة أمريكا تقف وراء عمليات الاغتيال والإرهاب التي حصلت في إيران وفي المنطقة. وبهذه الوثائق المائة، سوف نفضح أمريكا في العالم وسوف نريق ماء وجه هؤلاء المدّعين لحقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب في العالم على صعيد الرأي العام، وإن كانوا اليوم لا يتمتّعون بأيّة سمعة حسنة.

 

الهزيمة الأمريكية

إنّ أمريكا مهزومة. لقد هُزمت في أفغانستان ولم تقدر أن تحافظ على توجّهها أمام شعب أفغانستان وأثبتت كذب ادّعاءاتها. لقد هُزمت أمريكا مقابل شعب العراق. فقبل عدّة أيّامٍ رفض نوّاب شعب العراق ونُخبه السياسية بالإجماع مشروع الحصانة للجنود الأمريكيين في العراق، وقرّروا أنّ على أمريكا أن تخرج بشكلٍ كاملٍ من العراق، وسوف تخرج وليس لديها أيّ خيار. فهذه أمريكا، وبعد سنواتٍ من الجهود والإنفاقات المادية والبشرية الباهظة، مضطرّة للخروج من العراق ولا بدّ لها أن تخرج من أفغانستان وأن تقبل الهزيمة.

 

لقد هُزموا في شمال أفريقيا ولم يتمكّنوا من المحافظة على حسني مبارك، ولا بن علي. فقد كان هذان من عملاء أمريكا لكنّ الشعوب تغلّبت عليهما ولم يتمكّنوا من المحافظة على زميلهما القذّافي في ليبيا. فحتى اللحظات الأخيرة وقبل الموت الذليل للقذّافي كان لديهم اتّصالات معه لعلّهم يصلون إلى نوعٍ من التفاهم. وسوف تطّلع

 

 

707

 


584

خطاب الولي 2011

الشعوب على نفاق الاستكبار ونفاق الأمريكيين والغربيين سواء بما يتعلّق بقضية مصر أم قضية تونس أم قضية ليبيا والقضايا الأخرى أيضاً. فهؤلاء منافقون وينطبق عليهم عنوان "ذوو وجهين".

 

في يومنا هذا وفي أمريكا نفسها وفي الدول الغربية وفي هذا النظام الرأسمالي نفسه، وبقولهم الليبرالية الديمقراطية والتي كانت ليبراليتها كذباً وكذلك ديمقراطيتها، هؤلاء أيضاً قد هُزموا. ففي يومنا هذا وقف شعب أمريكا في كلّ ولاياتها والشعوب في أكثر من 80 دولة في العالم ضدّ هذا النظام. من الممكن أن يقمعوا الناس ولكنّ هذه الشعلة لن تخمد. لا يمكنهم أن يدافعوا عن أنفسهم، فأيديهم خالية. وقد أدرك العالم تيّاراً جديداً، واعلموا أنّه بحول الله وقوّته ستستمرّ مقارعة الحقّ، التي بدأت بشعب إيران وراية الإسلام، للباطل والطواغيت والفراعنة وفرعون الاستكبار حتى إسقاط الاستكبار.

 

مواجهة الشعب الإيراني للتآمر

يجلس المحلّلون بحسب كلامهم في غرف التحليل ويطالعون ويتباحثون فيرون أنّ النقطة المركزية لهذا التحرّك هي الجمهورية الإسلامية، لهذا يركّزون عليكم ويلتفتون إلى شبابنا ومسؤولينا الذين وقفوا بثباتٍ وهم يكملون هذا الطريق بجرأة واقتدارٍ وتوكّلٍ على الله وتفاؤلٍ بالمستقبل ورجاءٍ كامل. هناك سيتآمرون عن شعب إيران، حسناً، فليفعلوا. 32 سنة وهم يتآمرون على شعب إيران. ولا شكّ أنهم في كل مؤامرة أوجدوا لشعب إيران مصاعب، لكنّ هذا الشعب انتصر. وبعد كلّ إحباطٍ لمؤامرة كان شعب إيران يصعد درجة. لقد فرضوا علينا الحظر، ومن الممكن أن يؤدّي هذا الحظر إلى ضغطٍ ما لكنّه يتقدّم بشعب إيران درجة ويزيد من اقتدراه. تصوّروا أنّهم حجبوا العلم والتقنية عن الشباب الإيرانيين، لكنّ شباب إيران انبعثوا بأنفسهم من أنفسهم. فاليوم، نجد أنّ تطوّرنا في مجال العلم والتقنية مقارنة مع السابق لا يمكن التعبير عنه بالضعف والثلاثة أضعاف بل بعشرات الأضعاف. فإنّ محاربتهم لنا لن تصل إلى نتيجة. إن مواجهة شعبٍ بصيرٍ وصبورٍ وواعٍ يتوكّل شبابه على الله وهم ثابتون على الطريق لن يؤدّي إلى نتيجة، فسوف يُهزمون، لكنّ شعب إيران سينتصر.

 

 

708

 


585

خطاب الولي 2011

مسؤولية المستقبل

عليكم أيّها الشباب أن تضعوا على عاتقكم أكثر حمل هذه المسؤولية للمستقبل، وتصنعوا أنفسكم فلا تدعوا العدوّ بمؤامراته الإعلامية وتلفيقه للأكاذيب يسلبكم أو يسلب الأمل من القلوب، لا تدعوه يزرع الشقاق بينكم ولا تدعوه يفرّق بين الشعب والمسؤولين ويوجد الخلافات بينهم، هذا ما يريدونه وجلّ خوفهم من هذه الوحدة والانسجام. إنّهم يخافون من شعاراتكم المُحكَمة هذه، يخشون عزم المسؤولين وإرادتهم الجادّة، يريدون أن يزلزلوا هذه العزيمة والإرادة. فإذا ما وقف الشعب إلى جانب المسؤولين لن يشعر أيّ مسؤولٍ بالتردّد أو التزلزل بل سيمضي قُدماً. ومثل هذا الأمر ضروريٌّ لبلدنا. لقد كان ذلك في بلدنا إلى يومنا وإن شاء الله سيستمرّ في المستقبل. بالطبع، إنّ شعب إيران وفي جميع هذه التحدّيات التي واجهها إلى يومنا هذا وبعض الأحيان سيواجه مثلها في المستقبل، سيمرّغ أنف العدوّ بالتراب.

