خطاب الولي (2010)

توثيق تفصيلي لخطب الإمام الخامنئي (دام ظله) وكلماته وبياناته.


الناشر:

تاريخ الإصدار: 2010-01

النسخة:


الكاتب

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

من مؤسسات جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، متخصص بالتحقيق العلمي وتأليف المتون التعليمية والثقافية، وفق المنهجية العلمية والرؤية الإسلامية الأصيلة.


خطاب الولي 2010

المقدّمة

 

إن رسالة النبي الأكرم صلى الله  هي الدعوة إلى الله سبحانه، وهذا هو المائز الأساس في النظام الإسلامي، ومسألة الإيمان بالله وبالغيب هو الطريق الوحيد لسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة. وبهذه المسألة يتحدى نظام الجمهورية الإسلامية كل الأنظمة المادّية في العالم، فالإيمان بالله هو طريق الأنبياء وعلى نهجهم الأولياء.

 

إن الإيمان بالله تعالى يمكّن الناس من الحصول على كلّ ما يحتاجون إليه في حياتهم المادّية ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ أَقَامُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِم مِّن رَّبِّهِمۡ لَأَكَلُواْ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۚ﴾[1].

 

وللإيمان بالله دور بارز في الاستقرار المعنوي للبشرية أيضاً قال تعالى: ﴿قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ﴾[2].

 

وإن أفضل هادٍ ومرشد بعد الأنبياء وبعد رسل السماء هم الأئمة عليهم السلام، وعلى نهجهم وخطاهم سار الأولياء والعلماء، من هنا كانت خطابات وكلمات الإمام الولي السيّد علي الخامنئي دام ظله على مدار عام كامل (2010م) مليئة بالإرشاد والهداية. مليئة بالفكر والعبر، مليئة بالحكمة والموعظة الحسنة، في شتّى المناسبات، وعلى جميع الأصعدة، وفي أحلك الظروف وأهونها. إنّه طبيب دوّار بطبّه، وقائد لا مثيل له في هذا العصر.


 


[1] سورة المائدة، الآية 66.

[2] سورة المائدة، الآيتان 15 ـ 16.

 

9


1

خطاب الولي 2010

من هنا عمل مركز المعارف للتأليف والتحقيق، على جمع كل خطابات الولي القائد، وإعادة ترتيبها بحسب مناسباتها الزمانية، وأشرف على ترجمتها وتبويبها ووضع العناوين لبعض الفقرات. سائلاً المولى أن يكون هذا الكتاب عَلَماً لكلّ مستهدٍ ومشعلاً لكل مستنير ومنهلاً لكل ظامئ وأن يتقبل منّا هذا الجهد ويحفظ لنا هذا العلم المعطاء ويديمه ذخراً لأمتنا الإسلامية حتّى يظهر الله وليّه عجل الله تعالى فرجه الشريف إنه نعم المولى ونعم المجيب.

 

                                                                                             والحمد للَّه ربّ العالمين

مركز المعارف للتأليف والترجمة

 

10


2

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئيّ دام ظله

في لقاء أهالي قمّ

 

 

 

المناسبة:   محرم الحرام

الحضور:  جمع من أهالي قم المقدسة

المكان:   طهران

 

الزمان:    1388/10/19هـ.ش.

1431/01/23هـ.ق.

2010/01/09م.

 

 

11


3

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما بقيّة الله في الأرضين.

 

لمحرّم أهميّة تاريخية ومعنوية وإنسانية الجلسة ذات معنى ومغزى كبير، ونتمنّى أن تشمل البركات والرحمات والهداية الإلهية هذه الجلسة الكبيرة، وأن يحفظنا الله تعالى جميعاً. كانت كلمة رئيس جمهوريتنا العزيز جدّ وافية وشافية وتتضمَّن العديد من مكنونات قلبي. وقد عبّر عن أفكار جيّدة ونقاط هامة ببيان جيّد. نتمنّى أن يتفهّم جميع أبناء الشعب هذه المفاهيم الجيّدة والمميّزة وينتفعوا مثلما انتفعنا.

 

تصادف هذه الأيام بداية العام الهجريّ القمريّ وأيّام محّرم، وتصادف أيضاً أعتاب السنة الشمسية الجديدة. أيّام محرّم لها عندنا أهميّة تاريخية ومعنوية وإنسانية. وواقعة محرّم ليست واقعة تندثر بالتكرار وإقامة المراسم. إحياء الذكرى حالة دائمة وضرورية في كلّ الأوقات.

 

في بداية كلمتي سأتّحدث قليلاً عن قضية ثورة الإمام الحسين عليه السلام.

 

مجابهة الطواغيت أهمّ واجبات الأنبياء

لقد أبدى البشر طوال التاريخ أكبر قدر من الأخطاء والمعاصي ومجانبة التقوى في ساحة الحكم والدولة. وإنّ الذنوب التّي صدرت عن الحكّام والساسة والمسلّطين على مصائر الناس لا تقبل المقارنة مع الذنوب الكبار جداً للأفراد العاديين. في هذا المجال قلّما استخدم الإنسان عقله وأخلاقه وحكمته. وفي هذا الميدان كانت سيادة المنطق أقلّ بكثير منها في الميادين الأخرى من حياة الإنسان. والذين دفعوا ثمن هذا الابتعاد عن العقل والمنطق، وهذا الفساد ومقارنة الذنوب هم أبناء البشر، أحياناً أبناء مجتمع معيّن وفي أحيان أخرى أبناء عدّة مجتمعات. كانت هذه الحكومات في بداياتها على

 

 

12

 


4

خطاب الولي 2010

شكل استبداد فرديّ، ثمّ تحوّلت مع تطوّر المجتمعات البشرية إلى استبداد جَماعيّ منظّم. ولذلك كان أهمّ أعمال الأنبياء الإلهيين العظام مجابهة الطواغيت والذين يضيّعون أنعم الله: ﴿وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُفۡسِدَ فِيهَا وَيُهۡلِكَ ٱلۡحَرۡثَ وَٱلنَّسۡلَۚ﴾[1] تذكر الآية القرآنية هذه الحكومات الفاسدة بهذه التعابير الشديدة. لقد حاولوا تعميم الفساد وعولمته. ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾[2].

 

أبدلوا النعم الإلهية والإنسانية والطبيعية كفراناً، وأحرقوا الناس الذين كان يجب أن يتمتّعوا بهذه النعم في جحيم محرقة أوجدوها بكفرانهم. اصطفّ الأنبياء مقابل هؤلاء. ولو لم يجابه الأنبياء طواغيت العالم وعتاة التاريخ لما كانت ثمة حاجة للحروب والنزاعات. يقول القرآن الكريم: ﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾[3] ما أكثر الأنبياء الذين قاتلوا وحاربوا برفقة المؤمنين الموحدين.. مع من كانت هذه الحروب؟ الجانب الآخر في حروب الأنبياء هي الحكومات الفاسدة والقوى العاتية الطاغية في التاريخ التي لم تجلب على الإنسانية سوى التعاسة والدمار.

 

إنزال الكتب وإرسال الرسل من أجل سيادة القسط والعدل

الأنبياء هم منقذو البشر. لذلك يذكر القرآن الكريم أنّ أحد الأهداف الكبرى للنبوّات والرسالات هو إقامة العدل: ﴿لَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلَنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلۡنَا مَعَهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ﴾[4] بل إنّ إنزال الكتب الإلهيّة وإرسال الرسل كانت أساساً من أجل سيادة القسط والعدل في المجتمعات، أي لرفع رموز الظلم والعسف والفساد. وقد كانت حركة الإمام الحسين عليه السلام مثل هذه الحركة. يقول: "إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدّي"[5] وقد قال: "من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله أو تاركاً


 


[1] سورة البقرة، الآية 205.

[2] سورة إبراهيم، الآيتان 28 - 29.

[3] سورة آل عمران، الآية 146.

[4] سورة الحديد، الآية 25.

[5] المجلسيّ، العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهارعليهم السلام، مؤسسة الوفاء، لبنان - بيروت، 1403ه - 1983م، ط2، ج44، ص329.

 

13


5

خطاب الولي 2010

لعهد الله مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثم لم يغيّر عليه بقول ولا فعل، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله"[1]. بمعنى: إذا شاهد أحدٌ قطبَ الظلم والفساد ولم يكترث له كان مصيره عند الله تعالى نفس مصير ذلك القطب الفاسد. يقول عليه السلام: إنني لم أخرج للتمرّد والتفرعن. كانت دعوة أهل العراق للإمام الحسين عليه السلام من أجل أن يحكم، وقد استجاب الإمام الحسين لهذه الدعوة، أي إنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يكن عديم التفكير في الحكومة واستلام زمام الحكم. كان الإمام الحسين عليه السلام يفكّر بضرب القوى الطاغوتية، سواء باستلام السلطة أو بالاستشهاد والتضحية بالدم.

 

صمت أدعياء الحقّ حيال الظلم

كان الإمام الحسين عليه السلام يعلم إنّه إذا لم يقم بهذا التحرّك لكان هذا منه إمضاء وصمتاً وسكوناً يجر على الإسلام ما يجر. حينما تمسك قوة بجميع إمكانيّات المجتمعات أو بإمكانيّات مجتمع واحد، وتنتهج سبيل الطغيان وتسير فيه، إذا لم يقف بوجهها رجال الحقّ ودعاته ولم يشيروا إلى مواطن الخطأ في مسيرتها، فإنهم إنّما يمضون ممارساتها بفعلهم هذا، أي إنّ الظلم سينال إمضاء أهل الحقّ من دون أن يشاؤوا ذلك. كان هذا خطأً وذنباً ارتكبه يومذاك الأكابر وأبناء السادة من بني هاشم وأبناء الشخصيات الكبرى في صدر الإسلام. ولم يطق الإمام الحسين عليه السلام ذلك، فثار.

 

ثورة الإمام الحسين عليه السلام إحياء للعقل والمنطق

يروى أنّه بعد عودة الإمام السجّاد عليه السلام إلى المدينة المنوّرة عقب واقعة عاشوراء - ربّما كانت المدة الزمنية من خروج هذه القافلة من المدينة حتى عودتها عشرة أشهر أو أحد عشر شهراً - جاءه أحد الرجال وقال له: يا بن رسول الله أرأيت ما الذي حصل بذهابكم؟ وكان على حق، فهذه القافلة حينما سارت كان الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام شمس أهل البيت المشرقة وابن رسول الله والعزيز على قلبه على رأسها وبين


 


[1] النجاشي، الشيخ أحمد بن عليّ الكوفي، فهرست اسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي)، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرفة، إيران - قم، 1416، ط5، ص144.

 

 

14


6

خطاب الولي 2010

أفرادها. وابنة أمير المؤمنين قد سارت في القافلة بعزّة وشموخ، وسار فيها أبناء أمير المؤمنين، العبّاس وسواه، وأبناء الإمام الحسين، وأبناء الإمام الحسن، والشباب الألمعيون الأفذاذ من بني هاشم، كلهم ساروا في هذه القافلة، وها هي الآن تعود وليس فيها إلاّ رجل واحد هو الإمام السّجاد عليه السلام. والنساء ذقن طعم الأسر والفجيعة والثكل، ولم يعد هناك الإمام الحسين، ولا عليّ الأكبر، ولا حتى الطفل الرضيع. فقال الإمام السّجاد عليه السلام جواباً لذلك الرجل: تصوّر ماذا كان سيحدث لو لم نذهب! نعم، لو لم يذهبوا لبقيت الأجسام حيّة ولكن لماتت الحقيقة ولذابت الروح ولسحقت الضمائر، ولأدين العقل والمنطق على مرّ التاريخ، ولما بقي من الإسلام حتّى اسمه.

 

الإيمان بالكفاح هو المشعل الوحيد المنوّر للقلوب إن حركة الثورة الإسلامية والنظام الإسلاميّ في زماننا هي بهذا الاتّجاه. الذين شرعوا بهذه الحركة ربما خطر بأذهانهم أنهم يتسلمون السلطة يوماً ويؤسّسون نظام الحكم الذي يريدونه، ولكن كان يخطر في أذهانهم أيضاً وبقوّة أنّهم قد يستشهدون في هذا السبيل أو يعيشون عمرهم كلّه في كفاح ومشقّة وإخفاق. كان كلا السبيلين موجوداً، بالضبط كحركة الإمام الحسين  عليه السلام.

 

في سنة 41 و42 وبعد أعوام العسر السوداء والقمع في السجون، كان المشعل الوحيد الذي يدفّىء القلوب ويحضّها على الحركة هو مشعل الإيمان بالكفاح، وليس حبّ استلام السلطة. هذا الدرب هو درب الإمام الحسين عليه السلام، والظروف الزمانية والمكانية قد تغيّرت. تارة تتوفّر الإمكانيّات وترفع راية الحكومة الإسلامية، وأحياناً لا تتوفّر هذه الإمكانيات في الدرب فينتهي الأمر إلى الاستشهاد. ثمة الكثير من هذه النماذج على طول التاريخ.

 

العلوم البشرية المعقّدة في خدمة أهداف غير نزيهة

في الفترة التي وضع فيها الإمام قدميه في هذا الطريق كانت العلاقات الإنسانية وظروف الزمن أكثر تعقيداً بكثير من الزمن الذي وضع فيه الإمام الحسين عليه السلام قدميه في هذا الدرب ولا تزال العلاقات بين البشر تتعقّد يوماً بعد يوم. تقاربت الطرق وسهّلت الاتّصالات لكن العلاقات تعقّدت وصعبت، وازدادت العوامل المتنوّعة

 

 

15


7

خطاب الولي 2010

المؤثّرة في كلّ حدث. الذين ينوبون اليوم عن يزيد بن معاوية يمكنهم تركيز اهتمامهم على كلّ العالم، أي نشر الطغيان والفساد في كلّ البشرية.

 

 هذا شيء ممكن عملياً في الوقت الحاضر بواسطة الاتّصالات، وللأسف ثمة طغيان في العالم وهو ينمو وينتشر. التقنية المتقدّمة والعلوم المعقّدة بمقدار ما وفّرت للناس العاديين السهولة والسرعة، وفّرت الإمكانيات والسهولة والسرعة للنوايا والأهداف غير النزيهة.

 

إن بمقدور القوى الطاغوتية في العالم اليوم أن تجعل هدفها الهيمنة على العالم وعلى كلّ البشرية وعلى كافّة مصادر الثروة لدى الإنسان. بوسعها أن تجعل هدفها تدمير كلّ الموانع والعقبات التي تصدّها في سبيلها هذا. وللأسف تلاحظ في العالم أحياناً حالات طغيان كبرى تدلّ على مثل هذه الأهداف القذرة الخبيثة. الواجب اليوم جسيم جدّاً.

 

النظام العالميّ الجديد هدف الخطط الأميركية

بعد انهيار المعسكر الشيوعيّ، حينما أعلن الرئيس الأميركي في حينها - والد الرئيس الحالي - عن النظام العالميّ الجديد، فقد كشف عن الهدف الاستكباريّ القديم لأمريكا، وأفصح عمّا في ضميره وما في ضمير أجهزة التخطيط الأمريكية. ولم يكن هذا الأمر مختصاً بذلك الزمن، فقد قرّروا منذ عشرات الأعوام وأعلنوا أنّهم لن يسمحوا لأية قوّة أخرى بالدخول إلى أمريكا اللاتينية. يعتبرون أمريكا اللاتينية منطقة خاصّة بحكومة الولايات المتحدة الأمريكية.

 

ثم اتّسع هذا المعنى ليشمل العالم كلّه. لكنهم لم يكونوا يذكرون هذا الشيء كهدف معلن ولم تكن تلهج به ألسنتهم. بعد أن شعروا بأنّه لا يوجد أمامهم منافس كبير كالاتحاد السوفيتي، أعلنوا عن هذا الهدف بصراحة نسبياً ورفعوا شعار عالم بقطب واحد، والنظام العالميّ الجديد، وقوة واحدة تهيمن على كلّ العالم.

 

الهدف الذي تدلّ عليه ممارسات أمريكا طوال هذه العقود هو نشر الهيمنة العسكرية، وتبعاً لذلك الهيمنة السياسية والاقتصادية، وكلّ ذلك لصالح الشركات

 

16


8

خطاب الولي 2010

التي ترسم في الحقيقة سياسة الحكومة الأمريكية. هذه الشركات هي التي تحدّد الاتّجاهات والمسارات.

 

هذه حقائق إذا أدركها الإنسان المعاصر فسوف يتّخذ قراره في الوقت المناسب. إذا علمت الجماهير ما الذي يجري في عالمهم فسوف يكتسبون القدرة على اتّخاذ المواقف والقرارات. بوسع الشعوب القيام بأعمال كبيرة.

 

دور الحكومة الأمريكية في إسقاط أربعين حكومة مستقلّة

زوّدوني بإحصائيّات تفيد أنّ الحكومة الأمريكية كان لها منذ سنة 1945 وإلى اليوم دور في إسقاط أربعين حكومة مستقلّة غير تابعة لأمريكا، وكان لها تدخّلها العسكريّ في أكثر من عشرين موطناً وحالة! ترافقت هذه التدخّلات بلا استثناء بحالات قتل جماعيّ وفجائع كبيرة. وكان النجاح حليف أمريكا في بعضها، بينما لم تنجح في حالات أخرى. ما يجول في أذهاننا ولا يفارقها هو أمثلة ساطعة وجلية، منها القصف النوويّ لليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية الذي أشار له السيّد رئيس الجمهورية.

 

وهناك مثال فيتنام وما دار فيها من حروب دامية وتلك الفجائع التي لا تُنسى والتي انتهت بإخفاق أمريكا، ومثال شيلي، ومثال إيران نفسها في انقلاب 28 مرداد - حيث جاء المأمور الأمريكيّ إلى طهران وخطّط وعمل، ثم أعلن هو نفسه عن هذه الحقيقة ونُشرت الوثائق وهي الآن في متناول أيدي الجميع- وكذلك في أماكن عديدة أخرى.

 

السبب في كلّ ذلك هو الشركات الاقتصادية الكبرى، وزعماء المال الكبار في أمريكا، والأحزاب المتعطّشة للسلطة والهيمنة، والمجاميع الصهيونية النافذة، والشخصيات غير السويّة من الناحية الفكرية والأخلاقية والتي تمسك بزمام الأمور والأعمال. هذه ملفّات جدّ ثقيلة وماضٍ جدّ مخزٍ. هذه ليست بالأشياء الصغيرة.

 

القضاء على البشر غير هام بالنسبة لهم، وإهدار الثروات غير هام بالنسبة إليهم، وسحق العدالة غير هام بالنسبة إليهم، والفجائع الإنسانية غير هام بالنسبة إليهم. لا تشكّل أيّ من هذه الأمور موانع في طريقهم. طبعاً، من أجل حفظ الظواهر يستخدمون

 

 

17

 


9

خطاب الولي 2010

إمكاناتهم الإعلامية الهائلة. ذكروا عبارة "الصوت الأعلى" وهي عبارة صحيحة.

 

يحاولون بصوتهم الأعلى تنظيم المناخ العالمي بنحو يتكتمون معه على هذه الفجائع، ويظهرون أنفسهم باعتبارهم مناصرين للسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان.

 

إطلاق المبادئ السليمة ظاهرياً باعتبارها مبادئ أمريكية

تجري حالياً محاولات لتعريف المبادئ السليمة في ظاهرها على أنّها مبادئ أمريكية. أشار الرئيس الأمريكي في كلمة له في الكونغرس الأمريكيّ إلى هذا الموضوع، وبعد ذلك أصدر للأسف عدد من المثقفين الأمريكيين بياناً مطولاً لتوفير رصيد نظريّ لهذا الكلام. وقد ذكروا للعالم أشياء هي بخلاف الواقع، أي إنّهم كذبوا على مستمعيهم. حاولوا التكتّم على أصل القضيّة، ألا وهي الجشع والتعطّش للهيمنة والسلطة على العالم. طبعاً الرأي العامّ الأمريكيّ مهمّ جدّاً بالنسبة لهم - شريان حياتهم بيد الشعب الأمريكيّ - وسمعت أنّه بسبب أنّ البيان أشار إلى بعض نقاط الضعف في أمريكا - وهي طبعاً نقاط ضعف صغيرة جداً في قبال نقاط ضعف كبيرة في أمريكا - لم ينشر أدعياء حرية الفكر والتعبير عن الرأي هذا البيان في داخل أمريكا! في نفس هذا البيان الواضح جداً وبلا شكّ أنّه أعِدّ بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخبارية الأمريكية، لأن بعض مقاطعه لم تكن مما يرغبون فيه، أي إنها اشتملت على قليل - قليل جداً وليس كثيراً - من كشف الحقائق - وستعرفون ذلك إذا اطّلعتم على البيان - لم يسمحوا بنشر البيان كاملاً في داخل الولايات المتحدة، بل نشروه في مناطق أخرى من العالم. نشروا داخل أمريكا الأجزاء الخاصّة بالحرب ليُثبتوا أنّ بوش ينشد حرباً عادلة! حرباً تنطوي على الدفاع عن المصالح الوطنية الأمريكية. نشروا هذا الجزء فقط.

 

مواجهة خطر أعدّوا له ركائز نظرية

إنّنا نواجه اليوم خطراً أعدّوا له ركائز نظرية لخداع الرأي العامّ، وعرضوه في الواجهة. تعاضد الساسة وبعض المثقّفين ووضعوا أيديهم في أيدي بعضهم بعضاً ليطلقوا في العالم هذا الواقع المحرّف. ووراء هذا الكلام تلك الأهداف الدائمة.. أطماع الهيمنة على

 

 

18

 


10

خطاب الولي 2010

العالم، والتسلّط على جميع الثروات، وعدم تحمّل بلد واحد أو حكومة مستقلّة واحدة غير مستعدّة لقبول السياسات الأمريكية والدساتير المملاة من قبل أمريكا، بأعين معصوبة. أرادوا إخفاء هذا الهدف وراء هذه الظواهر البّراقة. هذه قضيّة هامة جدّاً.

 

ضرورة معرفة أرضيّة الخطر ودوافعه

طبعاً، قلنا مراراً إنّنا لا نستطيع الادّعاء أبداً أنّ إيران ستتعرّض لهجوم أكيد، لا، ليس هذا الأمر مؤكّداً، ولكن لا مراء أيضاً أنّ ثمة أخطاراً تُحدِق بنا. ونحن الذين يجب أن نحبط الأخطار التي تهدّدنا ونمحوها، وهذا بحاجة إلى أن يدرك النخبة والمسؤولون والخواصّ، وهم أنتم في الغالب - المجتمعون في هذه الجلسة - الظروف بشكل صحيح، ويشخصوا الواجبات بنحو صائب، وأن تشعروا بأعباء المسؤولية على عواتقكم.. لا يحقّ اليوم أن نخطئ. الخطر المحيق بنا - فقد ذكر الرئيس الأمريكي الاسم علناً وصراحة، طبعاً أشار إلى ستين بلداً، لكنه ذكر أسماء ثلاثة بلدان منها بلدنا - يعدّ من حيث الأرضية والمحفزّات مسألة مركبة ومتعدّدة العناصر، وينبغي معرفة عناصرها.

 

العنصر الأوّل: إيران

العنصر الأول هو بلدنا العزيز إيران.. البلد المطلّ على نصف سواحل الخليج الفارسي، أي المصدر الأعظم والأكثر وفّرة في الطاقة في العالم اليوم وغداً. الموقع الجغرافي، ومجاورة الخليج الفارسي، والإطلالة على نصف سواحله، مضافاً إلى الخيرات المادية الكبيرة في البلد وكذلك الموارد الهائلة من الطاقات الإنسانية، هذه كلها من العناصر الأصلية التي تكوِّن هذه القضيّة.

 

العنصر الثاني: نظام الجمهورية الإسلامية

نظام الجمهورية الإسلامية نظام مستقلّ عزيز شجاع يعتمد على الجماهير، والجماهير هنا جماهير خرجت مرفوعة الرأس من الامتحانات.. جماهير تحمل إيماناً عميقاً جسّدوه وأثبتوه لا باللسان بل بالعمل، ولا في ميدان واحد بل في ميادين متعددة. شعب يبغض بشدة الهيمنة الخارجية ويحمل ذكريات جدّ مريرة عنها. إنها نفس تلك الفكرة التي قال الإمام السجاد عليه السلام فيها ما معناه: "ما كان سيحصل لو

 

 

19

 


11

خطاب الولي 2010

لم نفعل ما فعلنا". لقد جرب الشعب الإيراني هذا في حياته ذات يوم. يوم جرى تهديد البلد بانقلاب 28 مرداد الأمريكي، لو وُجد الشعب في الساحة وشارك في الميدان لما جرب 25 سنة من الدكتاتورية السوداء وإهدار تلك الفترة الحساسة والمهمة جداً، مضافاً إلى إهدار كل تلك الثروات المادية والمعنوية. الشعب الذي جرّب الحالة المناقضة لتلك الحالة أيضاً، أي إنه شارك في الساحة في الثورة الإسلامية ساهم وحضر وشاهد كيف يمكن عبر المرابطة في الساحة ومن دون سلاح، احتلال أقوى قلاع الاستكبار في المنطقة، وطرد أمريكا من نقطة على جانب كبير من الأهمية والخطر.. يمكن طرد أمريكا من إيران، وتبديل مقرّ الاقتدار والنفوذ الأمريكي ضد المنطقة كلّها إلى مقرّ ضدّ مصالح أمريكا وهيمنتها. هذا ما خبره الناس وشهدوه.

 

كلّ عزّة وعظمة تمرّ بطرق التضحية والشجاعة والإقدام

وكذا كانت الحال في الحرب أيضاً. في الحرب أيضاً كان بعض الناس متردّدين ويتساءلون: كيف ندافع؟ حين كانت آلاف الكيلومترات المربعة من ترابنا تحت سيطرة العدوّ، وكان العدوّ يقترح  علينا في تلك الظروف وقف إطلاق النار والتفاوض والحوار، كان بعضهم يضغط على الإمام وغيره من المسؤولين لقبول وقف إطلاق النار. لكن الإمام صمد، والشعب قاوم، والمسؤولين وقفوا ثابتين وشهدوا النتائج الجيّدة لهذا الصمود.

 

أجل، أية عزة وعظمة إنما تمرّ عن طريق التضحية والشجاعة والإقدام. لا يمكن فتح أية قمة من القمم بالاستسلام والكسل وعدم مكابدة المشكلات. هؤلاء الذين ترونهم اليوم يجمعون الثروات والعلوم في العالم ويوظفونها لصالح مطامعهم، هؤلاء أيضاً مرّوا بأيام صعبة، وقطعوا طرقاً وعرة. الجريمة الأكبر التي ارتكبتها الحكومات المستبدة طوال تاريخنا هي أنهم لم يسمحوا للشعب بالتواجد في الساحة يوم كان يجب عليه تأمين مصالحه بحضوره وتفاعله وشجاعته.

 

كان أشرف الأفغاني ومحمود الأفغاني وجيوشهما يحاصرون إصفهان، كانت قلوب الناس تجيش وتندفع بشدة للدفاع عن المدينة، لكن الحكّام الخاملين المنهزمين نفسياً خافوا ولم يسمحوا للناس بالدفاع عن أنفسهم. استسلم الحكام وسلّموا الناس. وكانت

 

 

20

 


12

خطاب الولي 2010

النتيجة أنه حينما اضطّر المهاجمون بعد سنوات صعبة سوداء للخروج من إيران، أخذوا معهم كأسرى المئات، وربما مئتي ألف من النساء والفتيات واليافعين الإيرانيين. أي إنّهم حتّى حينما يغادرون سيتصرفون مع الناس بهذه الطريقة.

 

أهمّ ما قام به الإمام إفساح المجال لدوافع الناس ومشاعرهم

الجماهير جماهير جاهزة ومستعدة. العمل الأهم الذي قام به إمامنا الجليل هو أنه فسح المجال أمام دوافع الناس ومشاعرهم، وجعل حضور الجماهير أمراً ممكناً. لم يُلزم الإمام أحداً أو يُجبره على الحرب، بل كان الشباب يأتون ويتوسلون لأجل التوجّه للجبهات. وقد رأى الشعب الإيراني نتيجة ذلك، وشاهد شموخه وعزته، ورأى بعينه ذلة العدو وخفّته، وسمع اعتراف العالم بأحقيته ومظلوميته، بعد عدة سنوات طبعاً. إنه شعب صاحب تجربة، ويتكئ على ثقافة غنية ويتمتع بينابيع الإسلام المعنوية، وله والحمد لله مسؤولون واعون وأقوياء. إذن، أحد العناصر هو "إيران" بما لها من خصوصيات. ومن العناصر أيضاً هذا النظام وهذا الشعب الذي لديه هذه الخصوصيات، إذ ليس من السهل إيقاعه في الفخّ وفرض الاستسلام والتبعية عليه. ليس من السهل تطميع هذا الشعب وخداعه وتسليط جماعة عميلة عليه، كما يفعلون ذلك في العديد من البلدان.

 

العنصر الثالث: الطبيعة الاستكبارية لأمريكا

العنصر الثالث هو الطبيعة الاستكبارية للطرف المقابل. تحتاج أمريكا إلى أن لا تكون هناك على مستوى العالم حكومة أو بلد ينال عملياً من كونها قوة عظمى. هذا شيء ضروري للنظام الجديد الذي طرحوه وصوروه. لا تستطيع أمريكا أن تطيق شعباً لا يخاف من تهديداتها ولا ينخدع بتطميعها، ولا يسير وراء سياساتها التي تمليها، بل ينتهج سياسة مستقلة، ولا يقبل سيادة أحد عليه.

 

العنصر الرابع: التكتّم على المشكلات الداخلية

العنصر الآخر الذي له تأثير أكيد في هذه القضية وفي هذا التهديد هو المشكلات التي يعاني منها الجانب المقابل. ينبغي عدم الظن بأن الأمريكان يهددون العالم بسبب

 

 

21

 


13

خطاب الولي 2010

استغنائهم وعدم حاجتهم وامتلاء بطونهم. كلّا، ليس الأمر كذلك. ثمة لديهم مشكلات داخلية وركود اقتصادي، وتهديدات جادة ضد الحكومة الصهيونية في فلسطين المحتلة - ومصير هذه الحكومة مرتبط وقريب جداً من مصير أمريكا - وهناك تفعيل للوضع الاقتصادي للبلد من خلال صفقات السلاح بين الشركات والحكومة الأمريكية. هذه قضايا على جانب كبير من الأهمية تفرض عليهم اتخاذ مثل هذه المواقف حتى تغطي على المشكلات الداخلية. في كلمته في الكونغرس يعدُ الرئيس الأمريكي الشعبَ بتخفيض الضرائب، ووضع معلم كفوء لكل صفّ دراسي. هذه هي مشكلاتهم. وفوق ذلك توجد المشكلات الأخلاقية.. المشكلات الداخلية.. التصاعد الدائم للعنف، وتفاقم الانحلال والفساد الأخلاقي، والانهيار المستمر للعائلة داخل أمريكا. هذه ليست بالمشكلات الصغيرة. هذه بحار من الوحول كل من يقسط فيها - حتى لو كان بحجم أمريكا - سوف يغرق ويختنق. في مواجهة هذه المشكلات، يكتسب لفت الرأي العام الأمريكي إلى عدو أو حدث خارجي أهمية بالغة. هذا من العناصر الرئيسة للقضية.

 

العنصر الخامس: اتساع موجة الصحوة الإسلامية

أن يقولوا برياء إننا نتقبل الإسلام لكننا لا نتقبل الأصولية فهذا ناجم عن نظرة سطحية وتحليل صبياني حملوه دوماً تجاه العالم الإسلامي ولاقوا انعكاساته ضدهم. موجة الصحوة الإسلامية اليوم واقع جادّ وحقيقة لا تقبل الإنكار. يشعر المسلمون اليوم أنهم قادرون على التأثير في العالم وفي وضع البشرية، وفي مصيرهم. حينما يصل هذا الشعور لدى الشعوب إلى نقطة معينة فسوف يتبلور ويتجسّد ويتحول إلى واقع. هم يعلمون هذا وهم قلقون منه. ونموذج ذلك حدث الانتفاضة الفلسطينية النادر جداً. أناس بلا سلاح وبلا أبسط إمكانيات، مقابل واحدة من أكثر القوى في المنطقة جاهزية وعُدّة، يتعرضون للمجازر والقتل دون أي وازع، وتنهال عليهم شتّى صنوف الضغوط الجسمية والروحية والاقتصادية، ومع ذلك يصمدون ويواصلون الانتفاضة 17 شهراً. بأي تحليل سياسي عادي دارج يمكن تحليل هذا الحدث؟ لماذا يصمدون؟ لماذا لا يستسلمون؟ لماذا لا يستطيع العدو بكل ضغوطه تركيع هذا الشعب الفلسطيني الثائر؟.. هذا الشعب القليل العدد والمحاصَر، والذي لا تصله مساعدات من أي مكان..

 

 

22

 


14

خطاب الولي 2010

ما هي الدوافع والينابيع المتدفقة في قلوبهم والتي لا تدعهم يتعبون؟ من أين ينبع كل هذا؟ ما هو ذلك العامل الذي يجعل الأم الفلسطينية تقبِّل ابنها وتبعثه ليُقتل ثم تقول لو كان لي مئة ابن لبعثت بهم إلى ساحة القتال؟ هذا العامل على جانب كبير من الأهمية. ما هو هذا العامل الذي يستعصي على الحسابات السياسية والحوارات والمفاوضات الدبلوماسية ومعادلات الشركات؟ إنهم يرون هذا ويخافونه بشدة، ويسعون لتجفيف هذا المعين، والقضاء على هذا العامل المحفِّز الخلاّق.

 

التهديد الأمريكي الجاد موجّه لإيران الإسلامية

ينبغي النظر إلى القضيّة بكلّ أبعادها. ليست القضيّة الآن أن يقال هناك أربعة أشخاص هربوا من البلد الفلاني ولجأوا إلى البلد الفلاني، حتى تأتي أمريكا بكل حجمها لمحاربة هذا البلد لأن أربعة أشخاص هربوا إليه. ليست هذه هي القضيّة.. النظرة إلى المسألة بهذه الطريقة بساطة وسذاجة. أبعاد القضية أعمق بكثير وسأشير إلى بعضها. حصيلة الجمع بين هذه العناصر هي تهديد جادّ يستهدف إيران الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية.

 

 وصمة سوداء لا تُنسى في جبين التيار التنويري في أمريكا

طبعاً، ليس الرئيس الأمريكي هو المخطط لهذه السياسة، كما إنها ليست سياسة تختص بزمانه. ثمة رجال خلف كواليس السياسة الأمريكية يفعلون ذلك. طبعاً يمكن للظروف أن تقرِّب أو تبعِّد المطالب الكبيرة. والأمر بحاجة لتبريرات يُخدع بها العوامّ من الناس، حيث جاء للأسف هذا البيان الذي أصدره المثقفون الأمريكيون للنهوض بهذه المهمة ولا أريد الخوض فيه، لأن ذلك من مهمة مثقفينا، ووظيفة أساتذتنا ونخبة السياسيين والمثقفين في بلادنا أن يدرسوا هذه الكلمات ويكشفوا للملأ الحقيقة المرّة التي انطوى عليها البيان باسم الثقافة. لكنني أقول فقط إن توقيع هذا البيان من قبل عدد محدود - أكثر من خمسين شخصاً أو ستين شخصاً - من المثقفين الأمريكان وَصَمَ الاستنارة الأمريكية بوصمة سوداء لا تُنسى، المثقفين الذين يجب أن يعارضوا بصراحة وعلانية الحرب والتعدي والاعتداء والمجازر المنفلتة. وقد فعل المثقفون

 

 

23

 


15

خطاب الولي 2010

الأمريكيون ذلك طوال سنوات متمادية. يبررون الآن تصرفات الشركات الأمريكية التي تريد بحرابها تمرير مشاريع الأجهزة السياسية والرئاسة، ويصدرون فتاوى المجازر، فتاوى ثقافية! الجلوس على موائد الشركات الصهيونية وإصدار فتاوى المجازر شيء لن تُمحى وصمة عاره عن جبين أي مثقف يرتكبه، وللأسف فإن هؤلاء المثقفين الذين سخّروا أنفسهم ارتكبوا مثل هذا الخطأ الكبير.

 

لا يمكن للمبادئ الأمريكية أن تكون مبادئ عالمية شاملة

يطرح الأمريكان مبادئ باعتبارها المبادئ الأمريكية ويقولون إنها أصول عالمية شاملة. هذه المبادئ هي حرية الإنسان، وحرية الفكر، وكرامة الإنسان، وحقوق الإنسان، وأمور من هذا القبيل. هل هذه مبادئ أمريكية؟! هل هذه هي خصوصيات المجتمع الأمريكي اليوم؟! هل سمات الحكومة الأمريكية اليوم هي هذه التي يذكرونها؟! ألم يكن هذا النظام هو الذي ارتكب المجازر ضد سكان أمريكا الأصليين؟ وقضى على الهنود الحمر في أمريكا؟ ألم يكن هذا النظام والعناصر المؤثرة في هذا النظام هو الذي أخذ ملايين الأفارقة من بيوتهم عبيداً، واختطفت بناتهم الشباب للاستعباد، وعاملتهم طوال سنوات متمادية بأفجع ما يمكن؟ من الأعمال الفنية التراجيدية اليوم عمل اسمه "كوخ العم توم"[1]، الذي يروي حياة العبيد في أمريكا، وهو كتاب لا يزال حياً رغم ما يقارب مئتي عام على ظهوره. هذه هي حقائق أمريكا وهذا هو النظام الأمريكي. هذه هي السمات والخصيصة التي عرضها النظام الأمريكي على العالم، وليس حرية الإنسان أو المساواة بين البشر. أية مساواة؟! إنكم لا تساوون لحد الآن بين الأسود والأبيض. لا يزال العرق الأحمر في الشخص لحد الآن نقطة ضعف لديه في كل مرحلة من مراحل التوظيف الإداري عندكم. المساواة بين البشر؟! حرية الفكر؟! هل أنتم على استعداد لبث هذه الكلمة أو كلمة السيد رئيس الجمهورية في وسائل إعلامكم في أمريكا؟ إذا كانت هناك حرية فكر وحرية تعبير خذوا كلمة السيّد خاتمي هذه التي استغرقت نصف ساعة وبثوها. أية حرية فكر؟! وسائل الإعلام متنوعة، لكن أزمّتها كلها مرتبطة


 


[1] هارييت بيتشرستاو (1811 - 1896م)، ترجمة منير جزني.

 

 

24


16

خطاب الولي 2010

بالأجهزة الرأسمالية والرأسماليين الكبار في أمريكا ومعظمهم في قبضة الصهاينة! هل هذا هو معنى حرية وسائل الإعلام في أمريكا؟! لماذا تكذبون على الناس في العالم؟ هل هذه هي المبادئ الأمريكية؟! ثمّ يقولون إن المبادئ الأمريكية عالمية شاملة. ومن أنتم حتّى تسمحوا لأنفسكم بوضع مبادئ عالمية للبشر؟ قبلكم كان للشيوعيين مبادئ عالمية. ستالين أيضاً كانت له مبادئ عالمية. كان يقول إن العالم كله يجب أن يطيعني ويتبع هذه المبادئ. والفاشيون في العالم أيضاً كانت لهم مبادئ عالمية حسب ظنهم. أي منطق هذا الذي يقول إن مبادئنا هذه مبادئ عالمية وكل من لا يقبلها في العالم يجب أن نقصفه بالقنابل النووية؟ هل هذا المنطق منطق شعب حرّ؟! هل هذا منطق حكومة تؤمن حقاً بكرامة الإنسان؟! هكذا تكذبون على البشرية؟!

 

المظهر الأسوأ للروح الاستكبارية

يقول ذلك الرجل[1] في كلمته: كل من ليس معنا فهو علينا! تكررت هذه العبارة عدة مرّات. هذا هو أسوأ مظاهر الروح الاستكبارية لقوة من القوى أو حكومة من الحكومات. من قال إن من حقكم الريادة والقيادة في مجابهة الإرهاب؟ إذا كان الملاك قتلاكم على أيدي الإرهابيين فتعالوا وانظروا كم من أبناء الشعوب الأخرى قتلوا على يد الإرهاب. حالياً يُقتل أبناء فلسطين كل يوم في ديارهم ويُغتالون علناً على يد غاصبي ديارهم. ألم يكن هجومكم على فيتنام عملاً إرهابياً؟ ألم يكن هجومكم على هيروشيما وناكازاكي عملاً إرهابياً؟ ألم يحترق البشر هناك بنيران غضبكم عمداً ووِفق حسابات معينة ومن دون أن تعرفوا من هم أصلاً؟ بأي حقّ يجب أن تكونوا حداة قافلة مكافحة الإرهاب؟ وبأي حق تفسرون أنتم الإرهاب؟ أي استكبار هذا؟ هنا، حينما تُبثّ هذه الكلمات في العالم ويسمع الناس في الدنيا هذا الكلام منهم، يدركون لماذا جعلت الثورة الإسلامية الاستكبار والمستكبرين منذ البداية ضمن مفرداتها السلبية وركزت إعلامها عليها. الناس في العالم يفهمون معنى الاستكبار الذي تقصده الثورة الإسلامية.


 


[1] جورج بوش.

 

 

 

25


17

خطاب الولي 2010

موقفنا الواضح: التفاهم، والتعاطف، وسياسة مكافحة التوتر

يتجاهلون الوجه البارز للمجتمع الأمريكي - أي العنف، والإباحية، وإشاعة التحلل، وتعسف الأفراد ضد بعضهم بعضاً، وانعدام الأمن في وضح النهار - يتجاهلون كل هذا ويسكتون عنه. كما تعتمد تلك الحكومة على حق قوتها وتعسفها وتسمح لنفسها بالتعدي، كذلك الحال في شوارع نيويورك وبعض المدن الأمريكية الأخرى. كل من يمتلك القوة ويستطيع استخراج المال من جيوب الآخرين بالقوة، يفعل ذلك. وكل من يملك سلاحاً ويستطيع أن يقتل عدداً من زملائه في المدرسة، يعطي لنفسه الحق بأن يفعل ذلك. هذه هي نتيجة ذلك المنطق. هذه مشكلات كبرى يعانون منها. ثم يقول الرئيس الأمريكي مخاطباً الشعب الإيراني: عودوا إلى العائلة العالمية. انضموا إلى العائلة العالمية! أي إنكم ضد العالم كله. هل الجمهورية الإسلامية الإيرانية ضد العالم كله؟! أنتم اليوم بتفردكم وغطرستكم تبتعدون تدريجياً عن المجتمع العالمي والعائلة العالمية. ليس لإيران مشكلة مع العالم. علاقاتنا مع آسيا، وأوربا، وأفريقيا، ومعظم بلدان العالم علاقات قريبة وعلاقات صداقة وتعاون. كنت أودّ كثيراً لو توفرت اليوم للسيّد رئيس الجمهورية الفرصة لتقديم تقرير عن زيارته الخيرة الناجحة جداً والحوارات التي أجراها، ولكن يبدو أن الوقت لم يتسع[1]. العالم كله يعرف تفاهمنا وتعاطفنا مع العالم وسياسة مكافحة التوتر التي لا نعتزم في إطارها إثارة التوتر مع أي طرف لا يريد الدخول في توتر معنا، والتعاون مع أي جانب يروم التعاون معنا. مواقفنا مواقف واضحة.

 

تهديد أمريكا لن يقتصر على عدة بلدان

بالطبع، أدرك الكثيرون في العالم اليوم أنه لو قُدِّر لهذا السياق التعسفي المتغطرس المتفرِّد أن يستمر فإن هذا التهديد لن يقتصر على عدة بلدان، كما لن يقتصر على العالم الإسلامي. وقد ظهر تهديدهم النووي مؤخراً بشكل غير رسمي ضد روسيا والصين[2].


 


[1] زيارة السيد خاتمي إلى النمسا واليونان (11 إلى 15 آذار 2002 م).

[2] تقرير سري للبنتاغون نشر في صحيفة لوس انجلس تايمز، جاء فيه إعداد خطة طارئة لاستخدام محتمل للأسلحة النووية ضد إيران، والصين، وروسيا، وسورية، والعراق، وكوريا الشمالية، وليبيا.

 

26


18

خطاب الولي 2010

ولو استطاعوا لهددوا حتى أوربا. ليس لهذا السياق ولهذه العملية المغلوطة المعيبة حدود تقف عندها. العالم كله ضدها. كل من ينكر قدرتها المطلقة فهو ضدها. هذا أمر لا يختص ببلد واحد وبلدين. ينبغي إيقاف هذه العملية المُعيبة.

 

واجب النخبة معرفة الواقع

نحن اليوم أمام هذه الظاهرة. الواجب الأول الذي يقع على عاتق النخبة في البلاد هو معرفة الواقع، واختيار أفضل الطرق للبلاد والشعب والنظام. هذا هو واجب النخبة. بعضهم قد لا يرى وجود أية أخطار تهدد النظام، فيقولوا: كلّا، ما من خطر يهدد النظام. وبعضهم قد يوافق على وجود الأخطار لكنه يراها موجّهة ضد جزء من النظام وليس كل النظام، ويتصور نفسه خارج ذلك الجزء المهدد. وبعضهم قد يعتبروا الخطر جاداً لكنه يتصور الحل في الاستسلام وتقديم الاعتذار. كل هذه السبل خاطئة. التهديد موجود وهو ضد النظام برمّته. لا يظننّ أحد أن المعتدي المستكبر المتمرد يقنع بأقلّ من الهيمنة الكاملة وأنه سوف يُبقي على أحد. طبعاً، من التكتيكات المعروفة والبالية في العالم هو أن يحاولوا إخراج جماعة من دائرة الأعداء بشكل مؤقت، ليستطيعوا القضاء على الباقين، ثم يعودوا إلى أولئك الذين استثنوهم. الخطر موجود ويشمل الجميع. والسبيل لمواجهته الحفاظ على عناصر القوة داخل النظام ومضاعفتها.

 

الدفاع الشامل مقابل شن الحرب

لدينا الكثير من عناصر القوة. يجب علينا المحافظة على هذه العناصر ومضاعفتها باستمرار. إننا لسنا ضعفاء، ويجب أن نكون جاهزين أمام الأخطار والتهديدات. إذا لم نكن جاهزين فعلينا أن ننتقل إلى حالة الجوهزية، وإذا كنا جاهزين فينبغي لنا المحافظة على هذه الجوهزية ومضاعفتها. إعلان الدفاع الشامل مقابل إعلان الحرب - وأؤكد وأشدد على كلمة الشامل - والمبادرة إلى الدفاع وتوجيه الضربات المضادة مقابل المبادرة إلى الحرب.

 

 

27

 


19

خطاب الولي 2010

عدم الترحيب بالحرب

ما هو موقفنا؟ إننا لا نرحّب بأية حرب. ليعلم الجميع هذا. هذا هو الموقف الموحد والمتلاحم لكافة المسؤولين في النظام. إننا نعتبر تجنّب الحرب واجبنا. ونعتقد أن التوجّه الحالي لأمريكا يجر المنطقة والعالم إلى عدم الاستقرار. ونعتقد في الوقت ذاته أن أمريكا تبالغ في تقدير قدراتها وقواها. ليست الصواريخ والذّرة كل العناصر اللازمة لما يريدون الحصول عليه. لا بد من الكثير من الأشياء الأخرى التي لا يمتلكونها. وهم يعانون الغفلة واللاوعي فيما يتصل بقدرات شعبنا الكبير ومنطقتنا الحساسة ومسؤولينا الواعين. لدينا قدرات إنسانية، وقدرات جغرافية. منطقتنا منطقة حساسة جداً. عدم الاستقرار في هذه المنطقة يعرض العالم لعدم الاستقرار. هذه حقائق هامة جداً ينبغي التنبه لها. والجمهورية الإسلامية الإيرانية ليست "طالبان" المرتبطة ببلد أجنبي حتى تموت تلقائياً إذا قطعوا هذا الارتباط. الجمهورية الإسلامية بلد كبير بشعب عظيم، وإمكانيات هائلة، وحيوية ونشاط، وإسناد كبير من كل العالم الإسلامي، وقدرة رادعة عالية جداً. الجمهورية الإسلامية لا تقبل المقارنة بنماذج أخرى.

 

الإصرار على الحق واستخدام العقل والتدبير والحزم

جوهر كلام الطرف الأمريكي هو أنهم يقولون لنا: كونوا ضعفاء وتابعين وعملاء لكي لا نهاجمكم، وهذا شيء مستحيل. إننا لسنا ضعفاء، بل أقوياء وأعزاء وشامخون. لا شعبنا، ولا حكومتنا، ولا تاريخنا، ولا ثقافتنا تسمح لنا بالاستسلام مقابل أي عدو، وهذا الشعب سوف لن يستسلم أبداً. موقفنا هو الإصرار على الحق واستخدام العقل والحزم والتدبير، وهذا ما نعتبره السبيل الوحيد لصيانة البلد. علينا المحافظة على مواقفنا الحقة، كما يجب علينا استخدام العقل والتدبير والحزم في جميع المراحل والأطوار. تقع على النخبة في هذه الفترة واجبات جسيمة، وهذه الفترة هي فترة امتحان هامة. عين التاريخ علينا أنا وأنتم. أنتم اليوم تديرون واحدة من أهم الحقب في تاريخ بلادكم، وأنتم أبطالها ورجالها الأصليون. عليكم التنبه والتركيز جداً. لحسن الحظ فإن الجهات الأساس التي ترتبط هذه القضايا بها - أي المجلس الأعلى للأمن

 

 

28


20

خطاب الولي 2010

القومي وكل الفروع في مختلف القطاعات الحكومية ذات الصلة بهذا المجلس - ناشطة وفعالة بشكل جيد. وعلى الأجهزة الأخرى أيضاً زيادة سعيها وجدّها.

 

القيام بالواجبات القانونية على أحسن نحو

لدينا "يجب" أكيدة، ولدينا أيضاً "يجب أن لا" أكيدة.. الـ "يجب" الأكيدة هي أن يقوم الجميع بالواجبات الملقاة على عواتقهم حسب القانون. هذا هو أساس العمل. أي إن القطاعات الحكومية المختلفة إذا أرادت القيام بواجباتها الحقيقية فعليها النهوض بالمهمات التي تقع على كاهلها حسب القانون بنحو جيد وكامل وسالم. على كافة القطاعات المختلفة أداء واجباتها بشكل جيد. وثمة قطاعات تختص بفترات تشبه هذه الفترة. هؤلاء أيضاً عليهم أداء أعمالهم على أحسن نحو. هذه هي الـ "يجب" الأكيدة التي تتوجه إلينا جميعاً. هذه اللحظات الحساسة في تاريخ البلدان والشعوب قد تبدو عادية بالنسبة إلى الذين يعيشونها، لكنها هامة جداً بالنسبة إلى الذين سيصدرون أحكامهم عنها في المستقبل. أي تصريح أو سكوت، أية حركة أو مبادرة ستكون تحت مجهر الجماهير في المستقبل، كما أنها اليوم تحت مجهر الكرام الكاتبين. المأمورون الإلهيون يرصدون أعمالنا: "وكنت أنت الرقيب عليَّ من ورائهم والشاهد لما خفي عنهم"[1]. أية حركة منكم اليوم بإمكانها أن تكون مؤثرة. لذلك، ينبغي التدقيق والمراقبة في كل كلمة وخطوة وموقف وقول أو صمت يصدر عنّا. هذه هي الـ "يجب" اللازمة الأكيدة.

 

لا تهابوا الأعداء

و ثمة "يجب أن لا" وهي عبارة عن عدم الخوف والتهيّب. الضرر والخطر الأكبر الذي قد يتعرض له بلد في مثل هذه الظروف هو أن يشعر العدو بأنه استطاع إرعابه وإخافته. بل من أدوات القوى العظمى التخويف والإرهاب. أحياناً تبدو هيبة كون الدولة الفلانية قوة عظمى أمام الضعفاء أكثر تأثيراً من السلاح. بعضهم يتنازل بنفسه خوفاً من القوى الكبرى ذات البلاء الذي قد تُنزله به القوى الكبرى. لا تهابوهم!


 


[1] الطوسيّ، الشيخ محمد بن الحسن، مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد‏، نشر مؤسسة فقه الشيعة، لبنان - بيروت، 1411ه، ط1‏، ج2، ص849.

 

 

29


21

خطاب الولي 2010

بعضهم يتحدث في الحوارات المختلفة التي تدور هذه الأيام، ويتصرف بطريقة تُفسد الانضباط اللازم الذي يحتاجه البلد في مثل هذه الظروف. نعتقد أن بعض هذه التصريحات والمواقف سببه سوء الذوق والتقدير، وبعضه نتيجة الخوف مفاوضة الظالم المتغطرس لا تعالج أية مشكلة لا يتصورنَّ أحد أن سبيل الحل في مثل هذه الظروف هو العودة لنفس ذلك الظالم المتعسف المهدِّد، فنتفاوض معه ونستشيره فيما يصلح وما لا يصلح! التفاوض ليس سبيل حل. والتفاوض لا يعالج أية مشكلة من هذه المشكلات. البلدان الأخرى التي تعرضت للتهديد لها أبواب مفتّحة للتفاوض مع أمريكا، ولها علاقاتها معها، ومع ذلك تتعرض للتهديد.

 

قد تكون هناك مفاوضات وحرب في نفس الوقت. وقد لا تكون ثمة مفاوضات ولا تكون حرب أيضاً. وقد تكون ثمة حرب معها العزة والانتصار. وقد لا تكون هناك حرب لكن حالة عدم الحرب هذه مصحوبة بالذلة والأسر.

 

لا يظننّ أحد أننا لو ذهبنا إليهم وقلنا لهم ما الذي تريدونه؟ وطالما كنتم غاضبين إلى هذه الدرجة، قولوا إذن ما تريدون، سوف تُعالَج المشكلة. العزيمة والتوكل هما العاملان الحاسمان. وفي المقابل فإن الانهزام النفسي والتهيّب أيضاً عاملان مصيريان حاسمان.

 

نحن أصحاب حوار في العالم

نحن أصحاب حوار وتفاوض في العالم. منذ أن كنت في رئاسة الجمهورية كنت أؤكد على وزارة الخارجية والأجهزة المختلفة أن اذهبوا وتحدثوا مع الحكومات والبلدان وشاركوا في المحافل العالمية. وكنت أشدد دوماً على رؤساء الجمهورية بعد رئاستي للجمهورية أن سافروا وزوروا البلدان، وشاركوا في المفاوضات والحوارات وتواصلوا مع الآخرين.

 

لتكن لكم زياراتكم المتبادلة. إنني مؤمن بالحوار والتفاوض أساساً، ولكن التفاوض مع من وعلى ماذا؟ التفاوض للوصول إلى قدر مشترك يجب فيه على الجانبين أن يعترفا أحدهما بالآخر، ويكون ثمة حدّ وسط يتفاوضان للوصول إليه. الجانب الذي لا يعترف

 

 

30

 


22

خطاب الولي 2010

بكم أساساً ويعارض أساس وجودكم كجمهورية إسلامية، أية مفاوضات يمكن أن تكون لكم معه؟! إنه يقول صراحة إنني أعارض النظام الديني، وأعارض نظام الجمهورية الإسلامية على وجه الخصوص لأنه صار مصدراً لصحوة المسلمين في العالم. وهو يعتبر بصراحة الحركة الإصلاحية في إيران حركة معادية للنظام الإسلامي ويفهمها بهذا المعنى.

 

إخوتنا وأخواتنا العاملون تحت عنوان الإصلاحيين لا يعتبرهم إصلاحيين أساساً! الذين يعتبرهم إصلاحيين هم أولئك الذين يريدون زوال هذا التيار وذاك التيار، بل لا يريدون وجود النظام الإسلامي أساساً. إذن، أية مفاوضات يمكن أن تجري مع الذي يعارض أساس النظام الإسلامي، وإذا بادر مبادرة معينة، أو مدّ يد الصداقة لأحد، إنما يفعل ذلك على أساس تكتيك معين وللخداع والحيلة؟ ما هي النتائج التي يمكن أن تتمخض عنها مثل هذه المفاوضات؟

 

التفاوض يجب أن يأتي من منطلق القوة والاقتدار

يجب أن تأتي المفاوضات من منطلق القوة والاقتدار. الذين يفكرون في التفاوض أثناء ظروف الخطر والتهديد إنما يعلنون عن ضعفهم بأعلى الأصوات. إنها خطوة خاطئة جداً. لقد ذكر الإمام الخميني ما هو فوق المفاوضات، قال: إذا أصبحت أمريكا تتحلّى بصفات حسنة سنقيم معها علاقات! أي إذا تخلت عن طباعها الاستكبارية وكانت جانباً متكافئاً، ولم تشأ متابعة أهدافها داخل إيران عندئذ ستكون حكومة مثل سائر الحكومات. لكن الواقع غير هذا.. ليس هذا هو الواقع. إنهم لا تزال تراودهم أحلام الهيمنة التي كانت لهم على عهد النظام البهلوي. يفكرون في عودة تلك الفترة والهيمنة. إنهم يعارضون من الأعماق النظام المستقل الذي يريد أن تكون له سياسته ومواقفه، ويدافع عن دينه وعقائده وثقافته. ورغم أنهم لا يقولون هذا بصراحة في الوقت الراهن، لكنه يبدو ويُستشفَ من ثنايا كلامهم.

 

أمريكا غاضبة من أصل التفكير الإسلامي

أمريكا تعارض الإسلام حتى لو لم يكن إسلاماً يحكم، أي حتى بالمقدار الموجود اليوم في العربية السعودية ومصر. على فرض المحال لو استطاع الأمريكيون تحقيق أهدافهم

 

 

31

 


23

خطاب الولي 2010

هنا، فسوف يتبيّن ما هو موقفهم منهم. زوّدوني بتقرير يفيد أن السياسيين الأمريكيين قالوا لأحد وزراء أحد البلدان الإسلامية المعروفة إن عليكم التقليل من تدريس قضايا الدين والجهاد في كتبكم المدرسية، لماذا تدرسّون مثل هذه الأمور في كتبكم المدرسية؟ هذه هي المسألة. إنهم منزعجون وغاضبون من أصل الإسلام والتفكير الإسلامي الذي يحضّ صاحبه على عدم الخوف والتهيّب من أية قدرة مادية. وهذه هي خصوصية القرآن والإسلام.

 

اتفاق المسؤولين حيال غطرسة العدو

يجب علينا المحافظة على عناصر القوة والاقتدار. العنصر الأهم من عناصر اقتدارنا هو الشعب، والعامل المهم الذي يُبقي الشعب حيوياً ناشطاً في الساحة هو إيمانه واتحاده. أرجو أن لا يتحدث أصدقاؤنا في مفاوضاتهم وتصريحاتهم بطريقة تشيع شبهة عدم الاتحاد والوحدة في قلوب الجماهير.

 

 قال رئيس الجمهورية المحترم ـ وهو على صواب ـ إنه لا يوجد اليوم بين مسؤولي البلاد أي خلاف - والحمد لله - حول هذه الموضوعات المطروحة. كلهم يفكرون بطريقة واحدة ويؤكدون على الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام والإصرار على الحق.. لا أحد يفكر بغير هذا، وهذا ما يريده الشعب. الشعب يغتبط ويفرح بمشاهدة المواقف المتحدة للمسؤولين، فأبناء الشعب مؤمنون. ينبغي عدم الانخداع بإعلام العدو حين يقول إن الشعب منفصل عن النظام. ليس الأمر كذلك. الشعب مؤمن ومحبٌّ للنظام الإسلامي، وقد أثبت ـ للحق والإنصاف ـ وفاءه في جميع المراحل. نحن المسؤولين قصّرنا كثيراً، لكن الشعب لم يقصّر، وسوف لن يقصِّر، وعلينا نحن أيضاً أن لا نقصِّر. على المسؤولين في القطاعات المختلفة أداء واجباتهم المرسومة لهم في القانون بنحو كامل وسالم وعلى أفضل وجه. هذا حق الشعب، وهو من أهم عناصر وحدتنا.

 

الاختلاف بين المسؤولين أكبر مشجِّع للعدو

أي اختلاف يظهر يشجع العدو على الهجوم. ثمة من يقول: لا تشجِّعوا العدو على الهجوم، وأنا أوافق على هذا القول. ينبغي عدم تشجيع العدوّ على الهجوم. ولكن هل

 

 

32


24

خطاب الولي 2010

تعلمون ما الذي يشجع العدو على الهجوم؟ أكبر ما يشجع العدوّ على الهجوم هو أن يشعر العدوّ بوجود اختلاف بين مسؤولي البلد وبين الساسة والنخبة من السياسيين. الاتحاد الذي أؤكد عليه كل هذا التأكيد ويشدد عليه كافة مسؤولي الدولة ومدراؤها ليس الاتحاد والاتفاق على مختلف القضايا السياسية. قد تكون هناك اختلافات بين المسؤولين في القضايا الاقتصادية والسياسية، ولكن هناك اتفاق حول ضرورة مقاومة الشعب الإيراني وصموده حيال غطرسة العدو المتبجِّع. على الجميع أن يتفقوا على هذا الموقف وهم متفقون، ويجب أن يعلنوا ذلك. يجب أن يذكروا هذه الوحدة وهذا الاتفاق بصراحة.

 

إن أي شيء ينال من هذه الوحدة ويشي بالاختلاف يشجع العدو. الذين يبثون أصواتهم عبر القنوات غير الشرعية وغير المباركة للأجهزة العميلة للمنظمات الاستخبارية للعدو في العالم ويشبِّهون الجمهورية الإسلامية برضا خان المستبد ونادر شاه الذي أوجد أهرامات من جماجم البشر، هؤلاء يشجعون الأعداء.

 

دروس الإمام الخميني قدس سره حيّة في قلوبنا

إننا نشكر الله على أن ربط على قلوبنا بفضل الإيمان به، ونشكره على أن جعل دروس إمامنا الجليل حيّة متفاعلة في قلوبنا. نشكره تعالى على أن منَّ علينا بتلك الشخصية التي تبلورت فيها التقوى والشجاعة والتوكل على الله، وكانت تجسيداً لقدرة الله في وجود الإنسان. شهدناه وتمّت علينا الحجة.

 

نشكر الله على أن القلوب مستنيرة بهذه الحقائق. عمِّقوا هذه الحقائق في قلوبكم يوماً بعد يوم عن طريق التوجّه إلى الله. اصمدوا فإن الحق معكم والنصر لكم.اللهم، أنزل بركاتك ورحمتك وهدايتك علينا، ربنا اجعل حضورنا وموقفنا في هذه الجلسة وما قلناه وسمعناه لكَ وفي سبيلك ومقبولاً عندك. اللهم أعزز الإسلام والمسلمين، وامحق أعداء الإسلام والمسلمين. ربنا، بمحمد وآل محمد أرضِ عنا القلب المقدس لسيدنا الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، واشملنا بعونك وبركته.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

33

 

 

 

 

 

 


25

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئيّ دام ظله

في ذكرى 19 دى

 

 

 

 

المناسبة:   محرم الحرام

الحضور:  جمع من أهالي قم المقدسة

المكان:   طهران

 

الزمان:    1388/10/19هـ.ش.

1431/01/23هـ.ق.

2010/01/09م.

 

 

35


26

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

في كل عام يستعرض الشعب الإيراني كافة، وخصوصاً أهالي قم الأعزاء، أصحاب البصيرة، يستعرضون ذكرى التاسع عشر من دي أمام مستكبري العالم كمقطع تاريخي بليغ معبّر.. وهو استعراض في محله.. الحق أن حدثاً مثل التاسع عشر من دي جدير بالاستعراض أمام أنظار الأعداء.

 

البصيرة والإرادة والتضحية تصنع الأمجاد

إنه حدث عظيم، بالتأمّل والتدقيق من أبعاد مختلفة: البصيرة تتموّج في هذا الحدث، وكذلك تشخيص الظرف، ومعرفة الأعداء، مضافاً إلى الجهاد والإقدام والتضحية. هذه أبعاد حدث عظيم وقع في التاسع عشر من دي سنة 56 أي قبل اثنين وثلاثين عاماً. من جهة أخرى أضحى ذلك الحدث منطلق تحوّل وحركة وتيار جارف في الشعب الإيراني. إذن، الحدث حدث مهم حقاً ترك تأثيره يومذاك، واليوم أيضاً حيث تحيون ذكراه وذكرى شهدائه من رجال الدين أو من غير رجال الدين، لا يزال يترك تأثيراته ويعطي دروسه ويُسبغ البصيرة ويشير لنا إلى اتّجاه التحرك.

 

أيام السنة متشابهة بعضها مع بعض بشكل طبيعيّ. والبشر بإرادتهم وجهادهم هم الذين يرفعون يوماً معيناً بين باقي الأيام ويجعلونه متميزاً مختلفاً ويُعلونه كالراية التي تهدي الآخرين. إن يوم عاشوراء ـ بما هو العاشر من المحرم ـ لا يختلف في ذاته عن باقي الأيام، إنما الحسين بن علي عليهما السلام هو الذي يمنح هذا اليوم الروح والمعنى ويرفعه إلى العرش. جهاد أصحاب الحسين بن علي عليه هو الذي يضفي على هذا اليوم كلّ تلك الخطورة والأهمية. وكذلك الحال بالنسبة ليوم التاسع عشر من دي، الذي له هذا العام أيضاً نفس الحالة. التاسع من دي لا يختلف عن العاشر من دي، إنما الجماهير هم الذين جعلوه بتحرّكهم يوماً متميّزاً.. وتحركهم كان نابعاً من نفس

 

 

37

 


27

خطاب الولي 2010

العوامل التي خلقت حركة التاسع عشر من دي في قم، أي إنه كان نابعاً من البصيرة، وتشخيص العدو، ومعرفة الظرف الزمني، والحضور الجهادي في الساحة.

 

كونوا على ثقة من أن يوم التاسع من دي لهذا العام قد خُلّد في التاريخ، وأصبح بدوره يوماً متميزاً. بمعنى من المعاني ربما يمكن القول إنّ تحرك الجماهير هذا اكتسب في الظروف الراهنة ـ وهي ظروف ضبابية ملتبسة ـ أهمية مضاعفة.. كان عملاً كبيراً.

 

من تجلّيات يد المدد الإلهيّ

كلما فكّر الإنسان في هذه الأمور وجد يد الله تعالى، ويد قدرته، وروح الولاية، وروح الحسين بن علي عليهما السلام فيها. هذه الأعمال ليست أعمالاً تتمّ وتُنجز بإرادة أمثالنا، إنما هي من عمل الله وتنمّ عن يد القدرة الإلهية، مثلما قال لي الإمام الخمينيّ في ظرف حساس ـ وقد رويت قوله هذا مراراً ـ قال: "إنني طوال هذه الفترة كنت أرى يد القدرة الإلهية وراء هذه الأمور".. وحقٌّ ما رأى ذلك الرجل الإلهيّ ذو البصيرة الثاقب النظر. المهمة أصعب في ظروف الفتنة، والتشخيص أشد صعوبة.

 

طبعاً الله تعالى يتمُّ الحجة دوماً، ولا يدع للناس عليه عزّ وجلّ سبيلاً وحجة ليقولوا له إنك لم تتمّ الحجة علينا، ولم تبعث هادياً لذلك ضللنا وسرنا في الطريق الخطأ. هذا معنى مذكور في القرآن مراراً. يمكن رؤية يد الإشارة الإلهية في كلّ مكان، لكن ذلك يحتاج إلى عين مفتوحة. إذا لم نفتح أعيننا فلن نرى هلال الليلة الأولى من الشهر، لكن الهلال موجود. يجب أن نفتح أعيننا وننظر وندقّق ونستثمر جميع إمكاناتنا حتى نرى هذه الحقيقة التي وضعها الله أمام أعيننا.

 

المهمّ هو أن يمارس الإنسان هذا الجهاد، إنه جهاد لصالح الإنسان نفسه. والله تعالى يمدّ له يد العون في هذا الجهاد. يوم التاسع عشر من دي وما اشتمل عليه من انتفاضة لأهالي قم في سنة 56 كان من هذا القبيل. ويوم التاسع من دي لهذه السنة الذي سطّره جميع أبناء الشعب في بلادنا ـ والحق أنّ هذا التحرّك المليونيّ الخارق للعادة من قبل الشعب كان تحركاً عظيماً ـ كان من هذا القبيل، وغير ذلك من الأمور

 

38


28

خطاب الولي 2010

المختلفة التي شهدناها ولم تكن قليلة طوال الثورة. هذا الجهاد هو الذي يدلّنا على الطريق.

 

عبر ودروس من حرب صفّين

لاحظوا أنّ أمير المؤمنين عليه السلام في حرب صفّين لم يكن يقف بوجه الكفّار. الجبهة التي وقفت أمام أمير المؤمنين عليه السلام كانت جبهة يقيم رجالها الصلاة، ويقرأون القرآن، ويحافظون على حسن الظاهر.. كانت العملية صعبة جداً. مَن الذي يجب أن يمارس مهمة التنوير هنا ويكشف الحقائق للناس؟ بعضهم تزلزلَ حقاً. حينما يقرأ المرء تاريخ حرب صفّين ترتعد فرائصه. في هذه الصفوف الهائلة التي سار بها أمير المؤمنين ووصل بها إلى تلك المنطقة الحساسة -منطقة الشامات- ليقف بوجه معاوية، كانت تحدث زلازل.. وقد حدثت هذه الزلازل عدة مرات.. وقد استمرّت القضية عدّة شهور. تارة يأتي الخبر أن شخصاً في الجبهة الفلانية قد طرأت له شبهة وبدأ يقول: لماذا نحن نحارب؟ وما الفائدة من ذلك؟ وكذا، وكذا.. في مثل هذه الأحوال كان أصحاب أمير المؤمنين ـ أي في الحقيقة أصحابه الخواصّ الخلّص الذين كانوا معه منذ أوّل الإسلام ولم ينفصلوا عنه ـ يتقدّمون لحلّ المشكلة. ومن بين أولئك سيّدنا عمّار بن ياسر لإ الذي كان يأخذ على عاتقه أهمّ المهمّات. ذات مرة أخذ عمّار بن ياسر - يبدو أنه كان عماراً - يستدّل ويبرهن. لاحظوا ما هي البراهين التي يستطيع الإنسان أن يطرحها دوماً كبراهين حية. لاحظ عمار أن بعضهم اعترتهم شبهة، فسار إليهم وألقى فيهم خطبة. وكان مما قاله في تلك الخطبة إنّ الراية التي ترونها في الجبهة المقابلة قد رأيتها أنا يوم أحد ويوم بدر مقابل رسول الله ـ راية بني أمية ـ فقد وقف تحت هذه الراية يومذاك نفس الذين يقفون اليوم تحت هذه الراية.. معاوية وعمرو بن العاص. في معركة أُحُد كان معاوية وعمرو بن العاص وسائر رؤساء بني أمية يقفون بوجه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكانت الراية راية بني أمية. قال: هؤلاء الذين ترونهم تحت هذه الراية كانوا تحت نفس هذه الراية مقابل الرسول، وقد رأيت هذا بعيني. وهذا الجانب الذي يقف فيه أمير المؤمنين والراية التي يرفعها أمير المؤمنين اليوم - أي راية بني هاشم -

 

 

39

 


29

خطاب الولي 2010

 كانت أيضاً في معركتي بدر وأُحُد، وكان يقف تحتها نفس الأشخاص الذين يقفون تحتها اليوم أي عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأنصاره وصحبه. فهل هناك أفضل من هذه العلامة؟ لاحظوا كم هي علامة جيدة. الراية نفس راية معركة أُحُد. الأشخاص نفس الأشخاص في هذه الجبهة وتلك الجبهة. الفرق بين الحالتين أنهم كانوا يومذاك يدّعون الكفر ويعترفون به ويفخرون به، وهم اليوم أنفسهم تحت نفس الراية يدّعون الإسلام ومناصرة القرآن والرسول، لكن هم نفس الأشخاص ونفس الراية.. هذه بصيرة. وهذا هو ما نقصده حينما نشدّد على أهمية البصيرة.

 

حرب صفين والواقع الراهن

منذ بداية الثورة، وعلى مدى الأعوام الطويلة، من هم الذين وقفوا تحت راية العمل ضد الإمام والثورة؟ أمريكا كانت تحت هذه الراية وبريطانيا والمستكبرون، والرجعيون المرتبطون بنظام الاستكبار والهيمنة.. كانوا كلهم مجتمعين تحت تلك الراية، وهم كذلك اليوم أيضاً. حينما تنظرون اليوم أيضاً لكم أن تتساءلوا: أين تقف أمريكا منذ ما قبل انتخابات سنة 88 طوال الأشهر السبعة أو الثمانية المنصرمة وإلى اليوم؟ وأين تقف بريطانيا؟ وأين تقف وكالات الأنباء الصهيونية؟ وأين تقف التيارات المعادية للدين في الداخل، من تيار (توده) إلى تيار الملكيين، إلى باقي الفئات والجماعات اللادينية؟ نفس أولئك الذين ناصبوا الإمام الخمينيّ والثورة العداء منذ بداية الثورة، ورموا أحجارهم وأطلقوا نيرانهم ومارسوا الإرهاب.. بعد ثلاثة أيام من انتصار الثورة في الثاني والعشرين من بهمن جاء هؤلاء بهذه المسمّيات أمام محلّ إقامة الإمام الخمينيّ في شارع إيران، وراحوا يهتفون، وهم اليوم يهتفون أيضاً في الشوارع ضدّ النظام والثورة! لم يتغيّر شيء.

 

كان اسمهم يساراً وأمريكا تقف من ورائهم.. كان اسمهم اشتراكيين وليبراليين وطلاب حرية تقف وراءهم جميع أجهزة الرجعية والاستكبار والاستبداد الصغيرة والكبيرة في العالم! وكذا الحال اليوم. هذه علامات ومؤشّرات، والمهمّ أن يفهم الشعب هذه المؤشّرات. هذه أشياء لو شكر الإنسانُ اللهَ عليها مئات المرات لما وفّاها حقّها.

 

 

40


30

خطاب الولي 2010

قيم الشعب هي محور عداء المستكبرين

هذا الشعب العظيم بمختلف شرائحه من شتىّ أنحاء البلد ينظرون إلى الساحة ويعرفونها.. إنه لشيء كبير ومهمّ. لذلك أقول إنّ يوم التاسع من دي سيبقى خالداً في التاريخ. الشعب يقظ وهذا ما يحفظ بلادكم يا أعزائي. هذا ما حفِظ ثورتكم، وهو ما سلب زعماء الاستكبار جرأتهم على الهجوم على شعب إيران.. إنهم يخافون.

 

في الإعلام يأتون بزيد وعمرو وبكر إلى الواجهة ويمارسون القصف الإعلامي، بيد أنّ حقيقة القضية شيء آخر. عدوّهم الحقيقيّ هو الشعب الإيرانيّ. عدوّهم الحقيقيّ إيمان الشعب الإيرانيّ وبصيرته. عدوّهم الحقيقيّ هذه الغيرة الدينية المتفجّرة لدى الشباب. أحياناً يصبرون ويتحمّلون، ويجب أن يتحمّلوا، ولكن يأتي وقت ينـزلون فيه إلى الساحة إذا آن أوان النـزول إلى الساحة.تحليل الأحداث الجارية في بلادنا ليس تحليلاً منفصلاً عن أحداث العالم. أحداث العالم وأحداث المنطقة متصل بعضها ببعض. جانب منها يتعلّق ببلادنا وهو الجانب الأصلي والأساس. والسبب هو أنّ الاستكبار يرى عقبة أمره ها هنا، وهذا يدلّ على ما يمكن للشعب وللمنظومة البشرية أن تمارسه من دور. وفي ضوء هذه الحقيقة كان إمامنا الجليل يوجّه خطابه دوماً للأمة الإسلامية. الشعب إذا استيقظ كان بمستطاعه قلب جميع حسابات الاستكبار بهذه الصورة. المعمل الذي أنشأوه وخطّ الإنتاج الذي أطلقوه لأجل تثمير أهدافهم الاستكبارية، يمكن ليقظة الشعب أن تُبطئ حركته أو تعطّلها.

 

ماذا سيحدث لو نزلت جمع الشعوب المسلمة إلى الساحة؟ لو تحلت جميع الشعوب المسلمة بهذه البصيرة وهذا الاستعداد وهذا الحضور في الساحة، فما الذي سيحدث في العالم؟ إنهم يخافون من هذا. يريدون لأصواتنا أنا وأنتم أن تخفت ولا تصل إلى أسماع الشعوب الأخرى. يريدون أن يفعلوا ما من شأنه أن يُنتج عدم تفهم الشعوب الأخرى مدى تأثير يقظة الشعب وبصيرته على أحداث العالم.

 

 

 

41

 


31

خطاب الولي 2010

توصية للشباب بالوعي وضبط النفس

وأذكر نقطة للشباب الثوريّ العزيز ولأبنائي الثوريين الأعزاء.. لأبنائي أثناء التعبئة -من النساء والرجال: الشباب من مختلف أنحاء البلاد غاضبون مما يسمعونه أو يرونه من استهتار الأجانب بإيمانهم الديني.. حينما يرون كيف يهتك بعض الناس في يوم عاشوراء حرمة عاشوراء وحرمة الإمام الحسين عليه السلام وحرمة المعزّين الحسينيين، تُعتصر قلوبهم وتمتلئ صدورهم بالغضب. وهذا طبيعيّ ومن حقهم، لكني أريد أن أقول للشباب الأعزاء أن يدقّقوا ويحذروا لأنّ أيّ عمل غير مدروس سيساعد الأعداء. يتّصل الشباب هنا- أنا أفهم ذلك، وأقرأه، وغالباً ما يلخّصون الاتصالات والرسائل ويأتون بها إليَّ كلّ يوم وأراها ـ وأرى أنّ الشباب مستمرون في عتابهم وألمهم وغضبهم، وأحياناً يعتبون عليَّ ويلومونني ويقولون: لماذا فلان صابر؟ لماذا فلان يلاحظ ويتحفّظ؟ أقول إنّه في الظروف التي يعمل فيها العدوّ بكلّ كيانه وإمكاناته على التخطيط للفتنة ويروم بدء لعبة خطيرة ينبغي الحذر والتدقيق لكي لا نساعده في هذه اللعبة.

 

ينبغي التصرّف بمنتهى الحيطة والتدبير، والحسم في الوقت المناسب. هناك أجهزة ومؤسّسات مسؤولة، وهناك قوانين، وينبغي تطبيق نصّ القوانين بشكل قاطع وبدون أيّ تجاوز للقانون. لكن دخول أشخاص ليس لهم شأن قانونيّ وصفة قانونية وواجب قانونيّ ومسؤولية قانونية سوف يُفسد الأمور. لقد أمرنا الله تعالى بالعدل: ﴿وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَ‍َٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ﴾[1] نعم، بعضهم يمارس العداء، وبعضهم يمارس الخبث، وبعض يدعم الخبثاء.. هذه كلها أمور واقعة، ولكن ينبغي التحوّط.

 

إذا خاض الإنسان في بعض الأمور من دون تدقيق وهضم للمسائل فسوف يُسحق أناسٌ أبرياء هم ممتعضون من أولئك.. وهذا ما يجب أن لا يحدث. إنّني أحذّر الشباب الأعزاء، أبنائي الثوريين الأعزاء، من أن يقدموا على ممارسات غير مسؤولة تؤدي للإنفلات، لا، كل شيء يجب أن يجري ضمن سياق القانون.


 


[1] سورة المائدة، الآية 8.

 

 

42


32

خطاب الولي 2010

واجبات المسؤولين

مسؤولو البلاد عيونهم مفتّحة والحمد لله، وهم يرون بأيّ اتّجاه يسير الناس. الحجّة تامّة على الجميع. الحركة العظيمة في يوم الأربعاء التاسع من دي أتمت الحجّة على الجميع. مسؤولو السلطة التنفيذية، ومسؤولو السلطة التشريعية، ومسؤولو السلطة القضائية، والأجهزة المختلفة، يعلمون كلّهم ماذا يُريد الجماهير في الساحة. على الأجهزة المختّصة القيام بواجباتها.. سواء واجباتها حيال العناصر المفسدة والمعادية للثورة والمثيرة للشغب والمخربة للأمن، أو واجباتها فيما يتّصل بإدارة البلاد.

 

قضايا البلاد ليست كلّها قضايا الاضطرابات وأعمال الشغب. للبلاد قضاياها الاقتصادية، والعلمية، والسياسية، والدولية، والأمنية، ومئات القضايا الهامّة التي هي على عاتق المسؤولين والمدراء والتي عليهم معالجتها والنهوض بها.. عليهم إدارة البلاد والتقدّم بها إلى الإمام. يريد العدوّ بهذه الأحداث إيقاف عجلة البلاد. ينبغي عدم مساعدة العدوّ.

 

يريد العدوّ بمثل هذه الحوادث إيقاف عجلة التقدّم الاقتصاديّ في البلاد. يروم الأعداء إيقاف عجلة التقدّم العلميّ في البلاد والتي بدأت بالحركة والحمد لله حيث انطلقت مسيرة علميّة جيّدة وصاعدة في بلادنا. يروم العدو النيل من الإسهام السياسيّ المقتدر للجمهورية الإسلامية في المحافل الدولية والذي اكتسب اليوم أشكالاً وتجلّيات أبرز وأقوى من السابق. لذلك ينبغي عدم مساعدة العدو بمثل هذه الأمور.

 

واجبات الشعب

يجب بالتالي على المسؤولين النهوض بمسؤولياتهم وواجباتهم باقتدار وقوة ودقة في المجالات الاقتصادية، أو العلميّة، أو السياسيّة، أو الاجتماعية أو غيرها من المجالات. كما ينبغي استمرار التعاون مع الحكومة ومسؤولي البلاد. وقد أبدى الناس حضورهم في الساحة.أعظم ثروة بالنسبة لنظام من الأنظمة هو أن تدعمه الجماهير. جاءوا وأرادوا بزعمهم تشويه هذه الحركة الجماهيرية فقالوا: مظاهرات حكومية. ولم يفهم البلهاء أنّهم بكلامهم هذا إنّما مدحوا الدولة والحكومة. أيّة دولة هذه التي تستطيع في ظرف يومين ـ يوم عاشوراء كان الأحد حيث مارسوا ذلك الخبث، وانطلقت هذه

 

 

43

 


33

خطاب الولي 2010

الحركة العظيمة يوم الأربعاء ـ تعبئة مثل هذه الحشود الشعبية الهائلة في كافّة أنحاء البلاد؟ أية دولة أخرى وأيّ بلد آخر لهما في زماننا هذا مثل هذه المقدرة؟ أقوى دول العالم وأكثرها ثراء - والّتي تبذّر كثيراً في سبيل التجسّس والتخريب وتدريب الإرهابيين - لو بذلت كلّ جهودها لما استطاعت خلال يومين الإتيان بمئات الآلاف من الأفراد إلى الشوارع.. أن يخرج عشرات الملايين من الناس في مختلف أنحاء البلاد إذا كانوا قد خرجوا بأمر الدولة فهذه دولة مقتدرة جداً وقوية جداً لديها مثل هذه القدرة على التعبئة. بيد أن الحقيقة غير ذلك. الحقيقة هي أنّه لا توجد في بلادنا دولة وشعب، فالكلّ شيء واحد، والمسؤولون والدولة ابتداء من شخصي المتواضع إلى الآخرين كلنا قطرات في هذا المحيط الهائل، محيط الشعب.

 

رحمة الله على روح إمامنا الجليل الطاهرة الذي كان رائد ومحفّز هذه الحركة الهائلة العظيمة. ورحمة الله على أرواح شهدائنا الأبرار الطاهرة الذين كانوا السبّاقين والطلائع في هذه المسيرة العظيمة.. ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلسَّٰبِقُونَ ١٠ أُوْلَٰٓئِكَ ٱلۡمُقَرَّبُونَ﴾[1] هؤلاء هم الذين فتحوا الطريق وبدأوه. ورحمة الله عليكم أيّتها الجماهير العزيزة وأيها الشباب الأعزاء الذين أبديتم كلّ هذه البصيرة والاستعداد، وبعثتم اليأس في نفوس الأعداء من التطاول على بلادكم ونظامكم وثورتكم. حفظكم الله ورعاكم إن شاء الله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 


 


[1]  سورة الواقعة، الآيتان 10 - 11.

 

44


34

خطاب الولي 2010

نداء الإمام الخامنئي دام ظله

بمناسبة استشهاد العالم الإيرانيّ عليّ محمّدي

 

 

 

 

المناسبة:   استشهاد العالم الإيرانيّ الدكتور مسعود عليّ محمّديّ

المكان:   طهران

 

الزمان:    1388/10/25هـ.ش.

29/01/1431هـ.ق.

2010/01/15م.

 

 

45

 

 


35

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أهنّئ وأعزّي باستشهاد الأستاذ العالم المرحوم الدكتور السيّد مسعود عليّ محمّديّ رحمه الله والدته وزوجته وعائلته الكريمة وجميع أصدقائه وطلابه وزملائه.

 

اليد المجرمة التي أوردت هذه الخسارة علينا فضحت دوافع أعداء الجمهورية الإسلامية، ألا وهي توجيه الضربات للحركة والجهاد العلميّ في البلاد. لا ريب في أنّ همم العلماء والأساتذة والباحثين العلميين في البلاد سوف تحبط هذه الدوافع الخبيثة على الرغم من الأعداء. أسأل الله تعالى للشهيد السعيد علوّ الدرجات ولذويه الصبر والأجر.

 

السيّد عليّ الخامنئيّ

٢٥ دي ١٣٨٨هـ.ش.

 

47

 


36

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في ذكرى 1 بهمن

 

 

المناسبة:   الذكرى السنوية لملحمة أهالي آمل

الحضور:  جمع غفير من أهالي محافظة مازندران

المكان:   طهران

 

الزمان:    1388/11/06هـ.ش.

1431/02/10هـ.ق.

2010/01/26م.

 

 

49

         


37

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أرحّب بجميع الإخوة والأخوات الأعزاء الذين تجشّموا عناء السفر من أماكن بعيدة ونوّروا الحسينية اليوم بأنفاسهم الدافئة وقلوبهم المشتاقة الواجدة. مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة والأخوات الأعزاء - خصوصاً عوائل الشهداء الجليلة والعلماء المحترمين والمسؤولين الكادّين الخدومين - الذين جدّدتم ذكرى هذه الخاطرة الكبرى، أي السادس من بهمن، في الأذهان والخواطر، وهي من الملاحم البارزة للشعب الإيراني ويعود الفخر فيها لأهالي مدينة آمل.

 

نعم أنا أيضاً أعتقد أنه يجب أن لا يخبو في الأذهان بريق هذه الذكريات العظيمة والأحداث النادرة والمصيرية لتاريخ الثورة. ينبغي لجيلنا الشابّ أن يعرف هذه المناسبات بصورة صحيحة ويتمكّن من تحليلها ويجعلها نبراساً لطريقه المستقبليّ الحافل بالأحداث ولأهدافه السامية.

 

طبعاً مفاخر مازندران، وفي هذه المناسبة على الخصوص أهالي آمل، ليست بالقليلة، سواء في ميدان الجهاد في سبيل الله أو في ساحة العلم والفقه والمعرفة والعرفان. لآمل ـ والحقّ يُقال ـ وجه مشرق مجيد. واليوم أيضاً والحمد لله فإنّ الشخصيات العلمائية الكبيرة من آمل هي من مفاخر الحوزات العلمية ومن الأرصدة العلمية الدينية القيّمة في بلادنا. وأيضاً خلال الامتحان العظيم المتمثّل بالحرب المفروضة التي استمرّت ثمانية أعوام كانت مدينة آمل ومحافظة مازندران الكبرى من المناطق المجيدة في البلاد. كنت في حينها على معرفة بالألوية الموجودة في مازندران ومنتسبي التعبئة المنتمين إليها والشباب المضحين فيها. كنت أعرفهم من قريب أو بعيد وأعرف تضحياتهم وجهادهم. هذه أمور لن تبرح ذاكرة الثورة.

 

تلاحظون بناء شامخاً متيناً عظيماً.. فمن الذي وضع هذه اللبنات والأحجار بعضها

 

 

51

 


38

خطاب الولي 2010

على بعض لكي يرتفع هذا البناء؟ مَن الذي استطاع تنفيذ هذه الخريطة الفاخرة عملياً وإيجاد هذا الصرح؟ وهل يمكن تجاهل دور تلك الأحداث والشخصيات التي كان من شأن كدّها وعملها وجهادها وتضحياتها وشعورها بالمسؤولية أن يُكوّن هذا البناء ذرّة ذرّة ليرتفع ويتشكّل ويعظم؟ من الأخطاء التي تقع أحياناً تجاهل هؤلاء الذين مارسوا الأدوار الكبيرة.

 

«مدينة الألف خندق".. هل هذا تعبير قليل؟ وهل هو كلام بسيط؟ كانت قضية السادس من بهمن من الأهميّة بحيث أدرجها إمامنا الجليل في وصيّته التاريخية وجعلها ذكرى لكي لا تُنسى. فلماذا يجب أن لا تُنسى؟ لأنّ في الأحداث التاريخية دروساً وعبراً. القضايا التي تجري على الشعب غالباً ما تتكرّر في مقاطع التاريخ المختلفة. مضت الآن ثمانية وعشرون عاماً على ذلك الزمن، لكنّ طريق الجمهورية الإسلامية لم يتغيّر، وأعداء الجمهورية الإسلامية لم يتغيّروا. إذن ما حدث يومذاك يمكن أن يكون درساً وعبرة للحاضر وللمستقبل طالما كان الشعب الإيراني بحول الله وقوته محباً لهذه المبادئ وهذه الثورة. لذلك يجب أن لا تُنسى.

 

ولنقل كلمة أخرى في فضل السادس من بهمن في مدينة آمل: ما معنى "الألف خندق"؟ ظاهر الأمر هو أنّ الناس داخل المدينة أوجدوا خنادق لمجابهة الجماعات الشرّيرة المعتدية ـ إمّا أنّها كانت ألف خندق أو تزيد أو تنقص ولكن لي تفسير آخر: هذه الخنادق ليست خنادق الشوارع بل هي خنادق القلوب.

 

وهي ليست ألف خندق بل هي آلاف الخنادق، بعدد كلّ المؤمنين والمندفعين الشرفاء هناك خنادق لمواجهة هجمات الأعداء. إذا سار الشعب لنيل هدف معيّن ولم يعلم ما هي الأخطار التي تكمن له في الطريق وما الذي ينبغي أن يفعله في مواجهتها، وإذا ترك نفسه واستهتر ولم يحذر وكان غير مبالٍ فسوف يتلقّى الضربات. كافة الشعوب التي سارت باتّجاه هدف معيّن كبير وتلقت الضربات وسط الطريق وأحياناً سقطت سقوطاً لم تستطع النهوض منه لقرون، إنما ابتدأت مشكلتها من هنا: لم تعلم ما الذي ينتظرها ولم تهيئ نفسها لمواجهة ما صادفته في طريقها. دروس الماضي تساعدنا على فهم طريقنا ومعرفته ومعرفة الكمائن ومن فيها.

 

 

52


39

خطاب الولي 2010

انتصرت الثورة الإسلامية بكلّ تلك العظمة. ووقف أبناء الشعب بأجسادهم وصدورهم العارية مقابل أسلحة النظام الجبار ونصروا الثورة. ثم جاء نفس هؤلاء الناس ومنحوا أصواتهم للجمهورية الإسلامية واختاروها. حسناً ما الذي يفعله الإنسان المنصف والشريف مقابل إرادة الشعب هذه؟ بعض الناس نزلوا إلى وسط الساحة وادّعوا مناصرة الجماهير والديمقراطية والشعب وعندها اصطدموا بنفس هذا الشعب الذي أسّس هذا النظام بأغلى الأثمان. كان فيهم المنافق والكافر الصريح والمناصر للغرب والمتظاهر بالدين. كل هؤلاء صاروا جبهة واحدة وحركة واحدة مقابل النظام الإسلاميّ والشعب الإيرانيّ. زعموا مناصرة الشعب واصطدموا بالشعب. زعموا التحيّز للديمقراطية وأصوات الشعب واشتبكوا مع أصوات الشعب ونتائج أصوات الشعب. زعموا الثقافة والاستنارة والتفكير الحرّ وتقبّلوا بطريقة متحجّرة الأطر المستعارة من المفكّرين الغربيين والممتزجة بسوء النوايا وسوء الطويّة. وقفوا بوجه الشعب الإيرانيّ. بداية أخذوا يعترضون على الإمام والجمهورية الإسلامية ومبادئ الإمام بالكلام الثقافيّ أو شبه الثقافيّ وراحوا يوجّهون النقد والكلام وما إلى ذلك، وبعد مدّة تركوا شيئاً فشيئاً المجاملات جانباً ونزلوا إلى الساحة وبدّلوا الصراع الفكري والسياسي إلى صراع مسلح وتوترات واضطرابات وأخذوا يعملون على إيجاد المشاكل والمتاعب. هذه أحداث وقعت في بلادنا وهي ليست من التاريخ البعيد بل وقعت في العقد الأول من الثورة. بدل أن يفكّروا ويتأملوا ما هي مشكلات البلاد - كانت بلادنا تواجه مشكلات كثيرة بعضها موروث عن الماضي وبعضها فُرض علينا - ويساعدوا على حلها ويّمدوا يد العون للمسؤولين فيقدّموا التوجيهات إذا بدا لهم أنهم يجب أن يقدموا التوجيهات، أو يتحمّلوا بعض الأعباء، بدل كل هذا راحوا يصطدمون ويعارضون ويسيئون، ثمّ جابهوا الناس أينما استطاعوا في القطاعات والمواطن المختلفة. كان البلد منشغلاً في الحرب على الحدود فلم يأبهوا حتى للحرب وراحوا يجابهون الجمهورية الإسلامية والنظام في شوارع طهران وعند تقاطع الطرقات وأينما استطاعوا.

 

ليس للجمهورية الإسلامية هويّة غير هويّة الشعب وإيمانه وعزيمته. وكذلك الحال اليوم أيضاً. نحن لسنا شيئاً نذكر. الله تعالى يحمي هذا النظام بواسطة هذا الشعب

 

 

53

 


40

خطاب الولي 2010

وهذه القلوب ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَيَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾[1] يقول الله تعالى لرسوله إنّه أيّده بالمؤمنين. وكذا الحال بالنسبة للجمهورية الإسلامية اليوم أيضاً. ليس لدينا وسيلة أخرى. الوسيلة هي إيمان الشعب الذي يعدّ سلاحاً أمضى من أيّ سلاح ووسيلة أكثر تأثيراً من أية وسيلة أخرى. وكان الحال كذلك يومذاك أيضاً حيث نزل الناس إلى الساحة وانتصروا على هذه المؤامرات. طبعاً حينما يجري الانتصار على مؤامرة فليس معنى ذلك أن المؤامرات قد انتهت. العدو يقظ على كلّ حال ويختلق لعبة أخرى ومؤامرة أخرى وأحداثاً أخرى. إذا كان الشعب يقظاً فلن يؤثر ذلك شيئاً، حتى لو حاكوا مئة مؤامرة سيقف الشعب إزاءها ويواصل مسيرته. المسيرة الضخمة للشعب الإيرانيّ لن تتوقف. الشعب يتقدم ويواجه في الوقت نفسه المعارضات والعداوات والمضايقات. هذا هو الوضع الذي كان طوال هذه الأعوام الثلاثين.

 

كانت ثمة أخطاء لدى معارضي الجمهورية الإسلامية. وطالما بقيت فيهم فإنّ كل ما يفعلونه قد يسبّب للشعب بعض الإيذاء والمضايقة، لكنّه يعود على الأعداء أنفسهم بأضرار أكبر. من هذه الأخطاء أنّ معارضي الجمهورية الإسلامية غالباً ما تصوّروا أنفسهم فوق الشعب وأعلى منه. والخطأ الثاني أنهم ارتبطوا بأعداء هذا الشعب وعقدوا عليهم الآمال.

 

هذان هما الخطآن الكبيران. عندما يعدون أنفسهم فوق الناس ستكون نتيجة ذلك أن الشعب إذا أراد شيئاً أو لم يرد شيئاً أو فعل شيئاً أو اختار شيئاً في إطار خطوة قانونية قال هؤلاء: لا. الناس كانوا عواماً وهذه نزعة عامية وپوپوليسم ونحن لا نرضى ذلك. هنا تظهر حالة التعالي على الشعب. ليس الادّعاء ملاكاً كأن يقولوا نحن شعبيون ومع الشعب، إنّما ينبغي إثبات الحالة الشعبية على المستوى العمليّ. هذا هو الإشكال الأوّل.

 

الإشكال الثاني أنهم يرتبطون بأعداء هذا الشعب الذين ثبت عداؤهم واتّضح. مَن الذي عادى هذا الشعب طوال هذه الأعوام الثلاثين؟ أمريكا والصهيونية بالدرجة الأولى. هل هناك أعدى من هذين للجمهورية الإسلامية؟ منذ اليوم الأوّل وقفت


 


[1] سورة الأنفال، الآية 62.

 

54


41

خطاب الولي 2010

الحكومة الأمريكية والكيان الصهيونيّ والصهاينة في العالم بوجه نظام الجمهورية الإسلامية. وهم اليوم أيضاً - للحقّ والإنصاف - أعدى الأعداء. إنّني حينما أنظر أجد أحياناً أنّ بعض الحكومات الغربية تطلق كلاماً غير مدروس وغير ذي معنى. لكنّ المحفّز والمحرّض هم الصهاينة. الدافع هو الطبقة المتسلّطة المهيمنة على الحكومة الأمريكية والدولة الأمريكية والانتخابات الأمريكية. هم الذين يديرون المسرح. لذلك فهم ألدّ أعداء الشعب الإيرانيّ.

 

وإذا ارتبط بهم من يقف بوجه الشعب كان ذلك الخطأ. الارتباط بالعدوّ؟ حينما نرى هذا العدوّ ينزل إلى الساحة فيجب علينا أن نفهم ذلك ونعرفه. وإذا كنّا قد ارتكبنا خطأ فعلينا تلافي الخطأ وتصحيحه. تآمر الأمريكان ضدّ الجمهورية الإسلامية منذ اليوم الأوّل. ومن نافلة القول أنّ نقول إن هذه المؤامرات كانت عديمة التأثير. واضح أنّها كانت عديمة التأثير. لو لم تكن عديمة التأثير لما بقي أثر اليوم للجمهورية الإسلامية. وترون اليوم أنّ الجمهورية الإسلامية أقوى من يومها الأوّل عشرات المرّات. إذن كانت تلك المؤامرات عديمة التأثير. واليوم أيضاً لا يفتأون يرسمون الخطط الجديدة والمؤامرات ولا يعتبرون. وأنا أستغرب أنّهم لا يفكّرون في الماضي فيقولوا لأنفسهم: مارسنا كلّ هذه المؤامرات وأنفقنا كلّ هذه الأموال ضدّ الجمهورية الإسلامية، وذهبنا هنا وهناك والتقينا بهذا وذاك، وربّينا المرتزقة في الداخل، وعبّأنا في الخارج فلاناً وفلاناً ضدّ الجمهورية الإسلامية، فلم يؤثر ذلك شيئاً. يأتون مرّة أخرى ويصادقون على ميزانية قدرها 45 مليون دولار لإسقاط الجمهورية الإسلامية!. يصادقون على ميزانية للقضاء على ثورة إيران وإسقاط الجمهورية الإسلامية عن طريق الإنترنت! لاحظوا كم أن هذا العدوّ بائس وعاجز. كم 45 مليون دولار سابقة أنفقتموها لحدّ الآن؟ كم عملتم دبلوماسياً لهزيمة الجمهورية الإسلامية؟ وكم فرضتم من الحظر الاقتصاديّ وحِكتم صنوف المؤامرات وبعثتم الجواسيس ودربتموهم؟ فما الفائدة التي جنيتموها حتى تريدوا السير في هذا الطريق مرة أخرى لفصل الشعب الإيرانيّ عن الثورة حسب ما تتوهّمون؟ هذا ما لا يفهمه الأعداء. وهذه هي السنّة الألهيّة. إنّها الضرب على أعين العدوّ الغافل وآذانه من قبل الله تعالى حتى لا يفهم الحقائق ويبقى غافلاً

 

55

 


42

خطاب الولي 2010

﴿فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾[1] ينفقون الأموال ثم يتحسّرون عليها لأنّها ذهبت هدراً. أنا لا أدري كم جلسوا وخطّطوا وعملوا حتى يستطيعوا إشعال اضطراب في طهران بذريعة من الذرائع. الله يعلم منذ كم من الوقت جلس هؤلاء وخطّطوا، فماذا كانت النتيجة؟ هل سوى أن استيقظ الناس أكثر مما كانوا؟ مستيقظين إذا كان شخص من أبناء الشعب يتصوّر أنّه لم يعد ثمة حاجة لحضوره في الساحة للدفاع عن نظام الجمهورية الإسلامية، فمع هذه الأحداث شعر الجميع أنّ عليهم الحضور دائماً للدفاع عن الجمهورية الإسلامية.

 

وأحياناً تُطلق هذه الألاعيب التي يختلقها العدو لأجل ابتزاز الجمهورية الإسلامية. وقد كان الحال كذلك في بداية الثورة أيضاً. بعض الألاعيب التي كانوا يقومون بها كانت من أجل أن يفرضوا على نظام الجمهورية الإسلامية إشراكهم في السلطة من دون استحقاق ومن دون أن يكون الناس قد أرادوا ذلك ومن دون رصيد شعبيّ وجماهيريّ. أحياناً يختلق أعداؤنا في العالم هذه الضجة من أجل فرض ابتزاز معيّن ماليّ أو سياسيّ على الجمهورية الإسلامية ككثير من الحكومات التي بمجرّد أن تشعر بخطر تذهب وتعلن عن استعدادها لدفع الخوّة أمام الأرباب الأكابر. الإمام لم يخضع للابتزاز -ليعلم الجميع هذا- ونحن أيضاً لن نخضع للابتزاز، لا من طرف شعبنا ولا من طرفنا. عندنا كلمة حقّ ونحن مصرّون على كلمة الحقّ هذه. إنّنا لم نرتكب ذنباً. إنّنا نريد أن نكون شعباً لا يسيطر علينا أقوياء العالم ونتولّى نحن بأنفسنا إدارة شؤوننا. نريد أن نكون شعباً متوثّباً ومتحرّكاً إلى الأمام. نروم أن نكون شعباً يثبّت الإسلام على المستوى العمليّ وليس بمجرّد الادّعاءات. نريد أن نعمل بالأحكام الإلهية. نروم أن يكون مجتمعنا مجتمعاً إسلامياً. لا نريد أن نتقبّل ما يحيكه ويتوهّمه المفكّرون الماديون والساسة الغربيون كدساتير لحياتنا. نريد أن نقبل حكم الله. فهل هذه جريمة؟

 

وقد أدركنا أنّنا إذا أردنا أن نعيش مسلمين فيجب أن نكون مقتدرين حتى نستطيع الدفاع مقابل الأعداء عن أنفسنا وعن أهدافنا وعن عقائدنا. ينبغي أن نكون أقوياء


 


[1] سورة الأنفال، الآية 36.

 

 

56


43

خطاب الولي 2010

حتى نستطيع الدفاع عن حقوق بلدنا وحقوق شعبنا وحقوقنا. هذا ما نرنو إليه. فهل هذا جريمة يرتكبها الشعب؟ إذن، كلامنا حقّ. ونحن صامدون على هذا الحقّ. ونعتقد أنّ الحقّ حينما يشتبك ويتجابه مع الباطل، إذا كان أصحاب الحقّ صادقين في صمودهم على الحقّ، فإنّ الباطل سيُهزم لا محالة. وقد جرّبنا وكانت هذه هي النتيجة. لقد جرّبنا طوال الثلاثين عاماً المنصرمة وصمدنا وتقدّمنا إلى الأمام. أينما تجدوا تراجعاً أو إخفاقاً فما ذلك إلا لأنّ صمودنا قد تضعضع. وأينما صمدنا تقدّمنا إلى الأمام. وكذا سيكون الحال بعد الآن أيضاً.

 

ما يلزمنا هو أن لا يفقد أبناء الشعب والمسؤولون وغير المسؤولين وخصوصاً الشباب وسيما من لهم كلمة مؤثرة، شعورهم بمسؤولية الحضور في الساحة. لا يقل أحد إنني لا يقع على عاتقي واجب أو مسؤولية.. الكل مسؤولون. وليس معنى المسؤولية أن نحمل السلاح ونمشي في الشارع. يجب أن نشعر بالمسؤولية في أي عمل أو موقع كنا.. مسؤولية الدفاع عن الثورة ونظام الجمهورية الإسلامية، أي عن الإسلام وعن حقوق الشعب وعن عزّة البلاد. هذا هو الشرط الأوّل. علينا جميعاً الشعور بهذه المسؤولية. وأرى أننا نتحلّى بمثل هذا الشعور بالمسؤولية. لقد أثبتت جماهير بلادنا هذا المعنى وستثبته. النموذج الجليّ لذلك هو يوم التاسع من دي. وهناك نماذج أخرى. الثاني والعشرون من بهمن على الأبواب وعشرة الفجر قريبة. لقد أبدى الشعب حضوره واستعداده وحيويّته ونشاطه وسيبدي ذلك دوماً.

 

على مسؤولي البلاد أن يبذلوا كلّ جهدهم لمعالجة المشكلات بأيدي التدبير والعمل المستمرّ وعدم التعب وبكل شوق وتوكّل على الله واستمداد للعون منه. ولا نقصد هنا المشكلات السياسية والأمنية فقط - فهذه جزء من المشكلات - إنّما القصد التقدّم بالبلاد إلى الأمام في مجال الاقتصاد والعلم والمسائل الاجتماعية المختلفة التي تقع على عاتق المسؤولين. وليعلم مسؤولو السلطات الثلاث وجميع مسؤولي البلاد أنّ من واجبهم العمل لأجل هذا الشعب.. العمل والعمل، والعمل، والتدبير والتدبير والتدبير. لا تغفلوا لحظة واحدة. إننا نسير مسيرة جيدة إلى الأمام فلا تسمحوا بأن تتوقف هذه المسيرة. يجب أن لا تخرج هذه الحركة عن مسارها. إننا نتقدّم ويجب أن نواصل

 

 

57


44

خطاب الولي 2010

التقدّم إلى الأمام. بل يجب أن نضاعف من سرعتنا ونزيدها شمولاً ونستوعب بها الساحات التي لم تكن تستوعبها من قبل.

 

وإن واجب أبناء الشعب حيال المسؤولين الثقة بهم ومواكبتهم. الثقة بالمسؤولين ومواكبتهم ليس معناها أن لا ننبّه المسؤولين ولا نلفت نظرهم ولا ننتقدهم حينما تدعو الحاجة إلى النقد، كلا، ولكن لنكن سويّة. إن من أهداف العدوّ زعزعة ثقة الشعب بالمسؤولين في البلاد، هذه حيلة الأعداء، إذن! الواجب العامّ على الجميع - من أوّلنا إلى آخرنا - الحضور في ساحة الثورة وميدان الدفاع عن البلد حيال جبهة الأعداء، ولحسن الحظّ فإن هذه الجبهة اليوم متأخّرة جدّاً عمّا كانت عليه قبل ثلاثين سنة ومشاكلها أكثر. إنّهم متورّطون في أفغانستان وفي العراق وفي باكستان وقد ورّطوا أنفسهم أخيراً في اليمن. لديهم مشاكلهم مع شعوب منطقتنا ومع شعوبهم، ولهم مشاكلهم في أوربا.

 

إن من واجب الجميع الشعور بمسؤولية الحضور في الساحة مقابل جبهة الأعداء هذه. وظيفة المسؤولين هي العمل واغتنام الوقت لخدمة الشعب واغتنام كل لحظة وكل ساعة للعمل وحلّ العقد ومعالجة المشكلات. والواجب العام حيال المسؤولين هو الثقة بهم ومواكبتهم ودعمهم ومساعدتهم. إذا كان لدى أحد وجهة نظر للمساعدة فليذكرها. وإذا كان لدى أحد اعتراض فلا مانع من الاعتراض، ولكن يجب أن لا يتحوّل الاعتراض إلى مجابهة، وإنّما ينبغي أن يكون من قبيل المواكبة كما لو يعترض جندي على صاحبه الذي معه في خندق واحد فيقول له مثلاً لماذا مددت رجلك أو لماذا نمت؟ هذان الجنديان ليسا مقابل بعضهما بعضاً. اعلموا يا أعزائي أنّ يد القدرة الإلهية بحسب القرائن العديدة سند لشعبنا. اعلموا أنّ دعاء إمامنا المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف -ودعاؤه مستجاب- سيشمل شعبنا إن شاء الله. واعلموا أنّ الله تعالى سيُبلغ بتوفيقه وفضله هذا الشعب إلى أهدافه السامية وآماله الكبيرة، وسوف يذلّ أعداءكم. ربّنا عامل هذا الشعب الكبير على قدر إيمانه ونواياه وقلوب أبنائه الطاهرة. اللّهمّ احشر شهداءنا الأبرار وشهداء حادثة آمل وشهداء محافظة مازندران مع أوليائك. اللهم احشر إمامنا الجليل وأرواح الشهداء مع أئمّة الهدى.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

58

 


45

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء أساتذة جامعة طهران

 

 

 

         

المناسبة:   لقاء أساتذة جامعة طهران

الحضور:  وزير العلوم وأساتذة جامعة طهران

المكان:   طهران

 

الزمان:    13/11/1388هـ.ش.

1431/02/17هـ.ق.

2010/02/02م.

         

 

 

59

 


46

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لقاء هامٌ جدّاً ورائع، وخاصّة بعد ما سمعته من السادة، فقد كان ذلك في الواقع مفيداً لي، سواء ما بيّنوه بشأن قضايا العلوم الإنسانية أو فيما يتعلّق بالعلوم الجامعة للفروع والأعمال الدقيقة التي ذُكرت. وسواء فيما يتعلّق بقضايا الزراعة ـ وهنا أطلب منهم حتماً أن يأتوا بالبرنامج الذي تحدّثوا عنه لأراه وأستفيد منه ـ وأيضاً فيما يتعلّق بالعلم وما ذُكر حول الأبحاث. وما قدّمه الدكتور رهبر رئيس الجامعة المحترم من تقارير كان مفيداً جداً وباعثاً على الطمأنينة. ما أجمل أن يُعرض هذا التقرير المتعلّق بالتطوّرات على الرأي العام. ففي الواقع إنّ الرأي العامّ هنا لا يعلم مدى مشاركة الجمهورية الإسلامية خلال السنوات الثلاثين الماضية في مجال العلم والبحث وكم جامعاتنا المنتشرة في أنحاء العالم، وكيفية الأعمال والمقالات العلمية والاختراعات. فمنذ بداية الثورة روّج مخالفوها وأعداؤها الأكاذيب وزخرفوها بأشكال عديدة فيما يتعلّق بمخالفة الثورة للعلم. في حين أنّ الثورة قامت على أساس العلم، حيث سنتعرّض هنا بشكلٍ مختصر للأمر. لهذا من المناسب أن تُنشر هذه الإحصاءات. حسناً، إنّ هذه الفرصة بالنسبة إلي فرصة جيدة جد، فأنتم تمثّلون مجموعة خاصّة، مجموعة المدراء والنخبة والفاعليات المؤثرة في أفضل جامعات البلاد، أي جامعة طهران، التي ينبغي أن نقول عنها إنها جامعة إيران، وقد كانت دوماً ملهمة ومتقدّمة، وسوف تحقّق المزيد إن شاء الله. تشرّفنا أيضاً مجموعة من مسؤولي هذه الجامعة. لهذا فإنّ هذه فرصة جيدة جدّاً لكي نستمع ونتكلم.

 

أذكر هنا جملة حول اقتراح السيّد الدكتور رهبر، وهي قضيّة الدكتوراه الفخرية، حسناً، لا شكّ بأنّ من دواعي الفخر أن تُظهر هذه الجامعة مثل هذه المحبة لنا، لكنني لست أهلاً للدكتوراه، فكوني طالب علم يكفي. ولو استطعنا أن نلتزم بميثاق

 

 

60

 


47

خطاب الولي 2010

الطلبة ونبقى ثابتين عليه ـ حيث عاهدنا الله تعالى قولاً وفعلاً على هذا الميثاق من أيام الحداثة والشباب ـ إذا أعاننا الله واستطعنا أن نحافظ على هذا الميثاق ونتقدّم في نفس عالم الطلبة هذا، فإنني أرجح ذلك. على كلّ هذا من لطفكم، وهذا بالنسبة لي مدعاة للفخر، لكنني لا أقبل اقتراحكم. دمتم إن شاء الله موفقين ومؤيدين.

 

أستعرض هنا عدّة مطالب. لا شكّ بأنها أمورٌ تعرفونها وأنتم في هذه القضايا أصحاب رأيٍ، وإنّني أعتمد على هذه القضايا منذ سنوات، غاية الأمر أنه ينبغي أن نعمل أكثر، فإننا متأخّرون. فيجب أن نعترف بأننا متأخّرون، فقضيّة دولتنا وثورتنا ونظام الجمهورية الإسلامية في عالم اليوم ليسا متعلّقين بدولة أو شعبٍ من بين عدّة مئات من الشعوب الأخرى.

 

تتعلّق بقناعتنا بالواحد بالمئة في غيرها من القضايا. فنحن لدينا رسالة. إيران الإسلامية لها رسالة لا شكّ بأنني في بعض الأحيان أذكر في محضر تجمّع ما أنّ أرضنا تمثّل واحداً في المئة من مجموع دول العالم، وعدد سكاننا يقارب الواحد بالمئة من المجموعة البشرية في هذا العالم، ولكنّ القضية لا تتعلّق بقناعتنا بالواحد بالمئة في غيرها من القضايا. فنحن لدينا رسالة. إيران الإسلامية لها رسالة أكبر من هذه الكلمات. لا علاقة للأمر بفتح البلاد والهيمنة أبداً. فلا يَرد في خاطر أيّ مسلم أن يكون فاتحاً للبلدان، بل القضيّة قضيّة الرسالة تجاه البشريّة. فالبشريّة اليوم وكذلك في الأزمنة الماضية تعاني من ابتلاءات كبرى. مثلما أنّ لكل واحد منّا مسؤوليات مشتركة تجاه أسرته ومدينته ووطنه. وإذا كنّا نستطيع أن نفعل شيئاً لبلدنا ولم نفعل نكون قد ارتكبنا ذنب، فإذا كنا نستطيع أن نزيل غبار الهم عن وجه شعبنا ولم نفعل فقد ارتكبنا معصية، ونفس هذه القضية موجودة بشأن البشريّة. فلو رأينا أنّ الناس في العالم يعيشون تحت ظلّ نظامٍ سياسيّ باطل وقمعيّ وكنّا قادرين على أن نتقدّم خطوة من أجل نجاتهم ولم نفعل فنكون قد أذنبنا.

 

فإذا رأينا أنّ قسماً مهماً من سكان العالم يعانون من الجوع والفقر والعوز وهم غرضٌ للبلاءات، وكنّا قادرين على أن نفعل شيئاً ولم نفعل فإن هذا يُعدّ ذنباً. وبهذه النظرة ينبغي أن نتطلّع إلى قضايا البشريّة وقضايا العالم. إذا كان هذا الأمر هكذا

 

 

61

 


48

خطاب الولي 2010

ينبغي أن يكون هناك بلدٌ مقتدر، فينبغي أن يكون الشعب والدولة ومؤسسات النظام والبلد قوية ومقتدرة. إذا لم نكن مقتدرين فإنّ القوى العالمية ستؤثّر فينا، ولن يبقى مجالٌ لكي نؤثّر حتّى في جيراننا أو مواطنينا، فماذا بشأن كلّ البشر؟ يجب الحصول على القدرة. ولا شكّ بأنّ هذه القدرة ليست في الآلات العسكرية. حتّى أنّها ليست في القدرة على الإنتاج والتقدّم التكنولوجيّ.

 

فما هو مهمٌّ بالدرجة الأولى في إيجاد القدرة الوطنية هو بنظري شيئان: أحدهما العلم والثاني الإيمان. فالعلم أساس القدرة، سواء اليوم أو على مر التاريخ، وسوف يبقى الأمر كذلك في المستقبل. إنّ هذا العلم يؤدّي أحياناً إلى ابتكارٍ أو اختراعٍ ما وفي بعض الأحيان لا يكون كذلك. وكذلك المعرفة فإنها أساس الاقتدار، وهي تخلق الثروات، وتؤدّي إلى الاقتدار العسكريّ والسياسيّ.

 

فقد ورد في رواية: "العلم سلطان من وجده صال به، ومن لم يجده صِيل عليه"[1].

 

أي أنّ للقضية بعدين: إذا كنتم تمتلكون العلم يمكن أن تكون لكم الكلمة العليا واليد العليا وإذا لم تمتلكوا ذلك فلا تُوجد حالة وسطى، فالذي يمتلك العلم تكون له اليد العليا عليكم، وسوف يتدخّل في ثرواتكم وفي مصيركم. وإن كنوز المعارف الإسلامية مليئة بمثل هذه الكلمات..

 

الآخر: هو الإيمان، حيث إنّ بحث الإيمان له شأنٌ آخر ويحتاج إلى بحثٍ مفصّل بناء عليه يجب الاعتماد على العلم.

ما ذُكر حول التطوّرات، فإنّه مهمٌّ جد، ففي ظلّ الحرية والحرية الفكرية الناشئة من الثورة الإسلامية تحقّقت هذه الأمور. وإلّا لو كنتم تعيشون في ظل نظامٍ دكتاتوريّ في عصر الطاغوت، فمن المؤكد أنّه لم يكن ليتحقّق هذا لنا، أي أن مرور الزمان ما كان ليعطينا هذا التطوّر. ولكان الاستبداد ولكانت التبعية. وأحياناً يكون استبداد ولكن يكون في ظله تطوّر، على سبيل المثال نابليون الذي كان دكتاتوراً كان يؤسّس المعاهد الثقافية وقد تحقّق في عهده الذي امتدّ لمدة خمس عشرة سنة تقريباً تطوّراتٌ علمية كبرى، لعلّه لم تكن لتتحقّق من بعده لسبعين سنة. ولا زالت هذه التطوّرات إلى اليوم أساساً لافتخار الفرنسيين. ولقد كان نابليون في النهاية رجلاً ذكياً ومتحمّساً وعاملاً


 


[1] ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله، شرح نهج البلاغة، تحقيق وتصحيح محمّد أبو الفضل إبراهيم، نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي، إيران - قم، 1404هـ، ط1، ج20، ص319.

 

 

62


49

خطاب الولي 2010

مجدّاً وفاهماً وكان يصطحب دوماً الرجال الأذكياء. ولكن هناك وقتٌ تكون نفس هذه الدكتاتورية مصحوبة بالتبعية وبصفات العبيد. وهذا ما كنا نعاني منه لسنوات متمادية، فقد كان الأمر في العصر البهلويّ على شكل معين وفي العهد القاجاري على شكلٍ آخر. لقد كنّا في العهد القاجاريّ تابعين بنحو ما، أي أنه قبل عصر بروز الاستعمار الذي كان يحكمنا فيه أمثال ناصر الدين شاه فإنّنا كنّا أيضاً وللأسف خاضعين. إنّ هذه الحالة من الاستبداد والدكتاتورية تسلب الحرية من الناس. ثم جاء زمن التبعيّة الذي كانت تُفرض فيه السياسات الأجنبية على الدولة. فلو كان هناك استبداد وتبعيّة لما كنّا لنتقدّم. إن التطوّر الحاليّ الذي قد بدأ ناشئٌ من الثورة الإسلامية. إذا كان لهذا التطور أن يستمر فلا بدّ من العمل والسعي، وعلينا أن نبذل الكثير. وإنّ للجامعة في هذا المجال دوراً أساساً.

 

والآن لا بأس بأن أذكر هذا الأمر بشأن جامعة طهران خاصة. فرغم أنّني لست منتسباً إلى الجامعة ـ وكان أحد السادة يقول إنّني جامعيّ، أنا لست كذلك ـ لكنني ارتبطت بالجامعة وطلّاب الجامعات والجامعيين منذ زمن بعيد. لقد كان لي عملٌ في جامعة طهران في بعض المناسبات، وكنت آتي إلى الجامعة، وكنت أشعر أنّني دخلت إلى أجوائي الخاصة. مع أنّ الجوّ المحيط من حيث مظاهر تلك الأيام لم يكن متناسباً مع لباسنا وعمامتنا أو أي شيء آخر، ولكنّ الإنسان كان يشعر بأنه قد دخل في جوّ يخصّه. وكان بعض الأصدقاء الآخرين من أشباهنا يشعرون بنفس هذا الأمر. ولعلّ هذا ما أدّى إلى أن يختار العاملون والمسؤولون عن أمور استقبال الإمام بعد أن تمّ تأخير مجيئه في مثل هذه الأيام أن يختاروا جامعة طهران كمحلّ للتحصّن. لم يكن هذا محض صدفة، بل كان مؤشراً على نوعٍ من الارتباط المعنويّ والروحيّ مع الجامعة، وخصوصاً هذه الجامعة.

 

إنّني لا أنسى ذلك اليوم حيث جئت مع المرحوم الشهيد بهشتي وشخصين آخرين ودخلنا من الباب الشرقيّ للجامعة. وأحد الأصدقاء الأعزاء والعلماء المحترمين الذي يشرّفنا اليوم ـ بحمد الله ـ ذهب قبلنا إلى هناك وقام بالتنسيق حيث فتحوا الباب الشرقيّ للجامعة ـ لأنّ الباب الجنوبيّ الذي هو البوابة الرئيسية لم يُفتح لنا ـ ودخلنا

 

 

63

 


50

خطاب الولي 2010

منه إلى الجامعة ثم ذهبنا إلى داخل مسجد الجامعة وأنا ذهبت إلى الغرفة التي هي خلف المسجد وكانت غرفة صغيرة لا أعلم إذا كانت موجودة لحدّ الآن ـ واستقررنا هناك وبدأنا بإعداد نشرة التحصّن من اليوم الأول. كنّا نصدر نشرية، وقد نشرنا الأعداد الأولى منها من هناك، نشرة التحصّن. فهذا الأنس وتلك الروابط لا زالت متجذّرة في الأذهان وموجودة في الذكريات. كنّا نثق بالجامعة وننظر إليها نظرة إيجابية، وكذلك كانت الجامعة تمثّل لنا حالة من القرابة والضيافة. ولعلّه بحسب الظاهر ولهذا السبب اختيرت جامعة طهران محلاً لصلاة الجمعة، فقد كان أحدنا قادراً على أن يعمل بطريقة أخرى.

 

فصار مكان صلاة الجمعة في الملعب الأخضر لجامعة طهران، وهو إلى اليوم ملاذ ومرجع الناس في أيام الجمعة مع تلك الدوافع المعنوية، وهذا أمرٌ في غاية الأهميّة.

 

في السنة الأولى والثانية للثورة كنت أذهب كلّ أسبوع إلى جامعة طهران وألتقي بالطلّاب وأحاورهم. وقد استمرّ مثل هذا الحضور في مسجد الجامعة لعلّه لأكثر من سنة. كنّا نأتي إلى جامعة طهران ونتحدّث في المسجد مع الطلّاب ونجيب عن أسئلتهم. فبحمد الله إنّ جامعة طهران بالإضافة إلى أنّها من الناحية العلميّة محورٌ ومركزٌ وأنّها تقف في الريادة قطعاً، فإنّها من الناحية الدينية والمعنوية والإيمانية -أي الركن الثاني- مركزٌ يُشار إليه بالبنان، فعلينا أن نغتنم هذا ونقدّره.

ما أريد أن أذكره هنا هو أنّه لو كان للعلم هذا المقدار من الأهمية التي ذكرناها فإنّ جامعة طهران ينبغي أن تضاعف من تقدّمها في مسألة العلم، ينبغي أن تتراكم الأعمال المنجزة وتزداد.

 

والحديث وصل إلى الاختراعات، حيث إنّه قد أُنجز بعض هذه الاختراعات والابتكارات. ولعلّني مطّلعٌ أكثر على التطوّرات، فكثيراً ما يصلني تقارير مختلفة من أماكن متعدّدة. ولكنّني في الواقع لست راضياً، وهذا المقدار من التطوّر العلميّ غير مرضٍ. بالطبع إنّ هذه أمور لا أذكرها إلّا في مثل هذا الجمع. فعندما نقول إنّنا غير راضين عن هذا المقدار من التطوّر فلا يعني أنّنا كنّا قادرين ولم نفعل، كلّا، فربّما لا يوجد مقصّرٌ واحد، ولعلّه لا يمكن القيام بأكثر من هذا. فمن الممكن أن يكون واقع

 

 

64


51

خطاب الولي 2010

الأمر كذلك، ولكن نفس هذا الواقع بالنسبة لي ليس مرضياً حتم، فلا زلنا بعيدين جداً عن الهدف الذي ينبغي أن نصل إليه. وإنني لا أنتظر الكثير. ولا أقول إنّه ينبغي حتماً أن نكون خلال عشر سنوات أو عشرين سنة في الصفّ الأوّل من حيث المستوى العلميّ العالميّ ـ الآن لا أقول في الصفّ الأوّل ـ لكن هدفنا هو هذ، ولو أخرجنا خلال خمسين سنة هذا البلد من الأسر العلميّ بشكلٍ مطلق. فإنتاج العلم يعني هذا.

 

إنّ العلم ليس منتجاً كباقي المنتجات، فهو يتطلّب مقدّمات كثيرة، ولكن في النهاية ينبغي أن نصل إلى حيث ننشر العلم ونوسّعه ونعمّقه ونبتكر علوماً جديدة. والعلوم ربّما لا تنحصر فيما هو موجود الآن بين الناس، هناك الكثير من العلوم الموجودة في الواقع حتماً وسوف تصل البشرية إليه، مثلما أنّ الكثير من العلوم لم تكن قبل مئة سنة. إنّ الكثير من هذه العلوم الإنسانية التي تمّت الإشارة إليها لم يكن قبل مئة سنة لها أن، لم يكن هناك علم ولا تحقيقات علميّة في تلك الفروع، وفيما بعد وُجدت. إن قابليّة الاتّساع عند البشر أكثر من هذه الأمور. وإنّ قابليّة العالم للمعرفة والإدراك أكثر بكثير من هذه الأمور. علينا أن نصل إلى حيث نتقدّم في هذه المجالات مهما أمكن، أن نفهم أكثر، وأن نجعل العلم حتماً وسيلة لسعادة البشرية. فإنّ الاختلاف بين نظرة الدين أي الإسلام إلى العلم مع نظرة العالم المادّي هي في هذا الأمر. فنحن نريد العلم لسعادة البشر وتكاملهم إظهار استعداداتهم واستقرار العدالة التي هي أكبر الأماني البشرية منذ قديم الأزمان.

 

لقد ذكرنا مراراً أنّ أمنية البشر منذ القدم هي استقرار العدالة. ومنذ أقدم العصور والبشريّة تعاني من انعدام العدالة. واليوم لا يوجد في العالم عدالة بل الظلم هو الحاكم: الظلم الحديث، الظلم المسلّح، الظلم الذي لا يقبل المعارضة! اليوم يوجد في العالم أنواعٌ من الظلم لا يمكن للإنسان أن يعترض عليها. فبمجرّد أن يعترض يخنقون صوته بتلك الوسائل التي أنتجها العلم الحديث والإمكانات العلمية، وبواسطة هذه العلوم المتعلّقة بالاتصالات التي تزداد كل يومٍ ابتكاراً، حيث تقمع كلّ صوتٍ معارض. حسناً. أنتم ترون ماذا تفعل الجمهورية الإسلامية اليوم.

 

فماذا تقول هذه الجمهورية؟ وهل تطمع بشيء؟ إنّ كلّ هذا الإعلام وهذه العراقيل

 

 

65


52

خطاب الولي 2010

وهذه المؤامرات على الجمهورية الإسلاميّة من أجل ماذا؟ الجمهورية الإسلامية ليست بصدد فتح البلدان، وليست بوارد أن توجه ضربة إلى الشعوب وأبنائها أو تضرّ به، بل هي داعية للسعادة المعنوية للبشرية، ولديها رسالة لكلّ الإنسانية. وهم يعلمون ذلك، ولهذا فإنّهم يمارسون كلّ هذه الضغوط والتشديد. ومثل هذا الظلم يعمّ العالم اليوم. وعلى العلم أن يحارب هذا النوع من الظلم. الذي نجده اليوم في خدمته.

 

لقد أصبح العلم في عصرنا خادماً لأكثر الناس والمجتمعات ظلماً، ويجب أن يخرج من هذه الوضعية. إنّ نظرة الإسلام إلى العلم هي نظرة الشرف والنظافة والبعد عن الهوى والهوس، هي نظرة التوجّه المعنويّ. فنحن إنّما نريد العلم لأجل هذ، ولهذا ينبغي أن نسعى في هذا المجال.

 

هنا نقطة تبدو بنظري هامّة، وهي أنّه ينبغي القيام بالكثير من الأمور داخل الجامعة فيما يتعلّق بقضيّة الثقافة، ويجب إيلاء هذه القضية أهمية خاصة في المحيط الجامعيّ. لا شكّ بأنّ الرسالة الأساس للجامعة هي العلم. غاية الأمر أنّ هذه الرؤية التي تعرّضنا لها يجب أن تكون موجودة في الطالب الجامعيّ منذ البداية، ومثل هذا العمل ممكنٌ.

 

وقد تفضّل أحد الأخوة قائلاً إنّه ينبغي إيجاد التعاطف بين جميع أفراد المجتمع، حسناً، هذا الأمر مطلوبٌ جداً، ولكنه ليس عملاً سهلاً، ويتطلّب مقدّمات، ولكن ما ذكرناه بشأن التربية الثقافية للجامعيّ منذ البداية عملٌ ممكن، فيمكن للمديريّات الأساس للجامعات أن تحقّق هذا المطلب من خلال التخطيط. ويمكن تحقيقه من خلال الكتب الدراسيّة، وفي اختيار الأساتذة وفي البرامج المتنوعة الّتي توضع للجامعي، غاية الأمر أنّه عملٌ دقيقٌ جداً.

 

فينبغي التوجّه إلى قضية الثقافة برؤية مدبّرة. فإنّ التعلّم يُعد ثقافة. ولو توجّهنا إلى قضيّة الثقافة أو القضيّة الثقافية في الجامعة، لأصبح طلّابنا راغبين ومحبّين للعلم ويسعون نحو العلم والبحث ـ وليس لمجرّد تحصيل الشهادات ـ وكذلك يخرج أساتذتنا من حالة أداء الوظيفة في الصفّ. وفي الكثير من الحالات تصلنا تقارير من الجامعات أنّ دروس بعض الأساتذة أصبحت كأداء الوظيفة، وكأن الأستاذ يأتي ويؤدّي وظيفته

 

66

 


53

خطاب الولي 2010

ثمّ يذهب. في حين أنّ التدريس لا ينبغي أن يكون مشابهاً أداء الوظيفة، بل ينبغي أن يكون عشقاً وحباً للعلم واندفاعاً نحو تربية الطالب.

 

ينبغي أن يتعامل الأستاذ مع الطلّاب بأبويّة وأخويّة ولا يدع الطالب الجامعيّ وحدَه، إنّ هذه الحالة هي التي توجد اليوم لحسن الحظّ في حوزاتنا العلمية، أي أنّ من الأعراف الحوزوية أن يكون الأستاذ مستعداً بشكلٍ تامّ لقبول الطالب وسؤاله وتحقيقه، بل يمدّه بالعون. وبعض الأساتذة حينما يخرجون من مكان الدرس يمشي معهم الطلّاب حتى يصلوا إلى البيت ويجلسون معهم هناك ويسألونهم ويتباحثون معهم لمدة ساعة وأحياناً عدة ساعات على هذا المنوال. فإنّ هذه حالة جيّدة، ومثل هذا الأمر يحتاج إلى التعبئة الثقافية. فإنّ هذا يُعد عملاً ثقافياً ولا يمكن أن يكون من خلال المقرّرات الجامعية.

 

أنتم تعلمون أنّني ألتقي كلّ سنة بالجامعيين والأساتذة المحترمين عدّة مرّات. وفيما يتعلّق ببقاء الأستاذ في غرفته حتى يأتي إليه الطلّاب ويراجعوه بعد الصفّ ويسألوه فقد تحدّثت عن هذا الأمر في مثل هذه الاجتماعات واللقاءات عدّة مرات وأحياناً تعرّض لذلك الطلّاب الجامعيون لذلك مرّات عدّة، وقد أقرّت الحكومة مجموعة من الأمور قبل خمس سنوات تقريباً. حسناً جميعنا نعلم أنّه بالمقرّرات لا يتحقّق العمل بشكلٍ صحيح.

 

فأين يكمن الإشكال في هذا الأمر؟ إنّ الإشكال هو في نفس هذه المشكلة الثقافية، أو فيما يتعلّق بالأبحاث، حيث أشار بعض السادة في كلماتهم إلى وجود الرغبة والحماس للبحث بين رجالنا ونسائنا وأساتذتنا ومحقّقينا. وهذا أمرٌ هامٌّ جدّاً. إنّ أهمّ الاختراعات الّتي تحقّقت على يد الإنسان هي الّتي حصلت من خلال الفحص والبحث والمثابرة والتضحية، ولم تكن من خلال التوصيات والأموال. وأحياناً يكون ذلك الباحث تحت ضغوطٍ صعبة جداً، فيقضي سنوات طويلة لكي يصل إلى تلك النتيجة. ولا شكّ أنّه بعد أن يصل إليها من الممكن أيضاً أن تقبل عليه الشهرة والمال وبقيّة الأشياء، ولكن العامل الأساس يرتبط بالحماس والعشق والرغبة في البحث والتعمّق. فمثل هذه الثقافة لازمة ويجب أن تسري في الجميع. أنتم تعلمون أنّ للشعوب خصائص قوميّة.

 

 

67

 


54

خطاب الولي 2010

بعض الشعوب يتميّز بميزات عامّة وبعضها الآخر يتمتع بخصائص أخرى ترتبط بالتاريخ والجغرافيا والموقعيّة وبعوامل متعدّدة. وينبغي أن نوجد هذه الروحية المتعلّقة بالحماس والشوق والرغبة بالبحث والتحقيق والمثابرة وعدم الملل وعدم التعب في شعبنا. فهذه الروحية قليلة، أليس كذلك؟ وكذلك فيما يتعلّق بالعمل الجماعيّ الذي تحدّثتم عنه. فإنّ مثل هذا العمل الجماعيّ لا يُعدّ من خصائص شعبنا. فأنتم عندما تنظرون إلى رياضاتنا وتقارنوها بالرياضات في أوروبا ستجدونها كذلك. فإنّ رياضتنا القومية هي المصارعة وهي رياضة فرديّة. حتّى فيما يتعلّق بالرياضة الشعبية القديمة التي كانت تؤدّى ضمن حلقات، فإنّ كلّ شخصٍ فيها يقوم بالحركات بنفسه.

 

أنتم تعلمون أنّه عندما يأتون إلى حلبة رياضة "الزورخانة"[1] فإنّهم لا يرغبون بالعمل بصورة جماعيّة بل يؤدّون بعض الحركات معاً ثمّ يأتي كلّ شخص ليقوم بدوره، وليست كرة القدم ولا كرة اليد كذلك، حيث يكمّل كل شخص عمل الآخر، لهذا فإن العمل ليس عملاً جماعياً. وهذا من النقائص القومية فين، يجب إصلاح هذا الأمر حتى يسري في الجميع. هذا العمل مسؤوليّة من؟ إنّه مسؤوليّة الجامعات. إنّ على الجامعة بالإضافة إلى العلم أن تهتم بقضيّة الثقافة.

 

نحن نستطيع أن نربّي هذا الشابّ الصبور القانع الراغب بالعمل والبحث والعمل الجماعيّ والذي يتجاوز السفاسف ويغلّب عقله على أحاسيسه ويكون منصفاً وعارفاً بالوقت وصاحب وجدان في العمل، ويمكن أن نكون ممن يضخّ فيه عكس هذه الصفات. ففي الواقع إنّ هذا الشابّ الذي يكون بعمر الثامنة عشر أو التاسعة عشر، والذي يصبح بيد الجامعة مستعدٌّ لهذه التربية. ففيما يتعلّق بالمراحل الدراسيّة وخصوصاً الليسانس (الإجازة) وهي المرحلة الأولى يمكن التفكير بهذه القضية في الواقع والتخطيط لها. ويمكنكم أن توجدوا جيلا يمتلك هذه الخصائص الأخلاقية. وهذا ما يتطلّب تخطيط، ومثل هذا الأمر لا يتحقّق بالملصقات والمقرّرات وأمثالها.


 


[1] رياضة إيرانية شعبية و تراثية.

 

68


55

خطاب الولي 2010

ولأنّكم تحتاجون إلى التخطيط للأمور العلميّة، وينبغي أن يكون التخطيط بصورة شاملة وعمومية، فينبغي أن يكون الأمر كذلك بالنسبة لهذا العمل. فيجب أن تكون البرامج شاملة وعمومية داخل الجامعات، إن هذا الشيء ليس من الأمور التي تُنجز خارج الجامعات ثم تُبلّغ بها الجامعات، وليس قراراً بحيث يؤدّي إلى إنجاز الأعمال، بل ينبغي أن ينبع من داخل الجامعات. إنني أذكر هذه الأمور من أجل أن توجد هذه الأرضية والذهنية إن شاء الله ويتمّ العمل على القضيّة الثقافية في الجامعات.

 

لا شكّ أنّ قسماً هامّاً من العمل الثقافيّ هو عمل دينيّ، الأنس بالدين والعبادة والالتذاذ بها. وفي الواقع إنّ من مساوئ العصر البهلويّ أنّهم أوجدوا القطيعة بين الفئة المتعلّمة في ذلك الزمان والقضايا الدينية، فقطعوهم عن القرآن والصحيفة السجادية وفصلوهم عن نهج البلاغة. وقد استمرّت هذه الحالة تقريباً بعد الثورة. ولا شكّ بأنّ جيلاً واحداً كان يمكنه أن يقوم بالكثير من الأعمال خلال هذه السنوات الثلاثين منذ بداية الثورة، لكننا استمررنا على ذلك المنوال.

 

أصدقائي الأعزّاء! إنّني أقول لكم أنّ للأنس بالقرآن والتدبّر فيه وكذلك التدبّر في الأدعية المأثورة المعتبرة في الصحيفة السجادية والكثير من الأدعية لها دوراً كبيراً في تعميق المعرفة الدينية. فتعميق المعرفة الدينية أمرٌ هامٌ جداً. فقد يأتي شخص بدافع العواطف ويشارك في صلاة الجماعة والاعتكاف ومجالس العزاء الحسينية وفي بعض المظاهرات الدينية، لكنّه يكون فاقداً لهذه المعرفة في عمق وجوده، لهذا نراه عند أوّل منعطف وعند أوّل مطب تزلّ قدمه وينحرف. ولدينا مثل هذا الكثير. فداخل هذه المجموعات الثورية وفي بداية الثورة كان هناك من يبدو أكثر تديناً والتزاماً وتعهداً منّا نحن أصحاب الّلحى والعمائم، وكان يبدو أكثر تعصّباً بشأن الدين، وبعدها بمجرّد أن يصطدم بمطبّ واحد يفقد السيطرة وينحرف! ومن الواضح أنّه لم يكن يمتلك قاعدة صلبة وأرضية محكمة. لهذا فإنّ تعميق المعرفة الدينية أمر في غاية الأهمية، والأنس بالمعارف الإسلامية مهمّ جدّاً. هذا أحد أقسام العمل الثقافيّ الذي ينبغي أن يُرَّوج وينتشر. وهذا يحتاج إلى متولٍّ وأنتم متوَلُّوه، وليس مَن سواكم. أي أنكم كمدراء ورؤساء للمجموعات التحقيقية تمثّلون أولياء هذا العمل. ولا يمكن القيام بهذا العمل

 

 

69

 


56

خطاب الولي 2010

بشكلٍ إداريّ ليتمّ نقله إلى مركز أو محيط علميّ، فعليكم أن تجلسوا وتفكّروا بهذا الصدد، فهذه الأمور مهمّة جدّاً.

 

وهناك نقطة أخرى ترتبط بالسياسة في الجامعات. أنتم تعلمون أنّني ومنذ البداية كنت أعتقد أنّ الروحية السياسية ينبغي أن تكون حيّة في الجامعة، فهذا الأمر يمنح الشباب نشاطاً. ونحن نحتاج إلى الشباب النشطاء. إنّ الجامعة الّتي تبتعد عن السياسة وتتجنّبها بشكل تامّ سوف تخلو من الحماس والنشاط، ستصبح مكاناً تنمو فيه الميكروبات الخطرة على صعيد الفكر والسلوك.

 

لهذا فإنّ من المناسب بل يجب أن تكون السياسة موجودة في الجامعة، غاية الأمر أنّ تسييس الجامعة أو وجود السياسة في الجامعة لا ينبغي أن يشتبه علينا. فهذا لا يعني أن تصبح الجامعة محلاً تستغلّه التيارات السياسية والجماعات السياسية والعناصر السياسية من أجل أغراضها السياسية. هذا لا ينبغي أن يحدث، بل ينبغي منعه.

 

أي إنّ هذا أمرٌ آخر ينبغي أن يكون ضمن الإدارة، ويجب عليكم أن تُعملوا سلطتكم، فلا تسمحوا له بأن يحدث بهذا الشكل. ولو حدث، فستخسرون الطالب الجامعيّ ويأتي المستغلّون ليقوموا بعملهم. هناك أمثلة وتشبيهات كثيرة يمكن أن نستخدمها في هذا المجال، لكن لا أريد التوضيح أكثر. مثلاً يجعلون هذا الشابّ وسيلة للسرقة من البيت ونحن نتفرّج، هذا لا يصحّ. وهو ما يتطلّب التخطيط خاصة في جامعة طهران. إنّ جامعة طهران بسابقتها ووزنها ومفاخرها تتربّع على القمّة على صعيد جامعات البلد. وهي كذلك في هذه المجالات.

 

 وبالطبع لم يكن لدينا في تلك الأزمنة سوى عدّة جامعات، وكان عددها في البلد قليلاً جد، ولم يكن هناك من خبرٍ داخل الجامعات. فبعض كليات جامعة طهران خاصة كان مكاناً حسّاساً لناحية إظهار الميول والأعمال السياسية ولا زال الأمر كذلك إلى يومنا هذا. ينبغي أن تنتبهوا حتّى لا يتحوّل هذا الجوّ إلى وسيلة للمستغلّين ولأغراض الأعداء.

 

ونجد بعضهم يتحسّس من كلمة العدوّ ومن أنّنا نستخدم هذه العبارة ونكرّرها. حسناً نحن نكرّرها ولا زال بعضهم في غفلة ولا يفهم ماذا يريد هذا العدو أن يفعل

 

 

70

 


57

خطاب الولي 2010

بهم، فمع كلّ ما نقوله لا يحصل شيء، فلو لم نقل ماذا كان سيحدث؟ أنتم تلاحظون في القرآن الكريم، كم أنّ الله تعالى قد أتى على ذكر اسم الشيطان وأوليائه واسم إبليس، وكم ذكر اسم فرعون ونمرود وقارون وأعداء النبيّ في زمن بعثته وتكرّر ذلك فيه.

 

قصّة إبليس والشيطان ذُكرت في القرآن مراراً. وكان من الممكن أن نقول يكفي مرّة واحدة للاطّلاع. إنّما كان ذلك لكي لا يُغفل عن كيد العدوّ. وهذا أمير المؤمنين عليه السلام يقول: "ومن نام لم يُنم عنه"[1]. فإذا استولى عليكم النوم في خندقكم، فلا يعني ذلك أنّ العدوّ كذلك. فمن الممكن أن تكون نائماً وعدوك متيقظ، وعندها سوف يقضي عليكم. ولا ينبغي أن نغفل ومع ذلك نرى أن الغفلة مسيطرة.

 

لقد حدثت الغفلة في الواقع في هذه القضايا التي حصلت بعد الانتخابات، وكانت غفلة كبيرة. وأنا أقول الآن غفلة لأنني أبني على حسن الظنّ، فأنا لست إنساناً سيّئ الظنّ بل إنّني أحسن الظنّ بالناس.

 

فبمجرّد أن انتهت الانتخابات، في اليوم التالي قاموا بتلك الأفعال السيّئة، وها هم اليوم يحصدون ما زرعوه. فلماذا تتمّ دعوة الناس إلى الشوارع من أجل الاعتراض على الانتخابات؟ أي منطق هذا؟ ولماذا تدْعون الناس إلى الشوارع؟ وهل أن قضيّة الانتخابات التي هي قضيّة بهذه الدقّة والأهميّة يمكن حلّها في الشوارع؟ وهل أنّ هذا لتشكيل قوى الضغط؟ هذه غفلة كبرى.. ومن الطبيعيّ أنه عندما يحدث الأمر هكذا سيُوجدون للعدو مأمناً، سيُوجدون لمن يريد إحداث الفتن والاضطرابات مأمن، هذه هي الغفلة.

 

في السياسة تكون الغفلة أحياناً مثل الخيانة من حيث الأثر أي إنّه في الواقع عندما تقومون بالرماية وتصيبون شخصاً وقد لا تكونون متعمّدين.

 

نعم هي لن تؤثّر في النهاية.. فالرصاصة أصابت قلبه وسقط صريعاً سواء كنتم متعمّدين أو غير ذلك. تصوّرتم أنّ هذا هو المرمى.. ولكنّكم أصبتم صدر إنسان. وأحياناً تكون الأخطاء هكذا. فالذي يخطئ قد اخطأ ولا يؤثّر في النهاية ولكنّه قام


 


[1] الرضي، السيّد أبو الحسن محمّد بن الحسن الموسوي، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ Q)، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، لا.ن، لبنان - بيروت، 1387ه - 1967م، ط1، ص452.

 

 

71


58

خطاب الولي 2010

بهذه الضربة. واليوم إذا أردتم أن تحصّنوا المحيط الجامعيّ من هذا الضرر فماذا تفعلون؟ هذا أمرٌ هامّ جدّاً: توجيه الطالب وتوجيه بعض الأساتذة.

 

وهكذا ترون أنّ القضيّة العلميّة بالتفاصيل التي ذكرناها مراراً في الجامعات، وما ذكره السادة اليوم هي قضيّة بهذه الأهميّة. وكان لطيفاً ذكر هذه المطالب المتعلّقة بالقضايا العلميّة فإنّها مورد تأييدي وثقتي. والقضيّة الثقافية والقضيّة السياسيّة هما بالنسبة لي قضيّتان مهمّتان جدّاً. ولا شكّ بأنّها لا تتعلّق بجامعة طهران فقط وإنّما هي على مستوى جامعات البلد. لكنّ جامعة طهران هي القمّة. فعندما تفعلون شيئاً أو تنجزون شيئاً سيكون بالطبع قدوة، وإن شاء الله تحافظون على هذه القدوة.

 

أسأل الله أن يوفّقكم ويؤيّدكم، فأنتم تستطيعون أن تنجزوا الأعمال الموكلة إليكم وكذلك نحن. بعون الله كلّ شيء ممكن وكلّ شيء ميسّر بالهمّة والعزم الراسخ. ولحسن الحظّ قد جرّبنا مثل كلّ هذه الأمور طيلة هذه السنوات وفي شتّى المجالات، سواء على الصعيد السياسيّ أو العلميّ أو غيرهما من المجالات. أينما دخلنا وكان لدينا العزم الراسخ والثقة بالله فإنّ الله تعالى فتح أمامنا الأبواب. وإنّنا نأمل بمشيئة الله أن تكون عشرة الفجر هذه مباركة عليكم وعلى الشعب الإيرانيّ ونسأل الله أن يحشر الأرواح المطهّرة لإمامنا والشهداء مع أوليائهم ويرضي عنّا القلب المقدّس لوليّ العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

72

 


59

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء المنتسبين إلى القوّة الجوّيّة

 

 

 

المناسبة:   يوم القوّة الجويّة

الحضور:  جمع من المنتسبين إلى القوّة الجوّيّة في جيش الجمهورية الإسلامية

المكان:   طهران

 

الزمان:    1388/11/19هـ.ش.

1431/02/23هـ.ق.

2010/02/08م.

 

74


60

خطاب الولي 2010

أهلاً ومرحباً بكم كثيراً أيها الأعزّاء القادة والضبّاط والمجاهدون في جبهة هامّة جدّاً من جبهات الجهاد لأجل الثورة. يوم التاسع عشر من بهمن يوم مهمّ جدّاً في تاريخ الثورة. في تلك الحادثة الكبيرة التي سمع بها أكثركم أيّها الشباب، وشاهدناها نحن بأعيننا لم يكن هناك من دافع سوى الدافع الإلهيّ والإخلاص، لذلك تركت هذه الحادثة في وقتها أثراً بالغاً وبقيت خالدة في التاريخ. هذه هي ميزة العمل الإلهيّ المخلص.. يبقى ويؤثّر، ولن تكون آثاره مختصّة بالزمن الذي يقع فيه، بل سيكون له تأثيره المستمرّ والدائم. هكذا هو العمل الإلهيّ. يوم جاء منتسبو القوّة الجويّة إلى مدرسة «علوي" وبايعوا الإمام وحطّموا سداً واقتحموا خطاً سياسياً كبيراً لم يكن بانتظارهم منصب ولا موقع ولا مال ولا حتّى مدح وثناء. ما كان في انتظارهم هو ربّما الخطر والتهديد. إذن لم يكن من دافع سوى الدافع الإلهيّ. يومذاك أثّرت هذه الحادثة الإلهيّة ولا تزال بعد مضيّ واحد وثلاثين عاماً تترك أثرها في المجتمع

.

هذه الأيام أيام العشرة الأخيرة من صفر، أيام ما بعد الأربعين.

 

إذا نظرنا إلى تاريخ صدر الإسلام فسنجد أنّ هذه الأيام هي أيّام السيّدة زينب الكبرى عليها السلام. والمهمّة التي نهضت بها زينب الكبرى عليها السلام كانت هامّة جدّاً، إنّها مهمّة خالصة لوجه الله تعالى. ظهر الكيان المعنويّ والإلهيّ للدين في الشخصية الحاسمة للسيدة زينب الكبرى عليها السلام وسط الأخطار والمحن والصعاب. من المناسب أن نعلم ونفهم سطور التاريخ القديم القيّم جداً والذي لا يزال يفيض إلى اليوم بالبركات والخيرات الفكرية والمعرفية وسيبقى كذلك إلى آخر الدنيا إن شاء الله.

 

تألّقت السيّدة زينب عليها السلام كوليّ إلهيّ في المسير إلى كربلاء مع الإمام الحسين عليه السلام، وفي حادثة يوم عاشوراء وتحمّلها تلك الصعاب والمحن، وأيضاً في أحداث ما

 

 

76

 


61

خطاب الولي 2010

بعد استشهاد الإمام الحسين بن علي عليه السلام حيث قامت برعاية تلك الجماعة المتبقيّة من الأطفال والنساء.. تألّقت بشكل لا يمكن أن نجد له نظيراً على مرّ التاريخ. ثمّ في الأحداث المتتابعة خلال فترة الأسر، في الكوفة والشام وإلى هذه الأيام وهي أيام نهاية هذه الأحداث وابتداء مرحلة جديدة للحركة الإسلامية وتقدّم الفكر الإسلاميّ والمجتمع الإسلاميّ. وبسبب هذا الجهاد الكبير اكتسبت زينب الكبرى عليها السلام عند الله تعالى مقاماً لا يمكننا وصفه.

 

لاحظوا أنّ الله تعالى يضرب في القرآن الكريم مثلَ امرأتين للنموذج الإيمانيّ المتكامل، ويضرب المثل للكفر أيضاً امرأتين ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا﴾[1]، هذان هما المثالان على الكفر وهما امرأتان كافرتان.

 

أي إنّه لا يسوق المثل للكفر من الرجال بل يأتي به من النساء. وهذا ما نجده في باب الكفر وفي باب الإيمان أيضاً. ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ﴾[2] أحد المثالين على النموذج الإيمانيّ المتكامل هو امرأة فرعون والمثال الآخر السيّدة مريم الكبرى "ومريم ابنة عمران".

 

مقارنة عابرة بين زينب الكبرى وبين زوجة فرعون يمكن أن تبيِّن لنا عظمة مقام السيّدة زينب الكبرى. عُرّفت زوجة فرعون في القرآن الكريم بوصفها نموذج الإيمان للرجال والنساء على مرّ الزمان وإلى آخر الدنيا، ثم لكم أن تقارنوا بين زوجة فرعون التي آمنت بموسى وانشدّت إلى تلك الهداية التي جاء بها موسى حينما كانت تحت ضغوط التعذيب الفرعونيّ والذي توفيّت بسببه حسب ما تنقل التواريخ والروايات، التعذيب الجسمانيّ جعلها تصرخ: ﴿إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ﴾[3] طلبت من الله تعالى أن يبني لها بيتاً عنده في الجنّة.. والواقع أنّها طلبت الموت وأرادت أن تفارق الحياة، ﴿وَنَجِّنِي مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ﴾.

 

أنقذني من فرعون وأعماله المضلّة. والحال أنّ السيّدة آسيا زوجة فرعون كانت مشكلتها


 


[1] سورة التحريم، الآية 10.

[2] سورة التحريم، الآية 11.

[3] سورة التحريم، الآية 11.

 

 

77


62

خطاب الولي 2010

وعذابها ألماً جسمانياً، وبين السيّدة زينب التي فقدت عدّة إخوة وابنين من أبنائها وعدداً كبيراً من الأقارب وأبناء الإخوان ساروا أمام عينيها إلى مقاتلهم. هذه الآلام الروحيّة الّتي تحمّلتها زينب الكبرى لم تتعرّض لها السيّدة آسيا زوجة فرعون.

 

رأت السيّدة زينب بعينيها يوم عاشوراء كلّ أحبّتها يسيرون إلى المذبح ويُستشهدون: الحسين بن عليّ سيّد الشهداء عليه السلام والعبّاس وعليّ الأكبر والقاسم وأبناءها هي نفسها وباقي إخوانها رأتهم كلهم. وبعد استشهادهم شهدت كلّ هذه المحن: هجوم الأعداء وهتك الحرمات ومسؤولية رعاية الأطفال والنساء. فهل يمكن مقارنة عظمة وشدّة هذه المصائب بالمصائب الجسمانية؟ ولكن مقابل كلّ هذه المصائب لم تقل السيّدة زينب لله تعالى: "ربّ نجّني"، بل قالت يوم عاشوراء: "ربّنا تقبّل منّا".

 

رأت الجسد المبضّع لأخيها أمامها فتوجّهت بقلبها إلى خالق العالم وقالت: "اللهمّ تقبّل منّا هذا القربان". وحينما تُسأل كيف رأيتِ صنع الله؟ تقول: "ما رأيت إلّا جميلاً"[1].

 

كلّ هذه المصائب جميلة في عين زينب الكبرى لأنّها من الله وفي سبيل الله وفي سبيل إعلاء كلمته. لاحظوا هذا المقام المتقدّم وهذا العشق للحقّ والحقيقة كم هو الفارق بينه وبين ذلك المقام الذي يذكره القرآن الكريم للسيّدة آسيا. هذا دليل على عظمة مقام السيّدة زينب. هكذا هو العمل في سبيل الله. لذلك بقي اسم زينب وعملها إلى اليوم نموذجاً خالداً في العالم. بقاء دين الإسلام وبقاء سبيل الله وبقاء السير في هذا السبيل من قبل عباد الله يعتمد كله على العمل الذي قام به الحسين بن عليّ عليه السلام وما قامت به السيّدة زينب الكبرى عليها السلام. أي إنّ ذلك الصبر العظيم وذلك الصمود وتحمّل كلّ تلك المصائب والمشكلات أدّى إلى أنّكم ترون اليوم القيم الدينية هي القيم السائدة في العالم. هذه القيم الإنسانيّة كافّة الّتي نجدها في المدارس المختلفة والمتطابقة مع الضمير البشريّ هي قيم نابعة من الدين. هذه هي خصوصيّة العمل لله.

 

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 45، ص 116.

 

78


63

خطاب الولي 2010

وقد كان العمل للثورة من هذا السنخ. لذلك خلّدت الثورة واستمرّت وأحرزت ثباتاً واقتداراً معنوياً حقيقياً. كانت هذه الثورة ثورة لله. يوم انطلقت هذه الثورة وبدأت هذه النهضة لم تكن على غرار نهضات الأحزاب أو كأيّ حركة سياسية تقوم بها الأحزاب في العالم وتهدف إلى تولّي السلطة. كانت حركة مظلومة ترنو إلى تطبيق الأحكام الإلهية وتحقيق مجتمع إسلاميّ وتكريس العدالة في المجتمع. الذين جاهدوا من أجل انتصار الثورة والذين صمدوا من أجل هذه الثورة وجاهدوا لكي يتحقّق لها هذا الثبات والاستقرار والاستمرار كانت نواياهم مخلصة.

 

شهداؤكم، شهداء القوة الجويّة، هم من هذا القبيل. شهداء القوّات المسلّحة كلّهم من هذا القبيل. الذين عملوا في سبيل الله وجاهدوا وبذلوا مساعيهم بارك الله في عملهم. الشيء الذي يعجز أعداء الثورة عن إدراكه هو هذه النقطة. الشيء الذي يستطيع أجهزة الاستكبار والصهيونية فهمه هو هذه المسألة لا يستطيعون فهم أن متانة هذا البناء هي بسبب أنه لله، ولأنّه شُيّد على أساس الإخلاص وتقدّم بفضل الجهاد. لذلك استطاعت الثورة والنظام الإسلاميّ الترسّخ في القلوب.

 

انظروا اليوم كم ألف وسيلة إعلامية مرئيّة ومسموعة وأنواع وصنوف الوسائل الإعلامية بأحدث الأساليب تعمل ضد النظام. مئات الأدمغة والأفكار تجلس في الغرف السوداء وتبتكر كلّ يوم كلاماً أو شعاراً أو فكرة أو حيلة ضد هذه الثورة، لكنهم عاجزون عن الإضرار بالثورة والنظام الإسلاميّ. ما السبب في ذلك؟ متانة وصلابة هذا البناء بسبب قيامه على مبدأ الإيمان بالله. الذين ساروا في هذا الدرب إنما قاموا بعمل إلهيّ.

 

هذا النظام لا يشبه سائر الأنظمة. ما من نظام في العالم اليوم تُشنّ ضدّه كلّ هذه الهجمات الإعلامية والسياسية والاقتصادية وتُفرض عليه أنواع الحظر ويستطيع أن يبقى رصيناً متيناً بهذا الشكل. لا يوجد مثل هذا الشيء في العالم. لكن هذا النظام صامد وسيبقى صامداً بعد اليوم أيضاً. ليعلم الجميع هذا. لا أمريكا ولا الصهيونية ولا منظومة المستكبرين والعتاة في العالم ولا الوسائل السياسية ولا الاقتصادية ولا الحظر ولا التهم ولا تحريض العملاء في الداخل تستطيع زعزعة هذه الثورة ولو بدرجة قليلة.

 

 

79

 


64

خطاب الولي 2010

سرّ بقاء هذه الثورة هو الاعتماد على الإيمان وعلى الله. لذلك تلاحظون أنّه يوم تشعر كتل الشعب الهائلة في كلّ أنحاء البلاد أنّ هناك خطراً وعداء يواجه الثورة وأن ثمّة عدواً خطيراً جاداً يواجهها سوف ينزلون إلى الساحة من دون دعوة. شاهدتم ما الذي حدث في يوم التاسع من دي.

 

أعداء الثورة الذين يحاولون دوماً القول إّن المظاهرات المليونية مظاهرات من عدّة ألوف - يصغّرون الأمر ويهوّنونه - اعترفوا وقالوا إنّه طوال هذه العشرين سنة لم تكن هناك حركة شعبية في إيران بهذه العظمة.. كتبوا هذا وقالوه. الذين يحاولون كتمان حقائق الجمهورية الإسلامية قالوا هذا واعترفوا به. فما السبب؟ السبب هو أنّ الجماهير حينما يشعرون أنّ العدوّ يقف بوجه النظام الإسلاميّ ينزلون إلى الساحة.

 

هذه حركة إيمانية وقلبية وشيء تقف وراءه الحوافز الإلهية. إنها يد القدرة الإلهية ويد الإرادة الإلهية. هذه الأمور ليست بيدي ويد أمثالي. القلوب بيد الله والإرادات مقهورة لإرادة الخالق.

 

إذا كان التحرّك إلهياً وفي سبيل الله وكان فيه أخلاص وحسن نيّة سيدافع الله عنه. لذلك يقول عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُدَٰفِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۗ﴾[1].

 

هذا شيء لا يفهمه أعداء النظام الإسلاميّ، وهم لا يفهمونه إلى الآن لذلك يفرضون الحظر ويتكلّمون ويستخدمون أساليب متنوّعة ويبحثون حسب أوهامهم عن نقاط الضعف في الجمهورية الإسلامية. أحياناً يذكرون مسألة حقوق الإنسان وتارة يذكرون اسم الديمقراطية.. هذه الحيل التي تعدّ اليوم حقاً استهزاء بالناس في العالم.

 

يقولون: الرأي العام. لكنّ الرأي العام لو كان يصدّق هذا الكلام من أمريكا والصهيونية لما أبدت الشعوب في مختلف البلدان والمواقف والمواقع كرهها لزعماء الاستكبار بهذه الصورة التي ترون أنّها تُبدي بها كرهها لهم. أينما يسافرون تخرج جماعة من الناس وتهتف ضدهم. واضح أنّ الرأي العام في العالم لا ينخدع بحيلهم وأخاديعهم.


 


[1] سورة الحج، الآية 38.

 

 

80


65

خطاب الولي 2010

الذين يتشدّقون بحقوق الإنسان هم أوّل من يسحقون حقوق الإنسان في سجونهم وفي كلّ العالم وفي تعاملهم مع الشعوب وحتّى في تعاملهم مع شعوبهم. هؤلاء يتحدّثون عن حقوق الإنسان؟! إنّهم يمنحون الشرعية للتعذيب ويجعلونه قانونياً! أليست هذه فضيحة لبلد من البلدان؟ أليس هذا خزي لبلد أن يجعل تعذيب السجناء قانونياً؟ ثم تراهم يتحدّثون عن حقوق الإنسان ويتشدّقون بالدفاع عن حرمة الإنسان وكرامته! الذين يشاهدون ويسمعون هذا الكلام والادعاءات في العالم ويقارنون ذلك بتلك السلوكيات، من الطبيعيّ أن يستهزئوا بهم. مَن الذي يصدّق هذا الكلام منهم؟

 

يتحدّثون عن الديمقراطية ويعقدون عهود الأخوّة مع أكثر الحكومات في العالم استبداداً ورجعيّة -ومنها ما هو في منطقتنا!- من هي الأنظمة المرتبطة ارتباطاً أوثق مع أمريكا في منطقة الشرق الأوسط اليوم؟ وفي شمال أفريقيا؟ هل ثمة أنظمة أكثر استبداداً منها؟ يتشدّقون بالديمقراطية ثم يهاجمون الجمهورية الإسلامية -هذه الديمقراطية المتألّقة القادرة على إشراك 85 بالمئة ممّن لهم حقّ الاقتراع في الانتخابات- تحت طائلة الديمقراطية! هذه سخرية والكلّ يعلم هذا. المراقبون في العالم والذين يفهمون الأمور والقضايا يستهزئون بهذه التوجّهات الأمريكية.

 

الشعب الإيرانيّ شعب ذكيّ واع صاحب تجربة. وهذه القضايا ليست وليدة اليوم أيّها الإخوة الأعزاء! بعضكم يتذكر ذلك، وليعلم الشباب أنه منذ واحد وثلاثين عاماً وهذه الأحداث جارية بين أجهزة الاستكبار والشعب الإيرانيّ.

 

هذه القضايا ليست وليدة اليوم. تهديداتهم التي أخفقت دوماً، وحظرهم، وإساءاتهم واتّهاماتهم.. استطاعت الجمهورية الإسلامية في مناخ كهذا المناخ من القصف الإعلاميّ تحقيق كلّ هذا التقدّم. قوّتكم الجوية لا تقبل المقارنة مع القوّة الجويّة في بداية الثورة. مهاراتكم اليوم وقدراتكم وأجهزتكم وتقدّم القوى والطاقات الإنسانية والابتكارات المختلفة لا تقبل المقارنة مع ما كان في بداية الثورة، بل لا تقبل المقارنة مع ما كان قبل عشرين سنة.

 

لقد تقدّمنا يوماً بعد يوم. هكذا هو الحال في كلّ قطاعات البلاد. البلد الذي يتمتع راهناً بهذه القدرات الصاروخية وهذه القدرات في مجال علم الأحياء ومجال العلوم

 

 

81

 


66

خطاب الولي 2010

النووية والليزرية - وقد سمعتم بها وتعلمونها - وفي القطاعات المختلفة حيث سُجّلت قدرات بهذه العظمة وهذه الأهمية، هو نفسه البلد الذي كان يجب أن يستورد في أوائل الثورة أبسط الأجهزة والإمكانات ويستعيرها من هنا وهناك. وكان عليه أن يشتري أبسط الأشياء من الآخرين وهم لا يبيعون. كان عليه أن يشتريها بأسعار مضاعفة وهو خالي اليدين. واليوم فإن نفس هذا الجيش ونفس هذه القوّات المسلّحة ونفس هذه القوّة الجوّية أحرزت كلّ هذا التقدم. ونفس تلك الهيئات الجامعية والعلمية والبحثية والتقنية توصّلت إلى هذه المواقع المتقدّمة.. وصلت إلى ما وصلت إليه تحت قصف هؤلاء الأعداء وتهديداتهم وحظرهم. هل تخوّفون الشعب الإيرانيّ من الحظر؟! المهمّ هو أن يحافظ الشعب العزيز على اتّحاده ويحافظ على وحدة كلمته. هذه الوحدة شوكة في عيون الأعداء. محاولاتهم تنصبّ على إفساد وحدة الكلمة فينا. أعتقد أنّ أهمّ أهدافهم من أحداث فترة الفتنة بعد الانتخابات - الأشهر الماضية - هو خلق فواصل وصدوع بين أبناء الشعب. هذا هو مسعاهم. أرادوا خلق صدوع وشقاق بين أبناء الشعب ولم يستطيعوا.

 

لقد اتّضح اليوم أن أولئك الذين وقفوا بوجه عظمة الشعب الإيرانيّ وبوجه العمل الكبير الذي قام به الشعب الإيرانيّ في الانتخابات ليسوا جزءاً من الشعب بل هم أفراد إما يعادون الثورة بصراحة أو أشخاص يمارسون نتيجة جهلهم ولجاجتهم نفس ممارسات أعداء الثورة، ولا صلة لهم بكتل الشعب. كتل الشعب تواصل طريقها، طريق الله وطريق الإسلام وطريق الجمهورية الإسلامية وطريق تطبيق الأحكام الإلهية وطريق الوصول إلى العزّة والاستقلال في ظلّ الإسلام. هذا هو طريق الشعب ومسيرته.

 

طبعاً كان هناك بعض الناس يعارضون هذا منذ البداية. كان هناك ممن يرغبون منذ البداية في عودة الهيمنة والسيطرة الأمريكية الظالمة على هذا البلد. هذا ما كانوا يريدونه ولا يخفونه الآن أيضاً. ثمة أشخاص بعضهم خارج البلاد وبعضهم من العملاء في الداخل.

 

هذا مّما لا شكّ فيه. أبناء الأشخاص الذين تضرّروا من هذه الثورة وأبناء الأشخاص الذين كانوا مرتزقة للنظام الطاغوتيّ، هؤلاء لم يزولوا طبعاً فهم موجودون. نفس تلك

 

82

 


67

خطاب الولي 2010

الأحقاد الممتدّة على مدى ثلاثين سنة لا تزال موجودة اليوم أيضاً وقد كانت منذ البداية. كانوا منذ بداية الثورة وهم موجودون اليوم أيضاً وسيكونون بعد اليوم أيضاً. لكنهم كلّهم لا يشكّلون سوى مجموعة صغيرة.

 

هذا الشعب العظيم وبهذه العظمة الوطنية سائر باتّجاه الإسلام ولله وفي سبيل الله. وأبناء الشعب متّفقون وكلمتهم واحدة وقلوبهم واحدة حتى لو كانت أذواقهم السياسية مختلفة ربّما.

 

يريدون إفساد هذه الوحدة. والشعب صامد. في يوم الثاني والعشرين من بهمن سيثبت الشعب الإيرانيّ العزيز ـ إن شاء الله وبحول الله وقوّته ـ كيف سيصفع باتّحاده ووحدة كلمته جميع المستكبرين، أمريكا وبريطانيا والصهاينة على وجوههم بحيث يفاجئهم كما فعل في السابق.

 

ستواصل الجمهورية الإسلامية طريقها، طريق العزّة في ظلّ الإسلام، والأمن في كنف الإسلام، والعدالة في ظلّ الإسلام، والديمقراطية في ظلّ الإسلام والنابعة من الفكر الإسلاميّ، وستتقدّم إلى الأمام بلا أي تردّد ولا أي ضعف أو خور وستُصدر الأجيال القادمة حكمها. واعلموا أنّ الشباب اليوم والأجيال التي ستأتي بعدهم سوف يواصلون الطريق إلى القمم وسيصلون إلى تلك القمم بفضل التجارب الهائلة الكامنة لدى هذا الشعب في مواجهته للاستكبار. الشعب الإيرانيّ جدير ببلوغ القمم. شعب ذكيّ ومبتكر ومؤمن حينما تتوفّر له الحرية النابعة من الإسلام والتي وفّرتها لنا الثورة.

مثل هذا الشعب لن يتوقّف أبداً عن مسيرته وحركته. سوف تشهدون أنتم الشباب ذلك اليوم إن شاء الله. عليكم أن تعقدوا عزيمتكم وهممكم في القطاع الذي أنتم فيه وعلى الجميع بذل مساعيهم وهممهم في قطاعاتهم الخاصّة بهم.

 

القوّة الجوّية - كما قال قائدها المحترم في تقريره - حقّقت تقدّماً جيّداً. ونحن مطّلعون على التقدّم الجيّد في الأقسام المختلفة للقوّة الجوّية. ولكن لا يجوز في الوقت ذاته أيّ توقّف. لا تقنعوا بالوضع الموجود. واصلوا إبداعاتكم. أنتم جديرون بما هو أكثر من هذا. وشعبكم جدير بقوّة جوّية مقتدرة حتى أكثر من هذا. منظومة القوّات المسلّحة هذه بما فيها القوة الجوية يجب أن تستطيع إثبات عزّة الشعب الإيرانيّ وصلابته، وأن تكون مظهراً لصمود هذا الشعب واقتداره، وهذا ما سيكون إن شاء الله.

 

نسأل الله تعالى أن يحشر شهداء القوّة الجوّية الأعزّاء وشهداء جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومنظومة القوّات المسلّحة وكافّة الشهداء الأبرار مع أوليائه، وأن يحشر الروح الطاهرة لإمامنا الجليل - والشعب الإيرانيّ في هذه الأيام أكثر أنساً ومعرفة بذكرى ذلك الرجل العزيز الجليل - مع أوليائه، وأن يرضي عنكم جميعاً القلب المقدّس للإمام المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف إن شاء الله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

83


68

خطاب الولي 2010

وصلابته، وأن تكون مظهراً لصمود هذا الشعب واقتداره، وهذا ما سيكون إن شاء الله.

 

نسأل الله تعالى أن يحشر شهداء القوّة الجوّية الأعزّاء وشهداء جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومنظومة القوّات المسلّحة وكافّة الشهداء الأبرار مع أوليائه، وأن يحشر الروح الطاهرة لإمامنا الجليل - والشعب الإيرانيّ في هذه الأيام أكثر أنساً ومعرفة بذكرى ذلك الرجل العزيز الجليل - مع أوليائه، وأن يرضي عنكم جميعاً القلب المقدّس للإمام المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف إن شاء الله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وصلابته، وأن تكون مظهراً لصمود هذا الشعب واقتداره، وهذا ما سيكون إن شاء الله.

 

نسأل الله تعالى أن يحشر شهداء القوّة الجوّية الأعزّاء وشهداء جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومنظومة القوّات المسلّحة وكافّة الشهداء الأبرار مع أوليائه، وأن يحشر الروح الطاهرة لإمامنا الجليل - والشعب الإيرانيّ في هذه الأيام أكثر أنساً ومعرفة بذكرى ذلك الرجل العزيز الجليل - مع أوليائه، وأن يرضي عنكم جميعاً القلب المقدّس للإمام المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف إن شاء الله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

84


69

خطاب الولي 2010

نداء الإمام الخامنئي دام ظله

تقديراً لمشاركة الشعب المليونية

في ذكرى الثورة

 

 

المناسبة:   المشاركة المذهلة لعشرات الملايين من أبناء الشعب الإيرانيّ في مظاهرات الثاني والعشرين من بهمن ذكرى انتصار الثورة الإسلامية في إيران

المكان:   طهران

 

الزمان:    22/11/1388هـ.ش.

26/02/1431هـ.ق.

2010/02/11م.

 

 

87


70

خطاب الولي 2010

أيّها الشعب الإيرانيّ العظيم صانع الملاحم الباهرة.

 

لا نال التعبُ من خطواتكم الراسخة، ورفرفت عالية راية هممكم وحرّيتكم، وحيّا الله عزيمتكم الراسخة وبصيرتكم الفذّة التي تجعل دوماً وفي لحظات الحاجة ساحة مواجهة الحاقدين والمسيئين ساحة لانتصار الحقّ ومعرضاً رائعاً للعزّة والعظمة.

 

وشكرٌ من أعماق القلب والروح لخالق الوجود الّذي أظهر يدَ قدرته في عزيمتكم وإيمانكم وبصيرتكم، وعرضَ أكثر من السابق قوّة وحيويّة هذا النظام المرتكز على إيمان شعب عريق وثقته بذاته في الذكرى الحادية والثلاثين لولادة الجمهورية الإسلامية.

 

ألا تكفي إحدى وثلاثون سنة من الاختبارات والأخطاء التي مارستها عدّة دول متكبّرة ومتغطرسة لإيقاظها من سبات الغفلة وإفهامها عبثية السعي للسيطرة على إيران الإسلامية؟

 

ألا تكفي مشاركة عشرات الملايين من الجماهير ذوي البصائر والدوافع القوية في حفل الذكرى الحادية والثلاثين للثورة لإعادة المعاندين والمخدوعين الداخلين الذين يتشدقون أحياناً باسم "الشعب" رياء إلى صوابهم وإرشادهم إلى طريق الشعب وإرادته التي ما هي إلّا الصراط المستقيم للإسلام المحمّديّ الأصيل وطريق الإمام الجليل؟

 

ليعلم أصدقاء الشعب الإيرانيّ وأعداؤه أنّ هذا الشعب عرف طريقه واتّخذ قراره وسيرفع بالتوكّل على الله والثقة بالقدرة التي أودعها الله فيه كلَّ الموانع والعقبات عن طريق وصوله إلى قمّة التقدّم والسعادة. كان عونُ الله وتوفيقه حليفَ هذا الشعب ودعاء سيدنا بقية الله عجل الله تعالى فرجه الشريف سنده.

 

                                                                                                  السيد علي الخامنئي

٢٢ بهمن ١٣٨٨ هـ ش

 

89

 

 

 

 

 

 


71

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء أهالي آذربيجان الشرقية

 

 

         

المناسبة:   الذكرى السنوية لنهضة أبناء محافظة آذربيجان

الحضور:  المئات من أهالي آذربيجان الشرقية

المكان:   طهران

 

الزمان:    1388/11/28هـ.ش.

1431/03/02هـ.ق.

2010/02/17م.

         

 

91


72

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أرحّب بجميع الإخوة والأخوات الأعزّاء الذين ساروا في هذه المناسبة العظيمة جداً والمستعصية على النسيان ـ مناسبة التاسع والعشرين من بهمن في تبريز ـ كلّ هذا الطريق الطويل وتجشّموا العناء ونوّروا حسينيّتنا.

 

الحقيقة أنّ أنفاسكم الدافئة وألسنتكم الناطقة ودوافعكم المستعصية على السكون والسكوت والتي كانت محسوسة ومشهودة في جميع الأحوال جعلت أجواء الحسينية اليوم دافئة وجذّابة وثورية، وقد كان أهالي تبريز دوماً وعلى مرّ الزمن مظهراً لهذه الخصائص البارزة. طوال التاريخ القريب وفي الأحداث الكبرى من فترة الثورة الدستورية وما قبلها وإلى اليوم، يلاحظ المرء ميزتين في تبريز وآذربيجان: الميزة الأولى هي أنّ أهالي تبريز كانوا سبّاقين دوماً في الأحداث المختلفة، فهم الذين يبدأون ويمسكون بزمام المبادرة. وقضية التاسع والعشرين من بهمن من هذا القبيل. لو لم يخلق أهالي تبريز اليقظين في أربعينية أحداث قم ذلك الحدث الكبير لما انطلقت سلسلة الأربعينيات في البلاد ولما كان معلوماً كيف كانت ستسير وتستمرّ الحركة المتفجّرة الهائلة للشعب في كلّ أنحاء البلاد. إذن كانت المبادرة من قبل أهالي تبريز. وقد كان الحال كذلك في الأحداث السابقة أيضاً. في أحداث الثورة الدستورية أيضاً كان الوضع كذلك. بدأ أهالي تبريز العمل وبادروا. والكثير من هذه الشعارات الجارية على ألسنة شعبنا العزيز اليوم في كلّ أرجاء البلاد بدأت غالباً من تبريز.

 

الميزة الثانية هي الوفاء. بعض الناس يبدأون السير في طريق معيّن لكنّهم لا يواصلون ولا يبقون أوفياء. تزلزلهم الأحداث المختلفة وتبثّ فيهم الشكوك والتردد. فيعودون أدراجهم في بعض الأحيان. وأحياناً يفعلون ما هو أسوأ من العودة أي إنّهم ينكرون أصل الحركة والطريق. شهدنا هذا النمط من الناس.

 

 

93

 


73

خطاب الولي 2010

أهالي تبريز وآذربيجان أوفياء وصامدون. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾[1] الذي يبقى وفياً للحقّ ويصمد على كلمة الحقّ ولا يزلزله مضيّ الزمن وتعاقب الأحداث الصعبة سيوفّيه الله تعالى أجراً عظيماً. بعض الناس ليسوا من هذا القبيل إنّما ينكثون العهود. ﴿فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۖ﴾[2] الناكث يعمل ضدّ نفسه، والواقع أنّه يجلب الخسران على نفسه بنكثه عهده. لا تصيب الإنسان خسارة في سبيل الله. أنتم أهالي تبريز وآذربيجان وفيتم وصمدتم.

 

إمامنا الجليل مع أنه لم يكن يعرف تبريز عن قرب لكنّه عرف أهاليها معرفة جيّدة. في أحداث الفتنة في بداية الثورة حيث ظهرت الفتن في أماكن مختلفة من البلاد ومنها تبريز قال الإمام إن الإيمان والغيرة والهمّة والوعي والبصيرة كان بوسعه إخماد تلك الفتن والنيران. وكذا الحال اليوم أهالي تبريز أنفسهم سوف يردّون على مثيري الفتن، وقد ردّوا عليهم فعلاً. ما من شيء سوى قوّة الإيمان والغيرة والهمّة والوعي والبصيرة كان بوسعه إخماد تلك الفتن والنيران. وكذا الحال اليوم أيضاً. الشباب الأعزاء الذين لم يروا الإمام ولم يشهدوا فترة الدفاع المقدّس على مدى ثمانية أعوام ولم يدركوا أمثال الشهيد باكري ولم يشهدوا الشخصيات المضحيّة التي استُشهدت آنذاك يشاركون الآن في الساحة بنفس القوة وبنفس الاستقامة وبنفس البصيرة التي شارك بها الشباب التبريزيون يوم ذاك في التاسع والعشرين من بهمن وأبدوا طوال ثمانية أعوام من الحرب المفروضة وفي الجبهات والميادين المختلفة البطولات والتضحيات. هكذا هم شبابنا اليوم. فما معنى هذا؟ لماذا؟ ما هي القضيّة؟ ينبغي البحث عن حقيقة القضيّة في أحقيّة هذه الكلمة أعني كلمة الثورة وهي كلمة حقّ. هذه هي خصوصية الحقّ. ﴿مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ﴾ هذه شجرة طاهرة سالمة طيّبة تنمو في الأرض نمواً سليماً. ﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء﴾ جذورها قويّة وأغصانها وأوراقها مرتفعة إلى


 


[1] سورة الفتح، الآية 10.

[2] سورة الفتح، الآية 10.

 

 

94


74

خطاب الولي 2010

عنان السماء. ﴿تُؤۡتِيٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينِۢ بِإِذۡنِ رَبِّهَاۗ﴾[1] ثمارها دائمة ولها في كلّ فصل ثمرة معيّنة، أي إنّها ليست خاصّة بفترة معيّنة كما هو الحال بالنسبة للكثير من الحركات في العالم والتي تغيّر أنظمة الحكم باسم الثورة أو الانقلاب أو غير ذلك لكنّها محدودة الأمد ثم يعود الوضع بعد فترة قصيرة إلى شكله السابق أو إلى أسوأ من الوضع السابق أحياناً. ليست كلمة الحقّ من هذا القبيل. كلمة الحقّ باقية.

 

حركة الثورة اليوم وأهدافها هي نفسها التي رُسمت منذ اليوم الأول. وقد رسمها إمامنا الجليل الحكيم. هذه الأهداف منسجمة مع فطرة الجماهير، لذلك احتضنها الشعب، وإلّا فإنّ توجيه قلوب ملايين الناس باتّجاه واحد ليس بالأمر الاعتياديّ. حينما يتحدّث الإنسان بلسان الفطرة ويتحدّث عن الله فسوف تحوم القلوب التي ما زالت على الفطرة حوله. ﴿لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾[2] يد القدرة الإلهية هي التي تهدي القلوب باتّجاه معيّن فتكون هذه هي النتيجة. في الثاني والعشرين من بهمن كانت الحشود التي خرجت إلى الشوارع في الذكرى الحادية والثلاثين لولادة الثورة الإسلامية أكبر من تلك التي خرجت في الأعوام الماضية. لم تنقص الحشود بل ازدادت وقويت وهذا على خلاف الدارج في عالم الطبيعة. ألقوا حجراً في الماء وسترون أنه يُوجِد أمواجاً ولكن كلّما مضى الوقت قلّت هذه الأمواج وتلاشت وصارت غير محسوسة إلى أن تنتهي. مرور الوقت يطفئ الأمواج الاجتماعية.

 

فأية حقيقة هذه التي لا يطفئها مرور الوقت بل يزيدها بروزاً يوماً بعد يوم؟ واقعة كربلاء مثلاً، في يومها وفي تلك الصحراء القاحلة وبعيداً عن الأنصار وأمام كلّ أولئك الأعداء يُستشهد الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام وأصحابه وتؤسر عائلته ويأخذونهم وينتهي الأمر. واليوم بعد مضي قرون على ذلك اليوم لاحظوا كم هي عظيمة وبارزة تلك الواقعة التي كان يفترض أن لا يبقى لها أيّ ذكر أو أثر في ظرف عشرة أو خمسة عشر يوماً. إنها بارزة اليوم، لا بين ملايين الشيعة في البلدان المختلفة


 


[1] سورة إبراهيم، الآية 25.

[2] سورة الأنفال، الآية 63.

 

 

95


75

خطاب الولي 2010

وحسب وبين المسلمين، بل حتى بين غير المسلمين نرى أنّ اسم الحسين بن علي يشعّ كالشمس وينير القلوب ويهديها. هكذا هي الثورة. كلّما مرّ الزمن أكثر كلّما أظهرت هذه الثورة حقائق أكثر.

 

لكنّ العدوّ يتحدّث بطريقة أخرى طبعاً. وبعضهم يتحدثون بنفس لغة العدوّ ولسانه. أمّا هل يفعلون ذلك عن وعي أو عن غير وعي فهذا ما نتركه لله. لكنّهم يتحدّثون بلغة العدوّ ويحاولون الإيحاء بأنّ الثورة انحرفت عن دربها. كلّا، لو كانت الثورة قد انحرفت لما تحركت كلّ هذه القلوب باسم الثورة وذكر الثورة. ولما تعبَّأ كلّ هذا الإيمان وكلّ هذه الدوافع والمحفّزات بذكر الثورة. وكذا الحال في العالم. فآثار هذه الثورة اليوم محسوسة في قلوب الناس في البلدان الإسلامية. لا تنظروا إلى عدّة حكومات معاندة، فالشعوب تحترم هذه الثورة وتُجلّها وتتحسّر على مثلها. وهذا مؤشّر إلى أحقّية الثورة وبقائها. ﴿تُؤۡتِيٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينِۢ﴾.

 

أنا وأنتم ومثلما بقينا أوفياء لحدّ اليوم بتوفيق من الله نستطيع أن نبقى أوفياء. إذا حافظنا على هذا الوفاء ﴿فَسَيُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا﴾[1] وهذا الأجر غير مختصّ بالدنيا، وغير مختصّ بالآخرة أيضاً، فهو أجر في الدنيا وفي الآخرة. إنّه في الدنيا عزّة واقتدار ووصول إلى الأهداف السامية، وهو في الآخرة أجر إلهيّ وثواب أرقى وأفضل من كلّ شيء. إذا تضعضعت أو ساءت عهودنا ـ لا سمح الله ـ وجرّتها الأهواء النفسانية وسط الطريق إلى هنا وهناك سيكون في ذلك ضررنا نحن، فالثورة تواصل طريقها. الذين تركوا الثورة والذين وقفوا بوجهها كما أراد العدوّ أصيبوا هم أنفسهم بالخسارة والضرر. توهّموا أنّهم سيتآمرون على الثورة ويصرّحون ويحرّضون وسينفعهم ذلك شيئاً. كلّا، إنّهم مخطئون.

 

في يوم الثاني والعشرين من بهمن هذه السنة حيث أفصحت هذه المعجزة الإلهية العظيمة عن نفسها وأذهلت هذه المشاركة الجماهيرية الهائلة الأنظار كان الأعداء والمعارضون ـ سواء المعارضون المعاندون أو المعارضون الغافلون ـ يفكّرون بطريقة


 


[1] سورة الفتح، الآية 10.

 

96


76

خطاب الولي 2010

وحسب وبين المسلمين، بل حتى بين غير المسلمين نرى أنّ اسم الحسين بن علي يشعّ كالشمس وينير القلوب ويهديها. هكذا هي الثورة. كلّما مرّ الزمن أكثر كلّما أظهرت هذه الثورة حقائق أكثر.

 

لكنّ العدوّ يتحدّث بطريقة أخرى طبعاً. وبعضهم يتحدثون بنفس لغة العدوّ ولسانه. أمّا هل يفعلون ذلك عن وعي أو عن غير وعي فهذا ما نتركه لله. لكنّهم يتحدّثون بلغة العدوّ ويحاولون الإيحاء بأنّ الثورة انحرفت عن دربها. كلّا، لو كانت الثورة قد انحرفت لما تحركت كلّ هذه القلوب باسم الثورة وذكر الثورة. ولما تعبَّأ كلّ هذا الإيمان وكلّ هذه الدوافع والمحفّزات بذكر الثورة. وكذا الحال في العالم. فآثار هذه الثورة اليوم محسوسة في قلوب الناس في البلدان الإسلامية. لا تنظروا إلى عدّة حكومات معاندة، فالشعوب تحترم هذه الثورة وتُجلّها وتتحسّر على مثلها. وهذا مؤشّر إلى أحقّية الثورة وبقائها. ﴿تُؤۡتِيٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينِۢ﴾.