رحمة الله على شهدائنا الأعزّاء ورحمة الله على صبر شعبنا. رحمة الله على الآباء والأمهات الصابرين الذين تحمّلوا هذه المشاكل وخسروا شبابهم وصمدوا وعلّموا الأجيال اللاحقة درساً. ورحمة الله على إمامنا الجليل الذي فتح هذا السبيل وتقدّم وصمد حتى أصبحنا جميعاً مستأنسين فتحرّكنا وراءه وعبرنا هذا الطريق الطويل. أملي هو أن تشملكم جميعاً الأدعية الزاكية لحضرة بقية الله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

709

 

 


586

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في جامعة الإمام علي عليه السلام للضباط

 

 

 

 

المناسبة:   تخريج ضباط كلية الجيش في جامعة الإمام علي عليه السلام

الحضور:  وزير الدفاع وكبار القادة في الجيش والحرس

المكان:   طهران

 

الزمان:    19/٠٨/1390ﻫـ.ش.

13/12/1432ﻫـ.ق.

10/11/2011م.

 

 

711

         


587

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مبارك لكلّ الخرّيجين الأعزّاء فى جامعات جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكذلك لكلّ الشباب الأعزّاء الذين تسلّموا رتبهم والتحقوا بالجموع الهائلة للمجاهدين فى جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

 

القوّات المسلّحة... عزّة الإسلام والمسلمين

بالنسبة لنا، إنّه لعيد جدير بالتبريك أيضاً أن يلتحق هذا العدد من الشباب المؤمن المتدين الطاهر النيّر المتخرج والطالب للعلم بهذه المجموعة العظيمة من القوات المسلحة وجيش الجمهورية الإسلامية. الحقيقة أنّه في كل لقاء بكم أيها الشباب المؤمن أشكر الله تعالى وأحمده من أعماق الروح، واشكروا أنتم أيضاً الله على هذه التوفيقات الكبرى.

 

إنّ جامعات جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي مراكز علم ومراكز جهاد. ما يشعر به الإنسان يوماً بعد يوم هو أريج المعنوية والتديّن والإيمان الذى يُستشمّ من هذه الجامعات. هذا موضع ارتياح وسرور. جامعة ناشطة من النواحى العلمية، وطلبة جامعيون متوثّبون راغبون، وأساتذة جيّدون، وقائد (مدير الجامعة) هو نفسه من الوجوه العلمية، أضف إلى ذلك أجواء الجهوزية الجهادية المؤمنة، ومناورات وتدريبات قتالية في الجو الحارّ في شهر رمضان فى شهري مرداد وتير، وصيام عدد كبير من الطلبة الجامعيين في الجامعة في جميع الأسابيع -يوم واحد في الأسبوع أو أكثر أحياناً، وهذا ما قد اطّلعتُ عليه- هذه أمور غير مسبوقة فى بلادنا ووطننا وفي العالم الإسلامي وفي القوّات المسلحة. هذه من صنائع الهمّة العالية لشعب عقد العزم على رفع راية الإيمان والإسلام والدين. القوّات المسلّحة التي تدرس وتتعلّم وتبذل الجهود وتعدّ نفسها من أجل الله وفي سبيل الله ولأجل المبادئ والأهداف الإلهية، وحينما

 

713

 


588

خطاب الولي 2011

تتوفر الفرصة للجهاد والدفاع تدخل إلى الساحة بروح التضحية، هذه القوات هي عزّة الإسلام والمسلمين وعزّة البلاد.

 

جهات عزّة القوّات المسلّحة

أنتم أعزّاء ومبعث عزّة. عزّتكم هي من جهتين:

الجهة الأولى: إنّكم تُنفقون شبابكم الأثير في سبيل العلم وفي سبيل الجهاد وبزلال المعنوية والإيمان، هذه عزّة. ﴿وَلِلَّهِ ٱلۡعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِۦ وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ﴾[1] العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين. وأنتم بمنحاكم هذا داخلون في جماعة المؤمنين.

 

والجهة الثانية: إنّكم مبعث عزّة بلادكم وشعبكم. البلد والشعب الذي يستطيع أن يُثبت أنّه مستعد للصمود والدفاع البطولي من أجل استقلاله وحفظ هويته ولأجل مبادئه وأهدافه ووجوده، هو بلد وشعب عزيز. عزّة هذا الشعب مما يعتقد به حتى الأعداء في أعماق وجودهم، رغم أنّهم غير مستعدين لذكر ذلك بألسنتهم من منطلق العناد. عزتكم اليوم -وأنتم رأس الحربة القوية والخط الأمامي للدفاع الوطني- ممّا يعتقد به حتى أعداؤكم، بل إنّ الكثيرين يذكرون ذلك بألسنتهم.

 

وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّة

يقول الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ﴾[2]. جاهزيتكم تُخيف الأعداء، لا الخوف من عدوانكم -إذ إنّكم لستم من أهل العدوان- بل من صمودكم وثباتكم، ومن فكرة الهجوم عليكم. في عالم لا يزال فيه -للأسف- الاعتماد على قوّة الحِراب والأسلحة يلعب دوراً حاسماً في العلاقات بين الشعوب والبلدان، وفي عالم يريد فيه العتاة بقبضاتهم الفولاذية الإمساك بمصائر الشعوب، والذي يُصان من الضرر والبأس -في العالم المادي- الشعب الذي يُثبت أنّه مستعد للدفاع. وقد أثبتت قواتنا المسلّحة وجيش جمهوريتنا الإسلامية العزيزة هذا. هذه عزّة. هذا شيء يبعث على العزّة بالنسبة للبلد. يجب الحفاظ على هذا. يجب


 


[1] سورة المنافقون، الآية 8.

[2] سورة الأنفال، الآية 60.