 

أنا وأنتم ومثلما بقينا أوفياء لحدّ اليوم بتوفيق من الله نستطيع أن نبقى أوفياء. إذا حافظنا على هذا الوفاء ﴿فَسَيُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا﴾[1] وهذا الأجر غير مختصّ بالدنيا، وغير مختصّ بالآخرة أيضاً، فهو أجر في الدنيا وفي الآخرة. إنّه في الدنيا عزّة واقتدار ووصول إلى الأهداف السامية، وهو في الآخرة أجر إلهيّ وثواب أرقى وأفضل من كلّ شيء. إذا تضعضعت أو ساءت عهودنا ـ لا سمح الله ـ وجرّتها الأهواء النفسانية وسط الطريق إلى هنا وهناك سيكون في ذلك ضررنا نحن، فالثورة تواصل طريقها. الذين تركوا الثورة والذين وقفوا بوجهها كما أراد العدوّ أصيبوا هم أنفسهم بالخسارة والضرر. توهّموا أنّهم سيتآمرون على الثورة ويصرّحون ويحرّضون وسينفعهم ذلك شيئاً. كلّا، إنّهم مخطئون.

 

في يوم الثاني والعشرين من بهمن هذه السنة حيث أفصحت هذه المعجزة الإلهية العظيمة عن نفسها وأذهلت هذه المشاركة الجماهيرية الهائلة الأنظار كان الأعداء والمعارضون ـ سواء المعارضون المعاندون أو المعارضون الغافلون ـ يفكّرون بطريقة


 


[1] سورة الفتح، الآية 10.

 

96


76

خطاب الولي 2010

أخرى ويخطّطون لشيء آخر ويربّون في أذهانهم تخيلات أخرى. حاولوا منذ مدّة طويلة أن يفعلوا ما من شأنه تخريب مراسم الثاني والعشرين من بهمن التي تعدّ تجسيداً للمشاركة الجماهيرية في الثورة. أرادوا أن يفعلوا ما يُفضي إلى اشتباكات بين الجماهير في طهران أو المدن الأخرى. هذا ما توقّعوه. قالوا في أحاديثهم إنّ الحرب الداخلية في إيران ستبدأ يوم الثاني والعشرين من بهمن! لاحظوا ما الذي فعلوه حتّى راحوا يتوقّعون نشوب حرب داخلية في إيران. كان بعضهم يقول هذا وآخرون يأملون استعراض وجه معارض لنظام الجمهورية الإسلامية في الثاني والعشرين من بهمن. راحوا يصوّرون أنّ الناس تخلّت عن الثورة وعن نظام الجمهورية الإسلامية ويقفون بوجهه الآن، هكذا كانوا يفكّرون ويحسبون حساباتهم، لكنّ الشعب الإيرانيّ بوعيه وبصيرته وهمّته وبيد القدرة الإلهية الّتي أيقظت قلوب أبنائه صفع جميع هؤلاء المعارضين على أفواههم وأتمّ الحجّة على الجميع. ينبغي أن يكون الأعداء الخارجيون قد استيقظوا وصحوا. رئيس جمهورية أمريكا وأمثاله كانوا يتشدّقون دوماً بالشعب الإيرانيّ ويقولون: "نحن نناصر الشعب الإيرانيّ" و"الشعب الإيرانيّ يعارض نظام الجمهورية الإسلامية". كرّروا هذا الكلام مراراً. لاحِظوا ماذا كان حالهم حين شاهدوا الشعب الإيرانيّ في الشوارع يوم الثاني والعشرين من بهمن.

 

هل ثمة خذلان إلهيّ أشدّ من هذا يمكن أن يُمنى به العدوّ؟ وهل فضيحة له أشدّ من هذه؟ وبعضهم في الداخل، قسم منهم بسبب الغفلة وقسم آخر بسبب عدم التعقّل وفئة أخرى بدافع العناد والعداء، راحوا يتحدّثون عن الشعب والشعب والشعب بما يُضادّ نظام الجمهورية الإسلامية ويعادي هذه الحركة العامّة للنظام! طيّب، هؤلاء هم الشعب.

 

لقد أثبت الثاني والعشرون من بهمن أين هو الشعب وماذا يريد وماذا يقول. أصابهم الغرور بالأوهام التي بثّوها في نفوسهم. توهّموا أو تظاهروا بالجهل حين ظنّوا أنّ الشعب تخلّى عن الثورة وعن الإمام. لكن وعي الشعب وبصيرته وهمته وإيمانه والتوفيق الإلهيّ الذي شمل الشعب الإيرانيّ كان رداً قارعاً لهم في يوم الثاني والعشرين من بهمن. والأجانب أيضاً أصيبوا بالوهم. تُستخدم الألفاظ في غير معانيها.

 

 

97

 


77

خطاب الولي 2010

زعماء البلدان المستكبرة ـ بضعة دول مستكبرة ـ يصرّحون حول نظام الجمهورية الإسلامية ويوحون ويروجون للقول بأنّ المجتمع العالميّ يعارض الجمهورية الإسلامية. أيّ مجتمع دولي؟ أيّ مجتمع دولّي يعارض الجمهورية الإسلامية؟ أربع أو خمس دول مستكبرة ـ غالباً ما تكون حتّى شعوبها غير موافقة على مواقفها ـ تعارض النظام الإسلامي والجمهورية الإسلامية.

 

الأنظمة المحبوسة في قبضة الشركات الصهيونية ومصّاصي الدماء الدوليين من الطبيعيّ أن تعارض الجمهورية الإسلامية التي ترفع شعار العدالة. يجب أن تكون معارضة. يوم تمتدحنا الشبكة الأخطبوطية للرأسمالية العالمية ولا تعارضنا يجب أن نقيم مأتماً. نعم، هناك بضع دول مستكبرة ومتغطرسة تعارض الجمهورية الإسلامية. لكنّ المجتمع العالميّ لا يعارض الجمهورية الإسلامية أبداً. المجتمع العالميّ هو الشعوب. المجتمع العالميّ يعني الكثير من الحكومات التي هي بدورها غير راضية عن المستكبرين، رغم أنها لا تتجرّأ غالباً على التصريح بعدم رضاها، لكنّنا نعلم أنّها غير راضية. هذا شيء واضح جداً في تصريحاتهم وحواراتهم ويقولونه لنا، لكنهم لا يتجرّأون على الاعتراض.. يخافون. أمّا نحن فلا نخاف.

 

إننّا نقول الشيء الذي في قلوبنا ونعلم أنّه حديث قلوب الشعوب وقلوب الكثير من الحكومات. إنّنا نعارض الاستكبار ونعارض نظام الهيمنة ونعارض بشدّة تسلّط بضعة بلدان على مصير العالم ونكافح هذا التسلّط ولا نسمح لهم بالتلاعب بمصير العالم. ومن الواضح أن تعارضنا تلك الحكومات فتتذرع بذرائع الملفّ النوويّ وما يتّصل بحقوق الإنسان والديمقراطية. والكلّ في العالم يعلم أنّهم يكذبون ويمارسون الرياء والنفاق. وقد بعثوا مأمورهم ثانية إلى هنا يجول في أطراف الخليج الفارسيّ ويكرّر نفس تلك الأكاذيب والهذيان ضدّ الجمهورية الإسلامية: إيران تروم الحصول على قنبلة نووية! من الذي يصدّق كلامكم؟ من يصدّق أنّكم تفكّرون بمصالح شعوب هذه المنطقة؟ أنتم الذين سحقتم شعوب هذه المنطقة، ما استطعتم وبمقدار ما سُمح لكم، تحت أقدام مصالحكم غير المشروعة، وبدّلتم الخليج الفارسيّ إلى مخازن سلاح. هذا ما فعله الأمريكيون. يمتصّون أموال بلدان الخليج الفارسيّ وينهبونها ويخزنون

 

98

 


78

خطاب الولي 2010

أسلحتهم فيها بدل ذلك.

 

أنتم مثيرو الحروب، أنتم هاجمتم العراق وهاجمتم أفغانستان وتهاجمون باكستان وتعيدون جرائمكم هذه في أيّ مكان آخر استطعتم، ثم تأتون لتصرّحوا ضد الجمهورية الإسلامية؟ جميع شعوب المنطقة تعلم والكثير من حكومات المنطقة تعلم أنّ الجمهورية الإسلامية تناصر السلام وتناصر الأخوة وتناصر عزّة بلدان هذه المنطقة وعزّة البلدان الإسلامية. تحرّكوا كأنهم البائعون الجوّالون وكان تحرّكهم انفعالياً. إنهم يتآمرون ضدّ الجمهورية الإسلامية منذ ثلاثين سنة، ويخفقون منذ ثلاثين سنة، وقد انتصرت الجمهورية الإسلامية هذه السنة مرّة أخرى بعد عشرات المرّات في صراعها ضدّ المستكبرين، وانهزم المستكبرون.

 

أحداث ما بعد الانتخابات التي أوجدها بعض الناس بسبب جهلهم أو على أساس حسابات خاطئة، يتذرّع بها العدوّ عسى أن يستطيع إضعاف الجمهورية الإسلامية، ولكن على العكس، نفس هذه الأحداث أدّت إلى زيادة اقتدار الجمهورية الإسلامية. إذا كان يجب على بعضهم قبل هذه الأحداث أن يثبت للناس بالأدلّة والبراهين أنّ العدوّ يترصّدهم ويكمن لهم فإنّ الناس شاهدوا بعد هذه الأحداث بأعينهم أنّ العدوّ يترصّدهم في كمائنه. وهكذا هو الشعب الإيرانيّ حينما يرى العدو متربصاً فإنه لا يتأخّر بل ينزل إلى الساحة فوراً. وبعد الآن أيضاً ـ بحول الله وقوّته وتوفيقه ـ ستكون جميع شرائح الشعب إن شاء الله أكثر جدية في عملها وأشدّ تحفّزاً واندفاعاً في تحركها في النواحي العلمية والصناعية والمجالات المختلفة وفي مناخ الإدارة والكسب والعمل والتجارة.. على الجميع أن يسعوا ويعملوا. وقد تضاعفت مسؤولية المسؤولين. لقد تضاعفت مسؤولية المدراء في البلاد ورؤساء السلطات الثلاث أمام هذه الحركة الشعبية العظيمة وأمام هذا الوعي المذهل الذي أبدته الجماهير. هذا الشعب مستعد للدفاع عن بلده وثورته وقيمه.

 

على خُدّام المجتمع الخضوع وإبداء الاحترام أمام هذا الشعب ومتابعة أعمالهم بقوة وجدّ والعمل من أجل الناس.

 

ثمة مشاكل في البلد وهناك نواقص، ولكن ما من مشكلة أو نقص لا يمكن حلّه بيد الإرادة المعتمدة على الإيمان. سيسعى مسؤولو البلاد في السلطات الثلاث -إن شاء الله-

 

 

99

 


79

خطاب الولي 2010

وفي القطاعات المختلفة وأبناء الشعب أنفسهم وكلّ شخص حسب دوره من أجل معالجة هذه المشكلات. ليعلم الجميع أن مستقبل الشعب الإيرانيّ مستقبل مشرق. لقد اتّخذ الشعب قراره كما سبق أن ذكرنا وسيصل -إن شاء الله- إلى ذروة أهدافه السامية ليكون أنموذجاً لا للعالم الإسلاميّ فحسب بل لكلّ الشعوب، حتى يعرفوا من أين يمرّ طريق العزة والعظمة.

 

نتمنّى على خالق العالم أن يشمل الشعب الإيرانيّ كافة وأنتم أهالي تبريز وآذربيجان الأعزاء بألطافه وعنايته وتسديده، ويُرضي عنكم جميعاً القلب المقدّس لإمامنا المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف ويشملكم بأدعيته ويرضي عنكم جميعاً الروح الطاهرة للإمام الجليل والشهداء الأبرار.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

100


80

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء المشاركين في صناعة المدمّرة "جماران"

 

 

 

         

المناسبة:   لقاء المشاركين في صناعة المدمّرة «جماران"

الحضور:  المشاركون في صناعة المدمّرة «جماران"

المكان:   مدينة بندر عبّاس في الخليج الفارسيّ

 

الزمان:    03/11/8831هـ.ش.

04/03/1431هـ.ق.

91/20/0102م.

 

 

101

 


81

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كان هذا اليوم يوماً جميلاً ومريحاً بالنسبة لي، ليس لمجّرد أنّ فرقاطة أضيفت إلى الأسطول البحريّ لجيش الجمهورية الإسلامية - وهذا بالطبع مكسب قيّم وهام - إنّما فرحي في معظمه لأنّ شبابنا وعاملينا الأذكياء والعلماء في هذا القطاع من القوّات المسلّحة شاهدوا بأعينهم ثمرة أملهم وثقتهم وتوكّلهم، وهذا ما سوف يجعلهم أكثر عزيمة على طي خطوات واسعة أخرى. هذا هو أساس العمل. أساس العمل هو أن تعرف طاقاتنا البشريّة قدر نفسها وقدر قدراتها وأن تنقل إلى حيّز العمل ما أودعها الله تعالى فيها من مواهب وطاقات فلا تخشى عظمة الأعمال وضخامة المشاريع.

 

هذا المشروع الكبير الذي تحدّث عنه الآن الأميرال سيّاري مشروع طموح، لكنّني أؤيّد مثل هذه الآراء والأفكار مئة بالمئة. اسعوا كي تعرضوا على الجميع قدراتكم وشجاعتكم في الدفاع عن عزّة بلادكم وشعبكم. طبعاً لهذا الأمر مقدّمات وينبغي القيام من أجله بعدّة أمور.

 

حينما يراقب المرء، وفي ضوء بعض الحقائق الموجودة على الأرض، قد تبدو بعض هذه المطاليب والطموحات بعيدة المنال، لكنني أقول يجب أن نسلك هذا الطريق ونطوي الخطوات الواحدة تلو الأخرى، وسيكون الوصول إلى النتيجة أسهل علينا كلّما تقدّمنا إلى الأمام.

 

يوم أثيرت هنا في هذا المعمل التابع للقوّة البحريّة في بندر عبّاس قضيّة صناعة فرقاطة مدمّرة بمقاييس وتجهيزات مناسبة لبحر عمان والمحيط الهنديّ، أذكر أنّه كان أناسٌ في ذلك اللقاء ممن اعتبروا هذه العمليّة غير ممكنة. ولم تكن هذه العملية ممكنة وحسب، بل ولا تعدّ عملية كبيرة جداً بالقياس إلى الهمّة التي تبدونها اليوم لإنجاز الأعمال الأكبر والأعظم ممّا تقدّمه لنا فرقاطة جماران. مع أن جهوداً كبيرة بُذلت

 

 

103


82

خطاب الولي 2010

لإنجاز هذا العمل، وهذه الجهود قيّمة جداً - استخدام الذكاء والمواهب والقدرات والعمل الدؤوب ولكنّ هذا العمل لا يعدّ كبيراً في مقابل ما تعقدون عليه عزائمكم وهممكم اليوم. أعمالكم المستقبلية ستكون أهمّ وأكبر.

 

لا شكّ أن الموجة الثانية ستكون أفضل من هذه، والموجتان الثالثة والرابعة ستكونان أفضل أيضاً.. ربما بمقاييس نوعيّة أرقى بكثير، وهو ما سيتحقّق بلا شكّ.

 

حسناً، أولاً لا بّد لي من تقديم الشكر. تجاربكم اليوم متراكمة ومستفيضة وبوسعكم الاستفادة من هذه التجارب. على كلّ حال، ورغم أنّ المدّة طالت ولكن كما قلت كان هذا اليوم يوماً مريحاً جداً بالنسبة لي، وكان يوماً مباركاً حيث أشاهد نتائج جهودكم ومساعيكم.

 

لدينا ماضٍ في الملاحة يعود إلى 700 أو 800 سنة. يوم كانت سفننا تنطلق من موانئ الخليج الفارسيّ إلى أقصى أنحاء آسيا، لم يكن لكثير من هذه البلدان المعروفة اليومة بالملاحة إسهام يذكر. في ضوء هذا الماضي وبهذه القدرات التي يمتلكها الشعب، وبهذه العقليّات الجيّدة وهذا الذكاء الوقّاد وهذه الأيدي الماهرة لشبابنا وشعبنا، لماذا يجب أن نكون متأخّرين إلى هذه الدرجة بحيث نفرح كلّ هذا الفرح إذا حقّقنا مثل هذا الإنجاز؟

 

لقد تعاملوا مع شعبنا بجفاء طيلة هذه القرون. من الذي تعامل بجفاء؟ هل الأجانب تعاملوا بجفاء؟ لا، بل الحكّام الفاسدون. إنني لا أعتب على البرتغاليين أو الهولنديين أو الإنجليز الذي جاءوا واحتلّوا سواحلنا وجزرنا. تلك بلدان وحكومات تسعى وراء مصالحها. والقوى المادية عادّة ما تفعل ذلك، تتحرّك وتتطاول على غيرها على بعد آلاف الفراسخ من بلدانها.. ألم يستولوا على شبه القارة الهندية؟ ألم يستولوا على المناطق الشرقية ما بعد الهند؟ ألا يفعلون نفس هذا الشيء في العالم اليوم؟ ليس العتب عليهم، إنما العتب على السلطات الفاسدة المستبدة والفاقدة للمحفزّات والعزيمة والتي لم تستطع الحفاظ على سمعة إيران والإيرانيين، ويأتي العدو لينتزع بندر عبّاس في يوم، وجزيرة "هرمز" في يوم آخر، وجزيرة "قِشم" في يوم آخر، وسائر الجزر الواحدة تلو الأخرى من أيدي هذا الشعب ثمّ يطلق دعاواه. لم يكن هذا ما

 

104

 


83

خطاب الولي 2010

يستحقه الشعب الإيرانيّ. لو لم تكن الجمهورية الإسلامية قد فعلت شيئاً إلا إعادة روح الثقة بالذات والشعور بالعزّة والهويّة لهذا الشعب والبلد ولنا نحن، فهذا موجب لشكر الله سنوات طوالاً على هذه النعمة. وأريد أن أقول لكم إنّ الإسلام والتفكير الإسلاميّ والروح المنبعثة من الإيمان القرآنّي لا تسمح بقمع قدرات شعب وإهدار مواهبه بهذا الشكل، ولا تسمح بأن يتخدّر نتيجة عدم الاكتراث لقدراته ومواهبه الذاتية، ويأتي الآخرون ليتسلّطوا على مصيره. الإسلام لا يسمح بهذا، والجمهورية الإسلامية لا تسمح بهذا.

 

حين تلاحظون مستكبري العالم والقوى المتغطرسة اللاهثة وراء الهيمنة تتهجّم على الجمهورية الإسلامية - طبعاً بحدود قدرتهم - فهذا هو السبب: لقد تعوّدوا على أخذ ما يريدون وما يستطيعون من هذه المائدة التي لا صاحب لها. وحينما يشاهدون أنّ الأمر قد تغيّر وأنّ الشعب هو المالك الأصليّ لهذه الأرض، قد استيقظ، ولم يعد يسمح لهم بالتطاول، فمن الطبيعيّ أن يغضبوا. هذه هي حقيقة المؤامرات.

 

ذنب الجمهورية الإسلامية وذنب الشعب الذي أحبّ هذه الجمهورية وأحبّ الإسلام وسار في طريقه هو أنّه أراد فقط عدم الخضوع للعسف والهيمنة وإهانة شخصيته من قبل الآخرين. بالطبع، هذا بدوره اختبار للتاريخ، حتى يعلم التاريخ والأجيال القادمة أنّ الشعب إذا شعر بهويّته وآمن بقدراته الذاتية ودفع بطاقاته إلى الساحة، سواء طاقاته العملية أو الصناعية أو التجريبية أو مهاراته أو إيمانه - وهو فوق كل الطاقات - حينما يأتي بجسمه وروحه إلى الساحة فلن تستطيع أيّة قوّة في العالم التغلّب والسيطرة على عزيمته وإرادته وهمّته، بل ستنهزم أمامه. وقد انهزمت لحدّ الآن، وسوف تنهزم في المستقبل أيضاً. كلما كانت مؤشّرات قدراتكم وصمودكم واستقامتكم أكثر، اعلموا أنّهم سيغضبون أكثر. إذا استطاعوا فسوف ينقلون غضبهم هذا إلى الحيّز العمليّ ويمارسونه عملياً، وإن لم يستطيعوا سيضطرّون إلى العضّ على نواجذهم والاكتفاء بمشاهدة تقدمكم إلى الأمام.. وهذا ما سوف يحصل.

 

بعد الثاني والعشرين من بهمن، وبعد تلك الحركة الشعبية العظيمة، حيث كانوا يظنّون البلاد والشعب والثورة ونظام الجمهورية الإسلامية على شكل آخر وأنّ الشعب

 

105


84

خطاب الولي 2010

ركنَ إلى اليأس والخمول، سوف يغضبهم أيّ تحرّك كبير من قِبلكم. الكلام الذي يطلقه الأمريكان اليوم، من أكبرهم إلى أصغرهم، من رئيس جمهوريّتهم إلى الناطق باسم وزارتهم الفلانية، وكذلك بعض الغربيين الآخرين، كلام يدلّ على الغضب. إنّهم غاضبون حانقون يائسون ولا يعرفون ماذا يفعلون. أحياناً يهدّدون، وأحياناً يسحبون تهديدهم، وأحياناً يعودون إلى ذلك التهديد، وأحياناً يطلقون التهم هنا وهناك.

 

هذا الكلام المكرر الممجوج الفارغ الذي يطلقونه حول صناعة الجمهورية الإسلامية لأسلحة نووية، مؤشّر على ذروة عجزهم حتى على مستوى الإعلام. والجمهورية الإسلامية لا تصرّ إطلاقاً على التعامل بكثير من الاهتمام في الدفاع عن نفسها بخصوص هذه القضية، كلّا، نحن لا نؤمن بالقنبلة الذريّة والسلاح النوويّ، ولن نسعى للحصول عليه.

 

استخدام أسلحة الدمار الشامل ممنوع وحرام حسب مبادئنا العقيدية والدينية. إنّه إهلاك للحرث والنسل وقد منعه القرآن ولن نسعى وراءه. إننا نسعى للشيء الذي يجب أن تخشاه القوى المهيمنة خشية حقيقية، وأعتقد أنّها الآن تخشاه ألا وهو إيقاظ روح الحماس والعزّة الإسلامية لدى كلّ الأمّة الإسلامية. وهذا ما سوف نفعله.. ليعلموا ذلك.

 

إنهم يستغلّون الأمّة الإسلامية الموجودة من الناحية الجغرافية في منطقة حسّاسة من العالم - سواء من الناحية العسكرية أو الاقتصادية أو من حيث المصادر الطبيعية - على الرغم من إرادتها. ورسالتنا وهمّتنا هي إيقاظ العالم الإسلاميّ وتحذيره. وقد ترك هذا التحذير أثره، وتلاحظون أنّ كره المهيمنين والجشعين، خصوصاً أمريكا، يزداد يوماً بعد يوم في كل أنحاء العالم الإسلاميّ.

 

ويأتون إلينا ليزعموا كذباً أنّ إيران ضدّ البلدان الجارة. كلّا، البلدان الجارة نفسها تعلم أنّ الأمر ليس كذلك. إذا كانت بلدان الخليج الفارسيّ وبعض الجيران قد أخطأوا لفترة قصيرة في بداية الثورة وتصوّروا أنّ الجمهورية الإسلامية خصمهم، فقد أدركوا مع مضيّ الزمن أنّ الأمر ليس كذلك. هؤلاء إخوتنا وجيراننا. منظومة الخليج الفارسيّ هذه يمكن إدارتها بسياسة عقلانية جماعية ولصالح جميع البلدان الواقعة على شاطئ

 

 

106

 


85

خطاب الولي 2010

الخليج الفارسيّ. الشيء الذي يهدّد هذه الحركة الصحيحة المعقولة هو وجود الأجانب وخصوصاً أمريكا في المنطقة. أمن المنطقة يتزعزع على يد أمريكا وليس من قبل بلدان المنطقة. هم الذين يفرضون انعدام الأمن على المنطقة وبلدانها، ويتمنّون وقوع الخلافات بين هذه البلدان، ويعملون لهذا الغرض كلّ ما يستطيعون. أحياناً تؤتي حيلهم أُكَلها ونتائجها، لكنّها تفشل في غالب الأحيان، وسوف تفشل في المستقبل أيضاً إن شاء الله. إنّهم يريدون صرف أنظار البلدان في منطقة الشرق الأوسط والخليج الفارسيّ وهذه المناطق الحسّاسة عن العدوّ الأصليّ والحقيقيّ. العدوّ الحقيقيّ والأصليّ لهذه المنطقة هو الصهاينة ونظام الولايات المتحدة الأمريكية. هؤلاء لسبب وأولئك لسبب آخر، يريدون صرف الأنظار عن العدوّ الأصليّ، لذلك يطلقون كلامهم الفارغ.

 

الجمهورية الإسلامية تستند إلى قلوب ملايين البشر. حينما تهتف حناجر عشرات الملايين بصوت واحد وبقوّة فلن يمكن محو هذا الصوت والقضاء عليه، إنما ستبقى أمواج هذه الهتافات في العالم مستعصية على الفناء. هذا ليس بالهزل. عشرات الملايين من البشر يطلقون سويّة هتافات تعبِّر كره الاستكبار وكره نظام الهيمنة العالميّ وهتافات الإصرار على العزّة الوطنية والإيمان الإسلاميّ. وليس لمرّة واحدة ولا لمرّتين، بل منذ ثلاثين عاماً والجماهير تطلق هذه الهتافات.. هذا أمرٌ دائم. الهتافات المتناسقة لكلّ هذه الحناجر ولكلّ هذه القلوب أممٌ باقٍ لا يزول. هذا من القوانين الحتمية للطبيعة والتاريخ.. كقانون الجاذبية والقوانين الطبيعية الأخرى. لذلك فهي قوانين لا تقبل التخلّف والتبديل. هذا الصوت باق خالد. الشرط في ذلك هو أن نقوم جميعاً بواجباتنا.. كلٌّ بواجبه. لقد رويت مراراً هذا الحديث الذي قاله الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "رحم الله أمرءاً عمل عملاً فأتقنه"[1]. ينبغي إنجاز الأعمال بإتقان.

 

حسناً، من النقاط الجديرة بالذكر أنّ صناعة هذه الفرقاطة المدمّرة لم تكن مجرّد صناعة فرقاطة مدمّرة، إنّما كانت تكريساً ومأسسة لتصميم وصناعة الفرقاطات الضخمة


 


[1] الحسكاني، عبيد الله بن عبد الله‏، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل‏، تحقيق وتصحيح محمد باقر محمودي، مجمع إحياء الثقافة الإسلامية التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي‏‏، إيران - طهران، 1411هـ‏، ط1، ج1، ص5.

 

107


86

خطاب الولي 2010

في مصانع البلاد.. استفادت من ذلك جامعات البلاد، وجامعة الإمام الخمينّي، وصناعات القوّة البحرية، وصناعات وزارة الدفاع، وتحرّكت الأذهان، وحصلت مناسبة لعمل ونشاط الأقسام الإلكترونية والمؤسّسات المختلفة. نفس هذه الحركة والرياضة الذهنية والعملية تعدّ مكسباً للبلاد، وهي ليست بأقلّ من صناعة فرقاطة بهذه المواصفات. هذا شيء له قيمته الكبيرة. حافظوا على هذا الشيء، ولا تسمحوا بأن تتوقف هذه الحركة العلمية الصناعية. واصلوا العمل والإبداع بشكل متواتر ومطّرد. لم ننتفع في الأعوام الماضية كما ينبغي من السواحل الطويلة لبحر عُمان. تركّزت أذهاننا دائماً على الخليج الفارسيّ وغفلنا عن أهميّة بحر عُمان. هذه النظرة الجديدة التي يحملها جيش الجمهورية الإسلامية لبحر عمان تُمكننا من إنجاز الأعمال الكبيرة. هذه موهبة إلهية لمنطقة جنوب شرقيّ البلاد. لذلك على الحكومة والمؤسّسات المختلفة - وزارة الدفاع والوزارات الأخرى ذات الصلة بهذا الشأن - أن تمدّ يد العون للتقدّم في هذا المجال.

 

هذه أعمال يمكن أن تتحقّق إن شاء الله، لكنني أقصد القول إنه حتى لو لم يتمّ تنفيذ هذه الاقتراحات التي ذُكرت بالشكل المطلوب الذي أؤيده وبسبب النواقص والقيود المختلفة أو لأيّ سبب من الأسباب، مع ذلك يجب مواصلة العمل والتقدّم إلى الأمام. أقول إنّ الطاقات البشرية يمكنها في كل الأحوال والمواطن - وهذه تجربتي في المواقع الإدارية المختلفة طوال ثلاثين سنة - التعويض عن كثير من النواقص. أحياناً لا تتوفّر الأموال الكافية، ويمكن تعويض قلّة الأموال بالإدارة الكفوءة الجيّدة. قد يبدو ذلك صعباً أو غير ممكن من الوهلة الأولى، لكنّه شيء عمليّ ممكن. قد جرّبنا ذلك. جرّبناه في الحرب وفي مختلف الأمور في شتّى القطاعات. لو أردنا النظرة بتلك الرؤية الأولى لتصوّرنا الكثير من الأمور غير ممكن، لكن حينما يدخل الإنسان دائرة العمل يجد أنّ الأمر ممكن. ليست هناك أموال ولا مصادر، بيد أنّ هناك قوة الإرادة والعقل والاقتصاد وتشخيص الإمكانات ومعرفتها هنا وهناك. أحياناً تتوفّر لديكم إمكانيّة لكنّكم لا تفطنون إليها ولا تنتفعون منها وإنّما تستخدمون مصدراً آخر. وحينما ينتهي ذلك المصدر وتنظرون إلى أنفسكم وحواليكم تجدون تلك الإمكانيّة والمصدر أمام أعينكم.

 

 

108


87

خطاب الولي 2010

إذن، لا تدعوا هذه الحركة تتوقف. تابعوا العمل والأمور، سواء هنا أو في الشمال أو في القطاعات المختلفة الأخرى. التنسيق بين الأجهزة القريب بعضها من بعض في هذه الدائرة حالة ضرورية جداً. مثلاً التعاون مع وزارة الدفاع، ووزير الدفاع حاضر هنا، فلتلاحظ هذه النقطة. أحياناً يشتكون لديّ من أنّ بعض الاتفاقات المبرمة لا تنفّذ في مواعيدها. قد يكون الأمر كذلك.

 

يجب أن تتابعوا المسألة، ومن ذلك التأخّر الصناعي في مشروع "الموجة 2". طبعاً قدّم لنا الجيش مؤخّراً اقتراحاً وقلنا فليُدرس هذا الاقتراح لنرى ماذا يمكن فعله من أجل التعويض. أرسلت بعض المحرّكات للأورهال[1] ولم تعد - كما يقولون - ومثال ذلك المحركات الأصلية لطرادات نوع "پيكان". ثمة شكاوى وعتاب من هذا القبيل. ينبغي عدم العتاب لأنكم لستم بعيدين عن بعضكم بعضاً.. إنما أنتم مع بعضكم بعضاً وتابعون لقطب واحد ومتوجّهون لهدف واحد.. تفاهموا وعالجوا المشكلات. وبالطبع لا بّد للّجنة المركزية من أن تساعد على هذا التنسيق والتقريب.

 

أريد أن أوصيكم بأمر: ينبغي استكمال هذا الإنجاز الصناعيّ المهمّ بإنتاج قطع الغيار اللازمة له. ربّما سمعت خلال التقارير التي عرضت اليوم أن تصنيع قطع الغيار قد بدأ. على كلّ حال إذا لم يكن الأمر كذلك فأنا أوصي به وأؤكّد عليه. صناعة قطع الغيار هامة جدّاً. يجب أن لا نتصرّف بحيث نتوجّه لقطع الغيار عند الحاجة أو حينما نكون قريبين من الحاجة، لا، منذ البداية يجب أن نتابع مسألة تصنيع قطع الغيار كعملية مستقلّة، لهذا الشيء بحدّ ذاته فوائده وبركاته.

 

وأريد أن أؤكّد أيضاً على الغواصات. يجب أن يكون أحد أهداف القوّة البحريّة وتوجّهاتها قضيّة الغواصات. إذا كانت القوّة البحريّة اليوم كما سبق أن قلنا قوّة استراتيجية - وهذا هو الحال - وهي من الخطوط المهمّة جداً في الدفاع عن البلد، فعليكم بالاهتمام للإمساك بزمام الأمور. ومن القضايا أيضاً قضيّة الحرب الإلكترونيّة. لقد شدّدت عدّة مرّات خلال الأعوام الماضية، سواء في لقاءاتي بالقوّة البحريّة، أو


 


[1] إنزال المحرّك لفحصه وتصليحه.

 

 

109


88

خطاب الولي 2010

في لقاءاتي بالقوّة الجويّة، على قضيّة الحرب الالكترونية، وأؤكد عليها مرّة أخرى. أعداؤكم يركّزون على القدرات الإلكترونية في الأسلحة والحروب، وهم يعملون في هذا النطاق منذ سنوات. الدفاع الالكترونّي مهمّ جدّاً بالنسبة لنا. اعملوا في مجال الإلكترونيات. ولحسن الحظّ تتوفّر لدينا الأرضيّات اللازمة لذلك: صناعاتنا الإلكترونية جيّدة، ولدينا علماء جيّدون وناشطون جيّدون، وتتوفّر عندنا أرصدة هائلة لا تنتهي هي شبابنا.

 

حفظكم الله تعالى جميعاً، وأنا أدعو لكم وأتمنّى أن تستطيعوا أنتم شباب القوّة البحرية أن تبنوا بمشيئة الله قوّة بحريّة تليق بمكانة الشعب الإيرانيّ. قالوا إنّ بلدنا بلد بحريّ. وهذا هو الواقع.. إنّه مرتبط بالمحيط والبحر، والبحر هنا بحر له كلّ هذه الأهميّة والحساسية، سواء الخليج الفارسيّ أو بحر عمان وسائر الأجزاء والمواقع التي أضفت كلّ هذه الأهمية على هذه المنطقة. هذا البلد البحريّ يحتاج طبعاً إلى قوّة بحريّة مميّزة جداً. وهذا ما سيتأتّى بالتأكيد والذي سيقوم بهذا العمل هم أنتم الشباب الأعزاء.

 

حفظكم الله تعالى وشملكم بأدعية سيّدنا الإمام المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، ودعت لكم أرواح الشهداء الطيّبة والروح المباركة لإمامنا الجليل في عوالم الملكوت إن شاء الله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

110

 


89

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة

 

المناسبة:   الاجتماع السنويّ لأعضاء مجلس خبراء القيادة

الحضور:  أعضاء مجلس خبراء القيادة

المكان:   طهران

 

الزمان:    60/21/8831هـ.ش.

10/03/1431هـ.ق.

52/20/0102م.

 

 

111

 


90

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.

 

أوّلاً، أشكر السادة المحترمين أركان البلاد لجهودكم التي بذلتموها من أجل المشاركة في هذا الاجتماع الهام، وتفضّلكم بالمجيئ إلى هنا. وفّقكم الله ووفّقنا جميعاً للعمل بواجباتنا. ونقدّم التعازي ـ بمناسبة رحيل المرحوم الشيخ فاكر ـ لكم جميعاً أيّها الأخوة الأعزّاء ولزملائه، ونبدي أسفنا لفقدان شخصيّة خدومة وغيورة وقديرة ودؤوبة. منذ عام 1342 شهدتُ نشاطه وتحمّله للسجن. كنّا في السجن سويّة مع المرحوم الشيخ فاكر في مشهد سنة 42، فأعلى الله من درجاته.

 

مسألة الخبراء - كما قيل مراراً - مسألة هامّة جدّاً واستثنائية، وهي من مميّزات نظام الجمهورية الإسلامية. جماعة الخبراء هم جماعة العلماء الأعلام وأصحاب المكانة والمنـزلة بين الناس والموثوقين من قبل الجماهير في كلّ القضايا، وخصوصاً في قضيّة على جانب كبير من الأهميّة هي قضية القيادة وانتخاب القائد، وما يتعلّق بها من أمور. وهذه المشاركة المؤثّرة والحسّاسة بين الناس لها في السابق والحاضر آثاراها وخيراتها الجمّة. مشاركة الجماهير في الأحداث الكبرى والمهمّة وإعلانهم عن مواقفهم - كما حصل في التظاهرات الهامة في الثاني والعشرين من بهمن، والتي كانت بحقّ ظاهرة عظيمة في تاريخ الثورة وفي هذه الظروف والأحوال والأوضاع، وقبل ذلك مشاركة الجماهير في الشوارع في كلّ أنحاء البلاد في التاسع من دي - ما كانت لتتحقّق لولا توعية العلماء وهداة الجماهير المعنويين والموثوقين من قبل الجماهير، وتنويرهم قلوب الناس بحقائق الثورة. إن دور علماء الدين في هداية الناس لا يقتصر على الهداية في الشؤون الفرعية والمسائل الشخصية وما إلى ذلك. الأهمّ من كلّ ذلك

 

 

113

 


91

خطاب الولي 2010

هداية الجماهير فيما يتّصل بقضيّة اجتماعية كبرى هي قضية الدولة والنظام الإسلاميّ، والواجبات التي تترتّب على هذه القضية في مواجهة الأحداث العالمية. لو أُلغي دور علماء الدين والموجّهين الروحانيين والمعنويين، لما كانت هذه الثورة، ولما تأسّس هذا النظام ولما بقي وصمد أمام كل هذه المشكلات الجمّة التي واجهت الثورة. وعلى ذلك، فإنّ لعلماء الدين - وجماعة الخبراء من خيرتهم - تأثيراً مستمراً في أحداث المجتمع ومصيره، ونحن نرى آثار ذلك والحمد لله.

 

يقوم النظام الإسلاميّ في أساسه على إطاعة الله.. هذه هي الميزة الرئيسة.. ﴿أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ﴾[1]، ﴿إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ  َ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ﴾[2] إذن، أساس النظام الإسلاميّ هو إطاعة الله تعالى.

 

وإن لطاعة الله تعالى مراتب عدّة: الأولى الطاعة الصادقة. في أحوال ومصاديق معيّنة يقول الله تعالى: افعلوا هذا - حتى لو كان هذا الفعل فعلاً شخصياً - يقول مثلاً: أقيموا الصلاة، أو صوموا، أو زكّوا، أو سائر الأمور. هذا نمط من الطاعة أن يطيع الإنسان الأمر الإلهيّ وينتهي بالنهي الإلهيّ. والأهمّ من هذه الطاعة الطاعة المنهجية ومعناها أن يطيع الناس المنهج والطريق والخطّة التي يرسمها الله تعالى للحياة، لكي تتحقّق هذه الخطّة. هذه الخطّة لا تحصل بالأعمال الفردية، إنّما هي حالة أخرى وقضيّة أخرى.. إنّها قضية أعلى وأسمى وتحتاج إلى عمل جماعيّ حتى تتحقّق الخطة الإلهية والهندسة الإلهية بخصوص وضع المجتمع الإسلامي. ومثال ذلك: كان المسلمون في مكّة يؤدّون أعمالهم، لكنّ المجتمع الإسلاميّ في مكّة يختلف عنه في المدينة حيث تأسّست هناك حكومة إسلامية.

 

لقد ظهرت هناك أعمال جديدة وحركة أعلى من الحركات الفردية وهي حركة ضرورية لو تحقّقت ﴿لَأَكَلُواْ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۚ﴾[3]، أي لكانت الحياة حياة طيّبة سعيدة، ولترتّبت الآثار والبركات والنتائج الإيجابية، النابعة من إطاعة


 


[1] سورة النساء، الآية 59.

[2] سورة آل عمران، الآية 31.

[3] سورة المائدة، الآية 66.

 

114


92

خطاب الولي 2010

الأوامر الإلهيّة، على الحياة الإنسانية.

 

النظام الإسلاميّ يمنح البشر السعادة. والنظام الإسلاميّ هو النظام المبتنى على الهندسة الإلهية للمجتمع وعلى الخطّة التي رسمها الخالق للمجتمع. إذا تحقّقت هذه الخطّة لأمكن غضّ الطرف عن كثير من المخالفات وحالات الزيغ والزلل الفردية والشخصية والجزئية. ثمة رواية تروي حديثاً قدسياً جاء فيه: "لأعذّبنّ كل رعيّة في الإسلام دانت بولاية كلّ إمام جائر ليس من الله، وإن كانت الرعيّة في أعمالها برّة تقيّة، ولأعفوّن عن كلّ رعيّة في الإسلام دانت بولاية كلّ إمام عادل من الله وإن كانت الرعيّة في أنفسها ظالمة سيئة"[1].

 

بمعنى أن العمل الفرديّ والإساءة أو المخالفة الفردية في النظام الاجتماعيّ الكبير السائر عموماً بالاتّجاه الصحيح، يمكن التجاوز وغضّ النظر عنها، أو هي بتعبير أدقّ ممكنة الإصلاح والتصحيح، أي إنّ المجتمع سيستطيع على كلّ حال الأخذ بأيدي هؤلاء الأفراد إلى الغاية المطلوبة، وذلك خلافاً لما لو كانت الأعمال الفردية صحيحة لكن العلاقات والنظم الاجتماعية نظم خاطئة جائرة غير مرخّصة من قبل الله تعالى، بل مملاة من قبل الشيطان والنفس وأهوائها، عندئذ لن تستطيع الأعمال الفردية الأخذ بيد ذلك المجتمع إلى الغاية المنشودة وما تريده الشرائع الإلهية من سعادة للبشرية.

 

إذن، قضيّة الطاعة العامّة وأن ينشد الإنسان المنهج الإلهيّ فيجده ويسير عليه، قضيّة على جانب كبير من الأهميّة. إن النظام الإسلاميّ يقوم على أساس التوحيد. فالتوحيد هو القاعدة الأصلية. والركيزة المهمّة الأخرى هي العدل، والركن المهمّ الآخر هو تكريم الإنسان وكرامته ورأيه. لو نظرنا إلى مجتمعنا الإسلاميّ من هذه الزاوية لوجدنا أنّه استطاع إطلاق حركة هائلة في العالم الإسلاميّ حيال هذه المنظومة الخاصّة، وهي لم تكن متاحة بأيّة حركة فرديّة. أي إنّنا حينما ننظر اليوم إلى العالم الإسلاميّ نجد أنّ المجتمع الذي تأسّس وفقاً للشكل والهندسة الإلهية هو نظام الجمهورية الإسلامية.

 

الأساس أساس إلهيّ. طبعاً ثمة نواقص ونقاط ضعف وينبغي تلافي نقاط الضعف


 


[1] الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح عليّ أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج1، ص376.

 

 

115


93

خطاب الولي 2010

هذه وتصحيحها والعمل على إصلاحها. الأمر كما لو أن ّقطاراً كان على السّكة الحديدية وهو يسير نحو هدف معيّن. من الطبيعيّ أن يكون في هذا القطار أشخاص يعملون بواجباتهم وآخرون لا يؤدّون واجباتهم. البعض يوسّخون أرضية القطار وبعضهم الآخر ينظفها، بعضهم دقيق في أداء واجباته وبعضهم الآخر ليس كذلك، لكنّ القطار سائر نحو هدفه وسيصل إلى هدفه بلا شكّ.

 

القضايا الجزئية داخل المجتمع يمكن إصلاحها. وحين أقول جزئية لا أعني أنّها غير هامة، فهي هامّة، لكنّها قضايا فردية وشخصية وجزئية تتعلّق بالأفراد، ويمكن بالتالي تصحيحها وإصلاحها. الأساس هو أن يستطيع الإنسان الحفاظ على النظام. هذا هو التحدّي الأصليّ الكبير الذي واجه النظام الإسلاميّ منذ بداياته وإلى اليوم.. أعني الحفاظ على النظام الإسلاميّ وصيانة هذا الأساس وحفظ تلك الحدود والمؤشّرات والعلامات التي تميّز هذا النظام عن سائر الأنظمة في العالم.

 

تجمعنا مع الآخرين مساحات مشتركة ونلتقي معهم على نقاط معيّنة، بيد أنّ الأمور التي تشكّل الهوية الأصليّة لهذا النظام - وهي إطاعة الله تعالى والسير على الصراط الإلهيّ - يجب أن تُحفظ وتصان. كان هذا هو التحدّي الحقيقيّ والرئيس لنظامنا منذ قيامه. بمعنى أنّ المعارضين لم يكونوا يطيقون هذا النظام وهذه المسيرة على أساس الأحكام الإلهية والدِّين الإلهيّ. لماذا لا يطيقونه؟ بعض يدرك بنظراته العميقة النافذة أن هذا تحدّ للأنظمة المادية، ولذلك يجابهه انطلاقاً من هذه النظرة. وبعضهم ينظر إلى الآثار المترتّبة على هذا النظام في العالم. وكما قال إمامنا الراحل يجب تشكيل خلايا حزب الله في كلّ العالم الإسلاميّ. وهم يرون أنّها تشكّلت فعلاً. ويرون أنّ القلوب مالت إلى الإسلام. ويرون أنّ الشعور بالهوية الإسلامية قد ظهر لدى كلّ واحد من المسلمين في الكثير من أنحاء العالم الإسلاميّ. وهذا ما يهدّد المصالح الماديّة للمستكبرين. إنّهم بالتالي يدركون أنّ مصدر هذه التغيّرات هنا. لذلك يواجهون هذا المصدر ويعارضونه، والحقّ أنّنا لا نعرف نظاماً واجه كلّ هذه المعارضات وبهذه الدرجة من الشدّة واتّحدت ضدّه جبهة الاستكبار. كان هذا هو الحال منذ بداية الثورة وإلى الآن.

 

 

116


94

خطاب الولي 2010

حسناً، علينا الاهتمام بتعزيز النظام وحفظه. أسس النظام معروفة ومعلومة، وينبغي للجميع السير وفقاً لها والعمل على تكريسها وتقويتها، والجدّ والاجتهاد والإبداع من أجل ذلك.

 

من القضايا الهامة دور الشعب ومشاركته، ومن أبرز مظاهر ذلك الانتخابات. من هنا كانت الانتخابات في نظام الجمهورية الإسلامية أمراً حقيقياً وليس شكلياً أو صورياً. إننا لا نقصد من الانتخابات تقليد الآخرين، ولأنّ لدى الآخرين انتخابات باسم الديمقراطية لذلك يجب أن تكون لنا أيضاً انتخابات، كلّا، الانتخابات حالة حقيقية لإشراك أصوات الناس وآرائهم وإحراز رضاهم، وهو ما نلاحظه في العهد المعروف الذي كتبه الإمام عليّ عليه السلام لمالك الأشتر حيث أوصاه بترجيح رضا العامّة على رضا الخاصّة، وبعدم خشية سخط الخاصّة في ظلّ رضا العامّة.

 

يجب أن ننظر ونرى ماذا يقول الناس وماذا يريدون. في مشاركة الجماهير الخير والبركة. فمن بركاتها أنّ الأعداء حين ينظرون إلى الجماهير وهي تقف سنداً للنظام سيشعرون أنّ من المتعذّر معارضة هذا النظام، إذ لا يمكن معارضة شعب بأكمله. يمكن الضغط على نظام حكم معيّن بشتّى أنواع التضييقات والضغوط الاقتصادية والإعلامية والحرب النفسية أو إسقاطه حتّى، ولكن حين تكون لهذا النظام جذور شعبية ويكون هو والمسؤولون فيه على صلة وثيقة بالجماهير ستغدو مهمة العدوّ صعبة، وهي الآن كما تلاحظون صعبة.

 

لقد اتّسع العداء وتعمّق وازداد تعقيداً منذ بداية الثورة. لكنّ آمال العدوّ في دحر الثورة وهزيمتها انحسرت في الوقت ذاته. بمعنى أنّ الأمل الذي راود أعداء نظام الجمهورية الإسلامية قبل عشرين سنة أو ثلاثين سنة بأن يستطيعوا إسقاطه ومحوه وإزالته أو تضعيفه على الأقلّ حتّى لا يستطيع مواصلة تحرّكه، أقول إنّ هذا الأمل لم يعد اليوم موجوداً. يفهم الإنسان هذا من كلامهم ومن مبادراتهم ومن أعمالهم. إذن، ظاهرة حضور الجماهير ومشاركتهم في الساحة مسألة هامة، والانتخابات من أبرز مؤشّرات المشاركة الشعبية.

 

إن أساس القضيّة في الفتن التي أعقبت الانتخابات هو أن بعضهم رفض أصوات

 

 

117

 


95

خطاب الولي 2010

الناس ومشاركتهم ونال منها وكذّب النظام ووجّه له التهم. هذا هو الذنب الكبير الذي ارتكبوه. كان عليهم التسليم للشعب. بالتالي، حينما تقام الانتخابات بالمعايير التي يرسمها الإسلام - وسوف أذكر بعض المعايير والمؤشّرات التي يرسمها الإسلام للانتخابات وهي معتبرة ومحترمة من وجهة نظرنا - يجب عليهم التسليم أمام القانون وأمام ما يحكم به القانون، كما يجب عليهم التسليم والقبول أمام الحكم الذي يحدّده القانون. إذا حدّد القانون في قضية هامة مثل قضيّة الانتخابات حكماً، أو رسم أسلوباً معيناً للتحكيم فعلينا التسليم لهذه الأدوات القانونية حتى لو كانت خلافاً لميولنا.. هذه هي الانتخابات السليمة.

 

إذا كانت الانتخابات بهذا الشكل وبالنحو المقرّر والمعتبر في النظام الإسلاميّ، ستكون لها هذه الخصائص: أوّلاً هناك في الانتخابات احترام لأصوات الناس وتشخيصهم ورضاهم. أقولها لكم: «ما لا يوجد اليوم في العالم الديمقراطيّ الذي يقيم الانتخابات ويرفع راية الانتخابات هو «رضا العامّة". القضيّة هناك صورية وهي كذلك في أغلب الأحيان. هكذا هي في أمريكا وفي البلدان الديمقراطية المعروفة في العالم. ثمة وراء هؤلاء الأشخاص الذين يتقدّمون إلى ساحة الانتخابات ويخوضون التنافس الانتخابيّ، جماعات من جبهات خاصة، أي الرأسماليون والشركات وأصحاب النفوذ الماليّ، والعصابات المالية الكبرى.. هؤلاء هم الذين يمرّرون الأمور والأعمال بإعلامهم المضلّل وبأساليب مختلفة ويجرّون أصوات الشعب ذات اليمين وذات الشمال. والواقع أنّ المسألة صراع بين الشركات، وليست صراعاً بين أصوات الشعب. إنه شيء خيالّي غير حقيقيّ. الواقع أنّ الحكومة الديمقراطية هناك هي حكومة الأقلّية وحكومة الخواصّ، وصفة الخواصّ هذه إنما تتحقّق لهم بسبب إمكاناتهم المالية الواسعة.. هؤلاء هم الذين يرسمون السياسات.

 

والحال ليس كذلك في الانتخابات في نظام الجمهورية الإسلامية. الشعب هو الذي يتّخذ القرار هنا، وهو الذي يشخّص الأمور. وقد يكون هذا التشخيص صحيحاً في موطن من المواطن وخاطئاً في موطن آخر - ليس هذا هو مدار النقاش - بيد أنّ القرار بيد الشعب. ليس هنالك عصابات قوّة وثروة وما إلى ذلك وراء أصوات الشعب. في

 

 

118


96

خطاب الولي 2010

هذه الانتخابات ثمة حقاً احترام لأصوات الشعب، ولرأيه وتشخيصه. وينبغي التسليم لهذا التشخيص.. هذه مسألة.

 

المسألة الأخرى في الانتخابات وأهميّة الانتخابات هي التنافس والسباق السليم الموجود، والحيويّة والفرحة العارمة الشعبّية المتوفّرة فيها. الانتخابات شيء من شأنه أن يُشعر الناس بالمسؤولية وبأنّ عليهم النـزول إلى الساحة لتشخيص من يؤيدون. إنّ حيويّة الجماهير دم جديد يُحقن في شرايين النظام ويمنحه روحاً جديدة. ثمة تحوّل في الإدارة. من أهمّ حسنات هذه الانتخابات حؤولها دون الركود والخمول. أفضل أشكال استمرار النظام الاجتماعيّ هو أن يتحوّل ويتغيّر رغم ثباته. الركود سيّئ لكنّ الثبات حسن. الثبات يعني الاستقرار وأن يبقى هذا الإطار وهذه الهندسة محفوظين مستقرَّين متجذّرين، ويوجد في الوقت ذاته تحوّلات وسباق وتنافس داخل هذا الإطار. هذا هو أفضل الأشكال التي تستطيع بها سفينة النظام السير وسط البحار الصاخبة دون أضرار وأخطار. ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ﴾[1] هذا بخصوص سفينة نوح.. سفينة تجري وسط الأمواج العاتية لكنّ هذه الأمواج لا تستطيع زعزعة استقرار هذه السفينة ومتانتها. لا بُدّ من توفّر هذا الاستقرار. طبعاً يوجد في داخل هذا الاستقرار وفي داخل هذا الإطار تحوّل وتغيّر.

 

إذن، يتعيّن أن تكون كافّة التحوّلات داخل الإطار. إذا دخل شخص ساحة التنافس الانتخابّي وأراد تحطيم الإطار يكون قد خرج عن قواعد النظام وقواعد العملية الانتخابية، وهذا خطأ وغير صحيح. ينبغي أن يكون كلّ شيء داخل إطار النظام. هذا الإطار لا يقبل التغيير.

 

من الضروريّ التشديد على الحدود بين النظام ومعارضيه وأعدائه في الانتخابات. قد يكون هناك رأيان متباينان لاثنين من المرشّحين حول قضيّة اجتماعية أو اقتصادية، لا مانع من هذا أبداً. فليطرحوا آراءهم ولكن من غير أن تصل تلك الآراء إلى درجة معارضة أصل النظام ليشخّصوا حدودهم، فهذا التشخيص أمر ضروريّ. لقد أكّدنا


 


[1] سورة هود، الآية 42.

 

119


97

خطاب الولي 2010

مراراً على تمييز الحدود، والسبب هو أنّ الحدود إذا وهنت ستؤدّي إلى وقوع الناس في الخطأ. إنّها كالحدود بين البلدان إذا ضعفت ووهنت سيستطيع بعضهم دخول الحدود لغرض الخيانة من دون أن يعرفوا، وسيستطيع بعضهم الخروج من هذه الحدود عن غفلة وهم لا يشعرون أنّهم يخرجون من الحدود. لذلك، يتوجبّ التأكيد على الحدود. الخطأ الفاحش الذي يقع فيه الذين لا يراعون هذه الحدود في الانتخابات هو أنّهم يسبّبون المتاعب والحيرة للناس. ينبغي تشخيص الحدود بين النظام وأعدائه ومعارضيه بنحو تامّ، والاعتماد على هذا التشخيص وإعلان البراءة من أعداء النظام ومعارضيه.

 

طبعاً، ينبغي في الانتخابات ترجيح مصالح النظام والبلاد على المصالح الحزبية والفئوية والشخصية وما إلى ذلك، وأن تكون الآراء شفّافة وواضحة ويكون واضحاً ما الذي يريدونه. إذا أقيمت مثل هذه الانتخابات لكان ذلك يقيناً لصالح النظام ولصالح تقدّم البلاد ولصالح جماهير الشعب، وسيُحافظ هذا على النظام حياً متوثّباً ويتقدّم به إلى الأمام.

 

وأريد أن أقول إنّ الواقع العامّ لنظامنا ولحسن الحظّ ليس أسوأ مما كان في الماضي بحال من الأحوال، بل هو أفضل بكثير وعلى كثير من المستويات. يتوجّب التنبّه لهذه الحقيقة.. هذا ليس خيالاً مجنّحاً ولا هو تعبير عن طموحات، إنما هو كلام في ضوء الحقيقة والواقع.

 

تلاحظون اليوم أنّنا محرومون من الأنفاس الدافئة لإمامنا الجليل، ولا تعيش البلاد ظروف الحرب - حيث كان الناس يعيشون حالة النشاط العارم والتوثّب بسبب وجود الحرب - وابتعدنا زمنياً عن الثورة مدّة واحد وثلاثين عاماً، ولكن تلاحظون في الوقت ذاته أنّ عدداً كبيراً من شباب هذا الشعب - وغير الشباب في محلّهم، إنّما حتّى الشباب الذين هم عرضة للتهديدات الأخلاقية والفكرية وشتّى الانحرافات - يشاركون في الميادين المختلفة بمنتهى الطهر والتهذيب. وكذا الحال بالنسبة للجامعات، وخارج الجامعات، وفي مختلف المجالات الاجتماعية.

 

الشباب يشاركون غالباً في التجمّعات العظيمة التي تقام. وقد شاهدتم نموذجاً نادراً لذلك في الثاني والعشرين من بهمن، سواء في طهران أو في باقي المدن - كما

 

120

 


98

خطاب الولي 2010

يلاحظ المرء عبر كاميرات التلفزة وما يسمعه ممن شاركوا وشاهدوا عن كثب - حيث كان معظم المشاركين من الشباب. غالبيّة تلك الحشود كانت من الشباب. فعلى ماذا يدلّ هذا؟ الناس يشعرون بالمسؤولية فينزلون إلى الساحة. شعور الناس ـ والشباب خاصّة ـ بالمسؤولية وبعد مضيّ واحد وثلاثين عاماً على الثورة حدث عظيم جداً.. حدث كبير جداً.

 

لماذا ساهمت الجماهير في الثاني والعشرين من بهمن لهذه السنة بحرارة وحشد أكبر مما كان في السنة الماضية؟ لأنّهم شعروا بالخطر ورأوا أنّ هناك من يتذرّع بقضيّة الانتخابات وما بعد الانتخابات للنيل من أساس النظام، وممارسة المعارضة والتهجّم على النظام. وكان سلوكهم الخطير هو أنّهم كانوا يذكرون أحياناً اسم الإمام والثورة لكنّ أقوالهم وأفعالهم ومبادراتهم وتحريضاتهم في النقطة المعاكسة تماماً لمنهج الثورة ومسارها وأهدافها. شعرت الجماهير بذلك. أن يدرك الشعب هذا الأمر ويشعر به فهذا ينمُّ عن بصيرة عالية، وهو ظاهرة على جانب كبير من الأهميّة. وأن ينـزل الناس بعد شعورهم ذاك إلى الساحة بهذه الكثافة والحماس فهذا دليل هّمة وعزيمة عالية تمثّل حالة مهمّة جداً. يجب أن نرى كل هذا ونعرف قدره ونشخّص عوامله. من العوامل المؤدّية إلى ذلك تديّن الناس والملاك الأساس في النظام الإسلاميّ، أي طاعة خالق العالم. هذه برأيي النقطة الأساس أكثر من سواها.

 

إننا نواجه اليوم جبهة عداء كبيرة تمتدّ على امتداد أنحاء عالم الأقوياء. إنّها جبهة تشكّلت في مراكز القوى الدولية، والقوى المالية والاقتصادية التي غالباً ما تكون في أيدي الصهاينة والرأسماليين الكبار. وتستخدم هذه الجبهة في مواجهتها للنظام الإسلاميّ كافّة الوسائل. ويوجد في الداخل للأسف من يتجاوبون معها، ويتحوّلون إلى أطراف تثق بهم تلك الجبهة فيكرّرون أقوالها ويتعاونون معها لتستطيع توجيه ضربة لنظام الجمهورية الإسلامية! ثمة مثل هذه الحالة للأسف.

 

ولكن ثمة مقابل ذلك وعي الجماهير وصحوتهم ومشاركتهم وتدينّهم وحبّهم لمباني النظام وركائزه. هذه حقائق مشهودة في الجمهورية الإسلامية، وقد تقدّمنا إلى الأمام طوال كلّ هذه الأعوام المتمادية ونشكر الله تعالى على ذلك. واجبنا اليوم هو الحفاظ على هذه الهندسة

 

 

121

 


99

خطاب الولي 2010

العظيمة.. يجب الحفاظ عليها. وينبغي في الحفاظ على هذه الهندسة تشخيص الحدود. هنا يكمن التشخيص للحدود الذي أتحدّث عنه، وإلا فيما دون ذلك من الأمور والمسائل - سواء المسائل التي تأتي في الدرجة الثانية من الأهميّة أو ما دون ذلك - قد تظهر بعض الاختلافات في وجهات النظر. هذه الاختلافات في الرؤى والأفكار لا تضرّ بالمجتمع، بل إنّ اختلاف وجهات النظر يؤدّي إلى التقدّم. ليست هذه التباينات في الآراء بالشيء المهمّ. وقد تؤثّر في التنافس الانتخابّي ولا إشكال في ذلك. المهم هو أساس النظام والهندسة الكلية للنظام والخارطة الجامعة للنظام. ينبغي أخذ هذا الأمر بنظر الاعتبار وإبداء الحساسية تجاهه. يتعيّن النظر في ماهية العلاقة بين الكلام الذي يطلق والأفعال التي يؤتى بها وبين الخارطة العامّة.

 

تنبغي معرفة العداوات. هذه هي مشكلتنا، ولهذا السبب أكرّر مسألة البصيرة للخواصّ. أحياناً يُغفل عن العداوات الموجّهة للأسس والركائز، وتحمل على القضايا الجزئية. وقد كانت لدينا نفس هذه المشكلة للأسف في بداية الثورة الدستورية. في تلك الفترة أيضاً كان ثمة علماء كبار - ولا أريد ذكر الأسماء فهم مشاهير والكل يعرفونهم - لم يروا المؤامرة التي ينسجها المتأثرون سلبياً بالغرب ما يسمى بالمثقّفين المهزومين أمام الأفكار الغربية.

 

لم يلتفتوا إلى أنّ الكلام الذي يتحدّث به هؤلاء في مجلس الشورى الوطنيّ يومذاك أو كتبوه في صحفهم إنّما هو محاربة للإسلام، لم يتفطّنوا لهذا الشيء وانتهجوا منهج المماشاة. وكانت النتيجة أن شُنق الشخص الذي علم بذلك الوضع وأدركه - كالمرحوم الشيخ فضل الله نوري - أمام أعينهم ولم يبدوا أي تحسّس أو ردّة فعل أو ردود فعل تجاه ذلك. ثمّ إنّ نفس أولئك الذين لم يبدوا أية ردة فعل أو ما يلزم من الاهتمام اللازم لما أصاب الشيخ فضل الله، تعرضوا للعدوان والتطاول والهتك وامتدّت إليهم النيران، فأزهقت أرواح بعضهم وهتكت سمعة بعضهم. كان ذلك خطأ وقع يومذاك وعلينا اليوم أن لا نقع فيه.

 

الإمام الخمينيّ قدس سره كان جامعاً لكثير من الصفات القيادية، ومن أهم ميزات شخصيته هو هذ التحسس. فمثلاً بمجرّد أن ظهر تحرّك ضدّ قانون القصاص، أدرك الإمام

 

 

122

 


100

خطاب الولي 2010

كنه القضية بحساسيّته، وفهم ما معنى معارضة قانون القصاص الإسلاميّ، فصدر عنه ردّ الفعل العجيب والحاسم الذي تتذكّرونه. يجب أن نكون حسّاسين متفطّنين هكذا.

 

يتوجّب علينا أن لا نبدي أيّ إهمال لأساس النظام وهيكليته. هناك قضايا من الدرجة الثانية يمكن بالطبع معالجتها. شاهدت مثلاً اهتماماً بالمشروع المطروح هذه الأيام في مجمع تشخيص مصلحة النظام. ومن الواضح أنّ هذا المشروع حينما يُطرح في مجمع تشخيص المصلحة فإنّ رأي المجمع رأي استشاريّ على كلّ حال، وسوف يأتي الأمر إلينا وسوف نعمل ما نعتقد به ونطرحه باعتباره سياسة عامّة.

 

لا مِراء أنّ لمجلس صيانة الدستور وظائفه وينبغي عدم النيل من هذه الوظائف المصرّح بها في الدستور وهي الإشراف على الانتخابات والبتّ في أهلية المرشّحين وأمثال ذلك. يمكن إصلاح هذه الأمور، أي ينبغي عدم جعل هذه القضية مداراً للجدل والصراع والنـزاع. هذه أشياء يمكن علاجها وإصلاحها. وقد يقع المرء في الخطأ في هذه الغمرة. الخطأ هنا ممكن التصحيح. وهذه ليست قضايا رئيسة، إنّما القضايا الرئيسة هي تلك التي كانت طوال هذه الأشهر الثمانية أو التسعة التي أعقبت الانتخابات محل خلاف بين النظام الإسلاميّ ومنظومة الكفر والاستكبار، وهنا كرر بعضهم كلام أولئك.

 

إنّهم يريدون زوال النظام الإسلاميّ الدينّي المبتنى على طاعة الله ورسوله. كلّ ما يضمن الطاعة العامّة لهذا النظام يعدّ بالنسبة لهم عدواً، فيعملون وينشطون ضدّه ويبذلون كلّ مساعيهم لضربه. وينبغي لهذا الجانب من القضية أن يبذل الواحد منّا بدوره قصارى سعيه وجهده للحفاظ على هذه الأركان الأصلية والمباني والمبادئ الرئيسة. يتوجَّب عدم الغفلة عن المسألة الرئيسة. ويجب تشخيص الخطوط بنحو واضح وصريح. بمعنى أنّ الملتزمين بالنظام الإسلاميّ وبمشاركة الشعب - بهذه الحوافز والإيمان الذي يحمله الشعب - يجب أن تتشخّص الحدود الفاصلة بينهم وبين الذين لا يريدون لهذه الحركة أن تستمرّ بشكلها الإسلاميّ هذا.

 

الذين يعارضون القانون ويخالفونه. وينبغي أن تكون هذه الحدود حدوداً واضحة جليّة حتّى لا يقع الناس في الخطأ والشبهة. الناس ينظرون إلينا، وينبغي لنا نحن أن نعلم ما هي الخطوط الفاصلة. هذا هو أساس القضيّة، وكلّ ما دونه يمكن صرف

 

 

 

123

 


101

خطاب الولي 2010

النظر عنه ومعالجته. حتّى لو كان ثمة تباين في وجهات النظر يتحتّم أن لا يؤدّي هذا التباين إلى معارضة وجدال وخصومة، فالعدوّ هو الذي يربح من هذه الخصومات. هذا هو ما نقوله.

 

الذين يؤمنون بهذه الخارطة العامّة المتبلورة في الدستور وسيادة القانون وتحكيمه هم داخل النظام الإسلاميّ. والذين يرفضون هذه الأمور إنّما يخسرون بأيديهم صلاحية حضورهم داخل النظام الإسلاميّ، فهم لا صلاحية لهم لذلك. الذين لا يبدون استعداداً لتحمل القانون ولا هم مستعدون لقبول الأكثرية، والذين يشككون في تلك الانتخابات العظيمة التي شارك فيها أربعون مليوناً فكانت مبعث فخر، ويريدون تبديل نقطة من نقاط قوّة النظام إلى نقطة ضعف هؤلاء في الواقع يخرجون أنفسهم بأنفسهم من سفينة النجاة هذه المتمثّلة بالنظام الإسلاميّ. وإلا لا يريد أحد إخراج أحدٍ من سفينة النجاة. نبّي الله نوح عليه السلام قال لابنه: ﴿يَٰبُنَيَّ ٱرۡكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾[1] والنظام الإسلاميّ يتأسّى بالنبّي نوح ويقول للجميع: تعالوا وكونوا معنا واركبوا سفينة النجاة هذه، ﴿وَلَا تَكُن مَّعَ ٱلۡكَٰفِرِينَ﴾ هذا هو الهدف والمبنى. إنّنا لا نطرد أيّ إنسان من النظام، ولكن ثمة أشخاص يطردون أنفسهم بأنفسهم من النظام، يخرجون أنفسهم من النظام.

 

نتمنّى أن يوفّقنا الله تعالى لنستطيع الحفاظ على النظام الإسلاميّ بكلّيته هذه، وباتّجاهه الصحيح الذي سرنا عليه إلى الآن والحمد لله، وأن نستطيع تقديم الخدمة لهذا النظام والشعب. حينما ينظر المرء يجد أن وعي الناس وبصيرتهم وشعورهم بالمسؤولية قبال النظام الإسلاميّ نادر حقاً. بمثل هذا الشعور بالمسؤولية وبمثل هذه الجاهزية، لا شكّ أنّه لو وقعت في البلاد حالياً حادثة مثل حادثة الدفاع المقدّس لكان الذين يخوضون غمار الساحة أكثر من الشباب الذين خاضوا يومها غمار الدفاع المقدّس، إن المرء ليشعر بهذا من هذه الحركات الشعبية الهائلة.


 


[1] سورة هود، الآية42.

 

 

124


102

خطاب الولي 2010

نأمل أن يوفّقنا الله تعالى نحن والشعب وكافّة المسؤولين ليستطيعوا النهوض بواجباتهم. وواجبات المسؤولين على وجه الخصوص جسيمة. المسؤولون في السلطات الثلاث مسؤوليّاتهم عظيمة جداً، وعليهم النهوض بها بمزيد من الدقّة والجدّ والاهتمام، وليُنـزل الله تعالى أيضاً رحمته علينا بمشيئته ولا يقطع عنّا فضله. كلّ ما حصل لحدّ الآن إنّما هو بفضل من الله، وبعد الآن أيضاً إذا شملتنا الهداية والرحمة الإلهية فسوف لن يقطع الله تعالى عنّا عونه ومدده.

 

إنّني أتقدّم بالشكر الجزيل للسادة المحترمين في مجلس الخبراء. أشكر رئاسة مجلس الخبراء المحترمة والسادة المسؤولين على جهودهم التي يتحمّلونها والأعمال الجيّدة التي يقومون بها والكلمات القيّمة التي يطرحونها. أرجو أن تقع كلّ هذه الجهود والمساعي إن شاء الله موقع الرضا لدى سيّدنا الإمام المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف وأعاننا الله تعالى على أن نستطيع إسعاد قلبه المقدّس ونكون من المشمولين بأدعيته، وتكون الروح الطاهرة لإمامنا الجليل وأرواح الشهداء الطاهرة مسرورة راضية عنّا.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

125


103

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء المشاركين في ملتقى غزة

 

 

 

 

المناسبة:   ملتقى غزة

الحضور:  المشاركون في ملتقى غزّة

المكان:   طهران

 

الزمان:    80/21/8831هـ.ش.

21/30/1341هـ.ق.

72/20/0102م.

 

 

127

 


104

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

أرحّب بكم جميعاً أيّها الضيوف الأعزّاء والإخوة والأخوات المحترمون. وأسأل الله تعالى بتضرّع أن يوفّقنا وإيّاكم لمواصلة هذا الطريق وهذا العمل الكبير. كما أشكر الإخوة الأعزّاء الذين أعدوّا لهذا الملتقى في طهران وأتمنى أن يكون اجتماعكم هذا أيّها الأصدقاء خطوة إلى الأمام إن شاء الله.

 

أوّلاً أرى لزاماً عليّ أن أشكر وأقدّر الشعب الفلسطينيّ وأهالي غزّة تقديراً لائقاً. ما ذكرتموه عن تقدّم المقاومة ومتانة المواقف الفلسطينية في السنوات الأخيرة ما كان متاحاً لولا هذا الصمود العظيم الذي سجّله الشعب الفلسطينيّ. الحقّ والإنصاف أنّ الشعب الفلسطينيّ وأهالي غزّة خلّدوا اسمهم في التاريخ كأكثر الشعوب مقاومة.

 

إن ما مرّ على الشعب الفلسطينيّ طوال هذه الأعوام الأخيرة التي انطلقت فيها الانتفاضات وتشكّلت فيها المقاومة الحقيقية، إنّما هو شيء وظاهرة عجيبة. ولا يمكن أن نعزو هذا الشيء لسوى الهداية والعون الإلهيّ. يرى المرء كلّ هذه المصائب في غزّة، وكلّ هذه المرارات وكلّ هذه الضغوط على مدى 22 يوماً من الحرب ما بعد الحرب من الأيام وإلى الآن - حيث انهالت المصائب تترى على الأهالي هناك - لكنّ هؤلاء الأهالي صامدون بصلابة كالجبال. هذا واقع عظيم جداً ولا يمكن تجاهله.

 

ما أريد قوله هو أنّ عليكم تكريس هذه الاستقامة وهذه الروح المقاومة لدى الأهالي ما استطعتم. قلتم وصحيح ما قلتم: الحلّ الوحيد لقضيّة فلسطين هو المقاومة والكفاح. هذا صحيح، لكنّ المقاومة والكفاح رهن بالحفاظ على معنويات الشعب والحفاظ على الأمل لدى الأهالي وإبقائهم في الساحة. هذا باعتقادي أكبر عمل ينبغي أن تقوم به المجاميع الفلسطينية والمنظّمات والمناضلون الفلسطينيون. الضغوط التي تمارس راهناً على غزّة من الجانبين، سواء من جانب العدوّ الصهيونّي، أو من الجانب

 

 

129


105

خطاب الولي 2010

الآخر، القصد منها صرف الناس عن المقاومة. الضغوط التي تمارس ضدّ الناس في الضفّة الغربيّة سواء على شكل بناء مستوطنات، أو فيما يتعلّق بقضيّة القدّس - التي أشير إليها – أو الصعوبات الشديدة أو الجدار العازل وما إلى ذلك كلّها من أجل صرف الجماهير عن المقاومة ودفعها إلى خيار الاستسلام. يجب أن لا نسمح بهذا. يجب أن لا تسمحوا بحصول هذا. يجب المحافظة على الأمل لدى الشعب الفلسطينيّ وأهالي غزّة، هذا الشعب المقاوم الفولاذيّ، ليعلموا أنّ تحرّكهم هذا سيؤتي نتائجه. هذه نقطة أعتقد أنّها على جانب كبير من الأهميّة.

 

النقطة الأخرى هي أنّ ما نشاهده من التقدّم في القضيّة الفلسطينية - وهو تقدّم لا يقبل الإنكار - يمثّل اقتداراً مضطرداً لجبهة المقاومة في قبال جبهة الاستكبار والكفر، وهو أمر مشهود وواضح. ما يلاحظ على هذا الصعيد ناجم عن الإيمان بالله والتوكّل عليه وإشراك عنصر المعنوية في الكفاح. إذا لم يكن الكفاح مصحوباً بعنصر الإيمان سيكون هشاً ضعيفاً. الكفاح ينجح حينما يشتمل على الإيمان بالله والتوكّل عليه. ينبغي تعزيز الروح الدينية والإيمان الحقيقيّ بالوعد الإلهيّ والتوكّل على الله تعالى لدى الجماهير. ينبغي تقوية حسن الظنّ بالله تعالى وبوعده لدى الشعب. ونحن أيضاً يجب أن نحسن الظنّ بالله تعالى. الله تعالى أصدق القائلين. وهو القائل: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ﴾[1] وقد ورد كذلك في الحديث: "من كان لله كان الله له"[2] ويقول لا تخشوا الأعداء ﴿إِنَّ كَيۡدَ ٱلشَّيۡطَٰنِ كَانَ ضَعِيفًا﴾[3] هذا ما يبثّه فينا ويبيّنه لنا. الله تعالى صادق. ونحن إذا عملنا بواجبنا في هذا السبيل وتحرّكنا في سبيل الله، وناضلنا من أجله، وجعلنا الهدف رضاه فسوف يكون النصر نصيبنا لا مراء.

 

أقول لكم: انتصار الشعب الفلسطينيّ في استعادة حقّه ليس أصعب من الانتصار الذي حقّقه الشعب الإيراني في تأسيس الجمهورية الإسلامية. يومذاك - يوم كان الطاغوت يحكم هذا البلدِ لو نظر شخص إلى المسرح العالميّ وإلى المشهد في المنطقة لوجد أن تغيير النظام الطاغوتيّ هنا من المحالات الأكيدة، وخصوصاً تبديله إلى نظام


 


[1] سورة الحج، الآية 40.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج79، ص197.

[3] سورة النساء، الآية 76.

 

130


106

خطاب الولي 2010

إسلاميّ. كان هذا يبدو من المحالات حسب الموازين الطبيعية، ولم يكن ممكناً أو مقدوراً وفق المعايير العادية.

 

رغم السطوة الأمريكية في هذه المنطقة والدعم غير المشروط لنظام الشاه وعدم توفّر المجاهدين والمناضلين هنا على أية إمكانيّات وفرص ـ أي إن إمكاناتنا في ذلك الوقت كانت أقلّ بكثير مما لدى أهاليكم في غزّة أو الضفّة الغربية اليوم ـ رغم ذلك وقع هذا الحدث وتحقق ما كان يبدو محالاً. وذلك بفضل مواصلة الكفاح والنضال وببركة التوكّل على الله والقيادة صاحبة العزيمة والحسم لإمامنا الجليل. وأقول إنّ هذا الحدث يمكن أن يحصل في فلسطين أيضاً. بعض الناس ينظر إلى المشهد وإلى ما تمتلكه أمريكا من قدرة وإلى دعم الغرب للصهاينة وإلى قدرات الشبكة المالية للصهاينة في أمريكا وسائر أنحاء العالم وإلى قدراتهم الإعلامية والدعائية، فيخطر له أنّ إعادة فلسطين للفلسطينيين أمر مستحيل. لكنني أقول: لا، هذا الأمر غير الممكن سيتحقّق بشرط الصمود والاستقامة.

 

يقول الله تعالى: ﴿فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ﴾[1]، لا بُدّ من الاستقامة ولا بدّ من الصمود ومواصلة الطريق. من مقدّمات مواصلة الطريق هذه الملتقيات التي تقيمونها والتنسيق والإعلام العالميّ الذي تمارسونه وهذا الكلام الذي قلتموه أيّها السادة وكلّه صحيح. هذه الاقتراحات كلّها لا بدّ منها وصحيحة. لقد سمّموا الرأي العام العالميّ.

 

إن أمريكا والغرب اليوم يكذّبون صراحة فيما يخصّ القضية الفلسطينية والكثير من القضايا الأخرى.. يكذبون صراحة. فاجعة عظيمة مثل فاجعة غزّة في حرب الـ 22 يوماً يعرضونها مقلوبة للرأي العام.

 

ينبغي أن نتنبّه لهذه الأمور. نريد أن نذكّر بهذه المسائل. غزّة وفلسطين اليوم ساحة لفضيحة الغرب. يزعم الغرب الدفاع عن حقوق الإنسان ويتجاهل أكبر وأفجع انتهاك لحقوق الإنسان في غزّة. تعاقبت الأيام والغربيون لا يتفوّهون حتّى بكلمة واحدة لصالح أهالي غزّة والدفاع عنهم. كانت الأيام تتوالى وتمضي وكنّا نترصّد أن نسمع

 


 


[1] سورة الشورى، الآية 15.

 

131


107

خطاب الولي 2010

منهم شيئاً فلم يصدر شيء، لا عن أوربا وأمريكا وحسب، بل حتّى عن منظّمات حقوق الإنسان، والمنظّمات التي تدّعي الدفاع عن الحرية، لم يصدر عنها كلمة لصالح أهالي غزّة. وبعد أن تعالت أصوات الشعوب وتظاهر الناس في البلدان المختلفة وتكلّموا وتصاعدت الفضيحة بدأوا هم أيضاً بالكلام، ومجرّد الكلام.

 

لم يدعم الغرب أهالي غزّة إطلاقاً حيال مثل هذه الفاجعة الهائلة التي ارتُكبت أمام أنظار الجميع. ولا يزال الغرب لحدّ اليوم على نفس هذه المواقف. لقد فضحت الأمم المتحدّة نفسها. كانت أمريكا مفضوحة وفُضحت أكثر رغم انتشار تقرير غولدستون وإطّلاع الجميع عليه.

 

يجب أن يقف ساسة الكيان الصهيونيّ المجرمون أمام المحكمة ويعاقَبوا. ولكن لا يحدث أيّ شيء من هذا القبيل. لا تُتّخذ أيّة خطوة على هذا السبيل. وإنما يتزايد الدعم للحكومة الصهيونية الغاصبة المزيّفة. هذا ما فضح الغرب. أمريكا بهذه الحكومة الجديدة والرئيس الجديد تدّعي أنّها تريد التغيير. رفعوا شعار التغيير من أجل تحسين سمعة أمريكا السيئة في المنطقة الإسلامية بعض الشيء، لكنهم لم يستطيعوا ذلك، وليعلموا أنّهم لن يستطيعوا ذلك إلى آخر المطاف، لأنّهم يكذبون على الناس صراحة. يكذبون في الكثير من القضايا والأمور. ونحن في الجمهورية الإسلامية نرى ونسمع أكاذيبهم دوماً. تزييف الحقائق والواقع عملية شهدناها منهم طوال ثلاثين سنة وتعوّدنا عليها، لكنّ العالم سوف يصدر أحكامه والتاريخ سيقول كلمته.

 

أقول لكم إن الحضارة الغربية اليوم تواجه تحدياً فيما يتعلّق بالقضيّة الفلسطينية. إن دعاوى الليبرالية الديمقراطية تواجه التشكيكات اليوم. أي إنّكم بمقاومتكم في فلسطين أسقطتم وأبطلتم إدّعاء غربياً له من العمر عدّة مئات من السنين استطاع الغرب بواسطته الهيمنة على العالم والتحكّم فيه. إن المقاومة التي تمارسونها هامة وعظيمة إلى هذه الدرجة.

 

قضيّة غزّة ليست قضيّة قطعة من الأرض، وقضيّة فلسطين ليست قضيّة جغرافية. إنّها قضيّة الإنسانية. قضيّة فلسطين اليوم مؤشّر يميّز بين الالتزام بالمبادئ الإنسانية ومعاداة هذه المبادئ. القضيّة هامة إلى هذه الدرجة. أمريكا أيضاً ستتضرّر من هذه

 

 

132

 


108

خطاب الولي 2010

المعاملة بلا شكّ. هذه الأمور التاريخية التي تستمرّ عشرة أعوام أو عشرين عاماً أو ثلاثين عاماً تعدّ كلحظة واحدة في التحوّلات التاريخية وستمضي سريعاً. لا مِراء أنّ أمريكا ستُنهزم بسبب التعامل الذي انتهجه الأمريكان طوال الخمسين أو الستين سنة الأخيرة فيما يتعلق بقضية فلسطين. القضية الفلسطينية ستبقى وصمة عار وخزي لأمريكا طوال القرون المتمادية في المستقبل. فلسطين سوف تتحرّر، ولا يخالجكم أي شكّ أو شبهة في هذا الخصوص.

 

فلسطين ستتحرر يقيناً وستعود لأهاليها وستتشكّل فيها حكومة فلسطينية. هذا مما لا ريب فيه. لكنّ السمعة السيّئة لأمريكا والغرب سوف لن تزول. سوف يبقى سوء السمعة يلاحقهم. لا شكّ أنّ الشرق الأوسط الجديد سيتشكّل وفقاً للحقائق التي قدّرها الله تعالى. وسيكون هذا الشرق الأوسط الجديد شرق أوسط الإسلام. كما أنّ قضيّة فلسطين قضيّة إسلامية. جميع الشعوب مسؤولة حيال فلسطين. كافّة الحكومات مسؤولة قبال فلسطين سواء الحكومات المسلمة أو الحكومات غير المسلمة. أيّة حكومة تدعي مناصرة الإنسانية مسؤولة. لكنّ واجب المسلمين أثقل وأكبر. إن الحكومات الإسلامية مسؤولة وعليها أن تعمل بمسؤولياتها. وأية حكومة لا تعمل بواجبها ومسؤوليتها إزاء القضية الفلسطينية سوف تواجه عواقب ذلك لأنّ الشعوب استيقظت وتطالب الحكومات، والحكومات مضطرة لتحمل مسؤولياتها أمام هذه القضيّة.

 

القضيّة الفلسطينية بالنسبة لنا في الجمهورية الإسلامية ليست قضيّة تكتيك ولا هي حتّى إستراتيجية سياسية، إنّما هي قضيّة عقيدة قلبية وإيمانية. لذلك لا توجد بيننا وبين شعبنا في هذا الخصوص أيّة فواصل واختلافات. بمقدار ما نهتمّ بقضيّة فلسطين يهتمّ بها شعبنا أيضاً.. أولئك الذين يعلمون ما هي قضية فلسطين وهم الأكثرية الساحقة من شعبنا. وتلاحظون في يوم القدس في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان من كلّ سنة التي أعلنها الإمام الخمينيّ يوماً للقدس، تلاحظون أنّ الناس هنا يتظاهرون في المدن الكبيرة والصغيرة وحتّى في القرى كما يتظاهرون في يوم الثاني والعشرين من بهمن ذكرى انتصار الثورة الإسلامية والذي يعدّ أمراً داخلياً خاصاً بشعبنا وبلدنا،

 

 

133

 


109

خطاب الولي 2010

ونراهم يسجّلون في يوم القدس نفس المشاعر ونفس الحضور والمشاركة التي يسجّلونها في يوم الثاني والعشرين من بهمن. في يوم القدس أيضاً يخرج الشعب في كافة مدن البلاد الكبيرة والصغيرة والقرى إلى الشوارع سواء كان الجوّ حاراً أو بارداً ويعبّرون عن مشاركتهم واندفاعهم.

 

واعلموا لولا أنّنا ـ كمسؤولين للبلاد ـ نمنع الناس لسار الكثير من شبابنا ليشاركوا بأجسادهم في الساحة الفلسطينية في حرب غزّة. ولقد سار شبابنا إلى المطار ولم يغادروه رغم كلّ المحاولات، إلى أن غادروه بنداء منّي. لو لم أوجّه لهم هذا النداء لما تركوا المطار. كانوا يقولون خذونا إلى غزّة، وكانوا يتصورون أن بوسعهم الوصول إلى غزة. هكذا هي دوافع شبابنا ومحفّزاتهم. قضيّة غزّة وفلسطين قضيتنا وهي قضية إسلامية وقضيّة كلّ المسلمين وتمثّل واجباً بالنسبة لنا. وما نقوم به إنّما هو واجبنا ولا نمنّ به على أحد. فنحن إنّما نقوم بواجبنا. ونسأل الله تعالى أن يعيننا لنقوم بأداء واجباتنا.

 

ولكن أنتم الأعزاء الحاضرين هنا أصِرّوا على هذا الكلام الذي قاله السادة وهو أن الأساس هو الكفاح والنضال، وأنّه لا سبيل للحلّ في القضيّة الفلسطينية سوى المقاومة. قولوا هذا الكلام بصراحة وعلناً ولا تسمحوا للمجاملات السياسية والتعتيم السياسي بأن يتغلّب على هذا المنطق. كلّ فلسطيني انتحى عن طريق المقاومة جانباً تضرّر. إسرائيل ليست صادقة في مطالبتها بالسلام. وحتّى لو كانت صادقة فهي على باطل ولا حقّ لها هنا، لكنّها ليست صادقة. الذين انخرطوا في طريق التفاوض اضطرّوا للقبول بما يفرضه عليهم العدوّ، ولو ابتعدوا لحظة واحدة عن طريق ما يفرضه عليهم العدوّ فسوف يُقصَوْن أو يهانون، وقد شاهدتم مصاديق للحالتين. أقصوا بعضهم وأهانوا آخرين. طريق القدس وطريق فلسطين وطريق إنقاذ القضية الفلسطينية وحلّها هو طريق الكفاح فقط، وهذا ما قاله السادة، وأنا مسرور لأنّ هذه القضية ممّا تُجمِعون عليه.

 

وإن من لا ينتهج هذا السبيل إنّما يوجّه الضربات للقضيّة الفلسطينية من حيث يدري أو لا يدري. إذا كان يدري ففعلته هذه خيانة وإذا كان لا يدري فما يقوم به جهل وغفلة، لكنّها على كلّ حال ضربة توجّه للقضية الفلسطينية. إنّهم بذلك

 

 

134

 


110

خطاب الولي 2010

يوجّهون الضربات للقضية الفلسطينية. ليس أمام فلسطين من سبيل سوى المقاومة، هذا ما يجب أن يقولوه ويطالبوا به وعلى الحكومات الإسلامية أن تكرّره. طبعاً الكثير من الحكومات العربية خرجت من الامتحان في قضيّة غزّة وما قبلها وما بعدها من القضايا فاشلة فشلاً ذريعاً. خرجوا من الامتحان فاشلين جداً. كلّما طُرحت القضية الفلسطينية قالوا إنّها قضيّة عربية! حينما يحين وقت العمل تُلغي فلسطين تماماً من معادلاتهم كلّها، وبدل أن يساعدوا فلسطين والفلسطينيين وإخوتهم العرب ـ حتّى لو كانوا غير مؤمنين بالإسلام فليلتزموا بعروبتهم على الأقلّ ـ تراهم ينسحبون من الساحة كلّهم. خرجوا من الامتحان فاشلين للغاية. وهذا ما سيُسجِّله التاريخ. وهذه العقوبات والجزاء لا تختصّ بالآخرة، فهي موجودة في الدنيا أيضاً. كما أن النصرة الإلهية لكم أنتم الذين تجاهدون وتناضلون لا تختصّ بالآخرة. في هذه الآية التي تليت ـ وكرّرها السيد خالد مشعل ـ تقول الملائكة: ﴿نَحۡنُ أَوۡلِيَآؤُكُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡأٓخِرَةِۖ﴾[1] إذن، ليست المسألة في الآخرة فقط، بل في الدنيا أيضاً تعمل ملائكة الله وقواه المعنويّة على مدّ يد العون للذين: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ﴾[2].

 

ونحن نشاهد عونهم في الدنيا بأعيننا. ملائكة الله أعانونا نحن أيضاً في ثمانية أعوام من الدفاع المقدّس. وقد شاهدنا هذا العون بأعيننا. قد لا يصدّق ذلك الإنسان الغارق في المادّيّات، دعه لا يصدّق. نحن شاهدنا هذا العون. واليوم أيضاً تساعدنا ملائكة الله، ونحن واقفون وصامدون بفضل العون الإلهيّ. قوّتنا العسكرية لا تقبل المقارنة بأمريكا. وقدراتنا الاقتصادية وإمكاناتنا المالية والإعلامية وامتداد نشاطنا السياسيّ لا يقبل المقارنة بأمريكا. ومع ذلك فنحن أقوى من أمريكا، مع أنّها أكثر مالاً وسلاحاً وأقوى إعلاماً وإمكانياتها المالية والسياسية أكثر، لكنها أضعف ونحن أقوى. والدليل على قوّتنا هو أنّ أمريكا تراجعت خطوة خطوة في كلّ الميادين التي حصلت فيها مواجهة بيننا وبينها. نحن لا نتراجع بل نتقدّم إلى الأمام. هذا هو الدليل والمؤشّر، وهو ببركة الإسلام وبفضل العون الإلهيّ ومساعدة ملائكة الله. هذا ما نعتقد به ونؤمن


 


[1] سورة فصّلت، الآية 31.

[2] سورة فصلت، الآية 30.

 

135


111

خطاب الولي 2010

به وقد شاهدناه ونشاهده بأعيننا. وسوف تعود القدس الشريف يوماً ـ إن شاء الله وعلى الرغم من هذا الهمّ والقلق الذي أشاروا إليه حول القدسّ وهو قلق واقعيّ - إلى أيدي المسلمين، وقد يشاهد الكثير منكم ذلك اليوم، وقد نكون نحن أو لا نكون، على كلّ حال سيشهد شعب فلسطين والشعوب في العالم هذا الأمر يوماً ما.

 

أشكركم ثانية وأُعرب عن سروري للقائي بكم هنا. الكلام لدينا ولديكم كثير جداً. وكلامنا لا ينتهي بهذه الدقائق، ولكن حان أوان الظهر ودخل وقت الصلاة ويجب أن نقوم إلى الصلاة. نتمنّى لكم جميعاً التوفيق والسداد إن شاء الله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

136


112

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في مؤتمر الوحدة الإسلامية

 

 

المناسبة:   بمناسبة ولادة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وحفيده الإمام الصادق عليه السلام

الحضور:  المشاركون في مؤتمر الوحدة الإسلامية

المكان:   طهران

 

الزمان:    31/21/8831ﻫ.ش.

71/30/1341ﻫ.ق.

40/30/0102م.

 

 

137

 


113

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أبارك لجميع الحاضرين المحترمين والضيوف الأعزاء وشعب إيران العظيم هذا العيد السعيد، كذلك أبارك لجميع المسلمين في العالم، والأمّة الإسلامية الكبرى، وكلّ طلّاب الحقّ والعدالة. إنّ يوم السابع عشر من ربيع الأوّل هو يومٌ عظيمٌ جداً في تاريخ البشرية. ففي مثل هذا اليوم كانت ولادة عصارة البشرية وصفوة الصالحين وخلاصة الفضائل الإلهية المودعة في وجود البشرية. كذلك كانت ولادة الإمام الصادق عليه السلام الذي يُعدّ الوصيّ الحقيقيّ للنبّي صلى الله عليه وآله وسلم وناشر الأفكار الإسلامية الصحيحة والإسلام الأصيل في مثل هذا اليوم.

 

إنّ هذا اليوم بالنسبة للمسلمين هو يومٌ مُفعم بالبركة، ففيه وضع هذا الموجود المقدّس قدمه في هذا العالم وكان نوراً في دياجي الظلمات: ﴿ظُلُمَٰتُۢ بَعۡضُهَا فَوۡقَ بَعۡضٍ﴾[1]. ويقول أمير المؤمنين عليه السلام في وصف الأوضاع في تلك الأيام وما آلت إليه البشريّة في ذلك "والدُّنْيَا كَاسِفَة النُّورِ ظَاهِرَة الْغُرُور"[2]. فإنّ نور الإنسانية قد انمحق من قلوب الناس والمجتمعات، ليس في الجزيرة العربية فحسب، بل في عمق الإمبراطوريات العظمى والحكومات المتمدّنة في ذلك الزمان، أي حكومة إيران القديمة وروما. فالغرور والخطأ في فهم الحقيقة كانا واضحين في جميع نواحي حياة البشرية. ولم يكن الناس يعرفون الطريق أو الهدف. ولا شكّ أنّ بعض المؤمنين كانوا موجودين في ذلك الزمان ويسلكون الطريق الصحيح. فلا نعني أن جميع أفراد البشرية كانوا عصاة ومذنبين في ذلك الزمان، ولكنّ الوضع العام للدنيا كان على هذه الشاكلة. فالصورة العامّة للعالم كانت صورة ظلمانية، وكانت مظهراً للظلم وضياع جميع علائم


 


[1] سورة النور، الآية 40.

[2] السيد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، مصدر سابق، ص122.

 

 

139


114

خطاب الولي 2010

الإنسانية. ففي مثل تلك الأوضاع سطع نور وجود النبيّ بإرادة الحقّ العزيز المتعال. إن مثل هذا اليوم يُعدّ يوماً لا يُنسى في تاريخ البشرية. وليس تذكّره بمعنى أنّنا نريد أن نجدّد أثره في العالم. سواء شئنا أم أبينا فإن هذه الحادثة وهذه الظاهرة المدهشة والعظيمة قد طبعت تاريخ البشرية بآثارها. فإذا كان هناك في العالم ذكرٌ للقيم الإنسانية والفضائل الأخلاقية والمعالي في وجود الناس فبسبب وجوده المبارك وبسبب تلك البعثة التي جمعت كمال جميع البعثات وكل فضائل الأنبياء.

 

وعلينا نحن أبناء الأمّة الإسلامية أن نجعل هذه الظاهرة وهذه الحادثة درساً لنا. وقبل أن نفعل ذلك مع الآخرين يجب أن نقوم به مع أنفسنا. إن الأمّة الإسلامية اليوم بأمسّ الحاجة إلى إعادة إنتاج الحقائق الإسلامية وتلك الأحداث العظيمة والعميقة. نحن في الأمّة الإسلامية نحتاج اليوم بشدّة إلى مشعل هداية النبيّ المكرّم. فالأمّة الإسلامية بلحاظ تعداد السكّان تمثّل مجموعة عظيمة ـ حوالي المليار ونصف المليار نسمة هم مجموع الأمّة الإسلامية ـ وإنّ مناطق وجود هذه المجموعة العظيمة من حيث الوضع الجغرافّي والخصائص الطبيعية والثروات الحيوية هي من أهمّ مناطق العالم وأكثرها حساسيّة، وبالرغم من أنّه لا ينقصها شيء على صعيد القابليّات الإنسانية والإمكانات الطبيعية فإنّ هذه الأمّة اليوم هي مجموعة حائرة. وعلامة حيرتها هو ما تشاهدونه. إنّ المصائب الكبرى في العالم تحدث بشكلٍ أساس في هذه الدول الإسلامية. فالفقر في هذه الأمّة والظلم والتمييز فيما بيننا والتخلف العلميّ والتكنولوجيّ والانهزام الثقافيّ والضعف الثقافيّ كلّه يمثّل حال الأمّة الإسلامية. والمقتدرون في هذا العالم يضيّعون حقّ هذه الأمّة بكلّ بساطة وصراحة، ولا تستطيع هذه الأمّة الإسلامية أن تدافع عن حقّها.

 

انظروا اليوم إلى أوضاع فلسطين، فهي نموذج. ولا شكّ بأنها نموذج هام جداً، لكنّه لا يختصّ بفلسطين. فانظروا إلى فلسطين، سترون أنّ الأمّة الإسلامية تعاني من جرحٍ كبير في جسدها، وهو قضيّة شعب فلسطين العظيم وأرض فلسطين التاريخية المقدّسة. ماذا أنزلوا بهذه الأرض؟، وعلى رأس هذا الشعب؟ وماذا يفعلون بهؤلاء الناس؟ وهل يمكن نسيان ما جرى على غزّة؟ وهل يمكن محوه من ذاكرة الأمّة الإسلامية؟ إن الضغوط والتنكيل والظلم الذي يمارس بحق أبناء غزّة اليوم ـ حتّى ما بعد حرب الاثنين

 

 

140

 


115

خطاب الولي 2010

وعشرين يوماً التي فشلت فيها الحكومة الصهيونية ولم تتمكّن من تحقيق أهدافها ـ إن ذلك الظلم مستمرٌّ إلى يومنا هذا بحقّ أهالي غزّة ولا يمكن للأمّة الإسلامية أن تدافع عنهم. وقد آلت أوضاع الأمّة الإسلامية مقابل هذه الظاهرة إلى حدّ وكأنّ ما يحصل لا علاقة لها به، وكأن ما يُغصب ليست حقّها وكأنها ليس هي التي تتعرّض للظلم. فلماذا نحن هكذا؟ ولماذا ابتُليت الأمّة الإسلامية بهذه الحالة؟ لقد أوجد أعداء الإسلام والأمّة الإسلامية ذلك السرطان المهلك الخطِر المسمّى دولة إسرائيل الصهيونية المزعومة في هذه المنطقة. والداعمون لهذا الكيان شركاء له في الظلم والجرائم الكبيرة التي يرتكبها. وها هم يدافعون عن إسرائيل ولا يمكن للأمّة الإسلامية أن تدافع عن نفسها، فهذا ضعفنا. لماذا؟ علينا أن نجبر هذا الضعف بالرجوع إلى الإسلام وبجعل تعاليم الرسول المكرّم محوراً لكافة اهتماماتنا.

 

اليوم يُعدّ الاتّحاد في الأمّة الإسلامية أكثر ضرورة من أيّ شيء آخر. فعلينا أن نصنع الوحدة ونوحّد كلمتنا ونجعل قلوبنا واحدة، فهذا تكليف كلّ من يمكن أن يكون له تأثير في هذه الأمّة الإسلامية الكبرى، سواء الحكومات أو المثّقفون أو العلماء أو الفاعلون على المسرح السياسيّ أو الاجتماعيّ. وكل واحد من هؤلاء، في أيّ دولة من الدول الإسلامية، مكلّفٌ باستنهاض الأمّة الإسلامية وبيان هذه الحقائق، فليبيّنوا هذه الأوضاع المرّة التي أوجدها أعداء الإسلام للناس ويدعوهم لتحمّل مسؤوليّتهم، فهذه وظيفة الجميع.

 

إخواني الأعزّاء، أخواتي العزيزات، في أيّ مكانٍ كنتم وإلى أيّ مذهب انتميتم، إعلموا أنّ أعداء الإسلام والمسلمين يعتمدون بشكلٍ أساس اليوم على إيجاد الخلافات والتفرقة. إنهم لا يريدون أن تتقارب القلوب، لأنّهم يعلمون أنّ الأيادي إذا تماسكت والقلوب إذا تقاربت فإنّ الأمّة الإسلامية ستبدأ بالتفكير في معالجة مشاكلها الكبرى. وإنّ منشأ أكثر هذه المشاكل ـ التي تُعدّ قضيّة فلسطين منها، ومنها قضيّة هذه الدولة الصهيونية المختلَقة ـ هم هؤلاء المقتدرون في هذا العالم. فالعدو يعلم أنّنا سنتمركز، وأنّ كلّ الأمّة الإسلامية في جميع قواها سوف تتحرّك على هذا الطريق حتى نواجه هذا الاعتداء السافر الذي يجري، لهذا لا يسمحون بتقارب القلوب.

 

 

141

 

 


116

خطاب الولي 2010

واليوم نداء التفرقة يرتفع من قبل أعداء الإسلام. وقضيّة الشيعة والسنّة يطرحها اليوم الأمريكيون والإنكليز، وهذا عارٌ. فالمحلّلون الأمريكيون والإنكليز والغربيّون، من جملة القضايا التي يطرحونها ويتباحثون بشأنها ويؤكّدون عليها هي قيامهم بالفصل بين الإسلام السنّي والإسلام الشيعيّ وإيجاد النزاعات بينهم. إن هذا ما يريده العدوّ وهذا ما كان يفعله دوماً. وقد سعى أعداء عالم الإسلام دوماً إلى أن يستغلّوا بأقصى ما يمكن هذه الخلافات المذهبية والقومية والجغرافية والإقليمية. وهم اليوم يستخدمون الوسائل الحديثة من أجل هذا العمل. وعلينا أن نلتفت إلى هذا الأمر ونكون متيقظين. يريدوننا أن ننشغل ببعض لكي ننصرف عن تلك المسألة الأساس التي ينبغي أن نتوجّه إليها. يريدون أن ينشغل المسلمون، شعوباً ومذاهب شيعة وسنّة وغيرهما، ببعضهم بعضاً حتّى ينسوا قضيّة إسرائيل. يجب أن تقرّبنا حادثة اغتصاب فلسطين إلى بعضنا بعضا. وها هم اليوم يستغلّون هذه القضيّة من أجل إبعادنا عن بعضنا بعضاً. إنّهم يُحدثون الاختلاف في العالم الإسلاميّ حول نفس هذه القضيّة الفلسطينية، ويجعلون الدول في مواجهة بعضها بعضاً. إنّ قضيّة فلسطين قضيّة واضحة ولا يوجد عند أيّ مذهب من المذاهب الإسلامية أيّ شك بأنّه إذا تعرّضت أراضي الإسلام والمسلمين في أيّ وقت من الأوقات للهجوم والاعتداء فإنّ الدفاع واجبٌ على جميع المسلمين. فإنّ كلّ المذاهب الإسلامية تُجمع على هذا الأمر. وهو ليس محلّ اختلاف. ومثل هذه القضيّة المتّفَق عليها يجعلونها مورد شكٍّ ويفرّقون المسلمين ويشتتونهم، ويزيدون من العصبيات المذهبية والطائفية في القلوب ويؤجّجون نيرانها، حتى يقوموا بما يريدون بسهولة.

 

علينا أن نستيقظ، وهذه هي كلمة الجمهورية الإسلامية. فالجمهورية الإسلامية منذ بداية تأسيسها جعلت في الأسطر الأولى الأساس من أهدافها اتّحاد المسلمين وتقارب قلوبهم ومنها قضية فلسطين.

 

وفي كلمات إمامنا الراحل قدس سره تظهر هاتان القضيّتان بوضوح تامّ وجلاء: إحداهما قضيّة إتّحاد المسلمين في جميع القضايا والتقليل من خلافاتهم والتخفيف من اختلافاتهم ومنع الخلافات الفكرية والفقهية والكلامية وأمثالها من أن تجرّ هاتين الفئتين إلى العداوة والتناحر، والقضيّة الأخرى هي قضية فلسطين.

 

 

142

 


117

خطاب الولي 2010

لقد التزمت الجمهورية الإسلامية بهذا الكلام. ونحن ندفع أثمانه باهظة. إنّ شعبنا ينظر إلى هذه القضيّة كواجبٍ ومسؤولية شرعية ويعلم أنّنا إذا استطعنا أن نُخرج هذا السرطان المهلك والخطر من جسد المجتمع الإسلاميّ فإنّ الكثير من مشاكل مجتمعاتنا الإسلامية سوف تُحلّ وسوف يحلّ مكانها الكثير من التعاون.

 

واليوم فإنّ الدول الإسلامية تمثّل مجموعة كبرى، يمكنهم أن يتبادلوا العلم فيما بينهم ويتبادلوا الثروات والتجارب والمعرفة ويتعاونوا من أجل تطوّرهم جميعاً ليصلوا إلى القمّة. فهذه الغدّة السرطانيّة قد زُرعت بينهم، وأدّت إلى أن تتباعد الدول الإسلامية عن بعضها. بالطبع، فإنّ الشعوب ليست متعادية، وللأسف فإنّ المسؤولين مقصّرون في هذه الموارد.

 

علينا أن نجعل هذا الأمر درساً، وذكرى هامة في يوم ولادة نبيّ الإسلام المكرّم صلى الله عليه وآله وسلم ونحفظه في ذاكرتنا ونتعلّم منه ونعتبر ونتقارب، كما تقاربنا. فاليوم ولحسن الحظّ فإنّ نداء الدفاع عن وحدة الأمّة الإسلامية ونهضتها يجد إنعكاسات هامة جدّاً وإيجابيّة على صعيد العالم الإسلامية والدول المختلفة وبين الشعوب المتعدّدة. والله تعالى يبارك بقول الحق ويرعى هذه النبتة التي غُرست في أرض الحقّ. فلمثل هذا الكلام اليوم وقعٌ في الدنيا. واليوم هناك قبولٌ في العالم لهذا الكلام الحقّ الذي تعلنه الجمهورية الإسلامية بصوتٍ عالٍ وبكلّ وجودها. فالحكومة والشعب والمسؤولون كلّهم في مثل هذه القضايا الأساس على كلامٍ واحد ونداء واحد. فكلمة الجمهورية الإسلامية في هذه المجالات كلمة واضحة، وبحمد الله تلقى تجاوباً.

 

نسأل الله تعالى أن يعيننا لكي تزداد هذه الأمّة الإسلامية يوماً بعد يوم وعياً وعلوّاً وتقدّماً، ولتزداد هذه الوحدة التي تمثّل عاملاً مهمّاً في الجميع قوّة أكثر فأكثر إن شاء الله.

 

رجاؤنا أن تشملكم التأييدات الإلهية ويؤيّدكم دعاء وليّ العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف إن شاء الله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

143

 

 


118

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

بمناسبة عيد النيروز لعام 1389هـ.ش.

 

      

المناسبة:   عيد النيروز لعام 1389هـ.ش.

الحضور:  جمع من أهالي قم المقدسة

المكان:   طهران

 

الزمان:    1388/12/29هـ.ش.

04/04/1431هـ.ق.

2010/03/20م.

 

145


119

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

"يا مقلّب القلوب والأبصار، يا مدبّر الليل والنهار، يا محوّل الحول والأحوال، حوّل حالنا إلى أحسن الحال". أبارك عيد النيروز السعيد وبداية العام الجديد - وهو بداية الربيع وانبعاث الطبيعة - لكل أبناء الوطن الأعزاء في كل أنحاء بلادنا الواسعة العزيزة، وكذلك لكل الإيرانيين في أي مكان في العالم كانوا، وأنظار آمالهم وتوقعاتهم مشدودة إلى بلدهم العزيز، وبخاصة الشباب والرجال والنساء المضحين الذين قدموا تضحيات كبيرة في سبيل الأهداف العليا للثورة والبلاد، وأرخصوا أرواحهم وقدموا شبابهم للثورة ومن أجل شموخ البلاد، وكذلك لعوائل الشهداء الكريمة وللمعاقين وعوائلهم المضحية، ولجميع المضحين، والذين يعملون ويجاهدون من أجل رفعة البلاد. وأحيّي وأسلّم على الروح الطاهرة لإمامنا الجليل رائد هذه الحركة الشعبية الهائلة وباعث تقدّم وسموّ إيران البلد الإسلامي الكبير.

 

عيد النيروز بداية النبت والنماء. وكما أن هذا النماء محسوس في الطبيعة يمكن أن يتجسد ويظهر في قلوبنا وأرواحنا وحركتنا نحو التقدم. لنلق نظرة إلى سنة 88 التي وصلنا الآن إلى نهايتها. إذا أردنا تعريف عام 88 بعبارة واحدة فأعتقد أنه كان عام الشعب الإيراني، إنه عام عظمة وانتصار هذا الشعب الكبير، وهو عام المشاركة التاريخية والمؤثرة لهذا الشعب في الميادين ذات الصلة بثورتنا الكبرى ومصير بلادنا.

 

في مستهل عام 88 نظمت الجماهير بمشاركتها غير المسبوقة انتخابات لا سابقة لها في تاريخ ثورتنا، وطبعاً في تاريخ بلدنا الطويل، وكان ذلك نقطة بارزة وذروة من الذرى. وطوال الأشهر التي أعقبت الانتخابات سجلت الجماهير مشاركتها وإرادتها وصمودها وعزيمتها الوطنية وبصيرتها في امتحان كبير وحركة مصيرية عظيمة.

 

التحليل المختصر الذي يمكن تقديمه لأحداث ما بعد الانتخابات طوال عدة أشهر

 

 

147

 


120

خطاب الولي 2010

هو أن أعداء البلاد وأعداء نظام الجمهورية الإسلامية وبعد مضي ثلاثين سنة، ركزوا كل مساعيهم وقدراتهم وطاقاتهم لكسر هذه الثورة ودحرها من الداخل. واستطاع الشعب حيال هذه المؤامرة الكبرى وهذا التحرك العدواني أن يفرض بوعيه وبصيرته وعزمه وصموده الفذ الهزيمة على الأعداء. التجربة التي مرت طيلة هذه الأشهر الثمانية التي أعقبت الانتخابات وحتى يوم الثاني والعشرين من بهمن على هذا الشعب وهذا البلد تجربة حافلة بالدروس والعبر وهي من دواعي شموخ الشعب الإيراني حقاً.

 

لقد تألق الشعب في سنة 88 وأبدى المسؤولون جهوداً قيّمة كبيرة. هذه الجهود بحد ذاتها جهود قيّمة وجديرة بالتقدير. من الواجب على كل المراقبين المنصفين تقدير هذه الجهود والمساعي والأعمال التي أنجزت لعمران البلاد وتقدمها وبنائها في الميادين المختلفة. في المجال العلمي والمجال الصناعي والأنشطة الاجتماعية والسياسة الخارجية والمجالات المختلفة الأخرى أنجز مسؤولو البلاد أعمالاً كبيرة. آجرهم الله جميعاً ووفقهم لمزيد من التقدم.

 

ما يمكن استنتاجه من ملاحظة الواقع القائم في البلاد والإمكانيات الهائلة الكامنة في هذا البلد وهذا الشعب الكبير هو أن ما قمنا به وما قام به المسؤولون والناس ليس بالعمل الكبير قبال الإمكانيات العظيمة المتاحة في هذا البلد لتحقيق التقدم والوصول إلى العدالة. علينا جميعاً بذل جهود أكثر مما بذلنا في الماضي، وعلينا أن نشعر بالمسؤولية والواجب.

 

في هذا الدعاء الذي نقرأه جميعاً في بداية كل سنة، هناك عبارة ملفتة للنظر: "حوّل حالنا إلى أحسن الحال"، لا يقول خذ بأيدينا إلى يوم حسن أو حال حسن، بل يخاطب الله قائلاً: خذ بأيدينا إلى أحسن الأحوال وأفضل الأيام وأفضل الأوضاع. هذه هي الهمّة العالية للإنسان المسلم التي تطمح لبلوغ الأفضل في كل الميادين.

 

في هذه السنة، من أجل أن نستطيع القيام بما علّمونا إيّاه في هذا الدعاء الشريف، وهو واجبنا، ومن أجل أن نستطيع السير وفق متطلّبات البلاد وأمكانيّاتها نحتاج إلى مضاعفة هممنا عدّة أضعاف وتكثيف العمل والمساعي. إنّني أسمّي هذا العام عام "الهمّة المضاعفة والعمل المضاعف" على أمل أن يستطيع مسؤولو البلاد ومعهم

 

 

 

148


121

خطاب الولي 2010

جماهير الشعب العزيز وعلى شتّى الصعد الاقتصاديّة والثقافيّة والسياسيّة والعمرانيّة والاجتماعيّة، السير في الطرق غير المسبوقة بخطوات أوسع وهمم أعلى وعمل أكثر وأعظم، والاقتراب إن شاء الله من أهدافهم الكبرى. إننّا بحاجة إلى هذه الهمّة المضاعفة، والبلد بحاجة إلى هذا العمل المضاعف.

 

يجب أن نتوكل على الله تعالى، ونستمد منه العون، ونعلم أن المجال للعمل واسع جداً. الأعداء أعداء العلم والإيمان في مجتمعنا، ويجب تعزيز العلم والإيمان بيننا بشكل مضاعف. سوف تتذلل العقبات إن شاء الله وتصغر وسوف يشمل العونُ الإلهي شعبنا وبلادنا ومسؤولينا بظلاله وبركاته ولسوف تشملنا النصرة الإلهية كذلك.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

149


122

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في الحرم الرضوي الشريف

 

 

 

         

المناسبة:   حلول العام الشمسي الجديد

الحضور:  أهالي مشهد وزوار المرقد الطاهر للإمام الرضا عليه السلام

المكان:   مدينة مشهد المقدسة

 

الزمان:    10/10/9831هـ.ش.

50/40/1341هـ.ق.

12/30/0102م.

 

151


123

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين المكرّمين سيّما بقية الله في الأرضين.

 

أشكر الله تعالى من أعماق الروح أن وفّقني مرّة أخرى وفي عام آخر لأن أكون في اليوم الأول من السنة إلى جانبكم، إخواني وأخواتي الزوار والمجاورين لهذه البقعة الطاهرة المقدسة قرب المرقد المطهّر لحضرة أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام وأن أتنعّم بفيوضات هذا اليوم وهذه الفرصة الكبرى للقائكم إخواني وأخواتي الأعزاء.

 

بداية أبارك حلول السنة الجديدة وعيد النوروز لكل شعب إيران ولكم إخواني وأخواتي الأعزاء وأعرض لمجموعة من المسائل في هذه المناسبة.

 

المسألة الأولى: مما يلفت النظر ويُقال بمناسبة مرور واحد وثلاثين عاماً على استقرار نظام الجمهورية الإسلامية هو تعريف قرآني للنظام الإسلامي المقدّس وللحكومة الإسلامية. فأساس الحكومة الإسلامية والمائز الأساس لهذه الحكومة عبارة عن استقرار الإيمان، الإيمان بالله، الإيمان بتعاليم الأنبياء، وسلوك الصراط المستقيم الذي قدمه الأنبياء الإلهيون إلى الناس. الأساس هو الإيمان. إن إرسال الأنبياء الإلهيين لهداية البشر وتأسيس المجتمعات الدينية والإلهية عبر التاريخ وإلى يومنا هذا، كان بالدرجة الأولى من أجل هذا الهدف.

 

 

153

 


124

خطاب الولي 2010

قال تعالى: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾[1] أي إن الهدف من بعث رسل الله هو الإيمان بالله والارتباط بذاته وطريقه سبحانه، والتمسّك بتلك التعاليم التي بثّها هؤلاء الأنبياء بين الناس هذا في سورة الفتح، وأما في سورة الأحزاب المباركة فيقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ﴾[2].

 

إن رسالة النبي هي الدعوة إلى الله، وهذا هو أساس العمل. فإن الشيء الذي يمكن عدّه مائزاً بين النظام الإسلامي والمجتمع الإسلامي وكل المجتمعات البشرية هو بالدرجة الأولى هذه النقطة، مسألة الإيمان بالله والإيمان بالغيب والإيمان بذلك الطريق الذي جعله الله تعالى للبشر من أجل سعادتهم الدنيوية والأخروية. ولو كان اليوم لنظام الجمهورية الإسلامية من كلامٍ يقوله تجاه سائر الأنظمة في العالم أو قضية يتحدّى بها الأنظمة المادية فذلك من أجل أن المائز الأساس هو الإيمان. إن البشرية اليوم وبسبب عدم الإيمان ابتُليت بأنواع الشقاءات الحياتية المختلفة ولهذا فإن المائز الأساس هو الإيمان. الإيمان بالله وطريق الله وطريق الأنبياء ـ الذي يتبعه العمل بتلك التعاليم ـ ليس لأجل الارتقاء المعنوي فحسب وإن كان أهم ثماره هو ذلك الارتقاء المعنوي والتكامل الإنساني والأخلاقي، لأن الدنيا مزرعة الآخرة. فمن خلال التحرك في الحياة الدنيا يمكن للإنسان أن يقطع المدارج والمعارج ويتكامل. لهذا فإن الحياة المادية تقع ضمن نطاق الإيمان بالله. فالإيمان بالله تعالى إذن، لا يضمن السعادة المعنوية فحسب، بل السعادة المادية أيضاً.

 

إن الإيمان بالله تعالى يمكّن الناس من الحصول على كل الأشياء التي يحتاجونها في حياتهم المادية، ﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ أَقَامُواْ ٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِم مِّن رَّبِّهِمۡ لَأَكَلُواْ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۚ﴾[3].


 


[1] سورة الفتح، الآيتان 8 - 9.

[2] سورة الأحزاب، الآيتان 45 - 46.

[3] سورة المائدة، الآية 66.

 

 

154


125

خطاب الولي 2010

لو أن الدين أقيم وعُمل بالتعاليم الإسلامية في المجتمع فإن الناس سيصلون من حيث الرفاهية إلى حيث لا يبقى أي شيء من حاجاتهم غير متوفر. ومن حيث الاستقرار المعنوي والروحي والشعور بالأمن والطمأنينة يبرز دور الإيمان أيضاً، يقول القرآن: ‏﴿قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ﴾[1].

 

فالقرآن يعلّم البشر طرق السلام والطمأنينة والسلامة الروحية، هذا الطريق الذي يوصل الإنسانية إلى الطمأنينة الروحية، وهو ذلك الشيء الذي يفتقده العالم ويؤدي إلى حال الغليان. هناك التطور المادي والتطور التقني والعلمي والثروات الطائلة الموجودة في المجتمعات ولكن لا توجد طمأنينة أو استقرار. وهذا بسبب قلّة هذا العنصر الأساس في حياة البشر الذي هو عبارة عن الإيمان. هذه قضية أساس ينبغي التوجه إليها بالاستفادة من القرآن الكريم. إذا كنا نريد في هذه الجمهورية الإسلامية ـ أنا وأنتم وكل واحد منا وسائر شبابنا وكل الأجيال الآتية ـ تأمين مستقبل سعيد لبلدنا ولأنفسنا وأبنائنا، فإن أساس التحرّك في النظام الإسلامي هو الإيمان الذي يجب أن يحققه ليس فقط في القلب بل في العمل وفي الخطط وفي جميع التحركات.

 

هذه السنة هي السنة الثانية والثلاثون على تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية أي السنة الثانية من العقد الذي أُعلن كعقد التقدّم والعدالة. فشعار التقدّم والعدالة هو شعار محوري وقضية أساس وحاجة ماسّة. ففي هذه المرحلة يجب أن يكون الهدف الكبير لشعبنا العزيز والمسؤولين التقدّم والعدالة. (التقدّم) و(العدالة) مطلبان تحتاجهما البشرية. فإن التقدّم يعني الوصول إلى النتائج المطلوبة بلحاظ العلم والعمل وكل ما هو ضروري للمجتمع في الدنيا. والعدالة تعني انتفاء التمييز بين الناس وزوال الظلم. هذان المطلبان يعدّان من المطالب الأساس والأصلية والقديمة للبشرية. وعلى امتداد تاريخ البشر كان هذان المطلبان من المطالب الأصلية للبشرية: التقدّم والعدالة. وهذه الشعارات يمكن إطلاقها لكن المهم هو من يحق له العمل بهذه الشعارات. ونحن في نظام الجمهورية الإسلامية قد وجدنا هذا العقد الرابع


 


[1] سورة المائدة، الآيتان 15 - 16.

 

155


126

خطاب الولي 2010

فرصة مناسبة من أجل العمل على الوصول إلى هذين الشعارين. فيمكن تحقيق التقدّم بمعناه الحقيقي، والعدالة مع هذا الوعي الموجود في مجتمعنا، مع البصيرة التي تحققت بحمد الله في شعبنا فعرف العقبات وشخّص الأهداف، وعلم شبابنا مَن الصديق والعدو في هذه الأيام. فلو أن مسؤولاً سعى نحو العدالة يمكنه أن يهيّئ مقدّمات استقرار العدالة الكاملة في مجتمعنا. ولا شك بأن هذا ليس عملاً قصير الأمد بل هو بعيد الأمد. لهذا نأخذ هذا العقد كعقد التقدّم والعدالة بعين الاعتبار.

 

فكل ما يمكن تحقيقه أو التخطيط له يجب أن يلاحظ هذين العنصرين وأن يكون لأجل تقدّم المجتمع ولأجل العدالة.

 

للبلاد استعدادات كثيرة. أعزائي، في هذه السنوات الثلاثين تقدّمت البلاد والعباد في جميع المجالات. والأرضية متوفرة لحركة عظيمة وتأسيسية، حركة ملموسة يمكن ملاحظة أثرها في حياة الناس. فنحن قد أحرزنا في مجال البُنى التحتية الاقتصادية الكثير من التقدّم، وفي مجال البُنى التحتية المتعلّقة بالاتصالات والمواصلات تحققت إنجازات كبرى، وقد بدأت مسيرة متسارعة في مجال التطور العلمي والتقني منذ مدّة وإلى يومنا هذا. فلاحظوا أن شبابنا وجامعيينا ونخبنا قد وصلوا في المجالات العلمية إلى مراحل مدهشة جداً بالنسبة لدولة كانت بعيدة جداً عن مرحلة العلم والتحقيق والابتكار العلمي.

 

شبابنا الأعزاء! إن الأشياء التي تجعل بلدكم في صف الدول العشر الأولى في العالم - أو الثمانية - ليست قليلة. ففي القطاعات المختلفة في قطاع علوم الحياة وعلوم النانو (nano tec) والعلوم الفضائية وغيرها سترون أن علماء البلاد ـ الذين هم بأغلبهم شباب مفعمون بالحماس والحيوية والنشاط ـ قد تمكّنوا من إيصال البلد إلى هذه النقطة بحيث يُقال في هذا المجال إنّ إيران هي إحدى الدول الثمانية الأولى، في العالم وفي ذاك المجال هي إحدى الدول العشر، أي إنّ هذا تطور عظيم، وهو يمثّل موقعية مهمة للبلاد. وفي مجال الموقعية والقدرة الإقليمية والدولية فإن نظام الجمهورية الإسلامية اليوم والجهاز الإسلامي في بلدنا يتمتع بمهابة وأهميّة في عين الدول بحيث يعترف أعداؤنا بأن الجمهورية الإسلامية هي من أفضل الدول في مستواها ومن الدول

 

 

156

 

 


127

خطاب الولي 2010

التي يمكنها أن تكون ذات تأثير. يمكن القول إن الجمهورية الإسلامية من حيث الاعتبار الدولي والسياسي في المنطقة هي في الدرجة الأولى. قد تسمعون أشخاصاً، أفضل ما يمكن أن يُقال عنهم إنهم قصيرو النظر ولا يمتلكون رأياً سديداً، يقولون أحياناً إن ذلك رئيس تلك الدولة الغربية المستكبرة، أو وزير الخارجية ذاك، أو ذلك المبعوث الدولي قد تلفّظ بكلامٍ سيئٍ تجاه إيران حيث يعدّون ذلك دليلاً على عدم قيمة الجمهورية الإسلامية، هذا خطأٌ. إن الجمهورية الإسلامية اليوم لها موقعية واقتدار في عيون الشعوب والدول وحتى في عيون أعدائها. نحن دولة مؤثّرة. ففي القضايا العالمية نرى أن حضور نظام الجمهورية الإسلامية هو حضورٌ ملموس ولا يمكن مقارنته بحضور دولة أخرى بمستوى إيران من حيث الوضع الاقتصادي والثروة القومية. إن إيران هي أفضل من جميع الدول التي تتقدم عليها أو تساويها من الناحية الاقتصادية فيما يتعلق بالتأثير في السياسات الإقليمية. فهذه كلها مجالات. ثلاثون سنة من تجربة الخدمة والإدارة المتراكمة هي اليوم في خدمة مسؤولي نظام الجمهورية الإسلامية. فلاستمرار حركة هذا النظام واستقراره وثباته هذه الأهمية وهذا الأثر الكبير وهو تحقّق تجربة متراكمة قيّمة فيما يتعلق بالتعامل مع القضايا العالمية والإقليمية، والقضايا الداخلية للبلد. فهذا بذاته يمثّل أرضية مهمة جداً وبنية تحتية ملفتة.

 

لقد تمّ تحديد رؤية واضحة، رؤية للعشرين سنة المقبلة في الجمهورية الإسلامية. هذه الوثيقة القيّمة. الحكومات المتعاقبة يمكنها أن تحدّد الأهداف على أساس هذه الوثيقة الرؤية، وكل واحدة منها تقطع مسافة منها لتودع ما تبقى من أعمال الحكومة التي تعقبها. فوجود وثيقة للرؤية يُعدّ من الإمكانات القيّمة لنظام الجمهورية الإسلامية.

 

وإحدى الإمكانات الكبرى للنظام هو هذا الجيل الشاب المتعلّم المليء بالطاقة والاندفاع في بلدنا. فهؤلاء قد تعلموا ودرسوا ويوجد لديهم اندفاع ويسعون في طريق فهم واستيعاب القضايا المتعددة في مختلف القطاعات ولديهم الثقة بالنفس. ونحن اليوم نستشعر من شبابنا هذه الثقة بالنفس التي لم تكن موجودة في السابق وهي أمرٌ يقلّ نظيره في الشعوب الأخرى. وكل واحدة من هذه القضايا المختلفة الاقتصادية

 

157

 


128

خطاب الولي 2010

والتقنية والسياسية والاجتماعية والقضايا التي تحتاج إلى العلم والتخصص عندما تُعرض على شرائح الشباب وأهل البحث والتحقيق نجد أنهم يقولون بمنتهى الثقة بالنفس إننا نستطيع. ولا يشعرون بأنهم عاجزون بل لديهم القدرة. وهذه الثقة بالنفس لها أهمية فائقة بالنسبة لشعبٍ أن يشعر بأنه قادرٌ، فلسنواتٍ متمادية تمّ تلقيننا إنكم لا تستطيعون.

 

كان يُقال لشعبنا إنكم بلا شرف. فسياسيو الدولة كانوا حكاماً جائرين تسلّطوا على بلدنا وتعاملوا في الغالب مع أعداء هذا الشعب وانسجموا معه، فكانوا في أغلب الأحيان يلقّنون بلدنا وشعبنا وشبابنا إنكم لا تستطيعون فلا تحاولوا ولا تضيّعوا جهودكم.

 

أي ينبغي أن نجلس وغيرنا يقوم بالأبحاث ويتقدّم ونحن نذهب إليهم ونستعطي حتى يعطونا وكأننا بأنفسنا لا نقدر على شيء. فمثل هذه الأمور أُشربت في شبابنا وجيلنا حتى أضحت من مسلّمات هذا الشعب. ففي شبابنا كان أمراً واضحاً في مجتمعنا مثل هذا الشعور بأن الإيراني لا يقدر وأن الأجانب والأوروبيين والأمريكيين هم الذين ينبغي أن يتقدّموا ونحن يجب أن نسير وراءهم ونتعلّم منهم. فأن نقدر على شقّ الطريق بأنفسنا ونشرع في حركة ما ونفتتح بعداً جديداً من أبعاد الحياة الهامة كان من الأمور المستحيلة بالنسبة لشعبنا، واليوم أصبح الأمر معكوساً.

 

فالشاب الإيراني لا توجد بالنسبة إليه أية قضية مهمة إلّا ويشعر بأنه قادر عليها. لقد ذكرت أنه في المسائل العلمية والتقنية والسياسية ما يُعرض على مجامع أهل التحقيق والأبحاث -التي أغلب أهلها من شباب بلدنا- من الأعمال والتطورات المختلفة فإن الشاب الإيراني يشعر بأنه قادرٌ على القيام بها هذه الثقة بالنفس أمرٌ هام جداً. فمثل هذه الثقة بالنفس على صعيد المجامع العلمية تقوم على أساس الثقة بالنفس على صعيد الأمة. كما ذكرت قبل عدّة سنوات أن على الشعب أن يصل إلى الثقة بالنفس والحس الوطني أي أن يشعر بأنه يمكن له أن ينجز جميع الأعمال الكبرى بالإرادة والسعي. فنحن لسنا عاجزين في أي عملٍ من الأعمال وهذه الأمور تمثّل أرضية التقدّم.

 

 

158

 

 


129

خطاب الولي 2010

حسناً، نحن قلنا إن هذه السنة هي سنة الجهد المضاعف والعمل المضاعف، أي الهمّة الأعلى والعمل الأكثر. إن التعبير بالمضاعف ـ أي المتزايد مرّات عديدة ـ هو الشكل الغائي. فلو أضحى ضعفين أو ثلاثة أو عشرة فلن نقنع، ولكن لا يعني ذلك أننا إذا لم نتمكن في مجال ما من أن نضاعف عملنا مرّتين أو مرة ونصفاً أن نيأس، كلا، المهمّ أن يكون لدينا همّة أعلى مما سبق، ونزيد من عملنا مقارنة بالسابق. هذا هو شعار العام. هذه الشعارات ليست مجرّد استعراض، ولا أنّها بحيث نتخيّل أنّ هذا الشعار سيحلّ جميع مشكلات البلد هذه السنة، كلا، فهو ليس مجرّد مجاملات أو استعراض بل إنّه يدلّنا على الخط الواضح.

 

في السّنة الماضية قلنا إنّها سنة ترشيد الاستهلاك. ومن هنا ذكرت بداية السّنة الماضية أن ترشيد الاستهلاك ليس شيئاً يمكن أن يتحقق في سنة واحدة. ففي العام الماضي قلنا إنّه عام بداية تحرّكٍ نحو ترشيد الاستهلاك. وقد بدأت الحركة. ولا يمكنني هنا أن أقول إن الاستهلاك قد صلُح، كلا، فلا زال أمامنا مسافة طويلة. فما لم نرشد الاستهلاك ونصلحه، وما لم نعرف كيف نستهلك الماء والكهرباء والخبز والمال، ما لم نحسن استهلاك هذه الأشياء وطرقها فإن مشاكلنا ستبقى كما هي. علينا أن نتابع عملية ترشيد الاستهلاك. وفي العالم الماضي قام المسؤولون بأعمال وأعدّوا الأبحاث، ولكن يجب أن لا يتوقف هذا العمل. هذا هو الذي يدلّ على الجهة، وقد علمنا أنّ في العام الماضي كانت قضية ترشيد الاستهلاك قضية أساساً وأن علينا متابعتها. وفي هذا العام الأمر كذلك.

 

فعندما نقول إن علينا في هذه السنة أن نبذل المزيد من الجهد فلا يعني ذلك أنه مختصٌّ بهذا العام. مضاعفة الجهد وإعلاء الهمّة ليس مختصاً بعام 1389.

 

إن علينا أن نجعل هذا كمؤشرٍ أمام ناظرينا يدلّ على الطريق ولا ينبغي أن نخفض من جهدنا فأمامنا أعمالٌ كبيرة وأهدافٌ سامية تنتظرنا وعلينا أن نرفع من هممنا لكي نتمكن من الوصول إلى تلك الأهداف، ويجب أن نزيد من حجم العمل ويجب أن تتراكم الأعمال حتى نتمكّن من الوصول إلى تلك الأهداف. ولا شك بأن العام الماضي كان عاماً مهماً لبلدنا. وبنظري ـ

 

 

159

 


130

خطاب الولي 2010

كما ذكرت في بيان عيد النوروز إلى شعب إيران ـ فإن عام 1388 كان عام شعب إيران، عام انتصار هذا الشعب، عام حضوره البارز في ميادين الحياة العظيمة، في النظام الإسلامي وفي بلدنا.

 

ففي مكانٍ يوم الثاني والعشرين من خرداد أقبل أربعون مليون شخصاً على صناديق الاقتراع أي أن خمسة وثمانين بالمئة من الشعب شاركوا في الانتخابات، وهو أمرٌ هام جداً. ويقيناً فإن حضور الشعب له دورٌ في مشروعية أي نظام. وإن أولئك الذين في الغرب ممن يعتبرون مشروعيتهم ناشئة في الأساس من حضور الشعب ولا يعتبرون أي عاملٍ آخر دخيلاً، ليس لهم مثل هذا الحضور الجماهيري الآن. ففي أيام انتخاباتنا أُقيمت انتخابات في إنكلترا بمشاركة حوالي ثلاثين في المئة، فأين الثلاثين من الخمسة والثمانين؟! إن هذه الحركة الشعبية والحضور الجماهيري لأمرٌ فائق الأهمية، والمحللون والمفسّرون السياسيّون في قضايا العالم لا يمرّون على هذه الأمور ببساطة. فمن الممكن أن لا يعكسوا هذا الأمر في إعلامهم، ومن الممكن أن لا يذكر السياسيّون مثل هذه القضية في تصريحاتهم المعلنة لكن القضية تؤثر في قلوبهم وهم يفهمونها.

 

لقد ثَبَت هذا الشعب على كلمته وكانت هذه حركة عظيمة لشعبنا واستطاع الشعب أن يسجّل في تاريخ البلد أنّه بعد مرور ثلاثين سنة على استقرار النظام الإسلامي ـ الذي قام على أساس الإسلام والجمهورية المتلازمَين أولئك الذين يفصلون بينهما لم يعرفوا الجمهورية الإسلامية وأنه متمسّكٌ بمباني هذا النظام بحيث يشارك في انتخابات بهذا الحماس والاندفاع وهذه العظمة. حسناً إن هذه كانت حركة شعبية عظيمة. وفي مقابل هذه الحركة كان لأعداء الشعب مخططات، وقد بدأوا بتطبيقها. فلو كان حضوركم أيها الشعب في انتخابات الثاني والعشرين من خرداد لعام 1388 حضوراً ضعيفاً ولو شارك ثلاثون مليوناً بدلاً من أربعين، فالاحتمال الكبير أن أعداءكم كانوا سينجحون. لقد أعدّوا خططاً مسبقة. وأنا لا أتهم أحداً لكنني أعرف هندسة عمل العدو وأراها وهي مشخّصة عندي ولا يمكن أن أنكرها. ومثل هذا العمل قد قاموا به في أماكن أخرى.

 

عندما لا تكون القوى الدولية المستكبرة راضية عن نظامٍ ما، فإن إحدى الوسائل التي اكتشفوها وعملوا بها هي أن ينتظروا مناسبة الانتخابات، وفي هذه الفرصة لو

 

 

160


131

خطاب الولي 2010

أنّ أولئك الذين لا يرضون عنهم نجحوا فيها وأولئك الذين لا يريدونهم خسروا فإنّهم يقلبون الأوضاع من خلال حركة شعبية إستعراضية، فيجرّون جماعة من الناس من خلال الشعارات إلى الميدان ومن خلال الضغط في الشوارع فإنهم يقلبون ما تحقّق بالقانون من خلال العنف هذه خطّة معروفة.

 

ولو لاحظتم تلك الحوادث التي جرت بعد الانتخابات، فهي في أذهان الناس وفي ذهن المحلّلين المستقلّين والصادقين وثاقبي النظر، والتي ترجع إلى العوامل الخارجية، وهي كانت ناشئة من هذا الأمر، ولو لم يكن الإنسان مطلعاً على ما يجري وراء الكواليس من الأخبار التي تصل إلى المتابعين فلو نظر إلى ظاهر الأمر لفهم أن هذا العمل هو فعل أعداء الشعب، وفعل الأجانب.

 

إنّ الانتخابات تُقام وتُجرى الحركة القانونية وتتبعها نتيجة، وهم يريدون تبديل النتيجة بالقوّة، فيجرّون جماعة إلى الميدان، وإذا اقتضت الأمور أحياناً يستعملون العنف وإشعال الحرائق، وإحراق البنوك والحافلات من أجل تغيير النتائج القانونية. حسناً، إن هذه حركة مخالفة للشرع والقانون. ومن الواضح أنها تُدار من قبل الأجانب. وقد أرادوا أن تحدث هذه المسألة عندنا، وكان امتحاناً مهماً للبلد. وأنا أقول كان امتحاناً مهماً وفيه الكثير من العبر والدروس، وفي هذا الامتحان نجح شعب إيران. كانوا يريدون أن يقسّموا هذا الشعب إلى أقلية وأكثرية، فئة فازت بالانتخابات، وفئة لم تحقق مطالبها في الانتخابات ليجعلوا الفئتين تتواجهان.

 

يقسّمون الشعب ثمّ ينزل المشاغبون إلى الساحة ومن خلال افتعال المشاكل يفرضون الحرب الداخلية. كانت هذه هي أمنيتهم. لكن شعبنا كان واعياً. فقد شاهدتم أنّ يوم الانتخابات انقسم الناس إلى فئتين: الأولى، حوالي 13 مليوناً والثانية حوالي 24 مليون، ولكن بعد مدّة ليست طويلة أضحت هاتان الفئتان، فئة واحدة ووقفت مقابل مفتعلي الاضطرابات وأعمال الشغب والتخريب. فمن هنا يدرك الإنسان وعي الشعب.

 

أرادوا أن يوجدوا التوتّر بين الناس، فسيّئو النيّة الذين فعلوا كل ما أمكنهم ضد هذه الثورة وهذا الشعب طوال ثلاثين سنة اعتبروا أن هذه فرصة ونزلوا إلى الميدان

 

 

161

 


132

خطاب الولي 2010

بإعلامهم. ومن قبل ما كانوا يستطيعون فعل شيء. ولو كان الأمريكيون والإنكليز والصهاينة قادرين على إنزال قوّاتهم في شوارع طهران فاعلموا يقيناً أنهم لما تأخّروا. فلو أمكنهم تحريك الشارع كما يريدون من خلال إحضار عملائهم من الخارج لفعلوا، ولكن غاية الأمر أنهم كانوا يعلمون أن هذا العمل سيعود عليهم بالضرر.

 

فالشيء الوحيد الذي كانوا يقدرون على القيام به هو دعم المشاغبين في مجال الإعلام وفي ساحة السياسة العالمية.

 

ففي هذه القضية نزل رؤساء الدول المستكبرة إلى الميدان وأطلقوا على المشاغبين والمخربّين الذين أرادوا الظهور من خلال الحرائق، أطلقوا عليهم إسم شعب إيران، عسى أن يتمكّنوا من تصوير الأوضاع وفق رغباتهم على صعيد الرأي العام العالمي والمحلّي لكنّهم هُزموا. فأقوى وآخر الضربات لهذا الشعب كانت في يوم التاسع من شهر دي والثاني والعشرين من بهمن. فإن ما قام به شعب إيران في الثاني والعشرين من بهمن كان عملاً عظيماً وكذلك في التاسع من شهر دي. فقد برزت وحدة الشعب. وكل أولئك الذين انتخبوا ـ أي كانوا في الساحة السياسية ـ عندما رأوا العدو في الساحة وفهموا أهدافه الدنيئة فإنهم أعادوا النظر بأولئك الذين كانوا ينظرون إليهم نظرة حسنة في السابق، فهموا أنّ طريق الثورة هو هذا، وأن الصراط المستقيم هو هذا. ففي الثاني والعشرين من بهمن نزل الشعب كلّه تحت شعارٍ واحد.

 

لقد سعوا كثيراً عسى أن يتمكّنوا من تفريق هذا الشعب، لكنهم لم يتمكّنوا، وصمد هذا الشعب، وهذا انتصاره. فمن الثاني والعشرين من شهر خرداد وإلى الثاني والعشرين من شهر بهمن ـ ثمانية أشهر ـ فصلٌ مليء بالفَخار والعِبر لشعب إيران، وهذا أحد الدروس وقد أحدث وعياً جديداً وفتح فصلاً جديداً في بصيرة شعب إيران. وهذه أرضية مهمة جداً. وعلينا أن نتحرّك على أساسها. والآن همّة أعلى وعملٌ أكثر، يجب القيام بالمزيد من الجهد والعمل على هذا الأساس. وهناك ميادينُ مختلفة. ولا ينبغي أن نسمح بانقضاء الوقت. فلكل سنة من السنوات التي طوتها الثورة، ولكل شهرٍ، ولكل يومٍ، وزنٌ ومقدار وقيمة لا ينبغي أن تضيع منّا. لعلّ بعض الأعمال قد توقّفت طوال الأشهر الثمانية من سنة 1388 بسبب ما قام به المفتنون وشوّشوا

 

 

162

 


133

خطاب الولي 2010

بعض الأذهان، فيجب جبران الأمر. ويجب أن تكون الحركة حركة سريعة. توجد ميادين عديدة: ميدان العلم والتحقيق بالدرجة الأولى، الجامعات ومراكز الأبحاث في جميع المجالات، العلوم التطبيقية، العلوم الإنسانية في جميع القطاعات التي تحتاجها الدولة، يجب أن تزيد من جهدها في البحث والعلم، وأن يضعوا نصب أعينهم مراحل أعلى، ويجعلوا العمل متراكماً.

 

أنا أقول إن على شبابنا أن يجعلوا هممهم بحيث يصبح بلدهم بعد مرور حوالي عقدين من الزمن مرجعاً علمياً لعلماء العالم، وهذا ما يتطلب همّة مضاعفة وعملاً مضاعفاً في ميدان العلم والأبحاث ليستفيدوا بذلك استفادة جيّدة من الموارد والإمكانات الموجودة في البلد. وعليهم أن يستفيدوا إلى أقصى حدّ من كل ما يمكن أن يبني بلدهم في المستقبل أو يحقق الرفاه في الحياة العامة للشعب، أي ممّا يُعدّ ترشيد الاستهلاك أحد أركانه، فيستفيد من مياه البلد استفادة صحيحة. فنحن اليوم لا نستغلّ المياه بشكلٍ صحيح، ففي السنة الماضية التي طرح فيها ترشيد الاستهلاك قام المحققون في بلدنا بإجراء الأبحاث وأطلعونا أنّه لو اقتصدنا في المياه التي نستهلكها على طول البلاد بنسبة عشرة في المئة فإن هذه النسبة تعادل كل الاستهلاك الذي يحدث على صعيد مياه الشفة والصناعة.

 

فاليوم هناك 90% من مياه البلد التي تُستهلك في القطاعات الزراعية ـ بطريقة خاطئة ومسرفةـ فإن عشرة بالمئة منها هو لأجل مياه الشرب والصناعة وغيرها من موارد الاستهلاك، أي أننا لو اقتصدنا في العمل الزراعي ما نسبته عشرة بالمئة فإنّ كميّة المياه المستعملة في الشرب والصناعة وأمثالها ستصبح ضعفين. المسألة مهمّة بهذا المقدار. أما قضيّة استهلاك الكهرباء وأجهزة الطاقة ـ البنزين والمازوت ـ فهي مسألة مهمة أيضاً. إن هذه اللائحة الموجِّهة للبرامج التي طُرحت ناظرة إلى هذه القضايا وهي لائحة هامة جداً.

 

إنني أوصي في هذا المكان وفي حضوركم أيها الأعزاء، سواء السلطة التنفيذية أو التشريعية اللتين ينبغي أن تتعاونا في هذه القضية الهامة. فمن أحد أطراف القضيّة ننظر إلى السلطة التنفيذية التي يقع على عاتقها هذا الحمل ويجب على الحكومة

 

 

163

 


134

خطاب الولي 2010

أن تقدم وتعمل ويجب على جميع الأجهزة الأخرى ومنها الجهاز التشريعي أن يقدّم العون لهذه الحكومة ـ ومن جانب آخر يجب أن تراعي هذه الحكومة ما هو قانونيٌّ وقد طوى مراحله القانونية وتعمل وفقه، لهذا يجب على الحكومة والمجلس ـ السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية ـ أن يتكاتفا في تحركهما ويتعاونا ويحضرا معاً "يد الله مع الجماعة". فإذا اجتمعا فإن الله سيعين.

 

لهذا فإن الاستخدام الجيّد للموارد والثروات الموجودة في البلاد أمرٌ مهم من غير إسراف وتبذير. الهمّة المضاعفة والعمل الزائد في رفع نوعية الإنتاج المحلي هما العملان الأساسان. فنحن اليوم لدينا إنتاجٌ محليٌّ كثير سواء على مستوى الصناعة أو الزراعة وعلينا أن نولي نوعيته اهتماماً خاصاً ونرفع من مستواه. ينبغي أن يكون الأمر بحيث يشعر المستهلك بأن ما يُنتج في بلده وعلى يد العامل الإيراني بلحاظ النوعية أفضل من المنتَج الخارجي أو بالحد الأدنى في مستواه.

 

الهمّة المضاعفة والعمل المضاعف في مجال الصحّة. فإن قضية الصحّة ينبغي الاعتناء بها في الخطّة الخمسية وكذلك في الخطط التنفيذية المختلفة على صعيد الأجهزة كافّة. وأحد أقسام قضيّة الصحّة ما يتعلّق بالرياضة العامّة، حيث إنني أوصيت مراراً وأعود لأوصي مجدّداً. فالرياضة العامّة لازمة للجميع. فإن النشاط والصحّة والجهوزية والرغبة بالعمل يمكن تحقيقها في ظل الرياضة العامّة للمجتمع. الهمّة المضاعفة والعمل المضاعف في الاستثمار وفي الإبداع. فالكثير من أولئك الذين يمتلكون رؤوس الأموال والمداخيل الكبيرة لا يعرفون كيف يستعملون هذه الثروات. وهنا تبرز قضية ترشيد الاستهلاك. فبدلاً من أن يضعوا أموالهم في الاستثمارات الإنتاجية يستهلكونها في الكماليات والرحلات الخارجية العبثية وغير المنتجة والتي تكون أحياناً فاسدة، ويجدون مبرراً لتغيير الأثاث وتجهيزات المنزل، إن مثل هذه الأشياء تُعد تصرّفات مسرفة فيما يتعلّق بالثروة. فيمكن أن يستثمر بهذا المال وبهذا المدخول. واليوم فإن وسائل هذا العمل متوفرة. فمن خلال تنشيط البورصات الموجودة في البلد يمكن استثمار الأموال. فالجميع يمكنهم أن يضاعفوا رساميلهم في الاستثمارات. إن إحدى القضايا المهمّة التي تتطلبها الهمة المضاعفة والعمل المضاعف قضية إنتاج الفكر،

 

 

 

164

 


135

خطاب الولي 2010

المطالعة، ورفع مستوى الثقافة العامّة في المجالات المختلفة. وما اقترحناه فيما يتعلّق بكراسي الفكر الحر في الجامعات وفي الحوزات إذا طُبّق يمكن أن يحدث تياراً فكرياً سيالاً عظيم المنفعة بالنسبة للمجتمع. والأهم من كل هذا: الهمّة والعمل المضاعفان في محاربة الفقر والفساد والظلم. هذه أشياء نضعها نصب أعيننا. وعلى الشعب والحكومة والمسؤولين السعي. ولا نشك أننا نواجه تحديات وموانع. ونحن لسنا شعباً ليس له أي أعداء في العالم. فتلك الشعوب التي ليس لها أعداء، ليس لها قيمة وجودية. فالشعب الذي خطّ طريقه وحدّد هدفه وسعى ويسعى سوف يصنع أعداء. لا شكّ بأن هناك فرقاً بين عدو وآخر.

 

فحكومة أمريكا لها أعداء كثر في العالم، ولكن من هم هؤلاء الأعداء؟ إنها الشعوب التي تكره حكومة أمريكا وتنفر منها. لماذا؟ لأن الحكومة الأمريكية لها سوابقٌ في الاعتداء على الدول من أكثر من خمسين سنة وإلى يومنا هذا، كلها مدوّنة في سجلّها. فخلال الخمسين سنة الماضية اعتدت أمريكا عسكرياً على ما يقارب الستين دولة. فهل هذا مزاح؟ وهل هذا قليل؟ حسناً، إن لها أعداء ولنظام الجمهورية الإسلامية أعداء، ولكن من هم أعداء نظام الجمهورية الإسلامية؟ إنها الحكومات المستكبرة، والرأسماليون الصهاينة، أعداء الإنسانية، والأجهزة المخابرتية الغدّارة والسفّاكة للدماء. لهذا فإن هناك عدو، وهؤلاء الأعداء ينشطون ويسعون. وعلى شعبنا ومسؤولي بلدنا أن يكونوا واعين ويلتفتوا إلى هذه العداوات ويعملوا بكل شجاعة وتدبير في مواجهتها. فالتدبير لازمٌ وكذلك الشجاعة. ولو لم توجد الشجاعة وضعف المرء مقابل أبّهة وهيمنة وسيطرة الحكومات المستكبرة فإن الهزيمة حتمية. إن من أعمال الحكومات المستكبرة هو السيطرة وقلب الحق إلى باطل، ومقابل هؤلاء إذا لم يكن هناك شجاعة وإذا لم يتمكن مسؤولو البلد من الصمود بوجه هذه التحركات الاستعراضية العدائية والمستكبرة؟ فسوف يُهزمون ويجرّون الشعب إلى الهزيمة. لهذا فإن الشجاعة لازمة. والتدبير لازمٌ أيضاً. التدبير يعني الوعي لمخططات الأعداء والقرار الصحيح والمناسب في المقابل. العدو يظهر بأشكالٍ مختلفة. أنتم تلاحظون اليوم أن الصهاينة والحكومة الأمريكية يواجهون شعب إيران ونظام الجمهورية الإسلامية، أحياناً يرتدون لباس

 

 

165


136

خطاب الولي 2010

الذئب وأحياناً لباس الثعلب، وأحياناً يظهرون بمظهر العنف والعداء وأحياناً بمظهر الخداع، ويجب الالتفات إلى ذلك.

 

لقد قلت لكم أيها الشعب العزيز في السنة الماضية في بدايتها وفي هذا التجمع العظيم: إننا سننظر بدقة إلى ما أعلنه الرئيس الجديد للولايات المتحدة الأمريكية من أنه سيمدّ يد الصداقة. إننا ننظر لنرى هل هي يد الصداقة في الواقع؟! هل إن هذه النية في الواقع نية الصداقة أو نية العداء في قالب الألفاظ الخداعة؟ فهذا بالنسبة لنا مهم جداً. قلت في العام الماضي إنه لو كانت اليد التي تمتد من تحت الأكمام المخملية يداً أو قبضة فولاذية، فإننا لن نمدّ يدنا ولن نقبل هذه الصداقة. وإذا كانت هذه البسمة تخفي خنجراً وراء الظهر فنحن متيقظون. وللأسف إن ما حدث هو ما كنا نحدس به، فإن الحكومة الأمريكية بكل تشكيلاتها الجديدة ورئيسها الجديد ومع كل ادعاءات المحبة والعلاقات العادلة والصحيحة التي ذكرها في رسالته وأعلنها على المنابر وكررها في مجالسه الخاصة مريداً إقامة علاقات طبيعية مع الجمهورية الإسلامية فإنه للأسف تصرّف بعكس ذلك في ساحات العمل. وفي هذه القضايا التي جرت طيلة الأشهر الثمانية بعد الانتخابات إتخذوا أسوأ المواقف.

 

لقد عرّف الرئيس الأمريكي المشاغبين والمخرّبين في الشوارع كنهضة مدنية! إحراق البنوك والحافلات والاعتداء على المارّة الأبرياء الغافلين، وضرب أخت وأم الشهيد لأنها تضع الشادور على رأسها وإحراق درّاجة شاب لأن له لحية هي نهضة مدنية! أنتم تدّعون حقوق الإنسان والديمقراطية لكنكم لا ترون هذه الحركة الشعبية العظيمة في الانتخابات وفي الحضور في الميادين وتتغافلون عنها، ثم تنحازون لمصلحة مجموعة من المخلّين والمشاغبين! ثم تطلقون على هذا اسم النهضة المدنية! ألا تخجلون؟! يدّعون قائلين: إننا ندافع عن حقوق الإنسان ونشعر بالمسؤولية تجاه هذه الحقوق! أنتم لستم في موقعٍ يحق لكم فيه أن تتحدّثوا مع أي أحد حول حقوق الإنسان. فما هو الذي غيّرتموه من مواقفكم خلال هذه السنوات فيما يتعلّق بالماضي؟ هل قلّصتم من المجازر في أفغانستان؟ وهل قلّصتم تدخلاتكم في العراق؟ ألم تدعموا المجازر المفجعة بحق الناس في غزّة وقتل الأطفال، حتى تدّعوا الدفاع عن حقوق الإنسان؟ إنني اليوم

 

 

166

 


137

خطاب الولي 2010

أعلن مرة أخرى أن على الدول التي تريد أن تتعامل بروحية استكبارية مع الشعب الإيراني ومسؤولي الجمهورية الإسلامية أن تعلم أنها مدانة ومرفوضة من قبل هذا الشعب وهؤلاء المسؤولين.

 

فأنتم لا يمكنكم ادعاء الرغبة بالسلام والصداقة وفي نفس الوقت تتآمرون وتشعلون الفتن، بتصوّر أنكم ستوجهون الضربة لنظام الجمهورية الإسلامية. الشعب يقظٌ وكذلك المسؤولون، والتدبير هو أن يأخذ الإنسان السلوك المعادي بنظر الاعتبار ويرى ماذا يُراد، وماذا يُدبّر؟، فلا يغيب ذلك عن عين الشعب الإيراني ويخفى أو يبقى مجهولاً. على شعب إيران أن يتخذ قراراته بوعي. وإن شاء الله بتوفيق الله سوف نتخذ قراراتنا بوعي. وإننا لن نتخلّى عن مصالح شعبنا في مقابل إنزعاج الأعداء أبداً. وإننا سنقدم على كل ما هو لازم على طريق تقدّم هذا الشعب ونحن مطمئنون ونعلم أن هذا الشعب منتصر، مثلما كان طوال 32 سنة. إن أعداءنا قد لاقوا الهزيمة طوال هذه السنوات في كل ما كانوا يفعلونه مع هذا الشعب، لم يتمكنوا من ضرب هذا النظام وصفعه، لم يتمكنوا من فصل الشعب عن النظام. وسيكون الأمر كذلك فيما بعد. ومن بعد هذا وبتوفيق الله وبحوله وقوته فإن مصير شعب إيران هو النصر والتطور، وإن مصير أعداء هذا الشعب هو الانهزام والتراجع.

 

اللهم، ثبّت أقدامنا على صراط الإيمان المستقيم، الإيمان بالله والقرآن ودين الإسلام المقدّس، اللهمّ، لا تزغ قلوبنا عن التوجه والتضرع إليك، اللهم، لا تحرمنا من دعاء بقية الله عجل الله تعالى فرجه الشريف، اللهم، تلطّف وتفضّل دوماً على هذا الشعب وهؤلاء الشباب وهذه القلوب الوالهة المندفعة المتحمسة، اللهم، زد من إحكام علاقة الأخوّة بين هذا الشعب والشعوب المسلمة يوماً بعد يوم وأبطل كيد الأعداء.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

167

 

 


138

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء الرؤساء المشاركين

في احتفال النيروز العالمي

 

         

         

         

المناسبة:   عيد النيروز

الحضور:  الرؤساء المشاركون في احتفال النيروز العالمي

المكان:   طهران

 

الزمان:    07/01/ 1389هـ.ش.

11/40/1341هـ.ق.

72/30/0102م.

 

 

169

 


139

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أرحب بالسادة رؤساء الجمهوريات المحترمين، ورؤساء وفود الممثليات، وكافة الإخوة الحاضرين في هذه الجلسة.. عيدكم مبارك.

 

أنتم ـ أيها الأصدقاء الأعزاء والإخوة الأطياب والجيران ـ اخترتم مناسبة جيدة جداً للاجتماع وتبادل وجهات النظر في الشؤون المختلفة. عيد النيروز عيد شرقي يحمل قيماً مميزة وبارزة. والواقع أن عيد النيروز رمز.. رمز التجديد والطراوة والشباب والحيوية والنشاط، وكذلك رمز المحبة والعاطفة تجاه الآخرين، وزيارة الإخوة وتفقّدهم، وإبداء المحبة لعوائل الأقارب، وتمتين علاقات الصداقة والعطف بين الأصدقاء والمعارف، ومحو الأحقاد، فالربيع مظهر الطراوة والحيوية، والحقيقة أن المعاني كلها مجتمعة في الربيع. وهذه ميزة بالنسبة لشعوبنا التي جعلت النيروز بداية سنتها الجديدة وبداية تاريخها لأنه يحمل هذه المعاني.

 

هذا الاحتفال احتفال وطني وليس من الأعياد الدينية. لكن النيروز حظي بالتأييد من قبل الشخصيات الكبرى في شرعنا المقدس. لدينا العديد من الروايات التي فيها تكريم للنيروز وتقدير ليوم النيروز. وقد أدى هذا إلى أن يكون النيروز وسيلة لإبداء الناس العبودية والتواضع والخضوع أمام الخالق. إنه في الواقع فرصة يستطيع فيها الإنسان إحياء قلبه بذكر الله.

 

الدارج في بلادنا منذ سنوات طويلة أن يتجمع الناس في يوم النيروز وفي ساعة تحويل السنة في أماكن العبادة والزيارة والأماكن الروحية يطلبون من الله الخير والبركة، ويسألونه تعالى أن يجعل سنتهم حسنة لهم وللآخرين. إذن، النيروز مناسبة جدّ قيمة ومميزة إن من الناحية المعنوية وإن من الجانب الوطني، وكذلك من الناحية الدولية بين الشعوب التي تحتفل بالنيروز.

 

 

170


140

خطاب الولي 2010

وفي هذه السنة ـ حيث تم تسجيل النيروز كاحتفال دولي ـ اشتمل هذا الأمر على صفة إيجابية حسنة هي أنه مثّل هدية من شعوبنا لشعوب العالم وللشعوب الغربية ونقل إليهم نوعاً من الثقافة.

 

رغم أن العادة جرت للأسف بأن يكون الانتقال الثقافي من هناك، وقد تعودوا على أن يصدروا ثقافتهم إلى بلداننا وبلدان الشرق، لكن الشرق زاخر وطافح بالقيم الثقافية السامية، وما أحسن أن ننقلها ونصدرها ونهديها للعالم. كان لشعوب الشرق على امتداد التاريخ الكثير من القيم البارزة الممتازة، ويجب أن تتوفر فرصة إهداء هذه القيم لشعوب العالم، وهذه إحدى المناسبات لذلك.

 

إنني أثمّن للغاية هذا الاجتماع الذي عقده أصدقاؤنا الأعزاء وإخوتنا الأحبة في طهران - بهمّة الحكومة المحترمة ورئيس جمهوريتنا المحترم حضرة الدكتور السيد أحمدي نجاد - لأنه وسيلة للتقريب بين حكومات المنطقة وشعوبها. للأسف تعمل بعض القوى الكبرى اليوم على خلق الأزمات بين الشعوب.

 

يخلقون الأزمات بين الشعوب. ويضعون الشعوب الشقيقة في وجه بعضها بعضاَ. يوحون ويروجون أنّ مصالح هذه الشعوب متضادة. والواقع شيء آخر. الواقع أن مصالحنا ليست غير متضادة وحسب بل هي متكاملة ومتعاضدة ومقوية لبعضها بعضاً. بوسعنا أن نكون إلى جانب بعضنا بعضاً وأن يساعد بعضنا بعضاً ونشكل منظومة ثقافية عالمية قيّمة ومتسامية وذات قدرة دولية. اجتماعكم هذا اليوم واستمراره في السنوات القادمة إن شاء الله سيساعد على هذا الشيء.

 

إننا نرحب بتعزيز العلاقات بين بلدان المنطقة والبلدان الجارة ذات الثقافة المشتركة ونساعد على ذلك بكل قدراتنا. أي واحدة من هذه البلدان المتاخمة لنا في شرقنا أو غربنا أو شمالنا أو جنوبنا إذا تعزَّزَت وقَوِيت شعرنا نحن بالنفع من ذلك. من استطاع أن يُظهر هوية مميزة في الأحداث العالمية الكبرى، ووسط هذه التناقضات والتعقيدات، كان ذلك بمثابة فخر وشموخ لنا. إننا نفرح لذلك ونساعد عليه وسوف يساعدنا الله تعالى جميعاً.

 

إنني أدعو لجميع الإخوة الأعزاء، وأسأل الله أن يزيد يوماً بعد يوم من عزة البلدان

 

 

171

 


141

خطاب الولي 2010

الإسلامية وبلدان المنطقة ويؤلف بين قلوبنا أكثر فأكثر ويضع أيادينا في أيدي بعضنا لنستطيع إنجاز الأعمال والمهام الكبرى.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

171


142

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في زيارة مصانع السيارات

 

 

 

 

المناسبة:   زيارة مصانع السيارات

الحضور:  جمع من العاملين والمدراء في مصانع السيارات

المكان:   طهران

 

الزمان:    90/10/9831هـ.ش.

31/40/1341هـ.ق.

92/30/0102م.

 

 

174

 


143

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بارك الله السنة الجديدة عليكم جميعاً أيها الأعزاء مدراء قطاع الصناعة والناشطون الفكريون والعاملون في هذا القطاع البالغ الأهمية. نتمنى أن يوفقكم الله تعالى لتستطيعوا بشوقكم وإيمانكم التقدم ببلدكم وشعبكم إلى الأمام، وتجعلوه عزيزاً شامخاً في هذا المجال ذي الدور الكبير جداً في تقدم البلاد.

 

زيارتي اليوم لها فيما لها معنى رمزي. بالإضافة إلى أنها زيارة لقطاع مهم، فإن المضمون الذي نرمي إليه هو أن نلفت الانتباه إلى أهمية الصناعة في تقدم البلاد. ونقصد بالصناعة الصناعة المتفجرة والمتدفقة من أذهانكم وأفكاركم وابتكاراتكم وإيمانكم. نعتقد أن للصناعة تأثيراً هاماً جداً في تقدم البلد. والواقع أن العنصر الأصلي لاعتبار البلد متقدماً وما يستلزمه من مقتضيات هو التقدم في الصناعة بالشروط المحددة في مواضعها، والمتعلقة بأفكار وعقائد وإيمان شعبنا وشعبكم أيها الأعزاء.

 

كان هناك وهم خطير، تمّ ضخه وحقنه في الأذهان - وربما لا يزال هذا الوهم موجوداً إلى الآن في بعض الأذهان - وهو وهم التضادّ بين الحياة العقلانية المتقدمة من ناحية، والحياة المعنوية والأخلاقية من ناحية ثانية. كان بعضهم قد صدق أنه لو أراد المجتمع أن يعيش حياة عقلانية عملية متسارعة الخطى على طريق التقدم فهو مضطر للابتعاد عن الأخلاق والمعنويات والدين والله! إذا كنا مشدودين إلى الأخلاق ومحبين للمعنويات، وأخذنا بنظر الاعتبار الضوابط والحدود الدينية والأخلاقية، فسنكون مضطرين لصرف النظر عن تقدم البلد وعن العيش حياة عقلانية! كان ثمة مثل هذا الوهم. ولهذا الوهم أسبابه التاريخية الواضحة، وله أيضاً أسبابه المرتبطة بعلم الاجتماع. ما نروم الإصرار عليه هو أن الجمهورية الإسلامية وبسيادة الدين والإسلام أبطلت هذا الوهم ورفضته. نحن نريد أن نعيش حياة عقلانية ومنطقية

 

 

176

 


144

خطاب الولي 2010

وعلمية ومتقدمة وبمقدورنا ذلك، ونكون في الوقت ذاته متمسكين بقيمنا الأخلاقية وملتزمين بإيماننا الديني وعاملين بفرائضنا الدينية ومقتضيات حياتنا الدينية، بل ونتقدم في هذا الاتجاه.

 

الإسلام دين المعنويات ودين العلم في نفس الوقت. كان المجتمع الإسلامي في القرنين الرابع والخامس للهجرة من أكثر المجتمعات البشرية تقدماً. مفاخرنا العلمية في تلك الفترة لا تزال تتألف كالنجوم في سماء العلم حتى بعد مرور ألف سنة، ولكننا أصبنا بحالة من الركود والتراجع لأسباب خاصة.

 

مسيرتنا اليوم مسيرة تقدمية نحو الأمام. إنها مسيرة ذات قفزات واسعة ويجب أن تكون هكذا، سواء على الصعد العلمية أو على الصعد المعنوية والأخلاقية. الصناعة بوسعها أن تكون صناعة متقدمة وتراعى فيها في الوقت ذاته الاعتبارات الدينية والأخلاقية والإنسانية. إننا نريد منكم أنتم الصناعيين في بلادنا ومدراء الصناعة أن تكونوا رمزاً ومثالاً لهذه الحقيقة، ملتزمين بالدين، وفي الوقت ذاته وبسبب الالتزام بالدين، ملتزمين بالتقدم السريع في الصناعة.

 

على مستوى الصناعة نحن غير قانعين بما تحقق لحدّ الآن. هذا مع أن ما تحقق لحدّ الآن يعد قيّماً وهاماً للغاية. لسنا ممن لا يعرف قيمة هذه الأشياء، بل نعرف قيمتها، وقد بُذلت جهود قيِّمة في سبيل تحقيق ما تحقق، ونحن لا نتجاهل ذلك، كلا، هذه أمور محفوظة ومقدرة في محلها، بيد أنها بداية المطاف.

 

فيما يخص صناعة السيارات جربنا وتحملنا تخلفاً طويلاً. الميزة الكبرى التي تتميزون بها هي أنكم استطعتم قطع وتيرة هذا التخلف الطويل بهممكم، أي تغيير حالة الغفوة والخمول التي انتابت البلاد لحوالي ثلاثين عاماً بعد دخول صناعة السيارات إلى البلاد. منذ عقد الأربعينات (الستينات من القرن العشرين للميلاد) حينما دخلت صناعة السيارات للبلاد - منذ نحو ثلاثين عاماً تقريباً - كنا نراوح في مكاننا. بقينا في طور التقليد المحض. لا يمكن مؤاخذة مسؤولي البلاد في عقد الستينات، ذلك أن عقد الستينات هو عقد الثورة والدفاع المقدس، وعلى حد تعبير المسؤول المحترم هذه الصالة صالة تسليح الجنود. كل بيوت الشعب الإيراني كانت في الواقع سنداً لساحة

 

 

177


145

خطاب الولي 2010

الحرب بشكل من الأشكال. لا يمكن تسجيل المؤاخذات على عقد الستينات، أما قبل عقد الستينات وقبل عهد الثورة فهي فترة يمكن أخذها بالحسبان، ويجب ذلك. أربعة أو خمسة أعوام هي فترة الحركة التقليدية لصناعة السيارات في البلدان التي أرادت أن تكون مصنّعة للسيارات، فلماذا تطول هذه المدة هنا بهذا الشكل؟ هذه خطيئة الذين لم يفكروا بمصالح البلاد، ولم يخلصوا في أعمالهم من أجل عزة البلاد، ولم يكترثوا لتضييع وإهدار الأرصدة المادية للبلاد. أما في نظام الجمهورية الإسلامية فقد بدأتم المسير منذ عقد السبعينات، وكان هناك تقدم إلى الأمام. هذا المحرك الوطني الذي تم تصنيعه بالكامل ابتداء من الفكرة والتصميم إلى آخر أجزائه بفضل الفن والتقنية الإيرانية والأيادي الإيرانية والأفكار الإيرانية والمساعي الإيرانية، إنما هو رمز لعزة البلاد. هذا شيء له مغزاه العميق. القضية ليست مجرد أننا استطعنا إنتاج محرك سيارة.. القضية تتجاوز هذه الحدود. العالم اليوم ساحة سباق لأدوات مختلف أنواع المحركات، ومحرك السيارات كوسيلة دارجة من وسائل الحياة ومتداولة من قبل الجميع ومرئية بشكل يومي ودائم، هو من أبرز وأهم هذه الأنواع. في هذا العالم الزاخر بالتجاذبات والتنافس استطعتم هنا إبداء الفنون التي يستطيع الفنان الإيراني إبداعها. هذا شيء له قيمة كبيرة.

 

إنه لما يُزعج خواطرنا أن سيارات بلادنا ولسنين طوال - سواء تلك التي كانت تُستورد من الخارج أو التي كانت تنتج في الداخل حسب الظاهر - كانت تعمل فيها محركات أجنبية تماماً صنعها الآخرون وأنتجها عمال من بلاد أخرى. بدل أن نوفر العمل لعمالنا، ونستفيد من مهارتهم وننفعهم ونتقدم بالبلاد إلى الأمام، كنا في الواقع نساعد الآخرين. وفي الوقت الراهن وفرتم أنتم والحمد لله هذه الفرصة وهذه الإمكانية، وهذا شيء له قيمة كبيرة. إنني أقدر وأثمِّن عملكم الجيد هذا، ولكن كما سبق أن قلت فإنه يمثل الخطوة الأولى.

 

إن من شروط تنمية أي بلد الإستقلال الصناعي. علينا أن نستطيع الوقوف على أقدامنا في كافة المجالات الصناعية. علينا الاعتماد على أفكارنا واستخدام قدراتنا. طبعاً العالم عالم التبادل، ولكن التبادل بين الجانبين. التبادل هو الأخذ والعطاء. ستكون لكم

 

 

178

 


146

خطاب الولي 2010

مكانتكم في سوق التبادل الصناعي حينما تقفون على أقدامكم في المجال الصناعي. هذا ما نريده ونحتاج إليه. إيران الإسلامية جديرة بهذا الأمر. بما لنا من تاريخ وتراث حضاري هائل، وبهذه الحركة الجماهيرية، وبمواهب الشباب هذه، وبكل هذه المواهب المتوفرة في بلادنا، فإننا بحاجة لهذا الأمر. ينبغي أن نُعتبر راية مرفرفة في قطاع الصناعة في العالم الإسلامي. والعالم الإسلامي سوف يرحب بهذه الحالة - وسوف أشير لاحقاً إلى قضية التصدير باعتبارها من قضايانا الأساس الهامة - وسينظر العالم إلى الجمهورية الإسلامية ويرى أن هذا الشعب بذكائه وقدراته استطاع تحقيق هذا التقدم على هذا الصعيد.

 

هناك عدة نقاط ومسائل في هذا المضمار أذكرها الآن. منها أننا إذا أولينا الصناعة الداخلية ما يلزمها من الأهمية - وكلامنا هنا عن صناعة السيارات ويمكن أن نسحب الكلام على الميادين الأخرى - فلا بد لنا من تنظيم سياستنا في التعديل التجاري. أي إن الاستيراد المنفلت سيوجه ضربة بالتأكيد وستترتب عليه بعض المضار. أجهزة التخطيط في البلاد والذين يرسمون السياسات التنفيذية ينبغي لهم التفطن إلى هذه النقطة. الوفرة وزهد الأسعار شيء جيد جداً، لكن الأهم والأفضل هو تنمية الصناعة الداخلية ونهوضها. ليس من الصحيح أن نفتح الأبواب للاستيراد لأسباب شتى معظمها واهٍ وغير مقنع. لقد ذكرت للمسؤولين مراراً - المسؤولين في القطاعات الحكومية على اختلافها - أنه إذا كانت تبريراتكم ومنطقكم لزيادة الاستيراد وتسهيل استيراد البضائع الصناعية هو رفع جودة الصناعات الداخلية، فعليكم التركيز على هذا القطاع. ثمة سياسات يمكن اتخاذها، وإجبار المنتج الداخلي على رفع جودة بضائعه. إن أسوأ خيار لرفع جودة المنتجات الداخلية هو أن نفتح الطريق للصناعات الخارجية. هذا هو أسوأ خيار. هناك خيارات أفضل لكي نرفع جودة بضائعنا.

 

النقطة الهامة الأخرى هي مسألة البحث العلمي.. البحث العلمي وتنمية التقنيات. جميع الصناعات في العالم اليوم بما في ذلك صناعة السيارات، تدور حول محور العلم. إنهم يفكرون دائماً ويعملون ويبحثون علمياً من أجل استكمال هذا الجانب وإنتاج بضائع أقل عيوباً، وأجمل، وأقل استهلاكاً للطاقة وأزهد سعراً. هذا غير متاح من دون

 

 

 

179


147

خطاب الولي 2010

التقدم العلمي والتأمل والدقة والبحث والتحقيق. ينبغي ترك باب البحث العلمي مفتوحاً. الأجهزة المختلفة والمعامل الصناعية ومدراء الصناعة ومدراء الحكومة المشرفون على الصناعة عليهم تركيز جهودهم على قضية البحث العلمي. هذا يساعد على أن تستطيع الصناعة الحفاظ على نفسها داخل إطار الظروف التنافسية الصعبة، ولا تسقط أرضاً في تنافسها مع المنافسين الأقوياء المتقدمين. وهذا ممكن عن طريق البحث العلمي. ومن القضايا الأخرى الهامة في صناعاتنا ومنها صناعة السيارات، قضية التصدير. على الأجهزة الحكومية المختلفة أن تبذل جهودها لتأمين أسواق التصدير. هذا من المهام الحساسة جداً والأعمال التي تحتاج إلى فن ومهارة وجهود متنوعة ومتعددة الجوانب. بعض بلداننا الجارة تصدر السيارات ويعود عليها هذا التصدير بمليارات الدولارات سنوياً! هذه عملية مهمة جداً. أي إن مسيرة صناعة السيارات -وأنا أذكر السيارات هنا كنموذج بارز، والقضية تشمل كل الصناعات المماثلة- يجب أن تتركز منذ البداية على فتح باب التصدير. بمعنى أنه ينبغي منذ البداية التفكير في هذا الجانب، وعلى المؤسسات الحكومية جعل أسواق التصدير وتوفير مثل هذه الأسواق أحد أهدافها. ومن القضايا في هذا المضمار قضية البيئة - وقد سمعت هنا عبر التقارير أن ثمة اهتماماً بقضية البيئة، وأريد التشديد على هذه القضية - أي إن من المؤشرات الأساس التي يجب أخذها بنظر الاعتبار في صناعة المحركات وجميع الأجهزة والصناعات قضية البيئة. تخريب البيئة من الأمور التي يشعر الشعب أو المنطقة الجغرافية أو كل العالم أحياناً بضررها حينما لا تكون ممكنة التفادي والتعويض. قضية البيئة قضية هامة جداً. وقد شدد الإسلام بدوره على البيئة ورعايتها. الحفاظ على البيئة ورعايتها قضية توصل لها العالم مؤخراً، وقد كانت من ضمن التعاليم الإسلامية. هذه أيضاً نقطة هامة جداً يجب التنبه لها.

 

لو أردت أن أذكر بعبارة واحدة كل ما يجول في خاطري حول عملكم أيها الإخوة الأعزاء لقلت إن إبداعكم وذكاءكم وجهودكم ومتابعتكم هي ضمانة غد هذا البلد، وضمانة مستقبل هذا الشعب. لا تملُّوا من العمل، ولا تكلوا من الجهد والمتابعة. نعرف بلداناً دخلت هذا الميدان بعدنا وهي الآن متقدمة علينا! هذا بسبب المتابعة

 

 

180


148

خطاب الولي 2010

وعدم الاستسلام للتعب من العمل ولأن المدراء الكبار ركزوا هممهم على عدم ترك العمل. من النواقص الهامة التي شاهدتها في بعض حكوماتنا طوال هذه الأعوام عدم متابعة الأمور والأعمال. يبدأون العمل بشوق واندفاع، ثم يبقى غير مكتمل! لماذا؟ لأن المدراء لا يدعمون ولا يتابعون الموضوع.. لا بد من دعم مالي وإداري وتشجيع ومتابعة ورفع للعقبات الجزئية عن الطريق. أحياناً يكون ثمة مانع صغير يعرقل عملاً كبيراً لفترات زمنية طويلة.. هذا ما تدل عليه تجارب الإنسان. شاهدنا أعمالاً كبيرة توقفت وتابعنا المسألة وتحرّينا أسباب هذا التوقف فعلمنا أن هناك مانعاً صغيراً عرقل العمل، ولم يُبدوا همماً كافية لرفع هذا المانع الصغير، وبقي هذا المشروع العظيم معطلاً لسبب تافه. لحسن الحظ فإن الحكومة الحالية حكومة نشيطة ومتابعة وذات همة ومخلصة، والوزير المحترم شاب نشيط متحفز. نتمنى أن تتقدموا بالعمل إن شاء الله على أحسن وجه.

 

والزراعة وهي مهمة جداً بالنسبة لنا، وتعدّ في رأيي ركناً أساساً للحياة في بلادنا، مرتبطة هي الأخرى بالصناعة. تقدم الزراعة غير ممكن من دون تقدم الصناعة. بمعنى أنني حين أؤكد على القطاع الصناعي يجب أن لا يعد هذا إنكاراً وإقصاء للقطاع الزراعي. إنه في الواقع تأييد ومساعدة للتقدم الإجمالي في البلاد، بما في ذلك التقدم في القطاع الزراعي. إنني مصرّ على تقدم قطاع الصناعة، وهذا التقدم ممكن عن طريق البحث العلمي واستخدام الفعل والذكاء المتوقد والمتوفر والحمد لله لديكم أيها الشباب الأعزاء، وفي الأيدي الإيرانية الماهرة.

 

أقول لكم: إن الكثير من هذه البلدان المعروفة في العالم اليوم بصناعتها وتحتلّ المراتب الأولى عالمياً، لدي معلومات وثيقة بأن معدل ذكائهم أدنى من معدل الذكاء في بلادنا! لكنهم استطاعوا عبر العمل والجهد الدؤوب أن يتقدموا. الذكاء والتمتع بالفطنة والموهبة والقدرات العقلية من العوامل الهامة جداً والمتوفرة لدينا، وعلينا إرفاق ذلك بالعامل الثاني ألا وهو العمل والجد والمتابعة وعدم التعب.

 

واعلموا أن حركة البلاد في هذه الحالة ستكون سريعة إن شاء الله، وستتقدم على شكل قفزات وسيتم إنجاز أعمال كبيرة. ونحن نلاحظ اليوم أن بلدنا يقف ضمن عشرة

 

 

 

181


149

خطاب الولي 2010

بلدان أو ثمانية بلدان أولى في العالم على صعد متعددة. وقد قال أحد السادة الآن إننا ضمن البلدان الستة الأولى في العالم في أحد المجالات التي نستطيع القيام بها. هذا شيء هام جدّاً. هذا البلد الذي كان قبل الثورة بعيداً فراسخ عن الصناعة والإبداع والنشاط، ولم يكن يأمل في هذه الأشياء، ولم تكن لديه الثقة بالنفس، وصل اليوم إلى هنا. هذا شيء هام جداً. إذن، الطريق بالنسبة لكم مفتوح، والقدرة على تحقيق القفزات النوعية متوفرة. نسأل الله تعالى أن يوفقكم ويعينكم بمشيئته.

 

قضية الارتباط بالجامعة التي أشار لها أحد السادة هي أيضاً على جانب كبير من الأهمية. منذ سنوات وأنا أوصي الجامعات والأجهزة الحكومية بإقامة أواصر متينة بين الصناعة والجامعة. نحن بحاجة إلى انبثاق مراكز وأقطاب جامعية تختص بالصناعات المختلفة ومنها صناعة السيارات لترفد القطاع الصناعي.

 

وفقكم الله تعالى وشملكم بأدعية سيدنا بقية الله عجل الله تعالى فرجه الشريف وأرضى عنكم أرواح الشهداء الطيبة وروح الإمام الجليل. كان هذا اليوم يوماً طيباً بالنسبة لي وقد ارتحت لمشاهدة هذه الجهود وثمارها ونتائجها، وأشكر الله على ذلك وسوف أدعو لكم إن شاء الله.

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

182


150

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

لقاء الشباب في منطقة عمليات الفتح المبين

 

 

المناسبة:   لقاء الشباب في منطقة عمليات الفتح المبين

الحضور:  حشد غفير من أبناء الشعب

المكان:   دشت عباس - محافظة خوزستان

 

الزمان:    11/01/1389هـ.ش.

51/40/1341هـ.ق.

13/30/0102م.

 

 

185


151

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين، سيما بقية الله في الأرضين.

 

الغاية من الحضور في هذا المكان التاريخي وبين حشدكم أيها الإخوة والأخوات الأعزاء هي بالدرجة الأولى أداء الاحترام لأرواح المقاتلين والشهداء الأبرار الذين شهدت هذه الأرض بطولاتهم وتضحياتهم وحركتهم العظيمة خلال أيام الحرب المفروضة والدفاع المقدس. وهي في الدرجة الثانية تقديم الشكر والتقدير لأهالي خوزستان الأعزاء، والإخوة والأخوات الذين خرجوا من الإمتحان مرفوعي الرأس في هذه المنطقة، وفي أشد الأزمنة حساسية وأصعب الظروف. أعداء الشعب الإيراني كانوا يظنون بأهالي خوزستان الأعزاء شيئاً آخر، لكن ما حدث كان شيئاً مختلفاً عمّا تصوروه وظنوه. الصف الأول من المقاتلين المناضلين الأبطال تشكَّل من شباب مضحين هم أبناء هذا التراب وهذه المنطقة.. أهالي خوزستان الأعزاء، نساؤهم ورجالهم. زرت خلال فترة الدفاع المقدس بعض القرى التي رزحت تحت نير العدو البعثي وشاهدت عن كثب وضع الأهالي فيها ومعنوياتهم. كان التحامهم بإيران الإسلامية وبالشعب المجاهد البطل وبالإسلام - الذي رُفعت رايته في إيران - بحيث لم يستطع العدو البعثي زعزعته هذه الأواصر الوطيدة بوساوس القومية والمشتركات اللغوية. إذن، حضورنا في هذه المنطقة هو لتقديم الشكر والتقدير لأهالي خوزستان الأعزاء. والجانب الآخر هو تقديم الشكر لكم أيها المسافرون الذين جئتم من مناطق بعيدة وقريبة من البلاد إلى هذه النواحي، وأثبتم بخطواتكم وقلوبكم ارتباطكم الروحي بأولئك الشباب والرجال والأبطال الذين شهدت هذه المنطقة تضحياتهم، سواء في هذه المنطقة - منطقة عمليات الفتح المبين-

 

 

187


152

خطاب الولي 2010

أو في سائر مناطق خوزستان، أو في المناطق الحربية بالمحافظات الأخرى كمحافظة إيلام، وكرمانشاه، وكردستان.

 

لقد سار أبناء البلد منذ سنوات على هذه السنّة الحسنة جداً، وأخذوا يأتون إلى هذه المناطق سنوياً ويزورونها خصوصاً في مثل هذه الأيام من بداية السنة. هذه المناطق أصبحت مزاراً.

 

أيها الشباب الأعزاء، يا أبنائي الأعزاء، أغلبكم لم تكونوا في تلك الأيام ولم تشهدوا تلك الأيام الصعبة المريرة. لقد كان هذا السهل الجميل وهذه المناظر الخلابة وهذه الأرض الخصبة ذات يوم تحت أقدام أعدائكم.

 

أوجد جنود النظام البعثي في هذه الأرض التي هي أرضكم ولكم، جحيماً يجعل المرء يأسف من نواح مختلفة، فقد حولوا هذه الأرض الجميلة وهذه الطبيعة الخلابة إلى كتلة من نار وجحيم.

 

في أيام محنة الحرب وقبل عمليات الفتح المبين، شاهدت هذه المنطقة الشمالية المطلة على هذا السهل، كان لها منظر ساحر جميل واسع. ولا أنسى منظر قوات الأعداء التي توزعت في هذه الأرض الواسعة على شكل عدة ألوية. كانوا يقرعون أرضكم وترابكم بأحذيتهم ويهينون الشعب الإيراني. الذي أنقذ بلدكم هم هؤلاء الشباب المجاهدون المضحون. التعبئة والجيش والحرس والمقاتلون المضحون الذين لا يزال من بقي منهم حاضراً في مناطق البلاد المختلفة، وبعضهم استشهد ﴿فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾[1].

 

أعزائي، أيها الشباب الحاضرون في هذا الاجتماع وفي هذه الصحراء ويا جميع شباب البلاد، إعلموا أن جيل الشباب في فترة الدفاع المقدس استطاع بتضحياته وفطنته وإرادته وعزيمته الراسخة إنقاذ البلاد من أيدي الأعداء. كان هدف أعداء نظام الجمهورية الإسلامية فصل جزء من الوطن الإسلامي وإذلال الشعب الإيراني بذلك. أرادوا فرض قهرهم وجبروتهم على شعب إيران. أرادوا إذلال شعبنا والتسلط على أرواحه وأمواله


 


[1] سورة الأحزاب، الآية 23.

 

 

188


153

خطاب الولي 2010

وأعراضه. من الذي لم يسمح بذلك؟ الشاب المقاتل الفدائي، وتلك العزيمة الراسخة، وذلك الإيمان القوي هو الذي وقف أمام العدو بعدده وعدته الضخمة. أمريكا كانت تساعد عدونا، والاتحاد السوفيتي يومذاك كان يساعده، والبلدان الأوربية التي تتشدق اليوم بحقوق الإنسان كانت تساعد يومها ذلك العدو الخبيث ليقتل ويدمر ويحرق الأرض وأهلها. وكان يفعل ذلك دون وازع، بَيد أن شبابكم، أي شباب هذا الشعب، لم يسمح بذلك. في «دشت عباس" هذا، في هذا السهل الواسع وهذه المنطقة الكبيرة، تقدم الشباب بأرواحهم إلى الساحة وانتصروا على الأعداء وهزموهم وأذلوهم بعزيمتهم الراسخة وأحبطوا المؤامرة التي شاركت وأسهمت وتدخلت فيها كل القوى الاستكبارية وسعت إلى تنفيذها.

 

أريد أن أقول لكم: أيها الشباب الأعزاء، هكذا هو الحال دوماً، عزيمتكم الراسخة ووعيكم وبصيرتكم وصمودكم وحسمكم وشجاعتكم بوسعها دوماً فرض الهزيمة على كل الأعداء مهما كانوا في ظاهرهم كباراً وأقوياء. وهكذا هو الحال اليوم أيضاً. وكذلك سيكون يوم غد. إذا أراد الشعب الإيراني أن يبلغ ذروة السعادة في الدنيا والآخرة - وهو يريد ذلك وسوف يبلغه إن شاء الله - فالطريق إلى ذلك عبارة عن الشجاعة، والبصيرة، والتدبير، والعزيمة الراسخة، والإرادة القوية عند النساء والرجال، وكل هذا يعتمد على الإيمان الإسلامي. الشيء الذي يضمن هذه العزيمة والهمّة الراسخة لدى جنودنا هو إيمانهم القلبي. كانوا مؤمنين بالدين، والله، والقيامة، والمسؤولية الإنسانية مقابل الله. إذا توفّر هذا الإيمان في أي شعب وفي أي مجتمع فسيجعله منيعاً قوياً يستطيع المقاومة.

 

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، نحن اليوم متقدمون على ما كنا عليه في أيام الحرب المفروضة والدفاع المقدس بدرجات كثيرة.. نحن أقوى بكثير، ونفوذ الشعب الإيراني في العالم الإسلامي أوسع بكثير. نحن اليوم أقدر، وقد أحرز شعب إيران هذا الاقتدار بفضل صموده، والمؤامرات ضدنا في الوقت الراهن أيضاً كثيرة، بيد أن شعب إيران بصموده يستهزئ بمؤامرات الأعداء، ويسير في طريقه بثبات. المهم هو أن لا ينسى الشعب الإيراني هذه المرحلة التاريخية الحساسة - مرحلة الدفاع المقدس - ويظل

 

 

189


154

خطاب الولي 2010

يتذكر الأعوام المليئة بالمحن والزاخرة أيضاً بالمفاخر خلال فترة الدفاع المقدس والحرب المفروضة. هذه الزيارات وإبداء الودّ والمحبة وإقامة مراسم الذكريات تساعد على بقاء هذه الذكريات حيّة في الخواطر والأذهان. إنني مرتاح جداً لحركة «السائرون إلى النور" التي انطلقت منذ سنوات وهي تنمو وتتصاعد يوماً بعد يوم والحمد لله، وأعتبرها حركة مباركة جداً، وأعتقد أن هذه المرحلة الحساسة تمثل تجربة بالنسبة لنا. أنتم الشباب اليوم لو كنتم في ذلك اليوم لحضرتم في هذا الميدان بعزيمة راسخة. لقد أثبتم أيها الشباب بطولتكم حالياً في ميادين العلم والسياسة والجدّ والعمل والتضامن الوطني والبصيرة.. لقد أثبتم صمودكم. أحياناً تكون الحرب العسكرية أسهل من الحرب الفكرية والحرب على الصعد السياسية. لقد أثبت الشعب الإيراني أن بصيرته وثباته في الحروب السياسية والأمنية ليس أقل من صموده في الحرب العسكرية. لذا فإن شبابنا والحمد لله شباب جدير ثابت ناضج وعليهم عدم الاكتفاء بهذا القدر والطموح إلى الهمّة المضاعفة والعمل المضاعف. اشحذوا هممكم. على الشعب الإيراني تعويض التخلف الذي عاشه خلال فترات الاستبداد الطويلة والتدخل والنفوذ الأجنبي. إنني على ثقة راسخة بأن شباب بلدنا العزيز اليوم لا نظير لهم على مستوى العالم أو هم نادرو النظير. وهذه بشارة لمستقبل البلاد. سوف ترون أيها الشباب إن شاء الله اليوم الذي تكون فيه بلادكم من الناحية العلمية والتقنية والسياسية والنفوذ الدولي في مستوى جدير بإيران الإسلامية وبشعب إيران الكبير.