 

714


589

خطاب الولي 2011

أن تحفظوا كلّ رأسمالكم المادي والمعنوي، تديّنكم وإيمانكم، دوافعكم وتقواكم ونزاهتكم وورعكم وعزمكم الراسخ للدفاع طوال مدّة خدمتكم وطوال عمركم.

 

لسنا من أهل الاعتداء على أي شعب أو بلد، إنّنا لا نبادر أبداً إلى حرب دامية -وقد أثبت الشعب الإيراني هذا- لكنّنا شعب نردّ بكلّ ثبات واقتدار على أي اعتداء، بل على أي تهديد. لسنا شعباً نقعد ونتفرج على القوى المادّية الورقية التي نخرها الدود والأَرَضة من الداخل تُهدّد الشعب الإيراني الفولاذي القوي. إنّنا نُهدّد في مقابل التهديد. كل من تخطر بمخيّلته فكرة الاعتداء على الجمهورية الإسلامية الإيرانية يجب أن يعدّ نفسه لتلقي صفعات قوية وقبضات فولاذية من الشعب الإيراني المقتدر، من القوات المسلّحة، ومن جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومن حرس الثورة الإسلامية، ومن التعبئة العامّة، ومن وراء كل هؤلاء الشعب الإيراني العظيم. وليعلموا، لتعلم أمريكا، وليعلم عملاؤها، وليعلم كلبها الحارس لها في المنطقة الكيان الصهيوني، أنّ ردّ الشعب الإيراني على أي اعتداء وتطاول بل على أي تهديد سيكون رداً يُحطّمهم ويُدمرهم من الداخل.

 

حافظوا على استعدادكم لمواصلة هذه العزّة الوطنية والاقتدار الدولي. كلّنا يجب أن نكون جاهزين. على الجميع أن يحافظوا على جهوزيتهم لصيانة القيم السامية الخالدة على مرّ التاريخ، في مجال العلم، وفي مجال العمل، وفي مجال الصناعة وفي مجال الإدارة والسياسة وفي طليعة الدفاع الوطني حيث القوات المسلّحة وميدان القتال العسكري.

 

نحن على ثقة من أنّ البنية المتينة لنظام الجمهورية الإسلامية والاتحاد الوطني وتقارب القلوب بين أبناء الشعب هو الرادع الأكبر. من واجب الجميع الحفاظ على هذه البنية القوية المتينة وزيادة صلابتها.

 

أسأل الله تعالى لكلّ واحد منكم أيّها الشباب الأعزّاء وأبنائي الأعزاء ولأساتذتكم ولقادتكم ولكل الذين ساهموا في إيجاد هذه الظاهرة الجميلة العظيمة، أسأله التوفيق وحسن العاقبة والعزّة والشموخ.

 

و السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

715


590

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء حشود التعبويين النموذجيين

 

 

 

في جامعة الإمام علي عليه السلام للضباط

المناسبة:   أسبوع التعبئة

الحضور:  حشود من التعبويين النموذجيين

المكان:   طهران

 

الزمان:    ٠٦/٠٩/1390هـ.ش.

٠١/٠١/1433هـ.ق.

27/11/2011م.

 

 

 

717

 


591

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، لاسيّما بقية الله في الأرضين.

 

أشكر الله تعالى لتوفيق الحضور في هذا اللقاء العظيم الحسن جداً.

 

خصوصيات واقعة عاشوراء

اليوم هو الأول من شهر محرم. ثمّة تناسب بين هوية التعبئة وحقيقتها، وهوية محرم وعاشوراء. تفخر التعبئة بأنّها سائرة على درب ومدرسة عاشوراء. طبعاً عاشوراء هي ذروة التضحية والإيثار. التاريخ كله، والعالم كله عرف قضية عاشوراء والحسين بن علي عليهما السلام وأصحابه الأوفياء بهذه الخصوصية، التضحية والإيثار في سبيل الله وفي سبيل تحقيق الأهداف الإلهية. بيد أنّ قضية عاشوراء ليست هذا فقط. نعم، أبرز وأوضح خصوصيات عاشوراء التضحية والشهادة، إلا أنّ هناك حقائق أخرى في قضية عاشوراء. منذ بدء المسيرة من المدينة نُثرت بذور المعرفة والبصيرة، وهذه من خصوصيات واقعة عاشوراء. إذا لم يكن الناس أو الأمّة متحلّية بالبصيرة فإنّ الحقائق المتنوّعة سوف لن تُصلح أمرها، ولن تعالج مشكلاتها. وعليه فإنّ الإخلاص ومعرفة الظرف والزمان ونثر بذور حركة تاريخية متصاعدة من خصوصيات عاشوراء المهمّة. لم تنته القضية بظهيرة عاشوراء، والواقع أنّه من بعد ظهيرة عاشوراء انطلق تيار في التاريخ لا يزال يتصاعد ويتنامى. وسيبقى هكذا أيضاً. أخذ الإمام الحسين عليه السلام كل ما يملك إلى الساحة من أجل إعلاء كلمة الحقّ ولإنقاذ الناس. هذه بعض الخصوصيات التي يمكن للإنسان أن يراها ويذكرها عموماً في قضية عاشوراء.

 

 

719


592

خطاب الولي 2011

حقيقة التعبئة

التعبئة هي نفس هذا الدرب، ونفس هذه الحركة، ونفس هذه الأهداف، ونفس هذه الأدوات والوسائل. التعبئة جماعة مضحّية من الناس ولأجل الناس، إنّها تشكيل جماعة في مسيرة عظيمة لشعب مجاهد. المشاركة في ميدان الدفاع وفي ميدان العلم وفي ساحة الفن وفي البناء وفي السياسية وفي الثقافة وفي مساعدة المستضعفين والمحتاجين، وفي الإنتاج، وفي التقنية، وفي معالجة مختلف قضايا البلاد، وفي الرياضة، وفي النجاح والتألّق بين الأُمم، وفي أي عمل خير. هذه هي حركة التعبئة، حركة جماهيرية شعبية لأجل الناس ومن صميم الناس ومن الناس ومن كل الشرائح، من النساء ومن الرجال ومن الشباب ومن الشيوخ ومن الناشئة ومن الطبقات والقطاعات المختلفة، إنّها تشكيل منظومة حزب اللهيّة حقيقية.

 

التعبئة سياسية لكنّها ليست مصابة بالسياسة والألاعيب السياسية وليست فئوية. التعبئة مجاهدة لكنّها ليست متطرّفة وعديمة الانضباط. التعبئة متديّنة ومتعبّدة بعمق لكنّها ليست متحجّرة ولا تؤمن بالخرافات. التعبئة ذات بصيرة لكنّها ليست معجبة بنفسها. التعبئة ذات جاذبية واستقطاب -وقلنا إنّه استقطاب الحد الأقصى- لكنّها ليست من أهل التسامح في الأصول. التعبئة غيورة وحارسة للخطوط الفاصلة. التعبئة منحازة للعلم لكنّها ليست منبهرة بالعلم سطحياً. التعبئة متخلّقة بالأخلاق الإسلامية لكنّها ليست مُرائية. التعبئة تعمل لعمارة الدنيا لكنّها نفسها ليست من أهل الدنيا.. هذه ثقافة.

 

الثقافة التعبوية

الثقافة التعبوية هي مجموعة المعارف والأساليب والسلوكيات التي بوسعها إيجاد مجاميع عظيمة في الشعب تضمن الحركة الإسلامية المستقيمة والمستمرة لذلك الشعب. هذا فكر وثقافة.. وهو ليس مجرد فكر في الذهن إنّما يوجد في الخارج وفي الواقع العيني. لقد غيّرت الحركة التعبوية مصير إيران بل مصير ما هو خارج حدود إيران. منذ اليوم الأول تحرّك تعبويّو إمامنا في شتى ساحات الثورة وإلى انتصار الثورة

 

 

720

 


593

خطاب الولي 2011

وإلى ما بعد الثورة تحرّكات بقيت وصارت نموذجاً وقدوة وذكرى للشعب الإيراني في ساحات التاريخ. الشباب في نيويورك وكاليفورنيا اليوم يكرّرون شعارات الجماهير في مصر وتونس ويستلهمون منهم، ولا ينكرون ذلك. وشباب مصر وتونس استلهموا وتعلّموا من حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي ولم يُخفوا ذلك. وقد كان المعلّم الأول في العصر الحديث تعبويّو إمامنا الجليل، والكل تعلّموا من تعبويّي إمامنا الجليل ومن المعاقين والجنود والمضحّين في هذه الثورة.. تعلّموا كيف يمكن تحطيم أساطير القوّة المادية، وكيف يمكن تحطيم الأصنام على اسم الله، وكيف يمكن الصمود والمقاومة.

 

هذه حقائق يعرّفها لنا اليوم وجود التعبئة وحقيقة التعبئة وحركة التعبئة وأهداف التعبئة. استطاعت الثورة الإسلامية والشعب الثوري بمثل هذه الثقافة وبمثل هذه التعاليم وبمثل هذه الروح أن يجعل الكثير من المستحيلات ممكنة ويحقّقها، وسوف تستمر هذه الحركة. عِداء الأعداء لا يمكنه أن يؤثر شيئاً. العدو طبعاً يمارس عِداءه -لا ينبغي الشكّ في هذا ولا يمكن توقّع غير هذا من العدو- لكنّنا حينما نشاهد حركة الشعب الإيراني العظيمة منذ بداية الثورة والحركة والنهضة وإلى اليوم نرى أنّ لها مساراً واضحاً. الشعب الإيراني يسير نحو الأمام ونحو القمم، وينتصر على مختلف التحديات في شتى الميادين، والأعداء يتراجعون ويتنازلون مضطرين في هذه المواجهة. بناءً لهذه الحركة فإنّ انتصار الشعب الإيراني حتمي.

 

تُلاحَظ في الوقت الراهن التحرّكات وحالات النشاط والتوثب الإسلامية في كل المنطقة الإسلامية والعربية. هذا هو الشيء الذي كان ينتظره الذين تعرّفوا إلى حقيقة الثورة منذ ثلاثين عاماً، وبقي أعداء الثورة يرتعدون من تصوّره طوال ثلاثين سنة. كانوا يخافون من أحداث وقعت اليوم. مخطّطو المؤامرات ضد الثورة الإسلامية كانوا يتوقّعون حدوث مثل هذه الأحداث، وقد حدثت، وسوف تستمر ولن تتوقف.

 

الشعوب استيقظت واختارت طريقها

لقد رفعت الشعوب المسلمة في المنطقة العربية اليوم رأسها ووعت واستيقظت.

 

 

721

 


594

خطاب الولي 2011

وليس بوسع الأعداء قمعها ولا يستطيعون تحريف مسارها. لقد انطلقت الحركة وتركت تأثيراتها على الواقع في العالم. الحركات التي ترونها اليوم في العالم الغربي وفي أمريكا وفي أوروبا تشير إلى تغييرات هائلة سوف يشهدها العالم في المستقبل.

 

إنّنا لا نستغرب من ردود أفعال الأعداء ومن التهديدات التي يطلقونها ومن فرضهم الحظر الاقتصادي... لا نتعجّب مما تفعله بلدان الاستكبار في هذه الفترة لمواجهة نظام الجمهورية الإسلامية. إنّهم يعلمون أنّ الجمهورية الإسلامية هي قطب هذه الحركة، وصمود الشعب الإيراني هو الذي استطاع بثّ هذه الروح في المنطقة وأثبت أنّ بالإمكان الوقوف بوجه الهيمنة الاستكبارية. مرّر الاستكبار أعماله دائماً عن طريق الرعب والتخويف.خوّفوا الشعوب وخوّفوا رؤساء البلدان. وحينما ينزاح ستار الرعب هذا وتعلم الشعوب أنّ هذه الهيمنة ليست هيمنة حقيقية وواقعية، إنّما هي صورية وظاهرية، فسوف يُنزع هذا السلاح من يد الاستكبار. وهذا ما حصل اليوم، لذا فهم غاضبون وعصبيون ويضغطون على الجمهورية الإسلامية.