 

نتمنى أن تشملكم إن شاء الله أدعية سيدنا الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وأن تشمل الألطاف الإلهية أرواح الشهداء الأعزاء.. شهداء الحرب المفروضة والدفاع المقدس، وخصوصاً شهداء منطقة الفتح المبين، ويكونوا راضين عنّا جميعاً، وتكون الروح الطاهرة لإمامنا الجليل راضية عنّا جميعاً إن شاء الله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

190

 


155

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء مسؤولي الدولة

 

 

 

 

         

المناسبة:   لقاء مسؤولي الدولة

الحضور:  جمع من مسؤولي نظام الجمهورية الإسلامية

المكان:   طهران

 

الزمان:    61/10/9831هـ.ش.

02/40/1341هـ.ق.

50/40/0102م.

 

 

 

191

 


156

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

من اللازم بالدرجة الأولى أن أبارك لكم أيها الإخوة والأخوات هذا العيد. قد مرّ وقت طويل على العيد ـ حوالي 15 يوماً ـ لكن عيد النوروز في الواقع هو عيد الربيع، وبمعزل عن العطل الرسمية والتقاليد وأمثالها فإن أيام العيد في الواقع مستمرة. نأمل إن شاء الله أن تكون السنة الجديدة سنة مباركة على كل شعب إيران وخاصة خدام الشعب في الأجهزة المختلفة وفي السلطات الثلاث. وكون السنة مباركة يعني أن الله تعالى يوصل بركاته بواسطتكم إلى هذا الشعب الطيّب والمؤمن في هذا البلد وهذه البقعة. ولا شك بأن هذا يتطلب سعياً هادفاً مفعماً بالاندفاع من قِبلي وقِبلكم. نسعى إن شاء الله لنجعل وجودنا نافعاً للناس.

 

سوف نُسأل أنا وأنتم عن كل لحظة من لحظات أيام مسؤوليتنا. سوف يُسأل الجميع. غاية الأمر أن من لا يحمل على عاتقه عبئاً ثقيلاً ـ كالذي ليس لديه مالٌ كثير ـ فإنه إذا سُئل وحوسب سوف يشير إلى بعض الأشياء وينتهي حسابه. أما الذي يمتلك المال الكثير والمدّخرات والمداخيل المتعدّدة، فبالطبع لو حوسب فإنه لن ينهي ذلك الحساب بكلمة أو كلمتين. فلو كان المحاسب دقيقاً وأراد أن يسأله عن كل شيء ويتشدد ويعامله بعدلٍ، فبالتأكيد سوف يصعب الأمر كثير، إذ عليه أن يجيب على هذه الأمور واحدة واحدة: فمن هنا حصلتُ على هذا المال، وفي هذا صرفته، وبهذه الوسيلة اكتسبته، ولهذا السبب أنفقته. والمسؤولية هي على هذه الشاكلة أيضاً. وأنتم بحمد الله على الظاهر لستم أصحاب مالٍ وثروة ـ إن شاء الله لا تكونون كذلك ـ لكن ثقل مسؤوليتكم أكبر من ثقل ذلك المال. سوف نُسأل: ماذا كانت مسؤوليتكم في القضية الفلا نية؟ وعليكم أن تعلموا تفاصيل المسؤولية. وإذا لم تعلم، سوف تُسأل لماذا لم تعرف أن مسؤوليتك هي هذه؟ ولماذا غفلت عن الأمر؟ وإذا كنت تعلم سيُقال

 

 

193


157

خطاب الولي 2010

لك كيف أدّيت هذه المسؤولية؟ وسيطول الأمر حتى تشرح وتبيّن وتقدّم العذر.

 

الجميع مرتهنون، كل البشر ومخلوقات هذا العالم هم رهائن الحساب الإلهي. فلا يوجد أي إنسان يمكن أن يقول إن ميزان أعمالي قد امتلأ بالقدر المطلوب! حتى الأنبياء لا يمكنهم أن يقولوا ذلك، ولهذا يستغفرون. فالأنبياء والأولياء وإلى آخر لحظة يستغفرون ويطلبون المغفرة. والإمام السجاد يقول في الدعاء: "وعدلك مهلكي"[1]. لذلك نقول (عاملنا بفضلك). فلو وُضع ميزان العدالة وأريدَ فصل الشعر من العجين والتدقيق في أعمالنا فواويلاه. ينبغي أن نطلب من الله التفضّل والإغماض والتجاوز.

 

ولا شك أن هناك كلمة يمكن أن ننطق بها في محضر الله تعالى، وهي: أنني قد سعيت بقدر طاقتي. فإذا أردنا أن نقول هذا فحسناً. بقدر ما فهمت وبمقدار ما استطعت وعلمت سعيت. فاعفُ عما فرط منا وما نقُص، هذا ممكن. فعلينا أن نشحذ هممنا حتى نستفيد من كل طاقتنا واستعداداتنا وإمكاناتنا. ولا شك أن لكل إنسانه ضعفه ومشاكله ونقصه، وعلينا أن نكل هذه الأمور إلى الله، لكن أن نسعى سعينا ولا نقصّر.

 

وحول ما ذكرناه عن الهمّة المضاعفة والعمل المضاعف، فإن المضاعفة لا تعني الضعفين. فلو رفعنا مستوى الهمّة وصارت عشرة أضعاف لكان لازماً. فما هو مهم جداً تلك الاستعدادات الموجودة في المجتمع. فنحن في جميع المجالات مثل منجمٍ لم يُستخرج أو أنه لا زال قيد الاستخراج. فأهل الاختصاص والخبرة في جميع المجالات ـ الاقتصادية والتقنية والعلمية ـ يقولون لنا إن إمكانات البلد لا نظير لها.

 

الأصدقاء الذين يعملون في مختلف الفروع ولهم أعمال مهمة في القطاعات المختلفة في المجتمع ولهم اطلاع على القضايا عندما يقدّمون التقارير فيما يتعلق بقطاعهم ويقارنون شعبنا ودولتنا مع الكثير من الدول الأخرى يوصلوننا إلى هذه النتيجة وهي أن استعداداتنا هائلة. ففي المجال الاقتصادي استعداد البلد عظيمٌ جداً. وفي المجال العلمي، هو في الواقع مدهشٌ، فإذا أسرع الإنسان في حركته وجدّ أكثر وأصرّ


 


[1] الكفعمي، الشيخ إبراهيم، البلد الأمين والدرع الحصين، مكتبة الصدوق، إيران - طهران، 1383ه، لا.ط، ص256.

 

194

 


158

خطاب الولي 2010

سوف يرى فجأة هذه الورود التي تتفتّح في هذا البستان والشتول التي تنمو في هذه الحديقة ما كانت تخطر على باله أو فكره، لكننا نرى أنها تحققت وتتحقق.

 

في القطاعات الثقافية المختلفة عندما ينظر الإنسان يرى الاستعدادات الكثيرة والفياضة، أشخاصٌ يمتلكون القابليات وهم كثيرون. وفي المجالات التقنية يرى الإنسان أنّ هذه الحركة الممكنة في البلد عظيمة جداً ومدهشة. فيمكن القيام بأعمالٍ كبرى. هذه هي استعدادات البلد.

 

وهذه الاستعدادات الآن في القطاعات المختلفة وُضعت بيدي وأيديكم. فإذا لم نتعرّف إلى هذه الاستعدادات نكون قد قصّرن، وإذا تعرّفنا إليها ولم نفعّلها نكون قد قصّرنا أيضاً، وإذا قنعنا بالحد المتوسط نكون قد قصّرنا أيضاً. فينبغي أن نتحرّك نحو القمّة، تماماً مثل الرياضي الذي يمتلك استعداداً رياضياً وبنية مناسبة وتوجد أمامه الإمكانات والوسائل الرياضية، فلا يحق له أن يقول إنني سأعطي كل يوم نصف ساعة أو عشرين دقيقة لليونة، يجب عليه أن يتحرك نحو البطولة، عليه أن ينظر إلى القمة.

 

وفي الأعمال الأخروية الأمر كذلك. وهكذا في الأعمال المعنوية والحركة التوحيدية، في طلب الثواب الإلهي الأمر على هذا المنوال، لا ينبغي أن نقنع بالقليل. حسنا.ً إذا لم نُعمِل هذه الهمّة العالية نكون قد ظلمنا وقصّرنا. وتقصيرنا ظلمٌ، ظلمٌ لأنفسنا ـ لأننا سنتعرض للعقاب الإلهي ـ وكذلك ظلمٌ لأولئك الذين لديهم هذا الاستحقاق الذي يؤهّلهم للاستفادة من هذه الاستعدادات والانتفاع بها. فإن لم يصلهم نفعها نكون قد قصّرنا. قول هذه الكلمات سهلٌ. لكن العمل والتحرّك صعبٌ، يحتاج إلى الهمّة.

 

ولنعلم أن الله تعالى سيعيننا أيضاً. فإن كل من سعى نحو هدفٍ وأعمل قدراته يعينه الله. حتى في الأعمال الدنيوية فإن الله يعين ﴿كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء﴾[1] فالذين يسعون نحو الدنيا فإن الله تعالى يقول إنه سيمدهم. وإن كانوا إذا خرجوا من الدنيا فلا نصيب لهم من الآخرة.. وأولئك الذين يطلبون الآخرة يمدّهم الله مثلما يمدّ طلّاب الدني، والآخرة ليست مجرّد صلاة ليل ودعاء وذكر وتوسّل وأمثالها. نعم، لا شك بأن


 


[1] سورة الإسراء، الآية 20.

 

 

195


159

خطاب الولي 2010

هذه وسائل، لكن خدمة الناس والحضور حيث ينبغي هما أيضاً عملان إلهيان.

 

رأيتم في صدر الإسلام أن أولئك الذين مُدحوا ـ بحسب ثقافتنا وطبق عقيدتنا ـ إنما كان ذلك بسبب مواقفهم السياسية والاجتماعية وجهادهم أكثر مما كان من صلاتهم وعباداتهم. فنحن قليلاً ما نمدح أبا ذر أو عمّاراً أو المقداد أو ميثم التمّار أو مالك الأشتر بسبب عباداتهم. فالتاريخ عرف هؤلاء بمواقفهم التي كانت مواقف مصيرية، وبالحركة العامّة التي تمكّنت من هداية المجتمع وتشكيله والمساهمة في تطوره. وأولئك الذين ذُمّوا إنما كان ذلك لهذا السبب أيضاً. فالكثير من الكبار الذين ذُمّوا لم يكن الأمر بسبب شربهم للخمر أو عدم صلاتهم بل بسبب عدم حضورهم حيث كان ينبغي. هكذا سجّل التاريخ، وانظروا وسترون. فالعمل الإلهي والمعنوي والتوحيدي لا ينحصر في الصلاة. وإن كان أمر الصلاة ليس قليلاً. فالصلاة هي الداعم لكل هذه الأمور، تلاوة القرآن والتدبر في القرآن والتضرّع إلى الله تعالى وقراءة الأدعية المأثورة ـ الصحيفة السجّادية، دعاء الإمام الحسين عليه السلام ودعاء كميل وبقية الأدعية الموجودة فهذه كلّها أمور تعين على المقصد، إنها مشغّلة محرك وجود الإنسان. فلو كان لكم أنسٌ بالله وأصلحتم ما بينكم وبين الله لأمكنكم أن تقوموا بهذه الأعمال بشكل أسهل ورغبة أكثر وشوق أزيد. لهذا فإن الذي يريد أن يقوم بالأعمال الإلهية فإن الله يعينه، كالذي يريد أن يقوم بالأعمال الدنيوية. أولئك الذين جعلوا الدنيا أو مقاماتها أو مالها أو عيشها أو لذّاتها الجنسية وأمثالها هدفاً لأنفسهم ـ حيث نشاهد اليوم الكثير من أمثال هؤلاء ـ فإنهم عندما يتحرّكون على طريق هذا الهدف فإن الله يمدّهم. والمدد الإلهي يكون بجعل الوسائل في أيديهم، يعزمون ويتحرّكون على هذا الطريق وليس هدفهم سوى الهدف المادي لهذا فإنهم يصلون إلى ذلك الهدف. ولا شك بأنهم لمّا أهملوا هذا الجانب الأساس الذي هو البعد المعنوي والإلهي والأخروي فإنهم هناك خاسرون، ولكنهم يتقدّمون في الجانب الذي جعلوه هدفاً.

 

حسناً، ها أنتم أيها السادة والسيدات، لقد شرفتمونا كمسؤولين، وهذه الكلمات التي أذكرها لكم أنتم تقولونها للناس، هي ليست كلمات جديدة عليكم إنما هي ذكرى فحسب. الإنسان يحتاج إلى التذكّر وفي التذكّر فوائد عظيمة لا توجد في العلم.

 

 

196

 


160

خطاب الولي 2010

فالإنسان يعرف أشياء كثيرة ولكن من اللازم أن يذكَّر بها دائماً. فلنلتفت أين نحن وماذا نفعل وما هو هدفنا. فإن الهدف ليس قرشاً من أموال الدنيا بحيث ننسى بسببه تكليفنا الكبير وندوس على أهدافنا السّامية. ليس الهدف مدح وتمجيد هذا وذاك بحيث إنه على سبيل الفرض نعتلي لعدّة أيام هذا الكرسي ويحيط بنا أربعة أشخاص ينحنون لنا أو يطيعوننا.

 

فمثل هذا الأمر لا قيمة له في جنب الإنسان. الهدف هو الفلاح، والنجاح ﴿قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ﴾[1] يجب أن يكون الفَلاح هدفاً. يجب التفكير في الحياة الحقيقية حتى تبدأ هذه الحياة الحقيقية، وها نحن عاجلاً أم آجلاً، بعد أيامٍ أو ساعات أو سنوات سنبدأ حياة حقيقية بالموت المادي والجسماني. والهدف هو أن نعمّره، وكل هذه الأشياء أمامنا مقدّمات.

 

إن أحد الأشياء المهمّة جداً ـ حيث إن رؤساء السلطات الثلاث تقريباً كلهم حاضرون هنا ـ هو الوحدة في الحركة، ولو لم يكن هناك توحّدٌ في الفكر والرأي والسلائق، حيث إنه غير ممكن وليس مطلوباً إلى هذا الحد. فاختلاف السلائق والآراء يؤدي إلى التباحث، وهذا ينتهي إلى كشف ميادين جديدة. لهذا فإننا لا نوصي بتاتاً بضرورة أن يكون الجميع على فكرٍ واحد في جميع القضايا. كلا، ففي الأساس هذا غير ممكنٍ. الاختلاف في الرأي وفي السليقة وفي الفكر وفي الفهم كان بذاته من بداية الخليقة وسيلة لتقدّم الإنسان. ولكن مع وجود تلك الاختلافات الحاصلة من اللازم وجود الانسجام في التحرّك. لو أن قافلة اختلف أفرادها فيما بينهم، وتباحثوا بشكلٍ علمي وسياسي وتباحثوا في القضايا المختلفة والمعاصرة، فدراسة الآراء فيما بينهم لا إشكال فيه إذا وصلوا إلى نتيجة فَبِها وإذا لم يصلوا إلى نتيجة فلا بأس كذلك، لا إشكال في هذ، لكن هذه الحركة التي يقومون بها لا ينبغي أن تتوقف. فلا ينجرّ الأمر إلى حيث يُؤدي ذلك إلى توقف الوسيلة التي ينبغي أن تنقلهم إلى حيث يريدون، هذا يترك العمل للاشتغال باستمزاج الآراء أو يقول أحياناً بما أننا لم نصل إلى نتيجة موحدة


 


[1] سورة المؤمنون، الآية 1.

 

 

197


161

خطاب الولي 2010

في هذه القضية العلمية فعليك أنت أن تسلك هذا الطريق وأنا أسلك طريقاً آخر. كلا! نحن سائرون والهدف محدّدٌ. وعلى السلطات الثلاث التحرك بهذه الطريقة. أصدقائي الأعزاء، إخواني وأخواتي الأعزاء الموجدون في السلطات الثلاث، انتبهوا إلى وحدة الحركة، الوحدة في التحرّك وفي القرارات الكبرى ينبغي أن تُحفظ، وأن لا تؤدي إلى الإختلاف في العمل الأساس.

 

أمامنا الآن خطة خمسية. ولهذه الخطة لوازم كثيرة جداً تقع على عاتق الجميع. وفي وسط الميدان هذه الدولة بلا شك التي هي الجهاز التنفيذي، ولكن الجهاز التشريعي والجهاز القضائي والأجهزة المحاذية كلها مسؤولة ومؤثرة. فلو بنينا في كل تحرّك على التوافق في كل شيء لما تحقق شيء، ولا يتحقق أي تعاون، ولن يتقدّم العمل. تعاونوا وقدّموا العون والتسهيلات لهذا الذي يقف وسط ميدان التنفيذ. لا شك بأنه من اللازم أن تأخذوا المصلحة بعين الاعتبار لكن قدّموا العون حتى يتحقق العمل التنفيذي ويتقدّم.

 

لديّ وصيّة مؤكدة بضرورة تعاون الأجهزة التابعة للسلطات الثلاث، حتى نتمكن إن شاء الله من بلوغ الآفاق. فأهداف الآفاق أهدافٌ مهمّة جداً. ولا شك بأنكم لو بذلتم جهداً مضاعفاً فإنكم لتقدتم أكثر نحو تلك الأهداف، وهذا الأمر ممكنٌ ولا نستبعده بتاتاً. ها نحن نشاهد الآن في بعض القطاعات تقدّماً من حيث الوقت المفترض فيما يتعلّق بأهداف الآفاق. من الممكن أننا في بعض القطاعات قد تخلّفنا قليلاً. ولكن في بعضها الآخر فإننا متقدّمون على الزمان المتوقع في أذهاننا، ولا يوجد لدينا أية مشكلة. فيمكننا أن نتقدّم على تلك الأهداف. ونحن نحتاج إلى أن نعرف أننا قادرون على التقدّم أكثر والتحرّك والسعي. فالهمّة المضاعفة ضرورية.

 

ينبغي السعي في المجالات الأخروية وفي المجالات الدنيوية. وعلى الإخوة أن يضاعفوا في المجالات الفردية وفيما يتعلّق بارتباطهم بالله قدر الإمكان من هممهم وعملهم، فلا ينبغي إغفال هذا الأمر ونسيانه. فالقضايا الشخصية والفردية ـ أي كل ما يكون بين الإنسان وربّه ـ لها أهمّية فائقة. فلو بدأنا بذلك واستأنسنا به، فبمشيئة الله تعالى سيعيننا أكثر، مثلما أنه تعالى ولحدّ الآن قد أمدّنا بالكثير من العون.

 

 

198

 

 


162

خطاب الولي 2010

إن القضايا الثقافية مهمة جداً. الثقافة العامّة مهمّة للغاية. والمظهر الديني في الحياة العامّة للناس في غاية الأهمية. المظاهر الدينية ـ التي لا شك أنها تكشف عن الباطن إن شاء الله ـ تحوز على أهمية كبيرة.

 

حسناً، يجب أن أشكر الإخوة الذين بذلوا جهوداً كبيرة في أيام عطلة النوروز، بدءاً من القوى الأمنية مروراً بالإذاعة والتلفزيون وانتهاءاً بالأجهزة الصحية والمستشفيات والطوارئ وغيرها. تحمّلت الأجهزة المختلفة أعباء كثيرة من أجل أن يتمكن الناس من تأمين راحتهم. ففي قطاعات الدولة وغيرها أُنجز الكثير بشكل حسن. بعضهم بذل جهداً وعمل من أجل تأمين الأمن والراحة والطمأنينة للناس، وهذه الأمور لها قيمة كبرى.

 

وما أجمل أن تبدأ الأجهزة الرسمية أعمالها مع انتهاء أيام العطلة الرسمية. لحسن الحظ فإن بعضهم بذل جهوداً كبيرة وكان لهم حضوراً بشكل واسع. فمع بداية أيام شهر فروردين حيث بدأنا العطلة كنا نرى هؤلاء يبذلون جهوداً كبيرة ويحضرون ويقومون بالأعمال الجيدة، فاسعوا جهدكم لنشر وترويج ثقافة العمل والسعي والحضور في ساحات العمل وخنادقه فإن هذا أمرٌ حسنٌ جد، ويساهم لا في حركة المجتمع ونشاطه.

 

أملُنا إن شاء الله أن يوفق الله تعالى الجميع فتنالوا تأييده وعونه، إن شاء الله. إن قضية توجيه الدعم الحكومي التي سمعت الآن أن هناك توافقاً عليها ستصل إلى أفضل شكلٍ توافقي وتُنجز الأعمال الجيدة لينعم الناس في ظل تدابيركم ومساعيكم وينتفعوا بها.

 

آفاق البلاد لعشرين سنة هي الرؤية التي رسمها القائد حفظه الله للبلاد والأجهزة الحكومية وغيرها لتحقيقها على مدى عشرين سنة. وقد ترجمنا الكلمة بشكل حرفي، وربما نجد لها تعبيراً أقرب.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

199


163

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء الشخصيات العلمية والسياسية

 

 

 

المناسبة:   لقاء الشخصيات العلمية والسياسية

الحضور:  جمع من المسؤولين والشخصيات العلمية والسياسية

المكان:   طهران

 

الزمان:    71/10/9831هـ.ش.

12/40/1341هـ.ق.

60/40/0102م.

 

 

201


164

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن شاء الله يكون حلول العام الجديد مباركاً عليكم جميعاً أيها الإخوة والأخوات الأعزاء. في النهاية إنّ مرور الفصول والسنين وطول العمر والتجارب والعِبر يجب أن تعلّمنا. «يا محوّل الحول" الحول هو السنة، وتحويل السنة لا يكون فقط في تحويل فصل الشتاء إلى فصل الربيع، فجميع الفصول في الواقع تُحوَّل. مرّة يكون فصل الربيع ومرّة فصل الصيف ثم بعدهما يبدأ الخريف وتساقط أوراق الأشجار. ثم يأتي الشتاء والبرد الذي ظاهره صعبٌ وقاس، لكن باطنه في الواقع أساس حياة الربيع. تحويل الحول يعني هذا، تتبدّل الفصول فيما بينها. وتتوالى أحوال الطبيعة المتعدّدة وتتغيّر، هذه كلّها آياتٌ إلهية. ولقد اعتدنا عليها فأصبحنا لا نفهم أهميّتها، بينما لو لم يعتد الإنسان على هذا التغيير والتحوّل الموجود في الطبيعة وشاهده لأول مرّة لرأى كم هي مدهشة هذه الحوادث. إن نموّ النباتات وتجدّد الطبيعة وإثمار الأشجار كلّها علائم القدرة الإلهيّة التي نمرّ عليها بهذه الأعين التي اعتادت عليها وببساطة. وفي أنفسنا أيضاً الأمر كذلك. غالباً ما لا يشعر الإنسان بالتغيرات. نحن لا نفهم التغيرات الحادثة. والكثير من هذا الإغفال ينتهي إلى خسائر كبيرة. لو فرضنا أن ماشياً يسير على طريقٍ ويغفل وينحرف عن طريقه بزاوية خمس أو عشر درجات. هذا الإنسان لا يلتفت أبدا،ً فخمس درجات ليست بشيء يجلب انتباه الإنسان. ثمّ فيما بعد كلّما سار مع هذا الانحراف البسيط ـ هذا لو لم تصل هذه الخمس درجات إلى عشر درجات وخمسين درجة وبقيت خمس درجات ـ عن الخط الصحيح الذي ينبغي أن يسير عليه فإن الانحراف يزداد شيئاً فشيئاً. ثمّ يأتي وقتٌ يتنبّه هذا الإنسان ويرى أنه يا للعجب كم صار البعد كبيراً. عندما تُذكر التقوى فلأجل هذا الأمر. فإن التقوى تعني الالتفات والتوجّه إلى الذات لحظة بلحظة ومراقبة النفس والالتفات إلى ما نقوم به. إن هذه

 

 

203


165

خطاب الولي 2010

 الصلاة التي كُتبت علينا خمس مرّات في اليوم هي في الواقع من أعظم نعم الله. فلو لم تكن هذه الصلاة، لغرقنا في غفلة عميقة. هذه الصلاة هي التي توجّهنا إلى أنفسنا. فهذا ما يقتضي أن نؤدّي الصلاة بشكلٍ صحيحٍ وبتوجّه. فإنا لو أدّينا الصلاة بتوجّهٍ، لكانت لنا خير معين على النفس.

 

انظروا في تحوّل السنة من 88 إلى 89 حيث نحدّد ساعة خاصّة لها ـ التي هي ساعة مثل بقية ساعات العمر، باللحاظ الطبيعي، وبلحاظ التقديرات المختلفة، فإن آخر ساعة من عام 88 لا تختلف أبداً عن أول ساعة من عام 89 ـ لو غفلنا عنها فلن نتوجّه إلى تحوّل الطبيعة وتبدّلها، ولو التفتنا إلى هذا التغيير والتبدّل، فإننا سنفهم ونشعر. هذا الإحساس ينبغي أن يلازم الإنسان في جميع تحوّلات الحياة. ويمكن أن نضيف هذا إلى مضامين النوروز.

 

إن عيد النوروز الذي يظهر أنه عيدٌ غير ديني، بل هو عيدٌ وطني، ليس له بعدٌ ديني وليس هو ذكرى دينية، وإن كان ورد في بعض الروايات أن النيروز من أيّامنا - وأنا لا أعلم مدى اعتبار هذه الروايات وقوة سندها - ولكن المضمون الديني موجودٌ في جميع حوادث حياة الإنسان، ومنها في هذا العيد. ولحسن الحظ فإن شعبنا ملتفتٌ ـ ويتلو الأدعية والأذكار ويحضر في المشاهد المشرّفة ـ حتى أولئك الذين يسافرون إلى المدن والمحافظات التي ليس فيها بحسب الظاهر مشاهدٌ مشرّفة معروفة، لو وُجد أحد أولاد أو أحفاد الأئمة، فإنهم يقضون ساعة تحويل السّنة حتماً عند أولاد الأئمة هؤلاء، فلو فرضنا أنّهم مثلاً يسافرون إلى شيراز يوم العيد، فإنّهم يذهبون في ساعة التحويل إلى شاچراغ، وهذه العادة المتبعة بين الناس في غاية الحسن. وكلّما أمكن إضافة المضامين الدينية إلى كافّة حوادث الحياة وظواهرها، فإنّ هذا يعود علينا بالفائدة.

 

إن الدين، والإيمان الديني والتوجّه الديني، هو ضامن سعادة الإنسان. فالإنسانية بدون الدين تصل إلى وضعية سيئة. وينطبق هذا الأمر على جميع العصور ومنها هذا العصر. ففي يومنا هذا أولئك الذين أرادوا تدبير الدنيا بدون الدين، ابتلوا بمشاكل صعبة وعجيبة. وهذه المشاكل ليست كالمشاكل المادية واليومية التي تظهر للإنسان مباشرة، كلا فإنّها عندما تبرز لا يكون هناك مجالٌ للعلاج. فإذا أُسس البناء على إطلاق

 

 

204

 


166

خطاب الولي 2010

العنان للشهوات الجنسية، وأصبحت السياسات هكذا، وكذلك الثقافة، فإن الأمر يصل إلى حيث أنّكم تسمعون اليوم بوزير يجري مراسم الزواج المثلي. ولا يخجل من العالم من ذلك! وسوف ينتهي هذا فيما بعد إلى أن يعاشروا محارمهم جنسياً! اليوم هذا عيبٌ ولا يقبلونه، لكنّهم بلا شك سوف يصلون إليه، فهذا المسار يتبعه هذا الوضع. واليوم فإن هذه الفضيحة موجودة في الغرب. وهذه نتيجة الدنيا بلا دين. إن نتيجة الدنيا بلا دين هي تلاشي الأسرة، وتغرّب الناس عن بعضهم. وهذه المشاكل الهائلة الموجودة في حياة الناس. يجب أن تعود الإنسانية إلى الدين. وسوف ترجع وقد بدأت بالرجوع، شاؤوا أم أبوا سيحصل هذا الأمر. وفي هذه الحركة العظيمة سيكون الإسلام نقطة ساطعة، وله الدور الأساس في عقد ومنظومة التوجهات المعنوية إلى الأديان. الإسلام يسطع. يريدون أن يقفوا بوجه الإسلام، ولن يقدروا. إن العداء للجمهورية الإسلامية يرتبط جزء أساس منه بهذا الأمر، لأنهم يعلمون أنّ هذه حركة دينية، وهذا الإيمان الدين هو الذي حرّك الجماهير وأبقاها في الساحات وهداها في المشاكل والمصاعب والمنعطفات الخطرة.

 

هم يرون هذا ويفهمونه. لا شك بأن الكثير من هؤلاء السياسيين ليسوا واضعي سياسات في الواقع بل هم منفّذو سياسات، لا يرون إلا الظواهر، أما أولئك الذين يضعون السياسات الدولية حيث يدار العالم المادّي في الواقع بحسب توجيهاتهم، هؤلاء لا بدّ أنهم يفهمون أن القضية هي هذه. لا شكّ أنهم يسعون لإلهاء العالم الإسلامي. فاليوم نجد قضايا فلسطين تحدث في ظلّ إلهاء العالم الإسلامي بالمسائل الفرعية. ففلسطين اليوم في الواقع في فاجعة، وكذلك غزّة، والضفّة الغربية. لا ينبغي أن نقلل من أهمية وقائع الحرم الإبراهيمي فهي في غاية الأهمية. فلأجل إقامة الصلاة يطردون المسلمين من وطنهم وبيوتهم ولا يسمحون لهم بالمرور! وإزالة الطابع الإسلامي عن الآثار الإسلامية هو من الأعمال الخطرة جداً والتي تحدث على مرأى المسلمين في العالم. فالكلّ مشغولون لاهون بأمورٍ فرعية وجزئية، لا يفهمون ماذا يحدث في العالم الإسلامي.

 

هذه هي المؤامرة التي تُطبق على هذا العالم. واليوم تتحمّل منظّمة المؤتمر

 

 

205

 


167

خطاب الولي 2010

الإسلامي التي كان دورها وأساس فلسفة وجودها الدفاع عن فلسطين والقضية الفلسطينية، مسؤولية الوقوف وتعبئة العالم الإسلامي مقابل هذه الحركة الصهيونية المؤذية ومعها حُماتها ـ حيث إن أغلب الدول الغربية المستكبرة وبالرغم من الخلافات الموجودة بينها داعمة وشريكة في هذا الأمر. ينبغي أن ينهض العالم الإسلامي ويمكنه ذلك. فالإمكانات الموجودة في العالم الإسلامي، لأجل النهوض بوجه خبث الصهاينة وأطماعهم، كبيرة جداً.

 

والكلّ يتوجّه فوراً إلى النفط، فالقضية ليست قضيّة النفط. فهنا مركز العالم. وإن أكبر أسواق المنتجات الغربية موجودة في هذه المنطقة، وإن سمعتهم مرتبطة بهذه المنطقة، وإنّ أهم الممرّات العالمية موجود ضمن هذه المجموعة من الدول الإسلامية، ومثل هذه الأمور تمثّل شرايين حياة العالم وهي بأيدي المسلمين، وعلى المسلمين أن يستغلّوها ويمكنهم ذلك. ولو تجاوزنا كل هذه الأمور، فإنّ المنطق السياسي والتصريح السياسي في عالم اليوم فاعل.

 

يمكنهم أن يقرروا بدون أن يستعملوا هذه الوسائل. فنفس إرادة الدول والشعوب لها وزنٌ عظيم في حوادث العالم. وللأسف فلا يُستفاد من هذا الأمر وإنما يُغفل عنه. وعلى كل حال فلنأخذ نحن الدرس. ولنقسّم قضايانا إلى قضايا أساس وغير أساس، ولنهتم بالأساس. فالقضايا الأساس في بلدنا كثيرة، قسمٌ منها يتعلق بالمسؤولين، وقسمٌ آخر يرتبط ببُناة الثقافة، وقسمٌ يتعلق بالمؤسسات العظمى والواسعة التي لحسن الحظ هي موجودة في البلد، وكلٌّ من هؤلاء له دوره وعمله. فلنفكّر بهداية هذا الشعب وهذا النظام وبتقدّمه ولنفعل ذلك. بمشيئة الله، يوقظنا الله من سبات الغفلة كي نتمكن من تشخيص تكاليفنا بدقّة ونتعرّف إليها ونعمل على أساسها، إن شاء الله. وإن شاء الله تكون هذه السّنة مباركة على الجميع ويشملكم دعاء حضرة بقية الله عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

206

 

 


168

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء كبار قادة القوات المسلحة

         

 

 

 

المناسبة:   لقاء كبار قادة القوات المسلحة

الحضور:  رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة وجمع من كبار القادة العسكريين

المكان:   طهران

 

الزمان:    22/01/1389هـ.ش.

26/04/1431هـ.ق.

11/04/2010م.

 

 

207


169

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أبارك لكم أيها الإخوة الأعزاء عيد النوروز وإطلالة الربيع ـ الذي هو فصل اللطافة والبهجة وتجديد الحياة ـ أنتم الذين تضعون على عاتقكم حملاً ثقيلاً، ونحن شهود مساعيكم ومشقّاتكم وجهودكم الكبيرة في القطاعات المختلفة والمرتبطة بكم.

 

إن شاء الله يتقبّل الله منكم جميعاً هذه الجهود، ويوفّقكم حتى تتمكنوا ـ مثلما أعلنت هذه السنة لشعب إيران ـ بالهمّة المضاعفة أضعافاً عديدة وكذلك بالعمل والسعي المضاعف أضعافاً عديدة أن تفتتحوا المزيد من الميادين الرحبة، وتوصلوا القوات المسلّحة للجمهورية الإسلامية في واقع الأمر إلى المقام الذي يليق بهذا النظام وينسجم مع أفراد مؤمنين وصادقين وخدومين أمثالكم.

 

في الواقع إن من نعم الله الكبرى في هذا الزمان على القوات المسلّحة وجود مسؤولين صادقين وحريصين، فهذا ما ينبغي أن نعدّه نعمة كبرى توجب الشكر.

 

إن هذه الظاهرة التي بانت بنفسها في نظام الجمهورية الإسلامية وتجلت في مرحلة الدفاع المقدّس وتبلورت، ظاهرة "اعتبار الذات تابعة للهدف، لا أن الهدف تابعٌ للذات".

 

إنها ظاهرة مهمة جداً، وهي بحق مورد الشكر. لا يعني هذا أننا لا ولم نعان من أشخاص مشوبين في كل هذه المراحل، ففي المحصلة، هناك مختلف أنواع الروحيات والأخلاقيات في جميع الطبقات والشرائح والأفراد، لكنّ الأغلبية هي ما ذكرت. إنني عندما أنظر إلى القادة الأعزّاء ـ وهم أنتم ـ فإنني أشكر الله تعالى حقاً حيث تفضّل على هذا الشعب وجعل على رأس هذه الأعمال الكبرى مثل هذه العناصر المؤمنة والمخلصة.

 

حسناً، أنتم الذين ينبغي شكركم كذلك فأنتم نعمة الله علينا، وعلينا أن نشكر الله

 

209

 


170

خطاب الولي 2010

أن جعل هذا التوفيق وهذه الفرصة من نصيبكم حتى تقوموا بهذه الأعمال المهمّة. فنحن جميعاً ـ أنا وأنتم وكل واحد منا، فرداً فرداً ـ كان بإمكاننا أن نكون أشخاصاً فاعلين في حياتنا الخاصة، تاجراً جيداً، شيخاً صالحاً، جامعياً طيباً، نسعى لأنفسنا ومصالحنا الشخصية دون أن نحمل عند الله تعالى وزراً، فما نقوم به من عمل من الممكن جداً أن يكون فيه وزرٌ ووبال، فعلى عاتقنا حملٌ ثقيل، ومثل هذا أمر لا لزوم له، لأن كل واحد منا كان بإمكانه أن ينصرف إلى حياة عادية، ولكن ما كان له مثل هذا الدور المحوري الذي تمثّلونه اليوم في بلدكم ونظامكم.

 

فلهذا نشكر الله على أنكم جُعلتم في محلٍّ يمكن أن تكونوا فيه أصحاب دورٍ أساس. فحضوركم وإرادتكم وعرفانكم ودرجة إخلاصكم تترك بصماتها على مصير هذا البلد، وفي تاريخه، وفي مستقبل هذا الشعب ليس على صعيد عشر أو عشرين سنة بل لقرنٍ أو قرنين. بحيث إنه لو كان من أثر حسن فإن هذه الصدقة الجارية ستكون حينها أفضل من جميع الأشياء ولا يعدلها شيء.

 

وأنتم تستطيعون أن تشقوا طريقاً، وتنجزوا عملاً يَنعم الشعب على أساسه لسنوات متمادية على صعيد الدين والدنيا، وهو أمرٌ لا يمكن أن تعدله أية عبادة أو صلاة ليل أو خدمة متوسطة أو عاديّة تقدّم لخلق الله، إنه هو أمرٌ أسمى من ذلك بكثير. لقد أعطانا الله هذه الفرصة، أنا وأنتم، وعلينا أن نكون شاكرين. غاية الأمر أنه كغيره من الأعمال الكبرى حيث تكون الغنيمة فيها كثيرة. فإن الغرامة فيها ثقيلة وخطِرة، "من له الغنم فعليه الغرم"، أمران متبادلان، مثل الصعود لتسلّق الجبال.

 

إن خطر سقوط الإنسان من الأعلى أكبر بكثير من أن يسقط مثلاً من على ارتفاع مترٍ أو مترين، ولكن حسناً فذاك المكان هو المرتفع العالي. وكلّما كان المقام أعلى كان الخطر أكبر. وإن السبيل للوقوف في وجه هذه الأخطار هو ملاحظة التكليف ومجاهدة هوى النفس.

 

فليس الأمر بحيث إن الإنسان موضوع ضمن مجموعة من الأمور المبهمة دون أن يعرف ماذا يفعل، كلا، بل إنّ عليه مخالفة ومجاهدة أهواء النفس المخالفة للشرع والدين ومتابعة التكليف والواجب دوماً. فلو سلكتم هذا الطريق ـ وهو ليس خطاً

 

 

210

 


171

خطاب الولي 2010

سهلاً ـ نعلم ماذا ينبغي أن نفعل. لهذا، برأيي، أن من الأعمال التي ينبغي أن يقوم بها من هو مثلي ومثلكم أن نتوجّه إلى الله بالطلب ونقول: إلهنا! لا تبدّل هذه النعمة التي حبوتنا إياها - وهي فرصة الحضور في محلٍّ مؤثر على صعيد مصير البلد والشعب - إلى نقمة، فلا تجعل ما يوجب الأجر موجباً للوزر. ولا شك بأن هذا مرتبطٌ بسعينا. فلنستمد من الله العون، ولنقوِّ الهمّة وسوف يتحقق ذلك بعونه.

 

القوّات المسلّحة بحسب كلام أمير المؤمنين عليه السلام، هم حصون هذه الأمة والبلاد. والحصن ينبغي أن يكون قائماً دوماً فلا يُخترق، لهذا يجب على القوّات المسلّحة أن تحافظ دوماً على ثباتها. ففي داخل الحصن تقع أحداثٌ وظروفٌ مختلفة، فهناك نائمون وآخرون مستيقظون، هناك متنازعون وهناك من هو مشغولٌ بزفافه وآخر بعزائه، ولكن هذا الحصن ينبغي أن يبقى في جميع هذه الحالات منيعاً. انظروا بهذه العين إلى القوّات المسلّحة.

 

يجب أن تبقى هذه المناعة دوماً. فلو تحقق هذا الإحكام وقام الحرّاس القائمون عليه بمهمّتهم وحافظوا على يقظتهم وحذرهم ورصدوا تحرّكات العدو ولم يغفلوا عن أية زاوية فإن الأمن داخل الحصن سيبقى مستتباً. وفي ظل هذا الأمن يمكن للناس أن ينالوا دينهم ودنياهم. وهذا ما لا يمكن بدون هذا الأمن.

 

إن الحفاظ على منعة القوات المسلّحة هو أصلٌ دينيٌّ لا يمكن غض الطّرف عنه. فعلى الجميع أن يكونوا منتبهين، والقوات المسلّحة نفسها كذلك، والحكومات المتعاقبه وعلى الشعب أن يقدّم الدعم.

 

فهذا الحصن ينبغي أن يكون منيعاً. ومهما حدث في الداخل، فإنّ حصن القوّات المسلّحة ينبغي أن يبقى محفوظاً. حسناً، إن هذا تشبيهٌ للمعقول بالمحسوس. فللحصن في كل مكان معنىً. فأنتم حصونٌ، الجيش حصنٌ من جهة، والحرس حصنٌ من جهة أخرى، وكذلك التعبئة، والقوى الأمنية، وحماية المخابرات، فعلى الجميع في تلك المسؤوليات المعيّنة لهم أن يلتفتوا إلى تلك الجهة المتعلّقة بهم في الحصن وإلى ضرورة الحفاظ عليها.

 

إنّ العالم هو عالمُ التسلط والظلم. فالدنيا سيئة، دنيا الجاهلية، دنيا يتحكّم فيها

 

 

211

 


172

خطاب الولي 2010

أتباع الشهوات والتسلط بأكثر سكّان العالم. ففي مثل هذا العالم ينبغي الانتباه كثيراً والحذر أكثر والعمل بحنكة وتدبيرٍ وشجاعة.

 

أنتم تشاهدون سلوك زعماء هذه الدنيا، فلأجل أطماعهم وجشعهم ودعمهم للشركات التي تؤيّدهم، ولأجل ملء جيوب أصحاب الشركات والرأسماليين، انظروا أية فجائع تحدث في العالم، وتحت عنوانٍ حسن، وشعارات فارغة وكاذبة يدقّون طبول الحرب ويأتون على ذكر السّلام ويقفون تحت يافطات السلام. وهم لا يعطون أي اعتبار أو حق للإنسانية والبشرية. لكنهم يقفون تحت يافطات حقوق الإنسان، هم أهل العدوان، والاعتداء من سياساتهم العملية الأساس، ويدّعون الوقوف بوجه العدوان، في سياساتهم وسلوكهم يستعملون جميع الأساليب القذرة ويستفيدون منها، يستعملون الاغتيال وينشئون منظّمات للاغتيالات ويستخدمون شركاتٍ إرهابية -وهي من الأمور التي اتّضحت للجميع في عالم اليوم- وأنتم قد لاحظتم نموذج هذا الأمر في العراق وتلاحظون ذلك في أفغانستان، وقد شاهدتم ذلك في الأماكن التي قاموا فيها بالانقلابات، ورأيتم تلك الاعتداءات على الدول، هذا في نفس الوقت الذي يظهرون فيه بمظهر الهدوء والأناقة (بثياب مكويّة وعطرٍ فوّاح) وتعابير رائقة أمام أعين الناس وكرئيس لهذه الدولة أو تلك، يتلاعب بالرأي العام ويخادع وهو في أصل عمله مبنيٌّ على الخداع. هذا هو العالم، عالمٌ قائمٌ على الكذب والخداع والظلم المقنّع، وإن كان يحدث أحياناً أن تنكشف هذه الأقنعة.

 

فأحياناً يسلبهم الغرور والاعتماد على أركان القدرة الواهية الموجودة بأيديهم الاختيار، فإذ الأمر شيء آخر، فقبل عدّة أيّام هدّد رئيس أمريكا ملوحاً باستعمال السلاح النووي! وهذا كلامٌ عجيبٌ جداً، ولا ينبغي أن يمرّ العالم على هذا الكلام وكأنه لم يصدر. ففي القرن الواحد والعشرين، عصر كل هذه الادعاءات بالسلام وحقوق الإنسان والمنظّمات الدولية والمنظّمات ومواجهة الإرهاب وأمثالها، يأتي رئيس دولة ليهدد بهجوم نووي! هذا كلامٌ غريب في مثل هذا العالم.

إن هذا يعود عليهم بالخسارة وهم لا يفهمون، فإن معناه الواضح أن دولة أمريكا هي دولة شرّيرة لا يمكن الثقة بها. إنهم يسعون منذ عدّة سنوات في ملفّنا النووي إلى

 

 

212


173

خطاب الولي 2010

أن يثبتوا أن الجمهورية الإسلامية لا يمكن الثقة بها، في حين أن الجمهورية الإسلامية وطوال هذه السنوات الثلاثين لم تهجم على أية دولة، لم تبادر بالهجوم على أي مكان، ولم تحضن الإرهاب. فهم يريدون إن يقولوا إن الجمهورية الإسلامية لا يمكن الثقة بها. حسناً من هو الذي لا يمكن الثقة به في العالم؟ هؤلاء الذين يمتلكون الأسلحة النووية، لا يخجلون أن يقولوا إنه يمكنهم استعمال السلاح النووي أو سوف يستعملونه. هذا كلامٌ عجيب وهو فضيحة لهم.

 

في هذا العالم يجب الحذر كثيراً، ولا شك بأنّ مواجهة هذا الظلم والجور المقنّع وغير المقنّع وبكل أشكاله لا ينحصر بالاستعدادات العسكرية، فما هو أهم من الجهوزية العسكرية الجهوزية المعنوية، الجهوزية الروحية، قوة العزم الشعبية، قدرة صمود شعبٍ قادر على أن يقف مقابل هذه الأعاصير. فالإعصار يأتي ويذهب مهما كانت قوّته، إنّه يأتي وينتهي، المهم هو هل يوجد قدرة أم لا في مواجهة الإعصار. إن مشكلة الأبنية التي تنهار، هي أنها لا تتمكّن من الثبات حيث إنّ الإعصار لا يدوم. فلو شدّ شعبٌ ما عضده وأعطى لنفسه قوّة الصمود وثبّت قدمه في الأرض، فإنّ هذه الأعاصير لن تفعل شيئاً، وهي تُقبل وتُدبر، وهم زائلون وهذا الشعب باقٍ.

 

إن قوّة وثبات أي نظام يعتمدان على هذه الأمور: الإيمان، القدرة على الصمود، العزم الراسخ، عدم الانخداع بالعبارات المعسولة الممتزجة بالمجاملات التي يتمّ استخدامها في بعض الحالات بسهولة بين المقامات السياسية، في حين أنه وراء هذه الألفاظ الوادعة وجوهٌ قاسية وحقودة مليئة بالنوايا السيّئة. وأمثلتها في زماننا هذا إلى ما شاء الله، ففي هذه العقود الأخيرة شاهدنا الكثير منها فيما يتعلّق بغيرنا من البلدان المختلفة وفيما يتعلّق بنا. فالحنكة وعدم الانخداع، والثقة بالنفس والثقة بالله وتقوية الصمود في النفس، والاعتقاد بإمكانية أن نكون أقوياء وصامدين، هذه كلّها مما يحفظ الشعوب.

 

لحسن الحظ فإن أرضية هذه الأمور متوفّرة لنا.. ثلاثون سنة والأعاصير المختلفة تأتي وتذهب، وهذا الشعب ثابتٌ، صامد، والثورة تشتد صلابة. فنحن اليوم أقوى بكثير مما كنا عليه قبل عشر سنوات أو عشرين سنة أو ثلاثين سنة. فقدراتنا اليوم هي

 

 

213

 


174

خطاب الولي 2010

أكبر بكثير في جميع المجالات، وقد أظهرنا هذا الأمر في مواجهة جميع أنواع العداوات، وقد أظهر شعبنا بفضل الله وتوفيقه هذا الأمر أيضاً. هكذا تكون القدرة الأساس. ولكن كما ذكرنا لا ينبغي أن نسمح باختراق هذا الحصن. أجل إن هذا الشعب صامدٌ وثابتٌ داخله، ولكن الحصن ـ أي القوّات المسلّحة ـ يجب حفظ منعته..

 

أولاً، على القوّات المسلّحة أن تأخذ هذا التهديد على محمل الجدّ، لقد ذكرت هذا مراراً. فأنتم في تحليلاتكم لا ينبغي أن تعملوا وفق التحليلات السياسية. فالمحلل السياسي يقول مثلاً إن احتمال حصول هجوم للعدو ضعيف، احتمالٌ يبلغ 20 أو 03%، أما أنتم فعليكم أن تقولوا إن هذا الاحتمال 001%. وعليكم أن تحققوا الجهوزية لأنفسكم على الأساس المذكور في جميع القطاعات. فعليكم أن تبقوا على يقظة دائمة.

 

برأيي يجب أخذ قضية المشاريع الإبداعيّة على محمل الجدّ. ولحسن الحظ هذا موجودٌ في القوات المسلّحة. وكمجموعة من الاستعدادات التي لا يستخدم منها سوى طبقة واحدة مع إهمال الطبقات الأعمق، هكذا هو شعبنا. فالإنسان كان يشعر في الواقع ويرى في بداية الثورة، على صعيد القطاعات المختلفة أنه كان يُستفاد بمقدار قليل من هذه الاستعدادات الفكرية والمهارات الموجودة. وقد أدّت الثورة إلى انبعاث حركة في القطاعات العلمية والتقنية، وفي قطاعات البناء والمجالات الثقافية والسياسية وغيرها تفتحت الاستعدادات وأزهرت. فمن هذه المجموعة المتراكمة طبقات طبقات، تمّ استخدام المزيد من الطبقات، وقد علّمتنا التجارب أن استعداداتنا عظيمة جداً.

 

اتّجهوا نحو الأعمال الإبداعية، نحو تلك الأشياء التي لم يختبرها العالم أو يجرّبها، في الخطط العسكرية والأمنية (المخابراتية)، في كيفية مواجهة العدوّ، في نوعية الخداع وأشكال التدابير، فهذه أعمالٌ مهمّة. وبالخصوص أؤكّد على نوعيّة تنظيم القوّات المسلّحة. ولحسن الحظ فإن الحرس وكذلك الجيش قد تقدّموا على هذا الخط وهم في حال دائمة من التفكيرٍ والسعيٍ. لقد كان هناك إبداع في التنظيم التقليدي إلى يومنا هذا ـ في الحرس على شاكلة وفي الجيش بشكلٍ آخر ـ اتجهوا نحو الأعمال الإبداعية. ولا شك أن ليس كل عملٍ جديد هو أمرٌ مطلوب. فما هو مطلوبٌ هو الإنجاز الجديد

 

 

214

 


175

خطاب الولي 2010

المتلازم مع دقّة الملاحظة والتجربة.

 

كونوا بصدد الأعمال الإبداعية، مثلما كان هذا الأمر إلى اليوم على صعيد القطاعات المختلفة للقوات المسلّحة، فجهاد الاكتفاء الذاتي للجيش يُعدّ من النماذج، وكم قد أنجز من أعمالٍ عظيمة منذ ثلاثين سنة! في الحرس هناك مساعٍ متعددة وكثيرة في هذه المجالات. الحمد لله إن يدنا لا تخلو من تجارب مؤمّلة وباعثة على التفاؤل. يشاهد الإنسان أعمالاً كبيرة تُنجز. هذه هي مطالبنا. إن شاء الله تكون كل هذه الأشياء التي ذكرناها أو غفلنا عن ذكرها وهي من أمنياتنا، في برامجكم وتتحقق في أعمالكم وتتبلور وتظهر. حسناً، كل هذه الأمور لها روحٌ واحدة وهي عبارة عن المعنويات والبصيرة الدينية وتعميق العقائد الدينية، وهي تتجلّى في عمل إخواننا الطيبين والفاعلين والكادحين في وحدة العقيدة والسياسة بنحوٍ، وفي ممثليات الولي الفقيه في الحرس والأماكن الأخرى بنحوٍ آخر. هؤلاء الإخوة عليهم أن يُعملوا قضية الأولويات هذه والإبداعات والطرق الجديدة والهمّة المضاعفة حتى نكون إن شاء الله ملازمين يوماً بعد يوم للمظاهر الدينية والعمق العملي والاعتقادي في القوّات المسلّحة بشكل أكبر.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

215

 

 


176

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في المؤتمر الدولي لنزع السلاح النووي

 

 

 

 

المناسبة:   المؤتمر الدولي لنزع السلاح النووي

المكان:   طهران

 

الزمان:    82/10/9831هـ.ش.

01/05/1431هـ.ق.

71/40/0102م.

 

 

217


177

خطاب الولي 2010

أرحب بكم أيها الضيوف المحترمون المجتمعون هنا. وإنها لسعادة أن تستضيف الجمهورية الإسلامية الإيرانية الاجتماع الدولي لنـزع السلاح، على أمل أن تُستغل هذه الفرصة السانحة للوصول إلى نتائج قيمة ومستمرة تقدمونها للبشرية عبر الحوار والتشاور بينكم.

 

إن علوم الذّرة تعدّ إحدى أكبر النتائج العلمية التي تستطيع أن تكون، ويجب أن تكون، في خدمة رفاه شعوب العالم وتقدّم وتنمية كل المجتمعات الإنسانية. وإن سعة المساحة التي تؤثّر فيها علوم الذرة تغطي مجموعة كبيرة من حاجات الطب والطاقة والصناعة، وكلٌّ منها يمتلك أهمية خاصة.

 

ولهذا يمكن القول إن التقنية النووية حظيت بمكانة بارزة في الحياة الاقتصادية، وهي تزداد أهمية بشكل ملحوظ على مر الزمان وتزايد الحاجات في مجالات الصناعة والطب والطاقة، وبنفس المقدار تتصاعد الجهود للحصول على الطاقة الذرية والاستفادة منها.

 

وإن لشعوب منطقة الشرق الأوسط ـ مثلها مثل باقي شعوب العالم المتعطشة للسلام والأمن والتقدم ـ الحق عبر الاستفادة من هذه التقنية لضمان الموقع الاقتصادي لها، والمكانة الأفضل لأجيالها الآتية.

 

وربما كان الهدف من هذه الضجة واللغط الذي يثار حول البرامج النووية السلمية للجمهورية الإسلامية الإيرانية يتمثل في عرقلة الاتجاه الجاد لشعوب المنطقة للحصول على الحق الطبيعي القيم.

 

ومما يدعو للسخرية أن المجرم الذري الوحيد في العالم يدّعي اليوم أنه يكافح لمنع انتشار السلاح النووي، في حين أنه لم ولن يقدم حقاً على أي خطوة جادة في

 

 

219


178

خطاب الولي 2010

هذا السبيل. ولو لم يكن الإدعاء الأمريكي كاذباً في منع انتشار السلاح النووي فهل كان بمقدور النظام الصهيوني ـ بالإضافة إلى امتناعه عن قبول القوانين الدولية في هذا المجال ولا سيما قرارات معاهدة ال (ان بي تي) ـ أن يحول الأرض الفلسطينية المحتلة إلى ترسانة لكمية هائلة من الأسلحة الذرية؟

 

إن الحديث عن الذّرة كما يوضح مدى التقدّم العلمي الإنساني يذكّر بكل أسف بأسوأ واقعة تاريخية وأكبر عملية تصفية عرقية، واستغلال سيىء للمعطيات العلمية والإنسانية.

 

ورغم أن هناك أقطاراً متعددة أقدمت على إنتاج وتخزين الأسلحة النووية، وهذا بنفسه قد يعد مقدمة لارتكاب الجريمة، وتهديداً للسلام العالمي، ولكن دولة وحيدة فقط ارتكبت الجريمة النووية وهي الولايات المتحدة الأمريكية التي هاجمت الشعب الياباني المظلوم في هيروشيما وناكازاكي في حرب غير متكافئة وغير إنسانية.

 

ومنذ أن أدّى تفجير أول سلاح ذرّي بواسطة الولايات المتحدة في هيروشيما وناكازاكي إلى كارثة إنسانية ذات أبعاد غير مسبوقة في التاريخ، والأمن الإنساني يواجه تهديداً عظيماً، ما دعا العالم للإجماع القاطع على ضرورة القضاء على هذا السلاح.

 

إن استخدام السلاح الذري لم يؤدّ إلى القتل والخراب الواسع فحسب، بل لم يميز بين أفراد الشعب، العسكريين وغيرهم، الصغار والكبار، النساء والرجال، اليافعين والطاعنين في السن، وتجاوزت آثاره كل الحدود السياسية والجغرافية، بل وجهت آثاراً كارثية لا جبران لها إلى الأجيال الآتية. ولذا فإنّ أي استخدام بل وأيّ تهديد باستخدام هذا السلاح، يُعد خرقاً حقيقياً مسلماً به للقواعد الإنسانية، ومصداقاً بارزاً للجرائم الحربية. ومن زاوية عسكرية وأمنية، وبعد حصول بعض القوى على هذا السلاح المعادي للإنسانية، لم يبق أي ريب في أنّ النصر في الحرب النووية غير ممكن، وأن الخوض في مثل هذه الحرب أمر غير عقلاني ولا إنساني.

 

ولكن، ورغم البديهيات الأخلاقية والعقلانية والإنسانية وحتى العسكرية فإنّ الحاجة الإنسانية المؤكّدة والمتكررة للمجتمع الإنساني لمحو هذه الأسلحة تم تجاهلها من قِبَل ثلة من الدول التي بَنَت أمنها الوهمي على أساسٍ من التهديد الجماعي للعالم.

 

 

220


179

خطاب الولي 2010

إن إصرار هذه الدول على حفظ ومضاعفة القدرة التخريبية لهذه الأسلحة التي لم ولن يكون لها أثر عملي إلا الإرعاب والإرهاب الجماعي وتحقيق الأمن الوهمي القائم على الردع الناشئ عن الدمار الشامل المضمون، سيؤدي إلى استمرار الكابوس الذري في العالم.

 

لقد تم صرف الموارد المالية والإنسانية التي تفوق حدّ الإحصاء في تنافس غير عقلاني ولا منطقي لتحصل القوى الكبرى على قدرة وهمية تستطيع معها أن تقضي عشرات آلاف المرات على القوى المنافسة لها وباقي سكان العالم وحتى ما يشملها هي أيضاً. وليس من الغريب أن تسمّى هذه السياسة الإستراتيجية بالردع المبني على الدمار الشامل المتبادل والمضمون أو توصف بالجنون.

 

وراحت بعض الدول النووية في السنوات الأخيرة تتخطى نظرية الردع تجاه القدرات النووية الأخرى والتي ترتكز على الدمار المتبادل المضمون، فتؤكد في إستراتيجيتها النووية على الاحتفاظ بالخيار النووي حيال التهديدات المتعارفة من قِبَل الذين ينقضون معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، في حين أن أكبر المنتهكين لهذه المعاهدة هو القوى التي تقوم بالإضافة إلى خرق تعهداتها في المادة السادسة بالنسبة إلى سلاحها النووي ـ وحتى بالتنافس وإحراز قصب السبق دون غيرهما بنشر هذه الأسلحة على كل صعيد ومنها ما قدمته من مساعدات لتزويد النظام الصهيوني بالأسلحة النووية ودعم سياسات هذا النظام مما أعطاها الدور المباشر لنشر هذا السلاح وهو ما ينافي تعهداتها على أساس المادة الأولى للمعاهدة ويجعل منطقة الشرق الأوسط والعالم كله في مواجهة تهديد جاد، ونظام الولايات المتحدة المتعنت والمعتدي يقف على رأس هذه الدول. ولذلك فمن الأجدر للمؤتمر الدولي لنـزع السلاح بالإضافة لتحري الأخطار الناتجة من إنتاج وتخزين الأسلحة النووية في العالم، أن يدرس بشكل واقعي الأساليب العلمية لمواجهة هذه التهديدات ضد الإنسانية ليكون بالإمكان التقدم خطوة عملية في مسيرة الدفاع عن الأمن والاستقرار العالمي.

 

ونحن نرى أن باقي أنواع أسلحة الدمار الشامل كالأسلحة الكيماوية والأسلحة الجرثومية أيضاً بالإضافة للأسلحة الذرية تشكل تهديداً حقيقياً للإنسانية.

 

 

221

 


180

خطاب الولي 2010

والشعب الإيراني الذي يُعدّ ضحية لاستخدام الأسلحة الكيماوية يشعر أكثر من غيره من الشعوب بخطر إنتاج وتخزين مثل هذه الأسلحة وهو مستعدٌ لوضع كل إمكانياته بغية مواجهتها.

 

نحن نقول بحرمة استخدام هذه الأسلحة ونرى أن السعي نحو حماية أفراد البشرية من خطر هذا البلاء العظيم يشكل مسؤولية وواجباً عاماً على جميع المسلمين.

 

السيد علي الخامنئي

الأول من جمادى الأولى ١٤٣١هـ.ق

 

 

 

222

 


181

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء الممرّضات النموذجيات

 

 

 

المناسبة:   ذكرى ولادة السيدة زينب عليها السلام ويوم الممرضة

الحضور:  جمع غفير من الممرضات النموذجيات

المكان:   طهران

 

الزمان:    10/20/9831هـ.ش.

60/50/1341هـ.ق.

12/40/0102م.

 

 

223

 


182

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بداية أبارك لكم جميعاً إخواني وأخواتي الأعزاء والممرضات المحترمات يوم الممرضة وأيام ولادة زينب الكبرى، هذه المرأة التي هي أنموذج لتاريخ البشرية. وكلّنا رجاء من الله أن يثيبكم على هذه الخدمة الكبرى، وهذه المساعي الفائقة الأهمية فيشملكم برحمته وهدايته وفضله أنتم وجميع الممرضين في البلد وقطاع العاملين في ملف الصحة.

 

إنّ أساس كلامنا ولقائنا اليوم يتوجّه إلى تقديم الشكر على جهود الممرضين. وإنه لمن المناسب حقاً أن يقدّم الإنسان شكره لكل قطاع التمريض في البلاد، ويقدّر هذا العمل الكبير ذا العناء الكثير والمسؤولية الثقيلة التي تحمّلتموها.

 

إنّ قضية الصحة تُعدّ من أولى القضايا المهمّة في حياة المجتمعات. فالحديث المعروف: "نعمتان مجهولتان الصحة والأمان" يشير بحق إلى أمرٍ أساس وحياتيّ. فالصحة والأمان من النعم الكبرى التي ما لم يُحرم الإنسان منهما لن يدرك أهميتهما وقيمتهما، كالهواء والتنفّس، فما دام الإنسان متنفساً، لا يدرك أهمية هذه النعمة المجّانية المتوافرة، وإذا صعُب عليه التنفّس يدرك عندها أية نعمة كبرى قد أضاعها. وقطاع الطب والتمريض وسائر الأجهزة الصحية هو في الواقع سبب تأمين هذه النعمة الكبرى للمجتمع. وإن دور الممرضة في هذا المجال يُعدّ دوراً بارزاً جداً، فالممرّض يبقى في سعيٍ وتحدٍّ مستمرٍّ على المستوى الروحي والنفسي، فليست القضية منحصرة ببدنه. فالتعب الروحي للتعامل مع المريض والشعور بالمسؤولية بأن يقدّم لهذا المريض - بالإضافة إلى العلاج الجسماني - العلاج الروحي والمعنوي هو قضية مجهدة جداً وعملٌ ثقيل، فمثل هذه المسؤولية الثقيلة يتحمّلها الممرضون.

 

تأكّدوا أن كل لحظة، وثانية أو دقيقة تقضونها في مثل هذا العمل ـ ومع الالتفات

 

 

225


183

خطاب الولي 2010

إلى الشعور بالتكليف تجاه المريض، هذا الإنسان المبتلى ـ تُعدّ حسنة من الله تعالى ولها ثوابٌ وأجرٌ تنالونه من الرب المتعال. وفي الحسابات الإلهية لا تضيع أية ثانية. فلا يجوز أن نظن أنّ هذه اللحظات الصعبة التي يقضيها الممرّض إلى جنب المريض سيتمّ إغفالها في الحسابات الإلهية. كلا ليس الأمر كذلك. فكل لحظة تقضونها، وكل سعي تبذلونه، وكل نفَسٍ يصدر عنكم مقابل المشقّات التي تعانون منها هو حسنة وعملٌ يستحقّ أجراً، والله تعالى يسجّل كل هذه اللحظات. فيجب تقدير هذه الأعمال الشاقّة ذات الآثار الكبرى والمهمة.

 

لا شك بأن التكاليف ثقيلة أيضاً. فيجب الاعتناء بها. فالأخلاق التمريضية كالأخلاق الطبية، تُعد فريضة وتكليفاً. وإن أجركم عظيمٌ جداً مثلما أن تكليفكم أيضاً عظيم كذلك، لأن المريض إنسانٌ وليس سيارة، وهو ليس عبارة عن قطع من الحديد والفولاذ والبراغي، وليس مجرّد جسمٍ. إن روح الإنسان وأحاسيسه ومشاعره وخصوصاً إذا مرض تصبح متألّمة وتحتاج إلى الكثير من اللطف والكثير من المواساة، فابتسامة منكم أحياناً تكون أثمن من الدواء الذي يُعطى لهذا المريض ولها أثرٌ أكبر وقيمة أعلى، فالمريض يُبتلى بالاضطراب والانزعاج وخاصّة ذوو الأمراض الصعبة، وتقديم المساعدة له لا تكون مساعدة لجسمه فقط، إن البدن ينبغي أنّ يُعالج بالأدوية والحقن والعلاجات الطبية، أما الروح فتعالج بالمحبة والرأفة والملاطفة. وفي بعض الأحيان يحلّ هذا العلاج الروحي محلّ العلاج الجسماني، وهذا أمرٌ علميٌّ أثبتته التجربة حيث إنّ سرور روح الإنسان وأعصابه ومشاعره له تأثيرٌ إيجابي على بدنه. وهذا بأيديكم، بأيدي الممرّضين.

 

يقع على عاتق الممرّض عملٌ صعب وله أجرٌ عظيم، لكن عمله مسؤولية عظيمة كذلك. وهذا التقابل بين الوظيفة والأجر، وبين الحق والتكليف، من الأركان الكبرى للمفاهيم والمبادئ الإسلامية. وإعادة التأهيل التي تحدّث عنها الوزير المحترم - مما له أهميّة فائقة - من المناسب تحقيقه، ليس فقط في مجال القضايا العلميّة بل في مجال أخلاق التمريض. وفي الحقيقة ينبغي إعداد ميثاق للأخلاق التمريضية وميثاق للتمريض وعهد يتمّ تدريسه وتعليمه. الممرّض ينبغي أن يعرف عظمة عمله -والذي هو بالطبع متلازمٌ مع أهمية شخصيّته- فيؤدّي العمل كما يليق به.

 

 

226

 


184

خطاب الولي 2010

وأقول لكم: عافاكم الله أيها الممرضون الأعزّاء في كل البلاد، وخصوصاً أنتنّ الممرّضات النموذجيات، وأسأل الله تعالى أن يُعِينكم ويوفّقكم لحفظ هذه القيمة السامية التي اخترتموها لعملكم، وأن يكتب لكنّ ذلك في سِجلّ أعمالكم بواسطة الكرام الكاتبين، فتؤجرون، وتكون لكم عقبى الخير إن شاء الله.

 

ويتفق في الجمهورية الإسلامية يوم الممرضة مع ذكرى ولادة زينب الكبرى عليها السلام، ولهذا معنىً عظيمٌ، فزينب الكبرى أحد نماذج التاريخ البارزة التي تُظهر عظمة حضور إمرأة في إحدى أهم قضايا التاريخ. عندما يُقال إنّ الدم انتصر على السيف في عاشوراء وفي واقعة كربلاء وهو كذلك، فإن عامل هذا الانتصار هو زينب عليها السلام، وإلا فإنّ الدم في كربلاء قد انتهى. واقعة عسكرية تنتهي بهزيمة ظاهرية لقوى الحق في ميدان عاشوراء، أما ذلك الشيء الذي أدّى إلى تبديل هذه الهزيمة العسكرية الظاهرية إلى انتصار قطعيٍّ دائم فهو زينب الكبرى عليها السلام بمفردها، الدور الذي قامت به زينب عليها السلام، أمرٌ في غاية الأهمية. وقد دلّت هذه الواقعة على أن المرأة ليست موجودة على هامش التاريخ، بل هي في صلب الأحداث التاريخية الهامة.

 

القرآن أيضاً نطق بهذه المسألة في موارد متعددة، لكن هذا متعلق بالتاريخ القريب وليس مرتبطاً بالأمم الماضية، فحادثة حيّة ومحسوسة يشاهد فيها الإنسان زينب الكبرى تظهر بهذه العظمة المحيّرة والساطعة في الميدان، تقوم بعملٍ يذلّ ويحقّر العدوّ الذي بحسب الظاهر قد انتصر في المعركة العسكرية واقتلع المعارضين وقمعهم وجلس على عرش النصر في مقرّ قدرته وفي قصر رئاسته، فتسِم جبينه بوصمة عارٍ أبدية وتبدّل انتصاره إلى هزيمة، هذا هو عمل زينب الكبرى. أظهرت زينب عليه السلام أنها يمكنها أن تبدّل الحجاب وعفاف المرأة إلى العزة الجهادية إلى جهاد كبير.

 

وما بقيَ من خطب زينب الكبرى، مما هو في متناول الأيدي، ما يظهر عظمة حركة زينب الكبرى. فخطبتها التي لا تُنسى في أسواق الكوفة لم تكن كلاماً عادياً، ولم تكن موقفاً عادياً لشخصية كبرى، بل بيّنت بتحليل عظيم أوضاع المجتمع الإسلامي في ذلك العصر بأجمل الكلمات وأعمق وأغنى المفاهيم في مثل تلك الظروف. لاحظوا قوة الشخصية، كم هي قوية هذه الشخصية. فقدت في تلك الصحراء أخاها وقائدها

 

 

227

 


185

خطاب الولي 2010

وإمامها مع كل هؤلاء الأعزاء والشباب والأبناء، وهذا الجمع المؤلف من بضع عشرات من النساء والأطفال قد أُسروا وأُحضروا على مرأى من أعين الناس وحُملوا على نياق الأسْر، وجاء الناس ينظرون إليهم، وكان البعض يهلل والبعض كان يبكي، ففي مثل هذه المحنة، تسطع فجأة شمس العظمة. فتستعمل نفس اللهجة التي كان يستعملها أبوها أمير المؤمنين وهو على منبر الخلافة مخاطباً أمّته، تنطق بنفس الطريقة وبنفس اللهجة والفصاحة والبلاغة وبذلك السمو في المضمون والمعنى: "يا أهل الكوفة، يا أهل الغدر والختل"، أيها المخادعون، أيها المتظاهرون! لعلكم صدّقتكم أنكم أتباع الإسلام وأهل البيت، لقد سقطتم في الامتحان وصرتم في الفتنة عمياً، «هل فيكم إلا الصَّلف والعُّجب والشَّنِف والكذب ومَلَقُ الإماء، وغمز الأعداء"[1]، إنّ تصرّفكم وكلامكم لا ينسجم مع قلوبكم. لقد غرّتكم أنفسكم، وظننتم أنكم مؤمنون، وتصوّرتم أنكم لا زلتم ثوريين، ظننتم أنكم لا زلتم أتباع أمير المؤمنين، في حين أن واقع الأمر لم يكن كذلك. لم تتمكنوا من الصمود والنجاح في الفتنة، ولم تتمكنوا من النجاة بأنفسكم ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا﴾[2] فقد أصبحتم كالتي بدّلت الحرير أو القطن إلى خيوط، ثم أرجعت تلك الخيوط ونقضتها إلى قطن أو حرير، فبدون بصيرة ووعيٍ للظروف وبدون تمييز بين الحق والباطل أبطلتم أعمالكم وأحبطتم سوابقكم. الظاهر ظاهر الإيمان واللسان مليء بالادعاءات الجهادية، أم الباطن فهو باطنٌ أجوف خالٍ من المقاومة مقابل العواصف المخالفة. فهذا ما يُعدّ تحديداً آفات تصيب المجتمع.

 

بهذا البيان القوي والكلمات البليغة، وفي تلك الظروف الصعبة، تحدّثت زينب الكبرى. فلم يكن الأمر بحيث نرى مجموعة من المستمعين يجلسون أمام زينب ويستمعون إليها وهي تتحدث معهم كخطيب عادي، كلا، فالجماعة هم من الأعداء، وحملة الرماح يحيطون بهم، وكان هناك جماعة في ناحية أخرى كهؤلاء الذين سلّموا مسلم إلى ابن زياد، وأولئك الذين كتبوا الرسائل وبعثوا بها إلى الإمام الحسين عليها السلام


 


[1] راجع: ابن شهرآشوب المازندرانيّ، محمّد بن عليّ‏، مناقب آل أبي طالب R، نشر علامة، إيران - قم‏، 1421هـ‏، ط1، ج‏4، ص115.                              

[2] سورة النحل، الآية 92.

 

 

228


186

خطاب الولي 2010

وتخلّفوا، ومنهم من كان ينبغي أن يواجه ابن زياد وقد اختبأوا في بيوتهم ـ هؤلاء كانوا في سوق الكوفة ـ وجماعة ظهر منهم ضعف النفوس وهم الآن يشاهدون ابنة أمير المؤمنين ويبكون. لقد كانت زينب الكبرى عليها السلام في مواجهة هذه الجماعات المختلفة التي لا يمكن الثقة بها، ولكنها كانت تتحدث ببيان مُحكم ورائع. فهي امرأة تاريخية، هذه المرأة لم تعد ضعيفة، ولا يصح عدّها امرأة ضعيفة. فهذا جوهر المرأة المؤمنة حيث تُظهر نفسها في مثل هذه الظروف الصعبة. هذه هي المرأة التي تُعد قدوة.

 

قدوة لكل الرجال العظماء والنساء العظيمات في العالم. فهي تبيّن أسباب الثورة النبوية والثورة العلوية، وتقول إنكم لم تتمكنوا من معرفة الحق في الفتنة، ولم تستطيعوا أن تعملوا بتكليفكم، وكانت النتيجة أن يُرفع رأس فلذة كبد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الرماح.. من هنا يمكن فَهم عظمة زينب عليها السلام.

 

إن يوم الممرضة، هو ذكرى ولادة زينب عليها السلام، وهو تحذيرٌ لنسائنا أن اكتشِفن أدواركن. فأدركِنَ عظمة كونكنَّ نساء في جعل الحجاب والحياء والعفة مع العزة الإسلامية والإيمانية سبيلاً من سبُل المقاومة. هذه هي المرأة المسلمة عندنا.

 

وإن عالم الغرب الفاسد أراد أن يحشو أذهان العالم حول تعري المرأة وشخصيتها من خلال الأساليب الخاطئة والمنحرفة التي تتلازم مع تحقير جنس المرأة: فلأجل أن تظهر المرأة شخصيتها ينبغي أن تمتع أنظار الرجال. فهل هذه هي شخصية المرأة؟! وأن تضع حجاب العفاف جانباً وتتظاهر لكي يستمتع الرجال. فهل هذا تعظيمٌ أم تحقيرٌ للمرأة؟ هذا الغرب المستغرق في سكرته وخباله لا يعرف شيئاً مما يجري، وتحت تأثير الأيادي الصهيونية رفع ذلك كعنوان لإجلال المرأة، وقد صدّق بعض الناس هذا الأمر.

 

إنّ عظمة المرأة لا تكمن في جذب أنظار الرجال وهوس المهووسين إلى نفسها، وليس هذا فخراً للمرأة، وليس هذا تعظيماً لها بل هو تحقير للمرأة. إن عظمة المرأة في تمكّنها من الحفاظ على الحجاب والحياء والعفاف الأنثوي الذي أودعه الله في جبلّتها، فتقوم بجعل هذا كله مع العزة الإيمانية، وتضيف إليه الشعور بالتكليف والمسؤولية، فتُعمل تلك اللطافة في محلّها وذاك الحزم الإيماني في محلّه. فمثل هذا

 

 

229

 

 


187

خطاب الولي 2010

التركيب الدقيق مختصٌّ بالنساء فقط، ومثل هذا العمل الدقيق من اللطف والحزم من خصائص النساء. هذا هو الامتياز الذي أعطاه الله تعالى للمرأة. لهذا يضرب في القرآن مثلاً للإيمان - ليس نموذجاً لإيمان النساء، بل نموذجاً لإيمان كل الناس نساءً ورجالاً - امرأتين: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ﴾[1]، ﴿وَمَرۡيَمَ ٱبۡنَتَ عِمۡرَٰنَ﴾[2] فهاتان إشارتان ودلالتان على منطق الإسلام.

 

إنّ ثورتنا هي ثورة زينبية. منذ بداية الثورة قامت النسوة بأحد أبرز الأدوار فيها، سواء في نفس واقعة الثورة الكبرى أو في تلك الواقعة العظيمة للدفاع المقدّس طيلة السنوات الثماني، ودور الأمهات، ودور الزوجات، وإذا لم يكن أكثر ثقلاً من دور المجاهدين وأكثر إيلاماً وتحمّلاً فهو يقيناً ليس بأقل. إن الأم التي ربّت ولدها وعزيزها طيلة ثماني عشرة أو عشرين سنة حتى نضج بتلك العاطفة الأمومية، ها نحن نراها ترسله إلى ميدان الحرب حيث لا يَعلم أحد إذا كان جسده سيرجع أم لا، فأين هذا العمل من نفس ذهاب هذا الشاب؟ إن هذا الشاب يتحرك بحماس مع الإيمان والروحية الثورية. فلو لم يكن عمل هذه الأم أكبر من عمل هذا الشاب فهو ليس بأقل. وإذا أرجعوا جسده فإنها تفتخر بأن ولدها شهيد. فهل أن هذه الأمور قليلة؟ إن هذه الحركة النسوية هي حركة زينبية في ثورتنا.

 

أعزائي، أخواتي، إخواني! إن ثورتنا قد مضت هذا الطريق قُدُماً. وقدرتها وعظمتها إنما كانت بهذه الأمور، بالتمسك بالمعنويات المدعومة من اللطف الإلهي. وعندما أراد العدو أن يشمت بزينب الكبرى لما جرى عليها قالت: "ما رأيت إلا جميلاً"[3]، فقد قطّعوا إخوتها وأبناءها وأعزاءها وأقرب أنصارها أمام ناظريها إرباً إرباً، وسفكوا دماءهم ورفعوا رؤوسهم فوق الرماح وهي تقول: جميل! فأي جميل هو هذا؟ لاحظوا هذا الجميل بما نُقل من أن زينب الكبرى لم تترك صلاة الليل حتى في ليلة الحادي عشر. طول مرحلة الأسر لم يضعف انقطاعها إلى الله وتوجهها إليه وتعلقها به، نعم، لم يقلّ بل ازداد. هذه المرأة هي القدوة.


 


[1] سورة التحريم، الآية 11.

[2] سورة التحريم، الآية 12.

[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج45، ص116.

 

 

230


188

خطاب الولي 2010

إنّ تلك الرشحات الربانية التي تنزّلت من هذه الحقيقة في مجتمعنا وفي ثورتنا هي التي أعطت العظمة لهذه الثورة. فهذه الأمور هي التي جعلت شعب إيران في هذا الزمان ـ ورغم كل العداوات ـ ملهماً للشعوب ورغم أنف العدو. إنّ شعب إيران اليوم يعدّ شعباً ملهماً بين الشعوب المسلمة. ولا شك بأن الأعداء لا يعجبهم هذا الأمر ولهذا يسعون إلى خنق صوته، ولكن واقع القضية هو هذا.

 

ليست قدرة هذا الشعب بالصاروخ والقذيفة والدبابة والطائرة والآلات الحربية، فهذه أمورٌ لا بدّ منها ونحن نمتلكها والحمد لله، ولكن قدرة هذا الشعب بإيمانه. فشعبنا بتوفيق الله وهدايته وعونه قد تقدّم تقدّماً نوعياً في المجالات المتعلقة بالصناعات الثقيلة. فالإمكانات التي نمتلكها اليوم، كما أنها لا تُقاس بما كان موجوداً في بدايات ثورتنا ـ وبطريق أَولى قبل الثورة ـ كذلك لا تُقارن بما هو موجود في الكثير من الدول التي لم تعانِ طيلة سنوات مديدة ما عانيناه من مشاكل، لقد كانوا متشبثين بمعونات الأجانب والأعداء. والحمد لله فإن شعب إيران متقدّمٌ جداً في هذه الجهات، ولكن هذه الأمور ليست أساس قدرتنا. إن قدرة الدولة الإسلامية والشعب الإسلامي تكمن في إيمانه، ذلك الجوهر الإيماني الموجود فيه. وبالنسبة إليه لا يهم إذا كان يمتلك هذه الإمكانات المادية أم لا. فقبل ثلاثين سنة وقف هذا الشعب.

 

واليوم وبعد ثلاثين سنة من الحظر والتهديد والاجتياح العسكري والتآمر والشبكات السياسية والأمنية، لا زال هذا الشعب ويوماً بعد يوم وبشكل تصاعدي في حالة النمو والتقدّم، وهو لم يعرف التراجع ولا التوقف، بل إن تطوره ونموه كان بصورة استثنائية غير عادية. لهذا فإنّ عظمة شعب إيران تعود إلى هذا الجوهر الإيماني.

 

والآن يأتي الذين لا يعقلون ليهددوا شعب إيران! فرئيس الولايات المتحدة هدّد الأسبوع الماضي تلميحاً وإشارة بالنووي. إنّ مثل هذه التهديدات لا تنفع مع شعب إيران، لكنها صارت وصمة عار في التاريخ السياسي لأمريكا، وقد أضحى نقطة سوداء في سجلّ دولة أمريكا، أيهددننا بالنووي؟! ها قد انكشف ما يجري وراء كواليس الاستعراضات المطالبة بالسلام واحترام الإنسان والمصرة على المعاهدات النووية.

 

لقد عُلم ما هو الشيء الذي يختفي وراء استعراض مد يد الصداقة. فأدبيات

 

 

231

 


189

خطاب الولي 2010

الثعالب تبدّلت إلى أدبيات الذئاب. حتى اليوم كانوا يقولون إننا نمدّ يد الصداقة، ونحن كذا وكذا، وقد عُلم ماذا تخفي القضية. لقد عُلم ماذا تريد تلك الطبيعة الدموية والتسلطية.

 

إنّهم يريدون أن يجعلوا النووي والقدرة النووية وسيلة للتسلط على العالم. فهم القوى النووية، هذه حقيقة الأمر. هدفهم أن يجعلوها وسيلة وأداة للتسلّط على الشعوب والعالم. فلا يوجد أي واحد من هؤلاء قد وقّع على المعاهدات النووية للوكالة الدولية للطاقة النووية ولا قَبِل بها، ولا عمل بها. هذه أكاذيب واضحة. هؤلاء إذ يعترضون على غيرهم من الدول لأنّها لم تعمل بهذا البند من المعاهدة أو ذاك البند، هم أنفسهم لا يقبلون بها، إنّهم لا يريدون أي منافس يقف بوجههم في ميدان القدرة النووية والسلاح النووي، هذه هي القضية.

 

إنّ سياستنا النووية واضحة، فلقد قلنا مراراً وتكراراً: نحن لسنا ممن يستعمل أسلحة الدمار الشامل، ولكن فليعلموا أنهم لن ينتصروا في مواجهة الشعب بمثل هذه التهديدات والأراجيف. فإن شعب إيران سوف يذلّهم ويركّعهم أمامه، رغم كلّ ادعاءاتهم. لا يحقّ للمجامع العالمية أن تتجاهل هذا التهديد الصادر عن رئيس الولايات المتحدة، ولا يحق لهم أن يتناسوه، وعليهم أن يتابعوه، لماذا تهدد بالنووي؟ لماذا تهدد بتخريب العالم؟ لماذا تجرؤ على مثل هذا الخطأ؟ لا ينبغي لأي أحد أن يتجرّأ على مواجهة البشرية بمثل هذه التهديدات، فنفس التفوه بهذا الكلام خطأ. وحتى لو قالوا بأنفسهم: كلا، نحن لا ننوي ذلك، وقد أخطأنا إذ تفوّهنا بذلك. لا ينبغي أن يُجْروه على ألسنتهم. ولا يجوز المرور بهذه البساطة على هذه التصريحات التي تهدد السلم الإنساني وأمن المجتمع العالمي.

 

ولا شك بأنّ شعب إيران لا يمكن أن يُهزم مقابل هذه الكلمات. فلا يمكنهم أن يدفعوا شعب إيران إلى التراجع بمثل هذه الأمور. نحن لن نسمح للأمريكيين بهذه الوسائل والأدوات أن يعودوا للتسلط الجهنمي على بلدنا، فلن يسمح شعب إيران بهذا.

 

لا زال من أمانيهم ذاك التسلّط الذي مارسوه على هذا البلد لسنوات متمادية

 

 

232

 


190

خطاب الولي 2010

وبواسطة خيانة الحكومة البهلوية الطاغوتية، لعنة الله وعباد الله عليها. إنهم يرون ذلك في منامهم وشعب إيران لن يسمح بمثل هذه الأمور. ونحن رغماً عن العدو، سوف نتقدّم في جميع الميادين بتوفيق الله وعونه وفضله، فاعلموا ذلك، إن شبابنا يبذلون المساعي. وبمشيئة الله سيتغلّب الإيمان المتزايد لشبابنا وبصيرة شعبنا المتصاعدة على هذه التهديدات، وسوف يتغلّب على تلك الأراجيف التي استعملوها من أجل إيجاد الاضطرابات في الأوضاع الداخلية للبلاد، من قبيل ما حدث في السنة الماضية إن شعبنا هو شعبٌ بصير، شعبٌ مؤمن.

 

ونسأل الله تعالى أن يزيد هذه البصيرة يوماً بعد يوم ببركة الأدعية الزاكية لحضرة بقية الله عجل الله تعالى فرجه الشريف، وأن ينتصر شعب إيران إن شاء الله في جميع الميادين ويشمخ بعزّة.. وستشعرون وترون أنتم الشباب إن شاء الله في المستقبل غير البعيد عظمة بلدكم وتقدّم بلدكم واحتياج هذه القوى العظمى نفسها.

 

رحمة الرب المتعال على روح إمامنا العظيم المطهّر وأرواح شهدائنا الأطهار.

 

ونسأل الله تعالى أن يوفقكم جميعاً ويؤيدكم وينصركم.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

233

 

 


191

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

بمناسبة يوم العامل

 

 

 

المناسبة:   يوم العامل

الحضور:  العمال النموذجيون من جميع أنحاء البلد

المكان:   طهران

 

الزمان:    08/02/ 1389هـ.ش.

13/05/1431هـ.ق.

28/04/2010م.

         

235


192

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إنّ أيّام أسبوع العامل لا تتعلّق بعمّالنا الأعزاء فقط، بل هي مرتبطة بجميع الإيرانيين، لأن شريحة العمّال في الواقع تمثّل أحد الصفوف الأمامية في الحركة العامة للبلد والشعب من أجل بناء المستقبل. وما يبيّنه الإسلام فيما يتعلّق بالعامل ـ بالمعنى العام للكلمة ـ ليس مجاملة وليس لأجل الإرضاء. فعندما ينحني نبي الإسلام العظيم ويقبّل يد عاملٍ فلا ينبغي حمل هذا الفعل على مجرد المجاملة، إنّه تأسيسٌ ثقافي، ويُعدّ درساً، وهذا كله من أجل تقدير قبضة العامل الماهر وعضده النشيط في الأمة الإسلامية وعلى مرّ الزمان والتاريخ. إننا ننظر بهذه العين إلى شريحة العمّال. العامل العادي، العامل الماهر، المهندس، المصمّم، وكل أولئك الذين يبذلون الجهود في كل مراحل الإنتاج هم مشمولون بهذا التكريم والإجلال في الإسلام.

 

إن مطالب العمّال ـ التي هي مطالب ماديّة ـ محفوظة في محلها، وعلى الجميع أن يتابعوا هذه المطالب المادية التي هي حق، وعليهم أن يؤمّنوها، لكن هناك مطالب معنوية وهي تتعلق بشأن العامل، الاهتمام بنشاطه وسعيه، من أجل أن يُفهم أن هذا جهادٌ، فهذا أمرٌ مهم. فالعامل خلف الآلة أو حين التصميم والتخطيط، أو في العمل في المزرعة، أو في أي مكانٍ يعمل فيه على الإنتاج ويؤدي إلى الإنتاجية، يجب أن يشعر بأنّه يحقق عملاً كبيراً مهماً قيّماً، هذا ما يريد الإسلام بيانه، وهذا هو اعتقادنا القلبي. ويوجد فارق كبير بين هذه النظرة ونظرة العالم المادي ـ سواء العالم الرأسمالي أو العالم الاشتراكي ـ الذي ينظر إلى العامل كأداة.

 

فاليوم في العالم الرأسمالي، وبالرغم من تمتّع بعض العاملين من ناحية الامتيازات المادية بوضعٍ جيد ـ فليس هذا الأمر عاماً، وإنما هو لبعضهم ـ لكنه بنظر المدراء وواضعي السياسات في العمل والإنتاج ليس سوى أداة أو آلة، له قيمة ما دام قادراً

 

 

237


193

خطاب الولي 2010

على إنتاج القيمة المادية والأرباح. ويوجد فارق كبير بين هذه النظرة إلى العامل والنظرة التي تراه مجاهداً في سبيل الله. حيث يتخذ العمل الذي يؤدّيه ما هو أبعد من جميع الأجور المادية، وهو الأجر الإلهي والقيمة والثواب الإلهيين، وما بين هذين الأمرين فاصلٌ عميق، فهذا المطلب لازمٌ، وهو ذاك الاحتياج الحقيقي.

 

في النظام الإسلامي، في الجمهورية الإسلامية لبلدنا العزيز، فإن شريحة العمّال ومنذ بداية الثورة وإلى اليوم قد عبرت الامتحان بشكلٍ رائع. ففي مرحلة الحرب المفروضة، شاهد كل من كان فيها ورأوا حضور شريحة العمّال العظيمة، سواء عمّال المدن أو القرى، عمّال الصناعة أم الزراعة، عمّال الخدمات وغيرهم، في الميادين العسكرية أو ميادين الدعم العسكري، شاهد الجميع ورأوا كيف أن عمّالنا أدّوا دوراً مبتكراً طوال تلك السنوات الثماني. وبغير هذا، منذ بداية الثورة وإلى اليوم، فإن العمّال في نظام الجمهورية الإسلامية قد نجحوا في أصعب الامتحانات.

 

أنتم تعلمون أن طبقة العمّال والشعارات السياسية التي تُقدّم لهم في كل أنحاء العالم كانت دوماً إحدى أوراق الضغط بوجه الحكومات. وفي نظام الجمهورية الإسلامية سعى أعداؤنا منذ البداية لاستخدام هذه الورقة ضد الجمهورية الإسلامية. فأنا بنفسي قد ذهبت في أيام 19 و20 و21 و22 بهمن لسنة 57 (أيام انتصار الثورة) بسبب حادثة وقعت أو مشكلة وصلتنا، إلى أحد مصانع جادة مدينة كرج. وأخبرني العمّال أنفسهم، وجاءنا الخبر من ذاك المصنع، أن مجموعة من المرتبطين بالجماعات الماركسية واليسارية قد ذهبوا إلى هناك وهم عازمون على إقامة مقرٍّ لهم حيث إن تلك المنطقة تمثّل موطن العمّال لما فيها من تجمّع كبير للمصانع ـ وجمع العمّال من أجل تحريكهم باتجاه بيت الإمام ونحو المدرسة العلويّة حيث كان الإمام، متصورين أنّهم يتمكّنون من السيطرة على الأوضاع والإمساك بزمام الأمور. فذهبت إلى هناك، وكان في ذلك المصنع حوالي 400 عامل.

 

اجتمع بعضهم في قاعة الاجتماعات وكان فيها حوالي 800 شخص، مما يعني أن هناك من جاء من غير العمال. ولعدّة أيّام كنت أذهب إلى ذلك المصنع صباحاً وأرجع عصراً، وفي أحد الأيام وقفت على المنبر حوالي 7 ساعات أتحدث وأخطب، فكان يخرج

 

 

238

 


194

خطاب الولي 2010

من بينهم من يطلق الشعارات ويحاجج وكنت أجيب وأوجّه. وفي النهاية قام العمّال أنفسهم بطرد تلك الجماعة المخرّبة من المصنع. فمنذ ذلك اليوم وإلى يومنا هذا يُعدّ إيجاد الشعار السياسي، والإمساك بهيكل السلطة بواسطة العمّال، جزء من برامج أعداء الإسلام وأعداء الجمهورية الإسلامية ضد الإسلام والنظام الإسلامي. ثلاثون سنة وهم يسعون من أجل استخدام هذه الورقة ضد نظام الجمهورية الإسلامية ولثلاثين سنة يقوم عمّال بلدنا بردّهم خائبين. هذا ما نعرفه عن طبقة العمّال. فهذه هي العلاقة الحميمة بين العمّال والنظام الإسلامي المبنية على الإيمان، والقائمة على الأساس المحكم الذي بُني عليه النظام الإسلامي ووُجد. لهذا فإنّ الحركة الجماعية للبلد على طريق الإنتاج ستتقدّم من خلال محورية العامل ورب العمل، ولن يتمكّنوا من تحقيق أي إخلالٍ.

 

لننظر الآن إلى ماهية القضية. إنّ التقدّم المادي للبلد يعتمد بالدرجة الأولى على عنصرين: الأول عنصر العلم، والثاني عنصر الإنتاج. فما لم يوجد العلم سيُخفق الإنتاج. فالبلد يتقدّم بالعلم إذا وُجد العلم، ولكن لم يُبنَ الإنتاج على أساسه في تطوره وتكامله ونموه، فإنّ البلد سيصاب بالجمود أيضاً. لقد كان العيب في مجال العمل في عصر حكومة الطواغيت هو أنّنا لم نكن نمتلك العلم، ولأننا لم نكن نمتلكه فلم يكن لدينا إنتاج متطور ومتكامل يعتمد على أسس العلم. لهذا فإنّ العالَم عندما نزل إلى ميدان الصناعة تطور. قارّة آسيا التي جاءت إلى هذا الميدان متأخرة عن أوروبا تطوّرت، أما نحن وبسبب حكومة هؤلاء الطواغيت وغيرها من الأسباب بقينا متأخرين. إذا أردنا أن نجبر ما فات ـ ونحن نريد، وشعبنا قد تحرّك في هذا الاتجاه وحقّقّ الكثير ـ فعلينا أن نولي اهتماماً للعلم والإنتاج. فيجب المتابعة وفي مراكز العلم، في مراكز الأبحاث بالمناهج الحديثة. ولعدّة سنوات وأنا أؤكد على قضية العلم، والحمد لله فإنّ عجلات التقدّم العلمي والإنتاج العلمي قد انطلقت في البلد، لا شك بأن هذا ينبغي أن يتسارع، فنحن لا زلنا في أول الطريق.

 

العنصر الثاني هو الإنتاج. الإنتاج، سواء في مجال الصناعة أو الزراعة يتمتّع بالأولوية. فالبلد غير المنتج سيُبتلى بالتبعية شاء أم أبى، ولو كان كل هذا النفط والغاز في العالم

 

 

239

 


195

خطاب الولي 2010

موجوداً تحت أرضنا وفي آبارنا فإنّه لن ينفعنا، مثلما أنكم ترون بعض الدول التي تحتوي على ثروات هائلة من المعادن وغيرها ـ سواء كانت ثروات الطاقة، أو المعادن النفيسة والنادرة ـ ومع ذلك فإنّهم يعيشون عيشة مأساوية فوق تلك الأرض المليئة بكل تلك الكنوز الباطنية. ينبغي أن يتقدّم الإنتاج في البلد وخصوصاً الإنتاج القائم على العلم والمعتمد على المهارات العلمية والتجربية، وهذا الأمر بيد العامل ورب العمل، وإدارته بيد الدولة، وعليها أن تقوم بتنظيم الأمور وبذل الجهد. هذه السياسات المطروحة في المادة 44 والتي قمنا بإبلاغها لجميع الأجهزة الحكومية والتشريعية قبل عدّة سنوات، يمكن أن تؤدي الدور المطلوب، غاية الأمر أنّه يلزم من ذلك منتهى الدقة والتحرّي فيها.

 

الإنسان موجودٌ عجيب. أعزائي.. فأحياناً يمكن أن تصبح العبادة وصلاة الليل وسيلة لنفوذ الشيطان، وسيلة تخدع بها النفس صاحبها الذي يصلي صلاة الليل. فجميع الأفكار الجيدة والشريفة يمكن أن تصبح منفذاً للشيطان. إنّ السياسات المتعلقة بالمادة 44 هي جيدة جداً ولازمة جداً وينبغي أن تُنفّذ بتوسعة تامة، ولكن فلنراقب حتى لا تتحول إلى صلاة الليل تلك التي أصبحت فخاً يستعمله الشيطان. فمن هنا يمكن للشياطين أن ينفذوا. لقد قلت مراراً إنّ أولئك المستغلّين والذين يعرفون القوانين ويخرقونها وأولئك الذين يعرفون كيف يمكن أن يمسكوا بزمام أرباب العمل والمرؤوسين والأشخاص العاديين والبازاريين من أجل تحويلهم إلى فريسة سائغة، فهؤلاء يشترون المصنع ثم يسوونه بالأرض تحت حجج مختلفة ويسرّحون عماله.. وفيما بعد، بعد أن تخرب الآلات في هذا المصنع يبيعونها ويبيعون أرضه بالملايين، ومثل هذه الأعمال قد حدثت وتحدث، فعلى الجميع أن يتنبهوا.

 

القضية الأخرى في مجال العمل هي علاقة العامل برب العمل. فكلٌّ من المنهجين اللذين كانا مستعملين في عالمنا اليوم ـ المنهج الاشتراكي والمنهج الرأسمالي على خطأ. ففي منطق الفكر الاشتراكي يكون العامل ورب العمل ضدين وعدوين متقابلين يتربص كل منهما بالآخر، هذا كان منطقهم، وسبيل الحل الذي قدّموه كان طريقاً ضالاً وباطلاً وخاطئاً: وهو أن تتملّك الدولة جميع مصادر الإنتاج ووسائله، حيث إنّه بعد مرور

 

 

240


196

خطاب الولي 2010

عدة عقود وصل إلى تلك الفضيحة. وهذه نظرة كانت قائمة على العداء والصراع بين العامل وربّ العمل. النظرية الأخرى هي نظرية المنطق الغربي الذي يكون فيه رب العمل مسلطاً على العامل وبيده زمامه، ويكون العمال وسيلة بيده وتحت إمرته. وهذا أيضاً يُعدّ تحقيراً لشخصية الإنسان، فهو خطأٌ فوق خطأ، وكلاهما على خطأ. أما نظرة الإسلام فليست كذلك. بل هي مبنية على التعاون.

 

فهذان عنصران بامتزاجهما يتحقق العمل. وخلافاً للنظرة اليسارية والماركسية التي تعتبر كل شيء مبنياً على أساس التضاد ـ والتي بحمد الله قد مُحيت من صفحة الفكر الفلسفي في العالم ـ فإن نظرة الإسلام هي نظرة الالتئام والتعاون. فبدلاً من أن يكون العنصران في حالة من التضاد لإنتاج موجود ثالث، فإنهما يلتئمان لأجل إيجاد هذا الموجود الثالث. هذه هي نظرة الإسلام ونظرة الطبيعة والسنّة الإلهية وقوانين الخلقة. وفي كل قضايا العالم الأمر كذلك، سواء في القضايا الطبيعية أو السياسية أو التاريخية أو الاقتصادية وغيرها. فنظرية الإسلام في مقابل نظرية التضاد الماركسية هي نظرية الالتئام والائتلاف والتعاون والانسجام. وفيما يتعلق بقضية العامل ورب العمل، الأمر كذلك.. إنّهما عنصران يجب أن يمسك كل منهما بيد الآخر حتى يتحقق العمل والإنتاج. فالعامل لا يمكنه أن يقوم بعمله بدون رب العمل، ورب العمل لا يمكنه أن يفعل شيئاً بدون العامل. إنّهما جنباً إلى جنب إذا أقاما علاقة سليمة أخلاقية وإنسانية فإنّ الظروف تصبح مهيّئة لزيادة الإنتاج.. وبالإضافة إلى التقدم المادي يؤدي ذلك إلى بعث المعنويات، هذه هي نظرتنا.

 

نحن لا نعتبر رب العمل، كما يراه التيار اليساري، ملعوناً ومطروداً ولا كالتيار اليميني سلطاناً ومسيطراً، كلا، فربّ العمل يمكن أن يكون عنصراً شريفاً -عندما يتعاون بالحقيقة يكون شريفاً- إلى جنبِ عنصرٍ شريفٍ آخر هو العامل، فمعاً ويداً بيد يتحركان بعلاقات إنسانية وإسلامية بيّنة. وهذا ما يشكل أساس العمل. وعلى الجميع أن يتحركوا في هذا الإتجاه. المخططون وواضعو السياسات والسياسيون والذين يشرفون على مرحلة التنفيذ يجب أن يتحركوا بهذا الاتجاه ويعملوا.

 

عندها فإن العامل ورب العمل يجب أن يسعيا بإخلاص كامل للتقدّم بالبلاد من

 

 

241


197

خطاب الولي 2010

عدة عقود وصل إلى تلك الفضيحة. وهذه نظرة كانت قائمة على العداء والصراع بين العامل وربّ العمل. النظرية الأخرى هي نظرية المنطق الغربي الذي يكون فيه رب العمل مسلطاً على العامل وبيده زمامه، ويكون العمال وسيلة بيده وتحت إمرته. وهذا أيضاً يُعدّ تحقيراً لشخصية الإنسان، فهو خطأٌ فوق خطأ، وكلاهما على خطأ. أما نظرة الإسلام فليست كذلك. بل هي مبنية على التعاون.

 

فهذان عنصران بامتزاجهما يتحقق العمل. وخلافاً للنظرة اليسارية والماركسية التي تعتبر كل شيء مبنياً على أساس التضاد ـ والتي بحمد الله قد مُحيت من صفحة الفكر الفلسفي في العالم ـ فإن نظرة الإسلام هي نظرة الالتئام والتعاون. فبدلاً من أن يكون العنصران في حالة من التضاد لإنتاج موجود ثالث، فإنهما يلتئمان لأجل إيجاد هذا الموجود الثالث. هذه هي نظرة الإسلام ونظرة الطبيعة والسنّة الإلهية وقوانين الخلقة. وفي كل قضايا العالم الأمر كذلك، سواء في القضايا الطبيعية أو السياسية أو التاريخية أو الاقتصادية وغيرها. فنظرية الإسلام في مقابل نظرية التضاد الماركسية هي نظرية الالتئام والائتلاف والتعاون والانسجام. وفيما يتعلق بقضية العامل ورب العمل، الأمر كذلك.. إنّهما عنصران يجب أن يمسك كل منهما بيد الآخر حتى يتحقق العمل والإنتاج. فالعامل لا يمكنه أن يقوم بعمله بدون رب العمل، ورب العمل لا يمكنه أن يفعل شيئاً بدون العامل. إنّهما جنباً إلى جنب إذا أقاما علاقة سليمة أخلاقية وإنسانية فإنّ الظروف تصبح مهيّئة لزيادة الإنتاج.. وبالإضافة إلى التقدم المادي يؤدي ذلك إلى بعث المعنويات، هذه هي نظرتنا.

 

نحن لا نعتبر رب العمل، كما يراه التيار اليساري، ملعوناً ومطروداً ولا كالتيار اليميني سلطاناً ومسيطراً، كلا، فربّ العمل يمكن أن يكون عنصراً شريفاً -عندما يتعاون بالحقيقة يكون شريفاً- إلى جنبِ عنصرٍ شريفٍ آخر هو العامل، فمعاً ويداً بيد يتحركان بعلاقات إنسانية وإسلامية بيّنة. وهذا ما يشكل أساس العمل. وعلى الجميع أن يتحركوا في هذا الإتجاه. المخططون وواضعو السياسات والسياسيون والذين يشرفون على مرحلة التنفيذ يجب أن يتحركوا بهذا الاتجاه ويعملوا.

 

عندها فإن العامل ورب العمل يجب أن يسعيا بإخلاص كامل للتقدّم بالبلاد من

 

 

241


198

خطاب الولي 2010

خلال نتاج عملهما. نحن متأخرون أيها الأعزاء! لا شك بأننا إذا قارنّا عصرنا بعصر الطاغوت نكون متقدّمين جداً. ففي مرحلة الطاغوت كنا بحاجة إلى الأجانب في أصغر قطعة وجزء من مجموعة الإنتاج والآلات والمصانع والصناعات. كانت المصانع تُنتج، وكانت صناعات تجميعية وتابعة للأجانب 100%.

 

فما كنّا نعرف كيف نصمّم ولا كيف نصنع، ولا نعرف العناصر اللازمة. كان علينا أن نأخذ كل شيء من الآخرين، وكنا نترجّى وندفع النقد والمال والعزّة والقدرة السياسية ونصبح بعد مدّة تحت سلطتهم من أجل الحصول على الأشياء. واليوم فإن شعب إيران يصدّر الخدمات الفنّية. إن بلدكم اليوم يُعدّ من أبرز البلاد وفي المرتبة الأعلى على صعيد بناء السدود ومحطات الطاقة على مستوى العالم.

 

فأين هذا وأين ذاك! اليوم الأعمال التي تقومون بها ـ الأعمال الصناعية، الخدمات الصناعية، والخدمات الفنّية -لها زبائن في الكثير من الدول. وأنتم الآن تقومون بتأسيس خطوط الإنتاج في الكثير من دول العالم. هذا الكلام لم يكن له أي معنىً من الأساس في زمن الطاغوت، أن نذهب إلى دولة مكتظة بالسكان، أحياناً تكون دولة نفطية عامرة بالثروات، ثم يتم إحداث خطوط إنتاج فيها! ونقوم أيضاً بالإنتاج الصناعي! لم يكن لمثل هذه الكلمات معنىً في الأصل، ولكنه قد تحقق اليوم.

 

لهذا فإنّنا بالنسبة إلى الماضي قد تقدّمنا كثيراً، أما ما يناسب شأن الشعب الإيراني، وبالنسبة لما هو من لوازم إرثنا التاريخي، وبالنسبة لما ينبغي أن تكون عليه إيران ضمن مجموع دول العالم، فنحن متأخرون، وعلينا أن نتقدّم. وهذا ما يحتاج إلى الكثير من العمل. وإنّ ما أذكره حول الهمّة المضاعفة لأجل هذا. فلا ينبغي أن تنحصر همّتنا في أن نرفع هذا العائق من أمامنا ـ فهذا ليس بشيء ـ بل ينبغي أن نصل إلى أعلى القمّة.

 

هذه هي الهمّة المضاعفة. وهذا لا يتحقّق بالمجّان، فهو لا يتحقّق بالكلام وبالاستحسان والتعليق، بل إنّ هذا يحدث بالنزول إلى ميدان العمل والابتكار بالمعنى الحقيقي للكلمة. على الجميع عمّالاً ومهندسين ومصممين وباحثين في مراكز الأبحاث والدراسات والذين يدعمون هذا العمل من الناحية العلمية، ومسؤولين وداعمين

 

 

242


199

خطاب الولي 2010

بالمال ومسؤولين في الدولة، على الجميع أن يضاعفوا هممهم لتصبح أضعافاً مضاعفة، وهذا ما يمكن أن يحدث.

 

إنّ استعداداتنا، فرداً فرداً، هي أكثر بكثير من استعدادات غيرنا أعزائي! قد يُطلب من الإنسان أحياناً أن يقوم بعملٍ خلاف قدرته فرداً فرداً، وهذا ليس عقلائياً، ولكنكم أحياناً عندما تنظرون إلى شاب وترون بنيته وتنظرون إلى عضلاته ترون أنه يمكن أن يكون مصارعاً من الدرجة الأولى، أو أنه يمكن أن يكون رياضياً من الطراز الأول، حيث يمكن أن يصبح نجماً في هذا العمل، فتقولون: أيها السيد اذهب واسعَ. وهذا يختلف عن الرجل الضعيف الذي يمارس الرياضة لمدة عشرين سنة فإنّه لا يمكن أن يصبح مصارعاً جيداً.

 

إنّ شعب إيران يشبه شاباً ملؤه الاستعداد ولديه البنية القوية فلو قام ببذل الجهد المطلوب فإنّه يصل إلى القمّة، ويصبح مشهوراً. وهذا حال الشعب في إيران، وقد أظهر مثل هذا الأمر. فليس هذا الأمر ادّعاء أو شعاراً، إنّها وقائع اتضحت لنا بلحاظ المتابعة والمعلومات، وقد بيّنت لنا تجربة هذه السنوات الثلاثين هذا الأمر كالشمس في رابعة النهار.

 

إنّ الشعب الذي لا يحصل على عون من أحد وتُغلق بوجهه أبواب المنتوجات الصناعية والتقنيات المتطورة ثمّ يتمكن من تصنيع الجيل الثاني والثالث والرابع من الطارد المركزي، سيدهش كل أولئك الذين يمتلكون الطاقة النووية والتصنيع النووي في العالم، هؤلاء من أين تعلّموا هذا؟ هذا الشعب الذي لم يُعنه أحد في مجال علوم الحياة، فجأة ينظرون فيرون أنّه يتمكّن من استنساخ حيوان بواسطة الخلايا الجذعية. ففي هذا العالم كم هي الدول التي تمتلك هذا؟ ثمان أو تسع أو عشر. من بين جميع هذه الدول؟ وكل هؤلاء المدّعين فجأة تنتقل (هذه الدولة) من المرتبة العشرين ـ على سبيل الفرض ـ إلى المرتبة الثامنة. ما معنى هذا؟ ألا يحكي ذلك عن الاستعداد الاستثنائي؟ في بداية الحرب، لم نكن نعلم ما هي الأر بي جي، هؤلاء الذين كانوا في الحرب شاهدوه واستعملوه كثيراً ـ ولم نكن نمتلك منها شيئاً ولم نكن نعلم ما هي ولم يكن من أسلحتنا العسكرية، والآن وبعد مرور عدّة سنوات ومع الحظر، ها هو بلدنا

 

243

 


200

خطاب الولي 2010

يصنع صاروخ سجّيل، صاروخاً فضائياً، فيقف العالم كله وينظر مندهشاً.

 

في البداية أنكروا، وقالوا هذا هذيان وكذب فإنّ إيران لا يمكنها ذلك، وفيما بعد رأوا أن الأمر ليس كما تمنوا. وفي جميع القطاعات الأمر كذلك. فماذا تعني هذه الأمور؟ هذا يعني أن هذا الشباب مليء بالاستعداد والامكانيات، هذا الشعب يحتوي على استعدادات هائلة. هذه الطاقات الإنسانية ذات قيمة عالية وواعدة. ويجب الاستفادة من هذا الأمر. نحن قادرون. والهمة المضاعفة تعني أن نوصل هذا الاستعداد إلى عالم الفعل.

 

العالم الذي يصطف مقابل إيران ويكشّر عن أنيابه ويوجّه إليها مخالبه الدموية يسيء إليها، حيثما تصل يده يفتعل مشكلة هو العالم المستكبر. والعالم واقعٌ تحت تأثير النظام الرأسمالي الظالم وفي قبضته. وهو لا يتحمّل مثل هذا الأمر، لأنّه خارجٌ عن قواعدهم، لهذا يعادي. وأنتم ترون أن هذه العداوات طيلة السنوات الثلاثين لم تكن قليلة. الكلّ رأى بعينه عداوات أعدائنا وخبثهم وعنادهم. وهم لم يتمكّنوا من أن يفعلوا شيئاً. وكونوا مطمئنين إلى أنّهم فيما بعد أيضاً لن يتمكنوا من فعل شيء.

 

إنّ سندنا هو الألطاف الإلهية واعتمادنا على التوفيقات الإلهية. نستند إلى ذلك الإيمان الذي أشرنا إليه في البداية والذي تعمّق وتأصّل وتجذّر في قلوبكم وقلوب أفراد شعب إيران. وعندما يكون هذا الدعم موجوداً ويسعى الإنسان ويبذل طاقته في ميدان العمل، عندها يكون ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ﴾[1]، فذاك هو إيمانكم وهذا هو العمل الصالح. وكل تلك الوعود الحسنة التي أُعطيت في القرآن للمؤمن الذي يعمل الصالحات من النصر في الدنيا والفلاح والنجاح في عالم المعنويات وعالم الآخرة، والتقرّب إلى الله تعالى، والرفعة والعزّة والفلاح في الدنيا والآخرة، إن هذه جميعاً نتاجات ذلك الإيمان والعمل الصالح. وعلينا أن نتقدّم على هذا الطريق.

 

رحمة الله وسلامه على إمامنا العظيم الذي شقّ لنا هذا الطريق وعرّفنا إياه،


 


[1] سورة لقمان، الآية 8.

 

 

244


201

خطاب الولي 2010

وجعلنا نسير عليه وأخذ بأيدينا، فبمعدنه الإلهي أيقظنا وتقدّم بنا إلى هذا الطريق. وكلّما تقدّم هذا الشعب، فإن الله تعالى سيزيد من حسناته. وسلام الله ورحمته على شهدائنا ومجاهدينا وأولئك الذين ضحّوا في هذا السبيل، حملوا أرواحهم على أكفّهم وجاؤوا إلى وسط الميدان، سواء هم أو عائلاتهم، وسواء أولئك الذين استُشهدوا، أو أولئك الذين أصيبوا في أبدانهم وأصبحوا معوّقين، أو أولئك الذين بحمد الله بقوا لهذا الشعب.

 

نسأل الله تعالى أن يؤجرهم جميعاً. ونأمل أن تشملكم التوفيقات الإلهية وأن تشملكم الأدعية الزاكية لحضرة بقية الله عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

245


202

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في خطبتَي صلاة الجمعة

 

 

 

المناسبة:   ولادة الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام سيدة نساء العالمين

الحضور:  جمعٌ غفير من أبناء الشعب

المكان:   طهران

 

الزمان:    41/20/9831هـ.ش.

19/05/1431هـ.ق.

40/50/0102م.

 

 

247


203

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

والحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونتوكل عليه، ونستغفره ونتوب إليه، ونصلي ونسلّم على حبيبه ونجيبه وخيرته في خلقه، حافظ سره، ومبلغ رسالاته، بشير رحمته ونذير نقمته، سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين، سيما بقية الله في الأرضين، وصلّى الله على أئمة المسلمين وحماة المستضعفين والدعاة إلى الله.

 

أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله.

 

أوصي جميع الإخوة والأخوات المصلين الأعزاء بمراعاة التقوى، فالله تعالى يقول:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا﴾[1] يجب أن نراعي تقوى الله في سلوكنا، وأقوالنا، وحتى في أفكارنا وظنوننا، أي نراقب ونحذر من أن نتعدّى رضا الله حتى بمقدار ذرة في سلوكنا وأعمالنا وأقوالنا. أتمنى أن يوفقني الله تعالى أنا العبد الضعيف لأن أذكر ما أريد ذكره اليوم على أساس هذا المبدأ القرآني الأساس، أي التحدث والكلام من منطلق التقوى.

 

هذه الأيام أيام عيد ولادة الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء، وسيدة نساء العالمين عليها السلام. نستمدّ من الروح الملكوتية لهذه العبدة المخلصة لله. وسوف نقيم إن شاء الله صلاة الجمعة هذه التي صادفت الذكرى الحادية والعشرين لرحيل إمامنا الجليل قدس سره باحترام وتكريم لمقام هذه الآية الإلهية العظمى، وكما حفظ شعبنا في قلبه وروحه ولسانه وأجواء حياته الذكرى والاسم المبارك والخالد لإمامنا الجليل طوال هذه الأعوام الإحدى والعشرين وعلى أحسن نحو ممكن، فسوف نحفظه في المستقبل


 


[1] سورة الأحزاب، الآيتان 70 و71.

 

 

249


204

خطاب الولي 2010

أيضاً، ونتقدم به إلى الأمام.

 

أذكر اليوم في الخطبة الأولى نقاطاً حول الإمام الجليل. ومنها النظر للإمام باعتباره معياراً. وتكتسب هذه النظرة أهميتها من أنّ التحدي الرئيس في جميع التحوّلات الاجتماعية الكبرى - بما في ذلك الثورات - هو صيانة الاتجاهات الأصلية في هذه الثورة أو هذا التحوّل. هذا هو التحدي الأهم الذي يواجه أي تحوّل اجتماعي عظيم له أهدافه، ويروم التحرك نحو تلك الأهداف والدعوة لها. ينبغي الحفاظ على هذا الاتجاه. إذا لم تجرِ صيانة الاتجاه نحو الأهداف في الثورة أو في المسيرة الاجتماعية، ولم تُحفظ هذه الأهداف، فسوف تنقلب تلك الثورة إلى ضدها وتعمل في الاتجاه المعاكس لأهدافها. لذلك تلاحظون في القرآن الكريم، في سورة هود المباركة، أن الله تعالى يقول لرسوله: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾[1]. يأمر سبحانه وتعالى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بالاستقامة. والاستقامة معناها الصمود ومواصلة الطريق بشكل مستقيم والمسير بالاتجاه الصحيح. النقطة المقابلة لهذه المسيرة المستقيمة، والمذكورة في هذه الآية الشريفة، هي الطغيان ﴿وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ﴾ الطغيان بمعنى التمرّد والانحراف يقول للرسول: أنت شخصياً والذين معك واصلوا هذا الطريق بشكل صحيح ولا تنحرفوا ﴿إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ يقول المرحوم العلامة الجليل السيد الطباطبائي في تفسير الميزان إن لهجة هذه الآية لهجة تَشدّد، وليس فيها أية علامة من علامات الرحمة واللين. إنها خطاب للرسول نفسه. تخاطب الرسول نفسه بالدرجة الأولى: ﴿فَٱسۡتَقِمۡ﴾. لذلك قال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عن سورة هود: "شيّبتني سورة هود"[2]. والسبب هو هذه الآية. جاء في الرواية أن الجزء الذي يقول بسببه الرسول إن سورة هود قد شيّبتني هو هذه الآية المباركة، بسبب الشدة الموجودة في هذه الآية. والحال أنه يوجد في موضع آخر من القرآن: ﴿فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ﴾[3]


 


[1] سورة هود، الآية 112.

[2] المشهدي، الشيخ محمّد بن محمّد رضا القمي، تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب، تحقيق حسين درگاهي، مؤسسة الطبع والنشر وزارة الثقافة والارشاد الاسلامي، إيران، 1407ه - 1366ه‍.ش، ط1، ج6، ص250.

[3] سورة الشورى، الآية 15.

 

 

250


205

خطاب الولي 2010

لكن قول ﴿فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ﴾[1] خطاب شديد للرسول نفسه، لذلك كان هذا الخطاب يهزّ قلب النبي. وهذا بسبب أن تغيير الاتجاهات والانحراف عن طريق الصواب - والهوية الأصلية لكل ثورة تكمن في هذه الاتجاهات. والواقع أن هذه الاتجاهات الأصلية هي سيرة الثورات - يغيّر السبل تماماً فلا تصل الثورة إلى أهدافها. وتعود أهمية هذه القضية إلى أن تغيير الاتجاهات يحصل بشكل تدريجي وغير محسوس. فتغيير الاتجاه لا يحصل منذ بدايته بـ 180 درجة، بل يحصل بداية بزاوية صغيرة جداً وكلما استمرّ سيحصل الابتعاد أكبر وأكبر عن الطريق الأصلي - وهو الصراط المستقيم - بسبب هذا الانحراف.

 

هذا وجه، والوجه الآخر هو أن الذين يرومون تغيير هوية الثورة لا يعملون عادة تحت راية رسمية ويافطة صريحة.. إنهم لا يعملون بحيث يتبيّن أنهم يعارضون هذه المسيرة. بل إن بعض خطواتهم ومواقفهم أو تصريحاتهم ظاهرها مناصَرة حركة الثورة، ولكنها تنحرف بالثورة بزاوية معينة عن اتجاهها.

 

فمن أجل أن لا يحصل هذا الانحراف والاتجاه الخاطئ نحتاج إلى معايير معينة. لا بد من وجود علامات ومؤشرات في الطريق. إذا كانت هذه المعايير واضحة ساطعة ومشهودة من قبل الناس، فلن يحصل الانحراف. وإذا تصرّف شخص باتجاه الانحراف فسوف يُعرَف من قبل عامة الناس، ولكن إذا لم يكن ثمة معيار عندئذ سيكون الخطر جدياً.

 

فما هو المعيار في ثورتنا؟ هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. منذ ثلاثين عاماً ونحن نسير في اتجاه هذه الثورة. لقد أبدى شعبنا بصيرة وشجاعة وجدارة بحق. أنتم الذين تتقدمون بهذه الثورة إلى الأمام منذ ثلاثين عاماً. ولكن ثمة أخطار. أعداء الثورة وأعداء الإمام لن يظلّوا مكتوفي الأيدي، بل يحاولون القضاء على هذه الثورة. كيف؟ بتحريف طريقها. لذلك كان من الضروري أن تكون لنا معاييرنا وموازيننا.

 

و أقولها لكم: إنّ أفضل المعايير هو الإمام نفسه وخط الإمام. الإمام أفضل معيار


 


[1] سورة هود، الآية 112.

 

 

251


206

خطاب الولي 2010

ومؤشر بالنسبة لنا. إذا جاز لنا هذا التشبيه رغم كل البون الشاسع بين الشبيه والمشبَّه به، لشبَّهنا الأمر بالكيان المقدس للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول القرآن الكريم: ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ﴾[1] النبّي نفسه أسوة.. سلوكه وأعماله وأخلاقه كلها أسوة. ويقول تعالى في آية كريمة أخرى: ﴿قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٌ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ﴾[2] إبراهيم وأنصاره هم أيضاً أسوة لنا. وقد ذكر هنا حتى أنصار وأصحاب النبي إبراهيم حتى لا يقول قائل إن النبي معصوم أو إبراهيم كان معصوماً ولا نستطيع اتّباعه وأن نسير على خطاه، لا، ﴿قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٌ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ﴾[3] إلى آخر الآية الكريمة.

 

و هذا المعنى يصدق أيضاً على إمامنا الجليل تلميذ هذه المدرسة والسائر على درب هؤلاء الأنبياء العظام. الإمام نفسه أبرز المعايير والعلامات والمؤشرات. سلوك الإمام وأقواله.. ولحسن الحظ فإن كلمات الإمام وخطبه متوفرة لدينا ومدوّنة، ووصيته تعلن بصراحة ووضوح عمّا في ضميره لمستقبل الثورة. يجب عدم السماح بأن تُعرض هذه المؤشرات بشكل مغلوط أو تُخفى أو تُنسى. إذا عرضنا هذه المعايير والمؤشرات بنحو سيئ ومغلوط فكأننا فقدنا بوصلتنا. لنفترض أن إنساناً في رحلة بحرية أو في صحراء لا طريق فيها، وتعطلت بوصلته عن العمل، سيبقى هذا الإنسان حائراً بالطبع. إذا عُرضت آراء الإمام بشكل سيئ فكأننا فقدنا بوصلتنا أو تعطلت وأضعنا الطريق، وسوف يتحدث كل شخص كما يريد وكما يحلو له. وسوف يستغل المسيئون وأصحاب النوايا السيئة هذه الفرصة ويعترضون الطريق بحيث يلتبس الأمر على الشعب.

 

ينبغي عرض مواقف الإمام وتبيينها بكل وضوح وجلاء كما قالها هو نفسه وكتبها.. هذا هو ملاك خط الإمام ودربه وصراط الثورة المستقيم. أحياناً يقول قائل بصراحة إنني لا أوافق الإمام ولا أعترف به.. هذا بحث آخر. موقف أتباع الإمام وأنصاره واضح


 


[1] سورة الأحزاب، الآية 21.

[2] سورة الممتحنة، الآية 4.

[3] سورة الممتحنة، الآية 4.

 

 

252


207

خطاب الولي 2010

من الشخص الذي يقول بصراحة إنني لا أوافق الإمام ولا أعترف بخطه ودربه. ولكن إذا كان المقرر أن تسير هذه الثورة على خط الإمام وبتأشير من يد الإمام نحو الاتجاه الصحيح فينبغي أن يكون خطه واضحاً وطريقه جلياً ويجب تبيين مواقفه بصورة صحيحة.

 

يجب عدم التنكر لبعض المواقف الحقيقية للإمام أو إخفائها لإرضاء هذا وذاك. بعضهم يفكر بهذه الطريقة - وهذا تفكير خاطئ - وهي أنه من أجل أن نكسب أتباعاً وأنصاراً أكثر للإمام ونجعل معارضيه ينجذبون ويميلون إليه فعلينا إما إخفاء بعض المواقف الصريحة للإمام أو أن لا نذكرها أو نقلل من أهميتها. كلا، هوية الإمام وشخصيته بهذه المواقف التي أعلنها هو بأكثر التعابير صراحة ووضوحاً وبأسطع وأجلى الألفاظ والكلمات.. هذه المواقف هي التي هزت العالم. هذه المواقف الصريحة هي التي شدّت القطاعات والكتل الجماهيرية الهائلة للشعب الإيراني وجعلت الكثيرين يتبعون الشعب الإيراني. هذه النهضة العالمية العظيمة التي ترون اليوم علاماتها ومؤشراتها في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، انطلقت بهذه الطريقة.

 

ينبغي عرض شخصية الإمام بصراحة وسط الساحة وينبغي عرض مواقفه ضد الاستكبار، والرجعية، والليبرالية الديمقراطية الغربية، ومواقفه ضد المنافقين والمتذبذبين بكل صراحة. الذين تأثروا بهذه الشخصية العظيمة شاهدوا هذه المواقف وسلّموا بها. لا يمكن من أجل أن يرتاح زيد وعمرو للإمام ويرضوا عنه أن نتكتم على مواقف الإمام ونخفيها، أو نقلل من حدة الأشياء التي نرى أنها شديدة وحادة. بعضهم في فترة من الفترات - ونحن نتذكر تلك الفترة حيث كنا شباباً - ومن أجل أن يكسبوا أنصاراً للإسلام، كانوا يهوِّنون من أهمية بعض الأحكام الإسلامية ويتجاهلونها، حكم القصاص، حكم الجهاد، حكم الحجاب، كانوا يتنكرون لهذه الأحكام، ويقولون إنها ليست من الإسلام، القصاص ليس من الإسلام، والجهاد ليس من الإسلام، حتى يرضى عن الإسلام المستشرق الفلاني أو العدو الفلاني للمباني الإسلامية الأساسية. هذا خطأ، يجب عرض الإسلام بكليته وجامعيته.

 

الإمام من دون خط الإمام ليس ذلك الإمام الذي اندفع الشعب الإيراني إلى الأمام

 

 

253

 


208

خطاب الولي 2010

بأنفاسه ونفسه وهدايته، فوضعوا أكفهم على الأرواح وقدموا أبناءهم إلى أشداق الموت، ولم يبخلوا بأرواحهم وأموالهم، وخلقوا أعظم أحداث الفترة المعاصرة في هذه المنطقة من العالم. الإمام من دون خط الإمام إمام بلا هوية. وسلب الهوية عن الإمام ليس خدمة للإمام. مباني الإمام مبانٍ واضحة. إذا لم يشأ أحد المجاملة والمحاباة، فإن هذه المباني موجودة في كلمات الإمام وخطبه ورسائله وخصوصاً في وصيته، وهي خلاصة لجميع تلك المواقف. هذه المباني الفكرية هي التي أطلقت تلك الموجة الهائلة العاتية ضد النهب الغربي والتفرد الأمريكي في العالم.

 

تتصورون أنه حينما يسافر رؤساء أمريكا إلى أي بلد من البلدان في آسيا والشرق الأوسط، وحتى بعض البلدان الأوربية، ويجتمع الناس هناك ويهتفون ضد هؤلاء الرؤساء، هل تتصورون أن الأمر كان كذلك دائماً؟ كلا، إنما هو تحرُّك الإمام وفضحُه للظالمين ومواقفه التي فضحت الاستكبار والصهيونية وأحيت روح المقاومة لدى الشعوب وخصوصاً في المجتمعات الإسلامية.

 

إنّه لاعوجاج فكري أن ننكر مواقف الإمام. وهو اعوجاج فكري يصدر للأسف عن بعض الذين كانوا يوماً ما من مروّجي وناشري أفكار الإمام أو من أتباعه وأنصاره. والآن تنحرف السبل وتضيع الأهداف لأي سبب من الأسباب، ويعود بعضهم أدراجه بعد أن تحدث وعمل سنوات طويلة للإمام ولهذه الأهداف، فنراه يقف بوجه هذه الأهداف والمباني، ويتحدث بكلام آخر!

 

إنّ لخط الإمام أجزاء وأقسام. أهم ما يمكن قوله بخصوص خط الإمام وطريقه هو جملة نقاط سوف أذكرها. وأقول للشباب خاصة: إقرأوا وصية الإمام. الإمام الذي هزّ العالم هو الإمام المتجلّي والظاهر في هذه الوصية وفي هذه الآثار والأقوال.

 

النقطة الأولى والأهم في مباني الإمام الخميني ونظراته هي قضية الإسلام المحمدي الأصيل.. أي الإسلام المقارع للظلم، والإسلام المطالب بالعدالة، والإسلام المجاهد، والإسلام المناصر للمحرومين والفقراء، والإسلام المدافع عن حقوق الحفاة والمعذبين والمستضعفين. وفي مقابل هذا الإسلام أورد الإمام الخميني مصطلح "الإسلام الأمريكي" في ثقافتنا السياسية وقاموسنا السياسي. الإسلام الأمريكي يعني الإسلام الذي يقتصر على

 

 

254

 


209

خطاب الولي 2010

التشريفات فيبتعد عن التطبيق، وهو إسلام عدم الاكتراث مقابل الظلم، ومقابل الجشع، واللامبالاة حيال التطاول على حقوق المظلومين، إنّه إسلام مساعدة العتاة والمتعسفين والأقوياء.. الإسلام الذي يتأقلم مع كل هذه الأمور. هذا الإسلام سمّاه الإمام: الإسلام الأمريكي.

 

فكرة الإسلام الأصيل كانت الفكرة الدائمة لإمامنا الجليل. وهي ليست فكرة مختصة بفترة الجمهورية الإسلامية، بيد أن تحقق الإسلام الأصيل غير متاح من دون سيادة الإسلام وتأسيس نظام الحكم الإسلامي. إذا لم يقم النظام السياسي في البلاد على أساس الشريعة الإسلامية والفكر الإسلامي، فلن يمكن للإسلام خوض غمار كفاح حقيقي ضد ظلَمة العالم وعتاته ومتغطرسيه، وضد المتعسفين في المجتمع. لذلك اعتبر الإمام الخميني حماية الجمهورية الإسلامية وصيانتها أوجب الواجبات، أوجب الواجبات، وليس من أوجب الواجبات. صيانة الجمهورية الإسلامية أوجب الواجبات. لأنّ صيانة الإسلام - بالمعنى الحقيقي للكلمة - رهن بصيانة النظام السياسي الإسلامي، ولا يمكن ذلك من دون نظام سياسي.

 

كان الإمام الخميني يعتبر الجمهورية الإسلامية تجسيداً ومظهراً لسيادة الإسلام. لذلك تابع الإمام قضية الجمهورية الإسلامية وبذل في سبيلها كل تلك الجهود، ووقف من أجلها بكل شدة وحزمٍ واقتدار.

 

لم يكن الإمام يسعى وراء اقتدار شخصي. لم يكن الإمام يريد أن يكسب القوة والاقتدار لنفسه شخصياً، إنما كانت قضيته قضية الإسلام، لذلك وقف وأصرّ على الجمهورية الإسلامية، وعرض هذا النموذج الجديد على العالم.. نموذج الجمهورية الإسلامية.

 

المسألة الأكثر جذرية وأهمية في الجمهورية الإسلامية هي الكفاح ضد السيادات التعسفية والمتعطشة للقوة في العالم والتي تفصح عن نفسها بأشكال مختلفة. الحكومة الدكتاتورية والسلطوية ليست الحكومة الملكية فقط، فالحكومة الملكية واحدة فقط من أنواع الحكومات الدكتاتورية. كان في ذلك الزمان دكتاتوريات يسارية، وهي دكتاتوريات الحزب الواحد في البلد، وكانوا يفعلون كل ما يحلو لهم بأبناء الشعب، ولم

 

 

255

 

 


210

خطاب الولي 2010

يكن ثمة من يتحمل المسؤولية أمام الشعب. والواقع أن الشعب كان سجيناً لدى أقلية محدودة العدد. هذه أيضاً صورة من صور الدكتاتورية. ونوع آخر من الدكتاتورية هو دكتاتورية الرأسماليين الموجودة في الأنظمة الديمقراطية في ظاهرها، الأنظمة الليبرالية الديمقراطية. هذه أيضاً صورة من الدكتاتورية، لكنها دكتاتورية جدّ ذكية وغير مباشرة. وهي في الواقع دكتاتورية الرأسماليين وأصحاب الثروات الكبيرة.

 

أسّس الإمام الجمهورية الإسلامية مقابل هذه الطواغيت البشرية. وجعل الإسلام - وثمة في داخل الإسلام استناد واعتماد على الشعب وأصواته وإرادته - المعيار الأصلي لهذا النظام. إذن، الجمهورية الإسلامية هي جمهورية من ناحية، أي تعتمد على أصوات الشعب، وإسلامية من ناحية أخرى، أي تستند إلى الشريعة الإلهية.

 

هذا نموذج جديد. هذا من المؤشرات الأساس في خط الإمام. كل من يفكر حول سيادة نظام الجمهورية الإسلامية بخلاف هذه الفكرة فهو يفكر بخلاف رأي الإمام، فلا يدّعِ أنّه من أتباع الإمام الخميني، إنه يحمل فكرة مغايرة، وفكرة الإمام هي هذه التي ذكرناها. هذا هو أوضح خط من خطوط فكر الإمام الخميني.

 

مؤشر آخر في سياسة الإمام وبرامجه وخطه وطريقه المستقيم هو قضية الجاذبية والدفع والارتقاء. الشخصيات الكبيرة لها جاذبية وتنفير بمساحة وأبعاد ومَدَيات واسعة. كل إنسان له جاذبيته وتنفيره.

 

إنّكم بسلوككم تجتذبون أحداً إليكم وتجعلونه محباً ميالاً لكم، وتُنفِّرون شخصاً آخر وتجعلونه مستاء منـزعجاً منكم.. هذان هما الجاذبية والتنفير. لكن الشخصيات الكبرى ذات جاذبية تشمل طيفاً واسعاً، وتنفير له مديات واسعة أيضاً. وجاذبية الإمام وتنفيره لافتان للنظر.

 

المبنى والمعيار في جاذبية الإمام وتنفيره هو أيضاً العقيدة والإسلام. بالضبط كما يقول الإمام السجاد عليه السلام في دعاء الصحيفة السجادية - دعاء دخول شهر رمضان - لله تعالى. قلنا مراراً إن أدعية الإمام السجاد هي حقاً من أرقى كنوز المعارف الإسلامية. ثمة في هذه الأدعية معارف لا يمكن للمرء استخراجها من الروايات والآثار الروائية. وقد جاءت في الأدعية الصريحة.

 

 

256


211

خطاب الولي 2010

في الدعاء الرابع والأربعين من الصحيفة السجادية - وهو دعاء الدخول في شهر رمضان وكان الإمام السجاد يقرأه - يطلب الإمام من الله تعالى بعض الأشياء لشهر رمضان، ومنها قوله: "وأن نسالم من عادانا"[1]. يقول: اللهم نطلب منك أن نسالم كل أعدائنا ونداريهم، ثم يقول فوراً: "حاشى من عُوديَ فيك ولك فإنه العدو الذي لا نصافيه". باستثناء العدو الذي عاديتُه من أجلك وفي سبيلك. هذا هو العدو الذي لن نتصالح معه أبداً، ولن تصفو قلوبنا معه على الإطلاق.

 

هكذا كان الإمام. لم تكن له عداوة شخصية مع أحد. وإذا كانت هناك أكدار شخصية كان الإمام يضعها تحت قدميه. لكن العداء في سبيل العقيدة والدين كان عند الإمام مهماً وجدياً للغاية.

 

الإمام نفسه الذي فتح ذراعيه منذ بداية النهضة في سنة 1341 لكل شرائح الناس بمختلف صنوفهم وأفكارهم وأنواعهم، واحتضنهم من أية قومية أو جماعة أو دين، هذا الإمام نفسه أقصى عن نفسه في بداية الثورة بعض الجماعات وأبعدهم. أبعد الشيوعيين عن نفسه بصراحة.

 

كان فعل الإمام هذا عجيباً بالنسبة للكثيرين منا نحن العاملين في السياسة والكفاح آنذاك، أي في مطلع الثورة. في مستهلّ الثورة اتّخذ الإمام الخميني موقفه بصراحة من الشيوعيين وفصلهم عنه. وتصرّف بحزم حيال الليبراليين والمفتتنين بالأنظمة والثقافة الغربية، وأبعدهم عن نفسه، ولم تأخذه في ذلك لومة لائم. والرجعيون الذين لم يكونوا على استعداد لتقبل الحقائق الإلهية والروح القرآنية لأحكام الإسلام ولم يتقبلوا التحول العظيم، طردهم الإمام عن نفسه.

 

لقد أدان الإمام الرجعيين مرات عديدة بتعابير مرّة وشديدة، وطردهم عن نفسه. لم يكن يتردد في التبّري من الأشخاص الذين لا يقفون داخل دائرة فكره ومبانيه الإسلامية، ولم يكن له معهم في الوقت ذاته عداء شخصي. لاحظوا وصيته حيث يخاطب الشيوعيين الذين ارتكبوا في الداخل جرائم معينة وهربوا إلى الخارج. لاحظوا


 


[1] الإمام علي بن الحسين عليه السلام، الصحيفة السجادية، نشر الهادي، إيران - قم، 1418ه، ط1، ص188.

 

 

257


212

خطاب الولي 2010

لهجة الإمام معهم. يقول لهم: تعالوا وارجعوا إلى داخل البلاد وتحملوا الجزاء الذي يقرره لكم القانون والعدالة. أي تعالوا وتحملوا الإعدام أو السجن أو سائر العقوبات لتنقذوا أنفسكم من العذاب والنقمة الإلهية.

 

 كان يتكلم معهم بإخلاص وحرص عليهم. يقول: إذا لم تتوفر لديكم الشجاعة للعودة والخضوع للعقوبة فلا أقل من أن تغيّروا - هناك حيث أنتم - طريقكم وتتوبوا ولا تجابهوا شعب إيران والنظام الإسلامي والحركة الإسلامية، ولا تكونوا مشاة وجنوداً للعتاة والمتغطرسين.

 

ليس للإمام خصام شخصي. ولكنه في إطار العقيدة والدين يبدي جاذبيته وتنفيره بكل حزم. هذا مؤشر رئيس في حياة الإمام ومدرسته. التولّي والتبريّ على صعيد السياسة أيضاً يجب أن يتبع الفكر والمباني الإسلامية والدينية. هنا أيضاً يجب أن يجعل الإنسان الدين ملاكه ومعياره، وينظر ما الذي يريده منه الله تعالى. وفق هذه المنهاج الذي سار عليه الإمام والمنعكس في أقواله وأفعاله، لا يمكن أن يعتبر الإنسان نفسه في خط الإمام وتابعاً للإمام لكنه في ذات الوقت يطرح نفسه في جبهة واحدة مع الذين يرفعون بصراحة راية معارضة الإمام والإسلام.

 

لا يمكن القبول بأن تجتمع أمريكا وبريطانيا والـ C.I.A والموساد وأنصار الملكية والمنافقون حول محور معين ويتفقوا عليه ثم يدّعي ذلك المحور أنه على خط الإمام، هذا غير ممكن وغير مقبول.

 

لا يمكن التحالف مع كل من هبّ ودبّ وكل زين وشين. يتوجب أن ننظر ما هو الموقف الذي اتخذه منّا أعداء الإمام بالأمس. إذا وجدنا أن مواقفنا بالشكل الذي يدفع أمريكا المستكبرة والصهيونية الغاصبة ومرتزقة القوى المختلفة ومعارضي الإمام والإسلام والثورة ومعانديها إلى احترامنا وتكريمنا، فيجب أن نشكّ في مواقفنا وصحتها، ويجب أن نعلم أننا لا نسير في الطريق المستقيم. هذا معيار وملاك. وقد شدّد الإمام مراراً على هذه النقطة. كان يقول - وهذا موجود في كتاباته وفي الوثائق الأكيدة لأقواله - إنهم إذا مدحونا فيجب أن نعلم أننا خونة. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية.

 

 

258

 


213

خطاب الولي 2010

يأتي بعضهم ويسير في الاتجاه المعاكس تماماً لخط الإمام، ويتخذ تلك المواقف من يوم القدس، ويرتكب تلك الفضيحة في يوم عاشوراء، ثم نبدي مواكبتنا وانسجامنا مع الذين يعارضون أساس مبنى الإمام وحركته، ونجعل أنفسنا إلى جانبهم وفي جوارهم، أو نسكت عنهم، ونقول في الوقت نفسه إننا نتبع الإمام، هذا غير ممكن، وغير مقبول. وقد أدرك الشعب هذا الأمر بدقة، فالشعب يرى هذا ويعلمه ويدركه ويفهمه. المؤشر الآخر في منهج الإمام وخطه، وهو مهم جداً، قضية الحسابات المعنوية والإلهية. كان الإمام يضع الحسابات المعنوية في الدرجة الأولى من الأهمية في قراراته وتدابيره. بأي معنى؟ بمعنى أن الإنسان في أي عمل يريد ممارسته يجب أن يكون هدفه بالدرجة الأولى اكتساب رضا الله. فلا يكون هدفه مثلاً الانتصار، أو تولي السلطة، أو اكتساب الوجاهة عند زيد وعمرو.

 

ينبغي أن يكون الهدف الأول إحراز رضا الله. هذا أولاً وثانياً يجب أن يثق ويطمئن للوعود الإلهية. إذا كان هدف الإنسان رضا الله ووثق بوعوده واعتمد عليها، عندئذ لن يكون لليأس معنى، ولا للخوف معنى، ولا للغفلة معنى، ولا للغرور معنى. حينما كان الإمام لوحده لم يعترهِ الخوف ولا اليأس، ويوم راح الشعب الإيراني كله ينادي ويهتف باسمه، بل وعشقته سائر الشعوب وأبدت حبها له، لم يصب بالغرور. يوم سقطت مدينة خرمشهر بيد المعتدين العراقيين لم يقنط الإمام، ويوم استردّ جنودنا هذه المدينة بتضحياتهم وبسالتهم لم يصب الإمام بالغرور، وقال: "الله هو الذي حرّر خرمشهر".. أي إننا لا دور لنا. في جميع الأحداث المتنوعة خلال فترة زعامة هذا الرجل الكبير كان على هذه الشاكلة والطريقة. لم يفزع يوم كان لوحده، ولم يغترّ ولم يغفل يوم انتصر وكانت له السلطة والقدرة. هذه هي الثقة بالله. هكذا ستكون القضية إذا كان الهدف رضا الله.

 

يجب الاعتماد على الوعد الإلهي. يقول الله تعالى في سورة "الفتح": ﴿وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِۚ﴾[1] من خصوصيات


 


[1] سورة الفتح، الآية 6.

 

259


214

خطاب الولي 2010

المنافق والمشرك أنّهما يسيئان الظن بالله، ولا يثقان ولا يؤمنان بالوعود الإلهية. حينما يقول الله: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ﴾[1]، فإن المؤمن يتقبل هذا القول من أعماق وجوده وكيانه، أما المنافق فلا يتقبله. يقول الله: ﴿عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَلَعَنَهُمۡ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا﴾[2] هذا هو حال الذين يسيئون الظن بالله.

 

كان الإمام مطمئن النفس للوعد الإلهي. إننا نجاهد لله ونسير خطواتنا لله، ونبذل كل جهودنا ومساعينا في الساحة وسوف يحقق الله تعالى لنا النتائج كما وعدنا. إننا نعمل بدافع التكليف، لكن الله تعالى يمنحنا أفضل النتائج على عملنا بالواجب والتكليف. هذه من خصائص منهج الإمام وخطه. وهذا هو طريق الثورة وصراطها المستقيم.

 

من الأمور التي يمكن ملاحظتها على هذا الصعيد مراعاة الإمام العجيبة للتقوى في كل الأحوال والأمور. التقوى في الشؤون الشخصية شيء، وفي الشؤون الاجتماعية والسياسية والقضايا العامة شيء آخر أصعب وأهم وأكثر تأثيراً وخطورة بدرجات ودرجات. ما الذي نقوله لأصدقائنا ولأعدائنا؟ هنا تترك التقوى أثرها. قد نخالف شخصاً وقد نعاديه، فكيف نحكم عليه؟ إذا كان حكمكم على الشخص الذي تخالفونه أو تعادونه حكماً غير واقعي، فهذا تجاوز لجادة التقوى. أكرر هنا الآية الكريمة التي ذكرتها في البداية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا﴾[3] القول السديد هو القول المتين الصحيح الصائب.. يجب أن نتكلم هكذا. أريد أن أقول لشبابنا الأعزاء، الشباب الثوري المؤمن العاشق للإمام أن يراعوا التقوى مراعاة تامة حينما يتحدثون ويكتبون ويبادرون ويعملون. مخالفتنا لشخص يجب أن لا تدفعنا للخروج عن جادة الحق وممارسة الظلم فيما يخص ذلك الشخص، كلا، يجب عدم ارتكاب الظلم. وينبغي عدم ممارسة الظلم ضد أيٍّ كان.

 

أروي لكم خاطرة عن الإمام الخميني. ذات ليلة كنت عند الإمام وسألته ما هو

 

 


[1] سورة الحج، الآية 40.

[2] سورة الفتح، الآية 6.

[3] سورة الأحزاب، الآية 70.

 

260


215

خطاب الولي 2010

رأيكم في فلان - ولا أريد ذكر اسمه، وقد كان من الوجوه المعروفة في العالم الإسلامي خلال الفترة القريبة منا، والكل سمع باسمه والكل يعرفه - تريّث الإمام قليلاً ثم قال: لا أعرف. ثم ذكر عبارة في ذمّ ذلك الشخص. انتهى الأمر عند هذا الحد.

 

ولكن في اليوم التالي أو الذي بعده - لا أتذكر تحديداً - كان لي شأن وعمل مع الإمام صباحاً فذهبت إليه. وبمجرد أن دخلت الغرفة وجلست وقبل أن أطرح الأمر الذي كنت أريد طرحه، قال لي: بخصوص ذلك الشخص الذي سألتني عنه ليلة البارحة أو قبلها، الجواب هو: "لا أعرف". أي إنه محا تلك العبارة التي قالها في مذمة ذلك الشخص بعد قوله "لا أعرف".. لاحظوا، هذا شيء مهم جداً. لم تكن عبارة الذمّ تلك فحشاً من القول ولا بذاءة ولا تهمة، ولحسن الحظ فقد نسيتها تماماً، ومردّ ذلك إما إلى تصرفه المعنوي أو إلى قلة ذاكرتي، لا أدري ما كانت تلك العبارة لكنني أتذكر أنها كانت عبارة ذمّ. قالها في تلك الليلة، وبعد يومين أو يوم واحد محاها وقال: لا، لا أعرف.. لاحظوا.. هذه أسوة.. ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٌ﴾[1].

 

حول زيد من الناس الذي تخالفونه يمكن التحدث بطريقتين: أولاً بطريقة متطابقة تماماً مع الحق، والطريقة الثانية هي خليط من الحق والظلم. وهذه الطريقة الثانية سيئة وينبغي اجتنابها. قولوا الصدق والحق وما تستطيعون إيضاحه والدفاع عنه في محكمة العدل الإلهي، وليس أكثر. هذه من الخطوط الأصلية لحركة الإمام وخط الإمام، والتي يجب أن نتذكرها ولا ننساها.

 

ومن الخطوط الرئيسة الأخرى في خط الإمام دور الجماهير، سواء في الانتخابات حيث قام الإمام على هذا الصعيد بحركة عظيمة حقاً، أو في غير الانتخابات، أي في القضايا الاجتماعية المختلفة. لا يوجد في أي ثورة خلال فترة الثورات - والنصف الأول من القرن العشرين هو فترة الثورات المختلفة، حيث قامت ثورات بأشكال مختلفة في شرق العالم وغربه - أن أجروا استفتاء عاماً بعد شهرين من انتصار الثورة لانتخاب أسلوب الحكم ونظامه، لكن هذا الشيء حدث في إيران بهمّة الإمام. ولم تمض سنة على

 


 


[1] سورة الأحزاب، الآية 21.

 

261


216

خطاب الولي 2010

 الثورة حتى تم تدوين الدستور والمصادقة عليه. في الشهور الأولى حينما لم يكن الدستور قد دُوّن بعد وتأخر الأمر، أتذكر أن الإمام طلبنا ذات يوم فتوجهنا إلى قم - وكان حينها لا يزال في قم - فقال مستاء: أسرعوا في تدوين الدستور. عندها أقيمت انتخابات مجلس الخبراء وانتخب الناس الخبراء لتدوين الدستور. وبعد ذلك عندما دُوّن الدستور عرضوه على التصويت وأُجريَ استفتاء فانتخب الناس هذا الدستور. ثم أُجريت انتخابات رئاسة الجمهورية والمجلس. لم تُلغَ الانتخابات حتى في أصعب فترات الحرب حينما كانت طهران تحت قصف الأعداء. وإلى اليوم لم تتأخر الانتخابات في إيران حتى ليوم واحد. أية ديمقراطية تضاهي هذه في العالم؟ بالإضافة إلى الثورات فإنه لا توجد أية ديمقراطية يدلي فيها الناس بأصواتهم بهذه الدقة وفي الموعد المقرر. هذا هو خط الإمام.

 

و ما عدا الانتخابات، اهتم الإمام كثيراً بجماهير الشعب، وأشار إلى دوره، وقال في بعض المناسبات: إذا لم يفعل المسؤولون العمل الفلاني الذي يجب أن يفعلوه فإن الناس أنفسهم سوف ينـزلون إلى الساحة ويفعلونه.

 

من النقاط الأخرى الساطعة في خط الإمام عالمية نهضته. كان الإمام يعتبر النهضة عالمية، ويرى هذه الثورة ثورة جميع الشعوب المسلمة، بل حتى غير المسلمة. لم يكن الإمام ليحابي في هذه القضية. هذا شيء يختلف عن التدخل في شؤون البلدان الأخرى، وهو شيء لا نفعله، وهو غير تصدير الثورة بالطريقة الاستعمارية القديمة، وهو شيء لا نفعله أيضاً ولسنا من أهله، إنما معناه أنه يجب أن ينتشر الأريج الطيب لهذه الظاهرة الرحمانية في العالم، وتفهم الشعوب ما هو واجبها وتعلم ما هي هويتها. من نماذج هذه النظرة العالمية موقف الإمام من قضية فلسطين.

 

يقول الإمام صراحة إن إسرائيل غدة سرطانية. حسناً، ماذا يفعلون للغدة السرطانية؟ هل يمكن علاج الغدة السرطانية سوى باستئصالها وقطعها؟ لم يكن يحابي الإمام أحداً. هذا هو منطق الإمام. هذا الكلام ليس شعارات بل هو كلام منطقي. فلسطين بلد تاريخي. كان ثمة بلد طوال التاريخ اسمه فلسطين. جاءت جماعة تدعمها القوى الظالمة في العالم وطردت هذا الشعب من هذا البلد بأعنف وأشد الأساليب وقتلته ونفته وعذبته وأهانته وأخرجته من دياره - حيث يوجد اليوم عدة ملايين

 

262

 


217

خطاب الولي 2010

من المشردين الفلسطينيين في البلدان المجاورة لفلسطين المحتلة، وفي البلدان الأخرى، ومعظمهم في المخيمات - والواقع أنهم ألغوا بلداً عن الساحة الجغرافية، وألغوا وجود شعب بكامله، وفرضوا وحدة جغرافية أخرى مصطنعة مكانه، وجعلوا اسمها إسرائيل. لاحظوا هنا ما الذي يقتضيه المنطق. كلمتنا بخصوص قضية فلسطين ليست كلاماً لمجرد الشعار، إنما هو كلام منطقي مئة بالمئة.

 

جماعة من الأقوياء كان على رأسهم في البداية بريطانيا، ثم التحقت بهم أمريكا، واتبعتهم البلدان الغربية يقولون إن بلد فلسطين وشعب فلسطين يجب أن يُلغيا ليحلّ محلهما بلد اسمه إسرائيل وشعب مصطنع اسمه شعب إسرائيل.

 

هذا كلام، ومقابل هذا الكلام يوجد كلام الإمام الذي يقول: كلا، يجب إلغاء هذه الوحدة المصطنعة المفروضة، ويحل محلها الشعب الأصلي والبلد الأصلي والوحدة الجغرافية الأصلية. أي الكلامين هو المنطقي؟ الكلام المعتمد على عسف السلاح والقوة والقمع والذي يريد إلغاء نظام سياسي ووحدة جغرافية تاريخية لها سابقة عدة آلاف من السنين، يريد إلغاءها تماماً عن المسرح الجغرافي، أم الكلام الذي يقول: كلا، يجب أن تبقى هذه الوحدة الجغرافية الأصلية وتزول الوحدة المصطنعة المفروضة؟ هذا ما كان يقوله الإمام. هذا هو الكلام الأكثر منطقاً الذي يمكن إطلاقه حول إسرائيل الغاصبة وقضية فلسطين. هذا ما قاله الإمام وأعلنه بصراحة. والآن إذا قال أحد هذا الكلام حتى بالإشارة والتلميح يقول بعض أدعياء خط الإمام: لماذا تطلق مثل هذا الكلام؟! هذا هو كلام الإمام ومنطقه وهو منطق صحيح، وعلى جميع مسلمي العالم وكل الأحرار في العالم وكافة الشعوب المحايدة أن توافق على هذا الكلام وتقبله. هذا هو الصحيح وهو موقف الإمام.

 

وهنا كلمة أخيرة.. لقد تحملتم أيها الإخوة والأخوات الأعزاء حرارة الجو.. آجركم الله.. نقطة أساس أخرى حول خط الإمام وطريقه هي أن الإمام قال مراراً إن إصدار الأحكام عن الأشخاص وتقييمهم يجب أن يكون على أساس وضعهم الحالي الراهن، أي إن ماضي الأشخاص لا يؤخذ بنظر الاعتبار. الماضي يفيد حينما لا يكون الحال معلوماً فيرجع الإنسان إلى الماضي ويتمسك به ويقول: هكذا كان الوضع في السابق

 

 

263

 


218

خطاب الولي 2010

ولا بد أن يكون على نفس الشاكلة الآن أيضاً. وإذا كان حاضر الأشخاص على الضد من ماضيهم فلن يعود لذلك الماضي أي فاعلية أو تأثير. وهذا هو التقييم الذي عمل وفقه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام مع طلحة والزبير. يجب أن تعلموا أن طلحة والزبير لم يكونا شخصين صغيرين. كان للزبير مواقف وسوابق متألقة قلّما يوجد لها نظير لدى أصحاب الإمام علي. بعد أن تولى أبو بكر الخلافة، وفي الأيام الأولى، قام أمام منبر أبي بكر عدة أشخاص من الصحابة وعارضوه وقالوا: الحق ليس معك! إنما الحق مع علي بن أبي طالب. وأسماء هؤلاء الأشخاص مسجلة في التاريخ. وهذه ليست أشياء يرويها الشيعة، كلا، إنما هي مذكورة في كافة كتب التاريخ. من هؤلاء الأشخاص الذين وقفوا أمام منبر أبي بكر، ودافعوا عن حق الإمام أمير المؤمنين الزبير. هذه هي سابقة الزبير. وبين ذلك اليوم واليوم الذي شهر فيه الزبير سيفه في وجه أمير المؤمنين مدة خمس وعشرين سنة. أخوتنا أهل السنّة يعتذرون لطلحة والزبير، ويقولون إن اجتهادهما أفضى بهما إلى هذه النتيجة.. حسناً، مهما يكن الأمر. لسنا هنا في صدد موقفهما أمام الله تعالى. ولكن ما الذي فعله الإمام أمير المؤمنين لهما؟ الحرب. زحف الإمام أمير المؤمنين بالجيش من المدينة وسار نحو الكوفة والبصرة لحرب طلحة والزبير. أي إن تلك السوابق مُحيت وانتهت. هذا كان ملاك الإمام ومعياره.

 

بعضهم كان مع الإمام في باريس وجاء معه في الطائرة إلى إيران، لكن أُعدم في زمن الإمام بسبب الخيانة! وبعضهم كانت له علاقاته معه منذ فترة النجف، ثم باريس، وكان موضع عناية الإمام منذ بداية الثورة، لكن سلوكه ومواقفه بعد ذلك أدت إلى أن يطرده الإمام ويبعده عن نفسه. المعيار هو الوضع الذي يكون لي حالياً. إذا أدت النفس الأمارة بالسوء والشيطان إلى حرف الطريق أمامي لا سمح الله، فسوف يختلف الحكم والتقييم. هذا هو مبنى النظام الإسلامي وهذا ما عمل به الإمام الخميني. وثمة خطوط أخرى يمكن ذكرها على صعيد منهج الإمام وخطه. وما ذكرناه هو أهمها وأكثرها تأثيراً.. من المناسب للإخوة والشباب وأهل الفكر والبحث، وطلبة العلوم الدينية وطلبة الجامعات أن يفكروا ويبحثوا في هذه المباني. لا تبقى النصوص نصوصاً بل يجري إيضاحها وتبيينها.

 

 

264

 


219

خطاب الولي 2010

ليعلم الجميع وخصوصاً شبابنا الأعزاء أن ما حدث بعد رحيل الإمام الخميني وإلى اليوم من عداوات وعراقيل وكل ما فعلوه بكل صنوفه وأنواعه لم يستطع خلق أدنى تضعضع وتزلزل في أركان هذا النظام، بل على العكس، كل ضربة وجهها العدو للجمهورية الإسلامية أدت في النتيجة إلى مزيد من متانتها. بالضبط كما هو الحال بالنسبة لثمانية أعوام من الدفاع المقدس. وقفت جميع القوى السياسية والعسكرية والمالية الكبرى في العالم وراء النظام البعثي في العراق لمدة ثمانية أعوام وحاربوا إيران الإسلامية، وأنزلوا كل قدراتهم إلى الساحة حتى يهزموا الجمهورية الإسلامية، أو يقللوا من قوتها، فما كانت النتيجة؟ حينما انتهت هذه الأعوام الثمانية شهد العالم بمنتهى الدهشة نهضة الجمهورية الإسلامية وتحولها إلى قدرة دفاعية وعسكرية أقوى وأعظم بكثير مما كانت عليه أيام الحرب. لقد سطعت قوة الجمهورية الإسلامية بعد الحرب في العالم بحيث أذهلت العيون. وكذلك الحال اليوم. أيّ حدث يخطط له الأعداء، ومهما تمادى السذّج والغافلون في مواكبة الأعداء، فستكون نتيجة ذلك بفضل صمود الشعب الإيراني تعزيز الجمهورية الإسلامية أكثر فأكثر. لاحظتم أنه حصلت فتنة وأعمال وجهود، ودافعت أمريكا وبريطانيا عن عناصر الفتنة، ودافعت عنهم كذلك القوى الغربية والمنافقون وأنصار الملكية، فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أمام كل هذا التحالف والاتحاد غير المبارك أن أبدى الشعب الإيراني عن نفسه في يوم التاسع من دي والثاني والعشرين من بهمن عظمة أذهلت العالم. إن إيران اليوم وشبابها ومتعلميها والإيرانيين عموماً في وضع يستطيعون فيه بتوفيق من الله إحباط أية مؤامرة يمهد لها الأعداء ضد نظام الجمهورية الإسلامية. ولكن دققوا جيداً في أننا يجب أن نعمل بالتقوى. التقوى هي التي تقوينا وهي التي تجعلنا لا نتأثر بالضربات، وهي التي تبعث فينا الأمل لمواصلة هذا الدرب حتى الوصول إلى الأهداف النهائية.

 

اللهم، بمحمد وآل محمد وفقنا جميعاً للتقوى وتفضل بها على كل واحد من أبناء هذا الشعب. اللهم قرب القلوب من بعضها بعضاً وآلف بينها. اللهم زد يوماً بعد يوم من وضوح خط الإمام وشخصيته والهوية الحقيقية لهذه الثورة بين أبناء شعبنا. ربنا أرضِ عنا القلب المقدس لإمامنا صاحب العصر والزمان، وأرضِ عنا أرواح الشهداء

 

 

265

 


220

خطاب الولي 2010

الطيبة والروح الطاهرة لإمامنا الجليل.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

﴿وَٱلۡعَصۡرِ ١ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ ٢ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾[1]

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين سيما عليّ أمير المؤمنين، والصدّيقة الطاهرة، والحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي باقر علم الأولين والآخرين، وجعفر بن محمد الصادق، وموسى بن جعفر الكاظم، وعلي بن موسى الرضا، ومحمد بن علي الجواد، وعلي بن محمد الهادي، والحسن بن علي الزكي العسكري، والحجة القائم المهدي صلوات الله عليهم أجمعين وصلِّ على أئمة المسلمين وحماة المستضعفين وهداة المؤمنين.

 

أوصيكم عباد الله بتقوى الله.

 

أوصي جميع الإخوة والأخوات مرة أخرى وأدعوهم لمراعاة تقوى الله. يشهد العالم الإسلامي راهناً بل كل العالم تحولات كبيرة تنبىء بتغيُّر في المعادلات العالمية. ولذلك من المهم أن يتنبه الشعب الإيراني لهذه التحولات.

 

من القضايا قضية فلسطين وغزة، وفي الآونة الأخيرة ـ على وجه الخصوص - قضية الهجوم على القافلة الذاهبة لإمداد غزة وكسر الحصار عنها، والتي هجم عليها الصهاينة الغادرون القساة. ما يلفت النظر أكثر في قضية فلسطين خلال السنة الأخيرة أو الشهور الماضية هو تهويد فلسطين.

 

تقوم سياسة الكيان الصهيوني على إلغاء تدريجي كامل للآثار الإسلامية عن منطقة فلسطين والضفة الغربية لنهر الأردن - وهم أنفسهم يعترفون بأن هذه المنطقة منطقة محتلة، والعالم يعترف بذلك، وتوجد كل هذه القرارات الصادرة عن منظمة


 


[1] سورة العصر، الآيات 1 - 3.

 

266


221

خطاب الولي 2010

الأمم المتحدة - وتهويد هذه المنطقة. بناء المستوطنات غير القانوني والظالم، وتهديم بيوت الناس، والتلاعب بمدينة الخليل ومدينة القدس بهدف تهويدها، كلها من أجل استئصال جذور الإسلام من فلسطين كما يتوهمون. هذه نقطة مهمة جداً وعلى العالم الإسلامي الوقوف ضد هذه الحالة بكل كيانه وقدراته، والحيلولة دون ارتكاب هذه الجريمة الكبرى. والشيء الآخر الملفت للنظر هو المحاصرة الظالمة لغزة والتي مضى عليها ثلاثة أعوام. إنها عملية متعجرفة قاسية وحشية، والعجيب جداً أنها تحظى بتأييد ودعم أمريكا وبريطانيا وسائر القوى الغربية التي تتشدق بحقوق الإنسان دوماً.

 

يحاصرون مليون ونصف المليون إنسان منذ ثلاث سنوات، ولا يسمحون بوصول الدواء إليهم ولا الطعام ويعرقلون وصول مياه الشرب لهم، وكذلك الطاقة الكهربائية، ويعرقلون كذلك وصول الإسمنت والمواد الإنشائية ليبنوا ما هدمته الحرب - كان القسم الأكبر من حمولة القافلة التي ذهبت هو الإسمنت ليستطيع الناس بناء بيوتهم المهدّمة - وبالإضافة إلى ذلك فهم يقصفونهم دوماً ويقتلون البشر... يقتلون الأطفال المظلومين والنساء والرجال. هذا ما يقوم به الكيان الصهيوني. والمنظمات التي تدّعي حقوق الإنسان واقفة تتفرّج. والقوى الغربية لا تتفرج وحسب بل وتدعم. للأسف فإن الكثير من البلدان التي يجب أن تدافع - أي بعض البلدان العربية والإسلامية - اختارت الصمت المطبق إن لم نقل إنها تصرفت بعض التصرفات الخيانية وراء الكواليس. الواقع عجيب جداً.

 

الخطوة الأخيرة التي قام بها الصهاينة - أي هجومهم على هذه السفن التي تحمل بعض المساعدات إلى غزة لكسر حصار غزة في المياه الدولية وليس في سواحلهم وبيئتهم البحرية - يجب أن تُدرس من بعدين:

الأول الطبيعة الوحشية للصهاينة وهذا ما فهمه العالم. العالم يجب أن يفهم هذه المسألة. يدّعي الصهاينة أنهم دخلوا السفن للتفتيش أو ليقولوا لهم لا تدخلوا غزة - وهم طبعاً يكذبون، فقد ذهبوا للهجوم وخططوا للهجوم وكانت أهدافهم محددة - حتى لو كانوا قد ذهبوا للوعظ والنصيحة لكان ذلك بخلاف كافة الضوابط

 

 

267

 


222

خطاب الولي 2010

الدولية. سفينة تتحرك في المياه الدولية، وأقصى ما تستطيعون فعله هو أن لا تسمحوا لها بدخول موانئكم، فلماذا تحركتم إلى وسط البحر وهجمتم عليهم وقتلتم عدداً كبيرا منهمً وأصبتم أكثر، وأسرتم أكثر؟ لماذا؟ إنها الطبيعة الوحشية. إنها الشيء الذي تهتف به الجمهورية الإسلامية منذ ثلاثين سنة ويتجاهله الغربيون المنافقون المراؤون الكاذبون. وقد شاهد العالم برمته اليوم إلى أي درجة هم متوحشون.

 

النقطة الثانية التي يتوجب التركيز عليها والاهتمام بها هي أن الصهاينة أخطأوا في حساباتهم. لقد ارتكبوا خطأً كبيراً. إنه خطأ يقع بشكل متكرر في الأعوام الأخيرة. هاجموا لبنان وأخطأوا، وهاجموا غزة وأخطأوا، وهاجموا هذه السفن وأخطأوا. هذه الأخطاء المتتالية تشير إلى أن الكيان الصهيوني الغاصب يسير نحو نهايته المحتومة ويقترب منها خطوة خطوة، ألا وهي السقوط والانهيار في هاوية العدم.

 

الحدث المهم الآخر الذي من المناسب أن يتنبه له شعبنا، وهو حدث له معناه، هو الحدث الذي وقع في الاجتماع المطول للـ N.صلى الله عليه وآله وسلم.T في نيويورك. كانوا قد عقدوا هذا الاجتماع أساساً لتستطيع من خلاله القوى المتغطرسة أكثر فأكثر تقييد الشعوب التي لم تحصل إلى الآن على الطاقة النووية، وتختلق لهم الموانع والعراقيل. طبعاً كانوا يتمنون ذلك وخططوا له ليُبدوا في هذا الاجتماع أحقادهم ضد الجمهورية الإسلامية خصوصاً. فحصل عكس ما أرادوا تماماً. استمر هذا الاجتماع شهراً واحداً على وجه التقريب، وبدل أن يستطيعوا تمرير مقاصدهم وأهدافهم وتقييد بلدان مثل الجمهورية الإسلامية كانت النتيجة التي انتهى إليها هذا المؤتمر الطويل هي أن 189 بلداً فرضت على القوى تدمير أسلحتها النووية، ومنعت مواصلة إنتاج هذه الأسلحة، وتم الاعتراف بحق امتلاك القوة النووية السلمية من قبل سائر البلدان، وفُرض على الكيان الصهيوني - الذي دافع عنه مربّوه بقوة في هذا المؤتمر ونشطوا لصالحه - الالتحاق بمعاهدة N.صلى الله عليه وآله وسلم.T وهذا على العكس تماماً مما أرادوه. هذا ليس بالحدث الصغير، إنه دليل على أن القوة الأمريكية التعسفية المتكبرة المستكبرة وسائر القوى المتغطرسة والتابعة لها في العالم لا تستطيع تمرير إرادتها. ليست أمريكا اليوم في وضع يؤهلها لأن تتدخل تدخلاً مؤثراً في السياسات الدولية. استطاعت الجمهورية الإسلامية

 

 

268

 

 


223

خطاب الولي 2010

بصمودها الممتد لثلاثين سنة إيجاد واقع لدى الرأي العام العالمي بحيث تقف ليس الشعوب وحسب بل حتى الحكومات - أي هذه الدول الـ 189 - في وجه أمريكا، وتتخذ قراراتها وتصوِّت على الرغم من إرادتها. هذه من البشائر الإلهية لشعب إيران الكبير.

 

وثمة قضايا أخرى تم تسجيلها لتُذكر، لكن الوقت فات. نرجو أن يشملكم رب العالمين جميعاً أيها الإخوة والأخوات المؤمنون وكافة شعب إيران العزيز بنظراته، ويزيد يوماً بعد يوم من انتصارات هذا الشعب.

 

ربنا قرّب بلطفك وعنايتك وعينك ونظراتك قلوب المسلمين من بعضها بعضاً واجعل الأمة الإسلامية متحدة مقتدرة، وارفع رأس الشعب الإيراني، وادفع عنه مشكلاته ومتاعبه.

 

269


224

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في يوم المعلّم

 

 

         

المناسبة:   يوم المعلم

الحضور:  حشد غفير من معلمي البلاد

المكان:   طهران

 

الزمان:    15/02/ 1389هـ.ش.

02/50/1341هـ.ق.

05/05/2010م.

 

 

271

          


225

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة والأخوات الأعزاء. بوركت عليكم جميعاً إن شاء الله مناسبة يوم المعلم، وعلى كافة المعلمين في جميع أنحاء البلاد، وكذلك على الشعب الإيراني. إنه لدرس لنا أن يجعلوا يوم المعلم يوم استشهاد معلم كبير. هذه خطوة رمزية تعني أن عظمة عملية التربية والتعليم ترتقي إلى حد الامتزاج بين العمل الفكري والعلمي والمشاركة في الميادين الأساس للحياة - كما كان عليه الشهيد مطهري رضوان الله تعالى عليه - وهذا هو الوضع المنشود والمحبّذ في هذه المهنة الشريفة والعمل العظيم.

 

ثمة نقطة أساس هي أن على معلمي البلاد معرفة عظمة العمل الذي أخذوه على عواتقهم وراحوا يقومون به. إذا علم المرء أي عمل عظيم يقوم به سوف يتضاعف تحفزه وحركته وإيمانه وسعيه في هذا العمل. كالجندي الشجاع الذي يعمل ويجاهد في نقطة حساسة من خطوط الجبهة، فإن دوره الجهادي من العظمة والأهمية بحيث يمكن أن يؤثر وينفع للجبهة كلها. إذا علم المقاتل هذه الحقيقة فلن يتعب أبداً ولن يملَّ إطلاقاً، ولن يؤثر فيه أيُّ عامل من عوامل اليأس. هذه نقطة يجب أن تكون حاضرة دوماً أمام أعين معلمينا وهي أن دور المعلم بالنسبة للمجتمع دور حيوي ولا يقبل المقارنة مع الكثير من الأدوار المهمة والحساسة في التركيبة الاجتماعية.

 

هذه المادة الخام التي توضع تحت تصرف المعلم لوح بسيط، وعلى حدّ قول الشاعر: «أنا لوح بسيط مستعد لتقبّل أية نقوش». واليد الرسامة ترسم على هذا اللوح وتمنحه هوية جديدة. ثمة عوامل مختلفة: عوامل التربية والدين والأحداث الاجتماعية والمؤثرات الخارجية، وفي عصرنا الحاضر: وسائل الإعلام وما إلى ذلك جميعها مؤثر، بيد أن دور المعلم يبقى دوراً بارزاً مميزاً.

 

بوسع المعلم أن يُخرج هذه المادة الخام حتى من أسر العوامل الوراثية. وقد أثبت

 

273

 


226

خطاب الولي 2010

العلم ذلك. كما أن العوامل الوراثية السلبية كالأمراض والأعراض الجسمية يمكن إزالتها بتدابير معينة وأعمال وقائية وأنشطة محددة، كذلك الحال بالنسبة للعوامل الوراثية الأخلاقية والروحية والمعنوية.

 

بوسع المعلم تربية هذا الحدث أو الطفل وجعله إنساناً عالماً مفكراً يتحلى بروح البحث العلمي ويرغب في البحث والدراسة والعلم، أو يجعله إنساناً سطحياً غير راغب في العلم والتعمق والبحث العلمي. بوسعه أن يخرِّجه ويقدمه للمجتمع إنساناً شريفاً نجيباً خيّراً طيب القلب طاهر النفس، أو على العكس قد يجعله إنساناً شريراً مسيئاً. وبمقدوره أن يجعله إنساناً متفائلاً ذا ثقة بالنفس ومملوءاً بالأمل ومحباً للعمل والنشاط، أو على الضد من ذلك يمكنه تخريجه إنساناً يائساً قانطاً منعزلاً ومنكفئاً على نفسه.

 

كما بوسعه أن يجعل منه إنساناً متديناً تقياً ورعاً وطاهراً، أو إنساناً غير مبالٍ وغير آبه للقيم الأخلاقية والتعاليم الدينية. بوسعه التغلب حتى على عوامل التربية الخارجية مثل وسائل الإعلام. بل إن التعليم المستمر على مدى سنوات والعمل على هذه المادة الخام والقلب المستعد لتقبّل الأشكال المختلفة، يمكنه التفوق حتى على الدور التربوي للوالدين. هذا هو دور المعلم.

 

المجتمع بحاجة إلى أفراد مؤمنين متحفزين صبورين متفائلين آملين مهتمين بالمصالح العامة وراغبين في الوصول إلى قمم الكمال الفردي والاجتماعي.. أناس مبتكرين محققين باحثين وطلاب تقدّم. من الذي سيخلق ذلك؟ هنا يبرز دور المعلم. جهاز التربية والتعليم مهم وحساس إلى هذه الدرجة. طبعاً، قيل الكثير عن قضايا التربية والتعليم ودور المعلمين. ونحن اليوم لسنا في ظروف تسمح لنا أن نكتفي بالكلام، بل نحتاج إلى العمل.

 

التربية والتعليم سواء في الجانب اللجاني أو في ما يتصل بمجموعة المعلمين والأساتذة في كل أنحاء البلاد، بمقدورهما رسم مصير البلاد ومستقبله. صحيح أن التغيير الجذري للتربية والتعليم مشروع أساس نبّهنا إليه مسؤولي البلاد ومدراء التربية والتعليم مراراً. والحمد لله سمعتم في كلمة الوزير المحترم أنه تم العمل بصورة جيدة على هذا الصعيد حيث يجب القيام بتغيير أساس في التربية والتعليم وذلك حسب الاحتياجات

 

 

274

 


227

خطاب الولي 2010

وعلى أساس الأهداف السامية والإمكانيات الهائلة المتوفرة في البلاد، والطاقات الإنسانية الموجودة.. هذا الشيء صحيح في محله وموضعه، وأنا أشدد هنا على هذه العملية وأن لا تتوقف بل يجب أن تتابَع وتستمر حتى النهاية بشوق وهمة مضاعفة وتحفّز لا ينتهي، وهي عملية صعبة طبعاً، لكن المعلم من حيث استعداده الشخصي ومن حيث شعوره بالمسؤولية لا يمكنه أن يتوقف عن العمل إلى حين يتوفر الواقع المنشود والمحبذ في مؤسسة التربية والتعليم. توصيتي لكم جميعاً أيها المعلمون الأعزاء والمعلمون في جميع أصقاع البلاد هي أن تؤمنوا بدوركم العظيم هذا وأن تعلموا أي دور خطير تمارسونه لمستقبل البلاد.

 

تعرّض بلدنا طوال قرون لخسائر جسيمة وتخلّف كبير وغفلة لا يمكن تعويضها.. مع ما نشاهده اليوم، ومع ظهور الثورة الإسلامية وبهذه الحركة والمسيرة الجديدة، يجب أن يسير هذا البلد في الطريق الجدير به والجدير بتراثه والقيِّم بإسلامه.. وهذا بحاجة إلى حركة عظيمة.

 

ليلتفت المعلمون الأعزاء. أيَّ إنسان بحاجة لغد هذا البلد. ما هي الخصوصيات التي يجب أن يتميّز بها رجالنا ونساؤنا من أجل بناء هذا البلد بشكل مطلوب وجيد؟ هذا ما يتمّ على أيديكم. هذا الحدث أو الطفل الجالس في الصف أمامكم هو تحت تصرفكم ويمكنكم تعزيز روح الثقة بالنفس لديه وزرعه بالأمل ودفعه إلى سوح العمل من خلال كلامكم وأسلوبكم وسلوككم معه، وبمقدوركم بثّ روح التدين فيه كما ينبغي له. يمكنكم جعله إنساناً ذكياً دؤوباً اجتماعياً محباً لمصالح المجتمع، وإيقاظ روح الإبداع لديه. معلمنا الواعي يمكنه القيام بكل هذا داخل الصف الدراسي.

 

هذا هو الواجب العام للمعلمين في كافة أنحاء البلاد. طبعاً، من أجل أن يقوم المعلم بكل هذا يشعر أنه بحاجة إلى توجيه وإرشاد دقيق من قبل المجتمع والمفكرين ومتخصصي التربية والتعليم. هذه الحاجة هي التي تفرز الثمار وتأتي بها. إذا شعر المعلمون بهذه الحاجة سينعكس شعورهم هذا فوراً على الأجهزة المنتجة في البلاد، فيتمُّ إنتاج ما نحتاج إليه. ما لم نشعر بالحاجة وما لم نسأل وما لم نطلب فلن يصار إلى إنتاج الشيء الذي نحتاجه. هذا هو دور التربية والتعليم.

 

 

 

275

 


228

خطاب الولي 2010

وأقول حول شهيدنا الغالي المرحوم آية الله مطهري (رضوان الله تعالى عليه): الحق أن سلوك ذلك الرجل الكبير وطبعه كان دليلاً ومؤشراً على معلم كامل يشعر بالمسؤولية. لم يتخلف عن الخوض في أي مجال من المجالات التي تحتاج إلى حضور المفكر الإسلامي، ولم تستطيع الملاحظات والمصالح والاعتبارات المختلفة إعاقته ومنعه من الخوض في هذا المجال أو ذاك، سواء في المجالات السياسية أو الصعد الفكرية.

 

على مستوى الإجابة عن الأسئلة المختلفة التي كانت تشغل ذهن شبابنا في تلك الفترة لم يكن الشهيد مطهري كبعض أدعياء التنوير الديني يعرض أفكاراً أجنبية على منطق الدين ومحتواه بطلاء ديني وقوالب دينية، بل على العكس، قدّم المفاهيم الدينية الحقيقية بمظاهر تتناسب مع روح العصر ومع أسئلة المتلقّين واحتياجاتهم.

 

لم يكن يلهث وراء أن تمدحه مجموعة معينة أو فئة فكرية خاصة. حارب الرجعية والتخلّف الفكري والتحجر والأفكار الدينية الخاطئة -الناتجة عن التحجر والرجعية- بنفس المقدار والشدة اللذين واجه بمها البدع والأفكار المنحرفة والانتقائية. هذه كانت ميزة ذلك الرجل الكبير.

 

لم يتعب، بل كان دؤوباً يبذل جهوده دون انقطاع. ولم يتقيّد بالأسماء والعناوين الجامعية والحوزوية الدارجة. نزل إلى الساحة كجندي من جنود الفكر والتأمل. عمل بإخلاص وقد بارك الله تعالى في عمله. واليوم بعد ثلاثين عاماً على استشهاد ذلك الرجل الكبير لا يزال كلامه جديداً حياً، وكأنه كُتب لهذا العصر.

 

في ذلك الوقت كان ثمة من ينتفع من آرائه وأفكاره على مختلف المستويات الفكرية ويستخلص إجاباته من أفكاره، واليوم أيضاً حيث تطورت الأفكار وحُلَّت الكثير من المسائل التي واجهت أذهان الباحثين، لا يزال فكر الشهيد مطهري يجيب عن أسئلة جديدة. وهذه هي سمة الفكر العميق المصحوب بالإخلاص.

 

الإخلاص حالة معجزة. إذا وضع الإنسان قدميه في طريق معينة من أجل الله، بارك الله في عمله، وهكذا يتحول الجهد الذي بذله ذلك الرجل العظيم والشهيد العزيز طوال عقود من الزمن ذخراً لا ينفد لمجتمعنا. هذه مهمة تقع على عواتقنا جميعاً وعلى كافة الأصعدة.

 

 

276

 


229

خطاب الولي 2010

شعبنا وبلدنا اليوم، وبعد مضي ثلاثة عقود على أكبر حدث وقع في هذا البلد بعد دخول الإسلام إليه - أي قيام النظام الإسلامي وهذا أكبر حدث - لفت إليه أنظار العالم الإسلامي وليس المنطقة وحسب، بل ترك بصماته على المعادلات السياسية في العالم، وقد حقّق الشعب والحمد لله في هذه الأعوام الثلاثين تقدماً كبيراً في المرافق المختلفة من المناسب اليوم أن ينظر مفكرو البلد إلى أفق المستقبل ويروا ما الذي يريدونه وماذا يريدون أن يفعلوا. العالم الإسلامي عالم مشتّت ومتفرّق.

 

المسلمون رغم توفرهم على القرآن وعلى أمتن التعاليم وأقواها يعانون من التخلف لأسباب شتى. ما هي هذه العوامل؟ ينبغي معرفتها. يتعين أن تنصبّ همة شعب إيران على الوصول إلى محطّة تتحول فيها جميع سلوكياته وحركاته وسكناته ونتاجاته الفكرية إلى مرجعية متقنة أكيدة للشعب في العالم الإسلامي. لِيجدَ مفكرو الشعوب ومثقفوها الطريق.

 

هذه هي المسؤولية التاريخية التي تقع على الشعب الإيراني. وهذا هو الطريق الممتد أمامنا بشكل طبيعي. علينا السير في هذا الطريق وقطعه بصورة صحيحة. لنتحرك بثقة بالنفس. لنأخذ معنا إلى الساحة كل قدراتنا وطاقاتنا البشرية والفكرية ومواهبنا التي منحها الله تعالى لنا، عندئذ سيتغيّر مصير العالم الإسلامي، وتبعاً له مصير العالم.

 

العالم يسير حالياً في طريق سيئ. ويعيش أوضاعاً سيئة. الأخلاق تُسحق في العالم. والشعوب تعاني وتتألم من هذا الانحطاط الأخلاقي، ومفكرو الشعوب متنبهون لهذه الخسارة الكبرى، ويبدون انزعاجهم وقلقهم، وهذا ما يمكن أن يلاحظ من كلامهم وآرائهم. يمكن السير في طريق تنقذ البشرية مما هي فيه.

 

هذا المصير المفزع الماثل أمام البشرية يمكن تغييره، والخطوة الأولى أن نوجد في أنفسنا ذلك التحرك الكبير والتحول العظيم.

 

والأمر يبدأ من التربية والتعليم. لقد توفرت البُنى التحتية والحمد لله طوال هذه السنوات الثلاثين في القطاعات المختلفة بشكل جيد. يمكن التحرك على أساس هذه البُنى التحتية.

 

المسؤولية ثقيلة والطريق طويل والعمل صعب، ولكن في نهاية الطريق يلوح

 

 

277


230

خطاب الولي 2010

الضياء والنور الذي يمنحه الله، وبوسع المرء أن يرى ذلك. نهاية الطريق مشرقة، والأفق مشرق، ويمكن السير في هذا الطريق بصورة جيدة. هناك حالات عِداء ضدنا.

 

أي نجاح يحرزه الشعب الإيراني يؤدي إلى أن يشعر بعضهم في العالم بالإخفاق. الأقوياء يصطفّون بشكل طبيعي إزاء هذه التحركات غير المنسجمة مع مصالحهم غير المشروعة.

 

هذا ليس بالشيء العجيب وغير المتوقّع، إنما هو شيء متوقع بالنسبة لكل شعب يدخل ساحة الكفاح الحياتي العظيم.. شيء متوقع. واصل شعبنا مسيرته هذه منذ بداية الثورة وإلى اليوم مواجهاً هذه العقبات والموانع.

 

هذه ليست بشيء. هذه التهديدات والكلمات التي يطلقونها وحالات المعارضة والعرقلة التي تصدر عنهم، أثبتت تجربة الشعب الإيراني أن لا تأثير لها في مسيرة الشعب ولن تؤدي إلى إبطاء حركته وسيواصل الشعب مسيرته وطريقه. المهم أن يعرف كل شخص دوره، أن يعرف كل شخص أينما كان واجبه الملقى على عاتقه بنحو صحيح ويقوم به. وسوف يساعدنا الله بمشيئته عزَّ وجلَّ.

 

نتمنى أن يتابع المسؤولون المحترمون في وزارة التربية والتعليم هذه العملية الكبيرة بهمة عالية وعمل دؤوب مضاعف وسعي متظافر إن شاء الله في ضوء هذه الحقائق المهمة والمسؤوليات الجسيمة المذكورة. وسوف تحققون أنتم المعلمين الأعزاء أينما كنتم من أرض البلاد هذا العمل بتفاؤل وتوكل على الله تعالى ونظرٍ إلى رحمته وهدايته وأجره.

 

نتمنى أن يثيبكم الله جميعاً، ويسرَّ أرواح شهدائنا الأبرار الطاهرة الذين وفّروا لشعبنا هذه الفرصة والإمكانية للخوض في قضاياه الأساس.

 

ندعو أن يحشر الله تعالى الروح الطاهرة لإمامنا الجليل فاتح هذا الدرب أمامنا مع الأرواح الطيبة لأوليائه، وأن يشملكم جميعاً بالأدعية الزاكية لسيدنا بقيّة الله الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

278

 


231

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في جامعة الإمام الحسين عليه السلام

 

 

المناسبة:   تخريج دفعة جديدة من المنتسبين إلى جامعة الإمام الحسين عليه السلام

الحضور:  المنتسبون إلى جامعة الإمام الحسين عليه السلام

المكان:   طهران

 

الزمان:    03/03/ 1389هـ.ش.

10/06/1431هـ.ق.

24/05/2010م.

         

279


232

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أبارك لكم جميعاً أيها الشباب الأعزاء وآمال المستقبل، سواء بمناسبة النجاحات الحاصلة في مرحلة الدراسة والإعداد للدراسة في هذه الجامعة أو بمناسبة اليوم العظيم الثالث من خرداد الذي هو يومٌ لا يُنسى من تاريخ الثورة بل من تاريخ بلدنا. لقد كانت مراسم اليوم مراسم ممتازة وهي تلامس الآمال التي نتطلع إليها. وهي تشبه قوات حرس الثورة من حيث امتزاجها بالمعنويات والقدرات الروحية والجسمية والاستعدادت الفكرية والعملية، وكانت دليلاً على تطور قوات الحرس.