 

طبعاً من الخطأ اتهامهم أنّ الجمهورية الإسلامية هي التي أطلقت هذه التحرّكات. هذا اتهام غير صحيح وفي غير محله. ليس ثمة حاجة لهذا. النظام الإسلامي ببقائه وصموده وصدقه في هذا الدرب -وقد أثبت الشعب الإيراني أنّه صادق في هذا الدرب- كان مُلهِماً، وهذا الإلهام واقع قائم. لقد استيقظت الشعوب واختارت طريقها. والأعداء يمارسون عداءهم. طبعاً هذا العداء يخلق بعض التحديات. وقد تعوّد الشعب الإيراني على مواجهة هذه التحديات، وسوف ننتصر إن شاء الله على كلّ هذه التحديات التي يوجدها الأعداء، والله تعالى قدّر للشعب الإيراني وبالتالي للأمة الإسلامية هذا النصر لتكريس حقائق الإسلام الزاهرة في العالم.

 

نتمنى أن يُوفِّق الله تعالى كل شعبنا العزيز وشبابنا التعبويين الأعزّاء وكل شباب هذا البلد والمسؤولين للاستمرار في هذا الدرب. ليعلم الجميع أنّهم مسؤولون في هذا الميدان، مسؤولو البلد ومختلف الشرائح... الشعب حاضر في الساحة. جهوزية الشعب في شتى القضايا جهوزية كاملة. وعلى المسؤولين أن يعرفوا قدر هذا الشعب وقدر هذه الجهوزية، وأن يقوموا بأعمالهم التي على عاتقهم على أفضل وجه فى السلطات

 

 

722

 


595

خطاب الولي 2011

الثلاث، كي يتقدم الشعب إلى الأمام بانسجام.

 

وهذه التحركات في أطراف العالم الإسلامي هي بلا ريب تحركات باقية ومتقدّمة إلى الأمام. الشعوب تستيقظ الواحد تلو الآخر. وعملاء الاستكبار سيخرجون من الساحة الواحد تلو الآخر، وسوف تتضاعف شوكة الإسلام واقتداره إن شاء الله يوماً بعد يوم.

 

ربنا، اجعلنا جديرين بهذه النعم الكبرى وشاكرين لها.

 

اللّهم نوّر قلوبنا بنور محبتك ومعرفتك وأوليائك، واشملنا بأدعية الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف أرواحنا فداه.

 

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

723


596

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء أعضاء هيئة مراسم التاسع

من شهر دي

 

         

المناسبة:   لقاء أعضاء هيئة مراسم التاسع من دي

الحضور:  أعضاء هيئة مراسم التاسع من دي

المكان:   طهران

 

الزمان:    ٢١/٠٩/1390هـ.ش.

16/٠١/1433هـ.ق.

12/12/2011م.

 

 

725

 


597

خطاب الولي 2011

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بداية نشكر الإخوة الأعزّاء، جناب الشيخ جنّتي والإخوة الفاعلين في مجلس شورى التنسيق والارتباط، وكما ذَكَر، فإنّه بحمد الله وطوال السنين المتمادية: أينما نشأ الشعور بالتكليف، يبادر بالنزول إلى الميدان من أجل إدارة هذه التحرّكات الشعبية العامة. بالطبع، كلنا يعلم أنّ القلوب بيد الله. إنّ الذي أتى بالناس إلى ساحات الشوارع وبهذا الحضور الشعبي العظيم، وكيان المجتمع الذي يُظهر جيداً روحه الجياشة في المراسم المختلفة: كيوم الثاني والعشرين من شهر بهمن، أو كيوم القدس، ومؤخّراً في هاتين السنتين كيوم التاسع من شهر دي هو الله تعالى ويد قدرته، فالقلوب بيده. إنّ الأمر لا ينحصر بما هو موجود بين أيدينا، في المشاركة المليونية العظيمة -كالتاسع من دي وأمثالها- فلو أنّ ألف شخص أرادوا أن يجتمعوا في مكان واحد، فإنّ هذا يحتاج إلى إدارة، وهذه الإدارة قد قام بها، وللإنصاف، المجلس الأعلى للإعلام بشكل جيد. ونحن أيضاً نشهد بذلك، ونشكر الأصدقاء الذين تولوا مثل هذه القضايا.

 

حقيقة التاسع من شهر دي

في قضية التاسع من شهر دي لعام 88 هـ.ش (2009م)، هناك نقطة أساس ترجع إلى هوية الثورة وماهيتها، أي إنّ نفس تلك الروح التي كانت حاكمة على أصول ثورتنا وذاك الحضور العظيم التاريخي الذي لم يكن له نظير (في عام 1979) قد ظهر في حادثة التاسع من دي أيضاً، كما أنّه ظهر أيضاً في القضايا المختلفة، لكنّه في التاسع من دي قد ظهر بشكل بارز، بحيث لم يدع مجالاً للإنكار والترديد والتأمّل بالنسبة لأي كان من المغرضين والأصدقاء والأعداء وغيرهم. فماذا كانت هذه الروح؟ إنها روح التديّن الحاكم على قلوب الناس. فلدينا عنصران متجاوران:

 العنصر الأول: هو عنصر الشعب، حيث إنّ الشعب في أي بلد ومجتمع إذا بذل

 

 

727

 


598

خطاب الولي 2011

همته وأعمل بصيرته ونزل إلى ساحة العمل وميادينه، فإنّه سيتمكّن من حل جميع مشكلاته. فأعظم الجبال تزول مقابل حضور الشعب، حيث يمكنه أن ينقل الجبال الراسخات من مكان إلى مكان أيضاً. إنّ هذه حقيقة واضحة لم يتلمّسها الكثير من المحلّلين الاجتماعيين في البلاد الإسلامية وغيرها، ولم يدركوها، ونحن قد لمسناها..ومهارة إمامنا الجليل الكبرى كانت في هذا الأمر.