 

أعزائي! إن يوم فتح خرمشهر ـ الذي كان في الواقع ذروة عمليات بيت المقدس في شهري أرديبهشت وخرداد من العام 61 هـ.ش. (قبل 28 سنة) ـ هو لنا جميعاً ولتاريخنا ومستقبلنا نموذج مليئ بالدرس والعبر، لأنه في هذا اليوم تمكّنت قواتنا المضحية في الجيش والحرس وبتنسيق رائع ومدهش وشجاعة وإيثار لا يمكن وصفهما من توجيه ضربة عظيمة، ليس لبنية الجيش العراقي فحسب بل لهيكل نظام الاستكبار العالمي الذي كان يدعم بعدّته وعدده الآلة الحربية للنظام البعثي. وما كان أحدٌ يتصور أن يحدث هذا الأمر، ولكنه تحقق. ولو سألنا عن العوامل الأساس وراء ذلك، لأمكننا أن نعدد مجموعة منها، لكن العامل الأساس كان عبارة عن روحية التوكل على الله والثقة بقدراتنا. فلو كنا في ذلك اليوم نريد أن نفكّر على أساس الحسابات العادية والشائعة، ما كان لأحد أن يحكم بإمكانية وقوع هذا الأمر، ولكن شبابنا ورجالنا المؤمنين ومقاتلينا في القوات المسلّحة نزلوا إلى الميدان بهمة وإيمان وتوكل على الله ووضع الأرواح العزيزة على الأكف دون وجل أو خوف من خطر الموت وحققوا تلك الواقعة الكبرى. كان فتح خرمشهر ذروة هذه المفاخر وثمرتها، لكن طوال هذه المدة

 

 

281


233

خطاب الولي 2010

التي قاربت الشهر من عملية بيت المقدس كان هناك مئات من علائم وآيات الإيثار التي تثير الدهشة.

 

أنتم أيها الشباب الأعزاء يا أبنائي الأعزاء أرجو منكم أن تعملوا على مطالعة تفاصيل هذه العمليات التي، ولحسن الحظ، قد دُوّن جانب منها ـ بعد واحد فقط ـ بدقة، وانظروا ماذا حدث. أنظروا ماذا فعل شبابنا ورجالنا الذين يتطلب ذكر أسمائهم جميعاً كتاباً ضخماً. لو أردنا أن نذكر أسماء الذين ينطبق عليهم عنوان النموذج الاستثنائي ينبغي أن نشير إلى  رجالِ كـ(الشهيد) أحمد متوسليان[1] ـ القائد الشجاع والحر والمضحي ـ ننظر ماذا فعل هؤلاء في هذه العمليات وهذه المواجهة الكبرى، ومن أي قدرة استمدوا. هناك جملة قد نُقلت عن إمامنا العظيم وقد سمعتموها حيث قال "إن الله هو الذي حرّر خرمشهر"، وهي من أدقّ الكلام وأكثره حكمة مما قيل في هذا الباب. وهو نفس قوله تعالى: ﴿وَمَا رَمَيۡتَ إِذۡ رَمَيۡتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ﴾[2] لقد تجلّت قدرة الله تعالى في قلوب المجاهدين، وفي إرادتهم وعزمهم الفولاذي، وفي صبرهم، وفي سواعدهم، وفي قدرتهم على الإبداع والابتكار. كان العدو يعتمد على المادة. ومن المعلوم أن القدرة المادية لا تقوى على مواجهة هذه المعنويات الفوارة والقيم الإنسانية والوقوف مقابلها. واليوم فإن الأمر كذلك.

 

أعزائي! إن القوى المادية اليوم مع كل ما تمتلكه من قدرة ـ بأموالها وصناعتها وتكنولوجيتها المتطورة وتطوراتها العلمية ـ لا تملك القدرة على مواجهة هذه المجموعة البشرية التي جعلت الإيمان والعزم والهمة والتضحية معايير عملها وتحركاتها.

 

أولئك الذين وقفوا بوجه شعب إيران ومجاهديه في ذلك الزمان هم عين هؤلاء الذين يقفون اليوم مقابل شعب إيران، علينا أن نعرفهم. ففي ذلك الوقت كانت أمريكا والناتو وبريطانيا وفرنسا وألمانيا تمد صدّام بالسلاح الكيميائي والأسلحة الحربية والطائرات والخطط العسكرية والمعلومات اليومية لميادين القتال، دعموه، ووقفوا إلى جانبه، علّهم يتمكنون من هزيمة نظام جمهورية إيران الإسلامية، نظام التوحيد الشامخ والمعنويات،


 


[1] الشهيد أحمد متوسليان هو أحد أبرز قادة عمليات تحرير مدينة خرمشهر.

[2] سورة الأنفال، الآية 17.

 

 

282


234

خطاب الولي 2010

الراية الخفّاقة للتوحيد والإنسانية، نداء حرية واستقلال الشعوب. هؤلاء هم الذين وقفوا خلف صدّام وها هم اليوم أنفسهم. اليوم هؤلاء الذين يسعون بدعاياتهم وإعلامهم لقلب الحقائق هم أساس عدم الاستقرار في أغلب مناطق العالم، ويُظهرون إيران كتهديد، هم نفس أولئك. إن الذين يرتكبون الجرائم اليومية في باكستان، وفي أفغانستان، تلك المجازر منذ سنوات، ويأسرون المدنيين، في العراق بشكل وفي فلسطين بشكل آخر، أولئك الذين يدعمون القوة الشيطانية للكيان المحتل للقدس هم نفس أولئك.. وهم اليوم في مواجهة شعب إيران، هؤلاء هم أنفسهم الذين دعموا صدّام قبل 28 سنة. لقد هُزموا في ذلك الوقت وثِقوا بأنهم سيُهزمون اليوم. إن نظام الجمهورية الإسلامية ليس شبيهاً ببقية الحكومات والجمهوريات وغيرها في العالم، بل هو نظام ذو رسالة. إن رسالة النظام الإسلامي مما تتعطّش إليه شعوب العالم، فهو نظام يمتاز عن تلك الدولة أو الحكومة ـ مهما كان نظامها السياسي ـ التي لا تفكّر إلا ضمن حدودها الجغرافية، مثلما أنه يتميّز عن أولئك المترئّسين وهم ملوّثون بالشهوات البشرية المختلفة. هنا القضية قضية القيم، قضية الإنسانية، قضية نجاة الشعوب من قبضة القوى المهيمنة والمتسلّطة. فنظامنا الإسلامي لديه رسالة للبشرية. هذه الرسالة نفسها هي التي جعلت ناهبي العالم يقفون في مقابل شعب إيران. ولو كان اليوم هو اليوم الأول في هذه المواجهة لكان من الممكن أن تتزلزل بعض القلوب، لكن اليوم ليس هو اليوم الأول. واحد وثلاثون سنة وهذه المواجهة تحدث بأشكالٍ مختلفة: بالهجوم العسكري والسياسي والحصار الاقتصادي والتهديدات المختلفة. جاء رؤساء عديدون في الدول المتسلطة وذهبوا، لكن شعب إيران صمد. هذا البناء الثابت قد أصبح يوماً بعد يوم أكثر شموخاً. هذه الغرسة النامية والإلهية، هذه الشجرة الطيبة في هذه الأرض المستعدة، تستحكم جذورها يوماً بعد يوم. لو كان لدى أعداء المعنويات والقيم الإسلامية وأعداء إيران الإسلامية العزيزة أمل في ذلك الوقت فهم اليوم يائسون، وهم يسعون دون أمل. هم لا يعرفون الطريق ولا يعرفون شعب إيران، ويُجرون حساباتهم اليوم على أساس حسابات مرّ عليها ثلاثون سنة أو أربعون أو خمسون سنة، بناء على زمن القدرة التي لا تُقهر للقوى العظمى، ومثل هذه المقارنة خطأ. فالعالم تغيّر، والشعوب استيقظت، لهذا فأنتم اليوم يا شعب إيران ويا أيها الشباب

 

 

283

 


235

خطاب الولي 2010

الذين تمثلون عصارة شباب هذا الشعب وزبدته ـ الشباب الأعزاء في قوات الحرس ـ أمل قلوب الشعوب. فالكثير من الدول تعلّق أملها بكم، وهم يتطلعون إليكم. ومع أنهم يعلمون أن الجمهورية الإسلامية ليست من الدول التي تتدخل في شؤون غيرها، لكن نفس هذه الرسالات، ونفس هذا الصمود، ونفس هذه القدرة المعنوية التي تتجلى في جميع الميادين، هي التي تؤنسهم، وتحملهم على الصمود. فاليوم إن الشعوب التي تعيش في قارة آسيا وإفريقيا وأمريكا أو حتى في قارة أوروبا ليست بالعدد القليل وقد علّقت أنظارها عليكم، وهي معجبة بكم.

 

أعزائي! إعرفوا قدر هذه الفرصة الشبابية وهذه الطاقة والاستعداد. فبيدكم هذه الفرصة للتكامل والرفعة، اعرفوا قدرها. فلديكم ـ كما لدى الجيش وشباب القوى الأمنية والمجموعة المقدسة والطاهرة للتعبئة العامة ـ لديكم اليوم في هذا البلد الرباني من الإمكانات ما لم يوجد من قبل لمثل هؤلاء الشباب المنتجبين والمؤمنين والصالحين. فاغتنموا هذه الفرص. إنّ الاستفادة من هذه الفرص هي أكبر شكرٍ. إن فصل هذه الجامعة عن الجامعة الرئيسية[1] - حيث إنّ كليهما من المراكز المهمة جداً التي أوجدتها قوات الحرس - كان أمراً لازماً لمصلحة الحرس ومن أجل التطوير العلمي والتقني والعملي، ولا زال كذلك. وينبغي متابعة هذا العمل في الفرعين بجدية تامة، سواء في الجامعة أو في جامعة الضباط وإعداد الحرس، فهناك أساتذة جيدون ومدراء جيدون وشباب جيدون بحمد الله. كل واحد منهم يتابع ويعمل على القيام بوظائفه.

 

اللهم أنزل فضلك ورحمتك ولطفك على هذا الجمع، اللهم اشمل إمامنا العزيز الذي شقّ لنا هذا الطريق الساطع بأفضل رحمتك وفضلك، اللهم ارفع من درجات شهدائنا الأعزاء الذين هم أحياء بحمد الله وسيبقون أحياء، ألحقنا بهؤلاء الأعزاء، وأوصل سلام هذه المجموعة إلى المحضر الأقدس لولي العصر أرواحنا فداه.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 


 


[1] إن جامعة الإمام الحسين عليه السلام تتضمن فرعين منفصلين ومتجزئين، أحدهما: الجامعة الخاصة بالضباط الذين يتم اختيارهم كموظفين عسكريين في الحرس. والثاني: الجامعة الشاملة التي تقبل الطلاب من خلال امتحان القبول (كنكور - غير المنح الدراسية).

 

 

284


236

خطاب الولي 2010

نداء الإمام الخامنئي دام ظله

إثر الهجوم الصهيوني عل قافلة المساعدات

 

 

 

في جامعة الإمام الحسين عليه السلام

المناسبة:   الهجوم الصهيوني عل قافلة المساعدات

المكان:   طهران

 

الزمان:    11/30/9831هـ.ش.

81/06/1341هـ.ق.

10/60/0102م.

 

 

285

 

 

 


237

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن هجوم الكيان الصهيوني الإجرامي القاسي على قافلة الإمدادات الإنسانية البحرية حلقة أخرى من سلسلة الجرائم الكبرى التي ملأت بها هذه الحكومة الشريرة الخبيثة العقد السابع من حياتها المخزية. هذا نموذج للسلوك الوقح والخالي من الرحمة والذي راح المسلمون في هذه المنطقة وخصوصاً في أرض فلسطين المظلومة عانون منه طوال عشرات الأعوام. لم تكن هذه القافلة إسلامية أو عربية هذه المرة بل مثّلت الرأي العام والضمائر الإنسانية من كل أنحاء العالم. يجب أن يكون هذا الهجوم قد أثبت للجميع أن الصهيونية وجه جديد وأعنف للفاشية يُدعم ويساعَد هذه المرة من قبل الحكومات التي تدّعي الحرية وحقوق الإنسان وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

 

أمريكا وبريطانيا وفرنسا وسائر الحكومات الأوربية التي تدعم هؤلاء المجبولين على الإجرام سياسياً وإعلامياً وعسكرياً واقتصادياً وتقف وراء الفجائع التي يرتكبونها، يجب أن تتحمل مسؤولياتها بكل جد. على الضمائر الحية في كل أنحاء العالم أن تفكر بجد في الظاهرة الخطيرة التي تواجهها الإنسانية اليوم في منطقة الشرق الأوسط الحساسة. أي كيان سفاح وقح ومجنون يتحكم اليوم في بلد فلسطين المغتصَب وشعبه المظلوم المفجوع؟ وماذا تعني ثلاث سنوات من الحصار الغذائي والدوائي والحيوي مليون ونصف المليون امرأة ورجل وطفل في غزة؟ وكيف يُفهم القتل والسجن والتعذيب اليومي للشباب في غزة والضفة الغربية؟ لم تعد فلسطين قضية عربية ولا حتى إسلامية بل هي أهم قضية لحقوق الإنسان في العالم المعاصر. إن الخطوة الرمزية والمتألقة لإيفاد قافلة بحرية إلى غزة يجب أن تتكرر مرات ومرات بعشرات الأشكال والأساليب الأخرى.

 

وإن الحكومة الصهيونية السفاحة وحماتها، خصوصاً أمريكا وبريطانيا، يجب

 

 

287


238

خطاب الولي 2010

أن ترى وتشعر بالقدرة التي لا تهزم لعزيمة الضمير العالمي العام وصحوته تقف أمامها. وإن الحكومات العربية تتعرض لاختبار صعب. فالشعوب العربية الواعية تطالبها بخطوة حاسمة وقاطعة. على منظمة المؤتمر الإسلامي والجامعة العربية أن لا تقنع بأقل من الرفع التام للحصار عن غزة، والإيقاف الكامل للتطاول على بيوت الفلسطينيين وأراضيهم في الضفة الغربية، ومحاكمة مجرمين مثل نتنياهو وإيهود باراك. وليعلم الشعب الفلسطيني والشعب والحكومة الشعبية في غزة أن عدوهم الخبيث هو الآن أضعف من أي وقت آخر. الجريمة البحرية التي ارتُكبت يوم الاثنين ليست علامة قوة بل مؤشر على يأس الكيان الغاصب وخيبته واضطرابه. جرت السنّة الإلهية على أن يخطّ الظالمون بأيديهم في أواخر عهودهم المخزية مصيرهم المحتوم في الفناء والزوال.

 

الهجوم على لبنان وعلى غزة في السنوات الماضية من جملة هذه الخطوات المجنونة التي قرّبت الإرهابيين الصهاينة الحاكمين من هاوية السقوط النهائي. والهجوم على قافلة الإمدادات الدولية في مياه البحر الأبيض المتوسط خطوة حمقاء أخرى من هذا القبيل.

 

أيها الإخوة والأخوات الفلسطينيون، عززوا ثقتكم بالله الحكيم القدير وآمنوا بقدراتكم وزيدوها. وتيقنوا من النصر النهائي واعلموا أنه: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾[1].

 

السيد علي الخامنئي

١١ خرداد ١٣٨٩

 


 


[1] سورة الحج، الآية 40.

 

288


239

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء الشعراء والمدّاحين

 

 

 

 

المناسبة:   ذكرى ولادة السيدة الزهراء عليها السلام وولادة الإمام الخميني قدس سره

الحضور:  شعراء أهل البيت عليهم السلام ومدّاحوهم وذاكروهم

المكان:   طهران

 

الزمان:    13/03/ 1389هـ.ش.

20/06/1431هـ.ق.

30/60/0102م.

         

 

289


240

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بارك الله لكم هذا العيد السعيد وهذه الولادة الكبرى، هذا اليوم المبارك من تاريخ الإسلام، إخواني وأخواتي الأعزاء الذاكرين المداحين الخطباء المذكرين بمناقب فاطمة الزهراء عليها السلام ولكل الشعب الإيراني. نشكر الله بكل وجودنا أن تفضّل علينا بقلوب عامرة بالمحبة وبهذا الحب الجيّاش كذخرٍ لشعبنا ولسعادتنا ولعزتنا وكرامتنا.

 

لو لم تكن محبة أهل البيت عليهم السلام والعشق الجيّاش لمثل هؤلاء العناصر الإلهيين والربانيين، لكان من المسلّم عدم بقاء تيّار التشيّع بهذه المعارف المستحكَمة وعبر الزمان والتاريخ مع وجود كل هذه العداوات. ولهذا لا ينبغي التقليل من شأن هذه العواطف وهذا العشق الجياش. ويقيناً إن منطق كلام الحق له تأثيرٌ كبير، وبدون خلفية المنطق والحكمة لا يمكن الحفاظ على أي حقٍّ واستمراره، لكن انتشار التوجه إلى الحق، وبقاء هذا الحق طوال تاريخ الإسلام ما كان ممكناً لولا المحبة والمودة والارتباط القلبي والعاطفي. لهذا إذا لاحظتم، منذ بداية الإسلام وإلى يومنا هذا، كان الارتباط الفكري والعقلاني متلازماً مع الارتباط العاطفي والقلبي.

 

لو تأمّلتم في التاريخ عندما كان النبي الأكرم أيام فتح مكّة ـ أي في السنة الثامنة للهجرة ـ يريد الوضوء كيف أن أصحابه كانوا يتسابقون للحصول على بعض قطرات ماء وضوئه المتساقطة من وجهه المبارك ليمسحوا بها وجوههم من أجل التبرّك، هذا هو الارتباط العاطفي، وهو أمرٌ يختلف عن الخضوع القلبي والإيمان بالمعارف النبوية، فهو أمرٌ آخر، فهذا هو الشيء الذي جعل عدواً عنيداً كأبي سفيان يحتار ويتعجّب، فعندما رأى هذا المشهد قال: لقد شاهدت الكثير من السلاطين والحكّام لكنني لم أرَ واحداً منهم له مثل هذا النفوذ في القلوب مثلما أرى اليوم من قدرة الإسلام. هذا هو

 

291

 


241

خطاب الولي 2010

الارتباط القلبي والعاطفي، وهذا ما يجب الحفاظ عليه.

 

فاطمة الزهراء، الصدّيقة الكبرى عليها السلام، أعظم امرأة في تاريخ البشر، مفخرة الإسلام، ومفخرة هذا الدين، وافتخار هذه الأمة. إن مقام فاطمة الزهراء عليها السلام هو من تلك المقامات التي لا يمكن أو يصعب تصوّرها بالنسبة للبشر العاديين كأمثالنا، هي المعصومة فحسب. لم تكن بلحاظ المسؤولية الرسمية نبياً أو إماماً وخليفة للنبي، لكنها من حيث المرتبة بمستوى النبي والإمام. فأئمة الهدى عليهم السلام يذكرون الاسم المبارك لفاطمة الزهراء بكل تعظيم وتجليل، ويأخذون عن معارف الصحيفة الفاطمية، فهذه أمورٌ عظيمة جداً. هذه هي فاطمة الزهراء عليها السلام. وما هو موجودٌ في الحياة الظاهرية لهذه العظيمة هو من جانبٍ: علمٌ وحكمة ومعرفة، حيث إنه حتى في خطبة فدك المعروفة عنها والتي ينقلها الشيعة وكذلك أهل السنّة قد نقلوا بعض فقراتها ـ ومنهم من نقل كل الخطبة - عندما تنظرون إلى الحمد والثناء الموجود فيها، في مقدمتها، ستلحظون كيف أن الأجواء قد عبقت بدفق الحكمة والمعرفة الجارية من اللسان الدّرّي لهذه المرأة العظيمة، وهي بحمد الله باقية لنا - هذا مع أن تلك الأيام لم يكن الظرف فيها ظرف تعليم، أو لخطاب العلم والمعرفة، بل كانت الخطبة في الواقع احتجاجاً سياسياً ـ وقد ذكرت فيها من المعارف الإلهية والمعارف الإسلامية أعلى مستوى يمكننا إدراكه، من جانبٍ آخر فإن حياة هذه العظيمة مشحونة بالجهاد، حيث كان لها حضورٌ فاعلٌ ومؤثّر كجندي مضحٍّ في الميادين المختلفة.

 

فمنذ مرحلة الطفولة في مكة، في شِعب أبي طالب، في إيصال المؤن والدعم المعنوي لأبيها العظيم، إلى مواكبة أمير المؤمنين في مراحل الحياة الشاقة في المدينة، في تلك الحروب، في مختلف مراحل الغربة، في تلك المخاطر، ووسط مشقات الحياة المادية والضغوط المتنوعة، وكذلك في مرحلة محنتها ـ أي بعد رحيل النبي ـ سواء في مسجد المدينة، أو على فراش المرض، في جميع هذه المراحل كانت هذه "المرأة" العظيمة مشغولة بالتحرك والسعي، حكيمة مجاهدة، عارفة مجاهدة.

 

كذلك من ناحية مسؤولياتها كامرأة: وظيفة الزوجية والأمومة وتربية الأبناء

 

 

292


242

خطاب الولي 2010

والاهتمام والعناية بالزوج فقد كانت امرأة نموذجية. وما نُقل في خطابها إلى أمير المؤمنين يعبّر عن خشوعٍ وخضوعٍ وتسليمٍ وطاعة لأمير المؤمنين، ومن ثم تربية هؤلاء الأبناء كالإمام الحسن والإمام الحسين وزينب: هي آية عظمى وسامية لامرأة نموذجية في وظائف المرأة وتربيتها ومحبتها، وكل هذه المسائل القيّمة التي لا نظير لها كانت ضمن عمر لم يتجاوز 18 سنة.

 

فتاة شابة عمرها 18 سنة بكل هذه المقامات المعنوية والأخلاقية والسجايا السلوكية، وإن وجود مثل هذا العنصر، مثل هذا الموجود في أي مجتمع، في أي تاريخ، ولدى أي شعب سيكون مبعث افتخار، وليس عندنا نظيرٌ له. فالإطلاع على هذه المعارف يعرّفنا إلى سجايا هذه العظيمة، ولكن بدون الارتباط العاطفي، بدون المحبة، وبدون شعلة العشق والشوق التي تُجري الدموع من عين الإنسان ـ سواء عندما يسمع مصيبتها، أو عندما يسمع مناقبها ـ لا يصل الإنسان إلى نتيجة، هذا شيء آخر، إنه ذلك الارتباط العاطفي والمعنوي والروحي، ويجب الحفاظ عليه.

 

منذ بداية تاريخ التشيّع وإلى يومنا هذا كان هناك عنصرٌ أساس في التشيّع ومسيرة التشيّع، وهو ذلك التيّار العاطفي، بالطبع تلك العاطفة التي تستند إلى المنطق وتعتمد على الحقيقة، لا العاطفة الخاوية. لهذا أنتم ترون في القرآن أن أجر الرسالة هو المحبة والمودّة في القربة، ﴿قُل لَّآ أَسۡ‍َٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ﴾[1] وهذه نقطة فائقة الأهمية يجب الإلتفات إليها. فالخدش في هذه المحبة بأي شكلٍ وبأية صورة يُعدّ خيانة لهذه المسيرة العظيمة لمحبة أهل البيت واتّباعهم. يجب الحفاظ على هذه المحبة. لهذا أنتم ترون أنه في عصر الأئمة عليهم السلام كل هؤلاء المحدّثين، وكل هؤلاء التلامذة المطلعين والفقهاء الكبار الذين كانوا ينهلون من محضر الإمام الصادق عليه السلام والإمام الباقر عليه السلام وباقي الأئمة وقد نقلوا المعارف والأحكام والشرائع والأخلاقيات، سمعوا ونقلوا ودوّنوا، ولكن إلى جانب كل هذه الأمور عندما يتفحّص الإنسان جيداً يرى نظرة خاصة إلى دعبل الخزاعي، وإلى السيد الحِميَري، وإلى كُميت بن زيد الأسدي. في

 


[1] سورة الشورى، الآية 23.

 

 

293


243

خطاب الولي 2010

حين أن أمثال زرارة ومحمد بن مسلم وعظماء من هذا القبيل كانوا موجودين حول الأئمة عليهم السلام، ولكن الإمام الرضا عليه السلام يهتم اهتماماً خاصّاً بدُعبُل، والإمام الصادق عليه السلام يتوجّه بالعناية والمحبة إلى السيد الحِميَري، كل ذلك لأن بُعد الارتباط العاطفي والمحبة يوجد في شعر الشعراء ومدح المادحين وذكر الذاكرين على نحوٍ أتم وأوفى، وهذا لا يوجد في أماكن أخرى، وإذا وُجد يكون ضعيفاً، أو نقول إن تأثيره هناك يكون ضعيفاً، فالشعر والمدح والذكر كان لها هذا الدور الهام في تاريخ التشيع.

 

اليوم أكثر من يحضر هذه الجلسات هم المادحون والذاكرون وأهل الثناء على أهل البيت، وهذه مرتبة عليا. وليس قصدي من هذا أن أقنعكم بهذه المهنة التي تقومون بها أو المسؤولية التي حملتموها على عاتقكم وهي يقيناً متلازمة مع المحبة والعشق. وهذا تحصيل حاصلٍ، فأنتم قد مشيتم في هذا المسار بكامل الميل والإرادة والمحبة، وإن شاء الله تشملكم العناية والثواب الإلهيان وعناية أهل البيت عليهم السلام، ولكن قصدي هو أن نتعرّف إلى هذا التيار بشكل صحيح ونستفيد مما كان مورد اهتمام الأئمة عليهم السلام. أريد أن أذكر لكم إخواني الأعزاء أنتم الذاكرين لأهل البيت المداحين والمنتمين إلى مجتمع المداحين والذاكرين لأهل البيت أن هذا العمل عملٌ شريف وقيّم وله دورٌ حيوي في بقاء التشيّع وفي الحفاظ على الإيمان الشيعي والمعرفة الشيعية واتباع أهل البيت عليهم السلام. فاعرفوا قدر هذا.

 

اجتماعنا هذا يقام منذ أكثر من عشرين سنة في كل عام، وقد ذُكر الكثير فيما يتعلق بالمداحين والمدح، ونحن قلنا - لا شك بأن الإنسان يشاهد أعمالاً جيدة وتطورات ملحوظة وتجليات مهمّة - ولكن أنا أريد أن أقول: إن الإمكانات الموجودة عظيمة جداً. فلعلّني قلت هذا مراراً للأصدقاء الذين شاركوا في هذا اللقاء سنوياً، أحياناً إن بيتاً شعرياً تنلونه له تأثيرٌ أكبر من ساعة واحدة من البحث الاستدلالي لمتفوّه ماهر. إن هذا يمثّل إمكانية كبيرة، ويجب الإستفادة الجيدة من هذه الإمكانية. ومن الممكن مع هذه الإمكانية العظيمة نقل معارف أهل البيت بالاستمداد من الأبعاد العاطفية إلى أعماق قلوب الناس في أرجاء هذا البلد وتعميقها وليس هذا بالأمر القليل.

 

نحن اليوم بحاجة إلى هذا الأمر، ودائماً محتاجون. نحن بحاجة إلى أن نثبّت إيماننا

 

 

294

 


244

خطاب الولي 2010

ويبقى مع الأيام ولا تزلزله الأمواج المختلفة لإعلام أعدائنا، ونحن دوماً بحاجة إلى هذا. واليوم فإن أعداء الحقيقة وأعداء الإسلام وأعداء معرفة أهل البيت عليهم السلام قد نزلوا إلى الميدان بأدوات فعّالة، وهم اليوم أكثر تسلحاً من أي وقتٍ مضى، وهم يستخدمون الكثير من أنواع وأشكال الوسائل من أجل إضعاف هذا المجتمع الذي قد قام بحق ولفت عالم الإسلام إليه وأضعف مخالب الاستكبار المنحط ـ أي مجتمع الجمهورية الإسلامية ومجتمع إيران الإسلامية ـ وأيضاً من أجل التقليل من قدراته وتضعيف عزّته عند الشعوب الإسلامية والأمة الإسلامية، فهم يسعون لأجل هذه الأمور.

 

أنتم يا شعب إيران وطوال هذه السنوات الثلاثين قد قمتم بالكثير من الأعمال الكبرى. وأعداء شعب إيران هم أعداء غلاظ. فجميع الظالمين والناهبين والرأسماليين الكبار وعصابات الهيمنة ومافيات الثروة يقفون بوجهكم. وأنتم قد قطعتم عليهم الطريق وأوجدتم لهم المشاكل. شعب إيران قد كان له طوال هذه السنوات حركة مؤثرة جداً.

 

فهذه العداوات التي يظهرونها، وهذه الكراهية التي يشعرون بها تجاه شعب إيران ليست اعتباطية. فلو لم تجعلوا طريق هذه السرقات صعباً وشاقاً، ولو لم توجدوا أمام تسلط الاستكبار وسيطرته عائقاً، لما كانوا يعادونكم بهذا المستوى. فهؤلاء الأعداء اليوم هم بصدد إفراغ شعب إيران من محتواه النهضوي ـ الذي هو الإيمان الواضح المستدل. ويستعملون لأجل ذلك أنواع الأساليب ويروّجون بالباطل ويخلقون الملاهي، سواء الملاهي الفكرية أو الشهوانية أو السياسية ويشعلون الفتن، فكل هذه نابعة من السياسة. مقابل هؤلاء ما العمل؟ ينبغي تقوية هذا الإيمان الذي هو منطلق القيام والثبات والصمود لشعب إيران.

 

وإن أحد العوامل التي يمكن أن تؤدي هذا العمل الكبير هو نشر المعارف الإسلامية والمعنوية والثورية بصورة واضحة ونشر محبة أهل البيت عليهم السلام مهما أمكن في القلوب وفي أرواح الناس، وهذه مسؤولية ملقاة اليوم على عاتقنا جميعاً، فالمداحون يتحمّلون جزء منها، وهو جزء مهمٌ أيضاً. بهذه العين انظروا إلى مهنة المدّاح. فعندما تقفون هناك من أجل القراءة اشعروا أنكم قد وقفتم كمبلّغين للدين وكحملة للحقائق 

 

 

295


245

خطاب الولي 2010

الدينية في أعظم الأساليب تأثيراً. فلو وُجد هذا الشعور سيضيق مجال اختيار الشعر، وكذلك كيفية الأداء ومن يريد أن يؤدي هذه المسؤولية، لا بد من ذلك.

 

هذا العمل ينبغي أن تقوموا به بأنفسكم، فإنه عمل المداحين أنفسهم. فاليوم إذا سألوا: "أيها السيد ماذا تحتاج مهنة المدّاح؟"، "وإذا أراد أحدً أن يصبح مدّاحاً وأراد أن يبدأ من اليوم فماذا يحتاج؟" فأنتم تعدون أمرين أو ثلاثة، تقولون يجب أن يكون صوته جيداً ويمتلك حافظة جيدة، يمكنه أن يتعلّم الشعر، ولا شك أنه يجب أن يمتلك روحية. أن يمتلك الإنسان حافظة جيدة وصوتاً حسناً ليكون مدّاحاً ليس أمراً كافياً بنظرنا.

 

فعليكم أن تنظروا إلى المدّاح على أنه معلّمٌ يريد أن يعلّم مستمعه شيئاً. وجميعكم حائزون على هذه الأهلية. فلا ينبغي أن يخرج أي واحد من هذه الدائرة. كل من لديه الرغبة بهذا العمل فليسمِّ باسم الله وليبدأ، فهذا أمرٌ حسنٌ جداً، ولكن بشرط أن يُوجِد هذه الأهلية في نفسه.

 

فإذا كنتم تتلون الشعر فليكن شعر المعرفة، شعراً تعليمياً، سواء فيما يتعلَق بقضايا اليوم - كبعض الأشعار التي ألقاها علينا بعض السادة وهي ناظرة إلى أحداث اليوم في المجتمع، فإن مثل هذا الأمر له قيمة عظيمة وهو تعليمي - أو حتى ذلك الذي لا يكون فيه هذا الأمر، ولكن افرضوا أنكم تريدون أن تعرّفوا بفاطمة الزهراء عليها السلام، فقوموا بذلك بحيث يستلهم المسلم أو المرأة أو الشاب منها دروس الحياة، فيشعر في قلبه بالخشوع والخضوع والتعلّق تجاه هذه المرأة التي تجسّد القداسة والطهارة والحكمة والمعنويات والجهاد. هذه هي طبيعة الإنسان. فنحن تابعون للكمال ونصبو إليه. فلو تمكنّا من إيجاد الكمال في أنفسنا سنفعل، ولو لم نتمكّن، فإننا سننجذب إلى من هو صاحب هذا الكمال وبشكلٍ طبيعي.

 

فنقوم ببيان هذا الكمال في فاطمة الزهراء عليها السلام وفي أمير المؤمنين عليه السلام وفي الأئمة الأطهار عليهم أفضل الصلوات والسلام للمستمعين، حتى يرتوي مستمعنا من هذه المعرفة التي تشبه الماء الزلال الذي يأتيه في قالب الشعر وفي قالب الكلام الموزون وخصوصاً إذا كان في قالب الصوت الحسن واللحن الصحيح والجيّد. فيسري إلى كل

 

 

296


246

خطاب الولي 2010

أجزاء بدنه. ومثل هذا العمل لا يقدر عليه الكثير من الخطباء أو الفنانين أو المعلمين ولكنكم قادرون عليه لو قمتم به.

 

لقد أوصيت مراراً والآن أوصي بأن تقسّموا منبركم ومجلسكم إلى قسمين: القسم الأول في المعارف والأخلاقيات. فنحن اليوم بحاجة إلى الأخلاقيات وإلى المعارف. اليوم نحن بحاجة إلى أن يقبل شبابنا وأجيالنا بحيوية وأمل ورغبة وتفاؤل بالمستقبل نحو الإيمان بالله والارتباط القلبي بأهل البيت. نحن بحاجة لأن يفتخر شبابنا اليوم بأنهم أبناء إيران الإسلامية، أن يفتخروا بوجود الإمام والجمهورية الإسلامية، يفتخروا بدينهم ومذهبهم واتّباع أهل البيت. إننا اليوم بحاجة إلى الشاب الذي يعلم أن مصيره ومصير مجتمعه ومصير أسرته الكبيرة مرتبطٌ بسعيه وعمله، فليكن من أهل السعي والعمل والجد والمثابرة، ولا يكونن من الكسالى والمحبطين واللامبالين. فكيف تتحقق مثل هذه التربية؟ يمكنكم أنتم أن تؤدوا هذا الدور. لهذا فليكن أحد أقسام المنبر شعراً يحتوي على هذه المعاني. وأفضل أنواع البيان هو البيان غير المباشر.

 

قوموا بترويج معارف أهل البيت من خلال قوالب الشعر الجيّد. وها هنا يُعلم دور الشعراء. ونحن اليوم لحسن الحظ لسنا في قلّة من الشعراء الجيدين. فبعض الأشعار التي أُلقيت اليوم تُعدّ من الأشعار الجيدة. فاليوم بحمد الله لدينا شعراء جيدون وخطباء يمتلكون أساليب جيدة في البيان وفي إبراز الحقائق ونظمها من خلال الشعر، فابحثوا عنهم وجدوهم.

 

فأنتم المداحون، عندما تطلبون الشعر تفجرون منابع الشعر عند الشاعر. فإذا أصبحتم تطلبونه سيُنظم لكم الشعر.

 

وعندما يُتلى شعره بواسطتكم فإن دافعه لتأليف الشعر يتضاعف، وهذا ما يؤدي إلى إيجاد الاندفاع، فهو يمدّكم وأنتم تساعدونه.

 

وقسمٌ من المنبر يتعلّق بمدائح ومراثي أهل البيت عليهم السلام. فلا شك أننا فيما يتعلّق بقراءة المراثي (العزاء) لدينا كلامٌ كثير. ولمرّات عديدة قلنا لكم أيها المداحون الأعزاء في مثل هذه الجلسة وفي غيرها إنّ قراءة المراثي يجب أن تكون ملتصقة بصدق الواقعة. صحيحٌ أنكم تريدون أن تُبكوا مستمعيكم، ولكن هذا البكاء يمكن أن يتحقق من خلال إظهار الجانب الفني في بيان الواقعة، لا بذكر وقائع لا أصل لها. وقد كنا نلاحظ

 

 

297

 


247

خطاب الولي 2010

في الماضي - وإن شاء الله ليس الأمر في وقتنا هذا كذلك ـ أن بعضهم يختلق في المجالس أشياء، فإذا خطر على باله أمرٌ ورأى أنه مناسبٌ وفي محلّه فإنّه يقوله ويستدرّ دموع الناس! وهذا ليس صحيحاً. فإن استدرار دموع الناس ليس هدفاً، بل الهدف هو مزج هذا القلب الدامع ـ الذي يوصل الدموع إلى العين فتنهمر منها ـ بالمعارف الصافية، وبالطبع بالأبعاد الفنية اللازمة.

 

كان لدينا في مشهد منبري معروف قبل خمسين سنة، وهو المرحوم ركن الواعظين. فكان يصعد المنبر فيجعل الناس يبكون تحت منبره وتنهمر دموعهم بغزارة، في حين أنه بنفسه كان يقول إنني لا آتي على ذكر الحربة والخنجر. وهو كذلك في الواقع، فقد حضرت منبره عشرات المرّات. وكان يصوّر الواقعة بطريقة فنّية تؤدي إلى إحداث انقلاب في مجلسه، بدون أن يقول قُتل أو رمى سهماً وبدون أن يقول ضرب سيفاً أو طعن خنجراً، فلم يكن يأتي على ذكر هذه الأمور. فيمكن من خلال الأساليب الفنية قراءة مجالس عزاء جيدة ومبكية.

 

وأنا أقول لكم أيضاً إنه ليس من اللازم أن يصرّ السادة المدّاحون وقرّاء العزاء - الذين قليلاً ما نوفّق لرؤيتهم، وإن كنا بعض الأوقات نستفيض من إفاضات المدّاحين - على البكاء بصوت مرتفع، حسناً، فابكوا بهدوء. وعندما يريدون أن يلطموا يكون الإصرار على "أن هذا الصوت ليس لهذه المجلس" أو عندما يريد الناس أن يرفعوا أصواتهم بالصلاة نصرّ على "أن الصلوات ليست من هذا المجلس!" (وهي جمل يكثر القراء قولها عندما يلاحظون انخفاض الأصوات بالبكاء ).. فأنتم تريدون أن يصلّوا على النبي وآله ولو في قلوبهم. فتعبئة المجلس بمثل هذه الأساليب ليست أمراً أساساً، بل قوموا بما يسخّر قلوب المستمعين لكم. فعندما يصبح قلب المستمع تحت تصرفكم يحصل المقصود ولو بكى بصوت منخفض، فإن الهدف يتحقق أيضاً، وإذا التفت إليكم، فإن المقصد يتحقق.

 

بناء عليه فإن نتيجة ما ذكرناه اليوم هو أن عمل المدّاحين عمل كبير ومهم، وهو مهنة عظيمة التأثير، ويمكن أن تكون مصداقاً بارزاً للجهاد في سبيل الله. عندما تقولون إننا جاهزون للحضور في الميادين، هذا يكون بالنسبة لكل واحد بطريقته:

 

 

298

 


248

خطاب الولي 2010

فأحياناً يكون الميدان ميدان الحرب وأحياناً يكون الميدان في مواجهة الأعداء الذين يستخدمون الحروب الثقافية والحروب الناعمة، وهذا نحوٌ آخر من الجهاد والمبارزة، وله مقتضياته. ففي عملكم أيها المداحون حضوركم في الميادين والجهاد يعني إظهار الكلام المؤثّر والبيان الهادي للقلوب، بالطبع بالأساليب الفنية. وهنا فإن الأسلوب الفني الذي ذكرناه هو الصوت الحسن الذي بحمد الله موجودٌ عندكم جميعاً، والألحان المتعارفة أيضاً. ولا شك بأن بعض الألحان التي يسمعها الإنسان هنا وهناك أو تطرق سمعه ليست ألحاناً مناسبة وإن فرضنا أنها تجذب أربعة أشخاص.

 

كلا، يجب أن يكون اللحن محكماً ومتيناً ومناسباً للمحتوى الذي تقدّمونه، فلا ينبغي أن ننساق لا سمح الله إلى الألحان المحرّمة والتي فيها معصية. وهذه نقطة أساس ومهمّة جداً. فليس كل شعر وكلّ نصّ وكلّ لحنٍ ينشد قابلاً للتقليد. فهناك أشياء تكون في نفسها حراماً. وإن كانت الحرمة تتضاعف فيما لو دخلنا إلى ميدان المدح وبيان الحقيقة والتعريف بالله والنبي. بناء عليه فإن الألحان الفنية والجيدة والمناسبة والشعر الجيد والصوت الحسن ولعلّ الأهم من الجميع القلب النقي والمطهّر والمخلص للمدّاح المحترم كلها أمور لازمة ومهمة.

 

نسأل الله تعالى ببركة الزهراء المرضية عليها السلام أن يوفقكم جميعاً ويؤيّدكم ويتقبل جهودكم. اللهم، بمحمد وآل محمد أدِم على بلدنا ومجتمعنا وقلوبنا بركات الزهراء المرضية. اللهم، لا تفصلنا عن هذه الأسرة في الدنيا والآخرة. اللهم، اجعلنا مشمولين بدعاء حضرة بقية الله عجل الله تعالى فرجه الشريف. اللهم، احشرنا في الدنيا والآخرة مع هؤلاء العظماء. اللهم، أحشر شهداءنا الأعزاء وإمامنا العظيم مع فاطمة الزهراء عليها السلام وأئمة أهل البيت عليهم السلام.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

299

 


249

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء نواب مجلس الشورى الإسلامي

 

 

 

المناسبة:   انتخاب رئيس وأعضاء الهيئة الرئاسية في مجلس الشورى الإسلامي

الحضور:  رئيس ونواب مجلس الشورى الإسلامي

المكان:   طهران

 

الزمان:    18/03/ 1389هـ.ش.

25/06/1431هـ.ق.

08/06/2010م.

 

 

301


250

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يجب أن نشكر الله تعالى على أن أعطانا فرصة وأمهلنا سنة أخرى في ساحة الامتحان الصعب ـ امتحان الحياة والعيش ـ وأن نلتقي بفضل الله وقبوله وتوفيقه في نهاية هذه السنة إخواننا وأخوتنا الأعزاء بمناسبة سنوية تشكيل المجلس والإنتخابات.

 

بداية نشكر جهودكم أيها النواب المحترمون ورئيس المجلس المحترم حيث بيّنتم اليوم بكلماتكم الشافية والكافية مطالب مفيدة. فأنتم أيها النواب المحترمون بالإضافة إلى جهودكم ومساعيكم في مجال التشريع والإشراف وغيرهما من الوظائف القانونية التي تقومون بها ـ حيث قدّم اليوم الرئيس المحترم للمجلس تقريراً بهذا الصدد، وبالأمس في لقائنا كان قد بيّن بالتفصيل جزئيات إضافية ـ لكم دورٌ مهم في الميادين السياسية وعلى المستوى الداخلي والخارجي حيث ينبغي أن أشكركم من أعماق قلبي. هناك حيث يواجه النظام جبهة عريضة من العداوات والأحقاد على مستوى العالم، وتُظهر هذه الجبهة نفسها في المناسبات المختلفة، كما تُظهر أذاها، يرى الإنسان هذا المجلس صادحاً بمواقفه كجسمٍ واحدٍ حيٍّ وفعّال ـ في قضية فلسطين والملف النووي وغيرهما ـ وكذلك في القضايا الداخلية كما ذُكر، حيث بعض المفتنين والمنحطين أخلاقياً، فقد كان للمجلس دورٌ بارز أيضاً، فمثل هذا الأمر يستحق الشكر والتقدير.

 

عندما ينظر المرء إلى تشكيلة المجلس ونسيجه، وبالالتفات إلى اختلاف الأجنحة والتوجهات والسلائق السياسية ـ وهي أمورٌ طبيعية ـ يرى المجلس كمجموعة نشيطة مؤمنة تحمل الشعور بالمسؤولية. وهو أمرٌ صحيحٌ أيضاً. فاليوم بلدكم ـ لعله من الصحيح أن نقول تاريخكم ـ يتطلع بقلق إلى سلوكي وسلوككم. فإننا اليوم نعيش في وضعٍ حساس من الناحية التاريخية. فدورنا وقرارنا وفعلنا وتركنا ستؤثر على الأجيال القادمة وعلى مصير البلد، هذا وإن كانت كل مراحل الثورة من هذا القبيل. السنوات

 

 

303

 


251

خطاب الولي 2010

الثلاثون التي مرّت سيكون لها أثرٌ على مصيرنا التاريخي المقبل، ولكن يبدو لي أن هذه المرحلة وهذه الظروف المتعلقة بالسنوات الحالية المحددة لها خصوصيات خاصة لا تتجاوزها.

 

إن وضع العالم في حال التغيّر. والظروف السياسية للعالم والموازين السياسية وموازين القوى على مستوى العالم هي في حالة تحوّل، فيشاهد المرء تشكّلات جديدة. وأنتم الذين لكم دورٌ سياسي تعلمون جيداً فإنه في هذه الظروف فإن جميع العناصر الحاضرة في الساحة يمكنها أن تقوم بدورٍ مهم لمصلحة أهدافها وتطلعاتها، أو أنها يمكن أن تبقى عاطلة وبطّالة. فعندما تحدث التحوّلات والتبدّلات العالمية، فإنّ العنصر الخامل والعاطل والغافل سيكون له دورٌ أضعف في التحوّل المقبل وفي التشكّل الجديد الذي سيكون حاكماً على الأوضاع السياسية للعالم. أما العنصر الفعّال واليقظ والذي يرصد الساحة ويشاهد الأفعال والانفعالات ويستشرف المستقبل، فإنه قادر على أن يحوز لنفسه على موقعٍ أكثر إحكاماً وإثماراً وأقرب إلى تطلعاته وأهدافه في التشكلات الجديدة التي من المفترض أن تتحقق. هذه هي ظروف الحاضر.

 

انظروا إلى منطقتنا، إلى الشرق الأوسط، فإن الأحداث التي تجري في الشرق الأوسط وفيما يتعلق بقضية فلسطين ليس لها سابقة، فلم يحدث من قبل ما يشبه هذه الأحداث أبداً.

 

وهذه دلالة على حدوث تبدلات وتحولات. وانظروا على مستوى العالم ـ موقع أمريكا وموقع بعض الدول الأوروبية وتأثيرها في العالم ودورها ـ ستشاهدون تغيرات كبرى في حال التحقق. ففي العقود الثلاثة الماضية شاهدنا في بعض الأزمنة مثل هذه الأمور، وفي ذهني أمثلة منها، ولكننا اليوم نشعر بهذه الأمور بشكل أوضح.

 

فلو قمنا بدورٍ فعّال في مثل هذه الظروف، فباليقين سيكون ذلك لمصلحة بلدنا ولمستقبل النظام ومستقبل مسيرنا التاريخي. ومثل هذا الدور الفعّال متوقف على وجود الانسجام اللازم والقدرة المطلوبة والدوافع الكافية والتعاون والتنسيق الحميم والمحكم في الداخل. فيجب النظر من هذه الزاوية إلى قضايا البلاد والقضايا التشريعية وإلى الرابطة بين الحكومة والمجلس وإلى المواقف المختلفة فيما يتعلق بالقضايا

 

 

304

 


252

خطاب الولي 2010

الداخلية والخارجية. فعلينا أن ننظر إلى كل هذه القضايا من هذا المنظور. وعندها، يصبح الكثير من الأمور التي قد تكون بنظرنا للوهلة الأولى مهمة قليل الأهمية.

 

لهذا، فباعتقادي أن هذا المجلس الحالي ـ حيث إنه بحمد الله لديكم تشكيلة جيدة وأنتم مؤمنون وثوريون ومطّلعون على القضايا، ويوجد الكثير من المتعلمين من بينكم، وقضايا البلاد هي قضايا حساسة ـ الذي بقي من عمره سنتان، عليه أن يستفيد من جميع الفرص من أجل أن يتحقق بواسطته كل ما ينبغي وما هو حق ولازم.

 

ولحسن الحظ فإن شعب هذا البلد، وخلافاً لتوقعات المخالفين للنظام وأعدائه، بحق وإنصاف قد كان له موقفه. فالشعب أظهر مدى تعلّقه بالإمام. وطبقاً للإحصاءات التي تقدّم إلينا دائماً وعلى مرّ السنوات، فإن حضور الناس هذه السنة، كان أكثر من السنة الماضية والتي سبقتها. حسناً، فماذا يعني هذا؟ حيث يجتمع كل هذا الجمع من طهران والمحافظات ويأتون في هذا الجو الحار من ذلك اليوم ليبقوا عدّة ساعات تحت الشمس ـ ونحن حيث كنا مظللين أو نصف مظللين ـ في هذه الميادين الواسعة وضمن هذا المسير وفي الشوارع، هذا الجمع الغفير في روضة الزهراء نساء ورجالاً وأطفالاً، وسمعت أن بعضهم قد تحمّل حرارة الشمس لحوالي ثماني ساعات، وهو في الواقع محلّ تقديرٍ وشكرٍ.

 

وإنني هنا أرى من اللازم أن أشكر من أعماق قلبي شعبنا العزيز والحاضرين في هذا الاجتماع العظيم لأجل كل هذا الوفاء. وهذه الأمور في غاية الأهمية. فمع مرور 21 سنة على رحيل الإمام أن يكون الناس بهذا المستوى من المحبة أمر رائع. الإمام مظهر الثورة، مظهر الدين، مظهر تلك التطلعات التي كان يدعو إليها وهو أول من فتّح أعيننا على هذه الأهداف وهدانا باتجاهها.

 

هو الذي دعا إلى اقتدار هذا الشعب من أجل طي مدارج السمو والكمال. فعندما يقدّر الناس إنساناً بهذه الخصائص، فهذا يعني أنهم يحترمون هذه الأهداف والمبادئ. هذه التطلعات والأهداف هي تلك الأمور التي تؤمّن سعادة أي شعب.

 

فالشعب الذي يكون نشيطاً ومؤمناً ويتشبّث بالإسلام، الشعب الذي يؤمن بنفسه ويتوكّل على ربّه، لا يمكن لأي مانعٍ أن يحول بينه وبين طي طريق الكمال. حسناً، هذه

 

305


253

خطاب الولي 2010

الأمور لها أهمية فائقة وأنتم ممثلو مثل هذا الشعب. هذا في ساحة الحضور العاطفي والعقلاني والشعوري والارتباط المعنوي بالإمام، وذاك أيضاً على ساحة الحضور في إنتخابات (الأربعين مليون)، السنة الماضية، هذه الأمور لها قيمة فائقة ومعانٍ عظيمة. وأنا وأنتم في الواقع خدام مثل هذا الشعب.

 

أحياناً يكون هناك شعبٌ غير مبالٍ، شعبٌ لا يكترث ولا يقوم بواجبه، وهنا يكون لنا كلام آخر، وتارة يكون هناك شعب بمثل هذا التحرّك والعشق والحماس والاندفاع والعاطفة والوعي، فالكلام يختلف تماماً.

 

نحن نتحمّل مسؤوليات كبيرة، أنا وأنتم والحكومة والمسؤولون الآخرون، جميعنا. وقد ذكرت في ذلك اليوم عند مرقد الإمام ضرورة إدخال الحسابات المعنوية في الحسبان. ولا نكتفي بالقول "إن على الإنسان أن يعمل" باللحاظ العقلاني، كلا فإن الله تعالى أيضاً سيسألنا بمقدار ما أعطانا من الإمكانات، بمقدار النعمة التي حبانا إياها، هناك مساء لة ومؤاخذة.

 

لو تمكّنا بمشيئة الله من أن نعمل لنلقى الله تعالى بوجوه مبيضّة، فعندها ستشملنا تلك الآيات التي تلاها علينا القارئ المحترم بصوته الحسن، ﴿لَا يَحۡزُنُهُمُ ٱلۡفَزَعُ ٱلۡأَكۡبَرُ وَتَتَلَقَّىٰهُمُ ٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ﴾[1] الفزع الأكبر، فالله بعظمته يقول إن هناك شيئاً كبيراً بل أكبر، نواجه فيه صورة مهيبة جداً جداً. ولكن أولئك الذين يعملون ويسعون في تكليفهم، فإنهم هناك سيكونون مطمئني البال، علينا أن نصدق هذه الأمور.

 

وفيما يتعلق بالمجلس فقد قيل الكثير داخل المجلس وخارجه، وقُدّمت تذكيرات، ونحن قلنا أشياء. وهنا سأذكر عدّة أمورٍ من الأشياء التي لعل بعضها مكرَّر.

 

بالنظر إلى قضايا البلد ـ حيث تتجلّى مسؤوليتكم القانونية والتشريعية ـ علينا أن نأخذ بعين الاعتبار ميزتين: (الميزة المثالية) و(الميزة الواقعية). فلتكن نظرتكم نظرة نحو الميزة المثالية. فلا تتخلوا عن الأهداف ولا تقصروا عندها. ينبغي أن تكون النظرة هادفة، غاية الأمر مع التوجه والالتفات إلى الواقعية. نضع سقفاً، غاية الأمر أن التكليف


 


[1] سورة الأنبياء، الآية 103.

 

 

306


254

خطاب الولي 2010

الذي نحدده لأنفسنا أو للحكومة أو للمسؤولين، ينبغي أن يكون بالالتفات إلى الوقائع الموجودة مع الأخذ بعين الاعتبار تلك الأهداف والتوجه إليها حتى تتعاظم هذه القدرات يوماً بعد يوم. وليس المطلوب أن تكون الواقعية بالمعنى المقابل للهدفية. مِلاك هذا هو أننا نريد الوصول إلى تلك الأهداف وفي نفس الوقت نأخذ بعين الاعتبار النظرة الواقعية المطلوبة، فلا ينبغي أن نعيش الأوهام.

 

فأحياناً من الممكن أن يُبتلى الإنسان بالتوهم عندما يريد اتخاذ القرار فيما ينبغي أن يقوم به، وهذا كما تعلمون خطأٌ. فعلينا أن ننظر إلى الأهداف. فتكون درجات سلّم الارتقاء مطابقة للوقائع الموجودة وتكون كل واحدة منها على طريق الوصول إلى الأهداف. هذه نقطة.

 

النقطة الأخرى التي كانت دوماً مورد الحديث ـ وقد ذكرناها وأنتم تقولونها وكذلك الحكومة ـ هي قضية التنسيق بين المجلس والحكومة، حيث ينبغي أن يتحقق هذا الأمر. أن يقول المجلس إننا من جانبنا قد قمنا بكل ما ينبغي وعلى الحكومة أن تقترب خطوة نحونا، وأن تقول الحكومة إننا قمنا بكل ما ينبغي وعلى المجلس أن يقتربَ منّا خطوات، هذا لا يصح. فلكل من الحكومة والمجلس حدودٌ معينة في القانون. ولا شك أن بعض هذه الحدود ليست مشخّصة في الواقع. ففي الحقيقة أن بعض هذه الخطوط ليست خطوطاً بارزة وواضحة وهذا من عيوب قوانيننا، فعلينا أن نعيّن هذه الخطوط ونوضحها.

 

فاليوم تحتاج البلاد إلى تعاون، أي أنه لا ينبغي للحكومة أن تعيش حالة العصيان تجاه المجلس ولا ينبغي أن يكون في المجلس أي نية لتوجيه الأذى للحكومة وتعطيل عملها. ولهذا على المؤسستين العمل بمودّة وواقعية وملاحظة موقع الآخر وبتعاون تام، وهذه وظيفة مهمة جداً. فعلى سبيل المثال، يقوم كلٌّ منهما بالتحاور في قضية القانون الذي هو محلّ كلامنا. فمن جانب، إن القول إن على الحكومة أن تلتزم بالقانون ـ أي كل ما اتخذ شكلاً قانونياً فإن على الحكومة أن تعمل به ـ هو أمرٌ صحيحٌ، ومن جانب آخر على المقنّن أن يأخذ بعين الإعتبار دور المدير التنفيذي. فالتنفيذ عملٌ صعبٌ.

 

هناك منكم من كان في العمل التنفيذي، وزيراً، أو تنفيذياً في القطاعات المختلفة،

 

 

307


255

خطاب الولي 2010

فبين التنفيذ والتخطيط مسافة كبيرة. لهذا ينبغي الالتفات إلى الواقعيات. فالحكومة هي ذلك العنصر الذي يقف في الوحول ويريد أن يقوم بالأعمال. فعلينا أن نسهّل عمل الحكومة. وعلينا أن نراعي عملها.

 

الصحيحُ أن على الحكومة أن تلتزم بالقانون، والصحيح أن على المجلس أن يعمل حتى تلتزم الحكومة بالقانون، وإلا لو فرضنا أننا ألقينا على الحكومة مسؤولية ولم نقرّها في المجلس، فهذا لا يصح لأنه يُوجِد المشاكل. أو افرضوا أن الحكومة قدّمت إلى المجلس مشروعاً - حيث إن الحكومة بالالتفات إلى إمكاناتها وقدرتها وبالالتفات إلى وضع الدولة والظروف المساعدة قد أعدّت هذا المشروع ـ ثم بعد ذلك تجري الأمور في المجلس بحيث ينتج شيء آخر. وغالباً ما نسمع مثل هذه الشكاية من أعضاء الحكومات. وأنا كنت في مثل هذا العمل. كنت في الحكومة، وكنت في المجلس، وأعلم كيف تجري الأمور وكيف يمكن تصحيحها وكيف يمكن أن تجري الأمور بطريقة أخرى. علينا الالتفات إلى هذه النقاط.

 

من اللازم العمل في أجواء حميمة، ولا علاقة لهذا بالخطوط السياسية. فما نقوله ليس موجهاً للذين ينسجمون مع الحكومة بلحاظ الفكر السياسي، كلا، فحتى الذين يعارضون الحكومة من هذه الناحية هم إخوة مؤمنون مسلمون وأبناء الثورة. إن القضية هي قضية الثورة وقضية مصالح البلد. وعلى الجميع أن يتقيدوا بمثل هذا الأمر. فمن جهتكم ينبغي إعداد القانون بهذا الشكل، ومن جهتها ينبغي أن تلتزم الحكومة بالقانون. وبهذه الطريقة يمكن من الناحية العملية إلزام الحكومة بالقانون. فيجب إيجاد حالة التنسيق بين الطرفين.

 

النقطة الأخرى التي أود ذكرها، ويؤيدها الإخوة الذين هم من أصحاب الرأي والسابقة في المجلس، هي أن اللجان في المجلس تعلب دوراً كبيراً وعليها مسؤولية جسيمة. وعلى اللجان أن تعمل كثيراً. إن الإجتماع العلني للمجلس مهمٌّ وهو لا شك محل اتخاذ القرارات، ولكن العمل الأساس يتم في اللجان، بل حتى طوال سنوات المجلس كان هناك أفراد، قبل أن يأتوا إلى اللجان ويُبدوا وجهة نظرهم، يقومون بالدراسات المسبقة ويطّلعون عن كثب ويطالعون ويدرسون جوانب القضية. بهذه

 

 

308


256

خطاب الولي 2010

الطريقة يكون العمل مهماً جداً. وعندها عندما تدخلون إلى المجلس وإلى الجلسة العامة ويتم طرح قانون ويجري الحديث عن الموافقة والمخالفة ستكون كل نقطة تُذكر معروفة.

 

فلا ينبغي أن يكون الإنسان خالي الذهن يستمع إلى الكلام الموافق والمخالف وكأنه شيء في الهواء، فيكون قراره غير مستندٍ إلى حجة ودليل، سواء بشأن القانون أو بشأن بعض القرارات الأخرى، كتعيين الأشخاص من الوزراء وغيرهم. فما يتم دراسته مسبقاً يجعل الإنسان صاحب حجة. أحياناً، قد يخالف عشرة أشخاص وتطغى المخالفة على الأجواء. ولكن أنتم الموافقين تستدلون وتفكرون وطبق ذلك الاجتهاد والفهم الذي حصلتم عليه تعملون، هذا هو العمل الصحيح، أي أنني أريد أن أقول للسادة والسيدات: إن عليهم أن يأخذوا قضية الدراسة في اللجان ـ بل قبل اللجان ـ على محمل الجد. لهذا فإن المشاركة في اللجان مهمة جداً، وكذلك الحضور على الوقت والحضور المستمر.

 

والنقطة الأخرى فيما يتعلق بالشأن الإشرافي في المجلس. لاحظوا، مجلس الشورى الذي له شأن الإشراف على باقي الأجهزة الإجرائية في البلد -وهو أمرٌ كما تعلمون فائق الأهمية ـ عليكم أن تبلوروا هذا الشأن أيضاً فيما يتعلق بالمجلس وبالنسبة للنواب. فإنني أعتقد أنكم للسنتين القادمتين في المجلس- حيث إنه ليس معلوماً أنكم بعد ذلك ستبقون فيه أم لا، ومن الممكن أن لا تأتوا إليه مرة أخرى، ولكن سيمر عليه مئات ومئات من الأشخاص عبر الزمان، سيأتي آخرون ويجلسون على هذه الكراسي ـ إذا تمكنتم من تثبيت آلية مراقبة متقنة ومحكمة للإشراف على عمل النائب، وقام هذا الجهاز بعمله على أحسن وجه، سيعود عليكم ذلك بالأجر، وستنالون الثواب الإلهي. هذا الجانب من القضية وللأسف هو على هذا المنوال. فلو استطعتم اليوم بما أعطيتم من قدرة من الله -وهي قدرة التمثيل- أن تُعمِلوا هذه الأداة الإشرافية، فلم تفعلوا فسوف تُسألون. سوف يسألكم الله يوم القيامة.

 

فليس الأمر كما نظن أنه قبول بكلام المحكمة أم لا. فمثل هذه المحاكم هنا ليست بشيء، هذه المحاكم البشرية لا أهمية لها، بل المحكمة الإلهية هي الأساس: ﴿يَعۡلَمُ

 

 

309


257

خطاب الولي 2010

خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ﴾[1]، فأعماق قلوبنا بيّنة عند الله. فإذا قمنا بعملٍ أكثر من مستوى تكليفنا ولم يطّلع عليه أحد ولم يشكره أحد، ولكن الله عرفه، والكرام الكاتبون كتبوه، سيشكره الله. ولو قصّرنا ولم يطّلع أحد علينا، وتظاهرنا وظن الجميع عكس ذلك، أننا قمنا بالعمل بشكل صحيح في حين أننا في الخفاء مقصرون، فما عرف أحد ولم يلمنا واحد، لكن الكرام الكاتبين يرون، ويسجلون وسوف يحاسبنا الله، هذا بنظري هو الأمر المهم.

 

حسناً، إن النائب ـ مثلنا جميعاً ـ عرضة لمثل هذه الزلات والنقائص. فـ (المال فتونٌ) وهو ليس كلامي بل كلام الإمام السجاد عليه السلام، فهذا المال الفتون يحرف القلوب عن الصراط ويزلزل الكثيرين. هناك أشخاص لا يتصور الإنسان أنهم يزلّون ولكنه يرى أحياناً أنهم زلّوا، والسلطة على هذا المنوال، والمجاملة والعواطف والعداوات، هذه كلها أمورٌ يمكن أن نجعل أقدامنا تزل، فيجب أن يكون هناك محلّ للإشراف والمراقبة. نشكر الله أنكم أيها الإخوة والأخوات تتقبلون مثل هذا الأمر بقلب واعٍ.

 

والنقطة الأخرى، في قضية الخطة الخمسية. وهي مهمة جداً. نعم قد طُرحت هذه الخطة في المجلس، وأنتم الآن مشغولون بها. وبرأيي، ينبغي أن نعمل عند دراسة هذه الخطة بحيث لا يحدث ذلك الإشكال الذي ذكرته سابقاً، أي أن لا نخرِج خطة تختلف في ماهيتها مع ما قُدّم إلى المجلس، بل نقوم بإصلاحها وتكميلها لا تبديلها. فمثل هذا التعاون بين الحكومة والمجلس أمرٌ لازمٌ. وبرأينا فإن للحكومة في هذا المجال دوراً، وللمجلس دوره.

 

وفي الختام، إخواني الأعزاء وأخواتي العزيزات، اعرفوا قدر هذه النعمة، حيث أصبحتم بانتخاب الشعب في موقع التمثيل، ويمكنكم أن تؤدّوا دوراً مؤثراً في الأمر والنهي على صعيد البلاد، وفيما ينبغي وما لا ينبغي على صعيد الشعب، فهي فرصة عظيمة ونعمة كبرى، يجب أن تشكروا الله عليها ليل نهار. لم تكن هذه الدولة بيد الشعب، ولم تكن بيد ممثليه، ولم يكن للشعب أي دور، فمنذ البداية حينما تحققت


 


[1] سورة غافر، الآية 19.

 

 

310


258

خطاب الولي 2010

قضية المشروطة (الحركة الدستورية) والانتخاب والقانون والمجلس في هذا البلد - وبغير حالة أو حالتين في البدايات - لم يكن للمجالس في هذا البلد أي معنىً بالأصل.

 

فما لم يكن المجلس، لم يكن للشعب أي معنىً. فلم يكن مدراء البلاد منتخبين من قبل الشعب، ولا المشرعين، لم يكن للشعب في الأصل أي دور، كان هذا البلد شيئاً آخر، وكان هناك حركة مختلفة. وببركة هذه الثورة ظهرت هذه الحالة، فيجب أن نقدّرها كثيراً، ونغتنم هذه الفرصة بقوة، وعلى المرء أن يشكر ربه على هذه النعمة الكبرى ليل نهار.

 

نسأل الله بمشيئته تعالى توفيق الشكر والقيام بهذه الخدمة لنا جميعاً. نسأل الله تعالى أن يفرح روح إمامنا العظيم المطهر - الذي هو فاتح هذا الفتح الكبير وفاتح هذا الطريق- ويرفع من درجاته. نسأل الله تعالى أن يرفع من درجات شهدائنا الأعزاء ومجاهدينا الأعزاء الذين بذلوا الجهود طوال هذه السنوات الـ 31 حتى يكون هذا البناء يوماً بعد يوم أكثر إحكاماً وهذه الشجرة أكثر تجذراً، وأن يؤجر كل العاملين في الخدمة، وإن شاء الله تؤجرون جميعاً أيها الإخوة والأخوات الأعزاء.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

311


259

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء الأساتذة الجامعيين من أبناء التعبئة

 

         

المناسبة:   ذكرى شهادة الشهيد الدكتور مصطفى شمران

الحضور:  جمع غفير من أعضاء التعبئة في الهيئة العلمية للجامعات

المكان:   طهران

 

الزمان:    02/04/1389هـ.ش.

10/07/1431هـ.ق.

23/06/2010م.

 

 

313


260

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أنا شاكر جداً وسعيدٌ جداً لأن أصدقاءنا هيّأوا هذا اللقاء الجيّد. في الواقع هذا الجمع هو مظهر جمعٍ يُظهر توليفة العلم والإيمان، فأساتذة الجامعات بصبغتهم الربانية التعبوية هم مظهر تركيبة العلم والإيمان. ولقاؤنا هذا هو لقاء حميمٌ وجيّد. وقد استمعت بدقة إلى كلمات الأصدقاء وهم يمثّلون صلحاءنا، أنتم وهم. وقد عرض الإخوة الأصدقاء اقتراحات جيدة، وبالطبع فإن بعض هذه الاقتراحات يتعلق بالحكومة - الوزراء المحترمون والمسؤولون حاضرون وعلى أجهزة الدولة أن تتابع تلك الاقتراحات ـ وبعض هذه الإقتراحات ليس كذلك، بل هو أشمل وأوسع من حدود الأجهزة التنفيذية، مما ينبغي أن نفكر فيه، وإن شاء الله نستفيد منه ونجريه.

 

والاقتراح الذي يتعلّق بتسمية يوم شهادة الشهيد شمران باسم يوم "تعبئة الأساتذة"، هو بنظري اقتراح ذو معنى ومغزى.

فالشهيد المرحوم شمران كان حقاً نموذجاً ومظهراً لذلك الأمر الذي يودّ الإنسان أن تتحرك تربية شبابنا وجامعيينا باتجاهه، فلا بأس بذلك.

 

وحق هذا الشهيد العزيز أيضاً يوجب أن نتحدث عنه ببضع كلمات. فهذا الشهيد أولاً كان عالماً، وكان شخصاً لامعاً وعظيم الاستعداد. وهو نفسه كان يقول لي: إنّه في تلك الجامعة التي درس فيها في الولايات المتحدة الأمريكية، الدراسات العليا ـ وكما أذكر ـ كان أحد أفضل اثنين في تلك الجامعة وعلى صعيد ذلك التخصص والفرع العلمي، وكان يشير إلى تعامل الأساتذة معه وتطوره في الأعمال العلمية. فقد كان عالماً بكل الموازين. وفي ذلك الوقت كان مستوى الإيمان القلبي لهذا العالِم أنه أعرض عن المنصب والمعاش والمقام والمستقبل الدنيوي الذي هو بالظاهر أمر عقلائي، وذهب ليكون إلى جانب الإمام موسى الصدر في لبنان ويقوم بالأنشطة الجهادية، كل ذلك كان

 

 

315


261

خطاب الولي 2010

في تلك الفترة التي كان لبنان يمر فيها بأصعب وأخطر مراحل وجوده.

 

نحن هنا قبل انتصار الثورة بسنتين كنا نسمع أخبار لبنان وكيف أن شوارع بيروت أضحت تعج بالمتاريس، ونسمع عن تحركات الصهاينة وكيف أن جماعة من داخل لبنان باتوا يعملون لهم، وكانت هناك أوضاع عجيبة ومبكية حاكمة على ذلك البلد، وكانت الساحة كثيرة الفوضى والتشابك.

 

وفي ذلك الزمان وصَلَنا ونحن في مدينة مشهد شريطٌ مسجّل من المرحوم شمران، فكان ذلك أول معرفتنا بالمرحوم شمران. وفي الشريط ساعتان تقريباً من الكلام يوضّح فيه ما كان يجري في الساحة اللبنانية. وكان بالنسبة لنا ملفتاً جداً، فبرؤية واضحة ونظرة سياسية في غاية الشفافية والفهم لتلك الساحة ـ ما يجري في تلك الساحة المليئة بالفوضى، ومَن مع مَن ومَن ضد مَن، وما هي نوايا الأطراف في استمرار هذا التقاتل الداخلي في بيروت ـ كل ذلك في مدة ساعتين في شريط مسجّل أرسله إلينا وَوَصَلنا. ذهب إلى لبنان وحمل سلاحه. وفيما بعد بات معلوماً أنه يمتلك رؤية سياسية وفهماً سياسياً وأنه صاحب مصباحِ كشّافِ عشواتٍ في تلك الفتنة. فالفتنة تشبه الضباب الكثيف الذي يحول دون معرفة حقيقة ما يجري، ولهذا لا بد من وجود مصباحٍ يخترق الضباب، وهو البصيرة. هناك حارَب، وعندما انتصرت الثورة أوصل نفسه إلى هنا. ومنذ بداية الثورة كان له حضورٌ في الساحات الحساسة. فذهب إلى كردستان وكان له حضورٌ فعّال في المعارك التي جرت هناك، ثم بعدها جاء إلى طهران وأضحى وزيراً للدفاع، وعندما اندلعت الحرب ترك الوزارة وباقي المناصب الحكومية والمقامات جانباً وجاء إلى الأهواز، حارب وصمد إلى حين شهادته بتاريخ 31 خرداد لعام 60هـ.ش. أي أنه لم يكن يعتني بالمقام ولا الدنيا، ولم يكن لكل زخارف الحياة قيمة لديه.

 

ولم يكن رجلاً جافاً لا يفهم لذائذ الحياة، بل على العكس، فقد كان لطيفاً جداً وذوّاقاً ومصوّراً من الدرجة الأولى - وكان يقول لي إنني التقطت آلاف الصور ولكنني لست في أية واحدة منها، وذلك لأنني دائماً كنت المصوّر ـ ولقد كان فنّاناً وصاحب قلب مفعم بالصفاء، لم يدرس العرفان النظري، ولعلّه لم يدرس على يد أحدٍ في أي مسلك توحيدي أو سلوك عملي، ولكنّ قلبه كان قلباً باحثاً عن الله، قلباً صافياً إلهياً،

 

 

 

316

 


262

خطاب الولي 2010

من أهل المناجاة والمعنويات.

 

كان إنساناً منصفاً. ولا بد أنكم على علم بقضية (پاوه)، حيث إن مدخلها كان في المرتفعات، فبعد عدة أيام من المعارك هناك حُوصر المرحوم شمران مع عدة من أصحابه، أحاط بهم أعداء الثورة من جميع الجهات وكادوا يصلون إليهم، حينها اطلع الإمام على القضية وأصدر بياناً إذاعياً أوجب فيه على الجميع أن يتحركوا باتجاه پاوه، ولقد أذيع بيان الإمام في الثانية بعد الظهر، وفي الساعة الرابعة شاهدت في شوارع طهران كيف أن الشاحنات بمختلف الأحجام كانت مليئة بالمدنيين والعسكريين وغيرهم وهي تتحرك من طهران وغيرها من المحافظات باتجاه پاوه.

 

وبعد حادثة پاوه، وعندما رجع المرحوم الشهيد شمران إلى طهران وكنا في اجتماع، أراد أن يقدّم تقريره إلى رئيس الوزراء في ذلك الوقت، وكانت تربطه به منذ القدم علاقة حميمة. وفي ذلك الاجتماع قال المرحوم شمران: عندما أُذيع بيان الإمام في الساعة الثانية وبمجرد بثّه وقبل أن يصل أي خبر عن تحرك الناس شعرنا وكأن الحصار قد فُكّ.

 

كان يقول إن حضور الإمام وعزمه وبيانه كان مؤثراً إلى درجة تشبه في سرعتها البرق الخاطف. وبمجرّد أن وصل البيان كأن كل الضغوط التي كانت علينا ارتفعت وفقد أعداء الثورة معنوياتهم، ودبّ فينا النشاط وهجمنا عليهم وحطّمنا الحصار واستطعنا أن نخرج. هناك غضب رئيس الوزراء وعتب على المرحوم شمران قائلاً: إننا نحن قمنا بكل هذه الأمور والمساعي فلماذا تنسب كل ذلك إلى الإمام؟!

 

أي أن المرحوم شمران لم يجامل أبداً، بل كان منصفاً، مع أنه كان يعلم بأن هذا الكلام سوف يوجد عتاباً ولكنه لم يتردّد عن قوله.

 

كان الحضور والمشاركة بالنسبة له أمراً دائماً. فقد ذهبنا معه من هنا إلى الأهواز، فأول ذهاب لنا إلى الجبهة كان معه. وفي عتمة الليل دخلنا إلى الأهواز. كان كل شيء هادئاً. وكان العدو مستقراً على بعد (11 كلم) من مدينة الأهواز. وكان معه حوالي سبعين رجلاً أحضرهم معه من طهران، وقد ذهبنا إلى هناك جميعاً بطائرة سي130، وبمجرد أن وصلنا وقُدّم لنا تقرير عسكري مختصر طلب من الجميع أن

 

 

317

 


263

خطاب الولي 2010

يتهيّأوا ويلبسوا لباس الحرب للذهاب إلى الجبهة. كانت الساعة حوالي العاشرة ليلاً، وهناك وبدون تأخيرٍ جلب للذين كانوا معه ولم يكن لديهم اللباس العسكري، ثياب المجندين، فلبس الجميع. وبالطبع قلت له أيمكنني الذهاب أيضاً؟ لأنني لم أكن أفكر أنني أستطيع أن أشارك في ميدان القتال.

 

فشجّعني وقال: أجل، أجل، يمكنكم أيضاً أن تأتوا. وهناك مباشرة بدلت ثيابي فارتديت اللباس العسكري وحملت الكلاشنكوف الذي كان معي وذهبت. أي إنه من الساعة الأولى، بدأ بالعمل ولم يسمح أبداً بتضييع الوقت، فلاحظوا، هذا هو الحضور. فإن هذا يمثل أحد خصوصيات التعبئة وتيار التعبئة "أن لا يفتقدك حيث ينبغي أن تكون".

 

هذه إحدى أولويات خصوصيات أبناء التعبئة. وفي يوم تحرير مدينة سوسنكرد، (وأنتم تعلمون أن سوسنكرد احتُلّت، ثم حُرّرت، ثم احتُلت مرة ثانية، ثم بعد ذلك تمّ التحرّك وحُرّرت) -فقد بُذل الكثير من المساعي من أجل إمدادنا بالعديد من قوات الجيش، التي كانت في ذلك الوقت تحت إمرة بعضهم- ومن أجل تنظيم الهجوم والإعداد له. وفي ليلة يوم الهجوم المقرر من الأهواز باتجاه سوسنكرد، جاء الخبر في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل بأنهم أخرجوا من الميدان إحدى الفرق التي كان من المقرر أن تشارك في هذا الهجوم. مما كان يعني أن الهجوم لن يتحقق أو أنه سيفشل تماماً. وقد كتبت في ذلك الوقت مذكرة إلى قيادة الفيلق الموجود في الأهواز وعلّق المرحوم شمران عليها -ومؤخراً جاءني ذلك القائد المحترم وقدّم لي نفس تلك المذكرة موضوعة في إطار جميل وقدّمها لي كذكرى بعد مرور ثلاثين سنة تقريباً وهي الآن لدينا- وكنا معاً إلى ما بعد الساعة الواحدة من منتصف الليل نسعى لأن يتحقق الهجوم في اليوم التالي بشكل مؤكد. ثمّ ذهبت إلى النوم، وانفصلنا.

 

فاستيقظنا في الصباح الباكر، وتحركت القوى العسكرية ـ قوة الجيش ـ وتحركنا مع مجموعة من الأشخاص الذين كانوا معنا وسرنا خلفهم. عندما وصلنا إلى منطقة العمليات، سألت أين شمران؟ قالوا إن شمران قد جاء في الصباح الباكر وتوجه إلى الأمام. أي أنه قبل أن تتحرك القوى العسكرية المطلوبة ـ والتي وُضعت لها خطة التحرك

 

 

318


264

خطاب الولي 2010

وكيفية الإنتشار ـ وقبل أن يتقدموا كان شمران قد تحرّك إلى الأمام مع مجموعته لعدة كيلومترات. فيما بعد ولله الحمد تحقق ذلك العمل الكبير وقد جُرح شمران. رحم الله هذا الشهيد العزيز. لقد كان شمران هكذا. لم تكن الدنيا ولا المناصب تهمّه، لم يهمّه المعاش والمنصب ولم يكترث لمن يُنسب الإنجاز. كان منصفاً لا يجامل، وشجاعاً شديداً. ففي نفس الوقت الذي كان مثالاً للطف والرقة والشاعرية والعرفان، كان في مقام الحرب جندياً شديداً.

 

وكنت بنفسي أراه يعلّم قواتنا كيفية رمي الـ آر بي جي، لأن هذا السلاح لم يكن ضمن عتادنا ولم نكن نمتلكه، كذلك لم نكن نعرف كيف نستخدمه. أما هو فقد تعلّم ذلك في لبنان. ففي ساحة العمليات وفي ساحة العمل كان الشهيد رجلاً عملياً بشكل كامل. انظروا إليه وهو عالم فيزياء البلازما، ومع رفعة درجته، يدرّب على العمليات العسكرية، كل ذلك مع تلك المشاعر الرقيقة وذلك الإيمان القوي وتلك الصلابة، لله دره من رجل.

 

هذا هو العالِم التعبوي، الأستاذ التعبوي هو هذا النموذج. وقد كان شمران الأنموذج الكامل الذي قد شاهدناه عن قرب. ففي شخصية مثل هذا الرجل يكون الكلام حول التضاد بين التقليد والحداثة كلاماً فارغاً، ويكون التضاد بين الإيمان والعلم مضحكاً، هذا التضاد المختلق والتضاد الكاذب ـ الذي يُطرح كنظرية ولأن امتداده العملي بالنسبة لبعضهم يكون مهماً فإنهم يتبنونه. مثل هذه الأمور كانت فاقدة للمعنى بالنسبة لمثل هذا الإنسان.

 

فقد كان العلم موجوداً وكذلك الإيمان، وكان التقليد موجوداً وكذلك التجدد، وكان التنظير موجوداً وكذلك العمل، وكان العشق موجوداً وكذلك العقل. وليس كما قيل: لا يمتزج ماء العقل مع العشق، مشكلتي أنني صنعت من الماء والنار كلا، فالشهيد كان مزيج من الماء والنار. ذلك العقل المعنوي الإيماني لا يتنافى مع العشق أبداً، بل هو دعامة ذلك العشق المقدّس والطاهر.

 

حسناً، إن ما نتوقعه ليس بالأمر الكثير، فالأرضية التي نراها، من روحيتكم المليئة بالنشاط، وهذه القلوب الطاهرة والصافية، وهذه الأذهان البيّنة، وأفكاركم الناظرة

 

319


265

خطاب الولي 2010

إلى الأفق البعيد وعلى مختلف الأصعدة، هي شاهدٌ قريب ـ ويبعث هذا الأمل وهذا التوقع في الإنسان، هذه هي نتاجات جامعة الجمهورية الإسلامية ـ وهي ليس استثناء بل قاعدة ـ أن يكونوا أمثال شمران.

 

لو قيل لكم أنتم الذين اجتمعتم قبل 13 سنة من مشهد واصفهان ومن جامعة العلم والصناعة تحت عنوان أساتذة التعبئة إنه بعد 10 سنوات أو 12 سنة ستكونون عدة آلاف من الأساتذة التعبويين بنفس هذه الدوافع وهذا العشق وهذه التوجهات على مستوى البلاد لما كان أحدٌ ليصدّق ذلك، لكن هذا ما حصل. لا أريد أن أبالغ، ولا أريد أن أظهر الواقع بأكثر مما هو عليه بالنسبة لي ولكم من أجل أن نرضي أنفسنا بالأوهام، كلا، فمن الواضح أننا لسنا جميعاً على مستوى واحد، وبعضنا أفضل، وبعضنا أقل، إيماننا، عشقنا، هممنا، دوافعنا ـ لكن هذا التيار قد تبدّل من تيار ضيّق ـ لم يكن بعضهم يأمل ببقائه وبعضهم الآخر قد عقد العزم على إزالته ـ إلى تيارٍ لا يمكن اليوم الوقوف مقابله: التيار العظيم للأساتذة الثوريين والمؤمنين والتعبويين على مستوى الجامعة وفي مختلف الفروع العلمية وفي الدرجات العلمية العالية. وهذا التوقع إذاً، ليس في غير محلّه:

فعندما يشاهد الإنسان هذا التحرك وعندما يرى هذا النمو، لا يكون توقعنا في غير محلّه إذا أردنا أن تكون جامعة الجمهورية الإسلامية محلاً لتربية عناصر في المستقبل من أمثال شمران. فهناك ستشاهدون ماذا سيحصل! نظامٌ بموازين دولية ومن الطراز الأول: في المجالات الإنسانية، والحكومية، والمرأة، والمجالات الأخلاقية، والعلمية. فإنّ التطلعات التي نعيشها اليوم هي بالمستوى الدولي. والآن فإن بعضهم ـ من وسائل الإعلام وغيرها ـ بمجرد أن يرد ذكر الدولي يضحكون سخرية، هؤلاء لا يفهمون ولا يدركون ماذا يعني أفق الرؤية الواسع.

 

فما لم تنظروا إلى القمة لا يمكن أن تتحركوا إلى السفح، فكيف إذا كان الأمل هو الوصول إلى القمة، ستكون حينئذٍ الهمّة العالية. في رواياتنا يوصّى المؤمن أن تكون له همّة عالية. وعظماؤنا يقولون للسالك فلتكن همّتك عالية. فهذه الخطوات الأولى والفتوحات التي تكون في بداية العمل، لا ترضي الإنسان، بل ينبغي أن يكون لديه

 

 

320

 


266

خطاب الولي 2010

همّة عالية. وينبغي أن تكون النظرة إنسانية، الإنسان الذي يمتد على كل هذا العالم الواسع: "إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ‏ فِي‏ الْخَلْق"[1]، فعلى هذه النظرة أن تتوجه إلى هذه الشمولية والسعة.

 

إن الأماني التي نحملها اليوم بشأن هذا البعد الوسيع هي أمانٍ لا يرفضها أي شعب واعٍ أو عالِم صالح أو سياسي منصف. إننا دعاة إزالة نظام التسلّط والهيمنة الذي يقوم على رابطة الهيمنة ووجود المتسلِّط والمتسلَّط عليه، فحتى من يعيش في دولة حكومتها متسلّطة مئة بالمئة لا يرفض هذا الأمر، وعليه ففي العلاقات الدولية لا ينبغي أن تكون العلاقة مبنية على وجود مهيمن ومهيمَن عليه. وكذلك العدالة واستخدام العلم ينبغي أن يكونا من أجل أمن البشرية لا تهديداً لها، وخاصة بعد العصور الحديثة، من عصر النهضة إلى يومنا هذا، وخصوصاً في القرن الأخير، فإن الكثير مما أنجز على صعيد العلم بدل أن يكون لرفاهية وأمن البشرية كان تهديداً لها، إما أنه كان تهديداً للروح أو الأخلاق أو الأسرة وتشجيعاً على الاستهلاك وتعبئة جيوب الناهبين الدوليين وأصحاب الشركات والكارتلات ومؤسسيها. نحن نقول إن العلم ينبغي أن يكون بدلاً من ذلك في خدمة الإنسان وفي مصلحة أمنه ورفاهه وفي خدمة الروح والنفس. وهذا الكلام لا يمكن للعالم أن يرفضه.

 

أتدرون إلى أين يمكن أن يصل النظام الذي يحمل هذه الأهداف وهذه الخصائص ـ مع إعمال الهمة الإيمانية على طريق التطور في هذه الميادين وبالاستفادة من الوعود القرآنية في مجال نصرة المؤمنين وعدم الخوف من الموت وعدّ الموت وصولاً إلى الله وشهادة لله ـ وهو يفتخر بشخصيات علمية وصالحة من قبيل شمران؟! هذا ما نتوقعه. وأما فيما يتعلق بالتعبئة فأقول: كانت التعبئة حركة مدهشة لا نظير لها، حدثت في الثورة. وهي نهضة نبعت من منبع الحكمة الإلهية التي أودعها الله تعالى قلب ذلك الرجل الكبير، إمامنا العظيم. كان الإمام حكيماً، وحكيماً بالمعنى الواقعي. نحن أحياناً نستعمل لفظ الحكيم لأشخاص صغار.


 


[1] السيد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، مصدر سابق، ص427.

 

 

321


267

خطاب الولي 2010

لكنه كان حكيماً بالمعنى الواقعي. ﴿وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾[1] فقد وهبه الله تعالى الحكمة. وكانت الحقائق تنهمر من قلبه. ومنها قضية التعبئة، فالإمام ومنذ اليوم الأول للانتصار بل حتى قبيل الانتصار كان قد وضع أسس التعبئة من خلال جر الشعب إلى الميدان ووضع حمل النهضة على أكتاف الناس واثقاً بهم معتمداً عليهم. فعندما وثق بالناس، انبعثت ثقتهم بأنفسهم. ولو لم يثق الإمام بالشعب لما حصلت لهم هذه الثقة بالنفس.

 

هناك وُضعت اللبنة الأولى للتعبئة. وفي الواقع نشأت قوات الحرس من التعبئة، وكذلك جهاد البناء، وإن لم تكن التعبئة منظمة مسجلة رسمية كما حصل في السنوات اللاحقة، لكن ثقافة التعبئة وحركتها وحقيقتها كانت منشأ خيرات عظيمة للبلد وللمجتمع والنظام الإسلامي. التعبئة تمثل هذه الحقيقة. فالتعبئة في الواقع عبارة عن جيش شامل لا تجد فيه صبغة الادعاء وعلى صعيد البلد كله. وهو جيش مستعد للجهاد في جميع الميادين، وليس فقط في الميدان العسكري. فإن الميدان العسكري هو زاوية محدودة ومؤقتة، والحرب ليست دائمة. إن ميدان حضور التعبئة أوسع بكثير من ميدان العسكر. فما قلته مراراً وتكراراً من أنه لا ينبغي اعتبار التعبئة مؤسسة عسكرية لم يكن مجاملة، بل إن حقيقة القضية هي هذه. فالتعبئة هي ساحة الجهاد، لا القتال. والقتال يمثل جانباً من الجهاد. الجهاد يعني الحضور في ميدان المجاهدة مع السعي الهادف والإيمان. هذا ما يصح أن نقول عنه جهاداً. لهذا فإنّ قال تعالى ﴿وَجَٰهِدُواْ بِأَمۡوَٰلِكُمۡ وَأَنفُسِكُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۚ﴾[2] أي الجهاد بالنفس والجهاد بالمال. فأين يكون الجهاد بالنفس؟ هل ينحصر بالذهاب إلى الحرب وحمل الأنفس على الأكف لتقديمها؟ كلا، إن أحد أنواع الجهاد بالنفس هو أن تقضوا وقتكم من المساء وحتى الصباح على مشروع تحقيقي أو بحثي دون أن تلتفتوا إلى مرور الوقت.

 

الجهاد بالنفس هو أن تضحوا بأوقات ترفيهكم وراحة أجسامكم وتعرضوا عن ذاك


 


[1] سورة البقرة، الآية 269.

[2] سورة التوبة، الآية 41.

 

322


268

خطاب الولي 2010

العمل الذي يدر الكثير من المال والمدخول وتقضوا وقتكم في هذا المحيط العلمي والبحثي حتى تستنبطوا حقيقة علمية حية وتقدموها كباقة ورد إلى مجتمعكم، هذا هو الجهاد بالنفس. وقسم صغير منه هو الجهاد بالمال.

 

إن ميدان التعبئة إذن هو ميدان عام، لا يختص بفئة أو قطاع أو منطقة من البلاد. ولا يختص بزمان دون آخر، ولا ينحصر بميدان دون غيره. بل هو موجود في كل الأمكنة والأزمنة والميادين والشرائح. هذا هو معنى التعبئة.

 

وها أنتم تريدون إيجاد تعبئة داخل الجامعات.. معلوم ماذا ينبغي أن نفعل. فماذا تحتاج الجامعة؟ وماذا تحتاج البلاد؟ إننا ومنذ سنوات نطرح قضية العلم، وأنتم انظروا اليوم إلى الكثير من الضغائن والمنافسات والحسرات والإحساس بالتخلف الذي يشعر به أعداؤنا في العالم، تجدونها كلها بسبب تقدمكم العلمي. والذين يمدحون إيران اليوم فإنما يفعلون ذلك لهذا الأمر أيضاً. هناك من يضمر لنا العداء لأجل تقدمنا العلمي.

 

فتطوركم العلمي له مثل هذا الأثر. ومثل هذا الأمر لا زال خطوة أولى. ونحن لم نفعل شيئاً إلى الآن. أجل، في تقنية النانو والبيوتكنولوجي وأبحاث الذرة والأبحاث الفضائية وغيرها من الفروع العلمية تحققت تطورات علمية مهمة وكبيرة، ولكن هذه الأمور ليست بشيء بحسب معيار الحركة العلمية لدولة.

 

ذكر لي أحد الأصدقاء، أن سرعة التطور العلمي والإنتاج العلمي في بلدنا بلغت أحد عشر ضعف المعدل العام في العالم. وقد ذكر هذا الأمر أحد مراكز الأبحاث الغربية في كندا بتفاصيله.

 

وبالطبع فإن هذا الرقم يحكي عن المعدل العام. ففي بعض القطاعات يتجاوز 35 ضعف ما في العالم، وفي بعض القطاعات هو أقل، أما معدله العام فيبلغ أحد عشر ضعفاً، أي أن سرعة تطورنا العلمي طوال هذه السنوات الخمس عشرة قد وصلت إلى ما يعادل أحد عشر ضعف ما هو موجود في العالم. وهو أمر في غاية الأهمية. لكنه في نفس الوقت خلاف ما نتوقعه ونسعى إليه. فهو أقل بكثير مما نريده. وينبغي أن نستمر على هذه السرعة حتى نصل إلى ما نصبو إليه، وهذا ما تحتاجه الجامعة.

 

 

323

 


269

خطاب الولي 2010

ما هو لازم في الجامعة تربية الإنسان على طراز الشهيد شمران. فالاستاذ التعبوي إذن يعلم ماذا ينبغي أن نقوم به في الجامعة. هذا الحضور الدائم وفي المكان والزمان المناسبين، هذا الحضور المخلص الجهادي بالنسبة للأستاذ التعبوي هو بهذا المعنى الذي قيل. وللأستاذ دور كبير هنا. فدور الأستاذ في البيئة التعليمية هو دور بارز جداً ومهم، لأنه ليس مجرد ناقل للعلم، بل يمكن أن يحقق مسلكاً تربوياً، فيكون بذلك مربياً.

 

فإن تأثير الأستاذ في الطالب بحسب الظاهر هو أكبر من تأثير باقي العوامل المؤثرة في تطوره العلمي والمعنوي والمادي، وهو حتماً أكثر من غيره بكثير. فقد يتمكن الأستاذ أحياناً من إيجاد تبدّل في صفّه أو مجموعة طلابه أو المتعلم بجملة واحدة يقولها فيجعلهم متدينين.

 

وليس من الضروري أن يكون مدرّساً لفرع العلوم الدينية أو صفّ المعارف (الإسلامية). فقد يكون الدرس في الفيزياء أو الرياضيات أو غيرها ـ سواء في العلوم الإنسانية أو غيرها ـ وتجري كلمة واحدة على لسانكم بالإستفادة من آية قرآنية أو بإشارة إلى قدرة الربّ والصنع الإلهي فتستقر في قلب هذا الشاب وتحوله إلى إنسان مؤمن. هكذا يكون الأستاذ. ويوجد عكس هذا أيضاً.

 

فللأسف هناك أساتذة في جامعاتنا اليوم ـ وإن كانوا قلة ـ يعملون على العكس تماماً، ومهما كان تدريسهم ـ سواء كان له علاقة أم لاـ فبكلمة واحدة يجعلون هذا الشاب آيساً من مستقبله أو مستقبل بلده، ويؤيسونه من الحضور في بلده ويجعلونه غير مبال بتراثه ومتلهفاً لأن ينهل من تلك المنابع الملوثة للأجانب ومن ثم يتركونه. لدينا من هم هكذا.

 

للأستاذ مثل هذا الدور. وبناء على هذا المعنى الذي فهمناه حول التعبئة والمعنى الذي نضعه للأستاذ والفهم الذي نحمله عن الأستاذ التعبوي، نعلم كم هو حساس دوركم في الجامعة.

 

إن وجود هذه المجموعة يعد نعمة للنظام الإسلامي. نعمة كبرى. فكل هؤلاء الأساتذة المؤمنين الموجودين في بلدنا لا يمكن أن نجد لهم نظيراً في أية دولة من الدول

 

 

324


270

خطاب الولي 2010

الإسلامية، وبطريق أولى في غير الإسلامية منها، أساتذة جامعات، علماء، متخصصون، محترفون في مجالهم، ومؤمنون بالله وبالجهاد، ومؤمنون بطريق الله والأهداف الإلهية، وفي نفس الوقت بهذا العدد الكبير وهذا الكم. فلا شك أنه لا نظير لهم في العالم. وكل هذا من بركات الإمام العظيم. فاعرفوا قدر هذا واحفظوه بكل وجودكم.

 

ضعوه في مكانه ونظّموه وحددوا أهدافه ودققوا، واجعلوا الأنشطة التي ينبغي أن يقوم بها الأستاذ التعبوي شفافة وواضحة، بالمعنى الواقعي للكلمة، وكونوا قادة هذا الميدان العظيم للجهاد في سبيل الله. فهو عمل مهم جداً. وإن البلد اليوم بحاجة إلى هذه الأشياء. وهو ليس قضية اليوم، فالحاجة دائمة. غاية الأمر أننا اليوم في مرحلة حساسة.

 

إذا أردت أن أذكر لكم حقيقة فهمي وفكرتي ـ ولعله لا يتسع هذا المجال المختصر لبيان الدليل عليه، غاية الأمر أنه لا يصح أن يستدل عليه بكلمة أو كلمتين - فهو أن مراكز الاستكبار العالمي في مواجهتها للحركة الإسلامية التي تمثل الجمهورية الإسلامية مظهرها الحقيقي، باتت تبذل آخر ما لديها. ففي الكثير من الميادين وصلت مساعيهم وتدبيراتهم إلى طرق مسدودة وأسقط من أيديهم. فالحزام الذي طوقوا به القضايا العالمية وحوّطوها به بات في أكثر المناطق حساسية في الأرض وهو الشرق الأوسط ممزقاً أو واهناً، وهذا بالحد الأدنى. ولكن بنظري فإنه أصبح متمزقاً وقد خرج الأمر من أيديهم.

 

رحم الله المرحوم الشيخ حسين لنكراني هذا الروحاني السياسي الأصيل. فقد كان يشبّه وضع النظام الطاغوتي فيما قبل انتصار الثورة بثلاث أو أربع سنوات أو لعلها قبل ذلك - السنوات الأخيرة من أربعينات التاريخ الهجري شمسي ـ بذلك الشخص الذي صعد إلى قبة وبيده منشفة حريرية مليئة بالجوز، وقد انخرقت المنشفة وبدأ الجوز يتساقط منها، فهو يريد أن يلتقطها لكنها تتساقط من هنا وهناك، وهو جالس على القبة! فالمرء يحتاج إلى أرض مستوية حتى يتمكن من جمع الجوز. وبرأيي فإن نظام الهيمنة اليوم يعيش نفس هذه الحالة في مواجهة الحركة الإسلامية. فليس له ركيزة يستند إليها وذلك لأن الكثير من خططه الإعلامية المحكمة القديمة قد انكشفت للناس.

 

 

325


271

خطاب الولي 2010

ففي يومنا هذا تتزايد حالة السخط الشديد من نفوذ اللوبي الصهيوني القوي في المجتمع الأمريكي. وهذا السخط بين شعب أمريكا التي تمثّل مركز تحرك الصهاينة وأصحاب النفوذ الصهيوني والرأسماليين الصهاينة يحصل بالتدريج، بالطبع فإنّ النظام الحاكم في أمريكا يمارس تشديداً كبيراً على الناس ـ وهو تشديد من نوع خاصّ ـ ويشغلهم بأمور المعيشة ومشقاتها بحيث لا يبقى لديهم فرصة لحك رؤوسهم، وفي نفس الوقت فإن هذه الحالة نجدها تحصل.

 

فهذه معلوماتنا الموثقة. وفي الدول الأوروبية يحصل الأمر بنحو آخر. أما حال الدول الإسلامية فمعلوم. وكذلك دول الشرق الأوسط. فالشعوب تتنفّر ـ وأحياناً تبغض ـ نظام الولايات المتحدة وجماعة الهيمنة في العالم. فهذه أمور لا يمكنهم التقاطها، فهم في حالة سعي لكنهم لا يقدرون على جمع الأمور. لو لم يبرز نظام الجمهورية الإسلامية في العالم ولم يظهر، لما برزت لهم هذه المشكلة بهذه السرعة ولعل الأمر كان ليطول لأكثر من خمسين سنة، بل حتى ما كان ليبرز بهذه السرعة أيضاً.

 

لكن حضور الجمهورية الإسلامية وظهورها صعّب العمل عليهم، لهذا نجد عداءهم الشديد. فهم يعادون لكن هذا العداء جزاف وتخبّط. فالعداوات تكون من هذا القبيل. وها هي أعمالهم وقرارتهم وغوغائيتهم وضجيجهم ودعاياتهم اللاحقة، من قرار في الأمم المتحدة وحظر بعض المنتجات وتضخيم هذا الحظر فيما بعد وإعطائه أهمية أكبر من الواقع ثم الاحتفاظ بالخيار العسكري ضمن البند المذكور، كل ذلك لأنهم منفعلون في مواجهة هذه الحركة الإسلامية العظيمة والتأسيسية في كل العالم الإسلامي. وشعب إيران هو في مقدمة هذه الحركة.

 

لا شك بأنهم سوف يُوجدون صعوبات وإزعاجات. ففي كل التفاعلات الاجتماعية توجد عوائق، لكن الإنسان يتحملها من أجل مصالح أكبر، ولكي يصل إلى محلّ أعلى. واليوم فإن الأمر كذلك. لهذا، فإن هذه المرحلة تعد من هذه الناحية حساسة وتحتاج إلى العمل والسعي.

 

في الدرجة الأولى العمل العلمي والتحقيقي والبحثي والعمل المعنوي والإيماني

 

 

326

 


272

خطاب الولي 2010

وتحكيم روحية المجاهدة والجهاد على جميع الأنشطة في الجامعات هي أمور أساس ينبغي أن تتحقق. ومن ثم القيام بتوجيه هذه الحركة. وفي اعتقادي إن الأستاذ المتدين المحب للعمل من أجل بلده لا ينحصر وجوده على مستوى البلد بين هذه المجموعة من تعبئة الأساتذة، فهناك الكثير ممن لا يحملون بطاقة اتنساب إلى التعبئة وليسوا ضمن مجموعة أساتذة التعبئة ولكنهم من حيث الواقع هم من المنتسبين إلى التعبئة ومتدينون وفي حالة الجهوزية - وبالطبع فإن مستوى الجهوزية ليس على السواء عند الجميع دوماً وكذلك مستوى الإيمان وهو أمر كان على هذا المنوال وسيبقى فيما بعد - لكنهم في هذه المجموعة. فينبغي التوجه إلى الأهداف، وينبغي امتلاك النظرة العقلائية والمدبّرة وتحديد البرامج وتشخيص الأهداف، هذا عمل ينبغي القيام به. وهو يقع على عاتق مجموعتكم. وهناك تجب متابعة العمل الفردي المتعلق بالتعليم والحضور في البيئة الفكرية للطلاب. فأساتذة التعبئة يمكن أن يكون لهم حضور معنوي وهاد ومطمئن لقلوب طلاب الجامعات ولأذهانهم. والدور المهم المتعلق بإيجاد البصيرة، سواء في نفس هذه المجموعة أو في مجموعة مخاطبيكم الذين هم الطلاب، هو من الأعمال الفائقة الأهمية. وللبصيرة دور مصيري. والتمرن على الحضور الدائم. وكما ذكرت بشأن الشهيد شمران الذي كان يتابع الأعمال حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل وعند الصباح الباكر كان يحضر قبل الجميع في الجبهة وفي كل مكان يُحتاج إلى حضوره. فعلينا أن نتمرن على الحضور الدائم وفي الزمان والمكان المطلوبين. علينا جميعاً أن نتدرب على هذا الأمر.

 

إخواني، أخواتي، أعزائي! إن البلد اليوم بأمس الحاجة إلى وحدة الكلمة. وإنني أخالف أي كلام أو تحرك أو كتابة - وإن كانت بنية سليمة ودافع صادق ـ تؤدي إلى الشقاق والتصدع. فأنا لا أوافق على هذا. وإذا أراد أحد أن يعرف رأيي فهو ما ذكرته. فعلينا إيجاد الإنسجام. وعلينا أن نحقق التلاؤم في مجموعة هذه الامكانات العظيمة.

 

ألا يمكن والحال هذا تقسيم هذا التجمع الموجود هنا إلى عشر مجموعات وتحت ذرائع مختلفة؟! بكل سهولة يمكن ذلك. فيمكن تقسيمه على أساس لون الثياب والفئة العمرية والمنطقة. فيحصل ذلك وترتفع جدران الفرقة. وميزة الثورة هو أنها

 

 

327

 


273

خطاب الولي 2010

جاءت وحطمت الجدران الفاصلة. فقد كنا نعيش في بيوت صغيرة بجدران عالية لا نعرف عن بعضنا بعضاً شيئاً، ثم جاءت الثورة وحطمت الجدران وبدلت هذه البيوت الصغيرة إلى ميدان رحب، هو ميدان الشعب الإيراني والشعب الثوري.

 

كان الجامعيون ينفرون من طلاب الحوزة، وكان الحوزويون كذلك، وكان الأساتذة على خصام مع التجار، وكان التجار ينفرون من المزارعين، كنا قد بنينا جدراناً عزلتنا عن بعضنا بعضاً، وجاءت الثورة وأزالتها، فهل نعود مرة أخرى ونوجدها وهي جدران باطلة وخاطئة؟ كلا، فالمباني واضحة والأصول مبيَّنة والجهة معروفة، وإن كل من يتحرك على أساس هذه المباني هو من هذه المجموعة، فالتفتوا إلى هذا.

 

لقد قلت مراراً إنه لا يجوز أن نظلم. فهذا الأمر يعدّ أكثر الأعمال أهمية، فالظلم أمر قبيح وخطر. وليس الظلم بأن يعتدي الفرد على غيره وسط الشارع فحسب. فأحياناً كلمة في غير محلها ضد شخص لا يستحقها أو كتابة غير مناسبة أو تحرك غير صائب تكون ظلماً. فعلينا رعاية طهارة القلب وطهارة العمل بشكل كبير. وأعتقد أنني قلت هذا في محل ما. "لَمَّا رَجَمَ رَسُولُ الله ِصلى الله عليه وآله وسلم الرَّجُلَ فِي الزِّنَا، قَالَ رَجُلٌ لِصَاحِبِهِ: هَذَا قُعِصَ كَمَا يُقْعَصُ‏ الْكَلْبُ، فَمَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم مَعَهُمَا بِجِيفَةٍ فَقَ الصلى الله عليه وآله وسلم: "انْهَشَا مِنْهَا"، قَالا: يَا رَسُولَ اللهِ نَنْهَشُ جِيفَةً؟، قَالَ: "مَا أَصَبْتُمَا مِنْ‏ أَخِيكُمَا أَنْتَنُ مِنْ هَذِهِ"[1] ومن كان هذا الأخ؟ هو الذي كان قد زنا بمحصنة ورُجم، وهما يقولان بشأنه ذلك الكلام، والرسول يلومهما بهذه الطريقة!

 

لا تزيدوا في القول على ما ينبغي. فلنكن منصفين، فلنكن عادلين. فهذه مسؤولياتنا. ولا ينبغي أن نعتبر أن لنا الحق في أن نقول ما نشاء حول من نعتبره أقل منا ولو بذرّة ـ بزعمنا وتشخيصنا لأننا مجاهدون وثوريون ـ كلا، فالأمر ليس كذلك. أجل، إن درجات الإيمان لا تتساوى. وكذلك الحدود فهناك من هو أفضل من الآخر. والله تعالى يعلم ذلك ومن الممكن أن يعلمه عباده الصالحون، ولكن في مقام التعامل وفي مقام الحياة الاجتماعية، ينبغي حفظ هذا الاتحاد وهذا الانسجام والتقليل من هذه الاختلافات. ولا ننسَ ما هو مهم، أي الأهداف والعلائم الأساس. وقد قلت هذا مراراً واليوم قال أحد الأساتذة المحترمين هذا. مواجهة الاستكبار والثبات القاطع مقابل حركة الكفر


 


[1]  الطبرسيّ، الميرزا حسين النوريّ، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت  عليهم السلام لإحياء التراث، لبنان - بيروت، 1408هـ - 1987م، ط1، ج‏9، ص120.

 

328


274

خطاب الولي 2010

والنفاق ليس فقط على صعيد البلد بل على مستوى العالم، والحدود الواضحة بيننا وبين أعداء الثورة وأعداء الدين، وهذه كلها تمثل المعلَم. فلو لم يجعل المرء حداً واضحاً وشفافاً فإنه يكون قد قلّل من قدر نفسه، ولو اندفع فإنه سيخرج من الدائرة. هذه هي المباني والخطوط الأساس. فإن حركة الثورة حركة واضحة وتقدمية وسوف تستمرّ هذه الحركة إن شاء الله.

 

كنت أود أن أفعل كما فعل السادة على الطريقة التعبوية، حيث ذكر كل هذه المطالب في خمس دقائق، أردت أن أذكر كل ما عندي في هذه المدة الطويلة، لكن لاحظت أنه لن يصح لنا ذلك، لكن برأيي فإن كل ما هو ضروري قد ذكرناه. فلا أزعجكم أكثر.

 

نأمل من الله تعالى أن يحفظكم جميعاً ويوفقكم ويزيد من بصيرتكم يوماً بعد يوم. وإن شاء الله توفَّقون أكثر ويوماً بعد يوم على صعيد الجهاد العلمي والجهاد العملي وفي جهاد نشر البصيرة في محال العلم والبيئة الجامعية والمجتمع أيضاً.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

329

 


275

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء أهالي بوشهر

في يوم ولادة الإمام علي عليه السلام

 

 

 

المناسبة:   ذكرى ولادة الإمام علي عليه السلام

الحضور:  جمع غفير من أهالي محافظة بوشهر

المكان:   طهران

 

الزمان:    05/04/1389هـ.ش.

13/07/1431هـ.ق.

26/06/2010م.

         

         

 

331

 

 


276

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أهنئ بهذا العيد السعيد كل الإخوة والأخوات الأعزاء البوشهريين. لقد قطعتم مسافة طويلة، وعطّرتم حسينيتنا بأنفاسكم المعطّرة المنبعثة من القلوب الموالية.

 

إن الذكرى الموجودة في أذهاننا تاريخنا عن أهالي بوشهر هي ذكرى ساطعة جداً وباعثة على الافتخار، مثلما أشار إمام الجمعة المحترم[1] - الذي هو بحمد الله عالمٌ نجيب ـ أن لبوشهر تاريخاً لامعاً ويعدّ مفخرة. فأهالي تلك المنطقة الشجعان والمؤمنون استطاعوا مرّات ومرّات أن يفرضوا على عدو هذا البلد وعدو هذا الشعب التراجع، وتغلّبوا عليه.

 

وإن أسماء علماء بوشهر المشهورين الذين ذكرهم وهم وجوهٌ معروفة يُعتبرون بحق من الأسماء الساطعة في سلك علماء الشيعة.

 

أما اسم القائد المؤمن والشجاع الشهيد رئيسعلي دلواري[2] فهو من الأسماء التي لا زالت تجذب قلوب المؤمنين الذين تعرّفوا إلى أحواله وجهاده في مختلف أرجاء البلد. وإننا شاكرون لله أنه بعد انتصار الثورة، هذا الاسم الذي كان يُسعى لإخفائه وإبقاء وجهه مجهولاً، قد تردّد على الألسنة، فعُرف ومُدحت شخصيّته وتعرّف الجميع إلى مظلوميته وشهادته الممتزجة بهذه المظلومية، وفهموا ما جرى. ولا شك بأن يومنا هذا يختلف كثيراً عن تلك الأيام. ففي ذلك اليوم كان هناك عدّة معدودة مع شاب شجاع اضطُروا إلى أن يقاوموا القدرة الاستعمارية والاستكبارية لبريطانيا بمظلومية، ولكن اليوم أمثال رئيسعلي دلواري ليسوا بقليلين وليسوا وحدهم. فها هم شبابنا

 


 


[1] حجّة الإسلام والمسلمين صفائي بوشهري.

[2] الشهيد رئيسعلي دلواري: كان قائداً شجاعاً وبطلاً باسلاً قاد ثورة الجماهير في منطقة تنكستان التابعة لمدينة بوشهر ضد الإنكليز حتى نال الشهادة في يوم 1 شباط قبل 94 عاماً مضرّجاً بدمه ليفتح الطريق أمام الثوار والأحرار لمواصلة السير للإنعتاق من العبودية والحصول على الحرية والاستقلال.

 

 

333


277

خطاب الولي 2010

الأعزاء والمضحون، وهؤلاء أبناء التعبئة في ميدان القتال العسكري والمواجهة الثقافية والسياسية، إنهم اليوم في أرجاء البلاد منتشرون. ويقيناً فإن بوشهر هي من تلك المناطق التي ينشأ فيها أمثال هؤلاء ويتكاثرون. لا أنسى السفر الذي قمت به قبل عدة سنوات إلى بوشهر. فلقد شاهدت عن قرب ورأيت آثار تلك الروحية الإيمانية العميقة ظاهرة في الناس. وأنتم اليوم تُظهرون هذه الروحية أيضاً.

 

وليعلم الجميع واعلموا أنتم أيها الشباب الأعزاء أنّ الزمن قد تبدّل. فقد انقضى ذلك اليوم الذي كانت القوى فيه قادرة على تهديد شعوب هذه المنطقة كما يحلو لها وتحقيرها، وكلما أرادوا يأتون بقواتهم ويمارسون الضغوط. فشعب إيران اليوم قد عُرف في العالم كله أنه شعبٌ مقتدر. والقضية ليست قضية المال ولا السلاح ولا وسائل الإعلام التي يمتلك أعداؤنا منها ألف أضعاف مما نمتلكه، القضية هي قضية الإيمان والعزم الراسخ والبصيرة وإدراك الشعب لشأنه وموقعيته وحقه. لقد تكشّفت أيادي القوى المستكبرة. ومع كل الدعاية التي يقومون بها وبكل هذه الوسائل الإعلامية الحديثة الموجودة في أيديهم وزعمهم بأنّ الرأي العام العالمي في قبضتهم، فإنّه يوماً بعد يوم تتهاوى سمعة هذه القوى ـ وعلى رأسهم أمريكا ـ بين الشعوب أكثر فأكثر، ويُفتضحون أكثر، وتتبلور أكثر قدرة صمود الشعوب ونهضة القوى الشعبية. فالمستقبل لكم وهو متعلّق بكم. والاقتدار الحقيقي حق شعب إيران ومتعلق بشعب إيران، ولا يمكن لأي أحد أن يصرفه عن هذا الطريق الذي انتهجه.

 

حسناً، إن اليوم هو يوم عيدٍ كبير، وهو يوم ولادة شخصية لا نظير لها في تاريخ البشرية، حيث إننا لا نعرف بعد قدسية وجود خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم أي إنسان بلغ عظمة شخصية أمير المؤمنين. ويجب أن نأخذ اليوم عيديتنا، وعيديتنا هي في أن نأخذ الدرس والعبرة.

 

إن شخصية أمير المؤمنين عليه السلام ومنذ ولادته وإلى حين شهادته كانت شخصية استثنائية وفي جميع هذه المراحل. فولادته كانت في جوف الكعبة ـ وهذا ما لم يحدث مثله قبله ولا بعده ـ وشهادة هذا الإنسان العظيم كانت في المسجد وفي محراب العبادة. وبين هاتين النقطتين كانت كل حياة أمير المؤمنين عليه السلام جهاداً وصبراً لله

 

 

334


278

خطاب الولي 2010

وعرفاناً وبصيرة وحركة على طريق رضا الله. وفي بداية طفولته أودعت يد التدبير الإلهي علي بن أبي طالب حضن النبي. فقد كان أمير المؤمنين عليه السلام يبلغ ست سنوات حينما جاء به النبي من بيت أبي طالب إلى بيته. فتربّى أمير المؤمنين في حضن النبي وتحت ظله. وأثناء نزول الوحي على النبي كان هو الشخص الوحيد إلى جانب النبي في غار حِراء وفي تلك اللحظات الحساسة، "ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمه"[1].. كان يتبع النبي ولا ينفصل عنه دوماً، ويتعلّم منه دائماً. وهو نفسه يقول في نهج البلاغة في الخطبة القاصعة: "ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي فقلت يا رسول الله ما هذه الرنّة، فقال: هذا الشيطان قد آيس من عبادته"، ثم قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى".

 

فهذا القرب الذي كان لأمير المؤمنين من النبي تحقق منذ مرحلة الطفولة. ففي مرحلة الطفولة آمن بالنبي، وصلّى معه، وجاهد معه، وضحّى من أجله. وطوال حياته، سواء في حياة النبي، أو بعد رحيله، في المراحل المختلفة، بذل كل جهده من أجل إقامة الحق وإقامة دين الله وحفظ الإسلام. ويقول النبي الأكرم. إن أمير المؤمنين كان ميزان الحق. وقد نُقل بطرق السنة والشيعة: "علي مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار"[2]، فإذا كنتم تريدون الحق فانظروا إلى علي أين يقف، وماذا يفعل، وإلى أين يشير. هكذا كانت حياة أمير المؤمنين.

 

يجب أن نقرأ نهج البلاغة ونتعلّم منه. وفي العصر الأخير تعرّف الكثير من المفكّرين والعلماء غير المسلمين ـ وليس المسلمين فقط ـ تعرّفوا إلى نهج البلاغة، وقرأوا كلمات أمير المؤمنين وشاهدوها وسمعوا الحِكم المتمثلة في هذه الكلمات وتعلّموا منها ودُهشوا من عظمة هذا الكلام وصاحبه. وعلينا أن نتوجّه إلى نهج البلاغة أكثر من هذا. وعلينا أن نتعلّم منه أكثر، فينبغي أن نستفيد أكثر من هذا البحر الزخّار لحكمة أمير المؤمنين، فإنه يبيّن جميع أبعاد المسؤولية ويعلّمنا جميع الدروس. ولعلماء أهل السنّة الكبار تعابير بشأن هذه الكلمات تجعل المرء مدهوشاً.


 


[1] السيد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، مصدر سابق، ص 300، الخطبة: 192.

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج10، ص432.

 

 

335


279

خطاب الولي 2010

فأمير المؤمنين ليس للشيعة فقط، فإن كل أهل الإسلام وكل أولئك الذين يعيش حب الإسلام في قلوبهم يشاهدون علي بن أبي طالب عليه السلام في قمة العظمة العلمية والمعنوية والأخلاقية والإنسانية والإلهية.

 

إن حياة أمير المؤمنين كلها درُسٌ. من بين ما يشاهده المرء من سلوكيات أمير المؤمنين ـ التي تشمل جميع الخصال الحسنة للإنسان وللحاكم ـ فإن أسمى هذه الخصائص ليومنا هذا قضية التبصرة وإعطاء البصيرة لأولئك الذين يحتاجون إليها، أي تبيين الأجواء وتوضيحها. ففي جميع المراحل كانت هذه الشجاعة اللامتناهية وهذه التضحية العظيمة من أجل توعية الناس وإضفاء العمق على تفكيرهم وإيمانهم. ففي معركة صفّين عندما كان الطرف المقابل يشعر بأنه سيُهزم، ولأجل أن يوقف الحرب، رفع المصاحف على الرماح، فجاء عدّة إلى أمير المؤمنين وضغطوا عليه حتى يسلّم ويوقف الحرب، وطرحوا قضية القرآن. وكان عملاً تزويرياً، عجيباً.

 

فخطّأهم أمير المؤمنين وقال لهم إنكم لا تعلمون. فالذين يعرضون القرآن اليوم كحَكَمٍ لا يعتقدون به، فإنني أعرفهم: "إِنِّي صَحِبْتُهُمْ وَعَرَفْتُهُمْ أَطْفَالًا وَرِجَالًا"، أي أن أمير المؤمنين عليه السلام كان قد شاهدهم في طفولتهم وعندما كبروا: "فَكَانُوا شَرَّ أَطْفَالٍ‏ وَشَرَّ رِجَالٍ"[1]، فإنهم لم يؤمنوا بالقرآن، فإذا ضاقت عليهم الأرض أبرزوا القرآن. لكن هؤلاء لم يستمعوا وأصرّوا حتى حلت تلك الخسارة بعالم الإسلام.

 

إن أمير المؤمنين هو رائد البصيرة والتبصُّر. ونحن اليوم بحاجة إلى هذه البصيرة. اليوم، أعداء العالم الإسلامي وأعداء الوحدة الإسلامية نزلوا إلى الميدان من خلال الوسائل الدينية والوسائل الأخلاقية، فينبغي الحذر. فهم عندما يريدون أن يخدعوا الرأي العام غير الإسلامي يأتون على اسم حقوق الإنسان والديمقراطية، وعندما يريدون خداع الرأي العام الإسلامي يأتون باسم القرآن والإسلام، في حين أنهم ما آمنوا لا بالإسلام ولا بالقرآن ولا بحقوق الإنسان. وعلى الأمة الإسلامية أن تعرف هذا. وإن شعب إيران وطوال هذه السنوات الثلاثين اختبرهم، وعلينا جميعاً أن ندرك هذا.


 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج33، ص387.

 

336


280

خطاب الولي 2010

وقد أشار أمير المؤمنين في تلك اللحظة من الخداع والفتنة إلى أصحابه قائلاً: "امْضوا على حقِّكُم وصِدقِكُم". فلا تتركوا هذا الطريق الحق وهذه الحركة الصادقة ولا تضيّعوها ولا تسمحوا بأن تزلزل قلوبكم من خلال كلمات المفتنين، "امْضوا على حقِّكُم وصِدقِكُم"[1]، فإن طريقكم طريق الصدق. وإن خاصية مرحلة الفتنة ـ كما ذكرنا مراراً ـ هي أنها تثير الغبار وتعمي الأبصار بضبابها. حيث إن النخبة قد تُبتلى بالخطأ والاشتباه. وهنا يلزم وجود المعلَم والشاخص. والشاخص هو ذلك الحق والصدق والبيّنة المودعة عند الناس. وأمير المؤمنين يُرجع الناس إليها. واليوم نحن بحاجة إلى هذا الأمر.

 

يقول لنا الإسلام إنه ينبغي إدارة وهداية المجتمع الإسلامي وفق قوانين الإسلام وكذلك تكون حياته. الإسلام يقول إنه ينبغي التعامل بقوة مع الأعداء المعتدين، وينبغي أن يكون هناك حدودٌ واضحة وشفّافة معهم. الإسلام يقول لا تنطلِ عليكم خدع الأعداء. وهذا هو الخط الواضح لأمير المؤمنين. ونحن اليوم بحاجة إلى هذا الخط الواضح. وبالطبع فإن شعب إيران وببركة الثورة هو شعبٌ واعٍ. والكثير من معضلات هذا البلد قد حُلّت بفضل بصيرة هذا الشعب. وكثيراً ما يشاهد المرء أن جماهير الشعب ترى وتفهم الحقائق بشكل أفضل من بعض الخواص والنخب، وذلك لأن تعلّقاتهم أقل. وهذا من النعم الكبرى. إخواني وأخواتي الأعزاء! اعلموا، وعلى شعب إيران كله أن يعلم، أن شعب إيران قد أظهر ثباته على طريق التحرك باتجاه الأهداف والقيم الإسلامية الرفيعة، وسوف يحفظ ثباته هذا بتوفيق الله وفضله.

 

إن شعب إيران يريد أن يكون شعباً سعيداً مرفهاً يتحلى بالكمال والأخلاق والعزة والاقتدار في ظل الإسلام. وقد تحرّك هذا الشعب على هذا الطريق وتقدّم وحقق إنجازات كبرى. وما تشاهدونه اليوم في وضعنا الحالي -هذه التطورات وهذه القدرات وهذه الإمكانات العظيمة، مما هو من ثوابت وحتميات الشعارات الأساس للثورة - لم تتحقق ببساطة، فشعب إيران قد أنجزها بقدراته وبصيرته وسوف يستمر على هذا


 


[1] المصدر نفسه.

 

337


281

خطاب الولي 2010

الطريق بتوفيق الله. فالمستقبل لشعب إيران. وإن كيد الأعداء ومكر الأشرار لن يتمكن من ثني هذا الشعب عن المضي في طريقه، ولن يتمكن من حرفه عنه. إن بصيرة شبابنا اليوم بحمد الله بصيرة ممتازة. ففي الميادين المختلفة، شبابنا ينجزون أعمالاً كبرى، ويجب أن يزداد هذا الأمر يوماً بعد يوم. ينبغي أن يزداد ثبات القدم هذا وهذا الصمود وهذا التآلف والانسجام الوطني. ويجب أن يزداد يوماً بعد يوم هذا التمسك بالشعارات الإسلامية والتمسك بالقرآن والتمسك بسيرة أهل البيت عليهم السلام وبكلمات أمير المؤمنين.

 

وبمشيئة الله سيشاهد شبابنا ذلك اليوم الذي يشعر فيه الأعداء الغلاظ الظالمون على مستوى الدول والعالم أنهم لن يتمكنوا من فرض إرادتهم على شعب إيران. أعان الله شعبنا العزيز ومسؤولينا الحريصين وأهل الخدمة، حتى يقرّبوا بسعيهم المخلص هذا الهدف وبأعمالهم إن شاء الله، ذلك الزمان.

 

نسأل الله تعالى أن يحفظكم، وأن يؤيدكم وأن يؤجركم على هذا العناء الذي تجّشمتموه فقطعتم هذه المسافة الطويلة إن شاء الله. وأرسل لكل أهالي بوشهر الأعزاء أيضاً من خلالكم سلامي ومحبتي. وإن شاء الله يرضى الله عنكم ويُفرح روح إمامنا العظيم المطهّر بكم، ونسأل الله أن يحشر شهداءنا الأعزاء وشهداء بوشهر الأعزاء مع أوليائهم.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

338

 


282

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء رئيس السلطة القضائية ومسؤوليها

 

 

 

 

المناسبة:   لقاء المنتسبين إلى السلطة القضائية

الحضور:  مسؤولو السلطة القضائية و ذوو شهداء السابع من تير

المكان:   طهران

 

الزمان:    07/04/1389هـ.ش.

15/07/1431هـ.ق.

82/06/0102م.

 

 

339


283

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أهلاً ومرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، مسؤولي السلطة القضائية والإخوة والأخوات من ذوي شهداء السابع من تير الأبرار الشامخين. نذكر شيئاً عن تلك الشهادة الكبيرة المؤثرة، وشيئاً عن السلطة القضائية. الخصوصية الطبيعية للشهادة هي إيجاد البركة ورفد الحركة واستمرارها وتسهيلها نحو التسامي والكمال.

 

حينما يعتبر الله في القرآن الكريم الشهيد حياً، ويقال في العرف الإسلامي وحسب مصطلح المتشرعة لمن يقتل في سبيل الله شهيداً أي شاهداً ومراقباً وحاضراً، فمعنى ذلك أن دم الشهيد لن يذهب هدراً.

 

شخصية الشهيد وهي تَبلوُر مبادئه وطموحاته وآماله سوف لن تفارق حياة الناس. هذه هي خصوصية الشهادة. الذين أدركوا هذه الحقيقة ووعوها وصدقوها من الأعماق لا يعدّون القتل في سبيل الله عندهم بحال من الأحوال خسارة، بل هو فخر وفوز عظيم، لذلك يطلبونه من الله تعالى، ويطالبون به كحاجة كبرى في أذكارهم ومناجاتهم لله عزّ وجلّ. وأخال أن من أفضل السائرين في هذا الطريق شهداء السابع من تير. كنا نعرف الكثير منهم عن قرب وقد اختبرناهم وعرفناهم إما في ميادين النضال والعمل وفي تفاصيلها، أو في أحداث ما بعد انتصار الثورة. حقاً أنهم كانوا يحملون أرواحهم على الأكفّ وهم مستعدون للشهادة دوماً. لو جاءهم خبر أنهم سوف يُستشهدون في هذا السبيل لما خافوا ولما ارتعبوا على الإطلاق، بل لرضوا وارتاحوا ولكانت هذه بشارة لهم. وعلى رأسهم جميعاً شهيدنا الجليل العزيز آية الله بهشتي الذي كان إنساناً مؤمناً متديناً مخلصاً صادقاً جاداً في العمل.

 

كان يعتقد بما يقوله، وملتزماً عملياً بما يعتقد به. وكان يعرف الأخطار، ويعلم أن ساحة العمل حقل ألغام، ويمكن أن تزهق الروح في أية لحظة من اللحظات. لكنه مع

 

 

341

 


284

خطاب الولي 2010

ذلك كان يتقدم في الطريق غير هيّاب ولا خائف بل بعينين مسمّرتين على الهدف. هذه من سمات هذا الشهيد العزيز.

 

كان منطقياً وملتزماً بالمبادئ والأصول. كان أصولياً بالمعنى الحقيقي للكلمة. لم يكن ليساوم أحداً على الأصول. كنا نرى أن بعضهم يحاول كسبه بالحيل والأحابيل والأساليب الدارجة المعروفة أو ليجعلوه يتراجع قليلاً عن مواقفه ويفرضوا عليه المماشاة والمحاباة، لكنه كان يقف صلباً على مواقفه. هكذا تتكون الشخصيات التاريخية المؤثرة، وهكذا تظهر في المجتمع وتبقى..

 

﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ﴾[1]، القول والكلام شيء سهل، لكن العمل صعب، والاستمرار في العمل أصعب بكثير. بعضهم يتكلم فقط وبعضهم يثبت قوله في أعماله، لكنه يعجز عن الصمود حيال أحداث العالم والطوفانات والاستهزاء والطعون وحالات العداء غير المنصفة، لذلك يتوقف عن المسير. وبعضهم لا يكتفي بالتوقُّف بل يتراجع ويعود أدراجه، وهذا ما نراه على كل حال.

 

الذي يقول كلمته عن عقيدة خالصة جازمة ويقف ويصمد على كلمته انطلاقاً من قرار مؤمن شجاع، ويستمر في هذه الحركة بصبر قال عنه الله تعالى في القرآن: ﴿وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾[2] هذا هو الإنسان الذي يكتسب قيمة كبيرة ويكون شخصية مؤثّرة، ويكون طريقه منهجاً للسائرين، ويبقى وجهه خالداً ينير الدرب. رحمة الله على الشهيد بهشتي. ورحمة الله على الذين استشهدوا معه، ورحمة الله على شهداء درب الإسلام.

 

وقد كان الأثر الفوري والعاجل لهذه الشهادة أن اكتسب النظام الإسلامي في آنٍ واحد إخلاصاً أكبر وأثبت أحقيته، وتكرست حقيقته في المجتمع أكثر. كانت هذه سمة تلك الشهادة الكبرى. تساقطت الأقنعة عن الوجوه، وتكرس المنطق المتين للجمهورية الإسلامية ومنطق الإمام الجليل، وتماسك نظام الجمهورية الإسلامية الفتي واستطاع مواصلة الحركة، في تلك الظروف الحساسة وفي حين تمدّد العدو - العدو العسكري

 

 


[1] سورة فصلت، الآية 30.

[2] سورة آل عمران، الآية 146.

 

342


285

خطاب الولي 2010

المعتدي - على جزء مهم من المنطقة الحساسة في تراب الجمهورية الإسلامية، ولكم أن تلاحظوا صعوبة الظروف في ذلك الحين، وشدة الحادثة حسب الظاهر، لكن هذه الشهادة تركت تأثيراً بنّاء وعظيماً على الثورة.

 

أعزائي، طالما بقيت الشهادة في قاموسنا وفي ثقافتنا وفي منطقتنا بهذا المستوى والاعتبار، فاعلموا أنه ما من قوة - سواء القوى المستكبرة الحالية أو ما هو أقوى منها بكثير - تستطيع الانتصار على الجمهورية الإسلامية وشعب إيران.

 

أما عن السلطة القضائية فإنها حقاً جزء حساس جداً في نظام البلد. وهكذا هو الحال في كل العالم. دور الجهاز القضائي دور مصيري وحيوي وحاسم. ولكن في نظام الجمهورية الإسلامية حيث يقوم أساس النظام وشرعيته على الحق والعدل - وهذه هي الأركان الرئيسة لنظامنا - يكتسب الجهاز القضائي حساسية مضاعفة.

 

لقد ذكرنا الكثير من النقاط حول شؤون الجهاز القضائي خلال هذه اللقاءات السنوية، وقد ذكر رؤساء السلطة القضائية المحترمون الكثير من النقاط والقضايا. ويوم أمس في الاجتماع الجيد الذي عُقد في السلطة القضائية - وقد شاهدت خلاصة عنه من خلال التلفاز - ذكر رؤساء السلطات الثلاث المحترمون نقاطاً جيدة وصحيحة. طبعاً الكلام الجميل شيء وإمكانية تحقيقه شيء آخر، وتحقيقه شيء آخر، والاستمرار فيه شيء آخر، وكل هذا يحتاج إلى جد واجتهاد. والحمد لله تتوفر اليوم في السلطة القضائية ظروف جيدة. رئيس السلطة القضائية شخصية عالمة مجتهدة فاضلة واعية تتمتع بطاقة الشباب وقدرات كثيرة. ويلاحظ المرء خلال المدة القصيرة التي تولّى فيها هذه المسؤولية أن الكثير من المطالب والأمور التي يتوقعها الإنسان من القانون والسلطة القضائية قد تحققت أو اقتربت من حدود التحقق.. هذه كلها من بواعث الأمل.

 

وكما أشاروا، فإن منظومة المسؤولين رفيعي المستوى في السلطة القضائية منظومة نزيهة وسليمة وحسنة السابقة وتعمل بكل تصميم. هذا شيء يبعث الأمل في نفس الإنسان. وعلى مستوى السلطة أيضاً ليسوا قلائل والحمد لله القضاة الفضلاء الواعون الشجعان المستقيمو السلوك والأعمال. هذه حقائق موجودة. تم التعرف إلى المساحات

 

 

343


286

خطاب الولي 2010

المظلمة تدريجياً، وإلى الأعمال التي ينبغي القيام بها، وجرى التخطيط بشكل جيد أو جرى التنبه إلى الأمور اللازمة والضرورية. هذا كله من بواعث الأمل. إلا أن أرضية الأمل والتفاؤل يجب أن تؤدي إلى حركة واسعة وجادة لكي تؤتي هذه الآمال ثمارها ويفصح واقع السلطة القضائية عن حقيقته. قلنا مراراً إن السلطة القضائية يجب أن تصل إلى درجة يعلم فيها أي إنسان في أي نقطة من البلاد كان إذا شعر بأنه مظلوم، يجب أن يعلم ويبشر نفسه بأنه يستطيع التوجّه إلى السلطة القضائية واستعادة حقه المهضوم ورفع الظلم عن نفسه. هذا أمل يجب إيجاده في قلوب جميع أبناء هذا البلد.

 

طبعاً، لا يمكن إيجاد هذا الأمل بسهولة. يجب أن تزداد المراجعات القضائية ذات النتائج العادلة والمنصفة وتزداد حتى يتكون هذا الأمل تدريجياً في قلوب أبناء الشعب. طبعاً، لا نريد مقارنة السلطة القضائية اليوم بالسلطة القضائية قبل الثورة وفي عهد الطاغوت. الذين شهدوا تلك الأيام يعلمون أن المكان الذي لم يكن يفتح بوجه الإنسان أي أمل يومذاك هو السلطة القضائية. لم يكن يشعر أحد أنه سيراجع هذه المؤسسة وسيطرق هذا الباب ويعود منه مرتاحاً راضياً. لا، كانت الأعمال غير العادلة في السلطة القضائية والناتجة عن الإهمال وعدم الاهتمام أو عدم التقوى كثيرة إلى درجة أن أحداً لم يكن يعقد أملاً على السلطة القضائية إلا بواسطة الشفاعات والوساطات والأموال والقوة وما إلى ذلك. من هنا لا نريد مقارنة سلطتنا القضائية بتلك السلطة القضائية لنقول بعدها: الحمد لله، لدينا اليوم قضاة فضلاء ومنصفون ويجري العمل على الطريق الصحيح الجيد، إنما نروم مقارنة السلطة القضائية بالوضع اللائق لنظام الجمهورية الإسلامية. هذا جدّ وسعي لا بد منه. من الجهود اللازمة استقطاب عناصر مؤمنة وعالمة ومنصفة للسلطة القضائية. طبعاً، الكوادر الإنسانية الصالحة داخل السلطة القضائية تحتاج إلى إشراف من المواقع الأعلى وإدارة جيدة للأعمال والأداء. الإنسان الصالح معرض للزلل والانحراف. ليس بالضرورة أن يبقى الصالحون صالحين دائماً، لا، ثمة امتحانات واختبارات يمرُّ بها الجميع، وينبغي مراقبة إمكانيات الزلل في جميع الأحوال. هذه قضية، وهي قضية الطاقات البشرية، وهي على جانب كبير من الأهمية.

 

 

344


287

خطاب الولي 2010

الشيء الذي لا يقل أهمية عن قضية الطاقات الإنسانية هو قضية البنية الديوانية للسلطة القضائية. ينبغي العمل بنحو مستمر لتجديد البُنى وتحديث وضع السلطة القضائية في مجمل بنيتها. لا أقول إننا يجب أن نسلب السلطة القضائية استقرارها، لا، لا بد من الاستقرار والثبات إلى جانب الرؤية النقدية للأساليب الديوانية والبيروقراطية الخاطئة وبعضها موروث عن الماضي، وبعضها تقليد للبلدان الغربية، بل هي تقليد للأساليب المنسوخة عند البلدان الغربية. هذه نقطة مهمة ينبغي التفطن لها. أحياناً تكون البُنى بحيث تزيد من صعوبة عملية المرافعة، وتجعل النتائج غير موثوقة، وتلتهم الناس الصالحين في داخلها. هذه أيضاً مسألة أخرى، تمثل سياقاً دائماً يجب التنبه له باستمرار. ومن المسائل الأخرى مسألة القوانين. يجب أن تؤخذ القوانين والمقررات داخل السلطة القضائية بنظر الاعتبار، وينبغي إعادة النظر فيها لكي تكون القوانين الصحيحة اللازمة هي المعتمدة دوماً. ونحن نعلم بالطبع أن قوانين المرافعات والقوانين الجزائية في طريقها للمصادقة عليها بتفاصيل كبيرة. وينبغي تعميم ذلك على كل القوانين. أحياناً يسبب قانون خاطئ متبقٍ عن عهد الطاغوت - العهد الذي كانت فيه السلطة القضائية قائمة على أسس خاطئة - مشكلات عديدة. والتعارض بين القوانين يسبب مشكلات عديدة. وقد ذكرنا في العام الماضي أن عدم تطابق أحكام المحاكم الابتدائية مع أحكام المحاكم اللاحقة يأتي في كثير من الأحيان بسبب هذه المشكلات. يجب إصلاح هذه الأمور، وهو بالطبع عملية جد صعبة وعظيمة.

 

من الأمور اللازمة في منظومة السلطة القضائية عدم إشراك حالات الحبّ والبعض والانتماءات السياسية في عمل هذه السلطة. ومن الأخطار الكبرى أن تؤثر الأجواء والضجيج على السياق الصحيح للعملية القضائية وعلى ذهن القاضي وعلى ذهن المحقق وعلى مختلف مراحل متابعة الملفات. يمكن اختلاق الضجيج السياسي، فالصحف تكتب والإذاعات الأجنبية تتحدث، والعدو يتحدث، والتيارات المختلفة تتحدث.. هذه أمور يجب أن لا تؤثر. من أصعب واجبات السلطة القضائية أن لا تتأثر بالضجيج

 

 

345


288

خطاب الولي 2010

المفتعل من قبل هذه الجهة أو تلك. هذا هو ﴿ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ﴾[1] تقول الآية: ﴿وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَ‍َٔانُ قَوۡمٍ عَلَىٰٓ أَلَّا تَعۡدِلُواْۚ﴾[2] أي لا تغلبكم العواطف. لا تؤثر عليكم العداوات - وقد أشارت الآية الكريمة إلى حالة العداء، ومثلها حالة الصداقة والمودّة - في قضائكم وفي الأحكام التي تصدرونها، ولا تصرفكم عن جادة العدل: ﴿ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ﴾. والتقوى هي المراقبة.. مراقبة الذات ومراقبة المسيرة والطريق، والحذر من السقوط والتعرض للمشكلات. يقول: هكذا تتحررون من قبضة المشكلات، وهكذا تستطيعون السير في الطريق بصورة صحيحة وبلا خسائر وأضرار في هذه الوديان الشائكة العجيبة الغريبة ﴿ٱعۡدِلُواْ هُوَ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۖ﴾.

 

ومن مصاديق ذلك أن لا تؤثر الأجواء السياسية المفروضة من قبل مختلف الجهات على السلطة القضائية. هذه طبعاً ليست عملية سهلة. الكلام عنها سهل لكن العمل بها صعب جداً. يجب أن يصدّق الإنسان بهذا الشيء بإنصاف. إذا كان هذا سيقتنع الناس بالسلطة القضائية وبقراراتها ويؤمنون بها حتى لو لم يكونوا راضين عن هذا الحكم أو ذاك في سريرة قلوبهم، لكنهم مقتنعون. ولو أردنا الإتيان بتشبيه غير تام لقلنا إن الأمر يشبه عمل المحكّمين في الألعاب الرياضية. إذا قال الحكم إن هذا صحيح وهذا خطأ، يُسلِّم الجميع له، وقد يسيء البعض أخلاقهم، لكن عمله هذا سيعتبر إساءة أخلاق، والكل يرضون. طبعاً يختلف ذلك التحكيم عن هذا التحكيم جداً، ولكن ينبغي انبثاق مثل هذه الحالة فيشعر الناس أن هذا التحكيم وهذا القضاء مستنبَط من أصل الحقيقة، ولا دخل للذهنيات والتيارات والميول السياسية وغير السياسية وحالات الحبّ والبغض فيه. إذا شعر الناس بهذا، فقد لا تكون نتيجة الحكم مرضية بالنسبة لهم، لكنهم يقنعون على كل حال ويعتبرونها جيدة. حالة الاقتناع هذه والقبول الذهني لدى المجتمع حالة جيدة جداً وتعدّ فرصة كبيرة للسلطة القضائية.

 

طبعاً، يجب على جميع أجهزة البلاد أن تدعم السلطة القضائية لتستطيع أن تمارس أعمالها دون التفات إلى هذا وذاك. كما نلاحظ في الصور الرمزية التي ترمز إلى السلطة

 

 


[1] سورة المائدة، الآية 8.

[2] سورة المائدة، الآية 8.

 

346


289

خطاب الولي 2010

القضائية حيث عصبوا عيونها. عصب الأعين هذا لا يعني طبعاً عصب الأعين عن الواقع، بل بمعنى أنها لا تأخذ بنظر الاعتبار الأصدقاء والأعداء والمدعي والمدعى عليه، ولا تأخذ شخصية الأشخاص وخصوصياتهم بالحسبان. هذا ما ينبغي المحافظة عليه. وهو طبعاً عملية جد صعبة. فإذا تحقق هذا كان من أهم الوسائل لتقدم المجتمع، ولكان من أفضل الإمكانات لنظام الجمهورية الإسلامية. إنه شيء سيتقدم بنا إلى الأمام وسيعين البلد حقاً في المسار الذي يتقدم به نحو أهدافه. هذه عملية كبيرة.

 

طبعاً، التوجّه إلى الله تعالى، والتوسل بخالق العالم وتذكّر الثواب والأجر الإلهي المخصص للمخلصين، والاعتماد على الله تعالى، وعدم إساءة الظن بالله تعالى، أمور تعين جميع العاملين ليستطيعوا النهوض بهذا العمل الكبير إن شاء الله.

 

تصادف هذه الأيام أيام شهر رجب المبارك شهر الدعاء والتوسل، والتضرّع، وشهر إعداد القلوب إن شاء الله للدخول إلى ساحة شهر رمضان. ليس اعتباطاً أن تجري التوصية بهذه الأدعية وبهذه الأعمال وبهذا الاستغفار. الدعاء حسن دائماً، ويمكن قراءة أي دعاء دائماً، لكنهم أوصونا بهذا الدعاء لأيام شهر رجب أو لأيام خاصة من شهر رجب، ما يدل على وجود خصوصية في هذه الأيام، وينبغي انتهاز هذه الخصوصيات والاستفادة منها. سيكون ثمة إن شاء الله توسل بالله تعالى وتضرع وطلب للعون منه واعتماد وتوكل عليه. وسوف يمدّ الله تعالى يد عونه إن شاء عزّ وجلّ.

 

نتمنى أن تكون أرواح الشهداء الطيبة والروح المباركة للإمام الخميني راضية عنكم جميعاً، وأن تشمل الأدعية الزاكية لسيدنا الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف جميع الإخوة والأخوات الأعزاء والمسؤولين المحترمين.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

347


290

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء فناني ومسؤولي التلفزيون

 

 

         

المناسبة:   لقاءات سنوية

الحضور:  رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون وعدد من المخرجين والكتّاب والفنانين

المكان:   طهران

 

الزمان:    21/40/9831هـ.ش.

02/70/1341هـ.ق.

03/07/2010م.

 

 

349


291

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أرحّب بكم كثيراً أصدقائي الأعزاء، إخواني، أخواتي، الفنّانين البارزين والذين هم في الحقيقة مغنم. يبدو أنني إلى الآن لم ألتقِ بهكذا جمع بمثل هذه التوليفة الجيدة، لأستمع إلى مجموع الآراء وأنظر في الوجوه المحببة ممن سمعت بأسمائهم أو شاهدتهم من خلال التلفزيون فقط. طيب، ها هي الفرصة بحمد الله تتحقق اليوم، الكثير منكم أيها الأصدقاء الطيبون، شاهدتهم عن قرب وسمعت كلماتهم. وقيل "بالعين رأيت ما سمعت من الأصدقاء". فرؤيتكم أيها الأصدقاء أمرٌ محبوبٌ بالنسبة لي. وثقِوا أنه لو كان هناك وقتٌ فإني كنت مستعداً أن أجلس لعدة ساعات أخرى وأستمع لكلمات المزيد منكم، بل لكل من أراد أن يتحدث. فأنا العبد أستفيد من الاستماع إلى هذه الكلمات. فما يحمله المرء من أشياء في ذهنه ومن تصورات يمكنه بذلك أن يصححه، أو يحصل على بعض النقاط التي يكون غافلاً عنها.

 

الوقت محدود، أي أنه لا يوجد مجالٌ لذكر كل ما دوّنته وهو كثير، لأن منتهى وقتنا عند حلول آذان الظهر وحينها لا بد لي أن أنفصل عنكم. ويوجد تقريباً حوالي 25 دقيقة أو نصف ساعة أذكر فيها بعض المسائل. وسبب قولي إنني مستعدٌّ ولدي رغبة للاستماع إليكم هو أن التلفزيون والإذاعة بنظري وخصوصاً قسم البرامج التمثيلية -المسلسلات والأفلام- هو اليوم بالنسبة لنا أكثر أهمية من أي وقت مضى.

 

إنني لا أحمل أية نظرة تساهل أو تغاضٍ بالنسبة للتلفزيون ومن أية جهة. فالفنون التمثيلية مهمة جداً، ومدى التأثير الذي تحدثه وبناؤها للثقافة واسعٌ جداً، ونحن اليوم كأمّة حيّة لها كلمتها وتشعر بهويتها ووجودها لنا أعداء كبار ونواجه عداوات من مختلف الأنواع وبأساليب متعددة، منها ما يتعلق باستخدام الفنون وأكثرها الفنون التمثيلية. وهذا يدلّ على أهمية أن نولي كأمة حيّة وكجماعة لها كلمتها في العالم

 

 

351


292

خطاب الولي 2010

وهدفها قضية الفنون التمثيلية الاهتمام الكافي لها ونبذل لأجلها الرساميل المادية والمعنوية. لهذا فإنني في الحقيقة أولي أهمية لهذا الموضوع. اليوم للإذاعة والتلفزيون دورٌ مهم، وكذلك يقع على عاتقهما تكليف كبير. وأنتم أصدقائي الأعزاء الذين تتولون أحد أكثر القطاعات في الإذاعة والتلفزيون حساسية، لديكم دورٌ مهم جداً في حاضر ومستقبل بلدكم. إننا نعتبر التلفزيون والإذاعة أساس مركز الهداية الفكرية. وما قاله الإمام إنها الجامعة الكبرى للبلد لم يكن من موقع المجاملة، فهذا الأمر هو هكذا في الحقيقة، إنها جامعة كبرى.

 

نحن نريد أن يفيض من هذه القمّة وهذا المنبع زلال المعارف الإلهية والإنسانية والسياسية الصحيحة ودروس الحياة المتنوعة على الشعب، هذا ما نتوقعه من الإذاعة والتلفزيون. وبعد ذلك فانظروا ما الذي عليكم فعله في هذا الميدان. وبالطبع فإن هذه الآراء التي عُرضت كنت أحدس أن الأصدقاء سيقولونها ـ أي أنها لم تكن مفاجئة بالنسبة لي -فما ذكرتموه كنت أعلم بعضه أو الكثير منه، وإنني أقول معكم حق فما لم يكن هناك استقرار نفسي أثناء إنتاج أي أثر فنّي، أو إذا حصل القلق من عدم الأمن- أو عند مواجهة الانتقادات، أو بقول بعض الأصدقاء عند مواجهة العامل القضائي وجهاز القضاء والشرطة وأمثالها، غاية الأمر أنه يوجد هنا شيء وهو أنكم فنانون والفنان رقيقٌ. أما من هم أمثالي فإن العمل لن يكون ناجحاً، لو كانت هذه الأمور الدقيقة التي تقلقكم وتهزّكم وتحملكم على الشكاية، لو كانت لتخرجنا هذه الأمور المقلقة من الميدان لكان الوضع اليوم بشكل آخر. حسناً، في حين أنه كان لي الكثير من التعامل وبأشكال مختلفة مع فنانين من مختلف الأصناف ـ أكثرهم فنانون في ميدان الشعر والأدب والقصة وأمثالها - من مرحلة الشباب وإلى يومنا هذا، وكنت أعرف لطافتهم ورقتهم، فكيف لي أن أقول لكم وأطلب منكم أن لا تكترثوا لهذه الانتقادات وأن تنصرفوا إلى أعمالكم!؟ إنهم يقولون، فليقولوا. غاية الأمر أن باب الانتقاد مفتوح.

 

ها أنتم هنا انظروا إلى مسلسل كمسلسل النبي يوسف. وهو مسلسل أُنتج وتمت مراعاة جميع الجهات الشرعية وغيرها فيه. فإنه يبيّن سيرة أحد الأنبياء وأساس العمل فيه مبنيّ على العفاف، وليس على الأساس الرائج في الأفلام العالمية، من العشق

 

352


293

خطاب الولي 2010

والشهوة وأمثالهما. وفيما بعد يتم الإقبال عليه بهذا الشكل في أنحاء العالم الإسلامي ولعله في بعض مناطق غير العالم الإسلامي. ولقد تم انتقاده في الجرائد وأسيء القول نحوه واعترضوا عليه علناً واختلقوا حوله أموراً أخرى. في النهاية، مثل هذه الأمور تحدث.

 

إنني أريد أن أقول لكم أن لا تحملوا في أنفسكم كل هذا القلق من الانتقاد والقيل والقال، فلو كان الأمر مبنياً على أن تعتنوا بمثل هذه الأمور المقلقة، ولعل بعضها غير واقعي ومما يتصوره الفنان بسبب رقته، وهو وهم، لما أمكن للإنسان القيام بأي عمل، هذا ما أؤمن به. لهذا لا ينبغي أن تحزنوا كثيراً من هذه الأمور المقلقة. هذا أحد جوانب القضية. والجانب الآخر للقضية هو أن هناك بعض الخطوط الحمر التي ينبغي رعايتها. فإن تجاوزها في بعض الأماكن على المستوى الأخلاقي ـ ولا يهمني كثيراً ما يتعلق بالخطوط الحمراء على المستوى السياسي، ففي الأصل ما يقلق هو الأمور الأخلاقية والدينية وأمثالها - لا لزوم له في بعض الأفلام والمسلسلات. يرى المرء أن هذا المسلسل الذي تمّ إنتاجه بشكل جيد ومضمون جيد، ولو لم يكن كذلك لما تعرّض له أحدٌ، بعض الروابط العاطفية بين الجنسين نجد أنه ينعكس في الأفلام بشكل سيئ وبأسلوب تعليمي سيء. وهذا يختلف مع ذلك الشيء الذي هو موجود على سبيل المثال في مسلسل الإغماء[1]، فالإنسان في البداية قد يتوهم أو يتصور شيئاً في ذهنه، ثم في نهاية المسلسل يلتفت إلى عدم وجود مثل هذا الإشكال. أجل، هنا معكم حق. أما أن تأتوا بنوع من العلاقات بين الجنسين، على شاكلة العشق الخاطئ ـ كأنواع العشق بين عدة أشخاص (العشق الثلاثي والرباعي)[2] ـ وتجعلوه في الفيلم فهو مضرٌّ، ولا ينبغي القيام بهذا العمل. فنلعمل على منع دخول هذه الأمور في الأفلام.

 

تصوروا فيلماً هو بحسب الظاهر والقالب فيلم انتقادي ـ حيث إن الانتقاد أمرٌ

 


[1] مسلسل الإغماء: تدور أحداث المسلسل حول طبيب جرّاح يقوم بعملية جراحية لزوجته فتتوفى إثرها، في هذه الأثناء يظهر صديق قديم له يدخل حياته من جديد و يغير له نظرته و رؤيته للحياة.

[2] العشق الثلاثي والرباعي: ذكر سماحته هذا المصطلح في معرض الحديث عن بعض المسلسلات التي تتناول قضية العشق و تتطرق إلى أنواع العلاقات العاطفية و منها العلاقات التي تنشأ بين امرأتين ورجل أو رجلين وامرأة، حيث يعشق رجلان امرأة واحدة، أو ما شاكل.

 

353


294

خطاب الولي 2010

جيدٌ ـ ثم يكون بحسب الواقع مجرد اعتراض وليس انتقاداً بنَّاء. فهناك فارق أساس بين الانتقاد ومجرد الاعتراض. الانتقاد هو أن تسلطوا الضوء على نقطة سلبية بالاستناد إلى نقطة إيجابية تضعونها في أثركم الفني التمثيلي، في قصتكم هذه، فتبرزوا هذه النقطة السلبية وتتغلّبوا عليها. النقطة الجوهرية لأي إنتاج تمثيلي هي بالطبع القصة، والأحداث. فأنتم في هذه الأحداث لديكم بطل لديه هدف. فهذا البطل يسعى نحو هدفٍ ويواجه موانع. وأنتم تصورون تحدياً جدياً وواقعياً وعينياً. وهدف هذا البطل هو الوصول إلى ذلك الهدف ومواجهة تلك الموانع. هذه الموانع هي الأمور القبيحة. في نهاية هذه القصة، هذا الفنان الذي يكتب هذا الفيلم أو هذا المخرج الذي يخرجه ماذا يريدان كناتج ونهاية لهذه المواجهة؟ فهذا هو الأمر المهم جداً. فإذا كانت حصيلة هذه المواجهة هي الصراع بين الخير والشر وانتصار الخير على الشر، فعليكم أن تُظهروا وجود حركة الخير ومجرياته في هذه التمثيلية.

 

أجل إن إظهار حركة الشر لا إشكال فيه، ولكن فليُعلم بوجود حركة خير، وأن شخصية البطل تسعى إليها، وتحارب من أجلها، وتضحي في سبيلها، حتى أنه أحياناً يضحي بنفسه من أجلها ومن أجل الوصول إلى ذلك الهدف. وصحيحٌ أنكم هنا أظهرتم العيب والقبح، ولكنكم أظهرتم شيئاً أكبر وهو الجهاد من أجل مواجهة هذا المنكر، هذا ما يُسمّى انتقاداً. وإنني كعالم دين، وكمسؤول في نظام الجمهورية الإسلامية، أقول لكم إن مثل هذا الانتقاد لا إشكال فيه بل هو مطلوب لأن هذا الانتقاد يتقدّم بالمجتمع على طريق القضاء على النقائص، ويمده بالحركة، وهو أمرٌ جيد. ولكن في بعض الأحيان لا يكون الأمر كذلك، وإنما اعتراض مجرد الاعتراض.

 

حيث ينتزع المرء نقطة سلبية ويصر عليها. فهل أن النقاط السلبية ونقاط الضعف تزول من المجتمع؟ هل يمكن أن تُقتلع بشكل كامل؟ وهناك أمرٌ آخر، أن يكون معترضاً وسوداوياً وباعثاً على اليأس لا يعد هدفاً للفنان أو هدفاً، وهو لا يُعد امتيازاً أو فخراً، ففي بعض الأحيان أنتم تُظهرون منكراً دون أن تُظهروا عامل الخير الذي من المفترض أن يتغلب على ذلك المنكر أو يواجهه، وبهذا تنشرون اليأس في المجتمع وتغذونه، ومن يشاهد فيلمكم من جانب آخر يقول: ما هي الفائدة؟ رغم الأثر الكبير

 

354


295

خطاب الولي 2010

الذي يكون للفيلم ورغم جودة التمثيل.

 

أنا أقول لكم انتقدوا ولكن فليكن انتقادكم بالمعنى الواقعي للكلمة، أي أن تُظهروا صراع الخير والشر لكي يُعلم أنه مع وجود نقطة قبيحة ومنكرة في المجتمع، هناك دافعٌ لإزالتها، وهناك تيار يسعى لاقتلاعها والقضاء عليها. فإذا أظهرتم الفقر، فلا يكون ذلك بطريقة يظهر فيها الفقر في المجتمع دون أي تحرك لمواجهته. لو حصل ذلك، فإن هذا الفيلم سيكون مثبطاً حتماً، ويعكس سوداوية الأجواء وهو خلاف الواقع. وعلى الصعد السياسية ـ كما أشار بعض الأصدقاء ـ فنحن في مرحلة استثنائية يا إخواني وأخواتي! فإننا نمرّ بمرحلة نسير فيها فوق ظرفٍ صعبٍ. ولا شك بأن شعبنا سوف يصل إلى نقطة الأمن والأمان.

 

ولكننا الآن في حالة حراك عظيم، ألا ترون ذلك؟ ها إن أكبر قدرة اقتصادية وعسكرية وسياسية وعلمية في العالم تجاهر بعدائها لنا، وهذا أمرٌ مهم جداً، وله معنىً كبير. فماذا فعل هذا الشعب بحيث تقوم كل هذه القوى مع كل هذه الادعاءات ـ وهي دولٌ ليست حاضرة أصلاً لأن تحسب لأية دولة من الدول الأخرى أي حساب - فتأتي إلى الميدان بشكل صلف وتواجه هذا الشعب؟ إن هؤلاء يتشدقون بالكلام الجميل ـ حول الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعاون بين الشعوب - ولكن من هو العاقل الذي لا يعلم أنهم يكذبون، وكذبا فاضحاً أيضاً؟ هؤلاء أنفسهم الذين حاربوا هذا الشعب طيلة ثلاثين سنة وخالفوه وعاندوه، والأجهزة والمؤسسات التي زوّدت صدّام من مصانعها بالمواد الكيميائية والأسلحة الكيميائية لكي يقذف بها إلى مساحات الجبهات وإلى الطرقات داخل المدن، هؤلاء أنفسهم يؤسسون في المجال الثقافي قناة ـ وأنتم شاهدتموها أكثر مني وعلى اطلاع على أنهم يقصدون تدمير بنية الأسرة وهتك حريم العفاف والحجاب الذي هو إرث يمتد لآلاف السنين عند الإيرانيين، وكان بلدنا وشعبنا منذ عصر ما قبل الإسلام، بلحاظ القضايا الشهوانية والجنسية، شعباً عفيفاً ونزيهاً - هؤلاء أنفسهم في المجالات السياسية أنتجوا فيلم (ليس بدون

 

355


296

خطاب الولي 2010

ابنتي)[1]  وفيلم (300)[2] المهين لكرامة الإيرانيين والمليء بالأكاذيب والخبث، وهم أنفسهم يدّعون أنهم ليسوا على عداء مع إيران أو الشعب الإيراني، ولكنهم يعادونه ليل نهار.

 

هذه قضية مهمة جداً، وهي تدل على أن شعبنا في حراك ضمن ميدان عظيم وهو يقف مقابل المطالب الاستعمارية والاستكبارية والناهبة والغاصبة الصادرة عن هذه القوى، وهي أهداف تعمّ العالم ويشعر بها كل إنسان. إننا في حالة من المواجهة العامة. والشعب في حالة من المواجهة العامة. فمن الجيد في مثل هذه الظروف أن نعرف وظيفتنا وتكليفنا على صعيد العمل السياسي والتوجه السياسي والبعد السياسي لصناعة الأفلام.

 

لو أنكم كمخرجين وفنانين وكتّاب وعاملين مؤثرين في صناعة هذا الأثر الفني أو الدرامي[3] الجذاب والملفت، كأشخاص في هذا الميدان الفعال ـ سواء في كتابة الأفلام أو الإخراج أو التصوير أو أي شيء آخر ـ أديتم دور الصمود ودور فضح الأعداء تكونون بذلك قد عرفتم دوركم وعملتم به وكنتم أبطال قصة حقيقة، فيمكن أن تكونوا أبطالاً، مثلما أنه في العمل الفني التمثيلي في القصة يوجد بطل ويوجد عدو لهذا البطل، فهذا البطل يسعى نحو هدفٍ ويجاهد ويعمل، وأنتم في موقعكم لو أديتم دوركم لكنتم مثل هؤلاء

 

 


[1] فيلم "ليس بدون إبنتي": فيلم أنتج عام 1991، حول امرأة أميركية متزوجة من طبيب إيراني تذهب إلى إيران مع زوجها و ابنتها في زيارة قصيرة و لكنه يرغمها بعد ذلك على البقاء ومنعها من الرجوع إلى الولايات المتحدة، فتحاول الهرب من إيران مع ابنتها ، وقد أثار الفيلم ردود فعل غاضبة من قبل الإيرانيين بسبب ما اعتبروه وصفاً منحازاً لثقافتهم.

[2] فيلم "300": فيلم من الإنتاجات الضخمة لهوليوود، مخرج الفيلم هو الأميركي زاك شنايدر و مؤلفه فرانك ميلر.

يصور الفيلم معركة وقعت عام 480 قبل الميلاد بين جيش الفرس و فرقة من الإغريق، و هو مستوحى من قصة 300 من الاسبارطيين بقيادة الملك ليونيداس الذين تحصنوا عند ممر ثيرموبيلاي لصد غزو الفرس بقيادة أحشويرش.

يصور الفيلم الفرس بطريقة عنيفة، ما جعل الإيرانيين يشعرون بالإهانة من الطريقة التي صور بها أسلافهم. وكانت إيران قد احتجت رسمياً على الفيلم بسبب عدم تعبيره عن الحقائق التاريخية كما صرح به الرئيس محمود أحمدي نجاد.

[3] الدراما: هو نوع من النصوص الأدبية التي تؤدى تمثيلاً في المسرح أو التلفزيون أو السينما أو الإذاعة. و تهتم غالباً بالتفاعل الإنساني و تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الملهاة (الكوميديا) و هو الأداء التمثيلي الذي يؤدي إلى الضحك و يُرمز له بقناع أبيض، و المأساة (التراجيديا) و هو الأداء الذي يؤدي إلى الحزن و يُرمز له بالقناع الأسود، و التراجيكوميدي يقع بين الإثنين حيث يعتمد قصص الأساطير و يتناول شخصياتها الأسطورية ببعض السخرية.

 

 

356


297

خطاب الولي 2010

المدراء في الأقسام المختلفة للإذاعة والتلفزيون وخصوصاً قسم الفن التمثيلي. فلولا دور المدراء ونشاطهم لا شك أن عمل الفنانين سيكون صعباً أو أشد صعوبة. وإنني أشكركم جميعاً وأقدركم، بيد أنني أذكر أن هناك مجالاً كبيراً للعمل ولدينا إمكانات هائلة. فـمن بين 33 ألف ساعة من البث خلال العام وضمن ما قدم لنا من إحصاء فإن أكثر من 60% من المسلسلات هو من إنتاج محلي وفي مجال الأفلام فإن ما يبلغ حوالي 40% هو إنتاج محلي، وهو رقمٌ مرتفع جداً، وهذا يدل على وجود إمكانات مدهشة في البلد.

 

بل كثير من الدول في العالم لا تمتلك هذه الإمكانات ما خلا عدد محدود من الدول المعروفة في العالم. وفي الواقع فإن الكثير من مراكز صناعة الأفلام في مختلف الدول يدار من قبل مجموعة معدودة من الدول، وعمدتها أمريكا وهوليوود[1]، ونحن لدينا هذه الإمكانات، وهذه الموارد البشرية الجيدة، وهذه الإمكانات التجهيزية، وأيضاً القدرة البرمجية المميزة، وهذا التاريخ المليء بالحوادث. لهذا فإن لدينا إمكانات كبيرة للعمل.لقد بذلتم جهوداً كبيرة، وفي الواقع فإن نتاج أتعابكم هو هذه الآثار الجيدة، ولكن لا زال بين ما أُنجز وما يمكن إنجازه بهذه الإمكانات العظيمة مسافة بعيدة.

 

وأنا لديّ توقعات كبيرة جداً. وإنني في مثل هذه المجالات ـ ليس فقط في مقام

 

 


[1] منطقة في مقاطعة لوس أنجلوس في ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية، تشتهر كونها المركز الأول لصناع السينما وإنتاج الأفلام في العالم.

 

358


298

خطاب الولي 2010

مخاطبتكم ـ عندما أقابل الكثير من المسؤولين الآخرين، يكون لدي توقعات كبيرة، وبنظري إن هذه التوقعات الكثيرة منطقية وهي ليست بعيدة عن المنطق بأي شكلٍ. ونفس هذه الأعمال الكثيرة التي تقومون بها تدلّ على أن ما نتوقعه ليس مجرد خيالات بل هو أمرٌ عملي.

 

نحن الذين لم نكن نمتلك مثل هذه الإمكانات، وكل هذه الأعمال، وهذه الآثار الفنية، وهذه الأعمال التمثيلية المميزة، وهذا العدد من الفنانين الذين هم بحق قيّمون. وبعض أعمالنا الفنية هو من الدرجة الأولى بحق وإنصاف، وينافس ويصلح لكل مكان. وبعض الأعمال الإخراجية مميز.

 

وإنني لست صاحب رأي في هذا المجال، ولا يمكنني أن أبدي رأياً كخبير، ولكن كمستمع، فالمرء إذا شاهد يلتفت إلى الأثر الفني والعمل الفني المميّز.

 

لهذا يمكن العمل كثيراً وأنتم إن شاء الله عليكم بالسعي. وفي مجال الأفلام التاريخية، هناك شيء يشغل بالي دائماً وقد ذكّرت به أحياناً، وهو أن تجعلوا لغة هذه الأفلام لغة مفهومة، هذه الأفلام التاريخية المتعلقة بالتاريخ الماضي عندما يشاهدها المرء ويطلع على لغتها وحواراتها، رغم أن لغتها المكتوبة هي بحسب المصطلح قديمة ولكنها خطأ، والذي لديه خبرة بهذه الأمور عندما ينظر يرى مثلاً أن كاتب الفيلم أراد أن يستعمل لغة كلغة سعدي[1] أو البيهقي[2] أو أمثالها ولكنه لم يتمكن من ذلك، وما حصل هو خطأٌ، حيث لم يكن قابلا للفهم لدى المستمع وليس مرضياً عنده، مثلما أنه كان سيئاً بالنسبة للخبير والمطلع. فالمرء إذا لاحظ رأى أن اللغة خطأ، لِمَ ذلك؟

 


[1] هو محمد مشرف الدين مصلح بن عبدالله بن شرف الدين الشيرازي، ثالث الشعراء الثلاثة الكبار في إيران. ولد في مدينة شيراز في حدود العام 606هـ كان كثير السفر ويحمل من أسفاره الكثير من القصص والحكايات والتجارب المعنوية، من أهم نتاجاته المنظومة وهي في الأخلاق والتربية والوعظ وقد نظمت في عشرة أبواب: العدل، الإحسان، العشق، التواضع، الرضى، الذكر، التربية، الشكر، التوبة والمناجاة. وأهم نتاجاته في النثر هو كتاب كلستان أي حديقة الورد الذي يحوي ثمانية أبواب: أحوال الملوك، أخلاق الدراويش، الفضيلة والقناعة، فوائد الصمت، العشق والشباب، الضعف والشيخوخة، تأثير التربية، وآداب الكلام. توفي في حدود العام 691 هـ.ق.

[2] أبو الحسن علي بن زيد البهيقي المشهور بفريد خراسان وباْبن فندق. عالم، حكيم، أديب، رياضي من أعلام القرن السادس عاش بين سنة 499 و سنة 565.

 

 

359

 


299

خطاب الولي 2010

يقولون إننا نريد أن نعكس بهذه اللغة أجواء الماضي. كلا، لا يوجد لزوم لهذا الأمر أبداً، ويمكن أن نعكس أجواء الماضي بطريقة أخرى. ولا يوجد أي إشكالٍ أن تستعملوا اللغة العادية المستعملة اليوم والتي تُستعمل في جميع الأفلام ـ وهي لغة اليوم ـ كمحادثة بين الخواجة نظام الملك[1] أو تلك الشخصيات التاريخية أو الشاه عباس[2]، فمثل هذا لا ينتقص من الفيلم أبداً، بل عكسه هو الذي يؤدي إلى الانتقاص. هذه مثل لمجرد التذكير. ولا شك بأن أساس الكلام في هذه المجالات سيكون مع السيد ضرغامي. فإذا لم نستطع أن نتواصل معكم، سنتواصل مع السيد ضرغامي وعليه أن يسعى كثيراً. وكما ذكرت في قرار تعيينه، ينبغي أن نشهد ارتقاء العمل في مجال الإذاعة والتلفزيون، وخصوصاً في قطاع الأعمال الدرامية والفنون التمثيلية حيث ينبغي العمل كثيراً، حتى تتمكنوا بإذن الله من التفوق على منافسيكم عديمي الإنصاف الذين يواجهونكم.بقي هناك كلام وتوصيات سندعها إن شاء الله إلى وقت آخر. وأسأل الله أن يوفقكم الله جميعاً.

 

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

 


[1] أبو الحسن الطوسي من مواليد طوس في إيران، ولد في العام 408 هـ، أسّس المدارس النظامية التي تعتبر من أقدم الجامعات في العالم، يعزى إليه تأسيس نظامية نيسابور و نظامية بغداد، أصبح أحد أشهر وزراء السلاجقة، كان كاتباً ووزيراً لسلطانين من سلاطين السلاجقة هما السلطان جفري السلجوقي وابنه ألب إرسلان، اغتيل على يد الإسماعيليين، من أشهر مؤلفاته: سِيَر الملوك تحدث فيه عن تنظيم الحكم وعن ضرورة قيام العدل.

[2] من الصفويين، كان يُعرَف أيضاً باسم عباس الأكبر أصبح شاه إيران في العام 1588 بعدما تمرد على والده محمد الصفوي وسجنه. توفي في العام 1629م.

 

 

360


300

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

بمناسبة رحيل السيد فضل الله قدس سره

 

 

المناسبة: رحيل السيد فضل الله رحمه الله
المكان: طهران
 
الزمان: 14/04/1389هـ.ش.
22/07/1431هـ.ق.
05/07/2010م.

 

361


301

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بمناسبة رحيل هذا العالم المجاهد أعزي عائلة فضل الله الكريمة وجميع محبي آية الله الحاج السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله في لبنان والمجتمعات ذات الأصول اللبنانية في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وعموم الشيعة اللبنانيين.

 

لقد كان هذا العالم الجليل الدؤوب شخصية مؤثرة في ميادين الدين والسياسة، وسوف لن ينسى لبنان خدماته وخيراته إلى سنين طويلة. المقاومة الإسلامية اللبنانية التي لها حق عظيم على الأمة الإسلامية كانت طوال عمرها المبارك مشمولة بدعم وتعاون هذا العالم الديني المجاهد. كما كان نصيراً مخلصاً للجمهورية الإسلامية، وقد أثبت بلسانه وأعماله دائماً، وخلال الأعوام الثلاثين المنصرمة، وفاءه للثورة الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية.

 

أسأل الله تعالى أن ينزل رحمته ومغفرته على روح هذا السيد الشريف العزيز، وأن يحشره مع أجداده الطاهرين.

 

السيد علي الخامنئي

١٤ تير ١٣٨٩


302

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في ذكرى المبعث النبوي الشريف

 

 

 

المناسبة:   ذكرى المبعث النبوي الشريف صلى الله عليه وآله وسلم

الحضور:  جمع من مسؤولي النظام، وحشد كبير من مختلف طبقات الشعب

المكان:   طهران

 

الزمان:    19/04/1389هـ.ش.

27/07/1431هـ.ق.

10/07/2010م.

 

 

365


303

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

نبارك هذا العيد الكبير لكم جميعاً أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، مسؤولي الدولة، ضيوفنا الأعزاء ـ سفراء الدول الإسلامية ـ الحاضرين في الاجتماع، وكذلك شعب إيران الكبير والمؤمن والمخلص، وجميع مسلمي وأحرار العالم.

 

إن عيد المبعث يُعدّ أعظم المناسبات التاريخية الباقية من حيث إنه أوجد مقطعاً حسّاساً استثنائياً في تاريخ البشرية وقدّم لها مساراً وطريقاً لو سلكه أفرادها لتأمّنت جميع مطالبهم الفطرية والطبيعية وكذلك رغباتهم التاريخية الطبيعية. لو نظرتم إلى التاريخ كلّه، لرأيتم البشرية تئنّ من انعدام العدالة. لأن العدالة هي المطلب الكبير لجميع أبناء البشر على مر التاريخ.

 

واليوم، لو رفع أحد راية العدالة، فهو بذلك حقاً يطرح مطلباً إنسانياً طبيعياً فطرياً تاريخياً ممتداً. إن دين الإسلام وحركته وبعثة النبي المكرّم كانت بالدرجة الأولى وعلى رأس جميع أهدافها تسعى نحو العدالة، مثل جميع الأنبياء الآخرين.

 

وهنا مطلبٌ مهمٌ آخر وهو مطلبٌ أساس وعظيم للبشرية هو السلام والأمن والهدوء. فالبشر يحتاجون في عيشهم ونموّ فكرهم وتطوير أعمالهم وراحة نفوسهم إلى الهدوء، وإلى البيئة والجو الآمن، سواء على مستوى الباطن والذات أو على مستوى بيئة الأسرة أو المجتمع أو البيئة الدولية. إن الهدوء والأمن والسلام تُعدّ من المطالب الأساس للبشر. والإسلام هو داعي الأمن والسلم والأمان. وعندما نقول تبعاً للقرآن وتعاليمه إن الإسلام دين الفطرة، فهذا ما نعنيه. فإن السبيل الذي يعرضه الإسلام على البشرية هو سبيل الفطرة، سبيل تأمين الاحتياجات الفطرية للإنسان. وهكذا تحققت البعثة النبوية الشريفة من جانب رب العالمين بهذه الجامعية والدقة والاهتمام، والنبي يبشّر

 

 

367


304

خطاب الولي 2010

بفلاح البشرية، ﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾[1]. ففي الدرجة الأولى البعثة هي بشرى بهذه الحياة الهادئة المتلازمة مع العدالة والمنسجمة مع خلقة الإنسان. وبالتأكيد تبع هذه البشرى البشارة بالثواب الإلهي الذي يرتبط بالحياة الدائمة للإنسان. لهذا فإن بعثة النبي في الواقع هي بعثة الرحمة. فبفضلها شملت الرحمة الإلهية عباد الله، وفُتح هذا الطريق أمام البشر، وطُرحت العدالة والأمن، ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ  * يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾[2]، فبفضل هذه التعاليم بيّن النبي الأكرم للبشرية سبل السلام وسبل الأمن. وسبل السلام هذه -سبل الأمان والهدوء والأمن- تتعلّق بجميع البيئات التي تهمّ الإنسان، بدءاً من البيئة الداخلية المعنوية للإنسان ومروراً بالبيئة الاجتماعيّة، الأسرية، بيئة العمل والتكسّب، بيئة الحياة الجَماعية، وانتهاء بالبيئة الدولية، وهذا ما كان يسعى الإسلام من أجله.

 

وما يذكره الإسلام تحت عنوان أهداف العدو هو بالدقة عبارة عن تلك الأمور التي تتعارض مع هذه الخطوط الأساس للحياة الإنسانية، فالذين يخالفون العدالة والسلام والأمن والهدوء، ويخالفون الصفاء والروح الإنسانية النقية والمتكاملة هم في المقلب الآخر من دعوة الأنبياء. ومن أجل العدالة أوجب الله تعالى الجهاد على المسلمين، ولم يكن الجهاد مختصاً بالإسلام، بل قد وُجد في جميع الأديان الإلهية.

 

فالذين يقفون في وجه الدعوة هم الذين يخالفون ويعارضون تحقق الأمن والهدوء والسلام والتكامل للبشر والمجتمع، وهم أعداء مصلحة الإنسانية، وهي تلك القضية التي جعلها الإسلام هدفاً. فمنذ بداية البعثة وضع نبي الإسلام المكرّم النقاط على الحروف من خلال الآيات التي كانت توحى إليه.

 

فالسورة المباركة (اِقرأ)، والتي بحسب الظاهر نزلت آياتها الأولى على النبي في أول الوحي ـ والآيات اللاحقة للسورة نزلت بعد مدّة وإن كانت في مرحلة بداية البعثة

 


[1] سورة فاطر، الآية 24.

[2] سورة المائدة، الآيتان 15 - 16.

 

368


305

خطاب الولي 2010

تقول: ﴿كَلَّا لَئِن لَّمۡ يَنتَهِ لَنَسۡفَعَۢا بِٱلنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلۡيَدۡعُ نَادِيَهُۥ * سَنَدۡعُ ٱلزَّبَانِيَةَ﴾[1]، فهي تهدد أولئك الذين يقفون مقابل دعوة الرحمة، دعوة العزة، دعوة الهدوء والسلام. وفي سورة "المدّثر" المباركة، التي هي من أوائل السور التي نزلت على النبي تؤكد على العنصر المعارض لحياة الناس: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا﴾[2]، ففي مقابل من يعارض النبي ويعارض مصلحة المجتمع الإنساني ويعترض طريق الحق يشار إلى صمود هذه الحركة العظيمة وإلى المعارضة. لهذا كان الجهاد والقتال في الإسلام. بيد أن هذا الجهاد هو حربٌ ضد المعارضين لهدوء الحياة الإنسانية والمعارضين للعدل وسعادة البشر.

 

لهذا إذا نظرتم إلى القرآن الكريم وسيرة النبي سترون أنه منذ ذلك اليوم الذي أقيمت فيه الحكومة الإسلامية كان هناك من غير المسلمين من يعيش تحت ظل النبي في أمان. فكان اليهود في المدينة وقد عاهدوا النبي على أساس أن يعيشوا في جواره حياة هادئة، لكنهم تآمروا وخالفوا وخانوا وطعنوا في الظهر، لهذا وقف النبي مقابلهم.

 

فلو لم يخالف يهود المدينة ويعادوا ويخونوا، لعلّ النبي لم يكن ليتعرّض لهم أبداً. لهذا فإن الدعوة الإسلامية هي دعوة معنوية، دعوة قائمة على الاستدلال، دعوة بمعنى تقديم حياة بيّنة ممتزجة بالسعادة للبشر.

 

في المقابل يظهر المعارضون والإسلام يزيل هؤلاء من على الطريق. فالإسلام ليس ضعيفاً. ولو وُجد هذا المعارض الذي يعترض سعادة الإنسان ودعوة الحق، فإن الإسلام يرفع قبضته بوجهه ويقف أمامه. فقارنوا هذا مع سيرة القوى العالمية المعتدية على مرّ التاريخ، واليوم هم موجودون ويشعلون الحروب من أجل زيادة قدراتهم ونشر الظلم.

 


[1] سورة العلق، الآيات 15 - 18.

[2] سورة المدّثر، الآيات 11 - 17.

 

 

369


306

خطاب الولي 2010

فانظروا اليوم إلى العالم، القوى المهيمنة والمستكبرة فيه تُصنع الأسلحة مهدّدة البشرية لا من أجل بسط العدل، إنما تفعل ذلك للمزيد من الظلم لا لأجل تقديم الأمن للبشرية، بل لتسلب الأمن من أولئك الذين لا يخضعون لها. فالقضية اليوم في عالمنا هي هذه. واليوم عندما نطلق على جاهلية العصر في العالم اسم الجاهلية الحديثة فإنما نفعل ذلك من أجل ما ذكرناه. فعصر الجاهلية لم ينتهِ. الجاهلية هي الوقوف مقابل الحق وضد التوحيد وضد حقوق الإنسان وفي مقابل السبيل الذي فتحه الله للبشرية من أجل السعادة. فهذه الجاهلية موجودة اليوم بشكلها المعاصر، مستفيدة من العلم والتكنولوجيا المتطورة والأسلحة النووية وغيرها من الأسلحة المختلفة لكي تملأ جيوب أصحاب الصناعات المخربة والمدمّرة للحياة البشرية.

 

إن قصة الأسلحة والميزانيات العسكرية اليوم تُعدّ من قصص البشرية المحزنة. ففي يومنا هذا تنتج مصانع الأسلحة الكثير منها من أجل بيعها. فتُوجِد لأجل ذلك الحروب في العالم، وتقلّب الناس ضدّ بعضهم بعضاً وتحرّض الدول على بعضها بعضاً، لتشيع بذلك التهديد كي تتمكّن من تأمين وإشباع وإرضاء أفكارها الخائنة وأطماعها الخبيثة.

 

لهذا ما دامت هذه القوى العظمى هي المحرّك للقضايا العالمية، فلن تنتهي الحروب. فالحرب بالنسبة لهم تمثّل المنافع المادّية، وهي ليست من أجل تطبيق العدالة. يكذب الأمريكيون وغيرهم عندما يقولون إننا نحارب من أجل الأمن، كلا، العكس هو الصحيح. فأينما تواجدوا وتحرّكوا عسكرياً فإن ذلك يؤدي إلى عدم الاستقرار وإلى الظلم، وشقاء الناس.

 

منذ أن وُجدت هذه الآلات الحديثة في العالم والبشرية تعاني. طوال 45 سنة - أي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وإلى عام 1990م. ـ والتي أُطلق عليها مرحلة الحرب الباردة، سجّلت التقارير الدولية الرسمية أن العالم لم يعش أكثر من ثلاثة أسابيع بدون حرب! فطوال هذه الـ 45 سنة كانت الحروب تندلع في كل أرجاء العالم. فمن الذي كان يشعلها؟ إنهم أولئك الذين كانوا ينتجون الأسلحة. إن الميزانيات العسكرية للقوى العظمى اليوم هي من أضخم الميزانيات. فطبق إحصاءاتهم وفي السنة الميلادية الفائتة أنفقت أمريكا أكثر من 600 مليار دولاراً على ميزانيتها العسكرية. وها نحن

 

 

370


307

خطاب الولي 2010

نشاهد اليوم هذه الميزانيات العسكرية في جوارنا. فهي تُنفق في أفغانستان من أجل قمع الشعب الأفغاني المسلم، وتُنفق في العراق من أجل إحكام السيطرة على الشعب العراقي، وتُنفق لدعم الكيان الصهيوني الخبيث من أجل إشعال الشرق الأوسط. فهذه هي توجهات القوى الفاسدة. والإسلام يواجههم ويخالفهم. أولئك الذين تكون مصلحتهم ومنافعهم في أن تتقاتل الشعوب والدول الإسلامية فيما بينها وتتعادى وتخاف من بعضها بعضاً، وفي أن يعتبر كلٌّ منها الآخر تهديداً له، هم أنفسهم الذين يرتبط استمرار قدرتهم الاستكبارية والاستعمارية بوجود الحروب في العالم، فالحرب بالنسبة لهم هي وسيلة للنهب، فمن أجل ماذا يُقتل كل هؤلاء البشر وتُنفق أموال الشعوب في شراء الأسلحة، وإنتاج المكلف الباهظ الثمن منها؟ كل ذلك حتى يراكم أصحاب الشركات الكبرى ثرواتهم ويزداد تمتعهم من حياتهم. هذا هو النظام الطاغوتي الجاهلي الذي يمثّل خطراً على البشرية، والذي يحكم وللأسف حياة أولئك الناكبين عن صراط التوحيد. وبالتأكيد فإن هذا النهج لن يبقى، لأنه خلاف الحق، ولأنه باطلٌ فإنه زائل: ﴿وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾[1]، فالباطل هو ذلك الشيء الذي يخالف السنّة الإلهية في الخلق، فهو زائلٌ وزهوق ولا يبقى. والمرء يشاهد علائم هذا الزوال في يومنا هذا. فعندما ينظر الإنسان إلى الأوضاع الدولية يشاهد علائم هذا الزوال.

 

لقد تبدّلت أوضاع العالم، واستيقظت الشعوب، ولحسن الحظ فإن هذه اليقظة بين الشعوب الإسلامية أكبر. فها هي الشعوب الإسلامية، والحكومات الإسلامية تدرك أهمية الإسلام وعظمته وعظمة هذه الركيزة الموثوقة والمعتمدة. فاليوم، أدّت الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي إلى إضعاف القوى الأخرى عما كانت عليه في السابق. فحال أمريكا اليوم يختلف عن الماضي، والقوى الأخرى أيضاً هي على نفس هذا المنوال، وهذا معلومٌ. وعلى الشعوب الإسلامية أن تغتنم فرصة سبيل التوحيد وتؤمن بصدق الوعد الإلهي. فاليوم تكمن سعادة المسلمين في اتحادهم جميعاً حول محور الإسلام.


 


[1] سورة الإسراء، الآية 81.

 

 

371


308

خطاب الولي 2010

لا شك أن العدو موجود اليوم وغداً. فأينما ازدادت الصحوة، يشعر أعداء البشرية بالمزيد من الخطر، ولهذا تشتد عداوتهم. ونحن نعرف جيداً ماهية العداوات ضد الجمهورية الإسلامية ونعرف أسبابها: وذلك لأن الجمهورية الإسلامية رفعت راية صحوة الشعوب الإسلامية، ولأن الجمهورية الإسلامية تدعو الشعوب والدول إلى الاتحاد والعزّة وتقول لهم أن يثمّنوا عزّتهم في ظل الإسلام. فالعداء بسبب هذا، ونحن ندرك هذا. ونعلم أن هذه العداوات ستبوء بالفشل، مثلما كانت إلى يومنا هذا خائبة. فلأكثر من 31 سنة، وهم يبذلون المساعي ضد الجمهورية الإسلامية، وطوال هذه السنوات كانت الجهورية الإسلامية تقوى وتتجذّر بفضل الله. وسوف تستمر هذه المساعي. وكلما استمرت هذه العداوة، فإن شعبنا، الشعب المسلم، والتجمعات الشعبية في العالم الإسلامي سوف تكتشف هويّتها أكثر، وتتعرّف إلى قيمتها أكثر.

 

نأمل من الله تعالى أن يعين جميع الدول والشعوب الإسلامية، لكي يثقوا بأنفسهم ويعتمدوا على ذواتهم فلا يهابوا القوى المستكبرة، وليعلموا أن هذه القوى إلى زوال، وأنها قوة مزيّفة وباطلة، وأن هذا الباطل لا يمكن أن يبقى، ﴿وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمۡكُثُ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ﴾[1].

 

نسأل الله تعالى أن يقرّبنا أكثر إلى طريق الإسلام وسبله ببركة البعثة النبوية، ويزيد قلوبنا معرفة بالأحكام والمعارف الإلهية، وأن يقرّب قلوب الشعوب الإسلامية إلى بعضها بعضاً، فتتكاتف الدول الإسلامية لتتمكّن إن شاء الله من استرجاع قدرتها وعزّتها وكرامتها المهدورة.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 


[1]سورة الرعد، الآية 17.

 

 

372


309

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء أعضاء مكاتب ممثليات الولي الفقيه في الجامعات

 

 

 

المناسبة:   لقاء أعضاء مكاتب ممثليات الولي الفقيه في الجامعات

الحضور:  أعضاء مكاتب ممثلية القيادة في الجامعات

المكان:   طهران

 

الزمان:    20/04/1389هـ.ش.

28/07/1431هـ.ق.

11/07/2010م.

 

 

373


310

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نرحب بكم كثيراً إخواني وأخواتي الأعزاء! وكما ذُكر فإن زيارتكم أصدقائي قد تأخرت مدة من الزمان. ونحن شاكرون لله ونشكر كثيراً السيد محمديان أيضاً الذي قام بترتيب هذا اللقاء حتى تحقق بحمد الله.

 

إن وجود مجموعة من العلماء في الجامعات مسألة مهمة جداً. وكغيرها من القضايا المهمة فقد اعتدنا على هذه الظاهرة بحيث لم نعد ندرك أهميتها وقيمتها جيداً. فانظروا كيف كان وضع الجامعة في البلد، أية جهة قد رُسمت للجامعة منذ البداية؟ وكيف كانت؟ وكيف كانت تُعدّ الدروس من الناحية القيمية والتوجهات الفكرية ذات المعنى الخاص؟ ثم قارنوا مرحلة ما قبل الثورة بالوضع الذي تحقق اليوم ببركة الثورة الإسلامية وببركة الإسلام في جامعاتنا بلحاظ حضور العلماء والفضلاء وأهل المعرفة والمعنى والاستيناس الموجود بينهم وبين أساتذة الجامعات وطلابها، عندها سترون مدى أهمية حضور العلماء المعظمين والفضلاء المحترمين بين الجامعيين وفي حرم الجامعة.

 

إذا التفتنا إلى هذه الأهمية، فإن أول أثرٍ ينبغي إيجاده هو أن نغتنم هذا الوضع بأنفسنا، أي أنا وأنتم -ممن له ارتباط بالجامعة- وأن نعرف قدر هذا الوضع ونشكر هذه النعمة الكبرى بالمعنى الحقيقي للكلمة. الشكر هو معرفة النعمة وعدّها من الله واستعمالها في المكان الذي يريده الله، هذا هو المعنى العملي والكامل للشكر. اشكروا هذه النعمة، ففي هذه الحالة، تلوح أمامنا لائحة من الوظائف والمسؤوليات والتذكيرات.

 

أذكر ما يتعلق بهذه المقارنة: قبل الثورة كان لبعض رجال الدين ومنهم هذا العبد الحقير ارتباطات مع طلاب الجامعات. ولم تكن هذه الروابط ذات طابع تنظيمي أو

 

375


311

خطاب الولي 2010

ضمن تشكيلات، كذلك لم تكن ضمن قضايا المواجهات الشديدة (ضد النظام الطاغوتي)، كانت عبارة عن روابط فكرية، فكان لنا جلسات يشارك فيها الجامعيون أو أننا كنا نشارك أحياناً باللقاءات التي يعقدها الجامعيون في الجامعات. وفي تلك الأوقات، كان لي لقاء في مشهد يُعقد بين صلاتي المغرب والعشاء.

 

كنت أقف قرب المنبر وأتحدث حوالي عشرين إلى ثلاثين دقيقة. وكانت نسبة الشباب من المستمعين حوالي التسعين بالمئة، وأغلب هؤلاء كانوا من الجامعيين وبعضهم من شباب الثانويات. وفي إحدى الليالي كان المرحوم الشهيد باهنر في مشهد، فجاء معي إلى مسجدنا. وعندما شاهد الوضع علته الدهشة. وأنتم تعلمون أنّ باهنر كان ممن له ارتباط في طهران مع تجمعات الشباب والجامعيين. فقال إنني طوال عمري لم أشاهد هذا العدد من الجامعيين والشباب في مسجدٍ واحد. وكم كان عدد هؤلاء في مسجدنا؟ بالحد الأقصى مثلاً 345 نفراً.

 

في حين أن اجتماع حوالي 350 شاباً ـ ولعلّه كان عدد الجامعيين منهم مثلاً يبلغ 200 ـ بالنسبة لعالمٍ متنوّر مرتبط بالشباب كالشيخ باهنر الذي كان في نفس الوقت جامعياً ودرس في الجامعة وكان يعرف البيئة الجامعية وله اطلاع على الأنشطة الدينية المعاصرة والتجديدية ـ شيئاً عجيباً ـ أثار دهشته وتعجّبه: أن يجتمع حوالي مئتي جامعي في مكان واحد ويتحدث معهم أحد العلماء!

 

والآن قارنوا هذا بالوضع الذي لديكم اليوم في الجامعة. وصول رجل دين فاضلٍ شاب ـ مثلكم ـ إلى البيئة الجامعية وتواصله مع الطالب والأستاذ الجامعي، قارنوا وانظروا أية فرصة عظيمة ونفيسة. فاحفظوا هذه الفرصة واغتنموها كثيراً، هذه هي النقطة الأساس. ويمكن الالتفات إلى أهمية هذه الحادثة والظاهرة عندما نرى توجه الكثير من التحركات المغرضة ودعايات السوء نحو هذا المحيط الجامعي.

 

ترون في هذه الدعايات التي تشاع أن من الأشياء التي يمارسون الضغوط عليها قضية أسلمة الجامعات، ولماذا تريد الجمهورية الإسلامية هذا الأمر؟ حيث إن من مظاهر أسلمتها هو هذا الشيء. والنقطة الثانية فيما يتعلق بوضع جامعاتنا وطلابنا وأساتذتنا: فإنني أتفق بشكل كامل مع ما ذكره جناب السيد محمديان فيما يتعلق

 

376


312

خطاب الولي 2010

بتفكير الجامعيين اليوم وتوجهاتهم الفكرية والعقلانية.

 

بعضهم ينظرون إلى النقاط السلبية فقط، وأحياناً عندما نقوم بالثناء على الجامعة والجامعي والشباب، يقولون في أنفسهم لا بد أننا لا نعلم شيئاً عن تلك المفسدة وذاك الإشكال الموجود، كلا، إنها ليست قضية عدم الاطلاع، فنحن لسنا بعيدين كثيراً عن الجوانب السلبية والنقاط المظلمة، لكن ينبغي النظر إلى طبيعة العمل، وطبيعة الشباب ومنهم الجامعيون وذلك في هذا المحيط الجمعي وأيضاً في معرض الدعايات العجيبة الموجودة اليوم وتلك الأضاليل الحاصلة، وتلك العوامل المؤثرة على تفكير الشباب الجامعي الواعين. فبالالتفات إلى هذه الأمور، عليكم أن تنظروا إلى الوقائع الساطعة الموجودة في أجواء الجامعة من الناحية الدينية. عندها يفهم الإنسان مدى أهمية الأمر. فما ذُكر ـ من الاعتكافات وصلوات الجماعة، والحضور الفعّال في المواقع الحساسة والمراكز الحيوية، وهذه المخيمات الجهادية والأنشطة البنائية ـ فهي كلها مهمة جداً.

 

إن شبابنا الجامعيين اليوم وللإنصاف لا نظير لهم والأمر ينطبق على أساتذتنا أيضاً. فكل هؤلاء الأساتذة المؤمنين المتدينين النشيطين التوّاقين لمصير بلدهم وشعبهم دينياً وإسلامياً، لا أنهم لم يكونوا موجودين في بلدنا في الواقع، بل ما كانوا ليخطروا على بال أحد. مثلما أنه اليوم لا وجود لأمثالهم في العالم. فبيئة جامعاتنا هي هذه البيئة: بيئة الدين والإسلام. ولا شك بأن هذا لا يعني أننا نقنع بهذه الدرجة، كلا، فالبحث هنا لا يرتبط بالقناعة، ولكن المرء لا يمكن أن لا يكون من أعماقه راضياً ومسروراً. هذه هي نعمة الله الكبرى. وهذه حقائق.

 

فإن بيئة الجامعة هي بيئة مساعدة ومناسبة في الحقيقة. وبالنسبة لما نتوقعه منها وهذه أمورٌ بارزة من الناحية الدينية. علينا أن نأخذ التوقعات بعين الاعتبار. فالتوقع من أي محيط يرتبط بكيفية خاصة. فما يتوقعه الإنسان من البيئة الجامعية يختلف عما يتوقعه من البيئة الحوزوية. فالمقتضيات الموجودة هنا، والعوامل التي تؤثر هنا، من العوامل التاريخية وغيرها ينبغي أن نلتفت إليها جميعاً لكي نتمكن من التقييم بشكل صحيح. فالبيئة الجامعية هي بيئة جيدة جداً، لهذا يجب الاستفادة من هذا

 

 

377


313

خطاب الولي 2010

الأمر. وما يتمتع بالدرجة الأولى من الأهمية بنظري هو فكر من تخاطبون وقلوبهم، فالفكر أولاً ثم القلب.

 

الفكر يعني وجوب تقوية البنية الاعتقادية لهذا الشاب. فالشاب يكون عرضة للتبدلات والتحولات والتغيرات. والمؤثرات الموجودة اليوم أضحت في عالمنا كبيرة جداً. ويجب تقوية البنية الفكرية للشاب بحيث لا يتأثر بالعوامل السلبية والمعارضة والمعاندة، بل يتمكن من التأثير على محيطه، يجب أن يتمكن من الإشعاع، ويعرّف محيطه على المباني والمعارف الإسلامية، وأن يكون رائداً في هذا الطريق، وفي طليعة القوى. فمن الناحية الفكرية يجب أن يحقق هذه الحالة.

 

وإنما نذكر الناحية القلبية لأن لعروج الإنسان لا بل لثباته على الصراط المستقيم، لا يكون الفكر لوحده كافياً في الحقيقة. فبالإضافة إلى البعد الاعتقادي، فإن البعد القلبي والروحي أمرٌ لازم. فحالة الخضوع لازمة، وكذلك الخشوع، والذكر والتوجه إلى الله، كلها أمورٌ ضرورية للإنسان. ولو كان هذا الأمر موجوداً لارتفع الكثير من النقص. ولو لم تكن هذه الأمور فإن القدرة الفكرية وقوة الاستدلال والاحتجاج لن تسعف الإنسان في الكثير من الحالات ولن تعينه.

 

فإعداد قلب الشاب ينبغي أن يكون بالنصيحة والموعظة الحسنة والسلوك الحسن، وينبغي تعريفه إلى الخشوع والتوسل والتوجه والتذكر. ينبغي تعريفه إلى الصلاة بشكلٍ صحيح وكذلك معنى ذكر الله. هذا ما يمكن أن يشكّل دعامة لذلك الفكر. ولو حصل هذا، فإن تلك الإستقامة الفكرية عندئذٍ لن تزول. ففي ميدان العمل ما ينفع هو القلب الرقيق وهذا التوجه والتذكر، هذه الأمور التي تثبت الإنسان، وهي أمورٌ ضرورية.

 

فيجب تقوية هذين الشيئين في الشاب. عليكم أن تقيموا ركائز المعارف الإسلامية، المعارف المتقنة بلغة العصر والمتناسبة مع فكر الجامعي وأدبياته، فهذه أعمالٌ ضرورية ولا بد منها. الخطاب بلسان القوم أحد مصاديقه هنا، فيجب مخاطبة الجامعي بلغته، وبالأدبيات المفهومة عنده. فربما نجد بعض الأدبيات الفعّالة والمؤثرة في بيئة لا تكون فعّالة في بيئة أخرى. وهو كاختلاف اللغة تماماً.

 

 

378


314

خطاب الولي 2010

 

فالاختلاف بين الأدبيات هو في الواقع كالاختلاف الموجود بين اللغات، مثل أن يأتي إنسانٌ إلى بيئة ناطقة باللغة الفارسية فيحادثها بالغجراتية فلن يفهم عليه أحد. وكذلك إذا لم يكن المرء عارفاً بأدبيات البيئة الجامعية وبيئة الشباب ولم يستعملها، فسوف ينسد عليه طريق التواصل الفكري ويكون تأثيره قليلاً. فالنطق بلسان القوم ضروري جداً.

 

برأيي، فيما يتعلق بالموعظة الحسنة ـ حيث إنني لا أستعمل عبارة "التربية" لأن لها معنىً أعم ـ إن قضية المسلك والعمل ضرورية بالإضافة إلى قضية اللسان. وما قيل "كُونُوا دُعَاةً لِلنَّاسِ بِغَيْرِ أَلْسِنَتِكُم‏"[1] ينطبق هنا، فما يليّن القلوب ويخضع المعاندين هو السلوك الصحيح والجيد. ولا شك بأن السلوك الحسن يشمل الأخلاق الحسنة والتواضع والصدق في القول والموقف والصراحة في بيان الحقيقة، والترفع عن الأمور المادية والدنيوية، فهذه الأشياء هي التي تدلّ على الخلوص في العمل ولو أننا حصلنا على هذا الإخلاص العملي بتوفيق الرب فإنه بالطبع سيظهر في أفعالنا وأقوالنا. لهذا فإن النقطة الأساس الثانية المهمة وأفضل طريق لها: أولاً لسان الموعظة والنصيحة الأخوية، وفي بعض الموارد الأبوية الشفيقة، وثانياً السلوك والعمل.

 

برأيي، من الأشياء التي تعينكم هو ما ذكره أمير المؤمنين بشأن النبي المكرّم: "طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّهِ قَدْ أَحْكَمَ‏ مَرَاهِمَهُ‏ وَأَحْمَى مَوَاسِمَهُ‏"[2]. فلا ينبغي أن نحبس أنفسنا وراء الطاولة وداخل الغرفة، فظهورنا بشكل إداري نحن جماعة المبلغين والعلماء ليس لصالحنا. ومهما كانت مسؤوليتنا فلا ينبغي أن نفقد هذه الحالة الطلابية الحوزوية حيث الأنس بالناس والتحرك بينهم والحديث بلغتهم والاستماع إلى همومهم.

 

فنحن قد شاهدنا هذين الوضعين بين العلماء. فمنهم من لم يكن له أي صفة رسمية وإدارية وأمثالها، لكنه كان يتصرف مع الناس عند لقائهم كشخص إداري جامد لا يتمتع بأية مرونة أو اهتمام أو محبة أو بشاشة. وقد شاهدنا عكس هؤلاء، أشخاصاً كانوا يتولون مسؤوليات إدارية، ولكنهم في أي مكان تواصلوا مع الناس فيه تصرّفوا

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص77.

[2] السيد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، مصدر سابق، ص156، الخطبة: 108.

 

379


315

خطاب الولي 2010

بمحبة وأبوية وإشفاق واهتمام، هذا هو الصحيح والحسن.

 

فهذه أيضاً قضية، أي عدم انزواء هذه المجموعة في القوالب التنظيمية. وهذا لا يعني أنني أخالف التنظيم، فبدون التنظيم والتشكيلات لا يمكن أن يكون هناك إدارة وعمل.

 

كلا إني أعتقد بالتنظيم، ولكنني أعتقد أن هذا التنظيم لا ينبغي أن يخرجنا من هويتنا. فنحن في كل الأحوال رجال دين. وعلينا أن نتبع هذا المسلك العلمائي بصورته الموجودة في عالم الشيعة، وبالطبع فإن هذه الحالة لم تنعدم تماماً في المذاهب والأديان الأخرى، فهي موجودة في بعض الأماكن وتُعدّ بالنسبة لهم حسنة جداً، ولكنها بين الشيعة هي سنّة. فهذه الحالة التي كانت موجودة عند علماء الشيعة ـ أنسهم بالناس وارتزاقهم منهم وإشفاقهم عليهم ويؤلمهم ما يؤلمهم ـ عليكم أن تحافظوا عليها، فهذا الأمر مهمٌّ جداً. وها قد أشير إلى الأعمال التي أُنجزت. وهي أعمالٌ حسنة جداً. فوصيتي الأخرى ـ وهي متوجهة إلى المجموعة الإدارية منكم ـ أنه مهما أمكن تعديل وتنظيم الأنشطة لصالح القاعدة مقابل المركز، أي العمل أكثر للقاعدة من المركز، أي التوجه إلى العمل ميدانياً مهما أمكن.

 

فعديد المركز إنما هو للتخطيط وتنظيم الأفكار ورسم المسارات المتوسطة والاستراتيجية وأمثالها. فيجب الحفاظ على المركز بهذا الحجم. ولو توسّع حجمه فسوف يوجد مشكلات، ويؤدي إلى إثقال الجسم. على كل حال فالعمل مهم جداً، وقد قامت مجموعتكم بحمد الله وطوال هذه السنوات المديدة بأعمالٍ جيدة.

 

نسأل الله تعالى أن يعينكم لكي تتمكنوا من الاستمرار على هذا السعي المقدّس وهذا الجهاد إن شاء الله. ولا شك أن الحوزات العلمية في الحقيقة تتحمّل مسؤولية ثقيلة في الدعم البشري والعلمي لهذه المجموعة. فالحوزات العلمية تتحمل مسؤولية مثلما تتحمل أجهزة الدولة مسؤوليات ثقيلة. ولحسن الحظ فإن في هذه الحكومة أرضية متوفرة لكم. هذا ما أعرضه بحكم معرفتي واطلاعي على مجموعات اتخاذ القرار.

 

ففي هذه الدورة وفي هذه المجموعة الحكومية يكون العمل بالنسبة لكم سهلاً.

 

380

 


316

خطاب الولي 2010

وفي بعض الحكومات لم يكن كذلك، فبعضها لم يكن موافقاً على أصل القضية وبعضها كان يقدّم مساعدات قليلة. وهذا الأمر الذي نشاهده اليوم مما ينبغي الشكر عليه ولا بد من الاستفادة من هذه النعمة. أملنا أن يوفقكم الله تعالى جميعاً ويؤيدكم وأن يقبل عملكم إن شاء الله ويكون مورد رضا بقية الله عجل الله تعالى فرجه الشريف، ويتقدّم العمل يوماً بعد يوم بكيفية أفضل ومستوى أعلى إن شاء الله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

381


317

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء العاملين في مكتب القيادة وأعضاء قوة الحراسة مع عوائلهم

 

 

         

         

المناسبة:   ولادة الإمام الحسين عليه السلام ويوم الحرس

الحضور:  العاملون في مكتب القيادة وأعضاء قوة الحراسة مع عوائلهم

المكان:   طهران

 

الزمان:    23/04/1389هـ.ش.

02/08/1431هـ.ق.

14/07/2010م.

 

 

383


318

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء العاملين في مكتب القيادة وأعضاء قوة الحراسة مع عوائلهم

 

 

         

         

المناسبة:   ولادة الإمام الحسين عليه السلام ويوم الحرس

الحضور:  العاملون في مكتب القيادة وأعضاء قوة الحراسة مع عوائلهم

المكان:   طهران

 

الزمان:    23/04/1389هـ.ش.

02/08/1431هـ.ق.

14/07/2010م.

 

 

383


319

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أولاً أرحّب بكم جميعاً إخواني أخواتي العوائل المحترمين وأبارك هذا العيد السعيد والشريف بل هذه الأعياد الشريفة التي قدّر الله أن تكون في شهر شعبان المبارك. فإن نفس شهر شعبان أعزّائي وبغض النظر عن هذه الولادات المباركة هو عيدٌ هو عيد التقرّب والتوجه إلى الله والتوسّل القلبي إلى الساحة الربوبية. وفرصة عظيمة من أجل تنوير القلب والروح والتجهّز من أجل الدخول في ضيافة شهر رمضان المبارك. بهذه العين ننظر إلى شهر شعبان، شهر فرصة العبودية لله وفرصة بناء الذات.

 

ما أردت أن أستعرضه في هذا الجمع هو قضية الدوافع. فالأعمال الحسنة والكبرى لا يمكن أن تُنجز إلا بالدوافع المميزة والنابعة من أعماق القلب. فلا يمكن القيام بالأعمال الكبيرة بمجرد الاكتفاء بالأمور التشريفية والإدارية ودستورية. وذلك أن العمل الذي ينبع من القرارات يؤدّى ضمن حدّ العمل المتعارف، بينما يكون العمل المميز تابعاً للدافع. ذاك الذي يقضي وقتاً طويلاً بلحاظ كمية العمل ويضحي بوقت راحته لديه دافعٌ سامٍ، وهذا شيء مميّز. وقد شاهدنا مثل هذه الروحية، وهي متوفرة أيضاً هنا. فطوال هذه السنوات الـ 31 حيثما كنت في الأماكن المختلفة ـ سواء في زمن رئاسة الجمهورية، أو قبلها في القوات المسلّحة والأماكن الأخرى ـ شاهدت عن قرب أشخاصاً لا يعرفون شيئاً اسمه العطلة أو الاستراحة، فهم يرغبون بأن يقضوا كل لحظاتهم في العمل الذي كلّفوا به. وما أريد أن أقوله لكم هنا أني لست موافقاً على طريقة العمل هذه، فأنا أعتقد أنه يجب تنظيم العمل وتخطيطه بحيث يتمكن فيها الإنسان من القيام بمسؤولياته العائلية، لأبنائه، ولعلاقاته العاطفية، فلا يظلم نفسه. ولكن هناك أناس إما أنهم في الواقع أصحاب إمكانات كبيرة فيقومون بكل شيء في محلّه فيملأون أوقاتهم بالعمل، أو أنهم يأخذون من أماكن أخرى ليضيفوا إلى العمل. إن هذا العمل

 

 

385

 


320

خطاب الولي 2010

بحجمه والمسؤولية الكبرى والشاملة يُعدّ من الأعمال المميزة وهو يحتاج إلى الدافع.

 

فما لم يكن هناك دافعٌ قلبي لا يمكن لأي أحد أن يعمل هكذا لمجرد صدور القرار ولأجل أنه مأمور فحسب. وأحياناً، لا يمكن لأحد أن يفهم حجم العمل. وقد ذكرت مراراً في التشكيلات الإدارية التي تأتينا: يكون في يد أحدكم ملفٌ، أو مشروعٌ أو عملٌ فيقول في نفسه فلأنهه. فينتهي الوقت الإداري وتكونون متعبين ولكن تقولون في أنفسكم: عليّ أن أنهي هذا العمل وأذهب. فتبقون بعد نهاية الدوام بساعة أو ساعتين ولا تطلعون رئيسكم ولا تسجلون وقتاً إضافياً ولا يطّلع أحدٌ على ذلك، ولكنكم تكونون قد أديتم العمل وأنجزتموه، فمثل هذا الأمر له قيمة عظيمة. وهذا يُحفظ في دفتر الكرام الكاتبين. فكتّاب أعمالنا المأمورون من جانب الرب (تعالى) يعظّمون مثل هذه الأعمال خصوصاً. إن هذا العمل يمثل عملاً عظيماً. ونوعٌ آخر من الأعمال المميزة وهو الذي يتعلق بالكيفية، أداء العمل بكيفية جيدة وبشكل أعلى. فالإنسان يمكنه أن ينجز عملاً على شاكلتين: هناك طريقة أسهل لكنه يختار الطريقة الأصعب من أجل أن يرفع من كيفية العمل. ومثل هذا يتطلب دافعاً يجعل هذا العمل مميزاً. وهناك نوع من الأعمال يرتبط بالابتكار والخلاقية، إيجاد الطرق والأساليب الجديدة، والأكثر فاعلية، سواء في الأعمال المحدودة أو العامة. حيث يلزم الفكر والسعي. فيقول بعضهم هنا. دعه ولننجز العمل كما يقوم به الآخرون. وبعضهم يقول كلا، فهم يريدون أن يقدموا عملاً إبداعياً وخلّاقاً. وهذا ما يتطلب دافعاً. فبدون الدافع لا يمكن أن تتحقق مثل هذه الأعمال سواء من الناحية الكمية أو الكيفية.

 

فما هو هذا الدافع؟ إن هذا الدافع مركّبٌ من الإيمان والوعي، فهذان الأمران يعطيان الإنسان الدافع: أن يكون مؤمناً وأن يكون واعياً.

 

لو أصبتم بمرض لا سمح الله، عندما لا تعرفون بوجوده أو لا تعرفون طبيباً يداويه فإنكم تتصرفون بطريقة تختلف عما إذا كنتم مطلعين على هذا المرض أو وُجد الطبيب. لو كنتم تعتقدون بأن هذا الطبيب يمكنه أن يعالج المرض فماذا تفعلون عندها؟ حتماً لن تتأخروا، سواء كان بعيداً أو قريباً سهلاً كان الوصول إليه أو صعباً، فإنكم تأخذون مريضكم إليه، هذا هو الدافع. فللإنسان دافعٌ للعمل. والعامل الباطني يحمل الإنسان على القيام به.

 

386


321

خطاب الولي 2010

فإذا علم الإنسان بالحاجة وآمن بالنتيجة وكان ذلك من أجل شعبه المؤمن وتحت نظر الله تعالى، فإن هذا ما يصح أن يقال عنه دافعاً كاملاً. وبعضهم لديهم مثل هذا الإعتقاد والوعي والإيمان بالنتيجة ولكن ليس لديه الله. فهؤلاء يكون دافعهم أقل، أما عندما أعلم أنا وأنتم أن العمل الذي نريد أن نقوم به ونمارسه هو عملٌ لله ولأجل النظام الإسلامي ومن أجل الناس ونفعهم والله يراه حتى لو لم يطّلع عليه الآخرون أو يقدّروه ولم يصفّقوا لنا، لكن الله تعالى يراه ويقدّره ويؤجر عليه، قال الإمام الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء: إن ذلك بعين الله.

 

بهذه الرؤية يمكن لذلك الدافع إذا وُجد أن لا يُبقي الإنسان عاطلاً أبداً. وقد استغرق الإسلام بتاريخه ونبيه خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم وانهمكوا في تقوية هذا الدافع وتحديد مواطن وجوده والاستفادة منه لمصلحة الأهداف والمبادئ. فعندما يطّلع المرء على تاريخ الإسلام يرى انهماكاً في هذا الخصوص. وأذكر هنا نموذجاً. ففي معركة أُحد ـ مثلما لديكم علم، قد سمعتم أو قرأتم ـ كان المسلمون في البداية منتصرين وبعدها وبسبب طلب الدنيا انهزم بعضهم. بعضهم استشهد كحمزة سيد الشهداء وغيره والبقية فرّوا وذهبوا إلى ذلك الجبل. والأعداء في نهاية ذلك اليوم الذي جرت فيه المعركة تركوا المكان بأيد مليئة وسرور. وبقيت هذه القصة والعقدة في قلوب المسلمين. فأمر النبي بحمل الشهداء وإحضارهم إلى المدينة ـ وجبل أُحُد قريب من المدينة ـ فتحركوا ودخلوا المدينة. ومن بين القافلين رجوعاً إلى المدينة كان هناك جرحى ومعوّقون وأجساد الشهداء المطهرة والعوائل المثكولة. فعجّت المدينة وضجّت بالبكاء والنحيب على المقتولين وبسبب الانكسار في الحرب، فكل هذه الأمور شكلت مرارة.

 

في مساء ذلك اليوم الذي جرت فيه تلك الواقعة المرّة أخبروا النبي أن عدّة من المشركين بعد أن ابتعدوا عن المدينة يفكرون بالهجوم والقضاء على المسلمين طالما أنهم هُزموا. فبمجرد أن وصل الخبر إلى المدينة بدأ بعض الأشخاص الثرثارين - إما أنهم مغرضون أو جهلة ينشرون الشائعات مباشرة بسرعة البرق والريح ـ بنشر هذا الخبر. مثل هؤلاء الأشخاص بمجرد أن يصلهم أي خبرـ دون أن يتأكدوا من سقمه - يبدأون

 

 

387


322

خطاب الولي 2010

مباشرة بإذاعته. ففي ذلك الزمان كان هناك أفراد مثل هؤلاء كزماننا. وبدأوا بإشاعة الخبر داخل المدينة. وقالوا لقد قُضي علينا، وها هم سيهجمون، وعلينا أن نخافهم، وبدأوا بإلقاء هذه الأمور في قلوب الناس.

 

هنا جاء النبي الأكرم، ففي مثل هذه المواضع لا بد من إعمال روح النبوة. فجمع النبي الناس وأمرهم بالحضور في المسجد ثم قال: سمعت أن العدو قد اجتمع في المكان الفلاني وهو ينتظر أن تغفلوا حتى يحمل عليكم حملة واحدة. وعليكم أن تذهبوا إليهم لتبددوهم. قالوا: سمعاً وطاعة يا رسول الله. قال: كلا، أريد فقط من كان معنا في أُحد. أي إنه كان يطلب أولئك الذين كانوا يحاربون من الصباح حتى المساء وأولئك الذين أصيبوا بالجراحات ولا يريد غيرهم. لعل بعض القوم في البداية تعجّبوا، ثم بعد ذلك اندهشوا من هذا الحكم. فجُمع أولئك الذين كانوا في اُحد ممن أصيب وأُنهك وأمرهم النبي بأن يذهبوا وينهوا القضية ثم يرجعوا. فأولئك الذين أصيبوا في ذلك اليوم وأرادوا أن يردّوا الضربة بالضربة كانوا يخبرون الأمر جيداً لا أنهم سمعوه من هنا وهناك، هؤلاء هم الذين عبّأهم النبي وأمرهم بالذهاب.

 

وكانوا عدّة غير كثيرة، فركبوا واتّجهوا إلى تلك المنطقة وغافلوا العدو ووجّهوا إليه ضربة شتّتته وبدّدته ثم رجعوا. فنزلت حينها هذه الآية الشريفة: ﴿ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ﴾. فالمؤمنون هم أولئك الذين يأتيهم أصحاب الشائعات ليخوفوهم بالأعداء ﴿فَزَادَهُمْ إِيمَاناً﴾ لكن هذا التخويف لم يتحقق بل ازداد الدافع والإيمان وأصبح أقوى، ﴿وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ﴾[1] فقد قالوا إن الله يكفينا ونحن نكل الأمر إليه. فهل ترون مثل هذه المعرفة العظيمة؟ فها أنتم تقومون بالعمل وأيديكم تعمل وكذلك فكركم وقلمكم ولكن العمل هو عمل الله وموكولٌ إليه. فإيكال الأمر إلى الله لا يعني أن نجلس جانباً ونقول إن الله ينجزه. كلا، فإن الله لا يفعل مثل هذا. أن أقوم أنا وأنتم بعملٍ وننجزه ونغترّ به ونتصور أننا نحن الذين فعلناه أو قمنا به وأننا قمنا بعملٍ مميز هو خطأٌ وهذا غير صحيح. فلو لم يعن الله

 


[1] سورة آل عمران، الآية 173.

 

 

388


323

خطاب الولي 2010

ولو لم يهدِ ولو لم يوفّق فلا يمكنكم أن تقوموا بأي عمل، ولن تحصّلوا أية نتيجة. عندما يتلازم العنصران أي أنكم من جهة تتوكلون على الله وتستمدون منه وترونه حاضراً وناظراً وتعلمون أنه تعالى صاحب العمل ومن جهة أخرى تبذلون كل قواكم في العمل فهذا ما يمكن أن نسميه شكلاً صحيحا ﴿وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ﴾. فهذا وصف لهم وتُذكر نتيجة عملهم في الآية اللاحقة: ﴿فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ﴾[1] فذهبوا ورجعوا دون أن يصيبهم جرحٌ أو أذى. فقد استطاعوا أن يبددوا العدو ويغنموا كل ما كان بحوزته ويرجعوا. لم يكن عملهم مجرّد إحباط للمؤامرة بل أمّنوا مدخولاً للمدينة وحكومة النبي في السنة الثالثة التي كانت عام معركة أُحد.

 

يراد لنا أن نذكر هذه الأمور، فهي ليست مجرّد تاريخ أو ذكرى، بل هي درسٌ وعبرة. يُراد لنا أن نذكر هذه الحقائق ونُعملها في حياتنا. هناك أربع آيات ذُكرت في تعقيب صلاة الصبح ـ وهي موجودة في كتاب مفاتيح الجنان ـ يمكنكم مراجعتها وقراءتها. ولكل آية من هذه الآيات المذكورة نتيجة تتبعها: ﴿وَأُفَوِّضُ أَمۡرِيٓ إِلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرُۢ بِٱلۡعِبَادِ * فَوَقَىٰهُ ٱللَّهُ سَيِّ‍َٔاتِ مَا مَكَرُواْۖ﴾[2].

 

﴿لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبۡحَٰنَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٨٧ فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ وَنَجَّيۡنَٰهُ مِنَ ٱلۡغَمِّۚ وَكَذَٰلِكَ نُ‍ۨجِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ﴾[3] وهي الآية المتعلقة بالنبي يونس.

 

والآية الثالثة هي الآية التي تلوناها منذ قليل: ﴿وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ﴾[4].

 

والآية الرابعة: ﴿مَا شَآءَ ٱللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِٱللَّهِۚ﴾[5] التي ترتبط بقضية الأخوين. فكلها دروس لنا. عندما يشعر المرء بأن العمل كبير وله أهمية وتأثير اجتماعي شامل يكبر دافعه. وعلى كل حال فإن الذي يزول هو أيامنا المتصرّمة بحسنها وسوئها، سواء عملنا

 


[1] سورة آل عمران، الآية 174.

[2] سورة غافر، الآيتان 44 - 45.

[3] سورة الأنبياء، الآيتان 87 – 88.

[4] سورة آل عمران، الآيتان 173 - 174.

[5] سورة الكهف، الآية 39.

 

 

389


324

خطاب الولي 2010

بتكليفنا أم لم نعمل. كل هذه تزول. فطبيعة العالم هي طبيعة الزوال (العالم متغيّر) وما يبقى هو أثر هذا العمل في الديوان الإلهي فهذا ما لا يزول، ﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ﴾[1]، لا يخفى على الحساب الإلهي مثقال ذرّة سواء كان معنى الذرّة ذرات الغبار المنتشر في الهواء أو بمعنى النملة. فآلات التصوير الإلهية المخفيّة تراقب أعمالنا ذرّة ذرّة وتقيسها والأشد من ذلك هو أنها مسلّطة على قلوبنا، فليست هذه الكاميرات الخفيّة في المبنى وفي محل العمل وداخل البيت وأمثالها، بل إنها أيضاً داخل قلوبنا. فما يجري في قلوبنا وأذهاننا وما نقوم به في خلواتنا كل ذلك بدون زيادة أو نقيصة ينعكس ويظهر يوم القيامة ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾[2]. وظاهر الآية أن هذا العمل يتجسّم فيراه الإنسان عندئذٍ. والأصل هو أن العمل يبقى، فلنكن دوماً ملتفتين إلى هذا. فحوادث الدهر وتصرّمه وانقضاء عمرنا بحسنه وسوئه، في قمة الاحترام أو حضيضه، بجيوب مليئة أم خالية، كل ذلك يمرّ ولا يبقى، فحسنه لا يستحق الإعجاب لأنه غير باقٍ وسوءه لا يستحق أن نشكو منه لأنه غير باقٍ، لأنه عابر. ما يبقى هو أثر هذا العمل ونتيجته، الثواب الإلهي، العقاب الإلهي، وعلينا أن نفكر بهذا الأمر. حسناً، لقد سررنا كثيراً أيها الإخوة والأخوات لدى رؤيتنا شبابكم الذين بحمد الله قد حضروا في هذا اللقاء العائلي ونأمل إن شاء الله أن توفقوا جميعاً وتنجحوا وتتقدّموا في الخط المستقيم والصحيح والصراط الإلهي المستقيم.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 


[1]سورة سبأ، الآية 3.

[2]سورة الزلزلة، الآيتان 7 - 8.

 

 

390

 


325

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء قرّاء القرآن الكريم

 

         

المناسبة:   ولادة الإمام الحسين عليه السلام، واختتام الدورة السابعة والعشرين من مسابقات القرآن الكريم

الحضور:  جمع من المشاركين في مسابقات حفظ وتلاوة القرآن الكريم

المكان:   طهران

 

الزمان:    42/40/9831هـ.ش.

30/80/1341هـ.ق.

51/70/0102م.

 

 

 

391

 


326

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

لقد كان اجتماعنا اليوم ممتازاً، وحقاً سُعدنا وابتهجنا من الاستماع إلى آيات القرآن الكريمة المنطلقة من حناجر بلابل بستان القرآن. نشكر كثيراً الذين عملوا على إقامة هذه المراسم المهيبة والمهمة آملين إن شاء الله نيل المزيد من توفيق القرب من القرآن يوماً بعد يوم.

 

الحقيقة هي أننا وإلى الآن لا زلنا بعيدين جداً وتفصلنا مسافة طويلة عن القرآن. فينبغي أن تكون قلوبنا قرآنية. وينبغي أن تأنس أرواحنا بالقرآن. ولو استطعنا أن نأنس بالقرآن، وأن نجعل لمعارف القرآن نفوذاً في قلوبنا وأرواحنا، فإن حياتنا ومجتمعنا سيصبحان قرآنيين، وعندها لن نحتاج إلى بذل الجهد والضغط ووضع السياسات. فالأساس هو أن تكون قلوبنا وأرواحنا ومعرفتنا قرآنية حقاً.

 

أذكر لكم أنه لسنوات طويلة كان هناك سعى لأجل إيجاد مسافة وفاصلة بين المعارف القرآنية وقلوب مجتمع المسلمين والأمة الإسلامية، ولا زال هذا السعي مستمراً إلى الآن. ففي يومنا هذا وفي بعض الدول الإسلامية فإن رؤساء المسلمين في هذه الدول ولأجل مراعاة أعداء الإسلام مستعدون لإخراج فصل الجهاد من تعاليمهم الإسلامية. مستعدون لإخراج وإبعاد المعارف القرآنية من تعاليمهم العامة في مدراسهم وبين شبابهم إذا كانت تخدش مصالح الأعداء. واليوم يجري الأمر على هذا المنوال.

 

لقد وعدنا القرآن بالحياة الطيبة: ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾[1]، فماذا تعني الحياة الطيبة؟ وما هي الحياة الطاهرة؟ هي تلك الحياة التي تؤمّن فيها روح الإنسان وجسمه ودنياه وآخرته، ففيها يتم تأمين الحياة الفردية، والطمأنينة الروحية، والسكينة والاطمئنان، والراحة الجسدية، وأيضاً الفوائد الاجتماعية والسعادة والعزّة الاجتماعية،


 


[1] سورة النحل، الآية 97.

 

 

393


327

خطاب الولي 2010

والاستقلال والحرية العامة. هذا ما وعدنا به القرآن. فعندما يقول القرآن: ﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ يعني جميع هذه الأمور، أي تلك الحياة التي يكون فيها العزة والأمن والرفاه والاستقلال والعلم والتطور والأخلاق والحلم والصفح. نحن بعيدون عن هذه الأمور وينبغي أن نصل إليها.

 

إن الأنس بالقرآن ومعرفته تقرّبنا. هذه اللقاءات القرآنية، وهذه الدورات القرآنية، والمسابقات القرآنية، وما عزمنا عليه من تربية القرّاء والحفّاظ لأجل ذلك، فهذه كلها مقدمات لكنها مقدّمات ضرورية.

 

مرّة أخرى أوصي شبابنا الأعزاء بأن يأنسوا بالقرآن ويجالسوه: "وَمَا جَالَسَ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ؛ زِيَادَةٍ فِي‏ هُدًى‏ أَوْ نُقْصَانٍ‏ مِنْ عَمًى"[1]. فكلما جالستم القرآن ونهضتم فإن حجاباً من حجب الجهالة يرتفع عنكم وينفتح في قلوبكم منبع من منابع النورانية ثم يجري. فالأنس بالقرآن ومجالسته وفهمه والتدبر فيه كلها أمورٌ ضرورية.

 

ومقدمة هذا العمل هو أن نتمكن من قراءة القرآن. وأن نتمكّن من حفظه، فحفظ القرآن مؤثرٌ جداً. فليقدّر الشباب مرحلة الشباب وقدرة الحفظ. ولتشجّع الأُسر أبناءها على حفظ القرآن، وليحملوهم على ذلك. فحفظ القرآن له قيمة كبيرة. وهو يمنح حافظه فرصة التدبر فيه من خلال تكرار الآيات. فهذه فرصة وتوفيق، فلا تضيّعوا هذا الأمر. هؤلاء الحفظة عليهم أن يقدّروا هذه النعمة الإلهية العظيمة جداً، فلا يسمحوا بإضعاف حفظهم أو لا سمح الله تضييعه. وقراءة القرآن من البداية حتى النهاية أمرٌ لازمٌ. فينبغي قراءته من البداية وحتى النهاية، ثم تكرار الأمر حتى يتعرّف ذهن الإنسان إلى جميع المعارف القرآنية. ولا شك بأهمية وجود المعلّمين لكي يفسّروا لنا ويحلّوا ما يشكل علينا من الآيات ويبيّنوا معارف الآيات الإلهية وبطونها، فهي من الأمور الضرورية. فلو حصلت هذه الأمور، فإننا سنستمر بالتقدم مع مرور الزمان ولن يكون للتوقف معنى. وإنني أقول لكم إنه طوال هذه السنوات الـ 31 كانت هذه


 


[1] السيد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، مصدر سابق، ص252.

 

394


328

خطاب الولي 2010

الحركة إلى الأمام. وقبل الثورة ما كان من خبرٍ في بلدنا عن القرآن. فقد نجد في زاوية أو زقاق عاشقاً يقيم جلسة قرآنية يحضرها عشرة إلى عشرين طالباً للقرآن. فقد شاهدنا ذلك في جميع المدن وكان هناك في طهران وفي مشهد مثل هذا الأمر.

 

أما هذه الحركة الشبابية العظيمة نحو القرآن فما كان لها من أثر، فمثل هذا الشوق لقراءة القرآن وتلاوته وهذا الإعداد الهائل للقراء المتبحرين في تلاوة القرآن، ومثل هذه الأمور ما كان لها وجود وما كان للحفظ وجود. فعندما يأتي هؤلاء الشباب الحفظة ويقرأون القرآن عن حفظ، فإن هذا العبد يشكر الله من أعماق القلب. فمثل هذه الأمور كانت ببركة الثورة والإسلام، فعليكم أن تقدّروها.

 

كلما اقتربنا من القرآن فإن أمرين يتحققان: الأول هو أننا نصبح أقوى، والثاني أن أعداءنا الدوليين يتعبّؤون ضدنا أكثر. حسناً، فليكن. فكلما اتجهنا نحو القرآن واقتربنا منه فإن أعداء البشرية يزدادون حنقاً ويبدأون بتوجيه الاتهامات والأكاذيب والإشاعات والحصار الاقتصادي والضغوط السياسية ويمارسون ضد شعبنا أنواع الخبث والملعنة - مثلما أنكم تشاهدون ما يفعلون ـ ولكن في المقابل فإن قدرتنا وقوة تحمّلنا وتأثيرنا تزداد يوماً بعد يوم، وسوف تتضاعف، كما ترون.

 

فإذا نظرتم اليوم إلى الجبهة المعادية لجمهورية إيران الإسلامية ترونها جبهة عريضة وطويلة، فقد اجتمع جميع شياطين العالم وأشراره فيها، من الصهاينة إلى الأمريكيين، إلى أخبث الدول الغربية إلى أحقر الدول غير الغربية وأكثرها تبعية ـ وهنا لا نحدد الدائرة أكثر ـ كلهم اجتمعوا في هذه الجبهة، وكل ما يمكنهم أن يفعلوه يفعلونه. ولا تتصوروا أن أعداءنا يمكنهم أن يفعلوا أي شيء ضد الجمهورية الإسلامية ولا يفعلونه، كلا، فكل ما قدروا عليه إلى الآن فعلوه، وكل ما يمكنهم أن يفعلوه يفعلونه. وما لا يفعلونه فذلك لأنهم لا يقدرون عليه أما شعب إيران فإنه واقفٌ بوجههم جميعاً باقتدار وعزة وشموخ.

 

قال الأمير عليه السلام: "حَبْلُ‏ اللَّهِ الْمَتِينُ"[1]، فهذا القرآن حبلٌ إلهي، وحبلٌ إلهي وثيق

 


[1] السيد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، مصدر سابق، ص254.

 

395


329

خطاب الولي 2010

 لو تمسكنا به لا نزلّ أو نضلّ أو نسقط.

 

 اللهم، أحينا بالقرآن، وأمتنا على القرآن، واحشرنا معه.

 

اللهم، أرضِ القرآن عنا.

 

اللهم، لا تفصلنا طرفة عين عن القرآن وأهل البيت.

 

اللهم، احشر شهداءنا الأعزاء وروح إمامنا العظيم الطاهر مع أوليائك. وأوجه الشكر إلى جميع ضيوفنا الأعزاء، خصوصاً القارئين المحترمَين الذين تَلَوَا علينا السيد النعينع والشاذلي. وقد كانت تلاوتهما جيدة. وبمشيئة الله يحصلان على توفيق الله وتأييده.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

396


330

خطاب الولي 2010

بيان الإمام الخامنئي دام ظله

بمناسبة مرور سبعة أيام على أحداث زاهدان

 

 

 

المناسبة:   مرور سبعة أيام على استشهاد عدد من أهالي زاهدان المتدينين في الانفجار الإرهابي الذي وقع في المسجد الجامع في هذه المدينة

المكان:   طهران

 

الزمان:    03/40/9831هـ.ش.

90/80/1341هـ.ق.

12/70/0102م.

 

397


331

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

حل اليوم السابع لاستشهاد عدد من أبناء وطننا المؤمنين المخلصين المظلومين في زاهدان على أيدي المجرمين الإرهابيين. في هذا الحدث الدامي عملت اليد الأثيمة والمجرمة للمنحرفين الوهابيين المتعصبين، بدعمٍ وإثارة للفتن من قبل الأجهزة التجسسية الأجنبية، على زرع اللوعة في القلوب وفرض الحزن على عدد من العوائل التي سطعت عليها أنوار محبة أهل بيت النبي عليه وعليهم السلام ونقّاها ضياء المعرفة والتوحيد الخالص.

 

لقد سلّم المتعصبون العميان الجاهلون القتلة قلوبهم وبواطنهم المظلمة لقوى فاسدة أثبتت عداءها للإسلام والمسلمين مرات ومرات، وأبدت أينما ومتى ما استطاعت عنادها وبغضها للمسلمين، ووجهت ضرباتها لهم. وعداؤهم للجمهورية الإسلامية إنما هو بسبب رفعها راية الإسلام في هذا البلد ودعوتها الدائمة للاتحاد والاقتدار والعزة الإسلامية. من أهداف الأعداء في هذا الحدث الدامي وأشباهه بث الخلافات بين المسلمين.

 

الجمهورية الإسلامية التي كانت لعشرات من السنين أكبر وأوثق حام للمسلمين المظلومين في غزة وفلسطين وأفغانستان وكشمير وسائر المناطق الإسلامية ولا تزال كذلك تتعرض اليوم لهذه المؤامرة الخبيثة التي تقف وراءها الأجهزة التجسسية لأمريكا والكيان الصهيوني وبريطانيا لكي تتعرض حسب وهمهم الواهي لفتنة طائفية ونزاع شيعي سني، غافلين عن أن أهل السنة في إيران الإسلامية وكما هو الحال بالنسبة لإخوتهم الشيعة أثبتوا مراراً وفاءهم لهذا النظام الإسلامي المقدس، ونهضوا بكل رجولة وإيمان للدفاع عن الجمهورية الإسلامية وبلد إيران العزيز بوجه الاستكبار وعملائه المرتزقة. إن ظهور ونمو الإرهاب الوحشي الأعمى في منطقتنا هو أساساً وليد

 

 

399


332

خطاب الولي 2010

السياسات الأمريكية والبريطانية الخبيثة ومرتزقتهم، والواجب على كل المسلمين مواجهة ومكافحة هذا الوليد المشؤوم النحس الذي يمثل مصداقاً بارزاً للإفساد في الأرض ومحاربة الله ورسوله.

 

جميع فرق أهل السنة في إيران والبلدان الجارة والمستهدفة سمعتهم الإسلامية من قبل هذه السياسة الخبيثة، وخصوصاً علماء الدين والمثقفين والجامعيين، يتحملون واجبات جسيمة.

 

الواعون من الشيعة والسنة في جميع البلدان الإسلامية والعربية عليهم أن يشرحوا للجميع الأغراض القذرة للأعداء من إيجاد وتقوية الإرهاب الطائفي وتحذيرهم من خطر الفتن الطائفية الكبير الذي يتمناه أعداء الإسلام كأمل كبير.

 

الجمهورية الإسلامية لن تسمح بإذن الله تعالى لعملاء الاستكبار العالمي تحت مسميات الوهابية وما شاكل، بزرع الخلاف بين الإخوة المسلمين. والأجهزة الحكومية المسؤولة في كل واحدة من السلطات الثلاث من واجبها حسب مسؤولياتها مواجهة أعداء أمن البلاد ووحدته بحسم وجدّ، وإنزال العقاب المناسب بمثيري الفتن على أعمالهم. وعلى الشعب المؤمن الطاهر الحفاظ على هدوئه وبصيرته واجتناب أي فعل غير مدروس لمساعدة القوى الأمنية والمسؤولين في البلاد على النهوض بواجباتهم.

إنني أحيي مرة أخرى أرواح الشهداء الأعزاء في حادثة زاهدان الدامية التي عرجت إلى لقاء الله في ذكرى ولادة سيدنا الإمام الحسين عليه آلاف السلام والثناء، وأعلن تعاطفي مع عوائلهم العزيزة المحترمة، وأسأل الله لهم الصبر والسكينة والأجر والثواب الإلهي، وأدعو الله تعالى بتضرع لشفاء الجرحى والمصابين المظلومين عاجلاً.

 

والسلام على عباد الله الصالحين ورحمة الله وبركاته.

 

السيد علي الخامنئي

٣٠ تير

١٣٨٩

 

400


333

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في ضيافة الأنس القرآنية

 

المناسبة:   حلول شهر رمضان المبارك

الحضور:  جمع كبير من المقرئين المتفوقين وحفّاظ القرآن الكريم

المكان:   طهران ـ حسينية الإمام الخميني قدس سره

 

الزمان:    22/05/1389هـ.ش.

02/09/1431هـ.ق.

13/08/2010م.

         

 

401


334

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نشكر الله تعالى على توفيقه بأن أطال من عمرنا بفضله ولطفه لكي نتمكن مرّة أخرى من المشاركة في هذه الجلسة - التي هي جلسة شديدة العذوبة والتأثير والفائدة - وأن نستفيد من تلاوة الآيات القرآنية الكريمة بواسطة قرائنا الأعزاء. وهذا العبد يعدّ هذه النعمة الكبرى - التي هي في الواقع نعمة التنامي المضطرد لمحبة القرآن في مجتمعنا ـ نعمة لعله لا يوجد ما يعدلها.

 

كان اجتماعنا اليوم اجتماعاً ممتازاً، فالقرّاء المحترمون، سواء منهم أساتذة القراءة الذين تفضّل بعضهم اليوم بالتلاوة، أو الشباب الأعزاء الذين دخلوا في هذا المسلك تشعرنا بأن استعداداتهم الجيدة وأصواتهم الحسنة وميولهم الجيدة تبشّر بمستقبل أفضل للبلد. وها إن الله تعالى قد أعطانا هذه النعمة ﴿وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ﴾[1]. فإنها لنعمة عظيمة أن يجعل الله الإيمان بلوازمه محبوباً لدى شعبنا ويزينه في قلوبنا. لو أردنا أن نستفيد من القرآن بالمعنى الحقيقي للكلمة فعلينا أن نتعرف إلى معارفه ومفاهيمه. فهنا تكون التلاوة والحفظ والأنس بالقرآن لمساعدتنا في هذا المجال. ولو لم يكن موضوع دراسة القرآن لما تمت توصيتنا إلى هذا الحد بتلاوته. فعلينا أن نلتفت إلى أن الهدف ليس إيجاد هذه الأمواج الصوتية وبثها في الأجواء. فليس هذا هو الهدف.

 

كما أنه ليس الهدف أن نلتذّ بالصوت الحسن لمن يقرأ القرآن بلحن جميل مثلما يحدث عند إنشاد الشعر. فهذه جميعاً مقدّمات لفهم معارف القرآن: التلاوة، وما يشيع التلاوة في المجتمع كالصوت الحسن واللحن الجيّد وما يُعدّ من عناصر ترويج التلاوة في المجتمع وترغيب النفوس بها. ولفهم معارف القرآن درجات. أوّلها ما يحصل

 

 


[1] سورة الحجرات، الآية 7.

 

 

403


335

خطاب الولي 2010

من التأمل في ألفاظ القرآن وترجمته. وعندما نقول "المعارف القرآنية" فلا يعني أن هناك أبواباً مغلقة ومشفّرة لا يمكن لأحد أن يصل إليها. هناك معارف عالية لا يمكن لأيدي أمثالنا أن تصل إليها، ولكن هناك الكثير من المعارف يمكن لنا ـ نحن الأشخاص العاديين ـ أن نفهمها ونستفيد منها بشرط أن نتوجّه إلى هذا الكلام وهذا البيان. وفي هذا المجال آيات قرآنية كريمة كثيرة، وهي تمثّل دروساً لنا في الحياة. منها على سبيل المثال هذه الآية الشريفة:

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾[1] هذا درسٌ واضحٌ لحياتنا.

 

﴿فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۖ﴾ إذا نقضتم أو نكثتم العهد الذي أبرمتموه مع النبي والإسلام ونقضتم البيعة التي مع الله فإنكم تكونون بذلك قد عملتم خلاف مصلحتكم، ﴿فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۖ﴾: فنقض البيعة مع الله والرسول  صلى الله عليه وآله وسلم تنقلب علينا ولا تؤثر في الله ورسوله أو تضرهما شيئاً. ﴿وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيۡهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمًا﴾، أما إذا وفينا بهذا العهد الذي عاهدنا عليه الله والنبي نكون قد عملنا لمصلحتنا وسوف ننال ثواباً عظيماً من الله المتعال. وهذا الثواب لم يُذكر أنه في الآخرة أو في الجنة وإن كان قسمه الأعظم بالطبع في الآخرة، ولكن هذا الثواب هو في الدنيا أيضاً. ففي الدنيا سوف ننال هذا الأجر. وكذلك الآيات من سورة الأحزاب المباركة التي تلاها علينا أحد الإخوة أو لعلّه مجموعة من الإخوة: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ﴾[2] ‏فما هذا الصدق؟ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، أي أنهم التزموا بصدق بالعهد الذي عاهدوا الله عليه والوعد والميثاق الذي أبرموه مع الله والتزموا به ولم تحرفهم عنه مصاعب الحياة وزخارف الشهوات الدنيوية.

 

﴿لِّيَجۡزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّٰدِقِينَ بِصِدۡقِهِمۡ﴾ وبسبب هذا الصدق والالتزام بهذا الوعد والعهد الإلهي فإن الله سيجزيهم. فهذه معارف يمكن فهمها بمراجعة ظاهر القرآن. وإن كان

 


[1] سورة الفتح، الآية 10.

[2] سورة الأحزاب، الآيتان 23 - 24.

 

 

404


336

خطاب الولي 2010

وراءها معارف أسمى وأعلى بوجه مسلّم. ومما يمكن للخواص وعباد الله الصالحين أن يفهموه ومما لا تناله أفهامنا إلا عبرهم. فمن المسلّم وجود مثل هذه الأمور حيث ذُكر أن للقرآن بطوناً.

 

يوجد العديد من الروايات التي تذكر أن للقرآن ظاهراً وباطناً وأسراراً وأعماقاً، كالبحر الذي له ظاهرٌ وهو ما نسميه بالماء أو البحر، ولكن لا ينحصر الأمر بظاهره فله أعماق وفي أعماقه حقائق أخرى، فهذا من المسلّمات. ولكن يمكننا أن نستفيد أيضاً من هذا الظاهر. لكن بأي شرطٍ؟ بشرط الدقة والتأمل. إن ما ذكرناه مكرراً ـ لعدّة سنوات ونحن نذكره ولحسن الحظ أثمر حيث يرى المرء أثره ـ نذكره مرّة أخرى هنا: أنتم الذين تتلون هذه الآية تعرّفوا إلى معناها بوجهٍ صحيح. ذاك المعنى الذي يمكن للعارف بالعربية أن يفهمه. وإذا حصل هذا الفهم فحينئذ وأثناء التلاوة يعطي المجال والامكانية للتدبر. أي أنه يمكن للمرء حينها أن يتدبر. وأنا أقول لكم إننا عندما نعرف معنى الآية، فإن نفس هذا الفهم لمعناها سيؤثّر على لحن من يمتلك الصوت واللحن والتلاوة. إذا كنا نعرف ماذا نقرأ، فلا يلزم عندها أن نتطلع إلى فلان القارئ المشهور مثلاً عندما يقرأ هذه الآية لنرى متى يخفض ومتى يرفع ومتى يرقق ومتى يشدّد. كلا، فلا لزوم لمثل هذا. إذا فهمنا المعنى فإنّ نفس هذا المعنى سوف يهدي صوت من يمتلك صوتاً مناسباً قابلاً للّحن والتناغم. فمثل هذا سيمنحنا لحناً كما يحصل في الحوارات العادية، فأنتم عندما تتحدثون في العادة ينخفض صوتكم أحياناً ويرتفع ويهدأ ويشتد ويتقطع ويتمركز. ولا يكون هناك أي نوتة معدة مسبقاً وإنما يكون ذلك طبق أحاسيسكم وغريزتكم، فلو فهمتم معنى الآية القرآنية هكذا فإن نفس هذه الغريزة سوف تعينكم على الأداء، وأين ينبغي أن تقرأوا بتمهّل وأين تقفون ومتى تقومون بالوصل ومتى تبدأون. إن التمكن من الآيات القرآنية يعطي الإنسان هذا الفن. ولا شك بأن هناك من يفهم آيات القرآن لأنهم عرب ويعلمون ترجمة الآية جيداً. فهم عرب، ولكن المرء يرى كأنهم لا يقرأون بالالتفات إلى المعنى. ومن القرّاء المصريين المعروفين هناك من يقرأ كأنه كُلّف بنصٍّ عليه قراءته من أوله إلى آخره دون أن يكون بقصد تفهيم المخاطب. هذا ما يشاهده المرء في بعض القرّاء ولكن بعضهم ليس كذلك، فإن قراءتهم وتلاوتهم تشبه مخاطبة الآخرين، ويجب أن تكون

 

 

405


337

خطاب الولي 2010

تلاوتكم كذلك. وللأسف، فإن أكثر شعبنا قلما يستفيدون بشكل مباشر من ألفاظ الآيات القرآنية الكريمة. فأكثرهم لا يعرفون العربية. وهذا يُعدّ حرماناً، ولهذا تم فرض تعلّم اللغة العربية التي هي لغة القرآن في قوانيننا، كلّ ذلك لأجل هذا الأمر. فلو أردنا في الحقيقة أن نفهم معاني القرآن، فيمكن للأشخاص العاديين الذين لا يعرفون العربية مراجعة التفاسير أو الترجمات. ولحسن الحظ يوجد اليوم ترجمات جيّدة، ففي بلدنا هناك أشخاص بذلوا جهوداً لتقديم ترجمات جيدة. وعلى أي حال فإنني أوصيكم أيها الإخوة الأعزاء الذين تتلون القرآن بصوت حسن بأن تلتفوا إلى هذه النقطة: وهي أن تقرأوا القرآن بالتوجه إلى المعنى، فاقرأوه وكأنكم تخاطبون في المقابل شخصاً بواسطة لغة القرآن. ولو حصل ذلك، فإنكم حينها ستنتفعون بقراءتكم وينتفع الناس بالاستماع إلى القرآن وسماع تلاوتكم. أملنا إن شاء الله أن يوسع الله تعالى يوماً بعد يوم دائرة فهم القرآن والاستفاضة منه وفهم معارفه بين شعبنا وأمتنا ويجعلنا من المحظوظين أكثر من بالحظوظ والبركات القرآنية. وإنني أوصي بهذا حتماً وهو أن يعمل أصدقاؤنا القرّاء على ترجمة القرآن بحيث يصبح لهم في الواقع تسلّط على الترجمة ولا شك بأن حفظ القرآن في هذا المجال مهمٌّ جداً. وإن شاء الله توفقون وتؤيّدون.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

406


338

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء العاملين في الدولة

 

 

 

         

المناسبة:   حلول شهر رمضان المبارك

الحضور:  رؤساء السلطات الثلاث وجمع كبير من المسؤولين

المكان:   طهران ـ حسينية الإمام الخميني قدس سره

 

الزمان:    27/05/1389هـ.ش.

70/90/1341هـ.ق.

81/80/0102م.

 

 

407

 


339

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين لا سيما بقية الله في الأرضين.

 

في الأدعية سواء في الصحيفة السجادية المباركة أو في غيرها من الأدعية المأثورة حول شهر رمضان ذُكرت صفات لهذا الشهر تدعو كل واحدة منها للتأمل والتدبر: (شهر التوبة والإنابة) ـ وسوف أتعرّض بعد قليل إلى موضوعي التوبة والإنابة بعد عدة جمل ـ (شهر الإسلام)، الذي ورد في دعاء الصحيفة السجادية المباركة. المراد من الإسلام هو ما جاء في الآية الشريفة ﴿وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾[1]. إسلام الوجه لله يعني تسليم القلب والروح والخضوع لإرادة الله وحكمه وشريعته. (شهر الطهور)، والطهور إما بمعنى المطهِّر ـ أي ذلك الشهر الذي يوجد فيه عنصر التطهير الذي يعطي للإنسان الطهارة ـ وإما أن يكون بصورة المصدر، أي شهر الطهارة من القذارات والملوثات. (شهر التمحيص)، التمحيص يعني التخليص، فالمعدن القيّم كالذهب الممتزج بالمعادن الرخيصة عندما يوضع في الفرن فهو بذلك يمحّص. فالتمحيص هو تخليص الذات الإنسانية الطاهرة من الشوائب والقذارات. كانت هذه خصوصيات ذُكرت بشأن هذا الشهر.

 

ويبدو للمرء أن لشهر رمضان بالنسبة لأيام وأشهر السنة حكم أوقات الصلاة بالنسبة للّيل والنهار. فكما أن الشريعة الإلهية المقدسة قد جعلت لنا نحن المأسورين والمحدودين بعالم المادة، فرصاً هي أوقات الصلاة ـ الصبح، الظهر، العصر، المغرب، العشاء ـ تشبه المنبه، وهي لأجل الاختلاء بالنفس من أجل إيجاد النورانية في القلب وفي النفس، فأوقات الصلاة في الليل والنهار جُعلت لنا لكي لا نستغرق

 

 


[1] سورة لقمان، الآية 22.

 

409


340

خطاب الولي 2010

في الغفلة للحظات، بل لنتحرر من أسر المادة ونتنفس الصعداء قليلاً، ونقبل على المعنويات ولا نبقى مستغرقين في المادة بشكل كامل ـ يبدو أن لشهر رمضان بالنسبة لأيام السنة مثل هذه الوضعية، حيث تتنفس فيه الروح الإنسانية والروح الملكوتية للإنسان، وهو فرصة تنعتق فيها هذه النفس بهذه الرياضة الطويلة الممتدة لشهر كامل من العوامل المادية التي تحيط بنا وتدرك منجاتها وتتنفّس وتكتشف النورانية. فالشارع المقدّس قد جعل شهر رمضان لأجل هذا. إنها فرصة.

 

ومن بين الخصوصيات المذكورة - وهي جميعاً ولا شك مهمة - ما يلفت نظر هذا العبد ويمكن أن يُعرض بيننا نحن المسؤولين في هذا البلد هو أن شهر رمضان شهر التوبة والإنابة.

 

فالتوبة هي الرجوع عن طريق الخطأ، وعن ارتكاب الخطأ، وعن التفكير الخاطئ. الإنابة تعني الرجوع إلى الله. فهذه التوبة والإنابة تتضمن بشكل طبيعي معنىً في ذاتها. فعندما نقول إننا تراجعنا عن طريق الخطأ فهذا يعني إننا حدّدنا نقطة الخطأ والطريق الخاطئ، فهذا مهمٌّ جداً. فنحن الذين نتحرك غالباً ما نغفل عن أفعالنا وأخطائنا وتقصيرنا، ولا نلتفت إلى المشكلات الموجودة في عملنا. والتعبير بـ"نحن" أعم من الذات الشخصية والذات الجَماعية، شعبنا، حزبنا، تيارنا، جناحنا. فكل ما يرتبط بذات الإنسان غالباً ما يغفل هذا الإنسان عن عيوبه، لهذا نحتاج إلى الآخرين ليذكروا لنا عيوبنا. ولو فهمنا ذلك بأنفسنا وأصلحنا فلا يصل الأمر إلى الآخرين، ولن نحتاج إليهم ليقولوه لنا. فما ذُكر حول التوبة والإنابة يحتاج إلى خطوة أولى وهي أن نلتفت إلى عيوب العمل وندرك أين يوجد الإشكال فيه، أين يكمن خطأنا وذنبنا وتقصيرنا.فليبدأ كل واحد من نفسه ليصل فيما بعد إلى الدائرة الجماعية الأوسع.

 

 بداية الأمر في أن يحاسب كل واحد نفسه ليرى أين أخطأ، وهذه وظيفة الجميع، منا نحن الأشخاص العاديين المبتلين كثيراً بالتقصير والخطأ والمعصية في العمل، ومروراً بالأشخاص البارزين، ووصولاً إلى عباد الله الصالحين، بل حتى إلى أولياء الله، فهم أيضاً كذلك يحتاجون إلى الاستغفار وإلى التوبة، وهناك رواية نقلها الشيعة والسنة عن نبي الإسلام المكرّم

 

 

410


341

خطاب الولي 2010

صلى الله عليه وآله وسلم حيث يذكر: "إِنَّهُ‏ لَيُغَانُ عَلَى‏ قَلْبِي‏"[1]، فقلبي يعتليه الغبار ويظلله ضباب. (يغان)، (غين) بمعنى الغيم، كما يحصل عندما يظلّل السحاب الشمس أو القمر، حيث يحول دون سطوعهما. قوله: "لَيُغَانُ عَلَى‏ قَلْبِي‏" أي إنه أحياناً يحصل لقلبي تلك الحالة من الغشاوة والضباب "وَإِنِّي‏ لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ‏ فِي‏ كُلِ‏ يَوْمٍ‏ سَبْعِينَ‏ مَرَّةً". فهذه الجملة يذكرها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهو صاحب الروح الملكوتية والذات الطاهرة. وفي رواية أخرى ـ نُقلت بطرقنا ـ "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتوب إلى الله في كل يوم سبعين مرة"[2].

 

وهنا ذُكر لفظ التوبة. وعن الإمام الصادق عليه السلام رُوي "أن النبي كان يتوب كل يوم سبعين مرة من غير ذنبٍ"[3].

 

فالنبي كما تعلمون معصوم، فمن أي شيء يتوب؟ يقول المرحوم الفيض رحمه الله: "إن ذنوب الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ليست كذنوبنا بل إنما هي ترك دوام الذكر والاشتغال بالمباحات".

 

فمن الممكن أن تعرض الغفلة على النبي والولي للحظة في الزقاق والسوق والحياة اليومية، ذلك الشيء الذي يشكّل غالب أوقاتنا، يمكن أن يعرض له للحظة فينشغل بأمرٍ مباح، وهو ما يستوجب على النبي الاستغفار. لهذا فما ذكرناه لا يختص بنا بل يشمل الجميع.

 

هذا تكليف واجبٌ على العاملين. فبالنسبة لي ولكم نحن الذين نتحمل المسؤوليات في قطاعات العمل الحكومي أو لدينا نفوذ في بعض الدوائر الاجتماعية الخاصة إن تكليفنا فيما يتعلق بالاستغفار والتوبة إلى الله والإنابة إلى الله أشد ثقلاً، وعلينا أن نكون مراقبين جداً، فأحياناً قد تحصل مخالفة ضمن المجموعة العاملة عندي أو عندكم، فإذا تعلّقت هذه المخالفة بنحوٍ ما بنا، نكون مسؤولين. كأن نقصّر في الإبلاغ عنها، أو نقصّر في اختيار هذا الشخص، أو نقصّر في التعامل مع

 


[1] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج5، ص320.

[2] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص450.

[3] المصدر نفسه.

 

 

411


342

خطاب الولي 2010

هذه المخالفة، وهو ما يؤدي إلى وقوع هذه المخالفة. ﴿قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارٗاوَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ﴾[1].

 

والنتيجة، فإن علينا أن نراقب أنفسنا في شهر رمضان مهما أمكن، ونصلح سلوكياتنا وأفكارنا وأقوالنا وأعمالنا، ونفتّش عن الإشكالات الموجودة فيها لنتخلص منها. ومثل هذا الإصلاح يكون على طريق التقوى. فالله تعالى يقول في آية الصيام الشريفة: ﴿لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ﴾[2] الصيام لأجل التقوى.

 

لهذا فإن ما نسعى إليه في شهر رمضان المبارك يكون باتجاه التقوى. وقد دوّنت في باب التقوى جملة أذكرها هنا: ففي أغلب الأوقات عندما تُذكر التقوى ينصرف ذهن الإنسان إلى رعاية ظواهر الشرع والمحرمات والواجبات المطروحة أمامنا، أن نصلّي وندفع الحقوق الشرعية، أن نصوم ولا نكذب. ولا شك بأن هذه الأمور مهمّة، لكن للتقوى أبعاداً أخرى غالباً ما نغفل عنها، ففي دعاء مكارم الأخلاق يوجد فقرة تبيّن هذه الأبعاد: "اللَّهُمَ‏ صَلِ‏ عَلَى‏ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ‏، وَحَلِّنِي‏ بِحِلْيَةِ الصَّالِحِينَ‏، وَأَلْبِسْنِي‏ زِينَةَ الْمُتَّقِينَ‏"[3]، فما هو لباس المتقين؟ فيأتي الشرح الملفت: "فِي بَسْطِ الْعَدْلِ، وَكَظْمِ الغَيْظِ، وَإِطْفَاءِ النَّائِرَةِ" في إخماد الغضب وإطفاء النيران، تلك النيران التي تندلع بين أفراد المجتمع، "وَضَمِّ أَهْلِ الْفُرْقَةِ" أولئك الذين كانوا منكم وانفصلوا عنكم اسعوا إلى أن تستعيدوهم.

 

فهذه من موارد التقوى التي أشير إليها في دعاء مكارم الأخلاق، الدعاء العشرين للصحيفة السجادية المباركة. وهذا الدعاء دعاء مهمٌّ جداً. وفي رأيي أنه يجب علينا جميعاً وخصوصاً العاملين أن نقرأ هذا الدعاء وندقق في مضامينه الملهمة، "وَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ"، فبدلاً من إشعال النيران والإذاعة وإلقاء الخلاف والتفرقة نقوم بإصلاح ذات البين بين الإخوة المؤمنين والمسلمين ونوجد الإئتلاف، هذه هي التقوى.

 

لاحظوا: إن هذه كلها تُعدّ من قضايانا المعاصرة: إشاعة العدل وبسطه في القضاء

 


[1] سورة التحريم، الآية 6.

[2] سورة البقرة، الآية 183.

[3] الإمام زين العابدين عليه السلام، الصحيفة السجادية، دفتر نشر الهادي، إيران - قم، 1418ه، ط1، ص96.

 

412


343

خطاب الولي 2010

والاقتصاد والاختيار وتوزيع الثروات والفرص الموجودة في البلاد بين الجماعات، هذه جميعها قضايا مهمة جداً، وهي مورد حاجتنا. فبسط العدل يُعدّ أرفع أنواع التقوى، فهو أعلى من صلاة جيدة وصوم يوم في صيف حار. فقد ورد في حديثٍ: إن كل أميرٍ ـ الأمير يُقصد به أنتم، كل من يدير جهازاً ويكون حكمه نافذاً فيه ـ يحكم يوماً واحداً بالعدل فكأنه قد عبد الله سبعين سنة، ومثل هذه القضايا الفائقة الأهمية تدلنا على أهمية العدالة والسلوك العادل.

 

وكظم الغيظ تجاه الأصدقاء ـ أما مقابل الأعداء فيجب أن نتحلى بالغيظ ﴿وَيُذۡهِبۡ غَيۡظَ قُلُوبِهِمۡۗ﴾[1]‏، ففي مقابل ذاك العدو الذي يخالف هويتكم ووجودكم يكون الغضب مقدساً ولا إشكال فيه. أما في جمع المؤمنين وبين أولئك الذين أُمرنا أن نعاملهم وفق السلوك الإسلامي فلا ينبغي أن يكون هناك غيظٌ وغضب. فالغضب يضر بصاحبه. واتخاذ القرار مع الغضب مضرّ، وكذلك الكلام والعمل مع الغضب فإنه غالباً ما يؤدي إلى الوقوع في الأخطاء والشبهات، وهو أمرٌ ذائعٌ بيننا كثيراً وللأسف. فاجتناب هذا الغضب الذي يؤدي إلى الانحراف والخطأ في الفكر والعمل يُعدّ من موارد التقوى. "وَكَظْمِ الغَيْظِ".

 

العمل الآخر هو "إِطْفَاءِ النَّائِرَةِ"، فبعضهم يشعل النيران السياسية والفئوية، وكأنه مكلف بهذا العمل. أرى داخل بلدنا جماعة همّهم أن يُوجِدوا الاختلافات والعداوات بين التيارات المختلفة وكأنهم يستمتعون بذلك، وهذا خلاف التقوى لأن التقوى تعني إطفاء النائرة. فمثلما أنكم تطفئون النيران المندلعة في المحل والمكان المادي فعليكم أن تسيطروا على النيران التي تندلع في الأجواء الإنسانية والمعنوية والأخلاقية وتطفئوها، وهكذا: "ضَمِّ أَهْلِ الْفُرْقَةِ".

 

لقد قلنا بجذب الحدّ الأكثر ودفع الحد الأقل. بالطبع المعيار والميزان هو الأصول والقيم. فالناس ليسوا سواء بلحاظ الإيمان. ففينا من هو ضعيف الإيمان ومن هو أقوى إيماناً. وعلينا أن نسعى، فلا يصح أن ندفع ضعيف الإيمان، ولا يصح أن نركّز


 


[1] سورة التوبة، الآية 15.

 

413


344

خطاب الولي 2010

على الأقوى إيماناً، كلّا، فضعفاء الإيمان ينبغي أن يحوزوا على عنايتنا. فالذين يعدّون أنفسهم أقوياء ينبغي أن يعتنوا بمن يرونه ضعيفاً ويراعوه ولا يدفعوه. الذين كانوا من الجماعة لكنهم بسبب الاشتباه والغفلة ابتعدوا وانفصلوا نعيدهم إلينا، ننصحهم، نبين لهم الطريق، ونستعيدهم. وهذه قضايا أساسية.

 

فهكذا تكون التقوى وهكذا تكون طريق التوبة والإنابة، (شهر التوبة)، (شهر الإنابة). ومن الملفت أن هذا الصيام وهذا الشهر هو عملٌ جماعي لا ينحصر بالفرد. فكلنا صائمون وداخلون في هذا الشهر، وقد جلسنا حول هذه المائدة، جميع أفراد المجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية. وعندما نريد أن نعمل بهذه النصائح والوصايا المهمة للكتاب والسنّة، فإننا لو اعتبرنا أنفسنا معنيين بالخطاب، فانظروا ماذا سيحدث عندئذ في العالم الإسلامي، وفي نطاق أضيق على مستوى البلد. علينا أن نعرف قدر هذا الشهر. وتقديره هو أن نكون في الواقع في شهر التوبة والإنابة والتطهير والتمحيص، فنتحرك باتجاه هذه الأمور. وهكذا نكون قد ذكرنا ما أردنا ذكره بشكل أساس في هذا اللقاء.

 

وفيما يتعلّق بقضايا بلدنا الحالية، فقد قدّم السيد رئيس الجمهورية تقريراً جيداً ومفصلاً ومفيداً. لو أردنا أن نحلل هذه القضايا الحالية بشكلٍ صحيح دون أن نقع في الخطأ، فعلينا أن نبدأ من هذه النقطة: وهي أنه يوجد مواجهة قديمة بين إيران الإسلامية وبين مجموعة أخرى. وقد مرّ على هذه المواجهة والمعارضة أكثر من 31 سنة، فهي ليست جديدة. لا شك بأن الجبهة المقابلة كانت عرضة لتغيّرات وتحولات، أما نحن فإننا لم نبدّل. ما زال موقفنا هو نفس الموقف، وأصولنا نفس الأصول، وطريقنا نفس الطريق. ولقد سلكنا طريقاً ولا زلنا عليه. حدّدنا أهدافنا أيضاً وهذه الأهداف منذ البداية قد بُيّنت وحُدّدت في تعاليم الإمام وفي أصول الثورة. فنحن نتقدّم بقدر الإمكان. أما الجبهة المقابلة فقد جرى فيها تبديلٌ وتغيير، زيادة ونقصاً، فهناك من كان ثم خرج، وهناك من لم يكن ثم دخل. واليوم نجد في هذه المواجهة ظاهرتين: أولاهما، أن الطرف المقابل والجبهة المواجهة لنا قد ضعُفت عما سبق، أي أن تحرّك الجبهة المقابلة هو تحرّكٌ نزولي، فقد أصبحت ضعيفة. وثانيهما هي أن جبهتنا ازدادت

 

414


345

خطاب الولي 2010

قوّة وكذلك كان تحرّكنا. ومثل هاتين الظاهرتين بالإمكان البرهنة عليهما، فالكلام ليس مجرّد شعار بل إنه يستند إلى الوقائع. وأذكر هنا نقطة مختصرة فيما يتعلق بالجبهة المقابلة. فما هي الجبهة المقابلة؟ إن الدعايات التي تطلقها تلك الجبهة تسمي نفسها باسم (المجتمع الدولي)، وهذه كذبة كبيرة، هي ليست مجتمعاً دولياً بأي وجه، بل هي مجموعة محددة من الدول. والمحور الأساس للعدو عبارة عن الكيان الصهيوني وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية، أما الباقون فهم باللحاظ السياسي تابعون أو يجاملون أو ضعفاء إلى درجة لا يمكنهم معها أن يفعلوا شيئاً. وهناك عددٌ كبير لا يجتمعون اليوم حول هذا المحور المشكِّل من هذين العنصرين الأساسَين، ولا اجتمعوا في السنوات الفائتة. فدعوا الادعاء جانباً، فإن الوقائع هي ما أذكره. حسناً، فما هو الملاك في أننا نعتبر هذين الكيانين مخالفين أساسَين لنا في هذه المواجهة؟ وما هي هذه المخالفة؟ أنظروا إلى المخالفة تجدونها على نوعين: المخالفة البنيوية والمخالفة السطحية. السطحي منها ما يدور حول أرض أو قضايا تجارية أو بعض المسائل المتعلقة بالسياسات داخل الدول. أما البنيوي منها فهو الذي يرتبط بأصل الوجود، حيث لا تعترف إحدى الدولتين بوجود الأخرى. وهذا هو موقفنا بالنسبة للكيان الصهيوني. فنحن لا نعترف بوجوده، ونعتقد أنه كيانٌ مختلق مفروض وهو عارضٌ قبيح على طبيعة منطقة الشرق الأوسط، عارضٌ لا شك سيزول، لا شك بتاتاً بأنه لن يبقى. وعلى كل حال فنحن نعارض هويته ووجوده. وذاك الكيان يخالف أصل وجود النظام الإسلامي. إذا كانت إيران تحت حكم نظام طاغوتي فإنهم يحبونها، ولكنهم يخالفون النظام الإسلامي بشدة. وهذه هي المخالفة البنيوية.

 

وفيما يتعلق بأمريكا: فإن نظرة الولايات المتحدة الأمريكية إلى النظام الإسلامي هي نظرة رفض الوجود، ونحن قد فهمنا هذا الأمر بشكل تام على مرّ السنين. نعم هم يقولون خلاف ذلك وإن علينا تغيير مسلكنا فقط، وتغيير السلوك الذي يطالبون به، وإن لم يصرّوا عليه دائماً، فإن معناه نفي الهوية. يعنون بذلك أن ذلك السلوك الأساس الذي يُعدّ مَعْلمَ إسلامية النظام يجب أن يتبدل. ونظرتنا نحن إلى أمريكا هي رفض وجودها الاستكباري، أما أمريكا كنظام ودولة فهي كغيرها من الدول.

 

415


346

خطاب الولي 2010

إن استكبارية أمريكا وهيمنتها وتعاظم قوتها أمرٌ مرفوضٌ برأينا. ونحن لا نقبل به. وهذا ما يُعدّ خلافاً بنيوياً. ومثل هذا الخلاف البنيوي يكون أحياناً ناشطاً وفي بعض الأحيان ساكناً. فمن الممكن أن يكون مثل هذا الخلاف البنيوي موجوداً بيننا وبين بعض الدول الأخرى، ولكنه لا يكون ناشطاً، فلأسباب عدّة يكون خامداً، نتيجة ما لديهم ولدينا من مبررات. أما الخلاف الموجود بيننا وبين أمريكا فهو خلافٌ ناشط. وهذا ما أضحى جبهة مخالفة. ومثل هذه الجبهة المخالفة نراها تتحرك ضمن مسار من الضعف والتراجع. أي إننا إذا قارنّا الوضع بما كان عليه قبل ثلاثين سنة من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفوذ والحضور الذي كانت تتمتع به في العالم، فسوف نرى بوضوح أنه تراجع وضعُف. وفي هذا الخصوص دوّنت بعض الموارد: فالجبهة التي تواجهنا فاقدة تماماً للدعم الشعبي في العالم، أي إنكم لن تجدوا أية دولة يؤيد شعبها نظام الولايات المتحدة الأمريكية أو الكيان الصهيوني الغاصب. حتى في تلك الأماكن أو البقاع التي تدافع حكوماتها عنهما بشدة، فإن شعوبها تخالفهما، مع أن أكثرهم غير مسلمين. وقد شاهدتم اليوم في الجرائد خبر سفر رئيس الكيان الصهيوني إلى إحدى الدول الأوروبية حيث اجتمع الناس بالآلاف ـ هذا ما ذكرته الأخبار ـ وقالوا له إرحل من هنا! والوضع مشابهٌ في كل مكان، فأينما ذهبوا يكون الأمر كذلك. فهم لا يتمتعون بأي دعمٍ شعبي. والكيان الصهيوني معروفٌ حاله. أما النظام الأمريكي فمع كل ما لديه من قدرة ونفوذٍ سياسي وإستعمالٍ للقوة فإن وضعه كذلك. وبالإضافة إلى هذا، فإن الجبهة المقابلة لنا مبغوضة بين الشعوب، لا إنها تفتقد إلى تأييد، بل إنها مبغوضة: فيُحرق علمهم وصورهم ويُداس على الدمى التي تمثّلهم. هذا هو وضعهم.

 

وها هم يعيشون مرارة تجربة الأحداث العسكرية الأخيرة التي تسببوا بها. فأمريكا تعاني من مرارة التجربة في أفغانستان وفي العراق. قد فشلوا. وفي قضية فلسطين لم تصل أمريكا بمساعيها السياسية إلى أية نقطة. لقد فشلوا. أما الصهاينة فإن كراهيتهم وهزيمتهم في حرب الـ 33 يوماً وفي هجومهم على غزة مما أضحى علنياً وواضحاً للجميع.

 

 

416


347

خطاب الولي 2010

كما أن الجبهة التي تقابلنا تعاني من وضعٍ اقتصاديٍ سيئ. فبالرغم من جميع المساعي التي بذلوها، لم يتمكنوا لحد الآن من حل الأزمة الاقتصادية السيئة والركود الاقتصادي الخانق. وبالطبع فإنهم يعلنون عن أشياء، ولكن كلا، ولحد الآن لم يُنجز أي شيء بشكل صحيح، فلا زالوا تحت وطأة الضغط الاقتصادي. والتدابير التي اتخذوها ـ ضخ السيولة المالية الهائلة في المراكز المالية ـ لم تؤدِّ إلى أي إنعاش، فلا زالوا يعانون من وضع اقتصادي وخيم.

 

وفي سياساتهم المتعلقة بالشرق الأوسط سواء في فلسطين أو في سوريا أو في لبنان فقد باؤوا بالفشل. فالأخطاء الفاحشة التي ارتكبوها جعلت مسؤوليهم عاجزين عن اتخاذ القرارات وجعلتهم في وضع من الحيرة. وفي الحقيقة، إن الأمريكيين اليوم لا يعرفون ماذا ينبغي أن يفعلوا في أفغانستان وماذا سيفعلون. فإذا خرجوا من أفغانستان، ستعاني سمعتهم ومصيرهم من الشؤم، وإذا بقوا فيها سيلحق بهم شكلٌ آخر من الفشل وسوء العاقبة. ونفس هذه القضية فيما يتعلق بالعراق تقريباً، فلا يعرفون ماذا ينبغي أن يفعلوا. فإذا تدخلوا وبذلوا المساعي فإنهم لن يصلوا إلى أي شيء، وثقة مسؤوليهم بالنفس هي اليوم أقل بكثير من السابق، فإذا قارنّا أمريكا اليوم بأمريكا في عهد ريغن في بداية الثورة، لا نجد ما كان حينها من الثقة بالنفس وكذلك ما يتعلق بالاقتدار والنفوذ. العدو يسير في خط نزولي وهو اليوم في موقف ضعيف. والظاهرة الثانية على العكس. فالجمهورية والنظام الإسلامي يتحركان على مسار تصاعدي، والمؤشر يشير إلى الأعلى، وهذا الأمر يحصل في جميع القطاعات، فلدينا وضع ممتاز على صعيد التطوير. ومنذ مدّة نقلت في أحد اللقاءات إحصاء نقلاً عن مؤسسات أجنبية وقلت إن معدّل التطور العلمي في إيران يبلغ 11 ضعف المعدل العام في العالم، وهذا يمثّل أمراً مهماً جداً. وبالطبع فلا يعني هذا أننا قد بلغنا في التطور العلمي مستوى الدول المتطورة، كلا بل إنه يعني أن تحرّكنا يسير باتجاه الأمام وهو تحرّكٌ متسارع، ومثل هذا الأمر يُعدّ شيئاً كبيراً وخبراً عظيماً لأي شعب. ولو استمرّ هذا التطوّر، فلن يمرّ وقتٌ إلا ويكون شعبنا وشبابنا قد وصلوا إلى المستويات التي ينبغي أن نحققها. في المجالات العلمية الأمر على هذا النحو، وكذلك في المجالات

 

417


348

خطاب الولي 2010

التقنية، والأمر كذلك على صعيد الصناعات داخل البلد. لقد قدّم رئيس الجمهورية المحترم الآن أرقاماً وهي أرقامٌ صحيحة في مجال الصناعات وفي مجال الطاقة والنقل وغيرها من القطاعات، هناك إنجازات مهمة، فمقارنة مع بداية العمل قبل ثلاثين سنة، بل حتى قبل عشرين سنة فإننا اليوم قد تقدمنا كثيراً. لكن التطور لم يكن منحصراً في المجالات المادية، ففي المجالات الاجتماعية والمعنوية الأمر على هذا المنوال.

 

ونحن اليوم نتمتع بمعنويات عالية. وشبابنا مندفعون. وميداننا السياسي ميدانٌ مفعمٌ بالنشاط والحيوية. وعندما تجري الانتخابات يشارك 40 مليوناً، وينتخب 25 مليوناً، وهذه أمورٌ في غاية الأهمية، وهي ظواهرٌ مهمة. أجل، جرت أحداثٌ مرّة على إثر الانتخابات، ولها أسبابها. فوراء كلٍّ من هذه الأحداث سبب، لكن أساس هذا الحضور الشعبي يُعدّ شيئاً عظيماً وتطوراً ملحوظاً، والمخالفون كانوا يتوقعون أنه بعد مرور ثلاثين سنة على الثورة، ونحن نجري الإنتخابات تلو الانتخابات، فإن الانتخابات في بلدنا سوف تخبو في نظر شعبنا فيفقد حماسه واندفاعه إليها، لكن الأمر لم يكن كذلك، فقد كانت إنتخابات جادة وكان الحراك عمومياً، وهذا من التطور.

 

ودعم نظام الجمهورية الإسلامية بين الدول لا نظير له، فأينما سافر مسؤولون رفيعون يُستقبلون بحفاوة شعبية وتهليل، ولا يوجد مثل هذا الأمر عند أية دولة. ومثل هذا ليس مختصاً بيومنا فقد كان منذ بداية الثورة. فأينما سافر مسؤولو البلد استُقبلوا بالترحاب، ورؤساء الجمهورية يلاقون حفاوة شعبية في دول لا تجمعنا بها مشتركات اللغة والعرق والجغرافيا، فيتجمهر الناس ويظهرون محبتهم. الدعم الشعبي لنظام الجمهورية الإسلامية إذا لم يكن اليوم أكثر من ذي قبل فهو ليس بأقل.

 

إن أملنا بالمستقبل هو أملٌ مفعمٌ بالازدهار والتقدم. لم نكن نأمل أن نتمكن من تحقيق هذه الإنجازات بهذه السرعة. فالله تعالى تفضّل.. وشبابنا اليوم ينجزون أعمالاً في المجال العلمي والتقني كانت بالنسبة لنا ولأولئك الذين كانوا يخططون للآتي من 25-15 سنة بعيدة التحقق. وهذا ما يزيد من الأمل بالمستقبل، أملنا كبيرٌ جداً. وتجارب السياسية تُعدّ تجارباً ناجحة. فنحن بعكس الجبهة المقابلة التي ابتُليت تجربتها في الشرق الأوسط وفي العراق وفي أفغانستان وفي مختلف المناطق بالهزيمة،

 

418


349

خطاب الولي 2010

أينما حللنا حصلنا على تجارب ناجحة. وفي هذه البقاع التي ذكرتها كانت لنا نجاحات على مستوى تدخّل الجمهورية الإسلامية وعملها بتكليفها ومواقفها وإقداماتها. هذا ما يعترف به الجميع. وخصومنا منزعجون جداً من هذه الجهة. وإحدى نجاحاتنا هي أن أعداءنا اليوم محاصرون ضمن سجن الكراهية عبر العالم، فهاتان الظاهرتان بارزتان، ومنحنى الجبهة المضادة يشير إلى الأسفل، ومنحنانا منحنى تصاعدي. هكذا عندما تقومون بالمقارنة وتنظرون إلى جميع قضايا البلد بهذه النظرة، يمكنكم أن تحللوا بشكل صحيح.

 

وبالطبع، فنحن نجري عملية تفكير وتحليل حول هذه المواجهة ونتخذ تدابير ونخطط. وهكذا يفعل العدو الذي يخطط للجمهورية الإسلامية ما ينبغي أن يفعله ويوجهه من ضربات. فالعدو لديه خطط فيما يتعلق بمواقف الهجوم ومواقف الدفاع، ونحن لدينا خطط لمواجهة هذا العدو. وعلينا جميعاً أن نفهم هذه الأمور وأن نتحرك كرجل واحد في ساحة العمل، مثلما كان الأمر بحمد الله إلى يومنا هذا.

 

وأشير إشارة عابرة إلى ما يقوم به العدو. فبرامجه هي: الضغوط الاقتصادية والتهديد العسكري والحرب النفسية للتأثير على الرأي العام سواء داخل البلد أو على مستوى العالم، فهذه أعمالهم التي يقومون بها. إيجاد الزعزعة السياسية والتخريب في الداخل. ولا شك أن هناك في الداخل مراكز تستلهم من العدو وتوجيهاته، وتعمل على هذا الأساس، ﴿وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰٓ أَوۡلِيَآئِهِمۡ لِيُجَٰدِلُوكُمۡۖ﴾[1]، ولا شك بوجود مثل هذه المراكز. إلى جانب كل هذه التحركات لا يسحب الأمريكيون شعار التفاوض! فرغم هذا الحظر بأشكاله، والعقوبات الأحادية والقرارات والتهديدات العسكرية ومع ذلك يعرضون علينا التفاوض. تراهم يكررون حيناً بعد حين أنهم مستعدون للتفاوض مع إيران! حسناً هذه هي إجراءات الجبهة المضادة، إجراءات أعدائنا ليس فيها من جديد. وبرأيي إن النقطة التي ينبغي الإلتفات إليها هي أنه ما من جديد في كل هذه الأمور مما لا تجد له سابقة. فالحظر له سابقة تمتد عبر 31 سنة، وكذلك التهديد العسكري

 

 


[1] سورة الأنعام، الآية 121.

 

419


350

خطاب الولي 2010

في جميع المراحل التي سبقت هذه المرحلة.

 

هنا أقول لكم وأنا أعلم أكثر من أي شخصٍ: في عهد رئاسة كلينتون كان التهديد العسكري شديداً إلى درجة أن رئيس جمهوريتنا المحترم في ذلك الوقت كان يقول لي غالباً فلنفكر ولنفعل شيئاً، من المؤسف أن يشنوا هجوما يدمّر كل ما أنجزناه، فاحتمال الهجوم لم يكن ضعيفاً، بل كانوا يهددون ويصرّحون بذلك. وفي نفس ولاية رئاسة الجمهورية قبل الدورة التاسعة كانت التهديدات العسكرية تصل إلى درجة من الشدة والتكرار من جانب العدو زعماً منه أنه سيُوجِد رعباً في المسؤولين. وحينها جرت اجتماعات لا زلت أحمل منها الكثير من الذكريات، ولديّ ملاحظات دوّنتها عن تلك المرحلة. كان التهديد العسكري دائماً، ولم يمر زمن لم يكن فيه مطروحاً.

 

كانت الدعايات المضادة منذ بداية الثورة. وقد قاموا بكل ما أمكنهم من أجل محاصرة من في الداخل بالتهم، بدءاً من شخص الإمام وحتى الشعب. وتجمعات الناس، وصلاة الجمعة، فأهانوا وطعنوا بكل شيء في دعاياتهم وإعلامهم العالمي المدعوم بالإمكانات الهائلة، لم يكن الأمر لينحصر بيومنا هذا، هو موجودٌ الآن حتماً، لكنه لم يكن في الماضي أقل من اليوم، بل يوجد بضع المحطات التي كان فيها أشد.

 

أعمال التخريب في الداخل، ليست وليدة اليوم. فقبل سبع سنوات وبعد ما جرى في العراق ـ هجوم المحتلين ـ حدثت اضطرابات في طهران استمرت لعدة أيام. فتلك المرأة السمراء مستشارة الرئيس الأمريكي التي أضحت فيما بعد وزيرة خارجيته قالت بصراحة: إننا ندعم أي اضطراب وتحرّك تصعيدي في طهران. كانوا مؤمّلين وتصوروا أن حادثة تجري في طهران سيوصلهم إلى ما يريدون وهذا يعود إلى ما قبل سبع سنوات. وقبلها حدث ما يشبه هذا الأمر تقريباً مثلما حدث لاحقاً، لقد شاهدتم من أحداث العام الفائت نظائر وأشباهاً، والكل يذكر هذه الأمور. فلقد عاينتم وشاهدتم. وما هو موجودٌ اليوم على شكل تهديد ليس بجديد. ولي كلمة فيما يتعلق بكل واحدٍ من هذه الموارد.

 

أما فيما يتعلّق بالمفاوضات، سأتحدث هنا بشكل أكثر إيجازاً، فلا بأس من الحديث عن التفاوض. فهذا الاقتراح ولا شك ليس جديداً. ففي السابق أيضاً كانت الإدارات

 

 

420


351

خطاب الولي 2010

الأمريكية تقترح علينا التفاوض، وكنا نرفض ذلك دائماً. وهنا بالطبع توجد مبررات، ولكن المبرر البارز هو أنّ التفاوض في ظل التهديد والضغط لا يُعدّ تفاوضاً. فمن جانب يهدّدون كقوة عظمى ويمارسون الضغط والحظر ويظهرون قبضة حديدية ومن جانبٍ آخر يقولون: حسناً، فلنجلس على طاولة المفاوضات! هذا التفاوض ليس تفاوضاً. ونحن لا يمكن أن نتفاوض مع أي أحدٍ بهذه الطريقة. وأمريكا كانت دائماً تأتي إلى التفاوض بهذا الوجه. ولدينا تجربتان قصيرتان: إحداهما المفاوضات حول قضايا متعلقة بالعراق حيث قلت في حديثٍ عام إننا نقبل هذه المفاوضات وذهبنا إليها، والثانية كانت في الحكومات السابقة حول قضية أرسل لنا الأمريكيون أنها قضية أمنية مهمة، وقد شاركت الحكومة في ثلاثة لقاءات. وعادة الأمريكيين في التفاوض هي أنهم عندما لا يستطيعون مواجهة ما يقدمه الطرف الآخر من دلائل محكمة ولا يكون لديهم أدلة مقبولة ومنطقية فإنهم يستخدمون التهديد. ولأن التهديد لا يؤثر في الجمهورية الإسلامية فإنهم يعلنون من جانبٍ واحد إيقاف المفاوضات! فأي تفاوض هو هذا؟ هذا ما لدينا من تجربة.

 

ففي كلا الحالين كان الأمر كذلك. وبالطبع فإنه فيما يتعلق بالمفاوضات الأولى كنتُ أتوقع هذا. فقد كنت أرى من خلال طريقة التفاوض المسار الذي يسلكونه، كانوا يرسلون لي تقاريرها، وقد اجتمعوا لمرّتين أو ثلاث. وأنا قلت لوزارة الخارجية آنذاك أن يوقفوا المفاوضات. وما إن هممنا بذلك حتى كانوا قد اتخذوا القرار من جانبٍ واحد، وها هم كذلك.

 

لهذا عندما يقول رئيس الجمهورية المحترم وغيره إننا مستعدون للتفاوض فنحن كذلك، ولكن ليس مع أمريكا. وسبب ذلك أن أمريكا ليست صادقة في التفاوض بشكل طبيعي، بل تريد أن تدخل إلى المفاوضات كقوة عظمى. ونحن لا نفاوض من يظهر لنا وجه القوة العظمى. فليدعوا هذا جانباً وليتركوا التهديد والحظر، ولا يشترطوا للتفاوض هدفاً أو نهاية محددة يجب أن يصل إليها. وقد أعلنت قبل عدّة سنوات في مدينة شيراز أننا ما أقسمنا على عدم التفاوض إلى الأبد، وإنما لا نفاوض بسبب هذه الوضعيات، ولأنهم ليسوا جديين في المفاوضات، بل يريدون أن يفرضوا سلطتهم

 

 

421


352

خطاب الولي 2010

مثل ذلك (القبضاي) الذي يدخل إلى الدكان يريد العسل، فيسأل صاحبه: بكم هذا؟ فيقول له صاحب الدكان مثلاً: مئة تومان، فيأخذ بيده ويضغط عليه، فيقول ذلك الرجل المسكين خوفاً وتحت الضغط: حسناً، قل أي سعر تريده، فيقول له: ثلاثون توماناً، فيجيبه: حسنا، هذا جيد!.. هذه ليست مفاوضات، وهذه ليست مقايضة. إذا استطاعوا أن يضغطوا على يد الآخرين فسيجبرونهم على التنازل من مئة تومان إلى ثلاثين توماناً، كلا، إن الجمهورية الإسلامية لن تخضع لهذه الضغوط، وسوف تردّ بطريقتها على كلٍّ منها. فلا يمارسوا التهديد ولينزلوا من سلّم القوة العظمى الذي أضحى سلّماً مهترئاً، وعندها لن يكون من مشكلة، ولكن ما دام الأمر كذلك فلا يمكن أن نقبل.

 

أما في الملف النووي، فإن إدارة إنتاج الوقود هي من حقّنا، ولن نتنازل عن هذا الحق، أو نرفع اليد عنه، فهو حقنا ونحن نريد أن ننتج الوقود. فنحن بحاجة إلى الوقود النووي لإنتاج آلاف الميغاواط. ويجب أن يكون هناك مفاعلات. وتغذيتها ينبغي أن تُنتج في الداخل. ولو كان القرار بأن نتوسّل إلى الخارج لتأمين وقودها ونحتاج إليه فلن تسلك أمور الدولة، وينبغي أن يتمكن الداخل من إنتاج ذلك بنفسه. لهذا فهو حقنا وسوف نسعى إليه. وهم يقولون في الرد إن إيران تحتاج إلى الوقود النووي ونحن نؤمّنه لكم، فلنؤسس بنكاً عالمياً لتأمينه وما شاكل. وهذا الكلام، كلامٌ فاقدٌ للمعنى والمبرّر. فقد علمنا في محادثات تبادل وقود الـ 20% كم هم صادقون(!)، كنا نحتاج لهذا الوقود الـ 20% لتغذية المفاعل الصغير والتجريبي، وهذا أمرٌ عاديٌّ وهو يحصل في العالم، ونحن قد أخذنا منه قبل عدّة سنوات -قبل 16-15 سنة- فقد اشتريناه ولم يكن هناك من مشكلة. فبمجرد أن شعروا بأن إيران تحتاج إليه بدأوا بالتلاعب وحوّلوا الأمر إلى قضية. وهذا الأمر برأيي خطأٌ كبير ارتكبته أمريكا والغرب، فقد أخطأوا فيما يتعلق بقضية الوقود 02%.

 

فبعملهم هذا شجّعونا أولاً على الحصول عليه بأنفسنا. ونحن لم نكن بهذا الوارد، ولم يكن لدينا قرار بإنتاج اليورانيوم المخصّب بنسبة 02%، فقد كنا نكتفي بثلاثة ونصف بالمئة ولكنهم بهذا الفعل شجعونا وعلّمونا أن نسعى إليه، وقد سعينا. كان

 

 

422


353

خطاب الولي 2010

هذا هو خطأهم الأول. والخطأ الثاني أنهم أثبتوا للعالم كلّه أن أمريكا ومن يستطيع إنتاج هذا الوقود لا يمكن الوثوق به عند من يريد أن يحصل عليه، فما إن يصبح مورد احتياج حتى تبرز كل ادعاءاتهم لتظهر لائحة الشروط، فيقولون: أيها السيد! يجب عليك أن تلتزم بهذه الشروط حتى يمكننا أن نعطيك هذا الوقود، وهذه ليست مقايضة.

 

لهذا فلا منطق لهم في الملف النووي. ونحن قد وجدنا طريقنا وها نحن نسير عليه وبمشيئة الله سنمضي على هذا الطريق. وفيما يتعلق بالتهديد العسكري، حيث نستبعد أن يرتكبوا مثل هذه الحماقة، إذا نفّذوا تهديدهم هذا فليعلم الجميع أن ميدان هذه المواجهة لن ينحصر بمنطقتنا بل سيكون أشمل. وفيما يتعلق بالدعاية الأمريكية ضد الجمهورية الإسلامية فهي برأيي أكثر الأشياء بعداً عن الحق من بين ما يفعلونه، لأن أسوأ ناقضٍ لحقوق الإنسان هو الأمريكيون أنفسهم، وهذا الأمر في الواقع كذلك. فعندما تكون مصلحتهم في البين تصبح أرواح الناس مهما بلغت بلا قيمة ولا يعترفون لهم بأي حق. وعندما يصل الأمر إليهم يبدأون بالمطالبة.

 

ففي هذا الهجوم الذي قام به المحتلون على العراق وفي البصرة ألقوا قنابل تزن عشرة أطنان وهي ما يُطلق عليه الأمريكيون أنفسهم إسم أم القنابل. 10 أطنان! لقد قتلوا الكثير من الأبرياء والمدنيين، الأطفال، والنساء، في البصرة وكذلك في أماكن أخرى. وفي تلك الأيام عندما سقط بعض الطيارين الأمريكيين وجاء بهم النظام العراقي البعثي إلى التلفزيون لإجراء مقابلات، علا صراخ الأمريكيين وقالوا إن هذا مخالفٌ للشرائع الدولية، فلا ينبغي الإتيان بأسير حرب إلى المقابلات الإعلامية! هكذا هو الأمر: التعامل بازدواجية والحكم بازدواجية.

 

فالأمريكيون هم أكبر ناقضٍ للديمقراطية، ففي العديد من الأماكن قام الأمريكيون بتخريب نتائج انتخابات شعبية واضحة. ومنها ما حصل في غزة ـ حكومة حماس ـ وهناك نماذج أخرى سابقة في أماكن متعددة لا أريد أن آتي على ذكرها. فهم أسوأ البشر. بيد أن هذه أمورٌ حاصلة.

 

ما ينبغي أن نلتفت إليه هو أن هذه الهجمات والعداوات ليست جديدة.

 

 

423


354

خطاب الولي 2010

والجمهورية الإسلامية اتّخذت تدابير لمواجهة كل هذه الأمور. ففي مواجهة الحظر لحسن الحظ اتخذ المسؤولون تدابير محكمة جداً وجيدة. وقد طلبت من رئيس الجمهورية المحترم أن يأتي المختصون بالاقتصاد ويقدّموا تقريرهم، فجاؤوا وتحدّثوا فيما يتعلق بقرارات مجلس الأمن ـ بشأن الحظر ـ والعقوبات الأحادية من جانب أمريكا وأوروبا وذكروا التدابير التي هي صحيحة جداً، فهنا يوجد أعمال ممتازة وبمشيئة الله فإن المسؤولين مصمّمون على أن يبدّلوا هذا الحظر إلى فرصة. وهذا ما ينبغي أن يكون في الواقع: أي أن يتبدل إلى فرصة.

 

يجب علينا أن نزيد الإنتاج الوطني ونقوّيه، وأن نعتاد على استهلاك المنتجات المحلية، وأن تحسِّن جودتها، وبالطبع هذا يقع على عاتق المسؤولين في هذا المجال، وكذلك المشرّعين عليهم مسؤوليات جسيمة. كنت أوصي الحكومات المتعاقبة فيما يتعلق بقضية إدارة الواردات والآن أؤكد عليها، لا أقول إن علينا إيقاف الاستيراد، ففي بعض الحالات لا بد منه، ولكن يجب أن يكون ضمن إدارة وتدبير. ففي بعض الحالات لا ينبغي أن يكون هناك أية واردات وفي بعض الحالات تكون لازمة، ومن خلال إدارة محددة تجري عملية الاستيراد. وبالطبع، فإن مسؤولي الحكومة المحترمين قد قالوا لي إن القوانين التي أقرّها المجلس لا تسمح لنا بأن نقف بوجه الاستيراد، وأنا أرجو أن تُحلّ هذه القضية. فلو كان هناك في الواقع تشريع يمنع الحكومة من الحد من الواردات، فينبغي إصلاحه بحيث يجري ضمن إدارة محددة، ويرتفع مستوى الإنتاج الوطني.

 

ينبغي أن تُتخذ التدابير الحكيمة في هذه المجالات. والتعقل مهمٌّ جداً. العقلانية في اتخاذ القرارات لها أهمية فائقة. القرار الحكيم والشجاع، الحكمة، لا ينبغي أن تُخلط بالخوف والفرار والانسحاب بل ينبغي أن تكون ملازمة للشجاعة. الأنبياء كانوا أكثر الناس تعقلاً. وقد ورد في حديثٍ عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "ما بعث الله نبياً ولا رسولاً حتى يستكمل العقل"[1]. ولكن نفس هذا النبي قد مارس الجهاد كثيراً

 

 


[1] الطبرسي، الشيخ علي بن الحسن‏، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، المكتبة الحيدرية، العراق - النجف، 1385ه‏، ط2، ص251.

 

424


355

خطاب الولي 2010

والمواجهة وتقبل المخاطر، فالشجاعة ينبغي أن تتلازم مع العقلانية، بالعزم الراسخ وبدون تزلزل وبرؤية بعيدة المدى وبالحفاظ على الاتحاد والتآلف.

 

إنني أعتمد على الاتحاد. فالاتحاد والتآلف بين مسؤولي البلد يُعدّ فريضة. وتعمّد مخالفة ذلك يُعدّ اليوم خلاف الشرع وخاصة في المراتب العليا، فعلى الجميع أن يلتفتوا إلى هذا الأمر. فالعدو يستفيد من الاختلافات الصغيرة لاختلاق قضية كبيرة، فلا تسمحوا بذلك. ولا ينبغي أن يتحول أي اختلاف بين مسؤولين أو جهازين إلى كارثة، كلا، فمن الممكن في النهاية أن يكون للمجلس في مجالٍ ما توجهٌ خاص ويكون للحكومة توجه آخر، حيث تختلف آراؤهم وسلائقهم، وهذا ليس بالكارثة. ولكن أن نبدّل هذه الاختلافات إلى صدعٍ لا يُشعب وجروح لا تُعالج فهو خطأٌ كبير جداً.

 

وقد طلبنا قبل مدة من مجلس الصيانة المحترم أن يعقد جلسة لتشخيص الموارد الخلافية بين الحكومة والمجلس ويحدد صلاحيات كل سلطة لكي يتحقق الفصل بين السلطات والذي يُعدّ من أصول الدستور. حفظ الاتحاد، التمسك بالأصول، التطبيق الكامل للأصول، وهذا ما كان إمامنا العظيم يوصي به دائماً. الالتفات إلى خدع العدو وعدم اللعب وفق خطته. فمن الأمور التي يقوم بها العدو القضاء على ثقة الشعب بالمسؤولين. وعلينا أن نحرص على أن لا نتفوّه بكلمة تسلب ثقة الناس بمسؤولي الحكومة والمسؤولين القضائيين ومسؤولي السلطة التشريعية، لأن مثل هذا خلاف الحق، وهذا ما يريده العدو. لا ينبغي أن نفعل ذلك بأنفسنا. إنني أرى أحياناً كيف أنه يتم تسفيه الأرقام والإحصاءات التي تُعرض من غير مبرر أو توجيه، فلماذا؟ لماذا يتم الخدش في الإحصاءات بلا طائلٍ أو سبب؟ هذه الإحصاءات يقدّمها جهازٌ مسؤول وكلامه مسموع. وأشياء من هذا القبيل تؤدّي إلى زعزعة الثقة وإيجاد اليأس.

 

والالتفات إلى القدرة الإلهية وصدق الوعد الإلهي، الذي يُعدّ أساس جميع الأعمال، أن نثق بوعد الله. الله تعالى لعن أولئك الذين يسيئون الظن به وبوعده ﴿وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ

 

 

425


356

خطاب الولي 2010

ٱلسَّوۡءِۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَلَعَنَهُمۡ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا﴾[1]، ويقول الله تعالى:

﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ﴾[2]، ﴿وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ﴾[3] فسيروا على طريق الله، والله يعينكم. وهذا ليس مجرّد وعد إلهي. فلو كنا أشخاصاً قساة، وعمي القلوب لا يمكننا أن نؤمن بوعد الله، وقد علّمتنا تجاربنا هذا الأمر. فمن كان يحتمل أن يحدث  مثل هذا الأمر في البلد قبل أربعين سنة بدءاً من أبناء الثورة الأساسيين وأصدقائها ومؤيديها وأعدائها؟ واقعة بمثل هذه العظمة، وبناء يُشاد بهذه الرفعة؟ من كان يحتمل ذلك؟ ولكنه حصل، وذلك بفضل التوكل على الله تعالى والعزم الراسخ وعدم الخوف من الموت والهزيمة والتقدّم باسم الله والتوكل على الله. وسوف يكون الأمر على هذا المنوال فيما بعد.

 

اللهم، بمحمد وآل محمد أنزل رضوانك ورحمتك ومغفرتك على روح إمامنا العظيم الذي أخذ بأيدينا في هذا الطريق.

 

اللهم، اجعل شهداءنا الأعزاء في الدرجات العلى.

 

اللهم، بلّغ شعب إيران أمانيه الكبرى وأوصله إلى أهدافه العظمى.

 

اللهم، اقطع أيدي الأعداء عن هذا الشعب وهذا البلد.

 

اللهم، اشمل برحمتك وبركتك وتوفيقك خدّام هذا النظام، أولئك الذين يخدمون هذا الشعب بإخلاص ومحبة.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


[1] سورة الفتح، الآية 6.

[2] سورة الحج، الآية 40.

[3] سورة البقرة، الآية 40.

 

426


357

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء الطلبة الجامعيين وممثلي

الاتحادات الطلابية في الجامعات

 

 

 

         

المناسبة:   حلول شهر رمضان المبارك

الحضور:  الطلبة الجامعيون وممثلو الاتحادات الطلابية في الجامعات

المكان:   طهران ـ حسينية الإمام الخميني قدس سره

 

الزمان:    01/60/9831هـ.ش.

12/90/1341هـ.ق.

32/80/0102م.

 

 

427

 

 


358

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ليس عندي الآن سوى كلمة الترحيب بجميع شبابنا الأعزاء، الجامعيين الأعزاء، أبنائي الذين شرّفونا هنا، وللمحترمين الذين نفّذوا البرامج أشكركم. وقد سررت كثيراً من عنوان (الضباط الشباب) الذي كررتموه وهو ما أعتقد به بشدّة. وإن شاء الله تكون كلمة هؤلاء الشباب الأعزاء حول الضباط الشباب ظاهرة وواضحة للعيان أمام ناظري هذا العبد الحقير وسائر المشاهدين.

 

أشكر الله تعالى أن وفّقنا وأعطانا عمراً لنشارك مرّة أخرى في هذا اللقاء المليء بالنشاط والاندفاع في شهر رمضان. وفي كل سنة يكون لدينا مثل هذا اللقاء، وأقول لكم إنه أكثر اللقاءات عندي.

 

أولاً، إنني أستفيد مما يذكره الإخوة والأخوات الجامعيون، فما ذُكر لي من مطالب كان جديداً استفدت منه، بالإضافة إلى أنه في بعض الأحيان هناك اقتراحات نعكسها ونوصلها إلى الأجهزة المعنية. واعلموا وكونوا على ثقة أنه تتم متابعتها بقدر الطاقة والوسع، فلا يُتصوّر أن ما يُقال يبث في الأرجاء وينتهي، فإن كلّ موضوع تتم متابعته على حِدة ـ بمقدار ما يقع مورد تأييدنا وتصديقنا ـ وهو في الغالب كذلك. حسناً، إن اللقاء اليوم كان عذباً طيباً، وقد جاء الشباب الأعزاء وذكروا مطالب في جميع المجالات. أولاً، كان هناك بين هؤلاء الإخوة والأخوات اختلافٌ في الآراء وهو بنظري مشوّقٌ جداً، هذا بذاته جيّدٌ. فطرح الآراء المختلفة في المجال الواحد مع أدلتها ومؤيداتها يمثّل مجالاً للتفكير والتعمّق والغوص للوصول إلى الحقيقة.

 

فلا تتوقّعوا الآن أن أدلي بكلام قاطع بشأن الأمور التي هي موضع خلاف أو سئلت عنها ـ وهي اختلافات وجهات النظر الموجودة في الجامعة ـ ليكون كلامي بذلك فصل الخطاب، كلا، بالطبع، هناك موارد يلزم فيها فصل الخطاب حيث على القائد أو من

 

429


359

خطاب الولي 2010

هو في موقع فصل الخطاب أن يتحدث، ولكن هذه الأمور ليست من هذا المورد، فهي مطالب في أغلبها لا تحتاج إلى فصل الخطاب.

 

هناك اختلافٌ في الرأي، حسناً، فليكن، فما العيب في ذلك؟ لقد قلت في ذلك اليوم لمسؤولي الحكومة عندما كانوا هنا، إنه إذا كان في موردٍ خاص اختلافٌ في الرأي فهذا ليس كارثة، ما العيب في ذلك؟ في بعض الأحيان يكون البحث فيما إذا كان علينا أن نطلق النار على العدو أم لا، وهنا يكون الاختلاف في الرأي مشكلة. لكن في بعض الأحيان لا يكون الأمر كذلك، كما في القضايا النظرية أو القضايا الاجتماعية العامة، فمثل هذا الاختلاف في الآراء بنظري مشوّقٌ، وأنتم كشباب ينبغي أن تتوقوا لهذه الآراء المختلفة والاستدلالات المتنوعة أكثر من توق من يكون في سنّي من مرحلة الشيخوخة.

 

لقد دقّقت وطالعت في الكلمات التي ذُكرت اليوم، ورأيت أنها للحق والإنصاف متعمقة. في بعض الأعوام كان بعض الشباب يأتون ويتحدثون وكنت في داخلي أشكو بسبب افتقادها للعمق. أما اليوم فلم يكن الأمر كذلك، فقد وجدت الكلمات عميقة وذلك طبعاً بمعزل عن المجاملات وإظهار المحبة بالنسبة لي أنا العبد ـ حيث إن لها حساباً آخر ـ أما ما ذُكر كرأي فكان من أوله إلى آخره كلاماً عميقاً ومدروساً، دون أن يكون بالضرورة صحيحاً كلّه، كلا، ففيه الصحيح وفيه الضعيف، إلا أنه مدروسٌ بشكلٍ جيّد وجرت المطالعة بشأنه، وهذا أمر مهم. خصوصاً في الموارد التي كان الناطق يمثّل فيها جماعة ويتحدّث نيابة عنها، فهذا يدلّ على أنّ هناك حالة من الانسجام الفكري والعملي في التفكير وفيما يتعلق بالقضية وهو بدوره ما يُعدّ أمراً إيجابياً يجعل هذا العبد راضياً. فأحياناً تكون صاحب فكر فتعرض شيئاً ما يكون فكراً جيّداً، وهذا شيء حسن، ولكن ما هو أفضل أن تباحث مجموعة فيها الآراء المختلفة، ثمّ تعرض الحصيلة. وقد شاهدت نماذج من هذا الأمر، وخصوصاً في تلك الكلمة الناطقة بإسم أحد التشكيلات.

 

 

430


360

خطاب الولي 2010

حسناً، كان لقاء اليوم بنظري لقاء ممتازاً والشكر لله. وأشكر من جاء وتحدّث من الفتية والفتيات، كان جيداً جداً، ولديّ مطالب أذكرها بقدر سعة الوقت، لكن ما هو أعلى من بينها جميعاً هو أنكم أيها الشباب أصحاب قلوبٍ طاهرة غير ملوّثة. ولعلّكم لن تدركوا الآن عمق هذا الكلام وماذا يعني عدم التلوّث وأين يكمن بلاء القلوب الملوثة، فلأنكم الآن شباب فلن تدركوا معانيه، وعندما تبلغون عمرنا ستفهمون حينها معنى هذا البلاء، وترون مدى أهمية وقيمة صفاء القلب في مرحلة الشباب الذي لا يمكن أن يرجع أبداً.

 

اليوم هذا الرأسمال تحت تصرّفكم. وكلامي هو: صلوا القلب الصافي والطاهر مهما استطعتم بمنبع العظمة والحقيقة والجمال ـ أي ذات الباري المقدّسة تعالى ـ وقرّبوه. فإذا وُفّقتم فسوف تحصلون على حياة سعيدة إلى آخر العمر، وإذا لم توفّقوا فسوف يكون الأمر بعد عشرين سنة أصعب، وإذا لم توفّقوا حين تكونون قد بلغتم الأربعينات فسوف يكون الأمر بعدها بعشرين سنة أصعب بكثير، أي في عمرٍ أقل من عمري الآن. سيكون صعباً جداً. لا بمعنى أنه مستحيل ولكن صعب. فعلّقوا القلب بالله الآن. وطريق ذلك ميسَّر في الشرع المقدّس، وهو ليس عملاً معقداً ولا بحاجة إلى فك الرموز. عندما تنظرون إلى قمة الجبل من الأسفل وترون عليها أشخاصاً فإنكم لا تتخيلون أنهم ركّبوا أجنحة وصعدوا، كلا، فإنهم قد سلكوا مسيراً يبدأ من تحت أقدامكم ووصلوا. فلا نتوهّم ولا نتخيّل أنه يمكن الوصول إلى تلك القمم من خلال حركة خارقة وغير عادية، كلا، فأولئك الذين تشاهدونهم على القمم قد عبروا هذه الطرق. فما هي هذه الطرق؟ إنها بالدرجة الأولى ترك المعصية. وذكر هذا سهلٌ والقيام به صعبٌ، لكن لا بد منه. ترك الكذب والخيانة واجتناب الزلّات المختلفة على الصعيد الجنسي والشهواني، اجتناب المعاصي، وهذه أهم خطوة.

 

ثم يأتي بعد ترك المعصية أداء الواجبات، وأهمها الصلاة. "وَاعْلَمْ‏ أَنَ‏ كُلَ‏ شَيْ‏ءٍ مِنْ‏ عَمَلِكَ‏ تَبَعٌ‏ لِصَلَاتِك"[1]. فصلّوا الصلاة لوقتها بتوجّه وحضور قلبي. وحضور القلب أن

 


[1] السيد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، مصدر سابق، ص385.

 

 

431


361

خطاب الولي 2010

تعلموا ما تقولون، أن تعلموا أنكم تخاطبون أحداً. فلو روّضتم أنفسكم على هذه الحالة وتمكّنتم من تحصيل هذا التركيز فإن هذا يبقى معكم إلى آخر عمركم. وإذا لم تتمكنوا الآن من ذلك، كما قلت لكم، سيكون الأمر بعد عشرين سنة صعباً بل أشد صعوبة منه وبعد بعشرين سنة، ما لم يحصل حينها سيكون صعباً جداً جداً. فعوّدوا أنفسكم من الآن على تحصيل هذا التركيز أثناء الصلاة عندها ستتحقق تلك الصلاة التي ﴿تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ﴾[1]. و(تنهى) لا تعني أنها ستوجد بينكم وبين المعصية حائلاً وحاجزاً بل يعني أنها ستقول لكم دائماً لا تعصوا. حسناً، لو خوطب الإنسان كل يومٍ عدّة مرّات من داخله لا تعصِ، لا تعصِ، فإنه لن يعصي. هذه هي الصلاة. وأرزاق شهر رمضان عظيمة الفائدة، وكذلك مواجهة الجوع والعطش والحرّ والصعاب التي يمر بها المرء. الأنس بالقرآن ونهج البلاغة والصحيفة السجادية، والدعاء، والنوافل، وصلاة الليل، وكل ما يمكنكم أن تقوموا به بعد ذلك. اعرفوا قدر هذا القلب النوراني والطاهر الموجود فيكم، وهنا لا أريد أن أتحدث لكي أرضيكم، كلا، فشباب الدنيا لا ينحصرون بكم، بل هذه هي خاصّية الشاب. قلوبكم طاهرة. ولأن الأمر بالنسبة لكم غير قابلٍ للمقارنة، فلا يمكنكم أن تشعروا به. على مرّ الزمان تغطّي الابتلاءات والغبار والصدأ والأدران القلب. وفي رواية أن الإنسان عندما يرتكب معصية فإن نقطة سوداء تخرج في القلب ـ وبالطبع فإن هذا تعبيرٌ تمثيلي ـ وإذا ارتكب معصية ثانية يزداد ذلك السواد وإذا تمادى في الذنوب يغطي السواد القلب كله. وترجمة مفهومه العرفي هو ما ذكرته، أي إنكم الآن تمتلكون قلباً وروحاً مستعدة، ومع تزايد المعاصي والابتلاءات والمشاكل الكثيرة التي تبرز أثناء مسير الكفاح في الحياة ـ في السياسة والاقتصاد والمعيشة وتحصيل إمكانات الحياة ـ فإن المرء إذا لم يروّض نفسه من الآن فإن هذه الأمور تزيد من المصائب حتى تسوّد القلب. فكلامنا الأول والأساس هو هذا. وأنتم مثل أبنائي. ولو أردت أن أوصي أولادي الذين هم من صلبي ونسبي بأفضل وصية لقلت لهم ما ذكرته لكم.

 


[1] سورة العنكبوت، الآية 45.

 

432


362

خطاب الولي 2010

التفتوا إلى أن معظم الزلات ـ ولا أقول كلها ـ التي يقع فيها الإنسان في الميادين المختلفة ناشئة من عدم رعاية هذه النقطة الأساس والمهمة التي ذكرتها، حتى في ميدان الجهاد.

 

ففي معركة أُحد ـ وأنتم تعلمون مجرياتها ـ قصّر بعضهم فتسببوا بفاجعة. وإذا لم تكونوا قد قرأتم مجرياتها فهي موجودة في كتب التاريخ فاذهبوا وطالعوا حيث إنني لا أريد الآن أن أذكر تفاصيلها. والقرآن يقول بشأن أولئك: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ مِنكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ إِنَّمَا ٱسۡتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ بِبَعۡضِ مَا كَسَبُواْۖ﴾[1]، فيعني أن أولئك الذين رأيتموهم يعطون العدو ظهورهم وتسببوا بالفاجعة وأدّى ذلك إلى استشهاد حمزة سيد الشهداء وكبار الصحابة فإن زلّتهم التي تسبّب بها الشيطان كانت بسبب ما ارتكبوه سابقاً، أي معاصيهم. ولدينا آيات عديدة نظير هذه الآية في القرآن.

 

فعدم اجتناب المعصية سيظهر أثره في إدارة أمور البلاد إذا كنا نقوم بذلك، في إدارة قطاعٍ ما، أو إذا كنا في ميدان الحرب، أو إذا وقعنا في اختبار مالي واقتصادي. وعليه فإن هذا هو كلامنا الأساس. وباختصار أقول لكم إعرفوا قدر الشباب. ويعني ذلك أن تقدّروا نعمة القلوب الصافية، وأن تأنسوا أكثر بالله. وطريقه هو ترك المعصية والاهتمام بالصلاة، وبعد الصلوات الواجبة والتوجّه الذي تحدّثت عنه (حضور القلب)، فافعلوا ما تقدرون عليه من مستحبات وأدعية وغيرها من الأعمال. فالله تعالى بمشيئته سيفتح أمامكم السبل. حسناً، لقد دوّنت عدّة مطالب أذكرها لكم الآن، لكن الأسئلة التي طرحتموها والموضوعات التي ذكرتموها هي موضوعات مهمة. فلا بأس بأن أذكر بعض الأمور بشأن بعضها.

 

أحد الأسئلة كان حول إمكانية أن يقوم الجامعي بالسؤال حينما يبدو له إشكالٌ أو اعتراض، وأقول في الجواب: أجل يجب أن تسألوا فلا إشكال في أن تسألوا بشرط أن لا تقضوا وتحكموا كما قال نفس الأخ الذي سأل، فأفضل أسلوبٍ للسؤال والجواب هو أن يأتي المسؤولون إلى التجمعات الجامعية. وها هنا أطلب من المسؤولين أن يكثروا

 


[1] سورة آل عمران، الآية 155.

 

 

433


363

خطاب الولي 2010

من لقاءاتهم الجامعية فهم اليوم أفضل شرائح البلد: شبابٌ متعلّمون، أهل الفهم والاندفاع، فليذهب المسؤولون ويشاركوهم. ولتُطرح الأسئلة فلعلّكم ستسمعون أجوبة مقنعة.

 

مثلما أنني في تعاطيّ مع بعض المسؤولين أطرح عليهم أحياناً بعض هذه الأسئلة التي طرحتموها أو غيرها من هذا القبيل. حسناً، يقدّمون جواباً فيقنعون المرء أحياناً وأحياناً لا يكون الجواب مقنعاً، وعلى أي حال فإن طرح السؤال حسنٌ، والتفتوا إلى أن لا يختلط الاستفسار فيُحمل على وجه الاعتراض. وما ذكرته سابقاً ومكرراً أقوله الآن وهو أن التيار الجامعي أو الحركة الجامعية أو أي شيء آخر له عنوان لا ينبغي أن يتصوّر أن تكليفه هو أن يعارض الجهاز الذي يتولى الأمور ويتصدى لإدارة البلد، فهذا خطأٌ، وما هو لزومه؟ فالمعارضة ليست عملاً صحيحاً دوماً، فقد تكون في بعض الأحيان صحيحة وفي محل آخر غير صحيحة. المهم هو أن توصلوا كلامكم وتستدلّوا وتطالبوا بأجوبة مقنعة، وعلى المسؤولين أن يجيبوا.

 

السؤال الآخر هو: أن بعض الناس يقولون بالوحدة، وآخرون بالتصفية (الاستخلاص)، فماذا تقولون أنتم؟ أنا أقول كلاهما. فالتصفية التي تذكرونها ـ بأن علينا أن نستفيد من الفرصة وحيث حصلت الغربلة فأولئك الذين لم يكونوا خالصين فلنخرجهم من الساحة ـ ليست أمراً يتحقق من خلال الشجار والاضطرابات والتنازع والتحرك العنيف والضغط، فالتصفية داخل مجموعة ما لا تحصل بهذه الطريقة، ونحن لم نؤمر بذلك.

 

في صدر الإسلام، كان هناك إلى جانب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم جماعة، منها سلمان وأبو ذر وأبي بن كعب وعمّار وغيرهم، وهؤلاء كانوا في المرتبة الأولى وأكثر الناس خلوصاً (صفاء)، وكان هناك مجموعة أخرى منهم في درجة متوسطة وجماعة أخرى كان النبي في بعض الأوقات يوبّخهم. لو فرضتم أن النبي أراد في ذلك المجتمع الذي يبلغ عدّة آلاف أن يجري عملية الإستخلاص والتصفية ـ حيث إن عملية الإستخلاص تكون هنا أسهل بكثير من مجتمعٍ يبلغ سبعين مليوناً كبلدنا ـ فماذا كان سيفعل؟ ومن كان سيبقى له؟ ذاك الذي ارتكب ذنباً يجب أن يرحل، وذاك الذي تمّ توبيخه عليه أن يرحل، ذاك الذي يستأذن النبي حيث لا ينبغي عليه أن يرحل، ذاك الذي أخّر زكاته

 

 

434


364

خطاب الولي 2010

عليه أن يرحل، حسناً، لن يبقى أحداً.

 

واليوم الأمر كذلك. ولا يصح أن تأتوا وتخرجوا ضعاف الإيمان تحت حجّة أننا نريد التصفية، كلا، عليكم مهما استطعتم أن توسّعوا دائرة الخلّص والأصفياء.

 

إعملوا ما يمكن أن يزيد من أولئك الأصفياء الذين يستطيعون أن يصفّوا المجتمع، فهذا جيّدٌ، وابدأوا من أنفسكم ومن حولكم، من أسرتكم وأصدقائكم وتشكيلاتكم ومما هو خارج هذه الدائرة. فاسعوا بكل ما أمكنكم من أجل رفع مستوى تصفية الأفراد والجماعات ضمن دائرة نفوذ تشكيلاتكم، حيث ستكون النتيجة تنامي الصفاء في مجتمعكم. وطريق التصفية والاستخلاص هي هذا. والوحدة التي نقول بها ـ حيث يوجد أسئلة حولها ـ فإن قصدي هو الاتحاد المبني على الأصول. لهذا فالوحدة مع من؟ مع ذاك الذي يقبل هذه الأصول. وبالمقدار الذي يؤمن به بالأصول نكون معه في ارتباط واتصال، وهذا ما يكون ولاية بين المؤمنين. ذاك الذي لا يقبل الأصول، تلميحاً أو تصريحاً، فهو في الواقع خارج هذه الدائرة. وبناء على هذا التفصيل والتوضيح فنحن نؤيّد الوحدة ونؤيّد التصفية. وقد برز سؤالٌ آخر خلال الحديث، أحياناً كنت أسمعه في الخارج. حيث يُقال هل إن علينا أن نتخذ المواقف مثل القيادة أم لا؟ بمعنى أن للقيادة تكليفها ولنا تكليفٌ آخر. لا يتصورن أحد أن للقيادة رأياً خلاف ما يُعرض كموقفٍ رسمي، حيث تنقله في الخفاء إلى بعض الخواص والمقرّبين لكي ينفّذوه، فلا يوجد مثل هذا الأمر مطلقاً. فلو تصوّر أحدٌ مثل هذا الأمر فهو تصوّرٌ خاطئ، ولو نسبه (إليها) يكون قد ارتكب معصية كبيرة. إن آراء ومواقف القيادة هي ما يتمّ التصريح به أو ما يُعلن بصراحة، أي ما أصرح به علناً.

 

قبل عدّة سنوات حدثت عملية قتلٍ وقد أثار الأعداء الضوضاء والدعايات وقالوا إنّ هؤلاء (ويقصد سماحته نفسه) قد أفتوا وأمروا وقد أرادوا بذلك أن يورطوا القيادة، فقلت في صلاة الجمعة: لو اعتقدت يوماً بأنّ أحداً هو مهدور الدّم فإنني سأعلن ذلك في صلاة الجمعة. فلا يجوز ولا يليق أن يكون هناك مواقف أخرى للقيادة غير ما تصرّح به وتعلنه، كلا، الأمر كما أقول الآن وليس غير ذلك. ومن الممكن بالطبع أن يكون هناك اختلاف بين كيفية صيامكم وصلاتكم مع صيامي وصلاتي أنا. حسناً، أنتم

 

 

435


365

خطاب الولي 2010

شباب وجامعيون ونشاطكم الديني والاجتماعي شبابّي، وهو يتفاوت مع السلوك الهرم للعجائز. ولا يصحّ غضّ النظر عن هذه الاختلافات الطبيعية والواقعية. وقد ذُكرت قضية حفظ النظام. فبرأينا ـ كما قلنا ـ حفظ النظام واجبٌ بل هو أعظم وجوباً من جميع الأمور. وللنظام حدودٌ مشخّصة منها الحدود الأخلاقية والثقافية ولا شك بأنه يجب حفظها. وعدّة نقاطٍ قيلت فيما يتعلّق بالمرجعية العلمية ومقتضياتها كانت صحيحة. وأنا أطالب المسؤولين أن يلتفتوا إليها وأن يدوّنوا هذه المطالب.

 

أحد الإشكالات هو أنه لماذا لا يُعمل على إنتاجاتنا الثقافية المتناسبة مع العدالة. وهذا إشكالٌ أيضاً، وهو صحيحٌ تماماً. فمنتجاتنا الثقافية ليست مناسبة. بالرغم من أن لدينا فنّانين جيّدين وكتّاباً جيدين وممثلين جيدين ولكن تمثيلياتنا التي تتناسب مع مواضيع ثقافتنا قليلة. ومن الضروري أن تعمل الإدارات الثقافية أكثر في هذه المجالات. وبالطبع أنتم تعلمون أن مثل هذه الأعمال لا تُنجز بين ليلة وضحاها. فلا يكون الأمر إذا قلنا الآن: ممتاز، فلننتج الأعمال الثقافية، فيتم التحرك فوراً وبعدها بستة أشهر أو سنة يتم إنتاج عشرة أفلام أو عشرين فيلماً من الأفلام الثورية والثقافية والإسلامية. إن كلّ هذه الأمور تتطلب بُنى تحتية مناسبة ـ كالبنى التحتية الطبيعية ـ وما لم تتوفّر مثل هذه البُنى فلن يكون هناك أي عمل. ومثل هذه البُنى التحتية بعضها ليس متوفراً أبداً، حيث ينبغي تأمينها بواسطة المسؤولين المتعاقبين على مرّ الزمان بواسطة الحكومات المتعاقبة، بيد أن بعضها تمّ تخريبه في بعض الحكومات! ففي بعض الحكومات، لم يكتفوا بعدم تأمين بعض البُنى التحتية الاعتقادية والثقافية بل تمّ تخريبها! وها نحن هنا علينا أن نعيدها إلى جادة الصواب. ولكنّ الإشكال واردٌ، وهو إشكالي أيضاً على الإذاعة والتلفزيون ووزارة الإرشاد ومنظّمة الإعلام ومديرية الفنون. فنحن دائما نلتقي ونطالبهم. فألتقي بهم وأتباحث معهم وأناقشهم ويأتي كل منا بدلائله، إن بعض الأعمال التي ينبغي أن يقوم بها المسؤولون التنفيذيون، للأسف فإنني أضطر إلى أخذها على عاتقي. في تلك الآونة الأخيرة كان لنا لقاءات عديدة مع المسؤولين الثقافيين فيما يتعلق بهذه القضايا الفنية والسينمائية والفنون التمثيلية وغيرها. التقينا وتباحثنا وتحدثنا، ونحن نأمل بمشيئة الله أن نصل إلى أهدافٍ جيّدة.

 

 

436


366

خطاب الولي 2010

وعلى أي حال فإن مطالبتكم مطالبة صحيحة.

 

أحد السادة ذكر نقطة تتعلق بخصخصة الثقافة والصحّة، حيث إن ذلك برأيي أمرٌ صحيح أيضاً. إن الخصخصة المتعلقة بالشركات المعنية، في البند 44، لها تعريفٌ محدد. برأيي إن القضايا الثقافية والصحية وأمثالها بذاك الشكل لا يشملها البند المتعلّق بالخصخصة. وقد ذُكر لي بعض الموارد من جانب المسؤولين المعنيين. وبرأيي فإنّ هذا الإشكال واردٌ ويجب الالتفات إليه.

 

السياسات الخارجية وتصدير الثورة بواسطة الجامعيين أيضاً أمرٌ جيّد، فلا نقول إنه عملٌ لا فائدة منه. كلا، فباليقين فيه فوائد، لكن التفتوا: هناك في هذه المجالات الكثير مما يجري العمل عليه. في مجال التواصل مع المسلمين، مع الشعوب المختلفة، في آسيا، في أفريقيا، في أمريكا اللاتينية، هناك الكثير مما ينفذ. في أمريكا اللاتينية لا يوجد دولة إسلامية، ولكن فيها تجمعات إسلامية كما في البرازيل وغيرها من لبنانيين وعرب عموماً وشيعة ومسلمين، وهناك الكثير من الأعمال. وما يتمّ إنجازه هو بالنسبة لكم أيها الشباب الأعزاء غير معروفٍ بمقدار ما، ولكن برأينا لا عيب في ذلك فإنّه عملٌ جيّد إذا تمّ تنظيمه وبرمجته.

 

وفيما يتعلق بالتمييز ذُكرت مسائل قد دوّنتها كذلك، فالإشكال واردٌ. في الواقع إنّ بعض الإشكالات واردة. والكلام عن أسباب خروج النخب يجر كلام. إحدى السيدات قالت: عندما نتواصل مع النخب يقولون إن سبب خروجنا هو هذه الأمور: أنه في الداخل ذاك العمل الذي كان ينبغي أن يحصل لم يحصل، وما لم يكن ينبغي أن يحصل حصل، وأنا لا أرفض هذا الكلام، فمن الممكن في الواقع أن تكون هذه الإشكالات واردة. أما أولئك النخب الذين ينهون دراستهم الجامعية ويذهبون إلى الخارج ففي الغالب لا يكون ما ذُكر من مبررات خروجهم، بل هي حجّة. هناك أشخاصٌ تُفرش لهم الدروب بالورود، وتُقدّم لهم المجالات المساعدة للعمل، فيتصوّرون أنّهم إذا دخلوا فيه فسوف يحدث كذا وكذا. ولعلّه يوجد في الواقع أجهزة حكومية لديها، بالإضافة إلى الاحتياج إلى العلم وطاقات الشباب، دوافع أخرى وهي محاربة الجمهورية الإسلامية، لهذا فإنّهم ينفقون الميزانيات ويأخذونه (الشاب الجامعي) إلى هناك. وأولئك الذين

 

 

437


367

خطاب الولي 2010

يذهبون إلى هناك فإن بعضهم ينجح وبعضهم الآخر لا ينجح فترتطم رؤوسهم بالحائط ويندمون ولدينا ما هو من هذا القبيل. ومن الجانب الآخر لدينا شباب (وبمعزل عن موضوع فرار النخب)، يسافرون إلى الخارج للدراسة، وينالون درجات علمية ممتازة، ولكن إيمانهم ودوافعهم الدينية والإسلامية ودوافعهم السليمة تعيدهم إلى بلدهم. فالحراك ليس باتجاه واحد، نحن نعرف أشخاصاً بعضهم من النوابغ والمميزين والنخب يرجعون إلى بلدهم للعمل والخدمة. فليس الأمر على هذا المنوال الذي فرضتموه بأن الهجرة من طرفٍ واحد فقط. فهناك من يرجع إلى بلده ويجد الإمكانات والأعمال المنجزة.

 

أحد الأصدقاء تحدث عن قضية الهجوم على الحي الجامعي، لقد كنت أتابع هذه القضية ولا زلت، وبالطبع كانت المتابعة بطيئة ولم تتقدّم، ويجب أن تتقدّم، وسوف يكون ذلك إن شاء الله، لكن ليس الأمر كما تتصورون بأن القضية صارت منسية، كلا لم تُنسَ. حسناً، فإن الإبتلاءات كثيرة والأعمال كذلك، فلعلّ بعض الأجهزة ليس لديها دافع قوي للتعاون في هذا المجال، لهذا فإن المتابعة تسير ببطء لكنها سوف تتقدّم إن شاء الله.

 

يُقال إن هناك تعاملاً انضباطياً وأمنياً داخل الجامعات. أنا لا أعلم كيف يحصل التعامل المشدّد من الناحية الانضباطية والأمنية في الجامعة، ولكنني أعلم أنه في النهاية لا بد من وجود انضباط. وهنا إذا حصل في بعض الأماكن نوع من الشدّة في مجال الانضباط وإعماله، فلا أعلم ـ من الممكن أن يكون قد حصل لكن في النهاية الإنضباط لازمٌ والأمن مطلوبٌ. فلا يصح أن نترك الحرم الجامعي. لأنه عُرضة للكثير من مؤامرات العدو. وعليكم أن تعلموا أيها الجامعيون أنكم ضمن الدائرة الحمراء، فأحياناً عندما يريدون أن يحددوا نقطة ما في صورة أو فيلمٍ فإنهم يفعلون ذلك برسم دائرة حمراء. والعدو قد جعلكم أيها الجامعيون ضمن الدائرة الحمراء، وفي الأساس فإن الكثير من البرامج متوجهة نحوكم من أجل حرفكم وجعلكم غير مبالين تجاه مصير بلدكم ومصالح الثورة. فكيف يصحّ أن نبعد الجامعات عن الأنظار؟ حسناً، ففي النهاية يجب الالتفات. أجل برأينا إن الشدّة والإفراط ليست جيدة في أي مجال، ومنه هذا الأمر.

 

438


368

خطاب الولي 2010

أحدُ الأصدقاء قال إن الفكر والعلم لا ينبغي أن يتحركا وفق الأوامر. ليس لدي نموذجٌ عن هذا الأمر. ففي مجتمعنا لا يوجد فكرٌ يُنزّل بالأوامر، وكذلك على صعيد العلم. فأين هذا؟ فليحدد ليقل. إنني من بين الذين يحاربون مثل هذا الأمر. فنحن أتباع حرية الفكر. بالطبع، أنا أقول لكم إن موضوع حرية الفكر ليس مكانه التلفزيون، بل اللقاءات التخصصية. فعلى سبيل المثال نقيم لقاء جامعياً تخصصياً في مجال القضية السياسية الفلانية فيأتي شخصان أو خمسة أو عشرة للتباحث فيما بينهم، هذا ما يُسمّى حرية الفكر. كذلك الأمر فيما يتعلق بالبحث حول المعارف الإسلامية وحول أفكار المذاهب العالمية المختلفة وكذلك فيما يتعلق بأية قضية علمية. لهذا يجب أن تكون اللقاءات تخصصية وأما أن يتباحث الناس علناً وفي الإذاعة والتلفزيون، فإن الذي له الحق لا ينتصر بالضرورة. فالذي سيغلب هو من يتقن التعيير أكثر ويمكنه أن يمارس التلاعب، مثل قضية صورة الأفعى واسم الأفعى حيث قال: أيهما أفعى؟ فأشار الناس إلى صورة الأفعى وقالوا: واضحٌ هذه هي الأفعى. لهذا ينبغي أن تكون حرية الفكر ضمن لقاءات تخصصية بما يتناسب مع البحث، أما الأجواء العامة فلا تكون محلاً لتلك الأبحاث والمناظرات. ولا يعني هذا أن يُفرض الأمر فرضاً، كلا، ففي النهاية هناك فكرٌ حقٌّ مطروحٌ ﴿ٱدۡعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلۡحِكۡمَةِ وَٱلۡمَوۡعِظَةِ ٱلۡحَسَنَةِۖ وَجَٰدِلۡهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُۚ﴾[1]، فلأي شيء هذه الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالأحسن؟ ﴿ٱدۡعُ  سَبِيلِ رَبِّكَ﴾. حيث يكون هذا الأمر مسبقاً أصلاً موضوعياً، الدعوة إلى الله. والأمر كذلك في جميع الأشياء. فالدعوة ينبغي أن تكون بمنطق صحيح، ولكن ينبغي تحديد وجهة الدعوة. فلا معنى لأن يترك الإنسان وجهة الدعوة مفلتة، فإن هذا يؤدّي إلى إضلال الناس. يجب هداية الناس.

 

أولستم تقولون إن على الحكومات مسؤولية هداية الرأي العام؟ على أي حال، ما ذُكر كان مطالب جيدة. وللإنصاف فإن أصدقاءنا قد عرضوا كلمات جيدة. وأحد الأصدقاء قال إن قلوبنا قد تقرّحت من يسار ويمين رئيس الجمهورية. حسناً، ها إنّ

 


[1] سورة النحل، الآية 125.

 

439


369

خطاب الولي 2010

قلوبكم قد تقرّحت ـ لا سمح الله بذلك ـ أما أنا فأقول لكم إن مثل هذه الأمور ليست من القضايا الأساس المفصلية. من الممكن أن يكون هناك إشكالٌ وارد ـ وأنا لا أريد في هذا المورد أن أصدر أي حكم ـ من الممكن أن يستشكل أحدٌ على شخص أو عملٍ، غاية الأمر أن علينا الالتفات إلى القضايا إذا كانت أصلية أم فرعية. فلا نجعل قضايا الدرجة الثانية محل القضايا الأساس على صعيد اندفاعنا وهمّتنا وبذل مجهودنا.

 

هذا هو كلامي فقط، وإلا فإنني لا أعترض عليكم فيما إذا أعجبكم زيد أو عمرو أو لا، ولا أعترض عليكم إذا نطقتم بإشكال بطريقة لا مفسدة فيها، فهذا برأيي لا إشكال فيه. إلتفتوا فقط إلى أن لا يصبح هذا بدلاً عن القضايا الأساس. فقضايانا الأساس هي أمورٌ أخرى. ولقد طُرح بحث جعل الإقتصاد شعبياً والبند 44 وأمثاله. وقد قال السادة أنهم ينفذّون البند 44 بشكلٍ جيّد. وبالطبع هناك من يخالف ويعترض ـ من داخل المجلس وخارجه ـ ويقولون أنه لا يتم العمل بهذا البند، لكن نفس مسؤولي الأجهزة، يقولون خلاف ذلك. وبرأيي أن هذا من ضمن الأسئلة التي ينبغي أن تُطرح وعلى المسؤولين أن يأتوا إلى التجمعات الجامعية ويذكروا ما تمّ إنجازه في الواقع ويقنعوا أذهان الشباب، وإذا لم يتمكنوا من إقناعهم فعليهم أن يذهبوا ويعيدوا النظر في العمل.

 

لقد طرحتم إشكالاً على الإذاعة والتلفزيون وهو إشكالٌ وارد، وأشكلتم على إعلان الخلافات بين المسؤولين، وهو إشكال وارد أيضاً، وأنا العبد أحمل مثل هذا الإشكال عليهم وقد ذكرته لهم، وقد كان لي مواقف شديدة معهم في هذا الخصوص. طرحتم قضية التجمّع أمام المجلس. وهنا لن أبدي أية وجهة نظر، فقط أقول لكم إنكم تشكون من عدم تقبّل المسؤولين للنقد، حسناً، كونوا أنتم كذلك! فتقبل النقد لا يختص فقط بالمسؤولين، ففي النهاية إذا انتُقد الجامعي عليه أن يتقبل ذلك. لقد تجمّع عددٌ كبير أمام المجلس وأطلقوا الشعارات التي لم تكن سيئة وأطلقت مجموعة من بينهم شعاراتٍ حادّة. بالطبع، أنا لا أقول إنهم أشخاصٌ سيئون وأشرار، كلا، في النهاية تشددوا، وتصرّفوا بذهنية الشباب، أما إذا كنتم تعتقدون أن هذه الشعارات متشددة أو مفرطة بالتشدد ومن غير حق فاقبلوا ذلك. فلا ينبغي أن يصبح الأمر على

 

 

440


370

خطاب الولي 2010

هذا المنوال بحيث إن كل ما يمسك بتلابيب الجامعي فينبغي أن نعارضه. فمن الممكن أن يوجّه إليكم نقدٌ فتقبلوه. قيل إننا نعمل على قضية الولاية، حسناً جداً. وقد قُدّم توضيحٌ بشأن موضوع حول ضيافة الفكر، مما أسر هذا العبد كثيراً. وإنني أرحب بما ذُكر حول وجود اختلاف وتفاوت بين الخطة العلمية الجامعة المُعدّة والخطة الموجودة، فأوصلوها لنا حتماً. وإن شاء الله يدوّن مكتبنا لشؤون العلاقات الشعبية اسم هذا السيّد ويأخذها منه. المخيمات الجامعية هي أمورٌ ممتازة وأنا أوافق على اللقاء.

 

لقد دوّنت هنا بعض المطالب، ولكن للأسف الوقت قليل، وما أقوله: أولاً أن تنتبهوا جيداً إلى تشكيلاتكم الجامعية كي لا تقع تحت تأثير الاختلاف في السلائق فيؤدي ذلك إلى حدوث انشعابات داخلية أو تصادمات فيما بين التشكيلات. وأحد المصاديق البارزة للوحدة التي نوصي بها وندعو إليها هو هذا. فالذي يفصل بين الناس أو يقرّبهم هو تلك الأصول والمباني المعرفية. وعندما لا تكون هذه المباني محل قبولٍ وتوافق يؤدي ذلك إلى الفصل والتباعد، وإذا تمّ الإتفاق عليها فإنها تجمع. أما السلائق فهي ليست كذلك، فلكل إنسانٍ سليقته وذوقه. فواحدٌ مهندسٌ وآخر يدرس الفن، وثالثٌ في مجال الطب ـ فهذه أنماطٌ ثلاثة ـ وفي كلٍّ منها طيفٌ واسع من السلائق والدوافع المختلفة، فواحدٌ يعجبه شيء لا يكون مورد إعجاب آخر، فلا تجعلوا مثل هذه الأمور سبباً للتباعد فيما بينكم، فإن هذا أمرٌ في غاية الأهمية.

 

النقطة الثانية: فليكن لكم تحليلٌ وموقفٌ بالنسبة للقضايا المصيرية للبلد. إنّ إعلان طهران قضية مهمة، فما تحليلكم حول هذا الإعلان؟ وما هو موقفكم؟ هل أنتم موافقون أم مخالفون؟ القرار 1929 الصادر عن مجلس الأمن ضد الجمهورية الإسلامية، أو العقوبات الأحادية من جانب أمريكا وأوروبا ضد إيران، فما هو تحليلكم لهذه القضية؟ هذه الأمور ليست بالأمور البسيطة. ما هو موقفكم؟ ماذا تفعل إيران؟ فهل نرفع أيدينا للاستسلام إذا عبسوا وفرضوا علينا عقوبات وكشّروا عن أنيابهم؟ هل نتنازل قليلاً في هذا الوقت؟ ما هو تحليلكم؟ ففي الداخل هناك تجمعات سياسية هذا هو رأيها، يقولون عندما يظهر الخصم وجهه القبيح بشدة فعليكم أن تتراجعوا،

 

 

441


371

خطاب الولي 2010

طيب، هل تقبلون بذلك؟ هل نتراجع أم لا؟ هل تعتقدون أن كل تراجعٍ يشجع الخصم؟ بمجرد أن رأوا أنكم تخافون من العبوس يقولون: أيها السيد أعبس، فعلاج هذا الرجل هو العبوس. بمجرد أن رأوا أنكم تتراجعون بالتهديد بالضرب، أو بنفس الضرب، يقولون فلنضرب مرة أو مرتين حتى يتراجع عن كل كلامه.الخصم هو هكذا. وهذه هي الحسابات الدنيوية. النقطة الأخرى: التي أردتُ أن أذكرها لكم أيها الأعزاء هي: أيها الإخوة والأخوات! خذوا مسألة تقوية المباني المعرفية على محمل الجد.

 

بالطبع، إنني اليوم عندما أتطلع أشاهد أنه مقارنة مع ما كان قبل ثماني سنوات في لقائنا الرمضاني هنا حيث كان الأصدقاء يأتون ويتحدثون، فإن ما حصل اليوم يدل على أن الاعتناء بالمباني المعرفية بين الجامعيين أصبح أقوى. وبعض الآراء التي تبدونها تدلّ على قوة هذه المباني في الأذهان، هذا ما يلاحظه المرء، لكن في نفس الوقت، على التشكيلات أن تأخذ قضية تقوية المباني المعرفية بجدية حتى تنساب فيما بعد منها إلى المجموعات الجامعية. وتقوية المباني المعرفية أمرٌ مطلوبٌ جداً. وضعفها سيتسبب بأضرارٍ كبيرة للفئات الجامعية في البلاد والتشكيلات.

 

النقطة الأخرى: هي أن على جميع التشكيلات أن تزيد من قوة علاقتها وارتباطها بالجسم الجامعي. فلا تغفلوا هذا، وقد ذُكر الآن أن "مخيمات الضيافة" هذه تُقام وهو أمرٌ جيّد فإنها إحدى وسائل التواصل مع الجسم الجامعي، لكن برأيي: ينبغي أن تقام في كل أيام السنة وفي المناسبات المختلفة، فإن للتواصل مع الجسم الجامعي وكذلك مع الأساتذة قيمة كبيرة. وفيما يتعلق بالعلوم الإنسانية ما ذكرته السيدتان هنا هو كلامٌ صحيح، والإشكالات التي طُرحت واردة وهذا هو كلامنا أيضاً، وهذا ما كنت أتابعه وقد ذكرته قبل سنتين. بالطبع إن ما ذكرناه يعني أن على الأساتذة وأصحاب الرأي والمحققين أن يسعوا لتدوين العلوم الإنسانية المتطابقة مع المباني الإسلامية، فلا تكون العلوم الإنسانية مبنية على أساس الفلسفات المادية الخاطئة، مثلما هو وضع العلوم الإنسانية الغربية اليوم.

 

في النهاية إذا كانت العلوم السياسية أو الاقتصادية أو الفلسفة أو الإدارة وسائر العلوم الإنسانية مبنية على الرؤية المادية للكون، وهي على أساس القيم المادية،

 

 

442


372

خطاب الولي 2010

فبالطبع لن تتمكن من تأمين مطالب وأهداف المجتمع الإسلامي والمؤمن بالمعارف الإسلامية.

 

في الختام، أذكر لكم أيها الإخوة والأخوات جملة. إعلموا أعزائي! لحسن الحظ فإن مسيرة التطور في البلد تجري بشكلٍ جيدٍ ومطلوب في مختلف المجالات. فمسيرة العدالة جيّدة. من الجيّد أن يُسمّى هذا العقد عقد التطور والعدالة. التطور الذي ذكرناه هو تطورٌ علمي وتقني وسياسي وأخلاقي، فكل هذه هي محل اهتمام. حسناً، هناك أعمالٌ جيدة في طور الإنجاز أقلّه أنّ عملية تأمين البُنى التحتية للأعمال الكبرى والطفرات على قدمٍ وساق. وفيما يتعلق بالعدالة ففي الحد الأدنى إن هذا الفكر بات سائداً. فالجميع أصبحوا يعتقدون بضرورة السعي للعدالة وإجرائها، ويجب تحقيق هذه الأمنيات، والنزول إلى ميدان التنفيذ ـ وهذا مما ورد ضمن كلمات أصدقائنا ـ وهو بحد ذاته تطورٌ. وبالطبع، هذا لا يعني أننا قانعون بالمقدار الذي حصل من تطورٍ على صعيد العدالة، كلا، فالأُمنية والهمة عالية جداً. الأماني كبيرة والهمم رفيعة، ولكن أريد أن أقول لكم إننا في طور التطور والتقدّم. ومنحنى أعدائنا يشير إلى الضعف ومنحنانا يشير إلى القوة. النظام الرأسمالي والظالم في العالم ـ والذي مظهره الولايات المتحدة الأمريكية ـ هو اليوم أضعف بكثير مما كان عليه قبل عشر أو عشرين سنة.

 

وفي المقابل فإن الفكر الإسلامي ونظام الجمهورية الإسلامية اليوم هو أقوى بكثير مما كان عليه قبل عشر أو عشرين سنة، وقد تقدم كثيراً وأصبح أكثر جهوزية بكثير. إن شبابنا اليوم هم أفضل بكثير مقارنة بعشر سنوات مضت، وكذلك أكثر جهوزية بكثير. الشباب المؤمن الذي كان قبل عشر سنوات هو اليوم فعّال في الكثير من ميادين الحياة. وأنتم إن شاء الله ستكونون في المستقبل من الفاعلين في القطاعات المختلفة للبلاد. فهيّئوا أنفسكم للامتحانات الصعبة. نحن نتقدم، هذه السنوات الـ 31 من عمر نظام الجمهورية الإسلامية، تشهد على تحركٍ نحو الأمام بالرغم من عداوات الأعداء. وأعداؤنا اليوم ليسوا بقوة ما كانوا عليه قبل 31 سنة. إن أمريكا اليوم ليست بالقوة التي كانت عليها قبل 31 سنة.

 

في ذلك اليوم قلت في جمعٍ من المسؤولين إن هذا هو اعتقادي وكل الدلائل

 

 

443


373

خطاب الولي 2010

 والشواهد تثبته. إن أمريكا في عهد ريغن كانت أقوى بدرجات من أمريكا في عهد أوباما وقبله بوش الإبن! الواقع هو أنهم يسيرون نحو الضعف.

 

ولا يوجد من مؤشّرٍ يدلّ على أن هذا المنحنى سيستعيد حالة الصعود، وفي المقابل هناك مؤشرات كثيرة تدلّ على أنّ المنحنى التصاعدي لشعب إيران ونظامها سيتسارع إن شاء الله.

 

اللهم، اشمل بعنايتك ورحمتك هذه القلوب المؤمنة والشابة.

 

اللهم، اجعل كل ما قلناه وسمعناه في سبيلك وتقبّله منا بكرمك.

 

اللهم، اجعل حياتنا لأجل الإسلام وفي سبيلك واجعل موتنا للإسلام، ولك.

 

اللهم، لا تفرّق بيننا وبين أوليائك وأحبائك والمصطفين عندك. واجعل القلب المقدّس لولي العصر راضياً عنا. وأرضِ عنا روح إمامنا المطهر وأرواح الشهداء الطاهرة، وقرّب قلوب هؤلاء الإخوة والأخوات الجامعيين من بعضهم أكثر فأكثر على طريق الاتحاد في سبيل الحق وفي سبيل الله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

444


374

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة

 

 

 

 

 

المناسبة:   ذكرى استشهاد الشهيد رجائي والشهيد باهنر وأسبوع الحكومة

الحضور:  رئيس الجمهوريّة وأعضاء الحكومة

المكان:   طهران

 

الزمان:    08/06/1389هـ.ش.

19/09/1431هـ.ق.

30/08/2010م.

 

 

445


375

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نشكر الله تعالى كثيراً حيث وفّقنا للقائكم أيها الأحبة والمسؤولون المحترمون في ذكرى أخرى بمناسبة أسبوع الحكومة، كي نقول لكم "ساعدكم الله" جميعاً، ونسأله تعالى أن يمن عليكم بالأجر والتوفيق، وكذا لكي أتعرض لبعض الملاحظات والآراء التي لا بدّ من ذكرها في هذا المحفل. طبعاً هناك بعض الآراء والملاحظات تقال للمسؤولين المحترمين أحياناً وتطرح أمامهم ـ سواء الوزراء المحترمون أم رئيس الجمهوريّة المحترم ـ وهناك بعض الأمور التي يجب أن تقال في الجمع، لكونها ذات جنبة اجتماعيّة. أولاً، لا نغفل عن ذكر شهدائنا الأعزّاء المرحوم الشهيد رجائي، والشهيد باهنر، وكذلك الشهيد عراقي، هؤلاء في الحقيقة ممن رهن نفسه وقلبه لقيم الثورة. ولعل هذا هو السبب وراء حفظ الله تعالى لأسمائهم وذكراهم. هذا نوع من أنواع شكر الله، شكر ربّ العالمين لعباده ﴿فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾[1]. سيشكرنا الله، حتى لو لم يكن لنا أي طلب. إنّ الله تعالى يشكر عباده الذين عملوا بإخلاص، وقدّموا جميع ما يملكون، وأحد أقسام الشكر هو هذه السمعة الطيبة التي تبقى لهم طوال سنين مديدة. آمل أن تبقى إن شاء الله هذه الشخصيّات النورانية حيّة هكذا في مجتمعنا، فهؤلاء هم مظهر القيم. إن إحياء أسماء هؤلاء يعني بقاء القيم على قيد الحياة، أو هذا ما سيحصل إن شاء الله.

 

لدينا هذه السنة شهر رمضان المبارك، وستشمل إن شاء الله بركات هذا الشهر المبارك الحكومة والمسؤولين والبلد. وأنا أدعو في ليالي القدر المباركة هذه وخاصة ليلة أمس، التي كانت ليلة التاسع عشر، حقّاً لقد دعونا لكم خاصة، أنتم المسؤولين ورئيس الجمهوريّة والوزراء ورجال الدولة الآخرين. على الرغم من أنّ دعاءنا قد لا تكون

 


 


[1] سورة البقرة الآية 158.

 

447


376

خطاب الولي 2010

له تلك اللياقة، ولكن كان لا بدّ أن يُطلب من الله تعالى، فطلبنا. وأنتم كذلك، أدعوا واطلبوا التوفيق من الله تعالى.

 

أمّا ما يجب أن أقوله لكم أوّلاً: إنّ السنة التي مرّت على الحكومة العاشرة، كانت سنة صعبة جدّاً، ولقد كان السعي الذي قام به المسؤولون ورجال الدولة في القوة التنفيذيّة مهمّاً. لقد كان حقّاً وإنصافاً سعياً مأجوراً ومشكوراً. وكذلك كانت هذه السنة سنة صعبة على الصعيد السياسي والأمني، وبما تخلّلها من تأثير التيّارات الأجنبيّة على بعض قطاعات البلد كالاقتصاد والثقافة وغير ذلك. إنّ الذين أشعلوا فتنة سنة 88(هجري شمسي)[1] قد وجهوا للبلد ضربة قاسية ـ سواء كانوا هم الذين خطّطوا، أم آخرون. لا نريد الآن أن ننسب هذا العمل، ولكن على كلّ حال هذه فتنة مخطّط لها. لا شكّ أنّه لولا هذه الفتنة، لكانت أمور البلد تمضي قدماً بشكل أفضل على مختلف الصعد. لقد بعث هؤلاء الأمل لدى الأعداء، وأعطوا المعنويّات لأولئك الذين تحزّبوا ضدّ النظام اللإسلاميّ، وشكّلوا جبهة موحّدة.

 

من حسن الحظّ طبعاً أنّكم استطعتم أن تمضوا في أعمالكم قدماً، وأن تزيلوا العراقيل من أمام البلد والنظام، وأن تتجاوزوا العقبات والمنعطفات الصعبة بالطريقة المناسبة في مختلف المجالات. نحن نعتقد أنّ هذا أمر مهمّ للغاية، ويعبّر عن نظرة وعناية إلهيّتين. وقد ذكر لنا رئيس الجمهوريّة جزءاً من هذه الأعمال في تقريره المفصّل والموسّع، ومنها الأعمال التي أنجزت في هذه الفترة ـ العام: 88 (هجري شمسي)[2]، وانتهت بنتائج جيّدة الحمد لله، على الرغم من جميع المشاكل والبلاءات. حسناً، هذا في الواقع نوعٌ من الرسم البياني والتعبير عن تلك التوجّهات التي ذكرناها عن هذين الشهيدين، أي الشهيد رجائي والشهيد باهنر. وقد كان الشهيد رجائي والشهيد باهنر حقّاً هكذا مصداق العمل والسعي المؤمن الملتزم غير المنحرف عن الأسس. لقد كان التزامهما في عملهما للبلد بعيداً عن التعامي عن الأسس والقيم، مهما كان الدور الذي أدّياه.

 

في السنوات الماضية كان هذا الأمر مرسوماً، وكان يحتفى بأسبوع الحكومة، وكان


 


[1] 13 حزيران 2010م.

[2] 21 آذار 2009 حتى 20 آذار 2010.

 

448


377

خطاب الولي 2010

إسما هذين العظيمين يذكران بإجلال، ولكن ليس جميع من يعظّم هذين الشهيدين العزيزين ملتزمون واقعاً بما كان لهما من نهج وتوجّه وهدف. فلتفخروا بأنّكم بحمد الله ملتزمون بأسس الثورة وبأنّكم ترضون بشعارات الثورة، وتريدون تطبيقها، تفتخرون بذلك، هذا توفيق عظيم. إن أحد أهمّ خصائص هذه الحكومة هي أنّها جعلت من شعارات الثورة شعاراتٍ لها، وأنّها تشعر بالرفعة والفخر بسبب ذلك. وهذا ما جعل الشعب يُقبل عليكم، فليكن هذا معلوماً أيضاً. لقد تعلّق قلب الشعب بهذه الشعارات، إنهم يحبّونها.

 

إن شعار العدالة يجذب الشعب، شعار الابتعاد عن صنع الوجاهات هو شعار مطلوب للنّاس وجذّاب، أو شعار خدمة الناس، أو شعار مقارعة الاستكبار، أو شعار بساطة العيش، أو شعار العمل والسعي وخدمة النّاس، هذه أشياء يحبّها الشعب ويريدها. إن مجتمعاً وبلداً وشعباً واعياً سيطلب هذه الأمور من مسؤوليه: المطالبة بالعدالة، المطالبة بالإنصاف، المطالبة بالخدمة، المطالبة بالعلاقة الوطيدة مع الشعب، المطالبة بالدين، والالتزام بالقيم الدينيّة، والالتزام بالشرع. هذه أمور يطلبها الشعب ويحبّها. وأنتم بحمد الله رفعتم هذه الشعارات، فرضيها الناس وأقبلوا عليها، اغتنموا هذه الفرصة. سوف أقوم بذكر بعض التوصيات ضمن بضعة عناوين. بالنسبة للتوجّهات العامّة والرئيسة في الحكومة، أوصي بحفظ هذه التوجّهات بقوّة، وعزم وإصرار. لا تُعرضوا عن هذه التوجّهات: التوجّه الديني، التوجّه الأخلاقي، التوجّه العدالتي، التوجّه الخدماتي، توجّه مواجهة ومقارعة الاستكبار والمتجبّرين في العالم. لقد أدّى نمو الشعب المتزايد يوميّاً على صعيد الفهم والقراءة والبلوغ السياسي إلى طلب هذه الأمور أكثر. لقد باتت اليوم قضيّة مقارعة الاستكبار أوضح وأنصع وأكثر مطلوبية من السنوات الماضية، ومن أوائل الثورة. لقد رأى الشعب اليوم الكثير من الأمور رأي العين، واختبروها بشكل واضح، لذا تبلور لديهم الكثير من المسائل. قضيّة تأمين الخدمات هكذا، قضيّة الجهاد الحثيث من أجل تقدّم البلد كذلك، يجب أن تكون هذه توجّهاتكم الأساس، فلا تخسروها ولا تتركوها.

 

إحدى الأمور التي يجب أن تعتني بها الدولة في توجّهاتها، مسألة تسهيل أمور

 

449


378

خطاب الولي 2010

الحياة على النّاس. يجب أن تسهّل أمور الحياة للنّاس. هذا موضوع مهم، بحيث إنّ الإنسان إذا أراد أن يتوسّع فيه فسنرى أنّ الكثير من الاحتياجات الاقتصاديّة، والكثير من أعمال الحكومة. الحكومة الإلكترونيّة مثلاً ـ وصولاً إلى قضيّة تفعيل دور القرى، والوقاية من الهجرة، هذه جميعها تنضوي تحت عنوان تسهيل حياة النّاس، كي يتمكّنوا من العيش براحة، ويتمكّنوا من العيش بأمان. وهذا العمل سيترك أثراً في المجالات المختلفة.

 

إنّ أحد الأمور التي يجب أن نلحظها في توجّهات الحكومة العامّة، هو قضيّة "وثيقة آفاق الرؤية". لقد كانت وثيقة آفاق الرؤية هذه، عملاً أساساً تمّ إنجازه في البلد، وتمّ بحثه ومراقبته ودراسة حيثيّاته. ولم يكن ما جاء في هذه الوثيقة شعاراً، فقد أبصرت هذه الوثيقة النور آخذة الإمكانات والوقائع بعين الاعتبار. إنّ هذه الوثيقة هي في الواقع خطّة طريقنا ذات العشرين عاماً. لقد مضت خمس سنواتٍ من هذه العشرين. أحياناً نشعر بأنّ الأعوام العشرين هذه قد مضت بطرفة عين. يجب أن نعرف كم تطوّرنا. هذا أحد الأعمال التي يجب أن نقوم بها، يجب أن نرى أيّ مدى استطعنا السير وفق هذه الخطّة نحو تلك الأهداف. وإلا، فإذا لم يكن لدينا اهتمام وتذكّر لهذا الأمر، سنفتح أعيننا في وقت ما لنرى أنّه قد مرّت عشرة سنوات أو اثنا عشر سنة من هذا الزمان، ولا زلنا لم نقطع المسافة التي كان علينا أن نقطعها. ولا يمكننا أن نطوي ذلك المسير فيما تبقّى من الوقت. وعليه، يجب علينا أن نفصل بطريقة صحيحة بين المساعي والنشاطات التي يجب أن تؤدّى، وبين هذه المسيرة التي تفصلنا عن أهدافنا، لكي نستطيع التقدّم خلال كلّ فترة من الزمن، بمقدار ما تسمح به هذه الفترة. يجب أن يُبحث هذا الأمر برأيي في مناسبة ما. وهذا يقع على عاتق الحكومة، فلتبحثوا هذا الأمر.

 

إذا وجدتم أنّه خلال خمس سنوات مثلاً، أنكم لم تستطيعوا الاقتراب من تلك الأهداف بالشكل الصحيح، يجب أن نعي أنّ هذا يعني أنّ برنامجنا الخمسيّ هذا لم يكن كافياً. إذ لم يستطع أن يطوّرنا بمقدار خمس سنوات. برأيي عليكم أن توكلوا إلى بعض الأشخاص مهمّة أن يجلسوا ويبحثوا بعقلانيّة وتدبير وتدبّر آخذين الوقائع بعين

 

 

450


379

خطاب الولي 2010

الاعتبار، ليروا هل كان تطوّرنا متناسباً أم لا. طبعاً، من الممكن أن لا تتمّ المحاسبة بدقّة عالية في أمورٍ كهذه، ولكن يمكن إجمالاً تحديد ما إذا كنّا تطوّرنا أم لا. أحد الأمور المهمّة كذلك بالنسبة لموضوع التوجّهات مسألة عقد التطوّر والعدالة، حيث كنّا قد قلنا فلتكن هذه السنوات العشر، عقد التطوّر والعدالة. حسناً، لقد لاقت قبولاً، وقالت أجهزة الدولة المختلفة نعم، فلنجعل هذا العقد عقد التطوّر والعدالة. وقد مرّت سنتان على هذا العقد. لا شكّ أن المرء يلاحظ مصاديق التطوّر في مختلف مجالاته. لقد كانت التقارير التي عرضوها تقارير جيّدة، فهي تظهر حصول تطوّر في مختلف المجالات. لكن كيف تُؤمَّن العدالة؟ يعني، هناك حاجة لمقياس، هناك حاجة لمعيار لكي نرى هل هناك مراعاة للعدالة في المجالات المختلفة ـ المجالات الثقافيّة، المجالات التعليميّة، المجالات الاقتصاديّة ـ أم لا؟ ما هو معيار العدالة في قسمٍ من أقسام التربية والتعليم، أو أقسام التعليم العالي؟ كيف تُؤمَّن العدالة؟ يجب أن يتمّ تشخيص هذا الأمر، لكي نتمكّن من دمج هذا المعيار في تخطيطنا، ولكي نصل إلى تلك العدالة التي نتوخّاها في مقام العمل وفي الإطار التنفيذي. لا يحقّ لنا أن نتكلّم طالما لم نعلم. وعليه، يبقى أن تحديد شاخص ومعيار للعدالة في المجالات المختلفة شيء مهم بحدّ ذاته. كيف تكون مراعاة العدالة في صرف الميزانيّات المختلفة؟ أنا أشير إلى المجال الثقافي مثلاً.

 

كيف يطمئنّ الإنسان إلى أنّه تمّت مراعاة جانب العدالة في صرف هذه الميزانيّات أم لا؟ هذه أمور بحاجة إلى معيار وشاخص. من الأمور الضروريّة الأخرى في هذه التوجّهات، الخطط الخمسيّة، وهذه الخطة الخامسة تتمّ دراستها في المجلس الآن، وآمل أن يكون هناك تعاون جدّي بين الحكومة والمجلس. لو فرضنا أنّ الحكومة حضّرت شيئاً ما وعبّرت بناء على ذلك عن إصرارها، ثم أتى المجلس وأجرى تعديلات أساسيّة فهذا سيودي بتناسق الخطّة. أو فلنفترض أن تغييراتٍ ما طرأت على الخطة الخامسة، ولم تكن هذه التغييرات منبثقة عن نظرة موحّدة وكليّة إلى البلد، بل كانت ناتجة عن نظرة إلى قسمٍ أو نظرة إلى منطقة، فهذا سيضرب التناسق الموجود في الخطّة كذلك. عندما ينظر الإنسان بنظرة مناطقيّة، ستبرز أمامه بعض الأمور بحجم

 

 

451

 


380

خطاب الولي 2010

كبير وضخم. وهكذا هي الأمور حقاً، الحاجة واقعيّة، ولكن عندما ينظر الإنسان إلى الأمور بنظرة جامعة، سوف نشعر بأنّ تلك الحاجة التي كانت في محلّها ضخمة، أنّ لونها يبهت وحجمها يصغر، لأنها بالطبع لن تكون ذات أولويّة عند مقارنتها مع سائر الأعمال التي لا بدّ من إنجازها، وبالنظر إلى الإمكانات المحدودة المتوفّرة.

 

هكذا يُرى البرنامج. يجب أن لا يحكم نظرتَنا إلى البرنامج الطابع الموضعي والمحلّي والمناطقي. هذا كان بالنسبة لتلك الجهة، أمّا من هذه الجهة، يجب أن تعتبر الحكومة الشيء الذي أعدّته وقدّمته قابلاً للتغيير والنقد. يجب أن تكون هناك طريقة يتحلّى من خلالها المجلس والحكومة بالليونة من منطلق المستوى الذي وضعوا أنفسهم فيه، يجب أن يستطيعوا التحرّك ليصلوا إلى بعضهما بعضاً، لكي ينتج عن ذلك برنامج متناسق، يتّفق عليه الحكومة والمجلس ليدخل حيّز العمل. بالنسبة للمسائل الاقتصادية، هناك أعمال جيّدة تمّ الفراغ منها، وقد أشار إليها رئيس الجمهوريّة في تقريره. حبّذا لو يكون هذا التقرير على مرأى من عامّة الناس، يعني أن يسمعوا تقرير الحكومة هذا بأكمله حول الأعمال التي أنجزت.

 

ما أريد التركيز عليه الآن هو خطّة التحوّل الاقتصادي[1] التي طرحت في الحكومة التاسعة. إن ترشيد الدعم الذي يعتبر جزء من خطّة التحوّل تلك هو قيد البحث وقد اقترب من موعد التنفيذ، الجميع متفقون ـ وإن اختلفت الآراء حول طريقة التنفيذ ـ لكن هناك أقسام أخرى من خطّة التحوّل الاقتصادي في مجال الأنظمة المالية والتجاريّة والجمركيّة وأمثالها التي يجب أن لا يُغفل عنها، وهذه أيضاً أمور لابدّ من متابعتها. لقد كانت خطّة التحوّل الاقتصادي أمراً مهمّاً وكبيراً. نحن نوصي بأن من جملة الأمور التي يجب أن لا تتراجعوا عنها في منتصف الطريق، مشروع التحوّل الاقتصادي هذا، فلتتابعوه حقّاً. من الأمور التي نشدّد عليها كذلك، قضيّة الاهتمام بالمؤشّرات الإقتصاديّة العامّة. طبعاً لقد وردت في تقرير السيد رئيس الجمهوريّة نقاط في هذا المجال، ونحن أيضاً بدورنا نؤكّد عليها. يجب أن يُعمل حقّاً على مسألة معدّل

 


[1] خطة التحول الإقتصادي: مشروع يهدف الى تحقيق العدالة الاجتماعية وخفض الضغوط الاقتصادية بشكل ملموس للشعب.

 

452


381

خطاب الولي 2010

النموّ.

 

ما رأيناه من نسبة معتمدة للنموّ في خطّة أو وثيقة آفاق الرؤية، يختلف عمّا هو في الواقع بفارق شاسع. ولسنا طبعاً غافلين عن عوامل الركود الاقتصادي في العالم، والمشاكل الاقتصاديّة العالميّة -فلهذه أثرها حتماً- ولكن في النهاية لا بدّ من بذل الجهد لكي نقترب ممّا حدّدناه وذكرناه كشاخص. وهكذا بالنسبة لمسألة الاستثمارات الداخليّة والخارجيّة. ما يقدّمونه من إحصاءات هي إحصاءات جيّدة وتبعث الأمل. وعلى كلّ حال، مسألة الاستثمار هي مسألة ذات أهمّية كبيرة. المستقبل يرتبط بالاستثمار في القطاعات المختلفة، سواء في قطاع الطاقة، أم في القطاعات الأخرى. الاستثمار ضروريٌّ في القطاعات المتنوّعة. قضيّة فرص العمل هي قضيّة مهمّة أيضاً. وما وُضع من خطط منذ عدّة سنوات حتى الآن لم يأت بما هو مأمول. صحيح أنّ هناك بعض الأعمال أنجزت، وكانت جيّدة، ولا بأس بها، لكنّها لم تغنينا عن إيلاء اهتمام خاصّ لقضيّة فرص العمل. وكذلك الأمر بالنسبة لمسألة رفع مستوى الإنتاجيّة. كذلك من الأمور التي نشدّد عليها، ونطرحها كتوصية جازمة في مجال المسائل الاقتصادية، قضيّة سياسات المادّة (44). لا بدّ من الاهتمام كثيراً بهذه السياسات. حسناً، هناك الآن إحصاء يُذكر حول الخصخصة في السنوات الطويلة الماضية مقارنة بهذه السنوات، هذا الإحصاء صحيح، إلّا أنّ سياسات المادّة (44) لم تكن قد أُعلنت حينذاك. أي لم يأت أحد على ذكر سياسات المادّة (44) في ذلك الوقت. لذا لا يمكننا ملاحظة ذلك الزمان، عندما أعلنت هذه السياسات فيما بعد، تغيّر وضع الاقتصاد، فقد بدأت في الواقع حركة جديدة في اقتصاد البلد. لذا فإنّ المقارنة مع ما قبل هذه الحقبة هي مقارنة غير كاشفة. علينا أن ننظر ما الذي أنجزناه في هذه الحقبة في موضوع المادّة (44)، هذا أمر مهمّ. انتبهوا، لقد كانت روح المادّة (44) هي أن نستطيع أوّلاً إدخال رؤوس أموال النّاس، ومن بعدها إدارة النّاس إلى معترك الاقتصاد. يجب أن تدخل رؤوس أموال النّاس وإدراتهم ـ القطاع الخاص ـ إلى معترك الإقتصاد، أمّا إذا بقيت الإدارة حكوميّة فلن يتحقّق المطلوب. طبعاً، ضمن الحدود التي تسمح بها هذه السياسات، والاعتبارات التي لوحظت في القانون ـ وهو قانون دقيق وجيّد ـ يجب أن تراعوا هذه

 

453


382

خطاب الولي 2010

إن شاء الله ـ وهو بالطبع ما لا يمكن إنجازه في فترة قصيرة، هذا من الأعمال المتوسطة أو البعيدة الأمد ويحتاج إلى بذل الجهد ـ فهذا ما سيحمل معه فرجاً لاقتصاد البلد حقّاً. طبعاً، بالنسبة لموضوع مكافحة التهريب ومكافحة الفساد الاقتصادي وأمثالها من المواضيع المطوّلة، كلّ واحدة من هذه ترتبط بنحوٍ ما بالمسائل الاقتصاديّة. وبما أنّنا تحدّثنا كثيراً في هذا المجال، ليس هناك من أمورٍ أريد ذكرها.

 

أمّا العنوان التالي الذي نريد أن نذكر بضع توصيات بشأنه، فهو قضيّة إدارة البلد. إنّ مجلس الوزراء هذا هو أحد أهمّ الإدارات. إنّ مجلس الوزراء شيء مهمّ جدّاً. نحن نعتقد أنّ مجلس الوزراء يؤدّي دوراً ثقيلاً للغاية. إن القرارات المتّخذة في مجلس الوزراء تضع مسؤوليّة قانونيّة على عاتق الجميع، على عاتق المسؤولين وعلى عاتق الشعب. ما يصادق عليه مجلس الوزراء له هذه الأهميّة. أمّا في الأمور التنفيذيّة فالحكومة هي في الواقع كلّ شيء. هناك بضعة مسائل لا بدّ من التعرّض لها. أحدها أنّ مجلس الوزراء يجب أن يساعد في عمليّة التآزر بين الأجهزة، يعني إذا كان هناك من تعارض بين الأجهزة ـ وهذا هو الحال عادة، تحصل عادة بعض الصدامات والتعارضات بين الأجهزة المختلفة بشكل طبيعي، وليس هذا خاصٌّ بنا، فهذه هي الحال أينما توجهنا، هذه هي طبيعة العمل ـ يجب على مجلس الوزراء أن يوصل هذه الصدامات إلى حدّها الأدنى، أو أن يزيلها إن استطاع. هذا من الأمور المهمّة. هناك مثال أضربه دائماً: لدينا هنا تقاطع طرق، بل طرق كثيرة، ورئيس الجمهوريّة هو بمثابة شرطي السير ـ وهو في الواقع بمثابة رئيس الوزراء، يقوم بمهمّة الإرشاد ـ يوقف هذا، ويأمر ذاك بالسير، أي أنّه يقوم بقيادة هؤلاء ليتآزروا، فلا يتصادموا. هذا أحد أدوار مجلس الوزراء.

 

قد تنعكس أحياناً هذه الصدامات والتعارضات التي تطرأ في سير العمل والتنفيذ في الإعلام، وهنا طبعاً سيتضاعف حجمها، في الواقع سيتضاعف حجم ما هو سيّئ. فلنفترض أنّ جهازاً ما قال شيئاً، مثلاً حول موضوعٍ أو ظاهرة ما، كأن ينقل خبراً، أو يعبّر عن رأي، فيأتي جهازٌ آخر ويقول العكس! سيقع الناس في حيرة، أي إنّهم واقعاً لا يعرفون هل هذا صحيح أم ذاك. وهذه مسألة تجد طريقها إلى حياة النّاس، فلا يمكن

 

 

455


383

خطاب الولي 2010

أن تبقى خارج إطار حياتهم، بل هي ترتبط بأمور حياتهم بشكل مباشر. ترى أحدهم يصدر إحصاء، ويصدر آخر إحصاء آخر، يجب أن لا تحصل أمور من هذا القبيل. لطالما عانت الحكومات من أمورٍ كهذه. حاولوا قدر المستطاع أن تحجّموا هذا التصادم أكثر فأكثر، في عمليّة توزيع الأدوار على مجلس الوزراء وإثمار هذه المجموعة التي تجلس مع بعضهم بعضاً وتستهلك وقتاً ثميناً.

 

المسألة التالية المهمّة بالنسبة لمجلس الوزراء هي دور هؤلاء الوزراء. في النهاية، المسؤوليّة هنا مشتركة. عندما تجلسون هناك، لديكم مسؤوليّة مشتركة. لا يستطيع أحدٌ ما أن يقول لا دخل لي، لست مسؤولاً، كلّا، عندما يتمّ اتّخاذ قرار في هذه المجموعة، السادة والسيّدات الحاضرون هناك، جميعهم مسؤولون، كلّ من له رأي فهو مسؤول، كلّهم مسؤول. وبما أنّكم مسؤولون، فيتوجّب عليكم إذاً أن تساهموا في بلورة وتصحيح وتكميل الشيء المصادق عليه. من غير المقبول أن يكون أحدهم في مجلس الوزراء مشغولاً بحقيبته، أو أن يشارك في الجلسة دون أن يكون لديه ملاحظة موضوعيّة، كلا، عندما يكون هناك قضيّة يراد طرحها، يجب أن يكون لكم رأي فيها.

 

يجب أن تكونوا مؤثّرين في صنع القرار، وبما أنّكم مؤثّرون بحسب القانون، عليكم أن تفكّروا في الموضوع، أن تقرأوا، أن تُشركوا خبراء جهازكم ووزارتكم في هذا الأمر الذي تريدون إصدار قرار بشأنه في الحكومة. طبعاً، هناك صلاحيّات معطاة للوزراء، ولا بدّ من الثقة بهم. يجب أن تعتمدوا على الأشخاص الذين هم على رأس القوة التنفيذيّة ـ الوزراء ـ ويجب أن يُعترف برسميّة مسؤوليّات الوزراء، إحذروا تمييع الأمور.

 

هناك مسألة أخرى بالنسبة للإدارات الحكوميّة، وهي العمل بالموازاة. يجب أن لا تنجز أي أعمال بالموازاة. العمل بالموازاة يعاني من عدّة عيوب:

أوّلاً: صرف طاقة إنسانيّة كبيرة في غير موردها.

 

ثانياً: تحمّل نفقات ماليّة جمّة.

 

ثالثاً: حصول تناقض بين القرارات، عندما يكون جهازان مسؤولان عن عمل واحد، يتخذ هذا قراراً، ويتّخذ ذاك قراراً آخر.

 

رابعاً: الأهم من جميع ما ذكرنا، تمييع المسؤوليّات.

 

456


384

خطاب الولي 2010

في المسألة الفلانيّة ـ الإقتصاديّة أو الثقافيّة أو السياسية الخارجية أو أيّ شيء آخر ـ إذا حصلت مشكلة كهذه، ستتعرّض المسؤوليّة للتمييع. عندما يقوم أحدهم بعمل موازٍ، تتميّع المسؤوليّة. هناك بعض الأعمال الموازية بين الحكومة ـ أي القوة التنفيذيّة ـ وبين بعض الأجهزة خارج نطاق القوة التنفيذيّة. إنّا نبذل كامل سعينا علّنا نحلّ مشكلة الأعمال الموازية، نصلحها، نعالجها. يجب أن لا يظهر بعد الآن أعمال موازية داخل الحكومة. قد تكون هناك بعض الموارد الإستثنائية، ولكن بشكل عام، ليست الأعمال الموازية شيئاً جيّداً. أريد أن أقول جملة أخرى في مجال الإدارة. أستمع أحياناً إلى شكاوى من بعض الأحبة في الحكومة من الأجهزة الأخرى، وكثيراً ما تكونون محقّين، أي أنّ الأمر يكون واقعاً كما شكوتم من بعض السلطات الأخرى، مثل القوى المسلحة وغيرها، غالباً ما يلاحظ المرء أنّ المسؤولين التنفيذيّين محقّون، الحقّ معهم واقعاً، فأنا كنت شخصيّاً في القوة التنفيذيّة، وأعرف كم هو حجم وطريقة العمل، لذا أرى أنّ هذه الشكاوى محقّة، لكن من الممكن في نفس الوقت أن تكونوا محقّين في أغلب الموارد، وأن يكون في بعض الحالات الانتقاد الموجّه إليكم في محلّه.

 

لذا عليكم أن تغرسوا في نفوسكم ميزة استيعاب النقد. يجب أن يتقبل المسؤولون الحكوميّون فكرة استيعاب النقد في نفوسهم. لا شكّ أنّ هذا عملٌ صعب، ولكن لا بدّ من سعة الصدر في المعاملة، فـ "آلة الرياسة سعة الصدر"[1]. طبعاً، ليست الرياسة بمعنى الجلوس في الأعلى. إذا أردتم الإدارة، لا بدّ أن تتحلّوا بسعة الصدر، وأن تتحمّلوا بعض الأمور.

 

قبل سنة أو سنتين، عندما كانت هذه المجموعة حاضرة هنا، كنت قد عبّرت عن شكوى من الحكومة فيما يتعلٌق بالمسألة الثقافيّة، ولكن لحسن الحظ، يشعر المرء الآن بأنّه يجري الاهتمام في الحكومة بالعمل الثقافي.

 


[1] السيد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، مصدر سابق، ص501.

 

 

457


385

خطاب الولي 2010

الميزانيّات الثقافية الكبرى والضخمة، والأعمال المتنوّعة في الواقع، وتكرار المسائل الثقافيّة، هذه أمور جيّدة، يشعر المرء بالسرور عندما يشاهد هذا النوع من الاهتمام، إلا أنّه أوّل هذه السنة أو السنة الماضية ـ لا أتذكر ـ عندما جرى الحديث مع رئيس الجمهوريّة حول هذه الميزانيّة، قلت له عندما سمعت أنّكم صادقتم على هذا الرقم الثقافي الكبير والثقيل، أصابني القلق من طريقة صرفه وتقسيمه، على الرغم من أنّ المرء يجب أن يُسرّ عندما تزيد الميزانيّة الثقافيّة. يحبّ مدراؤنا أن يسحبوا الميزانيّات عندما يحصلون عليها، لأنّهم يعرفون أنّهم إذا لم يسحبوها هذه السنة، لن يبقى لهم شيء في السنة القادمة، لذا يضطرّون إلى سحبها. حسناً، إنّ سحب الميزانيّة الثقافيّة إلى المورد المناسب عملٌ صعبٌ للغاية، ليس عملاً سهلاً. يختلف العمل الثقافي عن الإعمار، فلا يمكننا أن نقول مثلاً، هذه الأرض، وهذه مواد البناء، فلنذهب ونبنِ. إن مواد العمل الثقافي لا تتيسّر إلّا بصعوبة بالغة، يصعب كثيراً العثور على بنّاء وحِرَفيّ له. لذا أرى أنّه يجب الاهتمام شيئاً ما عندما نكون أمام عمل ثقافي ما. فلنرَ أوّلاً ما هو نوع العمل الثقافي الذي نوليه الأهميّة. في بعض الفترات السابقة ـ التي لا نريد أن نكون واضحين حولها ونذكر الأسماء، لكن لا مفرّ، يجبر المرء على الكلام لكي يجري مقارنة ـ أرادوا أن يقوموا بعمل ثقافي، فطلبوا ميزانيّة ثقافيّة، ونووا أن يرمّموا نزلاً للقوافل من زمن الشاه عبّاس على طريق السفر! نعم، ترميم نزل للقوافل ينتمي إلى فترة الشاه عبّاس أمرٌ جيّد، وهذا أحد المواقع الأثرية، ولكن هل هذا هو العمل الثقافي ذو الأولويّة؟

 

نحن الذين نواجه ضغوطات ثقافيّة عالميّة عظيمة، السياسة في خدمة الثقافة، الاقتصاد في خدمة الثقافة، الفنّ في خدمة الثقافة، لكي نركّز الجهود على ثقافة شعبنا الداخليّة. إنّهم يعلمون أنّهم إذا استطاعوا أن يغيّروا الثقافة، فلن تكون هناك أيّ معركة. إذا كان هناك من مقارعة للاستكبار، إذا كان هناك رغبة بالصمود والتصدّي للتدخّل الأجنبي، فهو بسبب الثقافة. عندما يمتلك الإنسان ثقافة، ويأتون ويغيّرون ثقافته هذه، سوف يصبح كلّ شيء ملكاً لهم، لذا فإن الجهود جميعها منصبّة على الثقافة. عندما نكون في مواجهة حركة ثقافيّة تريد أن تسلبنا روح الثورة، روح الاستقلال، روح الدين، هل ستكون أولويّتنا هي أن نرمّم نزلاً للقوافل من زمن الشاه

 

 

458


386

خطاب الولي 2010

عبّاس مثلاً؟! هنا يكمن الخطأ في تشخيص نوع العمل الثقافي، هذا أحد الإشكالات. فما هو الذي يجب أن نطلبه في العمل الثقافي إذن؟ الإنتاج هو المطلوب.