 

عندما قلتُ هذا الأمر قبل حوالي 15 أو 20 سنة لأحد الناشطين في ميدان النضال ضد الاستعمار وهو رجل معروف ولا أريد ذكر اسمه فإنّه قام مباشرة بتطبيق هذه الوصفة. لقد أدركنا هذا. وقلتُ إنّ مهارة إمامنا الجليل كانت في قدرته على إنزال الشعب إلى الساحة. فالناس نزلوا بأجسادهم ومشاركتهم، وكل ما أرادوه وعزموا عليه قد ثبّتوه بحضورهم. وقد اضطرّت جميع العوائق السياسية وغير السياسية والاستعمار والقوى العالمية العظمى المهيمنة على شؤون الشعوب، أن تتراجع مقابل هذه الواقعة. والآن، الأمر على نفس المنوال. الآن، في أيّ نقطة من العالم لو أنّ الشعوب نزلت إلى الميدان بهدفٍ واضح وشعارات محدّدة وحضر معها الإيمان الراسخ في القلوب والعمل الصالح إلى جانبه، فإنّه لن يقدر أيّ عائقٍ على مواجهتها ومقاومتها. هذه وصفة، وقد طبّق إمامنا الجليل هذه الوصفة في ثورتنا. والله تعالى أعان الإمام وجعل في بيانه هذا النفوذ والتأثير الذي يخترق قلوب الناس، وأصبح الشعب مؤمناً بذلك الطريق وذاك الهدف، وتبعاً لهذا الإيمان أنجز عمله. العمل الصالح هو ذاك العمل المتناسب مع الإيمان. وهذا الأمر ثابتٌ في كلّ مكان. لهذا تمّ إنجاز عملٍ هنا كان بالنسبة لجميع المحلّلين السياسيين في العالم غير ممكن التصديق، فأبقاهم حائرين، سواءٌ منهم أصحاب النفوذ أمالحواشي والأذناب والأتباع.

 

لهذا فإنّ العنصر الأوّل هو عنصر حضور الجماهير.

 العنصر الثاني: هو عنصر الإيمان الديني للشعب. الإيمان الديني هو ذلك الإعجاز القادر أولاً على تعبئة جميع الناس وجلبهم، وثانياً، تثبيتهم في الساحة، وثالثاً، تسهيل الصعاب عليهم، ولا يوجد أيّ إيمانٍ آخر بمثل هذه الخصوصية. الإيمان الديني يقول إنّكم إذا تغلّبتم على ذلك وتقدّمتم فستنتصرون، حتى لو قُتلتم فأنتم منتصرون، حتى لو

 

 

728

 


599

خطاب الولي 2011

سُجنتم فأنتم منتصرون، لأنّكم عملتم بوظيفتكم وأدّيتم التكليف. عندما يحمل أيّ إنسانٍ مثل هذا الاعتقاد والإيمان فلا معنى للهزيمة بالنسبة له، لهذا سينزل إلى الميدان. وهذا هو نفس العامل الذي أثّر في صدر الإسلام وقد أثّر في ثورتنا، وقد أظهر التاسع من دي هذا الأمر. فهذا اليوم يُعدّ نموذجاً لتلك الخصوصية التي تحقّقت في الثورة، أي عندما شعر الناس بمسؤوليتهم الدينية، قاموا بعملهم الصالح تبعاً لهذه المسؤولية. العمل الصالح هو أن ينزلوا إلى الشوارع ويتظاهروا ويعلنوا أنّ هذا هو شعب إيران، وبهذه الحركة الشعبية تمّ إفشال ذلك الحجم الهائل من دعايات العدوّ الذي كان يريد إظهار أهل الفتنة على أنّهم شعب إيران ويُظهر بذلك أنّ شعب إيران قد تراجع عن ثورته ونظامه، فالناس إذاً، قد أظهروا من هو شعب إيران. عندما نظر المحلّلون الأجانب قالوا: "إنّه بعد رحيل الإمام الجليل- وبعضهم قال: بعد التحرّكات الأولى للثورة -لم يحصل مثل هذا التجمّع الكبير وبهذه الحرارة والاندفاعة"، وذلك عندما نزل الناس إلى الميدان. هذه هي حقيقة التاسع من دي.

 

جذور فتنة العام ٢٠٠٩م

لقد كان هذا التحرّك عظيماً وقد أنجز عملاً جليلاً. وقد أشار الشيخ جنّتي بشكلٍ صحيح حين قال: لم تكن فتنة عام 88 في نزول مجموعة من الأشخاص إلى الشوارع. فهناك جذور لهذا العمل، وكانوا قد زرعوا مرضاً موغلاً، وكانت لديهم أهداف، وقد هيأوا لها أرضيات ومقدّمات كثيرة، وقاموا بأعمالٍ كبيرة، وكانوا يتحرّكون نحو أهداف خطرة جداً، لم تكن لتُعالج من خلال المواجهات السياسية والأمنية المختلفة، بل كان يلزمها تحرّك شعبي كبير، فكان هذا التحرّك في التاسع من دي. لقد جاء الناس وطووا بساط الفتنة وأهل الفتنة. لهذا فإنّ حادثة التاسع من دي هي واقعة مُخلّدة في تاريخنا. ولقد قلتُ في تلك السنة العام الفائت أو ما قبله إنّ هذه الحادثة لم تكن صغيرة. فلقد كانت تشبه أحداث بدايات الثورة. ويجب المحافظة عليها وتعظيمها.

 

 

729

 


600

خطاب الولي 2011

بالطبع، أنتم السادة المسؤولون عن إدارة هذا الأمر، اسعوا لأن لا تتغلّب الأبعاد المتعلّقة بالشعارات على هذه الواقعة. وأُكرّر مرّة أخرى أنّ عمل مجلس التنسيق الإعلامي (شورى التنسيق الاعلامي) هو الإدارة، في الوقت الذي يتولى الناس مثل هذا العمل، والقلوب بيد الله. إنّ الله تعالى هو الذي يأتي بالناس إلى الساحة، أي إنّ ذلك الإيمان الإلهي والتوفيق الإلهي والتأييد الإلهي هو الذي يأتي بالناس.غاية الأمر أنّ الإدارة ضرورية، وأنتم تديرون وإدارتكم حسنة ولائقة. لهذا اسعوا لأن لا تغلب جهة الشعار على القضية. بالطبع، إنّ الشعار ضروريّ وهو أمرٌ لازمٌ وحتميّ، فالحماس والاندفاع ضروريان، لكن يجب تبيين عُمق الشعارات، أي أن تظهر تلك الأعمال التي أشير إليها: ماذا كانت كلمة شعب إيران في ذلك اليوم؟ وما هي كلمته اليوم؟ وما هي وجهة حركة شعب إيران وتوجّهاته؟ إنّنا نتحرّك في ظلّ الدين. وبعون الله تعالى وصاحب الدين نتحرّك. إنّ هدفنا أيضاً هو تحقّق القيم الدينية وذلك الأمر الذي وعد به الدين شعوب العالم وقدّمه هديّة لهم.

 

أثر عاشوراء في حادثة التاسع من دي

والتفتوا، ضمناً، إلى أنّ من الخصائص الأخرى لحادثة التاسع من دي والتي تُقرّبها بشكلٍ تام من أحداث الثورة هي قضية عاشوراء، أي إنّ ما كان يجري في حوادث بداية الثورة هو إقبال شهر محرّم، وقد بيّن الإمام تلك المسألة التاريخية العظيمة والمدهشة: "هو شهر انتصار الدم على السيف". لم يكن هذا كلاماً عابراً: "انتصار الدم على السيف". لقد اعتدنا جميعاً على مثل هذه الكلمات ونكرّرها وكأنّنا غفلنا عن أعماقها أحياناً. الدم ينتصر على السيف، والمظلوم يتغلّب على الظالم، والمقتول على القاتل، وهذا ما حدث في عاشوراء. ولقد طرح الإمام هذا الأمر في محرّم عام 1979 (عام الانتصار)، وفي حادثة التاسع من دي كانت قدم الإمام الحسين في الميدان وكذلك آثار عاشوراء. لو لم تصدر تلك التحرّكات السخيفة والمُبكية -في الواقع- من تلك الزمرة السخيفة أيضاً، في عاشوراء، لما كان معلوماً أن تتحقّق هذه الحركة العظيمة والحراك الشعبيّ العام بهذا الشكل. فهنا أيضاً آثار عاشوراء.

 

 

730

 


601

خطاب الولي 2011

أملنا إن شاء الله أن يُعينكم الرّب المتعال. ونسأل الله بمشيئته أن لا يرفع ظلّ الإمام الحسين وظلّ عاشوراء وظلال الدين والإيمان الديني عن رؤوسنا أبداً وأن يوفّقكم جميعاً.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

731


602

خطاب الولي 2011

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء وزير الخارجية الإيرانية والمسؤولين فيها

وسفراء الجمهورية الإسلامية

 

 

 

 

         

 

         

         

المناسبة:   لقاء وزير الخارجية والمسؤولين في وزارة الخارجية وسفراء الجمهورية الإسلامية

الحضور:  وزير الخارجية والمسؤولين في وزارة الخارجية وسفراء الجمهورية الإسلامية

المكان:   طهران

 

الزمان:    ٠٧/10/1390هـ.ش.

٠٣/٠٢/1433هـ.ق.

28/12/2011م.

         

 

 

733


603

خطاب الولي 2011

استقبل الإمام السيد علي الخامنئي دام ظله وزير الخارجية والمسؤولين في الخارجية الإيرانية وسفراء الجمهورية الإسلامية، وألقى فيهم كلمة نعرض أبرز ما ورد فيها:

يجب على الجهاز الدبلوماسي في هذه الأوضاع المعقّدة والحسّاسة أن يمارس دوراً مؤثّراً في عرض وتبيين الكلام الجديد الذي ينادي به النظام الإسلامي، أي المشاركة الشعبية إلى جانب القيم الإلهية في المجتمع.

 

الدبلوماسية ساحة للمواجهة والتحدّيات بسبب تضارب مصالح البلدان، لكنّ العمل في الجهاز الدبلوماسي للجمهورية الإسلامية يتجاوز النشاط الدبلوماسي المألوف في العالم، ذلك أنّ سفراء إيران ممثلو نظام تتناقض ذات المستكبرين مع ماهيته الإسلامية تناقضاً عميقاً.

 

الإسلام يحارب أركان الاستكبار ومبانيه أي الظلم والعدوان والاحتلال، لذلك يخاف عتاة العالم من مجرّد ميل الشعوب إلى الإسلام. وقد أبدوا في أحداث الأشهر الأخيرة في المنطقة قلقهم علناً من الظواهر والعلامات الإسلامية في مظاهرات الشعوب وفوز الإسلاميين في الانتخابات.

 

تقدَّم النظام المنتخب من قبل الشعب الإيراني باسم الإسلام وبالتركيز على الشعارات الإسلامية إلى درجة أنّ العلماء الشباب في هذا البلد في العلوم والصناعات المتقدّمة جداً كالصناعات النووية وتقنيات النانو يفخرون بانتمائهم للتعبئة، والاستكبار يواجه الجمهورية الإسلامية لهذا السبب، أي للدور الإساس للإسلام في هذا البلد.

 

النشاط المؤثّر في هذا المجال يحتاج بالدرجة الأولى إلى قوّة قلب وثقة بالنفس

 

 

735

 


604

خطاب الولي 2011

وعزيمة راسخة، وهذا ما لا يتحقّق إلاّ بالإخلاص والتوكّل على الله والثقة به وحسن الظنّ بالوعود الإلهية الصادقة والمتانة الداخلية للجهاز الدبلوماسي.

 

المتانة الداخلية للجهاز الدبلوماسي للبلاد المنوطة بالتقوية المعنوية المتزايدة للعناصر الناشطة والمرتبطة بجهاز السياسة الخارجية وسفارات إيران، تحتاج بدورها إلى المراقبة المعنوية ومضاعفة عوائل السفراء من ارتباطهم بالله تعالى وحسن الظنّ الحقيقي والعميق بالوعود الإلهية، مضافاً إلى أنّ المتانة الداخلية إذا تحقّقت في أي مجتمع فلن يستطيع أي شيء مواجهة هذا المجتمع.

 

في ظلّ الإيمان المُلازم لتضحيات ووجهاد الشعب والمسؤولين تبدّلت الغُربة والفقر والاحتياج مع بدايات الثورة إلى شموخ وعزّة الآن، حتى أنّ شعارات الشعب الإيراني تُسمع راهناً في بلدان ناصبت هذا الشعب العداء طوال ثلاثين عاماً، وهذا هو المعنى الحقيقي للتقدّم والمتانة والقوّة والاقتدار.