 

في اللقاء الذي جرى الأسبوع الماضي مع الجامعيّين ـ ومن حسن الحظ أنّ لقاءاتنا مع الجامعيّين ليست بالقليلة ـ وجدت أن هؤلاء الشباب الثوريّين، هؤلاء الشباب الذين هم أمل غدنا، من التنظيمات المختلفة ومن النخب ـ غير المنتمية إلى التنظيمات ـ أكّدوا على موضوع الإنتاجات الثقافيّة، أنّه ما هو المقدار الإنتاج الثقافي الذي نقدّمه، وما هو الحجم المطلوب تأمينه. حسناً، لقد قمتم بعملٍ فائق الأهميّة هنا، ولعلّي أشير إلى موارده في مناسبة خاصّة فيما بعد.

 

النقطة الثانية في هذا المجال هي: عندما نعثر على مورد للإنفاق الثقافي، إذا عثرنا على النوع المناسب لننفق هذه الموازنة، يجب أن نتابع محتواه. قرّرنا فرضاً في نهاية المطاف أن نصنع الأفلام. أردنا مثلاً صناعة عشرة أفلام عن الثورة، عشرة أفلام محورها القيم. أو أردنا أن ننشر العدد الفلاني من الكتب، ما هو المحتوى المطلوب؟ كيف يجب أن يكون؟ على أيّ درجة من القوّة؟ بأي درجة من المتانة؟ ما هو حجم المخزون العلمي والفنّي الذي يجب أن يحمله؟ هذه أعمال صعبة ودقيقة. يجب أن لا نسعى وراء الأعمال الاحتفائيّة والاستعراضيّة في المجالات الثقافيّة. تحويل العمل الثقافي إلى عمل استعراضي ـ عدا عن أنّه لا يحمل خيرا ـ هو مضرّ. يجب أن نهتمّ في المجال الثقافي بالأعمال ذات المحتوى، الأًصيلة والواقعيّة، وهذه هي حاجتنا الرئيسة في البلد اليوم.

 

لقد دوّنت جملة هنا تعقيباً على ما قاله رئيس الجمهوريّة، من أنّه قليلاً ما نرى وزير الخارجيّة لأنّه يكون مسافراً في أغلب الأوقات. حسناً، هذه الحركة الكثيرة نحو الخارج والذهاب والإياب وغيرها، هذه إنصافاً تستحقّ الشكر، إلا أنّه لا بدّ هنا من الإشارة إلى نقطة، وهي أنّ الديبلوماسيّة لا تقتصر على الحركة والذهاب والاجتماع والزيارة، فهذه جسم الديبلوماسيّة، هذه جسد الديبلوماسيّة ـ التي هي بالطبع مهمّة جدّاً ـ وللجسم روح، هذا أمر يجب أن تتمّ تقويته في الجهاز الديبلوماسي. لا شكّ أنّ السادة يعملون بجدّ إنصافاً، ولا يجوز أن ننكر الجميل على ما يبذلونه من جهد، لكن أردت أن أعطي ملاحظة في هذا المجال. فلتفترضوا أنّ لدينا اجتماعاً، لدينا جلسة،

 

 

459


387

خطاب الولي 2010

حسناً، ماذا يتمخّض عن هذه الجلسة؟ أحياناً تكون جيّدة جدّاً، مثل اجتماع pT (معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النوويّة) الذي عقد في نيويورك، حسناً، لقد كان هذا من الأعمال الجيّدة والبارزة، أو غيرها من الأعمال التي اطّلعت عليها ـ بعض اللقاءات، بعض المحادثات، بعض الجلسات ـ عندما يطّلع المرء على ما جرى فيها، يجد أنّها ذات محتوى جيّد، أي أنّه من الواضح أنّ هناك عملاً ما أنجز، لكن بعضاً منها بحاجة إلى تأمّل، يحتاج إلى تدقيق وتحقيق. يجب أن تكون هذه التحرّكات في العمل الديبلوماسي في الاتّجاه الصحيح وذات محتوى كامل. يجب أن تكون وزارة الخارجيّة مركز جميع الأعمال الديبلوماسيّة، أي يجب أن تكون هذه الأعمال بتحكّم من وزارة الخارجيّة. كذلك بالنسبة للمحادثات الاقتصاديّة مع البلدان، نحن نرى أنّ القسم الخاص بالمسائل الاقتصاديّة في وزارة الخارجيّة يجب أن يكون مركز أي تردّد وتحرّك.

 

نسأل الله تعالى أن يوفّقنا جميعاً إن شاء الله لنتمكّن من أداء ما هو مطلوب منّا وما سيسألنا الله عنه. لقد ورد في دعاء مكارم الأخلاق الشريف أنّه: "وَاسْتَعْمِلْنِي‏ بِمَا تَسْأَلُنِي غَداً عَنْهُ"[1] يعني، ربّنا! استعملنا في الأمور التي ستسألنا عنها غداً يوم القيامة. سوف نُسأل عن بعض الأمور، ينبغي أن نُوفّق لها. نسأل الله أن يساعدنا ويوفّقنا إن شاء الله لنتحرّك في هذا الاتجاه ونؤدّي وظائفنا. نسأل الله أن يوفّيكم أجركم وأن يهيّئ لنا في بلدنا جوّ العمل والمحبة والسعي والمجاهدة والروحيّة الثوريّة أكثر يوماً بعد يوم.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 


[1]الإمام زين العابدين عليه السلام، الصحيفة السجّاديّة، مصدر سابق، ص92.

 

 

460


388

خطاب الولي 2010

نداء الإمام الخامنئي دام ظله

للشعوب المسلمة إثر فاجعة السيول

في باكستان

 

 

 

 

المناسبة:   فاجعة السيول في باكستان

المكان:   طهران

 

الزمان:    90/60/9831هـ.ش.

02/90/1341هـ.ق.

13/80/0102م.

 

 

461


389

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أيتها الأمة الإسلامية الكبرى فاجعة السيول التي انزلت بالإخوة والأخوات الباكستانيين محنة كبرى تكتسب كل يوم أبعاداً أوسع.

 

لقد شملت هذه الفاجعة مناطق واسعة من شمال باكستان إلى جنوبه وشردت الملايين من الأفراد. وإن اتساع رقعة هذه المحنة المدمرة جعل عمليات الإمداد والإغاثة تواجه صعوبات عديدة.

 

يواجه الشعب الباكستاني المسلم هذه المصيبة الكبرى في حين تتذرع القوات الأمريكية المحتلة المعتدية دائماً بذرائع واهية لتصول وتجول في تراب هذا البلد الإسلامي.

 

أيتها الشعوب المسلمة الشريفة

إن حجم الخسائر كبير إلى درجة أنه فضلاً عن الحاجة الفورية والمبرمة للملايين من إخوتنا وأخواتنا للغذاء والثياب والسكن، فإن جانباً هائلاً من البنى التحتية لباكستان قد دُمّر.

 

 وللأسف فإن المنظمات الدولية لم تنهض بواجبها أي إغاثة الناس المنكوبين على نحو جيد، الأمر الذي يستدعي بدوره الفطنة والتدقيق.

 

أيها الإخوة والأخوات المسلمون

مهما كان حجم مساعداتنا فهو قليل مقابل محيط احتياجات المنكوبين بالسيول في باكستان. ولكن يجب في هذا الظرف الخطير العمل بواجباتنا على أساس الأخوة الإسلامية، والمسارعة لمساعدة هؤلاء الإخوّة والأخوات المنكوبين.

 

النقطة التي يجب على الحكومات المسلمة والمنظمات الدولية الاهتمام بها أكثر هي مساعدة الحكومة الباكستانية في التخطيط والتنفيذ لكيفية مواجهة هذه المحنة وطريقة الإمداد والإغاثة

 

 

463


390

خطاب الولي 2010

والتبعات الفورية والبعيدة الأمد لها، الأمر الذي يخلق المشاكل يقيناً لأية حكومة في ممارسة الإغاثة بصورة كاملة وشاملة في الظروف الطارئة.

 

السيد علي الخامنئي

٩ شهريور ١٣٨٩

٢٠ رمضان المبارك ١٤٣١

 

 

464


391

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء أساتذة الجامعات

 

 

         

المناسبة:   لقاء سنوي في شهر رمضان المبارك

الحضور:  المئات من أساتذة الجامعات ومعاهد التعليم العالي في البلاد

المكان:   طهران ـ حسينية الإمام الخميني قدس سره

 

الزمان:    14/06/1389هـ.ش.

25/09/1431هـ.ق.

05/09/2010م.

 

 

465


392

خطاب الولي 2010

إنني راضٍ جداً وشاكر. وأشكر الله تعالى على أن منحنا هذا التوفيق وتمكّنا في شهر رمضان آخر أن نجتمع مرة أخرى، ولساعات أخرى لنكون في خدمة الصلحاء المؤمنين والأساتذة البارزين في بلدنا من الإخوة والأخوات ونستفيد من كلماتهم الجيدة.

 

ها هو شهر رمضان في أيامه الأخيرة حيث تسيطر على قلب شعبنا وروحه ـ وأنتم من جملتهم ـ حالة العبادة والخشوع والصفاء، إن شاء الله. لقد قرأتم في أدعية هذه الأيام والليالي: "اللَّهُمَّ وَهذِهِ أَيَّامُ شَهْرِ رَمَضانَ قَدِ انْقَضَتْ، وَلَيالِيهِ قَدْ تَصَرَّمَتْ"[1].

 

ومع انقضائها لا نعلم ما أدركنا من رحمتك وعنايتك يا الله في هذه الليالي والأيام التي مضت وما هو مقدار استفادتنا، ونقول: "وَإِنْ‏ لَمْ‏ تَكُنْ‏ رَضِيتَ‏ عَنِّي‏ فَمِنَ‏ الآنِ فَارْضَ عَنِّي يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ"[2]. حسناً، إن طهارة النفس وصفاءها أمرٌ مهمٌّ ولازمٌ للجميع، وله تأثيرٌ في حياة الجميع، ولكنه بنظري أكثر أهمية وفائدة ونفعاً للأساتذة والعلماء. وذلك أولاً: لأنكم أساتذة فإنّ سلوككم وتصرّفكم له تأثيرٌ أكبر من كلامكم في تكوين شخصية التلميذ والشاب ـ فغالباً ما يكون الأمر كذلك ـ بحيث أنه لو كان كلامكم سبباً لسوقه نحو جهة ما ولم يكن سلوككم مصاحباً لكلامكم في هذا التوجيه، فإن هذا السلوك والتصرف سيؤثر في مخاطبكم وتلميذكم، أي ذلك المتعلم والشاب. فهذا أحد أبعاد أهمية صفاء النفس. لو تمتّع أستاذنا بالروحية المعنوية الصافية فإنّه سينوّر أجواء صفّه وقلوب المتعلمين. فنحن نحتاج إلى هذا الأمر. وبالإضافة إلى ذلك

 


[1] ابن طاووس، السيّد رضي الدين عليّ بن موسى الحسني الحسيني، الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرة في السنة، تحقيق جواد القيومي الاصفهاني، مكتب الإعلام الإسلامي، إيران - قم، 1414ه، ط1، ج1، ص364.

[2] المصدر نفسه.

 

467

 


393

خطاب الولي 2010

فأنتم علماء، لهذا فإن العلم إذا صوحب بالنورانية فإنه سيجد وجهته الصحيحة.

 

هذه المطالب التي ذكرتموها أيها الأعزاء، وما نراه من موانع ومشاكل وإشكالات في المجالات المختلفة حيث ذكرتم بعضها، فإنّ الكثير منها إنما يحصل لأن العلم لا يتحرك بالاتجاه الصحيح المرسوم له ـ وفق السنّة الإلهية. فصفاء النفس هذا، وهذه النورانية تعين العالم ليوجّه علمه في الإتجاه الصحيح ويتقدّم.

 

فلنعلم قدر هذه الأيام والليالي، لقد صمتم أكثر من عشرين يوماً وكنتم بحمد الله موفقين وباليقين استفدتم من الأنوار الملكوتية لهذه الأيام والليالي، فاسعوا فيما بقي من هذا الشهر إلى أن تملأوا مهما استطعتم وجودكم من شلال اللطف والصفاء الإلهي الذي ينهمر علينا.

 

إن الجامعة هي محرّك تطور البلد. ولا شك في هذا أبداً. فلو أن شعباً أراد العزة والاستقلال والاقتدار والثروة فعليه أن يزيد جامعته قوة. ولحسن الحظ فإن هذه النقطة مستقرة في ذهنية مسؤولي البلاد، فالكلّ قد أدرك أن عليه الاهتمام بالجامعة.

 

إن البلد اليوم بحاجة إلى جهادٍ علمي. وعندما أذكر العلم هنا فإن قصدي هو المعنى العام للعلم وليس العلوم التجريبية فقط. يلزمنا جهادٌ علمي. وسوف نعرض الآن بعض المطالب التي ذكرها الإخوة والأخوات وإذا كان هناك من تعليق فسوف أذكر فيما يلي، ولكن ما يبدو لي كقاسمٍ مشترك بين جميع القضايا ـ حيث أرى نفسي مسؤولاً وملزماً أن أذكرها وأتابعها وأمعن النظر فيها بدقة وحرص وتمحيص، لأرى إلى أين ستصل ـ هو أن البلد بحاجة إلى جهاد علمي.

 

لاحظوا، إن الجهاد له معنىً خاص. الجهاد لا يعني مجرّد السعي. ففي المفهوم الإسلامي يكون الجهاد عبارة عن ذلك السعي مقابل عدو ما أو خصم. فليس كل سعيٍ جهاداً. فجهاد النفس، وجهاد الشيطان، والجهاد في الميدان العسكري هو مواجهة عدو أو مخالف. ونحن اليوم في مجال العلم بحاجة إلى مثل هذا السعي في البلد، نشعر بأن هناك موانع علينا أن نزيلها، وعوائق يجب أن نحطّمها، وفي مجال توفير الإمكانات العلمية يوجد خسة لدى أولئك الذين يمتلكونها ـ وهي الدول المتطورة علمياً ـ وعلينا أن نظهر من أنفسنا في المقابل عزّة ونهضة تحركاً نحو الأفضل. العالم

 

468


394

خطاب الولي 2010

اليوم ورغم تظاهره بالسخاء العلمي هو في منتهى الخسّة من حيث العلم. فالذين تمكّنوا، لعوامل مختلفة، من أن يمتلكوا في فترة ما تطوراً علمياً واعِتلوا مركب التطور وتفوّقوا على غيرهم ـ وهم الدول الغربية المتطورة التي حصلت على ذلك منذ عصر النهضة، وقد كان ذلك في أيدينا يوماً ـ هم احتكاريون، فهم لا يريدون أن تتسع دائرة هذا العلم وهذا الاقتدار، فلهذا يخالفون علم الشعوب، وخصوصاً بعد أن أصبح هذا العلم وسيلة بأيديهم للسياسة.

 

فالاستعمار ظهر من العلم. والعلم هو الذي مكّنهم وجعلهم مقتدرين، لهذا جالوا العالم واستعمروه، هذا حينما كانت الشعوب تعيش مستقلة. فأين هي بريطانيا وأين هي أندونيسيا؟! فأولئك استطاعوا أن يحتلوا تلك المناطق بواسطة العلم. وعندما صار الاستعمار وليد العلم واعتمدت القوة الدولية والقدرة السياسية على العلم، قالت إنه لا ينبغي لهذا العلم أن يكون بيد الآخرين، وإلا فإنه يهدد هذه القدرة. وها هم اليوم وما زالوا على هذا المنوال. وها إن شعباً يريد ويصمم على الوقوف على قدميه واستخدام طاقاته، ولحسن الحظ فإن هذه المجالات قد تحققت له بطريقة ما ـ وشعبنا هو كذلك ـ ولعل هناك شعوباً أخرى لو أرادت أن تقف على أقدامها في قضية العلم لما استطاعت، لأنه ليس لديهم تلك السابقة التاريخية ولا ذاك الاستعداد المحلي والإقليمي والذاتي. وبلدنا بحمد الله لديه كل هذه الأمور.

 

فالثورة حصلت، وانبعث التحرّك العظيم وتحقّقت الصحوة والشعور بالاقتدار وبدأت حركة مهمة أثمرت تطوراً وافراً. وعلينا أن نذعن ونعترف بأن هذه الحركة ما زالت في بدايتها. فنحن في بداية الطريق.

 

أشار الأصدقاء إلى التخطيط لمئة سنة. بالطبع إنني لا أعتقد بالتخطيط لمئة سنة، لكنني أستحسن هذا التفكير وهذه الروحية التي نشعر معها بأننا ما زلنا نخطو الخطوة الأولى رغم مرور ثلاثين سنة، حتى إذا أردنا أن نخطو عشر خطوات فهذا يعني ثلاثمئة سنة. علينا أن نعلم أننا في خطواتنا الأولى، ويجب أن نعلم أننا نستطيع أن نخطو خطوات أكبر، يجب أن نخلق هذا الشعور. وإنني أعتقد بأنه سيتحقق حتماً، فمثلما أن هذه الحركة العلمية العظيمة وهذه الإبداعات العلمية وهذا الإنتاج

 

 

469


395

خطاب الولي 2010

العلمي والعبور إلى حدود العلم لم تكن لتخطر على بالنا، وها هي قد طُرحت وقيلت وتوبعت، وها أنتم ترون ثمراتها اليوم، لهذا فإننا نستطيع أن نخطو خطوات أكبر ونستطيع أن ننجز أعمالاً كبرى.

 

من اللازم بداية أن أستعرض ما قاله الأصدقاء، لأن ما طُرح اليوم كان في الحقيقة بالنسبة لي مُرضياً جداً. وهو ما لم يكن كذلك دائماً. ففي بعض الأحيان كنا نجلس في اجتماعات الأساتذة المحترمين ونقوم دون أن أستفيد شيئاً. أما اليوم فقد استفدت كثيراً. كانت القضايا متنوعة وغزيرة المعنى، وما ذُكر كان حيوياً جداً، سواء الآراء التي أُدرجت حيث كانت آراء جديدة، أو تلك الاقتراحات التي قُدّمت فيما يتعلق بالإجراء والتنفيذ فقد كانت ممتازة. واليوم كان لقاؤنا عظيم الفائدة وأنا أود أن يتمّ نشر تفاصيل هذه الكلمات، فإن كان عبر الوسائل المحلية فهو جيد، والأفضل أن يتم تدوينها جميعاً وتوزيعها. فالكلام كان كلاماً ممتازاً. أشار أحد الأصدقاء إلى تأسيس كلية الطب التراثي، وهذا ما يمثّل لي بشرى. وأحد الأصدقاء عرض بعض المسائل المتعلقة بالنظام الاقتصادي الحاكم حالياً على البلد وادّعى أننا قد ابتعدنا عن الدستور. وأنا لا أعتقد بذلك.

 

إنني مخلصٌ لأخينا العزيز الدكتور سبحاني، نحن نعرفه ونعرف آراءه وهو من إخواننا الجديرين حقاً. ولكننا لا نوافق على هذا الكلام، من الممكن أن لا نوافق على بعض البنى الفوقية والظواهر ـ فقطعاً هناك موارد من هذا القبيل ـ لكن المباني صحيحة وخصوصاً قضية السياسات المتعلقة بالمادة 44 التي مُحّصت وبُحثت، حيث تمّ التعرّض لآرائه ولآراء بعض الأصدقاء الآخرين، سواء عندما كانوا في المجلس أو خارجه.

 

أشار بعض الأصدقاء إلى جامعة (حكمت بنيان) وكان هذا الكلام جديداً بالنسبة لي. ولا أعرف هنا إذا كان المقصود من هذه الحكمة المعنى الذي ذكره الدكتور فيّاض ـ حيث إن كل ما ذكره حول الحكمة يمثل تعريفا صحيحاً تماماً ـ أم معنىً آخر، فهذا ما لا أعرفه، لكن هذه الجامعة أمرٌ جديد، والأجدد هو ما ذُكر من أن مثل هذه الجامعة قد أنجزت بعض الأعمال، وأنجزت جامعة طهران أعمالاً أخرى، فهذا الأمر جدير جداً

 

 

470


396

خطاب الولي 2010

العلمي والعبور إلى حدود العلم لم تكن لتخطر على بالنا، وها هي قد طُرحت وقيلت وتوبعت، وها أنتم ترون ثمراتها اليوم، لهذا فإننا نستطيع أن نخطو خطوات أكبر ونستطيع أن ننجز أعمالاً كبرى.

 

من اللازم بداية أن أستعرض ما قاله الأصدقاء، لأن ما طُرح اليوم كان في الحقيقة بالنسبة لي مُرضياً جداً. وهو ما لم يكن كذلك دائماً. ففي بعض الأحيان كنا نجلس في اجتماعات الأساتذة المحترمين ونقوم دون أن أستفيد شيئاً. أما اليوم فقد استفدت كثيراً. كانت القضايا متنوعة وغزيرة المعنى، وما ذُكر كان حيوياً جداً، سواء الآراء التي أُدرجت حيث كانت آراء جديدة، أو تلك الاقتراحات التي قُدّمت فيما يتعلق بالإجراء والتنفيذ فقد كانت ممتازة. واليوم كان لقاؤنا عظيم الفائدة وأنا أود أن يتمّ نشر تفاصيل هذه الكلمات، فإن كان عبر الوسائل المحلية فهو جيد، والأفضل أن يتم تدوينها جميعاً وتوزيعها. فالكلام كان كلاماً ممتازاً. أشار أحد الأصدقاء إلى تأسيس كلية الطب التراثي، وهذا ما يمثّل لي بشرى. وأحد الأصدقاء عرض بعض المسائل المتعلقة بالنظام الاقتصادي الحاكم حالياً على البلد وادّعى أننا قد ابتعدنا عن الدستور. وأنا لا أعتقد بذلك.

 

إنني مخلصٌ لأخينا العزيز الدكتور سبحاني، نحن نعرفه ونعرف آراءه وهو من إخواننا الجديرين حقاً. ولكننا لا نوافق على هذا الكلام، من الممكن أن لا نوافق على بعض البنى الفوقية والظواهر ـ فقطعاً هناك موارد من هذا القبيل ـ لكن المباني صحيحة وخصوصاً قضية السياسات المتعلقة بالمادة 44 التي مُحّصت وبُحثت، حيث تمّ التعرّض لآرائه ولآراء بعض الأصدقاء الآخرين، سواء عندما كانوا في المجلس أو خارجه.

 

أشار بعض الأصدقاء إلى جامعة (حكمت بنيان) وكان هذا الكلام جديداً بالنسبة لي. ولا أعرف هنا إذا كان المقصود من هذه الحكمة المعنى الذي ذكره الدكتور فيّاض ـ حيث إن كل ما ذكره حول الحكمة يمثل تعريفا صحيحاً تماماً ـ أم معنىً آخر، فهذا ما لا أعرفه، لكن هذه الجامعة أمرٌ جديد، والأجدد هو ما ذُكر من أن مثل هذه الجامعة قد أنجزت بعض الأعمال، وأنجزت جامعة طهران أعمالاً أخرى، فهذا الأمر جدير جداً

 

 

471


397

خطاب الولي 2010

بالنسبة لي. فلم أسمع بمثل هذا الأمر وليس لديّ أي اطّلاع على وجود مثله في البلد.

 

اقتراح إحداث مرصد لسير الخطّة العلمية الجامعة هو اقتراحٌ صحيحٌ تماماً. وقد كان هذا ضمن الملاحظات التي دوّنتها وأردت تناولها. فالخطة العلمية الجامعة يلزمها برنامجٌ تنفيذي، بالإضافة إلى مرصد بحسب تعبيره، من أجل أن نطّلع على حال التقدّم ومساره، ولكي لا يتوقف البرنامج أو ينحرف. وبالنسبة لأهمية العلوم الإنسانية، فلحسن الحظ تحدّث الأصدقاء اليوم بصورة وافية، وهو الكلام الذي ينبع من قلوبنا. وقد ذكرت مسألة في السنة الماضية فيما يتعلق بالعلوم الإنسانية، وقد لاحظت أن كلامي قد تلقّاه بعض الأفراد وتعاملوا معه بصورة غير علمية وغير منطقية، وقد استنتجوا من كلماتي أموراً لا تمت إليها بصلة، وكلامي فيما يتعلق بالعلوم الإنسانية هو ما ذكره أصدقاؤنا هنا وهو صحيحٌ تماماً: العلوم الإنسانية لها أهمية، العلوم الإنسانية الحالية في وطننا ليست وطنية ولا ترتبط بنا ولا تنظر إلى احتياجاتنا ولا تستند إلى فلسفتنا أو معارفنا بل هي ناظرة إلى قضايا أخرى ولا تحل مشاكلنا. غيرنا كان له في هذا المجال كلام وقد ابتكر له حلاً ـ ولا علاقة لنا هنا بمدى صحته ـ وهو غريبٌ عنا من الأساس. فبالطبع، لا يوجد الآن مجال للحديث عن العلوم الإنسانية. في المستقبل إذا أعطانا الله عمراً وتوفيقاً فسوف يكون لي حديث مفصل فيما يتعلق بالعلوم الإنسانية إذا كان لنا لقاء جامعي آخر مع الأساتذة الجامعيين أو طلاب الجامعات. فعند هذا العبد كلام كثير فيما يتعلق بمسائل العلوم الإنسانية.

 

المشاكل التي عرض لها السادة صحيحة تماماً. فأنا أعرف أنه لم يتم تغيير مناهج العلوم الإنسانية رغم مرور كل هذه المدة، وفي الواقع فمن العيب أن يمرّ أكثر من عشرين سنة دون تغييرٍ في المنهج الدراسي للعلم الفلاني، فهذا يدلّ على عدم وجود جرأة للمناقشة، وهذا هو الشيء الذي نخشاه.

 

لا توجد جرأة للمناقشة، فما كان موجوداً يُدرّس ثم يُعاد تدريسه حتى لو مرّت عشر سنوات أخرى، في حين أنه بحسب تعبير هذا الأخ المحترم فإن العلوم الإنسانية تشهد كل حوالي خمس سنوات تغييرات تكون في بعض الأحيان بنيوية. وبالحد الأدنى هذا ما يجري في بعض العلوم الإنسانية. إنني أشكر هذا الأخ كثيراً، وكذلك الإخوة

 

 

471


398

خطاب الولي 2010

 والأخوات الآخرين والأساتذة المحترمين الذين يفكرون في قضية العلوم الإنسانية.

 

فالكلمات التي ألقيت كانت ناشئة من المطالعة والتفكر والتأمل، وهي عظيمة القيمة.

 

أشار أحد السادة إلى أنه بدلاً من أن نتعامل مع العلوم الإنسانية الحالية بطريقة سلبية، وخاصة المناهج الغربية، فلنتعامل معها بطريقة إيجابية بمعنى أن نطرح المناهج الإسلامية. أجل، فأصل القضية هو هذا ولا شك بذلك. فالمرء لا يستطيع أن يعيش في الفراغ. وعندما تُطرح القضية فإنها تتطلب جواباً، وهو إما أن يكون منهم أو منا غاية الأمر أن ما هو مهم أمران:

الأول: هو هذا الجواب الذي نحمله، فيجب تدوينه ـ وهذا العمل ينبغي أن تقوموا به أنتم، أساتذة الحوزة والجامعات، ومن ينهض به؟ فهو ليس وظيفة الحكومة.

 

الثاني: إيجاد الشجاعة لمناقشة المنهج الغربي الحالي الناشئ من الليبرالية الديمقراطية، فهذان الأمران ضروريان. وكلاهما بأيديكم.

 

بيد الأساتذة المتخصصين في العلوم الإنسانية. وما ذُكر حول ضرورة وجود إدارة لهذا الأمر وتشكيلات خاصة محلّ تأمل، ويجب البحث بشأنه وهو كلامٌ صحيحٌ ـ بالحد الأدنى بإطاره الكلي ـ لكن على أي حال العمل هو عمل أساتذة العلوم الإنسانية.

 

تحدّثت إحدى السيدات حول اختيار الطلاب وعدم انسجام أبحاث التخرج مع الحاجات العلمية، وهو كلامٌ صحيحٌ جداً، وهو ما نقوله نحن. وكذلك تمّ التأكيد على ضرورة وجود سير من الاتجاهين بين القيادة والمجتمع النسائي. بالطبع لا تصح مقارنة المجتمع النسائي بالجامعة أو القوى المسلّحة. فالمجتمع النسائي يمثّل أكثر من نصف عدد السكان، وهو ما لا تصحّ مقارنته بمجتمعٍ جامعي أو على سبيل الفرض بمجموعة عسكرية. ولكن حسناً، إنه كلام صحيح، وعلى كل حال يجب أن نفكّر ونستمع إلى وجهات نظر السيدات العالمات الصالحات والمتعلمات في البلد لأن قضايا المرأة مهمة جداً، وحقٌّ ما قيل. وفي الواقع إن مشكلة المرأة في عالمنا الحالي ـ لا في بلدنا فحسب ـ تُعد من المشاكل الأساس، وهي في بلدنا أقل منها مقارنة بالكثير من بلدان العالم ومنها الدول الغربية، فهناك تزداد المشاكل صعوبة بشكلٍ كبير.

 

 

472


399

خطاب الولي 2010

 

أحد السادة -الدكتور زالي- تحدث عن التطور الباعث على الفخر في حقل الطب والعلاج والصحة وتكنولوجيا الأحياء وقدم إحصاءات مدهشة. ما شاء الله على هذه الذاكرة التي حفظت كل هذه الأرقام والجزئيات والخصوصيات، كان الأمر مدهشاً. فالمرء ليس له سوى مدح هذه الذاكرة. وإن شاء الله يحفظها الله له. يجب عرض هذا التطور حتى يعلم الشعب به.

 

فهناك من يجلس على قلب الطالب الجامعي والأستاذ ليتلو عليه آيات اليأس والإحباط: هذا لا يتحقق، وهذا لا نقدر عليه، وهذا لا فائدة منه. فهؤلاء في الواقع مثل حشرة العث: مخلوقات دنيئة ومخربة ومدمرة. فالبلد يتحرك نحو الأمام بكل يسر. والغرسة قد أصبحت بحمد الله شجرة طيبة: كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء. فنحن نتقدم على صعيد جميع المجالات. وبالطبع نواجه تحديات. ولو أراد المرء أن لا يسقط أرضاً فعليه أن لا يسير أبداً. وإذا أردنا التحرك فهناك سقوط وارتطام. ومواجهة التحديات تعد من خصائص حركة أي شعب، وبدونها لا تكون حركة. فبهذا اليسر والثبات يتقدم شعبنا، فيما تجلس جماعة من الناس لنشر اليأس والإحباط. كلا، فواقع الأمر ما ذكره الدكتور هنا. وبالطبع كان يتحدث بخصوص قطاع الطب، والأمر كذلك في القطاعات الأخرى، وقد تحدث أصدقاؤنا عنها. وهنا لاحظت أن بعض المتحدثين ليس لديه اطلاع على بعض الأقسام الأخرى، وأنا مطلع عليها. على سبيل المثال في التكنولوجيا العسكرية هنا إنجازات كثيرة ومدهشة. وما يشاهده المرء في التلفزيون ليس سوى واجهة، والواجهة لا يمكن أن تُظهر حقيقة الأمر وعظمته وتعقيداته. لقد أُنجز الكثير.

 

أحد السادة ذكر مطلباً مهماً جداً فيما يتعلق بإنتاج العلم، وهو صحيح تماماً. فأساس العلم وقاعدته هي الفلسفة، ولو لم يكن هناك فلسفة لم يوجد علم. ما لم يكن تحليل واستنتاج فلسفي فالعلم سيكون بلا معنى. إن إنتاج الفكر مهم جداً. وبالطبع فإن إنتاج الفكر أصعب من إنتاج العلم. فالمفكرون والنخب الفكرية معرضون للآفات التي هي أقل في ساحة النخب العلمية. لهذا فإن العمل هنا صعب، لكنه مهم جداً.

 

ما ذكره هنا كان صحيحاً. لقد استفدت منه وأوافق عليه. وفيما يتعلق بتاريخ

 

 

473


400

خطاب الولي 2010

التفكير العقلي هناك أعمال جارية. فلماذا يقال خلاف ذلك؟ حسناً، إن الفلسفة لنا، ومهدها هو بلدنا. وما هو موجود في بلدنا تحت عنوان الفلسفة هو أقرب بكثير إلى الفلسفة مما هو موجود في الغرب الذي ملأ ضجيجه الآفاق. حسناً، فليفعلوا ما يريدون. وحوزاتنا هي مركز الفلسفة، والذين يتخرجون منها أساتذة كبار. وفي الجامعات أيضاً فقد ترسّخ هذا الأمر بحمد الله. لهذا يجب العمل في مجال إنتاج الفكر الذي ينبعث من الرؤية الفلسفية.

 

أما بالنسبة لعلم الاقتصاد فما ذُكر صحيح تماماً. وهناك تقصير واضح ويجب بذل الجهود والقيام بما هو مطلوب وتأمين الميزانيات. وما ذُكر من أننا ننفق على بناء السدود ومحطات الطاقة والطرق السريعة ولا ننفق على فرع مهم من العلوم الإنسانية، كعلم الاقتصاد مثلاً، كلام صحيح تماماً. ونحن نوافق عليه. بعض السادة تحدث عن طب استهلاكي يجري وراء الكواليس. ولعل المزاح هنا في محله إذا سألناكم هل تكتبون الوصفة أم لا؟ وإلى أي مدى تسمحون بالدواء؟ والمتحدث طبيب محترم وجدير بالثقة.

 

كان عندي مجموعة كبيرة من التوصيات، وقد دونت نقاطاً عديدة هنا لعلها تملأ دفتراً بأكمله، لكن الوقت قليل، وسوف أكتفي بذكر اثنتين منها. إحداهما ما يتعلق بقضية الخطة العلمية الجامعة للبلاد حيث ذُكر لي أنها قد وصلت إلى مراحلها النهائية وصارت قريبة من التصويت النهائي والإعلان. وفيما لو تم وضعها بتصرف الجميع في الجامعات فحينها ينبغي العمل على ذلك. وعلى الجميع أن يكونوا ملتزمين بها.

 

فهي أولاً بحاجة إلى برنامج تنفيذي. وعلى مسؤولي أجهزة الحكومة أن يجلسوا لإعداده حتى يمكن نقلها إلى مرحلة الإجراء والعمل. وبتعبير أحد السادة لا ينبغي أن نكتفي بإنتاج العلم دون نشره، أو نضعه جانباً ولا نستفيد منه، فعلينا أن نستخدمه. وثانياً يجب أن تكون الخطة العلمية الجامعة حيوية ومتجددة وقابلة للتحديث. فنحن لا نريد إعداد شيء لسنوات مديدة. فهي متعلقة بأيامنا هذه. ولربما نحتاج بعد خمس سنوات إلى تعديل بعض أقسامها، وعلينا أن نفعل ذلك. فالخطة ينبغي أن تبقى قابلة للتحديث وحيوية. ويجب أن يكون هناك من يراقب ويتابع هذا

 

 

474


401

خطاب الولي 2010

الأمر. وثالثاً يجب إعداد البرامج المتعلقة بالخطة الخمسية للتنمية فيما يتعلق بالعلم والتعليم العالي وفق هذه الخطة وبدقة. ويجب أن تكون البرامج تابعة لها. وكذلك ضرورة العمل بقوة على الإشراف وقد ذكر أصدقاؤنا ذلك.

 

النقطة الأخرى هي أن تكون التنمية في مجال التعليم العالي متوجهة نحو الأهداف. وعلى مسؤولي التعليم العالي اجتناب التنمية غير الهادفة بشدة. لأن فيها إهداراً للمال وإهداراً للموارد البشرية.

 

وعلينا أن ننظر إلى ما نحتاج إليه وما هو الهدف وإلى أين نريد أن نصل، وعلى أساس ذلك تكون تنمية وتطوير البيئة المتعلقة بالتعليم العالي، فنسير على هذا الأساس نحو أهدافنا. وبرأيي فإن هذه القضية حساسة جداً ومهمة. ويجب إحصاء الحاجات الأساس للبلد في مجال العلوم والتكنولوجيا وكذلك في مجال العلوم الإنسانية والقيام بوضع الخطط على أساسها، فنكون على علم بالعدد المطلوب من الجامعيين والجامعات وما هي الفروع المطلوبة، وما هي المستويات اللازمة فيها.

 

نسأل الله تعالى أن يكون بعوننا لكي نتمكن بمشيئته من القيام بما يرضيه وبما يكون لتطور البلد وتقدم الشعب يوماً بعد يوم. وندرك ذلك بهداية إلهية ونتحرك بعدها بمشيئة الله باذلين كل ما في وسعنا.

 

اللهم، اجعل ما قلناه لك وفي سبيلك، وتقبله منا. اهدنا وأعنا فيما نفكر فيه وفيما نعتبره تكليفنا. اللهم، أرضِ عنا القلب المقدس لولي العصر. وبارك لنا جميعاً شهرنا هذا.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

475


402

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء الشخصيات الإقتصادية

من مبتكري فرص العمل

 

 

         

         

المناسبة:   لقاء الشخصيات الاقتصادية ومبتكري فرص العمل

الحضور:  مئات القائمين على خلق فرص العمل في مختلف المجالات

المكان:   طهران ـ حسينية الإمام الخميني قدس سره

 

الزمان:    16/06/1389هـ.ش.

27/09/1431هـ.ق.

07/09/2010م.

 

 

477


403

خطاب الولي 2010

الشكر الجزيل للأصدقاء الأعزاء الذين أعدوا هذا اللقاء، وحققوا هذه الفرصة لهذا العبد ليلتقي بهذا الجمع المحترم والعزيز من الذين يخلقون فرص العمل، في الأيام الأخيرة للشهر المبارك ـ التي هي أيامٌ غنيمة ـ ولنستمع إلى هذه المطالب المفيدة. بالطبع، إنني واثق بأن لديكم الكثير من الكلام، والكل في مجاله وقطاعه لديه اقتراحات وأفكار جديدة وأيضاً بشائر ترضي شعبنا وبلدنا ـ مثل تلك المطالب التي ذكرها الأصدقاء فإن معظمها مُرضٍ لشعبنا العزيز ـ وكذلك انتقاداتكم ومطالبكم التي هي في محلها.

 

حسناً، قبل يومين من هذا اللقاء اجتمعنا بأهل العلم واليوم نجتمع بأهل العمل. هذا وإن كان الكثير منكم من أهل العلم وقد مزجوا العلم بالعمل. وكما جاء في الرواية الشريفة: " الْعِلْمُ‏ يَهْتِفُ‏ بِالْعَمَلِ‏ فَإِنْ‏ أَجَابَهُ‏ وَإِلَّا ارْتَحَلَ‏"[1].

 

فإذا اتّبع العمل العلم فإن العلم يبقى، ولعله يزداد وينمو، وإذا لم يلحق به فإنه لا يبقى. "وَإِلَّا ارْتَحَلَ". ومن هنا نفهم أهمية العمل. والعمل بدون العلم قليل الأثر، بل العلم بدون العمل بلا أثر. هذه هي أهمية العمل. حسناً، عندما يكون العمل مهماً إلى هذه الدرجة فإن إيجاده وخلق فرص له سيكون مهماً بنفس المقدار.

 

فمن استطاع تأمين أرضية العمل فإنه يكون قد أدّى إحدى العبادات. والنظر إلى هذا العمل المتولّد، لا يكون من جهة أننا قد أمّنا لعاملٍ عملاً يعتاش منه.

 

هذا وإن كان شيئاً جيداً جداً وضرورياً بلا شك، فإيجاد فرص العمل في البلد يؤدي إلى إنتاج الثروة، ومثلما أن الرأسمال والثروة تنتج العمل ـ سواء كانت ثروات مالية أو علمية ـ فإن العامل أيضاً ينتج الثروة والرأسمال. وهذا، بلا شك بعدٌ مهمٌّ في العمل، لكن الأهمية لا تنحصر به.

 


[1] الليثيّ الواسطيّ، الشيخ كافي الدين أبو الحسن عليّ بن محمّد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق الشيخ حسين الحسينيّ البيرجنديّ، دار الحديث، إيران - قم، 1418هـ، ط1، ص58.

 

478


404

خطاب الولي 2010

فهناك بعدٌ آخر فيه وهو أنكم تقومون باستخراج كنزٍ. والإنسان الذي يمتلك الاستعدادت سيتمكن حينها من الإنتاج والابتكار، وأنتم الذين مكّنتموه من العمل تساهمون في استخراج هذا الكنز. والذي لا يعمل وليس لديه فرصة الإشتغال فإنه يكون قد جمّد بدون إرادته ذلك الاستعداد الكامن فيه، والذي هو من المواهب الإلهية، وعندما توفرون له العمل فإن هذا النبع الذي كان كامناً فيه ولا يُستفاد منه ولا يروي ظمآناً سوف يتدفق جرياناً. فللعمل ولخلق فرصه بعدٌ اقتصاديٌّ كبير وبعدٌ إنسانيٌّ في غاية السمو.

 

لهذا أقول إنّ إيجاد فرص العمل في القطاعات المختلفة عبادة. بالطبع ما ذكره أصدقاؤنا وأعزاؤنا اليوم هو قسمٌ محدود، ولا ينحصر به.

 

ففي قطاعات واسعة هناك فروعٌ كثيرة لمثل هذا الأمر فيما يتعلق بالقابليات الكامنة في البلاد والقدرات الطبيعية والبشرية وأنتم تمثّلون باقة منها حيث إنّ عمليّة إيجاد فرص العمل في البلد واسعة جداً.

 

إن هذا العمل له قيمة كبيرة مثلما أنه يخلق القيم. حسناً، لقاؤنا هذا من الأساس لقاء للعرض. وصحيحٌ أنني استفدت من كلمات الأصدقاء والتي سوف تُنشر ليستفيد منها الشعب، لكن هذا اللقاء يشير إلى مدى سعة القدرات الموجودة في بلدنا العزيز.

 

فلاحظوا لو أنه جاء كل قطاع من القطاعات الزراعية والصناعية وغيرها من العلمية والتكنولوجية والخدماتية والتجارية وعرض ما أُنجز من أعمالٍ لأدرك كل مستمعٍ وشاهد رأي العين أن بلدنا العزيز ـ وبحمد الله كما قلت مراراً ـ لديه استعدادات كثيرة وطاقات كبيرة. وفي الواقع نشاهد اليوم البلد وقد تحوّل إلى مصنع عظيم مترامي الأطراف حيث يفور العمل من كل جانبٍ وتظهر الابتكارات والإبداعات والاعتماد على العلم والتجربة. حسناً، قبل يومين قلت لأساتذة الجامعات الذين شرّفونا ما سأقوله لكم: لا تتصوروا أننا نقنع بهذه الأشياء، أو أنّنا غير مطّلعين على معدّل البطالة في البلد ولا نراه، كلا، فإن كل هذه الأعمال التي تُنجز هي خطوة أولى. وهناك خطواتٌ لاحقة يجب أن نحققها. وما هو الشيء المهم لتحقق ذلك؟ إنه بالدرجة الأولى أن نعلم أنه يمكننا أن نفعل ذلك.

 

479


405

خطاب الولي 2010

فإذا أدركنا هذا الأمر، علينا أن نشعر بأن الإقدام عليه تكليفٌ عظيم. وبالطبع فإنّ العمل والاشتغال بحد ذاته أمرٌ مهم، ولكنه اليوم أضحى أكثر أهمية مما مضى لسببين أساسين، وما ذُكر حول أهمية العمل وفضيلته في الإسلام حيث لدينا هذا العدد الكبير من الروايات المنقولة عن الأئمة عليهم السلام فإن الإنجازات التي تعرّضتم لها تمثّل نماذج في هذا المجال، وقد دوّنت هنا رواية: "من يعمل يزدد قوة ومن يقصّر في العمل يزدد فترة"[1]. فخاصية العمل هي أنه يشتد ويزداد قوة بذاته لا من حيث الإنتاج فحسب.

 

في هذه الرواية المنقولة عن أمير المؤمنين عليه السلام يتبين لنا أن من يعمل يزدد قوة وترتفع طاقته بخلاف من يقصّر في العمل فإنه يقع في الفتور والضعف. وهذا الأمر لا يتعلق بالأفراد فقط، بل يسري إلى المجتمعات والشعوب. فعندما تزداد طاقتكم العملية وتقوى تحركاتكم فإن نشاطكم يزداد. كانت هذه رواية من الروايات العديدة بشأن أهمية العمل في الإسلام. ويبقى أن للعمل وبالتالي إيجاد فرص العمل أهميّة زائدة لسببين:

السبب الأوّل: هو أنّنا نعيش في مرحلة نستعدّ فيها لطفرة نوعيّة، وهي الطفرة المتعلّقة بالتطوّر. فقضيّتنا اليوم ليست أن نمضي قدماً. لقد أضحت ظروف البلد بحيث إنّ هذا الشعب يستطيع أن يحقّق حركة عظيمة وطفرة نوعيّة على صعيد التطوّر. لماذا؟

 

أوّلاً، لوجود الكثير من البنى التحتيّة، فالمستوى العلميّ قد ارتفع وهناك مستويات إداريّة قويّة، وإحدى مشاكلنا في الماضي كانت تتعلّق بعدم وجود إدارة قويّة وسليمة في بلدنا. واليوم لدينا تجربة إداريّة ثوريّة قويّة عمرها ثلاثون سنة. وهو ما يمثّل إحدى البنى التحتيّة. لقد تأمّنت مجالات العمل وزاد الأمل بالتطوّر. فعندما يُقال إنّنا نصنع دواء يحتاج إليه العالم كلّه ويفتقر إليه ولم يتمكّن أيّ مركزٍ علميٍٍّ في العالم من تصنيعه ونحن تمكّنا من ذلك، فإنّ هذا بالطبع سيعطي الأمل لشبابنا. عندما يشاهد الشعب أنّنا قد استطعنا أن نطوّر العلوم النوويّة بأنفسنا من دون دعم دولة أخرى وننقلها إلى مجالاتٍ أعلى، حسناً، إنّ هذا يبعث الأمل في الشباب.

 

فكم هي الدول الّتي تمتلك المعرفة النوويّة الذاتيّة؟ إنّها قليلة جدّاً. يوجد منها،

 


[1] الليثيّ الواسطيّ، عيون الحكم والمواعظ، مصدر سابق، ص545.

 

 

481


406

خطاب الولي 2010

لكنّها نادرة جدّاً جدّاً، فقد أخذوا ذلك من غيرهم. والكثير من هؤلاء الّذين يمتلكون المعرفة النوويّة ـ وهو ما أعرفه بنفسي وأذكره عن اطلاع ـ إنّما حصلوا عليها كهديّة من دول داعمة لأسبابٍ أيديولوجيّة وسياسيّة وغيرها.

 

أمّا نحن فقد استطعنا أن ننجز هذا بأنفسنا. وكما ذُكر في التقرير فإنّ أعمالاً كبرى قد أُنجزت في هذا المجال. وفي مجال الخلايا الجذعيّة فقد تمكّن شبابنا من إنجاز أعمالٍ عظيمة بالمثابرة والتحقيق والسعي المتواصل. كلّ هذا يبعث على الأمل. وهكذا أضحت تجاربنا أكثر نضجاً وارتفعت آمالنا وازدادت البنى التحتية وأطلّ موسم الاقتدار والطفرات. تعرّف الشعب إلى نفسه، وإلى شبابه وتبيّن المعدّل المرتفع للذكاء فيه. فالموسم إذاً موسم الطفرات وفيه تتضاعف أهمية العمل، وبالتالي قضية إيجاد فرص العمل، هذا هو السبب الأول.

 

السبب الثاني: في أنّ العمل مهمٌّ عندنا وكذلك إيجاد فرص العمل هو أننا اليوم نواجه ضغوطاً عالمية. هناك عداء في العالم يريد استعادة هيمنته الشيطانية على هذا البلد من خلال الضغط الاقتصادي والحظر وغيرها من الأمور التي تشاهدونها.

 

هذا هو الهدف. فدولة بهذه الجودة وبهذه الثروات والموقع الاستراتيجي والإمكانات كانت تحت إشراف قوّة دولية، في وقتٍ كان الإنكليز وفي وقت آخر كان الأمريكيون ـ وهو في الواقع ما يُسمّى بنظام الهيمنة وإمبراطورية التسلّط حيث تمثل أمريكا اليوم جانباً منه ـ كانوا يهيمنون على هذا البلد ثم جاءت الثورة وقطعت أيديهم. ويُراد للهيمنة أن تعود إلى هذا البلد. وكل هذه المساعي من أجل هذا الأمر. والملف النووي ليس إلا حجة.

 

أولئك الذين يتصورون أننا إذا قمنا بحل هذا الملف فسوف تُحلّ المشاكل مخطئون. فإنهم يطرحون قضية الطاقة النووية وقضية حقوق الإنسان وغيرهما من القضايا التي ليست سوى حجج. لأن القضية هي قضية ممارسة ضغوط يُراد منها إركاع وإخضاع هذا الشعب وهذه الثورة. وأحد الأمور المهمة هو هذا الحظر الاقتصادي. ويقولون إننا لا نعادي شعب إيران! ولا يقولون إلا كذباً، فخصمهم هو شعب إيران، وكلّ هذا الحظر من أجل إخضاع هذا الشعب.

 

 

481


407

خطاب الولي 2010

يقولون إننا نفعل ذلك بسبب حكومة الجمهورية الإسلامية لأجل قطع علاقة الشعب بهذا النظام وهذا هو الهدف. وبالطبع فإنهم لا يعرفون شعبنا، وفي هذا كغيره من الحالات كانت حساباتهم خطأً في خطأ. وبنظر النظام التسلطي فإن ذنب شعب إيران الكبير هو أنه حرّر نفسه منه. وإنما يريدون معاقبته على هذا الذنب، وفي الأساس فإن حساباتهم خاطئة وهم لا يعرفون ماذا يفعلون، وماذا ينبغي أن يفعلوا. ولكنهم يمارسون الضغوط الاقتصادية من خلال الحظر.

 

يجب علينا أن نوجد اقتصاداً مقاوماً حقيقياً في البلد. وهذا هو معنى إيجاد فرص العمل اليوم. وقد أجاد الأصدقاء حينما قالوا إننا نستطيع أن نقلب موازين هذا الحظر، وأنا على يقين من ذلك.

 

فشعب إيران ومسؤولو البلد يمكنهم من قلب كل أنواع الحظر وإفشال أصحابها، كغيرها من القضايا التي حدثت في السنوات الماضية في المجالات السياسية عندما ارتكبوا تلك الأخطاء وقاموا بتلك التحركات التي أجبرتهم فيما بعد على التراجع والاعتذار واحداً واحداً. ولا شك أنكم تذكرون بعضها. وشبابنا اليوم لا يعرفونها.

 

ففي العقدين الأخيرين قاموا بمثل هذه الأمور عدة مرات. وها هم اليوم كذلك. فالحظر ليس جديداً علينا لأننا نعيشه منذ ثلاثين سنة. وجميع هذه الأعمال التي أُنجزت وكل ما يتعلق بهذه الحركة العظيمة لشعب إيران قد تحقق في ظلّ الحظر والحصار.

 

لهذا لن يتمكّنوا من فعل شيء،.. ولكن هذا يمثّل سبباً لكي يرى الجميع ـ مسؤولين وحريصين ـ أنفسهم مكلّفين بإيجاد فرص العمل والإنتاج والإبداع وزيادة رونق هذا المصنع العظيم الذي أضحت عليه إيران. فالجميع عليهم أن يعتبروا أنفسهم مكلّفين. وما أستنتجه من مجموع ما ذكره السادة والسيدات ـ وهو ما يشعر به المرء من خلال التقارير أيضاً ـ وجود الكثير من الشكاوى في مجريات العمل.

 

نحن قد وضعنا حجر الأساس بما يتوافق مع سياسات المادة 44، وفي الحقيقة لو استفدنا من المادة 44 والتي بدورها تفسّر البنود الموجودة فيها، وقمنا بتبيينها وكذلك بمشيئة الله تمّ تطبيقها تطبيقاً كاملاً ودقيقاً وبجميع الأبعاد وباستمرار، فإن الكثير من

 

 

483


408

خطاب الولي 2010

المشاكل ستُحل. لكنني أشعر من مجموع هذه المطالبات بأن هناك عملين متوقعين من أجهزة الدولة: أحدهما الإدارة الدقيقة والعلمية للموارد والمصادر.

 

فالكثير من المطالب المذكورة ناشئ من عدم إدارة المصادر المالية بصورة دقيقة وفي جميع المجالات. فهذا أمرٌ ضروري، وإنني أوصي الأعزاء في الحكومة والحاضرين هنا أن يركّزوا على هذا الأمر. فالكثير من هذه الإشكالات والاعتراضات التي أغلبها صحيح يرتبط بهذه القضية. وإدارة المصادر تعني أن نأخذها بالاتجاه الذي يحقق للبلد القيمة المضافة على الصعيد المالي وغيره. ومرادي من القيمة المضافة يتعدّى البعد المالي إلى كل ما من شأنه أن يزيد من الإنتاج ويحسن رونق العمل ويرفع من مستوى الأمل، ويزيد من فرص العمل وغيرها. فالنقطة الأساس هي قضية إدارة المصادر.

 

النقطة الثانية: تحسين بيئة التكسّب والعمل، وهو من الوظائف الأساس للحكومة. لقد أشار الوزير المحترم في تقريره إلى تحسّن بيئة العمل، وهذا الأمر أكثره بعهدة الحكومة. فلو تمّ تحسين الأنظمة والتسهيلات المختلفة والتشعبات الإدارية وأمثالها، فإن تحسّن بيئة العمل الذي يُعدّ من قضايانا الاقتصادية الأساس سوف يتحقق. ولو تم ما ورد في تعبير الوزير أنه نافذة على كل الأعمال فإن الكثير من المشاكل سوف يُحل بحسب ما أرى. وهو أمرٌ متعلق بقطاع الحكومة وله أهمية كبيرة. فوظيفة الحكومة بنظري هي في الأساس هذه الأمور، وبالطبع فإن على المسؤولين وظائف كثيرة، لكن الأصل والأساس مما يستنبطه المرء من مجموع التقارير والكلمات هو هذان الأمران.

 

والنقطة الإساس الأخرى في باب العمل التي يجب على من يخلق فرص العمل أن يتوجه إليها هي مسألة العمل على كون الإنتاج المحلّي مرغوباً، فكيفية الإنتاج الداخلي مهمة جداً، وبالطبع فإن قسماً منها يرتبط بتلك القضايا المالية وغيرها من القرارات التنظيمية والدعم الحكومي، ولكن قسماً آخر يرتبط بعزم المسؤولين وإرادتهم، وكذلك بالذين يوجدون فرص العمل ويبتكرونها. ورد أن: "رحم الله امرأً عمل عملاً فأتقنه"[1]. وهذا يتعلق باستشراف المستقبل لا الحاضر. فأنتم اليوم تشاهدون شركات

 


[1] راجع: البيهقي، أحمد بن الحسين، شعب الإيمان، تحقيق أبو هاجر محمّد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، لبنان - بيروت، 1410هـ - 1990م، ط1، ج4، ص335.

 

484


409

خطاب الولي 2010

عالمية تعمل منذ أكثر من مئة سنة وتعرض إنتاجها في كل العالم ويكفي ذكر اسمها لترويج بضائعها كل ذلك لأنها عملت على أساس الصحيح فأصبحت مورد ثقة الزبائن.

 

أنتم تقولون إنه علينا أن نوصي الناس بشراء المنتجات المحلية. وها أنا منذ عدة سنوات أفعل ذلك. لقد قلت ذلك مراراً لكن هذا الأمر لا يتحقق بمجرد إطلاق الشعار. حسناً، قد يتحقق شيء من الثقة بينهم ويتوجهون إلى الكلام لأنه صادر عنا، لكن هذا جزء من القضية والجزء الآخر يرتبط بالنوعية. فلنرفع من جودة النوعية. نعم، إنني أؤيد ما ذكره بعض الأصدقاء بشأن الواردات وقد ذكرت ذلك في لقاء المسؤولين بداية شهر رمضان، سواء المجلس أم الحكومة التي تتولى هذه القضية. وقد سألت وزير التجارة وأطلعني على أن هناك أعمالاً مهمة هي في طور التحقق. فقضية الواردات غير الضرورية وغير المنطقية تشكّل خطراً كبيراً وضرراً فادحاً، وعلى الناس أن يعرفوا هذا الأمر.

 

فعندما نشتري منتجاً خارجياً فإننا في الواقع نرمي بأحد عمَّالنا إلى البطالة ونشِّغل عمَّال غيرنا، والأمر هكذا ولكن مسألة الرغبة ومسألة جودة النوعية مهمة جداً. وكذلك المتانة. فلو تمتّعت البضائع والمنتجات المحلية بهذه الخصوصيات فإن الرغبة بها ستحصل بشكل طبيعي. وبالطبع، هناك وللأسف بعض الناس ما زالوا يتطلعون إلى الخارج بسبب تأثير الثقافة المنحرفة لعهد الشاه المنحوس الذي كان يمثّل عهد الطاغوت والتبعية. حينها قال أحد مسؤولي هذا البلد وبصراحة إن الإيراني لا يستطيع أن يصنع إبريقاً بشكلٍ صحيح. وكانوا يستوردون كل شيء في الواقع. في ذلك العهد الطاغوتي التقيت صدفة بأحد المسؤولين الحكوميين في أحد المجالس ـ فنحن لم يكن لدينا أي نوع من التواصل معهم ـ وكنت أنتقد مثل هذه الأمور. فتوجّه إليّ وقال ماذا تنتقد؟ فنحن هنا مثل الباشاوات وبقية الدول تعمل في خدمتنا كالعبيد ويرسلون إلينا بضائعهم! انظروا إلى هذا المنطق الذي كان سائداً بين رجال الدولة في عهد الطاغوت! وهذا المنطق يعبّر عن ظاهر القضية، أما باطنها فأمور أخرى: من أنواع الفساد الاقتصادي المستشري والفساد الأخلاقي الكبير. أجل إن قضية الاستيراد وإدارته مهمة جداً. لقد أوصينا في ذلك اليوم أصدقاءنا الذين كانوا هنا في لقاء المسؤولين والعاملين في النظام وقلنا لهم إن عليكم تبرير عملية الاستيراد، نحن نقول أوقفو الاستيراد.

 

 

485

 


410

خطاب الولي 2010

فهناك أشياء يجب أن تُستورد وهناك ما لا ينبغي أن يُستورد. ويجب القيام بحركة إدارية صحيحة. ومن الأعمال الأخرى التي تقع على عاتق مسؤولي الحكومة ـ وقد دونتها هنا ـ تنمية المهارات. فهذه المهنيات والمعاهد العلمية ـ التطبيقية والحِرَفية ـ يجب زيادتها وتوسيعها. فنحن بحاجة إلى العلم ولكننا بحاجة أيضاً إلى اليد الفعّالة. فأحد الأعمال الأساس التي بنظري يجب أن نعمل عليها هو ما يتعلق بالصناعة والزراعة.

 

والنقطة الأخرى، هي قضية الإبداع والابتكار والجودة في الإنتاج المحلي. فمن الأشياء التي يجب الالتفات إليها التجديد في جميع المنتجات تجديداً متواصلاً وبلحاظ إشباع الرغبة بالجودة لدى المستهلك. وإنني في الحقيقة أشكر الأصدقاء الذين يعملون في هذا المجال ويبذلون المساعي المحمودة.

 

وآخر توصياتي: هو ضرورة الاهتمام الفائق بتأهيل وإعداد الطاقات وخصوصاً في مجال الصناعات التي تعتمد على العلم، مثلما ذكر أصدقاؤنا. وقد تحقق هذا الأمر في بعض القطاعات لحسن الحظ. ولديّ اطّلاع على ما يجري في قطاع الطاقة النووية وكذلك هناك إنجازات مهمة في قطاع إنتاج الخلايا على مستوى إعداد الطاقات الماهرة والفعّالة العلمية والتحقيقية. فيجب الالتفات إلى هذا الأمر في بقية القطاعات.

 

نسأل الله تعالى أن يوفقكم جميعاً إن شاء.. أجل، إننا إن شاء الله سنتغلب على العدو وسيرتد عليه هذا الحظر وسيشاهد شبابنا أياماً جميلة إن شاء الله في المستقبل. حيث إن هذا البلد يتوفر على طاقات كثيرة. فيومنا هذا كنسر قويٍّ يستطيع التحليق إلى مرتفاعات عالية لكنه اليوم قد طار من هذا الدار إلى سطحه. فهذه تجربة وفيها سيكون مستوى التحليق أعلى بكثير، ونسأل الله أن يأتي ذلك اليوم الذي يصبح فيه بلدكم مرجعاً علمياً يفتخر به المسلمون ويقولون إن الإسلام يدير دولة بهذه الطريقة. وإن شاء الله تكون باللحاظ العملي والإنتاجي مرجعاً ترجع إليه شعوب العالم.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

486


411

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في خطبة صلاة عيد الفطر السعيد

 

         

المناسبة:   صلاة عيد الفطر السعيد

الحضور:  كبار المسؤولين، وجموع غفيرة من مختلف فئات الشعب

المكان:   طهران

 

الزمان:    19/06/1389هـ.ش.

01/10/1431هـ.ق.

10/09/2010م.

 

 

487


412

خطاب الولي 2010

الخطبة الأولى

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أبارك عيد الفطر السعيد المبارك لأمّتنا الإسلامية جمعاء، ولشعب إيران العزيز ولكم أيها المصلّون المكرّمون والأعزاء، وأوصي الجميع وأوصي نفسي برعاية التقوى الإلهية ورعاية أوامر الله ونواهيه في كل قول وفعل وفكرٍ.

 

نشكر الله تعالى أن منحنا هذه الفرصة وأطال أعمارنا لنشهد شهر رمضانٍ جديد وعيد فطر آخر.

 

إنها لنعمة كبرى أن ندرك شهر ضيافة الله. وفي الواقع فإن شعبنا قد حصل على استفاداتٍ مناسبة في هذا الشهر، وقد كان عارفاً بقدر هذا الشهر الشريف والعزيز. وهذه المجالس والمحافل ومجالس تلاوة القرآن والذكر والأدعية وهذه البرامج التي شارك فيها الشباب بقلوبهم وأرواحهم النقية والصافية هي أبواب رحمة الله التي فتحها على هذه الأمة إن شاء الله. ويجب أن نعرف قدرها.

 

إن روح المعنويات والارتباط بالذات الأحدية المقدّسة المودعة في قلوب شعبنا عميقة ومتجذّرة. من الممكن أن يُبتلى بعضهم بالاشتباهات ويرتكب الأخطاء في حياته الفردية، لكن شهر رمضان يعطيه هذه الفرصة للرجوع والإنابة إلى الله تعالى والتوجه إليه والتذكّر. وإن روح الارتباط بالمعنويات موجودة في كل الناس، ويمكن بيانها بلسانٍ شعري (ما ترجمته):

عندما تَغربَل القلب من التراب

إنثال فيه نــدى الــعشق

 

وهذا العشق ليس عشقاً مادياً ولا عشق الهوس، بل هو عشق الله، إنه عشق

 

488


413

خطاب الولي 2010

الذات الأحدية. وهذا العشق لأصل الوجود كامن في كل البشر، ﴿فِطۡرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ﴾[1].

 

فالأسباب المادية والدوافع والمغريات المادية تشبه الأشواك والقمامة التي تعتلي هذا الجوهر، وعندما يأتي شهر رمضان فكأن نسيماً هبّ ليزيل كل هذه الزوائد ويظهر ذلك الجوهر، وليحل محلّه ذلك التوجه إلى الله تعالى. لهذا فإننا شاهدنا في هذا الشهر، كمعظم أشهر رمضان الماضية، جميع الناس بمختلف طبقاتهم وتنوع مشاربهم ومسالكهم يشاركون في هذه المجالس وخصوصاً في ليالي القدر المباركة ليستفيضوا ويستفيدوا ويذرفوا الدموع.

 

ذاك القلــب الــذي يقطــر دمعــــــاً                      كذاك الشـــواء الــذي يقطـــر ملحــاً

هل شاهدت العاشق الذي يذرف دمعاً             إنه كذاك الدم الذي يقطر من الشواء

 

تلك الدموع التي تنهمر من العيون نابعة من القلب اليقظ والنقي. وعلى شعبنا العزيز أن يعرف قدر هذه الأمور. فما حصلتم عليه من ذخائر في هذا الشهر المبارك احفظوه، والأنس بالقرآن الذي جرّبتموه حافظوا عليه. وكذلك صلاة الجماعة في أول وقتها والصلاة في المسجد، والصلاة بتوجه وحضور قلب، احفظوها طوال السنة واسعوا جهدكم لمنع الأسباب المادية والأشواك والقذارات من أن تغطي هذا الجوهر. فالشعب الذي يحفظ هذه الخصوصيات في نفسه ويحافظ على هذا العروج المعنوي والتكامل سينجح في جميع الميادين ـ المادي منها والمعنوي ـ في العزة والإقتدار وفي تحصيل كل الثروات الوطنية. وإن شاء الله سيتحقق هذا الأمر لشعبنا.


 


[1] سورة الروم، الآية 30.

 

489


414

خطاب الولي 2010

اليوم هو يوم عيد الفطر الذي ورد بشأنه في رواية (كتاب علل الشرائع): "فيكون يوم عيدٍ ويوم اجتماعٍ ويوم فطرٍ ويوم زكاة، ويوم رغبة، ويوم تضرّع"[1]، حيث يجتمع المسلمون في كل أنحاء العالم الإسلامي للعيد، وهذا التوجه القلبي المتمركز حول نقطة واحدة وفي زمان واحد هو فرصة عظيمة للأمة الإسلامية. "يوم زكاة ويوم رغبة".

 

يومٌ نظهر فيه الرغبة بالله تعالى. "ويوم تضرّع"، يومٌ يتضرع فيه الإنسان إلى الله، ولهذا كان العيد عيد التوجه وعيد المعنويات. نسأل الله تعالى التوفيق لنتمكن جميعاً من الاستفادة من الفيوضات الإلهية في هذا اليوم الذي هو يوم عيدٍ، ويوم جمعة مبارك.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ * ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ * لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ * وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ﴾[2].

 

الخطبة الثانية

 

الحمد الله رب العالمين. والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين. سيما على أمير المؤمنين والصدّيقة الطاهرة والحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة وعلى علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي والخلف القائم المهدي صلوات الله عليهم أجمعين، وصلّ اللهم على أئمة المسلمين وحماة المستضعفين وهداة المؤمنين. أوصيكم ونفسي عباد الله بتقوى الله. الأمر الأول الذي أريد أن أذكره في الخطبة الثانية هو شكر شعب إيران العظيم بمناسبة حركته الهادرة في يوم القدس.

 

لقد أظهر هذا الشعب نشاطه وروحيته وعزمه وإرادته ومعرفته بموقعه في هذا التجمع العظيم. مرّت 31 سنة على اليوم الذي أعلن فيه إمامنا العظيم هذا اليوم، وكان


 


[1] الصدوق، الشيخ محمد بن علي‏، علل الشرائع‏، مكتبة داوري‏، إيران - قم‏، 1427هـ‏، ط1، ج‏1، ص269.

[2] سورة الإخلاص، الآيات 1 – 4.

 

490


415

خطاب الولي 2010

أعداؤنا يتوقعون أن يخفت يوماً بعد يوم حتى يطويه النسيان. ونشكر الله على أن هذه الشعلة الوضّاءة وهذا الدافع قد تعاظم يوماً بعد يوم في قلوب هذا الشعب وفي عمله. وفي هذا العام احتفل المسلمون من مختلف بقاع العالم بهذا اليوم في دول آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا وأوروبا. وقد أحيا شعب إيران العظيم الذي يمثّل المحور الأساس لهذه الحركة العظيمة لأمة الإسلام هذا اليوم بكامل المهابة، وأظهر أنه يقوم بوظيفته في هذه الظروف التي تصنعها الدول، بشكل أكثر حرارة واندفاعاً وشوقاً.

 

لقد بلغ الكيان الصهيوني بقسوته أعلى مستوى. وها هو لا يكترث لكل أصوات الدعم التي تنطلق من أطراف وبقاع العالم ويستمر في جنايته. وشعب إيران المسلم أحيا يوم القدس في ظل هذه الظروف بصورة أفضل وأقوى من كل السنوات. والمساعي المغرضة لأمريكا والغرب ضد الجمهورية الإسلامية جعلت شعبنا أكثر اندفاعاً. وفي هذه القضية التي هي قضية فلسطين والتي يريد الاستكبار العالمي والهيمنة الدولية عزلها بأي شكل ممكن قام شعب إيران بإعادتها إلى موقعها. أحسنت أيها الشعب العظيم.

 

ها هو الأمل والاندفاع يموج في سلوك شعبنا العزيز وأقواله. ولقد شاهدت انعكاس هذا الأمل وهذا الاندفاع هذه السنة عند لقائي بالجامعيين والنخب والأساتذة والعاملين والمسؤولين الأساسيين للحكومة والنظام والمدراء الرفيعين والفاعلين وغيرهم من شرائح الشعب في شهر رمضان، شاهدت ذلك في كلماتهم وتصرّفاتهم وفي سيماههم. والشعب الذي يوجد فيه مثل هذا الأمل وينظر بهذه الطريقة نحو المستقبل بتفاؤلٍ وعزمٍ وإرادة لا شك أنه سيبلغ أعالي القمم حقاً ويقيناً. هناك العديد من القضايا العالمية والإقليمية التي تهمّ الأمة الإسلامية ولكن القضية الأكثر إلحاحاً هي فياضانات باكستان. اسمه فيضان، لكنه في الواقع بلاء عظيم ومصيبة كبرى لشعب باكستان الذي يُعدّ من شعوب الأمة الإسلامية المؤمنة ومن الشعوب المتقدمة والرائدة في جميع القضايا المختلفة على مستوى إظهار التدين والنخوة والتمسك بالدين. هذا الشعب اليوم مبتلىً بمصيبة عظيمة. فنهر السند قد فاض من شمال باكستان إلى جنوبها. من حدود الصين في الشمال إلى المحيط الهندي في الجنوب وعبر هذا الامتداد الطويل ليحدث سيولاً وفياضانات كبيرة بدّلت حياة الناس بالكامل. فأكثر من عشرة آلاف قرية قد

 

491


416

خطاب الولي 2010

أزيلت. وجميع المزارع والحقول التي تنتج المواد الغذائية لهذا الشعب وتمثل أمل هذا الشعب في الصادرات وتحصيل الثروة قد أبيدت بالكامل، عشرات آلاف المدارس والمساجد والحسينيات قد تهدمت وزالت عن بكرة أبيها على طول هذا الخط. فعرض هذا النهر بحسب ما ذُكر لي هو في العادة حوالي 2 كم. حيث يتصل في بعض الأماكن بأنهر أخرى وقد بلغ عرضه في هذا الفيضان أكثر من 90 كم! فالناس والدواب ماتوا، والبيوت والآمال انتقضت وزالت. وبحسب التخمين الأولي أصيبت باكستان بخسارة تبلغ حوالي 50 مليار دولار بسبب هذا الفيضان! تهجّر أكثر من 20 مليون نسمة وقُتل عدة آلاف من الأطفال والنساء والشيوخ والعجّز. والناس هناك بحاجة اليوم إلى الماء، وإلى الغذاء واللباس والملجأ وكل مستلزمات العيش. وقد صام شعب باكستان هذا الشهر على هذه الحال.

 

إن يوم عيد الفطر هو يوم الاجتماع، ويوم الأمة الإسلامية. وعلى شعبنا أن يبذل جهده وبهمة عالية وكذلك حكومة الجمهورية الإسلامية لتقديم المعونات، وبعض الناس قد قاموا بذلك لكنه غير كافٍ، بل علينا أن نزيد من الإعانات. هذه مسؤولية الجميع. فإخواننا المؤمنون وإخواننا المسلمون هناك وقعوا في مثل هذه المصيبة الكبيرة. وليس هذا الخطاب متوجهاً إلى شعب إيران فقط. بل يشمل كل العالم الإسلامي، وكل الشعوب، إنه خطابٌ موجّهٌ إلى كل المسلمين في الدول الإسلامية ومؤتمر العالم الإسلامي، فعلى الجميع أن يبذلوا جهودهم من أجل تقديم المعونات. وما جُمع حسبما قيل لا يتجاوز المليارين! فأين هذا من الحاجة الفعلية لهذا الشعب؟! بهذا المقدار لا يمكن تأمين حاجة الشعب الباكستاني. فباكستان قد تلقت ضربة قاصمة. وعلينا أن نقدّم المساعدة بأي مقدار نستطيعه. أعاننا الله على ذلك، فهذه قضية مهمة. وبالطبع، نحن قلقون تجاه عدم الاستقرار السياسي في باكستان. فالقوى المعتدية والمتسلطة نراها تستغل هذا الوضع. وبعض الدول المعتدية تريد تحويل باكستان إلى معسكرٍ لها. ونأمل أن يلتفت شعب باكستان الراشد إلى بواعث القلق الأخرى. وحكومة باكستان تعرف مسؤولياتها نسأل الله تعالى أن يعينهم ليتمكنوا من إخراج أنفسهم من هذه المصيبة بأفضل وجه. إن قضية فلسطين هي دائماً القضية الأولى للعالم الإسلامي. فالجرائم ما

 

 

492


417

خطاب الولي 2010

زالت مستمرة في غزة. وهكذا الأمر في الضفة الغربية لنهر الأردن. وما زال الكيان الصهيوني يمارس جميع أنواع الظلم ضد شعب فلسطين المضطهد بكل وقاحة وصلافة. يعقدون مؤتمراً للسلام في واشنطن! السلام مع من؟! إنهم يريدون التغطية على قضية فلسطين وجرائم أعدائها بمثل هذه المفاوضات التي أطلقوا عليها عنوان محادثات السلام! جاء مغتصبٌ واستولى على أرض شعبٍ، ولم يكتفِ بهذا، بل تراه يستخدم كل الإمكانات من أجل القضاء عليه، وهو ما يحدث بمنتهى عدم الاكتراث من قبل الغرب، وأمريكا وغيرها الذين جلسوا للمشاهدة وها هم يشجّعون الظالم المعتدي ثمّ يعقدون مؤتمراً من أجل السلام، فأي سلامٍ هو؟ وبين من ومن؟! وبمنتهى الوقاحة. فإن الصهيونية الظالمة تقف بكل صلافة مقابل الفلسطينيين لتقول يجب أن تقبلوا عملية التهويد. فالجريمة الكبرى هي أنهم يريدون التهويد، تهويد القدس الشريف، قبلة المسلمين، وفلسطين العزيزة، وجعلها مركز الظلم والتآمر.. وهذه قضيتنا الأساس. نسأل الله تعالى أن يوفق الشعوب المسلمة ويعين الحكومات الإسلامية لكي تتمكن من معرفة مسؤوليتها تجاه هذه الحادثة المرّة والواقعة المؤلمة. وبالطبع فإن شعب فلسطين لحسن الحظ يقف بكل استقامة واقتدار مقابل كل هذه الضغوط.. وبشكل لا يصدّق، هذا الشعب يقاوم ويبذل الهمّة ويُظهر الغيرة ولا يسمح لهذه الضغوط الهائلة بأن تثنيه وتؤدي به إلى التراجع.

 

فالفلسطينيون اليوم هم أقوى مما كانوا عليه قبل عشرين أو ثلاثين سنة وأكثر عزماً وتصميماً، ازدادت قدراتهم بحمد الله ولا شك بأنّهم سيتمكنون من قطع يد المعتدي وطي بساط هذا الكيان المختلق عن أرض فلسطين.

 

اللهم، تقبّل بكرمك عبادات هذا الشعب وجهوده وتضرّعه وخشوعه طيلة شهر رمضان ويوم عيد الفطر.

اللهم، افتح أبواب رحمتك وغفرانك على هذا الشعب.

اللهم، وفّقنا لحلّ العقد والمشكلات في العمل.

اللهم، سهّل وسرّع حركة هذا الشعب نحو التطور ونحو القمم يوماً بعد يوم.

اللهم، اغفر لنا.

 

 

494


418

خطاب الولي 2010

اللهم، لا تحرمنا من فيض رمضان وفيض عيد الفطر، وفيض التضرّع والخشوع.

اللهم، غشِّ أمواتنا بلطفك ورحمتك.

اللهم، أعلِ شأن أمة الإسلام يوماً بعد يوم.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

﴿وَٱلۡعَصۡرِ ١ إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ ٢ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾[1].

 

 

 


[1] سورة العصر، الآيات 1 – 3.

 

 

495


419

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء مسؤولي النظام

وسفراء البلدان الإسلامية

 

 

         

المناسبة:   عيد الفطر السعيد

الحضور:  مسؤولو البلاد وسفراء الدول الإسلامية

المكان:   طهران - حسينية الإمام الخميني قدس سره

 

الزمان:    19/06/1389هـ.ش.

01/10/1431هـ.ق.

10/09/2010م.

 

497

 


420

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مبارك هذا العيد الكبير والعيد السعيد لكم أيها الحضور المحترمون ومسؤولي الدولة والسفراء المحترمون للدول الإسلامية ولعموم شعب إيران والأمة الإسلامية. ونأمل من الله تعالى أن ينزل رحمته ولطفه وحمايته وهدايته على كل الأمة الإسلامية ببركة التضرع والإنابة التي حصلت طيلة شهر رمضان المبارك وفي هذا اليوم من قبل الشعب المؤمن والأمّة المسلمة، في حضرة رب العالمين. إن مظهر الاحتفال بهذا العيد السعيد هو التعبّد والعبادة والصفوف المرصوصة في الصلاة. ففي كل العالم الإسلامي نجد الناس اليوم قد وقفوا في صفوف واحدة لصلاة الجماعة بخشوع مقابل الرب. وهو ما يمثّل ضابطة معنوية وروحية بين أفراد الأمة الإسلامية. وهذا الصف الواحد ينبغي أن يتحقق في الأمة الإسلامية من أجل مواجهة القضايا المهمة في العالم والتي يرتبط الكثير منها بالأمة الإسلامية ومصيرها.

 

فلو اتحدت هذه القلوب فيما بينها وارتفعت بواعث الاختلاف المصطنع من قبل أعداء الأمة الإسلامية وأعداء الإسلام، حينها ستكون الأيدي والأقدام والطاقات والأفكار في اتجاه واحد وتبرز فعاليتها في مواجهة الجبهة الواسعة المعادية للإسلام والأمة الإسلامية.

 

فوجود جبهة مقابل الإسلام والمسلمين يُعدّ اليوم حقيقة ثابتة. وقد ظهر الأمر في فلتات لسانهم ـ بل في الواقع على أيديهم ـ وأتوا على ذكر اسم الحرب الصليبية قبل عدة سنوات. وهذا معناه أن الأمة الإسلامية تواجه تهديد الأعداء ككيان واحد. ومن الخطأ أن نتصور أن أعداء الإسلام والمسلمين يعادون هذا القسم من العالم الإسلامي ويحبون ذاك القسم من العالم الإسلامي، فليس الأمر كذلك. بل هم معادون لأمة

 

499

 

 


421

خطاب الولي 2010

 الإسلام، لأن في ذات الإسلام وجوهره يكمن الوقوف مقابل الظالمين والمتسلّطين. فهم مخالفون للإسلام ومعادون له.

 

إن هذا هو تكليفنا وتكليف كل العالم الإسلامي. ونحن اليوم نشاهد، لحسن الحظ، أن الكثير من الشعوب اطلعت على الحقائق وأدركت ما لعلّها لم تكن تعرفه قبل عشر سنوات. فاليوم أضحت قضية فلسطين لكل العالم الإسلامي قضية حية. ولم يكن هدف أعداء فلسطين هذا الأمر.

 

فقد أرادوا أن يعزلوا هذه القضية ليتم نسيان بلد يُسمّى فلسطين وليُحذف من ساحة الجغرافيا. واليوم لحسن الحظ فإن الشعوب الإسلامية تهتم بهذه القضية بوعي ونباهة. وبعض الدول يتعاون وبعضها يقصّر، لكن الشعوب جمعاء تريد هذا ولا شك بأنه سيؤدي إلى نتيجة. وهكذا غير قضية فلسطين من مختلف القضايا في العالم الإسلامي.

 

هذا أحد الدروس الكبرى للفطر، أن تتعاضد أيدي الإخوة المسلمين في كل البلاد الإسلامية. وعلى الجميع أن يعملوا في هذا الاتجاه، علينا جميعاً أن نعمل في هذا الإتجاه. وهذا ما سيتقدم إن شاء الله. وذاك اليوم الذي تدخل فيه الأمة الإسلامية بطولها وعرضها وعمقها العميق في القضايا العالمية وكجسد واحد فمن المسلّم أن القضايا التي ابتُليت بها الأمّة الإسلامية ستُحلّ لمصلحتها، خلافاً لما يجري اليوم من الاختلافات والتشتت والتشرذم في العالم الإسلامي والذي يمنع من تحقق ذلك، لكننا يوماً بعد يوم إن شاء الله نقترب من اتحاد الأمة الإسلامية. وإن شعبنا العزيز ولحسن الحظ يمثّل قدوة في هذا المجال وأنموذجاً.

 

فشعبنا يقظ ومتحد وهو يتابع القضايا العالمية باهتمام وحرص ويساهم في قضايا العالم الإسلامي ويعلن مواقفه بشأنها والتي كانت المظاهرات العظيمة ليوم القدس إحدى نماذجها، حيث تجمّع الناس في كل أنحاء البلاد من مدنها وحتى أقاصي قراها، وساروا رافعين تلك الشعارات المؤيدة لإخوانهم المسلمين الذين ما قابلوهم أو عرفوهم عن قرب قط، لكنهم اعتبروا أن قضية إخوانهم هي قضيتهم. وكل ذلك ببركة الإيمان والصحوة الإسلامية. وهو ذلك الطريق الذي فتحه إمامنا العظيم ـ رحمة الله ورضوانه

 

 

500


422

خطاب الولي 2010

عليه ـ وها نحن نسلكه ولن تمنعنا كل تلك التهديدات والعداوات والخصومات والنوايا السيئة والخبيثة التي يشاهدها المرء في المجالات المختلفة لتلك الجبهة الواسعة.

 

نسأل الله تعالى أن ينزّل عليكم يا شعبنا العزيز بركاته ورحمته أكثر من ذي قبل وأن يشملكم بألطافه وأن يفتح يوماً بعد يوم أبواب الفرج على الأمة الإسلامية.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

501


423

خطاب الولي 2010

نداء الإمام الخامنئي دام ظله

إثر الاعتداء عل القرآن الكريم في أمريكا

 

 

 

المناسبة:   الإعتداء عل القرآن الكريم في أمريكا

المكان:   طهران

 

الزمان:    22/60/9831هـ.ش.

40/90/1341هـ.ق.

31/90/0102م.

 

 

503


424

خطاب الولي 2010

 ما أفادت التقارير أن الحرب الصليبية اكتملت بدخول الكنيسة إلى الساحة.

 

إن الهدف من العمل المقزز الأخير هو - من جهة - أن تصل مواجهة الإسلام والمسلمين في المجتمع المسيحي إلى المستويات الشعبية العامة، وتتخذ صبغة دينية بدخول الكنيسة والقساوسة فيها، وتكتسب رصيداً من العصبيات والنزعات الدينية، ومن جهة أخرى أن تنصرف أذهان الشعوب المسلمة الغاضبة والجريحة من هذا الاعتداء الكبير، عن قضايا الإسلام ومشكلة الشرق الأوسط.

 

ليس هذا العمل الحقود بداية لسياق وتيار معين، إنما هو مرحلة من سياق طويل ومستمر لمحاربة الإسلام بزعامة الصهيونية والنظام الأمريكي. لقد تجمع الآن كل زعماء الكفر وأئمته ليقفوا أمام الإسلام.. الإسلام دين حرية الإنسان وذي المعنويات، والقرآن كتاب الرحمة والحكمة والعدالة. من واجب كل طلاب الحرية في العالم وأتباع كل الأديان الإبراهيمية إن يقفوا إلى جانب المسلمين في سياسة محاربة الإسلام القذرة بكل أساليبها المقززة والكريهة هذه. لا يمكن لساسة النظام الأمريكي بتصريحاتهم المخادعة الخاوية تبرئة أنفسهم من تهمة مواكبة هذه الظاهرة البشعة. منذ سنين وكل مقدسات وحقوق وحرمات ملايين المسلمين المظلومين في أفغانستان وباكستان والعراق ولبنان وفلسطين تُسحق وتُنتهك. مئات الآلاف من القتلى، وعشرات الآلاف من النساء والرجال الأسرى وتحت التعذيب، والآلاف من الأطفال والنساء المختطَفين، وملايين المعاقين والمشردين والمشتتين، ضحايا أي شيء؟ ورغم كل هذه المظلوميات لماذا يُظهرون المسلمين في وسائل الإعلام العالمية الغربية على أنهم مظهر العنف، والقرآن والإسلام باعتبارهما خطراً على البشرية؟ من يصدق أن هذه المؤامرة الواسعة يمكن أن تجري وتنفَّذ عملياً من دون مساعدة اللوبي الصهيوني داخل الحكومة الأمريكية؟!

 

أيها الإخوة والأخوات المسلمون في إيران والعالم بأسره أرى هنا من الضروري التذكير بعدة نقاط:

أولاً: يدل هذا الحدث والأحداث التي سبقته بوضوح على أن المستهدَف اليوم من الهجمات التي يشنها نظام الاستكبار العالمي هو أصل الإسلام العزيز والقرآن المجيد. صراحة المستكبرين في عدائهم لنظام الجمهورية الإسلامية ناجم عن صراحة إيران الإسلامية في

 

506


425

خطاب الولي 2010

مواجهة الاستكبار، وتظاهرهم بعدم معاداة الإسلام وسائر المسلمين كذبة كبيرة وخديعة شيطانية. إنهم أعداء الإسلام، وكل من يلتزم بالإسلام، وكل ما يدل على الإسلام.

 

ثانياً: سلسلة الأحقاد ضد الإسلام والمسلمين هذه ناجمة عن أن نور الإسلام ازداد تألقاً وسطوعاً منذ عدة عقود وإلى اليوم، وتضاعف نفوذه في قلوب الناس في العالم الإسلامي، وحتى في العالم الغربي أكثر من أي وقت مضى، وهي ناجمة كذلك عن أن الأمة الإسلامية ازدادت صحوة ويقظة أكثر من أي وقت آخر، والشعوب الإسلامية أرادت تحطيم أغلال قرنين من استعمار المستكبرين واعتداءاتهم. حادثة إهانة القرآن الكريم والرسول العظيم صلى الله عليه وآله وسلم رغم كل مرارتها تحمل في باطنها بشارة كبرى. إن شمس القرآن الساطعة تزداد يوماً بعد يوم رفعة وتألقاً.

 

ثالثاً: يجب أن نعلم جميعاً أن الحدث الأخير لا صلة له بالكنيسة والمسيحية، وينبغي عدم سحب التصرفات الاستعراضية لحفنة من القساوسة الحمقى والمرتزقة على المسيحيين ورجال دينهم.

 

نحن المسلمين لن نبادر إطلاقاً إلى أعمال مماثلة ضد مقدسات الأديان الأخرى. النزاع بين المسلمين والمسيحيين على المستوى العام مما يريده الأعداء والمخططون لهذه المسرحية الجنونية، والقرآن يريد منّا أن نقف في الجهة المعاكسة تماماً لهذا الشيء.

 

رابعاً: الجهة التي يدينها جميع المسلمين اليوم هي الحكومة الأمريكية وساستها. إذا كان هؤلاء صادقين في عدم مشاركتهم فيجب عليهم - بنحو مناسب - معاقبة المسؤولين الأصليين عن هذه الجريمة الكبرى ومنفذيها الميدانيين الذين لوّعوا قلوب مليار ونصف المليار مسلم.

 

والسلام على عباد الله الصالحين

السيد علي الخامنئي

٢٢ شهريور ١٣٨٩

 

 

507


426

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء أعضاء مجلس خبراء القيادة

 

 

 

         

المناسبة:   الاجتماع السنوي لأعضاء مجلس خبراء القيادة

الحضور:  أعضاء مجلس خبراء القيادة

المكان:   طهران

 

الزمان:    25/06/1389هـ.ش.

07/10/1431هـ.ق.

16/09/2010م.

 

 

509


427

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين قال الله الحكيم في كتابه:

﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا * وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا * وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾[1].

 

صدق الله العلي العظيم

 

أولاً، إننا شاكرون جداً للسادة المحترمين والإخوة المكرّمين وأعضاء هذا الاجتماع والهيئة المعظمة في نظام الجمهورية الإسلامية الذين أقاموا هذا المؤتمر وذكروا هذه المطالب الملفتة. ونشكر كلمات الرئيس ونائبه المحترمين اللذين وضعانا في أجواء القضايا التي طُرحت فيه.

 

خصوصية هذا المؤتمر هذه المرّة، هي حداثة عهدنا بشهر رمضان المبارك، شهر العبودية، شهر الإخلاص، شهر الاتصال بمعدن العظمة والقدرة، وشهر الطمأنينة والسكينة الناشئتين من الذكر حيث يقول تعالى: ﴿أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ﴾[2]. يجب أن تكون إحدى الاستفادات الأساس في هذا الشهر الشريف بالنسبة لنا أن تتنزّل الطمأنينة والسكينة الإلهية على قلوبنا وتزيل تلك الاضطرابات والتزلزل الموجودَين في

 


[1] سورة الفتح، الآيات 4 - 7.

[2] سورة الرعد، الآية 28.

 

 

511


428

خطاب الولي 2010

قلوبنا واللذين يجرّانا يميناً وشمالاً، فلو أنزل الله تعالى هذه السكينة ورحمنا فإنّ عمق إيماننا وعشقنا وحبنا لله تعالى سيزداد: ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ﴾[1].

 

ولحسن الحظ فإن شعبنا في هذا الشهر المبارك وفي عيد الفطر هذا قد حصل على فيوضات مهمّة، فهذا ما يشاهده المرء. وقد وصلتنا تقارير عديدة من أطراف البلد ـ تقارير موثّقة ومصوّرة ـ عن حالات الناس وتوجهاتهم وليالي الإحياء وغيرها ويوم القدس، فالناس بحمد الله قد استفادوا جيداً، وخصوصاً الشباب منهم. إن روحانية هذا الشهر من جهة تنوّر القلوب كشعاعٍ ساطع، ومن جهة أخرى هي كسحبٍ ثقال تهطل على قلوب الناس وأرواحهم. نسأل الله أن لا نبقى متخلفين عن هذه القافلة، ولنكون بذلك ممن استفاد من هذا الشهر المبارك.

 

ولا شك بأن هذه التوجهات الشاملة وهذه الأفضال الإلهية، التي يشاهدها الإنسان بأنواعها وأقسامها ويراها عن قرب في كلام الناس ومعاشرتهم وما يظهر منهم لا ينبغي أن تكون سبباً لغفلتنا، هي أمورٌ مُرْضية والوضع العام بحمد الله مُرضٍ، غاية الأمر أنه لا ينبغي الغفلة عن المكر الإلهي، الغفلة عما يمكن أن يحدث والخطأ الذي يمكن أن يصدر والعقاب الذي يمكن أن ينزله الله تعالى على أمّة أو شعب بسبب عدم الشكر، والذي يُعدّ خطراً كبيراً.

 

لحسن الحظ، هناك أحداثٌ موقظة في الماضي والحاضر. وهذه الأحداث المختلفة، والهجمات المتكررة وحادثة العار في إهانة القرآن الشريف والعزيز في أمريكا كلها أحداثٌ موقظة، فهي كالأجراس التي تدقّ لكي لا يغطّ الإنسان في سبات عميق أو نومٍ ثقيل ولكي لا يغفل عما يجري حوله، هذه نعمة كبرى. لقد شاهدنا طوال التاريخ وخصوصاً تاريخ الثورة العديد من هذه الأحداث وكان المؤمنون وأهل البصيرة والوعي يستفيدون منها، يستفيدون من عداوة الأعداء.

 

كان معروفاً وقد سمعناه ـ لا أذكر بالضبط إذا كنت قد قرأته في مكانٍ ولكنه كان منذ القديم على الألسن ـ أن كتاب فجر الإسلام الذي كتبه المصري أحمد أمين


 


[1] سورة الفتح، الآية 4.

 

 

512


429

خطاب الولي 2010

وفيه التُهم والإهانات الكثيرة ضد الشيعة ـ وهو ما تكرّر فيما بعد في (ضحى الإسلام) و(ظهر الإسلام) و(عصر الإسلام) ـ عندما نُشر أدّى إلى أن ينهض جماعة من كبار الحوزة العلمية في النجف ومفكّروها للردّ بشكل علمي وعملي. لهذا قام المرحوم الشيخ آغا بزرك الطهراني بتأليف كتاب (الذريعة)، والمرحوم السيد محسن الأمين من جبل عامل في لبنان كتابه المعروف بـ (الرجال) و(أعيان الشيعة)، وكتب المرحوم الصدر (تأسيس الشيعة لفنون الإسلام)، لقد قام هؤلاء بالدفاع، وكان دفاعهم عملياً، أي أن كتاباً لم يتجاوز الـ 300 صفحة تحت عنوان (فجر الإسلام)، أدّى إلى تأليف عدّة موسوعات كبرى حول الشيعة. وهذا ما كان جرساً منبّهاً، حيث دُقّ الجرس فقام الآخر من سباته، وفعل ما ينبغي.

 

وفي الماضي كان الأمر كذلك. فانظروا إلى بداية كتاب (المبسوط) للشيخ قدس سره الذي صنّفه في أواخر حياته المباركة حيث يقول إننا كثيراً ما نسمع أن المخالفين (يستحقرون فقهنا ويستزرونه) ـ أي يستقلّونه ـ ويقولون إن فقهكم ليس فيه فروع وليس فيه كذا، لهذا قمت بتأليف هذا الكتاب. كتاب (المبسوط) بكل هذه العظمة والتفريعات يقول عنه الكاتب نفسه: إنني لم أرَ في أي مذهبٍ من المذاهب الإسلامية ولحدّ الآن كتاباً ألّف وفيه كل هذه الأبواب الفقهية مع ما فيها من فروع، هذا ما يبيّنه الشيخ بنفسه في بداية كتابه. أي أن إهانة وطعناً أدّيا إلى وجود مثل هذه الحادثة الطيبة.

 

أو الشيخ النجاشي قدس سره الذي قال في بداية كتاب (الرجال) الذي حفظ لنا أفضل وأوثق الأسانيد الرجالية منذ ألف سنة: سمعتُ السيد الشريف يقول ـ وبالظاهر هو السيد المرتضى ـ إن مخالفينا يقولون: إنه لا سلف لكم، لا مصنَّف أو مصنِّف، أي أنه ليس لكم علماء يصنّفون من بين الأسلاف. وقد صنّفت هذا الكتاب لتشاهدوا أنه على العكس لدينا مصنّفون.

 

لاحظوا، إن العظماء يستفيدون بهذه الطريقة من الأحداث. وبرأيي، يجب النظر إلى الأحداث المرّة بهذه العين. ولا يعني ذلك أن إهانة القرآن عملٌ بسيط. فهو أمرٌ عظيم وشديد القبح والعار، ولكنه ينبغي أن يكون جرساً منبهاً بالنسبة لنا فنركّز

 

 

513


430

خطاب الولي 2010

حواسنا ونعرف أنّه: "من نام لم يُنم عنه"1، فلو نمنا هنا فإنّ جبهة العدو خلف خندقه ليس معلوماً إذا كانت نائمة، وقد يكون العدو مستيقظاً ويتآمر علينا.

 

برأيي أن فتنة السنة الماضية كانت بالنسبة لنا جرساً منبهاً. فبعد تلك الانتخابات التي شارك فيها 40 مليوناً وكنا جميعاً في حال من السرور والرضا حتى آخر الليل، لأن الناس تكاثروا على صناديق الاقتراع إلى آخر الليل ـ ولم تكن الأصوات قد فُرزت بعد والكل مسرور ـ ففجأة تشتعل فتنة من إحدى الزوايا، فتوقظنا قائلة: لا تناموا وتغفلوا فهناك أخطارٌ متوجهة إليكم. هذه هي المخاطر، وبرأيي، يجب النظر إلى كل الحوادث بهذه الطريقة.

 

في هذا الاجتماع المحترم والمكرّم نسلّط الضوء على القضايا العالمية التي ترتبط بنا، والقضايا المحلية لنرى ما هي المسائل التي يمكن استخراجها والدروس التي يمكن تعلّمها مما يجري اليوم في العالم وفي البلد.

 

على صعيد القضايا العالمية، الأمر الأوضح والأبرز من أي شيء آخر هو اشتداد نشاط الجبهة التي تواجهنا. فمرض النشاط الزائد هو من الأمراض التي تصيب الأطفال والأحداث، وهو يعني التحرك الزائد والنشاط المتنوع ولكن غير المتمركز وغير الهادف، فيطرق هذا الباب وذاك الباب. إنه تحرّكٌ زائد لكنه بدون هدف وغالباً ما ينتهي بالفشل، هذه هي حالة النشاط الزائد. ويمكن للمرء أن يشاهد هذه الحالة اليوم في جبهة العدو المواجهة.

 

فهم مشغولون بالتحركات المتعددة: الحظر، والقرارات، التُهم، والإشاعات ضد النظام الإسلامي، وتقوية المعارضين في الداخل، وبتعبير الرياضيين استعمال المنشطات معهم، حيث يقومون كل حين بحقنهم بالأبر المنشّطة التي لا تأثير واقعياً لها في التقوية الحقيقية، وإنما تُحدث نشاطاً ظاهرياً.

 

العام الفائت، وفي خضمّ أحداث الفتنة، سمعتم أن إحدى شبكات الإنترنت الإجتماعية التي كانت فعّالة في ارتباطها مع المخالفين في نشرها للأخبار ونقلها للأوامر

 

 


1- السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص452.

 

514


431

خطاب الولي 2010

وإشاعة الأجواء المتشنجة، عندما أرادت أن تأخذ عطلة مؤقتة من أجل الصيانة، تدخلت الإدارة الأمريكية ومنعتها قائلة إن عطلتكم هذه ستضرّ المعارضة داخل إيران، أي إنهم لم يسمحوا لهذه الشبكة الاجتماعية بأخذ عطلة مؤقتة. فهذه هي نماذج للدعم الذي كانوا يقدّمونه والإعانات بأقسامها وأنواعها. واليوم فإنهم يستخدمون جميع الوسائل الإعلامية والسياسية والثقافية والاقتصادية لكي لا يتقادم الزمان على الحظر ضد إيران أو يتوقّف.

 

فقد عيّنت الإدارة الأمريكية مسؤولاً رفيع المستوى في الاقتصاد والمال خصوصاً لهذه المهمة بحيث إن وظيفته الأساس هي قيادة اللجان المختلفة، فهو يسافر ويجول بقاع العالم ويلتقي بالمسؤولين والقيادات في كل البلاد لتحريضهم على إيران. هذا النشاط الزائد لنظام الإستكبار والجبهة المواجهة للنظام الإسلامي هو اليوم من أبرز الأحداث بحسب ما أرى.

 

من الممكن الإستفادة من هذه الحادثة في عدّة نقاط: الأولى، أن هذا الأمر ناشئٌ من تصاعد الصحوة الإسلامية. فما نراه في الخصم من ارتباكٍ حيث يسعى، وحيرة حيث يطرق كل باب، ويبذل كل هذا النشاط ويلتقي بكل من يمكنه لقاؤه فمن الواضح أن في المقلب الآخر هناك قدرة ترعبه وترهبه وتحيّره. لو كنا ضعفاء وكان بإمكانهم أن يركّعونا بضربة واحدة فما كان لكل هذه المساعي من لزوم. فهي تعبّر عن اقتدار هذا الطرف، وواقع القضية هو هذا الذي سأشير إليه. فهنا، أصبحنا أكثر قوّة وتجربة ووعياً مقارنة مع ما كان قبل ثلاثة عقود. وأضحت أيدينا أكثر بسطاً، وفي المقابل أضحى عدوّنا أضعف.

 

فيوماً ما كان العالم المستكبر كلّه ضد إيران. أي أنه في الواقع لم يكن من مجالٍ للراحة ـ في العقد الأول من الثورة كان الأمر كذلك ـ والإتحاد السوفياتي لم يكن مجرّد دولة واحدة، بل كان يشكّل مجموعة كبيرة من الدول المتمركزة حول روسيا اليوم، وقد كانت أوروبا الشرقية تابعة لهم، وأغلب الدول الأفريقية وأمريكا اللاتينية، وفي آسيا الكثير من دولها كانت محسوبة عليهم.

 

 

515


432

خطاب الولي 2010

كانوا جميعاً ضد الجمهورية الإسلامية. وفي ذلك الوقت ما كان بإمكاننا الحصول على السلاح التقليدي من أي مكان، فلم يكن في ذلك الوقت من دولة مستعدّة لبيعنا أي سلاحٍ تقليدي ـ كالدبابة مثلاً ـ لو أردنا شراء عشرين أو ثلاثين منها. في ذلك الوقت عندما كنت رئيساً للجمهورية سافرت إلى يوغوسلافيا التي كانت بالظاهر تميل إلينا كثيراً وتحترمنا وتمدحنا، بيد أننا مهما أصررنا لم يكونوا مستعدين لبيعنا أيّاً من الأسلحة التقليدية.

 

هذا بالرغم من أن يوغوسلافيا كانت من الدول المستقلة ولا تُعدّ ضمن منظومة الغرب أو معسكر الشرق، ولكنها في نفس الوقت ما كانت مستعدّة، فكيف بغيرها؟! ومن جانب آخر، كان معسكر الغرب: أمريكا وأوروبا.

 

حتى فرنسا التي تشنّ علينا اليوم هذه الحملات الإعلامية كانت ترسل طائرات الميراج، وصواريخ (سوبر أتاندارد) (لأعدائنا) أي أن هجوم تلك الدول علينا كان في ذلك الوقت أكثر بكثير مما هو عليه اليوم.

 

فألمانيا اليوم التي تصرّح ضدنا في إعلامها ـ سواء من مستشارها أو غيره ـ كانت في تلك الأيام تزود صدّام بالسلاح الكيميائي وتبني له معامل لإنتاجه وصناعته، أي أن عداواتهم كانت أكثر فعالية وعملانية.

 

واليوم لا يوجد مثل تلك الأخبار والأقوال، فهم لا يستطيعون ذلك لعدم توفر المجالٍ لا لأنهم أضحوا أفضل أو أصلح، كلا، هم يرون أنه لا يمكنهم أن يقوموا بهذا الأمر، وهذا الهيكل العظيم أضحى مع مرور الزمن أكثر تجوهراً وأشد قوة. وها هو الغرب اليوم ـ وهنا النقطة المهمة ـ يشعر بأن هيمنته القديمة على عالم الإسلام تتزلزل، فهؤلاء الذي كانوا يُغيرون على الدول الإسلامية والعربية دون رادعٍ أو مانع ويتحركون كيف يحلو لهم، يرون اليوم أنهم لم يعودوا قادرين، فهذا التيار الإسلامي يجبرهم. وحتى لو أرادوا إعادة النظر، فإنهم يجدون الأمر صعباً.

 

في بعض الدول التي تظهر تبعيتها للغرب بوضوحٍ ـ وتعلم شعوبها بذلك وهي ساخطة ـ عندما يريدون إعادة النظر والتفكير علّهم يستطيعون تغيير المسار بالاتجاه المطلوب، لا يقدرون، فبالنسبة إليهم أضحى الطريق مسدوداً. فالغرب في يومنا هذا

 

 

516


433

خطاب الولي 2010

يحتل هذه الموقعية. حسناً، إن هذا الضعف بالطبع سيؤدّي إلى أن توجهه نحو هذه الأشياء وإصدار القرارات، سواء واحد أو خمسة أو عشرة، تلك القرارات التي لا تقبل بها قلوب الشعوب، بل حتى الحكومات. هذه الدول التي بعضها عضو في مجلس الأمن وقد وقّعت على قراراته، لدينا اطّلاع على أن منها ما ليس راضياً على هذا الحظر والعقوبات، فقد كان الأمر بالنسبة لها عملاً قسرياً وإجبارياً، نوعاً من المجاملة السياسية. هذا هو الوضع.

 

لهذا فإن أحداثاً من هذا القبيل التي وقعت في هذه المدة عندنا ـ سواء القرار 1929، أو قضية إهانة القرآن الكريم، أو التصريحات العدائية ضد الجمهورية الإسلامية أو ما جرى في العام الفائت حيث إنه بلا شك كان من عمل الأعداء المستكبرين بشكل واضح للعيان، وقد كانت كلها لأن الخصم يشعر بأننا أقوى. وهذه القدرة والقوة والمتانة الموجودة هنا ترعبه. وهو ما نشاهده في تصريحاتهم وأقوالهم عندما يقولون: إننا إذا لم نفعل هذا فإن إيران سوف تصبح القوة الأولى في الشرق الأوسط، وإذا لم نفعل ذاك فإن نفوذ إيران سيتعاظم في الشرق الأوسط، وأمثالها من التصريحات. هذه هي النقطة الأولى.

 

النقطة الثانية، هي أن هذه الأحداث ينبغي أن توقظنا. فلا ينبغي أن يصيبنا الملل أو الغفلة. فلو أن هذه الأحداث التي رسمتُ معالمها وهذه القوة والقدرة والمتانة المتصاعدة في الجبهة الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية المقدّس، جعلتنا مستسلمين للنوم والغرور والغفلة فهنا يكمن الخطر. ينبغي أن نبقى حذرين متنبهين دائماً. فماذا ينبغي أن نفعل؟ يجب أن نصلح أنفسنا من الداخل. والإصلاح الدائم وظيفتنا الدائمة. وكيف نصلح الداخل؟ علينا أن نبدأ أولاً من أنفسنا، أنا العبد الحقير المذنب العاصي أبدأ من نفسي، وهكذا بالنسبة للآخرين. ففي البداية نصلح ما بيننا وبين الله وما سيسألنا غداً عنه، ونفكّر: "واستعملني بما تسألني غداً عنه"[1].


 


[1] الإمام زين العابدين عليه السلام، الصحيفة السجّاديّة، مصدر سابق، ص92.

 

517


434

خطاب الولي 2010

إن هذا ينبغي أن يكون من ضمن الأشياء التي تبقى في أذهاننا. لا أقول إنه بعد أن نصلح بالكامل نبدأ بإصلاح الناس ـ حيث إنه من الممكن أن لا يتحقق هذا الأمر بهذه البساطة ـ فإذا ما بدأنا بإصلاح أنفسنا حينها يصبح إصلاح المجتمع بالنسبة لنا سهلاً. وإصلاح المجتمع أسهل من إصلاح النفس.

 

فالمرء يشاهد القلوب المستعدّة والمهيّئة والاستعداد لقبول الكلام والمنطق في هذا المجتمع الإيراني الكبير. شبابنا، ورجالنا، ونساؤنا، المؤمنون في أقاصي نقاط البلد، من أصلحهم وأعلمهم وأفهمهم إلى الشرائح الدنيا في أكناف وأطراف البلاد، يرى الإنسان أنهم يصغون، فإذا تكلمنا فإنهم يستمعون. وإذا استمعوا فمن المحتمل جداً أنهم سيتأثرون، وإذا تأثروا فسيظهر ذلك في عملهم. هذه هي القضية، قضية إصلاح الباطن.

 

رفع المعنويات الداخلية، التي تُعدّ من القضايا المهمة في الداخل ـ لو لم يكن الحديث ليطول ويحصل الانزعاج، فإنني سأذكرها لاحقاً ـ فهي تُعدّ من تكاليفنا. إن رفع المعنويات يُعدّ من الاشياء التي تقع ضمن مسؤولياتنا الأساس، سواء فيما يرتبط بالمسؤولين أو العلماء والمعممين، فهو من الأشياء التي لا ينبغي نسيانها أبداً.

 

الاتحاد الحقيقي، السادة جميعاً يتحدثون عن الاتحاد والوحدة ونحن كذلك، فكلنا نقول الوحدة، ولكن هذه الوحدة ينبغي أن تتحقق بالعمل. الوحدة هي أن نقوّي قواسمنا المشتركة التي هي أكثر من الأسباب المفرّقة وأن نضعها نصب أعيننا، ونحافظ عليها. فلا ينبغي أن يجرمنا شنآن نفرٍ على أن نقول شيئاً أو نعمل عملاً يكون خلاف مصالح البلاد، مما يشاهده الإنسان أحياناً، فنبغض إنساناً لأمرٍ ما في عمله أو شخصيته أو تصريحه فيهيمن هذا الشنآن على كل تصرفاتنا، فهذا ليس صحيحاً، فيجب الحفاظ على القواسم المشتركة وإيجاد النقاط الأساس.

 

بعض هذه القضايا التي نعرضها ونستند إليها ليس من القضايا الأساس حقاً وإنصافاً، وليس من الأصول. فهناك قضايا أصولية أكثر ينبغي الاستناد إليها. أنظروا إلى ما جعله العدو هدفاً، وهو ما سأعرض له الآن.

 

النقطة الثالثة، التي تُستفاد من الوضع الموجود هي تشخيص ورصد العدو وأساليبه وأعماله التي يقوم بها، فماذا يفعل العدو اليوم؟ إن من أهم الأعمال التي

 

518


435

خطاب الولي 2010

إن هذا ينبغي أن يكون من ضمن الأشياء التي تبقى في أذهاننا. لا أقول إنه بعد أن نصلح بالكامل نبدأ بإصلاح الناس ـ حيث إنه من الممكن أن لا يتحقق هذا الأمر بهذه البساطة ـ فإذا ما بدأنا بإصلاح أنفسنا حينها يصبح إصلاح المجتمع بالنسبة لنا سهلاً. وإصلاح المجتمع أسهل من إصلاح النفس.

 

فالمرء يشاهد القلوب المستعدّة والمهيّئة والاستعداد لقبول الكلام والمنطق في هذا المجتمع الإيراني الكبير. شبابنا، ورجالنا، ونساؤنا، المؤمنون في أقاصي نقاط البلد، من أصلحهم وأعلمهم وأفهمهم إلى الشرائح الدنيا في أكناف وأطراف البلاد، يرى الإنسان أنهم يصغون، فإذا تكلمنا فإنهم يستمعون. وإذا استمعوا فمن المحتمل جداً أنهم سيتأثرون، وإذا تأثروا فسيظهر ذلك في عملهم. هذه هي القضية، قضية إصلاح الباطن.

 

رفع المعنويات الداخلية، التي تُعدّ من القضايا المهمة في الداخل ـ لو لم يكن الحديث ليطول ويحصل الانزعاج، فإنني سأذكرها لاحقاً ـ فهي تُعدّ من تكاليفنا. إن رفع المعنويات يُعدّ من الاشياء التي تقع ضمن مسؤولياتنا الأساس، سواء فيما يرتبط بالمسؤولين أو العلماء والمعممين، فهو من الأشياء التي لا ينبغي نسيانها أبداً.

 

الاتحاد الحقيقي، السادة جميعاً يتحدثون عن الاتحاد والوحدة ونحن كذلك، فكلنا نقول الوحدة، ولكن هذه الوحدة ينبغي أن تتحقق بالعمل. الوحدة هي أن نقوّي قواسمنا المشتركة التي هي أكثر من الأسباب المفرّقة وأن نضعها نصب أعيننا، ونحافظ عليها. فلا ينبغي أن يجرمنا شنآن نفرٍ على أن نقول شيئاً أو نعمل عملاً يكون خلاف مصالح البلاد، مما يشاهده الإنسان أحياناً، فنبغض إنساناً لأمرٍ ما في عمله أو شخصيته أو تصريحه فيهيمن هذا الشنآن على كل تصرفاتنا، فهذا ليس صحيحاً، فيجب الحفاظ على القواسم المشتركة وإيجاد النقاط الأساس.

 

بعض هذه القضايا التي نعرضها ونستند إليها ليس من القضايا الأساس حقاً وإنصافاً، وليس من الأصول. فهناك قضايا أصولية أكثر ينبغي الاستناد إليها. أنظروا إلى ما جعله العدو هدفاً، وهو ما سأعرض له الآن.

 

النقطة الثالثة، التي تُستفاد من الوضع الموجود هي تشخيص ورصد العدو وأساليبه وأعماله التي يقوم بها، فماذا يفعل العدو اليوم؟ إن من أهم الأعمال التي

 

518


435

خطاب الولي 2010

يقوم بها، بل لعلنا نقول إن أهم ما يقوم به هو نوعان من العمل: الأول، عزل الشعب عن النظام، والثاني، إبعادهم عن بيّنات الدين وأصوله وواضحات الأحكام الإسلامية والشريعة الإسلامية. لقد عرفوا جيداً ما يقومون به، لأن الداعم الأساس للنظام هو الشعب.

 

فهم يعلمون أنهم لو فصلوا الناس عن النظام فسيكون النظام بدون سند وظهير. فكيف يفعلون ذلك؟ بكل صراحة من خلال القضاء على ثقة الناس بالمسؤولين. فمهما حاول المسؤولون وسعوا وتحرّكوا وقاموا بأعمالٍ مفيدة فسيكون لذلك تفسيرٌ سيئٌ في الإذاعات الأجنبية والإعلام الخارجي مما يشاهده المرء بوضوح. وبالطبع فإن هذا الأمر كان موجوداً دائماً.

 

ففي جميع العهود كان فصل الناس عن المدراء والعاملين والقضاء على ثقتهم بهم من أعمال الأعداء. وطوال العشرين سنة بعد رحيل الإمام وفي حياته المباركة رضوان الله تعالى عليه، كان هذا الأمر من الأعمال التي يقومون بها، ولهذا كان إمامنا العظيم في ذلك الزمان، ورغم وجود اعتراضات على بعض ممارسات المسؤولين والعاملين في البلاد، يدافع دوماً عنهم.

 

وهذا لا يعني أن الإمام كان يدافع عن جزئيات الأعمال. كلا، ولكن الإمام كان يجعل من نفسه درعاً. وكان الإمام يقف في مواجهة العاملين والمسؤولين في النظام فيما لو رمى أحدٌ حجراً وأدّى إلى تضعضع ثقة الناس بهم، وأنا العبد على هذا المنوال. ولقد دافعت عن جميع الحكومات انطلاقاً من هذه الحيثية وأدافع الآن. فلا ينبغي أن نُسقط مسؤولي النظام سواء منهم مسؤولو السلطة التنفيذية أو التشريعية أو القضائية في أعين الناس بسبب ممارسة ما في إحدى الزوايا. لأن الناس لو فقدوا الثقة بهذه الأجهزة العظيمة فإنهم سيفقدون الأمل. وهذا للإنصاف خلاف الحق، أي أن تلك الأشياء التي تُقال أحياناً هي خلاف الحق. حسناً، إننا نشاهد الأوضاع والأحوال ونطّلع على خبايا الأمور، وهناك الكثير من المساعي المؤمنة والمخلصة وهذا ما يشاهده المرء، وهناك تطور كثير مشهود ـ ودائماً يُذكر تطور البلد، هذه كلها لا تتحقق بتقاعس المسؤولين وقعودهم. فهناك سعيٌ والعدو يريد أن يقضي على هذه الحالة.

 

 

519


436

خطاب الولي 2010

يريد العدو أن يضعف حالة الثقة الموجودة عند الناس تجاه مسؤولي النظام لكي يشعروا بأنهم لا يستطيعون أن يعتمدوا على حكومتهم وعلى سلطتهم القضائية ومجلسهم التشريعي. هذا ما يريدونه أن يتهدّم في أعين الناس. وهو خطأٌ. وهذا نوعٌ من أعمال العدو التي ينبغي أن تعرفوها. ولا ينبغي أن نكون صوتاً واحداً مع العدو ونعمل وفق جدوله، ونكمل لعبته المعقدة، فنكون انعكاساً لصدى، العدو في الداخل، بل علينا أن ننتبه إلى هذه الأمور. والمسألة الأخرى ما يتعلق بالدين والأسس الإسلامية والثورة الإسلامية، من التوحيد والنبوة والإمامة والولاية إلى الأحكام والحجاب والحدود الشرعية وسائر الأمور. فالعدو يعمل بشكل دائم على إثارة الشبهات. وعلينا أن نكون ملتفتين جيداً، فهي من أساليب العدو. ويجب علينا التخطيط والعمل لمواجهتها.

 

وبالطبع، هنا وفي هذه الشبهات التي تُثار بطرق مختلفة على الجميع أن ينهضوا لمواجهة مثل هذا التدمير الدائم للقيم الدينية التي نواجهها في هذه المواقع وتلك التصريحات والفرق والتيارات المختلفة وتهديم القيم الأخلاقية والجنسية وغيرها. وهذه أعمالٌ لا تنحصر بالعدو، كلا، فهناك دوافع داخلية لكن العدو يقوم بتقويتها وتوجيهها ودعمها والمضيّ بها قدُماً، والعدو راضٍ عنها. فعلينا أن نكون متنبهين ويقظين. فعلى من تقع المسؤولية؟ هل هي على عاتق الحكومة وحدها؟ كلا.

 

بالطبع، الحكومة تتحمل مسؤوليات، وأنا بنفسي ذكرت مراراً لمجلس الثورة الثقافية في العهود المختلفة أنكم لا تستطيعون أن تُبقوا أنفسكم بمعزلٍ عن تدين الناس والمسؤولية الملقاة على عاتقكم في هذا المجال. وكانوا يخالفون. فتلك التيارات المنحرفة أخلاقياً كانت تقول كلا، فإن هذا يصبح ديناً حكومياً(دين السلطة)، وأنا أعتقد أن الحكومة تتحمل مسؤولية في هذا المجال، ولكن ما هي؟ هل على الحكومة أن تصلح عقائد الناس؟ كلا. وإنما عليها تأمين الأرضية. أما الوظيفة العملانية والميدانية فهي على عاتق المشايخ والنخبة من الحوزة والجامعة.

 

هذه هي المسؤولية الميدانية. وإنني اليوم أنظر إلى مقعد هذه المجموعة الدينية والعلمية الكريمة فأراه خالياً في الكثير من الأماكن. ونحن عندما نعترض على أجهزتنا الإعلامية والتبليغية نرى أنهم أحياناً وبسبب اعتراضنا وانتقادنا يقومون بحركة دينية.

 

 

520


437

خطاب الولي 2010

فيخرج السيئ بدل الحسن، يقومون بما ينتج مضمونه خراباً وذلك بسبب أنّ الإشراف العلمي الذي هو من مختصات العلماء في هذا المجال غير موجود.

 

إن دور الحوزات العلمية في الإذاعة والتلفزيون لا ينحصر في أن يأتي واعظٌ مفوّه لينصح الناس، كلا، فعلى الحوزة العلمية أن تشكل اللجان والمجموعات واللجان الفكرية الدينية التي عليها أن تؤلّف وتبحث وتحلل وتحقق في القضايا المختلفة وتعرض نتاجها في الخارج. وعندما تكون الأجواء مناسبة فإن ذلك يؤثر حتماً، يترك أثره على أداء الممثّل أيضاً.

 

قدِم إلينا في السنة الماضية حوالي 300 من فنّاني إيران، في القطاعات المختلفة، والتقوا بنا. تحدّثوا قليلاً وتحدّثت قليلاً. وبعدها إلتفتُّ إلى مسألة في ذلك اللقاء وقلت: لو إنكم أيها الفنانون أو منتجو الأفلام أو الممثلون أو المخرجون سألتموني قائلين: إننا نريد صناعة فيلمٍ ديني، فحول أي موضوعٍ نعمل؟ افرضوا أننا أردنا أن نصنع فيلماً عن الحجاب، فماذا ينبغي أن يكون محتواه؟ ومن أين نبدأ؟ وماذا نُظهر للناس؟ إذا أردنا أن نقوّي عقيدة الناس بشأن قضية التوحيد أو النبوة أو قضية الولاية أو ولاية الفقيه أو قضية الإمام قدس سره، فماذا ينبغي أن يكون الموضوع والمضمون؟ فذاك الذي تربّى في بيئة غير دينية ولم يطالع العلوم الدينية، والكثير منهم لا يعرفون القرآن أو نهج البلاغة أو الأحاديث، ماذا يعرف عما ينبغي أن يكون في محتوى هذه الأفلام؟ نحن الذين نعرف، يجب أن نكون مستعدّين ونساعد. فإذا استطعنا أن ننظم هذه الأفكار ونرتبها بطريقة منطقية قابلة للفهم، والتصديق، ونقدّمها لهذه الفئات، فعندما يطالعها هذا الفنّان سوف يقع تحت تأثيرها. لهذا عندما يكون الفنّان صاحب سابقة وجذور دينية يشاهد المرء أنه يصنع فيلماً جيداً، وهو أمرٌ نادراً ما يحصل. فالعمل عملنا ـ عمل العلماء ـ الذين ينبغي أن يزيلوا هذه النقائص.

 

كانت هذه مجموعة من النقاط فيما يتعلق بالقضايا الخارجية، حيث إن عمدتها ما يتعلق بالجبهة الفعّالة للخصم والنقاط الموجودة فيها والأعمال التي يقومون بها. وبالطبع فإن هناك الكثير مما يمكن أن يُقال في هذا المجال. ونظرة أخرى إلى أوضاعنا الداخلية، أي وضع الجمهورية الإسلامية، سواء في الداخل أو في الخارج.

 

 

521


438

خطاب الولي 2010

فبنظري كان هناك هجمات كثيرة ضدنا طيلة العقود الماضية المليئة بالفخر من عمر نظام الجمهورية الإسلامية، هجمات قاصمة وهجمات معادية بشدّة للهوية الإسلامية والروح الإسلامية والروح الثورية، لقد كانت الهجمات كثيرة جداً في هذه السنوات الثلاثين.

 

لقد تلاعبوا بشعاراتنا وحرّفوها وفسّروها في كثير من الأحيان بشكل خاطئ. وكثيراً ما سعوا ـ وبذلوا جهوداً منظّمة وليست فردية فقط ـ من أجل تشكيك الناس بأصل الثورة. وفي هذا الماضي الذي لا يبعد عنا كثيراً قاموا بخرق القانون مرات ومرات وفي كل مرة كانوا يختلقون عناوين وظواهر وحججاً، قاموا بأعمالٍ مختلفة. ولكن الناس صمدوا والثورة كانت بالمرصاد الثورة صمدت والناس صمدوا ووقف المسؤولون المؤمنون الذين كان لهم حضورٌ فاعلٌ وسط هذه الشرائح العظيمة وبيّنوا المسائل، وبحمد الله تقدّمت الثورة ولم يتمكنوا من فعل شيء. لهذا لاحظتم كيف أن الناس في الانتخابات الأخيرة لم يكترثوا لتلك الكلمات التي كان لها طابعٌ غير إسلامي وغير ديني. فهذه مسألة مهمّة جداً. لقد توجّه الناس إلى الذي يطلق الشعارات الثورية والإسلامية، الشعارات المناهضة للنزعات الدنيوية (التوجه نحو الكماليات)، الشعارات التي تطالب بالعدالة الاجتماعية. وهذا ما يدلّ على يقظة الناس. فالناس يحبون هذه الأمور. وهم يحترموننا لأنهم يحبون الإسلام، ويعدّوننا مظهر الإسلام والناطقين به.

 

هذه خصوصية شعبنا وهي تحوز على أهمية فائقة. منذ أكثر من 30 سنة وهم يعملون ضد الثورة ورغم ذلك فقد صمد هذا الشعب وبقيت شعارات الثورة حيّة. وها هي كلمات الإمام اليوم رائجة. أولئك الذين يريدون الرفعة بين الناس يكرّرون كلمات الإمام ويربطون أنفسهم بالإمام. ذات يومٍ كان الأمر خلاف هذا، وهو ليس باليوم البعيد عنا، كان هناك من يتظاهر بمخالفة الإمام، راحوا يقولون إن الثورة دُفنت وصرّحوا بذلك.

 

بعضهم قال إنّه ينبغي فصل الناس عن الله! وكانوا في ذلك اليوم يصرّحون بهذا علناً. واليوم لا يجرؤون على ذلك. في يومنا هذا، أولئك الذين يقدرون على مخاطبة الناس ولديهم منبر أو أية وسيلة أخرى، يتغنّون بالإمام والثورة وشعارات الإمام، وهو

 

 

522


439

خطاب الولي 2010

ما يكون بأساليب خاصة.. هذا الأمر مهم جداً. وهو مؤشّرٌ على أن العملة الرائجة في البلد والأسلوب المقبول هو نهج الإمام وطريق الثورة. إن هذا شيء عظيم. حسناً، لقد قلنا بالطبع إن الناس صمدوا، وآخر نموذجٍ للصمود هو ما جرى في فتنة السنة الماضية. حتى أولئك الذين صوّتوا لغير الشخص المنتخَب قد وقفوا في النهاية مقابلهم، لهذا رأيتم أنهم شاركوا في يوم التاسع من شهر دي، وفي ذكرى انتصار الثورة، ونزلوا جميعاً (إلى الشارع). وهذا ما يدلّ على أنّ أصحاب الفتنة ومشعلوها هم أقلية معدودة، وقد كذبوا وأرادوا بذلك أن يتبعهم الشعب.

 

في البداية نجحوا وعندما ظهرت صورتهم الحقيقية وسقطت الأقنعة من خلال كلماتهم وأعمالهم المختلفة ابتعد الناس عنهم. لهذا فإن الشعب وقف. وهذه نقطة حول وضع البلد. والنقطة الأخرى، فيما يتعلق بتطور البلد. فهناك تطورٌ علميٌّ كبير ذُكر مراراً وذكرناه وكذلك ذكره غيرنا وأنتم تعرفونه. ففي الحقيقة هناك تطورٌ علميٌّ وتقنيٌّ مدهش. بعضهم يمر على مثل هذه الأشياء التي تُعلن في التلفزيون مرور الكرام، أن فلاناً فعل كذا، فلاناً افتتح كذا، لكن عندما يشاهد المرء هذه الأشياء وراء الكواليس فإنه يراها أعمالاً مهمة وفيها الكثير من الجهد والعمق العلمي والطاقات الكامنة، التي أدّت في النهاية إلى تحقق ذلك الشيء أو هذا الاختراع، في المجالات المختلفة صناعياً وتقنياً وعلمياً. وهذا من الأمور المسلَّمة. لكن ما هو أهم من هذه الابتكارات العلمية والتقنية هو عبارة عن روحية الثبات والشعور بالاقتدار الذي تحقق في هذا الشعب. فقد استيقظت هذه الروحية عند أولئك الذين ينبغي أن يقوموا بهذا الأمر.

 

وقد كان من بركات لقاءات شهر رمضان عليّ، مجيء الطلاب والأساتذة والنخب والمسؤولين والعاملين والصناعيين والفاعلين في البلاد، ولم يكن من يحدد لهم ما يقولون، فقط تعالوا وتحدثوا. والكلمات التي ألقوها كانت تعبّر عن روحية الإيمان بالذات والاعتماد على النفس والثقة بأنهم يستطيعون أن ينجزوا أضعاف ما تمّ إنجازه إلى اليوم. وهذا أمرٌ مهمٌ جداً. وهذه هي الروحية التي أراد الإمام قدس سره أن تستيقظ في الشعب.

 

 

523


440

خطاب الولي 2010

يأتي الشباب فيتحدثون أحد الشباب جاء وقال إن لديّ خطة علمية جامعة، وأنا أقدّمها لكم، وإن تلك الخطة العلمية الجامعة التي أُعدّت في المجلس الأعلى للثورة الثقافية فيها إشكالات. فهذه روحية عظيمة جداً فيما يرتبط بالإيمان بالذات. وقد سُعدت كثيراً ومن المحتمل أن ما أعدّه ذاك الشاب وتصوّره أن لا يكون مقبولاً مئة بالمئة، لكن هذه الروحية التي تدفع شاباً ليجلس مع اثنين أو ثلاثة من زملائه الجامعيين لإعداد خطة جامعة للبلد ولا يكتفي بعدها بوضعها في زاوية بل يأتي وأمام الملأ يقدّمها إلي ويقول: ها أنا أعطيك إياها، إن هذا مهمٌّ جداً. فمثل هذه الروحية موجودة في جامعيينا وشبابنا وفي أساتذتنا الجيدين والمؤمنين.

 

لو كنا نشاهد المرارات والفشل والضعف فعلينا أن نشاهد هذا أيضاً، فهي أمورٌ مهمة جداً، وهي أمورٌ لها وجه صحيح، منذ متى لم يوجد أشخاص سيئون بيننا، وأشخاص يرتكبون المخالفات، وأشخاص ضعفاء، ومتذمرون؟! ولكن ذلك الشيء الذي يتقدّم بالبلد هو عبارة عن هذا المحرّك. وها هنا قد يكون داخل هذا القطار أربعة نفرٍ يتخاصمون فيما بينهم، يتشاجرون أو أنهم يرمون قشور البرتقال ويوسّخون الأرض ولكن القطار يتحرّك ويتقدّم، هذه الخلافات موجودة، فليكن. هناك أعمالٌ سيئة، وهناك شخصٌ يصلي صلاة الليل داخل القطار، يصلي صلاة جعفر الطيار، فالكل على هواه، ولكن الحركة نحو الأمام مفعمة بالأمل، ولها توجه وهدف.

 

هذا ما ينبغي أن نراه، هناك عمل وبناء وابتكار وروحية الاكتفاء الذاتي، هذا ما يشاهده المرء في يومنا هذا. حسناً، لقد تمّ إنجاز الأعمال المهمّة وبنظري هي أعمالٌ قيّمة. وبحسب اطلاع هذا العبد فإن ما يُنجز في البلد هو أعمالٌ مهمة جداً. ويترتب على هذه الصورة التي رسمتها حول وضع البلد وقدّمتها للإخوة والسادة المحترمين وما أفهمه من أوضاع البلد ـ فأنا لست غافلاً عن هذه الامور، بل أنا على اطّلاع على جميع هذه المسائل المختلفة التي تُذكر، ومطلع على الكثير من الجزئيات عدّة نقاط:

أحدها أن ضغوط العدو والظروف الصعبة لم تضعفنا. فالمصاعب التي واجهناها

 

 

524


441

خطاب الولي 2010

طيلة العقود الماضية لم تضعفنا بل جعلتنا مقاومين وأقوياء. يقول أمير المؤمنين (عليه سلام الله والملائكة أجمعين): "ألا وإن الشجرة البرية أصلب عوداً.. وأقوى وقوداً"[1]. هي أكثر ثباتاً، وإذا اشتعلت فنيرانها تبقى لمدة أطول. وهذه من خصائص الظروف الصعبة التي تتحدى، فإنها تجعل الشعوب مقاومة، وتجعل الرؤساء والمدراء والمسؤولين والقادة كذلك، وهي تزيدهم قوة مثلما تفعل الرياضة في البدن، وتضاعف من قوتهم وهممهم، فيتجهون نحو أعمالٍ أكبر. وهذا بحمد الله قد حدث. هذه هي النقطة الأولى.

 

النقطة الثانية، هي أنّ هذه الضغوط التي تُمارس على مستوى العالم، محكومة بالهزيمة. والشيء الذي أظهرته لنا التجربة بالإضافة إلى الوعد الإلهي ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ﴾[2] وغيرها من الآيات الكثيرة في هذا المجال، هو أنّ الضغوط غالباً ما تبوء بالهزيمة. فتارة يمارسون ضغطاً وعندما تظهر المقاومة من هذه الجهة ينتهي الضغط. فالحرب هي حرب الإرادات، حرب العزائم الراسخة، فمن كان صاحب عزيمة أقوى سينتصر، ولهذا سوف يُهزمون. ولو كان الأمر أن يُهزم النظام الإسلامي بهذه الضغوط، لكان ينبغي أن ذلك يحصل في العقد الأول من عمره. هناك كما ذكرت كان العدو أقوى وكنا أضعف، كانت قدراتنا أقل وإمكاناتنا كذلك، ومعرفتنا بالأوضاع العالمية قليلة، وكذلك تجربتنا، واليوم بحمد الله فإن هذه النقائص قد جُبرت. ولم يعد هناك الكثير من المشاكل التي كانت موجودة حينها. فروحية الناس جيدة والدوافع كبيرة جداً. ولو وقعت حربٌ لا سمح الله، وتطلبت حضور الناس والشباب في الجبهة، فسوف ترون أنّ شباب اليوم الذي يمثّلون الجيل الثالث للثورة لا يقلّون همّة وتضحية عن شباب ذلك الزمان، ولعلّ الأمر يكون أكثر.

 

فهذه الحالة موجودة. لهذا فإن هذه الضغوط محكومة بالهزيمة، لكن المهم أن نكون يقظين، بشرط أن نكون صاحين، بشرط أن لا نغفل ولا ننام. فهذه هي الأجراس المنبّهة التي تبقينا صاحين، هذا هو الشرط.

 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص418.

[2] سورة الحج، الآية 40.

 

 

525


442

خطاب الولي 2010

النقطة الثالثة، هناك مفتاح أساس وهو طمأنة الناس وبث الأمل فيهم. وهو ما يقع على عاتقنا جميعاً، نحن المعممين والمسؤولين وأئمة الجمعة المحترمين، فيجب أن نبث الأمل والاطمينان بين الناس، لأنهم إذا فقدوا الأمل فقدوا الثقة بالنفس وتزلزلوا وهناك تكون الهزيمة الحتمية. فالذي يحفظ المحارب والمقاتل في الجبهات هو الأمل. فيجب أن يحصل على الأمل ويعلم أن بإمكانه أن يصل إلى شاطئ النصر.

 

فيجب الحفاظ على هذا الأمل حيّاً. إن العامل الأساس للنصر هو حضور الشعب في الساحة، والعامل الذي يحقق حضورهم في الساحة هو الأمل والاطمئنان، فيجب تقويته فيهم، ولا ينبغي أن يخاف الناس ويسيئوا الظن ويفقدوا الثقة. أنتم تشاهدون في القرآن الكريم: ﴿ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ﴾[1] ‏هذا من جانب العدو، أي خافوا، (قد جمعوا لكم فاخشوهم). الآية الأخرى: ﴿إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوۡلِيَآءَهُۥ﴾[2]، ﴿لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ﴾[3]، أي أن تخويف الناس مذموم، وكذلك إحباطهم وإقلاقهم، وفي المقابل: ﴿وَٱلۡعَصۡرِ * إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ * إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ﴾[4] حيث ينبغي أن نوصي بعضنا بعضاً بالصبر والثبات واتّباع الحق والمحافظة على بعضنا بعضاً. ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾[5] ‏الأولياء هم المرتبطون ببعضهم بعضاً. هذه هي مسؤوليتنا. لهذا ينبغي التوجه إلى هذه النقطة المرتبطة بالأمل والطمأنينة.

 

يجب التعرف إلى القضايا الأساس وعدم تحويل الفرعي منها إلى أساس. لا أقول لا تطرحوها، كلا، بل فيجب طرح القضايا الفرعية وجميع الجزئيات. لكن لا ينبغي أن تتحول إلى مسائل أساس وإلى ملاك للمخالفة والموافقة. لأن ملاك الموافقة والمخالفة هو الصراط المستقيم الحق، الإسلام، والشرع، الدين والتدين، والتمسك بمباني الثورة،

 


[1] سورة آل عمران، الآية 173.

[2] سورة آل عمران، الآية 175.

[3] سورة الأحزاب، الآية 60.

[4] سورة العصر، الآيات 1 – 3.

[5] سورة التوبة، الآية 71 .

 

526


443

خطاب الولي 2010

والتمسك بآمال الإمام والأهداف التي رسمها، مواجهة المستكبرين وإساءة الظن بهم. أي أن نعرف من هو عدوّنا. فلا يكون الأمر بحيث ننهض لمخالفة رفيقنا وأخينا الذي جلس هنا، وتتعلق قلوبنا بذلك المستكبر ونوالي المخالف عديم الحياء ونطلب منه العون ونثق به. فلا يكوننّ الأمر كذلك.

 

القضية المهمة التي تعيش في ذهن هذا العبد دائماً ـ كما ذُكر وعُرض في اللقاء ـ وهي مورد قلق الآخرين، قضية الثقافة، فهي مهمة. القضية الثقافية هي أهم من القضايا الاقتصادية والسياسية. فما هي الثقافة؟ إن الثقافة عبارة عن ذلك الإدراك والفهم والاعتقاد الموجود في الناس وتلك الروحية والمعنويات والأخلاقيات في الحياة. إنها تلك الأمور التي تدفع الإنسان للعمل. فلو كانت الثقافة الحاكمة على بلدٍ ما هي ثقافة تحمّل المسؤولية فإنها توجّه عمل الشعب. وفي المقابل، فإن حالة انعدام المسؤولية هي التي تفقد الإنسان الشعور بالمسؤولية تجاه الأحداث والقضايا والمستقبل والعدو والصديق.

 

إن تحمّل المسؤولية وسرايتها إلى أرواح الناس وأفكارهم وروحيتهم وتقديمها هدية لهم مما يزيد الثقافة قوّة. الإيثار والوجدان المهني والانضباط والتعاون والانسجام الاجتماعي، والابتعاد عن الإسراف وتوجيه الاستهلاك وروحية القناعة، ومتانة ما ننتجه، كل هذه هو ثقافة. ويجب تقويتها في نفوس الشعب. إتقان العمل، والمحافظة على أفكار الإمام والثورة حية، وروحية الانسجام والاتحاد الإسلامي ـ وهو ما أمرنا به القرآن وكذلك ما تعطيه أفكارنا وتحمّلنا إياه هذه الثورة وتأمرنا به ـ مع إخواننا المسلمين، مع أبناء الوطن، ووجود حالة الاتحاد والانسجام والعصبة الإيجابية فيما بيننا، على طول الأمة الإسلامية، كل هذه هو ثقافة. ومنها أيضاً ثقافة العفاف وثقافة العيش البسيط.

 

فعلى من تقع مسؤولية هذه الأعمال؟ إن الوسائل الإعلامية لها دورٌ كبير لكنها عبارة عن قوالب، أما المحتوى والمضمون فهو بأيدنا، وفي هذا بحثٌ مفصّل ليس محله هنا وإن شاء الله سأعرض له في محلّه. هناك أعمالٌ مهمة تقع على عاتقنا وعلى عاتق الحوزات العلمية، وإن شاء الله يجب أن تتحقق. ها هنا طال حديثنا.

 

 

527


444

خطاب الولي 2010

نسأل الله أن يحفظنا جميعاً على طريق الثورة وطريق الإسلام، ويجعل حياتنا وقفاً للإسلام، وأن يميتنا على طريق الإسلام وفي سبيله، وأن يجعل كل ما قلناه ونقوله ونسمعه ونفعله لأجله وفي سبيله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

528


445

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء مجاهدي تعبئة البناء

 

 

 

         

المناسبة:   أسبوع الدفاع المقدس

الحضور:  الآلاف من الشباب وأعضاء تعبئة البناء

المكان:   طهران ـ حسينية الإمام الخميني قدس سره

 

الزمان:    1389/06/31هـ.ش.

1431/10/13.هـ.ق.

 

 

529


446

خطاب الولي 2010

أولاً، أقول لكم مرحبا بكم أيها الشباب الأعزّاء؛ أبنائي إخواني وأخواتي الفعّالين الملتزمين الذين بحضوركم وطاقاتكم وشبابكم وحماسكم وإيمانكم أضفيتم الرونق على البلد والمجتمع وهذه الحقبة الزمنية وها أنتم تعزّون التاريخ. بدايةً، أذكر جملةً ترتبط بعلوّ المكانة التي أنتم عليها اليوم أيّها الشباب الأعزّاء؛ سواءٌ هذا الجمع الحاضر في هذا المحفل الحميم أو عشرات الآلاف ولعلّه مئات الآلاف من الشباب الذين يسلكون هذا المنهاج والطريق وليسوا حاضرين هنا اليوم. وهذه الجملة هي: أعزّائي إنّ كلّ إنسان يغبطكم على شبابكم وعهد الشباب الذي تمرّون فيه عند هذه المرحلة. فالشباب والفتوّة مرحلةٌ عزيزة وقيّمة تعبرونها وهي تبعث الغبطة في كلّ من عبرها.

 

في يومنا هذا، نتساءل كيف يعيش شباب الدنيا، الذين هم في مثل عمركم، هذه المرحلة العزيزة والقيّمة على صعيد الأحاسيس والتوقّعات والأماني والنشاطات. ففي أكثر الدول تطوراً، يغطّي غبار اليأس والإحباط والعبثية الحياة الجميلة للشباب؛ الكثير منهم ليس لديه هدف سوى الوصول إلى الأماني الضيّقة والمبتذلة على الصعيد المادّي؛ فلا هم يلتذّون بخدمة الناس ولا هم ينفقون هذه الطاقة الشبابية العظيمة والنادرة على المسار الذي تليق به؛ والكثير منهم فقدوا الأهداف السامية فضلاً عن عدم وجود هدفٍ من الأساس؛ وها هم يطوون بساط الحياة مستغرقين في الماديات والشهوات الزائلة التي ليس من ورائها إلا الندم؛ وهم لا يعرفون شيئاً عن تلك الروح المعنوية المتلألئة التي يتمتّع بها الشاب المؤمن والعاشق للخدمة والمتوجّه إلى مبدأ العشق والجمال والحقيقة. إن شبابكم بالنسبة لأمثال هؤلاء ـ لو كانوا يمتلكون البصيرة ـ جديرٌ بالغبطة.

 

فاعرفوا قدر هذه المرحلة وهذه التوجّهات وهذه الروحية؛ واعرفوا قدر نعمة

 

 

531


447

خطاب الولي 2010

الخدمة والاستطاعة، والتي حباكم الرب المتعال بها، فاشكروا الله واسألوه أن يزيدكم من هذه الثروة المعنوية. واعلموا أنّ كل مجتمعٍ أو بلدٍ يمتلك مثل هذا الرأسمال العظيم والقيّم فإنّه ولا شك سيتمكّن من الوصول إلى أعلى قمم العزّة والعظمة. وهذا هو المصير الحتمي لمجتمعكم وشعبكم.. والعامل المؤثّر والمحرّك هو هذه الروحية التي تمتلكونها.

 

حسناً، أذكر جملةً ترتبط بهذه الحركة العظيمة لتعبئة البناء ومخيّمات الهجرة التي بدأت رسميّاً قبل عشر سنوات. بالطبع يجب أن أقرّ بأنّ هذا العمل قد بدأ من الشباب أنفسهم، فقد بدأ هذا التحرّك من قبل الشباب الجامعيين والطلّاب من القطاعات المختلفة؛ وقبل عشر سنوات وصلنا تقريرٌ حول هذه الحركة الجميلة والمهيبة وأدّى إلى إيصال نداء تعبئة البناء إلى سائر شباب البلد. أي أن هذه الحركة كانت حركة شعبية فوّارة تماماً مثل جهاد البناء في بداية الثورة. ففي جهاد البناء بدأ الشباب من أنفسهم وتحرّكوا نحو القرى لتقديم الخدمات في تلك الأوضاع الشديدة التعقيد والصعوبة. وهذه الحركة هي التي شجّعت إمامنا العظيم لتأسيس جهاد البناء. فعمل الناس يلهم المدراء والمسؤولين على التحرّك.

 

حسناً، ما هو العامل المؤثّر هنا؟ إنّه العشق والإيمان، البصيرة والهمّة التي تمثّل الأعمدة الأساسية. العشق والإيمان. فمن لا إيمان له لا يمكنه أن يجسّم محوراً لتحرّكه. ومن ليس لديه الشعور القلبي المحب والعميق، لا يمكنه أن يستمرّ على هذا التحرّك. ومن ليس له همّة فإنّه يكتفي بالأعمال الصغيرة والتطلّعات المحدودة ولا يعلّق بصره بأعلى القمم. ومن ليس له بصيرة فإنّه يسير على الطريق الآخر؛ لو كان يتمتّع بالعشق والإيمان فإنّه ينفقهما على الطريق الغلط ويتحرّك تحركاً منحرفاً. فالعشق والإيمان والهمّة والبصيرة، كلّ هذه هي التي قدّمت الثورة إلى شعبنا ومجتمعنا، فتحققت الثورة التي هي تلك الشجرة الطيّبة التي ذكرها القرآن: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً

 

 

532


448

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

أولاً أرحب بكم أيها الشباب الأعزاء، أبنائي الأحباء، الإخوة والأخوات الناشطون الملتزمون الذين أضفيتم الألق والرونق على البلاد والمجتمع وهذا العهد من الزمان بحضوركم وقوتكم وطاقاتكم وشبابكم وحماسكم وأملكم وإيمانكم، وجعلتم التاريخ شامخاً مرفوع الرأس.

 

نقول بداية بعض الشيء عن رفعة مكانتكم التي تتحلون بها اليوم أيها الشباب الأعزاء، سواء أنتم الحاضرون في هذا المحفل أو عشرات الآلاف وربما مئات الآلاف من الشباب السائرين في هذا الدرب، لكنهم لم يحضروا اليوم هنا.

 

وما أريد قوله: يا أعزائي، الكل يغبطكم على شبابكم الذي تقضونه في هذه الفترة من الزمن. هذا الشباب، وأن يعيش الإنسان شبابه هكذا، وينفق فترة شبابه العزيزة الثمينة بهذه الطريقة أمر يبعث على الغبطة.

 

في أية مشاعر، وأوهام، وأعمال يقضي الشباب في سنكم وفي بلدان مختلفة من العالم حالياً سن شبابهم العزيز القيم؟ في أكثر البلدان تقدماً تعلو غبرة اليأس والكآبة وعدم تحديد الهدف حياة الشباب الجميلة. الكثير من الشباب لا هدف لهم سوى تحقيق آمال مادية صغيرة وتافهة خاصة بهم. لا يذوقون لذة خدمة الآخرين، ولا ينفقون طاقة الشباب العظيمة النادرة في السبيل اللائق بها. والكثير منهم لا يفتقرون للأهداف السامية وحسب، بل ليس لهم أهدافهم أساساً، ويقضون الحياة يومياً غارقين في الماديات والشهوات العابرة الباعثة على الاكتئاب. لا يفهمون شيئاً عن تلك الروح المعنوية المتلألئة التي يتحلى بها الشاب المتدين المؤمن العاشق للخدمة والمتوجّه نحو أصل الحبّ والجمال والحقيقة. شبابكم موضع غبطة مثل هؤلاء الناس لو كانت لهم أعين البصيرة.

 

اعرفوا قدر هذه الفترة وهذا التوجه وهذه الروح والمعنويات. اعرفوا قدر نعمة

 

 

531


449

خطاب الولي 2010

الخدمة والقدرة على الخدمة التي أهداكم الله تعالى إياها. اشكروا الله واسألوه أن يضاعف لكم هذه الكنوز المعنوية. واعلموا أن أي مجتمع وأي بلد يتمتع بمثل هذا الرصيد العظيم الثمين سيستطيع بلا أي شك الوصول إلى أعلى قمم العزة والعظمة. وهذا هو المصير المحتم لمجتمعكم وشعبكم والسبب في ذلك والمحرك الذي يدفع هذه المسيرة هو هذه الروح التي تتحلون بها.

 

حسناً، لنذكر شيئاً عن هذه الحركة العظيمة لتعبئة البناء، ومخيمات الهجرة التي بدأت رسمياً منذ عشرة أعوام.

 

طبعاً يجب أن أعترف بأن هذا المشروع انطلق أول مرة من قبل الشباب أنفسهم. الشباب الجامعيون وطلاب المدارس أنفسهم بدأوا هذا التحرك. في سنة 79 وصلتنا تقارير هذا التحرك الجميل العظيم الذي أدى إلى إعلان نداء تعبئة البناء لكل شباب البلاد. أي إن هذا المشروع كان تحركاً جماهيرياً تلقائياً يشبه على وجه التحديد جهاد البناء في بداية الثورة.

جهاد البناء أيضاً كان على هذه الشاكلة حيث بدأه الشباب أنفسهم وساروا نحو القرى والأرياف واشتغلوا في الخدمة في تلك الظروف والأحوال الصعبة المعقدة. ودفع هذا التحرك الإمام الجليل وشجعه على إصدار الأمر بجهاد البناء. أعمال الناس تلهم المدراء والمسؤولين قراراتهم ومبادراتهم.

 

حسناً، ما هو العامل المُسبِّب هنا؟ إنه الحب، والإيمان، والبصيرة، والهمّة. هذه هي الأعمدة الأصلية. العشق والإيمان. الإنسان الذي لا إيمان له لا يمكنه أن يتصور محوراً لتحركه. الإنسان الذي لا يتحلى بالمشاعر القلبية العاشقة العميقة لن يكون بمستطاعه مواصلة هذه المسيرة. الإنسان المفتقر للهمّة يكتفي بالأعمال الصغيرة والحدود القريبة، ولا يرمق بنظره أعلى القمم. الإنسان الذي لا بصيرة له يسير في الدرب الخطأ، وحتى لو كان فيه عشق وإيمان فسوف ينفقهما في الطريق الخطأ. العشق والإيمان والبصيرة. هذا ما منحته الثورة لشعبنا ومجتمعنا. ومن هنا أضحت الثورة تلك الشجرة الطيبة التي يذكرها القرآن الكريم: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً

 

 

532


450

خطاب الولي 2010

كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ﴾[1] الكلمة الطيبة كالشجرة السليمة الطيبة الأصل ﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء﴾[2]، إنها شجرة متجذرة ولها جذور عميقة وقوية وأغصان وأوراق كثيفة.

 

﴿تُؤۡتِيٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينِۢ بِإِذۡنِ رَبِّهَاۗ﴾[3]، تؤتي ثماراً بحسب الفصول وحسب احتياجات البشر. هذه هي الكلمة الطيبة. والثورة هي مثل هذه الشجرة. الطريق الثوري الذي فتحه إمامنا الجليل ـ هذا السالك الحقيقي لطريق الطيبين والأولياء والشهداء والمعصومين والصّديقين ـ لنا هو مثل هذه الكلمة الطيبة.

 

ذات يوم كانت هناك حاجة للعمل والتحرك الدفاعي داخل المجتمع، وذات يوم كانت الحاجة للعمل الدفاعي على حدود البلاد، وفي يوم آخر كانت هناك حاجة للعمل والمعرفة. وفي يوم كانت هناك حاجة للعمل على تكريس العقيدة والإيمان، وفي يوم آخر تظهر الحاجة للخدمة والعمل. في كل هذه الظروف يجني الناس ثماراً تتناسب مع فصولهم وظروفهم. هذه هي حركة الثورة.

 

توهم بعضهم أن الثورة أصبحت قديمة وبالية. وأعلنوا أن الثورة قد انتهت! كانوا هم الذين انتهوا. هم الذين نفدت ذخائرهم ونفذ مخزونهم ولم يستطيعوا مواصلة الطريق. قارنوا الدنيا والمجتمع والثورة بأنفسهم فأخطأوا. ﴿نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَىٰهُمۡ أَنفُسَهُمۡۚ﴾[4] حينما تنقطع العلاقة بالله لن يعود بمقدور الإنسان أن يعرف حتى نفسه بصورة صحيحة، فما بالك بمجتمعه أو مبادئهِ ومُثُله. كيف يقطع الإنسان علاقته بالله؟ حينما تتغلب الأهواء والميول المادية ومحورية الذات على نفس الإنسان، فتتحول هذه الجاذبيات إلى خيوط عنكبوت تلتف حول كائن الهمّة والإيمان الضعيف وتصيده وتقضي عليه. كان لدينا أناس من هذا القبيل.

 

شهدنا أمثال هؤلاء في الماضي وسنشهدهم في المستقبل أيضاً. هؤلاء مصاديق عدم الثبات. الذين يتخلفون عن طريق الثورة ومسيرتها ليسوا بالضرورة أفراداً ناصبوا

 

 


[1] سورة إبراهيم، الآية 24.

[2] سورة إبراهيم، الآية 24.

[3] سورة إبراهيم، الآية 25.

[4] سورة الحشر، الآية 19.

 

 

533


451

خطاب الولي 2010

الثورة العداء منذ البداية. حينما تتغلب الدوافع المادية على الإنسان سوف يتوقف عن مواصلة المسيرة. وعندما تتحول الأهداف الصغيرة التافهة الشخصية كالحصول على المال والثروة والبهارج، والوصول إلى الرئاسة والسلطة إلى هدف رئيس للإنسان فسينسى هدفه الرئيس.

 

في مسيرة ما حينما نروم الوصول إلى مكانٍ ما أو هدفٍ ما، إذا وجدنا في الطريق حقلاً أخضر، أو ينبوع ماء، أو مقهى جيداً، وتضعضعت خطواتنا وإرادتنا واعتبرنا ذلك الشيء الجميل هدفنا وارتحنا له ورضينا بأن نقضي وقتاً ممتعاً فيه فسوف ننسى هدفنا ولن نواصل الطريق. هذا بلاء حلَّ ببعضهم، لقد قارنوا الآخرين بأنفسهم فقالوا إن الثورة انتهت والإمام انتهى، لكنهم مخطئون. الثورة حقيقة إلهية تعتمد على إيمان الجماهير ومشاعرهم العاشقة وبصائرهم. وهل يمكن أن تنتهي الثورة؟ لذلك قلت مراراً وأقول الآن أيضاً: جيلنا الشاب اليوم وهو جيل الثورة الثالث إن لم يكن إيمانه وحماسه وبصيرته أعظم من الجيل الأول فهو ليس بأقل يقيناً.

 

في ذلك الحين كان الكثيرون ينـزلون إلى الساحة ولا يستطيعون البقاء فيها. والشاب اليوم بكل هذه الوساوس التي تحيط به وبكل هذه الوسائل الإعلامية المادية والأنانية والشهوانية، حينما يأتي الدور لأداء الواجب نراه يضحّي هكذا وينـزل إلى الساحة هكذا. هذا أمرٌ له قيمة عظيمة جداً.

 

اعرفوا قدر تعبئة البناء ومخيمات الهجرة هذه. أنتم المحاور الرئيسة لهذه الحركة العظيمة. اعرفوا قدر هذا، واشكروا الله تعالى. وعلى المسؤولين والآخرين والمدراء والذين يتولون المسؤوليات والأعمال أن يعرفوا بدورهم قدر هذه الحركة العظيمة. اقرأوا دروسكم بصورة جيدة خلال السنة الدراسية، ادرسوا بطريقة بحثية، واقصدوا الوصول إلى قمم العلم. وخلال أوقات الفراغ أثروا ساعاتكم وأيامكم ولياليكم ونهاراتكم بهذه الحركة الجميلة الرائعة.. حركة تقدم الخدمة للناس.

 

من بركات مخيمات الهجرة وتعبئة البناء تقديم الخدمة للناس حيث يستفيد الملايين من خدماتكم بشكل مباشر.

 

يستفيدون من الناحية المادية وما يتعلق بالشؤون اليومية للحياة، وكذلك من الناحية المعنوية ومن حيث الهداية. حتى لو لم تقيموا

 

534


452

خطاب الولي 2010

هناك دروساً في القرآن فإن مجرد حضور الشاب المؤمن المتدين والمتشرع في بيئة ريفية بين الشباب والناس سيجعله مظهراً متجسداً للآيات القرآنية، وسوف يحضّ الناس ويدعوهم إلى الدين، والثورة، والمعنوية. "كونوا دعاة الناس بغير ألسنتكم"[1]. ادعوا الناس إلى الإيمان والإسلام والدين بأعمالكم. هذا هو تقديم الخدمة.. الخدمة المادية والمعنوية.

 

والأهم من هذا هو الخدمة التي تقدمونها لأنفسكم حيث تفجرون مواهبكم الداخلية، وتفعّلون الإمكانيات الكامنة في بواطنكم، وتكتسبون التجارب، وتتعرفون إلى حياة الناس، وتحطمون الأسوار الطبقية، وتلمسون واقع الحياة، وتشعرون داخل أنفسكم بالبهجة والشغف لتقديم الخدمة، وتحيون هذه المشاعر داخل أنفسكم. الذي يتذوق لذة الخدمة والعمل لن يتعب من العمل. كما قيل في تقارير الإخوة الأعزاء، وقد قرأت هذا سابقاً في تقارير أخرى فإن الشاب الذي يكتشف هذه اللذة في نفسه لن يتعب من تقديم الخدمة. هذه هي الفائدة الثانية وهي كبيرة جداً.

 

الفائدة الثالثة هي أنكم سفراء العمل والجد. حينما تحضرون في بيئة معينة، في الصحراء مثلاً والجبال والمناطق البعيدة وبين الناس الفقراء المحرومين وتعملون، فسوف يستلهم الشاب هناك دروساً مما تقومون به، وتصبحون سفراء الجد والعمل والخدمة والجهاد. ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾[2] إنكم تحيون القلوب، وهذه فائدة كبيرة. ثمة الكثير من الفوائد في هذا العمل، فحافظوا على هذا التيار العظيم.

 

أعزائي، بلدكم وشعبكم يسير في منعطف تاريخي خطير. منذ ثلاثين عاماً ونحن نسير في هذا المنعطف. واجهتنا محنٌ خطيرة وتجاوزناها لكنها لم تنته. هذا المنعطف التاريخي الحساس لا يختص بتاريخ إيران فقط، بل بتاريخ الأمة الإسلامية كلها. الأمة الإسلامية المصابة بالركود منذ قرون، وتتعرض للإهانة، والمتخلفة عن ركب الحضارة، والمبتلاة ببعض ـ أو كثير ـ من الحكام والساسة الفاسدين المستبدين، حان يومها

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 67، ص 309.

[2] سورة المائدة، الآية 32.

 

 

535


453

خطاب الولي 2010

 الآن لتتحرر من كل هذه الأعباء والمشكلات والأدران والمعضلات. لقد قطع شعب إيران الخطوة الأولى الواسعة. العالم عالم التناقضات والصدامات والحروب، عالم الصراع المادي بين القوى التي لا تريد أن ترفع الشعوب المستقلة رؤوسها وتشعر بشخصيتها ووجودها.. هذه القوى سوف لن تقعد ساكتة ساكنة بلا حراك. خصوصاً وأنهم يعلمون أن الأمة الإسلامية تتمتع بموهبة ذاتية تنبع من الأحكام الإسلامية، لذلك يصطفُّون في مواجهتها، ورأيتم كيف اصطفوا.

 

منذ بداية الثورة ظهر الاصطفاف بين جبهة المستبدين الدوليين والجشعين العالميين وبين شعب إيران العظيم والشجاع. يُوهِمون الناس بأن الهدف هو إيران، لكن هدفهم الحقيقي هو الإسلام. الهدف هو الأمور الأمة الإسلامية. يعلمون أن المحرك الذي يشغِّل هذه المسيرة العظيمة هو الأمور المعنوية والقرآن والإسلام. لذلك يعارضون الإسلام والقرآن. طبعاً الرائد الذي يقف في مقدمة الصف هو الشعب الإيراني وهم يوجهون الضربات لهذا الرائد. بيد أن هذه القوة الريادية الهائلة لم تضعف بعد مضي ثلاثة عقود، ولم تتزلزل أقدامها، ولم تضعف عزيمتها، ولم تتراجع إلى الوراء، وليس هذا وحسب بل زادت من سرعتها وثباتها.

 

قلت مراراً وهذا القول ليس شعاراً، بل هو حقيقة: همتنا وبصيرتنا وقدراتنا المتنوعة اليوم أكبر بكثير مما كانت عليه قبل ثلاثين سنة. هداية الثورة وروحها واتجاهها حقائق لم تصبح قديمة بالية فينا.. وهو الشيء الذي كانوا يتمنونه. والشاهد على صمود الثورة هم هؤلاء الشباب. خير شاهد على ذلك هم أنتم أيها الشباب الأعزة.. هذا الجيل المتوثب الحيوي ذو البصيرة والهمّة والوعي والحاضر في الساحات المختلفة.

 

إذا كان الكلام عن أعمال تقنية متطورة فقد وقف هؤلاء الشباب وقفتهم، شبابنا هم الذي يديرون الطاقة النووية. وفي مجال الخلايا الجذعية ينشط الشباب أيضاً، وفي تقنيات البيئة، وتقنيات النانو، ومختلف أنواع التقنيات، أينما ذهبنا وجدنا الشباب يعملون، الشباب الذين لم يشهدوا فترة الحرب، ولا التقوا بالإمام الخميني، ولا يحملون خواطر وذكريات عن بداية الثورة.

 

إذن، المسيرة مسيرة حيوية متوثبة ومتجددة. حينما نأتي إلى ساحة العمل والخدمة

 

 

536


454

خطاب الولي 2010

والجد نرى هذه الحركة العظيمة، حركة تعبئة البناء. وحين نأتي إلى مضمار السياسة والمشاركة نرى حركة التاسع من دي، وحركة الثاني والعشرين من بهمن، والمشاركة الهائلة في الانتخابات.. ما معنى كل هذا؟ معناه أن شبابنا اليوم ـ وهم الأكثرية الغالبة في شعبنا ـ وعموم جماهيرنا يتقدمون بنفس اتجاه الثورة الإسلامية وبنفس المعنويات وبسرعة أكبر. إذن، لقد تقدمنا إلى الأمام.

 

والأعداء في الموقف المعاكس تماماً. كانوا يومذاك أقوى وهم اليوم أضعف وكان أملهم حينذاك أكبر ويقولون إننا سنقضي على النظام والثورة في ثلاثة أيام، ثم في أسبوع، ثم في شهرين، واليوم لا يسمع منهم أحد مثل هذا الكلام الهراء، فقد يئسوا وتراجعوا. إذن، هذه الحركة حركة نحو الأمام. إننا نتقدم في هذا المنعطف التاريخي العظيم بحيطة وتدبير ووعي ودقة وطاقة كبيرة. وهذا بسبب عدة عوامل رئيسة. من هذه العوامل أنتم الشباب. أنتم الذين تتقدمون بالبلاد إلى الأمام. حضور الشباب من المحركات القوية الدافعة إلى الأمام. على الجميع تثمين مشاركة الشباب ومعرفة قدرها، وسوف تتنامى هذه الروح بين شبابنا أكثر فأكثر إن شاء الله، سواء الفتيات منهم أو الفتيان، وسواء في البيئة الجامعية أو بيئة الثانويات، أو البيئات الاجتماعية المختلفة.. وهذا ما سيحصل. الكلام اليائس والناجم عن الكآبة لن يؤدي إلى أية نتائج، وغالباً ما يكون سببه اليأس والكآبة لدى قائله.

 

هذه الأيام ذكرى بدء الحرب المفروضة. ثمانية أعوام تكاتفت جميع القوى العسكرية فيها في العالم ضد إيران. صحيح أن أمريكا والاتحاد السوفيتي السابق لم يبعثا جنودهما عملياً إلى ساحة القتال - إنهم لا يبعثون الجنود، إذ لا حاجة لإرسال الجنود، الشعب العراقي المسكين كان أسيراً في أيديهم - لكنهم بعثوا التجهيزات والمعدات، وخطط الحرب، وصور الأقمار الصناعية عن ساحة الحرب، وزوّدوا بها صداماً، وبعثوا له المال، ووفروا له الاعتبار السياسي.. فعلوا كل ما استطاعوا ضد الثورة، وضد الإمام الخميني، وضد النظام، وكانوا يفتعلون الأكاذيب والإشاعات ويبثونها في الإعلام. فعلوا كل هذا فما كانت النتيجة؟ أين صدام اليوم؟ صدام الذي قدّموه لمجابهة شعب إيران العزيز والثورة الإسلامية والإمام الجليل، ذاق في البداية طعم الذل الشديد ثم مات

 

 

537


455

خطاب الولي 2010

وفارق الحياة منكوباً خاسئاً. بينما الإمام الخميني حيّ، والثورة حية، وأبناء الإمام أحياء، وشعب الإمام حي. هذه تجربة.

 

وهذا سيكون مصير كل الذين يتقدمون ويقفون في الخطوط الأمامية لجبهة الاستكبار العالمية لمجابهة إيران الإسلامية. هذه تجربة، وستكون النتائج نفس النتائج في المستقبل أيضاً. سيبقى الإمام حياً وستبقى الثورة حية وستبقون أنتم أحياء، وسيتقهقر أعداؤكم ويتراجعون. يجب أن تصل هذه المسيرة إلى القمم العليا لأهداف الثورة، وستصل بفضل من الله وبحول الله وقوته.

 

اعرفوا قدر أنفسكم، واعرفوا قدر هذا الطريق الذي تسيرون فيه، ومتّنوا وشائج قلوبكم الطاهرة النقية بالله يوماً بعد يوم، واطلبوا العون والمدد من الله تعالى. هذا الشعور بالمسؤولية الذي تتحلون به زيدوه يوماً بعد يوم، واتركوا تأثيركم في محيطكم وبيئتكم كالمشعل الذي يضيء حواليه. أينما كنتم في البيئة العائلية، وفي بيئة العمل، وفي محيط الدراسة، أو في أوساط المجتمع أثّروا على المحيطين بكم. سوف تزداد ألطاف الله تعالى يوماً بعد يوم، ولن يرفع الله تعالى يد لطفه عن شعبنا الحبيب إن شاء الله. نرجو أن تشملكم جميعاً أدعية سيدنا بقية الله عجل الله تعالى فرجه الشريف، وسيحفظكم الله جميعاً أيها الأعزاء.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

538

 


456

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء الشباب النخبة في البلاد

 

 

 

المناسبة:   لقاء الشباب النخبة في البلاد

الحضور:  جمع من الشباب النخبة

المكان:   طهران

 

الزمان:    14/07/1389هـ.ش.

27/10/1431هـ.ق.

06/10/2010م.

         

 

539


457

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أتقدم بالشكر الجزيل للإخوة والأخوات الأعزاء، سواء منظمو هذه الاجتماع الجيد جداً أو الإخوة والأخوات الذين ناقشوا المواضيع وأبدوا آراءهم. الاجتماع اجتماع جيد جداً، ولقد سررت واستفدت حقاً من اللقاء بكم اليوم ومن كلماتكم وآرائكم.

 

بالنسبة إلى هذه النقاط التي ذكرها الأعزاء.. لا أقول إنها قضايا صغيرة وقليلة الأهمية، كلا، بالتالي كل قضية وكل مسألة وأية مشكلة في أمور أي شخص لها أهميتها بحد ذاتها - لا شك في هذا - وأنا لا أحمل أي عتاب على أحد لطرحه هذه الأمور، كلا، ليس الأمر كذلك على الإطلاق. حتى لو قمتم واحداً واحداً وذكرتم آراءكم وقضاياكم لاستمعت إليكم ولفرحت بهذا الاستماع. ولكن يجب مراعاة الأولويات. هذا الاجتماع اجتماع القضايا العامة الكبرى، القضايا الخاصة بالجميع. إذا استطعنا ببركة هذا الاجتماع ومثل هذه الجلسات إيجاد مناخ وأفكار ومحفزات عامة في البيئة العامة للبلاد فسوف تعالج هذه المشكلات تدريجياً. وأتمنى أن يحصل هذا الشيء.

 

الشيء المهم جداً في التخطيط لتنمية البلاد هو أن ننظر أين يجب تركيز أرصدتنا المادية والمعنوية الكبرى، إذ من البديهي أن الأرصدة المادية والمعنوية - أي الهمم والطاقات البشرية والمحفزات - ليست غير متناهية. إذا أردنا الوصول بالبلاد إلى حالة التنمية - التنمية بمعناها المنشود والذي نقصده نحن وليس بالضرورة التنمية بالمعنى الغربي الدارج - فيجب أن ننظر أين يتحتم علينا تركيز هذه الأرصدة أكثر.

 

أعتقد أننا إذا ركزنا أرصدتنا على قضايا العلم والتقنية وإعداد النخبة نكون قد عملنا بلا شك في إطار إحدى أهم الأولويات. التقدم العلمي وتبعاً لذلك التقدم التقني يمنح البلاد والشعب إمكانية وفرصة الاقتدار المادي والمعنوي. إذن، بنظرة استراتيجية يتميز العلم بمثل هذه الأهمية. وهذا هو ما نريد التوكؤ عليه. أما قضية ما هو الهدف

 

 

541


458

خطاب الولي 2010

من هذا العلم، فإذا كان ثمة وقت وتذكرت الأمر ربما ذكرت شيئاً عن الاتجاهات التي يجب أن تتخذها حركتنا العلمية.

 

وعليه، من أكثر الأعمال أولوية قضية العلم والتقنية الضرورية جداً في هذا البلد. إننا نعاني في هذا المجال من تأخر تاريخي مزمن وفاحش. والذنب في هذا التأخر يقع على عاتق الذين فرضوا مثل هذا الداء المزمن على مثل هذا الشعب الكبير بسبب سياساتهم وسلوكهم وأطماعهم وتساهلهم. ونريد الآن إنقاذ أنفسنا من هذه الأعباء ومن هذا الكابوس الثقيل. إذن، عليّ أنا وعليكم أنتم وعلى المسؤولين المعنيين ومسؤولي القطاعات المختلفة في البلاد وعلى كل إنسان شريف في هذا البلد يستطيع فعل شيء، أن نبذل مساعينا في هذا المجال.

 

كل إنسان بقدر استطاعته وإمكانيته. والجميع مسؤولون، ابتداء من الطالب الجامعي الذي التحق بالجامعة هذه السنة إلى الطلبة الجامعيين المتفوقين إلى الأساتذة ثم مسؤولي النظام التعليمي والعلمي في البلاد إلى القطاعات المختلفة في سلسلة المراتب الإدارية والعلمية في البلاد. كلنا يجب أن نبذل مساعينا ونعمل ونركض لنستطيع تعويض هذا التأخر التاريخي المفروض علينا. هذه مسألة جادة ومهمة.

 

حسناً، أودّ أن أقول لكم إن السرعة والنجاح كانا مشهودين طوال هذه الأعوام الماضية. اعلموا - وربما كنتم تعلمون، ولدي طبعاً إحصائيات أكثر ومعلومات أوسع وأكثر تفصيلاً - أنه في الأعوام السبعة أو الثمانية أو العشرة الأخيرة قام البلد بتحرك هائل في هذه الميدان وأنجز أعمالاً كبيرة. طبعاً، ثمة بعض هنا وهناك في الجامعات وخارج الجامعات يبثون اليأس والقنوط والأفكار السلبية، لكنهم يكذبون ويتكلمون اعتباطاً. بعضهم يفعل ذلك عن غفلة، وبعض عمّا هو أسوأ من الغفلة. التحرك للإنصاف تحرك ناجح. تم إنجاز أعمال كبيرة في هذه الأعوام. ولقد أثبت الشعب والشباب والمنظومات العلمية والجامعات والمدراء العلميون أن هناك مواهب جيدة لهذا التحرك الذي سعينا إليه. وبالتالي فقد تقدمنا إلى الأمام.

 

وهذا التقدم يستدعي أن نواصل المسيرة بمزيد من التفاؤل. يعتقد عدد ملحوظ من الخبراء الإيرانيين وغير الإيرانيين أن بلادنا ستصل إلى الأهداف المرسومة لها في

 

 

542


459

خطاب الولي 2010

الأفق خلال عقدين من الزمان قبل الموعد المحدد، أي قبل سنة 1404هـ.ش. (2025م) المصادفة لنهاية دورة أفق العشرين سنة. والهدف هو إحراز المرتبة العلمية الأولى بين البلدان الإسلامية. هذه هي التقديرات والتخمينات. والسبب يعود إلى السرعة التي نسير بها. إذن، يجب أن نكون متفائلين، ولا نفوّت اللحظات، وأن نعتمد على طاقاتنا ونواصل المسيرة بجد وتصميم وبالشروط اللازمة. هذه نقطة.

 

النقطة الثانية هي أنني ـ وكأي شخص مطلع في البلاد ـ أفخر بهذه الأعمال العلمية التي يتم إنجازها. كلنا نفخر بالتقدم العلمي في المجال النووي. وجميعنا نفخر بالتقدم الهام جداً والذي تحقق في مجال الخلايا الجذعية - وقد تحدثوا عنه - والأعمال العظيمة التي أُنجزت على هذا الصعيد. في مجال النانو وتقنيات البيئة وغير ذلك تحققت حالات تقدّم متطورة وجيدة وكلنا نفخر بها. هذه ليست بالأشياء الصغيرة، بل هي أمور كبيرة، لكنها ليست أموراً تقنعنا بأن البلاد حققت تقدماً منشوداً وكاملاً من الناحية العلمية.. مع أننا دخلنا إلى بعض هذه الحقول العلمية لتوّنا لكننا مع ذلك ضمن البلدان العشرة الأولى في هذا المجال. لكن هذا لا يكفي.

 

فما هو اللازم؟ اللازم في البلاد والذي بوسعه أن يصور لنا تقدم البلاد علمياً إلى مواقع مناسبة وباعثة على الفخر هو وجود دورة  علمية كاملة في البلاد. لا بد أن توجد في جميع القطاعات دورة مترابطة ومهمة من مختلف العلوم التي يحتاجها البلد لتتكامل الجهود والعلوم وتمدّ لبعضها بعضاً يد العون. يجب ظهور منظومة علمية كاملة في البلاد. وهذا ما لم يحصل لحد الآن.

 

هذه الجزر يجب أن تترابط مع بعضها بعضاً تماماً وتشكل مجموعة واحدة يساعد بعضها بعضاً وتتعاون أجزاؤها على التقدم والتكامل وفتح الطرق للبحث وتشخيص المناطق العلمية لجديدة على سطح الكرة الأرضية الواسعة، ويجب أن تطرح الأسئلة وتجيب عنها. هذه كلها أمور لا بدّ منها.

 

كانت لدينا الكثير من الاستثمارات المؤقتة المستوعبة لمقطع من الزمان، وقد حققنا الكثير من التقدم القائم على الأشخاص والمجاميع الخاصة ضمن تلك الأوقات المحددة، وينبغي توسيع هذه الحالات لتشمل كافة القطاعات والفروع والحقول ليظهر تيار

 

 

543


460

خطاب الولي 2010

عام لا متناهٍ في مجال العلم وفي كل الفروع العلمية، ولا مندوحة من أن نشاهد هذه الظاهرة في جميع الحقول العلمية ابتداء من العلوم الإنسانية إلى العلوم التجريبية ومختلف أنواع العلوم. وهذا ما يحتاج إلى العمل والسعي، وهو ما سميته في أحد اجتماعاتي بالعلماء والجامعيين - وأظن أن ذلك كان في شهر رمضان - بالجهاد العلمي. لا بد من الجهاد.

 

حسناً، إذا إردنا القيام بهذا الجهاد بنحو كامل فلا بد من الاهتمام بالجامعات على نحو خاص، إذ إن الجامعة هي بيئة حياة وتنامي المواهب والنخب. هنا تقع بعض الواجبات على "المركز الوطني للنخبة"، وتقع بعض الواجبات الأخرى على المدراء ورؤساء الجامعات والوزارات المختصة بالجامعات. نظرة المركز الوطني للنخبة إلى النخبة يجب أن لا تجعله غافلاً عن الجامعات، أي يجب أن تكون له نظرة صادرة عن لجان خاصة جامعيّة، ولا بد من تمتين العلاقة بين المركز الوطني للنخبة والجامعات. ومن جانب آخر لا بد من توفر نظرة متطلعة لتشخيص النخبة وإعدادهم وتربيتهم في الجامعات وفي مجمل العمل الطلابي والجامعي، وبالطبع فإن هذه الحالة ستكون أوضح في مجالات الدراسات العليا. هذه أيضاً نقطة.

 

حسناً، كيف يمكن دعم النخبة؟ وهذا التساؤل وجوابه أشاهده في الكلمات التي ألقاها الأعزاء. أرى أن أهم دعم يمكن تقديمه للنخبة هو توفير أرضية العمل ومقدماته لهم. ذهنية النخبة وأدمغتهم تنشد العمل والتعمق والإنتاج والإبداع وفتح الأبواب الجديدة والسير في الطرق الجديدة. ينبغي توفير الإمكانيات لهم. وفي بعض الحالات لا بد من توفير الإمكانيات التقنية ونحوها كالرقائق الالكترونية لهم ليستطيعوا العمل والسعي. طبعاً ينبغي أن يكون هذا السعي باتجاه احتياجات البلد. حسب ما قدموا لي من تقارير فإن الخارطة العلمية الشاملة أخذت بنظر الاعتبار جزء اً مهماً من هذه الاحتياجات. بالطبع لم يصلني لحد الآن تقرير نهائي عن الخارطة الشاملة، والأعزاء يتابعون الأمر بمنتهى الجد، وهناك آراء متنوعة وعديدة في هذا الخصوص.

 

وأتقدم هنا بالشكر لبعض الشباب الأعزاء الذين قالوا لنا في لقائنا بهم في شهر رمضان إننا رسمنا الخارطة العلمية الشاملة للبلاد بأنفسنا بشكل مستقل عن

 

 

544


461

خطاب الولي 2010

المسؤولين. وطلبت منهم أن يأتونا بهذه الخارطة فجاء ونا بها. وطلبت أن تعدّ خلاصة لها لكي أستطيع الاطلاع عليها فأعدوا تلك الخلاصة وجاءونا بها. وبعثنا الخلاصة إلى الأمانة العامة للمجلس الأعلى للثورة الثقافية ليتابعوه هناك، لكنني يجب أن أطلع بنفسي على تلك الخلاصة ولم أوفق لحد الآن ولم تسنح لي الفرصة للاطلاع عليها.

 

إنني أرحب بهذا الاهتمام وهذه الآمال الطامحة لدى الشباب.. أن يجتمع عدد من الشباب حول بعضهم بعضاً ويقولون إننا نريد إعداد الخارطة العلمية الشاملة للبلاد على أساس نظرتنا الخاصة. طبعاً لا نضمن أن تكون تلك الخارطة هي ما يلبّي بالتأكيد احتياجنا إلى الخارطة الشاملة - قد تكون معلوماتهم محدودة - لكن هذه الجرأة والطموحات الرائعة والهمّة العالية والثقة بالنفس شيء محبذ ومنشود وجذاب جداً بالنسبة لنا. وعليه فهذه الدورة العلمية الكاملة ضرورية جداً.

 

بالإضافة إلى ذلك فإن هناك دورة أخرى ضرورية تبدأ من ظهور الفكرة في أذهان النخبة أو الفرد النابغة إلى تسليمها إلى مركز علمي وإجراء الأنشطة العلمية بخصوصها وتبديلها إلى فكرة أو علم أو فرع من علم إلى عبور هذه المرحلة والدخول في حقل التقنية وعمل التقنيين والصناعيين على هذا الإنجاز العلمي ومن ثم تحويلها إلى حالة تجارية - وهذا ما سوف أتطرق له أيضاً - هذه المراحل كلها تمثل دورة أخرى.

 

إذن، بالإضافة إلى ضرورة انبثاق دورة علمية تتكامل فيها العلوم وتتعاضد وتشكل منظومة، لا مندوحة من وجود دورة وسلسلة أخرى تبدأ من إنتاج الفكرة العلمية وتمتد إلى تشكيل منظومة علمية ذهنية ثم الانتقال إلى حقل التقنية والصناعة، ومن ثم السوق وتحويل الأمر إلى بضاعة. وهذا ما يستدعي بدوره هممكم، وأيضاً حسن إدارة الأجهزة المسؤولة. على الجميع المشاركة بمساعيهم وجهودهم لحصول هذا الأمر في البلاد.

 

قضية تحويل الأفكار إلى استثمار تجاري على جانب كبير من الأهمية. يجب أن يكون بمقدور الإنجازات العلمية والصناعية أن تنتج الثروة للبلاد. قام الإخوة المسؤولون في مكتبنا بحسابات معينة وكان من رأيهم أننا يجب أن نستطيع حتى عام 1404 هـ.ش. تأمين ما لا يقل عن عشرين بالمئة من دخل البلاد عن طريق الصناعات،

 

545


462

خطاب الولي 2010

والأنشطة التجارية المتمحورة على العلم. أي من جدول بيع المنتوجات العلمية. هذا شيء يفترض أن لا يكون بعيد المنال جداً.

 

العلم مصدر لإنتاج الثروة. طبعاً بالشكل الصحيح والنظيف والنزيه، لا كما يستخدم العلم في العالم الغربي للحصول على الثروة. وهذا ما سوف أشير إليه لاحقاً على وجه الاختصار إن شاء الله. طبعاً إذا كانت مسألة التحويل التجاري في ذهن الأجهزة المسؤولة فيجب أن نفكر في تفاصيلها منذ البداية، أي منذ البدء بالمشروع العلمي أو الصناعي، ولا ندع هذا التفكير والتخطيط لمرحلة ما بعد انتهاء العمل، حيث نبدأ بعد ذلك بالتفكير للتسويق. ينبغي التفكير بهذا الأمر وأخذه في الحسابات منذ البداية وهذا ما يرتبط طبعاً بالأجهزة المسؤولة في البلاد وينبغي عليها متابعته.

 

اقترَحوا - وقد سجلت هذا الاقتراح هنا - توفير الظروف لتأسيس نوع جديد من الشركات في البلاد وهي الشركات العلمية - التقنية. هناك كثيرون يرغبون في العمل والبحث العلمي الجماعي. هذه المساعدات التي تقدمها الحكومة والمسؤولون للتقدم العلمي والتقني يجب أن لا تنحصر في مساعدة الأشخاص بل يجب مساعدة الشركات. طبعاً يجب عدم الخلط بين هذه وبين الشركات التجارية التي تحصل على التسهيلات المصرفية الدارجة، إنما ينبغي تقديم مساعدات خاصة لهذه الشركات. أعتقد أن هذا الأمر لازم ومهم. الحكومة يجب أن تبدي عن نفسها في هذا المجال أداء إدارياً ذكياً.

 

قضية أخرى على جانب كبير من الأهمية، وهي تأسيس مراكز البحث العلمي. إضافة إلى مراكز البحث المستقلة الموجودة ينبغي إيجاد مركز بحثي واحد على الأقل في كل جامعة.

 

على الجامعات نفسها الاهتمام بشؤون البحث العلمي في داخلها، ولتتجه نخبتنا نحو مراكز البحث العلمي، ولا أعني أن تنقطع صلاتهم بالعلم والتعليم والتعلم، بل أقصد أن يتجهوا نحو مراكز البحث ويمارسوا البحث العلمي هناك كما هي رغبتهم. وكما قلت سابقاً يتوجب وضع المراكز البحثية تحت تصرفهم ليستطيعوا القيام ببحوثهم. هذا هو ما يرضي النخبة ويقنعهم ويفجر مواهبهم ويفعّلها فيشعروا أن بمقدورهم العمل، ومن ناحية أخرى تتبدد الوساوس والإيحاءات بعدم إمكانية العمل

 

 

546


463

خطاب الولي 2010

في البلاد، وهي إيحاءات تزداد انتشاراً في البلاد يوماً بعد يوم.

 

تتوفر في هذه المراكز البحثية إمكانية الاستفادة من التجارب العلمية للأساتذة الجامعيين المتقاعدين بعد انتهاء دورات خدمتهم. وفي هذه الحالة سيكونون حلقة وصل بين الجيل الجديد من الباحثين - وهم هؤلاء الشباب - وأصحاب التجربة الذين أمضوا فترات طويلة في الجامعات.

 

تم تقديم مساعدات كثيرة للنخبة. طبعاً توجد بعض حالات العتاب هنا وهناك وأنا أسمعها. ما عدا الأمور التي طرحت في هذه الجلسة يكتبون لي الرسائل والتقارير ويعتبون. إذن، يوجد مثل هذا العتاب وهو حق ويجب التعامل معه ومعالجة الأمور، لا شك في هذا. ولكن أنظروا أين كنا قبل خمسة أو ستة أعوام وأين وصلنا الآن. بخصوص مساعدة النخبة والاهتمام بهم كنا قبل خمسة أو ستة أعوام في نقطة الصفر إذ لم يكن ثمة شيء بهذا العنوان، أو عمل في هذا الاتجاه، أو تحرك على هذا الشكل. اليوم تم إنجاز الكثير من الأعمال.. الاهتمام بالنخبة وجمعهم والاستماع إلى كلامهم والاستفادة من أفكارهم وما ينقدح في أذهانهم، هذه حالات جديدة يجب أن نعرف قدرها ونشكرها. وينبغي عدم النظر فقط للجوانب السلبية.

 

من طباع الإنسان طلب المزيد. هذه السمة ليست سلبية. طلب المزيد كباقي خصوصيات الإنسان وغرائزه إذا استُخدمت في موضعها وفي اتجاهها الصحيح كانت من أسباب عروجه وتحليقه إلى الأعالي. في مجال المعنويات يجب أن يطلب الإنسان المزيد ما استطاع. والعمل العلمي والعمل الفكري والعمل البحثي جزء من المعنويات. إذن، يوجد في طبع الإنسان مثل هذا الجنوح نحو المزيد. ومهما كان عند الإنسان تبقى هناك نواقص أمامه، فهذه مسيرة لا تنتهي. يجب النظر إلى الأمور التي أُنجزت. تم إنجاز الكثير من الأمور.

 

أريد أن أقول لكم: بهذه المساعدات الكثيرة التي تم تقديمها وبهذه الأعمال الجيدة التي يتم إنجازها وهي أعمال قيّمة حقاً وينبغي تقديم الشكر للمسؤولين عليها ينبغي أن لا نسمح بتبديل حلاوة إنجاز هذه الأعمال إلى مرارة في نفوس النخبة عن طريق البيروقراطية والتعقيدات الإدارية.

 

 

547


464

خطاب الولي 2010

هذا ما أوصي به المسؤولين المعنيين بكل جد. حاولوا أن تجدوا طرقاً مختصرة بعيداً عن هذه البيروقراطيات الدارجة والتعقيدات والالتفافات المتنوعة حتى يتسنى للنخبة التقدم بالأمور والمشاريع بسهولة أكبر.

 

طبعاً يجب من ناحية أخرى أن لا نجانب الإنصاف، ولا نتنكر للجميل، فقد تم العمل وتقديم الخدمة حقاً. وثمة نية لتقديم مزيد من الخدمة. وقد روي: "نيّة المؤمن خيرٌ من عمله"[1]، أي إن نية المؤمن دوماً أكثر من سعة عمله. القصد والنية كبيران جداً. وليس بوسع الإنسان القيام بكل ما في نيته على المستوى العملي. كل ما تقومون به من عمل يجب أن تكون نيتكم أضعافه.

 

هكذا هو المؤمن، فنيّته دائماً خير من عمله. والأجهزة المسؤولة في هذا المجال هكذا أيضاً، إذ إن النوايا أكبر حقاً، ولكن تعترضها على مستوى العمل بعض المشكلات طبعاً.

 

ثمة نقطة يجب أن لا تنسى هي أننا بحاجة إلى نظام رصد. يجب أن نرصد دائماً ونرى ما هي نتائج هذه الجهود التي تُبذل في مجال النخبة، وكم هي متناسبة مع الأرصدة المخصصة.

 

ولا يجوز أن نرصد ونسعى ونتعب ثم لا تكون هناك نتائج. وإذا كانت النتيجة قليلة أو غير متناسبة فمعنى هذا وجود إشكال في الأساليب وأن الأساليب خاطئة. وبالتالي لا بد من الرصد الدائم. والرصد بحد ذاته غير كاف، بل ينبغي رصد البلدان التي نريد ونعقد الهمم على سبقها والتقدم عليها.

 

ينبغي عدم التصور أن البلدان الأخرى بما في ذلك البلدان الجارة والبلدان الإسلامية تقف وتقول لنا تفضلوا وتقدموا علينا لنتقدم عليها، لا، فهي بدورها تبذل مساعيها.

 

هذا الرصد ضروري بدوره. إذا أردنا أن نتقدم ونسبق فعلينا معرفة ما حولنا ورصد سائر اللاعبين في هذه الساحة، وأن نعلم ما الذي يحصل وعندئذ نقارن حركتنا وسعينا ونعلم هل هي بالمستوى المطلوب أم لا.

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج 2، ص 84.

 

 

548


465

خطاب الولي 2010

سجلت عدة نقاط أخرى أغض الطرف عنها. إننا نؤكد على العلم، وهذا التأكيد جادّ وليس بالأمر المتعارف ولا هو نابع من شعور كاذب وموسمي، إنما هو وليد تشخيص عميق ومدروس.

 

منطق القوة والعسف كثير الانتشار في العالم. والعتاة والمتعسفون يعتمدون على قدراتهم، وتلك القدرات والثروة والإمكانيات قائمة على ما يمتلكونه من علوم. ولا يمكن المواجهة من دون حيازة العلم. ذات مرة قرأت الحديث القائل: "العلم سلطان"[1] العلم اقتدار.. العلم بحد ذاته اقتدار.

 

كل من يمتلك هذا الاقتدار يمكنه أن يتحرك ويسير، وكل شخص أو شعب أو مجتمع لا يتوفر على العلم مضطر لاتباع اقتدار الآخرين. إذن، فهذه حسابات دقيقة. حسناً، هذا العلم يمكن أن يكون له هدفان. أحد الهدفين هو الهدف الذي يحمله أصحاب العلم الحاليون في العالم وهو هدف غير نزيه وغير مقدس. لا تنظروا إلى الادعاءات، فحقيقة القضية في التقدم العلمي الغربي حقيقة جد مريرة ومؤسفة.

 

حقيقة لا يمكن للإنسان السير نحوها مهما كان الثمن. التقدم العلمي في العالم الغربي سواء حينما بدأ التحرك العلمي الغربي - ويجب القول التحرك الفكري الذي كان مقدمة للتحرك العلمي - والذي بدأ في القرن السادس عشر للميلاد في إيطاليا وبريطانيا وأماكن أخرى، أو عندما انطلقت الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر في بريطانيا أولاً، وأنشئت المعامل الكبيرة والآلات الضخمة طوال عشرات الأعوام، ومن ثم جرى إنتاج الثروة عن هذا الطريق - ولا نتطرق الآن لما حصل في تلك البلدان من سحق للحقوق والفقراء من أجل إنتاج الثروة، والطبقة التي انبثقت عن هذه الآلات الكبيرة، والظلم الذي جرى على الناس - ومن ثم اتساع رقعة هذا العلم والتقنية بالتدريج وانتشارهما في سائر البلاد الأوربية، كان ثمنه سحق حرية العديد من الشعوب وتهديد هوية الكثير من الأمم وممارسة ظلم عظيم وعسف فظيع ضد الكثير من البلدان والشعوب.

 


[1] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، مصدر سابق، ج20 ، ص319.

 

 

549


466

خطاب الولي 2010

 

شعر أولئك أنهم بحاجة إلى المواد الأولية وأسواق تصريف البضائع، وكان ذلك في بلدان أخرى، لذلك استخدموا هذا العلم وأنتجوا المدافع في مقابل السيوف والرماح، ثم سار البريطانيون والهولنديون والبرتغاليون والفرنسيون وغيرهم من الشعوب الأوربية إلى أطراف العالم، وارتكبوا من الفجائع في العالم بأدوات العلم والتقنية ما لو جُمع لكان موسوعة هائلة مبكية من عشرات المجلدات....[1] ثم التحقت أمريكا بعد ذلك بهذا الركب.

 

لاحظوا ما الذي فعله هؤلاء في الهند وما الذي فعلوه في الصين. ارتكب الإنجليز في القرن التاسع عشر من الفجائع في الهند ما أنا على يقين من أنكم أيها الشباب لم تسمعوا بواحد من الألف منه في الإعلام والكلام هنا وهناك، وأنتم الشباب قل ما تهتمون للتاريخ وما شابه.

 

يكتب نهرو في كتابه أنهم جاءوا إلى الهند في الفترة التي - حسب تعبيره - لم تكن الثورة الصناعية قد انطلقت بعد، ولم يجر إنتاج الآلات الكبرى، وكانت شبه القارة الهندية من البلدان المتقدمة صناعياً في العالم. ومن أجل أن يمرّر أولئك نواياهم ومشاريعهم قضوا على الصناعة في الهند وسحقوا الطبقة المتوسطة هناك.

 

وأوقفوا انبثاق المسيرة نحو العلم والصناعة بمختلف الضغوط والتضييقات، وأوجدوا وزرعوا مرضاً مزمناً في جسد شعب من الشعوب، ولا يزال هذا الداء بغير علاج إلى الآن بعد مضي نحو مئة وخمسين عاماً على بدء تلك الأمور في الهند. وفعلوا مثل هذا في الصين أيضاً.

 

فارتكبوا الفجائع والويلات هناك ومارسوا مختلف أنواع الضغوط ضد الشعب الصيني.

 

كان هذا في القرن التاسع عشر. وفعلوا ما فعلوا في أفريقيا بأدوات العلم، وفي القارة الأمريكية نفسها ارتكبوا ما ارتكبوه من فجائع. وفي أفريقيا وأمريكا اللاتينية استعبدوا الناس الأحرار وشردوا الكثير من العوائل. هكذا استخدموا العلم.

 


[1] شعار أحد "الموت لأمريكا".

 

550

 


467

خطاب الولي 2010

وعليه فإن هذا الاتجاه في العلم كان عبارة عن الاتجاه نحو الثروة من دون مراعاة ذرة من الأخلاق والإيمان والمعنوية. وفي الوقت ذاته كان الأوربيون يدّعون التحضر، لكن سلوكهم كان أكثر وحشية حتى من أشرس القبائل. وهذا الذي أقوله ليس شعارات إنما لكل منه وثائقه وأسناده الدقيقة الدالة على ما قاموا به، وليس هنا مجال للشرح والإيضاح.

 

لو ذكرت جانباً من ذلك لعلمتم ما الذي فعله هؤلاء الأوربيون والغربيون بأدوات العلم في آسيا الشرقية وفي أفريقيا وفي مناطق أخرى من العالم. فالهدف كان الثروة، لذلك لم يكن هناك أخلاق ولا دين ولا إله.

 

إننا لا نروم مثل هذا العلم. حينما ينمو مثل هذا العلم ويصل إلى درجاته القصوى يصبح كالشيء الذي تمتلكه البلدان الغربية اليوم، يصبح قنبلة ذرية، ويصبح كل هذا الظلم والجور وسحق الديمقراطية في أكثر البلدان تبجحاً بالديمقراطية - أي أمريكا - ويصبح تباينات طبقية متفاقمة، ويصبح ملايين المتسولين ومن هم تحت خط الفقر في بلد ثري متقدم.

 

لا فائدة من هذا العلم ولسنا نسعى وراء هذا العلم، فلا تعاليم الأنبياء ولا تعاليم الإسلام ولا الضمير الإنساني يدعونا إلى مثل هذا الطريق الذي لا يخلق أي شوق ورغبة في الإنسان.

 

العلم الذي نطالب به مصحوب بالتزكية. هذه الآيات التي تليت في بداية الجلسة تشير إلى هذه النقطة: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾[1]. التزكية في البداية، وكذلك التربية الدينية والقرآنية والإسلامية.

 

لماذا كانت التزكية في البداية؟ لأنه ما لم تكن هناك التزكية انحرف العلم. العلم أداة وسلاح.

 

إذا وقع هذا السلاح بيد إنسان شرير أسود القلب خبيث قاتل لما كانت نتيجته

 


[1] سورة الجمعة، الآية 2.

 

551


468

خطاب الولي 2010

سوى الفاجعة. ولكن يمكن أن يكون هذا السلاح بيد إنسان صالح كوسيلة للدفاع عن الناس وحقوقهم والدفاع عن العائلة. يجب الأخذ بهذا العلم حينما يترافق مع التزكية. هذه وصيتي لكم.

 

أنتم والحمد لله شباب وفقكم الله تعالى للتربية في بيئة دينية وإسلامية. هذه فرصة جيدة جداً. وهي تشبه ما قاله الإمام الحسين في دعاء عرفة حيث شكر الله تعالى على أن خلقه في زمن دولة الإسلام والرسول.

 

طبعاً الفرق بيننا وبينه كبير جداً، وهو كالفرق بين السماء والأرض، لكننا في نفس الاتجاه، وهذا توفيق بالنسبة لنا وبالنسبة لكم أيها الشباب.

 

علينا أن نكسب العلم من أجل الخدمة وكسب المعنويات والتقدم في الفضائل الإنسانية والدفاع الحقيقي عن حقوق الإنسان. الثروة الوطنية والاقتدار الوطني يجب أن يكون من أجل أن يستطيع هذا الشعب - وخلافاً للعرف الدارج في العالم - رفع راية العدالة. لا نتعسف مع أحد، ونعين المظلوم، ونواجه الظالم ونصدّه عن الظلم.

 

تصوروا في هذا العالم الذي يسوده الظلم والعسف والاستكبار والاستعمار واستغلال الشعوب، وكل من يضع قدميه في سبيل العلم والتقدم ينتهج هذا الطريق - بعض يتعسف ويجور وبعضهم يتقبل الظلم والجور ويخضع له، وهناك مهيمن وخاضع للهيمنة، مما يشكل على العموم نظام الهيمنة.

 

إذا نهض شعب وكان شعباً عالماً مقتدراً له رسالته وأفكاره، واستطاع إيصال صوته للعالم، وامتلك التقنيات المتطورة وأدوات الاتصال المتنوعة، وكانت له قدراته الإعلامية وطاقاته البشرية المتحلية بثقة عالية بالنفس، وجابه نظام الهيمنة هذا، وحينما يتعاضد الجميع لممارسة الظلم ضد شعب وسحقه تحت الأقدام.

 

يهبّ للدفاع عن ذلك الشعب المظلوم، لاحظوا أي حدث عجيب سيقع عندها في العالم، سوف يتغير وضع العالم.

 

اعملوا من أجل هذا الهدف، واكسبوا العلم لأجل هذا الهدف، واسعوا من أجل هذا الشيء فهو ضروري، وإلا لن تكون ميزة لنا إن وقفنا في آخر الطابور لنسير على

 

 

552


469

خطاب الولي 2010

نفس الطريق الذي سار فيه أصحاب العلم في العالم طوال الأعوام المئتين أو الثلاثمئة الماضية.

 

هذا ليس هدفاً ينفق الإنسان لأجله من روحه. علينا فتح طريق جديد، والطريق الجديد هو أن يرفع الشعب المتمكن من أدوات العلم والاقتدار العلمي - وهو اقتدار يستدعي كل شيء من بعده - راية الدوافع والقيم والأخلاق الإلهية. هذا هو ما نتوقعه منكم.

 

اللهم اهدِ وأعِن شبابنا الأعزاء في طريق الافتخار هذا أكثر فأكثر يوماً بعد يوم.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

553


470

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء القائمين على شؤون الحج

 

 

المناسبة:   موسم الحج لعام 1431هـ.ق.

الحضور:  المسؤولون والمعنيون بإقامة فريضة الحج

المكان:   طهران

 

الزمان:    1389/07/17هـ.ش.

01/11/1431هـ.ق.

90/01/0102م.

 

555

 


471

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نسأل الله تعالى متضرّعين أن يوفّق المسؤولين والقيّمين على هذه الحركة العظيمة وهذه الفريضة المشرّفة من أجل أداء حقوق ووظائف هذا الواجب الكبير المُلقى على عاتق جميع المسلمين وخصوصاً المدراء.

 

المهم أن يعتبر كلّ شخصٍ وكلّ مسؤولٍ وكل حاجٍّ نفسه مسؤولاً تجاه هذه الحركة الجماعية العظيمة للعالم الإسلامي والأمّة الإسلامية. لو أنّ هذه الحركة العظيمة الواحدة للأمّة الإسلامية تحقّقت تحقّقاً سالماً كاملاً دون أي عيب، لشملت بالنفع والنعمة آثارها وبركاتها في كلِّ سنة كلّ عالم الإسلام -بل بمعنى من المعاني كلّ البشرية- ﴿لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ﴾[1].

 

ما بيّنه المسؤولون المحترمون في البعثة وفي منظّمة الحج وقرّروه والإجراءات التي فكّروا فيها وبيّنوها: مطالب ضرورية جداً ومفيدة ـ وقد سمعناها ـ وإنّ جميع هذه المواضيع مهمّة بنظرنا.

 

لكنّ النكتة التي ينبغي الالتفات إليها من قبل المدراء والمسؤولين في المستويات كافّة هي أن يتحقّق ويُنجز كلّ ما قاموا بتدبيره واعتبروه ضرورياً وأرادوا أن يُنجز على مستوى الواقع العملي.

 

فالتخطيط يمثّل نصف القضية، والنصف الأهم هو الالتفات إلى ضرورة تحقّق هذه الأعمال المطروحة في الواقع الخارجي، ومن ثمّ متابعة ذلك بحيث لو شاهدنا بعد التدقيق، وبنظرات ثاقبة، في كيفية الخطّة أو نوعية التطبيق أيّ نقصٍ أو عيبٍ نسارع إلى إزالته، وهذا ضروريٌّ.

 

لماذا التأكيد على الموضوع إلى هذه الدرجة؟ لأن الحج مهم، الحج يقع في قمة

 


[1] سورة الحج، الآية 28.

 

 

556

 


472

خطاب الولي 2010

اهتمامات الشارع المقدس.

 

في يومنا هذا وخصوصاً عندما تنظرون ترون كأن الحج أضحى أكثر أهمية وضرورة من أي يومٍ مضى وأمسّ حاجة. الحج مهمٌّ من ناحيتين، من ناحية وضعنا الباطني كأفراد وكأمّة إسلامية، ومن الناحية الدولية.

 

لقد أذلّوا الأمّة الإسلامية طوال قرونٍ وعلى مرّ السنين واستخفوا بها وأوهنوا عزيمتها ونشروا اليأس فيها، وأرادوا بالوسائل الحديثة أن يضعّفوا المعنويات والروحانيات والتوجّه والتضرّع إلى الله فيها.

 

الحجّ يرمّم كل هذه المصائب ويعطي العزّة لكلّ أفراد الأمّة الإسلامية ويشعرهم بالاقتدار ويمنحهم الأمل، هكذا هو الحج الصحيح. وأوّل آثاره يتحقق في داخل الأمّة الإسلامية وفي قلوبنا.

 

نحن بحاجة إلى الحج من أجل أن نقوّي روحيّاتنا ونرمّمها ونستشعر أنّنا نتوكّل على الله وأنّنا نثق به، وأنّنا أمّة عظيمة وكبيرة.

 

من هذه الجهة يكون التأثير الداخلي مهمّاً، ومن تلك الجهة يكون التأثير الدولي مهمّاً، لأنّه يُضعف العدوّ ويحطّم معنويّاته ويبرز له عظمة الإسلام، ويظهر وحدة الأمّة الإسلامية أمامه.

 

في يومنا هذا، تصطف جبهة عظيمة ضد الإسلام، فلماذا لا نلاحظ ذلك؟ لماذا لا يرى بعضنا هذه الجبهة الواسعة؟ كما في معركة الأحزاب، تتكاتف الفرق المختلفة المضادة للإسلام والمعنويات والحقيقة لتقف مقابل الإسلام، تسعى للتغلغل علّها تكتشف نقطة ضعفٍ تستطيع النفوذ من خلالها واستغلالها وتوجيه الضربة إلينا. إنّ الحج يمكنه أن يردعهم.

 

ومن ضمن أعمالهم ـ وهو ما ذكره السادة المحترمون في كلماتهم ـ قضية الأمّة الإسلامية من الداخل.

 

إنّهم يعملون بدقّة ويعظّمون الخلافات. ويقومون بتقوية الاتجاهات المنحرفة عند الشيعة وعند السنّة، فمن جانب الشيعة، يقوّون النزعة القرمطية ـ مثل القرامطة ـ ويفسدون. وفي الجانب السنّي، يقوّون النزعة الناصبية تحت اسم التسنّن ويجعلون

 

 

557


473

خطاب الولي 2010

هذه تواجه تلك.

 

فينبغي اليقظة، والحذر، والدقة، والفهم. لأن هذه الأمور هي أساس القضايا التي يحتاج العالم الإسلامي إليها اليوم.

 

يحتاج العالم الإسلامي إلى التفاهم، ومشاعر المساواة والتعاضد. لماذا يلقون بين الدّول الإسلامية كل هذا الاختلاف؟ لماذا لا تكون الدول الإسلامية مستعدّة للتفاهم والتوافق حول موضوعٍ واحدٍ عامّ البلوى كقضية فلسطين، واتخاذ القرار بشأنها؟ فهل أن قضية فلسطين قضية بسيطة؟.

 

مجموعة من البشر البعيدين عن أي دين ـ فهم ليسوا باليهود، لأن اليهود المؤمنين المتدينين بدينهم يتبرّأون من الحركة الصهيونية السياسية ـ يهجمون على الأديان التوحيدية وعلى المقدسات ويتجرّأون، ليغتصبوا بقعة من الأرض الإسلامية التي هي قبلة المسلمين الأولى، وموضع القداسة الإسلامية، ويطردوا أهل هذه الديار، ويمارسوا عليهم كلّ يوم جميع أنواع الضغوط

 

ها قد مرّ أكثر من 60 سنة والعالم الإسلامي مبتلى بهذه المصيبة. قد كان فيها الفلسطينيون أنفسهم في غفلة وسكوت لمدّة من الزمن، واليوم حيث نهضوا وطلبوا النصرة والعون من العالم الإسلامي، فلماذا يسكت هذا العالم الإسلامي أمامهم؟.

 

ألم يقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من أصبح لا يهتمّ بأمور المسلمين فليس بمسلم"[1] أليس هذا اهتماماً بأمور المسلمين؟.

 

في هذه القضية الواضحة، وكل هذا الظلم بحق المسلمين ـ في فلسطين، مسلمين ومسيحيين ـ ولكنّ العالم الإسلامي ليس لديه موقفٌ واحد، لماذا؟ من أين نشأ هذا الاختلاف؟ هذه هي قضايا الحج.

 

يجب أن يكون الحج مظهر الاتحاد والتفاهم ومظهر الحوار والمواساة والتعاون والتقارب بين المسلمين، يجب أن يتحرّك الحج على هذا الطريق وضمن هذه الحركة. وهنا، حين يكون الحج مركز الاتحاد والتوافق نجد جماعة من الناس تبدأ بإيجاد

 


[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص163.

 

558


474

خطاب الولي 2010

الاختلافات سواء في مكة أو في المدينة ـ جماعة تعمل ضد الشيعة، فلأنهم يزورون ويقومون بأعمالهم ومناسكهم وتكاليفهم وعقائدهم يضغطون عليهم ويهينونهم ـ وللأسف! تصلنا أخبار هذه الأمور ـ وفي المقابل، هناك جماعة من هذه الجهة يقومون بأعمالٍ مخالفة كردّة فعلٍ. وهذا بالضبط مخالفٌ تماماً لمصلحة الحج ولفلسفته.

 

ينبغي أن يُقام الحج بشكلٍ صحيح. اليوم، إن حركتنا في الحج تختلف عمّا كانت عليه قبل ثلاثين سنة، لكن هذا لا يكفي، وينبغي أن نتقدّم أكثر ونجعل حركتنا أفضل.

 

ينبغي أن يكون سلوك الحاج الإيراني دالّاً على جميع الخصائص التي تعبّر عن وظيفة المسلمين في الحج، وتكليفهم. من الجهة المعنوية، التضرّع، التوسّل، التوجّه، الأنس بالقرآن، ذكر الله، تقريب القلوب إلى الله، إضفاء البعد المعنوي على النفس وتنويرها، والرجوع إلى البيت بحصادٍ معنوي.

 

من الجهة الاجتماعية والسياسية: التعاون داخل العالم الإسلامي. ففي يومنا هذا، إن من القضايا المهمة والفورية للعالم الإسلامي قضية إخواننا في باكستان. بالطبع، فإن شعبنا قد قدم المعونات وكذلك الحكومة ـ وإن شاء الله يتقبل ويثيب ـ ولكنه غير كافٍ.

 

أولئك الذين يتشرّفون بالذهاب إلى الحج ـ في الدرجة الأولى الزائر الإيراني الذي هو جارٌ وقريب ومطّلع على مشكلات جيرانه في باكستان ـ يمكنهم أن يتخلّصوا من الكثير من هذه الإنفاقات الزائدة وغير الضرورية من أجل مواساة أخٍ أو أختٍ مسلمة في باكستان.

 

ولهذا الأمر أجرٌ عظيم عند الله تعالى، وهو يُعدّ تمريناً وتجربة، وبالدرجة الثانية الزوار والحجاج من بقية الدول الإسلامية، فأوصلوا إليهم هذا النداء وقوموا بترغيبهم وحثّهم عليه. خذوا قضية الوحدة على محمل الجدّ.

 

فاليوم يجري التخطيط والتآمر التفصيلي في مراكز الفكر والمعرفة من أجل إيقاع الخلاف داخل العالم الإسلامي، ويجري ذلك على مستوى الحكومات، وعلى مستوى الشعوب بنحوٍ آخر.

 

كلّما ظهرت نغمة داخل الحكومات الإسلامية أو كلمة تدلّ على التقارب نشاهد

 

 

559


475

خطاب الولي 2010

مباشرة عاملاً خارجياً وعاملاً صهيونياً وعاملاً أمريكياً يتدخل ويمنع هذا التقارب.

 

عندما تكون الدول الإسلامية جيدة فيما بينها ومتقاربة، فإنّ هؤلاء يكونون مشغولين بالفتن. وهذا ما يجري أيضاً على صعيد الشعوب.

 

والشعوب ليس لديها أيّ دافعٍ لتتعادى فيما بينها، لهذا يثيرون النزعات المذهبية والقومية والعصبيات الوطنية من أجل أن يوقعوا العداوة فيما بينها.

 

إنّ هذه أمورٌ لو لم نلتفت إليها فسنتلقّى الضربات من العدو. إذا لم نكن منتبهين فإنّ الإسلام سيتلقّى صفعة.

 

في يومنا هذا، أصبح العداء للإسلام داخل أجهزة الاستكبار علنياً. وإن كانوا ينكرون ذلك بألسنتهم، لكنّه من الواضح والبيّن أنهم يعادون الإسلام ويخالفونه. وهذا ما يجعل مسؤوليتنا ثقيلة جداً.

 

نأمل من الله تعالى أن يوفّقكم جميعاً ويوفّق جميع الحجاج المحترمين من كل الدول الإسلامية لكي تتقدّموا على طريق الحج المتعالي والكامل سنة بعد أخرى إن شاء الله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

560


476

خطاب الولي 2010

نداء الإمام الخامنئي دام ظله

لملتقى الصلاة العام التاسع عشر

 

         

المناسبة:   ملتقى الصلاة العام التاسع عشر

المكان:   طهران

 

الزمان:    81/70/9831هـ.ش.

20/11/1341هـ.ق.

01/01/0102م.

 

563


477

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إنّ إطلاق ظاهرة المسجد في قبا أولاً ثم في المدينة كانت من أجمل وأعمق إبداعات الإسلام في بداية تأسيس المجتمع الإسلامي: بيت الله وبيت الناس، خلوة الأنس مع الله وتجلي الحشر مع الناس، قطب الذكر والمعراج المعنوي وميدان العلم والجهاد والتدبير الدنيوي، مكان العبادة ومقر السياسة، ثنائيات مترابطة تظهر صورة المسجد الإسلامي واختلافه عن أماكن العبادة الشائعة في الأديان الأخرى.

 

في المسجد الإسلامي يمتزج وَجدُ العبادة الخالصة وبهجتها مع توثّب الحياة الطاهرة والعقلانية والسليمة، ويقترب الفرد والمجتمع من الطراز الإسلامي لهذه الحياة.

 

المسجد مظهر امتزاج الدنيا والآخرة وتواصل الفرد والمجتمع في رؤية المدرسة الإسلامية وأفكارها.

 

بهذه النظرة تخفق قلوبنا للمسجد وتفيض بشوق المسؤولية والشعور بها. ليست قليلة بين المساجد اليوم تلك التي بمقدورها تقديم نموذج لهذه الصورة الجميلة المشرقة.

 

حضور جيلنا الشاب الطاهر ورجال الدين والأساتذة الواعين المخلصين جعل بعض المساجد بحق مقصداً للذكر والعبادة والفكر والمعرفة، وأثار في قلوبنا ذكريات عزيزة قيّمة. ولكن ما لم يؤدَّ هذا الواجب بتمامه وكماله يجب أن لا يغفل أيّ منّا بل لا يستطيع أن يغفل عن الخطر الذي يهدد المجتمع والشباب والعوائل والأجيال القادمة بسبب قلة المساجد أو ضعفها، أو أن نحرم أنفسنا من البركات العظيمة التي يهديها المسجد بطرازه الإسلامي لبلادنا ونظامنا وشعبنا.

 

النقطة المهمة الأولى هي بناء المسجد وحضور رجل الدين المناسب فيه. اليوم حيث توجد عشرات الآلاف من المساجد في البلاد تفتقر القرى والمدن والأحياء

 

 

565

 


478

خطاب الولي 2010

والمجمعات السكنية للآلاف من المساجد الآخرى اللازمة لها. الوصول السهل للمسجد حاجة ضرورية للمؤمنين والشباب والناشئة في مجتمعنا.

 

رجل الدين الورع والمتعقل والخبير والمخلص في المسجد كالطبيب والممرض في المستشفى يبعث في المسجد الروح والحياة. على أئمة الجماعة أن يعتبروا إعداد أنفسهم للطبابة المعنوية واجبهم الحتمي، وعلى مراكز شؤون المساجد والحوزات العلمية في كل مكان أن تمدّ لهم أيدي العون.

 

يجب أن تكون المساجد قاعات للتفسير والحديث ومنابر للمعارف الاجتماعية والسياسية ومراكز للموعظة وتربية الأخلاق.

 

على سدنة المساجد ومديريها وأمنائها أن يجذبوا قلوب الشباب الطاهرة ويبعثوا فيها الشوق. حضور الشباب والروح التعبوية ينبغي أن يجعل أجواء المساجد حية زاخرة بالنشاط والتطلع إلى المستقبل وطافحة بالأمل.

 

يجب إطلاق التعاون وشدّ أواصر بين المسجد والمراكز التعليمية في كل محلة وحي. ما أجمل أن يشجَّع التلاميذ المميزون البارزون في كل حي في المسجد من قبل إمام الجماعة وأمام أنظار الناس.

 

يجب على المسجد أن يقيم علاقات متينة مع الشباب الذين يتزوجون، والذين يحرزون نجاحات علمية واجتماعية وفنية ورياضية، ومع أصحاب الهمم الذين يجعلون مساعدة الآخرين موضوعاً لهممهم، وأصحاب الهموم الذين يبحثون عمّن يروِّح عنهم همومهم، وحتى مع أهالي الأطفال الذين يولدون تواً.

 

يجب أن يكون المسجد في أية منطقة أو حي مأمناً وسبب خير وبركة، وأن لا يكون من باب أولى سبباً في إيذاء جيرانه وإزعاجهم.

 

بث الأصوات المزعجة خصوصاً في الليل وعند أوقات راحة الناس عمل غير صحيح وفي بعض الأحيان بخلاف الشرع. الصوت الوحيد الذي يجب أن يفشى في الأجواء من المسجد هو صوت الأذان بصوت عذب محبب.

 

 

566


479

خطاب الولي 2010

عمران المساجد والاهتمام بزينتها المعنوية والظاهرية من واجب الجميع، وعلى كل شخص المساهمة في ذلك بمقدار قدرته وهمته. على الناس والبلديات والأجهزة الحكومة أن تمارس دورها في هذا الجانب، وبوسع عالم الدين العالم المتحمِّل لمسؤولياته والورع ـ بل يجب عليه ـ أن يكون محوراً لهذه المنظومة من المساعي المقدسة.

 

أسأل الله تعالى التوفيق للجميع، وأرجو من الله دوام العمر والحيوية والتوفيق المطّرد لعالم الدين المجاهد والخدوم حضرة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ قراءتي.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

السيد علي الخامنئي

١٨ مهر ١٣٨٩

         

 

567


480

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في الاجتماع المهيب لأهالي قمّ

 

 

 

المناسبة:   الزيارة الخاصة لمدينة قم

الحضور:  علماء الحوزة العلمية ومسؤولو المدينة وحشود كبيرة من جميع فئات الشعب

المكان:   قم المقدسة ـ حرم السيدة المعصومة عليها السلام

 

الزمان:    72/70/9831هـ.ش.

11/11/1341هـ.ق.

91/01/0102م.

         

 

 

569


481

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفي محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديين المعصومين لا سيما بقية الله في الأرضين.

 

مبارك الميلاد السعيد لسيدنا ثامن الأئمة عليهم السلام، وكذلك عشرة الكرامة وولادة سيدتنا فاطمة المعصومة عليها السلام. أشكر الله شكراً كثيراً أن منّ بتوفيقه للقاء بكم مرة أخرى أهالي قم الأعزاء في هذه المدينة الزاخرة بالذكريات والعظمة. مدينة قم مدينة العلم والجهاد والبصيرة. بصيرة أهالي قم من النقاط المهمة جداً التي أفصحت عن نفسها دائماً طوال هذه الأعوام التي نيّفت على الثلاثين. ومن اللافت أن تأسيس مدينة قم كان نتيجة حركة جهادية مصحوبة بالبصيرة.

 

أي إن عائلة الأشاعرة حينما جاءوا إلى هذه المنطقة وسكنوها، جعلوها في الحقيقة مقراً لنشر معارف أهل البيت عليهم السلام، وأطلقوا هنا جهاداً ثقافياً. وكان هؤلاء قد خاضوا غمار الجهاد في ساحة القتال قبل أن يأتوا إلى قم، فقد مارسوا الجهاد العسكري وكان كبيرهم قد حارب مع زيد بن علي، لذلك غضب الحَجّاج عليهم، واضطروا إلى المجيء إلى هنا، وجعلوا هذه المنطقة بمجهودهم وبصيرتهم وعلومهم منطقة علمية. وهذا ما جعل سيدتنا فاطمة المعصومة عليها السلام حينما وصلت إلى هذه المنطقة تبدي رغبتها في النزول في قم. بسبب وجود هؤلاء الكبار من عائلة الأشاعرة. وقد ساروا لاستقبالها وجاءوا بها إلى هذه المدينة. وها هو هذا المرقد النيرّ يشع وينير في هذه المدينة منذ ذلك اليوم ومن بعد وفاتها عليها السلام.

 

أهالي قم الذين أطلقوا هذه الحركة الثقافية العظيمة شكلوا منذ ذلك اليوم مقراً لمعارف أهل البيت في هذه المدينة، وبعثوا مئات العلماء والمحدثين والمفسرين وشرّاح

 

 

571


482

خطاب الولي 2010

الأحكام الإسلامية والقرآنية لشرق العالم الإسلامي وغربه. وسار العلم من قم إلى أقصى خراسان والعراق والشام.

 

كانت هذه بصيرة أهالي قم في ذلك اليوم، حيث تأسست قم على أساس الجهاد والبصيرة. وفي حقبتنا المعاصرة وقعت نفس الحالة تماماً. بمعنى أن قم أضحت مقراً لأفضل المعارف الإسلامية والإلهية. وتفجرت ببركة جهاد العلماء الكبار وبصيرتهم وحضورهم عيون في هذه الناحية نهل منها شرق العالم الإسلامي وغربه.

 

أريد التذكير بفترتين مهمتين مارس فيهما أهالي قم ـ والحق يقال ـ دوراً مؤثراً وباقياً. إحدى الفترتين هي عاشوراء سنة 42 والخامس عشر من خرداد الذي صادف يومين بعد عاشوراء تلك. في يوم عاشوراء تجمع أهالي قم في المدرسة الفيضية هذه واستمعوا لصرخات الإمام الخميني وملأوا به أرواحهم، وبعد يومين حينما سمعوا خبر إلقاء القبض على الإمام الجليل تجمعوا في الصحن الطاهر لمرقد السيدة المعصومة. وقد أدى تحركهم العظيم هذا إلى عدم بقاء نهضة علماء الدين بقيادة إمامنا الجليل حبيسة الحوزة العلمية بل خرجت إلى المجتمع.

 

وقد كان رواد هذا التحرك هم أهالي قم الذين قاموا بهذا العمل الكبير. والفترة الثانية هي سنة 56 حيث أدرك أهالي قم عمق مؤامرة العدو في إهانته للإمام الجليل، فقد فهموا مغزى القضية، وأن الأعداء لم يكونوا يقصدون مجرد توجيه إهانة للإمام الجليل. وخرجت في قم أول تظاهرات شعبية واسعة ضد تلك الخطوة الخيانية. سُفكت دماء الشباب القميين وسالت على الأرض في هذه الشوارع. في شارع إرم هذا وفي شارع (چهار مردان). قدموا أرواحهم وأثبتوا بدمائهم صدق كلامهم. وطوال هذه الأعوام الثلاثين بعد انتصار الثورة شارك هؤلاء الناس بإخلاص وصدق وصفاء وبصيرة تُضرب بها الأمثال في الساحة. كان للعدو مخططاته لمدينة قم، ولو لم يكن أهالي قم يقظين وأصحاب بصيرة لكانت مخططات الأعداء لقم خطيرة. وعي الناس ووجود الحوزة العلمية في هذه المدينة جعلا منها معقلاً للبصيرة.

 

كان في هذه المدينة مراجع كبار منذ زمن المرحوم آية الله الحائري مؤسس الحوزة العلمية فيها، وفي زمن المرحوم آية الله البروجردي وحتى المراجع في الفترة الأخيرة

 

 

572


483

خطاب الولي 2010

كالمرحوم آية الله الكلپايكاني، والمرحوم آية الله الأراكي، والمرحوم آية الله المرعشي، والمرحوم آية الله بهجت. واليوم أيضاً يوجد والحمد لله مراجع كبار في هذه المدينة وفضلاء بارزون. والحوزة العلمية مصدر بركة، وقد أثبتت هذه المدينة الصادقة والمتحلية بالبصيرة والمجاهدة في سبيل الله أنها تعرف قدر الحوزة العلمية وقدر رجال الدين، وأنها تسجل حضورها ومشاركتها في أوقات الضرورة. وهي المدينة التي غدت معقلاً وأملاً للثورة بسبب نهضة هذا الرجل التاريخي الكبير. وقتنا للتحدث إلى هذه الحشود الكبيرة محدود.

 

لقد تأخرنا في الطريق كثيراً بسبب ما أبداه الناس من اللطف، لذلك مضى الوقت. وسوف أذكر بضع نقاط فقط.

 

أولاً قم هي منبت الثورة. المدينة الدينية في البلاد أضحت مقر ومنبت أكبر ثورة في الحقبة المعاصرة. ما معنى هذا؟ هذا معناه أن ليعلم العالم بأسره أن هذه الثورة ثورة دينية. لا يمكن تفسير هذه الثورة بالرأي ولا بأي تفسير مادي. قم هي منبت الثورة. وقائدها فقيه وفيلسوف وعالم كبير ورجل دين معنوي. هكذا عرفت هوية الثورة في العالم كله. هذه نقطة.وتتمة هذه النقطة هي ما الشيء الذي استهدفه أعداء هذه الثورة حينما أرادوا طوال هذه المدة توجيه الضربات لهذه الثورة وهذا النظام؟ كان المستهدف في هجمات الأعداء أمران أساسان:

الأول هو الدين والثاني هو الشعب ووفاؤه. تعلمون أنه لو لم تكن هذه الثورة ثورة دينية لما كانت لديها القدرة على المقاومة. لأن الدين هو الذي يمنع أتباعه من الاستسلام حيال الظلم ويشجعهم على مجابهة الظالم ويقترح العدالة، والتقدم على حياة الناس. هذه هي خصوصية الدين. إذن النظام الإسلامي الذي يقوم على أساس الدين لا معنى لأن يستسلم لضغوط الأعداء وعسف العتاة والجشعين. لو لم يكن في هذه الثورة عنصر الدين ربما تنازل مسؤولو الثورة وزعماؤها أمام الأعداء بعد حصولهم على بعض الامتيازات، وفتحوا الطريق ثانية أمام هيمنة الأعداء. ولكن حيث إن الدين هو العمود الفقري لهذه الثورة لذلك لم يحصل مثل هذا الشيء لحد الآن ولن يحصل بعد الآن أيضاً. الدرس الكبير لإمامنا العزيز لنا ولكل الشعب هو آمنوا

 

 

573


484

خطاب الولي 2010

بقواكم الذاتية واسعوا لمضاعفة هذه القوة يوماً بعد يوم وكونوا واثقين من الله تعالى والوعد الإلهي. إذا صمدتم وتحركتم بتدبير فكونوا واثقين من أن النصر الإلهي معكم. هذه خصوصية تديّن الشعب والطابع الديني لهذه الثورة والنظام الإسلامي. السمة الشعبية تعني أن هذه الثورة محمية من قبل الشعب الوفي، وأن النظام الإسلامي يحظى بتأييد وحماية وإسناد كامل من قبل الشعب. وقد كان هذا الشيء موجوداً طوال هذه الفترة.

 

لولا حضور الجماهير، ولو كانت ثمة مسافة بين الشعب والنظام لما استطاع النظام المقاومة أمام الأعداء. إنه الحضور القوي للشعب الذي شكل الدعامة لصمود المسؤولين. هاتان هما النقطتان الرئيستان، الدين والشعب. لذلك يستهدفهما العدو في هجماته. يُستهدف الدين بشكل ويُستهدف وفاء الشعب وعقيدته بشكل. حين تلاحظون الأعداء الخارجيين أو مرتزقتهم وخدامهم المجانيين في الداخل منذ سنوات عقد الستينيات وخلال فترة الحياة المباركة للإمام الخميني ينكرون ويشككون في المقدسات والحقائق الدينية والبينات الإسلامية فلم تكن هذه الحالة شيئاً بالصدفة، بل شيء متعمد جرى التأكيد عليه. ابتدأت هذه الحالة من قضية سلمان رشدي مروراً بالأفلام الهوليودية المعادية للإسلام والرسوم الكاريكاتورية حتى إحراق القرآن والأحداث التي تقع هنا وهناك ضد الإسلام، وكلها تستهدف النيل من إيمان الناس بالإسلام والمقدسات الإسلامية. يرومون زعزعة أسس إيمان الناس وخصوصاً الشباب في الداخل، ويستخدمون لذلك إشاعة التحلل والإباحية والطرق العرفانية الزائفة ـ البضاعة المزيفة للعرفان الحقيقي ـ إلى ترويج البهائية وشبكة الكنائس المنزلية.

 

هذه ممارسات تجري اليوم على أساس دراسات وتدابير وتخمينات يقوم بها أعداء الإسلام، والغاية منها ضعضعة الدين في المجتمع. ويقومون بالكثير من الأعمال على صعيد زعزعة وفاء الشعب للنظام: بث الإشاعات من أجل نشر اليأس من مسؤولي البلاد في قلوب الناس.. نثر بذور التشاؤم وسوء الظن. يشككون في وسائل الإعلام المختلفة بأي عمل جيد قيم يتم إنجازه على مستوى البلاد.

 

إذا كانت ثمة نقاط ضعف يضاعفونها أضعافاً مضاعفة، ولا يعرضون نقاط القوة،

 

 

574


485

خطاب الولي 2010

من أجل بث القنوط في نفوس الناس وخصوصاً لدى جيل الشباب. يصورون الأفق المستقبلي أمام الشباب والناس حالكاً من أجل إخراج الجماهير من الساحة وعزلهم. لكن النقطة الأساس هي أن أعداء الشعب الإيراني وأعداء النظام الإسلامي طوال هذه الأعوام الاثني والثلاثين خسروا كل الاستثمارات والجهود التي بذلوها من أجل هاتين المسألتين، بمعنى أنهم لم يحصلوا على نتيجة بل نالوا الخسران المبين. توهموا أن بمقدورهم فصل الجماهير عن النظام الإسلامي. وترون أنه كلما مرّ الزمن أكثر زاد الناس التزاماً بالقيم المعنوية والقضايا الدينية.

 

متى كان يشارك كل هؤلاء الشباب في المراسم المعنوية في بلادنا: في المراسم العبادية في شهر رمضان وفي يوم عيد الفطر؟ لا سابقة لهذه البصيرة الجماهيرية في مجال القضايا السياسية. بعد الإهانة التي وجهت للإمام الحسين في يوم عاشوراء سنة 88 من قبل بعض المدفوعين، لم يمض يومان حتى نزل الشعب في يوم التاسع من دي إلى الشوارع وأبدوا موقفهم الصريح علانية. أيدي الأعداء وإعلامهم لم تعجز عن فرض التراجع عن المشاعر الدينية على الناس، بل زادت هذه المشاعر يوماً بعد يوم قوة وعمقاً.

 

لا مراء أن العدو فشل في فصل الناس عن النظام الإسلامي. في العام الماضي حضر عند صناديق الاقتراع أربعون مليوناً من أبناء الشعب الإيراني. والواقع أنه كان استفتاء من أربعين مليون نسمة لصالح نظام الجمهورية الإسلامية ولصالح الانتخابات. وهذا ما أغضب العدو. وقد أراد العدو إجهاض أثر ذلك عن طريق الفتنة لكنه أخفق في هذا أيضاً. فقد وقف الشعب أمام الفتنة أيضاً. فتنة سنة 88 أكسبت البلاد المناعة وجعلت الشعب مستعداً وقوياً إزاء الميكروبات السياسية والاجتماعية التي يمكنها أن تؤثر وتضرّ. كما أنها زادت من بصيرة الجماهير. في الأعوام الماضية كان بعض أدعياء العلم والوعي يكتبون أشياء ضد الدين والمباني الإسلامية في بعض صحف البلاد، وهذه أيضاً لم تؤثر في الشعب. دققوا في أن الأعداء يتابعون في مضمار الدين نقطتين أساستين لأنهم لاحظوا مدى تأثير هاتين النقطتين في حياة الناس:

النقطة الأولى: "الإسلام من دون رجال الدين" فقد شاهدوا ما لرجال الدين من تأثير عميق في المجتمع الإيراني وعلى تحرك الجماهير. وقد كانوا طبعاً يطلقون مثل

 

 

575


486

خطاب الولي 2010

هذه الأراجيف قبل الثورة أيضاً. لكن حضور رجال الدين في الثورة وريادتهم لصفوف الثورة أقصى هذا المعنى والمفهوم عن الساحة مؤقتاً، لكنهم بدأوا بأراجيفهم مرة أخرى.

 

والنقطة الثانية هي "الإسلام من دون سياسة" أي فصل الدين عن السياسة. هاتان النقطتان من جملة الأمور التي يشيعونها اليوم بأشد الإصرار في صحافتهم وكتاباتهم ووسائل الاتصال الأخرى كالإنترنت.

 

القضية مهمة بالنسبة لهم. دققوا في هذه الظاهرة. كل ما يشدد عليه العدو ويركز عليه في خارطة طريقه ومخططاته العامة يمكنه أن يوفر لنا نحن أيضاً مشروعاً عاماً وخارطة طريق. الأمور التي يشنون عليها هجماتهم يجب أن ندقق ونعلم أن علينا صيانتها والمحافظة عليها والتشديد عليها: حضور الجماهير في الساحة والمعارف الدينية والإسلامية.

 

منذ عام 58 و59 (1979 - 1980م) بدأوا الحظر ضد البلاد، لكن تشديد الحظر هذا هو في الحقيقة من أجل الضغط على الناس والشعب بغية فصله عن النظام الإسلامي. ولحسن الحظ فقد أعلن المسؤولون وكذلك جماهير الشعب ـ مضافاً إلى أنهم أثبتوا عملياً ـ أن هذا الحظر لن يترك بتوفيق من الله أثراً يذكر على حياة الناس. الجماهير الذين تحملوا تلك المشاق والمشكلات في عقد الستينات (شمسيّة) وبدايات الثورة زاد اليوم يقينهم وأملهم بالمستقبل في ظل كل هذا التقدم الهائل الذي حققوه، وسوف يصمدون إزاء العدو ويجهضون مؤامراته. من أجل أن لا نزاحم صلاة المؤمنين في أول الوقت سأذكر على وجه الاختصار عدة مبادئ لسلوكنا وتصرفاتنا في ضوء مخططات العدو.

 

من القضايا التي تطرح في هذا المضمار قضية وحدة الكلمة الوطنية. والمخاطَب بهذا الكلام هم الخواص وعامة الناس على السواء. ينبغي أخذ قضية الوحدة بعين الجد. لقد تحدثت طويلاً حول وحدة كلمة الشعب وذكرت بعض الخصائص والمؤشرات. لا يكفي أن يقول الشخص إننا من أنصار الوحدة، فهناك مؤشرات وعلامات لذلك. القضية الأخرى هي التضامن المضطرد بين الشعب والخواص وبين السلطات الثلاث.

 

576


487

خطاب الولي 2010

يجب ارتقاء التضامن مع السلطات الثلاث في البلاد يوماً بعد يوم ومدّ يد العون لها، وخصوصاً السلطة التنفيذية التي تتحمل على كاهلها أعباء جسيمة. اختلاق الإشاعات وتجاهل الجهود ليس في صالح البلاد ومستقبل البلاد أبداً.

 

النقطة الثالثة هي تعزيز الإيمان الديني وتأمين الاحتياجات الفكرية والإجابة عن استفهامات الجيل الشاب. وهذا ما يخص في معظمه رجال الدين والحوزات العلمية. إنهم ينشرون الشبهات دوماً ويجب الردّ على الشبهات بنحو مستمر ومتجدد. وهنا نقطة أخرى وهي التعريف الصحيح والمناسب لرجال الدين. وهذا ليس واجب رجال الدين وحدهم. بمقدور المثقفين والواعين أن يشرحوا دور رجال الدين في البلاد ويشرحوا ما هي المنعطفات الصعبة والمشكلات التي استطاع رجال الدين وخصوصاً مراجع التقليد العظام وكبار شخصيات الحوزة العلمية في الظروف الحساسة أن يمروا بها آخذين بأيدي المجتمع.

 

المسألة الأخرى سعي الشباب لزيادة البصيرة لديهم. على الشباب أنفسهم أن يسعوا ويجدّوا في هذا الدرب. ينبغي معرفة العدو ومعرفة أساليبه. هذه مهمة تقع على عاتق الشباب أنفسهم.

 

النقطة التالية التي ينبغي أخذها بنظر الاعتبار في لائحة الأعمال المهمة هي قضية تقدم العلم والتحرك باتجاه الخارطة العلمية الشاملة للبلاد، المهمة التي اكتسبت والحمد لله سرعة وحركة أفضل منذ نحو خمسة أو ستة أعوام.. وتم إنجاز تقدم جيد. ويجب طبعاً بذل مزيد من الجهود. ستكتسب هذه الحركة إن شاء الله سرعة أكبر. من الضروري انطلاق حركة سريعة أخرى في داخل الحوزات العلمية. وسوف أتحدث في هذا المضمار إن شاء الله مع الأعزاء الإخوة والأخوات في الحوزات العلمية.

 

النقطة المهمة الأخرى التي أخاطب بها الحكومة، وهي التي تتحمل مسؤوليتها، هي الاهتمام بمعالجة عوامل عدم الرضا وأسباب المشكلات التي يعاني منها الناس: قضية المعيشة وقضية العمالة وقضية التنظيم الإداري وقضية الأشخاص الذين يتم تعيينهم في الأجهزة والمؤسسات وخصوصاً في المستويات العليا، وقضية البلديات وقضية قوات الشرطة. والبلديات والشرطة مؤسستان تتعاملان مع الناس مباشرة، وبإمكانهما رفع

 

 

577


488

خطاب الولي 2010

الكثير من مشكلات الناس، أو لا سمح الله خلق حالات عدم رضا. إذن على الأجهزة والمؤسسات أن تبدي اهتماماً وتنسيقاً في مهماتها المختلفة وتكون متناغمة ومتكاملة ومن دون اختلافات وتناقضات. وهذا ما يتعلق بالأجهزة والمؤسسات الحكومية. وأذكر نقاطاً حول مدينة قم. قم هي منبت الثورة. وهي مسقط رأس هذا الحدث العظيم والظاهرة الكبرى في تاريخ بلادنا والعالم كله. النظرة العالمية لقم نظرة خاصة مضافاً إلى وجود تردد وذهاب وإياب إلى هذه المدينة من البلدان المختلفة. الذين لا يسافرون إلى هذه المدينة لأسباب معينة يُبدون حساسيتهم تجاه هذه المدينة، ولهم نظرتهم الخاصة لها، ويتابعون أحداث هذه المدينة.

 

اجتماعكم الكبير اليوم هذا سوف يهتمّون به. وقد لا يذكرونه في إعلامهم، لكنّ صنّاع السياسات سوف يرونه ويأخذونه في الحسبان، ولهم نظرتهم العالمية له. توجد في هذه المدينة أكبر حوزة علمية للعلوم الإسلامية في العالم الإسلامي. ما من حوزة علمية بعظمة الحوزة العلمية في قم.

 

هنا قطب للزيارة والحياة المعنوية. هنا مرقد السيدة فاطمة المعصومة، هذا الحرم العظيم. وهنا مسجد جمكران، ومراقد الكثير من السادة أبناء الأئمة، وكل واحد من هؤلاء السادة المدفونين في شوارع قم لو كان في مدينة أخرى لكان مركزها ومحورها. كل هذه إمكانيات وطنية ومحلية وعالمية وخصائص لهذه المدينة المقدسة.

 

لأن قم كانت مغضوباً عليها من قبل الأجهزة الحكومية في عهد الطاغوت فقد تراكم فيها التأخر للأسف. وعلى المسؤولين المحترمين تلافي هذا التأخر بكل جد وسرعة. طبعاً أنجز الكثير من الأعمال طوال السنوات التي أعقبت الثورة. منذ سنة 79 تحولت هذه المدينة إلى محافظة وخصصت لها اعتمادات أكثر. كما ذكروا لي في التقارير منذ سنة 84 فما بعد فقد بلغت الاعتمادات المخصصة لهذه المدينة ذروتها. وبالتالي أُنجزت أعمال جيدة جداً. ولكن ينبغي تكميل كل هذه الأعمال لتتقدم هذه المدينة بالنحو الذي يليق بأهاليها من حيث تلبية احتياجاتهم ومن حيث شكلها الظاهري. لا بد من عمل صعب إذا أُريد تلافي هذا التأخر المتراكم.

 

أهم ما تحتاج إليه هذه المدينة هو مياه الشرب. وهي مسألة تتم متابعتها بشكل

 

578


489

خطاب الولي 2010

جاد منذ سنوات. وقد أنجزت أعمال جيدة جداً. تم إنجاز جزء مهم من العمل، ومن الضروري تثمين جهود المسؤولين عن هذا العمل، لكننا نطلب من المسؤولين المحترمين عن هذه المهمة أن يوصلوا إلى قم المياه التي يجب أن تصلها من أماكن بعيدة. ينبغي رفع هذه الحاجة الأساس والكبيرة لأهالي قم. ومسألة الزراعة في قم أيضاً من المسائل المهمة. سمعت أنه من المقرر الإتيان بالمياه من طهران إلى منطقة مسيلة لتعاود هذه المنطقة من قم الزراعة التي كانت في يوم من الأيام مزدهرة فيها إن شاء الله. ويجب دعم الصناعات اليدوية في قم، وخصوصاً السجاد القمي المشهور وسوف نؤكد ذلك على المسؤولين إن شاء الله. وما أريد التأكيد عليه أيضاً هو العمارة والبناء في مدينة قم. يتم اليوم إنجاز أعمال كبيرة في مدينة قم، وهناك الكثير من البناء، وينبغي في هذا البناء بالتأكيد ملاحظة الطراز الإسلامي للعمارة، ويجب ملاحظة الرموز الثورية في العمارة في هذه المدينة فهذه المدينة مدينة الإسلام والثورة. والنقطة الأخيرة هي أن المسؤولين المحترمين في هذه المدينة إذا اختلفوا حول شيء فيجب أن لا يسمحوا لهذا الاختلاف بالنيل من حياة الناس والإضرار بها وخلق المشكلات لهم.

 

ثمة اختلافات بين الأجهزة والمؤسسات المتعددة، وقد يكون لهذا الاختلاف صلته بحياة الناس، وقد سجلت هذه النقطة هنا ولا أعيد ذكرها، لكن توصيتي العامة هي أن يتعاضد الجميع، ويقدِّم المسؤولون الحكوميون بتعاونهم وتكاملهم فيما بينهم الخدمة للناس، وعلى الناس أن يدعموهم ويواصلوا حضورهم العظيم في الساحة، وهو ما أثبتوه دوماً ليستطيعوا إكمال المهمة التي بدأت في هذه الفترة من الزمان في البلاد، والإشعاع بفوائدها على العالم الإسلامي.

 

اللهم بمحمد وآل محمد، أنزل بركاتك ورحمتك على هؤلاء الأهالي الأعزاء وعلى كل الشعب الإيراني.

 

اللهم اجعلنا عارفين قدر الجهاد والمساعي التي بذلها الذين أوصلوا هذه الحركة العظيمة إلى مراحلها الحالية.

 

 

579


490

خطاب الولي 2010

ربنا بحق محمد وآل محمد اجعلنا جنوداً حقيقيين للإسلام.

 

وفّق وأيّد مسؤولي البلاد وخدامها.

 

اجعل بتوفيقك وعونك مساعدة الناس وخدمتهم سهلة في خططهم وبرامجهم. أرضِ عنا القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، واجعلنا من أنصاره في حضوره وغيابه.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

580


491

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء عوائل الشهداء والمعوّقين

في مدينة قمّ

 

 

المناسبة:   الزيارة الخاصة لمدينة قم

الحضور:  حشد غفير من عوائل الشهداء والمعاقين والمضحين في محافظة قم

المكان:   قم المقدسة ـ حرم السيدة المعصومة عليها السلام

 

الزمان:    28/07/1389هـ.ش.

12/11/1431هـ.ق.

02/01/0102م.

 

 

581


492

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السلام عليكِ يا بنت رسول الله يا فاطمة المعصومة صلوات الله عليك وعلى آبائك الطيبين الطاهرين المطهرين.

 

بعد الاستئذان من الروح المطهرة لسيدتنا فاطمة المعصومة عليها السلام التي يقام هذا المحفل المعنوي والملكوتي تحت ظلها...

 

مدينة قم رائدة ومتفوقة في الكثير من الأمور. وفي باب الشهادة والشهداء وعوائل الشهداء أيضاً تعدّ قم مدينة متفوقة رائدة.

 

فقد قدّمت للإسلام والثورة نحو ستة آلاف شهيد. وفي بعض أعوام الدفاع المقدس قدّمت في سنة واحدة أكثر من ألف شهيد جهاداً في سبيل الله. وقد تضرّج هؤلاء بالدم والتراب، وشيّعت هذه المدينة العظيمة جثامينهم ولم تبالِ أبداً. ولها نحو أحد عشر ألف معاق، وهؤلاء في الحقيقة شهداء أحياء بيننا.

 

إنهم شهداء أعلام معروفون تفخر بهم لا قم وحدها بل البلاد كلها.. إنهم نجوم وكواكب، وهذه مميزات كبرى.

 

أعزائي، قضية الشهادة قضية عميقة ومهمة جداً. وشعبنا حل هذه القضية عملياً بإيمانه ومشاعره الدينية وشجاعته.. قدّم الشهداء وكان ثمة آباء وأمهات لم يبكوا على شهدائهم حتى، وكانت هناك عوائل ارتدت ثياب الفرح في مراسم تأبين شهدائها. إذن قضية الشهادة مفروغ منها عملياً في أذهان الشعب، لكن المجال أمامنا واسع جداً للتفكير في الشهادة.

 

لو أردنا عرض قضية الشهادة وأهميتها في جملة واحدة لقلنا إن الاعتقاد بالشهادة والإيمان بعظمة الشهداء يمثل بالنسبة لأي شعب العمق المعنوي لشخصية ذلك الشعب وهويته.

 

كيف يمكن لشعب أن يُعرف بالعظمة في أعين شعوب العالم؟ وكيف يمكن للشعب

 

 

583


493

خطاب الولي 2010

 بدل أن يتأثر بشتى العوامل السياسية في العالم أن يترك تأثيره في جميع الأحداث في العالم؟ كيف يمكن للشعب بلوغ هذه المكانة؟ كيف يمكن لشعب من دون أن تتوفر له المعدات والأدوات العسكرية المعقدة، ومن دون أن تكون لديه إمكانيات إعلامية واسعة أن يؤثر في العالم وبين الشعوب بحيث تنجذب الشعوب إليه؟ لاحظوا الاستقبال الذي خرج به الشعب اللبناني للقاء رئيس جمهورية الشعب الإيراني.

 

هذا ليس بالشيء الصغير. إنه شيء جدير بالدراسة والتحليل. كيف يمكن لرئيس جمهورية شعب في بلد آخر وبين أبناء شعب آخر ليست له صلة قرابة بهم إطلاقاً أن يحظى بكل هذا الاهتمام؟من أين جاءت عظمة هذا الشعب؟ الإجابة عن كل هذه الأسئلة تستدعي التنبّه لأهمية قضية الشهادة.

 

حينما يتقبل شعب بجميع أبنائه وشبابه وآبائه وأمهاته الإيثار في سبيل الله والتضحية بالنفس في سبيل الهدف الإلهي ويؤمنون به فسوف يكتسب هذا الشعب عمقاً هائلاً من العظمة. ومن الطبيعي أن يكون هذا الشعب مقتدراً وقوياً ومتفوقاً من دون أن يكون له سلاح ومن دون أن يمتلك ثروة نقدية مميزة.

 

لاحظوا أن مئة شخص من حيث العدد متساوون مع مئة شخص آخرين في مقابلهم. مئة شخص مقابل مئة شخص، أو ألف شخص مقابل ألف شخص. عشرة ملايين مقابل عشرة ملايين، هؤلاء متساوون طبعاً. وقد يكون أحدهم أقوى من غيره من حيث القوة البدنية والقدرات الجسمية والمادية، ولكن حين تكون الفئة المقابلة التي لا قوة لها من الناحية الجسمية والمادية متسلحة بالإيمان بالله، ومقتنعة بأنها إذا ضحّت في سبيل الله فسوف لن تخسر شيئاً بل ستكسب شيئاً فسوف يتحلى هؤلاء النفر المئة بقوة لا يمكن للفئة المقابلة لهم حيازتها.

 

في معركة بدر كان أعداء النبي أضعاف المسلمين من حيث العدد، ومعداتهم وأسلحتهم أضعاف المسلمين أيضاً، وأموالهم وإمكانياتهم المادية أضعاف ما لدى المسلمين، لكن المسلمين انتصروا، لماذا؟ أليس النصر بالقوة والسواعد؟ أليس بالسيف؟ أليس بالأموال؟ أليس بالاقتدار الظاهري؟ كلا، ليس النصر بهذه الأمور.

 

 

584


494

خطاب الولي 2010

النصر منوط باقتدار لا يتأتى بالمال والإمكانيات المادية والسلاح النووي، إنما ينبع من الإيمان بالشهادة والإيثار والاعتقاد بأن الإنسان حينما يضحّي إنما يتاجر ويتعامل مع الله. إذا حسبنا الأمور على هذا الأساس ـ وهو حساب صحيح ـ لكان الشعب الإيراني أقوى وأعظم من كل الشعوب.

 

من الذي منح الشعب الإيراني هذه العظمة؟ منحها له بالدرجة الأولى هؤلاء الشهداء الأبرار من أمثال الشهيد زين الدين، وصادقي، ووكيلي، وحيدريان، هؤلاء هم الذين أثبتوا هذا الإيمان لا باللسان بل بالعمل.

 

يوم سار الشهيد حيدريان من مدينة قم مع عدد قليل إلى كردستان، وحارب الأعداء، كان الشعب الإيراني يومها في منتهى الغربة واقفاً أمام كل المعسكر الغربي، وقد كانت جميع الإمكانيات العالمية معبّأة ضدنا.

 

فقام عدد من الشباب من قم وعدد من الشباب من مدن أخرى ومن كل القرى والمدن وأثبتوا عملياً إيمانهم بالتجارة مع الله.. ﴿إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقۡتُلُونَ وَيُقۡتَلُونَۖ وَعۡدًا عَلَيۡهِ حَقًّا فِي ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِيلِ وَٱلۡقُرۡءَانِۚ﴾[1]. الوعد الإلهي وعد حق. يقف شهداؤنا في الصف الأول ومعهم المضحون من المعاقين.. هؤلاء هم روادنا والسبّاقون منا في جبهة الحق. ذهبوا وأثبتوا الإيمان بالشهادة والتجارة مع الله في ساحة العمل والفعل.

 

ويأتي في الصف الثاني عوائل هؤلاء.. أنتم آباء الشهداء وأمهاتهم وأبناؤهم وزوجاتهم. أنتم الذين صبرتم وتحملتم هذا الحدث المرّ في ظاهره. فقدان الأحبّة أمر مرّ وصعب.

 

الأب والأم يكدّان ويجهدان ويسقيان هذه الباقة من الورود وهذه الغرسة العزيزة المباركة بدماء قلوبهم ويكبّرونها وينشئونها ثم يأتون بجسده إلى جبهة القتال.. هذا شيء صعب وليس سهلاً. وقد تقبّل آباء الشهداء وأمهاتهم وزوجاتهم وأبناؤهم هذا الحدث المرير في ظاهره بأذرع مفتوحة وأثبتوا أنهم يؤمنون بالتجارة مع الله.

 


[1] سورة التوبة، الآية 111.

 

 

585


495

خطاب الولي 2010

لقد زرت أمهات شهداء كن يقلن بجدّ وصدق لو كان لنا عشرة أبناء لكنا على استعداد لتقديمهم في سبيل الله، ولم يكنّ يكذبن. التقيت بأمهات وآباء كانوا يشعرون بالعزة والفخر لأنهم قدموا أبناءهم شهداء في سبيل الله.. ومعهم الحق طبعاً.. إنها عزة وفخر. وكما قالت عمّتنا زينب الكبرى عليها السلام: "ما رأيت إلا جميلاً"[1]. ليست واقعة كربلاء بالشيء البسيط. هذه العين الناظرة إلى الله تشاهد حقيقة جميلة من تلك الواقعة ومن تلك الدماء المسفوحة ومن تلك المصيبة الجسيمة «ما رأيت إلا جميلاً». هذا ما يمنح الشعب الاقتدار، وهو ما يوجد الثقة بالنفس لديه. هؤلاء هم الذين لا ترعب قلوبَهم تهديدات القوى المادية في العالم والعربدات الثملة للحكومات المعتدية والمستكبرة في العالم.

 

الشعب الإيراني اليوم لا يخشى التهديدات والعربدات التي يطلقها رؤساء الجمهوريات الغارقون في الماديات والشهوات. إنه شعب صامد بقوة على مبادئه. والأمر كما ذكره الآباء والأمهات المحترمون الأعزاء الذين جاءوا وتحدثوا هنا.. هذه كلمات صادقة.

 

عوائل الشهداء واقفة صامدة والشعب الإيراني واقف صامد بفعل الاقتدار المعنوي والقوة التي يشعرها في نفسه بفضل الإيمان بالله. ينبغي تعزيز هذا الإيمان.

 

ما أريد قوله هو إن على المسؤولين وكل أبناء الشعب وعوائل الشهداء أن يعرفوا قدر هذا الإيمان ويعززوه في أنفسهم يوماً بعد يوم. هذا ما يضمن اقتدار الشعب الإيراني. وهو ما يمكن أن يكون الدعامة لتطورنا العلمي والتقني والسياسي والاجتماعي.

 

اعلموا أن هناك بعض الأفراد بذلوا بعد رحيل الإمام الخميني قدس سره أقصى جهودهم للقضاء على هذا الإيمان لدى شعبنا. كتبوا وتحدثوا وكرروا.. وركّز العدو على سحق هذا الإيمان. وقد فشل طبعاً وسوف يفشل بعد اليوم أيضاً ولن ينجح أبداً.

 

شبابنا الأعزاء اليوم شباب جد صالحين. الجيل الشاب الناهض من هذه البيئة وهذه المشاعر وهذا الإيمان جيل مبارك.

 

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج45، ص116.

 

586


496

خطاب الولي 2010

 

لو وقعت اليوم أحداث كالتي وقعت في عقد الستينات (عقد ثمانينات القرن الماضي) لما كان شباب اليوم بأقل من شباب ذلك العهد حضوراً في ميادين القتال.

 

كانت تلك التجربة أمامهم فساروا واليوم أيضاً لو تكررت التجربة لساروا. الشباب صالحون وطاهرون ومستعدون. إنني أوصي شبابنا الأعزاء وخصوصاً أبناء الشهداء بأن يعرفوا قدر عزتهم ويعرفوا قدر انتسابهم للشهداء. هذا فخر لكم ولكل الشعب الإيراني.

 

ربنا بمحمد وآل محمد اجعلنا ممن يعرفون قدر الشهداء. اجعلنا ممن يعرفون قدر المضحين. اللهم افتح علينا دوماً طريق الإيمان بك والنقاء والنور الذي مهَّده لنا الشهداء.

 

أرض عنا القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

587


497

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء طلاب وفضلاء وأساتذة

حوزة قم العلمية

 

 

 

         

         

المناسبة:   الزيارة الخاصة لمدينة قم

الحضور:  جمع من طلاب وفضلاء وأساتذة حوزة قم العلمية

المكان:   مدينة قم

 

الزمان:    29/08/1389ش.

1431/11/13هـ.ق.

21/01/0102م.

 

 

589


498

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد الله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين، لا سيّما بقية الله في الأرضين.

 

السّلام عليكِ أيتها السيّدة يا فاطمة المعصومة يا بنت موسى بن جعفر عليك وعلى آبائك الطيّبين الطاهرين المعصومين أفضل الصلاة والسلام.

 

قم مركز المعرفة للعالم الإسلامي

إن اقتران ملتقانا هذا ـ بكل عظمته التي أضفاها الحضور المميّز للأساتذة والكبراء والفضلاء والطلاب الأعزّاء لحوزة قم العلمية ـ مع الذكرى السعيدة لمولد الإمام الرضا عليه السلام، وكذلك مولد أخته الجليلة السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام، يذكّرنا بالحركة العظيمة والمباركة لهذين الأخوين والهجرة الفائضة بالمعاني لهذين المعظّمين، وهي بلا شك حركة بنّاءة ومؤثّرة في تاريخ شعب إيران وتاريخ التشيّع.

 

ولا شك أن دور السيّدة المعصومة عليها السلام، في جعل قم ما هي عليه وإضفاء العظمة على هذه المدينة الدينية التاريخية العريقة، هو دورٌ لا كلام فيه. فهذه السيّدة الجليلة، وهذه الفتاة التي ترعرعت في حضن أهل بيت النبيّ، بحركتها بين الأتباع والأصحاب والمحبّين للأئمة عليهم السلام ومسيرها بين المدُن المختلفة، ونثر بذور المعرفة والولاية بين الناس على امتداد هذا المسير وبعد وصولها إلى هذه المنطقة ونزولها في قم، تمكّنت من جعل هذه المدينة تسطع كمركزٍ أساس لمعارف أهل البيت عليهم السلام في ذلك العصر المظلم والحالك لحكومة المتجبّرين، وتتحوّل إلى قاعدة تشعّ منها أنوار العلم وأنوار معارف أهل البيت على أطراف العالم الإسلامي بشرقه وغربه. واليوم أيضاً فإنّ مركز المعرفة للعالم الإسلامي هو مدينة قم.

 

في عصرنا أضحت قم كما كانت في ذلك العصر قلباً فعّالاً ونشطاً يمكنها وينبغي

 

 

591


499

خطاب الولي 2010

 أن تضخّ المعرفة والبصيرة واليقظة والوعي في كل أرجاء جسد الأمّة الإسلامية. في ذلك الزمان، أصدرت قم أوّل الكتب الفقهية، وكتب معارف الشيعة وأتباع أهل البيت عليهم السلام، وفي حوزة قم أُلّفت الكتب الأساس التي يعتمد عليها الفقهاء والعلماء والمحدّثون، ككتاب (نوادر الحكمة) لمحمد بن أحمد بن يحيى، وكتاب (بصائر الدرجات) للصفّار، وكتاب (الشرائع) لعلي بن بابويه القمّي، وكتاب (المحاسن) للبرقي، وكتب أحمد بن محمد بن عيسى، وعشرات بل مئات الكتب الأخرى. كل هذه الكتب قد أعدّت وأُنتجت في هذا المركز المعرفيّ. هنا، تربّت وترعرعت شخصيات كانت عندما تسافر إلى أقطار العالم الإسلامي تحوّل محافلها إلى محافل الفيض.

 

كان الشيخ الصدّوق رضي الله عنه ـ الذي يعدّ من الجيل الثالث والرابع لهذه الحركة العظيمة ـ عندما سافر إلى بغداد ـ التي كانت مركز الشيعة ومركز الحديث ـ جلس تحت منبره العلماء والفضلاء والكبار ونهل منه. لهذا كما تلاحظون إن الشيخ الصدّوق هو أستاذ المفيد وشيخه. لهذا أضحت قم مركزاً، وهي كذلك اليوم. وعلى مرّ الأزمنة المتطاولة هاجر إلى قم عشرات الآلاف من فراشات العشق وطلّاب معارف أهل البيت، تعلّموا وتلقّوا المعرفة وواجهوا الكثير من المشاكل بإرادة صلبة وهم يتطلّعون إلى الأهداف العليا والمعنويّة، وتقدّموا على الطريق غير عابئين بالصعاب. ولعلّه لا نجد إلا القليل من المدُن في العالم بل ربّما لا نجد مدينة فيها هذا العدد الكبير من الذين يسعون لتحصيل المعارف الدينية والعرفان والمعنويات من النساء والرجال المشغولين في السعي والعمل والمجاهدة المعنوية والعلمية والثقافية في آناء الليل وأطراف النهار. هذه هي حوزة قم اليوم. مع ما تتمتّع به من موقع عالمي ممتاز، وتلك هي سوابق هذه المدينة التي تأسّست فيها أول حوزة أساس ومهمّة للتشيّع، نهَل من نبع فيضها أعاظم كالشيخ الكليني، والشيخ الصدّوق وآخرون حيث كانت آثارهم حافظة لمعارف أهل البيت عليهم السلام على امتداد القرون.

 

دور الحوزات العلمية في القضايا العالمية والسياسية. حسناً، إن الحوزات العلمية ـ وخاصة حوزة قم العلمية ـ لم تكن يوماً من الأيام وعبر تاريخها كما هي اليوم محط أفكار وأنظار العالم، ولم تكن يوماً مؤثّرة في السياسات العالمية ولعّله في مصير العالم

 

 

592


500

خطاب الولي 2010

والدّول كما هي اليوم. لم يكن لحوزة قم في يوم من الأيام من الأصدقاء والأعداء كما هو اليوم. أنتم الملازمون لحوزة قم العلمية لديكم من الأصدقاء ما يفوق كلّ ما حصل في هذا التاريخ، وكذلك على مستوى الأعداء عدداً وخطورة.

 

إنّ حوزة قم العلمية ـ والتي هي في قمّة الحوزات العلمية - في يومنا هذا تتبوأ هذه المكانة الحسّاسة. ويوجد هنا مغالطة ينبغي أن أشير إليها. فمن الممكن أن يقول بعضهم إنّه لو لم تتدخّل الحوزات العلمية في القضايا العالمية والسياسية وفي التحدّيات، لما كان لها مثل هذا العدد من الأعداء، ولكانت أكثر احتراماً مما هي عليه. هذه مغالطة. لم يكن هناك أي جماعة أو مؤسسة أو مجموعة ذات قيمة تنال احترام الرأي العام بسبب انزوائها واعتزالها وإحباطها ولن يكون أبداً.

 

إن الاحترام الذي تحصل عليه المجامع والمؤسسات اللامبالية التي تتنزّه عن أن تلتصق بالتحدّيات هو احترامٌ صوري وهو في الواقع والعمق عدم احترام، مثل احترام الأشياء الذي لا يُعدّ احتراماً حقيقياً، كاحترام الصّور والتماثيل والتصاوير، فإنّه ليس احتراماً واقعياً. وأحياناً يكون هذا الاحترام مهانة تتلازم مع التحقير الخفيّ من ذاك الذي يتظاهر بالاحترام. فالموجود الذي يكون حيّاً نشطاً مؤثّراً هو الذي يبعث الاحترام، سواء في قلوب الأصدقاء أو حتى في قلوب الأعداء. يعادونه إلا أنهم يعظّمونه ويحترمونه.

 

إنّ انعزال حوزة قم العلمية وأيّة حوزة علمية أخرى، ينتهي بها إلى الانقراض والزوال. فعدم التدخّل في الأحداث الاجتماعية والسياسة والتحدّيات يؤدّي بالتدريج إلى التهميش والنسيان والعزلة. لهذا فإنّ علماء الشيعة بالعموم، وبغض النظر عن استثناءات جزئية وفردية، كانوا دوماً في صلب الأحداث. ولأجل هذا تمتّع علماء الشيعة بمثل هذا النفوذ والتوغّل في المجتمع بما لم يتحقّق لأيّة مجموعة علمائية أخرى في العالم سواء الإسلامي أو غير الإسلامي.

 

ثمّ إنّه لو أراد العلماء أن يتحرّكوا على الهامش، وينزووا فإن الدين سيتعرّض للضرر. العلماء جند الدين، وخدّامه، وليس لهم حيثية بدون الدين. لو أنّ العلماء اتّخذوا منحى العزلة والابتعاد عن القضايا الأساس ـ والتي تمثّل الثورة الإسلامية العظيمة نموذجها البارز ـ ووقفوا يتفرّجون غير مكترثين فإنّ الدين ولا شك سيتعرّض للضرر،

 

 

593


501

خطاب الولي 2010

وإنّ هدف العلماء هو حفظ الدين.

 

ثالثاً، إذا كان الحضور في الساحة موجباً لاستثارة العداوات، فإن هذه العداوات إذا جمعناها كلّها فإنّ حصيلتها مجتمعة ستكون أساساً للخير. فتلك العداوات تستثير الهمم والنخوات وتخلق الفُرص لكلّ موجودٍ حيّ. أينما برزت الخصومات والأحقاد تجاه مجموعة علمائية وتجاه الدين، يتحقّق في مقابلها حركة بنّاءة من جانب أهل اليقظة والاطّلاع. قلت ذات مرّة أمام جمعٍ إن تأليف كتاب من قبل كاتب متعصّبٍ ضدّ الشيعة أدّى إلى إنجاز العديد من الكتب التي مثّلت مصادر شيعية كبيرة. في هذه المدينة بالذات لو لم يُنشر كتاب (أسرار الألف سنة)[1] من قبل شخصٍ منحرفٍ تمثّل شخصيّته مركّباً من الأفكار العلمانية والتوجّهات الوهّابية، لما قام إمامنا العظيم بتعطيل درسه وتأليف كتاب (كشف الأسرار)، حيث نرى في هذا الكتاب أهميّة الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه في مراحلها الأولى.

 

كما أنّه يُستشعر في هذا الكتاب إعادة إنتاج هذا الفكر الفقهي والشيعي المهم. لو لم يكن هناك تحرّكات للتيّارات اليسارية والماركسية وحزب توده[2] في عقد العشرينات، وأوائل عقد الثلاثينات (قبل حوالي ستين سنة) لما تمّ إنتاج كتابٍ حيّ وباقٍ مثل (أصول الفلسفة ومذهب الواقعية)[3]. لهذا فإنّ هذه العداوات لم تنتهِ إلى ضررنا. أينما انبعثت الخصومة يظهر الموجود اليقظ والمطّلع ـ أي الحوزة العلمية ـ ردّة فعلٍ من نفسه ويوجد فرصة. العداوات تخلق الفُرص، وذلك عندما نكون يقظين وأحياء وغير غافلين.

 

في عهد رضا خان حيث برزت تلك الحركة المعادية للعلماء أدّى ذلك إلى أن يعطي مرجع تقليدٍ كالمرحوم السيد أبو الحسن الأصفهاني قدس سره، إجازة لصرف الحقوق الشرعية في إصدار المنشورات الدينية والمجلات الدينية، حيث كان ذلك ممّا لا سابقة له، وكان في ذلك الزمان شيئاً عجيباً. ولهذا بدأت تصدر النشرات الدينية بأموال

 


[1] أسرار هزار ساله، كتاب من تأليف موسى البرقعي.

[2] الحزب الشيوعي الإيراني.

[3] تأليف العلامة الطباطبائي صاحب تفسير الميزان.

 

 

594


502

خطاب الولي 2010

 الحقوق وسهم الإمام، وكذلك بدأت تُقام المجامع الدينية بالاعتماد على سهم الإمام.

 

أي أنّ شخصية مثل السيّد الأصفهاني قدس سره، وخلافاً لما تصوّر بعضهم ويتصوّرون، كان يهتمّ بالقضايا الثقافية المتعلّقة ببلدنا والمجتمعات الشيعية ودولة الشيعة، ويجيز صرف سهم الإمام في مثل هذا العمل، هذه هي الفُرص. هكذا تُوجِد العداوات مثل هذه الفُرص الكبيرة.

 

رابعاً، إن حيادية العلماء تجاه قضايا التحدّيات الأساس لا تؤدّي إلى خمود العداء تجاه العلماء والدين، أو توقّفها، "ومن نام لم يُنم عنه"[1].

 

لو أنّ علماء الشيعة لم يشعروا بالمسؤولية تجاه العداوات التي تتوجّه إليهم ولم ينزلوا إلى الميدان، ولم يفعّلوا إمكاناتهم، ولم ينجزوا العمل الكبير المُلقى على عاتقهم، ما كان العدو ليتوقف عن عداوته، بل على العكس إنهم كلّما شعروا بضعفنا تقدّموا، وأينما أحسّوا باضطرابنا يزيدوا من نشاطهم ويتقدّموا.

 

لقد أدرك الغربيّون الإمكانات الهائلة لفكر الشيعة في مواجهة الظلم والاستكبار العالمي وذلك منذ مدّة طويلة نسبياً، من قضايا العراق وقضية التنباك، لهذا فهم ليسوا ممن يسكت بل إنهم يستمرّون على اعتدائهم واقتحامهم. إنّ سكوت ولامبالاة العلماء والحوزات العلمية لا يمكن أن يوقف عداوة الأعداء بأيّ وجهٍ.

 

لهذا فإنّ تحرّك الحوزات العلمية وعدم بقائها على الحياد قبال الأحداث العالمية والتحدّيات الداخلية والدولية يُعدّ أمراً لازماً لا يمكن إغفاله.

 

العلاقة بين الحوزات العلمية والنظام الإسلامي

وبعد انتصار الثورة الإسلامية طرح أولئك الذين كانوا يسيئون للعلماء والثورة في الأذهان مفهومين خاطئين ومنحرفين. وقد تمّ الردّ على هذه الأفكار قولاً وعملاً. (شنشنة نعرفها من أخزم). يجب الالتفات واليقظة دوماً. المفهومان الخاطئان اللذان يُعدّان تهمتين طرحهما العدوّ تكتيكياً، أحدهما حكومة الملالي. قالوا إنّ الحكومة في إيران أضحت حكومة الملالي، وقد أمسكت حكومة الملالي بزمام الأمور. كتبوا هذا،

 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص452.

 

595


503

خطاب الولي 2010

وقالوه وروّجوا له وكرّروه. والآخر طرح موضوع علماء البلاط والسلطة، وتقسيم العالِم إلى حكومي وغير حكومي. كان هدفهم من طرح هذين المفهومين الانحرافيين والخاطئين، أولاً، حرمان النظام الإسلامي من الدعامة الفكرية والنظرية والاستدلالية والعلمية العظيمة لعلماء الدين، وثانياً، تهميش العالم المسؤول والثوري والحاضر في الساحة، الذي يواجه العداوات والإساءة لسمعته، هذا بزعمهم. يقصدون أن هناك نوعاً من العلماء، هم علماء السلطة، وهو أمرٌ سيّىء وسلبي ومضاد للقيم، ونوعاً غير تابع للسلطة، وهو أمرٌ إيجابي ونزيه.

 

إن علاقة العلماء مع النظام الإسلامي علاقة واضحة. وعلاقة العلماء والحوزات العلمية مع النظام الإسلامي هي علاقة دعمٍ ونصيحة. وهذا ما سأوضّحه. الدعم إلى جانب النصيحة، الدفاع إلى جانب الإصلاح. وذانك المفهومان الخاطئان، هما في الحقيقة مفهومان انحرافيان وعدائيان، وذلك، أولاً لأن القول إن الحكومة حكومة الملالي ونسبة الجمهورية الإسلامية إلى هذا المفهوم هو قولٌ كاذب. إن الجمهورية الإسلامية هي حكومة القيم، وحكومة الإسلام، وحكومة الشرع، وحكومة الفقه، وليست حكومة الملالي. "فالمشيخة" ليست كافية لأجل أن يكتسب الشخص سلطة حكومية. إن الجمهورية الإسلامية تختلف بالماهية مع حكومات المشايخ التي نعرفها في العالم، تلك التي كانت موجودة في الماضي أو هي موجودة اليوم في بعض مناطق العالم. إن حكومة الجمهورية الإسلامية هي حكومة القيم الدينية، من الممكن أن يحوز أحد المشايخ على خصائص قيمية تجعله أفضل من كثيرٍ من المشايخ الآخرين، ويكون مقدّماً عليهم. لكن المشيخة لا توجب سلب الأهلية والكفاءة من أحد. فليست المشيخة وحدها أهلية وكفاءة كما أنّها ليست سبباً لسلبها. إن الحكومة هي حكومة الدين وليست حكومة صنفٍ خاص أو مجموعة خاصة.

 

كما أن تقسيم العلماء إلى علماء السلطة وغيرهم، واعتبار القيم بناء على هذا الأساس هو خطأٌ فاحش. إن السعي من أجل السلطة بل من أجل أي شيء آخر، إذا كان للدنيا فهو سيّئ، إذا كان لهوى النفس فهو سيّئٌ ولا يختصّ بالحكم. إنّ تحرّكنا نحو أيّ هدفٍ إذا كان القصد فيه هوى النفس والمصالح الشخصية، فهو مخالفٌ

 

 

596


504

خطاب الولي 2010

 هذا التنظير، وإذا لم يقم علماء الدين بهذا العمل، فإن النظريات الغربية والنظريات غير الدينية والنظريات المادية ستملأ هذا الفراغ. لا يمكن لأيّ نظامٍ أو مجتمعٍ أن يكون مديراً في الفراغ، هناك سيأتي نظامٌ إداريٌّ آخر ونظام اقتصاديٌّ آخر، ونظامٌ سياسيٌ آخر، تمّ وضعه وإيجاده من قِبَلِ الأذهان المادية ويحلّ محلّه، مثلما حدث هذا الأمر عندما استشعر هذا الفراغ في بعض الموارد.

 

إن ما ذكرته بشأن العلوم الإنسانية في الجامعات وحذّرت من خطر هذه العلوم المسمّمة بذاتها ـ سواء بالنسبة للجامعات أو للمسؤولين ـ فلأجل هذا الأمر. إن هذه العلوم الإنسانية التي تروج اليوم، فيها من المضامين ما يتعارض ويخالف بماهيّته الحركة الإسلامية والنظام الإسلامي وهو يعتمد على رؤية كونية مختلفة، ولديه مقولات وأهدافٌ أخرى. عندما راجت هذه الأمور تمّ إعداد المديرين على أساسها، والذين هم أنفسهم من يتصدّى لشؤون الجامعات ويقف على رأس اقتصاد الدولة وعلى رأس قضاياها السياسية والداخلية والخارجية والأمنية وغيرها وغيرها.

 

إن الحوزات العلمية وعلماء الدين هم الدعامات وهم مكلّفون باستخراج النظريات الإسلامية في هذا المجال من قلب المتون الإلهية، وتظهيرها وجعلها في متناول الأيدي في عملية التخطيط وفتح المجالات المختلفة. فالنظام الإسلامي يعتمد على علماء الدين وعلى العلماء أصحاب الرأي والنظريات الإسلامية، لهذا فإن النظام مكلّفٌ بدعم الحوزات العلمية لأنها معتمده. وبالإضافة إلى حاجة النظام الإسلامي في إدارة الشعب والدولة إلى الحوزات، هناك نقطة أخرى ترتبط بالشبهات التي تُطرح بوجه النظام، حيث يتمّ حقن الشبهات الدينية والشبهات السياسية والشبهات الاعتقادية والمعرفية في قلب المجتمع ـ وخصوصاً بين الشباب ـ والتي لا هدف لها إلا عدول الناس عن فكرٍ إلى فكر والقضاء على الدعائم البشرية للنظام، وخدش مبانيه الأساس في الأذهان، ومعاداته.

 

لهذا فإنّ القضاء على هذه الشبهات ومواجهتها وإزالة مثل هذا الغبار عن ذهنية المجتمع ـ وهو ما يتحقق بواسطة علماء الدين ـ يُعدّ دعامة أخرى للنظام الإسلامي. لهذا فإنّ النظام الإسلامي يعتمد على علماء الدين والمنظّرين والمحقّقين والعلماء في

 

 

598


505

خطاب الولي 2010

الحوزات العلمية من جهاتٍ عدّة. ومن هذه الجهة فإن الحوزات العلمية لا يمكنها أن تبقى لا مبالية. إن الحوزة العلمية وخصوصاً حوزة قم هي أمّ هذا النظام، هي التي أوجدت وولّدت هذه الثورة وهذه الحركة العظيمة، فكيف يمكن لأمٍّ أن تهمل وليدها وتكون غير مبالية بشأنه حينما يكون من الضروري أن تدافع عنهّ! إنه غير ممكن. لهذا فإن العلاقة المتبادلة بين الحوزات العلمية ونظام الجمهورية الإسلامية هي علاقة الدعم. فالنظام يدعم الحوزات، والحوزات تدعم النظام فيتعاونان ويتآزران.

 

استقلالية الحوزات العلمية

هنا قضية تُطرح، وأنا أطرحها، وبعدها سأعرض لعدّة قضايا أخرى ذات أهميّة فيما يتعلّق بالحوزة إن شاء الله، وهذه القضية هي قضية استقلالية الحوزات، فهل أن دعم النظام الإسلامي للحوزات العلمية يمكن أن يوجد خللاً أو يوجّه ضربة لهذه الاستقلالية أم لا؟ وهل أنّ هذا العمل جائزٌ أم لا؟. فهذا بحثٌ مهم. فالحوزات العلمية أوّلاً كانت طوال التاريخ مستقلّة ليس فقط في عهود الحكومات المعارضة للتشيّع، بل حتى في عهد الحكومات الشيعية، فعندما كان الصفويون على رأس السلطة وقدِم إلى إيران علماء كبار كالمحقق الكركي ووالد الشيخ البهائي وغيرهما من الأعاظم وشغلوا مناصب دينية عدّة لم يصبح هؤلاء العلماء وتلامذتهم ومن تربّى على أيديهم خاضعين للسياسات الصفوية أو تحوّلوا إلى أداة بأيديهم. نعم، كانوا يقدّمون العون ويتعاونون ويمدحون ويجلّون، ولكنّهم لم يصبحوا في قبضتهم، وقد كان الأمر على هذا المنوال أيضاً في مقطع من العهد القاجاري.

 

فكاشف الغطاء قدس سره، ذلك العالم الكبير جاء إلى إيران وألّف كتاب (كشف الغطاء)، وفي هذا الكتاب ـ سواء في المقدّمة أو في بحث الجهاد بمناسبة حروب روسيا وإيران ـ كان يظهر الكثير من الإجلال لفتحعلي شاه، ولكنّ كاشف الغطاء لم يكن شخصاً يمكن أن يصبح بيد فتحعلي شاه وأمثاله، أمثال هؤلاء كانوا مستقلّين. وكان الميرزا القمّي في منزله في قم محترماً ومجلّلاً من قبل شاه زمانه، ولكنّه لم ينزل تحت إرادته. وكانوا يصرّون عليه أن يفتي بما يريدون، ولكنّ الميرزا لم يقبل ولم يتنازل.

 

للميرزا القمي رسالة بعنوان (الرسالة العباسية)، يبيّن فيها آراءه الفقهية في باب

 

 

599


506

خطاب الولي 2010

الجهاد. وهذه الرسالة، قد طُبعت ونُشرت قبل عدّة سنوات لأوّل مرّة. وقد طُلب منه أن يعطي وكالة - على سبيل المثال - أو نيابة ليتمكّنوا من الجهاد من طرفه ـ وبظنّي أن هذا الموضوع قد ذُكر في كتاب جامع الشتات ـ ولكنّه لم يخضع أو يقبل. هكذا كان علماء الشيعة على الدوام، كانوا مستقلّين دوماً، لم يتحوّلوا إلى أداة في قبضة السلطات، واليوم الأمر كذلك، وبعدها ينبغي أن يكون كذلك، وسيكون هكذا بتوفيق الله. ولكن يجب أن تكونوا متنبّهين ها هنا لكي لا تنشأ مغالطة أخرى، فلا ينبغي أن تُتلقّى استقلالية الحوزات بمعنى عدم دعم النظام للحوزة والحوزة للنظام، فبعضهم يريد هذا الأمر.

 

يريد أن يقطع علاقة الحوزة بالنظام تحت عنوان الاستقلالية وباسمها، وهذا لا يصحّ، فالتبعية غير الدعم، وهي غير التعاون. إن النظام مدين للحوزة ويجب أن يدعم الحوزات. بالطبع، يجب أن تدار معيشة الطلاب على يد الناس، على طريقة السنّة المتعارفة والمليئة بالمعاني والأسرار، فليأتِ الناس ويقدّموا الحقوق الشرعية، هذه هي عقيدتي.

 

كلّما دقّق المرء في أعماق هذه العادة والسنّة القديمة التي لعلّها كانت رائجة قبل حوالي 150 سنة، تزداد بنظره أهميّتها ومعانيها وأسرارها. إن سرّ الرابطة المحكمة للناس مع الحوزات هو شعورهم بالقرابة والانتماء. الناس لا يتوقّعون الكثير من العالِم لكنّهم يعدّون أنفسهم مسؤولين عن الدعم المالي للحوزات والعلماء، وهو الصحيح.

 

لكنّ قضايا الحوزات لا تنحصر بقضية المعيشة. ففي الحوزات إنفاقات لا يمكن تأمينها إلا بدعم بيت مال المسلمين ومساعدة الحكومات. وعلى الحكومات أن تصرف هذه الميزانيات دون أن تتدخّل. الكثير من المدارس المهمّة في المدن المختلفة بناها الأمراء والسلاطين والكبار. في مشهد بُنيت ثلاث مدارس متقاربة ـ مدرسة نوّاب والباقرية والحاج حسن ـ وكل واحدة بُنيت في زمان أحد سلاطين الصفوية وبأمره أو بأمر أمرائه، فلا إشكال في ذلك. فالمدرسة الباقرية التي كانت محلّ تدريس المحقّق الملا محمد باقر السبزواري صاحب (الذخيرة والكفاية) قد بُنيت بواسطتهم ولا إشكال

 

600


507

خطاب الولي 2010

في ذلك. يجب أن تُصرف الميزانيات دون تدخّل. فالحوزة تتقبّل أنواع الدعم من جانب النظام بعزّة ومنعة. إن كل هذا الدعم الذي يقدّمه النظام في يومنا هذا للحوزات ويجب عليه وينبغي أن يزداد، كلّه يندرج تحت عنوان المسؤولية والتكليف، وليس مجرّد دعم مادّي. اليوم، بحمد الله، أهم المنابر الوطنية وأكثرها انتشاراً يوضع تحت تصرّف فضلاء الحوزة العلمية والمراجع المعظّمين. فهذه من أشكال الدعم التي يقدّمها النّظام.

 

فالنّظام الإسلامي يجب عليه أن يقدّم كل هذا الدعم انطلاقاً من تلك الرابطة المذكورة. لهذا، لا ينبغي الخلط بين قضيّة التدخّل والاستقلالية وتلك الوقائع الموجودة في هذا المجال.

 

الحقيقة هي أنّ هذين التيّارين العظيمين ـ تيّار النظام الإسلامي وفي قلبه تيّار الحوزات العلمية ـ هما تيّاران متّصلان ومترابطان ولهما نفس المصير، وعلى الجميع أن يعرفوا هذا. فاليوم، مصير العلماء والإسلام في هذه البقعة من الأرض مرتبطٌ ومتشابكٌ مع مصير النظام الإسلامي. فأية ضربة يتعرّض لها النظام الإسلامي ستكون حتماً خسارة للعلماء وأهل الدين وعلماء الدين أكثر من سائر أبناء الشعب. وبالطبع فإن النظام حيٌّ وشامخٌ وقويّ. وإني بثقة تامّة أقول إن النظام سيتغلّب على جميع التحدّيات التي تواجهه وسينتصر.

 

ماذا نعني بالتحوّل في الحوزات؟

القضيّة الأخرى المهمّة المطروحة والتي ينبغي تناولها بوضوح، هي قضيّة التحوّل في الحوزات، وهي قضية تُطرح منذ مدّة في الحوزة العلمية المباركة لمدينة قم. فماذا يعني هذا التحوّل؟ أيّ شيء تريد الحوزة القيام به تحت عنوان التحوّل؟ إذا كان التحوّل بمعنى تغيير الخطوط الأساس للحوزات ـ كتغيير منهج الاجتهاد ـ فهو قطعاً انحراف. إنّه تحوّلٌ لكنّه نحو السقوط. إنّ المنهج الاجتهادي الرائج اليوم في الحوزات العلمية الذي يعتمده علماء الدين هو من أقوى مناهج الاجتهاد وأكثرها منطقية، اجتهادٌ يعتمد على اليقين والعلم ويستند إلى الوحي، أي إنه يبتعد عن الظن، واستنباطنا

 

 

601


508

خطاب الولي 2010

هو استنباط علمي ويقيني. وهذه الظنون الخاصّة الموجودة يجب أن تكون حجّيتها كلّها يقينية وقطعية. حتى أن اعتبار الأصول العملية التي نُعملها في الفقه يجب أن يكون اعتباراً جزمياً وقطعياً. فما لم نصل إلى الجزم بالدليل القطعي باعتبار هذه الأصل العملي ـ الاستصحاب أو البراءة أو الاشتغال، كلٌّ في محلّه ـ لا يمكننا أن نُعمله. لهذا فإنّ جميع وسائل الاستنباط عندنا في الفقه تنتهي بالواسطة أو بغير الواسطة إلى القطع واليقين.

 

إن الاجتهاد عند الشيعة لا يعني الاعتماد على الظنون غير المعتبرة، فيكون كما ذكر قدماؤنا اجتهاداً بالرأي يعتمد على الظنون غير المعتبرة كالقياس والاستحسان وأمثالهما، وقد ألّفوا حوله كتباً، ككتاب (الردّ على أصحاب الاجتهاد في الأحكام)، لإسماعيل بن أبي سهل النوبختي، والسيد المرتضى في (الذريعة)، والشيخ في (عدّة الأصول) وغيرهم وغيرهم، رفضوا هذا الاجتهاد المبنيّ على الظنون غير المعتبرة. هذا الاجتهاد مرفوضٌ. واليوم نرفض هذا النوع من الاجتهادات لأيٍّ كان وتحت أي اسمٍ. وإن لم يكن هذا الأمر يرضي الدنيا، لا يهم، فإنّ هذا الكلام الفقهي ليس له زبائن في العالم، أو إذا ذكروا هذا صراحة أم لا لكنّهم في أعماقهم يريدون جرّهم إلى هذا الاستنباط الخاطئ وهو مرفوض. وللأسف يُشاهد في بعض الموارد هنا وهناك، أنّه لأجل مراعاة عُرف العالم المتمدّن ـ بالبعد المادّي بشكلٍ أساس ـ يتمّ العبث بعملية استنباط الأحكام الشرعية! بل أسوأ من ذلك أحياناً ومن أجل جلب قلوب أصحاب القِوى المادية ـ وليس فقط العُرف الشائع للعالم المادّي، بل عُرف القوى المادية والاستكبارية ـ يقدّمون الفتاوى: فالمساعي السلمية النووية للجمهورية الإسلامية تصبح ممنوعة لأنّها تبعث على سوء ظن القوى العظمى! حسناً، لقد أخطأوا ويسيئون الظن. (فليخسأوا أن يسيئوا الظن).

 

لو تمّ إعمال الاجتهاد وفق المنهج الصحيح المبني على الكتاب والسنّة، وبتلك المنهجية المنطقية المعقولة السليمة المدقّقة الناضجة فهو أمرٌ ممتاز. إن الاجتهادات، ولو استتبعت نتائج مختلفة، تؤدّي إلى الارتقاء والتقدّم. مجتهدونا وفقهاؤنا عبر تاريخ فقهنا، قدّموا آراء متباينة في المسائل المختلفة. فالتلميذ ينقض آراء أستاذه، ويأتي تلميذه لينقض عليه، فلا إشكال في ذلك، فهذا ما يؤدي إلى الارتقاء والتطور، ويجب

 

 

602


509

خطاب الولي 2010

هو استنباط علمي ويقيني. وهذه الظنون الخاصّة الموجودة يجب أن تكون حجّيتها كلّها يقينية وقطعية. حتى أن اعتبار الأصول العملية التي نُعملها في الفقه يجب أن يكون اعتباراً جزمياً وقطعياً. فما لم نصل إلى الجزم بالدليل القطعي باعتبار هذه الأصل العملي ـ الاستصحاب أو البراءة أو الاشتغال، كلٌّ في محلّه ـ لا يمكننا أن نُعمله. لهذا فإنّ جميع وسائل الاستنباط عندنا في الفقه تنتهي بالواسطة أو بغير الواسطة إلى القطع واليقين.

 

إن الاجتهاد عند الشيعة لا يعني الاعتماد على الظنون غير المعتبرة، فيكون كما ذكر قدماؤنا اجتهاداً بالرأي يعتمد على الظنون غير المعتبرة كالقياس والاستحسان وأمثالهما، وقد ألّفوا حوله كتباً، ككتاب (الردّ على أصحاب الاجتهاد في الأحكام)، لإسماعيل بن أبي سهل النوبختي، والسيد المرتضى في (الذريعة)، والشيخ في (عدّة الأصول) وغيرهم وغيرهم، رفضوا هذا الاجتهاد المبنيّ على الظنون غير المعتبرة. هذا الاجتهاد مرفوضٌ. واليوم نرفض هذا النوع من الاجتهادات لأيٍّ كان وتحت أي اسمٍ. وإن لم يكن هذا الأمر يرضي الدنيا، لا يهم، فإنّ هذا الكلام الفقهي ليس له زبائن في العالم، أو إذا ذكروا هذا صراحة أم لا لكنّهم في أعماقهم يريدون جرّهم إلى هذا الاستنباط الخاطئ وهو مرفوض. وللأسف يُشاهد في بعض الموارد هنا وهناك، أنّه لأجل مراعاة عُرف العالم المتمدّن ـ بالبعد المادّي بشكلٍ أساس ـ يتمّ العبث بعملية استنباط الأحكام الشرعية! بل أسوأ من ذلك أحياناً ومن أجل جلب قلوب أصحاب القِوى المادية ـ وليس فقط العُرف الشائع للعالم المادّي، بل عُرف القوى المادية والاستكبارية ـ يقدّمون الفتاوى: فالمساعي السلمية النووية للجمهورية الإسلامية تصبح ممنوعة لأنّها تبعث على سوء ظن القوى العظمى! حسناً، لقد أخطأوا ويسيئون الظن. (فليخسأوا أن يسيئوا الظن).

 

لو تمّ إعمال الاجتهاد وفق المنهج الصحيح المبني على الكتاب والسنّة، وبتلك المنهجية المنطقية المعقولة السليمة المدقّقة الناضجة فهو أمرٌ ممتاز. إن الاجتهادات، ولو استتبعت نتائج مختلفة، تؤدّي إلى الارتقاء والتقدّم. مجتهدونا وفقهاؤنا عبر تاريخ فقهنا، قدّموا آراء متباينة في المسائل المختلفة. فالتلميذ ينقض آراء أستاذه، ويأتي تلميذه لينقض عليه، فلا إشكال في ذلك، فهذا ما يؤدي إلى الارتقاء والتطور، ويجب

 

 

602


510

خطاب الولي 2010

تقوية هذا الاجتهاد في الحوزة. والاجتهاد لا يختص بالفقه، ففي العلوم العقلية وفي الفلسفة والكلام، اجتهاد أصحاب هذه الفنون ضروريٌّ، ولو لم يكن هذا الاجتهاد لأصبحنا مستنقعاً راكداً.

 

لا ينبغي أن تغيب الحوزة في هذا الزمان عن الساحات المختلفة للفلسفة والفقه والكلام في العالم. فكلّ هذه الأسئلة المطروحة في العالم وفي القضايا المختلفة تنتظر رد الحوزة، فلا ينبغي لها أن تغيب أو تنفعل، فهما مضرّان. إنّ التفكير المتجدّد ضروريٌّ، والإجابة عن الحاجات المستحدثة ضروريّة وهي تنهمر كالسيل في أرجاء العالم، ويجب أن توفّروا أجوبتها. يجب أن تكون إجاباتكم ناظرة إلى هذا الاحتياج وناظرة إلى الأجوبة التي تقدّمها المذاهب والفرق المختلفة أيضاً. فلو غفلتم عن أجوبتهم، لا يمكن لجوابكم أن يفعل فعله.

 

يجب أن تستنبطوا الأجوبة القوية والمنطقية والمقنعة، يجب أن تُعرض الأجوبة على العالم. وعلى الدوام يجب أن تُضخّ صادرات قم - كما قلنا: هي القلب المعرفي للعالم الإسلامي - واليوم لحسن الحظ فإنّ وسائل الاتصال السريع تحت تصرّف الجميع. وأنتم قادرون على القيام بشيء ها هنا، فيسمعكم ويستفيد منكم من يعيش في أقاصي العالم في نفس الساعة.

 

إن الحاجة موجودة على صعيد القضايا المختلفة، سواء بالنسبة للنظام الإسلامي أو على مستوى البلد أو العالم. إن تبيين الرؤية المعرفية للإسلام والفكر الاقتصادي والسياسي للإسلام، والمفاهيم الفقهية والحقوقية، التي تشكّل أركان ذلك الفكر الاقتصادي والسياسي، ونظام التعليم والتربية والمفاهيم الأخلاقية والمعنوية وغيرها وغيرها، يجب أن تُعدّ وتُهيّأ بصورة دقيقة وعلمية ومقنعة وناظرة إلى الأفكار الرائجة في العالم. هذا هو عمل الحوزات. وبالاجتهاد يصبح هذا الأمر عملياً. وإذا لم نقم بهذا العمل نكون قد ساعدنا بأيدينا على حذف الدين من ساحة الحياة البشرية، نكون قد ساهمنا بأنفسنا في عزل العلماء. هذا هو معنى التحوّل. وهذه الحركة الاجتهادية المتجددة أساس التحوّل.

 

 

603


511

خطاب الولي 2010

نماذج من التحوّل الإيجابي والسلبي في الحوزات

وأعرض هنا ما يُعدّ تحوّلاً ما لا يُعدّ كذلك، في المجالات الأخرى، أو بتعبيرٍ أفضل ما يُعدّ تحوّلاً صحيحاً وتحوّلاً خاطئاً. فكلامي دائماً كان وسيبقى ـ في السابق ذكرته عبر اللقاءات المختلفة مع فضلاء الحوزة ـ أنّ التحوّل والتغيّر أمرٌ حتمي وسيحصل. وفي يومنا هذا لا يوجد حصنٌ مانعٌ يحيط بأيّة مجموعة داخلية أو غيرها، غاية الأمر أن هذا التحوّل والتغير إمّا أن نديره ونوجّهه أو لا، بل نهمله. إذا تركناه خسرنا. يجب على أكابر الحوزة ومراجع التقليد والعلماء والمفكّرين والفضلاء أن يشمّروا عن ساعد الهمّة ويخطّطوا لهذا التحوّل ويقوموا بتوجيهه وإدارته. لهذا، فإنّ المعنى الأساس للتحوّل هو: الحركة التجديدية على صعيد المضمون.

 

من الممكن أن يُراد من التحوّل ـ أو أن يُفهم له ـ معنىً خاطئ، والذي يجب اجتنابه بشكل حتمي. لا يعني التحوّل الإعراض عن المناهج التقليدية شديدة الفعالية للحوزة في التعليم والتعلّم وتبديلها بالأساليب الرائجة في الجامعات اليوم، فمثل هذا التحوّل والتغير خطأٌ في خطأ، هو تراجعٌ.

 

في يومنا هذا بدأت مناهجنا التقليدية القديمة المختلفة تُعرف في كل العالم. بعضهم يروّج لهذه الأساليب من خلال التقليد أو الابتكار، فهل نأتي بالمناهج الجامعية المعتمدة عندنا والمستنسخة عن المناهج الغربية القديمة إلى الحوزة فنحكّمها؟ كلا، هذا لا نعدّه تحوّلاً، ولو حدث مثل هذا التغيير فإنّنا حتماً نعتبره رجعيّة وتخلّفاً، نحن لا نقبل هذا. لدينا في الحوزة العلمية مناهج ممتازة رائجة يُعمل بها منذ القِدم.

 

أسلوب الاختيار الحرّ للأستاذ من قبل الطالب. عندما يأتي الطالب إلى الحوزة يفتّش عن الأستاذ الذي يرغب به ويذهب إلى درسه. وأساس حركة الطالب هو التفكير والتدقيق والدراسة لا الحفظ. ومحورية الحفظ هي هذا الشيء الذي نعدّه اليوم بلاء التربية والتعليم الموجود عندنا، ونحن منذ مدّة نواجهه ونحاربه، ولم تتحقّق بعد النتيجة المطلوبة التي ينبغي. في الحوزة، فإنّ الأساس الذي نعتمد عليه هو التفكير. والطالب عندما يدرس فإنه قبل الدراسة يجري مطالعات مسبقة ويهيئ ذهنه لكي يسمع من أستاذه كلاماً جديداً وبعد الدرس يتباحث مع زميله فمرّة يدرّسه

 

 

604


512

خطاب الولي 2010

ومرّة يدرس عنده. لهذا يقر في الذهن.. وفي بعض الحوزات، كحوزة النجف، كانت كتابة تقرير الدرس أمراً رائجاً ـ وفي قم قليلاً ما يُعمل بهذا أو نادراً ـ حيث يقوم أحد الطلبة الفضلاء بعد درس الأستاذ بشرحه للطلاب المحتاجين مرّة أخرى. ولهذا ترون كم لهذا العمل من تأثيرٍ في تعميق العلم والمعلومات عند طلاب العلم. لا ينبغي تضييع هذه الأساليب، فهذا خسارة.

 

واحترام الأستاذ قضيّة أخرى. فإحدى السنن الرائجة في الحوزات العلمية هي تواضع التلميذ للأستاذ واحترامه.

 

يُكتب (آداب المتعلمين) ويُذكر فيه مسؤوليات المتعلّم تجاه المعلّم وحقوقه، وفي المقابل ما للمتعلّم من حقوقٍ على المعلّم. فلا يكفي أن يأتي الأستاذ ويقول كلمته ثمّ يمشي. كلا، بل يستمع إلى كلام التلميذ ويصغي. فهذه أمورٌ كان يُعمل بها منذ القدم. ومنذ زماننا كان هناك بعض الأعاظم وهم اليوم موجودون أيضاً، فالتلميذ يلازم الأستاذ بعد الدرس إلى بيته، يباحثه ويتحدّث معه ويسأله، وتكون "الكعدة" "كعدة علميّة" (ذكرها القائد باللهجة العراقية)، فالجلسة تكون جلسة تحقيقٍ وسؤالٍ وجواب. هذه من السنن الجيّدة لحوزاتنا. الآخرون يريدون أن يتعلّموها منا، فهل نقوم نحن باستبدالها بأساليب وسنن الآخرين المنسوخة والبالية؟! لهذا ينبغي أن تبقى هذه السنن وتزداد قوّة. التحوّل لا يعني تغييرها.

 

من الأشياء الضرورية في التحوّل الإيجابي أن نطبّق أنفسنا وسعينا ونشاطنا العلمي على الاحتياجات. فالناس يريدون منّا أن نجيب عن الأشياء التي يحتاجون إليها وعلينا نحن تأمينها. وهناك أشياء ليست مورد حاجة الناس، وهي من الإضافات والهدر في السعي، فلا ينبغي أن نشغل أنفسنا بها. إنّ هذه قضايا أساس جداً ومهمّة.

 

نحن نريد من الجامعات أن تطبّق نشاطها على حاجات المجتمع. فكلما التقينا بالجامعات والأساتذة والجامعيين نكرّر الأمر على مسامعهم، ونقول لهم طبّقوا فروعكم العلمية على حاجات المجتمع، وانظروا ما هي الأشياء المطلوبة، ومثل هذا الأمر يصدق على الحوزات بطريقٍ أولى.

 

القضية اللاحقة ترتبط بالنظام المسلكي والأخلاقي للحوزات، حيث ينبغي أن يكون هذا التحوّل ـ فيما لو تحقّق ـ ناظراً إلى هذه الجهة أيضاً. ويوجد هنا عدّة عناوين بهذا

 

 

605


513

خطاب الولي 2010

الخصوص دوّنتها، منها تكريم الأساتذة. يجب أن يتحرّك نظامنا المسلكي والأخلاقي في الحوزات بهذا الاتجاه، تكريم الأستاذ وتكريم العناصر الفاضلة وخصوصاً تكريم مراجع التقليد. فليس كل إنسان بمقدوره أن يصل بسهولة إلى مستوى مراجع التقليد المعظّمين، فهذا يتطلّب مؤهلات كثيرة. وفي الغالب فإن المراجع يُعدّون القمم العلمية للحوزات العلمية. لهذا يجب الحفاظ على احترام المراجع وتكريمهم.

 

القضية الأخرى في النظام المسلكي والأخلاقي في الحوزات هي الاستفاضة من المعنويات والتهذيب، وهذا مهمٌّ جداً. إن الشباب اليوم يحتاجون أكثر من أي وقتٍ مضى إلى التهذيب. فأولئك الذين يدرسون ويعملون في فروع علم السلوك العام، يؤيّدون هذا. في يومنا هذا أضحى الوضع في كل العالم حيث النظام المادي وضغط الماديات الذي يجعل الشباب يشعرون بالضيق والكآبة. في مثل هذا الوضع، يكون منقذ الشباب التوجّه إلى المعنويات والأخلاق.

 

إن السبب وراء نمو وانتشار أنواع العرفان الكاذب واستقطابها هو هذا، أي الاحتياج. إن شبابنا في الحوزات العلمية ـ سواء الذكور أو الإناث ـ يحتاجون إلى التهذيب. لدينا قممٌ في التهذيب. في نفس قم كان المرحوم الحاج الميرزا جواد الملكي والمرحوم العلامة الطباطبائي، والمرحوم بهجت والمرحوم بهاء الديني (قدس الله أسرارهم)، قمم التهذيب في الحوزة. فسلوكهم ومعرفة حياتهم وكلماتهم تُعدّ بذاتها من أكثر الأمور شفاء وباعثة على اطمئنان الإنسان ومانحة للسكينة والبصيرة ونورانية القلب. وكان في النجف أعاظم، سلسلة تلامذة المرحوم الآخوند الملا حسينقُلي إلى المرحوم السيّد القاضي وغيرهما، فهؤلاء عظماء، بمعزل عن مشاربهم الفكرية والعرفانية. والقضية هنا ليست قضية نظرية.

 

بعضهم كان له مشارب مختلفة. كان المرحوم السيّد مرتضى الكشميري قدس سره من أساتذة المرحوم الحاج الميرزا علي القاضي، ولكن مشربهما كان متفاوتاً بالكامل. فهو كان يمنع بشدّة من الحصول على كتابٍ بينما الآخر كان يعشقه، فلا مشكلة. هؤلاء الأعاظم الذين كانوا في مشهد، كانوا رجالاً عرفناهم بالتقوى والطهارة والنزاهة. المرحوم الحاج الميرزا جواد الطهراني، والمرحوم الحاج الشيخ مجتبى وأمثالهما كانوا

 

 

606


514

خطاب الولي 2010

كذلك. والأساس هو شفاء القلب الصدئ بلسانٍ معنوي وكلامٍ نابعٍ من القلب يزيله، لهذا فنحن لا دخل لنا هنا في أنواع العرفان النظري. وقضية أخرى في مجال النظام المسلكي والأخلاقي للحوزة هي قضية التوجّهات والمشاعر الثورية في الحوزة.

 

أعزائي! إنّ لأجواء الثورة في البلد أعداء معاندين وحقودين. يعارضون حاكمية الجو الثوري في البلد، ويريدون القضاء عليه. لقد رأيتم كيف أن الشهادة في بعض الأزمنة أضحت مورد تشكيك ومساءلة وكذلك الجهاد والشهيد وآراء الإمام والأنبياء! ليست القضية أنّ فلاناً أو فلاناً مخالفان لهذه المفاهيم، بل إن هذه المخالفة والمعارضة كما يرى العدو يجب أن تُطرح في المجتمع لخلق بيئة وتحطيم الجو الثوري. وفي الحوزة العلمية يجب على الجميع الالتفات إلى هذه القضية، في صلب المجتمع على هذا المنوال وكذلك طبعاً في الحوزات العلمية. يعلمون أنكم لستم أفراداً معزولين بل لكم جمهوركم ومحبوكم، لهذا أنتم تؤثرون في محيطكم. يريدون شقّ هذا الجو الثوري وعزل العالِم الثوري. فاستحقار التعبئة والشهداء والشهادة والتشكيك بالجهاد المديد لهذا الشعب فيما لو حصل ـ لا سمح الله ـ في زوايا الحوزة لكان كارثة.

 

على كبار الحوزة أن يراقبوا دائماً وينتبهوا ويمنعوا من حصولها. ونقطة أخرى أوجّهها إلى الشباب المتحمسين والثوريين في الحوزة حيث إنّ الحوزة بمعظمها تشتمل على أمثال هؤلاء. أعزّائي إن المستقبل لكم وأنتم أمل مستقبل البلد. يجب عليكم أن تكونوا متنبهين جداً. صحيحٌ أن الطلبة الشباب الثوريين هم أهل العمل والنشاط وليسوا أهل التسويف والتأجيل، لكن ينبغي أن نلتفت لئلا تستجلب الحركة الثورية تُهمة التطرّف. فعلينا اجتناب الإفراط والتفريط.. وعلى الشباب الثوريين أن يفهموا أنه مثلما يكون الانزواء والسكوت واللامبالاة مضرّاً، كذلك يكون الإفراط. فانتبهوا من أن يتحوّل الأمر إلى إفراطٍ. لو أنّ ما ذُكر في التقرير، من أن هناك بعض مقدّسات الحوزة وبعض أكابرها ومراجعها قد تعرضوا للإهانة، كان صحيحاً، فاعلموا أن هذا انحرافٌ حتمي وخطأ. فالثورية لا تقتضي مثل هذا.

 

إن الثوري ينبغي أن يكون بصيراً ومدركاً لتعقيدات ظروف زمانه. وليست القضية

 

 

607


515

خطاب الولي 2010

الفقه مسؤوليات وللفلسفة مسؤوليات كبرى تقع على العاتق، كانت راية الفلسفة الإسلامية بيد الحوزات العلمية وينبغي أن تكون كذلك، وتبقى. لو أنّكم تركتم هذه الراية على الأرض فإنّ الآخرين الذين قد لا يكونون مؤهلين سيحملونها، فيقع تدريس الفلسفة وعلم الفلسفة بأيدي أولئك الذين قد لا يتمتّعون بالمؤهلات اللازمة لذلك. اليوم، لو أنّ نظامنا ومجتمعنا حُرم من الفلسفة فإنّه سيصبح مقابل هذه الشبهات المختلفة وتلك الفلسفات الواردة عارياً بلا دفاع. ذاك الشيء الذي يمكن أن يقدّم لكم الأجوبة ليس في الفقه في الأغلب، بل العلوم العقلية، الفلسفة والكلام، فهي ضرورية، وفي الحوزة تُعدّ من الفروع المهمة. والفرع المهم الآخر هو التفسير والأنس بالقرآن والمعارف القرآنية، لا ينبغي أن نبقى محرومين من التفسير. إن درس التفسير مهم وكذلك درس الفلسفة فهما فرعان ذوا قيمة عظيمة.

 

ظاهرة الطلبة الأخوات ظاهرة عظيمة ومباركة

النقطة الأخرى فيما يتعلّق بظاهرة الطلبة الأخوات، هي ظاهرة عظيمة جداً ومباركة، آلاف العالمات والمحقّقات والفقيهات والفيلسوفات يتمّ إعدادهن في الحوزات العلمية للنساء، فأيّة حركة عظيمة ستكون هذه؟ انظروا إلى نظرة العالَم المادي إلى ظاهرة المرأة وجنس النساء كم هي نظرة سيّئة واستحقارية ومنحرفة. فحضور العالمات الإسلاميات في الميادين المختلفة ـ كحضور العالمات الصالحات والواعيات الجامعيات اللواتي هنّ من أهل الدين والشرع ـ له آثارٌ عظيمة جداً في العالم وهو يُعدّ سُمعة حسنة للثورة. فعلى النساء أن يدرسن جيّداً. وبالطبع لا ينحصر الهدف النهائي لدراستهنّ في صيرورتهنّ مجتهدات أو فيلسوفات ـ من الممكن أن يرغب بعضهن ويكون لديهنّ الاستعداد والوقت وبعضهم الآخر ليس كذلك ـ بل يمكن أن يكون الأمر في مجال المعارف الإسلامية والقرآنية التي يمكن أن تكون مفيدة لهنّ ولغيرهنّ.

 

اللهم، اجعل كل ما قلناه وسمعناه لك وفي سبيلك.

 

اللهم، أفضْ على هذه الكلمات والمسموعات وهذه الحركة العظيمة في الحوزة من لدنك البركة.

 

609


516

خطاب الولي 2010

اللهم، اجعل عملنا وقولنا وحركتنا تحت ظلّ توجّه ورضا وليّك، فارضِ عنا قلبه المقدّس، واشمل برحمتك وبركتك روح إمامنا العظيم المطهّر والشهداء الأعزّاء الذين هم فاتحو هذا الطريق.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

610


517

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء مجاهدي تعبئة البناء

 

 

المناسبة:   لقاء مجاهدي تعبئة البناء

الحضور:  جمع من مجاهدي تعبئة البناء

المكان:   قمّ

 

الزمان:    30/07/1389هـ.ش.

13/11/1431هـ.ق.

22/10/2010م.

 

 

611


518

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء مجاهدي تعبئة البناء

 

 

المناسبة:   لقاء مجاهدي تعبئة البناء

الحضور:  جمع من مجاهدي تعبئة البناء

المكان:   قمّ

 

الزمان:    30/07/1389هـ.ش.

13/11/1431هـ.ق.

22/10/2010م.

 

 

611


518

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أولاً، أقول لكم مرحبا بكم أيها الشباب الأعزّاء؛ أبنائي إخواني وأخواتي الفعّالين الملتزمين الذين بحضوركم وطاقاتكم وشبابكم وحماسكم وإيمانكم أضفيتم الرونق على البلد والمجتمع وهذه الحقبة الزمنية وها أنتم تعزّون التاريخ. بدايةً، أذكر جملةً ترتبط بعلوّ المكانة التي أنتم عليها اليوم أيّها الشباب الأعزّاء؛ سواءٌ هذا الجمع الحاضر في هذا المحفل الحميم أو عشرات الآلاف ولعلّه مئات الآلاف من الشباب الذين يسلكون هذا المنهاج والطريق وليسوا حاضرين هنا اليوم. وهذه الجملة هي: أعزّائي إنّ كلّ إنسان يغبطكم على شبابكم وعهد الشباب الذي تمرّون فيه عند هذه المرحلة. فالشباب والفتوّة مرحلةٌ عزيزة وقيّمة تعبرونها وهي تبعث الغبطة في كلّ من عبرها.

 

في يومنا هذا، نتساءل كيف يعيش شباب الدنيا، الذين هم في مثل عمركم، هذه المرحلة العزيزة والقيّمة على صعيد الأحاسيس والتوقّعات والأماني والنشاطات. ففي أكثر الدول تطوراً، يغطّي غبار اليأس والإحباط والعبثية الحياة الجميلة للشباب؛ الكثير منهم ليس لديه هدف سوى الوصول إلى الأماني الضيّقة والمبتذلة على الصعيد المادّي؛ فلا هم يلتذّون بخدمة الناس ولا هم ينفقون هذه الطاقة الشبابية العظيمة والنادرة على المسار الذي تليق به؛ والكثير منهم فقدوا الأهداف السامية فضلاً عن عدم وجود هدفٍ من الأساس؛ وها هم يطوون بساط الحياة مستغرقين في الماديات والشهوات الزائلة التي ليس من ورائها إلا الندم؛ وهم لا يعرفون شيئاً عن تلك الروح المعنوية المتلألئة التي يتمتّع بها الشاب المؤمن والعاشق للخدمة والمتوجّه إلى مبدأ العشق والجمال والحقيقة. إن شبابكم بالنسبة لأمثال هؤلاء ـ لو كانوا يمتلكون البصيرة ـ جديرٌ بالغبطة.

 

فاعرفوا قدر هذه المرحلة وهذه التوجّهات وهذه الروحية؛ واعرفوا قدر نعمة

 

613


519

خطاب الولي 2010

 الخدمة والاستطاعة، والتي حباكم الرب المتعال بها؛ فاشكروا الله واسألوه أن يزيدكم من هذه الثروة المعنوية. واعلموا أنّ كل مجتمعٍ أو بلدٍ يمتلك مثل هذا الرأسمال العظيم والقيّم فإنّه ولا شك سيتمكّن من الوصول إلى أعلى قمم العزّة والعظمة. وهذا هو المصير الحتمي لمجتمعكم وشعبكم.. والعامل المؤثّر والمحرّك هو هذه الروحية التي تمتلكونها.

 

حسناً، أذكر جملةً ترتبط بهذه الحركة العظيمة لتعبئة البناء ومخيّمات الهجرة التي بدأت رسميّاً قبل عشر سنوات. بالطبع يجب أن أقرّ بأنّ هذا العمل قد بدأ من الشباب أنفسهم، فقد بدأ هذا التحرّك من قبل الشباب الجامعيين والطلّاب من القطاعات المختلفة؛ وقبل عشر سنوات وصلنا تقريرٌ حول هذه الحركة الجميلة والمهيبة وأدّى إلى إيصال نداء تعبئة البناء إلى سائر شباب البلد. أي أن هذه الحركة كانت حركة شعبية فوّارة تماماً مثل جهاد البناء في بداية الثورة. ففي جهاد البناء بدأ الشباب من أنفسهم وتحرّكوا نحو القرى لتقديم الخدمات في تلك الأوضاع الشديدة التعقيد والصعوبة. وهذه الحركة هي التي شجّعت إمامنا العظيم لتأسيس جهاد البناء. فعمل الناس يلهم المدراء والمسؤولين على التحرّك.

 

حسناً، ما هو العامل المؤثّر هنا؟ إنّه العشق والإيمان، البصيرة والهمّة التي تمثّل الأعمدة الأساسية. العشق والإيمان. فمن لا إيمان له لا يمكنه أن يجسّم محوراً لتحرّكه. ومن ليس لديه الشعور القلبي المحب والعميق، لا يمكنه أن يستمرّ على هذا التحرّك. ومن ليس له همّة فإنّه يكتفي بالأعمال الصغيرة والتطلّعات المحدودة ولا يعلّق بصره بأعلى القمم. ومن ليس له بصيرة فإنّه يسير على الطريق الآخر؛ لو كان يتمتّع بالعشق والإيمان فإنّه ينفقهما على الطريق الغلط ويتحرّك تحركاً منحرفاً. فالعشق والإيمان والهمّة والبصيرة، كلّ هذه هي التي قدّمت الثورة إلى شعبنا ومجتمعنا، فتحققت الثورة التي هي تلك الشجرة الطيّبة التي ذكرها القرآن: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماء تُؤْتي‏ أُكُلَها كُلَّ حينٍ بِإِذْنِ رَبِّها﴾[1]،

 

 


[1]سورة إبراهيم، الآية 24.

 

614


520

خطاب الولي 2010

فالكلمة الطيبة تشبه الشجرة الطيبة والسالمة التي لها جذورٌ عميقة ومستحكمة ولها جذعٌ وفروعٌ كثيرة وتثمر بحسب كل فصلٍ وطبق الحاجة لتقدّم ثمارها إلى المجتمع. هذه هي الكلمة الطيّبة؛ وهكذا هي الثورة. إنّ الحركة الثورية التي وضعها بين أيدينا إمامنا العظيم ـ ذلك السائر الحقيقي على طريق الطيّبين والأولياء والشهداء والمعصومين والصدّيقين ـ هي تلك الكلمة الطيبة.

 

فيوماً تكون الحاجة إلى التحرّك الدفاعي في قلب المجتمع، ويوماً تكون الحاجة إلى التحرّك الدفاعي على ثغور الوطن، ويوماً تكون الحاجة إلى العلم والمعرفة، ويوماً تكون الحاجة إلى تثبيت العقائد والإيمان، ويوماً تكون الحاجة إلى الخدمة؛ ففي جميع هذه الظروف يتمّ وضع الثّمار المتناسبة مع موسمها بين أيدي الناس. هذه هي حركة الثورة.

 

ظنّ البعض أنّ الثورة أصبحت أمراً قديماً أو أنها تشيخ. أعلنوا أن الثورة انتهت! هم الذين انتهوا. هم الذين فقدوا ذخائرهم ولم يعودوا قادرين على الإستمرار في المسير.. لقد قارنوا العالم والمجتمع والثورة بأنفسهم وأخطأوا. ﴿نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ﴾[1]. فالإنسان عندما يقطع علاقته بالله، لن يتمكن بعدها من معرفة نفسه. فكيف بالمجتمع وكيف بالأهداف والآمال.. كيف يقطع الإنسان علاقته مع الله؟ ذلك عندما يغلبه الهوس والدوافع المادية ومحورية الذات؛ فتصبح هذه التعلقات مثل بيت العنكبوت، تحيق بالحشرة الضعيفة لهمّتهم وإيمانهم؛ وعندئذ يتوقفون. كان لدينا مثل هؤلاء في الماضي وسيكون لدينا أمثالهم في المستقبل؛ فهم الساقطون. أولئك الذين يتراجعون عن طريق الثورة ومسيرها ليسوا بالضرورة ممن كانوا منذ البداية عاقدي العزم على معاداة الثورة. عندما تتغلّب الدوافع المادّية على الإنسان فإنّه يتوقّف وسط الطريق؛ عندما تصبح الأهداف الحقيرة والشخصية ـ من الوصول إلى المال والمنال ونيل التجمّلات والوصول إلى الرئاسة ـ هدفاً للإنسان، فإنه ينسى الهدف الأصلي.

 

 


[1] سورة الحشر، الآية 19.

 

 

 

615

 


521

خطاب الولي 2010

أثناء المسير عندما نكون بصدد الوصول إلى هدف ما أو مقصد، لو صادفنا مرجاً أخضراً أو نبعاً أو مقهىً جيداً وتعبت أقدامنا، وظننّا أنّها الهدف والمقصد واستأنسنا بهذه اللحظة التي نقضيها هناك، فإنّنا سننسى الهدف ونتوقّف على الطريق. كان هذا بلاءً نزل بالبعض وها هم يقارنون أنفسهم بغيرهم. فقالوا أن الثورة قد انتهت وأن الإمام قد نُسي: إنّهم مخطئون. فالثورة حقيقةٌ إلهيّة مبنيّةٌ على الإيمان والمشاعر العاشقة والبصيرة. فهل يمكن أن تنتهي؟ لهذا قلتُ مراراً والآن أقول: إنّ جيل الشباب في يومنا هذا الذي يمثّل الجيل الثالث للثورة إن لم يكن أقوى إيماناً وأشدّ حماساً وأظهر بصيرةً من شباب الجيل الأول، فإنّه باليقين ليس بأقل.

 

في ذلك اليوم، كان الكثير من الأفراد ينزلون إلى الميادين ولم يتمكّنوا من البقاء. أمّا شباب اليوم فمع كل تلك الوساوس والإلقاءات ومع كل هذه الوسائل التي تشيع التوجّهات الماديّة والشهوانية وعبادة الأنا، فإنهم عندما يصل الأمر إلى أداء التكليف، يظهرون مثل هذه التضحية والإيثار وتحمّل المسؤولية. إنّ هذا له قيمة عظيمة؛ له قيمةً عظيمة.

 

فاعرفوا قدر تعبئة البناء ومخيّمات الهجرة هذه. وأنتم الذين تمثّلون المحاور الأساسية لهذا التحرّك العظيم إعرفوا قدرها. فكونوا شاكرين للرب المتعال. وليعرف المسؤولون وغيرهم والمدراء وأولئك الذين يتولّون زمام الأمور قدر هذا التحرّك العظيم. ها هو العام الدراسي، فادرسوا جيّداً وليكن ذلك مع الأبحاث والتحقيقات واخلقوا قصد الوصول إلى القمم العلمية، وأغنوا أوقات الفراغ بساعاته وأيامه ولياليه بهذا التحرّك العظيم والجميل في خدمة الناس.

 

إنّ من بركات مخيّمات الهجرة والحركة العظيمة لتعبئة البناء إيصال الخدمات إلى ملايين الناس الذين يستفيدون منها بصورةٍ مباشرة؛ من الناحية المادية، وبلحاظ أمور المعاش اليومية، وبلحاظ المعنويات والهداية. أنتم لو لم تعطوا درساً في القرآن هناك، فإنّ نفس حضور الشاب المؤمن والمتديّن والملتزم بين الشرائح القروية والشباب والناس يمثّل تجسيداً لآيةٍ قرآنية؛ هذه الأمور هي التي تسوقهم إلى الدين والثورة والمعنويات،

 

 

616


522

خطاب الولي 2010

"كونوا دعاة الناس بغير ألسنتكم"[1]، فأنتم بعملكم تدعون الناس إلى الإيمان والإسلام والدين. هذا هو معنى تقديم الخدمات سواءٌ على الصعيد المادي أو المعنوي. والأهم هي تلك الخدمة التي تقدّمونها لأنفسكم حيث تتحول الطاقات الكامنة فيكم من القوّة إلى الفعليّة. فتكتسبوا الخبرة وتتعرّفوا على حياة الناس، وتتحطّم بذلك السدود والحواجز الطبقية وهناك تتلمّسون وقائع الحياة، وتشعرون في أنفسكم بالشغف والبهجة من جرّاء تقديم الخدمات وتحيون هذه الأحاسيس في وجودكم. فالذي يذوق لذّة الخدمة والعمل لا يتعب من العمل. مثلما ذكر الإخوة الأعزّاء في التقارير، وأنا أيضاً اطلعت عليها في التقارير السابقة؛ فإنّ الشاب الذي يكتشف هذه اللّذّة في نفسه لا يتعب من الخدمة؛ هذه هي الفائدة الثانية التي هي فائدةٌ عظيمةٌ جدّاً.

 

الفائدة الثالثة هي أنّكم ستصبحون سفراء العمل والسعي. فعندما تتواجدون في أي محيطٍ أو بيئة؛ سواءٌ في البوادي أو الجبال أو المناطق البعيدة وتعملون بين المحرومين فإنّ الشاب الذي يعيش هناك سيستلهم منكم وتصبحون بذلك سفراء السعي والعمل والخدمة والجهاد والمجاهدة. ﴿وَمَنْ أَحياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَميعاً﴾[2]، أنتم تحيون القلوب وهذه فائدة كبرى. ويوجد فوائد كثيرة في هذا العمل فحافظوا على هذا التيّار العظيم.

 

أعزّائي! إنّ بلدكم وشعبكم يمرّ بمنعطف تاريخي خطر. ثلاثون سنة ونحن على هذا المنعطف وقد وصلنا إلى نقاطٍ خطرة وعبرناها. لكنّها لم تنتهِ. وهذه النقطة التاريخية الحسّاسة لا تنحصر بتاريخ إيران، بل تشمل تاريخ الأمّة الإسلامية. فالأمّة الإسلامية إبتُليت بالركود طيلة قرون وتمّ تحقيرها وتخلّفت عن قافلة التمدّن وابتُليت بالبعض أو بالكثير من الحكّام الفاسدين والمستبدّين، واليوم قد حان زمن قيام الأمّة الإسلامية بتخليص نفسها من هذه المشاكل وجميع هذه الأدران وكل هذه الإبتلاءات. وشعب إيران قد خطا الخطوة الكبرى الأولى. والعالم هو عالم التزاحم والحروب والصراعات المادّية بين القوى؛ والقوى (العالمية) لا تريد للشعوب المستقلة أن تنهض وتشعر

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج67، ص309.

[2] سورة المائدة، الآية 32.

 

617


523

خطاب الولي 2010

بهويتها وحضورها وترفض السكوت والتعطّل؛ وخصوصاً إذا علموا ما في الأمّة الإسلامية من طاقات كامنة نابعة من الأحكام الإسلامية؛ لهذا فإنّهم يصطفّون كما شاهدتم. فمنذ بداية الثورة الإسلامية بدأ الإصطفاف داخل جبهة المستبدّين الدوليين المنهومين مقابل شعب إيران العظيم والشجاع. يتظاهرون بأن الهدف هو إيران، لكن الهدف هو الإسلام، الهدف هو الأمّة الإسلامية. يعلمون أنّ محرّك هذه الحركة العظيمة هو المعنويات والقرآن والإسلام لهذا فإنّهم يواجهون الإسلام والقرآن. وبالطبع، فإنّ رأس الحربة هو شعب إيران؛ لهذا يوجّهون الضربات إلى رأس الحربة. لكنّ هذه الطاقة العظيمة الرائدة ومع مرور أكثر من ثلاثة عقود ما وهنت أو ضعُفت ولا تزلزلت عزيمتها أو تراجعت، بل تسارعت خطواتها أكثر.

 

لقد قلت مراراً، وقولي ليس مجرّد شعار، أنّ الواقع يقول بأنّنا أصبحنا اليوم على صعيد الهمّة والبصيرة والإقتدار في شتّى المجالات أفضل بدرجات مما كنّا عليه قبل ثلاثين سنة. فوجهة الثورة وروحها وتوجّهاتها في أوساطنا لم تُصبها الشيخوخة؛ الأمر الذي يأملونه. والشاهد والدليل هو هؤلاء الشباب، فأفضل الشواهد هو أنتم أيها الشباب الأعزاء؛ هذا الجيل المتحرّك والطموح مع ما يمتلكه من بصيرةٍ وهمّةٍ ووعيٍ بتواجده في شتى الميادين.

 

فإذا كان الكلام حول الأعمال التقنية المعقّدة يأتي ذكر هؤلاء الشباب؛ وشبابنا هم الذين يديرون الطاقة النووية، وشبابنا هم الذين ينشطون في مجال الخلايا الجذعية، وفي التكنولوجيا الحيوية، وتكنولوجيا النانو، وأنواع وأشكال التكنولوجيات، فأينما جلنا يكون الشباب؛ الشباب الذين ما شهدوا الحرب ولا الإمام ولا يحملون من ذكريات حول أوائل الثورة. فهذه الحركة إذاً هي حركةٌ فوّارة وطموحة. وإذا جئنا إلى ميادين الخدمة والعمل والسعي فسنشاهد هذه الحركة العظيمة لتعبئة البناء؛ وإذا وصلنا إلى ميدان السياسة وإعلان الحضور فإننا نشاهد حركة التاسع من شهر دي وتحركات ذكرى إنتصار الثورة والمشاركة العظيمة في الإنتخابات؛ فماذا تعني كل هذه الأمور؟ إن معناها هو أنّ شبابنا اليوم، الذين يمثّلون الأغلبية الساحقة من شعبنا وسائر أبناء الشعب، يتحرّكون على طريق الثورة الإسلامية ووفق نبضاتها تحركاً تصاعدياً. لهذا، فإننا تطورنا.

 

 

618


524

خطاب الولي 2010

والعدو يقف في المقابل تماماً، فقد كان في ذلك الزمان أقوى وهو اليوم أضعف؛ في ذلك الزمان كانت آماله أكبر وكان يقول بأنه سيقضي على الثورة والنظام في ثلاثة أيّام، ثم بعدها كان يقول أنّه سيفعل ذلك في غضون أسبوع وبعدها صار يقول إنه سيحقق ذلك في مدة شهرين؛ واليوم لا يسمع أحدٌ مثل هذا الكلام الجزاف منهم؛ فأصبحوا يائسين وتراجعوا. فهذه الحركة هنا إذاً هي حركةٌ تتجه نحو الأمام. وها نحن نتقدّم في هذا المنعطف التاريخي العظيم باحتياطٍ وتدبيرٍ وحذر وقوّةٍ كبيرة. وهذا ببركة عدّة عوامل أساسية؛ أحدها أنتم أيها الشباب. أنتم الذين تتقدّمون بهذا البلد. فأحد المحرّكات القويّة الدافعة هو حضور الشباب وتواجدهم. وعلى الجميع أن يقدّروا هذا التواجد. وإن شاء الله يزداد انتشار هذه الروحية بين شبابنا يوماً بعد يوم؛ سواءٌ بين الفتية أو الفتيات؛ وسواءٌ في المحيط الجامعي أو داخل المدارس والثانويات، أو في البيئات الإجتماعية المختلفة. وسوف يحصل هذا الأمر. فالكلام المحبط والناشئ من اليأس ـ الذي غالباً ما يكون ناشئاً من يأس وإحباط قائله ـ لن يصل إلى أي نتيجة.

 

هذه الأيّام هي أيّام ذكرى بداية الحرب المفروضة. لثمان سنوات تكاتفت القوى العسكرية العالمية ضدّ إيران. صحيحٌ أن أمريكا والإتحاد السوفياتي البائد لم يرسلوا جنودهم إلى ميادين الحرب ـ لم يفعلوا لأنهم لم يحتاجوا إلى ذلك. فشعب العراق المسكين كان أسيراً لهم ـ ولكنهم كانوا يرسلون المعدّات والخطط الحربية والصور الفضائية المرتبطة بحالات الجبهة إلى صدّام ويزوّدونه بالمال ويؤمّنون له التغطية السياسية، كانوا يختلقون كل ما يخطر على بالهم من أكاذيب وشائعات ودعايات ضد الثورة والإمام والنظام وينشرونها. لقد قاموا بكل هذه الأعمال، ثم ماذا كانت النتيجة؟ أين هو صدّام اليوم؟ صدّام الذي صنعوه من أجل مواجهة شعب إيران العزيز والثورة والإمام العظيم أضحى أولاً ذليلاً، ثمّ بعدها منكوباً واختفى من هذه الدنيا. أما الإمام فهو حيٌّ والثورة حيّةٌ وأبناء الإمام أحياء وكذلك شعب الإمام. هذه تجربةٌ.

 

إن كلّ أولئك الذين يتصدّون ويجعلون من أنفسهم دعائم الجبهة الإستكبارية العالمية مقابل إيران الإسلامية سيلاقون نفس المصير. فهذه تجربةٌ؛ وسوف تتكرّر في المستقبل. سيبقى الإمام حيّاً وكذلك الثورة وأنتم؛ أما أعداؤكم فسينتكبون، ويخرجون

 

619


525

خطاب الولي 2010

من المسيرة بنكبةٍ. هذه الحركة يجب أن تصل إلى القمم العليا لأهداف الثورة؛ وسوف تصل بفضل الله وبحوله وقوّته.

 

فاعرفوا قدر أنفسكم وقيمة هذا الطريق؛ واجعلوا روابطكم القلبيّة الصافية والنقيّة مع الله أقوى يوماً بعد يوم؛ واطلبوا العون والمدد من الربّ المتعال. وارفعوا الشعور بالمسؤولية الموجود فيكم حتى يترك أثراً فيمن حولكم كنقطةٍ مشتعلةٍ تضيء ما حولها. أينما كنتم في محيط الأسرة أو العمل أو الدرس أو المجتمع أتركوا أثراً فيمن حولكم. ويوماً بعد يوم، سيزداد لطف الرب المتعال اتساعاً ولن يرفع الحقّ تعالى يد لطفه عن رؤوسكم أيها الشعب العزيز، إن شاء الله تعالى. نأمل أن يشملكم دعاء بقية الله أرواحنا فداه جميعاً. حفظكم الله جميعاً أيها الأعزاء إن شاء الله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

620


526

خطاب الولي 2010

 

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء رئيس وأعضاء جماعة مدرّسي الحوزة العلمية في قمّ

 

 

 

 

المناسبة:   لقاء رئيس وأعضاء جماعة مدرّسي الحوزة العلمية في قمّ

الحضور:  رئيس وأعضاء جماعة مدرّسي الحوزة العلمية في قمّ

المكان:   قمّ

 

الزمان:    01/08/1389هـ.ش.

14/11/1431هـ.ق.

23/10/2010م.

 

 

621

 


527

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

التقى سماحة الإمام السيّد عليّ الخامنئيّ دام ظله خلال زيارته لمدينة قمّ المقدّسة، رئيس وأعضاء جماعة مدرّسي الحوزة العلمية في قم، وفيما يأتي أبرز ما قاله:

على جماعة مدرّسي الحوزة العلمية في قمّ أن تحافظ على هويتها القوية لتبقى خطاً مميزاً للحوزة ولكل المناخ العام في البلاد.

 

في ذلك العهد الصعب خرجت جماعة المدرّسين من الامتحان مرفوعة الرأس بإصدارها بيانات تؤيد الإمام الخميني قدس سره وتسديدها فواتير توقيع هذه البيانات، وبعد انتصار الثورة الإسلامية أصرّت هذه الجماعة على خط الإمام في فترة اختلطت فيها الخطوط. وإن جهود بعض الأفراد والتيّارات في الأعوام الأولى للثورة الإسلامية لحلّ جماعة المدرّسين كان بسبب صمودها على الخط المستقيم للإمام الراحل قدس سره وتأثيرها، فجهاد جماعة المدرّسين وتنويرها كان له تأثير مهم في سياق التاريخ وحركة الثورة الإسلامية.

 

من الواجبات المهمّة لجماعة مدرّسي الحوزة العلمية في قم الحفاظ على العلاقات مع المراجع العظام وتعزيزها، ذلك أن جماعة المدرسين هي منبت المراجع المحترمين، وبعضهم كانوا من أعضاء جماعة المدرسين. على جماعة مدرّسي الحوزة العملية في قم -عن طريق الاستقطاب المستمر للطلبة النخبة والفضلاء المميّزين في الحوزة- تشكيل كيان قوي وواسع وكفوء لها، حتى تستفيد من آرائهم وتصوّراتهم في الموضوعات المختلفة.

 

أرى أن جانباً من النواقص الموجودة في الساحة الثقافية وخصوصاً الإذاعة والتلفزيون والتربية والتعليم أمر يرجع إلى رجال الدين والحوزة العلمية، ذلك أن واجب رسم الخطوط والاتجاهات الثقافية الصحيحة والمتطابقة مع القيم والمعتقدات

 

 

623


528

خطاب الولي 2010

الدينية يقع على عاتق رجال الدين والحوزة العلمية.

 

تواجد رجال الدين في الإذاعة والتلفزيون ليس بمعنى المحاضرات والوعظ والخطب فقط، بل يجب أن يكون تواجداً عميقاً ومؤثراً.

 

القيام بهذه الوظيفة المهمّة بحاجة إلى مجموعة من رجال الدين المطّلعين على القضايا الفنية وخصوصاً كيفية بروز الانحرافات في هذه القضايا، وعارفين بسبل الحؤول دون وقوع هذه الانحرافات في التوجهات الثقافية والفنية.

 

المقدمة اللازمة لتشكيل مثل هذه المجموعة من رجال الدين المستشارين وأصحاب الاختصاص والرأي، والواعين والقديرين في الإذاعة والتلفزيون هي إمكانية إعمال آرائهم وتوجيهاتهم الصحيحة في البرامج.

 

لرجال الدين والحوزة العلمية واجبات مهمّة وحسّاسة في هذه الشبكة الثقافية والتربوية، وعليها إعداد طاقات وكوادر لها القدرة على التأثير والتوجيه الثقافي الصحيح في التربية والتعليم.

 

الحوزة العلمية باعتبارها قلب رجال الدين الشيعة بمقدورها توفير إمكانيات واسعة للنظام الإسلامي بخصوص القضايا الإعلامية والتربوية والتعليمية.

 

 

624


529

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء آلاف الأفراد من التعبئة

في محافظة قم

 

 

 

المناسبة:   لقاء آلاف الأفراد من التعبئة في محافظة قم

الحضور:  آلاف الأفراد من التعبئة في محافظة قم

المكان:   قمّ

 

الزمان:    02/08/1389هـ.ش.

15/11/1431هـ.ق.

24/10/2010م.

 

624


530

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين المعصومين لا سيما بقية الله في الأرضين. السلام عليك يا سيدتي ويا مولاتي يا فاطمة المعصومة يا بنت موسى بن جعفر سلام الله وسلام ملائكته وعباده المنتجبين عليك وعلى آبائك المطهرين.

 

إن تجمع التعبويين الأعزاء بقلوبهم الدافئة والوفية وإراداتهم الراسخة وعزائمهم المتينة في هذا المكان المقدس وبحضور الروح الطاهرة للسيدة الجليلة المعصومة ابنة موسى بن جعفر عليه السلام يعدّ بحد ذاته مؤشراً وعلامة وراية لإبراز عظمة النظام الإسلامي وتقدمه إلى الأمام.

 

لو لم يكن لنا من دليل على حياة النظام الإسلامي ونشاطه وإرادته القوية وأهدافه وتقدمه إلى الأمام سوى حضور الملايين من الشباب المتحمس المؤمن الصادق ذي البصيرة من كل أنحاء البلاد، تحت عنوان التعبئة، لكفى ذلك للدلالة على أن هذا النظام وهذه الحركة العظيمة للشعب الإيراني منيعة محصنة مقابل أعقد المؤامرات وأخطر تحركات الأعداء. وهذا بالطبع ليس شعاراً إنما هو كلام مستند إلى الأدلة المنطقية.

 

التعبئة إحدى الآيات الإلهية التي أعطاها الله تعالى لذلك العبد الصالح والرجل الكبير والشخصية النادرة المنقطعة النظير في تاريخ الإسلام من بعد الأئمة عليهم السلام. فكرة إطلاق التعبئة العامة وتعبئة المستضعفين التي طرحها الإمام الجليل وعمل بها ووقف بكل قوته إلى جانبها وسقى هذه الغرسة إلى أن تحولت إلى شجرة طيبة ﴿تُؤۡتِيٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينِۢ بِإِذۡنِ رَبِّهَاۗ﴾[1] هي من الألطاف الإلهية على ذلك الرجل الكبير والعبد الصالح الخاشع لله.

 


[1] سورة ابراهيم، الآية 25.

 

627


531

خطاب الولي 2010

العين البصيرة للإمام كانت ترى علامات القدرة والمعونة الإلهية هذه. عيبنا أننا نلمس بعض الأحيان المعونات الإلهية لكننا لا نراها بصورة جيدة ولا نشخصها ولا ندرك أية مساعدة كبيرة هذه يقدمها الله لنا، لكنه كان يرى ذلك.

 

في إحدى القضايا التي رويتها مراراً قال لي الإمام الخميني إنني منذ بداية الثورة وإلى اليوم - كان ذلك في حدود سنة 1365هـ.ش. (1986م) - كنت أشاهد يد قدرة تمتد لمعونتنا وتأخذ بأيدينا إلى الأمام. كان يرى يد القدرة هذه.

 

نظرة الإمام لشعب إيران كانت مختلفة عن نظرة الآخرين. في ذلك اليوم لو أردنا استطلاع آراء الكثير من النخبة العلمية الدينية وغير الدينية والسياسية وسوى ذلك حول الشعب الإيراني لوجدنا أنها آراء عجيبة غريبة. بعضهم لم يكن يعتبر هذا الشعب مؤمناً وبعضهم لم يكن يعتبره صادقاً صادقاً، وآخرون كانوا يشكون بقوته ووفائه - وهذه آراء كثيراً ما سمعناها - لكن الإمام في سنة 1341.ش (1962م) وفي نفس مدينة قم هذه، يوم لم يكن ثمة أي أثر لهذه التجمعات الهائلة، قال في مسجد أعظم هذا: إننا لو دعونا الناس فسوف تملأ الحشود صحراء قم ولسوف يلبّون نداءنا.

 

كانت نظرته للشعب مثل هذه النظرة. كان يعرف الناس وقد اكتشف ذلك العنصر الثمين والإكسيري الذي يبدل النحاس إلى ذهب في أرواح الناس وقلوبهم واستخدمه. لذلك انتصرت الثورة الإسلامية رغم العقبات الكبرى التي اعتورت طريقها. ما من محلل كان بوسعه أن يصدق أن يقع هذا الحدث هنا. لكنه اعتمد على الله وتوكل عليه وخاض في العمل وتواصل مع قلوب الناس فنزل الناس إلى الساحة ووقع هذا الحدث العظيم، ثم أطلق فكرة التعبئة.

 

وأنتم الثمار الحلوة الطيبة لتلك الشجرة الطيبة الطاهرة التي غرسها الإمام الجليل في الأرض بيديه. وسوف يتواصل هذا العطاء وهذه الثمار في المستقبل أيضاً. وقد قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤۡتِيٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينِۢ بِإِذۡنِ رَبِّهَاۗ﴾[1]. حينما تكون التربة صالحة وجيدة والبذور

 

 


[1] سورة ابراهيم، الآيتان 24 - 25.

 

 

628


532

خطاب الولي 2010

طاهرة فلن تكون هناك نهاية للنبات والنماء، أي لن يكون ثمة عامل بوسعه الإضرار بذلك النبات. والتعبئة مثل هذه الشجرة الطيبة الطاهرة.

 

لقد خرجت التعبئة ناجحة من امتحانات عديدة. في فترة الدفاع المقدس أنجز جيل الشباب من قبلكم أعمالاً كبيرة في ساحة القتال. وقد شاهدنا ازدهار ورود المواهب العطرة في أولئك الشباب.

 

كان الشاب ذو الاثنين وعشرين سنة أو الثلاثة وعشرين سنة يجمع الجنود كقائد متمرس وصاحب تجربة ويوجههم ويرشدهم ويستعين بهم في الموضع المناسب ويحقق الانتصارات.

 

هذا ليس بالشيء العادي. لقد مارست التعبئة دورها خلال فترة الحرب. وقد كان الجيش والحرس يعترفان بأن حضور التعبئة في كافة القطاعات المتنوعة لهذه الجبهة الطويلة الشاقة حضور مصيري.

 

وانتهت الحرب المفروضة. وظن ذوو النظرات السطحية أن التعبئة أيضاً انتهت لكن التعبئة بقيت لأن الجهاد كان لا يزال باقياً ولأن ساحة الجد والعمل والجهود كانت لا تزال باقية. أينما كان ثمة جهاد حضرت التعبئة هناك.

 

الجهاد في ساحة العلم، والجهاد في ساحة السياسة، والجهاد في الميادين الاجتماعية، والجهاد في الميادين والسوح الدولية الواسعة.. هذا الجهاد متواصل وسوف يتواصل في المستقبل أيضاً.

 

معنى التعبئة هو الموافقة بين الإيمان والعمل، العمل الجهادي وليس مجرد العمل الشخصي. الإيمان المجرد عن العمل إيمان بمستوى متدنٍ من وجهة نظر الإسلام. الإيمان الكامل والحقيقي هو المصحوب بالجهاد في ميادين العمل.

 

﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقًّا﴾[1]. المؤمن الحقيقي هو الذي يرفق الإيمان بالجهاد والهجرة والنصرة. بهذا يمكن تشخيص التعبئة ومعرفتها.

 


[1] سورة الآنفال، الآية 74.

 

 

629


533

خطاب الولي 2010

الفكرة الخاطئة والمنحرفة القائلة بالاكتفاء بالإيمان بعيداً عن العمل والجهاد من أجل التقرب إلى الله، تردّ عليها هذه الآية والكثير من الآيات الأخرى. التعبئة قائمة بالإيمان المصحوب بالعمل والعمل هنا هو العمل الجهادي. إذن، فللجهاد مجالات مختلفة ذكرناها.

 

حققت التعبئة لحد الآن نمواً وتطوراً. تقدُّم التعبئة في الأبعاد المختلفة هو التقدم الذي يتوقعه أي إنسان يعرف التعبئة. فقد سجلت نمواً كمياً، وكذلك نمواً نوعياً ومعنوياً، وكذلك وقوفاً بوجه العقبات والمعارضات المؤثرة في قلب الإنسان والمزعزعة لفؤاده.. أي الوساوس.. لقد خرجت التعبئة من هذه الامتحانات مرفوعة الرأس.

 

ما ينبغي أن يكون معياراً لنا جميعاً ولكل التعبويين الأعزاء ولكل الشباب العاملين في أية رقعة من هذه الساحة الكبيرة هو العناصر الثلاثة: البصيرة، والإخلاص، والعمل في الوقت المناسب وبالمقدار المناسب. اربطوا دوماً بين هذه العناصر الثلاثة وخذوها بنظر الاعتبار. يجب أن تكون هذه العناصر الثلاثة معياراً ومؤشراً بالنسبة لنا: البصيرة والإخلاص والعمل في الوقت المناسب وبالمقدار المناسب.

 

الشيء الذي يهدي إلى الطريق هو البصيرة. ما أصوب ما قال هذا القائد العزيز المحترم[1] من أن التعبويين استطاعوا حيال تعقيدات الأوضاع أن يوجدوا تعقيداً في أذهانهم وأفكارهم وشخصياتهم، ويعرفوا بذلك الأمور، وهذا ما دلت عليه أحداث عام 88. كان من الممكن للكثيرين أن يخطئوا وقد أخطأ الكثيرون. مع أن معظم الذين أخطأوا صححوا خطأهم بعد مدة قصيرة، لكن حركة التعبئة العظيمة احتفظت لنفسها بمؤشر البصيرة، وبراية البصيرة، ولم تخطئ، وكما قال الإمام أمير المؤمنينعليه السلام: "لا يُعرف الحق بالرجال"[2]. لا يمكن معرفة الحق بالشخصيات. قد تكون الشخصية محترمة ومقبولة ومكرمة لكنها لا يمكن أن تعتبر مقياساً للحق. أحياناً قد تخطئ بعض الشخصيات المعتبرة مثل صحابة النبي وتسير في الطريق الخطأ.

 

 


[1] القائد جباري (قائد جيش علي بن أبي طالب في قم).

[2] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج40، ص126.

 

 

630


534

خطاب الولي 2010

يجب معرفة الحق وتشخيص الدرب لكي نعرف هل هذا الشخص على حق أم على باطل. كل من سار في هذا الدرب هو على حق، وكل من لم يسر في درب الحق فهو مرفوض.

 

ينبغي معرفة الحق. الجماعة الشابة المؤمنة المجتمعة تحت مظلة التعبئة ورايتها أبدت عن نفسها هذه البصيرة وأثبتت أنها تتحلى بالبصيرة. البصيرة هي العنصر الأول. ويجب أن يكون الحال كذلك في المستقبل أيضاً. يتعين امتلاك القدرة على التحليل والقدرة على التشخيص. قال الإمام الخميني قدس سره وهو رائد ومؤسس كل هذه الحركة والتيار، وله حق الحياة في عنق هذا المجتمع وهذه الحركة العظيمة حتى لو انفصلتُ أنا عن الإسلام فسوف يعرض الناسُ عني. المعيار والمؤشر هو الإسلام وليس الأشخاص. هذا هو كلام الإمام قدس سره.

 

هو الذي علمنا أن نميّز الطريق ونعرفه ونشخص المسيرة الصائبة وندرك مخططات الأعداء ونقرأها لنستطيع أن نفهم أي الأعمال لصالح العدو وفي خطه وأي الأعمال على الضد من العدو. إذن البصيرة هي العنصر الأول. ينبغي عدم نسيان البصيرة.

 

العنصر الثاني هو الإخلاص. قيل إنه لو كان المرء يتطلع في ساحة الجهاد في سبيل الله إلى غاية شخصية كأن يطلب الغنيمة ويقتل، فلن يعدّ شهيداً في سبيل الله. شرط الشهادة وشرط الجهاد في سبيل الله هو أن يكون تحركه في سبيل الله ولله، بمعنى أن يتحلى بالإخلاص.

 

إذا أثرت الدوافع الشخصية والمحفزات الفئوية والعائلية وحالات الخجل من الأصدقاء في مسيرتنا وحركتنا لكان هذا الإخلاص مشوباً وغير نقي ولوقعت لنا مشاكل. عدم الإخلاص سيفصح عن نفسه في موضع من المواضع. والعنصر الثالث هو العمل في الوقت المناسب وبالمقدار المناسب. ينبغي معرفة الوقت المناسب. إذا لم يعرف المرء الوقت ولم يدر أي شيء يقوم به في أي وقت فقد تصدر عنه أخطاء كبيرة. وشبابنا التعبوي - سواء البنين أو البنات - يعملون في مجالات شتى.. المجالات الفكرية والعلمية والسياسية والاجتماعية.

 

كل هذه الأعمال إذا كانت لله ومن أجل أداء الواجب كانت جهاداً في سبيل الله. التعبوي هو الذي يقوم بهذه الأعمال، وينبغي في جميعها الحفاظ على ذلك الخط الواضح المشرق الصحيح، أي خط الثورة وخط النظام وخط إحياء الدين. لو أردنا تأمين

 

 

631


535

خطاب الولي 2010

هذه العناصر الثلاثة فعلينا مجاهدة أنفسنا، وهذا هو الجهاد الأكبر. جهاد النفس مسعى نحتاجه كلنا اليوم.

 

من الأشياء الضرورية لفهم القضايا والأمور بشكل صحيح هو أن ننظر ما الخط والطريق الذي يسير فيه العدو. ومن الخطوط الرئيسة للعدو حالياً -والذي يعدّ من العناصر المهمة للحرب الناعمة- هو أن يعرض العدو الحقائق بنحو مختلف ويقدمها مشوهة متغيرة. الإعلام نفسه الذي يطلقه العدو في هذا المضمار دليل على ضعفه.

 

أينما واجه العدو مشكلة على صعيد الواقع وافتقر إلى الحجج ضاعف من حجم إعلامه. لو لاحظ المرء ممارسات العدو حالياً على مستوى الأساليب الإعلامية من وسائل الاتصال كالإنترنت إلى وسائل الصوت والصورة إلى منابره في الأماكن المختلفة -ولهم منها في الداخل أيضاً- لوجد أن من الأساليب المهمة أنه يقلب أحداث البلاد ويصور وضع البلد على أنه باعث على اليأس والقنوط وسائر نحو الزوال والانحطاط والطرق المسدودة. جهودهم الحثيثة في هذا المجال تدل بحد ذاتها على ضعفهم في مضمار الواقع.

 

كان للعدو طوال فترة الأعوام الثلاثين المنصرمة مثل هذه الجهود. وقد ضاعف جهوده هذه في الوقت الراهن، لأن مسؤولي البلاد والحكومة التي تتولى زمام الأمور حالياً تركز أكثر على شعارات الثورة وتطرحها بجدّ أكبر، فخط الإمام وخط الثورة وخط العمل من أجل الناس خطوط بارزة اليوم جداً، والمسؤولون يشعرون بأنهم مع الجماهير ومن الجماهير، والجماهير يشعرون في المقابل بنفس الحالة، لذلك يضاعف العدو من إعلامه.

 

لو نظرتم اليوم لإعلام العدو لوجدتم أنهم إذا تحدثوا في الشأن السياسي كان كل كلامهم أن هناك طريقاً مسدوداً وعقداً مستعصية على الحل ومشكلات كثيرة وغداً سوف يحدث كذا وكذا. وبعض الناس يصدق هذه الأقاويل ويكررونها في الداخل. قبل بدء الانتخابات وأحداث الفتنة كان بعض الذين برزت معادنهم بعد ذلك في الفتنة يراجعوننا ويقولون: سيدي السنة القادمة سنة صعبة - أي سنة 88 نفسها - وستكون

 

 

632


536

خطاب الولي 2010

 

كذا وكذا من الناحية الاقتصادية، ويصورون الأجواء مستعصية وحالكة وصعبة ولا يمكن تجاوز المشكلات.

 

كانوا يريدون بث اليأس في نفوس المسؤولين بشكل وفي نفوس الشعب بشكل آخر. وهذا الإعلام دليل على أنهم متخلفون عن المسيرة العظيمة والمتسارعة للمسؤولين والشعب. وعليه، إذا تم تشخيص ومعرفة توجهات العدو ستكون نظرة الإنسان للواقع نظرة صحيحة ونافذة. وعلى صعيد السياسة الخارجية والسياسة الدولية تلاحظون حتى في صحافتنا، وقد لاحظتم في تصريحات بعض أصحاب الفتنة في السنة الماضية حيث كانوا يكررون:

إننا صرنا أذلاء في العالم، وسمعة الجمهورية الإسلامية هتكت في العالم، وسقطت مكانتها، وكذا وكذا.. واليوم حين ننظر إلى الواقع نجد أن سمعة الجمهورية الإسلامية تتصاعد وتعظم يوماً بعد يوم في أنظار شتى شعوب العالم من المسلمين وغير المسلمين. أعداء الشعب الإيراني يعلمون ذلك ويفهمونه ويشعرون به لكنهم يتكتمون عليه طبعاً.

 

لماذا يجب الاستهانة بقضية زيارة رئيس الجمهورية إلى لبنان؟ كانت حدثاً مهماً. إذا حصل مثل هذا الشيء لرئيس أي بلد وخصوصاً رؤساء الاستكبار لفتحوا له فصلاً طويلاً عريضاً في إعلامهم وفي استنتاجاتهم السياسية. شعب ليس من جيراننا، وليس كله من المسلمين، بل هو تركيبة من المسلمين والمسيحيين، والمسلمون فيه بدورهم تركيبة من الشيعة والسنّة، هذا الشعب بهذه التركيبة المتنوعة والمتعددة يخرج كله هكذا لاستقبال رئيس جمهورية الشعب الإيراني ويبدي حبه له.

 

هذا شيء نادر ومنقطع النظير. شيء لا يحدث لأي بلد في العالم. أي رئيس جمهورية في العالم تحصل له مثل هذه الأحداث حينما يزور بلداً آخر؟ والأمر لا يختص بلبنان. لو زار مسؤولونا الكبار اليوم مصرَ ولو سمحوا لهم لحدث الشيء نفسه. ولو ذهبوا إلى السودان لحدث نفس الشيء. لو زاروا أي بلد إسلامي وفسحوا المجال هناك لحدث نفس هذا الشيء. هذا يدل على عظمة الشعب الإيراني. هذا هو ما فعلتموه وحققتموه أنتم. إنه فخر لكم. لو كانت حكومتكم

 

633


537

خطاب الولي 2010

 

حكومة منقطعة عن الشعب، ولا يحميها ملايين الشباب المندفعين المتحفزين، لما حدث هذا.

 

هذا من فعلكم أنتم الشباب. ولكن تلاحظون مع ذلك إعلام العدو كيف أنه يقف في النقطة المقابلة لهذه الحقائق. حين يضطرون لذكر الحقيقة يفسرونها بشكل مقلوب، وحين لا يضطرون لذكرها فإنهم بالطبع يكتمونها ولا يذكرونها أصلاً. ومثل هذه الحالة بالضبط تصدق على ظاهرة التعبئة. ركز العدو في فترة معينة من الزمن - ولا تزال امتداداتها مستمرة إلى الآن بدرجات متفاوتة - إعلامه ضد التعبئة. وقالوا كل ما استطاعوا. قصفوا التعبئة قصفاً إعلامياً ليسقطوها من أعين الناس، لكنهم لم يفلحوا، ﴿وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦ﴾[1]. لن يسمح الله تعالى بكتمان هذه الحقيقة الساطعة. لذلك تألقت والحمد لله سمعة التعبئة في بلادنا يوماً بعد يوم.

 

في كافة أنحاء البلاد ينظر الشباب في القطاعات المختلفة للتعبئة على أنها هوية متألقة يجب تعزيزها، فعززوها في ضوء هذه العناصر الثلاثة التي ذكرت: عنصر البصيرة، وعنصر الإخلاص، وعنصر العمل في الوقت المناسب وبالمقدار المناسب.

 

لا يكن ثمة إفراط أو تفريط. دققوا في أن الإفراط يضرّ بمقدار ما يضرّ التفريط. عدم العمل وضعف النشاط يضرّ يقيناً لكن العمل المفرط يضرّ بمقدار ما يضرّ عدم النشاط. كونوا دقيقين حذرين. ينبغي عدم خفض الحماس الثوري حتى بدرجة قليلة. ويجب ارتقاء المحفزات الثورية في قلوبنا أنا وأنتم باضطراد. هذه الجبال الهائلة من المشكلات التي تعيق سير المستضعفين في العالم لا يمكن رفعها إلا بقدرة العزيمة والإرادة الفولاذية والإيمانية.

 

ليس الهدف مجرد ترتيب أمور البلد. فالعالم الإسلامي بل المجتمع الإنساني بحاجة إلى مساعدة الإسلام والأمة الإسلامية. ثمة الكثير من المشكلات في الطريق ولا بد من العزم والإرادة، ولا مندوحة عن النظر للآفاق البعيدة.

 


[1] سورة يونس، الآية 82 .

 

 

634


538

خطاب الولي 2010

لهذه العزيمة والإرادة أن تبقى، وينبغي لهذا الحماس الثوري أن يتصاعد يوماً بعد يوم. التوسل إلى الله والتوجه إليه، والتمسك بالأولياء الإلهيين، وطريق العبادة، وطريق الخشوع، وطريق التفكر، يجب أن يكون مفتوحاً لنا جميعاً ويتوجب أن نقوي أنفسنا عن هذا الطريق. يجب لهذا الحماس الثوري أن يبقى، ولكن دققوا في أن تستخدموا هذا الحماس والهياج الثوري القيّم في مكانه، ولا تستخدموه في غير محله. هذا شيء بحاجة إلى التأمل والتفكر والوعي والبصيرة.

 

لا تنتابكم الشكوك في أن غد الشعب الإيراني والأمة الإسلامية أفضل من حاضرها. كما أن هناك فرقاً بين ما كان عليه الشعب الإيراني قبل ثلاثين سنة وما هو عليه اليوم - أي منذ بداية الثورة وإلى اليوم - ولكم أن تلاحظوا كم تقدم الشعب الإيراني على كافة الصعد السياسية والعلمية والاجتماعية وغيرها، واعلموا أن الفرق بين التقدم الذي سيتحقق في السنوات المقبلة قياساً إلى اليوم سيكون أكثر حتى من ذلك. سوف يتقدم الشعب يوماً بعد يوم.

 

حركة الشعب الإيراني على كافة الصعد حركة لا تقبل التوقف، وسوف تستمر إن شاء الله على الخط الصحيح والصراط المستقيم للهداية الإلهية والإسلامية والقرآنية. مستقبل الشعب الإيراني مستقبل مشرق، وهذا ما سوف يترك أثره على العالم الإسلامي والأمة الإسلامية، وسوف تتيقّظ الشعوب المسلمة إن شاء الله يوماً بعد يوم.

 

نرجو أن يعجّل الله تعالى في فرج إمامنا المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، ويجعلنا من أنصاره في حضوره وغيابه، ويرضي عنا قلبه المقدس. ربنا اشمل كل الشعب الإيراني وخصوصاً التعبويين الأعزاء بأدعيته عليه السلام.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

635


539

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء الطلبة غير الإيرانيين بحوزة قم

 

 

المناسبة: الزيارة الخاصّة لمدينة قمّ

 

الحضور: إدارة جامعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم العالميّة وجمع غفير من الطلّاب غير الإيرانيين في مدينة قمّ

 

المكان: قمّ المقدّسة – حرم السيّدة المعصومة عليها السلام

 

الزمان: 03/08/1389 هـــ.ش.

        17/11/1431 هـ.ق.

        25/ 10/2010 م

 

 

637


540

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

والحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين، ولا سيّما بقية الله في الأرضين.

 

السّلام عليك يا فاطمة يا بنت موسى بن جعفر، أيّتها المعصومة، سلام الله عليك وعلى آبائك الطيّبين الطّاهرين المعصومين. أنا سعيد جداً أن وُفّقت اليوم لهذا اللقاء، لأعيش هذه الدقائق الثمينة بين جمع من الطلاب والفضلاء غير الإيرانيين، وهم جالسون جنباً إلى جنب مع أساتذتهم ومدرسيهم ومدرائهم. إعلموا أيّها الطلاب والفضلاء غير الإيرانيين أنّكم لستم غرباء في الجمهورية الإسلامية، ولستم ضيوفاً بل أنتم أصحاب البيت، وأنتم أبنائي الأعزاء. نحن نرحّب بقدوم هذه الفراشات الوالهة، التي انجذبت إلى هذه الديار شوقاً لتعلّم المعارف الإسلامية الأصيلة.

 

إننا نعلم بالمسؤولية المترتبة علينا، وهي العمل بقدر ما نستطيع من أجل أن نضع بين أيديكم ـ أيّها الأعزاء ـ ما نمتلكه من علوم إسلامية أصيلة، ومعارف أهل البيت عليهم السلام. إنّ أول الدروس التي تعلمناها من الثورة الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية المبارك، هو أن نحوّل نظرتنا من الأطر الضيقة المنحصرة في حدود الشعب الإيراني إلى الميدان الواسع للأمّة الإسلامية، فقد علّمنا إمامنا العظيم كيف نمدّ نظرتنا نحو ساحة الأمّة العظيمة. صحيح أنّ إيران كانت تُسحق، وتعاني من حالة الاحتضار في عهد الطاغوت، نتيجة لضغط الاستبداد والاستعمار، وكان لا بد من إنقاذها، إلا أنّ الضغط الأساس والغزو الرئيس كان يتمثّل بالغزو التاريخي للأمة الإسلامية، فقد كانت هذه الأمّة الإسلامية العظمى التي تقع في مناطق حساسة من جغرافيا العالم، تعاني من الضعف والانكسار والتخلّف، والتسلّط، والفقر ـ المادي والمعنوي - بسبب

 

 

639


541

خطاب الولي 2010

تدخّل القوى الكبرى، وأطماع الدول العظمى، وتجاوز وتعدي الاستكبار على امتداد عدّة قرون.

 

إنّ الثورة الإسلامية تتطلع إلى إنقاذ العالم الإسلامي، ورفع أيدي الظلمة والمعتدين المستكبرين عن أعناق الشعوب الإسلامية وعن حياتها، لذا عندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران شعرت الشعوب الإسلامية في شرق الأرض وغربها بأنفاس جديدة، وأنّ الأجواء قد تغيّرت، كما أحست بالانفراج والسعة في عملها ونشاطها، ونتيجة لذلك شعر المسلمون في أفريقيا وأسيا، بل في جميع المناطق التي يقطنونها أنّ انتصار الثورة الإسلامية، وتأسيس النظام الإسلامي فتح أمامهم آفاقاً جديدة، وهذا كنّا نتعلمه من إمامنا ومن منهج النظام الإسلامي الواضح، من البداية وإلى الآن. إنّ بعضاً من هذا العمل العظيم هو ما تقومون بأدائه، فأنتم قد اجتمعتم هنا بعد أن أقبلتم ممّا يقرب من 100 بلد، من أجل تعلّم المعارف الإسلامية الأصيلة المنجية، علماً أنّ هدفنا ليس هو القيام بتصدير الثورة إلى هذا البلد أو ذاك على أساس المفردات المتعارفة في القاموس السياسي، لأنّ الثورة ليست من الأمور التي يمكن تصديرها بالأساليب السياسية أو تطويرها بالوسائل العسكرية أو الأمنية، هذا فهم خاطئ لموضوع الثورة، لذا فإننا قد سددنا أبواب هذا الفهم منذ البداية.

 

إنّ هدف الجمهورية الإسلامية هو إعادة توليد معارف الإسلام السامية، لأنّ تمسّك الشعوب المسلمة بهذه المعارف والتعاليم المنجّية، يمهّد الأرضية لشعور الأمة الإسلامية بهويتها وكيانها، ويعلّمها المراد من قوله تعالى: ﴿وَيَضَعُ عَنۡهُمۡ إِصۡرَهُمۡ وَٱلۡأَغۡلَٰلَ ٱلَّتِي كَانَتۡ عَلَيۡهِمۡۚ﴾[1]، ما هي إذاً هذه الأغلال التي قيّدت الناس في الأجواء المليئة بالشرك، وأراد الإسلام أن يضعها عنهم؟ إنّها الحقائق التي غفلت الأمّة الإسلامية عنها مدّة طويلة من الزمن، فالأمّة يمكن لها اليوم أن تكون حرّة ومتطورة وعالمة وعزيزة ومقتدرة، ببركة امتلاكها للتعاليم الإسلامية، مع أنّ الاستكبار والأجهزة الاستعمارية سعت على امتداد قرنين من أجل إزالة هذه المفاهيم من أذهان المسلمين، ليغفلوا عن هويتهم، وتتاح

 


[1] سورة الأعراف، الآية 157.

 

 

640


542

خطاب الولي 2010

لهم فرصة التجاوز على القدرات السياسية والاقتصادية للشعوب المسلمة، والتطاول على ثقافتها الأصيلة، فقامت الثورة بإيقاظ الِشعوب الإسلامية وتذكيرها بذلك.

 

إنّكم اليوم تمتلكون هذه الفرصة العظيمة في الجمهورية الإسلامية، حيث تدرسون المعارف الإسلامية في العاصمة العلمية قم وجامعتها المباركة (جامعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ﴾[1]، فأنتم تستطيعون أن تكونوا نوراً يضيء الطريق للآخرين، وهذا ما يحتاج إليه العالم الإسلامي اليوم. بالتأكيد أنتم تعيشون أيام الغربة، وإن كان البيت بيتكم، لكنّكم بعيدون عن أهلكم، وأقربائكم، وأسركم، تتحملون الصعاب، وتواجهون المشاكل، أنتم وزوجاتكم وأبناؤكم تتعرضون إلى بعض المشاكل، لكن عليكم بالثبات.

 

إنّ الله تعالى بيّن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في بداية البعثة مجموعة من العقبات التي قد تواجهه في طريقه، ليكتسب من خلال التغلّب عليها القدرة على حمل الرسالة الثقيلة والمسؤولية الجسيمة، ومن جملة هذه العقبات الصبر ﴿وَلِرَبِّكَ فَٱصۡبِرۡ﴾[2]، ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمُدَّثِّرُ * قُمۡ فَأَنذِرۡ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرۡ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ * وَٱلرُّجۡزَ فَٱهۡجُرۡ * وَلَا تَمۡنُن تَسۡتَكۡثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَٱصۡبِرۡ﴾[3]، فقد وضع الله تعالى عقبة الصبر أمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا بد من الصبر، أي عدم الشعور بالضجر، والتغلّب على المشاكل، فطريقنا مملوء بالمشاكل، وعلينا أن لا نُهزم أمامها، وهذا أيضاً من الدروس التي علّمنا إياها لنا الإمام عليه السلام عملياً، فقد كان الإمام عليه السلام صابراً. عندما كان صوت الإمام عليه السلام يصدح في مدينة قم، لم يكن يجد له ناصراً سوى الطلاب، لقد كان غريباً، الإمام كان غريباً في وطنه وفي مدينته، لكنّه كان ثابتاً.

 

لقد تعرّض هذا الرجل العظيم لأنواع الضغوط ـ المادية والمعنوية ـ لكنّه صمد وثبت ـ "المؤمن كالجبل الرّاسخ لا تحرّكه العواصف" ـ فلم تكن تلك العواصف تحرّك تلك الإرادة الفولاذية وذلك العزم الراسخ، لأنّ عين الماء عندما تنبع من أعالي

 


[1] سورة التوبة، الآية 122.

[2] سورة المدّثر، الآية 7.

[3] سورة المدّثر، الآيات 1 - 7.

 

641


543

خطاب الولي 2010

الجبال سترتوي السفوح والوديان، لقد تدفّق الصبر من الإمام، فتعلم الآخرون الصبر منه، وصبروا، ولقد تمكن الشعب الإيراني من أن ينتصر على جميع المؤامرات ببركة هذا الصبر. هل تعلمون كم مؤامرة دُبّرت ضد هذا الشعب، وكم خنجراً مسموماً خفياً استهدفه منذ بداية الثورة الإسلامية الإيرانية حتى اليوم؟ إحدى هذه المؤامرات حرب السنوات الثمانية، فقد فُرضت علينا حرب لمدّة ثماني سنوات، ومن المؤامرات الأخرى على الجمهورية الإسلامية، فرض الحصار لمدّة ثلاثين سنة، واليوم ـ أيضاً ـ يثير المتغطرسون الضجيج بشأن العقوبات على إيران، علماً أنّ هذا الحصار لم يُفرض على إيران اليوم، بل إنّ الجمهورية الإسلامية تعاني من ثلاثين عاماً من الحصار الاقتصادي، إلا أنّ صبر هذا الشعب وثباته تغلّب على جميع هذه العداوات والمساعي الخبيثة، واليوم ـ بحول الله وقوته ـ أصبحت الجمهورية الإسلامية تعيش في قمّة الاقتدار السياسي والأمني.

 

لا تنسوا الصبر والثبات والصمود، فهي أهم الأمور في برنامج حياة أي إنسان يتطلّع إلى هدف سامٍ، فأنتم ذخائر الإسلام، ورأسماله العظيم، عليكم أن تتعلموا هنا جيداً، وتنطلقوا جيداً في أجواء الثورة ونظام الجمهورية الإسلامية، لتعودوا في الوقت المناسب ـ بإذن الله تعالى ـ إلى شعوبكم وتنقلوا هذه الحقائق وأنتم متسلحون بسلاح الحلم والأخلاق والتواضع والعطف والمحبة للناس. إنّ الهدف من حضوركم ليس هدفاً سياسياً، بل هدف علمي وتربوي، هدف ذو شفافية وواضح جداً، فإنّ العلم الواضح والموعظة الحسنة لها من يسمعها. قال الإمام علي بن موسى الرّضا عليه السلام لأحد أصحابه: "رحم اللَّه عبداً أحيا أمرنا"، قال: فقلت له كيف يحيي أمركم؟ قال: "يتعلّم علومنا ويعلّمها النّاس، فانّ النّاس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا"[1].

 

أنتم لستم بحاجة لطرق باب هذا أو ذاك، من أجل نشر معارف أهل البيت عليهم السلام، ولستم بحاجة إلى الطعن في كلام هذا أو التعرّض لذاك، بل يكفي لنشر هذه المعارف هذا المقدار الذي تدركونه بشكل صحيح، وتعلمونه الآخرين، فإنّ هذه

 


[1] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج2، ص 30.

 

642


544

خطاب الولي 2010

المعارف التوحيدية وهذه العلوم الإنسانية، وهذه المسائل الكثيرة التي تهتم بحياة البشر، هي بذاتها جذابة، تجذب القلوب، وتدفع الناس للتوجه نحو الأئمة المعصومين عليهم السلام. إنّ هذه فرصة عظيمة لكم، فأنتم من قوميات متعددة وقد أقبلتم من بلدان مختلفة لتجتمعوا هنا، بحيث أصبح لكل منكم فرصة التعرّف إلى أخيه المسلم وثقافته الوطنية في هذه الأجواء الإيمانية. فأنت الذي أقبلت من القارة الأوربية تتمكن من الارتباط مع الذي أقبل من شرق آسيا، وأنت الذي أقبلت من أفريقيا يمكنك الارتباط مع الذي أقبل من دول الشرق الأوسط.

 

لقد اجتمعت هنا نخب الشعوب، فعليكم بالتعارف، تعرفوا إلى الآخرين وثقافاتهم وطموحاتهم، والأهداف السامية التي يتطلع إليها كل منكم. تعلّموا هذه الأمور من بعضكم بعضاً من أجل تحقيق اجتماع إسلامي موحد، فهذه فرصة عظيمة أمامكم، لا تتحقق في مكان آخر، فلقد تأسست هنا نواة عالمية علمية إسلامية، ومن خلال اجتماعكم، وانطلاقكم في أجواء واحدة، وتعرّف بعضكم إلى بعض، يمكنكم تأسيس نواة عالمية علمية إسلامية جامعة رائدة، فعليكم باستثمار هذه الفرصة بكل ما أوتيتم من قوة.

 

أيّها الشباب: إنّ أعظم ثروة يمتلكها الشاب القلب الطاهر والنوراني.

 

أيّها الأعزاء: عليكم أن تستغلّوا هذا القلب النوراني، وتقووا علاقتكم مع الله، فإذا تمكّن الشاب من معرفة الله تعالى وعرض قلبه عليه من خلال الخشوع والذكر والتضرّع والتوسل، سيكون مصداقاً لقوله تعالى: ﴿نُّورٌ عَلَى نُورٍ﴾[1]، لأنّ نور الله تعالى سيُقذف في قلبه.

 

اجتنبوا المعصية، واستأنسوا بالله، واغتنموا أوقات الصلاة، فإنّ ذلك من أعظم الأمور. إنّ أعظم نعم الله تعالى الصلاة، فهي تعطينا فرصة اللقاء مع الله والتحدّث إليه عدّة مرات يومياً، نتكلم معه ونستمد العون منه ونعرض حاجاتنا عليه، ونقوّي علاقتنا بالساحة الربوبية بواسطة هذا التضرّع وهذا التوسل، لذا فإنّ علماءنا العظام

 


[1] سورة النور، الآية 35.

 

643


545

خطاب الولي 2010

كانوا يعطون أهمية كبيرة للصلاة.

 

والصلاة بيد الجميع، مع أننا غالباً ما نغفل عن أهميتها، فالصلاة ليست إسقاطاً للتكليف وحسب، كلا، بل هي فرصة عظيمة يجب الاستفادة منها، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أرأيتم لو أنّ نهراً بباب أحدكم، يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟" قالوا: لا، قال: "فذلك مثل الصلوات الخمس"[1]. فإنّ هذا الاغتسال يمكن أن يخلّف في قلوب الشباب آثاراً خالدة، فمن خلال الطهارة والتقوى يجري الله على ألسنتنا الحكمة والموعظة المؤثرة.إنّ المعنويات التي كان يمتلكها الإمام قدس سره، وصفاءه الباطني، وعلاقته بالله، ودموعه التي كان يذرفها منتصف الليل، كانت من جملة أسباب التأثير المدهش الذي كانت تؤديه كلمة واحدة يلقيها بين الحشود الغفيرة من أبناء الشعب الإيراني، في الشدّة والمحنّة، بل في جميع الحالات، لقد كان ابن الإمام ـ المرحوم الحاج السيد أحمد ـ في أيام حياة أبيه يقول: "عندما كان يستيقظ الإمام في منتصف الليل، كانت لا تكفي المناديل العادية التي يستخدمها في كفّ دموعه، فيضطر لاستعمال المنشفة من أجل ذلك"، فإنّ هذا الرجل الفولاذي، الذي لا تزعزعه الحوادث والضربات المتواصلة التي يهتز لها شعب بأكمله، وكان يرى عظمة وهيمنة القوى المستكبرة تافهة أمامه، هكذا كان يذرف دموعه أمام العظمة الإلهية في أوقات الدعاء والتضرع، هذه فرصة عظيمة وعليكم استغلالها ومعرفة قيمتها.

 

إنني أكرر القول مرّة أخرى، أنا سعيد اليوم بلقائكم أيّها الأعزاء، وعلي أن أقدّم خالص شكري لسماحة الشيخ أعرافي ومسؤولي جامعة المصطفى ومدرّسيها وسائر العاملين فيها، وجميع الأخوة الذين لهم دور في دفع عجلة هذه الحركة العظيمة إلى الأمام، وأسأل الله تعالى أن يشمل بلطفه وعنايته جميع من ساهم في تطوير هذه المسيرة.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


[1] الأحسائي، ابن أبي جمهور، عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية، تحقيق الحاج آقا مجتبى العراقي، لا.ن، لا.م، 1403هـ - 1983م، ط1، ج 1، ص 110.


546

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

لقاء آلاف من الطلبة الجامعيين في محافظة قم

 

 

المناسبة:   زيارة الإمام الخامنئي دام ظله لمدينة قم

 

الحضور:  الآلاف من الطلبة الجامعيين في محافظة قم

 

المكان:   مدينة قم

 

الزمان: 04/08/1389هـ.ش.

18/11/1431هـ.ق.

62/01/0102م.

 

 

645


547

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

والحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين. سيّما بقيّة الله في الأرضين، السّلام عليك يا فاطمة المعصومة، يا بنت موسى بن جعفر، سلام الله عليك وعلى آبائك الطّيّبين الطّاهرين المنتجبين المعصومين.

 

كان اللقاء معكم أيها الشباب الأعزّاء، في أواخر هذا السفر الطويل نسبياً، هو انطلاقة جديدة وتجديد للقوى. جوّ الشباب، مشاعر الشباب، فكر الشباب، روح الشباب ودوافعهم تلقي بظلالها على محيطها حيثما حلّت. إنّ أحد أسباب كون الجوّ العام للبلد، بتوفيق الله، جوٌّ مفعم بالعزم والإرادة والحماس والعقلانية، هو أنّ الشباب هم أكثرية عدد السكان. حسناً، هذه الجلسة أيضاً هي جلسة للشباب بكل ما للكلمة من معنى.

 

بالنسبة لشباب (قم) فإن لي ذكريات معهم وكذلك عندي معلومات متعدّدة ووافرة عنهم. مع أنّ بين طلاب الجامعات الحاضرين هنا (يوجد شباب من مدن أخرى) إلا أنّ الشباب القمّي يشكّل الأكثرية الساحقة. قبل أن تحتدم المواجهات (ضد نظام الشاه) في عامي (1962 و1963م)، شاهدنا هنا آثار وعي وذكاء شباب (قم). أنا لا أنسى، ها هنا، في الشارع المقابل للحرم (حرم السيدة المعصومة) أو في الطرف المقابل للطريق، في شارع (أرك) كان يوجد (كشك) لبيع الصحف، كانوا يعلّقون الصحف هناك، بحيث كنّا نقف لنقرأ عناوينها عند رجوعنا من الدرس.

 

عندما اضطرّت حكومة الطاغوت للتراجع عن مشروع (جمعيات الأقاليم والولايات) وتمّ إلغاء ذلك المرسوم، رأيت الشباب الذين كانوا يتجمّعون في أطراف شوارع الحرم وفي شارع (ارم) ـ والذين كنت غالباً ما أراهم ولم أكن أتصوّر أبداً أن يكونوا من

 

647


548

خطاب الولي 2010

 المهتمّين أو المتابعين للأفكار والقضايا السياسية ـ قد تقدّموا نحونا قائلين: (مبارك لكم نجاح علماء الدين في مواجهة حكومة الطاغوت). الشباب القمّي الذين كانوا في الظاهر فقط حياديين وعلى هامش الأحداث، كانوا يدعون بالبركة لنا ـ نحن، طلاب العلوم الدينية ـ هذا الانتصار، مع أنّه لم تكن بيننا وبينهم أي معرفة.

 

منذ ذلك الزمان كنت أفكّر وأتساءل: ما هي هذه الروح التي يتحلّى بها الشباب القميّون؟ في تلك الأيام لم يكن هناك طلاب جامعات في (قم)، كان الشباب من تلامذة المدارس ـ وحتى من العاطلين عن العمل ـ حسّاسين بهذا الشكل تجاه مسألة الكفاح والنهضة وتحدّي علماء الدّين لحكومة الطاغوت.