 

ليس من المهمّ من أين جرى استلهام هذه الشعارات "الله أكبر" وباقي الشعارات الإسلامية في مصر، المهمّ أنّ أفكار الشعب الإيراني وشعاراته ونداءاته طوال ثلاثين عاماً قد انتعشت الآن في الشرق الأوسط والخليج الفارسي وشمال أفريقيا، وهذه الحقيقة مصداق جليّ لوعد الخالق الكريم بنصرة الشعب الإيراني المؤمن الذي صبر على الصعاب والشدائد وبذل جهوده وكافح في الصراط الإلهي المستقيم.

 

في بعض الفترات كان هناك بعض الأفراد في السلك الدبلوماسي وغير الدبلوماسي يتصوّرون أنّ الالتزام بالقِيم يُعيق النجاح ولا يؤدي إلى نتيجة، لكنّ التجربة دلّت على أنّه كلّما كان الالتزام بالأصول والمبادئ أكثر كلما ازدادت هيبة الجمهورية الإسلامية واحترامها في نظر الطرف المقابل.

 

من آفات العمل الديبلوماسي في فترات معينة تصوّر بعض المسؤولين أنّهم إذا كرّروا في لقاءاتهم الدولية كلام الطرف المقابل الذي ردّده طوال المائة عام الأخيرة بشكل آخر فسوف يؤتي ذلك نتائج إيجابية، لكنّ ممارساتهم هذه جعلتهم عملياً ضعفاء وأظهرت سخافتهم في أعين الطرف المقابل، وكأنّهم لا يمتلكون شيئاً من عند أنفسهم.

 

 

 

735


605

خطاب الولي 2011

الانتصار على طاولة المحادثات يحتاج إلى ذكاء ودقّة وثقة بالنفس ورصانة عقلانية وفرض البراهين على الطرف المقابل، والإمساك الحقيقي بهذه العوامل مُمكن بالإخلاص والتوكّل على الله تعالى والمعنوية.

 

يقول الإمام علي أمير المؤمنين عليه السلام إنّ الزبير كان معه في جهاده وشدائده، ولكن حينما شبّ ابنه تأثّر هذا الصحابي الكبير بكلام ابنه ومطالبه، فوقف تدريجياً أمام الحقّ وشهر سيفه بوجه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وهذه حقيقة تدل على أنّ الثغرات الصغيرة قد تؤدي أحياناً إلى انحرافات كبيرة.

 

تقع أحداث كبرى في المنطقة وأوروبا والعالم يجب رصدها بمنتهى اليقظة والاصطفافات السياسية في العالم آخذة بالتغيّر الجذري.

 

في عقد الستينيات الميلادية من القرن الماضي حدثت تحولات في بعض البلدان العربية، وفي عقد التسعينيات شهدت أوروبا الشرقية أحداثاً كبرى، لكنّ الأحداث الحالية في المنطقة، والاعتراضات المتلاحقة في الغرب تختلف اختلافاً كبيراً عن تلك الأحداث من حيث العمق والضخامة.

 

يتصوّر بعض الناس أنّ أمريكا تدير من خلف الستار هذه التطورات، لكن هذا التحليل وهمٌ محض، كما ظن بعضهم متوهّمين قبل ثلاثين عاماً أنّ الثورة الإسلامية من تخطيط أمريكا.

 

الأمريكيون لا يسوؤهم لو كان لديهم بدل مبارك عنصر ديمقراطي له شعبيته، لكن هذا غير ممكن، لأنّه لو تولّى السلطة شخص له شعبيته ووطنيته وديمقراطي حقيقي لكان بالتأكيد معارضاً لأمريكا والصهاينة.

 

التحرّك العظيم للشعوب دليل يقظتها، وهذه الصحوة بدليل الأحداث الواسعة الحاسمة لها صبغتها الإسلامية، وطبعاً ليست هذه الصحوة الإسلامية بمعنى أنّهم كلّهم يريدون الحكومة الإسلامية أو يؤيدون نموذج الحكومة الإسلامية في إيران.

 

إن اعتراف وسائل الإعلام الغربية بانتصار الإسلاميين في الإنتخابات الحالية والمستقبلية في المنطقة مؤشر آخر على إسلامية ثورات المنطقة.

 

في هذه الأوضاع المعقّدة والحسّاسة، ينبغي للجهاز الدبلوماسي في البلاد أن يعرض

 

736


606

خطاب الولي 2011

الآراء الجديدة للجمهورية الإسلامية على شعوب العالم في ساحة الدبلوماسية العالمية الواسعة.

 

إن المشاركة الشعبية إلى جانب القيم الإلهية في المجتمع والقيم المعنوية والإلهية إلى جانب إرادة الشعوب وليس إكراه الشعوب هي الآراء الجديدة والأساس للجمهورية الإسلامية، فعلى الجهاز الدبلوماسي أن يقرّب بالحكمة والمنطق مواقف الطرف الآخر من مواقفه بشكل تدريجي وأن يعمل استناداً إلى "الحكمة والعزّة والمصلحة" وحفظ "العزّة الوطنية وعزّة الهوية" بواجباته الجسيمة، ويجب أن لا يكون هناك أي استسلام أو تنازل في هذا الدرب لا في طور المعتقدات والمبادىء ولا في طور العمل.

 

توجد في هذه الحركة العامّة المتقدّمة إلى الأمام نواقص وثغرات في المجالات الاقتصادية والثقافية وسائر الميادين، بيد أنّ المهمّ هو أنّنا نريد رفع هذه النواقص، مضافاً إلى أنّ هذه النواقص أقلّ بكثير ممّا يطرحه العدو مُضخَّماً من أجل أن يغطي على نقاط القوّة.

 

ينبغي رصد الأحداث العميقة وغير المسبوقة في المنطقة والعالم بيقظة ودقّة، وممارسة الدور المؤثّر على هذا الصعيد من خلال قرارات وخطوات واعية وحكيمة.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

737


607
خطاب الولي (2011)