 

فيما بعد، وعندما وقعت أحداث عام (1977م)، هناك أظهرت (قم) وجهها الحقيقي بكل ما للكلمة من معنى، فبدأت (قم) بنفسها، بقيادة حركة الجماهير في الشوارع والتظاهرات في الساحات والتصدّي لمخالب النظام الحديدية والمتوحّشة. نزل شباب (قم) هؤلاء إلى الشوارع وأريقت دماؤهم في الساحات، وبالطبع فإنّ شباب (قم) قد ألحقوا الأذى والخسائر بأزلام النظام الطاغوتي أيضاً! حيّرت فطنة شباب (قم) هذه و(شغبهم) أولئك الأزلام وأرهقتهم. فيما بعد وعندما انتصرت الثورة، كانت (قم) دائماً في الخطوط الأمامية. فكان فيلق (علي بن أبي طالب) من الفيالق الناجحة في الخط الأمامي للدفاع المقدّس. في جميع الامتحانات الكبرى خرج (القميون) مرفوعي الرأس، الشباب كانوا في الخط الأمامي.

 

أنا أريد منكم يا شباب اليوم، يا من تتحلّون بالإحساس والفكر والشوق والحماس، أن تضعوا نصب أعينكم هذه الشهادة الحافلة بالافتخارات لأجيال الشباب القمّي منذ عدّة عقود وصولاً إلى زماننا هذا.لقد أدّى القميّون دوراً أساساً في الثورة وكذلك في الدفاع المقدّس، بعد انتهاء الحرب ـ وخاصّة بعد رحيل الإمام العظيم وغياب شمسه عنّا ـ كان لشباب (قم) دورٌ أبرز كذلك، هذه نقطة هامة. لاحظوا، إنّه ومن أواخر العقد الأول للثورة وما بعدها قام أعداء الثورة وجبهة العدوّ، بالتعاون مع خبراء إيرانيين، بوضع سياسة ـ لأن الخبراء غير الإيرانيين لم يكونوا ليلتفتوا إلى هذه النقطة،

 

 

648


549

خطاب الولي 2010

فالذين كان الأعداء يشاورونهم، كانوا إيرانيين ـ وهذه السياسة تقتضي بأن يطلقوا أطروحة الثورة المضادّة من (قم).

 

فكما أنّ الثورة تفجّرت من قم، أرادوا أن يوجدوا ثورة مضادّة من (قم) أيضاً. (قم) هي حوزة علماء الدين. الحوزة العلمية توجد في الظاهر في(قم)، لكن هذا الجمع الحوزوي منتشرٌ في جميع أنحاء البلاد. طالب العلم الساكن في (قم) هو صاحب نفوذ في مدينته وفي قريته. فهم مجموعون هنا من مختلف أنحاء البلاد. في الأيام التي يرجع فيها طلبة الحوزة إلى منازلهم للعطلة أو لأعمالٍ أخرى، فهذا يعني أنّ الحوزة تنتشر في طول البلاد وعرضها. إذاً، فكل فكر وفكرة وكلّ عزم وإرادة وحركة واتجاه في (قم) له امتدادٌ في الحقيقة إلى كل أنحاء البلاد، لم يكن الأجانب ليفهموا هذه المسألة، لم يكن الأمريكيون ليستطيعوا أن يحلّلوا هذه الحقيقة.

 

يستطيع إيرانيٌّ، عارف بطبيعة المؤسسة العلمائية أن يفهم هذا. هذا ما علّموهم إياه، لذلك عملوا على تهيئة الأرضية لفتنة في (قم). ولأنّي لا أرغب في ذكر أسماء، سأمرّ على الموضوع دون ذكر أسماء. في عامي 1979 و1980م.، صنع الناس في قم وكذلك في تبريز ملحمة، ليس فقط ملحمة النزول إلى الميدان ولا مجرد رفع القبضات المحكمة، بل ملحمة معنوية، ملحمة الإدراك، ملحمة التحليل الصحيح. بعد رحيل الإمام حصل هذا الأمر في (قم) ولكن بشكل آخر. هنا أيضاً خطّط المخالفون والأعداء ـ خاصّة الأعداء خارج الحدود، فهم الأصل ـ لإيجاد أطروحة ثورة مضادّة في (قم). لو كان القميون غافلين، ولو كان شباب (قم) عاجزين عن التحليل السياسي، لو لم يمتلكوا الوعي اللازم، لوقع العديد من المشكلات والأزمات، هذه هي حقيقة الأمر، هذا بيان لواقع الشباب في (قم).

 

إنّ خطابي بشكل أساس في الكثير من المباحث، ومنها هذا البحث الذي أقدّمه اليوم، موجّه لكم أنتم أيها الشباب، لأنّ العمل لكم، والبلد كذلك لكم. نحن ضيوف لعدّة أيام. وقد انقضى دورنا ونصيبنا وزماننا. من الآن فصاعداً بدأ عهدكم، أنتم من يجب أن يدير هذا البلد، يجب أن توصلوا هذا الاقتدار الوطني والعزّة الوطنية، وفي المستويات المختلفة، إلى مرحلة الكمال، مستفيدين من الانجازات التي حصلت لحد

 

 

649


550

خطاب الولي 2010

 الآن. هذا هو التكليف المتعلّق بكم في التاريخ. فلذلك أخاطبكم أنتم. إذا قبلنا بأنّ جبهة العدوّ لديها تخطيط طويل الأمد لبلدنا وثورتنا، فإنّ علينا نحن أيضاً أن نمتلك تخطيطاً طويل الأمد. لا يمكن التصديق بأنّ جبهة أعداء الإسلام والثورة، ممّن يرون في النهضة الإسلامية تهديداً لهم، لا تمتلك تخطيطاً طويل الأمد، لا يمكن لأحد أن يصدّق هذا، إلا إذا كنّا شديدي السّذاجة وغافلين فسنصدّق. لا شك بأنّ لديهم برامج طويلة الأمد، كما أن هذه الحوادث التي تجري أحيانا في البلد، والأيادي الأجنبية واضحة فيها، ليست من الأشياء التي تحدث فجأة ولا يمكن أن تكون بنت ساعتها، لقد كانت برامجَ متوسطة وطويلة المدى.

 

لقد خطّطوا وبرمجوا وكانت هذه النتيجة. فهم لم يقرّروا في تلك الليلة أن يقوموا بهذا العمل ونفّذوه في اليوم التالي، لا، أنا قدّمت لبعض الأصدقاء قرائن وشواهد حول فتنة 2009م. (الانتخابات الرئاسية وما تلاها)، تدلّ على أنّ التخطيط لها يرجع إلى عشر أو خمس عشرة سنة على الأقل. منذ رحيل الإمام كان يوجد تخطيط، ظهرت آثار هذا التخطيط في العام: 1999م، قضايا الحي الجامعي وغيرها من القضايا التي تتذكّرونها على الأغلب. لعلّ بعضكم لا يتذكّرها بدقة.

 

القضايا التي حصلت في العام الماضي، كانت تجديد حياة لذلك المخطّط. لقد حاولوا أن يقوموا بعملهم مع مراعاة عامل الزمان وبعض الجوانب الأخرى. الحمد الله قد هُزموا وفشلت مخطّطاتهم. كان يجب أن يُهزموا ويفشلوا. إذن جبهة العدو لديها برنامج طويل المدى. هم لا ييأسون وإذا رأوا أنّهم فشلوا اليوم، لا يكفّون أيديهم وينسحبون من المعركة، كلا، إنهم يخطّطون للسنوات العشر المقبلة، للسنوات العشرين، للسنوات الأربعين المقبلة. إنّ عليكم الاستعداد.

 

نحن يجب أن نمتلك تخطيطاً طويل الأمد. وليس هذا مكان البحث في البرنامج الطويل الأمد ـ هناك مراكز فكرية، نوادٍ فكرية، مراكز سياسية وثقافية، تتابع هذه المسائل وينبغي أن تقوم بها ـ وهي تقوم بذلك حالياً - ما يمكن أن أقوله اليوم إنّ هناك أرضية أساساً للتخطيط الطويل المدى، ذكّرت بها مراراً، وأجد من الواجب أن أتحدّث حولها أكثر، ألا وهي مسألة اكتساب البصيرة.

 

650


551

خطاب الولي 2010

في مجال البصيرة، لقد تكلّمت كثيراً في السنوات الماضية وقبلها، الآخرون قالوا أيضاً الكثير، وقد لاحظت أن بعض الشباب قد قاموا بأعمالٍ جيدة في هذا المجال. أنا أريد أن أؤكد مجدّداً على مسألة البصيرة. هذا التأكيد ينبع من أنّكم أيها الشباب أنتم المخاطَبون وأنتم فرسان الميدان، العمل يقع على كواهلكم، انطلقوا نحو الأعمال والتخطيط والبرمجة التي ترتبط بتحصيل البصيرة، قوموا بتأمين هذه الحاجة الماسة. البصيرة هي كشّاف النور، البصيرة هي البوصلة وهي الدليل إلى القبلة. إذا تحرّك الإنسان في الصحراء بدون بوصلة، فمن الممكن أن يصل بالصدفة إلى مكان ما، لكن الاحتمال ضعيف، أما الاحتمال الأكبر فهو أن يتعرّض الإنسان لمشقّاتٍ ومتاعب كثيرة بسبب الضياع والحيرة.

 

وجود البوصلة ضروريٌّ، وخاصّة إن كان هناك عدوٌّ مقابل الإنسان. إن لم يكن معكم بوصلة، قد تجدون أنفسكم تحت محاصرة العدو وليس معكم العدّة اللازمة والتجهيزات المطلوبة للمواجهة، عندها لن تستطيعوا تحريك ساكنٍ. البصيرة إذن، هي البوصلة وكشّاف النور. في الفضاء المظلم البصيرة هي المنّور. البصيرة تدلّنا على الطريق.

 

لتحقيق النجاح الكامل، البصيرة هي شرطٌ لازمٌ ولكنّها ليست شرطاً كافياً. بتعبيرنا نحن طلّاب العلوم الدينية، هي ليست علّة تامّة للنجاح. هناك بصيرة يحصل عليها الإنسان من خلال اختياره للرؤية الكونية وفهمه الأساس للمفاهيم التوحيدية وعبر نظرته التوحيدية إلى عالم الطبيعة. الفرق بين النظرة التوحيدية والنظرة المادية هو في التالي: في النظرة التوحيدية، هذا العالم هو مجموعة منظّمة، مجموعة ذات قانون، طبيعة هادفة، نحن أيضاً كجزء من الطبيعة، وجودنا، خَلْقُنا وحياتنا لها هدف، لم نُخلق عبثاً في هذه الدنيا. هذه لازمة النظرة التوحيدية.

 

معنى الاعتقاد بوجود إله عالم وقادر هو أنه حينما فهمنا أن لدينا هدفاً، ننهض للبحث عن ذلك الهدف. هذا البحث بحدّ ذاته هو جهد مؤمّل. نسعى لكي نجد ذلك الهدف. بعد أن نجده ونفهم ما هو الهدف، يبدأ السعي للوصول إليه. في هذه الحالة، فإن كل حياة الإنسان تصبح سعياً، سعيٌ هادف ومعروف الاتجاه. من ناحية

 

 

651


552

خطاب الولي 2010

 أخرى نعرف أيضاً أنه عبر النظرة التوحيدية، كل نوع من السعي والمجاهدة في سبيل الهدف، يوصل الإنسان حتماً إلى نتيجة. هذه النتائج ذات مراتب. وهي توصل الإنسان يقيناً إلى النتيجة المطلوبة. وعندها فلا معنى لشيء باسم اليأس والضياع والاكتئاب في حياة الإنسان. عندما تعرفون أن وجودكم وخلقكم وحياتكم وتنفّسكم يرتبط بتحقيق هدف فستتحرّكون وراء هذا الهدف، وستبذلون الغالي والنفيس للوصول إليه.

 

إن هذا السعي نفسه له أجرٌ وثواب عند الله تعالى والذي هو خالق الوجود. عندما تصلون إلى أية نقطة فإنكم في الواقع قد وصلتم للهدف. في النظرة الإسلامية، الخسارة والضرر لا يمكن تصوّرهما بالنسبة للمؤمن. حيث قال "ما لنا إلا إحدى الحسنيين"، واحدة من اثنتين كلاهما أحسن، إما أن نموت في سبيل الله، وهذه حسنى، وإما أن نزيل العدو من الطريق، وهذه حسنى أيضاً. فهنا لا وجود للضرر أبداً.

 

في النقطة المقابلة تماماً تقع النظرة المادية. تعتبر النظرة المادية أن خلق الإنسان ووجوده في العالم لا هدف له، فالإنسان فيها لا يعرف لماذا جاء إلى الدنيا. بالطبع، هو يحدّد لنفسه أهدافاً في الدنيا ـ كأن يصل للمال، أن يصل للحب، أن يصل للمنصب، أن يصل للذّات الجسدية أو اللذات العلمية، يمكنه أن يحدّد لنفسه أهدافاً كهذه ـ لكن أي منها ليس هدفاً طبيعياً، ليس ملازماً لوجوده. عندما لا يكون هناك اعتقاد بالله، فالأخلاقيات أيضاً تصبح بلا معنى، العدالة بلا معنى، ولا معنى لشيء سوى اللذة والنفع الشخصي. إذا اصطدمت قدم الإنسان بحجر وتأذّى في طريق الوصول إلى نفعه الشخصي يكون قد تضرّر وخسر. إن لم يصل للربح، إن لم يستطع أن يسعى، يأتي دور اليأس والانتحار وغيرهما من الأعمال غير المعقولة. لاحظوا إذن الفرق بين النظرة التوحيدية والنظرة المادية، بين المعرفة الإلهية والمعرفة المادية. هذه هي أهم ركائز البصيرة.

 

عندما يدخل الإنسان في صراع على أساس هذه النظرة، فإن هذا الصراع هو جهد مقدس، إذا قام بحرب مسلّحة فإن الأمر كذلك. الصراع في الأصل ليس قائماً على سوء على الظن وسوء النوايا. الصراع يهدف إلى أن تصل الإنسانية ـ وليس فقط هذا الإنسان نفسه ـ إلى الخير والكمال والرفاهية والتكامل. بهذه النظرة تكتسب الحياة وجهاً

 

 

652


553

خطاب الولي 2010

جميلاً وتصبح الحركة في هذا الميدان الواسع عملاً لذيذاً. يزول تعب الإنسان بذكر الله تعالى وذكر الهدف. هذا هو المرتكز الأساس للمعرفة، المرتكز الأساس للبصيرة. هذه البصيرة هي أمرٌ مطلوبٌ ولازمٌ جداً، هذا ما يجب أن نوفّره في أنفسنا. في الحقيقة فإن البصيرة هي أرضية جميع الجهود والمساعي الإنسانية في المجتمع.

 

هذا مستوىً من مستويات البصيرة.

 

فضلاً عن هذا المستوى الواسع والطبقة العميقة للبصيرة، في الحوادث المختلفة أيضاً من الممكن للإنسان أن يتحلّى بالبصيرة أو يفقد البصيرة. هذه البصيرة بأي معنى؟ ما معني أن يحصل على البصيرة؟ كيف يمكن أن يجدها؟ هذه البصيرة الواردة في الروايات والتي تمّ التأكيد عليها أيضاً في كلمات أمير المؤمنين، تعني أن يتدبّر الإنسان في الحوادث التي تجري من حوله والحوادث التي تجري معه وترتبط به، يتدبّر ويسعى كي لا يمرّ على الحوادث مرور الكرام وبشكل سطحي كالعوام، وبتعبير الإمام أمير المؤمنين، أن يعتبر: "رحم الله امرءاً تفكّر فاعتبر"[1]، يفكّر وعلى أساس هذا الفكر يعتبر ويأخذ العبر. أي أنّه يزن المسائل بالتدبر: "اعتبر فأبصر". بهذا الميزان يجد البصيرة. النظر الصحيح إلى الحوادث، والتدبّر فيها، يوجد البصيرة عند الإنسان. أي أنّه يوجد قدرة على الرؤية والتبصر لدى الإنسان ويفتح عينيه على الحقيقة.

 

يقول أمير المؤمنين عليه السلام في موضع آخر: "فإنّما البصير من سمع فتفكّر ونظر فأبصر"[2]، البصير هو الذي يسمع، لا يغلق أذنيه، وعندما يرى يفكّر، لا يمكن للإنسان أن يقبل بأمر أو يرفضه بمجرّد سماعه، ينبغي التفكّر "البصير من سمع فتفكّر ونظر فأبصر"، ينظر ولا يغلق عينيه. مشكلة الكثير من الذين زلّت أقدامهم وهووا في منزلق انعدام البصيرة، هي أنّهم نظروا ثم أغلقوا أعينهم عن الحقائق الواضحة. على الإنسان أن ينظر، وعندها سيرى. في الكثير من الأوقات نحن لسنا مستعدّين لكي ننظر إلى بعض الأشياء. الإنسان يرى بعض المنحرفين الذين يرفضون أن ينظروا أصلاً. الآن لن نتوقف عن العدو العنيد ـ فيما بعد سأتحدّث عنه ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا

 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص149.

[2] المصدر نفسه، ص213.

 

 

653


554

خطاب الولي 2010

وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾[1]، ـ هناك بعضٌ ممن عندهم دافع وسبب للعداء ويواجهون بعناد، حسناً! هؤلاء أعداء، بحثنا الآن ليس حولهم، البحث هو عنّي وعنكم حيث إننا في الساحة. إن أردنا أن نتحلّى بالبصيرة علينا أن نفتح أعيننا، أن نبصر، هناك أشياء يمكن رؤيتها. إذا تجاوزناها بشكل سطحي ولم نلتفت إليها، نكون قد أخطأنا بالطبع.

 

أضرب لكم مثلاً من التاريخ. في حرب صفّين كان جيش معاوية قاب قوسين أو أدنى من الهزيمة، الحيلة التي استعملوها للنجاة من الخسارة الحتمية هي رفع المصاحف على الرماح والتقدّم إلى وسط الميدان، بما معناه أن القرآن هو الحاكم بيننا وبينكم فتعالوا نتحاكم إليه ونطبّق ما يقوله القرآن، حسناً، هذا عمل جيد عند العوام. بعضهم، ممّن عُرف فيما بعد باسم الخوارج وشهروا سيوفهم بوجه أمير المؤمنين، كان في جيش أمير المؤمنين وشاهد المصاحف فوق الرماح، قال إنها فكرة جيدة، فهؤلاء لا يطلبون أمراً سيئاً، بل يقولون تعالوا إلى القرآن ليحكم بيننا، هنا كانت الخديعة، وهنا تزلّ قدم الإنسان لأنّه لم ينظر إلى ما تحت قدمه. الناس لا يسامحون الذي انزلق وسقط أرضاً إن كان لم ينظر إلى ما تحت قدميه. هؤلاء لم ينظروا. لو كانوا يريدون أن يعرفوا الحقيقة، الحقيقة كانت أمام أعينهم. هذا الذي يدعوهم للرضى بحكم القرآن هو شخص خرج لقتال الإمام المبايَع له والمفترض الطاعة! كيف يكون معتقداً بالقرآن؟ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، عدا عن كونه بالنسبة لنا منصوصاً عليه ومنصوباً من قبل الرسول، فإن من لا يقبل بذلك، بلا شك يقبل بأن جميع الناس قد بايعوا الإمام علياً عليه السلام بعد وفاة الخليفة الثالث، وبالتالي فإنهم يقبلون بخلافته، فقد صار إماماً وحاكماً مفترض الطاعة في المجتمع الإسلامي.

 

من الواجب على جميع المسلمين أن يتصدّوا لكل من يحاربه ويشهر السيف بوجهه. حسناً، إن كان هذا الذي رفع المصحف على الرماح، يعتقد حقاً بالقرآن، فالقرآن يقول له لماذا تحارب عليّاً؟


 


[1] سورة النمل، الآية 14.

 

 

654


555

خطاب الولي 2010

يجب عليه أن يرفع يديه عالياً ليقول نحن لن نقاتل، يضع سيفه في غمده. هذا ما كان يجب أن يراه هؤلاء، ما كان يجب أن يفهموه. هل كان هذا الأمر معقداً؟ هل كان معضلاً لا يمكن فهمه؟ لقد قصّروا. هذا يصبح انعداماً للبصيرة. لو أنّهم تدبّروا وتأمّلوا قليلاً، لكانوا فهموا هذه الحقيقة، لأنهم هم أنفسهم كانوا أصحاب أمير المؤمنين في المدينة، وكانوا قد شاهدوا أن بعض رجال معاوية كان مؤثّراً في قتل عثمان، ساعد في قتل عثمان، في الوقت نفسه رفع قميص عثمان طلباً للثأر. هم من قام بهذا العمل، هم مقصّرون، لكنّهم كانوا يبحثون عن المقصّر. انظروا، عدم البصيرة هنا ناشئ عن عدم الدقّة، عدم النظر، عن إغماض العينين أمام حقيقة واضحة.

 

في قضايا الفتنة الأخيرة هذه، أخطأ بعضهم بسبب عدم البصيرة. حصل ادّعاء بالتزوير في انتخابات حاشدة وعظيمة، حسناً، طريقه واضح. إذا اعتقد أحدٌ أنّ هناك تزوير، عليه أولاً أن يستدلّ، أن يقدّم دليلاً على وجود التزوير، وبعد أن يقدّم دليلاً أو لا يقدّم، القانون هو الذي يحدّد طريقة المتابعة، يمكنه أن يتقدّم بشكوى. ينبغي التحقيق وإعادة النظر، يأتي أشخاصٌ محايدون لينظروا كي يتبينوا وجود التزوير أو عدمه، هذا هو سبيله الوحيد. إن لم يرضخ شخصٌ للقانون ولم يقبل به ـ مع أني ساعدت كثيراً: فقد قمت بتمديد المهلة القانونية، حتى قلنا لهؤلاء فليأتوا ويعيدوا فرز الأصوات أمام عدسات التلفاز ـ يكون قد تمرّد.... (الجمهور يردد شعارات) يرجى الانتباه. ليس الهدف أن نعطي رأينا بالقضايا الماضية، نحن هنا نضرب مثلاً. إذن، اكتساب البصيرة ليس بالأمر الصعب. إذا نظرتم فسترون أنّ هناك طريقاً معقولاً وقانونياً والذي يتهرّب منه ويقوم بعمل يسبّب الأضرار للبلد، ضربة للمصالح الوطنية، حسناً، من الواضح أنّ هذا الشخص مدان بالمعايير العادلة وغير المتحيزة، هذا شيء واضح. فلاحظوا إذن، إن المطالبة بالبصيرة ليست مطالبة بأمرٍ صعب وغير ممكن. اكتساب البصيرة ليس أمراً شاقاً. اكتساب البصيرة يحتاج فقط إلى الحدّ الذي لا يكون فيه الإنسان أسيراً للمصائد والشباك المختلفة من الصداقات والعداوات وأهواء النفس والأحكام المسبقة. يكفي الإنسان هذا الحد،ّ بأن ينظر ويتدبّر ليجد الحقيقة. المطالبة بالبصيرة هي هذه المطالبة بالتدبّر، النظر وليس أكثر. وعلى هذا يمكن أن يفهم أن

 

 

655


556

خطاب الولي 2010

تحصيل البصيرة هو عمل الجميع، الجميع يمكنهم إيجاد البصيرة. بعضهم يقع في الغفلة، ليس بسبب العناد ولا بسبب سوء النوايا. مع أن الإنسان يحب نفسه كثيراً ولكنّه أحياناً يغفل للحظة أثناء قيادة السيارة، لحظة من السهو، من غلبة النعاس، تعقبها خسارة لا تعوّض. العثرات وزلّات الأقدام التي تحصل في هذا المجال لا يمكن عدّها ذنوباً، ولكن إذا استمرّت وتتابعت، فهذا إذاً فقدان للبصيرة، وهذا ليس مقبولاً بعد الآن.

 

حالياً، أساس عمل العدوّ في الحرب الناعمة، هو إثارة الغبار في الجو السياسي للبلد، انتبهوا إلى هذا. اليوم أهم عمل للعدوّ هو هذا. المطّلعون والمتابعون للعمل السياسي وقضاياه، يعرفون بأنّه حالياً قدرة القوى العظمى لا تكمن في قنابلها النووية ولا في الثروات المكدّسة في مصارفها، بقدر ما تتجلّى في قوّتها الإعلامية، في صوتها العالي الذي يصل إلى كل مكان. هم يتقنون جيداً الأساليب الإعلامية. وللإنصاف لقد تطوّروا في العمل الإعلامي. لقد تعلّم الغربيون اليوم - سواء في أوروبا أو في أمريكا ـ أساليب حديثة ومتطورة جداً في الإعلام، نحن ما زلنا في الخلف في هذا المجال. أحد أهم أعمال هؤلاء أنّهم محترفو إعلام. ينبغي الالتفات إلى هذه النقطة، ينبغي مراقبة هذا الأمر. تكليف شبابنا اليوم في هذا المجال ثقيل، ليس المطلوب منكم فقط أن تعرفوا أنتم الحقيقة، بل إنّ عليكم أن تجعلوا جوّكم ومحيطكم الخارجي ذا بصيرة أيضاً وأن توضحوا القضايا للآخرين.

 

هناك نقطة أساس وهي أن الباطل لا يظهر دائماً أمام الإنسان بشكل واضح وجليّ ليعرف الإنسان بأن هذا هو الباطل، غالباً ما ينزل الباطل إلى الميدان بلباس الحق أو بجزء من الحق.

 

قال أمير المؤمنين عليه السلام: "إِنَّمَا بَدْء وُقُوعِ الْفِتَنِ أَهْوَاء تُتَّبَعُ، وَأَحْكَامٌ تُبْتَدَعُ، يُخَالَفُ فِيهَا كِتابُ اللهِ"، إلى أن قال: "فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ، وَلَوْ أَنَّ الْحقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ البَاطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ"[1]،

 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص88.

 

656


557

خطاب الولي 2010

 أي أن الحق والباطل لو كانا صريحين واضحين وسط الميدان لما بقي مجال للاختلاف، فالجميع يحب الحق ويكره الباطل، "وَلكِن يُؤْخَذُ مِنْ هذَا ضِغْثٌ، وَمِنْ هذَا ضِغْثٌ، فَيُمْزَجَانِ! فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ"، يخلط جزء من الحق مع مع جزء من الباطل فلا يكونان متمايزين وعندها يشتبه الأمر على المخاطَبين. يجب مراقبة هذا بشكل جيد. اليوم، في الإعلام العالمي، كل اعتمادهم على هذا الأمر، أن يظهروا الحقائق في بلدكم ومجتمعكم ونظامكم الإسلامي بنحوٍ معاكس ومخالف للواقع، إمكاناتهم الإعلامية كثيرة وكبيرة، وهم مشغولون دائماً. بالطبع، هناك أيضاً أشخاصٌ في الداخل، عمداً أو سهواً، يكرّرون كلام الخارج ويروّجونه.

 

حسناً، توجد نقطة هنا وهي: أن البصيرة تكون أحياناً موجودة ولكن الخطأ والاشتباه يستمرّان في الوقت نفسه، ولذلك قلنا إنّ البصيرة ليست شرطاً كافياً للنجاح، هي شرط لازم. يوجد هنا عوامل أخرى، إحداها مسألة عدم وجود العزم والإرادة. بعضهم يعرف الحقائق، لكنّه يقرّر أن يتّخذ موقفاً، لا يقرّر أن يصرّح بما يجب، لا يقرّر أن يقف مع الحق وفي موقف الدفاع عن الحق. طبعاً، هناك أسباب لعدم اتّخاذ القرار: طلب العافية أحياناً، هوى النفس أو الشهوات أحياناً أخرى، اتّباع المصالح الشخصية وأحياناً العناد واللجاجة، حيث إنّ أحدهم يتفوّه بكلمة ويريد أن يبقى ملتزماً بكلمته، فلو تراجع فإنّ بعضهم سيعيّره ويشمت به. وقد ورد في رواية: "لعن الله اللجاجة". بعض الأشخاص مطّلعون على الوقائع ويعرفون الحقائق، لكنّهم في الوقت نفسه يساعدون الاتّجاهات المخالفة، اتّجاهات العدوّ. الكثير من الذين ندموا (على ثوريتهم وجهادهم!) وانقلبوا على أعقابهم، كانوا في يوم من الأيام ثوريين بشكل إفراطي متشدّد، ولكنّكم اليوم ترونهم قد وقفوا في النقطة المعاكسة تماماً وانشغلوا بخدمة أعداء الثورة! السبب هو تلك العوامل، الأهواء النفسانية، الشهوات النفسانية، الغرق في الطلبات المادية، والعامل الأصلي لهذا كلّه هو الغفلة عن ذكر الخالق، الغفلة عن الواجب، الغفلة عن الموت، والغفلة عن القيامة، هذا ما يجعلهم يغيرون اتّجاههم مئة وثمانين درجة.

 

657


558

خطاب الولي 2010

طبعاً، هناك من يشتبه. لا يمكن اعتبار الجميع مقصّرين. نحن رأينا كيف أنّ بعضهم قد جاءهم من أعطاهم أموالاً بعنوان هدية أو بعنوان تودّد وتقدير، فأخذوها منهم ولم يفهموا أنّ هذا اسمه رشوة. ما يجري في عالم الواقع يشبه بعضه بعضاً، لكنّ التفطّن إلى أن اسم هذا رشوة أو لا، هو المهم. أنت توافقت معه على أن تنجز عملاً بناء على رغبته، هو يأتي ويقبّل يدك ويدفع لك مالاً. حسناً، هذا اسمه رشوة، والرشوة الحرام هي هذه.

 

في مسائل الفتنة الأمر هكذا أيضاً. دخل بعضهم في هذه الفتنة وفي هذه المعمعة، ولم يفهموا أنّ هذا اسمه سعي للإطاحة بالنظام، لم يفهموا أنّ هذه الفتنة التي قال عنها أمير المؤمنين عليه السلام: "في فِتَن دَاسَتْهُمْ بِأَخْفَافِهَا، وَوَطِئَتْهُمْ بأَظْلاَفِهَا، وَقَامَتْ عَلَى سَنَابِكِهَا"[1]. الفتنة تطحن وتزيل الذين يقعون تحت قدميها. هؤلاء لم يفهموا أن هذه فتنة. قال واحد كلمة وهم صاروا يكرّرونها. لذا لا ينبغي الحكم على الجميع بحكم واحد. حكم المعاند مختلف عن حكم الغافل. لكن الغافل أيضاً ينبغي تنبيهه.

 

أريد أن أقول لكم أيها الشباب، لكي تبنوا إيران الإسلامية، أي أن ترفعوا رأس أمّتكم ووطنكم وتاريخكم، أن تؤدّوا واجبكم بافتخار تجاه الإسلام ـ حيث إنّ من يبذل الجهد اليوم لرقيّ وإعزاز إيران الإسلامية، يكون قد قدّم خدمة لشعبه وتاريخه وكذلك يكون قد خدم الإسلام العزيز الذي هو سبيل النجاة للبشرية ـ فإنّ عليكم أن تكونوا يقظين، عليكم أن تكونوا أذكياء، عليكم أن تحضروا في الساحة، عليكم أن تجعلوا البصيرة محوراً لأعمالكم. حذار أن تبتلوا بعدم البصيرة.

 

اعرفوا العدوّ. لا تدعوا مظاهر العدوّ تخدعكم. النزعة المادية، الفكر المادي، الحضارة المادية كلّها أعداء البشرية وأعداؤكم أنتم. العالم الغربي قد وصل قبل قرنين أو ثلاثة قرون إلى العلم الأعلى والتقنية الأرقى وحصل بذلك على سبل تجميع الثروات وتكديسها. ظهرت المدارس والمذاهب الاجتماعية المختلفة، أفكار الفلسفات الاجتماعية المتعدّدة - الليبرالية القائمة على الفكر الإنسني (أصالة محورية الإنسان)،

 


[1] السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص47.

 

658


559

خطاب الولي 2010

 الفكر الديمقراطي وما شابه - كان هدف هؤلاء أو هدف الذين اتّبعوا هذه الأفكار إيصال البشرية إلى الراحة والسعادة والرفاهية، لكن ما حصل في الحقيقة كان العكس. فالبشر تحت ظلال الأفكار الإنسنية (محورية الإنسان) وأنظمتها، لم تحقّقوا إنسانيتهم ولم يصلوا إلى الراحة، ليس هذا فحسب، بل الأدهى من ذلك أنّ أكثر الحروب والمجازر وأسوأ الجرائم وأبشع أعمال الإنسان ضدّ الإنسان قد وقعت في هذا العصر.

 

الذين كانوا الأكثر تطوّراً في هذا الميدان كانوا هم الأسوأ! بالأمس قرأت في إحدى الصحف خبراً عن مصادر أمريكية أن أمريكا قد قامت بثمانين انقلاباً في جميع أنحاء الدنيا وذلك ما بين الأربعينيات والتسعينيات من القرن الماضي - أي خلال خمسين عاماً! انظروا إلى الذين وصلوا إلى قمم التقنية والثروة والسّلاح والتجهيزات و...الخ، لتروا مستوى همجيتهم. الإجرام وقتل الإنسان بالنسبة لهم أمرٌ عادي، كما يعبّرون هم "القتل ببرودة دم"! في الأدبيات الغربية يقال: "فلان قتل إنساناً ببرودة دم"! هذه علامة منتهى القسوة. ليس فقط في أفغانستان والعراق وفي تلك المناطق المحتلّة من قِبَلِهم وغزوها بقوّة السلاح، بل حتى داخل بلدانهم ومجتمعاتهم نفسها فالأمر كذلك. راجعوا آدابهم التي تعبّر عن حقائق حياتهم، فنونهم، آدابهم تشير إلى ما يحصل في حياتهم. قتل الإنسان بالنسبة إليهم هو عمل في غاية السهولة. من ناحية أخرى، يلاحظ، في مجتمعاتهم وفي أوساط شبابهم، حالات الاكتئاب واليأس من الحياة والتمرّد على أعراف الحياة الاجتماعية. أنواع لباسهم وطرق تبرّجهم غالباً تدلّ على أن الشاب قد ملّ من الجوّ المسيطر عليه. هذا نتيجة تجربة المذاهب والأنظمة التي أوجدها الغربيون. سبب جميع هذه الظواهر هو أنّهم قد ابتعدوا عن الله والدين والمعنويات. لذلك فإن سلوكهم هو عدوّ للبشرية.

 

أنتم اليوم تتحرّكون في النقطة المقابلة لهم. أنتم تريدون أن تحصلوا على العلم عبر الفكر الإلهي، أنتم تريدون أن تجمعوا بين الإمكانات الطبيعية والإمكانات الإنسانية من أجل الخير المادي والمعنوي لشعبكم وللشعوب جميعاً، من أجل خير البشرية مادياً ومعنوياً. وجهتكم وجهة إلهية. إن سعيكم سينجح ويتطوّر وينتصر. إنّ هذه الحركة

 

 

659


560

خطاب الولي 2010

هي النقطة المقابلة المواجهة لحركة قرنين أو ثلاثة قرون من الانحراف الذي قام به الغرب. هذه الحركة هي حركة مباركة وستستمر حتماً.

 

يجب على الشباب الإيراني المسلم أن يعدّ نفسه، أن يجهّز نفسه، في طريق التقدّم، أن يتوكل على الله تعالى، أن يستعين بالله، أن يسير إلى الأمام ببصيرة، وعندها فإنه سيجد العدّة والعتاد المناسبين لمواجهة الأساليب الخاطئة الحاكمة والرائجة في الدنيا. وإن شاء الله فإنه سيصل إلى جميع الأهداف والآمال التي حدّدها الإسلام وهذه الثورة.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

660


561

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء المسؤولين التنفيذيين بمحافظة قم

 

 

 

 

المناسبة:   الزيارة الخاصة لمدينة قم

الحضور:  جمع من الوزراء المسؤولين التنفيذيين بمحافظة قم

المكان:   مدينة قم

 

الزمان:    05/08/1389هـ.ش.

19/11/1431هـ.ق.

27/10/2010م.

 

 

661


562

خطاب الولي 2010

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين لا سيما بقية الله في الأرضين.

 

السلام عليك يا سيدتي ومولاتي يا فاطمة يا بنت موسى بن جعفر أيتها المعصومة سلام الله عليك وعلى آبائك الطيبين الطاهرين المعصومين.

 

نحن مسرورون جداً للقائنا الطيب اليوم بالخدمة الصميميين المخلصين لشعب إيران ومدينة قم. إنني أشكر هيئة الوزراء المحترمة لجهودها وتدابيرها من أجل عمارة قم والمساعدة على رفاهية هؤلاء الأهالي الأعزاء وقدومهم إلى قم والحضور أمام مرقد السيدة المعصومة عليه السلام.

 

وأشكر شكراً جزيلاً جميع الحضور المحترمين العاملين على تقديم الخدمة في أي قطاع من القطاعات، وأرجو أن يوفقكم الله تعالى ويكون راضياً عنكم، وأن تستطيعوا إن شاء الله إرضاء هؤلاء الناس الأعزاء المؤمنين المتحمسين عنكم بكل معنى الكلمة.

 

الخدمة توفيق كبير لكل من يُوفّق لها. تقديم الخدمة للناس هو بحد ذاته قيمة وحسنة عند الله تعالى. وإذا كان أولئك الناس الذين تخدمونهم ذوي صفات وخصال كالإيمان والجهاد والدوافع السامية في الأنشطة الاجتماعية، فستكون خدمتهم قيمة مضاعفة. وخدمة أهالي قم من هذا القبيل، الأهالي الذين خرجوا مرفوعي الرأس من الانتخابات وفي مواجهة المسؤوليات الجسيمة طوال العقود الماضية. خدمة هؤلاء الناس توفيق كبير حقاً. فاعرفوا أيها الإخوة والأخوات الأعزاء المحترمون قدر هذه الخدمة.

 

كانت قم مبغوضة في عهد حكومة الطاغوت. وقد كانت مبغوضة تحديداً بسبب

 

 

663


563

خطاب الولي 2010

خصالها المعنوية والواقعية، بسبب تدين أهلها وارتباطهم برجال الدين، وبسبب الحوزة العلمية الموجودة في هذه المدينة. انطلق أول نداء لمجابهة ظلم رضا خان من مدينة قم. من أجل أن يستطيع المرحوم الحاج آقا نور الله الإصفهاني مواجهة استبداد رضا خان في بداية حكمه جعل من قم مقراً وملاذاً له، فجاء إلى قم، واجتمع علماء المدن المختلفة في قم، وقد واجهوا طبعاً قمع الحكومة البهلوية العسكرية المستبدة، وجرى سمّ المرحوم الحاج آقا نور الله فاستشهد. بعد ذلك، رفع عالم دين متّقٍ نداءه في هذا الصحن الطاهر ضد كشف الحجاب وفرض السفور، ولفت إليه كل الأنظار، فقام رضا خان من طهران وانهال بالضرب على هذا الرجل العالم التقي الورع المجاهد المعنوي.. لمجابهة الأجهزة البهلوية سابقتها في قم..

 

إذن، القضية لا تعود إلى بداية فترة كفاح علماء الدين في سنة 41 هـ ق. (1962م). أدى كل هذا إلى أن تتعامل حكومة الطاغوت مع قم كما لو أنها عدو. لذلك لم يكن ثمة عمران في قم، ولم تكن تنفق لها الميزانيات اللازمة ولا تتوفر فيها الإمكانيات المختلفة، أي إنهم قلّما كانوا يهتمون بقم. كثير من احتياجات الناس كان يجري تجاهلها خلال فترة الطاغوت، فلا يعملون للناس ولا يخدمونهم، إنما كانت لهم مشاغل أخرى، لكن مع ذلك كانت قم محترمة أكثر من كثير من المدن الأخرى. هكذا كان وضع قم.

 

وبعد الثورة جرى اهتمام وإقبال خاص على قم. ولكن للحق والإنصاف - كما جاء في التقارير، وأنا أصدِّق وأؤيّد هذه التقارير - فقد ازدادت وتسارعت حركة العمران في قم والمساعدة على بناء هذه المدينة، وتحقق نمو ملحوظ فيها منذ خمسة أعوام، وهذا أمر مغتنم طبعاً، ولكن يجب أن يستمر. لو استمرت هذه الهمم وهذا الشوق والرغبة التي يبديها المسؤولون المحترمون اليوم تجاه قم فمن المأمول إن شاء الله تلافي حالات التأخر المتراكمة عن الماضي تدريجياً.. وهذا أمر مهم بالنسبة للبلاد. تقديم الخدمة لقم ليس مجرد تقديم الخدمة لمدينة معينة، إنما هو تقديم الخدمة لكل البلد ولسمعة البلد، فهنا معقل الثورة، ومعقل علماء الدين، وفي هذه المدينة أكبر حوزة علمية، وفيها شخصيات علمية ودينية بارزة، وهي محط أنظار الكثيرين في العالم. لاحظوا أن جميع الأجهزة الإعلامية في العالم تركزت خلال هذه الأيام القليلة على قم

 

 

664


564

خطاب الولي 2010

وأهالي قم ورجال الدين في قم. هذا مؤشر على أهمية هذه المدينة وقطبيتها. وبالتالي فتقديم الخدمة لهذه المدينة هو في الحقيقة خدمة لسمعة الجمهورية الإسلامية.

 

من المخططات الإعلامية للأعداء على امتداد سنوات الثورة تضعيف رموز الثورة والإسلام والحطّ والنيل منها. كل ما يوجد في البلاد ممّا يرمز للإسلام والثورة على المستوى الوطني يحاولون النيل والحطّ منه، كتضعيف رجال الدين والاستهزاء بهم، وتضعيف الكثير من المعارف الإسلامية وإهانتها والنيل منها من قبل أشخاص مختلفين.. وكذا الحال بالنسبة لتضعيف قم.

 

لقد خططوا لمدينة قم. وكما قلت بالأمس في اجتماع هنا كان قرار جبهة الأعداء أن تخلق في قم نفسها مضاداً للثورة بعد أن كانت مقراً ومعقلاً لعظمة الإسلام ورفع راية الثورة، وأن يجعلوا هذا المعقل معقلاً لمناهضة الثورة. وقد سعوا في هذا الاتجاه وخططوا له، واستخدموا مختلف الأساليب، ومنها العمل على أفكار أهالي قم ومشاعرهم عسى أن يستطيعوا إخماد هذه المشاعر أو تقليل جذوتها. جرت الكثير من الأعمال والجهود بهذا الاتجاه خلال هذه الأعوام.

 

وإذا كنتم تجدون ردّ الناس على كل هذه الجهود والأعمال العدائية رداً حماسياً عظيماً هكذا - الملحمة التي صنعها وأبداها أهالي قم في هذه الأيام الأخيرة - فما هذا إلا بسبب يقظة هؤلاء الناس، ومؤشر على عمق إيمانهم ورسوخه في القلوب. وإلا فالعدو لم يقصّر في شيء ولم يتوان عن شيء. الاهتمام بقم كبير، ويجب فعل ما يجهض هذا الإعلام، وهذا ما يتاح عن طريق خدمة هؤلاء الأهالي ومساعدتهم وتشخيص المشكلات الحقيقية التي تعاني منها هذه المدينة وأهاليها. لذا فإن توصيتي المهمة اليوم في هذا الاجتماع لكم أيها المسؤولون المحترمون هي أن تبذلوا قصارى جهدكم لخدمة هؤلاء الأهالي وحلّ معضلات حياتهم.

 

بالطبع فإن إمكانيات الأجهزة الحكومية محدودة وهي ليست إمكانيات لا محدودة. ينبغي ترتيب الأولويات.. وقد كان الأمر كذلك دائماً. ينبغي النظر ما هي الأولويات.. وهذه إحدى الأولويات. أعتقد أن القضايا المهمة في مدينة قم - وهي على جادة التنفيذ لحسن الحظ - يجب أن تفهرس بدقة. هذه القرارات التي اتخذتها هيئة

 

665


565

خطاب الولي 2010

الوزراء اليوم هنا، والقرارات التي اتُّخذت في زيارات رئيس الجمهورية المحترم إلى هذه المدينة، يتعيّن تنفيذها بدقة وبحذافيرها.

 

يجب أن يحاول المسؤولون المحترمون متابعة هذه القرارات بدقة واهتمام إلى أن يفرغوا منها. قضية مياه قم وهي قضية جد أساس وحيوية بدأت أعمالها منذ أعوام والحمد لله، وقد وصلت إلى نتائج إيجابية بنحو نسبي، ولكن يتوجب مواصلة هذه المهمّة وهذا السعي إلى أن تصل مياه الشرب العذبة إن شاء الله إلى مدينة قم ويتنعّم أهاليها بحلاوتها.

 

وقضية المناطق الفقيرة في قم التي أشار لها السيدان في كلامهما ـ السيد المحافظ والسيد النائب الأول المحترمان ـ قضية على جانب كبير من الأهمية. المناطق التي ذكروا أسماءها ومناطق أخرى لم يذكروا أسماءها. ثمة في قم مناطق فقيرة كثيفة السكان، وأهاليها محبّون للثورة. كمنطقة (نيروكاه) التي ذكروها وبكل ما فيها من الحرمان، والأهالي هناك عشاق ومحبّون للثورة وسائرون في طريق مبادئها.. نحن على إطلاع على ذلك. وقد كان الوضع كذلك في سنوات الدفاع المقدس أيضاً، وما بعد ذلك إلى يومنا هذا. أو منطقة (شاه إبراهيم) والمناطق الأخرى الفقيرة والمتأخرة في قم.. يجب التفكير بطريقة أساس وجذرية لتوفير الإمكانيات الرفاهية والصحية والتعليمية والخدمية لهذه المناطق. يتعين القيام بخطوات كبيرة وقفزات سريعة كبيرة إلى أن تسير الأمور بعد ذلك في سياقها وسرعتها الطبيعية.

 

من قضايا قم قضية الصحة والعلاج. وقد سمعتُ خلال الأيام التي كنتُ فيها هنا آراء متعددة من طرق مختلفة حول حاجة مدينة قم لمزيد من الإمكانيات الصحية والعلاجية. وقد اتُّخذت قرارات معينة وسوف يتم تنفيذها إن شاء الله، ولكن يتوجب الاهتمام. سمعت أن من المجالات التي تنقصها الإمكانيات العلاجية هو مجال النساء، ويجب الاهتمام بهذا المجال إن شاء الله.

 

وقضية الصناعات اليدوية في قم ـ التي أشرت لها في كلمتي في اليوم الأول ـ قضية مهمة هي الأخرى. منذ أن كنا في قم سابقاً وما قبل ذلك، اشتهرت هذه المدينة بصناعتها ونسجها للسجاد الجميل والفاخر جداً. ولا بد من مدّ يد العون لهذه

 

 

666


566

خطاب الولي 2010

الصناعة. هذه من إمكانيات المدينة وهي فرصة مهمة جداً. سمعنا في كل مكان، وكان نساء قم ورجالها يفخرون بالسجاد الذي يحاك هنا، وكان مشهوراً ويسمى سجاد (نخ فرنك). ولا أدري هل لا يزال مشهوراً كما كان وبنفس التسمية أم لا. يتوجب الاهتمام بصناعة السجاد هنا وبباقي الصناعات اليدوية. إذ بوسع ذلك توفير الرفاهية للناس بنحو ذاتي داخلي.

 

وأشاروا إلى قطاع الصناعة وهو أمر حسن جداً. وسمعت بخصوص قضية الزراعة أن من المقرر نقل مقادير من الماء من طهران وورامين إلى منطقة (مسيله) الزراعية، وكان هذا من مشاريع الحكومة وقد اتُّخِذَ قراره مسبقاً.. إنه مشروع جيد جداً وعملية مهمة للغاية ستتم إن شاء الله. لقد تم إنجاز أعمال كبيرة على يد هذه الحكومة والحمد لله. في الحكومتين التاسعة والعاشرة ـ كما سبق أن أشير ـ تم القيام بأعمال ومشاريع قيّمة وبأضعاف ما أُنجز من الأعمال سابقاً، لكن الاحتياجات لا تزال قائمة، وقد قلّت وتقلّصت، إلا إنه لا بد من مزيد من المساعي والجهود لأجل رفع جميع الاحتياجات.. وهذا ما يقع على عاتقكم.

 

من الأمور المهمة جداً طريقة تعامل المسؤولين على اختلاف مستوياتهم مع الناس والمراجعين.. ولا بد أن يكون هذا التعامل بوجه بشوش. يقول الشاعر:

إذا لم تـستطع حـلّ العقد

فلا تعقـد حاجبيـك

كن منبسط الوجه والحاجبين

إن لم تكن منبسط اليد.

 

أحياناً لا يستطيع المسؤول تحقيق الأمور والمطالب المتوقعة منه. قد تكون اعتمادات المؤسسة وإمكانياتها وميزانيتها قليلة.. لا إشكال في ذلك.. إذا تمّ التعامل مع الناس بقدر المستطاع ولكن بوجه بشوش وأذرع مفتوحة وبصميمية فإن الناس سوف يرضون ويفرحون. أحياناً يراجعوننا إلى مكتبنا في طهران، وبعضهم لديهم مطالب لا يمكن لنا تحقيقها، فيقال لهم: نعم، وصلنا طلبكم، ولكن ليس في وسعنا إنجاز هذا

 

 

667


567

خطاب الولي 2010

الطلب، أو إنه بخلاف القانون، أو لمشكلات وعقبات أخرى. فيقولون: نحن راضون لمجرد أنكم اهتممتم بطلبنا وتابعتموه حتى لو لم يُنجز الطلب. الناس يفرحون لشعور المسؤولين بآلامهم وأوجاعهم ومشاركتهم همومهم. طبعاً، يجب عليهم السعي والعمل ورفع احتياجات الناس بقدر الإمكان. وقد ذكرنا أن إمكانيات الحكومة محدودة. يجب أن لا نتصور أن جميع الأعمال والمهام الضرورية بوسع الحكومة تحقيقها كيفما تريد، لا، ثمة قيود متنوعة لأسباب عديدة، ولكن يجب العمل بالقدر الممكن، وما نعمله ينبغي أن نعمله بوجه منفتح.. يجب أن تكون وجوهنا منفتحة بشوشة. هذه من أهم الأعمال التي تقع على عاتقنا وعلى عاتق جميع المسؤولين.

 

أنتم أيها المسؤولون المحترمون في القطاعات المختلفة ـ سواء في القطاعات التعليمية أو الخدمية أو الصناعية أو الزراعية أو الثقافية أو الصحية والعلاجية أو العسكرية والأمنية وسواها ـ اعلموا أن ثواب هذه الخدمة التي تقدمونها ليس مجرد الأجر الذي تتقاضونه من المؤسسة التي تعملون فيها، إنما ثوابها عند الله. الثواب الذي يعطيه الله تعالى أعلى وأحلى وأعظم بكثير من الأجور التي تمنح للإنسان في الدنيا، سواء الأجور الدنيوية المادية أو حتى الشكر والتقدير. قد نفعل أحياناً ما يستدعي شكر الناس لنا، وهذا بدوره أجر، بيد أن الأجر الإلهي أكبر من هذا بكثير. إنكم تقدمون خدمة وتخلصون في عملكم، وتخصصون وقتكم للعمل أكثر من أوقات العمل العادية، وقد لا يعلم بذلك أي إنسان، لكن الله به عليم. كثيراً ما يحدث ـ وقد شاهدنا ذلك كثيراً طوال خدمتنا على مدى إحدى وثلاثين سنة ـ أن يكون هناك أفراد يعملون عملاً مخلصاً من دون أن يدري بذلك أحد، ومن دون أن يعلم حتى رئيس الشخص أو مرؤوسوه بذلك. ينظر الشخص في ملف معين أو يتابع عملاً معيناً، وحينما ينتهي وقت الدوام، يقول لنفسه: سأبقى نصف ساعة أخرى أو ساعة أخرى لأنهي هذا العمل. ولا يعلم بالأمر أي شخص ولا يشكره أي شخص. اعلموا أن هذا باق عند الله. إن لم يعلم أي إنسان بذلك، فالكتّاب الإلهيون والكرام الكاتبون يعلمون ويكتبون ذلك ويسجلونه. يوم تحتاج كل العيون والقلوب للطف الله ورحمته ومغفرته، ستكون هذه الأعمال قرة عين وطمأنينة قلب لكم.. ستكون هذه الأعمال في يوم القيامة المهول العسير ظلاً

 

 

668


568

خطاب الولي 2010

على رؤوسكم. إذن، الأجر الإلهي أعلى بكثير.. خذوا هذا الأجر بنظر الاعتبار. أي عمل تقومون به وأية خدمة تقدمونها للناس فهي محفوظة مسجلة عند الله تعالى. حينما تعملون بهذه الروح فلن تتعبوا من العمل وسوف لن يستنـزفنا العمل، خصوصاً في ضوء أن بلادنا تحتاج إلى العمل حقاً. علينا التقدم والسير بسرعة كبيرة في كافة الميادين.

 

لقد فرضوا علينا التأخر في المجال العلمي طوال مئة عام أو مئة وخمسين عاماً. وكذا الحال على صعيد الصناعة، ونفس الحالة تصدق على المجالات الاجتماعية المختلفة. الحكومات الفاسدة المستبدة اللاهثة وراء شهواتها وبطونها، وفي العقود التي سبقت الثورة كانت هناك حكومات عميلة وتابعة بشدة، أذاقت تلك الحكومات البلاد الويل. ذات يوم كان هناك الاستبداد والدكتاتورية فقط ـ دكتاتورية ناصر الدين شاه، وفتح علي شاه ـ ولم تكن هناك تبعية. ولكن في وقت لاحق كان في البلد استبداد وعسف وضغط على الشعب، وإلى جانب كل ذلك خدمة الأجانب والعمالة لهم. رضا خان الشقي الذي كان يتهجم على الشعب كالذئب المتوحش، أعطى لأسياده الإنجليز أي امتياز طلبوه منه. أخذ معاهدة النفط وألقاها في المدفأة حسب الظاهر، ولكن بعد أيام وقّع معاهدة أسوأ وأخزى ولمدة طويلة ـ أضاف ثلاثين سنة أخرى على فترة المعاهدة السابقة - وسلّمها لهم! وكان مسؤولو حكومته تبعاً له. بعد زوال رضا خان قالوا لتقي زاده الذي كان وزير المالية آنذاك لماذا وقّعت تلك المعاهدة في ذلك الحين؟ فقال إنما كنتُ آلة الفعل. أي إن رضا خان نفسه هو المسؤول. الشخص الذي يتعامل مع شعبه بكل هذه الوحشية والوقاحة والعدوانية، كان ذليلاً صاغراً أمام الإنجليز. هم الذين جاءوا به إلى السلطة. في فترة من الفترات أراد الانتقال من قطب دولي إلى قطب دولي آخر ـ حيث مال نحو الألمان ـ فعزلوه وأخرجوه من إيران كعبد ذليل ونصّبوا ابنه مكانه.

 

هكذا عاش بلدنا سنين طوالاً. كان هذا الشعب تحت ضغط الحكومات المستبدة الفاسدة الدكتاتورية الجشعة سنين طوالاً. أينما كان في هذا البلد ملك عامر سجّله رضا خان باسمه.. في مازندران، وفي خراسان، وفي الكثير من المناطق الأخرى.. جمعوا الثروة

 

669


569

خطاب الولي 2010

والأموال والأملاك والمجوهرات، وفي النهاية أخذوا مبالغ من الثروة الوطنية وهربوا.

 

أُخذت إلى أمريكا الآن مليارات الدولارات من أموال هذا الشعب. في بداية الثورة طلبنا من أمريكا إعادة الثروة التي أخذتها العائلة البهلوية معها إلى الخارج، فلم يسمعوا، وكان واضحاً أنهم لن يسمعوا، فهم جميعاً من سنخ واحد.

 

وببركة الثورة فكّر هذا الشعب في تجديد حياته، وسار في طريق تجديد الحياة، وأنجز أعمالاً كبيرة، لكن أمامه أعمالاً أكبر. لا تزال أمامنا أعمال كبيرة يجب أن ننهض بها من الناحية العلمية والتقنية والخدمية، ومن حيث المؤسسات المختلفة وتنظيم البلاد. ليس بكثير كل ما تقومون به من أجل هذا الشعب. هذا ما أقوله لكم وأوصيكم به.

 

أشكركم جميعاً مرة أخرى أيها المسؤولون المحترمون الحاضرون في هذه المدينة المحافظ المحترم وغيره من المسؤولين ـ وأكرر الشيء الذي قلته في اليوم الأول: لتحذر المؤسسات والأجهزة الحكومية من أن تضرّ الاختلافات فيما بينها بالناس. يجب أن لا تطال نيران الاختلافات الناس.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

670


570

خطاب الولي 2010

 

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء الطلاب

بمناسبة ذكری الثالث عشر من آبان

 

 

         

المناسبة:   13آبان يوم مقارعة الاستكبار

الحضور:  آلاف التلاميذ وطلاب الجامعات وعوائل الشهداء

المكان:   طهران

 

الزمان:    12/08/1389هـ.ش.

1431/11/26هـ.ق.

30/11/0102م.

 

 

 

671


571

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مناسبة الثالث عشر من آبان هي لخيرة شباب بلادنا قبل غيرهم، أي للطلبة الجامعيين وطلاب المدارس. وهذا الاجتماع الذي هو نموذج للتجمع العظيم لشباب البلاد من كافة أنحاء هذا الوطن الإلهي هو اجتماع زاخر بالمعرفة والبصيرة والحماس والشوق لمطامح الثورة الكبرى وأهدافها. وهي بالنسبة لي أيضاً من أطيب الفرص أن ألتقي بكم أيها الشباب الأعزاء ويا أبنائي الأحبة وأطرح هنا بعض الكلمات التي يجب أن تُطرح بيننا.

 

المناسبات التاريخية لها في الغالب حكم الرمز والعلامة. يوم الثالث عشر من آبان لا يختلف بحد ذاته عن الأيام التي سبقته والأيام التي تليه، لكنه رمز. ما معنى الرمز؟ الرمز هو ما يحمل وراءه وفي داخله معاني كثيرة. يتلفظ الإنسان بكلمة وتكون لها معان وحقائق عديدة كامنة فيها. والثالث عشر من آبان من هذا القبيل. هذا اليوم رمز، وله خلفية وامتداد واسع من الأفكار المهمة، والقضايا الخطيرة، والمسائل التي لا تعدّ تاريخية بحال من الأحوال إنما تعدّ مسائلنا اليوم أيضاً.. لنلق نظرة على مناسبات هذا اليوم.

 

المناسبة الأولى في هذا اليوم هي أنهم نفوا إمامنا الجليل في مثل هذا اليوم من سنة 1343هـ.ش. (1964م). لماذا نفوه؟ لأنه ألقى قبل أيام من ذلك التاريخ كلمة حماسية في قم انتشرت فوراً في كل أنحاء البلاد عن طريق أشرطة الكاسيت والكتابة. وقد طالب فيها بحق من الحقوق الوطنية. وكان هذا الحق الوطني الذي طالب به هو إلغاء قانون الحصانة القضائية الظالم. من المناسب أن يطّلع جيل الشباب على هذه الأمور بوضوح، ويعلم أية منعطفات مررنا بها إلى أن وصلنا إلى هنا.

 

كان للأمريكان عشرات الآلاف من الموظفين في إيران - وليس عددهم الدقيق

 

 

673


572

خطاب الولي 2010

بالأمر المهم، خمسون ألفاً أو ستون ألفاً أو أكثر - كان هؤلاء الموظفون سياسيين وأمنيين وعسكريين في داخل المنظومة الإدارية لإيران سواء في الجيش أو المنظمات الاستخبارية أو قطاعات التخطيط والبرمجة أو القطاعات الأخرى. كانوا هناك يتقاضون أجوراً مضاعفة من الحكومة الإيرانية، لكنهم يعملون لأمريكا. كانت هذه حالة سيئة موجودة في بلادنا. النظام الطاغوتي البهلوي بسبب تبعيته لأمريكا وعمالته لها جاء بهؤلاء تدريجياً إلى داخل البلاد وعلى مدى عدة سنوات.

 

كان الأمر سيئاً إلى هنا. لكن ما حصل كان سوءاً مضاعفاً أضعافاً. والسوء المضاعف هو أنهم صادقوا في مجلس الشورى الوطني ومجلس الأعيان في ذلك الحين على قانون يقضي بإعفاء الموظفين الأمريكان من محاكم إيران وسلطتها القضائية والأمنية. بمعنى لو افترضنا أن أحد هؤلاء الموظفين ارتكب جريمة كبرى في إيران فلن يكون من حق محاكمنا أن تستدعيه وتحاكمه وتدينه. كان اسم هذا القانون الكابيتولاسيون (الحصانة القضائية). كان هذا منتهى ضعف الشعب وتبعيته للأجانب أن يأتي الأجانب إلى بلده ويفعلوا كل ما يشاءون، ولا يكون من حق محاكم البلاد وشرطتها أن يمسوهم بأي شيء. طلب الأمريكان هذا الشيء من النظام الطاغوتي وقدمه لهم النظام الطاغوتي على طبق من ذهب: قانون الحصانة القضائية.

 

هم طبعاً كانوا يفعلون أفعالهم هذه بدون ضجيج، ولا يسمحون بانعكاسها في الصحافة، لكن الإمام اطّلع على الأمر. هتف الإمام في خطابه قبل الثالث عشر من آبان في اجتماع طلبة العلوم الدينية والناس في قم معترضاً على هذا القانون. وكان تعبيره أنه لو أهان موظف أمريكي بسيط في هذا البلد مرجع تقليد، أو دهسه بسيارته، أو ارتكب أية جريمة، فإن قوانين إيران ستكون معطَّلة تماماً إزاء هذا الموظف، وليس من حق أي شخص التعرض له بشيء، فالأمريكان أنفسهم يعرفون ماذا يجب أن يفعلوا له. وواضح ما الذي سيفعلونه. هتف الإمام مقابل هذا القانون الظالم وكان قد خرج من السجن لتوّه.

 

 

 

674


573

خطاب الولي 2010

كان قد خرج قبل أشهر من سجنه الذي طال عدة أشهر. وقف الإمام وأسمع الجميع هتاف الشعب الإيراني المكبوت. وبالطبع فإن الكثير من أبناء الشعب الإيراني لم يكونوا على علم بالموضوع وبأن الشعب الإيراني يهان بهذه الطريقة، لكن الإمام كان على اطّلاع..

 

وهكذا هو الراصد الحقيقي لمصالح البلد، حينما يطّلع على ماهية البلاء الذي ينزل بالشعب وكيف يهينونه ويسحقون شرفه فسوف لن يسكت بل يهتف بأعلى صوته. وكان مثل هذا الهتاف خطراً في ذلك الحين، لذلك ألقوا القبض على الإمام فوراً، وجاءوا به إلى طهران. ولم يبقوه في إيران بل نفوه إلى تركيا. هذا هو الحدث الأول.

 

إذن، أصبح الثالث عشر من آبان هنا رمزاً لحقيقتين كبيرتين وحساستين وخطيرتين: الأولى طمع الأمريكان. فلو لم يدافع الشعب عن حقه وشرفه فإن الاستبداد والاستكبار سوف يتمادى إلى حد فرض قانون ظالم مثل الحصانة القضائية على هذا الشعب.

 

هذا هو هدف الهيمنة الاستكبارية. ليست علاقة حكومة مثل الحكومة الأمريكية مع بلد لا يمتلك قوتها وقدرتها بالعلاقة العادية بين بلدين، لا، من وجهة نظر الأمريكان أنفسهم فإن علاقة أمريكا بالبلدان التي يسمونها العالم الثالث علاقة أسياد ورعية، هم الأسياد وهؤلاء الرعية. وهم يملكون كل الصلاحيات في هذا البلد، ينهبون نفطه وغازه ومصالحه وأمواله، ويؤمّنون مصالح أمريكا هنا، ويهينون الشعب هنا ويذلونه.

 

لو صفع عريف أمريكي قائداً كبيراً في الجيش الإيراني لما استطاع أحد الردّ عليه! في هذه المعسكرات المتعددة في البلاد حينما كان العسكري الأمريكي البسيط يواجه ضابطاً إيرانياً كبيراً كان يتحدث معه كما يتحدث السيد مع رعيته! كان رجال الجيش ممتعضين لكنهم لا يجرؤون على فعل شيء. هذه هي المسألة الأولى، وهي أن الثالث عشر من آبان رمز الاستكبار الأمريكي ورمز لروح الاعتداء والتطاول الاستكباري على الشعوب ومنها الشعب الإيراني.

 

كثيراً ما حاول الرؤساء الأمريكان بعد انتصار الثورة وتملقوا كثيراً وأطلقوا الكثير من الكلام المعسول عسى أن يستطيعوا إعادة فتح هذا الطريق المسدود. كانوا يطلقون بعض الكلام في الظاهر، لكن باطن القضية هو تلك القبضة الحديدية التي قلت إنهم

 

 

675


574

خطاب الولي 2010

يخفونها وراء قفاز من المخمل.

 

إذن، الثالث عشر من آبان يذكّر بحقيقة مرة ومهمة جداً هي روح الاستكبار لدى القوى الاستكبارية الطامعة في الهيمنة. شعوب البلدان المختلفة ومنها شعبنا يجب أن لا تنسى هذه الحقيقة أبداً ولتعلم أن الوجه الذي يحمله أولئك هو وجه المعتدي المتطاول الجشع الذي يطمع في المزيد والمزيد إلى درجة سحق شرف الشعب والاعتداء على أعراضه وأرواحه وأمواله من دون أن يستطيع أحد محاسبتهم وطلب الإيضاح منهم.

 

المسألة الثانية التي يرمز لها الثالث عشر من آبان هي الهتاف القوي لإمامنا الجليل. كان ذلك الهتاف والنداء أسلم وأهم النداءات، وقد خرج من أطهر الأفواه. الكثيرون قد يتحدثون ويعترضون هنا وهناك، لكن اللسان الذي نشر هتاف الثالث عشر من آبان سنة 43 هـ.ش. في العالم كان أطهر الألسنة. أولاً كان هذا النداء منبعثاً من الحسّ الديني، وثانياً كان منبعثاً من الحميّة والغيرة الإسلامية والوطنية الطاهرة والتي لم يكن بوسعها إطاقة هيمنة العدو على هذا الشعب، وثالثاً كان نداء يعتمد على الدعم الجماهيري العام. وسبق أن ذكرت: مع أن الناس لم يكونوا مطّلعين على الأمر في البداية، ولكن حين ارتفع نداء الإمام دعمته الجماهير وحمته. وهذا الدعم هو الذي أفضى بعد أربعة عشر عاماً إلى انتصار الثورة الإسلامية. كان ذلك الهتاف الطاهر كالنداءات البليغة القوية التي أطلقها الأنبياء بين الناس فاجتذبت إليها الناس وقلوبهم.

 

قام الإمام بمثل هذه الحركة الهائلة في البلاد وقد صبر على التكاليف حيث فصلوه عن بيته وحياته وعائلته وأصدقائه وأقربائه ونفوه إلى ركن معزول من العالم. إذن، المسألة الثانية هي أن الثالث عشر من آبان رمز لمثل هذا النداء.

 

المسألة المهمة جداً الأخرى التي تقف وراء هذا الرمز هي حادثة الطلاب في سنة 57 هـ.ش. بعد مضيّ أربعة عشر عاماً على تلك الحادثة نزل الشباب والناشئة وطلاب الثانويات كأطهر وأنقى الشرائح إلى الساحة وقُتلوا. يوم الثالث عشر من آبان يوم مذبحة الطلاب في شوارع طهران. حينما نزل هؤلاء الناشئة والشباب إلى الساحة،

 

 

676


575

خطاب الولي 2010

ورددوا نداء الإمام قبل أربعة عشر عاماً انتقم منهم الجلادون مرتزقة أمريكا، وفتحوا النار عليهم، وأريقت دماؤهم على أسفلت الشوارع في طهران فخضبتها. هذه أيضاً قضية مهمة لا لمجرد أن عدداً من الشباب والناشئة قد استشهدوا - وهذا أمر مهم طبعاً - بل لنقطة أهم هي أن الحركة العظيمة التي بدأها الإمام سنة 42 و43 هـ.ش. كانت من الحيوية والفاعلية والتوثب إلى درجة أن الشباب الطاهر وطلاب المدارس ينزلون للساحة من أجلها ويشعرون بالمسؤولية والالتزام ويقفون بوجه حراب الأجهزة الطاغوتية المتجبرة. هذا شيء نادر في العالم.

 

وكذا الحال اليوم أيضاً. اليوم أيضاً يقف طلاب الثانويات إلى جانب طلبة الجامعات وسائر شرائح الشعب إلى جانب التعبويين وسواهم في الخط الأمامي للفئات والشرائح الاجتماعية.

 

خلال فترة الدفاع المقدس كان طلاب المدارس من الرواد والسبّاقين في الخطوط الأمامية. لو اتصلتم بعوائل الشهداء - وأنا على اتصال بالكثير منهم وألتقيهم - وسألتموهم كم كان عمر ابنكم لقالوا ستة عشر عاماً وسبعة عشر عاماً وأربعة عشر عاماً.

 

ما معنى هذا؟ معناه أن الشعور بالالتزام والروح الثورية والشعور بالمسؤولية الناجم عن البصيرة وصل إلى درجة أن الشاب الطالب من هذا الشعب ينزل إلى وسط الساحة ويفتح صدره للأهوال ويتخلى عن كل طموحات الشباب من أجل أن يحقق المبادئ الكبرى والأهداف الإلهية والإسلامية في المجتمع.

 

هذا أيضاً حدث كبير آخر وقع في سنة 57 ويمثل مفهوماً عظيماً جداً يقف وراء كلمة الثالث عشر من آبان. الثالث عشر من آبان رمز لهذه الأمور.

 

المسألة الأخيرة التي وقعت في الثالث عشر من آبان هي احتلال وكر التجسس. في سنة 58، وبمناسبة ذكرى نفي الإمام واستشهاد طلاب المدارس نزل الشباب مرة أخرى وفعلوا ما أذهل العالم وفرض الركوع على أمريكا. هذا هو واقع القضية. هذه ليست شعارات. اعلموا أنه يوم احتُلَّ وكر التجسس كانت سمعة الحكومة الأمريكية واعتبارها وهيمنتها أضعاف ما هي عليه الآن. لا تنظروا إلى أمريكا حالياً حيث سقطت

 

 

677


576

خطاب الولي 2010

من العيون والأنظار وصغرت وراحت الشعوب تسبها وتلعنها علانية.

 

لم يكن الوضع هكذا في تلك الآونة. كان لأمريكا يومذاك هيمنة كبرى من الدرجة الأولى. وجاء طلابنا الجامعيون بشجاعة وشهامة وباعتبارهم الخط الأمامي لجبهة مقاومة الشعب الإيراني واحتلوا سفارة أمريكا وسجنوا الأشخاص الذين كانوا هناك. طبعاً أبدى الإمام الخميني لطفه ولينه وأمر بعد مدة بأن يُطلق سراح بعضهم مثل النساء ليعودوا إلى أمريكا، لكن العناصر الأصليين بقوا هنا إلى فترة طويلة. وكانت هذه بدورها حركة عظيمة زلزلت القدرة الأمريكية في العالم فسقطت أمريكا بكل هيمنتها وعظمتها في أنظار العالم فجأة. ووصل الأمر إلى درجة أن الرئيس الأمريكي بادر إلى الهجوم العسكري الخفي الليلي على إيران من أجل إنقاذ هؤلاء الرهائن. وقد عبّأوا جواسيسهم هنا ومهدوا الأسباب والمقدمات ووظفوا أشخاصاً، وعينوا أماكن وهجموا بالمروحيات والطائرات وجاءوا ليهبطوا في طبس ويأتوا من هناك ليأخذوا الرهائن معهم كما تصوروا، حيث وقعت حادثة طبس المعروفة، وأراق الله تعالى ماء وجوههم، واحترقت طائراتهم ومروحياتهم واضطروا للعودة من طبس. هذه هي أحداث الثالث عشر من آبان.

 

الثالث عشر من آبان رمز له في داخله ومن ورائه الكثير من المعاني، وكل هذه المعاني دروس لنا. وعلينا أن نتذكرها: طمع أمريكا وتبعية النظام الطاغوتي لأمريكا وفساد أجهزته، ووقفة الإمام الخميني والجماهير المؤمنة المعتمدة على البصيرة، وحضور جيل الشباب الثوري وشجاعته وجرأته في مقابل هيمنة أمريكا ووجهها المزيف المخادع، كل هذا كامن في داخل كلمة الثالث عشر من آبان. وبالتالي فالثالث عشر من آبان ليس كلمة صغيرة.

 

تأملوا الآن قليلاً. في العام الماضي عام 88 هـ.ش. خرجت جماعة صغيرة تعيسة في الثالث عشر من آبان إلى شوارع طهران ورفعوا الشعارات ضد الثالث عشر من آبان، عسى أن يستطيعوا تلويث هذه المناسبة الكبرى. وقد أخفقوا وهُزموا بالطبع، وكان واضحاً أنهم سيُهزمون، ولكن لاحظوا ما الذي كان يقف وراء تحركهم هذا.

 

ما الذي كانوا يواجهونه؟كانوا يواجهون هذا الرمز الذي تقف وراءه كل هذه

 

 

678


577

خطاب الولي 2010

المعاني والمفاهيم الكبيرة. الواقع أنهم كانوا يجابهون هذه المفاهيم، وكانوا يريدون إحياء الهيمنة الأمريكية مرة أخرى. أرادوا إسدال الستار على هيمنة أمريكا وتدخلاتها. أرادوا التشكيك في حركة الشعب الإيراني العظيمة مقابل ذلك الظلم الهائل.

 

حينما يدرك المرء ما هو معنى الثالث عشر من آبان يفهم من هم الذين أرادوا إسقاط الثالث عشر من آبان وتشويهه حسب ظنهم وما هم وما هو هدفهم. هذه هي البصيرة التي نكررها ونؤكد عليها. ينبغي التأمل والتدقيق.

 

أقول لكم أيها الشباب الأعزاء إنكم اليوم في الخط الأمامي لحركة الشعب الإيراني. يرمق الشعب الإيراني قمماً ويسير نحوها.

 

يعترف الصديق والعدو بأن الشعب الإيراني يسير نحو القمم بسرعة. طبعاً لا يزال الطريق طويلاً جداً وينبغي عدم التفكير بسذاجة. الطريق الممتد أمامنا ليس طريق سنة وسنتين، بل هو طريق طويل، بيد أن الشعب يتحرك ويسير، فما لم تكن هناك حركة لن يتاح بلوغ الأهداف. لا يمكن لأحد الوصول إلى أهدافه بالقعود والتمني والتثاؤب. ينبغي السير في الطريق والتقدم فيه بعزم. والشعب الإيراني يفعل ذلك.

 

لقد حققنا تقدماً ملحوظاً على الصعيد العلمي وعلى الصعيد التقني وعلى المستوى السياسي وفي مجال الخدمات المتنوعة وفي مضمار إعمار البلاد.

 

إن البلد كله حالياً أشبه بورشة عمل كبيرة يجري في كل جوانبها العمل وتقديم الخدمة والمشاريع العمرانية. والمديرون الإيرانيون يكسبون المهارة والخبرة والتجارب. وأبناء الشعب الإيراني يستفيدون. ونستغني نحن عن الآخرين.

 

في الماضي إذا أرادوا مدّ جسر في هذه المدينة كان يجب أن يأتوا بخبير أجنبي، وإذا أرادوا بناء سدّ فعليهم تحمّل منّة عدة حكومات أجنبية، ناهيك عن الأعمال الأعقد. والشعب الإيراني في الوقت الحاضر مستغنٍ من هذه النواحي، ويمتلك طاقات بشرية غنية وموهوبة وكثيرة. وله مديرون مخلصون ومندفعون وكفوؤون. وهو يتقدم إلى الأمام. ولكن من هم الذين يقفون في مقدمة هذه الحركة العظيمة؟ إنهم الشباب وطلبة الجامعات وطلاب المدارس.

 

الشباب هم الذين يتقدمون بهذه الحركة إلى الأمام. محرك هذه المسيرة الضخمة

 

 

679


578

خطاب الولي 2010

وهذا القطار العظيم المتقدم إلى الأمام باستمرار هم الشباب.

 

بالطبع لا بد من المدراء الكفوئين وأصحاب التجربة. الاعتماد على الشباب لا يعني عدم احترامنا لأصحاب التجارب والأعمار الكبيرة والمخضرمين والشيوخ، لا، هؤلاء أيضاً لا بد من وجودهم، ولكن ما لم يكن الشباب لن تتيسر هذه الحركة.

 

والشباب اليوم حاضرون في الساحة بتوفيق من الله وحول منه وقوة. وهذا شيء على جانب كبير من الأهمية والعظمة.

 

أنتم الشباب الخط الأمامي لهذه الحركة سواء في الميادين السياسية أو الساحات الاقتصادية أو ميادين العلم.

 

على الصعيد السياسي كان الشباب هم الذين أحبطوا فتنة سنة 88 هـ.ش. شبابنا وأنتم طلاب المدارس والطلبة الجامعيون هم الذين كان لهم الدور الأكبر بدرجة تفوق العوامل الأخرى.

 

وإلا فالفتنة كانت فتنة كبيرة. أقول لكم إنه إذا انقضت بعض السنوات فسوف تتحرك الأقلام المغلولة الآن بيد الواعين الدوليين وسوف تكتب، وقد لا أكون في ذلك الحين، لكنكم ستكونون وستسمعون وتقرأون أية مؤامرة كبرى كانت تقف خلف فتنة عام 88 هـ.ش.

 

كانت تلك الفتنة شيئاً على جانب كبير من الأهمية، وكانت أهدافهم أهدافاً عجيبة غريبة جداً، وقد أرادوا في الحقيقة السيطرة على إيران.

 

الذين كانوا من عوامل الفتنة - الذين نزلوا إلى الشوارع أو بعض الناطقين باسمهم - نزلوا إلى الساحة عن غير وعي في غالب الأحيان، لكن بعض الأيدي كانت توجههم دون أن يشعروا. أما كيف نزل هؤلاء إلى هذه الساحة وكيف ساعدوا العدو دون شعور منهم بذلك فهذا أمر يتطلب تحليلاً نفسياً دقيقاً. بيد أن واقع القضية هو ما ذكرت. كانت هذه القضية عملية كبيرة جداً. وأنتم الشباب من أنجز هذه العملية.

 

أبقوا في الساحة يا أعزائي. البلد بلدكم. والقمم التي ذكرتها لكم، حينما تبلغون كمال أعماركم إن شاء الله سوف ترون هذه القمم وستصنعون المفاخر لشعبكم. طبعاً ما من حركة يمكن أن تنتهي، فالتحرك مستمر نحو القمم ولا يتوقف أبداً.

 

 

680


579

خطاب الولي 2010

المهم أن يتعلم الشعب ويتعوّد ويعقد العزيمة على السير نحو الكمال والسمو. وينبغي أن لا ينتاب الخور هذه العزيمة في أي وقت من الأوقات.

 

لحسن الحظ فإن الجمهورية الإسلامية والشعب العزيز الواقف سنداً لهذه الجمهورية يحميها ويحرسها أقوى وأقدر من أي وقت مضى. وطريقنا اليوم أوضح وأسطع من أي وقت آخر، ونعلم ما الذي نفعله وندري إلى أين نحن سائرون. نعرف أصدقاءنا ونعرف أعداءنا.

 

وأعداء الشعب الإيراني أضعف من أي وقت آخر مروا به، ومكروهون ومبغوضون أكثر من أي وقت آخر، ويعانون المشكلات، ولهم مشاكلهم الاقتصادية والسياسية وشتى صنوف المشكلات.

 

طبعاً هذا لا يعني أننا يجب أن نخلد إلى راحة البال ونتهالك على وسادات وثيرة وننسى، لا، لا يصح أبداً الاستهانة بالعدو، وينبغي أن تتذكروا دوماً أن الأعداء في كمائنهم يترقبون ويرصدون، ولكن اعلموا أن العدو اليوم لا يستطيع استخدام الأساليب القديمة. الشعب الإيراني اليوم يقظ واعٍ وشبابنا يقظون واعون صاحون.

 

القسم الأعظم من شباب البلاد اليوم في خدمة هذه الأهداف، سواء في البيئة الجامعية أو في مناخ السوق أو في أجواء طلاب المدارس أو في بيئة علماء الدين، في كل المناخات يخوض الشباب في العمل.

 

اللهم اشمل هؤلاء الشباب بلطفك ورحمتك. اللهم اجعل الصلاح سائداً في هذا البلد. اللهم اجعلنا وجميع الشرائح كما أراد الإسلام وكما يرتضيه الإسلام. ربنا أمدد شعب إيران في انتصاراته الكثيرة. ربنا أسند هذا الشعب بأدعية الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف وتقبلها بقبولك الحسن.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

681


580

خطاب الولي 2010

 

نداء الإمام الخامنئي دام ظله

لحجاج بيت الله الحرام 1431هـ

 

 

 

المناسبة:   نداء لحجاج بيت الله الحرام 1431هـ

المكان:   طهران

 

الزمان:    71/80/9831هـ.ش.

10/21/1341هـ.ق.

80/11/0102م.

 

 

683


581

خطاب الولي 2010

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد المصطفى وآله الطيبين وصحبه المنتجبين.

 

إن الكعبة الشريفة التي هي رمز الوحدة والعزة ومظهر التوحيد والقيم الروحية، تستضيف في موسم الحج قلوباً مفعمة بالشوق والأمل، توجهت من كل أرجاء المعمورة إلى مهد الإسلام ملبّية دعوة الرب الجليل. إن الأمة الإسلامية تستطيع الآن أن تشاهد بعيون موفديها المجتمعين هنا من أصقاع العالم، صورة مضغوطة من رحابة ساحتها وتنوّعها، وعمق الإيمان الذي يحكم قلوب أتباع هذا الدين الحنيف، وأن تقدّر هذا الرصيد الهائل الذي لا مثيل له تقديراً صحيحاً.

 

إن معرفتنا بذاتنا من جديد، تساعدنا نحن المسلمين على أن نعرف المكانة اللائقة بنا في عالم اليوم والغد، وأن نسير باتجاهها.

 

إن تنامي موجة الصحوة الإسلامية في عالمنا المعاصر، حقيقة تبشر الأمة الإسلامية بغدٍ سعيد. فمنذ أن بدأت هذه الانطلاقة القوية قبل ثلاثة عقود، بانتصار الثورة الإسلامية وقيام النظام الجمهوري الإسلامي، راحت أمتنا العظيمة تتقدم بلا توقف. وقد أزالت عقبات من طريقها واستولت على خنادق. وإذا كان الاستكبار قد زاد من التعقيد في أساليب عدائه وبذل جهوداً باهظة التكلفة لمواجهة الإسلام، فذلك بسبب هذا التقدم نفسه. إن ما يقوم به العدو من عمل إعلامي واسع النطاق لإشاعة الخوف من الإسلام، والجهود الحثيثة التي يقوم بها لزرع الخلاف بين مختلف الطوائف الإسلامية وإثارة العصبيات الطائفية، وما يدأب عليه من اختلاق عدو وهمي للسنّة من الشيعة وللشيعة من السنّة، وبث الفرقة والشقاق بين الدول الإسلامية، والسعي لتصعيد الخلافات وتحويلها إلى عداوات ونزاعات غير قابلة للحل، واستخدام الأجهزة

 

 

685


582

خطاب الولي 2010

الاستخباراتية والجاسوسية لحقن سموم الفساد والفحشاء في صفوف الشباب،...فإن كل ذلك لا يخرج عن كونه ردود فعل مرتبكة أمام حركة الأمّة الإسلامية المتينة وخُطاها السديدة في طريق الصحوة والعزة والحرية.

 

اليوم، لم يعد العدو الصهيوني عملاقاً لا يقهر، خلافاً لما كان عليه الحال قبل ثلاثين عاماً، ولم يعد الأمريكيون والغربيون هم أصحاب القرار في الشرق الأوسط دون منازع، خلافاً لما كان عليه الحال قبل عقدين من الزمن، ولم تعد التقنية النووية وغيرها من التقنيات المعقدة بعيدة عن متناول الشعوب المسلمة في المنطقة، ولم تعد بالنسبة لهم أحلاماً بعيدة المنال، خلافاً لما كان عليه الحال قبل عقد من الزمن. إن الشعب الفلسطيني هو اليوم بطل المقاومة، والشعب اللبناني هو لوحده محطـِّم الهيبة الزائفة للكيان الصهيوني وفاتح حرب الـ 33 يوماً (حرب تموز)، والشعب الإيراني هو حامل الراية ومقتحم العقبات صاعداً نحو القمم.

 

إن أمريكا المستكبرة التي تزعم لنفسها قيادة المنطقة الإسلامية، والتي تشكل الحامية الرئيسة للكيان الصهيوني، قد وقعت في الورطة التي أوجدتها بنفسها في أفغانستان، كما أنها بدأت تنعزل في الساحة العراقية بعد كل تلك الجرائم التي ارتكبتها بحق الشعب العراقي، وهي في باكستان المنكوبة أصبحت مبغوضة أكثر من أي وقت مضى. إن الجبهة المعادية للإسلام التي ظلت لمدة قرنين من الزمن تتحكم في مصير الشعوب الإسلامية ودولها بظلم وتعسف، وتنهب ثرواتها نهباً، تشهد اليوم زوال نفوذها وتصدي الشعوب المسلمة لها بشجاعة وبسالة.

 

وفي المقابل، أصبحت حركة الصحوة الإسلامية تتقدم وتتعمق أكثر فأكثر على مر الأيام.

 

إن هذه الأوضاع التي تبعث على الأمل وتحمل معها البشارة، لا بد لها - من جهة - أن تدفع بنا ـ نحن الشعوب المسلمة ـ إلى مستقبل منشود بثقة أكبر من أي وقت مضى، كما ينبغي لها ـ من جهة أخرى - أن تُبقينا ـ بدروسها وعبرها ـ أكثر وعياً ويقظة من أي وقت مضى. ولا شك أن هذا الخطاب العام يجعل علماء الدين والقادة السياسيين والمثقفين والشباب، ملتزمين أكثر من غيرهم، وتجعلهم يطالبوا بالجهاد

 

 

686


583

خطاب الولي 2010

والريادة.

 

يخاطبنا القرآن الكريم بنبرة بليغة وحيّة فيقول: ﴿كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ﴾[1]. فإن الأمة الإسلامية ـ حسب هذا الخطاب القرآني ـ قد أُخرجت للبشرية، وإن الهدف من وجود هذه الأمة هو إنقاذ البشرية وتحقيق الخير لها.

 

كما أن الواجب الكبير الملقى على عاتق هذه الأمة هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان الراسخ بالله تعالى. ولا معروف أسمى من إنقاذ الشعوب من براثن هيمنة الاستكبار الشيطانية، كما أنه لا منكر أبشع من التبعية للمستكبرين وخدمتهم. إن مساعدة الشعب الفلسطيني والمحاصَرين في غزة، والتعاطف ومساندة شعوب أفغانستان وباكستان والعراق وكشمير، والجهاد والمقاومة أمام العدوان الأمريكي الصهيوني، والسهر على وحدة المسلمين، ومكافحة الأيدي الوسخة والألسن العميلة التي تحاول المساس بهذه الوحدة، ونشر الصحوة والشعور بالمسؤولية والالتزام بين الشباب المسلمين في جميع الأقطار الإسلامية،... كل ذلك يعدّ مسؤوليات جسيمة تُلقى على عواتق الخواص من أبناء الأمة.

 

إن المشهد الرائع الذي يبلوره الحج، يرشدنا إلى المجالات الملائمة للقيام بهذه المسؤوليات، ويدعونا إلى مضاعفة العمل والهمم.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأول من ذي الحجة الحرام ١٤٣١هـ ق

الموافق ١٧ من شهر آبان عام ١٣٨٩ هـ ش.

 

 


[1] سورة آل عمران، الآية 110.

 

 

687


584

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء خريجي جامعات الضباط

في جامعة الشهيد ستاري

 

 

المناسبة: مراسم تخرج مجموعة من الضباط في جامعة الشهيد ستاري للقوة الجوية
الحضور: كبار القادة والضباط من الجيش والحرس
المكان: طهران
 
الزمان: 19/08/1389هـ.ش.
03/12/1431هـ.ق.
01/11/0102م.

 

 

 

689


585

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مبارك للمتخرجين الأعزاء والشباب المؤمن الذين أنهوا فترة دراستهم الزاخرة بالمفاخر والتحقوا منذ اليوم بالخدمة في القوات المسلحة لنظام الجمهورية الإسلامية وجيش الجمهورية الإسلامية المجيد.

 

ومبارك للشباب الأعزاء الذين استلموا رتبهم العسكرية وسيمضون إن شاء الله فترة خدمتهم بموفّقية.

 

للحق والإنصاف أن قواتنا المسلحة اليوم وجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية يتمتع بمستوى جيد جداً. إنكم تتفوقون على الجيوش الأخرى من ناحيتين: الأولى هي أن هدفكم هدف إلهي وإنساني، والثانية هي وجود أواصر قلبية وثيقة بينكم وبين الناس. كل المجتمعات والبلدان في العالم تحتاج من أجل أن تستطيع ضمان أمنها والسير في درب عزتها والوصول إلى الاستقرار المادي والمعنوي، إلى الاقتدار الذي يوجد جانب مهم وأساس منه على يد القوات المسلحة في أي مجتمع أو بلد. الفارق الرئيس يكمن في أن نموذج الاقتدار في الأنظمة المادية التي تحكم العالم اليوم يختلف عن نموذج الاقتدار في النظام الإسلامي.

 

 الاقتدار في الأنظمة المادية يعتمد على ركائز القوة المادية - المال والسلاح والإعلام المخادع، والمنافق والمزيف إذا استدعت الحاجة - أما في النموذج الإسلامي والمعنوي فإن هذا الاقتدار يعتمد بالدرجة الأولى على العامل المعنوي والقيم المعنوية والإلهية، وعلى الإيمان، وعلى الثقة بالله تعالى، وعلى السعي المخلص في سبيل المبادئ العليا.

 

 وليس المطلوب أن لا نهتم للسلاح ولا نكترث للنظام والتجهيزات والمعدات والتدريب، فكل هذا لازم، لكن روح كل هذه الأمور -والتي تعدّ الجسم والقالب له- هو الشعور بالتكليف الإلهي والاتكال على الله تعالى.

 

 

691


586

خطاب الولي 2010

 

هذا هو ما يجعل الجيش والقوات المسلحة والشعب مقاوماً وثابتاً إلى درجة تعجز معها القوى المادية عن إخضاعه، وتحقق له النصر النهائي.

 

وهذا ليس على مستوى النظرية فقط، وهو ليس من باب الخيال والتمنيات والطموحات المجنّحة، إنما هو تجربتنا العملية.

بوسعكم أيها الشباب الأعزاء مطالعة هذه الحقائق بدقة في التاريخ القريب لبلدكم، وانتصار الشعب الإيراني في مواجهة النظام الطاغوتي مصداق كامل لانتصار العوامل المعنوية على العوامل المادية.

 

النظام الطاغوتي كان نظاماً تابعاً عميلاً فاسداً يحكم في هذا البلد العزيز المظلوم بالاعتماد على مختلف أدوات الاقتدار المادي المستندة إلى القوى الدولية، لكنه انهزم مقابل شعب أعزل متسلح بالإيمان والثقة بالنفس.

 

التجربة الثانية هي تجربة شعب إيران في فترة الدفاع المقدس. كان شرق العالم وغربه يدعم آنذاك النظام البعثي الفاسد المفسد.

 

أمريكا كانت تدعمه، والناتو كان يدعمه، والاتحاد السوفياتي كان يدعمه، والحكومات الرجعية في المنطقة كانت تدعمه وتمده بالمال والسلاح والمعلومات والقوى البشرية من أجل أن يستطيعوا هزيمة نظام الجمهورية الإسلامية. لكن شعب إيران استطاع وسط حظر تام وشامل، وخصوصاً الحظر المفروض على الأسلحة والمعدات الحربية، وفي مناخ غربة تامة، وبالاعتماد على إيمانه وإيمان شبابه وشجاعة قواته المسلحة وبسالتهم، استطاع أن يهزم العدو المعتمد على جبال من السلاح والمعدات، ويهدر كل تلك التكاليف والأموال التي رصدوها لدعم النظام المعتدي.

 

والحال كذلك اليوم أيضاً. اليوم أيضاً لم يجد الاستكبار بعد طريق مواجهة إيران الإسلامية بالاعتماد على القوة المادية وتجهيز أصدقائهم والمقربين منهم بالسلاح - لاحظوا كم يدخل المنطقة من السلاح المتطور، وكم يُنفق من أموال شعوب هذه المنطقة على هذه الأسلحة، ويذهب إلى جيوب أصحاب الصناعات الحربية الأمريكية والغربية - دون أن ينفع شيئاً.

 

 

692


587

خطاب الولي 2010

﴿فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيۡهِمۡ حَسۡرَةٗ﴾[1] ينفقون هذه الأموال لكنها لن تنفعهم شيئاً ولن تحقق لهم أهدافهم.

 

وقد استطاعت إيران الإسلامية باعتمادهما على الإيمان أن تتفوق على الآخرين في مجال المعدات والأدوات المادية أيضاً.

 

طبعاً كانت القوة الجوية في جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وشهداؤها الأبرار كالشهيد ستاري، والشهيد بابائي، والشهيد خضرائي، والشهيد دوران، وغيرهم وغيرهم السباقين في هذا الدرب.

 

أول مؤسسة لجهاد الاكتفاء الذاتي في القوات المسلحة تأسست في القوة الجوية. صنع كوادر الطيران الملاحم بشكل، والكوادر التقنية صنعوا الملاحم بشكل. والجمهورية الإسلامية لن تنسى هذه الخدمات أبداً.

 

لقد نهض الجيش في هذا الميدان ونهض حرس الثورة أيضاً ونهض مسؤولو القوات المسلحة على اختلاف مستوياتهم ومجالاتهم وقدمت الجامعات المساعدات وتعاون علماء البلاد. والشعب الإيراني اليوم يعتمد علاوة على قوى إيمانه ومعنوياته وقيمه الروحية على أدوات مادية صنعها بيديه وبإبداعه، وهذه كلها مفاخر.

 

نريد أن يشعر شبابنا بأن بوسعهم الاعتماد على أنفسهم وعلى الله تعالى. وبمقدورهم الاستغناء عن مستكبري العالم، وبمستطاعهم تأسيس قوات مسلحة مجهزة بمعدات من إنتاج الذهن الإيراني والإبداع الإيراني.

 

أنظروا لكل شيء من هذه الزاوية، وطالعوا دروسكم من هذه الزاوية، وتابعوا بحوثكم ودراساتكم من هذه الزاوية، واعتمدوا على أنفسكم.

 

هذه تجربتكم وتجربة بلدكم وتجربة من سبقوكم في جيش الجمهورية الإسلامية وفي كل القوات المسلحة. إذا اعتمدتم على أنفسكم فسوف تتفجر طاقاتكم ومواهبكم كالينبوع الخالد وتجود بالنتاجات عليكم وعلى مؤسساتكم وعلى شعبكم.

 


[1] سورة الأنفال، الآية 36.

 

 

693


588

خطاب الولي 2010

التقرير الذي قدمه قائد هذه الجامعة كان تقريراً جيداً. وما تفيد التقارير إنجازه في المجالات المختلفة يعدّ جيداً. ولكن لا تقنعوا بهذا. طريق الكمال لا نهاية له. وكلما تقدمتم أكثر شعرتم بلذة الكمال أكثر. هكذا هو الحال في الكمالات المعنوية - كالتقرب إلى الله والتوجه له وحبه والقيم المعنوية والعروج في حريم الملكوت الإلهي - وفي القضايا المادية أيضاً.

كلما تقدمتم أكثر سوف تشعرون بمزيد من العزة والبهجة والاقتدار. هذا الطريق هو طريقكم أنتم الشباب، فالبلد بلدكم، والجيش لكم، والمستقبل لكم. ادرسوا جيداً وابحثوا جيداً وجربوا جيداً.

 

لقد وعدكم الله تعالى أنكم إن نصرتم دينه وسبيله والأهداف الإلهية فسوف ينصركم. ونصرة الله معناها نصرة كافة القوى الموجودة في هذه الطبيعة.

 

سوف تهبّ كلها لنصرتكم، وسوف تأتي القوى الماورائية أيضاً لنصرتكم. سوف تُنصرون وتتقدمون كما تقدمتم في الوقت الراهن.

 

اعلموا أن بلدكم حالياً يختلف كثيراً عمّا كان عليه قبل عشر سنوات، فقد تقدم كثيراً، ويختلف كثيراً جداً عمّا كان عليه قبل عشرين عاماً ويختلف كثيراً جداً جداً عمّا كان عليه في بداية الثورة قبل ثلاثين سنة.

 

هذا ناجم عن همم شعبنا وجماهيرنا وشبابنا واعتمادهم على الله تعالى، وسعيهم وجدهم في هذا الدرب المقدس، فواصلوا هذا السعي.

 

تعدّ جامعات القوات المسلحة من أبعث المراكز والمؤسسات الاجتماعية والعلمية على التفاؤل والأمل، وهذه الجامعة تحمل اسم الشهيد ستاري العزيز الدؤوب النشيط المبدع المؤمن المجاهد.

 

في فترة الدفاع المقدس وقبل أن يتم تعيينه لقيادة القوة الجوية قدم الكثير من العون والجهود دون أية سمعة أو صيت، كما قدم الكثير من الخدمات في قيادة القوة الجوية.

 

وكذا الحال بالنسبة لسائر شهدائنا الأبرار في القوة البرية والقوة البحرية والقوة الجوية وفي القطاعات المختلفة للقوات المسلحة حيث قدموا خدمات جليلة.

 

 

694


589

خطاب الولي 2010

التقرير الذي قدمه قائد هذه الجامعة كان تقريراً جيداً. وما تفيد التقارير إنجازه في المجالات المختلفة يعدّ جيداً. ولكن لا تقنعوا بهذا. طريق الكمال لا نهاية له. وكلما تقدمتم أكثر شعرتم بلذة الكمال أكثر. هكذا هو الحال في الكمالات المعنوية - كالتقرب إلى الله والتوجه له وحبه والقيم المعنوية والعروج في حريم الملكوت الإلهي - وفي القضايا المادية أيضاً.

كلما تقدمتم أكثر سوف تشعرون بمزيد من العزة والبهجة والاقتدار. هذا الطريق هو طريقكم أنتم الشباب، فالبلد بلدكم، والجيش لكم، والمستقبل لكم. ادرسوا جيداً وابحثوا جيداً وجربوا جيداً.

 

لقد وعدكم الله تعالى أنكم إن نصرتم دينه وسبيله والأهداف الإلهية فسوف ينصركم. ونصرة الله معناها نصرة كافة القوى الموجودة في هذه الطبيعة.

 

سوف تهبّ كلها لنصرتكم، وسوف تأتي القوى الماورائية أيضاً لنصرتكم. سوف تُنصرون وتتقدمون كما تقدمتم في الوقت الراهن.

 

اعلموا أن بلدكم حالياً يختلف كثيراً عمّا كان عليه قبل عشر سنوات، فقد تقدم كثيراً، ويختلف كثيراً جداً عمّا كان عليه قبل عشرين عاماً ويختلف كثيراً جداً جداً عمّا كان عليه في بداية الثورة قبل ثلاثين سنة.

 

هذا ناجم عن همم شعبنا وجماهيرنا وشبابنا واعتمادهم على الله تعالى، وسعيهم وجدهم في هذا الدرب المقدس، فواصلوا هذا السعي.

 

تعدّ جامعات القوات المسلحة من أبعث المراكز والمؤسسات الاجتماعية والعلمية على التفاؤل والأمل، وهذه الجامعة تحمل اسم الشهيد ستاري العزيز الدؤوب النشيط المبدع المؤمن المجاهد.

 

في فترة الدفاع المقدس وقبل أن يتم تعيينه لقيادة القوة الجوية قدم الكثير من العون والجهود دون أية سمعة أو صيت، كما قدم الكثير من الخدمات في قيادة القوة الجوية.

 

وكذا الحال بالنسبة لسائر شهدائنا الأبرار في القوة البرية والقوة البحرية والقوة الجوية وفي القطاعات المختلفة للقوات المسلحة حيث قدموا خدمات جليلة.

 

 

694


589

خطاب الولي 2010

يجب أن تعرفوا قدر هذه الجامعات وينبغي تنظيم البرامج دوماً بنحو عصري وبنظرة إلى المستقبل وحسب أفق واضح ومشرق. وعلى الأساتذة المحترمين الأعزاء أن يبذلوا قصارى جهدهم.

 

وليطلق الطلبة الأعزاء كل هممهم إلى الساحة. وليتفقد قادة القوات الكبار هذه الجامعات ويتحدثوا عن قرب مع هؤلاء الشباب الأعزاء، فهذا مفيد نافع لهم وللشباب في الوقت ذاته.

 

إننا نستلهم النشاط والحيوية بالنظر إليكم أيها الشباب، وبوسعكم أنتم أيضاً أن تنتفعوا من تجارب السابقين لكم.

 

ربنا بمحمد وآل محمد اشمل هؤلاء الشباب الأعزاء برحمتك وفضلك. اللهم اشمل بتأييدك وحمايتك كل قواتنا المسلحة من حرس الثورة وجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقوات الشرطة والتعبئة الشعبية العظيمة.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

695


590

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء أهالي أصفهان في يوم عيد الأضحى

 

 

 

المناسبة:   عيد الأضحى المبارك، وذكرى تشييع 370 شهيداً من محافظة اصفهان في 25 آبان عام 1361ش.

الحضور:  جمع من أهالي أصفهان

المكان:   طهران

 

الزمان:    26/08/1389هـ.ش.

10/12/1431هـ.ق.

71/11/0102م.

 

 

697


591

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أولاً، أرحب بكم أيها الإخوة والأخوات الأعزاء الذين طويتم هذا الطريق الطويل وملأتم في هذا اليوم المبارك والعيد السعيد أجواء الحسينية بإيمانكم وعواطفكم ومشاعركم.

 

ومبارك يوم عيد الأضحى لكم جميعاً أيها الحضور المحترمون، ولأهالي إصفهان الأعزاء، ولكافة الشعب الإيراني، ولجميع المسلمين في العالم. وهذه المناسبة مواتية جداً فيوم الخامس والعشرين من آبان هو يوم من رموز تضحية أهالي إصفهان وإيثارهم، وقد صادف هذا العام مع عيد الأضحى المبارك.

 

لو جرى التنبّه للحكمة التي ينطوي عليها عيد الأضحى لانفتحت لنا الكثير من السبل والطرق. في عيد الأضحى ثمة تقدير وتثمين من الله عزّ وجلّ لرسول مختار هو النبي إبراهيم عليه السلام الذي ضحى في ذلك اليوم. والتضحية بالأحباء هي أحياناً فوق التضحية بالروح. كان يجب على النبي إبراهيم عليه السلام أن يضحي بيديه بحبيبه وعزيزه في سبيل الله، وهذا الحبيب هو ابنه الشاب الذي منحه الله له على كبر سنه بعد عمر طويل من الانتظار، حيث يقول تعالى: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلۡكِبَرِ إِسۡمَٰعِيلَ وَإِسۡحَٰقَۚ﴾[1].

 

لقد وهب الله تعالى هذين الولدين لهذا الأب وهو في سن كبيرة، وبعد عمر من الانتظار والشوق حسب الظاهر. ولم يكن له أمل في أن يرزق ذرية بعد ذلك. يذكر سيد شهداء العالم كله الإمام أبو عبد الله الحسين عليه السلام - وهو مظهر الإيثار والشهادة - هذه الحادثة في دعاء عرفة الشريف فيقول: "وممسك يدي إبراهيم عن

 


[1] سورة ابراهيم، الآية 39.

 

 

699


592

خطاب الولي 2010

ذبح ابنه بعد كبر سنّه وفناء عمره"[1]. هذا ما ورد في دعاء الإمام الحسين المبارك في يوم عرفة الذي وفّق المؤمنون يوم أمس لقراءته.

 

هذا الإيثار وهذا التجاوز هو رمز للمؤمنين الذين يرومون السير في طريق الحقيقة والتعالي والعروج إلى المدارج العليا. الأمر غير ممكن من دون تضحية. هذه هي في الواقع النقطة الرئيسة في كل الامتحانات التي نمرّ بها. القضية قضية إيثار وتضحية، والتضحية تكون أحياناً بالروح وأحياناً بالمال وقد تكون أحياناً تراجعاً عن كلام تفوّه به شخص ويريد أن يبقى عليه بكل إصرار ولجاجة، والتضحية في بعض الأحيان هي تضحية بالأعزاء والأحبة والأبناء والأقارب.

 

الامتحان معناه اجتياز وادي المحنة. تعرض محنة أو شدة أمام الإنسان أو الشعب ويكون اجتيازها وعبورها هو الامتحان. إذا استطاع ذلك الممتحَن عبورها فسيصل إلى هدفه ومقصده. وإن لم يستطع - إي لم يستطع تفجير المواهب الكامنة في وجوده والتغلب على هوى نفسه - فسوف يبقى يراوح مكانه، هذا هو الامتحان.

 

ليس الامتحان الإلهي من أجل أن يعرفنا الله ويرى ما هي أوزاننا وحدود قدراتنا، إنما الامتحان نفسه خطوة نحو الهدف والغاية. حينما نُمتحن أنا وأنتم فمعنى ذلك أننا إذا استطعنا اجتياز الشدة والمحنة فسوف نعيش واقعاً جديداً وحياة جديدة ومرحلة جديدة. ولا فرق بين الفرد والأمة في هذا المجال.

 

في العام الماضي مرّ الشعب الإيراني بامتحان وفتنة. وليس معنى هذا أن الجميع أدركوا أن الشعب الإيراني قوي، إنما المعنى الأهم لذلك هو أن الشعب الإيراني بتحركه هذا وبقدرته على اجتياز الفتنة والمحنة اكتسب وضعاً جديداً وحاز قدرة جديدة. حياة الإنسان مليئة في كل خطوة بالامتحانات. إذا استطعنا الانتصار على هوى أنفسنا، واستخدام بصيرتنا، ومعرفة الظروف، وإدراك ما هو العمل الواجب اللازم والقيام به، فسوف يوفر هذا لنا مرتبة جديدة من مراتب الحياة، فهو إذن سموّ ورقيّ. وبالتالي فإن يوم الخامس والعشرين من آبان وهو يوم مميز ورمزي له مثل هذا المعنى بالنسبة لأهالي إصفهان.

 


[1] الكفعمي، الشيخ إبراهيم، البلد الأمين والدرع الحصين، مكتبة الصدوق، إيران - طهران، 1383ه، لا.ط، ص254.

 

 

700


593

خطاب الولي 2010

وأرى لزاماً علي أن أتحدث في هذا المجال - أي حول مناقب إصفهان وخصال أهلها - ببعض الكلمات، فهذه هي هوية هؤلاء الأهالي المؤمنين الغيارى الواقفين عند واجباتهم ومهامهم.

 

شيّع أهالي إصفهان في يوم واحد 370 شهيداً، ولم ينل ذلك من عزيمتهم أبداً، ناهيك عن أنهم بعثوا إلى الجبهات في نفس اليوم عدداً كبيراً من المقاتلين، وكان لهم إسنادهم وتحركهم الإيجابي، وهذا شيء على جانب كبير من الأهمية. ومثلما تفضلوا بالقول[1] فقد أثنى الإمام الخميني على حركة أهالي إصفهان هذه. في آبان من عام 61 ( 1982 م] تم تشييع 370 شهيداً في إصفهان، وكان عدد شهداء إصفهان في نفس هذا الشهر أكثر من ألف شهيد. ألف ونيّف من الشهداء في شهر واحد.

 

من الذي يُرزق الشهادة؟ الشخص الذي يخوض غمار الساحة ويحضر في ميادين الخطر ويكون رائداً فيها هو من يُرزق الشهادة.

 

كان لإصفهان قبل الثورة مشاركتها الواضحة في مختلف الأحداث، وهكذا كان حالها في أحداث الثورة، وبعد ذلك في الحرب المفروضة.

 

الوحدات العسكرية الموجودة في إصفهان سواء منها التابعة لحرس الثورة الإسلامية، لواء الإمام الحسين عليه السلام بمركزية إصفهان، ولواء النجف بمركزية نجف آباد، ولواء قمر بني هاشم، أو التابعة للجيش، المقر الثامن الذي كان قطباً لتحركات مهمة جداً، وكنت قد شاهدت عن قرب ما يقوم به هذا المقر في إصفهان - رحمة الله على الشهيد بابائي - أو مركز المدفعية في إصفهان، ومجموع هذه النقاط له معان كبيرة جداً. والنتيجة هي أن الإصفهانيين كانوا بعد الثورة وطوال الحرب المفروضة وبعد الحرب في مختلف الميادين الحساسة نظير تنمية البلاد ورشدها وقضاياها العلمية من الرواد والسبّاقين.

 

بعض العقد المستعصية التي واجهتنا في القوات المسلحة تم حلها في المراكز العلمية والبحثية في إصفهان. هذه مفاخر وهي ليست للتباهي وإنما لأجل معرفة الهوية

 

 


[1] حجة الإسلام و المسلمين طباطبائي نجاد ممثل الولي الفقيه و إمام الجمعة في أصفهان.

 

 

701


594

خطاب الولي 2010

الذاتية والمواهب الذاتية، والتحرك على أساسها والتقدم إلى الأمام.

 

يعلم الجميع - وقد أشير إلى ذلك - أن الإصفهانيين بوحداتهم المتنوعة هذه كانوا يعملون في الخطوط الأمامية في حرب الأعوام الثمانية. هذا شيء معلوم ومعروف للجميع. وما هو غير معلوم للكثيرين هو دور الأفراد المجهولين وغير المتبجحين الذين عملوا ونشطوا طوال هذه الأعوام في مجال الإسناد، النساء اللواتي كن في العوائل، والكسبة والتجار، والذين عملوا في الأجهزة الإدارية، والمجاهدون الذين قدموا أنواع الخدمات للجبهات، ومنهم بعض الشهداء، الذين استشهدوا أو استشهد ذووهم، ولم يعلنوا شيئاً، ولم يذكروا شيئاً، ولم تسجل أسماؤهم في مكان ما، لكنهم معروفون في السماوات وفي الملأ الأعلى، إذ لا تضيع في الحساب الإلهي حتى أصغر الأعمال.

 

قضية الآباء والأمهات والزوجات والأبناء والإخوة والأخوات والمفجوعين. هؤلاء هم الذين صبروا وفخروا بشهدائهم. ثمة في إصفهان عوائل قدّمت ثلاثة شهداء، وهناك عوائل كان لها ولد واحد فقدمتّه شهيداً. هؤلاء هم إبراهيم العصر الذين يصنعون هوية الشعب ويمنحونه العزة والكرامة.

 

ما من شعب يصل إلى غاياته بالقعود والأكل والنوم والاعتماد على الأجانب وتسويد الأهواء والنزوات في الحياة.

 

الذين يطلقون الكلام والآراء السلبية عند الحديث عن الدفاع المقدس، ويغمزون ويلمزون عند الحديث عن الشهادة، ويقطبون وجوههم إذا جرى الكلام عن المعاقين والمضحين، ويبتسمون استهزاء عند الحديث عن التقدم العلمي وتحطيم حدود العلم، ويهزون رؤوسهم عند الكلام عن أجهزة الطرد المركزي في مراكز التخصيب النووي ويقولون هذا أمر غير ممكن، هؤلاء لا يفهمون شيئاً عن حركة الشعب. الذين تربّوا على التربية الخاطئة والأخلاق الفاسدة الطاغوتية لا يدركون شيئاً عن تأثير الإيمان والتحرك والجهاد.

 

حينما يؤمن الشعب بالجهاد فسوف يتقدم على كافة الأصعدة. وليس الجهاد مجرد حمل البنادق، إنما الجهاد هو أن يرى الإنسان نفسه دوماً في ساحة النشاط والحركة والكفاح ضد العقبات والموانع والعراقيل، ويشعر بالواجب والالتزام. هذا هو الجهاد الإسلامي.

 

 

702


595

خطاب الولي 2010

الجهاد أحياناً بالنفس وأحياناً بالمال وأحياناً بالفكر وأحياناً برفع الشعارات وأحياناً بالنـزول إلى الشوارع وأحياناً بالحضور عند صناديق الاقتراع.. هذا هو الجهاد في سبيل الله وهو ما يحقق الرشد والنمو للشعب، ويمنحه الطراوة والتوثب والحركية والأمل، ويتقدم به إلى الأمام.

 

حسناً، والآن كيف يمكن الكفاح والعمل ضد هذا الشعب؟ الجبهة المعادية للإسلام والثورة الإسلامية والنظام الإسلامي التي تكونت في العالم تريد العمل ضد مثل هذه الظاهرة العظيمة.

 

فكيف تستطيع العمل ضدها؟ الأمر غير ممكن بالحرب -وقد جرّبوا ذلك ووجدوا أنه غير ممكن- وهو غير متاح بالتهديد بالحرب والتهديدات العسكرية، وغير ممكن بالحظر الاقتصادي. الذين يتصورون أن بوسعهم إخضاع الشعب الإيراني بالحظر الاقتصادي إنما يعملون عبثاً.

 

الشعب الذي يحمل الأمل والإيمان يعلم ما الذي يفعله ولا يمكن فرض التراجع عليه بالتهديدات.

 

من أجل مجابهة مثل هذا الشعب فإنهم يركزون على نفس النقطة التي تركزون عليها[1] - وهذا ما يدل على يقظتكم يا أهالي إصفهان - وأعني بذلك خلق التصدعات والتباعد بين أبناء الشعب وزرع الشقاق والصراع بينهم والفصل بين كتل الشعب العظيمة وبين المسؤولين وبث سوء الظن والجدل حول الأمور التافهة. هذه من أهم أدوات العدو في عدائه للثورة الإسلامية. لذلك ينبغي الحذر.

 

طبعاً كان أهالي إصفهان حذرين، وقد تصرفوا بنحو جيد في الأحداث الماضية. في مقابل فتنة سنة 88، وفي يوم التاسع من دي العظيم، وفي تلك الحركة الشعبية التلقائية كان لهم أداء متألق. على الجميع الحذر من التصدعات والتنافر والفتنة وسوء الظن بالأجهزة المسؤولة.

 


[1] إشارة إلى شعارات الموت للمنافقين مثيري الفتن.

 

 

703


596

خطاب الولي 2010

الذين تلاحظونهم يتهمون النظام الإسلامي وأجهزته من دون أية قيود أو ملاحظات ويقذفونه بكل ما يمكن قوله إنما يتحدثون بالنيابة عن العدو، فهم يريدون ملء الفراغ إذا لم تصل أصوات الأجهزة الإعلامية للجبهة المعادية للإسلام وجبهة الصهاينة والأمريكيين إلى أسماع بعض الناس، وإيصال أصواتهم وكلامهم لأسماع الناس.. هؤلاء يخونون الشعب، وهذه في الحقيقة خيانة واضحة. بث سوء الظن بين أبناء الشعب، وبين الشعب والمسؤولين، ونشر اليأس في الأجواء والنفوس إنما هو من تلك السبل والأدوات.

 

ومن السبل الأخرى نشر الفساد الأخلاقي في المجتمع. وعلى الجميع وخصوصاً الشباب الحذر. إن الفساد والانحطاط الأخلاقي يُستخدم للأسف كأداة لخدمة الأهداف السياسية الاستكبارية. وفي العديد من مناطق العالم يستخدمون المخدرات كوسيلة لخدمة الأهداف السياسية - ومن أجل ملء الجيوب أيضاً - في سبيل تحطيم الشعوب والقضاء عليها وتدميرها. وعلى شعبنا وشبابنا ومسؤولينا الحذر من هذه الأمور بكل جد.

 

لإصفهان إمكانيات واسعة جداً وقد كان الأمر كذلك في الماضي أيضاً فاعرفوا قدر هذه الإمكانيات والمواهب. إصفهان مركز علمي - علوم الدين والعلوم المتنوعة الأخرى - وكما كانت في الماضي هي كذلك اليوم أيضاً. لأصفهان اليوم حوزة علمية جيدة جداً والحمد لله. وفيها عدة جامعات معتبرة على مستوى البلاد. وبالطبع فإن السوابق العلمية لأصفهان أكثر من هذا.

 

من المناسب أن تمتد نظرات العلماء والباحثين والمفكرين في إصفهان إلى الآفاق الواسعة التي كانت في القرون الماضية. كانت إصفهان ذات يوم قطباً للإشعاع العلمي إلى كافة أنحاء البلاد بل لكافة مناطق العالم الإسلامي، ويتعين عليكم السعي لاستعادة مثل هذه المكانة. وإصفهان إلى ذلك مبرّزة في مجالات الفنون والصناعات الظريفة والصناعات اليدوية. وكل واحدة من هذه النقاط هي في الواقع مآثر لإصفهان. والعقيدة الدينية والإيمانية لأهالي إصفهان تقف سنداً لكل هذه المآثر. وهذا ما كان مشهوداً في السلوك الذي أبداه أهالي إصفهان قبل الثورة، لكن كل شيء اكتسب بعد

 

 

704


597

خطاب الولي 2010

 الثورة أبعاداً أوسع. في ذلك الحين كنت كثير التردد والذهاب إلى إصفهان، وكنت أشاهد تديّن الناس والتزامهم بالشعائر الدينية. وبالطبع فقد تضاعف الوضع عشرات المرات بل مئات المرات في الوقت الراهن عمّا كان عليه يومذاك، وهذا سند عظيم. عليكم أن تعرفوا قدر هذه التوسلات بالله والتوجه إلى الله فهي دعامة وسند لكل حالات التقدم الدنيوي والأخروي.

 

حينما يتحلى الشعب بالإيمان فسيشعر بأنه لن يضيع له أي عمل ولن يذهب سدى. كل أعمال الإنسان تكتسب المعاني بفضل الإيمان، ويتوجب الحفاظ على هذا الإيمان.

 

لقد استطاع شعب إيران في الوقت الحاضر وبتوفيق من الله فرض الإخفاق على شتى أنواع العداوات. أساس عداء الجبهة المناوئة للإسلام والجمهورية الإسلامية هو إيمان هذا النظام وهذه الجمهورية الإسلامية وهذا الشعب بالقيم الإلهية، فالساسة الماديون لا يطيقون هذا الشيء. العداوات ضدنا سببها الالتزام بالمبادئ والقيم الإلهية. هذا جانب من القضية.

 

والجانب الآخر من القضية هو أن المسيرة التقدمية للشعب الإيراني طوال هذه الأعوام الاثنين والثلاثين إنما كانت ببركة الإيمان بالله والاعتقاد بهذه القيم، فحافظوا على هذا الالتزام بكل قوة.

 

واعلموا أن هذا التقدم سوف يستمر وأن تلك العداوات لن تصل بتوفيق من الله وبحول الله وقوته إلى أية نتائج، وسيكون الشعب في إيران المنتصر في جميع هذه الأحداث.

 

اللهم أنزل فضلك ونصرك ورحمتك على هذا الشعب وعلى أهالي إصفهان الأعزاء. اللهم أرض عنا القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف واشملنا بأدعيته.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

705


598

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء شباب التعبئة

 

 

 

المناسبة:   يوم الغدير ويوم تعبئة المستضعفين

الحضور:  جمع كبير من أبناء التعبئة

المكان:   طهران

 

الزمان:    04/09/1389هـ.ش.

18/12/1431هـ.ق.

25/11/2010م.

 

 

707


599

خطاب الولي 2010

الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من قبل الله تعالى ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ﴾[1] وآيات عديدة أخرى. يقول: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه". أيّ معنى للولاية يختص بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ينسحب على أمير المؤمنين عليه السلام بهذا التنصيب والتعريف الذي قام به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

 

هذا دليل متين وموثق ولا سبيل للشك فيه. وقد ناقش كبار العلماء هذه المسألة. وليس من اللازم أن ندخل في بحوث عقدية، فهذا أمر محرز.

 

كان جميع الناس قد خبروا علي بن أبي طالب عليه السلام في ذلك اليوم عن كثب، ولم يشكك أحد في تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام. وكان واضحاً أن هذا الرجل المضحي المخلص ذا المرتبة العليا في الإيمان والتقوى جدير بمثل هذه الحظوة من قبل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ومن قبل الله تعالى في الواقع. لم يكن تنصيب الإمام علي عليه السلام تنصيباً نبوياً، بل تنصيباً إلهياً. كان هذا شأن الله الذي أبلغه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للناس.

 

يوم دخل أمير المؤمنين عليه السلام المدينة مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان شاباً في الثالثة والعشرين من عمره.

وليقارن الشباب ممن هم في سن الثالثة والعشرين سلوكهم بذلك الشاب الممتاز على امتداد تاريخ البشرية. نفس هذا الشاب أضحى نجم معركة بدر وبطلها. وهو الذي تألق في معركة أحد إلى درجة علم معها كل المسلمين بعظمة ما قام به. وهو نفسه الشاب الذي وقف إلى جانب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الامتحانات المختلفة، وفي غزوات الرسول، وفي الصمود بوجه ضغوط جبهة الكفر والاستكبار يومذاك. وهو الشاب الذي لم يرغب في الدنيا. يوم نصبه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم -وكان وقتها شاباً- كان له في أعين المسلمين عظمة لا يمكن لأحد إنكارها. ولم ينكرها أحد لا في ذلك الوقت ولا في الأزمنة اللاحقة.

 

لم تكن حادثة الغدير مجرد نصب خليفة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فللغدير جانبان: أحدهما يتعلق بنصب الخليفة، والجانب الثاني هو الإلفات إلى قضية الإمامة. الإمامة بالمعنى الذي يفهمه كل المسلمين من هذه الكلمة ومن هذا العنوان.

 


[1] سورة المائدة، الآية 55.

 

710


600

خطاب الولي 2010

الإمامة بمعنى قيادة الناس والمجتمع في أمور الدين والدنيا. هذه من القضايا الرئيسة على امتداد تاريخ الإنسانية الطويل. ليست قضية الإمامة قضية خاصة بالمسلمين أو الشيعة.

 

الإمامة معناها أن يحكم فرد أو جماعة المجتمع، ويرسمون اتجاه مسيرته في أمور الدنيا والشؤون الروحية والمعنوية والأخروية. هذه قضية عامة تشمل كافة المجتمعات البشرية.

 

هذا الإمام يمكن أن يكون على حالتين: إمام يقول عنه الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةً يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِمۡ فِعۡلَ ٱلۡخَيۡرَٰتِ وَإِقَامَ ٱلصَّلَوٰةِ وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَوٰةِۖ وَكَانُواْ لَنَا عَٰبِدِينَ﴾[1].

 

هذه إمامة تهدي الناس بأمر الله وتأخذ بأيديهم لتجتاز بهم الأخطار والمهالك والمزالق والهاويات، وتوصلهم إلى الهدف المنشود من الحياة الدنيوية للإنسان، والذي خلق الله هذه الحياة ومنحها للإنسان للوصول إليه. هذا شكل من أشكال الإمامة مصداقها الأنبياء الإلهيون والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وقد جمع الإمام الباقر عليه السلام الناس في منى وقال: "إن رسول الله كان هو الإمام"[2]. الإمام الأول هو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نفسه.

 

الأنبياء الإلهيون وأوصياء الأنبياء والمصطفون من الناس هم من الفئة الأولى من الأئمة، ومهمتهم الهداية، حيث يهديهم الله تعالى وينقلون هذه الهداية إلى الناس: ﴿وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡهِمۡ فِعۡلَ ٱلۡخَيۡرَٰتِ﴾. أفعالهم أفعال حسنة.. ﴿وَإِقَامَ ٱلصَّلَوٰةِ﴾، والصلاة رمز ارتباط الإنسان واتصاله بالله.. ﴿وَكَانُواْ لَنَا عَٰبِدِينَ﴾، وهم عبيد لله ككل البشر الذين هم عبيد لله، وعزتهم الدنيوية لا تنال إطلاقاً من عبوديتهم لله أو من مشاعر العبودية لله في قلوبهم وكيانهم.. هذه فئة.

 

والفئة الأخرى: ﴿وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةً يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ﴾[3]، وهو ما ورد في القرآن الكريم بخصوص فرعون. فرعون أيضاً إمام. بنفس المعنى الذي استُخدمت فيه كلمة إمام في الآية الأولى استُخدمت هنا أيضاً كلمة إمام. أي إن دنيا الناس ودينهم وآخرتهم

 

 


[1] سورة الأنبياء، الآية 73.

[2] راجع: الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج4، ص466.

[3] سورة القصص، الآية 41.

 

 

711


601

خطاب الولي 2010

- أجسام الناس وأرواحهم - في قبضة هؤلاء الأئمة، لكنهم ﴿يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ﴾. يدعونهم إلى الهلاك.

 

حتى أكثر حكومات العالم علمانية - وعلى الرغم مما تدعيه سواء علمت بذلك أم لم تعلم - تمسك في قبضتها بدنيا الناس وآخرتهم. هذه الأجهزة الثقافية الهائلة التي تأخذ أجيال الشباب اليوم في مختلف أصقاع العالم نحو سوء الأخلاق والفساد والضياع هم الأئمة الذين ﴿يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ﴾.

 

الأجهزة المقتدرة التي تأخذ الناس إلى النار من أجل مصالحها، ومن أجل سيادتها الظالمة، ومن أجل أن تصل إلى أهدافها السياسية المختلفة، ودنيا الناس في أيديهم وآخرة الناس أيضاً في أيديهم، أي إن أجسام الناس وأرواحهم في أيديهم.

 

الادعاء القائل إن الكنيسة في المسيحية تعنى بالآخرة والسلطة تعنى بالدنيا ادعاء فيه مغالطة. حينما تقع السلطة بيد أناس غرباء على الدين والأخلاق فسوف تكون الكنيسة أيضاً في خدمتهم، وتقع القيم الروحية والمعنوية أيضاً في قبضة اقتدارهم وتتبدد وتُسحق.

 

ستكون أجسام البشر وأرواحهم تحت تأثير سلطتهم. هذه هي حالة الإنسانية دائماً.

 

المجتمع إما أن يكون تحت إشراف وإدارة إمام عادل -منصّب من قبل الله وهادٍ إلى الخيرات والحق- أو في قبضة أناس غرباء على الحق وغير عارفين به وفي حالات عديدة معاندين للحق، لأن الحق لا يتصالح مع مصالحهم الشخصية والمادية. إذن، هي إحدى حالتين ولا تخرج الحال عنهما.

 

لقد أثبت الإسلام بتأسيسه نظام حكم في المدينة وتأسيس المجتمع المدني النبوي أنه ليس مجرد نصيحة وموعظة ودعوة لسانية. إنما يروم الإسلام لحقائق الأحكام الإلهية أن تتحقق في المجتمع، وهذا غير متاح من دون تأسيس سلطة إلهية. وبعد ذلك، عيّن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في نهاية عمره المبارك بأمر من الله وبإلهام من الله الشخص الذي يليه. طبعاً سار التاريخ الإسلامي في مسار آخر، لكن هذا هو ما أراده

 

 

712


602

خطاب الولي 2010

الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام. كانت هذه أطروحة بقيت في التاريخ.

 

يجب أن لا نتصور أن فكرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد فشلت، لا، لم تفشل، لكنها لم تتحقق في تلك البرهة الزمنية، وبقي هذا الخط المميز في المجتمع الإسلامي والتاريخ الإسلامي. وتلاحظون نتائجه اليوم في هذا الجزء من العالم الإسلامي، وسوف يزداد هذا النموذج وهذا الخط الساطع انتشاراً في العالم الإسلامي يوماً بعد يوم بفضل من الله وحوله وقوته. هذا هو مضمون الغدير.

 

إذن، قضية الغدير ليست قضية الشيعة فقط إنما هي قضية المسلمين، بل قضية كل البشر. الذين يفكرون سيتضح لهم أن هذا الخط النيّر خط لكل البشر. ولا سبيل سوى هذا. إذا كانت السلطة في المجتمعات البشرية بيد ذوي الصفات الشيطانية فسوف يسير العالم نحو المحطات التي تشاهدون اليوم مظاهرها في العالم الحديث.

 

كلما ازداد العالم حداثة كلما ازداد خطر مثل هذه الحكومات. طبعاً كلما تطور العالم من الناحية العلمية والمعرفية أكثر كلما ازداد احتمال وإمكانية بروز خط الهداية. و نحن لا نشعر بعرقلة خط الهداية بسبب تقدم العلم، لا، إنما سيتقدم هذا الخط.

 

إن منظومة التعبئة الشعبية العظيمة تعبئة المستضعفين في البلاد هي اليوم حقيقة ساطعة وجلية. إنكم باقة من روضة التعبئة العظيمة في البلاد. وهي روضة أوجدها إمامنا الجليل وسقاها بكلماته وسلوكه. وقد ازدادت هذه الغرسات و لله الحمد ثمراً وطراوة يوماً بعد يوم. و التعبئة في بلدنا اليوم حقيقة عظيمة منقطعة النظير لا تقبل الإنكار. صحيح أن إعلام الأعداء وأتباعهم وأنصارهم في الداخل يحاولون تصغير التعبئة والحط منها وإهانتها، وهؤلاء أهانوا حتى كلام الله والرسول صلى الله عليه وآله وسلم. الشيء الذي يتحلى في داخله بالعظمة والتألق لن يصغر بإهانة المهينين وتهم المتهمين ولن ينقص تألّقه شيئاً.

 

والتعبئة اليوم حقيقة عظيمة متألقة في بلادنا وليس لها نموذج أو مثال آخر. لاحظوا الصنوف المختلفة من نساء ورجال وناشئة وشباب وكهول وشيوخ وشرائح مختلفة من طلبة الجامعات إلى طلبة الحوزات وأساتذة الجامعات ومعلمي المدارس والتلاميذ والعمال والمزارعين والتجار وباقي الشرائح المتنوعة المؤمنة في شتى أرجاء البلاد كلهم أعضاء في التعبئة ولهم مشاركتهم فيها، أي إن التعبئة غير محددة بأية

 

 

713


603

خطاب الولي 2010

حدود من حيث الصنوف والطبقات أو الجنس أو القوميات أو اللغات.

 

في هذا الحشد الآن يوجد ترك وكرد ولور وفرس وبلوش وسائر القوميات الإيرانية، وكذا الحال في كل أنحاء البلاد. التعبئة جماعة منظمة لها أهدافها، ولا يمكن للمرء أن يشاهد نظيراً لها بهذه السعة وبهذا التنوع وهذا الكم الهائل وهذه الكيفية الإيمانية.

 

قلوبكم منشدّة إلى التعبئة. ثمة في العالم أحزاب وقد تكون أحزاباً كبيرة العدد - طبعاً لا يوجد في أي حزب في العالم هذا العدد المليوني الهائل الذي نلاحظه في التعبئة - ولكن حتى هذا الكم الذي نشاهده في الأحزاب فإن أجسام الأعضاء وألسنتهم وقدراتهم المادية توظف لصالح الحزب، وليس من المعلوم والمؤكد أن تكون قلوبهم واختلاجاتهم الإيمانية للحزب أيضاً، أما التعبئة فهي تعبئة القلوب والأرواح والعواطف والمعتقدات والإيمان. وهذا ما ينفع الشعب في الشدائد والصعاب.

 

حينما تواجه الشعوب المشكلات فلن تنفعها الأجسام، ولا بد من نزول القلوب إلى وسط الساحة، ولا بد من تقدم القلوب وريادتها وتحطيمها للعقبات. الذين كانوا سباقين ومحطمين للعقبات والموانع لم تكن لهم بالضرورة أجسام قوية بل كانت لهم قلوب قوية وإيمان متين استطاعوا به تحطيم الجبال وطي الطرق الصعبة وتجاوز المزالق والوصول إلى الأهداف. التعبئة مثل هذه الحقيقة. وعلينا أن نعرف قدر هذا الشيء.

 

أولاً على التعبوي نفسه أن يعرف قدر هذا الشيء. وكما سمعنا الآن في هذا الميثاق وكما ذكر هؤلاء الشباب الأعزاء عن ألسنة التعبويين فقد حمدوا الله وأثنوا عليه لأنهم أعضاء في التعبئة. وهذه هي الحقيقة. ينبغي تقديم الشكر لله لتوفيقه الإنسان على الانضواء في مثل هذه المنظومة.

 

والأهمية الأخرى للتعبئة هي أنها ليست مقصورة على اتجاه معين وبُعد واحد وهدف واحد. مع أن للتعبئة فنونها العسكرية ومشاركتها في خطوط القتال الأمامية أينما اقتضى الأمر، وقد تولت أصعب وأشد المهمات والأعمال، إلا أنها تستطيع القيام بكل شيء.

 

أي إن التعبئة إذا شاركت في أي ميدان من الميادين كانت طليعية وسبّاقة. وشبابنا التعبوي اليوم سبّاقون ورواد حتى في ميادين العلم. وأساتذتنا التعبويون من أنجح

 

 

714


604

خطاب الولي 2010

الأساتذة في المشاريع العلمية.

 

والفنانون التعبويون - الذين دخلوا ساحة الفن بروح تعبوية - أصابوا نجاحات أكبر وأفضل واستطاعوا اجتذاب مخاطبين أكثر. في أية ساحة، إذا دخل التعبويون بروح التعبئة وإخلاصها وإيمانها وشجاعتها وشهامتها وقدرتها على الابتكار والإبداع فبوسعهم إنجاز أعمال كبيرة. هذه هي حقيقة التعبئة.

 

ليعرف التعبويون الأعزاء قدر هذا، وليعززوا في أنفسهم أركان الحالة التعبوية. فالحالة التعبوية أركانها. وعلينا جميعاً أن نعزز هذه الأركان في أنفسنا يوماً بعد يوم. أيها الشباب الأعزاء، قلنا مراراً إن المهم بالدرجة الأولى هو روح الإخلاص وروح البصيرة.

 

هذا الإخلاص وهذه البصيرة يؤثران أحدهما على الآخر. كلما زادت بصيرتكم كلما اقتربت بكم من الإخلاص في العمل. وكلما عملتم بإخلاص أكبر زاد الله تعالى من بصيرتكم ﴿ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ﴾. الله وليكم. كلما اقتربتم من الله أكثر كلما زادت بصيرتكم ورأيتم الحقائق أكثر. إذا توفّر النور استطاع المرء مشاهدة الواقع والحقائق. وحين لا يتوفّر النور لا يستطيع المرء مشاهدة الواقع ﴿وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّٰغُوتُ يُخۡرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَٰتِۗ﴾[1].

 

حينما يعمي الطغيان أعين الناس وحينما تعمي أهواء النفس - وهي الطاغوت الحقيقي والأسوأ من فرعون في داخلنا - أعيننا، وحينما تعمي أعيننا نزعات الجاه والحسد وحب الدنيا وعبادة الأهواء والغرق في الشهوات فلن نستطيع مشاهدة الواقع.

 

رأيتم كيف لم يستطع بعض الناس مشاهدة الواقع القائم أمام أعينهم ولم يتمكنوا من تشخيصه. في فتنة عام 88 هـ.ش. المعقدة المخطط لها كانت هناك حقائق أمام أعين الناس، ولم يسمحوا لبعضهم بمشاهدة هذه الحقائق وفهمها، فلم يروها ولم يفهموها.

 

حينما يظهر في البلد مثيرو فتن مستعدون من أجل نزعات الجاه والسلطة والوصول

 


[1] سورة البقرة، الآية 257.

 

715


605

خطاب الولي 2010

للأهداف المتراكمة والمزدحمة في أنفسهم على شكل آمال، مستعدون لأن يتنكروا لمصلحة البلد وأحقية الدرب ويضربون بها عرض الجدار، فسيفعلون ما يثير حماس الساسة الغربيين وأعداء الشعب الإيراني الألداء ويبثون في نفوسهم الأمل فيبادروا لدعمهم. هذه حقيقة واضحة، وهي ليست بالشيء الذي لا يراه الإنسان حينما يكون هنالك نور، لكن بعضهم لم يرها وبعضهم لا يرى وبعضهم بسبب ظلمة القلب قد يدرك لكنه غير مستعد لترتيب أثر على هذا الإدراك والفهم. هذه كلها من أعراض هوى النفس. وهي كلها من نتائح أوامر ونواهي فرعون الذات. إنه فيل الهوى والنزوات الثمل الذي أعطى الشرعُ المقدس الإنسان المؤمن مطرقة التقوى والورع ليقرع به رأس هذا الفيل الثمل ويروّضه.

إذا استطعنا ترويض هذا الفيل في دواخلنا فسيصبح العالم نيّراً وسنرى كل شيء، وسوف تنفتح أعيننا، ولكن حينما يكون هناك هوى النفس فسوف لن ترى العيون. وأنتم بوصفكم تعبويين وشباباً، وقلوبكم طاهرة ونيرة، تستطيعون بنقاء بواطنكم تعزيز هذه الروح وهذه الحالة في أنفسكم. والتعبوي إنسان نقي يتحلى بالصفاء والنور.

 

أعزائي، مبارك لكم انضمامكم للتعبئة، ولكن أبقوا تعبويين. الصمود في الدرب حالة على جانب كبير من الأهمية. والبقاء على الحالة التعبوية منوط بمراقبتنا الدائمة لأنفسنا. يجب أن نواظب ولا نخرج عن الطريق. لقد قام الشعب الإيراني بعمل كبير. وهذا العمل الكبير هو أنه صرخ بالعالم الذي كان يركض بكل قواه وبأقصى سرعته نحو جهنم ونبّهه واستطاع إنقاذ جزء منه. لقد أدركت جماعات كبيرة من الناس في العالم الحقيقة، وقد غيّر الشعب الإيراني طريقهم بوصفه رائداً وسبّاقاً.

 

ومسار المجتمعات الإنسانية يجب أن يكون نحو الله ونحو الجنة ونحو الحقيقة. ومن البديهي أنكم أيها الشعب الإيراني قمتم بهذا العمل الكبير، وأهل الباطل لن يقعدوا ساكتين.

 

الذين يرتبط وجودهم بالباطل والظلم وسحق الشعوب. هؤلاء لن يقعدوا ساكتين عن الشعب الإيراني وهو يصرخ بنداء الحقيقة والهداية ويوقظ الناس والبشرية، إنما

 

 

716


606

خطاب الولي 2010

سيعارضون حركة الشعب الإيراني.

 

وبالطبع، إذا واصلنا صمودنا فإن نتائج هذه المعارضة ستكون إيجابية ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ﴾[1]. جعل الله تعالى النصر - من دون أدنى شك - للذين يسيرون على درب الحق ويدعون إلى الحق، وهذا ما جرّبناه. منذ ثلاثين عاماً والأعداء يسعون سعيهم ويعملون ضد الشعب الإيراني، لكن الشعب الإيراني ببركة صموده وإيمانه يزداد قوة يوماً بعد يوم. والعدو يزداد ضعفاً يوماً بعد يوم.

 

قدرتنا على الصمود حالياً أكبر مما كانت عليه قبل عشرين عاماً، ومما كانت عليه قبل ثلاثين عاماً. هذه هي تجربتنا.

 

إذن، نهاية هذا الكفاح هو انتصار الإسلام والمسلمين.

 

ولكن يجب أن تتنبهوا إلى أن هناك صراعاً وتحدياً. عليكم أن تحافظوا على جهوزيتكم واستعدادكم وبصيرتكم وإخلاصكم وحالتكم التعبوية. هذا هو رمز نجاح الشعب الإيراني والمجتمع الإيراني العظيم. ستشهدون أنتم الشباب إن شاء الله اليوم الذي تفتحون فيه قمم الفخر، وكما وعد القرآن الكريم: ﴿لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ﴾[2]، لتكونوا شهداء على الناس ولتكونوا في القمة، ولتنظر لكم الشعوب وتتحرك صوب هذه القمة.

 

اللهم عجّل في فرج وليك وجوهرتك الفريدة في عالم الخلقة. اللهم اجعلنا من المتمسكين بولايته وولاية أجداده الطاهرين عليهم السلام. اللهم اجعلنا مؤمنين وتعبويين وثوريين بالمعنى الحقيقي للكلمة. ربنا بحقّ محمد وآل محمد بلّغ الشعب الإيراني العظيم العزيز آماله الكبرى. اشمل الروح المطهّرة لإمامنا الجليل وأرواح الشهداء الأبرار الطيبة بألطافك وفيضك الدائم.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


[1] سورة الحج، الآية 40.

[2] سورة البقرة، الآية 143.

 

 

717


607

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في الملتقى الأول للأفكار الاستراتيجية

 

 

المناسبة:   الملتقى الأول للأفكار الاستراتيجية

المكان:   طهران

 

الزمان:    10/09/1389هـ.ش.

24/12/1431هـ.ق.

01/12/2010م.

 

719


608

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أقيمت هذه الليلة والحمد لله جلسة جيدة جداً. وقد استفدت حقاً من الكلمات والآراء التي طرحت، وأكثر من ذلك من مشاهدة الإمكانية العالية المتوفرة لدى هذه الجماعة من المفكرين والمثقفين الإيرانيين لطرح القضايا وتمديد ومواصلة أجزاء قضية معقدة ومركبة.

 

هذا ما شاهدته الليلة على العموم، وأتقدم بالشكر الجزيل لكم أيها الحضور المحترمون الذين تفضلتم بالمجيء وقضيتم وقتاً طويلاً في هذه الجلسة، وللعاملين على إعداد هذه الجلسة السيد واعظ زاده وباقي الزملاء الذين سعوا وعملوا ونظموا هذه الجلسة. ولأن الوقت قد مضى فسوف لن أطيل في الكلام، وسوف أختصر...[1]، وسيبقى وقت للكلام التفصيلي إن شاء الله.

 

هذا هو الاجتماع الأول من نوعه في الجمهورية الإسلامية. كانت لنا اجتماعات كثيرة سواء اللقاءات التي كانت لي مع المجاميع المختلفة أو التي أنا على اطلاع على أنها أقيمت. لذلك أقول إننا لم يكن لنا هذا النوع من الاجتماعات.

 

هدفنا الأول من أقامة هذا الاجتماع - أو بكلمة أدق: سلسلة الاجتماعات التي ستستمر في المستقبل أيضاً إن شاء الله - هو بالدرجة الأولى أن يندك مفكرو البلاد بقضايا البلاد الكبرى. لبلادنا قضايا أساس كبرى وثمة أعمال كبرى يجب أن تنجز. وثمة الكثير من القدرات والإمكانيات يمكن أن تستخدم لصالح هذه الحركة العظيمة.

 

ولن يتحقق هذا المراد إلا إذا ارتبط الزبدة والنخبة والمفكرون بهذه القضايا الكبرى وانهمكوا فيها. هذا ما يجب أن يحصل وسوف يحصل إن شاء الله.

 

قضية تدوين النموذج الإسلامي - الإيراني للتقدم هي من هذه القضايا الكبرى،

 

 


[1] طلب السيد واعظ زاده من سماحة قائد الثورة الإسلامية أن يلقي كلمة مفصلة في هذا الاجتماع.

 

 

721


609

خطاب الولي 2010

وهي قضية تنطوي في داخلها على العشرات من القضايا وسوف أشير إلى ذلك فيما بعد.

 

سوف تستمر هذه السلسلة من الاجتماعات بخصوص هذه القضية، وثمة إلى جانبها قضايا كبيرة أخرى يجب أن تطرح.

 

الهدف الثاني الذي نتوخاه من هذه الجلسة هو إيجاد ثقافة وخطاب بين النخبة أولاً، و ثانياً بين عموم المجتمع تبعاً لذلك.

 

هذه الآراء التي طرحتموها الليلة حينما تنتشر على مستوى المجتمع سوف تسوق أذهان النخبة ومن ثم أذهان عموم الناس إلى اتجاه معين أساس: هوالتفكير في نموذج للتنمية ونموذج للحركة نحو الأمام، والشعور بأننا يجب أن نكون مستقلين في هذا المجال ونقف على أرجلنا حالة سوف تكشف أكثر فأكثر عن معايب التبعية والاعتماد على النماذج الأجنبية. هذا ما نحتاج إليه راهناً.

 

للأسف مجتمع نخبتنا لم يصل إلى نتائج صحيحة في أجزاء مهمة من هذه القضية، وهذا ما يجب أن يحصل وسيحصل بحول الله وقوته.

 

هدفنا الثالث هو احتياجنا إلى تمهيد السبل ومدّ السكك لإدارة البلاد على مدى عشرات الأعوام القادمة. هذه الجلسة والجلسات الشبيهة بها سوف تفضي إلى مثل هذا التمهيد للسبل ومدّ السكك.

 

هذه هي أهدافنا من إقامة هذه الجلسة والجلسات القادمة إن شاء الله.

 

إذن، العملية لا تتعلق بالأشخاص والمسؤولين، وهي لا تتعلق بي، إنما هي عملية تتعلق بالجميع. كلنا مسؤولون بخصوص هذه العملية التي يتم إنجازها.. كل منا بقدر استطاعته وإمكانياته وسعته ومدى قدرته. كلنا مسؤولون في هذا المجال ويجب أن نتابع المسألة إن شاء الله.. هذه نقطة.

 

النقطة التالية هي أن حصيلة هذه العملية ليست سريعة التحقق. لقد دخلنا في هذه القضية ونحن متفطنون إلى هذه النقطة.

 

طبعاً طرح بعض السادة اقتراحات ومشاريع لنتائج سريعة، ولا إشكال في ذلك، لكن الشيء الذي نبتغيه لن يحصل إلا على المدى البعيد، وفي أحسن الظنون على

 

 

722


610

خطاب الولي 2010

المدى المتوسط. إنها عملية طويلة الأمد. إذا استطعنا بحول الله وقوته التوصل في إطار عملية معقولة إلى نموذج إسلامي - إيراني للتقدم فسوف يكون ذلك وثيقة عليا على كل الوثائق الخاصة بالبرامج في البلاد والمتعلقة بأفق البلاد وسياساتها.

 

وحتى وثائق الأفق المرسومة لعشرين سنة وعشر سنوات يجب أن تدوّن على أساس هذا النموذج. السياسات التي ستُرسم - سياسات البلاد العامة - يجب أن تتبع هذا النموذج وتندرج ضمن هذا النموذج. طبعاً ليس هذا النموذج نموذجاً غير مرن. ما سوف يحصل ليس بالكلمة الأخيرة. لا شك أن ظروف الزمان المتجددة ستوجب بعض التغييرات، ولا بد من اجتراح هذه التغييرات. إذن النموذج نموذج مرن، أي إن فيه قابلية للمرونة والتغيير. والأهداف مشخصة ومعلومة: الاستراتيجيات قد تتغير وتعدَّل بحسب الظروف. وعليه فإننا لن نتسرّع في هذه القضية على الإطلاق. طبعاً لا بد من وجود السرعة المعقولة لكننا لن نصاب بداء التسرّع وسوف نتقدم إن شاء الله بحركة صحيحة ومتينة.

 

حسناً، قدَّم الأعزاء نقاشات جيدة بخصوص مفردات هذه الجملة: "النموذج الإسلامي - الإيراني للتقدم". تم تقديم آراء جيدة حول معنى هذا النموذج، وما هو المراد من الإيراني وما هو المقصود من الإسلامي، والتقدم في أي اتجاهات. ما أريد أن أضيفه هو أولاً: كلمة التقدّم اخترناها بدقة وتعمّدنا عدم استخدام كلمة التنمية. والسبب هو أن كلمة التنمية لها محتوى من حيث القيمة والمعنى ولها لوازمها التي قد لا نكون من المواكبين أو المتماشين أو الموافقين لها. لا نريد استخدام مصطلح عالمي دارج يُفهم منه معنى خاص وإشراكه في مهمتنا وعملنا. إنما نطرح ونعرض مفهومنا الذي نقصده، وهذا المفهوم عبارة عن "التقدّم".

 

نعرف المعنى الفارسي المعادل لكلمة تقدّم ونعلم ما هو المراد من التقدّم وسوف نعرف ما هو قصدنا من هذا التقدّم ذي المعنى الواضح في الفارسية. التقدّم في أيّ مجالات وفي أية اتجاهات. وقد كانت لنا تجربة عدم استعارة المفاهيم في مواطن أخرى من الثورة. لم نستخدم مثلاً كلمة إمبريالية واستخدمنا كلمة استكبار. قد تكون هناك بعض الجوانب في معنى الإمبريالية لا نوافقها ولا نقصدها، وتأكيدنا ليس على تلك

 

 

723


611

خطاب الولي 2010

الجوانب وإنما على المعنى المستحصل من كلمة الاستكبار. لذلك طرحنا هذه الكلمة وتكرست في الثورة، والعالم اليوم يفهم قصدنا منها، وكذا الحال بالنسبة لمفاهيم أخرى.

 

مفهوم التقدم مفهوم واضح بالنسبة لنا. إننا نستخدم كلمة التقدم ونعرفها ونقول ما هو مرادنا من التقدم. وبخصوص إيرانية النموذج، فضلاً عمّا قاله الأصدقاء حيث هناك تأثير للظروف التاريخية والجغرافية والثقافية والإقليمية والجيوسياسية في تكوين هذا النموذج - وهذا شيء صائب في محله بلا شك - تُطرَح أيضاً قضية أن مصمّميه هم المفكرون الإيرانيون، وهذا وجه مناسب جداً لعنوان "الإيراني"، بمعنى أننا لا نروم أخذ هذا النموذج من الآخرين، إنما نتوخّى تكوين ما نراه لازماً لنا، وما نجد فيه مصلحة لبلادنا، وما نرسم على أساسه صورة مستقبلنا.

 

إذن، هذا النموذج إيراني، ومن ناحية أخرى فهو نموذج إسلامي، ذلك أن غاياته وأهدافه وقيمه وأساليب العمل فيه مستقاة كلها من الإسلام. أي إن اعتمادنا قائم على المفاهيم والمعارف الإسلامية. نحن مجتمع إسلامي وحكومة إسلامية، وفخرنا هو في أن نستطيع الاستفادة من المصادر الإسلامية، ولحسن الحظ فإن المصادر الإسلامية متوفرة بين أيدينا، فهناك القرآن وهناك السنّة وهناك المفاهيم الثرّة والممتازة جداً الموجودة في فلسفتنا وكلامنا وفقهنا وحقوقنا.

 

وعلى ذلك فإن صفة «الإسلامي» هذه تأتي من هذا الباب ولهذه المناسبة. وإذن، فـ "الإسلامي" هو لهذه المناسبة. والنموذج هو الخارطة الشاملة. حينما نقول النموذج الإيراني - الإسلامي فمعنى هذا الخارطة الشاملة.

 

من دون الخارطة الشاملة سوف نصاب بالحيرة والاضطراب، وقد كنا طوال هذه الأعوام الثلاثين نعاني من تحركات غير هادفة وارتدادية فنذهب ذات اليمين وذات الشمال وربما قمنا أحياناً بشيء ثم قمنا بنقيضه - سواء في مجال الثقافة أو في مجال الاقتصاد أو في المجالات المتنوعة الأخرى - والسبب في ذلك عدم وجود خارطة شاملة. وهذا النموذج هو الخارطة الشاملة التي تقول لنا إلى أي اتجاه يجب أن نسير وما الهدف الذي يجب أن نتجه نحوه. وبالطبع كما قال الأعزاء ينبغي رسم صورة الوضع المنشود، كما يجب إيضاح كيف ينبغي الوصول من الوضع القائم إلى ذلك الوضع

 

724


612

خطاب الولي 2010

المنشود. وسوف يُطرح الكثير من الأسئلة يقيناً، ولا بد من معرفة هذه الأسئلة، وقد قال أحد السادة هنا ثمة أربعة آلاف سؤال، وهذا جيد جداً. يجب معرفة هذه الأسئلة والعلم بها، ولا بد من تكوين مثل هذه الحركة بين نخبنا، وطرح الأسئلة والإجابة عنها وهي حركة وعملية طويلة الأمد.

 

طبعاً حين نقول الإيراني أو الإسلامي لا نقصد عدم الاستفادة مطلقاً من مكتسبات الآخرين، لا، لا نضع لأنفسنا أية قيود لاكتساب العلم.

 

أينما كان العلم والمعرفة الصحيحة والتجارب الصحيحة فسوف نتوجه نحوها، ولكننا لن نأخذ الأشياء بأعين مغلقة عمياء. سوف نستفيد من كل ما هو موجود في عالم المعرفة ويمكن الاستفادة منه.

 

ثمة أسئلة تُطرح وقد طُرحت بعض الأسئلة هنا وأجيب عنها، ولا أكررها، وطُرحت آراء جيدة ولا حاجة إطلاقاً لأن أكررها. طبعاً كنت قد اطلعت سابقاً على مجموعة الأعمال التي أُنجزت واستمعت لها الآن ثانية بدقة، وقد طرحت هنا آراء جيدة جداً. بعضهم يسأل ما هي مناسبة هذا المقطع الزمني؟ بعد أن يوافقوا ضرورة المشروع وأصله يسألون لماذا لم يجر هذا الأمر في السابق؟ أو ما هي الضرورة للقيام بهذا العمل في الوقت الحاضر؟ الواقع أنه لم يقع فاصل زمني كبير.

 

ليست فترة ثلاثين عاماً بالمدة الطويلة لهذه العملية المراد منها تدوين مثل هذا النموذج. التجارب تتراكم والمعارف تتظافر والأوضاع والأحوال السياسية تفرض مقتضياتها ثم نصل إلى محطات كانت مجهولة وتصبح معلومة إن شاء الله. أعتقد أن إمكانية البلد في هذه المرحلة إمكانية مناسبة.

 

قيل طبعاً إننا لا نمتلك القدرات الفكرية لتدوين مثل هذا النموذج، وهذا ما لا يمكن قبوله، إذ إن إمكانيات البلاد إمكانيات كبيرة. وفي حدود علمي فإن الإمكانيات التي انتقلت من حالة الكمون إلى الفعل والظهور إمكانيات يمكن أن نصفها بأنها جيدة جداً، سواء على مستوى الجامعات أو على مستوى الحوزة العلمية في قم أو بعض الحوزات الأخرى. أضف إلى ذلك وجود مواهب وإمكانيات يمكن تفعيلها وعرضها عن طريق المطالبة.

 

725


613

خطاب الولي 2010

إذا لم نبدأ هذا المشروع اليوم ولم نتابعه فسوف نتأخر بلا شك وسوف نخسر، لذلك يجب أن تتقدم هذه الحركة التي تم تصميمها والتخطيط لها بهذا النحو.

 

ما أضيفه هنا هو أن مجالات هذا التقدم يجب أن يتم تشخيصها عموماً. هناك أربعة مجالات أساس، منها المجال الحياتي الذي يشمل العدالة والأمن والحكومة والرفاه وما إلى ذلك.

 

والمجال الأهم هو المجال الفكري. يجب أن نأخذ المجتمع نحو أن يكون مجتمعاً مفكراً وهذا درس من دروس القرآن.

 

لاحظوا كم ترد في القرآن الكريم عبارات ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ و ﴿لِّقَوۡم يَعۡقِلُونَ﴾ و﴿أَفَلَا يَعۡقِلُونَ﴾ و ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ﴾. علينا جعل تفجّر الأفكار والتفكير في مجتمعنا حقيقة واضحة جلية.

 

وهذا ما يبدأ طبعاً من جماعة النخبة ثم ينحدر نحو عموم الناس. ولهذا بطبيعة الحال استراتيجياته ولوازمه وأدواته وشروطه التربوية والتعليمية التي ينبغي أخذها جميعاً بعين الاعتبار في عمليات التخطيط والبرمجة.

 

المجال الثاني الذي تعدّ أهميته أقل من أهمية المجال الأول هو مجال العلم. يجب أن نتقدم في العلوم. وطبعاً العلم نفسه ثمرة التفكير. وفي هذه المرحلة الحالية والحركة باتجاه التطور والتقدم الفكري يجب أن لا يكون هناك أي تقصير أو تقاعس أو تكاسل.

 

لحسن الحظ فقد بدأت هذه الحركة في البلاد منذ عدة سنوات، وبدأ العمل باتجاه الإبداع العلمي والاستقلال العلمي. العلم من طبيعته أن يفصح عن نفسه مباشرة على شكل تقنيات. وفي حالات كثيرة فإن حصيلة الحركة العلمية ليست طويلة الأمد كهذه المسألة التي نناقشها الآن، إنما هي أقرب زمنياً وثمارها أدنى.

 

يجب القيام بالأعمال والمشاريع العلمية بنحو عميق وأساس. هذا أيضاً مجال من مجالات التقدم.

 

المجال الثالث مجال الحياة الذي سبق أن أشرت إليه، وتندرج فيه جميع الأشياء المطروحة في حياة المجتمع كقضايا أساس وخطوط أساس من قبيل الأمن والعدالة والرفاه والاستقلال والعزة الوطنية والحرية والتعاون والدولة.. هذه كلها أرضيات

 

726


614

خطاب الولي 2010

للتقدم يجب متابعتها والخوض فيها.

 

والمجال الرابع - وهو الأهم من كل هذه الأمور ويعدّ بمثابة الروح لكل هذه الأمور - هو التقدم في المجال المعنوي.

 

يجب أن ننظم هذا النموذج بحيث تكون نتيجته تقدم مجتمعنا الإيراني نحو مزيد من المعنوية. وهذا طبعاً أمر واضح بالنسبة لنا في موضعه.

 

وقد يكون واضحاً بالنسبة لكثير من الحضور المحترمين، ولكن يجب أن يتضح للجميع أن المعنوية لا تتعارض إطلاقاً لا مع العلم ولا مع السياسة ولا مع الحرية ولا مع الأمور الأخرى، إنما المعنوية هي روح كل هذه الأمور.

 

يمكن بالمعنوية الوصول إلى قمم العلم وفتحها، بمعنى أن تكون هناك معنوية وقيم روحية ويكون هناك إلى جانبها تقدم علمي. وحينئذ سيكون العالم عالماً إنسانياً، سيكون عالماً جديراً بحياة الإنسان. والعالم اليوم هو عالم الغابة.

 

العالم الذي يترافق فيه العلم مع المعنوية وتترافق فيه الحضارة مع المعنوية وتترافق فيه الثروة مع المعنوية سوف يكون عالماً إنسانياً.

 

طبعاً النموذج الكامل لهذا العالم سوف يتحقق في فترة ظهور الإمام بقية الله عجل الله تعالى فرجه الشريف ومن هناك سوف يبدأ العالم.

 

إننا نتحرك الآن في مقدمات العالم الإنساني. نحن أشبه بشخص يسير في منعطفات الجبال والتلال والطرق الصعبة حتى يصل إلى الطريق الأصلي. وحينما نصل إلى الطريق الأصلي عندئذ تبدأ الحركة نحو الأهداف السامية. والإنسانية طوال حركتها ومسيرتها التي استمرت لعدة آلاف من السنين إنما تجتاز هذه المنعطفات وصولاً إلى الطريق الأصلي.

 

وحينما تصل إلى الطريق الأصلي - وهو ما سيقع في زمن ظهور الإمام بقية الله عجل الله تعالى فرجه الشريف - عندئذ تبدأ مسيرة الإنسان الأصلية وحركته السريعة الناجحة الخالية من العنت والمشقة، وستكون المشقة مجرد مشقة السير في هذا الطريق ولن تكون هناك ثمة حيرة.

 

على كل حال، هذه هي المجالات الأربعة للتقدم التي يجب أن نتقدم فيها على

 

727


615

خطاب الولي 2010

أساس النموذج الذي سوف تتابعونه إن شاء الله، وأسلوب المتابعة بدوره واضح لدينا على نحو الإجمال وبحدود معينة وسوف نذكره.

 

بخصوص المحتوى الإسلامي كان للأعزاء إشارات جيدة جداً. المسألة الأولى التي يجب أن تؤخذ بنظر الاعتبار هي مسألة المبدأ أو مسألة التوحيد. ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ﴾[1].

 

المشكلة الأهم في العالم الراهن -العالم الذي يتجلى بأكثر بهرجة ممكنة في الغرب-هي البعد عن الله وعدم الإيمان به وعدم الالتزام بهذا الإيمان. طبعاً قد يكون هناك اعتقاد ظاهري وصُوَري وما إلى ذلك، ولكن ليس ثمة التزام بهذا الاعتقاد. إذا تم حل مسألة المبدأ فسوف يُحلّ الكثير من المسائل الأخرى ﴿يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ﴾[2]. ﴿وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾[3].

 

حينما يعتقد الإنسان بهذه الأمور فإن هذه العزة الإلهية وهذا التوحيد الذي يعرض علينا هذا المعنى سوف يوفر للإنسان طاقة عظيمة لا نهاية لها ﴿هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ﴾[4]. حينما يؤمن الإنسان بمثل هذا التوحيد وعندما نستطيع بسط ونشر مثل هذا الاعتقاد في حياتنا فسوف يتم علاج مشكلات البشرية الأساس.

 

القضية الأساس الثانية هي قضية المعاد والحساب وعدم انتهاء المطاف والأمور بزوال الجسم عند الموت. إنها لقضية على جانب كبير من الأهمية أنّ هناك حساباً وكتاباً ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾[5]. الشعب الذي يعتقد بهذا ويكون هذا المعنى في برامجه العملية: ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾[6]. سوف يحدث تحول أساس في حياته. والاعتقاد بامتداد نتائج العمل يضفي

 

 


[1] سورة البقرة، الآية 156.

[2] سورة الحشر، الآية 24.

[3] سورة الفتح، الآية 7.

[4] سورة الحشر، الآية 23.

[5] سورة الزلزلة، الآية 7.

[6] سورة الزلزلة، الآيتان 7 و8.

 

 

728


616

خطاب الولي 2010

المعنى على الإيثار والجهاد ويجعلهما أمرين منطقيين. ومن الأدوات المهمة للأديان - والموجودة في الإسلام بوضوح - قضية الجهاد، والجهاد يجب أن يكون مصحوباً بالإيثار، وإلا لم يكن جهاداً. معنى الجهاد هو التجاوز عن الذات وغضّ الطرف عنها. غضّ الطرف عن الذات شيء غير منطقي حسب منطق العقل الذرائعي. فلماذا أغض الطرف عن ذاتي؟ إنه الإيمان بالمعاد الذي يجعل هذا الأمر منطقياً وعقلانياً. حينما نؤمن أنه ما من عمل سوف يذهب سدى بل ستُحفظ جميع الأعمال وسوف نراها في حياتنا الحقيقية الآخرة ﴿وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ لَهِيَ ٱلۡحَيَوَانُۚ﴾[1] عندها لو خسرنا هنا شيئاً في سبيل أداء التكليف والواجب فلن نشعر بالخسارة حتى لو كان ذلك الشيء هو أرواحنا أو أحباؤنا وأبناؤنا. يجب أن تُدرج هذه الأمور ضمن نموذج التطور وتكتسب معناها في تقدم المجتمع. إذن، فالمسألة الأصلية هي مسألة التوحيد والمعاد.

 

ثم هناك مسألة عدم الفصل بين الدنيا والآخرة: "الدنيا مزرعة الآخرة"[2]، وأخال أن بعض الأعزاء قد أشاروا لذلك، وهي مسألة مهمة جداً. فالدنيا غير منفصلة عن الآخرة. والآخرة هي الوجه الآخر لعملة الدنيا. ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ﴾[3]. الكافر في الجحيم منذ الآن، لكنه جحيم لا يدركه الكافر ولا يشعر به. وبعد ذلك حينما يتجسد الأمر سيفهم. والكافر الآن ذئب لكنه لا يشعر أنه ذئب، ونحن ذوي الأبصار المقفلة أيضاً لا نراه ذئباً، ولكن حين نستيقظ من نومنا سنرى أنه ذئب. إذن هناك ترابط بين الدنيا والآخرة بهذا المعنى. يجب أن لا نتصور أن الدنيا تشبه أوراق اليانصيب، لا، إنما الآخرة هي الوجه الآخر لهذه الدنيا، والوجه الآخر لهذه العملة.

 

المسألة الأخرى هي مسألة الإنسان، ونظرة الإسلام للإنسان، ومحورية الإنسان. لهذا الموضوع في الإسلام معنى واسع جداً. واضح أن الإنسان في الإسلام والإنسان في الفلسفات المادية الغربية والوضعية في القرن التاسع عشر وما بعد ذلك مختلفان أشد الاختلاف. فهذا إنسان وذاك إنسان آخر، بل إن تعريف هذين الإنسانين ليس واحداً.

 


[1] سورة العنكبوت، الآية 64.

[2] ابن أبي جمهور الإحسائيّ، عوالي اللئالي، مصدر سابق، ج‏1، ص267.

[3] سورة التوبة، الآية 49.

 

 

729


617

خطاب الولي 2010

ومن هنا فإن محورية الإنسان في الإسلام تختلف تماماً عن محورية الإنسان في تلك المدارس المادية. الإنسان محور، وكل هذه القضايا التي نبحثها من قبيل قضية العدالة وقضية الأمن وقضية الرفاه وقضية العبادة هي من أجل سعادة الإنسان. مسألة السعادة ومسألة العقبى تتعلق هنا بالفرد، لا بمعنى أن يغفل الفرد عن حال الآخرين ولا يعمل لهم، لا، ﴿وَمَنۡ أَحۡيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحۡيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعاً﴾[1].

 

جاء في الرواية أنهم سألوا الإمام عليه السلام عن معنى هذه العبارة فقال إن تأويلها الأعظم هو أن تهدي أحد الناس، وواضح أن الهداية من واجب الجميع، لكن الأمر المطروح من قبل الإسلام للإنسان والذي يعدّ الأمر الأهم هو نجاة الإنسان نفسه. علينا إنقاذ أنفسنا وتخليصها. ونجاتنا هي في أن نعمل بواجباتنا وعندئذ سيكون العمل بالواجبات الاجتماعية وتكريس العدالة وتأسيس حكومة الحق ومكافحة الظلم والفساد من مقدمات تلك النجاة. إذن هذا هو الأصل وكل شيء مقدمة والمجتمع الإسلامي أيضاً مقدمة والعدالة أيضاً مقدمة. حين يقول القرآن الكريم: ﴿لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلۡقِسۡطِۖ﴾[2]، ويذكر ذلك باعتباره هدف الأنبياء - ولا شك أن العدل هدف، لكنه هدف وسيط والهدف النهائي عبارة عن فلاح الإنسان..

 

هذا ما ينبغي التنبه له، فالإنسان مخلوق مكلف ومختار وموضوع للهداية الإلهية - ﴿أَلَمۡ نَجۡعَل لَّهُۥ عَيۡنَيۡنِ ٨ وَلِسَانًا وَشَفَتَيۡنِ * وَهَدَيۡنَٰهُ ٱلنَّجۡدَيۡنِ﴾[3]. وبوسع الإنسان أن يختار الهداية وبمقدوره أن يختار الضلالة، فالإنسان مخلوق ملتزم أمام نفسه وأمام مجتمعه وأهله. وحسب هذه النظرة ستكون الديمقراطية علاوة على كونها حقاً من حقوق الجماهير، واجباً من واجباتهم، بمعنى أن جميع الناس مسؤولون بخصوص مسألة الحكم في المجتمع، ولا يمكن القول إن هذه المسألة لا تتعلق بي، لا، صلاح البلاد وفسادها ونظام الحكم أمور ترتبط بكل الأفراد، أي إن الإنسان ملتزم حيالها. هذا أيضاً من العناصر الأصلية التي ينبغي ملاحظتها في الرؤية الإسلامية ومراعاتها في هذا النموذج.

 


[1] سورة المائدة، الآية 32.

[2] سورة الحديد، الآية 25.

[3] سورة البلد، الآيات 8 - 10.

 

730


618

خطاب الولي 2010

المسألة الأخرى هي مسألة الدولة ونظام الحكم، فللإسلام في هذا الباب أيضاً نظرياته وآراؤه الخاصة. الأهلية الفردية في أمر الدولة في الإسلام قضية أساس وعلى جانب كبير من الأهمية. كل من يريد تولي جزء من الإدارة يجب أن يوفر لذلك الأهلية في نفسه أو يجد الأهلية في نفسه، ومن دون ذلك يكون قد ارتكب عملاً غير شرعي. عدم العلو وعدم الإسراف وعدم الاستئثار قضايا مهمة في أمر الحكم. يقول الله تعالى حول فرعون: ﴿كَانَ عَالِيًا مِّنَ ٱلۡمُسۡرِفِينَ﴾[1].

 

أي إن خطيئة فرعون هي أنه كان عالياً. وبهذا فالعلو والاستعلاء بالنسبة للحاكم صفة سلبية وليس من حقه أن يستعلي، ولا من حقه إذا كان من أهل العلو أن يتقبل السلطة، ولا من حق الناس أن يتقبلونه باعتباره حاكماً وإماماً للمجتمع. والاستئثار معناه أن يريد الإنسان كل شيء لنفسه، وهو في مقابل الإيثار. والإيثار معناه تقديم كل شيء لصالح الآخرين والاستئثار معناه أخذ كل شيء من الآخرين لصالح الذات. العلو والاستعلاء والاستئثار من الصفات السلبية للحاكم. يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة حول بني أمية: «اتخذوا دين الله دخلًا وعباد الله خولًا ومال الله دولًا"[2]. فالسبب في عدم صلاحيتهم للحكم هو هذه الصفات فيهم، "اتخذوا مال الله دولاً"، أي إنهم يتداولون الأموال العامة فيما بينهم، "وعباد الله خولاً"، ويعتبرون الناس كالعبيد لهم ويستخدمونهم كالخدم، "ودين الله دخلاً بينهم" ويتلاعبون بدين الله كيفما حلا لهم. وعلى ذلك فللإسلام رأيه في نظام الحكم، وهذا ما يجب أخذه بنظر الاعتبار في نموذج حياتنا على المدى البعيد.

 

وبخصوص المسألة الاقتصادية قدّم السادة بحوثاً جيدة. ﴿كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ﴾[3] معيار مهم. قضية العدالة مهمة جداً. لا بد أن تكون العدالة

 


[1] سورة الدخان، الآية 31.

[2] راجع: السيّد الرضيّ، نهج البلاغة، مصدر سابق، ص452. الطوسي، الشيخ محمّد بن الحسن، اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، تصحيح وتعليق مير داماد الأسترابادي، تحقيق السيّد مهدي الرجائي، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، لا.م، 1404، لا.ط، ص103.

[3] سورة الحشر، الآية 7.

 

731


619

خطاب الولي 2010

من الأركان الأصلية في هذا النموذج. بل إن العدالة هي معيار الحق والباطل في الحكومات والدول. بمعنى إذا لم يوجد معيار العدالة كانت الحقيّة والشرعية موضع نقاش وتشكيك من وجهة نظر الإسلام.

 

المسألة الأخرى هي النظرة غير المادية للاقتصاد. الكثير من هذه المشكلات التي ظهرت في العالم إنما هي بسبب النظرة المادية للمسألة الاقتصادية ومسألة المال والثروة. كل هذه الأمور التي ذكرها الأعزاء حول انحرافات الغرب والمشكلات العديدة وحالات الاستثمار والاستعمار وما إلى ذلك بسبب النظرة المادية للمال والثروة. يمكن تصحيح هذه النظرة. فالإسلام يهتم بالثروة ويقيم اعتباراً لها. وإنتاج الثروة في الإسلام عملية محبذة، ولكن بنظرة إلهية ومعنوية. والنظرة الإلهية والمعنوية هي أن لا تُستخدم هذه الثروة للفساد والهيمنة والإسراف وإنما تُستخذم لصالح المجتمع.. وغير ذلك من المسائل العديدة الموجودة.

 

المواضيع والنقاشات هنا كثيرة، ولا أريد إطالة الكلام، فقد انقضى الوقت ولا ضرورة لطرح هذه النقاشات في هذه الجلسة. وستكون لنا أوقات كثيرة إن شاء الله لمثل هذه النقاشات إذا كُتبت لنا أعمار.

 

قلنا إن هذه بداية طريق.. أي إن جلستنا الليلة هي بداية، ويجب أن يتواصل هذا السياق. قد يكون من الضروري عقد عشرة أو عشرات الاجتماعات والملتقيات حول قضية النموذج الإسلامي - الإيراني للتقدم. وقد يكون من الضروري عقد عشرات الحلقات العلمية في مختلف الجامعات لأجل ذلك.

 

قد يكون المئات من المثقفين والواعين والنخبة والعلماء في إيران الذين يفضلون العمل الفردي وليسوا من أهل العمل الجماعي، قد يكونون مستعدين للدراسة في بيوتهم ويجب الاستفادة من هؤلاء. يجب تشكيل حلقات فكرية، ولا بد من انهماك الجامعات والحوزات في هذه المسألة لنستطيع إن شاء الله الوصول بهذا المشروع إلى محطته المنشودة.

 

طبعاً التقرير الذي قدمه السيد داودي كان جيداً جداً، ولم أكن عديم الإطّلاع بالمرة على الأمور التي ذكرها، لكننا لم نكن مطّلعين على هذه التفاصيل. هذه حالة

 

 

732


620

خطاب الولي 2010

جيدة جداً ولا تنافي بين الأمرين. هذه العملية ليست عملية جماعة خاصة ومحدودة إنما هي عملية يجب أن تشترك فيها جميع إمكانيات النخبة في البلاد. وكما قلنا فهي ليست من المشاريع قصيرة الأمد والتي تؤتي نتائجها بسرعة بل هي عملية طويلة الأمد يجب أن تتم، ونحن لسنا في عجلة، بل سوف نتحرك ونسير إلى الأمام، وهي ليست من تلك الأمور التي تستطيع الحكومات أو المجالس المصادقة عليها، وإنما هي كما ذكرنا فوق كل الوثائق المهمة والفاعلة في البلاد، ويجب أن تقطع مراحل عديدة وتصل إلى قوامها اللازم. يجب تنضيج هذه الأفكار تماماً لتصل إلى مرحلة أساس.

 

ولا بد من وجود مركز لهذه المهمة يتابعها ويرصدها، وسوف نؤسس هذا المركز إن شاء الله. يجب أن يكون هناك مركز من دون أن يحتكر لنفسه هذه الحركة، وسوف لن نتوقع من ذلك المركز أن يقوم هو بهذه المهمة، بل نتوقع منه أن يشرف على هذه الحركة العظيمة التي يقوم بها النخبة في البلاد، ويتابعها ويرصد أخبارها، ويساعد النخبة في مهمتهم ويدعمهم بمختلف الوسائل والأساليب، بحيث لا تتوقف هذه الحركة. طبعاً قلنا إنه لا بد من مركز أو لجنة، وسوف يصار إلى تأسيس هذا المركز إن شاء الله. وعليه، فإن عملنا معكم لن ينتهي الليلة، أي إن هذه المسألة ليست مسألة تبدأ في هذه الجلسة وتنتهي في هذه الجلسة، بل سوف تستمر إن شاء الله. وطبعاً ستكون هناك مجاميع متعددة، فهناك الكثير من الأفراد والشخصيات. وكما أوصى السيد واعظ زاده وطلب، أطلبُ أنا أيضاً من السادة الذين لديهم آراء وكانوا يريدون طرحها أن يقدموا آراءهم هذه. والطروحات التي ذُكرت هنا بعضها مما يجب أن يفكر فيه الإنسان، أي يجب تشكيل حلقات فكرية تبحث في هذه الآراء وتناقشها وتدافع عنها أو تسجل مؤاخذاتها وإشكالاتها عليها وتأخذ وتردّ وتناقش كما عند طلبة العلوم الدينية حين يقولون: إن قلتَ قلتُ، لنصل إلى نتائج جيدة إن شاء الله.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

733


621

خطاب الولي 2010

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله

في لقاء أهالي كيلان

 

 

 

المناسبة:   الذكرى السنوية للملحمة الشعبية إثر الفتنة التي أثيرت في 9 دي 1388ش.

الحضور:  حشود غفيرة من أهالي كيلان

المكان:   طهران

 

الزمان:    08/10/1389هـ.ش.

23/01/1432هـ.ق.

92/21/0102م.

 

 

735


622

خطاب الولي 2010

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

مرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات الأعزاء الشرائح المختلفة من أهالي كيلان الأعزاء الأودّاء. أرحب بكم جميعاً خصوصاً بعوائل الشهداء والمقاتلين المحترمة والشباب الطيب.

 

بذلتم همّة وحضرتم بجمعكم الكبير هذا من كيلان ومن مدينة رشت إلى هذه الجلسة. لقد شهدنا الهمّة من أهالي كيلان في مناسبات عديدة على مرّ التاريخ، سواء التاريخ الماضي والبعيد أو التاريخ المعاصر.

 

أعتقد أن أعظم ما قام به أهالي كيلان هو أنهم على الرغم من الدعايات الكلامية العميلة للنظام الطاغوتي الرامية لتبديد وإفساد عقيدة الناس في تلك المنطقة على امتداد سنوات طويلة، فقد بلغ أهالي تلك المنطقة بالإيمان والإخلاص والحضور في الساحة والجهاد درجة أضحوا معها من المحافظات المميزة في البلاد، هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. الأجهزة الضارة والمفسدة لنظام الطاغوت حاولت بكل عناصرها جرّ الناس إلى الفساد وإفساد الأجواء لكن الناس حافظوا على دينهم وإيمانهم وعقيدتهم وعزيمتهم وعارضوها في مواطن الضرورة. من جهة كانت هناك أجهزة الطاغوت، ومن جهة كانت هناك عناصر وعملاء الزمر الملحدة والمعادية للدين.

 

في بدايات الثورة زرت مدينة رشت ودار بي الشهيد عضدي حول الساحة الكبيرة في المدينة. كانت العناصر ـ المؤيدة للنظام ـ المتنوعة قد ملأت الأجواء بلوحاتها وشعاراتها وسيطرت على الجامعة وتصوروا أن كيلان لهم.

 

لكن أهالي كيلان المؤمنين ـ هؤلاء الشباب المؤمنين الثوريين ـ نزلوا إلى الساحة من دون أية مساعدة من أية أجهزة أو مؤسسات ورفعوا راية الإسلام والتوحيد والثورة هناك، وطردوا كل تلك الزمر من الساحة. هذا هو إيمان الناس.

 

 

737


623

خطاب الولي 2010

صحيح أن رمز شجاعة أهالي كيلان وجهادهم هو الشهيد الجليل الميرزا كوچك جنكلي الذي ثار خلال فترة غربة من أجل الإسلام والقرآن وإقامة الدين ومجابهة الأجانب والمعتدين، وذكراه يجب أن لا تنسى أبداً، ولكن خلال فترة الثورة الإسلامية لم يكونوا قلائل أولئك الذين استطاعوا تقديم رموز ونماذج متنوعة في مختلف المجالات في كيلان.

 

لواء القدس من كيلان والتعبويون من كيلان وهؤلاء الشباب المؤمن والطلبة والمفكرون من كيلان والجامعيون الكيلانيون والعلماء الأجلاء مارسوا خلال العهود المختلفة أدواراً مميزة، ولهذه الحالة مؤشراتها وخطوطها المتعددة، وإذا أراد الإنسان فهرسة هذه المؤشرات - سواء تلك التي كانت خلال فترة الدفاع المقدس أو في فترة مجابهة أعداء الثورة أو في فترة ما بعد الحرب – لكان الفهرس طويلاً. ولكن هناك مؤشر وعلامة واضحة وبارزة في قضية التاسع من دي حيث نزل الشعب الإيراني ككتلة واحدة وبصورة تلقائية عفوية إلى الساحة، وكانت رشت من المدن القليلة في البلاد التي نزل أهاليها إلى الساحة قبل يوم من ذلك التاريخ.

 

في يوم الثامن من دي - والذي يصادف مثل هذا اليوم - أبدى أهالي كيلان هذا الوعي وهذه البصيرة وهذه العزيمة وهذا الشعور بالحاجة للحضور في الساحة قبل الآخرين. هذا ما ينبغي الحفاظ عليه.

 

الأرصدة الرئيسة للشعب هي هذه الأمور الدالة على البصيرة والعزيمة واليقظة والوعي. هذا ما ينبغي الحفاظ عليه.

 

لاحظوا يا إخوتي وأخواتي ويا أعزائي، تعرض شعبنا للضغوط سنين طوالاً من ناحية على يد الحكام الفاسدين الذين تسلطوا على البلاد، ومن ناحية أخرى على يد القوى المستكبرة التي تروم الهيمنة على العالم، وفرضوا علينا التأخر. إننا من حيث التراث التاريخي والعلمي لسنا شعباً نقف في آخر الجدول إذا عدّ العلماء والمفكرون والمفاخر والإبداعات العلمية، بل يجب أن نكون في أول الجدول.

 

هذه هي سوابقنا وهذه هي مواهبنا. الذين تسببوا في تأخر إيران الكبيرة المتحضرة المتحلية بالروح الإسلامية في ساحات العلم والتقدم المادي والمعنوي إنما مارسوا الخيانة

 

 

738


624

خطاب الولي 2010

خلال فترات طويلة ضد هذا الشعب وجنوا عليه، وجاءت الثورة لتقصّر أيديهم.

 

علينا طي هذا الطريق، وعلينا بذل الهمم وتغيير العلاقات الخاطئة المفضية إلى تخلف الشعوب ومنها شعبنا. وعلينا تعويض حالات التخلف الماضية. وكل هذا بحاجة إلى الهمّة والعزم والأمل. إذا فقد الشعب أمله بالمستقبل أو ضعفت همّته في فتح الطرق والدروب والتقدم نحو الأهداف فسوف يتأخر ولن يتقدم، وسوف يتسلط عليه المهيمنون العالميون وسوف يخسر عزته.

 

الشعب الإيراني بحاجة إلى الحفاظ على هذه الهمّة في عمله بصورة مستمرة، ولا بد له من المحافظة على هذه العزيمة والإرادة ومضاعفة هذا الأمل يوماً بعد يوم. وهذه حالة متوفرة في بلادنا.

 

الحمد لله هذه الأحوال متوفرة في شعبنا وقد أثبت ذلك وأبداه. لذلك تقدّمنا في هذه الأعوام الثلاثين أكثر بكثير ممّا يستطيع شعب أن يفعله خلال ثلاثين سنة. وهذا ما يعترف به حتى أعداؤنا. وشعاراتنا شعارات عالمية وشعارات للإنسانية. شعاراتنا تتعلق بقطع يد المستكبرين عن بلادنا وشعبنا بالكامل. والمستكبرون لا يطيقون هذا. لذلك يتآمرون.

 

فتنة العام الماضي كانت تجلياً وظهوراً لمؤامرات الأعداء.. كانت فتنة.. الفتنة معناها أن يطرح بعض الناس شعارات حق بمحتوى ومضمون باطل مئة بالمئة من أجل خداع الناس. لكنهم أخفقوا. الغاية من إيجاد الفتنة هو تضليل الناس.

 

لاحظوا أن شعبنا هو الذي نهض بنفسه لمواجهة الفتنة. التاسع من دي وجّه صفعة قوية لمثيري الفتن في كل أنحاء البلاد.

 

هذا ما فعله أبناء الشعب أنفسهم. كان هذا التحرك - كما قال الخطباء والشخصيات البارزة والجميع مراراً - تحركاً تلقائياً ولهذا الأمر معناه ومغزاه العميق. وهو دليل على أن هذا الشعب يقظ وواعٍ وعلى أعدائنا تلقّي هذه الرسالة. الذين يتصورون أن بمقدورهم الفصل بين النظام والشعب ليروا وليفهموا أن هذا النظام هو نظام الشعب نفسه وهو ملك للشعب. وميزة نظامنا هي أنه ملك للشعب. الذين يحافظون بكل كيانهم على نظام الجمهورية الإسلامية وعلى الإسلام وعلى هذه الراية المرفوعة في هذا

 

 

739


625

خطاب الولي 2010

البلد هم بالدرجة الأولى أبناء الشعب أنفسهم. ليفهم أعداؤنا هذا.

 

زعماء الدول المستكبرة - وعلى رأسها أمريكا - يصرحون ضد شعبنا ويتآمرون ضده ويرفعون الشعارات أحياناً ويطلقون تصريحات كاذبة مزوَّرة في بعض الأحيان ويطلقون أحياناً تصريحات عدوانية علنية، وأحياناً يطلقونها بنحو مغلف مبطن، كل هذا بسبب أنهم يفتقرون لتحليل صائب لقضايا إيران ولمعرفة صحيحة بالشعب الإيراني. شعبنا شعب يقظ وواعٍ.

 

أريد أن أوصي وأؤكد أنّ على الشعب الحفاظ على هذه الهمم. طرحنا في هذا العام شعار الهمّة المضاعفة، ولحسن الحظ تُلاحَظ مؤشرات الهمّة المضاعفة في شتى الأعمال في كافة أنحاء البلاد.

 

يقوم مسؤولو البلاد والشخصيات الكبيرة والمدراء رفيعو المستوى في مختلف القطاعات بأعمال جيدة.

 

حسناً، هذه الهمّة المضاعفة حالة ضرورية، لكنها ليست لهذا العام وحسب. يجب أن تتوفر الهمّة المضاعفة بشكل مستمر. وعلى شعبنا العزيز أن يسير ويتحرك ويفتح القمم بحيث ييأس الأعداء تمام اليأس من الاستيلاء على مصير هذا الشعب. يجب فرض اليأس على العدو. وحينما ييأس العدو فسوف يتخلص الشعب من شروره. والذنب الكبير الذي يرتكبه بعض مثيري الفتن في البلاد هو بث الأمل في نفوس الأعداء. يبثون الأمل في نفوس الأعداء ليتغلغلوا بين أبناء الشعب ويفتحوا طريقهم بين العناصر المختلفة وبين مسؤولي النظام.

 

وقد اكتسب العدو الأمل في العام الماضي بأعمال هؤلاء. والحال أن تلك الانتخابات العظيمة وتلك المشاركة الهائلة للشعب في الانتخابات كان بوسعها التقدم بالأمور إلى الأمام كثيراً وتحقيق النجاح للشعب الإيراني في الكثير من الميادين السياسية. لكن هؤلاء أشعلوا الفتنة، لذلك عاود الأملُ الأعداء الذين كان قد استولى عليهم اليأس بسبب التحرك الشعبي العظيم، وأمِلوا بأن يستطيعوا توجيه ضربة للثورة.

 

كان تحدياً كبيراً. العدو يدعم من ناحية ويساعد سياسياً ويذكر الأسماء - ذكر العدو أسماء مثيري الفتن - والشعب الإيراني من ناحية ثانية يحضر بمنتهى القوة في

 

 

740


626

خطاب الولي 2010

 الساحة. كما أبدى الشعب الإيراني مبادراته وإبداعاته وشجاعته وتضحياته في الحرب المفروضة طوال ثمانية أعوام، وسجّل حضوره في جميع الميادين، فقد أبدى في هذه الحرب الناعمة عن نفسه مهارة حقيقية طوال ثمانية أشهر. حينما ينظر المرء إلى الأمور ويريد دراستها من أفق بعيد فوقي تستولي عليه الحيرة، أية يد قدرة إلهية هذه التي تأخذ بقلوبنا وأرواحنا هكذا نحو أهدافها؟ إنه فعل الله والله معكم. إنه الله الذي يهديكم والله هو الذي يوجّه قلوبنا أنا وأنتم نحو الصراط المستقيم.

 

علينا تعزيز صلتنا بالله وتوثيقها. هذه هي خصوصية الحركة الإلهية. همم الناس وأعمال الناس وعزم الناس وإرادتهم وحضورهم في الميادين إلى جانب التوجّه إلى الله وإلى جانب القلوب المستعدة للتضرع.. هذه أحوال على جانب كبير من الأهمية. لنوثق ارتباطنا بالله. لا نسمح لقلوبنا بأن تميل إلى جهات تبعدنا عن طريق الله. ﴿رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ﴾[1]. هذا دعاء يعلّمنا إياه القرآن الكريم.

 

لحسن الحظ فإن شبابنا بقلوبهم الطاهرة النورانية، وحضورهم في المناسبات المختلفة يستجلبون الرحمة الإلهية. ومن نماذج استجلاب الرحمة الإلهية يوم التاسع من دي. نزلت جماهير الشعب إلى الساحة ببركة ذكر الحسين بن علي سيد الشهداء عليه السلام وبددت ما حاكه مثيرو الفتن. علينا أن نكون اليوم يقظين واعين ولا ننتقص من هممنا حتى ذرة واحدة.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 


[1] سورة آل عمران، الآية 8.

 

 

741


627
خطاب الولي (2010)